عريضة مساندة لصحيفة الموقف
الحزب الدّيمقراطي التقدّمي:جامعة بنزرت:ارفعوا الحصار على جريدة الموقف المؤتمر من أجل الجمهورية يتضامن مع جريدة الموقف
الجامعة العامة التونسية للشغل:بيان غرة ماي 2008 أساتذة الفلسفة بقبلي :عريضة في الفلسفة
الطاهر العبيدي :نجيب الشابي وجها لوجه مع الجالية التونسية في باريس يوميات الصمود (1): رشيد خشانة ومنجي اللوز في إضراب مفتوح عن الطعام دفاعا عن حرية التعبير في تونس
اسلام أون لاين :رئيس تحرير “الموقف” التونسية يضرب عن الطعام ا ف ب :تونس ترفض الاتهامات بشأن حقوق الانسان وتعتبرها ناتجة عن “انحياز” موقع “إيلاف”:ساركوزي في تونس الاثنين المقبل والمجتمع المدني يترقب “تعاطفه” يو بي أي :الرئيس التونسي يجدد مساندته لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط يو بي أي :ساركوزي ينفي تبعيته لاميركا ويدعو لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي
موقع “محيط”: 179مليون دولار العجز التجاري في تونس للربع الأول
طلبة تونس : أخبار الجامعة
محمد شمام: حتى لا يشوش على واجبي الشرعي – الحلقة الأولى موقع الحوار.نت :اكذب اكذب حتى يكشفك الناس مراد رقية :معارضة المحاصصة والاعتراض:على الجزئي قبل الكلّي،حركة التجديد نموذجا؟؟؟
مرسل الكسيبي: في تونس : النجدة ساركوزي يرحمك الله ! زكريا: الآن وهنا الإرادة: عيد العمّال عيد العمل والأمل الإرادة: انتـخابات 2009: الرّهـانات والحسـابات الوطن: في المقر المركزي للإتحاد الديمقراطي الوحدوي – ندوة “الشباب من نحن؟ وماذا نريد؟”) 1/2) صحيفة ” مواطنون” : ال…برهان…الأوحد عبد القادر المعالج: بين الطالبي والشرفي:أدب الحوار أ.د. طه عبد الرحمن: تقديم كتاب “الخطاب الإسلامي المعاصر بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ” للمؤلف وحيد تاجا
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين تتواصل معاناتهم ومآسي عائلاتهم وأقربهم منذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاع. نسأل الله لهم وللصحفي سليم بوخذير وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات إيقافهم منذ أكثر العامين الماضيين فرجا قريبا عاجلا- آمين
21- الصادق العكاري 22- هشام بنور 23- منير غيث 24- بشير رمضان 25 – فتحي العلج |
16- وحيد السرايري 17- بوراوي مخلوف 18- وصفي الزغلامي 19- عبدالباسط الصليعي 20- لطفي الداسي |
11- كمال الغضبان 12- منير الحناشي 13- بشير اللواتي 14- محمد نجيب اللواتي 15- الشاذلي النقاش/. |
6- منذر البجاوي 7- الياس بن رمضان 8- عبد النبي بن رابح 9- الهادي الغالي 10- حسين الغضبان |
1- الصادق شورو 2- ابراهيم الدريدي 3- رضا البوكادي 4-نورالدين العرباوي 5- الكريم بعلوش |
بعد الحرمان من الحرية مدة..16 عاما و 4 أشهر .. : الصحبي عتيق يحرم من مناقشة أطروحة الدكتوراه..!
عريضة مساندة لصحيفة الموقف
ارفعوا الحصار على جريدة الموقف
المؤتمر من أجل الجمهورية يتضامن مع جريدة الموقف
عريضة في الفلسفة
بيان غرة ماي 2008
نجيب الشابي وجها لوجه مع الجالية التونسية في باريس
رشيد خشانة ومنجي اللوز في إضراب مفتوح عن الطعام دفاعا عن حرية التعبير في تونس
: رئيس تحرير “الموقف” التونسية يضرب عن الطعام
تونس ترفض الاتهامات بشأن حقوق الانسان وتعتبرها ناتجة عن “انحياز”
ساركوزي في تونس الاثنين المقبل والمجتمع المدني يترقب “تعاطفه”
الرئيس التونسي يجدد مساندته لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط
ساركوزي ينفي تبعيته لاميركا ويدعو لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي
179مليون دولار العجز التجاري في تونس للربع الأول
بسم الله الرحمان الرحيم
حتى لا يشوش على واجبي الشرعي – الحلقة الأولى
تــوطئــــــــة
بقلم محمد شمام
تذكيــــر:
نشرتُ في السبيل أون لاين ، بتاريخ 09–04–2008 ، النص التالي :“حركة النهضة والمشروع الإسلامي : لا يا أخي حمادي لن نقبل التفريط في المشروع الإسلامي ” ، ذكرت في التقديم له ما يلي :
(تفاعلا مني مع نص “الهوية والدولة والديمقراطية” ، الذي نشرته السبيل أون لاين في الحلقة الثالثة من محور المسألة الحضارية ، راغبة في تنضيجه عبر الحوار؛ أساهم بهذا النص على أمل أن يوفقني الله إلى مساهمات أخرى بإذنه تعالى.)
ثم قلت : (هذه المساهمة هي من منطلق شرعي الذي يقتضي الصدع، وليس من منطلق تنظيمي ذو الطبيعة الداخلية. إن الحديث هنا هو عن الشرع، وهو أمر عام يهم الناس جميعا وليس فقط التونسيين. وقد ضرب الله لنا مثلا في نبيه صلى الله عليه وسلم وفي صحابته رضي الله عنهم ، حيث كان يتنزل القرآن يُقوّمهم على الملإ حتى في حال الحرب مع أعداء المشروع الإسلامي. ماسنقوم به هنا هو قريب من ذاك القبيل الذي لم يعد يجوز معه السكوت.)
وكانت على هذه المساهمة ، ردود أفعال متنوعة . وما شدني منها، تلك التي لا تتعلق بالموقف ذاته ولكن بملابسات ماضية .
لقد كتبت أداءا لواجبي الشرعي ، إلا أن هذه الملابسات يبدو أنها شوشت على ذلك الأداء مما أصبح الأمر يقتضي إزالة هذا التشويش قبل المواصلة. وهذا الذي سنقوم به إن شاء الله في سلسلة عارضة من النصوص تحت عنوان “حتى لا يشوش على واجبي الشرعي” – ولكل واجبه الشرعي – ، مقدمين لها بهذا النص الذي يمثل حلقتها الأولى.
يا سعدنا لو نقوم بوقفة محاسبة ومراجعة قرآنيتين:
من أين جاء هذا ؟ وماذا يحكي؟ وماذا يقول؟ وهل نسي فعلته التي لا زلنا نعاني مضاعفاتها . مثل هذه التعبيرات قد تخطر ببال بعضنا، بل قد يقولها كما حصل بمناسبة النص الأخير الذي نشرته ، وكأن لسان حال هؤلاء : هل مازال لك ما تقوله “وفعلت فعلتك التي فعلت” كما قالها فرعون لموسى. وأجد نفسي هنا في حرج شديد مع أناس موجوعين قد لا أجد معهم قولا غير الإحجام والتواري. ولكن ما قصه الله لنا عن موسى عليه السلام لا يترك لي فسحة للتنصل من الواجب .
بالفعل ما الذي فعلت ؟
أنا ليس لي أي إشكال فيما يسمى بالمحاسبات والمراجعات ، بشرط أن تكون قرآنية ، وأن تكون وفق المنهج القرآني في التقويم والمراجعة . وأنا غير مستعد للتقويمات حسب الأهواء لأنها تفسد أكثر مما تصلح .
أنا أعرف جيدا ماذا فعلت، وليس عندي أي إشكال في الحديث في كل ذلك ، ليس فقط مع من يطالب به ولكن على الملإ. وليس عندي أي إشكال في التوبة من أخطائي ، ليس فقط بين الجدران بل على الملإ. أنا خطاء وكذلك خلقني ربي ، ومع ذلك أؤمن بقول نبينا صلى الله عليه وسلم :”خير الخطائين التوابون”.
وإذا لم تعلموا فأعلمكم أني اجتهدت أن أقنع حركة النهضة بأن المشروع الإسلامي – وما حركة النهضة إلا إحدى تعبيراته – هو من الشأن العام التونسي. وإذا جاز سابقا قبول – بصيغة الحركة الإسلامية بمفهوم التنظيم والحزب – أنها تهم دائرة محدودة ، فإنه بعد التطورات العالمية والمحلية لم يعد هذا مقبولا، بل مطلوب أن تتحول الحركة الإسلامية إلى حركة مجتمع ، وأن يُتناول شأنُها مع الجمهور التونسي.
ومن هنا فقد كنت أطرح دائما أن أوضاع حركة النهضة ، وخاصة المتعلقة منها بمعالجة أوضاعنا وتصحيحها، هي من الشأن العام المطلوب أن يتم على الملإ. أنا أقول بذلك وأدعو إليه في إطار قوله صلى الله عليه وسلم:”كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”.
كيف تردون على من يحملكم أنتم شخصيا قدرا غير قليل من المسؤولية فى ذلك؟
ولأختصر لكم الطريق فيما يتعلق بتحملي المسؤولية ، أقول بشكل أولي – وسيكون لي قول آخر في وقت لاحق – من خلال سؤال سئلته لم ينشر بعد :
س : بعد مرور كل هذه السنوات العجاف التي أعقبت المواجهة مع السلطة هل ترون أن لكم مسؤولية شخصية فى الاشتباك الذى حصل مع السلطة التونسية , وكيف تردون على من يحملكم أنتم شخصيا قدرا غير قليل من المسؤولية فى ذلك دون إعفاء السلطة طبعا؟
ج : طبعا أنا لي مسؤولية، وبعض إخواني – خاصة من غير المطلعين، ومن غير أن يصرحوا – يرونها مسؤولية كبيرة إن لم تكن الأولى. وأنا ليس لي أي مشكل في تحميلي المسؤولية، والمهم أن نعتبر ونستفيد ونتجاوز العطالة والسلبية لأداء ما مطلوب آداؤه . وقد تعرضت في بعض اللقاءات، لمثل هذه الأسئلة، فقلت لإخواني بكل وضوح: “إن الابتلاءات والأحداث هي كشّاف لمعادن الناس وقلوبهم ومؤهلاتهم، وقد عرفتم صاحبكم فالزموا ما عرفتم…. “.
وللعلم فقد كنت سجينا حين أجْريَت انتخابات 1989، حيث خرجت من السجن بعدها في أفريل 1989. وهذه الإنتخابات هي التي أثارت الاستئصاليين نحو المواجهة. ولم ألبث إلا قليلا حتى غادرت تونس بين 22 و 23 ديسمبر 1990 في الليلة التي انطلقت فيها حملة السلطة علينا وبدأت فيها المواجهة. يومها كنت على الحدود، والبلدة التي كنت فيها جرت فيها اعتقالات وإطلاق رصاص حتى ذهب الظن أن الأمن اكتشف أمري وأني أنا المقصود.
ولأني أتحمل مسؤولية، فإنه لن يرتاح لي بال حتى تحَل المشكلة، بل حتى يتم إصلاح ما فسد وجبر ما تضرر.
وتحمل المسؤولية هذه – مع التطورات الكبيرة الحاصلة في الواقع – لم يعد لها من معنى إلا معنى خاصة اعتباري ، وهو تحمل لايعفيني من واجبي الشرعي إذ هو الواجب الأصلي الذي أصدر عنه الآن . ولن أهمل مع هذا واجبي تجاه حركة النهضة بكل ما يقتضيه من رأي ونصيحة واجتهاد في كل ما من شأنه أن يدعم ويصحح ويجدد هذه الحركة.
خاتمــة :
وفي خاتمة هذه الحلقة التمهيدية أقول : ليس الوجه الأهم في موضوعنا هنا، هو وجه المحاسبات ، ولكن هو وجه العبرة واستفادة التونسيين منه جميعا. وإنجاز هذا الوجه يختلف في أسلوبه ومنهجه عن أسلوب ومنهج وجه المحاسبة. وقد أستبق الأحداث بإعلامكم أنه قد اتصل بي أحد الأحباب طارحا فكرة الاهتمام بهذا الملف فشجعته عليه، وقلت له أنا معك فيه حسبما تسمح به ظروفي وإمكانياتي. وأنا مدرك جدا أن مثل هذا الملف سيحتاج واقعيا وعمليا إلى وقت، والمهم أن يبدأ الاهتمام ولو بأشياء بسيطة فمع الزمن وبالتراكم سيكتمل إنجازه بإذن الله تعالى.
وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله وهو الهادي إلى سواء السبيل
معارضة المحاصصة والاعتراض على الجزئي قبل الكلّي،حركة التجديد نموذجا؟؟؟
اكذب اكذب حتى يكشفك الناس
في تونس : النجدة ساركوزي يرحمك الله !
الافتتاحيّة عيد العمّال عيد العمل والأمل
انتـخابات 2009: الرّهـانات والحسـابات
في المقر المركزي للإتحاد الديمقراطي الوحدوي ندوة “الشباب من نحن؟ وماذا نريد؟”) 1/2)
الشباب هو طلائع تستكشف للشعب طريق الحياة… لكنه بقي بعيدا عن الفعل الاجتماعي والثقافي والمدني.
“… في البداية يسعدني أن أرحب بالدكتور المنصف وناس وأتوجه إليه بالشكر على المجهودات التي يقدمها للساحة السياسية والجمعياتية.. الاتحاد الديمقراطي الوحدوي كان دائما ومازال منسجما مع رؤيته التي تضع الشباب في مقدمة اهتماماته ويظهر ذلك سواء في البرنامج العام للحزب أو في الأداء اليومي لمختلف هياكل الحزب… نحن نعتبر أن الشباب هو طلائع تستكشف للشعب طريق الحياة… لكن نقولها بكل أسف أن هذا الشباب بقي لزمن طويل بعيدا عن الفعل الاجتماعي والثقافي والمدني… بل إنه ذهب في اتجاهات عذة لذلك أصبح لزاما على كافة مكونات المجتمع المدني النظر إلى فئة بعين أخرى… أي مزيد الاهتمام بها ومزيد الإنصات إليها. لقد حرصنا في الاتحاد الديمقراطي الوحدوي أن نكون عمليين في هذا الاتجاه، فنظمنا قبل أشهر قليلة ندوة موضوعها الشباب والعمل السياسي والجمعياتي… وحرصنا أن تحظى شواغل هذه الشريحة بالمكانة التي تستحق على صفحات جريدة “الوطن” لسان حال الحزب… واليوم ننظم هذه الندوة لنحاول أن نجيب مع بعضنا على جملة من الأسئلة والقضايا: على أي أرضية يقف هذا الشاب؟ ما هو تراثه؟ ما هي مرجعيته؟ لأننا نعتقد أن هذه الإجابات والقضايا هي التي تحدد رؤيته للمستقبل. هذه الندوة كما قلت هي في صميم اهتمامات الاتحاد الديمقراطي الوحدوي بالشباب وهي أيضا مشاركة في الدعوة التي طرحها رئيس الدولة للحوار مع الشباب من أجل الخروج بميثاق وطني حول الشباب. لقد عرفت البلاد عدة انزلاقات كان الشباب ضحيتها لأنه يعاني من عدة مشكلات وعدة شواغل… وأعتقد أنه لا بد من فهم عملي لهذه المشكلات ولا بد أن يساهم الشباب في حل مشكلاته… هكذا نفهم الحوار مع الشباب وهكذا نأمل أن يكون… وفي الختام أتوجه للحضور من الشباب بالقول إني أحرضكم للتعبير على كل ما يشغل بالكم.. نعم أحرضكم لأن تكون مداخلاتكم حرة… وشكرا…” الدكتور المنصف وناس:
متطلبات الشاب اليوم، أكثر مما تتوقع… وهو بحاجة يضا إلى سياسة تشغيلية وواقعية وعلمية
ألقى الدكتور المنصف وناس محاضرة قيمة تعرض فيها إلى عدة قضايا شبابية. “… في البداية أريد أن أعبر عن تأثري بهذا الحضور الشبابي المكثف، رغم أن اليوم هو يوم كروي بامتياز حسب ما فهمت وأنا في طريقي لحضور الندوة. أعتقد أنه من المهم أن يحضر الشباب ليساهم في حوار حول قضاياه وشواغله رغم هذه الكرة المكثفة. هذه المناسبة نريدها أن تكون مناسبة للحوار وللاستماع إلى الشباب ولإبداء الرأي والتجاوب مع ذلك. إن الخوض في قضايا الشباب من الناحية العلمية ومن الناحية الأكاديمية هي قضية شائكة وتحتاج إلى جهد كبير، فمفهوم الشباب هو مفهوم غامض، إذ هناك تعريفات كثيرة لهذا الشباب من الناحية المنهجية والفكرية والعلمية، وهناك قراءات تختلف من مدرسة إلى أخرى ومن باحث إلى باحث، وهي مسائل لا تعنينا بقدر ما يعنينا أن نستمع إلى بعضنا البعض. نحن في بلد في حاجة ماسة للاستماع إلى شبابه وإعطائه الفرصة كاملة ليتحدث عن شواغله، وذلك ليس بغريب، نظرا لأن الشباب يمثل فئة هامة في المجتمع… بل أستطيع أن أقول إننا مجتمع شباب (2.750.000 شاب و350 ألف طالب جامعي) قياسا بمجموع عدد السكان الجملي وأيضا قياسا بإمكانات البلاد التشغيلية، خاصة إذا علمنا أن عدد خريجي الجامعات يصل سنويا إلى نحو 55 ألف خريج (من بين من يدرس سنة واحدة ومن يدرس 8 سنوات). ولكن هذه المعطيات الديمغرافية والسكانية اعتقد أنها في حاجة إلى تحليل، وفي حاجة إلى فهم ما يترتب عن هذا المجتمع الشاب. المجتمع الشاب تترتب عنه اعتبارات كثيرة منها عملية تأطير الشباب فكريا وثقافيا وسياسيا، تأطيره مؤسساتيا مهنيا وتأطيره أيضا من الناحية المرجعية. إن متطلبات الشاب اليوم، أكثر مما تتوقع، وهو بحاجة إلى بيئة معقولة وإلى تعامل عصري وحديث معه… وهو بحاجة أيضا إلى سياسة تشغيلية وواقعية وعلمية… وفي كلمة هو بحاجة إلى توفر ظروف العيش الكريم ومستوى مقبول من الحياة اللائقة. هذه الحاجيات في حاجة إلى استراتيجيات وإمكانات لتوفير الشغل (كل سنة يتخرج من الجمعة التونسية نحو 55 ألف طالب). لكن أقول إننا لم نستعد بما فيه الكفاية لمواجهة كل هذه التحديات والمستلزمات الضرورية: فهناك تراجع في القطاع العام دون وجود بديل في القطاع الخاص، وهناك مزيد من انحصار القدرات التوظيفية والتشغيلية وهناك أيضا مزيد من الضغط على الجامعات. اليوم نحن في حاجة (وهو الاستنتاج الأكبر الذي يمكن أن نتناقش فيه) أن نعيد النظر بشكل عملي وعقلاني واستراتيجي ثم واقعي أيضا فيما وصلنا إليه في مجال سياسيات تأطير الشباب والإحاطة به واستشراف المستقبل واقتراح البدائل. لا يوجد بلد في العالم بدون مشاكل مع الشباب وله قدرة على حل مشاكل الشباب… فالبلدان التي لها قدرة على تشغيل الشباب تجد لها مشاكل أخرى مثل الانحراف والعنف والإدمان… الخ. كل المجتمعات لها مشاكل مع الشباب وخاصة مع تأطير الشباب. المشكلة في اعتقادي هي في غياب السياسيات، أو في ضعف التصورات السياسية الراهنة والاستشرافية في الوقت نفسه. مشكلة الشباب هو أن هناك مشاكل راهنة وحالية، وهناك تحديات مستقبلية تحتاج إلى الاستشراف وإلى خيال خصب في مجال إيجاد الحلول. هذا الشباب يحتاج: أولا: إلى أن نعمق انتماءاته المرجعية والهوية… وهو محتاج إلى أن يشعر بشكل مباشر في برامج الأحزاب السياسية وفي برامج الجمعيات والجامعات.. بانتمائه المغاربي والعربي والإسلامي في الوقت ذاته، وترسيخ هذا الانتماء بشكل متفق عليه. ثانيا: يجب اليوم أن نفكر مع الشباب وبحضور الشباب. هناك تجارب سابقة تم التفكير فيها عن الشباب ولفائدة الشباب ولكن في غياب الشباب. علينا أن نتفق أنه من واجب الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة والجمعيات أن تعتبر أن الشباب هو فاعل سياسي وثقافي واجتماعي يشرك في جميع التصدرات والحوارات والاستراتيجيات. ثالثا: ضرورة الالتزام بمواجهة جدية لمشاكل الشباب. أنا أعتبر أن الشباب في تونس بنسبة كبيرة هو في وضع جيد… نحو في مجتمع لا يوجد فيه تطرف يحير أو يزعج… نحن في مجتمع لا يوجد فيه انحراف أو إدمان أو عنف يزعج. نحن في مجتمع ما يزال فيه الشباب بنسبة محترمة يؤمن بالجهد والعمل وبالكد وبالحصول على الشهادة ويسعى إليها رغم الظروف الصعبة. صحيح ان هناك صعوبات وأن هناك بعض ملامح التطرف والانحراف ولكن أعتقد أن الأمر لا يمثل وضعية مأساوية كما هو الشأن في مجتمعات أخرى. وأعتقد أنه من واجب المجموعة الوطنية وفي مقدمة ذلك السلطة أن تقوم بما يجب القيام به في مجال التشغيل. سأقدم مثالا، في تونس تنشط نحو 9200 جمعية ومن حقنا أن نتساءل، ما هي نسبة ما تقدمه هذه الجمعيات في التشغيل، وما هو دورها في ذلك؟ هذه الجمعيات للأسف بنسبة 75% هي رئيس جمعية وسكرتيرة وفي أقصى الحالات ساعي. في فرنسا يمثل قطاع الجمعيات القطب الثالث من حيث التشغيل، نحو 8 ملايين فرنسي يعيشون بشكل كلي أو جزئي من الجمعيات. أعتبر أن هناك حلول ممكنة، لكن المطلوب هو مزيد “التورط” (بالمعنى الإيجابي) في التشغيل. “تورط” الدولة والقطاع الخاص والجمعيات والمجتمع المدني. القطاع الخاص هو قطاع بني من مال القطاع العام، لذلك نحن نطالب برد الجميل لهذا القطاع، وذلك “بالتورط” أكثر في عملية التشغيل. أنا أعتبر أن 350 ألف خريج من الجامعة دون عمل قار، ليس مأساة، لأني أعتبر أن قطاعا مثل قطاع الجمعيات لو يعاد النظر فيه ويستثمر فيه أكثر ويعقلن أكثر ويطهر أيضا… تمكن أن يكون قطاعا موظفا للشباب ولخريجي الجامعات. تونس اليوم محتاجة أن تكون مخبرا علميا نفكر فيه بصوت مرتفع من أجل مواجهة شواغل الشباب. اليوم لم يعد معقولا أن يفكر طرف واحد باسم الشباب، لأن قضية الشباب هي قضية وطنية والحوار مع الشباب. كل طرف في هذا المجتمع له مسؤولية أخلاقية ووطنية وسياسية للحوار مع هذا الشباب.وإذا كنا نريد بلدا مستقرا اجتماعيا وسياسيا. نحن بحاجة إلى استقرار الشباب مرجعيا (تكون له مرجعية واضحة) وأن تكون له القدرة على التعلم ولكن خاصة القدرة على التشغيل وعلى الاطمئنان على المستقبل. إن من أولويات الشباب اليوم أنه يرغب في أن يطمئن على مستقبله، يرغب في أن يشارك في بناء المجتمع، يرغب في أن يعطي الفرصة وأن يكون طرفا منتجا، وأعتبر أن هذا حق مقدس، لا بد أن نلتزم به وتلتزم به السلطة وذلك من خلال الضغط على كل مكونات المجتمع وخاصة القطاع الخاص لتقديم مزيد من التنازلات ليشغل الشباب… وأعتقد أنه قادر على ذلك. إذا لم نعرض على الشباب عروضا معقولة (من القطاع العام والخاص)… فهناك أطراف أخرى ستقدم له عروضا سيئة فيها ما هو مرتبط بالتطرف وبالعنق… لذلك لا بد من الانتباه. لذلك أقول نحن بحاجة إلى حوار فيما بيننا وإلى تشريك الشباب في هذا الحوار وإلى الخروج نهائيا من لغة الإقصاء والوصايا وادعاء أحادية التمثيل. نحن بحاجة إلى أن نكسب شبابنا رأسمال من الثقة وإلى تحصينه فكريا ومرجعيا. *ملاحظة: ننشر في العدد المقبل مداخلات السباب الذي شارك في هذه الندوة (المصدر: صحيفة “الوطن ” لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي(أسبوعية معارضة – تونس) العدد 32 الصادرة يوم 25 أفريل 2008)
بين الطالبي والشرفي: أدب الحوار
الخطاب الإسلامي المعاصر بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 حوارات وحيد تاجا
د. أبو يعرب المرزوقي، المفكر الإسلامي التونسي ( ص 35 )
الدكتورة أماني أبو الفضل، الباحثة المصرية ( 53 ) أنور أبو طه، الباحث الفلسطيني ( ص 64 ) السيد جواد الخالصي، المرجع الشيعي العراقي ص 133
الشيخ راشد الغنوشي، المفكر الإسلامي التونسي
زكي الميلاد، الباحث السعودي الدكتور سعيد الشهابي، المفكر والناشط الإسلامي البحريني الدكتور طيب تيزيني، المفكر السوري عبد الوهاب المسيري، المفكر المصري ( ص 266 ) علاء بيومي، الباحث المصري فاضل الربيعي، الباحث العراقي فايز سارة، الباحث السوري فتحي يكن، الداعية والمفكر الإسلامي اللبناني الدكتور لؤي صافي، المفكر السوري سماحة السيد محمد حسين فضل الله، المرجع الشيعي اللبناني الأستاذ محمد عدنان سالم، المفكر السوري سماحة السيد آية الله محمد علي التسخيري، العلامة الإيراني الأستاذة هبة رؤوف عزت، الباحثة المصرية
تمهيد سنوات خمس مرت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ومازال العالم العربي والإسلامي يدفعان فاتورة تلك الأحداث التي ألصقت بالمسلمين، عبر سلسلة من التداعيات بدأت، وليس لنهايتها حدود منظورة. كان في بدياتها غزو أفغانستان تحت قانون مكافحة الإرهاب، وتحت الشعار نفسه جاء غزو العراق. والآن تتوالى التهديدات والضغوط على سورية.. إلى التهديد بضرب إيران.. ولا أحد يعرف إلى أين ستصل هذه التهديدات في جملة تداعيات أحداث الحادي عشر من أيلول /سبتمبر الأمريكية، وأيَّ بلد ستدور عليه الدائرة في المرة القادمة. ولم تقتصر تلك التداعيات على ما تقدم، بل امتدت إلى مجال آخر، إذ بدأت الولايات المتحدة، تعمل على فرض مفهومها لـ«الخطاب» الإسلامي، وصارت تتدخل في السياسات التربوية في العالمين العربي والإسلامي إلى حد جعلها ذاتَ تأثير على محتويات مناهج التربية الإسلامية فيها.. وبدأنا نسمع عن حذف آيات من القرآن الكريم، ولاسيما تلك الآيات التي تحض على الجهاد، ثم زادت في مجال آخر بأن دعمت خطوة إمامة المرأة للمصلين في أحد مساجد الولايات المتحدة الأمريكية، وقامت بمحاربة وإغلاق عديد من المؤسسات الإسلامية بحجة (دعم الإرهاب) في خطوات أساسها «تجفيف ينابيع دعم الإرهاب» من خلال رفع الغطاء السياسي عن تلك التنظيمات والمؤسسات الإسلامية الخيرية، وقطع الإمدادات المالية عنها. لقد طرحت هذه التداعيات أمامنا العديد من الأسئلة حول أثر ما حدث من ظروف ونتائج على الخطاب الإسلامي المعاصر، ومدى تأثره فيها وتفاعله معها، متوقفين أمام الخطاب الإسلامي بعد أحدث أيلول /سبتمبر من حيث محتوياته وسماته، متسائلين عن رؤية كتاب ومفكرين وبعضهم من أصحاب هذا الخطاب من حركيين ودعويين لهذه التغييرات؟ وسؤالهم عما اذا كانوا قد استطاعوا فعلاً تشخيص ما يحدث وتحليله وصولاً إلى ما ترتب على ذلك من نتائج، والكيفية التي يمكن بها مواجهة هذه النتائج أو الحد من سلبياتها على العالمين العربي والإسلامي، بل وعلى العالم كله؟ في كتاب (الخطاب الإسلامي المعاصر بعد الحادي عشر من سبتمبر) حاولنا مقاربة هذه الجوانب في الخطاب الإسلامي المعاصر من خلال لقاءات أجريناها مع عدد من الكتاب والمفكرين من اتجاهات فكرية مختلفة بينهم عدد من رجال الدين الإسلامي للحديث بالعمق في الخطاب الإسلامي المعاصر من جوانب مختلفة، لرسم صورة للواقع العربي والإسلامي الراهن، دون أن نتجاوز قضايا وموضوعات هي بين القضايا الحساسة في الواقع الراهن كما في موضوعي الديمقراطية والتعددية، والعلاقة مع الآخر من خلال ما يحيط بواقع وتطور الحركات والجماعات الإسلامية في البلدان المختلفة، كما تعرضنا في جانب آخر من هذه الحوارات إلى مايراه الكتاب والمفكرون والعلماء في محتوى الخطاب الإسلامي المعاصر من الكيان الصهيوني وموضوع السلام المطروح معه. لقد بدأ الأمر في البداية محاولة مقاربة لجوانب في الخطاب الإسلامي المعاصر، لكن هذه المحاولة اتسعت لاحقاً لتشمل جوانب أكثر وذات حساسية من أجل خدمة أكبر للعالمين العربي والإسلامي في وقت يواجهان فيه تحديات كبيرة، نأمل من خلالها أننا قدمنا خدمة في هذا الطريق. وحيد تاجا دمشق في 5/5/2006 بسم الله الرحمن الرحيمتقديم أ.د. طه عبد الرحمن
ينقلنا الكتاب الذي بين أيدينا إلى طور جديد من الأطوار التي قطعتها «دار الفكر» في مسيرتها الحوارية المتميزة؛ فلقد دأبت على إصدار سلسلة من الحوارات الثنائية في مختلف المجالات الفكرية والسياسية، أي حوارات تجمع بين طرفين اثنين لكل منهما رأيٌ خاص في السؤال المطروح أو المسألة المعروضة؛ وها هي ذي اليوم تُصدر <mb>حواراً استجوابياً متعدد الأطراف<?tf>، إذ يبلغ عدد المستجوبين تسعة عشر فرداً هم من صفوة العلماء والمفكرين والباحثين، طُرِحت على كل واحد منهم أسئلةٌ تكاد تتحد بمضمونها واتجاهها؛ وبذلك، يصح القول إن الحوار هنا، ولو أنه لَم يَجْرِ بين المثقفين بشكل مباشر – أي بعضهم مع بعض – فقد جرى بينهم حقيقةً، ولكن، هذه المرة، بواسطة، إذ كانت «دار الفكر» هي هذه الواسطة؛ وحينئذ، لا شيء يكون أنسب لتقديم هذه الأجوبة من أن نستخرج بعض عناصر <mb>هذه الحوارية غير المباشرة<?tf> التي ضمها الكتاب الجديد. وحتى نقف على هذه العناصر الحوارية، نقسّم الإجابات عن الأسئلة المطروحة إلى ثلاث مجموعات، تتعلق أولاها بأوضاع العالم الإسلامي وأسبابها وأولويات المفكر إزاءها؛ والثانية تدور حول الخطاب الإسلامي والحركات الإسلامية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001؛ والثالثة تتناول الحوارات المختلفة بين المسلمين وغيرهم، متدينين وعلمانيين؛ ثم نستنبط من كل مجموعة جملة من الأقوال والآراء – أو، بالاصطلاح، «الدعاوى» و«الأطروحات» – المتعارضة التي تضمنتها[1]، مع العلم بأن التعارض ينزل منزلة شرط الانطلاق من شروط الممارسة الحوارية؛ وإسهاماً منا في تقرير هذه الحوارية غير المباشرة بين الآراء المختلفة، سوف نذيّل كل واحدة من هذه المجموعات الثلاث بكلام نتعقّب فيه بعض الأسباب التي دعت إلى اختلاف الآراء، ونهضت بهذه الحوارية الخاصة بين المشاركين في هذا الكتاب. فمِمّا تتضمنه المجموعة الأولى نجد الآراء المتعارضة التي تتحدث عن أوضاع العالم الإسلامي. فهناك ابتداءً رأي يقول إِن العالم الإسلامي لم يشهد في تاريخه الطويل حالة أسوأ من هذه التي هو عليها الآن، حتى إنه لا يتبدَّى في الأفق القريب سبيلٌ للخروج منها؛ إذ يعاني من التيه في الفكر والسياسة، فالعلمنة المفروضة على مؤسساته تقطع صلاته بالإسلام، والتبعية المطلقة لقرارت غيره تقطع عنه أسباب التقدم؛ وفي المقابل، نجد مَن يدَّعي بأن العالم الإسلامي ليس بالسوء الذي يبدِّد كل أمل في اهتدائه إلى طريق النهوض؛ فبفضل يقظة إسلامية تكاد تسري آثارها في مختلف أقطار الأرض، يستطيع أن يتصدى للهجمات الفكرية والحملات الاستعمارية التي تستهدفه، كاسراً شوكتها ومجدداً صلاته بدينه وتاريخه في أفق استعادة دوره الحضاري. وهناك أيضاً رأي يقول إنَّ العالم الإسلامي يراكم إخفاقات كثيرة تكشف عن أزمة شاملة تُكرس «الفوات الحضاري» بينه وبين بقية العالم المتمدن؛ منها إخفاق النخب الحاكمة، وإخفاق الدولة القُطرية الحديثة، وإخفاق مشاريع النهوض، وإخفاق خطط التنمية، وإخفاق تجربة الاستقلال، وإخفاق التيارات العلمانية، وإخفاق الحركات الإسلامية، وإخفاق الدولة الأمنية، حتى كأن هذا العالم حطامٌ، ويعارض هذا الرأيَ من يقول إن العالم الإسلامي حقق نجاحات مختلفة؛ فقد أضحى بمقدوره أن يستوعب الحداثة على شرط الإسلام وعلى مقتضى مصالح المسلمين، واضعاً حداً لتزايد نفوذ العلمانية في داخله؛ وليس هذا فحسب، بل إن الإسلام صار قادراً على أن يمد جذوره في البلاد غير الإسلامية، وأن يتعاطى أبناؤه اجتهادات متميزة تناسب خصوصيات تلك البلاد. ونجد أخيراً رأياً يدّعي أن العالم الإسلامي تسيطر عليه فئات متشددة تتجه إلى مخاصمة العالم كله، فضلاً عن مخاصمة بني جلدتها وملّتها ممن لا يشاركونها تشدُّدها، مُجبرة المسلمين كافة على الدخول في صراع مع قِوى لا طاقة لهم بها؛ وفي المقابل، نجد الذين يقولون إنَّ العالم الإسلامي يحتضن أكثر من صنف واحد من الجماعات الناشطة؛ فمنهم من يذهب إلى أن الساحة الإسلامية تشهد صراعاً عنيفاً بين فئتين اثنتين، إحداهما علمانية تمارس الإرهاب اليساري، متعاطيةً تخريب المقومات الروحية للأمة باسم الحداثة؛ والفئة الثانية أصولية تمارس الإرهاب الديني، متعاطيةً تخريب مجهودات النهوض المادي للأمة باسم الأصالة؛ ومنهم من يرى أن هذه الساحة تضمُّ فئات متعددة متنافرة، منها ذات النزعة المانَوية التي تدفع إلى الصدام؛ ومنها المأخوذة بالخوف على الهوية الإسلامية، مختارةً الانغلاق على التعامل مع «العالم الجاهلي»؛ ومنها، على العكس من ذلك، المتطلعة إلى تجديد حضارتها وابتكار حداثتها. كما تتضمن المجموعة نفسها آراء متضادة تورد الأسباب التي أدت إلى الأوضاع التي يعاني منها العالم الإسلامي. فمن المشاركين في هذه الحوارات مَن يرى أن الأسباب التي أدت إلى الوضع المتدني للعالم الإسلامي ترجع إلى أسباب محصورة ومخصوصة كالاستعمار والاستبداد؛ أو إلى أسباب مركزية معلومة كإخفاق النخب الحاكمة وإخفاق مشاريع الإصلاح، وعلى العكس من ذلك، هناك الرأي الذي يقول إنَّ هذه الأسباب عديدة ومركبة ومتشابكة ولها امتدادات بعيدة في تاريخ الأمة، منها الموروث الفكري والثقافي المتمثل في المعتقدات والسلوكات الباطلة، بالإضافة إلى توقُّف عملية الاجتهاد لقرون عدة؛ ومنها حالة التمزق الشامل التي خلَّفها الاستعمار الأجنبي بأشكاله المختلفة، بين احتلال للأوطان؛ وغزو للفكر والثقافة؛ واستيلاء على الاقتصاد والثروات؛ واستخلاف لنخب فكرية أو عسكرية موالية له عند جلائه عن الأوطان؛ ومنها كذلك المعاناة الطويلة للتخلف في المجالات كافةً حتى الأخلاقيةِ والروحية، فضلاً عن اهتزاز الثوابت التي تنبني عليها الهوية الإسلامية. ومن المشاركين أيضاً من يعتقد أن الأسباب التي أدت إلى الوضع المتدني للعالم الإسلامي هي أصلاً أسباب داخلية، منها سقوط الخلافة؛ والقابلية للاستعمار؛ والانغلاق الثقافي؛ وجمود الفكر الديني؛ والافتقار إلى العقل النقدي؛ وانتشار الحكم الاستبدادي؛ وفي المقابل، نجد أصحاب الرأي القائل إنَّ هذا الوضع نتج عن أسباب داخلية وخارجية مجتمعةً؛ إلا أن منهم فئة تقول بوجود تداخل بين النوعين من الأسباب، فلا يقل أحدهما تأثيراً في هذا الوضع المزري عن الآخر؛ في حين تقول فئة أخرى بوجود تفاوت في هذا الأثر، إما بترجيح تأثير الأسباب الداخلية كالثقافة القائمة على تمجيد الحكام المتسلطين وغياب القيادة السياسية الكفءِ والملتزمة، أو بترجيح تأثير الأسباب الخارجية من مثل سياسات الدول الغربية نحو العالم الإسلامي واستمرار الحرب الصليبية إلى هذا اليوم، متخذةً وجهاً جديداً. وثمة أخيراً قول بأن هذه الأسباب إنما هي وليدة الظروف الدولية والأوضاع السياسية المستجدة في العالم، متمثلةً في اكتساح ظاهرة العولمة لدوائر الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام في مختلف الأقطار الإسلامية، وبروز القطبية الواحدية، وتفاقم سياسات الاستتباع، وإحكام السيطرة على ثروات العالم الإسلامي الذي تنتهجه القوى العظمى؛ ويعارضه قولٌ إنَّ هذه الأسباب تعود إلى فترات قديمة من تاريخ الأمة، يرجعها بعض الباحثين إلى الحدث الفاصل في هذا التاريخ، وهو سقوط الخلافة، وما تلاه من تقسيم للعالم الإسلامي إلى شتات من الدويلات؛ في حين يرجعها غيرهم إلى ما قبل هذه الفترة، عندما تعرَّض هذا العالم للحملة الاستعمارية الأولى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ بل منهم من ردَّها إلى فترة الحروب الصليبية، وهي، في نظره، حروب، لو تأملها المرء مليّاً، لأدرك أن المسلمين إنما توهموا الفوز بالنصر فيها، إذ لو انتصروا فيها حقاً، لما بدأ معها عصر الانحطاط الذي دخلوا فيه. وأخيراً، تتضمن هذه المجموعة الدعاوى المتقابلة المتعلقة بالأولويات التي تمليها أوضاع العالم الإسلامي على المفكر الإسلامي أو العربي. فهناك دعوى تؤكد على أن الأولويات التي تُطرح على المفكر الإسلامي أو العربي تغيّرت بعد أحداث 11 أيلول 2001، إذ إِنَّ أسئلة النهضة أصبحت غير ما كانت عليه قبل هذه الأحداث، فأضحت تدور على تحديات أشد خطورة وأكثر تهديداً لمصير الأمة؛ فبعد أن كان سؤالها الأساسي هو: «لِم تأخَّرنا وتقدَّم غيرنا»؟، أصبحت صيغته اليوم هي: <mb>«لِمَ نُجْتثُّ ويتمكَّن غيرنا؟»<?tf>؛ ونجد من يعارض هذا التأكيد، قائلاً إنَّ أولويات المفكر لا تتحدد بهذه الأحداث، على هولها؛ ذلك أن ما يقع في الغرب لا يجوز أن يحدِّد منطلقات الأمة ومختاراتها، إلا ما يكون من تحصيل الوعي بالمتغيرات العالمية، لأن الواجب في هذه الأولويات أن تأتي على شرط التداول الداخلي الإسلامي، مراعية رسالة الأمة وما تقتضيه من مسؤوليات بغض النظر عن هذا الحدث أو ذاك. وهناك أيضاً دعوى تقول إنَّ أولويات المفكر، بعد أحداث أيلول، تتحدد بصياغة مشروع نهضوي تنويري قومي جديد يختلف عن سابق المشاريع النهضوية بكونه لا يتعلق بكيفية الخروج من التخلف، طالباً تقدُّماً يضاهي التقدم الغربي، وإنما يتعلق بكيفية الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية ذاتها التي يسعى النظام العالمي الجديد إلى محوها؛ وعلى خلاف ذلك، هناك الرأي الذي يقول إنَّ هذه الأولويات تتحدد بوضع تصور إسلامي جديد على مقتضى منهج علمي دقيق يتصدي لتحديات المرحلة الراهنة، ويضبط العمل الإسلامي، ويراقب ساحته الواسعة، بانياً له على أسس شرعية أصيلة ترعى مصالح الأمة، ودافعاً عنه الحالاث العبثية التي تتسبب فيها تصرفات بعض الأفراد والفئات. وهناك كذلك دعوى تقرر أن هذه الأولويات تتقدمها مهمة الدفاع عن صورة الدين الإسلامي؛ فبعد الأحداث، صار الغرب يقرن الإسلام بالتطرف والإرهاب والهمجية وإرادة القضاء على التمدن، مستحضراً الصورة النمطية التي كان يغذيها بخياله ويخنزنها في ذاكرته عن هذا الدين منذ انطلاق الحملات الاستعمارية للشرق؛ فيلزم العمل على تغيير هذه الصورة المشوَّهة والمحرَّفة عن الإسلام وتبرئته من هذه التهم الرخيصة التي اتخذها بعضهم ذريعة للدعوة إلى تغييره من الداخل ولحمل الحكومات الإسلامية على تبديل مناهج التعليم الدينية؛ وفي مقابل ذلك، ثمة من يرى أن هذه الأولويات تقتضي تجاوز مقام الدفاع ودفع الشبهات إلى مقام الإبداع والتأصيل، إذ الدفاع لا يعدو كونه رداتِ فعل على ما هو ظرفي ونسبي وعلى ما يحدده الآخر من آفاق يريد أن نتحرك اتجاهها، أمَّا نحن فمطالبون ببناء نظريات متميزة في الفكر الإسلامي ترفع التحديات القائمة، وبإعادة قراءة النصوص على ضوء الحاجات المستجدة للمجتمع الإسلامي مع حفظ الهوية الثقافية، بل ينبغي إعادة النظر في الأصول وتجديد علوم الدين بشرط تحصيل التمكن فيها، وكذلك إنشاءُ مؤسسات الاجتهاد الجماعي؛ كل ذلك ليس إلا خطوة في طريق ما يجب على الأمة فعله لكي تمتلك أسباب القوة وتتحقق بمقتضى «الاستعداد الرادع». ونجد دعوى أخرى تقول إنَّ أهم الأولويات للخروج من هذا الوضع المتأزم هو أن يمارس المفكر النقد الجذري للذات وأن يداوِمَ على هذه المراجعة، حتى يقف على مواطن الخلل والقصور التي تَصدُّ المسلمين عن عالم الثقافة المعاصرة، وتجعلهم لا يدركون عمق التغيرات التي طرأت على الحضارة الإنسانية؛ ويدفعها الرأي القائل إنَّ الأولوية الأساس هي أن يدخل المفكر في حوار شامل مع الذات، لا ليمارس شديد النقد عليها، متتبعاً أخطاءها وعيوبها، ولكن ليتبيّن مدى استيعابه للصورة الإسلامية وإيمانه العميق بها؛ حتى إذا فرغ من ذلك، حُقَّ له أن يشتغل بحوار كل المسلمين على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم، مكتشفاً طاقات الأمة ومجالات التعاون بين مكوناتها؛ ولا يندفع في حوار الآخرين من غير المسلمين إلا بعد استكمال هذا العمل الحواري الإسلامي، لكي يقتدر على أن يوضح لهم الصورة الإسلامية على أفضل وجه. وأخيراً ثمة دعوى تؤكد أن أولويات المفكر هي الكشف عن العوائق التي تحول دون نهوض الأمة والتي ترجع، في مجملها، إلى الاستغراق في قضايا الإيمان والعبادات وإهمال الاشتغال بالأسباب المادية والحضارية، بالإضافة إلى العائق المنهجي الذي يمثله انقطاع الصلة بين المفكر والفقيه، مع أن أدوارهما تتكامل فيما بينها؛ ويخالفها الرأي الذي يقول بضرورة الانتقال إلى طرح المنظور الإسلامي بحسب مقتضيات العصر؛ فلا بد من إنشاء خطاب إسلامي مبدئي يأخذ بأسباب الاعتدال والانفتاح وقبول الآخر وبالعقلانية والواقعية والشمولية، طارحاً الإسلام بلغة تستجيب لثقافة العصر بعد استيعاب الثقافة الأصلية، وساعياً إلى تحديث مضامينه دون التفريط في الثوابت بعد قراءة فاحصة للتاريخ الإسلامي تساعد على التعامل مع تحديات الواقع. هذه هي جملة قضايا الحوارية غير المباشرة التي تنطوي عليها المجموعة الأولى من الأجوبة؛ فلنذكر الآن بعض الأسباب التي ربما تكون قد أثَّرت في اختلاف الآراء في نطاق هذه المجموعة. ليس من شك أن في هذه المجموعة حقائقَ يتفق عليها المشاركون، قد نجملها في ثلاث هي: «أن الوضع في العالم الإسلامي سيئ»، و«أن لهذا السوء أسباباً موضوعية » و«أن النهوض بدفعه واجب عاجل»؛ لكن ظلَّ ما عداها من الحقائق موضع خلاف يشتد تارة ويخف أخرى، ذلك أنَّ الرؤية التي تم، انطلاقاً منها، مقاربة هذه الحقائق تردَّدت بين حالين: حال تنزع إلى <mb>التقليد<?tf>، وأخرى تنزع إلى <mb>الإبداع<?tf>، فتكون بعض هذه الآراء نتاج رؤية مقلِّدة وبعضها نتاج رؤية مبدِعة. والواقع أن هذين المفهومين: «التقليد» و«الإبداع» معنيان مجملان، ويحتاجان إلى تفصيل؛ فالتقليد ليس – كما استقر في الأذهان – نوعاً واحداً، لا يصدق إلا على الذي يتمسك بما سلف، وإنما هو، على الأقل، نوعان، ويصدق بذلك أيضاً على الذي يتمسك بما يعدُّ حديثاً. فحد التقليد هو أن يتبع المرء قولَ سواه – أو فعلَه – من غير أن يتمثل أدلته عليه، بَلْه أن يأتي بما يضاهيها؛ ومتى ثبت أن المتَّبِع للقول – أو الفعل – الحديث يقصر عن الإتيان بالأدلة على ما يتَّبع بما لا يقصر عنه المتبع للقول – أو الفعل – السالف، جاز أن يكون المتبِع الأول أشد تقليداً من الثاني؛ والحال أن شدة قصوره تظهر في كونه يأخذ القول – أو الفعل – عمَّن هو مفصول عن ثقافته، أمّا الآخر فيأخذهما عمّن هو موصول بثقافته. ومعلوم أن تمَثُّل الأدلة المفصولة أعسر على الذهن من تَمثُّل الأدلة الموصولة؛ وما كان بهذا الوصف أولى من غيره بأن يكون محل تقليد. وعلى هذا، فالذي ينظر إلى وضع العالم الإسلامي قد ينظر إليه بعين المقلد للحديث كما قد ينظر إليه بعين المقلد للقديم؛ فالأول يصف هذا الوضع ويحدد أسبابه وسبل مواجهته، مستحضراً في ذهنه وضع العالم الغربي، فيقيس عليه، سواء بطريق مباشر، مُثْبتاً للوضع الإسلامي بعض ما ثبت له، ونافياً عنه بعض ما نُفي عنه؛ أو بطريق غير مباشر، نافياً عن الوضع الإسلامي بعض ما ثبت للوضع الغربي، ومُثْبتاً له بعض ما نُفي عنه؛ أما الثاني، فيصف وضع العالم الإسلامي ويُعيِّن أسبابه وسبل مواجهته، مستذكراً الوضع السالف للعالم الإسلامي، فيقيس عليه، سواء بطريق مباشر، مُثْبتاً للوضع الإسلامي الحالي بعض ما ثبت للوضع السالف، ونافياً عنه بعض ما نُفي عنه؛ أو بطريق غير مباشر، نافياً عن الوضع الحالي بعض ما ثبت للوضع السالف، ومثبتاً له بعض ما نُفي عنه. ومَثَل الإبداع كمَثَل التقليد؛ فهو الآخَر ليس – كما ساد الاعتقاد – نوعاً واحداً، فيصدق على الذي يُحدث شيئاً بغير مثال سابق، وإنما هو، على الأقل، نوعان، يصدقان أيضاً على الذي <mb>يختار بنفسه<?tf> ما أحدثه سواه بغير مثال سابق. ومتى ثبت أن الأصل في الأفعال هو الاختيار، وليس الإحداث، جاز أن يكون المبدع المحدِث أقل إبداعاً من المبدع المختار؛ وغير خاف أن كل إنسان، عرفاً كائن مختار، في حين ليس كل إنسان كائناً محدِثاً، فقد لا يستطيع أن يحدث كل ما يختار بنفسه؛ ويجوز أن يكون ما يختاره الإنسان، وقد أحدثه غيره، خيراً له مما قد يحدثه هو بنفسه؛ فقد يكون هذا المحُدث أعلم بمصالحه منه أو أقدر على تحصيلها له، فيستحق ما أحدثه الاختيارُ؛ فما الظن إذا كان هذا المحُدِث هو بديع السماوات والأرض؟ فأي شيء إذن يضاهي إبداع هذا الاختيار! وعلى هذا، فالذي ينظر إلى وضع العالم الإسلامي قد ينظر إليه بعين المبدع المحدث؛ كما قد ينظر إليه بعين المبدع المختار؛ فالأول يصف هذا الوضع ويكشف أسبابه وطرق التصدي له، ممارساً ما يعدّه نوعاً من <mb>«التقريب التكاملي»<?tf>، إذ يرى أن تغيير الوضع في العالم الإسلامي لا يكون إلا بتوسيع المفاهيم والتصورات الإسلامية المقررة، حتى تتلاءم مع المفاهيم والتصورات الحديثة، بل حتى تنضبط بها انضباطاً، فيُثبت لها كل ما ثبت نفعه المادي في هذه، وينفي عنها كل ما خالف العقل على مقتضاه الأداتي أو يتأوله بما يوافقه. أما الثاني، فيصف هذا الوضع ويقف على أسبابه وطرق التصدي له، ممارساً ما يعدّه نوعاً من <mb>«التقريب التداولي»<?tf>، إذ يرى أن تغيير الوضع في العالم الإسلامي لا يكون إلا بتهذيب المفاهيم والتصورات الحديثة، حتى تتلاءم مع المفاهيم والتصورات الإسلامية، بل حتى تنضبط بها انضباطاً، فيُثبت لها كل ما ثبت نفعه الروحي في هذه، وينفي عنها كل ما خالف الوحي على مقتضاه القيمي أو يتأوله بما يوافقه. وهكذا، يظهر أن اختلاف الآراء في المجموعة الأولى يرجع إلى كون الفاعلين الحواريين فيها يشكّلون أربعة أنموذجاتٍ مستقلة هي: «المقلِّد السلفي» و«المقلد الحداثي» و«المبدع المحدِث» و«المبدع المختار». أما المجموعة الثانية من الأجوبة المتضادة، فتتحدد بناء على المواقف المتخذة من أحداث أيلول؛ فلقد تردَّدت هذه المواقف بين عدَّ هذه الأحداث أحداثاً فاصلة في الزمن الإسلامي، وبالأوْلى في الزمن الغربي، حتى صح عند بعضهم أن نؤرخ بها لمسار الإنسانية، فنتكلم عن عالم ما قبل 11 أيلول وعالم ما بعده، وبين عدها أحداثاً عادية في أثرها في التاريخ الإسلامي، وفي إمكان توظيفها في خدمة النظام العالمي الجديد، ولكنها غير عادية بالنظر إلى ما تكشف عنه من اختلال غير مسبوق في هذا النظام. انطلاقاً من هذا، كان لا بد أن تختلف الرؤية إلى الخطاب الإسلامي، تعرُّفاً وتوجُّهاً، باختلاف هذه المواقف من أحداث أيلول؛ فتتمثل الحوارية غير المباشرة على مستوى هذه الرؤية في جملة من الأطروحات المتقابلة: فهناك أطروحة تؤكد على أن الخطاب الإسلامي اضطر إلى أن يختلف عما كان عليه تحت تأثير الأسئلة الحاسمة التي فُرضت عليه والتحديات الكبيرة التي أصبح يواجهها؛ في حين أن ثمة من يعتقد أنه خطاب لم تُغيّره الأحداث وبقي على حاله في رفض النقد والمراجعة. ونجد أيضاً رأياً يقول إنَّ الخطاب الإسلامي خطاب دفاعي يَرُدُّ عن الدين الأراجيفَ والتُّهم التي يتعرض لها، مبرزاً دعوته إلى الاعتدال والوسطية وإلى التعارف والتسالم بين الأمم؛ وهناك رأي مضاد يقول إنَّه خطاب أصولي متطرف لا يحتمل حق الاختلاف ويقبل أن توظفه القوى العظمى لصالحها. كما أن هناك أطروحة ترى أن الخطاب الإسلامي استبدل في همومه وتوجُّهاته المسألة الاجتماعية بالمسألة السياسية، متعاطياً تأسيس بنية المجتمع المدني؛ ويضادّها القول إنَّه خطاب يُبقي على النزعة إلى التسييس والرغبة في الوصول إلى السلطة. ونجد كذلك دعوى تقول إنَّ الخطاب الإسلامي أضحى قادراً على نقد الحداثة الغربية، منطلقاً من رؤية معرفية شاملة؛ وعلى العكس من ذلك، هناك من يقول بأنه لا يزال خطاباً وجدانياً انفعالياً لا يملك من أسباب العلم ما يجعله قادراً على مقاربة أوضاع المسلمين بما يخرجها من التردّي الذي أصابها. وثمة أخيراً دعوى تقرر أن هذا الخطاب خطاب واحد ومُتوحّد ولو تعددت أشكاله ومظاهره؛ ويخالفها الرأي الذي يصرح بأنه خطاب متعدد، غير متوحد؛ وقد ينحصر هذا التعدد عند البعض في خطابين اثنين متعارضين (خطاب تبريري وخطاب إنكاري؛ أو خطاب تقليدي وخطاب تجدبدي؛ أو خطاب إحيائي وخطاب إصلاحي)، كما أنه قد يتعدى ذلك، عند غيرهم، إلى أكثر من خطابين (نحو خطاب تقليدي، وخطاب جهادي، وخطاب إصلاحي، أو خطابات أشبه بمراتب السُّلَّم، ينزل أقصاها الخطاب العلماني في دار الإسلام، وأدناها الخطاب الإسلامي الحركي). كما تحتوي المجموعة نفسها الدعاوى التي تتعلق بالإسلام السياسي، متمثلاً في الحركات الإسلامية. فثمة مَن يدعي بأن الإسلام السياسي يركز على الصلة بين الدين والسياسة، مغلّباً الجانب السياسي فيه، وغير مكترث بشمولية الإسلام، ومبتغياً الاستيلاء على زمام الحكم؛ في حين نجد من يقول إنَّ الإسلام السياسي لا ينحصر دوره في هذا الجانب، بل يجاوزه إلى كل جوانب الحياة التي من شأنها أن تنهض بتجديد الهوية الإسلامية، حتى إن مدلوله يتطابق ومعنى (الإسلام) من غير تخصيص بصفة معينة، منبّهاً على أن الغرب هو الذي استحدث هذا المصطلح، وأطلقه على الصحوة الإسلامية في السبعينيات، مبتغيا من ورائه تشويه توجُّهها والإيقاع بأهلها. وثمة أيضاً من يدَّعي بأن الإسلام السياسي يُضادُّ الإسلام التقليدي، فهذا الأخير جمود على الجزء العقدي والشعائري من الدين، مع تجاهل مشكلات الحياة وتحديات الواقع؛ بينما نجد من يقول إنه لا تَضادَّ بينهما، ما دامت المؤسسات الدينية التقليدية تقوم هي الأخرى بدور سياسي ولو أنه غالباً ما يتمثل في تدعيم شرعية السلطة القائمة، وما دام الإسلام التقليدي ينزل منزلة المجال الحيوي الذي يتغذى منه الإسلام السياسي، مستمداً منه قاعدته النضالية وقوته العقدية والأخلاقية. وهناك كذلك من يرى أن الحركات الإسلامية أنموذج واحد يتميز بالانغلاق على الرؤية الواحدة وادعاء الاستفراد بالحقيقة وسيطرة أسلوب الدعوة، منتقلا من فشل إلى آخر؛ في حين يرى غيره أنها تبلغ الغاية في التنوع، فالحركة الواحدة قد تَضمُّ داخلها تيارات متعددة تتدرّج أوصافها من الانغلاق والتشدد إلى الانفتاح واللين؛ فالسلفية سلفيات والإخوانية إخوانيات والصوفية صوفيات؛ بل إن هذه التيارات لا تفتأ تتكاثر؛ ولو أن هذه التيارات تختلف خصائصها ومسالكها، زيادة ونقصاناً، باختلاف البلدان التي تؤويها، إسلامية كانت أم غير إسلامية، فإنها قد توجد مجتمعةً في البلد الواحد كما هو الشأن في لبنان. وهنالك من يدّعي بأنه لا يمكن للحركات الإسلامية أن تقبل الديمقراطية على شرطها الغربي، ولا على وجه الإطلاق، ولا على وجه الدوام؛ كيف لا وهي تمارس الاستبداد داخل صفوفها، بعيدة عن محاسبة الذات واحترام الرأي الآخر وتداول السلطة بين قياداتها! وفي المقابل، نجد من يقول إنَّ هذه الحركات لا تطالب الأنظمة بالتزام الديمقراطية في حكمها فقط، بل إنها تنهض بشرائطها في أوساطها، إيماناً منها بأن الإسلام يقر بتساوي الناس في الحقوق والواجبات كما يقر بالحريات الفردية وتعدد الأديان واختلاف الشعوب. وأخيراً، يعتقد بعض الباحثين أن الحركات الإسلامية لا يمكن أن تسمح بوجود الأحزاب الإلحادية بين أظهرها، لأن الإلحاد فساد عقدي شأنه شأن الفساد الاجتماعي، أو لأن وجوده في المجتمع المتدين معارضةُ شريعة بأخرى؛ بينما يعتقد آخرون أن هذا الوجود يظل أمراً تقديرياً يتناسى واقع المجتمع الإسلامي؛ وحتى لو فرضنا تحقُّقَه، فإنه لا يضر هذا المجتمعَ في شيء، ولا خوف عليه منه، بل إنه يدل على مدى مرونة الإسلام وقوة براهينه وشعور أفراده بالمسؤولية. أما مسألة العنف الذي شاب هذه الحركات، فقد رأى بعضٍ أن العنف لون واحد من الإيذاء لا يقوم به إلا معتدٍ أثيم، والإسلام ينهى عن إيقاع الأذى بالناس بغير حق؛ وعلى العكس من ذلك، يرى غيرهم أن العنف ألوان شتى أشدها إيذاء ما تمارسه الدول الكبرى وأنظمة الحكم، وأخفها ما اضْطُرَّت إليه بعض الجماعات الإسلامية، ردّاً على سوء العنف الذي تسومها إياه هذه الدول المهيمنة والأنظمة المفسدة، غير أنها أبانت أحياناً عن جهل أو تجاهل بشرائط استخدام القوة وضوابط الجهاد التي أقرها الإسلام. هذه هي حصيلة قضايا الحوارية غير المباشرة التي تنطوي عليها المجموعة الثانية من الأجوبة؛ فلنقف الآن على بعض الأسباب التي يبدو أنها أفضت إلى اختلاف الآراء على مستوى هذه المجموعة. صحيح أن في هذه المجموعة أيضاً حقائقَ أخرى يتفق عليها المشاركون، وهي على وجه العموم: «أن الخطاب الإسلامي يختص بصفات محددة»، و«أن هذا الخطاب يعبّر عن توجهات الحركات الإسلامية في مساعيها إلى التصدي لمشكلات الأمة» و«أن هذه الحركات تمرُّ بظروف سياسية يطبعها العنف»؛ لكنهم اختلفوا في ما سواها من الحقائق، وذلك لأنهم ركَّزوا عند نظرهم في الخطاب الإسلامي على مضامينه وتقريراته، لا على <mb>بُناه وآلياته<?tf>؛ وعندئذ، لا عجب أن يُثبتوا له صفات يضرب بعضها بعضاً، فاحتمالات الاختلاف أكبر في المضامين منها في الآليات، مادامت المضامين المختلفة قد تتوسل بالآلية الواحدة. الواقع أن مفهوم (الخطاب) يدل على أمر زائد على ما يدل عليه مفهوم (القول)، إذ لا يعني مجرد النطق بألفاظ معينة، وإنما يعني <mb>«توجيه هذه الألفاظ إلى الآخر، بوصفه قادراً على أن يفهمها، ويتحمل مسؤولية ما فهم منها»<?tf>؛ لهذا، فإن كيفية توصيل هذه الألفاظ إلى الآخرين – أو قل بالاصطلاح «تبليغها» – تتطلب من المتكلم عناية تساوي، بل تجاوز عنايته بالأحكام التي تتضمنها هذه الألفاظ، واختلال هذه الكيفية يلزم منه اختلال الأحكام، في حين قد يختل الحكم المُبلَّغ، ولا تختل كيفية تبليغه. هاهنا يجب الوقوف عند نوعين أساسيين من الخطاب الديني يختلفان باختلاف المقام، إذ لكل واحد منهما طريقه الخاص في التوجه إلى الآخر: أحدهما، «الخطاب الديني الذي يسلك طريق الوعظ والاستشهاد بالنص»؛ والثاني، «الخطاب الديني الذي يسلك طريق النقد والاستدلال بالعقل»؛ كما يجب الحكم على الخطاب الإسلامي بمدى وفائه بمقتضيات المقام الذي يتحدد بنوعية الآخَر؛ فهناك الآخر الذي يفهم الخطاب النقدي أو الاستدلالي، ولا يتحمل إلا مسؤولية هذا الفهم العقلي، وهو على نوعين: الآخر الذي يشارك المتكلم الثقافة ولا يشاركه العقيدة، والآخر الذي لا يشاركه العقيدة ولا الثقافة؛ وهناك الآخَر الذي يفهم الخطاب الوعظي – أو الاستشهادي – ويتحمل مسؤولية هذا الفهم النصي؛ وهو على نوعين: الآخر الذي يشارك المتكلم الثقافة والعقيدة ويشاركه العمل بالعقيدة؛ والآخر الذي يشاركه الثقافة والعقيدة ولا يشاركه العمل بالعقيدة. وبناء على هذا التقسيم للآخَرين، يتبين أن الخطاب الوعظي أخص والخطاب النقدي أعم، إذ يزيد عليه قيدَ العمل؛ وفي هذا دليل قاطع على أن الخطاب الأول، خلافا للرأي الشائع، أعلى رتبة من الثاني، فلا يخاطَب الآخَر وعظاً أو استشهاداً، حتى يخاطَب نقداً أو استدلالاً، مع العلم بأن الإنسان لا ينفك يمارس الاستدلال في عامة شؤون الحياة؛ فمن يتحمل مسؤولية فهم الخطاب الاستشهادي أجدَرُ به أن يتحمل مسؤولية فهم الخطاب الاستدلالي. وبهذا، تبطل الحجة التي روَّج لها «الحداثويون» كثيراً، بل اتخذوها رهانهم الرابح في حربهم على رجال الدين وهو أن الخطاب الاستشهادي يلتجئ إلى سلطة النص، وكل التجاء إلى هذه السلطة هو تبعية للغير وخروج عن مقتضى العقل؛ فقد اتضح أن مرتبة الاستشهاد تعلو على مرتبة الاستدلال، لظهور خصوصه وعموم الاستدلال، فيكون عقلياً مثلَه، بل إن عقلانيته أعلى، إذ ليس أساسها القاعدة المقررة في عقلانية الاستدلال النقدي، وهي: «إنكار القول حتى يقوم الدليل على صحته»، وإنما أساسها قاعدة أخرى، وهي: <mb>«اعتقاد القول حتى يقوم الدليل على بطلانه»<?tf>؛ وما ذاك إلا لأن مجال هذه العقلانية الاعتقادية هو عالم القيم، فلو أنها مورست على الوقائع، لأنزلت القانون الطبيعي منزلة الأمر التشريعي، متعاملة مع الأدنى بما ينبغي أن يُعامل به الأعلى؛ في حين أن العقلانية الإنكارية مجالها عالم الوقائع، فلو أنها مورست على القيم، لأنزلت الأمر التشريعي منزلة القانون الطبيعي، متعاملةً مع الأعلى بما ينبغي أن يُعامل به الأدنى. أضف إلى ذلك، أن الالتجاء إلى النص – أو بالاصطلاح «الاستدلال بالنص» – ولو كان نصاً غير وعظي- لا يمكن الاستغناء عنه، وذلك لسببين على الأقل، أحدهما: وجود التفاوت في القدرات والمعارف والمواهب والتجارب بين الناس؛ والثاني: ثبوت الاستحالة العملية على أن يستدل الإنسان بنفسه على كل شيء. لذا، فلا بد للمرء أن يرجع إلى غيره في أمور شتى، مسلِّماً باستدلالاته، متخذاً منها نصوصاً، ومتخذاً من صاحبها حجة، حتى إنه يصح القول إنَّ الإنسان لا بد له من التقليد حتى كأنه أمر داخل في بنيته الخَلقية؛ فكثير من علم المرء، فضلاً عن عمله، لا يُعوِّل فيه على نفسه وإنما يعوِّل فيه على الآخرين؛ فقد يكون الآخَر أعلم بمصالحه منه أو أقدر على تحصيلها منه، فيكون أوْلى له أن يعتمد استدلالاته ويعتقد نصوصه؛ فإذا كان حاله مع من هو أعلم أو أقدر منه من البشر كذلك، فكيف حاله مع العليم القدير الذي لا يحيط بشيء من علمه ولا بقدرته أحد؛ فأنى لاعتقاد أن يساوي في عقلانيته اعتقاد ما أنزَل على خلقه! وعلى هذا الأساس، يكون الأصل في الأقوال هو الاعتقاد، وليس – كما شاع وذاع – الانتقاد؛ فكل إنسان كائن معتقد، في حين ليس كل إنسان كائناً منتقداً؛ فحتى لو فرضنا جدلاً أنه يقدر على انتقاد كل ما يعتقده سواه، فلا يقدر أن ينتقد ما يعتقده هو بنفسه وفيه ما لا يحيط بعقلانيته انتقادُ منتقد. ونحن إذا تأملنا الخطاب الإسلاميَّ وجدنا أنه يقع في ما يمكن أن نسميه بـ«أخطاء المقام»؛ فقد استعمل أصحابُه الخطاب الاستشهادي حيث يجب استعمال الخطاب الاستدلالي، فخاطبوا أهل العقائد الأخرى والثقافات الأخرى بما ينبغي أن يخاطبوا به أهل عقيدتهم أو أهل ثقافتهم، فنُسِبوا إلى الانغلاق والتطرف، أو خاطبوا أهل ثقافتهم بما ينبغي أن يخاطبوا به أهل عقيدتهم أو خاطبوا أهل العقيدة المجرَّدة بما ينبغي أن يخاطبوا بها أهل العمل الحي، فنُسبوا إلى التشدد والتزمت؛ والغالب أن هذا الإخلال بالمقام من جانبهم لا يكون مقصوداً، ولا مرغوباً فيه، وإنما يؤدي إليه إما جهل بظروف الآخر كإنزاله رتبة غير رتبته أو إنزال الجميع منزلة الواحد أو جهلٌ بآليات الخطاب كالخلط بين مقتضياتها أو العجز عن ممارسة بعضها. وأما المجموعة الثالثة من الأجوبة، فتتعلق بكيفيات إنهاء الصراعات وإقامة الحوارات بين المسلمين وغيرهم داخل أوطانهم وخارجها. فمن المشاركين من يصرح بأن صراع الحضارات حالة قائمة لا يمكن الالتفاف عليها، وبالأولى لا يمكن إنكارها، لأن الحقيقة واحدة غير متعددة، والاختلاف فيها يفضي حتما إلى التنازع؛ والشاهد على ذلك أن الساحة العالمية تشهد صراعات مختلفة منها «الصراع الأمريكي الإسلامي» و«الصراع الروسي الشيشاني» و«الصراع الإسرائلي العربي» و«الصراع الهندي الباكستاني» و«الصراع الصربي البوسني»؛ وفي المقابل، منهم من يؤكد أن صراع الحضارات لا وجود له في الواقع، وإنما الذي يوجد حقّا هو صراع على المصالح بين قوى كبرى – على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية – تسعى إلى بسط هيمنتها على العالم كله، وإلا فلا أقل من بسطها على مناطقه التي تزخر بالثروات وتحتوي على مصادر الطاقة، غير أنها تُغطّي ذلك بلباس فكراني مختلَق تُضلل به الرأي العام المحلي والعالمي، وتسوغ به مخططاتها الرهيبة في التوسع والنهب. وهناك مَن يرى أن أطروحة «صراع الحضارات» – التي انبنت على فرضيةِ أن في العالم حضارات متعددة ذات توجهات مخالفة للتوجه اللبيرالي الغربي – وقعت ترجمتها، على أرض الواقع، في صراع واحد قائم بين طرفين اثنين فقط هما: العالم الغربي والعالم الإسلامي، مع عدِّ المسلمين هم وحدهم المسؤولين عن إثارة هذا الصراع الذي لا ينفع معه إلا استخدام القوة؛ إذ إنهم اختاروا بمحض إرادتهم واستناداً إلى عقيدتهم أن يجعلوا من الغرب عدواً لهم، مصرين على استعمال منطق القوة معه ولو أنهم لا يملكون من أسبابها إلا الحد الأدنى؛ وعلى العكس من ذلك، يرى آخرون أن الغرب هو الذي أدخل العالم في لُجّ صراع الحضارات منذ انطلاق حملاته الاستعمارية، مدمّراً الثقافات والتراثات المحلية لكثير من الشعوب، ومسلّطاً عليها ثقافته الأوربية باسم الكونية، بل إنه سعى، في نهاية المطاف، إلى أن يجعل فصول الصراع الحضاري تدور في ساحة العالم الإسلامي وحده؛ وقد اتخذ هذا الصراع فيها الآن إما صورة صراع بين حركات إسلامية مقاوِمة للوجود الأمريكي من جهة وأنظمة وقوى سياسية دينية وعلمانية متحالفة مع أمريكة من جهة أخرى، وإما صورة صراع بين هذه القوى السياسية المتحالفة معها بعضِها مع بعض كما هو الشأن في أفغانستان وفي العراق. كما أن بعض الباحثين يعتقدون أن الغرب في تعامله مع المسلمين يكاد يسير على نهج واحد، إذ ليس مستعداً أن يقبلهم مع اختلافهم عنه في المقومات والقيم، بل يطالبهم بترك هذا الاختلاف الثقافي والدخول في ثقافته؛ وليس هذا فقط، بل مازال على موقفه القديم من دينهم، إذ ينكر أن يكون الإسلام ديناً سماوياً وأن يكون محمد (ص) نبياً مرسلاً؛ وفي مقابل هؤلاء، نجد من يعتقد أن الغرب أكثر من واحد؛ فهناك غرب المصالح العسكرية والاستراتيجية، وهناك غرب الشركات الكبرى، وهناك غرب النصرانية الكنسية؛ وهناك كذلك غرب الجماهير المناهضة للحروب، وهناك غرب الطبقات المستضعفة شأن السود في أمريكة؛ وقد يشكل بعضهم مع المسلمين جبهة واحدة تعمل على تغيير موازين القوى، مؤسِّسة لفكرانية إنسانية تجعل الناس سواسية. أما بصدد الحوار بين الإسلامين والعلمانيين، لبيراليين أو اشتراكيين، فهناك من يرى أنه قطع أشواطاً عدة، متجاوزاً مرحلة الدعوة والتأسيس إلى مرحلة التنفيذ والعمل المشترك ولو أن النتائج تبقى محدودة؛ فقد أصبح التياران – وقد تساويا في المواطنة – يتعاونان معاً في الدفاع عن الحريات الفردية والسياسية، ومناهضة الاستبداد السياسي وانتهاك حقوق الإنسان، ومواجهة الفساد المستشري في المؤسسات، والتصدي للعدوان الدولي على الأمة، والنضال من أجل تحقيق الوحدة ودعم مقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق؛ ويخالفهم في هذا الرأي الذين يقولون إنَّ الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين، ولو أنه ضرورة ملحة، فإنه ظل في جوهره لا يتناول القضايا الخلافية المركزية، وذلك بحثاً عن القواسم المشتركة للتعاون في قضايا طارئة، بل ظل يتحاشى التعرض للصورة التي يُكوّنها أحد الجانبين عن الآخر؛ فمعلوم أن الإسلامي يرى في التيار العلماني نتاجاً أفرزه الغزو الغربي للبلاد الإسلامية، عاملاً على تخريب المقومات التقليدية الإسلامية للأمة، ثم داعياً إلى إحياء خطاب عصر النهضة القديم في مواجهة العقل «السلفوي»، ومنتهياً، بعد أحداث أيلول، إلى الدعوة إلى إنشاء خطاب يستوعب روح العصر التي تمثلها الفكرانية الأمريكبة الغازية؛ ومعلوم أيضاً أن العلماني يرى في الإسلامي إنساناً يعيش الماضي البائد ويكرس واقع التخلف، ويتوسل في مواجهة أزماته بأسباب العنف المدمّر؛ وعلى هذا، فواجب العلمانيين أن يُقروا بأن الإسلام هوية حضارية جامعة للأمة، وأن يتخلّوْا عن الاستظهار بالقوى الأجنبية؛ كما أن واجب الإسلاميين أن يعترفوا بأن الاختلاف واقع يُثري ثقافة الأمة وأن إقصاء المخالف يضر بنسيجها. وفيما يتعلق بالحوار بين المسلمين والمسيحيين، عرباً وغرباً، فهناك من يقرر أن الهدف منه ليس التوصل إلى توافقات دينية عقدية، وإنما الاهتداء إلى توافقات سياسية واجتماعية تساهم في قطع أسباب العزلة والتوتر بين المؤمنين، ورفع حالات اللبس وسوء الفهم بينهم، ونزع الصبغة الدينية عن صراعاتهم السياسية، وتسوية بعض الخلافات الجزئية، فضلاً عن وجود الرغبة عند كليهما في تجميل صورته لدى الآخر؛ فالطرف المسيحي الكنسي يسعى إلى أن يدفع عن نفسه صفة المعتدي الذي يستهدف المسلمين في عقيدتهم وثقافتهم وأراضيهم وثرواتهم، بل في وجودهم، أمّا الطرف الإسلامي بدوره فيسعى إلى أن يبرِّئ نفسه من تهمة التطرف والإرهاب الذي يستهدف المدنيين الأبرياء؛ ويعارض هذا الرأي من يقول إنَّ الحوار الإسلامي المسيحي يجب أن لا يقتصر على بحث القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية، بل ينبغي أن يتعداها إلى بحث أصول الإيمان وقضايا العقيدة، وذلك لأسباب مختلفة، أحدها، أن للمسلم أسئلة عن العقديات المسيحية يريد أن يعرف الأجوبة عنها؛ كما أن للمسيحي أسئلة عن العقديات الإسلامية يتطلع إلى أن يُحصّل الجواب عنها؛ والثاني، أن المسيحي قد يتعاطى التبشير في وسط إسلامي، والمسلمَ قد يتعاطى الدعوة في وسط مسيحي؛ ومِثل هذا التعاطي قد يفضي إلى المصادمة، والحوار كفيل بأن يعرّف الواحد بالمعتقدات الجوهرية للآخر، فضلاً عن إعطائه الفرصة لاختبار صحة معتقداته؛ والثالث، أن الإيمان ذو طبيعة حوارية؛ ولما كان الأمر كذلك، وجب أن يتوسط العقل في اعتقاد الإنسان؛ ولئن جاز أن هذا الحوار يدور مع الذات عينها، فأنْ يدورَ مع الآخر المختلف أَوْلى؛ والرابع، أنه لما كانت الأديان السماوية متكاملة فيما بينها، لزم أن تكون هناك مقاصد عامة مشتركة؛ ولا تنفع في كشفها وبلورتها لدى أصحابها سوى الممارسة الحوارية. أمَّا الحوار بين المسلمين واليهود، فيظن نفر من الباحثين أنه ممكن ومقبول ولو مع وجود الاحتلال الصهيوني لفلسطين متى توافرت شروط مخصوصة لا يمتنع تحققها، منها أن يدخل المسلمون هذا الحوار وقد نبذوا منطق القوة ولغة العنف وتزوَّدوا بمنطق العقل ولغة الإقناع؛ ومنها أيضاً أن يوجد علماء يهود وحاخامات ينكرون الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، ولا يسعون إلى تمرير مشاريع ظالمة تكرس الاحتلال؛ ومنها كذلك أن يرتفع الشك في أهداف المتحاورين ويحصل الاطمئنان إلى حسن نواياهم؛ ويخالف هذا الظنَّ ما يذهب إليه آخرون من أن الحوار الإسلاميَّ اليهوديَّ في ظل الاحتلال الصهيوني لفلسطين غير ممكن ولا مقبول مطلقاً، وذلك لأسباب عدة، أولها أن الجانب الإسلامي يطالب بتفكيك الدولة العبرية المحتلة والجانبَ اليهودي يرفض إدانة الاحتلال، فضلاً عن التسليم بالتفكيك؛ والثاني أن هذا الحوار يخرج عن وصفه الديني ويصبح قومياً وعرقياً من جانب واحد، إذ إن هناك تداخلاً صريحاً بين الدين اليهودي والعرق اليهودي، حتى كأنهما شيء واحد، فيكون الكلام في هذا الدين كلاماً عن الأصول الغابرة والوعود الواهمة، مفضياً إلى الاحتجاح لشرعية الاحتلال؛ والثالث أن هذا الكيان الغاصب لا تتوافق طبيعته مع مبدأ السلام، بل لا يخشى شيئاً خشيته من تحقق هذا المبدأ، لأن هذا الكيان الغريب والمليء بالتناقضات العصية يحتاج إلى عدو دائم يعلن عليه الحرب كل حين لكي يضمن استمرار وجوده، ثم لأن السلام يعني إقامة نظام عادل يتمتع فيه المواطنون بالحقوق ذاتها، لا فضل فيه لليهودي على غير اليهودي، وهو أمر غير مسلّم به في مجتمع صهيوني. بعد أن عرضنا مجمل قضايا الحوارية غير المباشرة المتضمَّنة في المجموعة الثالثة من الأجوبة، نمضي إلى بيان بعض الأسباب التي يظهر أنها أدت إلى اختلاف الدعاوى التي وردت فيها. لا خلاف أن في هذه المجموعة كذلك حقائق يتفق عليها المشاركون، على رأسها: «أن أسباب الصراع بين الحضارة الغربية والعالم والإسلامي قائمة»، و«أن أحد الطرفين مسؤول عن هذا الصراع»، و«أن الحوار جارٍ بين المسلمين وغير المسلمين»؛ لكن بقي ما عداها من الحقائق موضع خلاف كبير؛ ومردُّ ذلك إلى بقاء مفهوم «صراع الحضارات» مجملاً غير مفصل، بل مشوَّشاً غير مبيّن؛ إذ لو حصل تفصيله بما يكفي، لأمكن تحديد المسؤوليات وتحديد الأطراف التي تقع عليها؛ وكذا بيان دور الحوار في تقويم الحضارة، قطعاً لأسباب الصراع الكامنة فيها. لا يخفى أنه لا بد لكل حضارة أن تقوم بشرطين أساسيين متمثليْن في حضوريْن اثنين: «حضور في المكان» و«حضور في الزمان»؛ وحضورُها في المكان هو نهوضُها بالفعل العمراني على أوسع نطاق، وحضورها في الزمان هو نهوضُها بالفعل التاريخي على أرسخ وجه؛ ومتى أخذنا بهذا الشرط المزدوج، فلا مفر من الإقرار بأن الحضارة التي تنهض في عالمنا اليوم بهذين الفعلين: «الفعل العمراني» و«الفعل التاريخي» هي الحضارة الغربية وحدها لاسواها؛ أما ما سُمّي ب-«الحضارات الأخرى» بما فيها «الحضارة الإسلامية»، فلا حضور مشهود لها؛ فلا هي تزيد في العمران وفق قدراتها الخاصة، ولا هي تصنع التاريخ وفق قيمها الحية؛ يلزم من هذا أن «صراع الحضارات» مفهوم مغلوط أو مدلَّس؛ والواجب أن يُستبدل به مفهوم غيره، فيقال: <mb>«صراع الحضارة الغربية مع الثقافات الأخرى»<?tf>، ذلك لأن الثقافة لا يُشترط فيها الحضور العمراني ولا الحضور التاريخي، بل يكفي فيها وجود الذاكرة وما تختزنه من قِيَم عابرة للزمن. وإذا تقرَّر أن الحضارة هي الفعل الحاضر المؤثر في المكان تشييداً، وفي الزمان توجيهاً، لزم أن تقع المسؤولية المباشرة عن الصراع على العالم الغربي وحده، لأن الحضارة حضارتُه، والفعلَ فعلُه، وإرادةَ القوة إرادتُه؛ لا أن تقع على العالم الإسلامي الذي لا طاقة له على واسع الامتداد المكاني، ولا على راسخ التخطيط الزماني، حتى يجوزَ القول بأن إرادة المسلمين تنازع إرادة الغرب، بل تصارعها. لكن يبقى للعالم الإسلامي شيئان جوهريان، أحدهما، الثقافة، مع العلم بأن <mb>الثقافة<?tf> هي ما تبقَّى من الحضارة بعد ما مضى حضورها المكاني والزماني؛ وهذا الذي تبقَّى إنما هو جملة من القيم والمُثل والمعاني التي تسعى إلى حفظ خصوصية الأمة في ظل وجودها في حضارة غير حضارتها؛ والثاني، <mb>الزمن الأخلاقي<?tf>، وتختص به من دون الثقافات الأخرى، حيث إن لكل دين سماوي زمنه الأخلاقي الذي يمتد من حين نزوله إلى حين ظهور دين آخر؛ وخاصية هذا الزمن أن يتولى أهله تصحيح كل ما يحدث فيه، متحملين تبعاته ولو أتى به غيرهم؛ ومعلوم أن الزمن الأخلاقي الذي نحياه اليوم هو زمان الدين الإسلامي بعدِّهِ الطور الأخير في التدين السماوي. ويجعل هذان العنصران: «الثقافة الخاصة» و«الزمن الأخلاقي» العالَمَ الإسلامي في وضع يختلف فيه عن وضع الثقافات الأخرى، إذ يُوجبان عليه ما لا يجب على هذه، إذ تقومُ عليه مسؤولية إزاء الحضارة الغربية كما أن لصانعيها مسؤولية نحوها، إلا أنها <mb>مسؤولية غير مباشرة<?tf>؛ فليس مطلوباً منه أن يشاطرهم شمول الفعل العمراني ولا رسوخ الفعل التاريخي، وإنما أن يعمل على <mb>تقويم<?tf> هذين الفعلين الحُضوريين بواسطة ما تحمله ثقافته من المبادئ والقيم؛ فبحُكم أن زمن الحضارة الغربية هو زمنه الأخلاقي، غدا مسؤولاً عما يقع فيه، سواء أقام به أهل الإسلام ابتداء أم قام به أهل الغرب ابتداء، لأنه يُعدّ بمنزلة ما قام به المسلمون بواسطة؛ فلولا تعاطيهم لأسباب التخلف، لما أصبح لواء الحضارة في أيدي غيرهم. كما لا يخفى أن هذا التقويم للحضارة الغربية هو في أساسه تقويم أخلاقي صريح؛ وهاهنا تجب الإشارة إلى النظرة السائدة عن الأخلاقيات والتي تستصغر من شأنها، مقارنةً بالعقليات والماديات؛ فلا بد من تزييف هذه النظرة التي نجد لها صدى حتى عند بعض علماء المسلمين؛ والحق أنه ليس في الإنسان ما يجعله كذلك إلا الأخلاق؛ ودونها، يختل نظام الحياة وتفسد مقاصد الكون، بل الخاصية الأخلاقية والخاصية الإنسانية شيء واحد؛ وحينئذ، يكون هذا التقويم اجتهاداً في التشكيل الإنساني للفعل العمراني والفعل التاريخي، صارفاً عنهما ما يتهدد الأولَ من فرط التمتع المفضي إلى الانحلال، وما يتهدد الثانيَ من فرط التسلط المفضي إلى الاستبداد. لكن هذا التقويم، على وجوب النهوض به، لا يمكن أن يتحقق بواسطة «اليد»، لأن هذه «اليد» التي تتمثل في قوة السلطان يمثلها الفعلان: العمراني والتاريخي، وهما مُلك للغرب، صانع الحضارة؛ فلا يبقى إلا أن يتحقق هذا النهوض بواسطة اللسان الذي يتوسل بقوة البرهان، متمثلاً في الممارسة الحوارية. ولا يفيد في هذا الحوار التقويمي أن ينهض الجانب الإسلامي بإثبات أن بعض قيمِه الثقافية، على الأقل، أفضل من قيم الآخَر المؤثرة في حضارته، ذلك لأن الجانب الغربي غير مستعد للانسلاخ من ثقافته من أجل الاعتراف بأفضلية غيرها، بحجة أن ثقافته هي الصانعة للحضارة؛ وإنما الذي يفيد في هذا الحوار هو أن يتم نقد قيم هذه الحضارة من داخلها، وذلك باستخدام آليات النقد نفسها ومناهج الفكر التي تُقرّها، حتى إذا ظهر للجانب الغربي فساد هذه القيمة أو تلك من قيمه الثقافية، وتمَّ استنزاله عن اعتقاده بها، حُقَّ للجانب الإسلامي أن يدعوه إلى الأخذ بالقيمة المضادة التي يستمدها من ثقافته الإسلامية، ولا يَسع الطرف الآخَر إلا أن يقبل بها، وإلا كشف عن سوء تحضُّره وتهافت منطقه؛ أما إذا لم يظهر وجه القدح في القيمة الغربية، بل ثبت صلاحها وتأكدت سلامة الاعتقاد بها، لزم الجانبَ الإسلامي أن يأخذ بها وأن يترك ما يعارضها من قيم ثقافته التي ذهبت حضارتها، فيكون مجدّدا لثقافته بقدر ما هو مقوّم لحضارة غيره؛ وهكذا، فلا تقويم يُلزم الغرب إلا على مقتضى قواعد حضارته، إلى حين أن يقتدر الجانب الإسلامي على التشكيك في هذه القواعد بموجب منطقها نفسه، فيتحقق له نصيب في إعادة تأسيس الحضارة بعد تحقق نصيبه في إعادة توجيهها. ولا ريب أن مِثْل هذا الحوار يجعل الغرب غربين على الأقل، «غرب الحوار» الذي يؤمُّ الحق والعدل، فينبغي أن نوثّق الصلات به، و«غرب الاستعمار» الذي يؤمّ الباطل والظلم، فينبغي أن نتصدى له باشتراك مع غرب الحوار، حتى نعالجه من الداخل؛ وذلك أنجع وأسرع في تغييره مما لو عالجناه من خارج، أي بغير هذا الاشتراك. إلا أن هذا الحوار التقويمي للحضارة يتطلب من المسلمين استعداداً لم يألفوه أو لم يألَفْهُ جُلّهم أو لا يطيقه بعضهم، ولكن لا بد منه إن هم أرادوا حفظ هويتهم وحماية ثقافتهم؛ وليس لهم من سبيل أقرب إلى تحصيل هذا الاستعداد من تكثيف الحوار مع العلمانيبن من مواطنيهم، على أساس أنهم حملة التنوير الغربي، ومع المسيحيين، على أساس أن العلمنة استحوذت على كثير من قيمهم الدينية وفصلتها عن أصولها الروحية، وحتى مع اليهود (ولِمَ لا؟)، على أساس أن قيمهم نفذت في ثقافة الغرب وساهمت في تشكيل حضارته وتوجيهها؛ كل ذلك من شأنه أن يُزوِّد المسلمين بالخلفية الفكرية الضرورية للدخول في هذا الحوار التقويمي، منتزعين الندية المطلوبة بفضل ما حصلوه من معرفة واسعة بالآخر؛ وليس لهم أن يكتفوا بحضور ما يُدعَون إليه من لقاءات قد يكون الغرض منها تذليل بعض العقبات لمزيد هيمنة، وليس لمزيد تقارب، بل عليهم أن يَسبقوا إلى تنظيم هذه اللقاءات والإكثار من عددها وتنويع أمكنتها وإطلاق مواضيعها حتى لا ممنوع فيها، بدءاً من القضايا السياسية الساخنة وانتهاء بالمسائل العقدية الحرجة؛ ومتى التزم المشاركون فيها طريق التدليل العقلي على مختلف دعاويهم، فلن يزداد الإسلام إلا ظهوراً على غيره، عقيدةً أو فكرانية، لقوة عقلانيته ورسوخ أخلاقيته واتساع نطاق حواريته. [1] ننبه القارئ إلى أننا ارتضينا أن نورد هذه الآراء مجردة من أسماء القائلين بها ولو أننا نستعمل أحيانا بعض ألفاظهم، وذلك لسببين رئيسين، أحدهما، أن الواحد من هذه الآراء قد يكون مركباً من أقوال أكثر من فرد واحد؛ والثاني أن إدماج هذه الأسماء في صلب النص وتكرارها فيه يحدث فيه تقطُّعات قد تُربك قراءته وتعيق استجماع معناه أوّل ما تراه العين.