11 ème année, N°4127 du 17.10.2011
archives : www.tunisnews.net
بناء نيوز:خاص: المحامي عبد الرؤوف العيادي يرفع قضية ضد عبد السلام جراد بتهمة الفساد
كلمة:مواطنو سوسة مستاءون من الأجهزة الأمنية
كلمة:لجنة العلمانية في فرنسا تمنح جائزتها إلى شريط نادية الفاني
كلمة:اعتصام مفتوح بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالقيروان
بناء نيوز: المناضل عمر سعيداني في ذمّة الله
عبدالحميد العدّاسي:وقفة مع موت أخي عمر السعيدانيحزب العمّال الشيوعي التونسي: بـــــــــــلاغ صحفي
المصدر:من سيدير البلاد قبل عقد المجلس التأسيسي اجتماعه الأول؟
إيلاف: إنتخابات تاريخية في تونس الأحد بعد تسعة أشهر من الثورة
الشرق الأوسط: الأحزاب السياسية التونسية تعتبر العنف طريقا لإفشال الانتخابات
سويس إنفو:مع اقتراب موعد 23 أكتوبر.. مخاوف في تونس من المفاجآت غير السارة
نصرالدين السويلمي:النهضة تتقدّم في الداخل والخارج وتؤكّد: نحن الحلّ ولسنا المشكلة
د.خالد الطراولي:عتاب إلى الاخوة في حركة النهضة
أحمد الصغير:موقف القانونى الدولي لحقوق الانسان من مسألة تشويه الأديان
فتحي خزندار:المجلس التأسيسي المرتقب وضرورة الشفافية
يسرا بن ساسي:لحظةالصباح:ملف السلفيون.. من هم؟.. من يحركهم؟.. وكيف نحاورهم؟
عبد الرزاق القلسي:’اختيار الزواج’ للباحثة هادية العود البهلول
صالح النعامي:صفقة تبادل الأسرى وما خلفها
د. أحمد نوفل:سقوط القذّافي.. دروس وعبر
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
تابعواجديد أخبارتونس نيوزعلى الفايسبوك
الرابط
http://www.facebook.com/pages/Tunisnewsnet/133486966724141
تونس – بناء نيوز – عمار عبيدي رفع المحامي عبد الرؤوف العيادي ومرشح المؤتمر من أجل الجمهورية في دائرة منوبة لانتخابات المجلس التأسيسي قضية عدلية ضد الأمين العام لاتحاد الشغل عبد السلام جراد وكل من ستثبت إدانته من اتحاد الشغل وعائلة جراد في ملف أراضي شركة البعث العقاري(AFH). وصرح العيادي ان هذه الأراضي التي تقع في منطقة عين زغوان قيمتها تصل إلى المليارات من المليمات. ويتساءل العيادي عن كيفية حصول جراد وعائلته على هذه الأراضي مع العلم أنه كان عاملا عاديا بشركة نقل تونس، ومن جهة أخرى فإن محدثنا أكد تورط أطراف أخرى قد تكون من داخل شركة البعث العقارية والسبب حسب رأيه هو ضرورة توفر شهادة في عدم ملكية بالنسبة للشخص الذي يريد الحصول على هذه الأراضي فيتساءل العيادي عن كيفية حصول أمين عام الاتحاد على هذه الوثيقة. ويذكر أن مسألة الفساد طرحت عديد المرات في لقاءات أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد بالقواعد وعبرت قيادات الاتحاد عن استعدادها للمحاسبة والكشف عن حساباتها البنكية. (المصدر: موقع بناء نيوز الإلكتروني ( تونس ) بتاريخ 16 أكتوبر 2011)
عبر عدد من المواطنين في مدينة سوسة عن غضبهم من تصرف السلطات الأمنية في المدينة حيث عمدت حسب رأيهم التغطية عن عجزها في محاصرة ظاهرة التجارة بسوسة بالإعلان عن القيام بحملات إعلامية وصفوها بالحملات الممسرحة . و قال الناشط السياسي في سوسة رياض الحوار أن مواطني ولاية سوسة بدؤوا بالتعبير عن الضجر من تجارة السلاح المتنامية في عدد من مدن الولاية دون أن تبادر الأجهزة الأمنية بالتصدي لهذه التجارة التي أصبحت تمثل ظاهرة مخيفة، واعتبر إن البلاغ الذي أصدرته وزارة الداخلية أمس في خصوص الاعتقالات التي تمت في سوسة لا تعبر عن حقيقة المشاكل الأمنية و لا تتجه ال اصل الداء. و كانت السلطات الأمنية أعلنت خلال الأسبوع الماضي ضبطها لكميات من الأسلحة في عدد من مدن الولاية في منطقة المنازه و حمام سوسة كانت بحوزة ليبيين و تونسيين. فيما قال شهود عيان ان تجارة السلاح أصبحت مزدهرة في مدينة سوسة خصوصا أمام حاجة الليبيين للأموال. (المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – تونس)، بتاريخ 17 أكتوبر 2011)
منحت الجنة العلمانية الجمهورية في فرنسا جائزتها السنوية لعام 2011 للشريط التونسي “لائكيه إن شاء الله” للمخرجة نادية الفاني و الذي انطلق عرضه في القاعات التجارية الفرنسية أوائل الشهر الجاري بعد أن تم تغيير عنوانه من ” لا الله لا سيدي ” إلى ” لائكيه إن شاء الله” و قد آثار الشريط ضجة واسعة في الأوساط التونسية خاصة بعد تعرض قاعة “افريكا ارت” إلى هجوم من قبل بعض من وصفتهم الأوساط الأمنية بالمتشددين السلفيين و هو ما استدعى تدخل الأمن و الجيش لفك الاشتباك. و إثر منح اللجنة العلمانية الجمهورية في فرنسا الجائزة لنادية الفاني ظهرت ردود فعل متباينة برزت خصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي حيث اعتبر البعض أن منح السلطات الثقافية الجائزة لمهرجان ” لائكية إن شاء الله ” تدخلا في الشؤون الداخلية التونسية و انتصارا لتيار على آخر. (المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – تونس)، بتاريخ 17 أكتوبر 2011)
دخل المكتب الفيدرالي للإتحاد العام لطلبة تونس بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالقيروان اليوم الاثنين في اعتصام مفتوح للمطالبة بتنحي عميد الكلية لما اعتبروه انفرادا بالرأي في اتخاذ القرارات و لطرده التعسفي للطلبة وللعملة ولاستقباله السفير الأمريكي . كما أفادنا حاتم التليلي احد مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس أن تحركهم هذا يأتي احتجاجا على انقلاب عميد الكلية عن العديد من القرارات التي اتخذها المجلس العلمي و عدم قدرته على تسيير شؤون الكلية و حل مشاكل الطلبة ، ومطالبتهم بتجريم التطبيع على اثر زيارة السفير الأمريكي للكلية و رد الاعتبار للاتحاد العام للطلبة تونس بعد استهزاء العميد وبعض الأساتذة من منظمتهم على حد قوله. (المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – تونس)، بتاريخ 16 أكتوبر 2011)
تونس – بناء نيوز انتقل يوم الجمعة الماضي إلى جوار ربه المهندس عمر سعيداني أصيل مدينة ماطر والمقيم في سويسرا بعد صراع شديد مع مرض السرطان. عمر سعيداني هو أحد المناضلين الشرفاء المنتمين إلى حزب النهضة حيث أدين ونفي إلى بلغاريا ثم إلى سويسرا، كان من أفضل المهندسين التونسيين حيث شارك في تصميم وإنشاء الجرار التونسي “ماطر”. كان رئيس جمعية مسلمي فريبورغ في سويسرا، وكان من بين أئمة الجمعة في المنطقة المعروف بسلوكه الحسن وأخلاقه الحميدة. وستقام صلاة الجنازة اليوم في فريبورغ في سويسرا، قبل أن يرسل إلى تونس حيث سيدفن في مدينة ماطرّ، الى جانب ابنه الذي توفي في حادث وهو في العشرين من العمر. عمر سعيداني متزوج وله أربعة أطفال. تغمّد الله الفقيد برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جنانه ورزق اهله وذويه جميل الصبر والسلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون (المصدر: موقع بناء نيوز الإلكتروني ( تونس ) بتاريخ 16 أكتوبر 2011)
يوم الجمعة الرّابع عشر من أكتوبر 2011، الموافق 16 ذو القعدة 1432، استأذن ذلك الأخُ أخاه عمر السعيداني – وقد كان يزوره بالمستشفى الذي يرقد فيه في مدينة فريبورغ بسويسرا – للتغيّب عنه بعض الوقت بغية أداء صلاة الجمعة… أذِن عمرُ لأخيه دون أن يُعلمه عن نيّة سفره، إذ لعلّه ما كان بيّت نيّة!… ولمّا أقيمت الصلاة كان عمر قد حزم الأمتعة ورحل، في سفر قد نراه نحن بعيدا ونشعر بثقل أيّامه فيرهقنا الغياب، ويراه هو كما شاء له ربّه قصيرا، كما ما بين صلاتي الظهر والعصر!…
عمر بن بلحسن البوحامي، ثمّ السعيداني، طفل وسيم حييّ متواضع بسّام، يقطع ما لا يقلّ عن سبعة كلم يوميّا بين قريته “قزنّي” الواقعة ثلاثة عشر كلم شمال مدينة ماطر وقرية “برج العدواني” التي تبعد عنها أكثر من ثلاثة كلم حيث بُنيت المدرسة الوحيدة لتكون قبلةَ كلِّ أطفالِ الدفعة الأولى من أبناء الاستقلال وما يليها، فقد كانت المدرسة تستقبل أبناء قرية قزنّي وقرية سيدي سالم والطارف وبوسعيد والشريط الجبلي المتاخم، وقد خرّجت المدرسة رجالات أفذاذا صالحين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر!… عمر السعيداني شاب ملتزم متّزن حييّ متواضع بسّام، درس بمدينة ماطر في معهدها الثانوي المختلط ثمّ بمدينة الجلاء بنزرت حيث حصل على شهادة الباكالوريا… عمرالسعيداني فتى يافع طويل أشمّ ملتزم متّزن حييّ متواضع مسؤول بسّام، تخرّج من الجامعة سنة 1979 ليباشر التدريس في مدينتي منزل بورقيبة وبنزرت، ثمّ يلتحق سنة 82/83 بمصنع الجرّارات “ماطر” بمدينة ماطر فيعمل به مدير إنتاج… عمر السعيداني الرّيفي المتحضّر المسلم الملتزم الرّجل، لم تفتنه دنيا أو تصرفه وظيفة عن واجبه الخادم لبلده وللحقّ وللكرامة التونسيّة، فوجد النّظام التونسي له بالمرصاد، يتابعه يراقبه يصنّفه ثمّ يرميه ضمن “المفسدين” – عائلات الانتماء – في السجن بضعا من سنتي 87 / 1988، دون نظر إلى مركزه الإنتاجي أو وظيفته المسهمة في تنميّة صناعةٍ تحتاجها بلادنا الفلاحيّة التائقة إلى النّهوض!… ساهمت الكذبة النّوفمبريّة في إخراج عمر ورفاقه من السجن ولكنّه سرعان ما ألفى ضمور الفوارق بين داخل السجن وخارجه، فآثر أو هو أجبِر كما أجبِر غيرُه على الهجرة خريف 1991… نزل عمر بتركيا ثمّ ببعض بلدان أروبا الشرقيّة، منها بلغاريا على وجه الخصوص، ليستقرّ به الحال ابتداء من 1996 في سويسرا التي رحل عنها وعن مدينتها فريبورغ يوم الجمعة 2011، كما ذكرتُ أعلاه… عمر السعيداني كهل ملتزم متّزن عامل حييّ متواضع بسّام مبتلى، فقد شاء الله تعالى أن يقبض نفسَ فلذة كبده إبراهيم في ذات الشهر ذي القعدة من سنة 1428 الموافق سنة 2007، وقد بدأ إبراهيم يومئذ يملأ عيني الأمّ والأب على حدّ السواء، فقد حلاّه أدبه وزيّنه تديّنه وثمّنته استقامته ورفعه برّه، وهي خصال رفّعت من درجة الحزن الذي سكن مدّة ليست بالقصيرة فناء العائلة بعد أن أصيبت بموته… سأل صلّى الله عليه وسلّم جلّساسه من أصحابه: “… وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ!” قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ”… إبراهيم رحمه الله مات في حادث مرور أليم، فأسأل الله أن يكون من صنف من مات تحت الهدم، فيتقبّله ربّه من الشهداء الأبرار… وعمر رحمه الله مات بسبب السرطان فأسأل الله أن يكون من صنف المبطون فيتقبّله ربّه من الشهداء الأبرار… عمر رحمه الله ورفع درجته وأحسن وفادته أسنّ منّي فقد جئت إلى الدنيا سنة بعد مولده… وعمر أكبر منّي فقد عمل للإسلام أكثر ممّا عملت… وعمر يتقدّمني كثيرا على الطريق إلى الله فقد قدّم ولدا ولم أقدّم وقد أوذي كثيرا وصبر ولم أصبر كثيرا على صغائر ما أوذيت به، وقد مات ميتة أحسبه بها شهيدا عند الله تعالى ولازلت في هذه الدنيا لا أدري كيف تكون الخاتمة إلاّ أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل فيثبّتني على طريق مرضاته ويقبضني بميتة يرتضيها لعباده المقرّبين… وعمر أحسن منّي وأنبل، فقد بادر لمّا رجع إلى تونس بعد أن غيّر الله فيها الأرض غير الأرض إلى زيارة والدي المسنّ هناك في ريف ماطر بالقرية التي احتضنت المدرسة التي تحدّثت عنها في المقدّمة، وهو يحمل آلام مرضه العضال التي لم تفارقه مذ نزل المرض بساحة جسمه النّحيل!… لمّا سمعت بالخبر من أبي افتخرت بعمر كثيرا وصغرت نفسي عدي كثيرا وتألّمت لحالي كثيرا، إذ كيف لم أكن أنا المبادر بزيارة من تبقّى من أهله وقد كتب لي الله من الأيّام ما كنت أستطيع فيها زيارة أهله!… شيء وحيد يعزّيني أنّي ما نسيت يوما أحدا من أهله، ولا أحسب أنّي سأنكر يوما أنّ عمر يُعدّ من أهلي كما قد بلغني أنّه يحسبني عنده من أهله، وصدق ربّي “إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ”!… قال تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”… ولأنّنا هكذا كما وصفنا ربّنا جلّ وعلا، فقد رفعت السمّاعة أكلّم أختي المجاهدة سميرة البوغانمي، أمّ محمّد، زوجة الأخ عمر رحمه الله ورفعه في علّيين وألحقه بالصالحين، لأستكمل منها بعض المعلومات اللازمة لإقامة صلب هذا المقال المندرج ضمن إطار برّ الأخ بأخيه. وقد سررت كثيرا لحالة القبول والتسليم لله سبحانه وتعالى، فقد لمست السكينة التي أنزلها الله تعالى في كلمات أختي وشعرت بالصبر الذي أفرغه الله تعالى على العائلة في نبرة صوت أختي، فالحمد لله ربّ العالمين… وعسى الله تعالى أن يثبّتنا على برّ إخوتنا وأخواتنا فقد ذهب عمر وترك وراءه محمّدا رجلا وغفران امرأة نسأل لهما التوفيق الثبات على الحقّ، كما ترك زوجة كريمة صالحة نحن جميعا مطالبون بالإحسان إليهم والتواصل معهم والاهتمام بجديد حياتهم… وهناك في أرض تونس في ماطر حيث سيندفن عمر بإذن الله اليوم أو غد أو بعد غد (حسب سرعة تنفيذ نقل الجثمان من فريبوغ إلى ماطر)، فإنّ أهل عمر في العائلتين الصغيرتين السعيداني والبوغانمي أو في العائلة النهضاويّة أو العائلة الأكبر عائلة المؤمنين مطالبون جميعا بالإحسان إلى هذا الرّجل الذي نذر حياته لخدمة تونس وخدمة الإسلام والذي طبع قيمة الحياة بنظرة قصيرة تلقى عليها تزهّد فيها وابتسامة دائمة مستمرّة تعكس صفاء القلب وسلامته وكبر النّفس وإقلاعها عن صغائر الأمور… في النّهاية لا بدّ أن أشير إلى المرارة التي تلقّى بها أخي رضا التونسي خبر وفاة أخيه عمر السعيداني، وكيف كتم بصعوبة دمعات لم تفلح أهدابه في إخفاء بريقها، وهو ما يعكس قوّة العلاقة بين المؤمنين الإخوة… وهي العلاقة التي يذكّرنا الموت دائما بها وبضرورة تعهّدها وصيانتها، غير أنّ الشيطان أجارنا الله منه كثيرا ما ينسّينا… نسأل الله الرّحمة لعمر ولإبراهيم ولجميع شهداء وموتى المسلمين، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون… عبدالحميد العدّاسي الدّنمارك في 17 أكتوبر 2011
حزب العمّال الشيوعي التونسي القيادة الوطنية هيئة الحملة الانتخابية تونس في 17 أكتوبر 2011 بـــــــــــلاغ صحفي
في إطار حملتها الانتخابية، نظمت قائمة “البديل الثوري” لحزب العمال الشيوعي التونسي بدائرة تونس 1 اجتماعا شعبيا aالمغطاة بالجيارة من معتمدية سيدي حسين يوم الأحد 16 أكتوبر. وقد حضر الاجتماع أعضاء قائمة “البديل الثوري” وعضو القيادة الوطنية للحزب الرفيق الجيلاني الهمامي. وقد تولى رئيس قائمة “البديل الثوري” بتونس 1 الأستاذ منذر الشارني تقديم بقية أعضاء القائمة فيما قدم الرفيق الجيلاني الهمامي برنامج الحزب. وقد فتح الباب في نهاية اللقاء للتفاعل مع الحاضرين والإجابة على تساؤلاتهم في علاقة بمواقف حزب العمال من بعض المسائل وتقديم تصوره لحل مشاغلهم الاقتصادية والمعيشية اليومية. عن هيئة الحملة الانتخابية
يدلي التونسيون بأصواتهم يوم الأحد 23 أكتوبر 2011، لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، الذي سيكون من مهامه إعادة تنظيم السلطات التنفيذية قبل أن ينكب المجلس على أعماله لصياغة دستور جديد، الذي سيحدد ملامح النظام السياسي للبلاد.
ويتساءل البعض عن مصير الحكومة المؤقتة الحالية وعما إذا كانت ستنهي أعمالها وتسلم إدارة شؤون البلاد إلى المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر. لكن محسن مرزوق رئيس المنظمة العربية للديمقراطية يوضح أنّ مهام الحكومة المؤقتة لن تنتهي يوم انتخاب المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر، وذلك لأسباب عملية محضة، حسب رأيه. ويقول إنّ يوم اقتراع ستعقبه مدة فرز للأصوات ثم تقديم الطعون والنظر فيها لإعلان نتائج الانتخابات النهائية وهو ما يتطلب فترة زمنية معينة قبل أن يعقد المجلس التأسيسي اجتماعه الأول. ويضيف بأنّه حينما ينعقد الاجتماع الأول للمجلس فستكون أولى مهامه وضع النظام الداخلي لأعماله وهو ليس بالأمر الهين لأنه سيعبر عن التوازنات الانتخابية داخله، حسب قوله. ويشير إلى أن “نقطة واحدة مثل نسبة الأصوات الضرورية اللازمة لأخذ القرارات، بالأغلبية البسيطة أو أغلبية الثلثين قد تكون لوحدها مجال صراع محتدم في مدة زمنية معينة قد تطول وقد تقصر خاصة إذا لم تفرز الانتخابات أغلبية واضحة لطرف واحد أو تحالف انتخابي واحد”.
ويرى أنّ مداولات المجلس التأسيسي قد تأخذ وقتا طويلا نسبيا لأخذ قرار حول تنظيم السلطات التنفيذية التونسية المؤقتة من جديد.
والسؤال المطروح هو من سيدير البلاد في الأثناء؟ وبالتالي فإنه يبدو أن الحكومة المؤقتة ستبقى بعض الوقت حتى يقرر المجلس إعادة تنظيم السلطات التنفيذية وحتى لا يحصل أي فراغ سياسي. خ ب ب (المصدر: موقع المصدر الإلكتروني ( تونس ) بتاريخ 16 أكتوبر 2011)
تونس: يتوجه الناخبون في تونس مهد الربيع العربي الاحد الى مكاتب الاقتراع لانتخاب مجلس وطني تاسيسي في اقتراع تاريخي بعد تسعة اشهر من الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي في كانون الثاني/يناير الماضي اثر ثورة شعبية انهت 23 عاما من الحكم المطلق.
وقال دبلوماسي اوروبي “انه منعطف تاريخي ولا يجوز للتونسيين ان يرتكبوا اي خطأ، العالم كله يتابع اول اختبار على درب الديمقراطية”. وكان اقدام محمد البوعزيزي البائع المتجول الشاب في 17 كانون الاول/ديسمبر على احراق نفسه في سيدي بوزيد المدينة المهمشة في وسط البلاد، اطلق انتفاضة شعبية لم يكن احد يتخيل انها ستؤدي بعد 28 يوما الى اسقاط نظام بن علي الحديدي.
واضطر بن علي الذي كان يحظى بدعم الديموقراطيات الغربية الكبرى لدوره المفترض في التصدي للاسلاميين وكضامن “للمعجزة الاقتصادية” التونسية، للفرار من تونس في 14 كانون الثاني/يناير ليلجأ الى السعودية. والثورة التي تحققت في تونس بدون زعامات ولا رموز قام بها شعب تخطى خوفه ونزل الى الشارع احتجاجا على الظلم الاجتماعي والفساد الذي استفحل خصوصا في السنوات الاخيرة من النظام السابق. وبعد مرحلة موقتة متوترة تخللتها اضرابات واعتصامات وحلقات من العنف، يغلق التونسيون الاحد المقبل اول فصول انجازات ثورتهم من خلال انتخاب مجلس وطني تاسيسي من 217 عضوا. وتنطوي هذه الانتخابات على رهان كبير وتحد صعب وسط مشهد سياسي متغير ومعقد، اذ سيترتب على 7,3 ملايين ناخب الاختيار من بين 1500 قائمة مكونة من احزاب ومستقلين يرفع جميعهم شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وتتمثل المهمة الرئيسية للمجلس التاسيسي في وضع دستور جديد هو الثاني في تاريخ تونس المستقلة بعد دستور 1959. كما سيتولى المجلس تحديد السلطات التنفيذية الجديدة ودور التشريع لحين اجراء انتخابات عامة في ضوء الدستور الجديد. وفرض خيار المجلس التاسيسي في شباط/فبراير الماضي اثر تظاهرات غير مسبوقة في الشارع في تونس طالبت، بعد طرد بن علي، بتغيير جذري للنظام. ولاول مرة في تونس تنظم الانتخابات باشراف هيئة عليا مستقلة للانتخابات عوضا عن وزارة الداخلية المتهمة بتزوير الانتخابات منذ استقلال تونس في 1956.
وتم اختيار نظام الاقتراع باللوائح وفق نظام النسبية مع احتساب افضل البقايا وذلك بهدف تشجيع التشكيلات الصغيرة التي لا تملك امكانيات كبيرة والتي فاق عددها المئة منذ كانون الثاني/يناير. غير ان المشهد السياسي التونسي لا تزال تهيمن عليه التشكيلات الكبرى.
ويتوقع ان يحصل حزب النهضة الاسلامي الذي كان محظورا لفترة طويلة، على افضل نتيجة بحسب استطلاعات الراي التي لا يمكن الوثوق بها كثيرا. وهذا الحزب الذي يثير مخاوف، يعلن انه معتدل ويدعو الى حكومة ائتلاف موسعة “يتمثل فيها التونسيون كافة”.
وازاء تصاعد التطرف الاسلامي الاسبوع الماضي في اوج الحملة الانتخابية، حرصت النهضة على ان تنأى بنفسها عن السلفيين ونددت بكل اشكال العنف. ويقدم الحزب الديمقراطي التقدمي (وسط يسار) بزعامة احمد نجيب الشابي الذي كان عارض بقوة حكم بن علي، نفسه باعتباره البديل الاساسي للنهضة.
ويتبنى الاتجاه ذاته حزب التكتل من اجل العمل والحريات القريب من الحزب الاشتراكي الفرنسي والذي يتزعمه الطبيب مصطفى بن جعفر. وتميز بن جعفر ونال شعبية لعدم مشاركته في اول حكومة شكلت بعد الثورة احتجاجا على ضمها رموزا لنظام بن علي. وفي المعسكر اليساري ايضا حزب التجديد (الشيوعي سابقا) الذي شكل ائتلاف “القطب الديمقراطي الحداثي” ضم خمس تشكيلات حول مشروع علماني.
اما حزب العمال الشيوعي التونسي (اقصى اليسار) بزعامة حمة الهمامي فانه تميز بالخصوص بترؤس المحامية الشهيرة راضية النصراوي زوجة الهمامي احدى قائماته الانتخابية ضمن اقلية ضعيفة جدا من النساء على رأس القائمات (5 بالمئة).
ومن القوى الاخرى ورثة الحزب الحاكم سابقا الذي تم حله بقرار قضائي بعد الثورة. ويصعب تحديد مفاصل هذه القوة التي تمظهرت في العديد من التشكيلات ناهز عددها الاربعين. من جهة اخرى يعكس العدد الكبير لقوائم “المستقلين” بحسب الخبراء، ارتيابا من احزاب يشتبه في انها تسعى لاغتنام الثورة وجني ثمارها في حين لم يكن لها دور بارز فيها.
وتبقى نسبة المشاركة هي التحدي الكبير والعنصر المجهول في هذه الانتخابات في الوقت الذي لا يخفي فيه الكثير من الناخبين تشاؤمهم ازاء احزاب نشأت سريعا “وظهرت من تحت الارض مثل البطاطس في غضون ستة اشهر”، بحسب تعبير احدهم.
(المصدر: موقع “إيلاف” (بريطانيا) بتاريخ 17 أكتوبر 2011) http://www.elaph.com/Web/news/2011/10/689709.html
تونس: المنجي السعيداني لندن: «الشرق الأوسط»
أعلنت مجموعة من الأحزاب السياسية في تونس إدانتها لأعمال العنف التي حدثت على أثر بث قناة «نسمة» الخاصة للفيلم الإيراني «بلاد فارس»، واعتبرت أغلبية الأحزاب أن هناك من يدفع في البلاد نحو الفوضى بهدف إفشال الانتخابات وبالتالي إفشال عملية الانتقال الديمقراطي. ولم تلق الدعوات إلى «جمعة غضب» شعبية كبيرة في صفوف التونسيين، واعتبر معظم المعارضين للتظاهر في الشارع أن المظاهرات ستكون «فرصة للمندسين من أجل تنفيذ أعمال عنف تفشل العملية الانتخابية».
ودان حزب النهضة الإسلامي التونسي الذي يتوقع أن يحصل على أفضل نتيجة في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر (تشرين الأول)، أمس، الهجوم على منزل مدير قناة فضائية خاصة كانت موضع انتقادات واسعة في تونس بسبب بثها فيلما فرنسيا إيرانيا احتوى تجسيدا للذات الإلهية، ودعا أنصاره إلى تفادي العنف.
ونفى الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حزب حركة النهضة، علاقة حزبه بالمظاهرات التي شهدتها العاصمة أول من أمس، مؤكدا أن «أبناء تونس الذين خرجوا بعشرات الآلاف إلى الشوارع في رد واضح على استفزازات بعض وسائل الإعلام يظلون وحدهم المدافعين عن دينهم من دون حاجتهم إلى وصي».
وأوضح الغنوشي في اجتماع بالضاحية الشمالية للعاصمة أن حزب النهضة كان ولا يزال يدافع عن حرية التعبير والسلوك، وأنه لا يتدخل في الحريات الشخصية للتونسيين. ودعا إلى التصدي لكل من لا يزال يستعمل «فزاعة الدين» لترهيب الشباب والنساء من الإسلام ومن الإسلاميين.
وقال علي العريض، عضو المكتب التنفيذي لـ«النهضة»، لوكالة الصحافة الفرنسية «ندين العنف، وندعو دائما إلى الدفاع عن الأفكار في إطار حوار سلمي وفي إطار الاحترام المتبادل. نحن لا علاقة لنا البتة بأعمال العنف هذه».
ومن ناحيتها، أوضحت مية الجريبي، الأمينة العامة لـ«الحزب الديمقراطي التقدمي»، في ندوة صحافية عقدتها أمس بمقر الحزب، أن ما حدث يتجاوز مجرد الحديث عن حرية الرأي والتعبير، وأن الكثير من الأطراف قد تستفيد من حالة الفوضى والانفلات الأمني الذي سيحصل في البلاد قبل أيام قليلة من انتخابات المجلس التأسيسي. ودعت التونسيين إلى التنبه إلى ما قد يحصل في تونس إذا لم تتم الانتخابات في موعدها المحدد. وقالت إن أطرافا عديدة تخيفها صناديق الاقتراع قد تلجأ إلى أساليب غير ديمقراطية للتأثير على الشارع التونسي. وأشارت إلى تنديد «الحزب الديمقراطي التقدمي» بحالة العنف التي يشهدها الشارع التونسي، وقالت إنه لا وصاية لأي طرف من الأطراف على الدين، وإن حياة التونسيين يجب أن تصان، وألا يقع اللجوء إلى إهدار دماء المخالفين في الرأي بنية إرهابهم وإسكات أصواتهم. وأضافت أمام مجموعة من الإعلاميين أنه لا يمكن لأي طرف سياسي أن يزايد عن طريق الدين الذي هو القاسم المشترك بين كل التونسيين، ونبهت إلى خطورة تقسيم التونسيين إلى حماة للدين وخارجين عن الدين، فويلات هذا التقسيم ستحرق كل الأطراف السياسية من دون استثناء. (المصدر: صحيفة “الشرق الأوسط” (يومية – لندن) الصادرة يوم 17 أكتوبر 2011)
بقلم : مراسلة خاصة – تونس- swissinfo.ch لم تعد تفصل التونسيين عن أول انتخابات ديمقراطية حقيقية في تاريخهم سوى أيام قليلة، ومع ذلك لا يزال الغموض سيّد الموقف. إذ بالرغم من الجهود التي بذلتها اللجنة العليا المستقلة للإنتخابات لتوفير الشروط التنظيمية التي من شأنها أن تضمن إجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية، إلا أن الكثير من الناخبين لم يحسموا أمرهم حتى الآن، ليس فقط على صعيد اختيار المرشحين، وإنما أيضا على مستوى المشاركة ولا زالوا مترددين بين التوجّه يوم الأحد القادم إلى مكاتب الإقتراع أو ملازمة بيوتهم. في الأثناء، تستعد مئات القائمات المرشحة للمجلس الوطني التأسيسي لاستنفاد آخر ما لديها من جهود ومحاولات من أجل كسب تأييد أصوات المترددين، وهم كثر. فقد تحولت الساحة التونسية هذه الأيام إلى ورشة تدريب على نطاق واسع. فبعد موجة المُلصقات التي غطت مختلف الشوارع التونسية، والتي تعرض الكثير منها للتمزيق المتعمد من قبل أشخاص “مجهولين”، نُظمت المئات من الإجتماعات الإنتخابية التي تفاوت إقبال الجمهور عليها. ففي البعض منها شارك الآلاف من الأنصار، وفي بعضها الآخر لم يتجاوز الحضور عدد أصابع اليدين. كل حسب دائرة إشعاعه وقدراته على الإقناع والتعبئة، إذ أن “الماكينات” الإنتخابية تختلف قدراتها وأحجامها من قائمة إلى أخرى، خاصة بالنسبة للأحزاب التي أصبحت معروفة أكثر من غيرها، بحكم نضالها السابق أو بفضل المساحة الإعلامية التي تمتعت بها خلال على مدى الشهور التسع الماضية. أما الأحزاب الجديدة التي حصلت على تأشيراتها خلال الأشهر الأخيرة، فقد عجز الكثير منها عن فرض نفسه كمشروع واعد وقادر على فرض نفسه ولو بعد حين. ويجري ذلك في وقت شهدت فيه الأسواق نقصا حادا في بعض المواد الغذائية الأساسية مثل الحليب، وذلك بسبب إقبال التونسيين على شرائه بكميات خيالية، وذلك تحسّبا منهم لما “قد يحدث” خلال الأيام القليلة القادمة.. أحزاب ومستقلون.. وأحجام متفاوتة
في هذا السياق، لاحظ المراقبون من خلال عمليات الرصد المتعددة أن حركة النهضة لا تزال تتمتع بقدرات تنظيمية وتعبوية واسعة، مقارنة بغير من الأحزاب. فأغلب الإجتماعات التي نظمتها قائماتها تجاوزت نسبة الحضور الألف شخص على الأقل (تجاوز العشرة آلاف شخص في مدينة صفاقس يوم الأحد 16 أكتوبر)، وهو ما يعطي انطباعا عن حجمها الجماهيري، وإن كان ذلك غير كاف للتكهن بنسبة المقاعد التي يمكن أن تحصدها في المجلس التأسيسي القادم. إذ لا تزال التقديرات المتداولة في سوق الأسهم الانتخابية تعطي لحركة النهضة نسبة لا تقل عن خمسة عشر بالمائة ولا تفوق الثلاثين بالمائة. من جهة أخرى، وفي ظل تراجع الحديث عن الأحزاب المنبثقة عن حزب التجمع الدستوري المنحل، كثر الحديث عن التحسن النسبي الذي يسجله حاليا حزب التكتل (الديمقراطي من أجل العمل والحريات) خلال الفترة الأخيرة، مما جعله قريبا جدا أو منافسا للحزب الديمقراطي التقدمي، الذي وإن واجهته صعوبات في الفترات الأخيرة على إثر استقالة العديد من أعضائه، إلا أنه لا يزال يتمتع بموقع بارز في المشهد الحزبي الراهن. فحجم الحزب الذي يقوده د. مصطفى بن جعفر (المدعوم من قبل السيد أحمد المستيري، السياسي المعروف والوزير السابق في عهد بورقيبة) عرف في الأشهر الأخيرة التحاق عدد كبيرا من الأعضاء الجدد مما نقله من حزب صغير خلال مرحلة ما قبل الثورة، إلى حزب يُقرأ له حساب في ظل المعادلات الجديدة. بل إن التكهنات تجعل من رئيسه أحد المرشحين لمنصب الرئاسة الوقتية التي سيُحسم أمرها خلال الإجتماعات الأولى للمجلس التأسيسي المنتخب، وإن كانت هذه الفرضية أو غيرها لا تزال سابقة لأوانها، نظرا لما يمكن أن يحصل من تغييرات أو مفاجآت. فالسلوك الإنتخابي للتونسي لا يزال هذه الأيام مجهولا، وبالتالي يصعب التكهن بنوعية ردود فعله حتى قبل وقت وجيز من وضع ورقته في الصندوق. أما بالنسبة للمستقلين الذي فرضوا أنفسهم كظاهرة انتخابية غير مسبوقة في تاريخ الإنتخابات التونسية وربما في غيرها، فإن أهمية قائماتهم تختلف من مرشح إلى آخر، ومن دائرة إلى أخرى. فهم أحدثوا – بلا ريب – حالة صداع للأحزاب السياسية التي أصبحت تخشى من أن يؤثر ذلك على تشتيت الأصوات، ومزيد إرباك الناخبين. ولهذا، تعرض المستقلون لانتقادات مباشرة صدرت من بعض قادة هذه الأحزاب. من ذلك على سبيل المثال د. منصف المرزوقي، رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي هاجم المستقلين، وانتقد دورهم، ودعا الناخبين إلى التصويت فقط على ما أسماه بـ “الأحزاب الكبرى”. لكن مع ذلك، فإن البعض من هؤلاء المستقلين قد يحدثون المفاجئة في بعض الدوائر الانتخابية، وربما يشكلون أحد مُكونات المشهد داخل تركيبة أول مجلس منتخب بعد رحيل بن علي. مخاوف وهواجس.. و”جمعة غضب”
على صعيد آخر، لا يزال الكثيرون يخشون من أن يحدث خلال الأيام المتبقية ما من شأنه أن يعكر صفو الانتخابات، ويربك أجندتها، أو يجعلها عرضة للتهديد. فعودة أجواء التوتر إلى بعض الجهات لأسباب محلية لها علاقة بالإنتساب القبلي الذي يعرف في تونس بنزعة “العروشية”، وهي أحداث يُخشى أن تؤثر على مناخ التنافس الإنتخابي، وتعيد فتح جرح في جسم السلم الأهلي على الأصعدة المحلية. من جهة أخرى، تستمر محاولات البعض للمراهنة على الفرز العقائدي والإستقطاب الأيديولوجي من أجل إحراج الخصوم وحشرهم في الزوايا الحادة. وهو منهج خطر، ويخشى الكثيرون من تداعياته السلبية على المناخ السياسي، بل وأيضا على الوحدة الوطنية. وفي هذا السياق، تتنزل المواجهات التي حدثت مؤخرا بمعظم المدن التونسية، وذلك على إثر بث قناة نسمة الخاصة لشريط كارتوني موجه لانتقاد الثورة الإيرانية، والذي تضمن مشاهد تجسّد الذات الإلهية. وبالرغم من أن مدير القناة قد وجد نفسه مدعوا لتقديم اعتذارات رسمية للتونسيين، وأن يعترف بأن بث تلك اللقطات كان خطأ لن يتكرر، معلنا بأنه مسلم مثل الأغلبية الساحقة من التونسيين، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لتهدئة الخواطر، حيث تمت الدعوة من جديد إلى التظاهر يوم الجمعة 14 أكتوبر التي أطلقوا عليها “جمعة الغضب”، حيث نظمت مسيرات بعديد المدن التونسية، وقامت قوات الأمن بتفريقها بالقوة في بعض الحالات. كما تم الإعتداء على منزل مدير قناة نسمة، مما كاد أن يعرّض أفراد أسرته إلى الموت. هذه هي أجواء الحملة الإنتخابية في ختام أسبوعها الثاني، فهل تكون الأيام المتبقية أفضل حالا؟ وهل يمكن أن يستعيد التونسيون الأمل في المشاركة في انتخابات ديمقراطية نزيهة حُـرمـوا منها لمدة تجاوزت نصف قرن، وأن يتوجهوا بكثافة إلى صناديق الاقتراع يوم 23 أكتوبر القــادم؟ هذا هو التحدي الرئيسي الذي يواجه النخبة والمجتمع في تونس قبل أيام قليلة من انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي الذي سيُعهد إليه بمهمة كتابة دستور جديد للبلاد يقطع نهائيا مع الماضي ويؤسس فعلا للنظام الديمقراطي. مراسلة خاصة – تونس- swissinfo.ch (المصدر: موقع “سويس إنفو”(سويسرا) بتاريخ 17 أكتوبر 2011)
نصرالدين السويلمي – ألمانيا –
خلال الأيام الأولى التي أعقبت ثورة الرابع عشر من جانفي التفتت العديد من الأحزاب وبعض النخب إلى أجنداتها الخاصّة وهرعت إلى السبق لتؤسّس به شرعيّة بديلة ولتحتل به الفراغ السّياسي وتفرض نفسها كأمر واقع على الوطن والمواطنين، في ذلك الحين شرعت حركة النهضة في لملمة جسدها المثخن واستنهضت همم أبنائها ودفعت بهم إلى جبهات الوطن حيث حراسة الثورة وحماية الأحياء وجعلت من تثبيت إنجاز الشعب التاريخي أولى أولويّاتها، وعندما اتجهت البلاد إلى الاستقرار النسبي وضغط الوضع الداخلي والخارجي وألحّ الوقت على الأحزاب والكيانات السّياسيّة من أجل الاستعداد الجدّي لطلب ودّ دولة القانون والمؤسسات، لم يكن أمام النهضة الوقت الكافي لتلمّ شملها الذي شتّته بن علي واشتغلت على تفتيته أجهزته الأمنيّة لأكثر من عقدين هذا إلى جانب الفرق الخاصّة التي كانت تقوم بمراقبة مجهريّة للحيلولة دون قيام النهضة بأيّة محاولة تجميع لأطرافها أو فتح ثغرات أو مدّ جسور أو حتى إحداث مسارب صغيرة يتواصل عبرها مكوّن الحركة ولو على استحياء، إلى جانب ذلك كان هناك سؤال كبير وخطير يطرح نفسه بقوة وعلى عجل مفاده هل ستتمكن الحركة في هذا الظرف الوجيز من تفكيك الصورة القاتمة المفزعة التي رسخّها الطابور الثقافي و الإعلامي و السّياسي لبن علي على مدى ثلاث وعشرون عاما ، لكن الجواب لم يتأخر وأتى على عجل وأمام دهشة عارمة تملّكت خصوم الحركة بدأت الصورة السلبية تتلاشى وتنهار بتتابع عجيب ليكتشف الجميع أنّ النهضة الخارجة لتوّها من محنة قاسيّة لم يكن بمقدورها أن تزيل كل ذلك التشويه في هذا الزمن القياسي وأنّها كانت قد راهنت على ذكاء غير عادي لشعب استثنائي بأتمّ معنى الكلمة.
الإنجاز الذي تحقق في الداخل هو نفسه الذي تمّ في الخارج ففي ألمانيا وعند عشيّة افتتاح الحملة الإنتخابيّة كان الأستاذ فتحي العيادي يستعد لعرض مشروعه الإنتخابي على الجالية التونسيّة وهاجس الجدار السميك الذي بناه أسطول القنصليات والوداديات بين النهضة والجالية يخيم على الحملة لكنّه لم يكن عائقا لقناعة الأستاذ فتحي والإدارة المشرفة على حملته الإنتخابيّة بأنّ الشعب الذي أزاح الطاغية في أيام معدودات كفيل بأن يزيح ادعاءاته وصوره النمطيّة في سويعات، وتحرّك مرشح الحركة بشكل مراطونيا وقصد تجمّعات الجالية التونسيّة أينما كانت وحيثما سمع بتواجدها وكان التجاوب الممتاز يحفزّ الأستاذ فتحي على بذل الجهد الإضافي وتنفيذ المزيد من التحرّكات والإلتحام بابناء وطنه حيثما كانوا حتى صرّح بعض أفراد الجالية بأنّ أهّم شيء لمسوه في مرشح النهضة هو سعيه الجدّي في طلب ودّ التوانسة واجتهاده في طرح برنامجه بصورة مشرفة تحترم الذين يتوجه لهم بخطابه وتحترم الرسالة التي يحملها، وتصاعدت وتيرة التناغم حتى أنّ جمعا من التونسيّين قالوا للهيئة المشرفة على حملة الأستاذ العيادي حين زارتهم في بلدتهم” نحن لا نعرف لماذا تُتعبوا أنفسكم بهذه الملصقات والدعايات.. هل هناك في ألمانيا من سينتخب غير النهضة” .
مسيرة الحملة الإنتخابيّة التي انطلقت مساء الثامن والعشرين توّجت بحفل ممتاز ولعلّه فريد يؤرخ إلى صفحة جديدة بين حركة النهضة وشعبها ..وحضنها ..وعمقها، مشهد مفعم بالدلالات العميقة ذلك الذي كان فيه أغلب مناضلي حركة النهضة ومهجريها جالسون يتابعون فقرات الحفل وكانت أيادي تدفقت لتوها على الحركة من الطلبة والعمّال فتيات وفتيان منهمكون في العمل والإعداد والتحضير، إنّه اللقاء بعد أن انخلع الدخلاء، إنّها حركة النهضة حين تجدّد نفسها وحين تُحرّك المشعل بين أجيالها بهدوء ورضا.
د.خالد الطراولي ktraouli@yahoo.fr
مع التحية الصادقة وددت إبلاغكم عتابا وحديثا يجتمع فيه القلب والعقل ليفرز هذه الكلمات المتقاطعة، ليست فيها قراءة بين السطور ولا خلف النقاط، وإنما هي جمل تتراص لتبلغ إليكم هذه الملاحظات… لقد اجتمعتم في فرنسا هذه الأيام عند وصول الشيخ راشد لتدعيم قائماتكم، وهذا من مسلمات العمل السياسي والحملات الانتخابية، وقد ناديتم للقاء حواري، وهذا يحسب لكم، ولكن ما نعتبه عليكم هو اقتصاركم على البعض دون البعض… استدعيتم حزب العمال الشيوعي ولكم الحق في ذلك… واستدعيتم التكتل ولكم الحق في ذلك.. واستدعيتم الحزب التقدمي ولكم الحق في ذلك… واستدعيتم حزب المؤتمر ولكم الحق في ذلك..! ولكن… أين اخوان الأمس وإن كانوا اليوم على ضفة غير ضفتكم، أين قائمات طريق السلامة والشيخ عبد الفتاح مورو، وخالد الطراولي وغيرهم كثير، وهم يصطفون اليوم وراء ائتلاف واعد ومستبشر؟ لقد كنا كرماء مع الجميع لما شرفنا الشيخ عبد الفتاح بالحضور منذ أسبوعين لدعم قائمتي طريق السلامة بفرنسا 1 و2 ، وكانت الدعوة عامة وليس فيها استثناء أو تبعيض، وكان الحضور واعدا والفضل لله أولا وآخرا، وكانت رسالة ذات عناوين عدة… أدناها وبكل تواضع أننا هنا ولنا جمهورنا، وأقصاها أن الخير متعدد الزوايا والحنايا ولكن الهدف واحد… لعلكم نسيتمونا! وليس على الناسي عتاب، وإن كانت معلقاتنا وتواجدنا في الميدان الرمزي والعلني كبير في فرنسا، والملاحظون يؤكدون ذلك… لعله تبادر إلى البعض صغرنا! ولكن سبر الآراء مر من هنا وجعلونا في المراتب الأوَل، رغم صغر حجمنا وبدايتنا القريبة واليد قصيرة والعين بصيرة… لعل لغة الحسابات الضيقة وجدت الكوّة فدخلت، ولكنه دخول خاطئ وحساب ضال… لعله خوف من صغير سوف يكبر وحقير سوف يعظم وشتات سوف يجتمع، ولكنه إن كان ذلك كذلك، فهو وعي منقوص وفقه مراهق وبدائي بالمرحلة وأدواتها وعناوينها وأولوياتها… نتصور أن نقاط لقاء تجمعنا وإن كنا نختلف مسارا وجوهرا، نتصور أن الشيخ عبد الفتاح مر من هناك وترك بصمات وأحبة، وأسس خالد الطراولي حركة اللقاء منذ سنوات، ولا نخال اختلافنا خلافا ولا تميزنا تنافسا غير بريء، إنما هو الخير لهذا البلد الطيب وأهله الطيبين. نعتقد أن الأقرباء أولى بالمعروف وأن الأخ قبل الصديق، وأن المشروع قبل العناوين والأشخاص… نجزم أن التمثيلية الاسلامية اليوم لم تعد محتكرة وهذا ما نلتقي عليه جميعا اليوم، وقد سطرناه نحن في حركة اللقاء منذ زمان، وأننا نعتقد كلنا بدون استثناء أن التعاون هو جوهر النجاح وأن الاحترام هو سبيل الرقي. لن تكون تونس الغد “تجمعا” جديدا وإن اجتمعت 3 أحزاب أو أربعة بمرجعيات مختلفة وماض متناقض وتصورات متعددة تحت قبة المجلس في لحاف واحد، لأن الخوف من عودة الاستفراد والاستبداد مفهوم، فبن علي مرّ من هنا ولا يريد هذا الشعب أن يعيد الصورة من جديد حتى وإن حملت عمامة أو قبعة أو زواج يقف النقل والعقل أمامه حيرانا مترددا.
اعتمد مجلس حقوق الإنسان بجنيف، و من قبله لجنة حقوق الانسان الذي حل المجلس محلها العديد من القرارات المتعلقة بمناهضة تشويه صورة الأديان التي عادت ما تتقدم بها باكستان باسم مجموعة دول منظمة التعاون الإسلامي التي كانت تسمى سابقا منظمة المؤتمر الاسلامي. و عادة ما تثير النقاشات المتعلقة بمشاريع قرارات تشويه الاديان جدلا كبيرا و واسعا بين طرفين رئيسين: الدول الغربية، اي المجموعة الاوروبية و الولايات المتحدة الامريكية وكندا و استراليا و نيوزلندا من جهة، و الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي بمساندة الصين و روسيا و بعض دول امريكا اللاتينية و الكارييب مثل كوبا الى جانب بعض الدول الافريقية التي تتضامن اصلا مع القضايا العربية و الاسلامية من جهة أخرى. فالجدير بالذكر انه من خلال متابعتنا لهذا الموضوع الشائك الذي يختلط فيه القانوني بالسياسي و الديني و الثقافي و السوسيولوجي أن الاختلاف الجوهري بين الطرفين يكمن في الحقيقة في الاختلاف بين نظريتين فلسفيتين مختلفتين أصلا يصعب التوفيق بينهما لكن ليس من المستحيل فعل ذلك. فالدول الغربية و المجتمعات ذات الثقافة الغربية لا تولي الاهمية للاديان و المعتقدات مثل تلك التي تكتسيها هذه المسألة في الدول العربية والاسلامية. كما أنه خلافا للدول الاسلامية التي تطالب بحماية الاديان و الرموز المقدسة من التشويه و التدنيس و السخرية و غيرها من الاعمال و الاقوال التي من شأنها المس أو الحط من العقائد أو الرموز الدينية، تعتقد الدول الغربية أنه ليس من مهام القوانين حماية الاديان و المعتقدات و الفلسفات، بل ان الافراد وحدهم هم موضوع الحماية القانونية و من هنا ترى هذه الدول أنه لا يمكن تجريم تشويه الاديان باعتبار أن الدين فكرة أو مجموعة أفكار و معتقدات و ليس فردا أو مجموعة أفراد تستحق الحماية. و هو ما يبدو تبريرا غير مقنع باعتبار أن الفصل بين الدين و مجومة الافراد الذين يعتنقونه يتضمن تعسفا و عدم اعتراف بالحقيقة التي مفادها أن قيمة اي دين او معتقد في الواقع تكمن في القيمة التي يعطيها معتنقو هذا الدين لدينهم او معتقدهم.
كما تثير مسألة تشويه الاديان في الاوساط القانونية و السياسية و الفنية في الغرب الكثير من الغضب و عدم الارتياح باعتبارها تهديدا لحق حرية التعبير التي يجب أن تكون حسب رأيهم مطلقة لا تقبل أي حد. موقف الدول الغربية من مسألة تشويه الاديان: القانون هو لحماية الأشخاص وليس الأديان
تجمع الدول الغربية خلال المناقشات الرسمية و غير الرسمية حول مسألة تشويه الاديان على القول بأن القانون عامة و قانون حقوق الإنسان على وجه خاص انما وضع لحماية الأفراد وليس الأديان. حيث كثيرا ما يردد ممثلو الدول الغربية موقفهم بأنهم ضد مفهوم حماية صورة الأديان الذي هو حسب رأيهم ليس بمفهوم قانوني، بل هو مفهوم سوسيولوجي بحت. لكن في الوقت نفسه يؤكد العربيون على حماية حق الفرد في ممارسة شعائره الدينية، وحمايته من أي تمييز بما في ذلك التمييز القائم على أساس الدين.
موقف الدول الاسلامية من مسألة تشويه الاديان
ترى مجموعة الدول الاسلامية أن الاسلام مستهدف في الدول الغربية و أنه منذ احداث 11 سبتمبر 2001 ازدادت موجة العداء للعرب و الاسلام و المسلمين. حيث أن تشويه صورة الدين الاسلامي و التعرض لرموزه خاصة الرسول محمد صلى الله عليه و سلم في وسائل الاعلام و من قبل بعض الساسة و الكتاب و المفكرين و الفنانين انما يشير الى تنميط ظاهرة تشويه صورة الاسلام، و هو ما أدى الى ظاهرة الخوف من الاسلام، الاسلاموفوبيا. كما ترى الدول الاسلامية أن تشويه الاديان هو انتهاك لحرية الدين و المعتقد و من شأنه التحريض على الكره و البغضاء و تهديد الامن و السلامة في العديد من المجتمعات. كما تستند منظمة المؤتمر الاسلامي الى ازدياد موجة العنف ضد المسلمين في البلدان الغربية، حيث تعرض العديد من المسلمين، خصوصا النساء المحجبات، الى العنف اللفظي و البدني، فيما تعرضت بعض المؤسسات الاسلامية الى الحرق و التدنيس والتكسير، و هي أعمال تستهدف أفرادا أو مجموعة من الافراد لا لشيء الا لانهم مسلمون. و من هنا تاتي الحاجة الى ضرورة توفير الحماية القانونية اللازمة لمنع التمييز ضد المسلمين، و هو أمر لا يتسنى بحسب منظمة التعاون الاسلامي الا من خلال توفير اطار قانوني دولي و وطني يجرم التعرض بسوء الى الاديان و الرموز الدنينة المقدسة. و هو موقف يرفضه الغربيون مدعين بأن الاطر القانونية الموجودة، خصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية يوفر الحماية الكافية لحرية الدين و المعتقد و من هنا فلا حاجة الى سن تشاريع و قوانين جديدة في هذا المضمار. موفق القانون الدولي لحقوق الانسان من تشويه الاديان:
تنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية، المتعلقة أساسا بحرية الدين و المعتقد على أنه:
1. لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبدوإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. 2. لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. 3. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. 4. تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاص”. فمن خلال الفقرات الاربع للمادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي يعتبر الصك القانوني الدولي الملزم و الاهم من حيث حماية الحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك حرية الدين و المعتقد، و الحق في حرية التعبير، يتبين من خلال هذه المادة أن القانون الدولي لحقوق الانسان حرص على توفير حماية واسعة لحرية الدين و المعتقد من حيث الاعتقاد و ممارسة الشعائر و لم يخضع هذه الحرية لاي قيد، الا ما تعلق بحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية. أما المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و المتعلقة بالحق في حرية التعبير فقد نصت على أنه: 1.لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها . 3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: أ. لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ب. لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة فيما نصت المادة 20 المتممة للمادة 19 على أنه:
1.تحظر بالقانون أية دعاية للحرب. 2. تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. فكما يتبين من قراءة المادتين 19 و 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسيساية فان القانون الدولي لحقوق الانسان يوفر حماية كبرى للحق في حرية التعبير بكافة أشكالها، كما أنه يشجع الافراد على التماس الافكار و اقتناء المعلومات بكل حرية ودون اي قيد. على أن الفقرة 3 من المادة 19 نصت على جواز إخضاع الحق في حرية التعبير المنصوص عليها في الفقرة 2 من نفس المادة لبعض القيود القانونية شريطة أن: – تكون محددة هذه القيود محددة بنص القانون حتى لا يتم التعسف في التضييق على حرية الافراد شريطة : – أن تكون القيود المنصوص عليها بمقتضى قوانين واضحة ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم. و هو ما يعني أنه لا يمكن بحال التذرع بالحق في حرية التعبير لسب الاخرين او شتمهم و التعرض اليهم بسوء. – أن تكون القيود على الحق في حرية التعبير ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. بمعنى أنه يمكن للمشرع الوطني أن يتخذ ما يلزم من اجراءات قانونية و ادارية و ترتيبية من أجل أن لا يؤدي ممارسة الحق في حرية التعبير من قبل بعض الافراد أو الجماعات الى التعرض للأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. و هو ما يفترض الاتفاق قبل ذلك على مفهوم الامن الوطني او القومي، و مفهوم النظام العام، و الصحة العامة، و الاداب العامة. و هو ما يسمى في القانون الوطني التونسي بالنظام العام و الاخلاق الحميدة. أما المادة 20 فقد دعت الدول الاطراف في العهد الدولي الى سن تشاريع وطنية تحظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي من شأنها أن تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. و لئن كانت الدول الغربية تركز في قرائتها و فهمها للنصوص الواردة أعلاه على مبدأ الحق في حرية التعبير الواردة في المادة 19، خصوصا الفقرة 2، فان الدول الاسلامية انما تركز في دفاعها عن موقفها الداعي الى ضرورة القيام بمنع تشويه الاديان على منطوق الفقرة 3 من المادة 19 المتعلقة بالقيود القانونية للحق في حرية التعبير و المادة 20 المتعلقة بمنع التمييز و التحريض على الكراهية و العنف على اساس الانتماء العرقي أو الديني. لكن في المقابل على الرغم من التعارض الظاهر بين الموقفين، اي موقف الدول الغربية من جهة و الدول الاسلامية من جهة أخرى، ثم التعارض و الاختلاف الظاهري بين الحقيْقن، أي الحق في حرية الدين و المعتقد من جهة، و الحق في حرية التعبير من جهة أخرى، فاننا نرى أنه من الممكن التوفيق بين الرؤيتين و بين الحقين، بل ان الحقين يتكاملان و يتعاضدان، حيث لا حرية دينية بدون حرية في التعبير تضمن الحق في حرية التعبير عن هذا الدين فكرا و ممارسة، كما أن أن الحق في حرية التعبير انما من مشمولاتها الحق في حرية التعبير عن الدين و المعتقد. و لذلك فاننا نرجح أن تكون الاسباب الرئيسة لاختلاف المواقف بشأن تاويل هذه النصوص القانونية هي ذات طبيعة سيساية و ايديولوجية و ليست قانونية كما يبدو للبعض. و لمزيد توضيح هذا الامر يمكن الاشارة الى الاسباب التالية: -الثقافة و الحضارة الغربية تولي أهمية كبرى للفرد و قيمة الفردانية، التي هي عماد المنظومة القيمية الغربية، خلافا للثقافة العربية الاسلامية التي تولي تاريخيا أهمية أكبر للامة و الجماعة و الدين، على حساب حقوق الفرد في الكثير من الاحيان. -الثقافة الغربية المعاصرة قامت في معظمها على مناهضة الدين و التديّن بالنظر للاسباب التاريخية المعروفة المتعلقة بالصراع مع الكنيسة و المجامع المقدسة التي طالما منعت الابداع العلمي و الفني باسم الدين و اضطهدت العلماء و المفكرين والفنانين لقرون، لذلك يجب حسب اعتقادنا تفهم توجس الموقف الغربي من اي مس بحرية التعبير الذي كثيرا ما يثير عندهم ردة فعل غير واعية بالاختلاف الثقافي الذي عليه الآخر، أي العرب و المسلمون. -ما يثير توجس الغرب و تخوفهم من أي خطاب يدعو الى تجريم تشويه الاديان هو أن أغلب الداعين الى تجريم و معاقبة من يقوم بتشويه الدين هم من الدول التي تسودها و تحكمها أنظمة استبدادية و قمعية لا تولي أصلا اي اعتبار لحقوق الانسان و حريته و كرامته. و هو فعلا أمر يضعف الدفاع عن الموقف الداعي الى عدم التعرض بسوء الى ديانة الاخرين و معتقداتهم، بالرغم من وجاهته، لان أغلب المدافعين عن هذه الموقف هم مستبدون كما سلف الذكر. -ارتباط تشويه الاديان في المخيال الحمعي و الفردي العربي و الاسلامي بالحروب التي شنتها و تشنها الولايات المتحدة الامريكية و حلفاؤها على العراق و أفغانستان وهو ما جعل المسلمون ينظرون الى مسألة تشويه الدين الاسلامي على أساس كونها امتداد لتلكم الحرب و جزء منها. -الدول الغربية التي تتشدق بالدفاع عن حرية التعبير كثيرا ما ساندت و لا تزال تساند أنظمة قمعية و استبدادية و هو ما يجعل استماتتهم في الدفاع عن الحق في حرية التعبير أمرا غير مفهوم عند العديد من المراقبين و المعنيين بهذه المسألة. -خشية الغربيين من التحول القيمي و الثقافي في مجتمعاتهم جراء ازدياد عدد الاجانب و المواطنين من أصل أحنبي في بلدانهم. لذلك فانهم يسعون الى عدم تقديم تنازلات في هذه المسألة خشية أن يبدوا بمظهر”المنهزم حضاريا” -خشية الكثير من العرب و المسلمين من الحق في حرية التعبير، و قرن هذا الحق بالاباحية و الكفر و اللائكية المتطرفة، و اللادينية، و غيرها من الفلسفات الفردانية والالحادية. و هو أمر خاطئ طبعا، لان الحق في حرية التعبير علاوة على كونه حق غير مطلق، فهو حق ضروري و لصيق بالانسان باعتباره كائن مكرم و حر. ختاما، نرى أن التوفيق بين الحق في حرية الدين أو المعتقد من جهة، و الحق في حرية التعبير من جهة أخرى على مستوى القانون و الممارسة هو من التحديات الكبرى التي ستواجه أنظمتنا القانونية و السياسية العربية خصوصا في الدول التي شهدت ثورات وعلى رأسها تونس. كما أننا نعتقد أن التوفيق بين هذين الحقين في القانون و الممارسة يمكن أن يكون مدخلا لصياغة مشروع ثقافي و حضاري جديد يقوم على التوفيق بين الحقوق الفردية و الحقوق الجماعية و ربما كذلك التأسيس لحقوق جديدة على غرار ما يعرف في القانون الدولي للبيئة مثلا global public goods أو بالفرنسية bien publics mondiaux اي الممتاكات/الحقوق العامة الدولية مثل البيئة، و المناخ، والاثار، و ما احتوته أعماق البحار، و غيرها. و في هذا الاطار يمكن التفكير في بعث الحق في التسامح و عدم المس بكرامة الاخرين و غيرها من الحقوق الثقافية التي بدأت أخيرا تشهد اهتماما كبيرا من خبراء القانون الدولي لحقوق الانسان بأبعادها السوسيولوجية و الانتروبولوجية و التاريخية. و على كل حال فان المفتاح لحل الخلافات بين المنتصرين لحرية التعبير من جهة، و المنتصرين الى فكرة حماية الدين من التشويه من جهة أخرى، لا يمكن أن تحل الا باحترام كل طرف للآخر، و بالانفتاح، و التسامح، و الحوار، و التوافق على مجال الحق في حرية التعبير و تحديد القيود القانونية المتعلقة بهذا الحق بشكل توافقي بحسب ما يناسب كل أمة و كل وطن. و هو ما يستدعي أولا وقبل كل شيء توفر النية الحسنة و السليمة، و الاقبال على الطرف الآخر بروح منفتحة و متسامحة دون ازدراء أو احتقار أو استفزاز. أي بطريقة بناءة و واعية بكافة الصعوبات التي تثيرها هذه المسألة. كما ان التصدي لمسألة تشويه الاديان و علاقتها بالحق في حرية التعبير، تستدعي التشبع و الاقتناع بثقافة حقوق الانسان. لذلك نرى أنه بغض النظر عن التوقيت و الغرض مما قامت به قناة نسمة في تونس في الايام الاخيرة، فان التعرض لهذه المسألة بهذه الطريقة ينطوي في الوقت نفسه على احتقار للقوم ولثقافتهم و معتقدهم، و جهلا بثقافة حقوق الانسان التي من أول ثمارها تجنب خدش كرامة الآخر و التحلي بالتسامح و الانفتاح و تجنب الاستفزاز و التحريض على الكراهية و العنف، حتى و لو كانت تصورات الآخر و معتقداته في نظرنا غير صحيحة أو فاسدة. لذلك فان ما ارتكبته قناة نسمة كان خطأ كبيرا على كافة المستويات. كما يمثل عدم اكتراث أو جهل بالمعطيات السوسيولوجية و الثقافية لأغلبية أفراد الشعب التونسي، ناهيكم عن الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد ابان هذه الفترة. أخيرا، كنا نعتقد أن عضوية تونس في منظمة التعاون الاسلامي التي تفرض عليها التقيد بقرارات المنظمة و تفعيلها و تنفيذها، سوف تجعل الحكومة التونسية تتدخل بالطرق القانونية الللازمة لمنع ما من شأنه ان يعتبره التونسيون مسا بمعتقداتهم و دينهم قبل أن يستفحل الامر و يصير الى ما صار اليه. مع الشكر و التقدير، أحمد الصغير، مستشار قانوني في حقوق الانسان، رئيس منظمة اورو- مينا للتثقيف والتدريب في مجال حقوق الانسان، جنيف.
بدأ العدّ التنازلي ولم تعد تفصلنا إلا أيام معدودات لكي يطل علينا المجلس التأسيسي الثاني، الذي سيضع اللبنات الأساسية لدستور الجمهورية الثانية، وكلنا أمل أن يقطع هذا الدستور نسبيا إن لم يكن نهائيا مع ما خلفه دستور 1959 من مظاهر الدكتاتورية التي عرفتها البلاد خلال أكثر من نصف قرن. فالدكتاتورية الأولى، التي أقامها الزعيم المغفور له الحبيب بورقيبة كانت ترتكز على ما أسموه الشرعية التاريخية وكانت على الأقل نيرة نظرا للسياسة التعليمية والثقافية التي اتبعها. كان في الإمكان أن لا تؤول البلاد إلى هذه الدكتاتورية في عهد بورقيبة إلى ما آلت إليه، لو لا أنّ بعض الأطراف تلاعبت به وأخافته على مستقبل تونس. وقد لعب الهادي نويرة في هذا الإطار دورا كبيرا ارتكز فيها على ما كان القذافي يضمره للبلاد. وإذن منذ ذلك الوقت أصبح الدستور مثل قميص عثمان يتغير حسب المقاسات. فالجرم في إقامة الدكتاتورية لم يكن في الواقع جرم بورقيبة، وإنما جرم الهادي نويرة والقذافي في نفس الوقت. أما الدكتاتورية الثانية، فقد كانت دكتاتورية ساذجة، لأنها اعتقدت أنها ستكون أزلية، ملكية، وراثية، نظرا لتكالب الرئيس الهارب على إنجاب ذكر. وهي ساذجة أيضا لأنها سرعان ما تخلت عما أعلنته مباشرة بعد الانقلاب “الطبي” الذي أوصلت صاحبه إلى سدة الحكم لتكريس هذا التوريث. ولهذه الغاية، حققت هذه الدكتاتورية الساذجة انجازين هامين أوّلهما نشر الجهل لدى عامة التونسيين بإقرار شهادة بكالوريا منقوصة بربع قيمتها الأصلية وبنشر التصحر الثقافي في الإعلام وبقية الفنون، إلى درجة أننا لم نعرف خلال عقدين أي إبداع سوى التافهات والتفنن في المغالطات المعرفية والعلمية دأب عليها يسار ينزع إلى الصبيانية (وهو المرض العضال الذي انتقده لينين ذاته) ونشر الأفكار الظلامية، بدعوى مقاومتها. وثانيهما وهو أكبر انجاز قام به بن علي هو زرع الخوف في نفوس الناس بإقامة نظام بوليسي يتمعش على الوشاية وقلب الحقائق.
إذن نتمنى أن لا نعود إلى هذه الوضعية، وهذه الممارسات، خاصة وأنّ المتسابقين على مقاعد المجلس التأسيسي المرتقب أبدوا استعدادهم لتحقيق ذلك، ووعدونا بوعود تأهلنا لدخول الجنة قبل يوم قيام الساعة. ولكن، من المفترض أن يكون نوابنا الذين يؤكدون على أنهم في خدمة الوطن وخدمة الشعب أن يتأهلوا بنوع من المصداقية والشفافية، ولا يكون ذلك حسب اعتقادنا إلا بتوفير عنصرين أساسيين حتى يضمنوا لنا نوع من النزاهة والشفافية.
وهما، أولا: القيام ما أن يتسلموا مقاعدهم بتقديم وثيقة التصريح بمداخلهم ومرتباتهم حتى يبينوا لنا أنهم قد قاموا بدفع مستلزماتهم الضريبية للدولة وأنهم فعلا من المواطنين الصالحين الذين يفكرون في صالح الوطن. وإذا ما أخلوا بذلك ولو يستظهروا بهذه الوثيقة فإنهم سيكونون محل شك في ما يخص نواياهم بتواجدهم في هذا المجلس، وبالتالي على هذا المجلس أن يسحب ثقتهم منهم. ثانيا، أن يتعهد كلّ نائب بدفع ما يفوق راتبه الأصلي من المرتب الذي سيحصل عليه كنائب لدفعه إلى صندوق البطالة، أو أن لا يحصل على راتب إطلاقا بما أنه سيخدم المصلحة الوطنية والبلاد. فتحي خزندار
من استفز من ..ومن تطاول على من ..من خرج لفائدة من و من أجل ماذا..من ذا المخطأ ومن ذا على حق ..من القاصد ومن المقصود ..من يضع الشراك ومن يحفر لمن ..قد نتناقش في ذلك كثيرا ..و قد نختلف في ذلك أكثر ..قد نعطي الحق لهذا أو لذاك ..أو لهؤلاء و أولئك .. و قد يكون جميعهم لهم نصيب في الخطأ و لهم وجهة في الصواب..لكن الذي قد لا يفهمه أم أو أب يهرعان إلى المستشفى حاملين ابنهما الصغير يرين على وجوههم الخوف و القلق أن يجدا في استقبالهما تراشق الحجارة أمام المستشفى.. و جموع تتبدد مرة و تحتشد أخرى ..تصرخ و تتوعد .. تنادي و تندد ..تطارد مرة و تطارد مرة ..فإذا كل أم أو أب يتمنى في تلك اللحظة لو شق صدره فخبأ فيه فلذة كبده ..حتى من تعافى ابنه و ظن أنه عائد به إلى البيت يلاطفه و يلاعبه يروي منه حرمانه و يغدق عليه حنانه عاد أدراجه مسرعا يحتمي في المستشفى حاضنا ابنه و قد أبووا إلا أن ينغصوا عليه حتى هذه الفرحة ..و لا تسل عن تينك الأبوين الذين في مثل هكذا وضع يغدوان كمن يتقلب على الجمر بين أخذ ابنهما المريض إلى المستشفى و تحمل مخاطر الطريق بما فيها تلك التي قد يناله و هو العليل منها نصيب أو انتظار أن تنفرج الأمور وقد يطول ذلك و يمر وقت عصيب على الوالدين و الابن يئن أمامهما و يتوجع أو تكون الحمى قد أخذت منه مأخذا و هما حذوه يجترعان مرارة العجز و يغصان بها .. يحمل الوالدان ابنهما على جناح السرعة إلى المستشفى ترجفهما الراجفة خوفا على صحته فإذا المشهد أمام الستشفى يقصفهما الراعدة و يزيدهم جميعا ارتباكا و ذعرا..لسنا ندري يرضي من هذا أو من ذا الذي لا يخطأ إذا لم يراعي في تصرفه تواجده أمام مستشفى ظنه المريض ملاذا له و لكن هيهات …إلى هذه الدرجة نحن عاجزون عن التعيبر بوسائل غير العنف المادي أو اللفظي عن امتعاضنا أو عن غضبنا و سخطنا حتى ..نعم الانسان عقل و الانسان عواطف ايضا و حبذا أن تتوازن الكفتان..فلا يسبل الانسان نفسه لأي منها دون الآخر ..أو يحاول ترجيح كفة على الأخرى ..و العقل حبا الله به الانسان ليحكم تصريف عواطفه الجياشة و مشاعره الفياضة بما يجعلها زيادة له في الرقي و البناء لا في الهدم و الخواء ..من ذا الذي لا يخطأ إذا داست عواطفه عواطف الآخرين فكيف بوالدين يحملان ابنا مريضا.. يسرا بن ساسي dc.yosra@live.com
ملف من إعداد منية العرفاوي – تتسّم الظاهرة السلفية وخاصّة الجهادية منها بولادتها خارج رحم المجتمع التونسي حيث كانت في مجملها استلهاما لأفكار متطرفة ولدت في سياق مستجدات سياسية واجتماعية واقتصادية معينة مشرقية أساسا..
وبالتالي كان التيار السلفي التونسي ودون وعي بحجم الاختلاف الثقافي والاجتماعي والسياسي يستلهم فتاوى أنتجها واقع مغايرللمجتمع التونسي له ممنوعاته ومحرّماته وضوابطه الاجتماعية والأخلاقية ..وباعتبارأن العنف بأشكاله من التجارب التي عانى منها المجتمع لعقود بصيغ وتمظّهرات مختلفة فإن شعار ما بعد الثورة الذي لا يجب أن نغفل عنه هي نبذ العنف وفتح حوارمجتمعي شامل يطرح الإشكاليات ويعالجها بروية ..واذا كان التيار السلفي يمثل في رأي البعض ضربا لمقوّمات الدولة الحديثة فهذا لا يعني الاستنجاد بمنظومة القمع الأمني التي أثبتت فشلها في الردع ولكن يفترض أن نتحاور ونركّزعلى الجانب التوعوي أكثر منه القمعي .. سامي براهم السلفية.. في مناخها التونسي باتت أوساط المتتبعين للشأن السياسي التونسي تتحدّث في الآونة الأخيرة وخاصّة على خلفيات الأحداث التي أثارها شريط» نسمة» المثيرلموجة جدل واستنكارعارمة عن تنامي وجود تيار سلفي جارف رغم سياسة «تجفيف المنابع» التي انتهجها النظام التونسي منذ بداية أواخر الثمانينات وبداية التسعينات خاصّة.. وبحثا منّا عن الموضوعية في تناول هذه الموضوع اتصلنا بالدكتورسامي براهم الذي اشتغل على المسألة السلفية..والذي أفادنا بأهمّ ما أورده في دراسته الأكاديمية «السلفية في المناخ التونسي».. في مستهّل حديثه معنا يقول الدكتور سامي براهم: «إنّ المعطيات والمعاينة المباشرة للوجود السّلفي في تونس تؤكّد أنّنا لسنا أمام ظاهرة عرضيّة عابرة على الأقلّ على المدى القريب، بل نحن أمام حالة ثقافيّة دينيّة سلوكيّة يتبنّاها ويدافع عنها بكلّ وثوقيّة فئات من المجتمع، وخاصّة الشّباب منهم ولاسيما التّلمذي والجامعي». الجذور الأولى للسّلفيّة وحول ما يتعلّق بجذورالسلفية يقول الأستاذ سامي براهم «ينسب لفظ السّلفية للسّلف الصّالح الذي حمل لواء الإسلام الأوّل ونقله للأجيال اللاحقة. تبعا لذلك يفترض أن يكون كلّ المسلمين سلفيّين. غيرأنّ لفظ «السّلفيّة» اكتسب دلالة اصطلاحيّة مذهبيّة مع ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية، فقد عاب ابن تيمية على المسلمين في عصره جملة من السّلوكات التي عدّها انحرافا عن منهج السّلف الصّالح، ويتعلّق بعضها بالعقيدة كالتّوسّل بالأموات والتمسّح على القبور… والبعض الآخربالتّشريع، كتقديس المذاهب الفقهيّة والرّكون إلى التّقليد، لذلك دعا إلى العودة إلى ما أطلق عليه العقيدة السّلفيّة الصّافية. وتعتبر الحركة الوهابيّة نسبة إلى محمّد بن عبد الوهاب التّرجمة السّياسيّة للعقيدة السّلفيّة على أرض الحجاز»… سلفية لم تنشأ في رحم المجتمع التونسي وحول السلفية في مناخها التونسي يقول الأستاذ براهم: «لعلّ أوّل ما يمكن أن يلفت الانتباه في السّلفيّة التّونسيّة، أنّها وإن استفادت من حالة الفراغ السّياسي والثّقافي للعشريّة الفارطة، فإنّها عموما ظاهرة وافدة من المشرق تحت تأثيرالانفجار الإعلامي، ولم تنشأ في رحم المجتمع ولم تكن نتاج جدال داخلي وتدافع بين فئات المجتمع، وإن كانت تستجيب لحاجات فئات من الشّباب لم تجد من يلبّيها في أجواء صحيّة سليمة…» ويضيف الأستاذ سامي براهم: «وذلك ما أكّد عليه الأستاذ احميدة النّيفرالذي وصفها بالاختراق بقوله: «هذا الاختراق السلفي بموجتيه المتتاليتين يعيد إلى الأذهان ما يمكن اعتباره خاصية مغاربية تميّزحركة نخبه ومجتمعاته منذ عصور، إنّه التحوّل بين قطبين: قطب الحرص على الاستقلال عن جذورمشرقية بالانفتاح على الفضاء الأوروبي، وقطب الإقبال على كل ما يصدرعن المشرق العربي الإسلامي وما يعتمل فيه من عناصرالتأثير السياسي والحضاري والروحي.» السلفية بديل ثقافي بمباركة انفجار رقمي وبسؤالنا عن محلّ شبابنا ومريدي السلفية من السلفية العلمية الى السلفية الجهادية يقول الأستاذ سامي براهم :»فئات واسعة من الشّباب السّلفي الجهادي وخاصّة الطّالبي منه، تبنّت الفكرالجهادي دون المرورعبر مرحلة السّلفيّة العلميّة، وذلك إبّان الانفجارالإعلامي الرّقمي والفضائي الذي لم تتهيّأ له الدّولة ولا النّخب الفكريّة والمثقّفون والإعلاميّون، فقد كانت المادّة الرقميّة أسرع من يد الرّقيب وأقوى وأشدّ استعصاء على المحاصرة». فانفتح الشّباب التّونسي المتديّن وغيرالمتديّن المتعطّش لبديل ثقافي أكثر تعبيرا عن جذوره وهويّته وذاته وتطلّعاته وأشواقه، على طوفان من المادّة الإعلاميّة التي قذفت به في عوالم آسرة من الكتب والوثائق والأشرطة المصوّرة والخطب والدّروس والأناشيد. لقد كان هذا المشهد الجديد مبهرا لشباب يعيش حالة من الاختناق والكبت الفكري، بين الخطاب الديني الرسمي و السطحي والنمطي، وخطاب تحديثيّ أكاديميّ نخبويّ. وفجأة انفتحت كلّ العوالم المحظورة والأفكار الممنوعة.» مميزات الظاهرة السلفية في تونس عن مميزات الظاهرة السلفية في تونس يقول الأستاذ براهم: «لعلّ أهمّ ما يميّز الظّاهرة السلفيّة في تونس بشقّيها العلمي والجهادي عن غيرها من نظيراتها في المنطقة العربيّة: ـ غياب المرجع الديني. ـ غياب الاستقطاب المخطّط له ضمن رؤية واضحة وبرامج معدّة بشكل منظّم. ـ غياب التّنظيم المركزي أوالتّنسيق المسبق. ـ غياب الرّموزوالقيادات المؤطّرة. ـ غياب الأدبيّات والنّصوص الدّاخليّة. كلّ ذلك يؤكّد الارتباط العضوي والمعرفي والوجداني وحتّى الولائي للسّلفيّة التّونسيّة بالمرجع المشرقي وخاصّة الخليجي وفي درجة ثانية بالمرجع المغاربي وقاعدته في الجزائر. ثقافة الانترنات و«البيعة الرقمية» وعن مصادرالاستلهام الفقهي يقول الأستاذ سامي براهم :» الإنترنات كانت ولا تزال المصدرالأساسي لتشكيل الوعي والثّقافة والمعرفة، وبدرجة ثانية الكتب التي يوفّرها من حين لآخر معرض الكتاب الدّولي رغم الرّقابة والفرزالدّقيق. ولقد شكّلت مرجعية الانترنات والفتاوى التي تبثّ من خلالها، أساسا لوحدة عاطفيّة عقائديّة فكريّة، أفضت في مرحلة متقدّمة إلى وحدة عضوية تنظيميّة يعتنق فيها الشّباب الأفكارويعقدون الولاء والبيعة لمن لا يتّصلون به فعليّا، ويلتزمون بطاعته وتطبيق تعليماته وفتاواه ونشردعوته والعمل على إنفاذها في الواقع بأساليب تتفاوت بين الدّعوة السلميّة والعنف». السلفية.. وحقيقة أحداث ما بعد الثورة كثيرة هي الأحداث التي وجهت أصابع الاتهام فيها للمتشددين دينيا أو ما اتفق السواد الأعظم على تسميته بالتيارالسلفي المتطرّف الذي يرفع شعارات تبدوغريبة بعض الشيء عن واقع التونسي وما اعتاده طيلة عقود..ووصل الأمرببعض المتشددين الى تكفيربعض فئات الشعب واتهامها بالانسلاخ عن الهوية الإسلامية وانغماسها في المحرّمات؛ بحيث «يجوز» ردّ الخارجين بالجهاد لإعلاء كلمة حق يراد بها إزهاق باطل..وإن كنّا هنا ليس في موضع إزهاق «الباطل» المفترض الاّ أننا سنسوق بعض الأحداث التي كان المتهم الأوّل فيه التيارالسلفي رغم غياب الحجة والبرهان القاطع على الأقل قانونيا.. مهاجمة الكنيس اليهودي بشارع الحرية والتي تداولت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية أن من يقف وراءه جماعات متشدّدة ويذكرأن هذا الحادث لم يلحق أي ضرربالجالية اليهودية. مهاجمة أحد المواخيرالمرخّص لها بالعاصمة من طرف بعض الشباب الذين ادعوا أنهم سيحاربون الفسق والفجور.. حادثة بنزرت والتنديد بما أتاه معلم تعليم ابتدائي بعد تفوهه بعبارات تمسّ بالذات الالهية وهو ما أثارموجة احتجاج عارمة.. مهاجمة قاعة السينما «أفريكارت» من طرف عناصرمتشددة بعد إقدام نادية الفاني على عرض شريطها «لاربي ..لا سيدي» وهو ما اعتبرته هذه الجماعات استفزازا صارخا للمشاعرالإسلامية وضربا لدين البلاد.. حادثة كلية سوسة وهجوم السلفيين على الكلية ومهاجمة الطلبة والاشتباك معهم على خلفية منع طالبة منقبة من دخول الحرم الجامعي.. وأخيرا حادثة قناة «نسمة» التي شهدت مهاجمة جماعات قيل إنها من التيار السلفي على إثرعرض شريط مسيئ للذات الإلاهية في فيلم كرتوني إيراني.. الرسالة الوهابية التي رد عليها علماء الزيتونة أرسل سعود بن عبد العزيز بن سعود (المتوفى سنة) رسالة إلى أهل المغرب العربي (سماها بعضهم بالرسالة الوهابية، وقيل إنها من كتابة الشيخ ابن عبد الوهاب نفسه) يبيّن فيها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ويدعوهم فيها إلى الأخذ بمذهبه، وقد وردت الرسالة إلى القطر التونسي فبعث بها حمودة باي (1759-1814) إلى علماء عصره، وطلب منهم أن يوضحوا للناس الحق، فكتب عليها العلامة المحقق أبو الفداء إسماعيل التّميمي كتابا مطولا سماه «المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية»، وأجاب عنها العلامة المحقق قاضي الجماعة أبو حفص عمرابن مفتي الديار التونسية آنذاك العلامة المالكي أبوالفضل قاسم المحجوب برسالة بديعة. نص الرسالة بسم الله الرحمن الرحيم، نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرأنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يُضلل الله فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا يَضُرإلا نفسه ولا يضرالله شيئا أما بعد: فقد قال الله تعالى: {قلْ هذهِ سبيلي أدعوا إلى اللهِ على بصيرةٍ أنا ومنِ اتَّبَعني وسُبحانَ اللهِ وما أنا من المشركين}، وقال الله تعالى: {قُلْ إن كُنتم تُحِبُّونَ اللهَ فاتَّبِعوني يُحبِبْكُمُ اللهُ ويغفرْ لكم ذنوبكم}، وقال الله تعالى: {وما آتاكُم الرسولُ فخُذوهُ وما نهاكم عنهُ فانتهوا}، وقال الله تعالى: {اليومَ أكملتُ لكم دينكم وأتْمَمتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ دينًا}، فأخبرسبحانه أنه أكمل الدين وأتمّه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرنا بلزوم ما أتى به إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف، وقال تعالى: {اتَّبعوا ما أُنزِلَ إليكم من ربِّكُم ولا تتبعوا من دونهِ أولياءَ قليلاً ما تذَكَّرون}، وقال تعالى: {وأنَّ هذا صِراطي مُستقيمًا فاتَّبِعوهُ ولا تتَّبعوا السُّبُلَ فتَفرَّقَ بكم عن سبيلهِ ذلكم وصَّاكُم به لعلكُم تتَّقون}. *وإذا عرفت هذا، فمعلوم ما عمّت به البلوى من حوادث الأمورالتي أعظمها الإشراك بالله، والتوجه إلى الموتى، وسؤالهم النصرعلى العِدى، وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدرعليها إلا رب الأرض والسموات، وكذلك التقرب إليهم بالنذور، وذبح القربات، والاستعانة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلى لله تعالى. وقال تعالى: {ولا تدعُ من دونِ اللهِ ما لا ينفعُكَ ولا يَضُرُّكَ فإن فعلتَ فإنَّكَ إذًا مِنَ الظالمين}. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله، ولا يشفع ابتداء بل يأتي فيخرُّ لله ساجدًا فيحمده بمحامد يعلّمه إياها. * وما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم، وتعظيم قبورهم ببناء القِباب عليها وإسراجها والصلاة عندها وجعل الصدقة والنذورلها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذَّرمنها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يلحق حيّ من أمتي بالمشركين وحتى تعبد أقوام من أمتي الأوثان»…. ولذلك قال غيرواحد من العلماء: «يجب هدم القباب المبنية على القبور «لأنها أسّست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذا ما نعتقده وندين الله به، فمن عمل على ذلك فهوأخونا المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا. عبد الله عطية الباحث في علم الاجتماع التربوي السلفية تسربت عبر ثغرات في نظامنا التربوي رغم أن جامع الزيتونة يعتبر منارة فقهيّة ودينية طوال عقود إسلامية متعاقبة ورغم الاجتهادات الفقهية التي عرفت عن أيمة ومشايخ جامع الزيتونة ناهيك عن موقفهم الشهير من الرسالة الوهابية فإن «الزواتنة» حشروا رغم عنهم في الشأن السياسي رغم أنهم لم يدلوا بدلوهم في شؤون الحكم وتبعاته بالصراع البورقيبي اليوسفي انعكس سلبا على حضور «الزواتنة» في الحياة العامة وحتى التعليم الزيتوني انحسر إشعاعه لصالح نظام تربوي حداثي أرسى دعائمه بورقيبة تحت تأثير الخيار السياسي المناهض للفكر اليوسفي المرتكز على التعليم الزيتوني والهوية العربية الإسلامية.. ولدحض أو إثبات الرأي القائل بأن السلفية في أسبابها الأولى هي وليدة ثغرات في النظام التربوي بدأت بذرته الأولى مع الصراع اليوسفي البورقيبي وامتدت لعقود الحقبة البورقيبية وابان حكم بن علي..ولوضع المسألة في سياقها التاريخي اتصلنا بالسيد عبد الله عطية متفقّد التعليم الثانوي والباحث في علم الاجتماع التربوي الذي وافانا بجملة من التوضيحات المتعلقة بثغرات نظامنا التربوي والتي ساهمت نوعا ما في خلق تربة خصبة لاستزراع الأفكار الأصولية.. ثغرة نظامنا التربوي وحول مدى مساهمة النظام التربوي في ترسيخ أفكار متطرفة كبدائل للمواد الجوفاء التي كانت تقدّم يجيب الأستاذ عبد الله عطية «قد يكون الخطأ التربوي الذي أحدث ثغرة أينعت من خلالها السلفية هو أن حضور الدين في مناهجنا تعلّق لعقود بالعبادات دون فتح باب الاجتهاد وتقييم مخلفات السلف في هذا المجال, فلم تباشر مؤسساتنا الجامعية تاريخنا العربي الإسلامي بالبحث والتمحيص..من خلال قراءة تنويرية بالاستناد الى نقد المقاربات الشرعية والفقهية الجاهزة والتي لا تملك ضرورة الحقيقة الكاملة وبالتالي لم يكن هناك «تأصيل» للدين الإسلامي في إطار منهج تربوي مستنير يفتح مجال النقاش ويطرح مواقع الالتباس ويدفع للاجتهاد والتعامل المنطقي مع كل الإشكاليات الدينية لحل الإشكالات الدنيوية دون مسّ بالمقدسات أو التابوهات.. وهذا الواقع دفع الى خلق نوع من الارتجاج بين وافد ثقافي قوي وبين رافد محلي يبدو في الحقيقة «فلكلور» وتقاليد أكثر منه عقيدة ومقدّس. ومن ثمة برزت حقيقة من نحن فعلا..فنحن نستمد وجودنا الحضاري والمعرفي من خلال نظرة الآخر إلينا.. ورغم ذلك لا يجب أن نسقط في دوامة فزّاعة الاسلاميين فهم جزء من النسيج الاجتماعي كما أن المقاربة الأمنية التي كانت الأداة الوحيدة للتعامل أثبتت فشلها. تأثير الصراع البورقيبي-اليوسفي وحول مدى انعكاس الصراع البورقيبي-اليوسفي سياسيا على الخيار التربوي يقول الأستاذ عبد الله عطية» كوننا وصلنا إلى نتيجة مفادها نزول مريدي هذا التيار للشارع ورفضهم العنيف لبعض السلوكات والمظاهر الحضارية المجتمعية فإننا يمكن القول أن الصراع السياسي بين بورقيبة وصالح بن يوسف انعكس على توجهات النظام التربوي فبورقيبة لم يدخل جامع الزيتونة منذ الحقبة الاستعمارية وحتى احتفالات المولد النبوي الشريف التي كانت تقام في جامع عقبة ابن نافع بالقيروان وهو خيار سياسي انتج جيلا جاهلا بهويته الاسلامية مكتفيا بالعبادات وأنا أعرف يقينا أن 70 بالمائة من الظاهرة السلفية أناس ملئوا ولم يملأوا أنفسهم بل اكتسبوا «العلم» من الفضائيات المحشوة بأديولوجيات دينية مسبقة دون اجتهاد وتقصّي في المعلومات المطروحة بل مجرّد دمغجة وسلب للعقول بظواهر الأمور وليس بواطنها فالسياسي انعكس على التربوي ليخلق جيلا لا يتبع الإسلام المستنير.. إسلام العقل والاجتهاد في أصول الدين بل كان إسلام فلكلور دون مناعة أو حصانة فكرية.. رشيد خشانة علينا محاربة التيار السلفي بالتوعية والتنوير.. بات من اللافت أن تبرز وخاصّة خلال الأحداث الأخيرة قيادات سلفية كان يجهلها الشارع التونسي لتعلن على نفسها مدافعة عن أفكارها مهددة في بعض الأحيان بالويل والثبور في الدنيا أو الآخرة لكل من لا ينحو نحوها ..بطريقة دفعت ببعض الملاحظين الى طرح أسئلة حول موقع التيارالسلفي مستقبلا من الخارطة السياسية واذا كان يمكن أن يكون بديلا عن الاسلام السياسي ..»الأسبوعي طرحت السؤال على الاعلامي رشيد خشانة الذي وافانا بالاجابة التالية.. «التيار السلفي يسطو على السلف الصالح لأنه ينسب نفسه اليه بينما الحركة السلفية الاصلاحية التي تزعّمها محمد عبده سلمية وهي تهدف الى جعل الأمة تجاري التطوّر الحضاري الذي تخلفنّا عنه بسبب تكلّس الأفكار الاجتهادية..وبالتالي ليس للتيار الحالي أي صلة بالتوجّه الاصلاحي المذكور.. والحركة المقصودة بهذا الاسم هي حركة متطرّفة تربت في أحضان الفكر الطالباني وقامت على الاقصاء والاحتراب وكل المناسبات كانت في اطار شنّ معارك على خصومهم في الساحة الديمقراطية وفي الساحة الاسلامية. ويقوم فكر هذه الجماعات التي لا تقتصر على تونس على رؤية تدعو الى التغييربالعنف وهو ما جعل هذه الجماعات تنتسب الى التيارات المتشددة والمسلحة على امتداد العالم الاسلامي من اندونيسيا الى موريطانيا. ولا أعتقد ان لهذه الجماعة مكانا في الساحة السياسية التونسية لأنها ترفض أصلا النظام الديمقراطي والاحتكام الى الأغلبية واحترام الأقلية وتكفّراللجوء الى صندوق الاقتراع باعتباره بدعة مستوردة. فأي مكان سيكون لهؤلاء بين من كفرتهم وتزعم خروجهم عن الملة الاسلامية؟..وبهذا المعنى وجواب على سؤالك أعتقد أن المستقبل هو للحركات التي تؤمن بالديمقراطية والعمل السلمي للتغيير؛ وبالتالي فلا أرى مستقبلا لهذه الظواهر الاستثنائية..فالتونسيون لا يمكن ان يعطوا صوتهم الى هؤلاء ؛ وفي اعتقادي على العقلاء في مجتمعنا سواء كانوا أحزابا أو جمعيات أو أفرادا ان يواجهوا هذا التيار بالتوعية والتنويرمثلما واجهه اباؤنا وأجدادنا من المصلحين الذين حاربوا المغالاة وأرسوا تقاليد العمل السلمي والديمقراطي. الدكتور أعليّة العلاني حقيقة حجم السلفية الجهادية.. وأي مستقبل للتيار السلفي ؟ بات من المؤكّد أن التيارالسلفي في تونس لم يعد بمعزل عن الحراك الاجتماعي الشعبي وبات يعلن عن نفسه «كشريك» مجتمعي قد يثيرالارتياب كعنصر دخيل على نواميس اجتماعية ويدفع لتنامي هاجس الخوف على المكتسبات الحضارية والتي تمثّل الهوية الإسلامية أحد روافده التقليدية ؛ لكن عندما نتحدّث عن السلفية فان الخوف يتأتّى ممّا يسمّى بالسلفية الجهادية ومستقبلها الاجتماعي والسياسي ؛ وللغرض اتصلت الأسبوعي بالدكتور أعليّة العلاني الباحث بقسم التاريخ بكلية الأداب بمنوبة الذي نشرفي جانفي 2011 بحثا في كتاب جماعي بعنوان: «السلفيون في دول المغرب العربي .» وهوأول بحث أكاديمي عن التيارالسلفي في تونس موثق بخريطة.. وقد وافانا الدكتور إعليّة العلاني بشرح مستفيض لمستقبل التيار السلفي في تونس.. السلفية الجهادية و1208 سجينا في مستهلّ حديثه يقول الدكتور أعلية العلاني : «إذا كانت المعطيات الدقيقة لا تسعفنا لتقديرحجم السّلفية العلميّة وتوزيعها الجغرافي والعمري والمهني في تونس، فإنّ دراسة السّلفيّة الجهاديّة تتوفّرعلى بعض المعطيات الأوليّة، التي يمكن سحبها على الظّاهرة السلفيّة عموما مع بعض التنسيب، وذلك لتقارب الفضاء النظري والبشري الذي يتحرك فيه كلاهما. وتسعفنا في ذلك دراسة أعدّتها منظّمة حقوقيّة تونسيّة غيرمعترف بها حول من أطلقت عليهم : «ضحايا قانون 10 ديسمبر 2003 لـ «مكافحة الإرهاب»، حيث انتقدت الجمعيّة هذا القانون. تعرض هذه الدّراسة معطيات أولية – ولكنها مهمّة في ظل غياب المعلومات – حالة 1208 سجينا ممّن يفترض أنّهم من السلفيّة الجهاديّة الذين شملهم هذا القانون في فترة 2007 – 2009 مستقبل التيار السلفي في تونس وحول مستقبل التيارفي تونس يقول د.العلاني: «إن مستقبل التيارالسلفي في تونس يرتبط بجملة من العوامل من بينها طبيعة التعامل الرسمي في المستقبل مع ملف التيارات الدينية بمختلف تشكيلاتها؛ وطبيعة تأثرالمغادرين للسجون من أتباع التيار السلفي وطبيعة خياراتهم في مرحلة ما بعد السجن؛ وتطورالملف الجزائري ومستقبل التيارالسلفي هناك ومستقبل الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، والتي دخلت قياداتها مؤخرا في مفاوضات سرية مع السلطة بغية إعادة إدماجها في المجتمع إثر تخلي العديد من رموزها عن توجهاتهم الراديكالية؛ وتطورات الأحداث في العراق والتطورات التي سيشهدها المشهد الفلسطيني والملفين السوري والإيراني ؛وطبيعة الوضع الاجتماعي في المستقبل وتأثيرات الأزمتين العالميتين المالية والاقتصادية على تونس . ومهما تكن التطورات وتأثيرات الأسباب المذكورة فان التيارالسلفي يصعب أن يتحول إلى تيارجارف في الساحة التونسية لطبيعة الفرد في المجتمع التونسي وملامح الجغرافيا والتاريخ ، لكنه في نفس الوقت سيبقى موجودا ومتشكلا لطبيعة تلك التأثيرات الإقليمية خاصة ولضعف في التأطير للأحزاب السياسية الراهنة في تونس . إنه في غياب فضاءات الحوا والجدل التي تمكّن الشّباب التّونسي من تمثّل إشكاليّات هويّته تمثّلا نقديّا بعقل تحليليّ تأليفيّ … فإننا سنجد مرة أخرى فئات من الشباب التونسي تتبنى أقصى التّصوّرات تشدّدا وحدّيّة وتترجم تصوّراتها تلك على مستوى الواقع من خلال سلوكات تتفاوت بين المفاصلة ومباينة المجتمع وتكفيره في الحدّ الأدنى، والسّلوك العنفي المسلّح في حدّ أقصى . ونؤكد أنّ انخراط مجموعة من الشباب في خيارالعنف الفكري أوالمسلّح ، هو بمثابة اختراق للمنظومة التّربويّة والإعلاميّة والثّقافيّة والسّياسيّة التي لم تتمكّن من مواكبة المستجدّات الدوليّة والإقليمية ولم تستعدّ لرفع التحدّيات الرّاهنة. الخادمي لـ«الأسبوعي» مواجهة التعنيف الإعلامي والفكري.. و الانتخابات تكليف شرعي !! لمعرفة رأي أهل الذكر في السلفية ، اتصلت «الأسبوعي» بالدكتور نورالدين الخادمي ، رئيس جمعية العلوم الشرعية ، وطرحت عليه عدة أسئلة تمحورت حول موقفه من الأحداث الأخيرة (تداعيات الفيلم الكرتوني المسيء للذات الإلاهية) وعلاقة اجتماع قاعة البراق بالذي حدث يومها وأي مستقبل للسلفية في تونس؟ وغيرها من الأسئلة التي أجاب عن بعضها وقد أرفق ذلك بملاحظة طلب منا الاستاذ قائلا: « تعتمد الأجوبة كما هي دون تصرف أو تعديل. وأكتفي بالأجوبة التي كتبتها فقط . والأسئلة الأخرى تحتاج إلى استفاضة وتحقيق وتفصيل والأنسب أن نجيب عنها ربما مرة أخرى.»وفي ما يلي نص الحوار: ما هو موقفكم من الأحداث الأخيرة (تداعيات الفيلم الكارتوني المسيء للذات الإلاهية)؟ ـ هذا الفيلم إهانة لمشاعرالمسلمين واعتداء على مقام الله تعالى وتجاوز للخطوط الحمر وتصرف مناف للحرية والإبداع ، إذ الإبداع لا يقام على الاعتداء والاستفزاز ومواجهة ضميرالشعب التونسي ومقدساته وثوابته ودينه وعقيدته. والحق أن الاعتذارلا يكفي بل لا بد من التصحيح والتوضيح؛ ومثل ما تم بث الفيلم لا بد من بث الموقف الشرعي والفكري وتنظيم الندوات والحلقات التي تبين عقيدة المسلمين وقيمهم الإيمانية والتشريعية والحضارية ، هذا فضلا عن رفع القضايا القانونية والقضائية والتصدي السلمي والمدني وبالطرق القانونية لهذه الأعمال الخطيرة التي تتسم بنوع من التعنيف الإعلامي والفكري الذي يستخف بمقام الله عز وجل وعقيدة الأمة الإسلامية وإيمانها بخالقها وامتثالها لأحكامه وتوجيهاته. وأبشركافة المسلمين أن الله تعالى أعلى وأعظم وأعلم، وأنه حافظ لدينه ووحيه، وأن العقيدة الإسلامية ثابتة وقوية ومحفوظة بحفظ الله لها، وبقوة أدلتها وبراهينها؛ وأن المحاولات المتواصلة لطمسها والتشكيك فيها فاشلة ومهزومة وفاضحة لأصحابها وأعمالهم الذميمة البائسة. ما علاعقة اجتماع قاعة البراق بالذي حدث يومها؟ ـ اجتماع قاعة البراق كان مخصصا لندوة علمية فقهية لدراسة قضية الانتخابات من منظور الفقه الإسلامي والعلوم الشرعية. وقد أعلن عن هذه الندوة منذ مدة وقبل أن يظهرالفيلم وتظهرتداعياته. وما قيل من أن مجموعة انطلقت من البراق، فغير صحيح بالمرة ، والصحيح أن الندوة انعقدت وأكملت أعمالها إلى حين انتهاء عرض المحاضرات الثلاث، وغادرالحاضرون القاعة بسلام دون أي مشكل. وإذا كان الأمر يتعلق بوجود أناس في الشارع أو مروا في الطريق أمام القاعة، أو جاؤوا من محطة سيارات الأجرة بباب سعدون وتجمعوا في الشارع العام ، فهذا لا يفهم منه أنه انطلاق من القاعة ، فلا بد من التحري والتثبت في ذكرالخبر. وما تم في قاعة البراق هو بيان الرأي الشرعي للانتخابات ، وكونها عمل صالح وتكليف إسلامي إذا أقامه الإنسان على اختيارالأفضل والأصلح، وعلى أن تكون طريقا لانتخاب مجلس تأسيسي يضع الدستورالجديد الحافظ لتونس في دينها وعقيدتها وهويتها وحضارتها ومدنيتها، والحامي لقيم الأخلاق والفضائل، ولمبادئ العدالة والحرية والكرامة والمسؤولية، والذي سوف يحول دون عودة المتسلقين والفاسدين والمستبدين، كما يحول دون محاولات إضعاف وطننا وإذلال شعبنا ثقافيا واقتصاديا وأخلاقيا.والحمد لله فقد تكللت الندوة بالنجاح الكبيرمن حيث تميز محاضراتها وكثرة الحضورودعوتها العلمية المؤصلة والموثقة للمشاركة الفاعلة والإيجابية لإنجاح الانتخابات ومنع تزييفها ومواجهة المتربصين باستحقاقات الثورة التونسية المباركة. أي دور للمشايخ و العلماء في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ تونس؟ ـ دور العلماء مهم للغاية ولاسيما هذه الأيام ، فدورهم التوعية والتثقيف وتوجيه الناس إلى الخير وترشيد سلوكهم بلا إفراط ولا تفريط . والعلماء المخلصون الربانيون هم ورثة الأنبياء وحملة رسالة الدين في مجتمعاتهم . وعلى الناس والشباب أن يسمعوا للعلماء ويعودوا إليهم في الشدائد والنوازل بالخصوص، وعلى الجميع التحاوروالتشاوروالتعاون فيما يوصلنا إلى سلامة تونس وحماية دينها وعقيدتها وصيانة مدخراتها وأمنها وأمانها وتحقيق أهداف ثورتها المجيدة. ونحن مقبلون في مستقبل أيامنا على مجالس علمية وحوارات فكرية وشرعية كثيرة وعظيمة سوف نحقق فيها أقدارا كبيرة من الاتفاق والتوافق، ومساحات من الاختلاف المحمود الذي ينبغي أن يسود فيه أدب الاختلاف وأن يعذرالواحد الآخر. والله المستعان. جمال الفرشيشي راي الشارع في السلفية بين نفور ورفض لها.. ودعوة إلى الوسطية ونبذ العنف ولمعرفة راي الشارع قامت «الاسبوعي» بسؤال عدد من المواطنين في بعض جهات الجمهورية فكانت هذه انطباعاتهم: فتحي الباجي (موظف(: اعتقد ان مصطلح السلفية يعود بالضرورة الى افعال السلف الصالح الذين تربوا في المدرسة المحمدية والذين فيهم من المواصفات الشيء الكثير، لكن ما تشهده بلادنا بين الفينة والاخرى من احداث عنف لأناس سموا انفسهم سلفيين وهي تسمية لا تنطبق فيها الافعال مع التسمية ومع معنى وتاريخية الكلمة. اظن ان هؤلاء افراد يتبنون ايديولوجيات معينة ارادوا من خلالها تشويه الفكرة التي نحملها عن سلف هذه الامة البعيدة كل البعد عن العنف والارهاب. منصف مرزوق (إداري(: بغض النظر عن التيار الديني المتهم فان الغرض من هذا التشويه هو جر المسلمين الى الشارع والى العنف خاصة الشق المتشدد منه وذلك لضرب النهضة او من يمثل الدين في هذه الانتخابات. فهل يعقل ان يتم المساس بالذات الالاهية في هذا الوقت بالذات قبل ايام من انتخابات التاسيسي ويقع تحدي المسلمين في مشاعرهم وجر المتشددين منهم الى الشارع لاتهام الدين او شق منه بالتطرف؟. عزالدين الحرباوي (متقاعد): بغض النظر عن التسميات ما لم استسغه بعد شيوع الفكر التكفيري في صفوف المسلمين وهو أمرغير مقبول بالمرة لأني اعتقد انها مسالة شائكة وموكولة بيد العلماء الربانيين؛ وليس العامة الذين نصبوا انفسهم وصاة على الناس. إن الدين الاسلامي براء من أي فكرمتشدد أو فعل متطرف؛ فالدين غير التدين لأنه ليس ‘لحية و قميصا’.» محمد بن عبد الله (سائق تاكسي): اصبحت المساجد تعج بمنتسبي عدة تيارات ومنها التيارالسلفي وهم الذين يجمعون بين مظهرالتدين ارتداء الاقمصة واسدال اللحي – والتشدد كماهو باد في تعاملهم مع الآخرين حيث يؤكدون على تطبيق الدين بكل حذافيره دون التفريط في شيء؛ وهذا يتعارض مع سماحة ديننا ؛ فالابتعاد عن التشدد ضروري لكسب قلوب الناس. أحمد الفاسي (مجاز): يبدو ان منتسبي السلفية ملتزمون جدا الى حد التشدد في بعض الأحيان وهو ما جعل العامة يأخذون عنهم فكرة سيئة ويرونهم متشددين ومتطرفين لكن عندما تحتك بهم عن قرب تجدهم عكس ذلك ؛وعلى كل فتونس في الوقت الراهن يجب ان تكون متسعة للجميع بمختلف انتمائاتهم وتياراتهم حتى نحافظ على التعايش السلمي. خالد التواتي (تاجر): لا مكان للسلفية في تونس حاليا ، فالاعتدال والوسطية من سمات بلادنا. وهذا التيار الذي ظهر بعث في المساجد. وفي بعض المناسبات قد اساء اصحابه لصورة الاسلام . واعتقد ان أكبر متضرر من هذه الاحداث هي حركة النهضة لان الانسان العادي لا يميزبين كل الفرق الاسلامية المتواجدة في تونس. عمار بن موسى ( عامل بمقهى ) : اعتقد أن روح العصرلا تتماشى مع الفكرالسلفي فضلا عما يتسم به هذا الاتجاه من تشدد يبلغ احيانا حد التطرف، اذ عمليا لا يجوز تطبيق التشريعات والقوانين التي يدعو السلفيون الى تعميمها في مجتمعنا خاصة اذا سلمنا ببديهيات الأمور حيث تستحيل عودة عجلة الزمان الى الخلف؛ فالعالم يتطورباستمرار ونحن كتونسيين نُعد جزء من هذا العالم. عبد الرزاق بوحوش ( طالب ) : أستغرب تنامي ظاهرة السلفية ببلادنا بل وأحذرمن انتشاره في أوساط الشباب لأنّ ذلك سيجرّ مجتمعنا الى متاهات نحن في غنى عنها لا سيما ونحن نتوق الى مزيد النهوض ببلادنا نحو الافضل . سعيدة الزاهي ( موظفة ) : شخصيا لا اعلم عن هذه الحركة الا العنف الذي يتسم به أنصارها ؛ فالحوار لا يوجد في قاموسهم فضلا عن رفضهم للعلم والمعرفة وهو ما اراه منافيا لمبادئ ديننا الحنيف. لطفي الشرادي (موظف): أحمل عنهم انطباعا جيّدا. فقد تصدوا أيام الثورة للمنحرفين واللصوص وباعة الخمورخلسة وأغلقوا الماخوربالمدينة حتى أصبح بعض الناس يأتمنونهم على بيوتهم وأهلهم في غيابهم وكانوا في مستوى الأمانة.. محمد أمين الشريف (طالب): يحمل الناس مفهوما خاطئا عن السلفية، لأنها ليست مذهبا بل هي طريقة عيش كما الأسلاف، و شخصيا أراها أحسن طريقة عيش للمسلمين لأنها تعتمد السنة والقرآن و نهج الصحابة.. صالح زرّوق (متقاعد): هي تيار فكري سياسي وديني لا يخلو من التشدد والغلو خاصة فيما يتعلق بقبول الرأي الآخرومع ذلك فإن التعامل معه يجب أن يكون موضوعيا وعن طريق الاقناع بالحجة والحوارمع الابتعاد عن أي تصادم معه. الفرشيشي ـ غرسلي ـ بوعبد الله ـ العياري حصر أملاك «السياسيين الجدد» غياب الشجاعة السياسية لتفعيل قانون المحاسبة المالية تعالت الأصوات بعد 14 جانفي منادية بضرورة محاسبة المسؤولين السابقين خاصة أولئك الذين تنامت ثروتهم وتضاعفت في وقت وجيزمقارنة لما يتقاضاه مسؤول في الدولة ، بل وذهبت أغلب الأطياف السياسية آنذاك إلى الدعوة إلى وضع قانون المحاسبة المالية وحصرالأملاك قبل وبعد مباشرة المهام السياسية لهذه الفئة في فترة ما بعد اتخاذ بلادنا لمسارها الطبيعي في ظل حكومة ورئيس منتخبين، لكن وقبل أيام قليلة من الموعد الانتخابي المرتقب انخفضت هذه الأصوات بل واختفت وراء شعارات ومواقف أخرى تتناسب ومتطلبات المرحلة الحالية وتحالفاتها المعلنة وغيرالمعلنة. وفي انتظارانتخاب المجلس المنتظرالذي سيكون هدفه الأول سن دستور للبلاد فإن عددا من المحللين والعارفين بالشأن الوطني في تونس يرون أنه أمام أعضائه فرصة لإعادة تفعيل وإحياء قانون المحاسبة المالية حتى لا يتكررسيناريو نظام بن علي وتورط رموزه في الفساد الذي مازالت ملفاته مفتوحة دون حسم حتى قضائي. ولمعرفة أسباب عدم التطرق إلى هذه المسالة في المنابرالسياسية أوحتى التعريج عليها في البرامج الانتخابية, سالت «الاسبوعي» محاميين لمعرفة رأيهم في المسالة وكيفية تفعيل هذا القانون. القانون موجود والمؤسسات غائبة يقول الأستاذ عبد الرؤوف العيادي عضو المكتب التنفيذي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والذي كان أمينه العام المنصف المرزوقي من أول الشخصيات التي نادت بضرورة المحاسبة المالية للمسؤولين السابقين:»يضم الدستورقانونا يعنى بالمحاسبة المالية للمسؤولين منذ سنين لكن لم يقع تفعيله لأنه و ببساطة تبقى مشكلة تونس هي الحاجة الأكيدة لقضاء مستقل. فتونس إبان حكم المخلوع فيها قوانين لكن لا وجود لمؤسسات؛ فالقاضي وقتها كان يحكم طبقا لوجدانه وللإملاءات وليس بالعودة إلى القانون حيث كان هذا السلك ديكورا حداثيا كان فيه الشعب التونسي الضحية لأنه من كان يدفع الضريبة في نهاية المطاف ومن يتحمل تبعات اخطاء المسؤولين المتجاوزين للقانون الذي لا يطبق الا على المواطن البسيط.» .. وتفعيله مسؤولية الجميع ويتابع محدثنا :»لقد كنا في حزبنا من أولى الأطراف التي نادت بالمحاسبة ولا زلنا ننادي بتتبع أي موظف ومحاسبته ؛ لأن تحررالشعوب مرتبط بالأساس بضرورة المحاسبة. وعند سؤاله عن الكيفية التي يمكن بها تفعيل قانون المحاسبة حتى لا يتكررما فات وتبقى دارلقمان على حالها أجاب الأستاذ العيادي :»إن تفعيل هذا القانون يبقى منوطا بعهدة ومسؤولية القوى المنتخبة في المجلس التاسيسي المرتقب بالإضافة إلى كل مكونات المجتمع المدني الحية ناهيك عن الإعلام الحروهي وسائل ضغط ومتابعة يمكن من خلالها إحياء هذا القانون من جديد وإيلائه الأهمية التي يستحق.» صد الباب أمام «مريدي» الثروات بدوره يرى الأستاذ فتحي العيوني الذي أكد على أن تعليق الدستورلا يعني بالضرورة إيقاف العمل بقوانينه التي تبقى فاعلة حيث قال:»كحقوقي وقبل تأسيس الحزب (حزب الأمانة) كنت قد ناديت بتفعيل قانون المحاسبة بل وبفتح ملفات الفساد قبل الحديث عن المصالحة. وبمرورالأيام تبنينا هذه المطالب في حزبنا لتصبح الدعوة والمطالبة بالمحاسبة أحد أهدفه.» ويضيف قائلا:»يبقى قانون المحاسبة في حاجة إلى عملية تفعيل التي بدورها في أمس الحاجة إلى شجاعة سياسية لكن للأسف الشديد تضم الساحة السياسية أطرافا تحاول بل وتراهن على حشد التجمعيين خدمة لمصالحها قبيل الاتنخابات في إطار صفقات سياسية بين الطرفين تلقى فيها هؤلاء (التجمعيين ) وعدا من قبل هذه الأحزاب بعدم الحديث عن المحاسبة وبالمناداة بعفوعام لهم؛ فكان لسان حال هذه الأطياف السياسية يقول :’ادعمونا واحشدوا لنا المناصرين واول تحرك لنا بعد التاسيسي العمل على اصدار عفو عام في شانكم’.» وعن كيفية سد الطريق على هؤلاء وضمان تفعيل قانون المحاسبة يقول الأستاذ فتحي العيوني:» لتفعيل هذا القانون يكمن الحل في صوت المواطن يوم 23 لاختيار الأنسب لكن وللأسف هناك الكثيرمن الحسابات والصفقات السياسية الغائبة عنه وله ان يتساءل عن وضعية أحزاب إبان عهد بن علي حيث كانت معدومة الحال ومفلسة ماديا حتى إنها كانت عاجزة عن سداد موظفيها وبقدرة قادرانقلبت الموزاين وأصبحت الآن ذات ثراء فاحش وتمتلك أموال طائلة متأتية أساسا من صفقات مشبوهة.» جمال الفرشيشي (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 17 أكتوبر 2011)
العذرية ما زالت مقياسا مهمّا في المجتمع التونسي وشغل المرأة غيّر الأعراف القديمة ‘اختيار الزواج’ للباحثة هادية العود البهلول:
عبد الرزاق القلسي 2011-10-16 في كل مرة يرد فيها الكلام عن الزواج وعن الاسرة الا ويترافق ذلك مع المقاييس التي تعتمد في اختيار الزوج المناسب او المراة المناسبة . هذه المقاييس ليست اشتراطات بقدر ما هي نمط من الوعي الفكري والاجتماعي اللذي يعكس تطور بنية المجتمع ودور التعليم والتثقيف وغير ذلك من العوامل المساهمة في نحت الوعي الفردي والجماعي على حد سواء .
لقد بات من المؤكد ان المجتمع التونسي قد شهد تطورات نوعية مست البنى الثقافية والفكرية للافراد والجماعات خاصة في المراكز الحضرية والمدن الكبرى واصبح اختيار القرين مشروطا بمنسوب عال من الحقوق والواجبات اكثر مما هو مشروط بالتقاليد والعادات كما ان دخول المراة وبقوة وكفاءة سوق الشغل قد اقحم معطيات جديدة في اختيار القرين لم يكن مفكرا فيها قبل جيل او يزيد .
بنية الزواج لم تتزعزع هذا مؤكد ولكن حيثياته واعرافه ومقاييسه قد لحقها التطور والتبدل تحت مفاعيل تطور الوعي وتطور نمط العلاقة بين الرجل والمراة غير ان هناك اتجاها لم يتبدل قط ويبدو انه قاسم مشترك للبشرية جمعاء هو ان الرجل هو المبادر بطلب يد المراة ويبدو لنا ان اغلب الادبيات والقوانين والعقود قد انبنت على تلك الحركة وتاسست عليها وفي هذا السياق درست عالمة الاجتماع التونسية هادية العود البهلول ظاهرة الزواج في تونس ولاجل ذلك اشارت انطلاقا من الاستبيان اللذي اعتمدته الى ان المحافظة والتدين اصبحا يشكلان مقياسين مهمين في عملية اختيار الخطيبة المناسبة وأرجعت الباحثة ذلك الى دواع خارجية منها التاثر بالإعلام الفضائي الديني بوجه خاص – . ففي السبعينيات كان الشباب يميلون الى الفتاة المتحررة والمتفتحة والتي تواكب عصرها في الموضة وفي التفكير دون شطط ومبالغة وكان الجانب المظهري للتدين خافيا فيما ظلت القيم في جوهرها قيما محافظة اما الان فان هناك عنصرا جديدا قد اقتحم المجال الاجتماعي والبصري وهو ظهور المرأة المتحجبة فهناك نسبة مهمة تقترب من 25 بالمئة اكدوا على تفضيلهم المحجبة على غيرها وهو ما يؤشر على ان التدين العام اصبح سمة بارزة لا تخطئها العين المجردة وان كان هذا التدين مظهري يشتغل على الرموز والايقونات ( الحجاب .النقاب . اطالة اللباس او اللباس الفضفاض .الجدة المفرطة في الفضاء العام) اكثر مما يشي بمحافظة حقيقية . وهذا المقياس الظاهري ‘الحنبلي’ طارئ وحادث على البنية الاجتماعية للمجتمع التونسي . ولم تعمد الباحثة الى تعليل هذه الظاهرة بالاسهاب المطلوب ولكن نرى ان ذلك يوشر الى حقيقتين الاولى تراجع مواقع الحداثة والعصرنة في اكثر المجتمعات العربية انفتاحا وبداية تقهقر التراث البورقيبي اللذي كانت مرجعيته واضحة في بناء الدولة والمجتمع اما الثانية فترى في ذلك عودة الى الاصول والى الاصالة التي سعت الدولة التونسية الى مقاومتها بدعوى الحداثة .
ومن جملة الخمسين شابا اللذين وقع استجوابهم لاحظت الباحثة ان ما نسبته 67 في المئة منهم تؤكد على مقياس المحافظة في الملبس ما يؤشر فعلا الى تغيير حقيقي في وعي الشاب التونسي نحو تفضيل الفتاة المحافظة على الفتاة المتحررة والمتفرنجة . ان ذلك يشير الى ان هناك استقطابا حادا ينشا في المجتمع التونسي بين قطب متدين وبين قطب غير متدين وان كان متمسكا بالفضيلة ولكن بطريقته الخاصة . ان هناك غموضا اصطلاحيا لم تقدر الباحثة على التعاطي معه بالوضوح المطلوب فمن جهة تتحدث عن ‘الاصل’ الذي هو الحسب والنسب والانتماء الى اسرة كريمة و’هو شرط مهم واساسي في عملية اختيار زوجة المستقبل’ ص.90 ومن جهة اخرى تتحدث عن التدين باعتباره شرطا جديدا وحادثا في تفكير الشباب التونسي . هي تتحدث عنهما كما لو كانا يشتركان في نفس الدلالة الاجتماعية والعلائقية او ينتجان نمطا واحدا من العلاقة الزوجية ونحن نرى الامر من زاوية اخرى ف’الاصل’ يتعالى عن التدين ويتمايز عنه لانه يضرب اكثر واعمق في التاريخ الاجتماعي للافراد وللاسر وهو يمنح الشاب نوعا من الانتماء الارستقراطي الذي لا يمنحه التدين .
ان ما يحدث الان ان التدين مفهوما وممارسة وشعائر اصبح يكتسح مفهوم الاصل وهو ما ولد صراعات في صلب الاسرة الواحدة او في صلب الاسرة الموسعة وخاصة بين الاجيال المتقدمة في السن وبين الاجيال الشابة لان هناك مفاهيم جديدة قد تغلبت على المفاهيم القديمة ما يهدد البنية الكلاسيكية للزواج خاصة في المناطق الحضرية الكبرى او في تلك المناطق التي عرفت كلاسيكيا بعراقتها الاجتماعية المتوارثة منذ اجيال . ان مؤسسة الزواج تنبئ حقا بتطور المجتمع والعقليات وبنضج العلاقات الاجتماعية فقبل 50 عاما اي قبل عملية التحديث الكبرى التي ستقودها الدولة عبر وساءط التعليم والمراة والصحة الانجابية ، كان الزواج ‘ زواجا والديا’ كما تقول الباحثة، اي بترتيب من الاباء من اجل المصلحة العليا للاسرة الموسعة وللعائلات المتصاهرة . ولكنه بعد جيل واحد اي نحو 30 عاما اصبح الزواج ‘ زواجا حرا ‘ اي بحسب الارادة والرغبة الفردية لكلا الطرفين . ان ذلك يؤشر الى نجاح مخططات الدولة في خلق نمط من الوعي الاجتماعي والى التاثير الحاسم للتعليم في نحت ىالوعي الذاتي للشاب وللشابة التونسية في اتجاه اكثر فردانية اي اكثر حداثة في نهاية الامروبعيدا عن وصاية الاهل والاقارب .
وفي ظل هذا الوعي وقع سن قانون احدث لغطا كبيرا في المجتمع التونسي ، في نخبه كما في طبقاته العامة ، حيث انتزع من الولي حق الاشراف على تزويج ابنته متى بلغت العشرين وهو من جهة اضاف للمراة التونسية حقوقا جديدة اخذت من رصيد الحقوق العامة التي تتمتع بها الاسرة التونسية و من جهة اخرى اقحم الدولة في مسائل شديدة الخصوصية ومتروكة في الاصل الى التطور الطبيعي للمجتمع .
ان عالمة الاجتماع هادية العود البهلول ترى ان ذلك يعد تطورا طبيعيا لنظام الاشياء ولكننا نرى انه تسلط من الدولة في صلب اكثر العلاقات حساسية واهمية فالدولة التونسية وخاصة في العقدين الاخيرين قد عمدت الى الاسراع في ايقاع التحديث للاسرة التونسية الجديدة دون ان تخضع قراراتها الى اية استشارات علمية من اهل الاختصاص وكانت تفعل ذلك بدعوى مقاومة الاصولية ونزعات التطرف وما الى ذلك من الدوافع الغامضة وعلى العموم فان الاختراق الاجتماعي والثقافي الذي احدثه بورقيبة في زمن ما لا يمكن ان يتكرر لتغير الظروف ولغياب رجل في اقتدارات وفي كاريزما بورقيبة ذاته .
ومن النتائج المهمة التي توصلت اليها الباحثة تغير بعض الاعراف التي التي كانت تلازم بنية الاسرة التونسية على امتداد مئات السنين فخروج المرأة الى ااتعليم والى سوق الشغل قد ارسى علاقات جديدة مع الاخر ومع الجسد ومع المجتمع وضاعف فرص زواجها وقلص الى الحد الادنى امكانية عنوستها . فالمراة العاملة من منظور الشاب الراغب في الزواج افضل من تلك التي تلازم البيت، والفتاة التي تنفق او تتعهد بالنفاق على بيتها افضل من تلك التي تحجم عن ذلك . كما ان النسبة العالية من التمدرس قد ارست حقيقة سوسيولوجية جديدة وهي التجانس الطبقي وانحسار العقليات الجهوية بحمولتها العنصرية القديمة .فالفتاة الاصيلة مدينة صفاقس لم تكن فيما مضى تقبل بالزواج من رجل ينتمي الى ريف تلك المحافظة . وقد اثبت المؤرخ التونسي عبدالواحد المكني صحة هذه النظرية في كتابه عن التاريخ الاجتماعي لمدينة صفاقس . اما الان فان هذه العلاقات اصبحت ممكنة ومقبولة وهي مؤشر على غلبة قيم المواطنة في تفكير الشباب المتعلم وتراجع قيم الانتماء العرقي والمناطقي .
غير ان الباحثة يتنازعها تفسيران لم تستطع تغليب احدهما على الاخر، الاول ينظر الى مؤسسة الزواج من خلال قيم الحداثة والتطور وتغير البنى الفكرية بفعل ميكانيزمات التعليم والتثقيف وخاصة في الجيل الاول الذي عاصر الاستقلال وبناء الدولة الحديثة والانسان الحديث بالمنظور البورقيبي ، والثاني الى المؤسسة ذاتها ولكن من خلال المنظور الاسلامي الذي يؤمن ب ‘ الكفاءة الاجتماعية ‘ و’ التجانس الاجتماعي ‘ والى الدين في عملية تاسيس الاسرة ، وفي كل مرة تركن الباحثة الى احدى هذين المنظورين تصل الى نتائج وتقديرات مختلفة فللحداثة صورة معلومة عن المراة قائمة على العمل والانتاج والمساواة فيما للاسلام صورته النمطية القائمة على الامومة والبيت والانجاب ، ويبدو ان الشباب التونسي في اغلبه يبحث عن الزوجة المناسبة من خلال التقاطعات الممكنة بين المنظورين وهو ما خلق مشكلات جديدة مست بنية المجتمع حاضرا و مستقبلا ان الباحثة تؤكد في اكثر من مناسبة على التطور الهائل الذي شهده المجتمع التونسي ضمن حيز زمني هو حيز جيل الاستقلال . ففي البدء كانت الفتاة اسيرة لاختيار العائلة اما الان فاصبحت لها الحرية الكاملة في اختيار الزوج ولا شك في ان للجامعة وللمعهد وللعمل دور حاسم في تغيير طبيعة الاختيارات وفي ممارسة انواع من الحريات التي بالتاكيد دعمتها مجلة الاحوال الشخصية وارسيت معها قيم ومفاهيم جديدة مثل الاختلاط والمساواة امام فرص العمل وقيم التنافس . ولكن يبدو ان اهم علاقة كلاسيكية تهاوت امام رياح التحديث وبدون رجعة تقريبا في المدن الكبرى والمراكز الحضرية فهي كما تشير الباحثة علاقة الزواج ببنت العم ،فهذه العلاقة العربية بامتياز والتي يندر ان نجدها في شعوب اخرى قد آلت الى التلاشي والفناء .
ان الباحثة هادية البهلول تبين وتشير الى نشاة العلاقات وتلاشي انماط قديمة منها ولكنها لم تبين بما فيه الكفاية العلاقة ما بين انهيار منظومات قديمة من الزواج وما بين التاخر الكبير في سن الزواج لدى الشاب والشابة على حد سواء مما يدخل البلاد ان استمر الوضع على حاله في ازمة امن قومي حقيقية متصلة بالتجدد الاجيالي وبتوسع قاعدة التهرم وبتناقص اليد العاملة وما نراه الان من اغلاق لبعض المدارس لبعض الفصول لعدم وجود التلاميذ اصلا .
ان هناك علاقات قائمة ومتجاورة ولكن الباحثة لم تتعمق في دراسة البنية التي تحيط بها وتشدها الى بعضها البعض وان كانت تلوذ في بعض الاحيان ببعض التفسيرات النفسية والفرويدية لتبرير نشاة تلك العلاقة وانهيار تلك . الا ان البحث السوسيولوجي الرصين قد افضى بها الى تاكيد الثوابت التي يتمسك بها الشاب التونسي ولا يتنازل عنها ابدا في اختياره لفتاة احلامه واول هذه الثوابت هي البكارة فالعذرية معيار مهم جدا ( 77 في المئة يفضلون الزواج من بكر) و’هي صامدة امام التغيرات الاجتماعية ‘ ص.98 وقد ترتب عن ذلك وجود حقيقة اجتماعية وسلوكية وهي ندرة المخادنة بين الفتى والفتاة اي المساكنة برهة من الزمن بدون عقد قانوني او شرعي ثم التقرير فيما بعد ان كانا يصلحان لبعضهما البعض اسوة بما يحدث في المجتمعات الغربية . فالشاب التونسي في تقدير الباحثة لا يمارس المخادنة الا في نسبة ضئيلة وهامشية على اعتبار انها علاقة منبوذة ويطالها التحريم . اننا نرى ان هناك اسبابا اخرى اهمها الطبيعة السرية لهكذا علاقة قائمة على مبدا الكتمان المزدوج بين الطرفين فضلا على ان المخادن لا يعمد الى الاعتراف لانه يعلم انها علاقة غير سوية يدينها المجتمع والعرف . هي علاقة موجودة فعلا ولكنها تصطدم بكل الموانع والمحظورات تماما مثل ظاهرة الشذوذ التي لا يكاد يعترف بها احد ومع ذلك هي موجودة ولا يكاد اي مجتمع يخلو منها .ان الباحثة تتكلم عن المخادنة وهي في حالة انحسار ولكن كان من الممكن ان تدرس الظاهرة ذاتها في السبعينيات مثلا في المدن الجامعية والمدن السياحية حيث كان الخط البياني لتلك الظاهرة الهامشية في صعود قبل ان تتراجع في اواسط التسعينيات وفي بعدها غير ان الباحثة قيدت منهجها بالبعد السنكروني وتغافلت عن البعد الدياكرونى في النظر الى اية ظاهرة اجتماعية لا تكف عن التطور .
لقد اشارت عالمة الاجتماع هادية البهلول الى تاصل مفاهيم جديدة للزواج من بينها ‘ الزواج العقلاني ‘ و’ الزواج القائم على حسن التصرف ‘ والزواج القائم على الحب وليس على المصلحة التي يرتبها الاهل . ولكنها لم تشر فيما يبدو- الى الموقف من صيغ اخرى للزواج بدات تجد لنفسها موقعا لدى بعض فئات الشباب ، من ذلك الزواج العرفي الذي ظل مسكوتا عنه وخفيا ولكنه يغري الشباب لقلة تكاليفه وخاصة لظنهم بانهم قد حصلوا على الاذن الشرعي من جهات اخرى غير الجهات المؤسسية للفتوى وللاستشارات الدينية . وفي هذا الصدد نظر القضاء التونسي منذ اشهر قليلة في حالة من هذا الزواج العرفي وقد سال القاضي الشاب وقد كان طالبا في الجامعة عن سبب اقباله على هذا النمط من الزواج رغم انه ليس من تقاليدنا فاجابه بانه يخشى الوقوع في الاثم والخطيئة .وقد كان حكم القاضى مخففا ورحيما وهو 6 اشهر مع تاجيل التنفيذ اضافة الى ابطال عقد الزواج العرفي .
كما اننا نلاحظ غياب اي تفكير مقارني مع تجارب شعوب اخرى قريبة منا في الهوية في النظر الى مسالة حيوية كمسالة الزواج .فالمجتمعات العربية والخليجية قد انتجت صيغا اخرى من الزواج غير مالوفة لدينا في المجتمع التونسي مثل ‘ زواج فريند ‘ و’ زواج المسيار ‘ و’ الزواج الصيفي ‘ و’ زواج المتعة ‘ عند الطوائف الشيعية .وايا كانت مشروعية هذه الصيغ والعقود فمما يلاحظ انها لم تؤثر الى هذه اللحظة على عقل الشباب التونسي الذي ظل متمسكا بالصيغة الوحيدة للزواج كما انه رفض التسميات الجديدة لعقد الزواج الذي ظل محافظا على بنيته ومفرداته وعباراته .
على أية حال ، ان بحث عالمة الاجتماع هادية البهلول ينتظر المزيد من التوسع خاصة فيما يتصل بالعلاقة ما بين تاخر سن الزواج لدى الشباب التونسي ، وما بين انحسار علاقات بديلة عن الزواج في ظل ازمات اقتصادية وصعوبات في استملاك البيوت والتهام الكراء لنصف الدخل الشهري .فالمفروض ان تؤدي العنوسة الى علاقات خارج العلاقات المتعارف عليها حتى وان كان بنسب قليلة ويبدو ان الباحثة لا تريد ان تعترف بذلك رغم تسليمها بان ‘ حرية التصال في الحياة ماقبل الزواج بالنسبة للشباب المتاخر في الزواج حرية متاحة ‘ وتكاد تكون بدون رقابة في ظل وعي ‘ اوروبي’ بالامبالاة وعدم التدخل في شؤون الاخرين .
لا تستخدم الباحثة ابدا كلمة ‘ عانس’ او ‘ عنوسة’ رغم انها ظاهرة اجتماعية ويبدو ان حكم القيمة المندس في هذه الكلمة جعل الباحثة تهجرها ويبدو انها تؤثر مفردة’ المتاخرين في الزواج ‘ كما لو كان هذا التاخير بارادتهم خصوصا الفتيات . وبالاضافة الى ذلك فهي ترى في التاخر في الزواج عنةانا للنضج واكتمال العقل في عملية اختيار القرين وليس مؤشرا على ازمة اجتماعية/ نفسية تطال الامن القومي على المدى البعيد . وفي كل الاحوال نلاحظ ان الباحثة لم تر للدولة اي دور في حيثيات عملية اختيار القرين فلا يمكن ان تمنح المال لمساعدة الراغبين في الزواج او خلق ظروف ملائمة لتيسير عملية الزواج كما تفعل دول الخليج العربي وذلك في تقديرنا يعود الى الوعي المجتمعي السائد الذي يرى ان موضوع الزواج هو الموضوع الذي يجب على الفرد ان يتقنه ويجيد فيه ،ومن يتواكل على غيره في زواجه فلن يكون قادرا على تامين استمرارية اسرته فالتواكل هنا يؤدي الى التواكل هناك .
ومن بين المقاييس الاخرى التي يتمسك بها الشاب التونسي ‘ مبدا الطاعة’ فهو يرى ان ‘ ان اهم الميزات المفضلة في الزوجة لدى الرجل هي ‘ ان تطيعه ‘ وهذا المبدا سعى المشرع التونسي ان يستبدله ‘بمبدا الشراكة ‘ ولكن بات واضحا ان الوعي السائد والتربية التي نتلقاها اقوى تاثيرا من القانين . وايا كان الامر فان المعطى الذي لم تكف الباحثة في الاشارة اليه – وهو الاهم في تقديرنا يتمثل في تفضيل الشاب التونسي الفتاة التي تعمل و’ المتعلمة تعليما عاليا ‘ لا ربة البيت وذلك لان ‘ التعلم يتصل اتصالا مباشرا بالنجاح الاقتصادي ‘ ص.122 وهذا من شانه ان يغير من نظرية الانفاق على البيت فالمراة لن تعود مخيرة في الانفاق وانما مدعوة الى ذلك على اساس المصلحة الكبرى المشتركة وعلى ‘ قاعدة التعاون المتبادل كاولوية حياتية ‘ ص.125 .
ان النماذج الجيدة من الزواج تلهم الشباب التونسي بدون ادنى شك ، ولكن النماذج السيئة منها تجعله يديم التفكير في اسباب الفشل الزوجي مثلما تدفعه الى اعادة النظر في المقاييس التي اعتمدها ولكن المؤكد ان مؤسسة الاسرة في المجتمع التونسي قد شهدت تغيرات حاسمة وقوية وان لم تكن بنيوية كان تكون للمراة على سبيل المثال الكلمة العليا في ادارتها او كان تتبدل الادوار الاقتصادية تحت مفاعيل الظروف الاقتصادية .
ان المؤسسة الزوجية ظلت صامدة ومتاصلة ولكن المقاييس قد تبدلت في اتجاه اكثر عقلانية وبراغماتية واكثر توازنا ما بين الصورة النمطية للزواج وما بين الصورة الحديثةالتي تولدت من التعلم والتثقيف والوعي .
اصبحت بعض مقاييس الاختيار للزواج مثل الاختيار الحر ، مفاهيم التعاون ، صورة الزوجة المثقفة ، الزوجة العاملة .. . ظواهر سوسيولوجية في المجتمع التونسي وقد حاولت عالمة الاجتماع هادية البهلول الى الاحاطة بها ومقاربتها دون اصدار اي حكم عليها بحسب المنهجية العلمية التي اعتمدت عليها . وهذه الظواهر ربما لا نجدها في مجتمعات مجاورة لنا وهو ما يؤشر الى التغير في الوعي العام والى تقبل هذا الوعي لاشكال جديدة من الاختيار لم يكن مفكرا فيها اطلاقا قبل خمسين عاما .
هل الفضل ذلك يعود للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي نهض مشروعه الحداثي على اسرة من هذا النمط ؟ ام الفضل لزعماء الاصلاح والتنوير ام الفضل للمجتمع التونسي الذي عرف منذ الازل بتفاعله الخلاق مع كل مبادرات التحديث طالما انها لا تخلق له مشكلة مع ذاته / ومع دينه ومعتقده . باحث تونسي Kolsi_abk@yahoo.fr
تونس ـ الشروق الحديث مع المفكّر والفيلسوف العربي والعالمي الدكتور ناصيف نصار عبارة عن رحلة بين الماضي والحاضر والمستقبل… رحلة «يطوف» بك بين مراحلها ومحطاتها بشكل متواصل… محاولا بناء «جسر فكري» متكامل…فالدكتور ناصيف نصّار يبدو لك في أفكاره بمثابة مجرى نهر هادئ يجمع باستمرار وبشكل متجانس ومنطقي بين معطيات التاريخ العربي ومميزاته وبين معطيات التغييرات الراهنة مستدعيا التاريخ دون أن يدخله و«يغوص» في السياسة دون أن «يبتلّ» بها…ويترفّع عن الواقع دون أن «يهجره»… محاولا «اقتحام» حقل الحريّة «متأبّطا» رؤية فلسفية نهضوية ومجادلا في تراثها ومساراتها لكن دون أن ينغمس مباشرة في أي من المعارك السياسية والفكرية العربية بل بقي فوق هذا المعترك أمينا لرسالته الفكرية في سبر أغوار مواطن الخلل والانهيار الحضاري العربي… وفي استيضاح… دعائم البناء والاصلاح…ولأن اللحظة العربية الراهنة هي لحظة بناء وإصلاح بالأساس كان لابد من الاستماع الى مفكّر في حجم الدكتور ناصيف نصّار الذي يملك في رصيده مؤلفات عديدة لها صيت عالمي… وفي ما يلي هذا الحوار.كيف تتابع دكتور ناصيف المسار الثوري الذي يكتسح بعض دول المنطقة هذه الايام… ثم، من الناحية الاجرائية تحديدا، هل تعتقد أنه من الممكن أن يقود هذا الحراك الى مشروع تغيير شامل للمجتمع بكامله، بأنظمته وبنيته ومؤسساته؟هو في ظاهر الأمر، ما يجري في العالم العربي يشبه الزلزال لكن هذه صورة ينبغي التدقيق فيها فالمشهد العربي هو في الحقيقة ليس واحدا… هناك اختلاف كبير بين البلدان العربية فهذه البلدان لا تعرف الاوضاع نفسها لأن تركيبتها وخلفياتها التاريخية والوضع الاستراتيجي لكل منها أمور متباينة… وهذا لا يعني أنه لا توجد سمات مشتركة بين هذه البلدان… هناك نظام واحد يتحكم في هذه البلدان… وكان يتحكّم ببعضها… هناك نظام يمكن وصفه بأنه نظام استبدادي… لكن المهمّ أن ما يجري في هذا العالم هو حركات احتجاجية قوية بصرف النظر عن تسميتها بالثورات… ينبغي أن نكون متشددين في اطلاق مصطلحات ثورية…وهي تبغي تغييرا عميقا وبقدر ما يتحقق التغيير العميق تستحق هذه الحركات أن تسمّى ثورات… وفي الحقيقة نحن اليوم في مسار ثوري لم يكتمل بعد… حتى في تونس لم تنته العملية الثورية…فعملية التغيير بدأت في الشتاء لكن هذا المسار لا يزال مستمرّا ولم يصل الى محطته النهائية بالنسبة الى تونس ومصر… أما في بلدان أخرى فالمسار الثوري لا يزال متعثّرا ويلاقي مقاومات شديدة ولا يمكننا أن نتنبأ بما يمكن ان يؤول اليه الأمور… نحن اليوم في مخاض تاريخي كبير لم يشهد العرب له مثيلا منذ عقود… نحن في حالة يقظة ينبغي ألا نراها على المدى القصير بل يجب أن نراها على المدى التاريخي الطويل.أنا من هذه الناحية أرى أن التغيير العميق لم تحصل منه سوى خطوات قصيرة لأن الإرث الاستبدادي والقمعي ونظام التسلط الذي عرفته البلدان العربية له تاريخ طويل في المؤسسات العربية… ولذلك لابد من مسار طويل… أنا أنظر الى الأمور من منظار تاريخي… ولا تنسى أنني خلدوني الجذور…هل نكون، في هذه الحالة، دقيقين إذا فسّرنا كلامك هذا على أن فيه خوفا من خطر إجهاض مسار التغيير الجاري اليوم بالمنطقة؟نعم، هذا التغيير مهدد فعلا بالاجهاض وبضعف النفس وبنوع من التراخي الناجم عن الظن بأن هذه الثورات قد بلغت أهدافها مع رحيل الحاكم المستبد… نعم ينبغي ألا تخدع القوى التغييرية بما حصل… فما حصل ليس كافيا… هناك قوى تستطيع أن تلتفّ على حركة التغيير… وتريد أن تجهضها… هناك أيضا قوى خارجية تريد للشعوب العربية أن تبقى في حالة من التخلّف… هناك أخطاء يمكن أن ترتكب في المسار الثوري في مجالات عدّة… هناك انشقاقات يمكن أن تحصل في الثورات… خذ مثلا، في مصر… هناك اليوم نقاش حول قانون الانتخاب… وهناك انقسام كبير حول هذه المسألة… كذلك توجد أخطار كثيرة تتربّص بعملية التغيير ينبغي التنبّه إليها.هل نفهم من كلامك أن الطريق نحو «دولة الثورة» لا تزال بعيدة وأننا أقرب الى استبدال نظام بنظام منه الى التأسيس لواقع ديمقراطي جديد وفق السياقات الشعبية العربية؟أولا، أرفض التنبّؤ، نحن نعيش مخاضا مفتوحا والمهم أن الأبواب انفتحت.. قبل هذه المرحلة كان المشهد مسدودا واليأس مسيطرا على الشعوب العربية الى أن جاءت الثورات وكسّرت هذه الحالة وفتحت هذا الأفق.. نحن نعيش مرحلة مليئة بالمخاطر.. ولكنها أيضا مليئة بالأمل في التقدم.. لذلك ينبغي أن نتمسّك بقيمة الحرية ونصلح الأخطاء التي تقع فيها علما أن قيمة الحرية لا يمكننا أن ندافع عنها هي فقط.. هناك أيضا قيمة العدل وقيمة النظام الاجتماعي.. هناك قيم كثيرة فلا نرى الحرية كأنها إله جديد نتعبّد له دون غيره.ثمة صراع معلن ظهر الى العلن بشكل بيّن بين الاسلاميين والعلمانيين بعد الثورات العربية الأخيرة.. ما هي برأيك، دكتور، اتجاهات هذا الصراع وسياقاته.. وهل من وسيلة برأيك لعزل الايديولوجيات الجاهزة عن معركة التغيير الجارية اليوم؟أعتقد أن الأمور في هذا الخصوص ستنجلي كلما فسح النظام الجديد المجال للحرية والنقاش والحوار.. ففي هذه الحالة يصبح من الضروري أن يجد كل تيار محلّه في المشهد السياسي.في رأيي كناظر الى حركة التاريخ أن المسار الطويل للبلدان العربية سيتجه حتما نحو الأفق الديمقراطي ولكن بتعرّجات وانكفاءات وربما صراعات.. الصراع الديمقراطي هو الذي سيحسم الأمور في هذا الاتجاه.. وكل القيم التراثية لن تجد لها أثرا في المشهد العربي الجديد.. بل سيعاد التفكير فيها في إطار المجتمع الجديد وعناوينه الكبرى ضمن الحضارة الاسلامية.ما نراه اليوم أن الايديولوجيات إسلامية الطابع بتلاوينها المتعددة حلّت محل الفكر القومي العربي.. فهل تعتقد بأن مثل هذه الفكرة بتعبيراتها المختلفة والمناقضة أحيانا يمكن أن تشكّل بديلا عربيا جامعا اليوم؟الدول العربية تحمل التراث الاسلامي منذ قرون.. لم يكن ذلك عاملا مباشرا في ما بينها.. الفكرة الإسلامية أقدم من الفكرة القومية.. والفكرة الاسلامية موجودة ولكنها ليست فكرة جامعة للشعوب العربية.. مسألة التوحيد السياسي لهذه الشعوب أعتقد أنها أكبر من أن تردّ الى عامل ثقافي أو إيديولوجي.. لكن المهم في هذه الحالة أن تأخذ الواقع القائم وأن تتعامل معه على الأسس التي تدعونا الحضارة الاسلامية الى اتخاذها.. خذ مثلا قيمة الحرية.. كيف يتعامل معها الشعب العربي المسلم.. إذا لم نتفق على تصوّر واحد لهذه القيمة فإنها ستبقى معطّلة.. فهكذا ينبغي ألاّ نضخّم مسألة العامل الاسلامي وأن نغرق في الأوهام التي يأخذنا إليها البعض..بوصفك فيلسوف الحداثة الرئيسي في العالم العربي، كما يطلق عليك كثيرون، كيف استطعت في أفكارك أن تنجو من السقوط في «نهر الأصالة» دون أن تحرم نفسك من الاستحمام فيه ومن فتح مسالكه على مقاربة فلسفية جديدة تنأى عن «الحرب الفكرية» التي أدّت إليها هذه «الثنائية» (الأصالة والحداثة)؟في الحقيقة كنت دائما في أفكاري لا أحب كثيرا هذه الثنائية وأحاول أن أبتعد عنها على الرغم من وجاهتها من الناحية التفسيرية.. لأنني أفضل دائما اعتماد مفاهيم تناسب المشكلات.. فهذا في اعتقادي أصحّ من مقاربتها.. في هذه الناحية أنا أدعو الى تجاوز هذه الثنائية التي تقيّدنا في أطر فكرية عقيمة.. الأفضل دائما أن نحدّد المشكلات وأن نتعمّق في معالجتها.. مثلا مسألة الحرية.. هذه مسألة إنسانية قائمة بنفسها.. وتصوّرها يستدعي منا ألا نؤطّرها سلفا بمرجعية فكرية.. هي بالتالي مشكلة كونية وبصفتها هذه تهمّنا رؤية الغرب وتصوّره في معالجة هذه القضية لكن دون أن نكون أسرى لهذا التصوّر.. علينا أن نعتمد هنا على تصورنا للحرية كمرجع ومقياس لتصرّفاتنا.. ولذلك أنا طرحت في هذا الاطار أفقا جديدا لتجاوز هذا التناقض المصطنع بين الأصالة والحداثة أسميته «النهضة العربية الثانية».. فحين تصدح صورة المستقبل محددة تكون مسألة استعمال التراث وكيفية التعامل مع الفكر العربي الذي يوصف بأنه فكر حداثة مسألة قابلة للتوظيف في الفكر.. النوري الصـل (المصدر: صحيفة “الشروق” (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 أكتوبر2011)
صالح النعامي كثيرة هي الأوصاف التي أطلقتها النخب الإسرائيلية على صفقة تبادل الأسرى التي وقّعتها حركة حماس مع “إسرائيل”، والتي سيتم الإفراج ضمنها عن 1027 أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شليت، الذي أسرته المقاومة الفلسطينية قبل أكثر من خمس سنوات. فهناك من وصف الصفقة ب “إتفاق الخنوع”، على اعتبار أنها الصفقة التي أطلقت “إسرائيل” ضمنها العدد الأكبر من الأسرى مقابل جندي إسرائيلي واحد. صحيح أنّ الرأي العام الإسرائيلي ظل بمجمله يؤيد الصفقة ويبدي تضامناً كبيراً مع عائلة شليت، والذي وجد تعبيره في مظاهر الفرح والتضامن مع العائلة التي وثّقتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، لكن في المقابل هناك الكثير من النخب التي أبدت اعتراضها الشديد على الصفقة. تهاوي الردع أحد أهم المسوّغات التي قدمتها النخب التي تعارض الصفقة بشدة، التأكيد على أنّ هذه الصفقة ستعمل على تهاوي الردع في مواجهة المقاومة الفلسطينية. ويقول موشيه يعلون نائب رئيس الوزراء ورئيس هيئة الأركان السابق، أحد الوزراء الثلاثة الذين عارضوا الصفقة لدى التصويت عليها في الحكومة، أنّ مثل هذه الصفقة ستشجع الشباب الفلسطيني على الانخراط في أطر العمل المقاوم على اعتبار أنّه عندما يعي الشاب الفلسطيني أنّه سيتم تحريره من السجن مهما كانت التهمة التي أدين بها، فإنّ هذا سيجعله يقدم على العمل بكل طمأنينة. ويرى يعلون أنّ الصفقة ستؤدي حتماً إلى تعزيز المقاومة الفلسطينية بشكل جذري، حيث يضرب مثالاً واحداً على طابع القيادات التي سيفرج عنها، ويشير إلى يحيى السنوار، أبرز قادة الأسرى الذين سيفرج عنهم في الصفقة، ويصف يعلون السنوار بأنّه أبرز عقلية للمقاومة الفلسطينية، محذّراً من أنّ الإفراج عن مثل هذه القيادات سيمثّل سهماً مرتدّاً إلى نحر “إسرائيل” ومستوطنيها. ويستند المعارضون للصفقة إلى إحصائية قدّمها جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك”، والتي توضح أنّ حوالي 62 في المائة من الأسرى الفلسطينيين الذين يتم الإفراج عنهم في صفقات تبادل الأسرى يعودون للإنشغال بالعمل المقاوم. في نفس الوقت فإنّ النخب التي عارضت الصفقة تشير إلى الجانب الرمزي في الصفقة، والتي تكرّس الانطباع بأنّ “إسرائيل” ونخبها الحاكمة لا تفهم إلاّ لغة القوة والقوة فقط، مما يستدعي من القوى الفلسطينية مواصلة الاستثمار في مجال مراكمة القوة على أعتبار أنّه الخيار الأمثل في مواجهة “إسرائيل”. حماس وأبو مازن في ظلال الصفقة إنّ أحد أبرز الانتقادات التي توجّه للصفقة تقوم على أساس أنّ هذه الصفقة تمثّل دفعة هائلة جداً لحركة حماس وتعزيزاً لشعبيتها أمام الرأي العام الفلسطيني، في الوقت الذي تمثّل ضربة قاصمة لأبو مازن وإضعاف لمكانته السياسية. ويرى الكثير من المعلّقين الصهاينة أنّه على الرغم من أنّ التحرك الذي أقدم عليه أبو مازن في الأمم المتحدة ومطالبته بحصول فلسطين على عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلاّ أنّ هذا لا يعني أن تسهم “إسرائيل” تحديداً في تعزيز مكانة حماس على حسابه عبر التوصّل لصفقة تبادل أسرى على هذا النحو، على اعتبار أنّ أبو مازن يرفض المقاومة المسلّحة وحتى المقاومة الشعبية التي تمثّل تحديّاً ل”إسرائيل”. من هنا فإنّ هناك الكثير من الأفكار التي تطرح إسرائيلياً لمعالجة الأمر، حيث أنّ هناك من يدعو إلى إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، والتشديد على أنّ هذه الخطوة تأتي من أجل تحسين مكانته، لكن مثل هذا الاقتراح صدر بشكل أساسي عن إعلاميين ومعلّقين وجنرالات متقاعدين، ولا يوجد مؤشرات على أنّ النخب الحاكمة ستتبناه حتى الآن. لماذا الصفقة؟ على الرغم من كل المحاذير التي تمّت الإشارة إليها، إلاّ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي عارض الصفقة في الماضي بكل قوة، وجد أنّ هناك من الأسباب الوجيهة ما يستدعي التوصل لهذه الصفقة، ويمكن رصد هذه الأسباب على النحو التالي: 1- انعدام فرص تحرير شليت بالوسائل العسكرية، وهذا ما عبّر عنه يورام كوهين رئيس جهاز “الشاباك”، حيث أنّ “إسرائيل” فشلت في الحصول على معلومات استخبارية تساعد على تننفيذ عملية التحرير، في نفس الوقت فإنّ جميع المستويات العسكرية ذات العلاقة قد أكدت أن الحصول على المعلومات الاستخبارية لن يضمن تحرير شليت على قيد الحياة. 2- التحولات الهائلة التي يمرّ فيها الوطن العربي في عصر ثورات التحول الديموقراطي، والتي جعلت القيادة الإسرائيلية تخشى أن تؤدي هذه التحولات إلى إسدال الستار على أي إمكانية للإفراج عن شليت. فعلى سبيل المثال تدرك “إسرائيل” أنّ الجانب المصري لعب دوراً حاسماً في التوسط للتوصل لصفقة شاليت، وفي نفس الوقت لا يوجد هناك ضمانة أن تبقى صيغة الحكم القائمة حالياً في مصر لأمد بعيد، حيث تخشى تل أبيب أن تسفر الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة في مصر عن مجيء حكومة تناصب “إسرائيل” العداء بشكل واضح، وبالتالي لن يكون من مصلحة هذه الحكومة التوسط من أجل إطلاق سراح شليت. 3- التعاطف الجماهيري الواسع داخل “إسرائيل” مع شليت وعائلته، في نفس الوقت فإنّ هناك مخاوف من أن يؤدي بقاء شليت في الأسر إلى تراجع الدافعية لدى الشباب الإسرائيلي للتطوع في الوحدات القتالية للجيش الإسرائيلي. 4- هناك من يعتقد أن حماس نتنياهو ووزير حربه إيهود براك للصفقة يرجع بشكل أساسي إلى نيتهما مهاجمة إيران، على اعتبار أنّ هذه الخطوة تتطلّب تنظيف الطاولة من كل الملفات، وضمنها ملف شليت، على اعتبار أنه سيكون من الصعب تحرير شليت في أعقاب مهاجمة إيران.
(المصدر: صحيفة “السبيل” (يومية – الأردن) الصادرة يوم 17 أكتوبر 2011)
د. أحمد نوفل
مدخل: لم يقبض على القذافي بعد، ولم يقبض على أحد من أولاده بعد، ولكن نستطيع أن نقول بكل تأكيد: لقد سقط نظام العقيد معمر القذافي.. قائد ثورة الفاضح من زفتمبر. ومن المحتمل جداً أن يكون القذافي غادر ليبيا إلى دولة إفريقية أو يتربص على الحدود بانتظار مفاجآت ليكون قريباً من المفر والمهرب، أو العود كما يتوهم. فهو على كل الأحوال منته من الناحية العملية ونظامه بائد، بل بدأت محاكمة عهده وتجميع شهادات شعب عانى القهر طيلة أقل قليلاً من نصف قرن، وهو زمن يكفي لبناء دولة بحجم قدرات الاتحاد السوفياتي لو وجدت قيادات صالحة حكيمة قوية أمينة. ومع السقوط المدوي لنظام كان يسمي نفسه ثورة وحركة جماهيرية تقدمية واشتراكية ونظرية ثالثة، وكما قالوا: ما أكثر أسماء الهر! أقول: مع هذا السقوط لا بد من وقفة والتقاط بعض الدروس، واقتناص بعض الفوائد والعبر: 1- إذا الشعب يوماً أراد.. فلا بد أن.. هذا ثالث زعيم عربي يطاح به، ولكل سقوط خصوصيته “ونكهته” وعبرته. والثالوث طاغوتي متسلط متأله، وربما يكون هذا أعتاهم، وكل أضلاع المثلث عات ومتعنت وعتل وعته وعرم وعتريس وعتريف (الفاجر). ماذا نقول؟ وقد تكلّف شعبه حتى الآن أكثر من بقية شعوب الحكام الساقطين تكلفة ضحايا، فقد بلغ ضحايا سقوطه ما نيف على الخمسين ألفاً من الشهداء سوى جيش من الجرحى، وآلاف المباني المهدمة والبنية التحتية المحطمة. وبينما سقط مبارك مقابل ألف شهيد إلاّ قليلاً، سقط “الشين” مقابل مئات قليلة من الشهداء، فالتكلفة في ارتفاع نتيجة وعي القوى الخارجية على خطورة التغيير، فقاموا يدعمون سراً كل هذه العفونات وإن “زعبروا” عليها في الظاهر وطالبوها بالتنحي، كما تقول هيلاري عن نظام الأسد، وهم وعملاؤهم يدعمونه سراً ويحرصون عليه أشد الحرص، ويحرصون ألاّ يسقط لحراسته أمن “إسرائيل” بكفاءة واقتدار. وأما “تنح” اليمن فيتأبّى على التغيير ويتمسّك بيديه المعطوبتين بكرسيه ويتشبّث بالمنصب، ولا يريد أن يسلّمه إلاّ لأيد أمينة، كيده، شلت يده. فعبرتنا هنا أن الشعب إذا أراد يوماً تغيير النظام، فلا بد أن ينجز ما أراد. فالمستعصون والمستعصمون بمناصبهم، الظانون أنّهم مانعتهم حصونهم وأرصدتهم وأجهزتهم وشبّيحتهم وبلاطجتهم من التغيير ومن ريح المقادير وقد هبت، فهم واهمون ولا يفهمون. 2- تكلفة غالية في إبان حكمهم وفي تغييره. كم كلف جنون القذافي شعب ليبيا؟ كم تكلفوا من الدماء والشهداء، والمساجين، والمعدمين في السجون، ومن البلايين المهدورة بالمئات، وكم ضاع من عمر الأمة من العقود والسنوات؟ تكلفة غالية في سنوات حكمه الماضية، وتكلفة عالية جداً في تغييره، ولكنها ضريبة لا بد منها. وفي يوم كتابة هذا المقال أسمع في (البي بي سي) خبراً في نشراتهم كرروه أنّ تكلفة الربيع العربي تفوق الخمسين مليار دولار، وليكن، فما تكلفة الخريف العربي الذي سبق الربيع العربي؟ ألم يكن نظام مبارك يدعم كيان العدو بقرابة العشرة مليارات توفيراً في أثمان الغاز والنفط وغير ذلك؟ ألم يقزّم مصر لصالح كيان العدوان؟ بكم تقدّر تلك المحطة (بي بي سي) تكلفة الحرية والاستقلال؟ إن ثمن الاستقلال لا يقدر بكل المال، وبلاييننا ضائعة على كل حال، وإن خسرناها وكسبنا الاستقلال فلم نخسر شيئاً، ولئن قيل للصديق رضي الله عنه حين فارق الدنيا: طبت حياً وميتاً.. فسيقال للزنديق المسمى “قذاف الدم والموت”: كلفت الشعب والأمة رهقاً في حياتك ومماتك، فبئس الحياة حياتك وبئس الحكم حكمك وبئس الممات مماتك، وغير مأسوف عليك ولا مذكور إلا باللعن والثبور، والدعاء عليك بأن يكون مصيرك مع فرعون وقارون وهامان وبيجن ورابين وشارون.. وبئس المصير. 3- فرد يختزل أمة. ما زال العالم العربي يعيش مرحلة تحكم الفرد وإلغاء الشعب وتهميش الأمة والوطن بالطبع. ولعل أسوأ كل هذا السيء من الأوضاع وتغول الفرد وتوحشه وهيمنته وسيطرته مع قلة الموهبة وانعدام القيم، لعل حضيض الحضيض في الأوضاع العربية المتدهدهة في الحضيض هو معمر أو “مدمر القذاف” قذفه الله في جهنم. فهذا فرد متألّه مدع مريض، زعم أنه فيلسوف ومفكر وأديب وقصاص ونكش شعره ورفع بصره إلى الأعلى سمة الفلاسفة، وما هو إلاّ دعي فاشل مريض راسب في كل مستويات دراسته، وما زعم أنه كتبه إنما هو كتب كتبت له، ووضع اسمه عليها ليسد نقصه وسخيمته وخسته وفقره في الذكاء والفكر. شخص مريض مأفون مهلوس مجدف عديم القيم ميت الضمير محدود التفكير ورّط شعبه في مغامراته الجنونية، ودفع الشعب ثمن جنونه وحماقاته عشرات المليارات، سوى ما أنفقه على ملذاته ومتعه وسرقاته هو وأولاده ومحظياته. من قال إن هذا يظل قرابة 44 سنة يحكم الشعب المجاهد الذي دوّخ الاستعمار الإيطالي؟ في أيّ عصر نحن حتى يحكم هذا المأفون شعباً هو من خيار خير أمة أخرجت للناس؟ هذا المأفون الذي سمى نفسه: ملك ملوك إفريقيا، وعميد الحكام العرب، ومسخرة زعماء العالم، وأراجوز المسرح.. أهذا “الشيزوفرينيك” يحكم ما يوازي ربع قارة أوربا؟ مهزلة والله! 4- ليس زعيم أمة ولا قائد وطن. ليس القذافي زعيماً ولا قائداً ولا حاكماً، ولكنه رئيس عصابة من المخرّبين والقتلة والسفلة جمعهم حوله، والدليل أنه انتهى نظامه ولكن عصابته ما زالت تقاتل كما تفعل عصابة مع مجموعة من الشرطة يحاصرونها. لقد ربّى فئة من الطفيليات الانتهازية وأشبعهم وأجاع الناس، وأعطاهم ومنع الناس، فوالوه وقت أن انتفض الناس. لقد انتفض المحرومون، واندفع المجرمون في الدفاع عنه وهم النهازون المستفيدون. هل زعيم أمة وقائد وطن يضم عشيرته إليه ويعطيها ويغدق عليها ويخزّن نصف أسلحة الدولة في مدينتين تسكنهما عشيرته؟ هل هذه صفات قادة وأخلاق زعماء؟ متى تنتهي عقلية العصابة من العالم العربي؟ متى يشعر الزعماء أنهم لكل الشعب؟ متى يحب الزعماءَ كل الشعب؟ ومتى يحب الزعماءُ كل الشعب؟ إنّ الأتباع والأزلام والمرتزقة هم الذين ما زالوا يقاتلون بعد سقوط نظام القذافي لأنهم ربطوا مصيرهم بمصيره، ووجودهم بوجوده، فلا معنى للوجود من غير معبودهم الباطل الفاشل العاطل! فلتخرب البلاد وليقتل العباد إذا زال قائد الأوغاد! أما نداؤه الخالد: فلتزحفوا ملايين ضد المتمردين، فنداء في بيداء، وصرخة في واد ونفخة في رماد، وبانتهاء بقية فلول العصابة ستطهر البلد من وباء وكابوس قد انزاح عن صدر الأمة كلها لا عن صدر ليبيا وشعبها فحسب. فهذا المخرب كان راعي الفتن وممولها في طول العالم العربي وعرضه، فما من فتنة إلاّ مرّت من عند القذافي وتموّلت من مال شعبه! فبانزياحه انزاح جبل جليد جثم فوق الحياة والأحياء وأفسد كل شيء.. 5- تجلي السنن. يأبى الله إلاّ أن يثبت يقين المؤمنين بأدلة محسوسة وبراهين ملموسة، ومشاهدات حية واقعية لا تقبل التأويل أو التلبيس. تتجلى السنن، وتسفر الآيات، وتتحقق الوعود القرآنية الربانية، فيتعزز اليقين ويثبت الله المؤمنين. وسأكتفي ببعض السنن من بعض السور، ولنقف عند سورة الأنعام فحسب: “ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم” 6، “فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون” 10، وكم سخر القذافي من آيات الله ومن رسول الله فأتاه وعد الله! “قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين”11، “ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون” 21، وتكرر ختام الآية في الآية135، “وإن يهلكون إلاّ أنفسهم وما يشعرون” 26، “ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين” 34، “فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين”54-55، “هل يهلك إلا القوم الظالمون” 47، “وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً” 112. أوليس القذافي عدو النبي صلى الله عليه وسلم، أوليس كتابه الصادر عن دار الغرور والمزخرف بالأباطيل والأضاليل والمحاط بالتهويل أراد به أن يضاهيء كلام الله؟ “سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون” 124، “وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون”. أليست كتائب القذافي ومرتزقته وأزلامه من تولية الله بعض الظالمين بعضاً ليجعل الله الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً في جهنم.. إن شاء الله! “ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين” 147. هذه بعض سنن سورة واحدة، وربما يكون في باقي السور ما يكمل الصورة ويجليها أكثر، لكن نكتفي بهذا، وتستطيع أن تقرأ القرآن بحثاً عن سنن تجلّت في زوال هذا الطاغوت، وانهدام هذا الصنم. والحمد لله الذي أرانا تجلي قوله العظيم: “وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً”، “وقل جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد.” والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين. والمحطة التالية عند اليمنيين والسوريين.
(المصدر: صحيفة “السبيل” (يومية – الأردن) الصادرة يوم 17 أكتوبر 2011)
بلال الحسن يشكل موضوع الصراع العربي – الإسرائيلي موضوعاً استراتيجياً دائم الحضور، أمام كل دولة عربية، وأمام كل سلطة مهما كان نوعها. وبسبب ذلك وُجدت الحركة النضالية الشعبية ضد “إسرائيل”، وكانت هذه الحركة النضالية الشعبية فلسطينية تارة، وعربية تارة أخرى، وشكلت هذه الحركة النضالية وسيلة الاستمرار في مواجهة التحدي الإسرائيلي. وكانت وسيلة العمل عسكرية (فدائية) في معظم الأحيان، وسياسية في بعض الأحيان، سواء عبر اتفاق أوسلو، أو عبر منهج العمل السياسي الذي تتبناه السلطة الفلسطينية حالياً.
الآن.. ثمة ظروف ووقائع تتيح طرح السؤال: هل وصل العمل الوطني الفلسطيني، سواء من خلال منهجه العسكري، أو من خلال منهجه السياسي، إلى طريق مسدود؟
محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، هو صاحب نظرية التفاوض ثم التفاوض. ولا نريد هنا أن نناقش صحة هذا المنهج أو خطأه، لكننا نريد تتبع حركته فحسب. فهو من موقعه وضع منهجه موضع التطبيق، أولا مع “إسرائيل” حيث العمل السياسي المطلوب. ولكن ما ظهر منذ اللحظة الأولى أن القيادة السياسية الإسرائيلية ليست مستعدة وليست جاهزة لأي تفاوض سياسي. فهي منذ اللحظة الأولى وضعت شروطها الخاصة للبدء في هذا التفاوض السياسي، وكانت شروط “إسرائيل” تعني فرض النتائج التفاوضية سلفا لصالحها، وهو ما لا يمكن أن يستقيم معه أي تفاوض. طلبت “إسرائيل” أن يبدأ التفاوض حول بند الحدود، وذلك حتى لا تسلم سلفاً بأن التفاوض لا بد أن ينطلق من مبدأ حدود عام 1967. ومضت أيام وأسابيع من دون أن يتغير هذا الموقف الإسرائيلي، وبالطبع من دون أن تبدأ عملية التفاوض.
ورغم هذه النتيجة، لم ييأس الرئيس عباس من متابعة منهج التفاوض، وكان أن حاول هذه المرة أن ينقل الموضوع إلى الإطار الدولي، فأصر على طرح موضوع عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن. ودارت هنا حرب دبلوماسية دولية، وأعلنت “إسرائيل” رفضها للموضوع من حيث المبدأ، ودعمتها الولايات المتحدة الأميركية، وهي رفعت هنا شعار التفاوض كمدخل وحيد في أي قضية مطروحة. ومن خلال جو التحدي هذا، أصر محمود عباس على موقفه، وذهب إلى الأمم المتحدة، وألقى خطاب فلسطين هناك، طالبا من مجلس الأمن أن يقر عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة.
شكل الذهاب إلى الأمم المتحدة نجاحا للسلطة الفلسطينية. وشكل إلقاء محمود عباس لخطابه نجاحا إضافيا. ولكن بعد ذلك مباشرة بدأت المشكلة. فالطلب الرئيسي في الخطاب، أي قبول عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، أحيل إلى مجلس الأمن، وأحاله مجلس الأمن إلى لجنة العضوية، وهنا برز الاجتهاد المضاد الذي يقول بأن العضوية في مجلس الأمن هي للدول فقط، ومنظمة التحرير الفلسطينية ليست دولة. وبهذا وصل التحرك السياسي الجديد إلى حائط مسدود.
على الجانب الآخر، يقف منهج العمل الفدائي الفلسطيني كوسيلة عسكرية فلسطينية تتحدى دولة “إسرائيل”. وقد أثمر العمل الفدائي عن إبقاء القضية حية، وعن إبقاء الوضع الدولي متحفزا يراقب ما يجري، ويحاول أن يضغط باتجاه نتيجة ما. وبفضله وافقت “إسرائيل” أن تذهب إلى التفاوض، ووافقت منظمة التحرير على أن توقف العمل الفدائي ضد الاحتلال، ثم أثمرت هذه السياسة عن اتفاق أوسلو عام 1993. وهنا تم إيقاف العمل الفدائي بينما لم تثمر المفاوضات عن نتيجة ما في عهد الرئيس الفلسطيني عرفات، وفي عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون عام 2000.
في هذه الأثناء حاول عرفات بين عامي 2000 و2002 أن يدمج بين العمل الفدائي والمقاومة، لكن فرض الحصار عليه من قبل “إسرائيل” في مقر إقامته في رام الله – ثم جاء مرضه ووفاته فأنهيا هذه المرحلة من دون نتائج.
وحين تولى الرئيس محمود عباس رئاسة السلطة، حاول من جانبه أن يجعل من موضوع التفاوض أساسا للعمل، تشجيعا لإسرائيل على القبول. ومع ذلك فإن محاولته هذه لم تثمر. وهنا عاد موضوع العمل الفدائي ضد الاحتلال ليفرض نفسه من جديد، وكانت حركة حماس المعارضة، والمتبنية لمنهج العمل الفدائي، هي المؤهلة لأداء هذا الدور، وقد بادرت إليه فعلاً، ولكن ما هي إلا فسحة قصيرة حتى نشب خلاف بين حماس المتنفذة في قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية المتنفذة في الضفة الغربية، وتطور هذا الخلاف إلى اشتباكات أسفرت عن سيطرة حماس عسكرياً على قطاع غزة، ووجدت بسبب ذلك سلطتان فلسطينيتان. وكان متوقعاً أن تقود حركة حماس سياسة عمل فدائي ينطلق من القطاع ضد “إسرائيل”، ولكن هذا لم يحدث. إذ لم تعد حماس بعد السيطرة على غزة مجرد حركة معارضة، أصبحت حركة حاكمة لجزء من الوطن، وللحكم طبعاً مقتضياته. ومنها تأمين ظروف المعيشة لنحو مليوني نسمة في القطاع، وهنا أدركت حماس أنها لا تستطيع مواجهة اعتداءات “إسرائيل”. صحيح أنها واجهت الحملة الإسرائيلية الأولى على غزة، لكنها واجهتها من موقف الدفاع الذي مكنها من الصمود لكنه لم يتح لها إنجاز شيء ما. وإذا تكرر الأمر فإنه قد يؤدي إلى إعادة احتلال غزة.
يتضح من خلال هذه الصورة أن الدبلوماسية الفلسطينية مع “إسرائيل” لم تثمر، وأنها لا تكفي وحدها كخطة للعمل. ويتضح أيضا أن الحرب (العمل الفدائي) من خلال واقع غزة فقط لا يثمر أيضاً، إذ إن موازين القوى مختلة لصالح “إسرائيل”. فما هو المخرج إذن؟
هذا السؤال ليس مطروحاً على محمود عباس فقط، وليس مطروحاً على حركة حماس فقط، إنه مطروح على الطرفين. وهناك الآن حوار مصالحة يجري بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، فهل يمكن لحوار المصالحة أن يبحث هذه القضية وما يترتب عليها؟
وإذا لم تبحث هذه القضية (وتفرعاتها) في حوار المصالحة، وإذا لم يتم إيجاد جواب نضالي، وليس جواباً يقر الأمر الواقع فقط، فإن ذلك سيعني القبول بالطريق المسدود. فلا العمل السياسي يجدي، ولا العمل الفدائي ممكن من غزة فقط.
وثمة أفق آخر للقضية لا يمكن تجاهله، وهو التغيير الذي حدث في مصر بعد زوال حكم الرئيس السابق حسني مبارك. ففي مصر الآن سلطة تتعامل إيجابياً مع حركة حماس، ولا تستطيع حماس في غزة أن تتجاهل علاقاتها الطبيعية مع مصر، خاصة أن مصر لعبت مؤخراً أدواراً سياسية لصالح حركة حماس، ليس أقلها وساطتها في إنجاز صفقة تبادل الأسرى، وليس أقلها أيضاً تدخلها من دون إعلان لوقف حملات عسكرية إسرائيلية كانت على وشك البدء ضد قطاع غزة.
لكل هذا تفرض الوقائع على الجميع البحث عن بديل متفق عليه. إن البحث عن البديل هو التحدي الكبير المطروح على الجميع الآن. وفي جوهر هذا التحدي الفكرة الأصلية الموجودة دائما حتى لو تجاهلها الكثيرون، وهي أن العمل الفدائي الفلسطيني هو بالضرورة عمل عربي أيضاً، إذ لا يوجد عمل فلسطيني بحت، لا سياسياً ولا فدائياً، وحين يتم اعتماد العمل الفلسطيني البحت تنفرد “إسرائيل” بقطف النتائج لصالحها. ولا بد أن نسأل هنا: من هي الجهة الفلسطينية التي ستقود هذا الحوار مع العرب؟ ومن هي الجهة العربية التي ستقود هذا الحوار مع الفلسطينيين؟ ولا يظنن أحد أنه يستطيع أن يواصل الدرب بمفرده.
المصدر: م. ف. إ. عن الشرق الأوسط