أصـبـح العـدد 23 يعـني الكثـيـر للتـونسيـيـن ، فإذا ما كـانـت وحـدة هذا العـدد سنـة ، تذكـّرهـم ب 23 سنـة من حكـم بن عـلـي ، 23 سنـة من الإسـتـبـداد و من كبت الحريّـات ، و خـاصّـة ماشـا بها خلال العشـريـة الأخـيـرة منهـا من فـساد و تغـوّل العـائلـة المالكـة و استهـتارهـا و ضربها بكـلّ القـيـم الأخلاقيـة عـرض الحـائـط . و الجميـع ينتـظـر مرحلـة جديـدة تقـطـع مع الماضي القريـب و تؤسّـس للدّيمقـراطـيـة و الحريّـات و بـيـن هذه و تلـك عشنـا مرحـلـة إنتـقاليّـة صعـبـة عـلى مستـوى الإستـقـرار و الأمن و المعـيشـة و لكـنّـها حـبـلى بالإنجـازات عـلـى الصّـعـيـد السيـاسـي و عـلـى مسـتوى الحريّـات مرحـلـة نجحـت خلالـها المؤسّـسـات المؤقـتـة فـي إدارتـها إلـى حـدّ كبـيـر رغـم الإنـفـلاتـات من هنـا و هنـاك أمنيّـا و اجتماعيّـا و اقتـصاديّـا ، و يعـود النـجـاح أسـاسا إلـى نضـج هذا الشـعـب . أمّـا إذا ما تحدّثـنـا عـن 23 اليوم و بالتحديـد 23 أكتـوبـر 2011 و هو موعـد إنتخابات المجـلـس الوطـنـي التأسيسي فإنّ هـذا اليوم سيكـون حتـما تاريخيّـا ، يومـا مفـصليّـا فـي تـاريخ تـونـس ، و الجميـع يتطلّـع إلـى هذا اليـوم رغـم أنّ الشـارع لم يـبـد حمـاسـة كبـيـرة خلال الحملـة الإنتـخابيّـة ، فـكانـت باهتـة ، باردة رغـم العـدد الكبـير للمترشّـحـيـن من أحـزاب و قـائمـات مستقلّـة حيـث بلـغ عددها في بعض الدّوائـر ما ينـاهز المائـة . أمّـا بخصوص ما بعـد 23 أكـتوبـر ، فالواضـح أنّ التـوافـق سيكـون سيّـد الموقـف ، لـن يقـبـل أيّ كـان سيطـرة طـرف واحـد عـلى المشهـد السياسي ، و مشاركـة غالبيّـة القـوى السياسيّـة ضمـان و صمّـام أمـان أمـام الأحـاديّـة و الإنفـراد بالرّأي و هو ما يؤشّـر له عـلى الأقـلّ نـظـام الإقـتراع . و إنّ وجـود غالبـيّـة العـائلات داخـل المجـلس الوطنـي التأسيسي يمثّـل في حـدّ ذاتـه رقـابة حقيقيّـة عـلى أعـمالـه . و استعدادا لما بعـد 23 أكـتوبـر نجـد العـديد من الأحـزاب إلـى جانـب إهتمامهـا بالحملـة الانتخـابيّـة ، تضـع عينـا أخـرى على الكواليـس من أجـل تشكـيل تحـالفـات مـع أحـزاب و تيـارات قصـد تكويـن كتـل فاعـلـة داخـل المجلس الوطـنـي التأسيسي ، و منها من دخل الإنتخابات فـي إطـار تحـالـف تمهيدا لتشكّـل كتـلـة فاعـلـة ، و هي أحـيانا تحالفات تكتسي طابعا سياسـيّـا بحتا و ليس مبدئيّـا حيث تجـد في هذه الكتـل أقـصى اليسـار و أقـصى اليمين جنبا إلى جنب . و بين 23 السنّـة و 23 اليوم يتطلّـع المواطـن إلى ما بعـد بعـد 23 ، يتطلّـع إلى التشغـيـل و إلى مستوى عيش أفضـل و قدرة شرائيّـة أحـسـن أمـام معـاناتـه اليـوم من الغـلاء و المديونيـة ، يتطلّـع كذلك إلـى رؤيـة واضحـة لأنّ المشهـد اليوم بالنسبـة إليه عـلـى جميـع المستويـات ضبابيّ إلى أبـعـد حـدّ .
عـلـي مـطـيـر
<
تونس- بناء نيوز أعربت منظمّة مراسلون بلا حدود عن بالغ قلقها إزاء التنازلات التي قدمتها الشركة الكندية “ريسيرش إن موشن” المصنّعة لهواتف “بلاك بيري” للحكومات الراغبة في الوصول إلى البيانات المشفرة على شبكتها. حيث أبرمت ريسيرش إن موشن مؤخرا، اتفاقات لتبادل البيانات مع عدة حكومات، بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مستسلمةً بهذا للتهديدات بقطع خدمات “بلاك بيري” في البلدان المعنية. ومنذ تعاونها مع السلطات البريطانية، في خلال أعمال الشغب في لندن في أوت 2011، حيث أثارت خدمات بلاك بيري الجدل بسبب استخدام مثيري الشغب إياها. وتواجه الشركة ضغوطاً متزايدة من تلك الحكومات لذلك تطالب منظمّة مراسلون بلا حدود “ريسيرش إن موشن” بإعطاء الأولوية لحماية البيانات الشخصية وسرية الرسائل المتبادلة بين المستخدمين.
حجب المواقع الإباحيّة في الكويت كما تحذّر منظمة مراسلون من مخاطر الإفراط في حجب محتويات مشروعة بعد أن توصلت ريسيرش إن موشن ووزارة الاتصالات الكويتية إلى اتفاق لحجب المواقع الإباحية على أجهزة بلاك بيري، على أن يصبح هذا القرار ساري المفعول بحلول نهاية العام 2011. وتطلب من الحكومة التخلي عن هذا الإجراء.
خدمة الرسائل الفوريّة في الهند أعلن وزير الاتصالات “شاندراسخار” أنه تم تطوير أداة جديدة للسيطرة على خدمة النفاذ إلى الرسائل الفورية ورسائل البريد الإلكتروني في الهند. وعززت الرسائل الفورية وخدمة البريد الإلكتروني في أجهزة بلاك بيري بالتعاون مع ريسيرش إن موشن، ومن المرتقب يصدر تقرير عن فعاليته قبل نهاية الشهر الجاري. وسيتمّ الإشارة إذا كانت الاختبارات قاطعة، ستسمح الهند بإبقاء خدمات بلاك بيري تحت المراقبة بحسب الوزير. وفي هذا الإطار، تخشى منظمة مراسلون بلا حدود أن تسعى الحكومة إلى تعزيز سيطرتها على المستخدمين وتوسّع نطاق هذه الممارسات لتطال شركات أخرى لتصنيع الهواتف الذكية مثل نوكيا.
وجوب خادم محلي في أندونيسيا فبعد القبول بترشيح المواقع الإباحية في جانفي 2011، من المرتقب أن تستجيب الشركة الكندية لطلب جاكرتا التي تسعى، منذ أوت الماضي، إلى تركيب خادم محلي بحلول ديسمبر 2011 وحتى الآن، تستخدم شركة ريشيرش إن موشن خوادم تقع في كندا تمر المعلومات المتبادلة على شبكات بلاك بيري عبرها من دون إمكانية السيطرة الخارجية، ولكن من الوجوب إنشاء خادم محلي في إندونيسيا كفيل بأن يسمح بفرض الرقابة ويتيح للحكومة إمكانية وقف خدمات بلاك بيري إذا ما رأت ذلك مناسباً.
مزيد الانجازات في جنوب افريقيا قال نائب وزير الاتصالات عبيد بابيلا إنّ حكومة جنوب أفريقيا تأمل في النفاذ إلى بيانات مستخدمي الرسائل النصية “تتوفر وقائع تثبت أن المجرمين يستخدمون الآن خدمة رسائل بلاك بيري لتنظيم جرائمهم وارتكابها. وأضاف “نريد استعراض رسائل بلاك بيري كما في المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية”. لا شك في أن هذا البيان مثير للقلق في بلد يضطر فيه مستخدمو الهواتف الجوّالة لتسجيل أسمائهم من أجل تسهيل مكافحة الجريمة”.
إنشاء برمجيات لقرصنة جهاز بلاك بيري الأمني في روسيا أعربت الحكومة مراراً وتكراراً عن استعدادها للنفاذ إلى بيانات المستخدمين الشخصية. واليوم، حققت شركة ألكومسوفت الروسية هذه الرغبة بتطويرها برمجيات قادرة على اختراق أي جهاز بلاك بيري والنفاذ إلى كل البيانات المتوفرة على هذا الهاتف الذكي . وتباع هذه البرمجيات في السوق بسعر 199 دولاراً ، ما يمكّن أياً كان من قرصنة أي هاتف ذكي. تخشى منظمة مراسلون بلا حدود، إذا لم تكن الحكومة مسؤولة بشكل مباشر عن هذه البدعة، من أن يؤدي استخدام هذه البرمجيات في بلد يصنف على أنه “تحت المراقبة” إلى عواقب وخيمة تلقي بظلالها على احترام خصوصية المستخدمين.
(المصدر: موقع بناء نيوز الإلكتروني ( تونس ) بتاريخ 15 أكتوبر 2011)
<
من مدريد إلى نيويورك ومئات المدن عبر العالم، تظاهر “الغاضبون” اليوم السبت احتجاجا على تدهور أوضاعهم الاقتصادية نتيجة الأزمة الاقتصادية ونفوذ سلطات المال، في أول يوم تعبئة عالمي تقيمه هذه الحركة التي نشأت في إسبانيا الربيع الماضي. وبعد خمسة أشهر من ميلاد الحركة في 15 مايو/أيار في مدريد، يطمح “الغاضبون” وغيرهم من المجموعات مثل “أوكوباي وول ستريت” (احتلوا وول ستريت) في جعل 15 أكتوبر/تشرين الأول يوما رمزيا يستهدف أعلى السلطات المالية، مثل وول ستريت في نيويورك، وحي “سيتي” المالي في لندن، والبنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت. وبدأت احتجاجات اليوم في نيوزيلندا، ثم انتقلت عبر العالم إلى أوروبا ومن المتوقع أن تعود إلى نقطة انطلاقها في نيويورك. وتظاهر عدة مئات في الشارع الرئيس في أوكلاند بنيوزيلندا، لينضموا إلى مسيرة شملت نحو ثلاثة آلاف شخص رددوا الهتافات وقرعوا الطبول احتجاجا على ما سموه جشع الشركات. ” احتجاجات اليوم انطلقت من نيوزيلندا ثم انتقلت عبر العالم إلى أوروبا ومن المتوقع أن تعود إلى نقطة انطلاقها في نيويورك ” وفي سيدني تظاهر نحو ألفي شخص من بينهم ممثلون عن السكان الأصليين وشيوعيون ونقابيون خارج مقر بنك الاحتياطي الأسترالي. وخرج المئات في العاصمة اليابانية طوكيو بمشاركة محتجين مناهضين للطاقة النووية، وفي مانيلا عاصمة الفلبين نظم بضع عشرات مسيرة إلى السفارة الأميركية رافعين لافتات تقول “تسقط الإمبريالية الأميركية” و”الفلبين ليست للبيع”. وتجمع أكثر من ألف شخص عند بورصة تايبه وهتفوا “نحن 99% من تايوان”، وقالوا إن النمو الاقتصادي لم يصب إلا في مصلحة الشركات في حين أن أجور الطبقة الوسطى لا تكاد تغطي تكاليف الإسكان والتعليم والرعاية. وسار حوالى 250 كوريا جنوبيا في شوارع سول اليوم احتجاجا على ما وصفوه جشع الشركات واتساع الهوة بين المداخيل، وذكرت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية (يونهاب) إنه رغم الأمطار احتشد الناشطون قبالة مقر لجنة الخدمات المالية، وهي أكبر جهاز للتنظيم المالي في البلاد. وحمل الناشطون لافتات بالإنجليزية والكورية كتب عليها “أنا لست صرافكم الآلي” و”ضرائب لرؤوس المال” و”وظائف للعمال”. وشهدت جنوب أفريقيا مظاهرات مماثلة في مدن رئيسة منها جوهانسبرغ ودوربان وكيب تاون، وركزت المظاهرات في جوهانسبرغ على أحوال البورصة، وحمل عشرات المتظاهرين لافتات بعثت برسائل سياسية منها “فلتنصتوا للشعب” و”فليتقاسم الشعب الثروات”. مظاهرات أوروبا وشهت إيطاليا قيام متظاهرين بإشعال النار في مبنى تابع لوزارة الدفاع في روما، وأوضح مراسل وكالة الصحافة الفرنسية إن نحو مائة شخص ملثمين أشعلوا النار في سيارتين في المكان نفسه. ولم يتمكن رجال الإطفاء من الوصول إلى المكان بسبب تظاهرة “الغاضبين” التي ضمت عشرات آلاف الأشخاص، والتي كانت تتقدم من دون حوادث. وفي محاكاة لاحتلال متنزه زوكوتي قرب وول ستريت في منهاتن، اعتصم بعض المحتجين قبالة مقر بنك إيطاليا المركزي لعدة أيام. وتجمع نحو ألف شخص في مدينة فرانكفورت العاصمة المالية لألمانيا أمام مقر البنك المركزي الأوروبي، احتجاجا على ما وصفوه “تجاوزات الرأسمالية” وظلم النظام المالي العالمي، حيث رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها “أنتم تضاربون بحياتنا” و”أنتم تقامرون بمستقبلنا”. ووصل عدد المتظاهرين في العاصمة الألمانية برلين إلى خمسة آلاف شخص، وفقا لتقديرات القائمين على تنظيم المظاهرة وتوجهوا صوب دار المستشارية. وتجمع نحو ألف شخص في مدينة ميونيخ جنوبي ألمانيا للاحتجاج على “ظلم النظام المالي”، كما تجمع عدة مئات من الأشخاص في قلب مدينة كولونيا غربي ألمانيا تحت شعار “ديمقراطية حقيقية الآن”. وفي العاصمة البريطانية لندن شارك نحو خمسة آلاف شخص في مظاهرات تحت عنوان “احتلوا بورصة لندن”، والتي حظيت بتأييد ما يزيد على 15 ألف شخص على موقع فيسبوك. وقال الموقع الإلكتروني لصحيفة “غارديان” البريطانية إن آلاف المحتجين تجمعوا في الحي المالي بلندن، حيث كانت شرطة مكافحة الشغب تتخذ تدابير للسيطرة على هذه الحشود. وفي نيويورك دعت حركة “احتلوا وول ستريت” -التي ظهرت في الولايات المتحدة احتجاجا على البطالة وسط الشبان وانعدام المساواة الاجتماعية، وتحتل حديقة منذ 17 أيلول/سبتمبر- إلى التجمع في ساحة تايمز سكوير. استمرار الحركة ودبت شكوك بشأن استمرارية الحركة بسبب عدم بروز زعيم واضح يقودها، ورفضها كل الهياكل السياسية التقليدية، واعتمادها “الديمقراطية التشاركية” في أقصى أشكالها. يذكر أن الدعوات إلى احتجاجات اليوم نشطت على صفحات موقعي التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، وقال منظمو هذه الاحتجاجات إن “القوى الحاكمة تخدم مصلحة قلة قليلة، وتتجاهل أوضاع الأغلبية الغالبة وتغض الطرف عن الثمن الإنساني والبيئي الذي ندفعه جميعا”، مؤكدين أن “هذه الوضعية لا يمكن تحملها ولا بد أن تنتهي”.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 15 أكتوبر 2011)
<
اعتبر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) محمد الجاسر أن أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو أصبحت التحدي الأول للاقتصاد العالمي في الأجل القصير. غير أن الجاسر الذي حضر خلال اليوم السبت وأمس الجمعة اجتماعات وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة العشرين في باريس، أوضح أنه لمس شعورا لدى زعماء منطقة اليورو بالعزم على إيجاد مخرج للأزمة التي تمر بها منطقتهم. ولفت إلى أن هذا الشعور ليس لدى السعودية وحدها، وإنما يشمل أعضاء مجموعة العشرين. وعزا الجاسر هذا الشعور الإيجابي إلى أن الأوروبيين يقدرون خطورة الموقف وأنهم عازمون على عمل ما هو ضروري لحماية الاقتصاد وأسواق المال الأوروبية، وهو ما شأنه أن ينعكس إيجابا على أسواق المال العالمية. وأعرب عن تفاؤله بأن الأوروبيين سيتخذون في قمة الاتحاد الأوروبي المزمعة في 23 من الشهر الجاري قرارات ستطمئن الأوروبيين أولا وبقية العالم ثانيا. طمأنة الاقتصادات من جهته صرح وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله -في محاولة على ما يبدو لطمأنة الاقتصادات العالمية- بأن منطقة اليورو عازمة على طرح حزمة شاملة لحل أزمة الديون الأوروبية قبل القمة الأوروبية المقبلة. واعتبر الوزير الألماني الذي تحدث على هامش اجتماعات مجموعة العشرين أن الأوروبيين يسيرون جيدا لحل الأزمة، مشيرا إلى أن من بين الخطوات التي ستضمنها الحزمة الأوروبية المتوقعة تزويد المصارف الأوروبية بما يكفي من رأس المال. وأضاف أن الإجراءات ستتضمن حلا للمشكلة اليونانية على أساس تقرير لجنة المدققين الدوليين المعروفة باسم الترويكا التي تضم خبراء من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية. كما ستضم مبادرات لتحسين السياسة المالية في دول اليورو، كتعديل اتفاقيات الاتحاد الأوروبي بما يكافح “أخطار العدوى” الاقتصادية. بيان العشرين واتفقت مجموعة العشرين حسب البيان الختامي لاجتماعها الوزاري على قيام الاقتصادات المتقدمة باحتواء عجز ميزانياتها، وعلى أن تواصل الاقتصادات الناشئة، مثل الصين، إجراءات من أجل مزيد من المرونة في سعر الصرف. وحسب البيان، ستقوم اقتصادات الأسواق الناشئة ذات الفوائض المالية بتسريع تطبيق إصلاحات هيكلية نحو المزيد من الاستهلاك المحلي، مدعومة بجهود متواصلة للتحرك صوب نظم لسعر الصرف تكون أكثر اعتمادا على قوى السوق. وقالت مجموعة العشرين التي تشكل 85% من الاقتصاد العالمي إنه يجب أن تتوفر موارد كافية لصندوق النقد الدولي، لكن الوزراء أرجؤوا أي قرار في هذا الشأن إلى قمة المجموعة في مدينة كان الفرنسية يومي الثالث والرابع من نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 15 أكتوبر 2011)
<
غازي التوبة من الواضح أن أبرز إنجازات الربيع العربي هو إسقاط المشروع القومي العربي، فها هو قد سقط نظام مصر، وهو أبرز نظام قومي عربي، ثم ها هي أنظمة ليبيا واليمن وسوريا تتهاوى، وكلها أنظمة قومية عربية، وبهذا انتهى المشروع القومي العربي الذي شغل الأمة مائة عام، وبنت عليه الأمة آمالا في النهضة والتقدم والتصنيع والوحدة والقوة. ” اعتبرت القيادات القومية العربية أن الأمة التي تسكن المنطقة من المحيط إلى الخليج تقوم على عنصري اللغة والتاريخ، وهذا موقف غير علمي وغير موضوعي ” ولكن لم يتحقق أي أمل من تلك الآمال، بل على العكس من ذلك كان الضعف والانهزام والتأخر، لماذا حدث ذلك؟ حدث ذلك لأن القيادات القومية العربية التي قادت المنطقة لم تكن موضوعية ولا علمية في رؤية واقع المنطقة، فهي قد اعتبرت أن الأمة التي تسكن المنطقة من المحيط إلى الخليج تقوم على عنصري اللغة والتاريخ، وهذا موقف غير علمي وغير موضوعي، فإن استقراء الواقع الموضوعي لهذه المنطقة يجعلنا نقول إن هذه الأمة لا تقوم على عنصري اللغة والتاريخ فقط، بل هناك الدين الذي يدخل في تفصيلات حياة هذه الأمة النفسية والعقلية والتربوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والفنية، وقد جاء عدم الموضوعية والعلمية من النقل الحرفي لمفاهيم الأمة عند الأوروبيين في بعض الدول الأوروبية كألمانيا وإيطاليا، وقد استتبع ذلك نقل موقف أوروبا من الدين واعتماده في الموقف من الدين في منطقتنا، فالخطأ الرئيسي الذي وقعت فيه القيادات القومية العربية هو أنها نظرت إلى واقع النهضة بعيني أوروبا، ولم تنظر إليه بعينيها، فكان الزيغ وعدم الإبصار الحقيقي. إن هذا الخطأ الذي استند إلى النقل الحرفي من الحضارة الغربية، وعدم اعتماد الموضوعية والعلمية في دراسة الواقع، هو الذي كلف الأمة هذا الثمن الباهظ في عدم تحقيق النهضة والازدهار والتقدم والتصنيع والوحدة. ومما يؤكد ذلك أن الدول والشعوب التي تجنبت النقل الحرفي، واعتمدت العلمية والموضوعية في معالجة واقعها قد نجحت في تحقيق الأهداف التي رنت إليها من نهضة وعزة وتقدم. ويمكن أن نأخذ مثالين في هذا الصدد، هما: إسرائيل واليابان، فقد انطلقت قيادتا البلدين من الواقع فاعتبرتا الدين عاملا في تشكيل الأمة في كل من البلدين، واحترمتا هذا الواقع. وربما كان السبب في إبعاد الدين عند القيادات القومية العربية هو وجود الأقليات الدينية في بلادنا، والتوجه إلى مراعاة هذه الأقليات وصياغة الإطار الذي يرضيها، فكان اختيار تشكيل قومية مع التغييب الكامل للعامل الديني في تشكيل هذه الأمة، ولكن هذه القومية فشلت في قيادة الأمة إلى النهضة لأنها راعت الأقليات ولم تراع الواقع، وأنا أعتقد أن الغرب كان له دور –باستمرار- في استغلال الأقليات، من أجل استعمار المنطقة، وقد كان هو الذي يدفع هذه الأقليات من أجل تبني صيغة في الفكر القومي تقصي الدين ولا تتعامل مع الواقع تعاملا سليما. وقد بدأ استغلال الأقليات منذ مجيء نابليون لاحتلال مصر عام 1798 بعد الثورة الفرنسية وبروز المعلم يعقوب الذي تعاون مع الاحتلال الفرنسي، ثم رحل إلى باريس مع رحيل تلك القوات عندما تركت مصر عام 1802، وكذلك اتضح عندما تدخلت فرنسا عام 1860 في لبنان، واحتلت بيروت وجبل لبنان، ثم توصل الغرب مع الخلافة العثمانية إلى أن تكون فرنسا راعية للكاثوليك في أراضيها، وروسيا راعية للأرثوذكس، وبريطانيا راعية للدروز. وإنني أعتقد أن الأمر لو ترك للطوائف والأقليات المذهبية لاحترمت عامل الدين في صياغة قومية هذه الأمة، لأنها كانت باستمرار جزءا من مكونات هذه الأمة، وكان لها دورها الحضاري الواضح في صياغة شخصية الأمة، وأبرز دليل على ذلك هو مساهمات الأسر المسيحية واليهودية في مسيرة التيار الحضاري من أمثال أسرة بختيشوع وأسرة نوبخت وأسرة حنين بن إسحاق، واحتل كثير من المسيحيين واليهود مناصب رفيعة في مختلف مراحل الحكم الإسلامي، وصلت إلى منصب الوزير. ” بعض موجهي ثورات الربيع يكادون يقعون في ثلاثة أخطاء في معالجة الواقع، وهي أخطاء وقعت فيها القيادات القومية التي قادت المنطقة خلال القرن الماضي مما جعل نهضتنا تتعثر ” ذكرت كل ذلك من أجل تسديد التوجه القادم لثورات الربيع العربي، وضرورة الاستفادة من التجربة الماضية في عدم تحقيق النهضة، وأنه يجب أن يجلب الربيع العربي المساواة والعدل والنهضة والبناء الحضاري والتقدم، في حالة استفادته من دروس الماضي، وأن أبرز درس يجب أن نستفيده من الماضي هو الانطلاق من الواقع في معالجة الظلم والفساد والاستبداد الذي ورثناه من المرحلة السابقة. من الملاحظ أن هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى أن بعض موجهي ثورات الربيع يكادون يقعون في ثلاثة أخطاء في معالجة الواقع، وهي أخطاء وقعت فيها القيادات القومية التي قادت المنطقة خلال القرن الماضي مما جعل نهضتنا تتعثر، وهذه الأخطاء، هي: الأول: النقل الحرفي لبعض تجارب الحضارة الغربية. الثاني: عدم الانطلاق من واقع هذه الأمة المتكونة والمتجذرة في أرض هذه المنطقة منذ أكثر من ألف عام. الثالث: عدم الانتباه إلى أن كل تجربة حضارية فيها العام والخاص، وعلينا الاستفادة من العام وترك الخاص منها المرتبط بالظروف التاريخية لهذه التجربة. لا شك أن الأمة التي ثارت في مصر وتونس وسوريا واليمن وليبيا تريد الحرية والعدل والمساواة والثروة والعزة والتقدم، وعلى القيادات أن تبني الأطر التي تحقق رغبات جماهير الأمة من جهة، وتراعي الواقع الموضوعي لهذه الجماهير من جهة ثانية، ولكن نجد أن بعض القيادات لا تراعي هذا الواقع في بنائها للإطار الديمقراطي الذي يحقق المساواة والعدل والمشاركة في محاسبة المسؤولين، وتحقيق تداول السلطة. ويوضح ذلك حرص هذه القيادات على إقرار “مبادئ ما فوق الدستور” أو “المبادئ الحاكمة للدستور”، وهذا يعني إلزام الأمة بنقل المبادئ الخاصة من الديمقراطية الغربية وعدم الاكتفاء بالعام منها. ويؤكد ذلك أيضا ترحيب بعض القيادات العربية بتصريحات أردوغان التي أطلقها عندما زار مصر وتونس وليبيا حول العلمانية، ودعا جماهير الأمة إلى الالتزام بالعلمانية، ومن الجلي أن هذه الدعوة تصب في عدم مراعاة الواقع الذي يقوم على أن الدين عنصر إيجابي في بناء الواقع، ومن الجدير بالذكر أن تصريحات أردوغان قوبلت –أيضا- بالاستنكار والرفض من بعض القيادات العربية، وردت عليه بأن الواقع التاريخي الذي مرت به تركيا يبقى خاصا بتركيا وليس هناك ما يلزم بنقله إلى منطقتنا. ومن الملاحظ أن وجود الأقليات العرقية والدينية مازال الهاجس الذي يدفع كثيرا من القيادات إلى عدم مراعاة الواقع الموضوعي لأمتنا، لكن على هذه القيادات أن تعي أن هذه الأقليات جزء من الواقع فهي ليست غريبة عنه وهي قد ساهمت في بنائه وصياغته من جهة، وأن عدم مراعاة الواقع الموضوعي سيجعل النهضة تتعرقل مائة سنة أخرى وستنعكس الخسارة على الأكثرية والأقلية من جهة ثانية، وأنه يمكن التوفيق بين حقوق ومصالح هذه الأقليات وبين الواقع الموضوعي كما حدث خلال مئات السنين الماضية من جهة ثالثة. ” يجب أن نعي أن الديمقراطية التي تتطلع إليها الأمة، واستهدفتها من الثورات، تعني تحقيق العدل والمساواة لكل أفراد الأمة، وتعني محاسبة المسؤولين، وتعني اختيار الحاكم ” في النهاية يجب أن نعي أن الديمقراطية التي تتطلع إليها الأمة، واستهدفتها من الثورات التي قامت بها، ومن التضحيات التي قدمتها، تعني تحقيق العدل والمساواة لكل أفراد الأمة، وتعني محاسبة المسؤولين، وتعني اختيار الحاكم، وأن يكون حكمه برضا الجماهير وموافقتها وانتخابها له، وتعني حرية إبداء الرأي، وتعني تساوي جميع أبناء الأمة أمام القانون، وتعني تداول السلطة. ويجب ألا تعني الديمقراطية عندنا نسبية الحقيقة -كما هي في الغرب- لأن لدينا أشياء ثابتة إلى قيام الساعة فيما يتعلق بالعقيدة والعبادة والأسرة، فإن إمضاء نسبية الحقيقة سيؤدي إلى فوضى لا نهاية لها في مختلف شعب الحياة الفكرية والخلقية والاعتقادية والسلوكية. ويجب أن لا تعني الديمقراطية عندنا حرية الفرد المطلقة في كل المجالات –كما هي في الغرب- لأن ذلك سيؤدي إلى دمار وخراب، ومن الأمثلة على الآثار السيئة لحرية الفرد المطلقة: الأزمة الاقتصادية التي وقعت في أميركا وانعكست على كل أنحاء العالم عام 2008، والتي كانت بسبب حرية الفرد الاقتصادية التي لا تخضع لأية رقابة، مما اضطرهم إلى تعديل هذا الوضع ووضع الضوابط والرقابة المناسبة على حرية الفرد الاقتصادية. ويجب ألا تعني الديمقراطية عندنا تقديم المصلحة والمنفعة على القيم الأخلاقية، كما هو في الغرب، بل يجب أن تعني تقديم الأخلاق والقيم على المصلحة والمنفعة إذا حدث تعارض بينهما.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 15 أكتوبر 2011)
<
نبيل الفولي تغيير ماذا؟ حق الشعوب
سنبقى والعالم زمنا طويلا مشغولين بأحداث الربيع العربي 2011، فليس من عادة التاريخ أن ينسى مثل هذه الأحداث بسرعة، كما أنه ليس من عادته أن يمررها بلا تأثير عميق في مجرى الحياة، وهو-أي التأثير العميق- ما يحاول كثيرون في الشرق والغرب منعَه أو الكفكفة منه. إن الشيء الذي يمكن أن يصرف الناس عن الاهتمام بما جرى خلال هذا الربيع العربي المفاجئ، هو حدث أكبر منه يجري في توقيته أو في توقيت قريب منه، وقد وقع زلزال اليابان المروِّع في 11 مارس/آذار الماضي، فانشغل به العالم قليلا ثم عاد يتابع الحدث العربي الكبير والممتد زمانا ومكانا، ووقعت مجاعة الصومال المؤلمة، لكنها لم تطغ مع مأساويتها على أحداث ليبيا واليمن وسوريا، وكذلك جرت تطورات في القضية الفلسطينية، إلا أن هذه التطورات بقيت أقل قدرة على ملاحقة ثورة الشارع العربي، وإن بقي لقضية فلسطين حضور خاص في بنيان الثورات نفسها. ومن أخطر ما صحب الربيع العربي: تمدده، وامتداد آثاره قليلا أو كثيرا من عاصمة عربية إلى أخرى، حتى كادت تشمل أكثر بقاع العالم العربي؛ في آية من آيات التواصل الخاص بين أجزاء هذا العالم. ويلفت النظر من بين هذه الآثار خاصة سعي كثير من الأنظمة العربية الحاكمة إلى توفيق أوضاعها مع شعوبها، وهو ما تُعنَى به هذه السطور. ” تسببت السياسات الوطنية الفاشلة في عالمنا العربي منذ منتصف القرن الماضي، وبالتحديد بعد رحيل الاستعمار، في فصم عرى العلاقة بين الشعوب وحكامها، ولو في مآلها ومحصلتها العامة ”
تغيير ماذا؟ لقد تسببت السياسات الوطنية الفاشلة في عالمنا العربي منذ منتصف القرن الماضي، وبالتحديد بعد رحيل الاستعمار، في فصم عرى العلاقة بين الشعوب وحكامها، ولو في مآلها ومحصلتها العامة، حتى صارت أوطاننا من الجهة السياسية بلادا طائفية تضم في أحشائها أغلبية محكومة مغلوبة على أمرها، لا تشارك في صناعة سياسة بلادها إلا نادرا، وأقلية حاكمة قد يتنوع أفرادها من جهة الديانة والعرق والثقافة، لكن تجمعها المصالح ويلتقي في حِجْرها المال والسلطة في تزاوج غير مشروع. وقد ظلت هذه الصورة سائدة ومتوقفة عن التطور النوعي خلال عقود، وإن خلفت النكسات ونوبات الفشل العربي في نفوس الشعوب العربية سخطا دفينا، وفي نفوس الحكام العرب توجسا من يقظة المارد الذي تحكمه، حتى تحركت الصخرة مع الربيع المنطلق من تونس إلى القاهرة مطوفا بأنحاء من العالم العربي هنا وهناك. وكادت تجتمع بقية العواصم العربية على نذر ثورات مماثلة للتونسية والمصرية، حتى حدث شيئان أوقفا هذا الامتداد الثوري عند بضع حالات فحسب، ولو إلى حين: الأول: دخول عوامل سلبية في ثورتي اليمن وليبيا حالت دون نجاحهما السريع، وأدخلت الشكوك في نفوس الجماهير العربية من إمكانية أن تفتح الثورات بابا للتدخل الأجنبي، أو على الأقل تحدث اقتتالا داخليا يؤول بالبلاد إلى الخراب والدمار. الثاني: إدخال كثير من الأنظمة العربية بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية تعديلا لسلوكها في إدارة الدولة؛ سعيا منها إلى تسكين ثائرة الجماهير. وقد كان هذا التغير الطارئ على سلوك الأنظمة لونا من التغيير يمكن أن نسميه “التوبة السياسية” التي سعوا من خلالها إلى “توفيق الأوضاع” مع شعوبهم، وهنا نريد أن نتفهم مسألتين في هذا الموضوع الذي يمكن أن يمهد لمرحلة عربية جديدة، وفي صالح جميع الأطراف: ” الوئام الوطني وحماية البلاد من التدخل الأجنبي يستدعيان بعد التوبة السياسية الواجبة على الحكومات “غفرانا سياسيا” -إن صح التعبير- من الشعوب ” المسألة الأولى: تتعلق بالشعوب، وما الذي تريد تغييره؛ هل تريد تغيير أفراد بأعينهم، أو تريد تغيير السياسات الفاشلة والجائرة؟ والحق أن الوعي يدفعنا دفعا إلى الإيمان بأن الهدف الحقيقي للشعوب الباحثة عن الحرية هو تغيير السياسات وليس الأشخاص، مع الإيمان بأن المواجهة الدموية للجماهير المسالمة ينبغي ألا تمر بلا حساب لكل متهم بالإجرام، وأن الإصلاح لا يمكن أن يأتي على يد جزار نحّار لكل من يعترض أو يحتج عليه. والمسألة في الحقيقة معقدة كثيرا؛ نظرا لحقب طويلة من الفساد والظلم عانت منها الشعوب، غير أن الوئام الوطني وحماية البلاد من التدخل الأجنبي يستدعيان بعد التوبة السياسية الواجبة على الحكومات “غفرانا سياسيا” -إن صح التعبير- من الشعوب. إن وضع السياسات العربية طوال المرحلة التي تلت الاستعمار العسكري الغربي في قفص الاتهام لتبرئتها أو إدانتها أمر مهم للواقع والتاريخ على السواء، إلا أن اعتبار السياسات القائمة الآن ميراثا متصلا بما سلف، وأن السياسة الدولية تمثل عامل ضغط ومساندة للاستبداد، قد يغفر للسياسات القائمة بعض أخطائها، ويتيح فرصة للإصلاح والتلاقي مع الشعوب عند نقطة تصالح يمكن أن تمثل ابتداء لمرحلة جديدة.
حق الشعوب وأما المسألة الثانية التي يمكن أن تمهد لمرحلة عربية جديدة، فتتجه إلى المفهوم الصحيح لما سبق تسميته بالتوبة السياسية، والتي يمكن أن تصنع وئاما حقيقيا بين الأنظمة وشعوبها. والتوبة -كما هو معلوم- مصطلح ديني يتناول تصحيح المؤمن لمساره عند الخروج عن الخط الذي ترسمه الشريعة الدينية بالتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل. إلا أن الممارسة الفردية للتوبة تتم في الواقع بسطحية تامة في أغلب الأحوال، بحيث لا يصل أغلب التائبين إلى تحقيق هذه التوبة في أنفسهم؛ لأنهم يفهمونها شعورا وإحساسا، لا عملا متكاملا يجمع ما بين التنسيق النفسي الداخلي وترتيب عناصر الواقع المحيط بحيث يتعاونان على تثبيت التائب عند حال يصعب الارتكاس بعدها. وبالمثل نجد مشروعات توفيق الأوضاع العربية، أو مشروعات استرضاء الشعوب التي أعقبت ثورات الربيع العربي، تعاني من عيوب وتشوهات تهددها بالفشل، ومرجع ذلك إلى المعالجة السطحية والناقصة للأمور. إن مراكزَ وجهاتٍ غربية وشرقية تقدم “روشتات” ونصائح للأنظمة العربية كي تعالج الأزمة، إلا أن هذه الجهات لا تخلو من أن تعالج المسألة علاجا سطحيا أو خاطئا؛ جهلا منها بطبيعة البنية السياسية والاجتماعية الدقيقة للكيانات العربية، أو سعيا منها لخدمة أغراض تسبق مصالح الحكومات والشعوب العربية على السواء. ” المسكنات والعلاج الجزئي لأي داء قد يزيد في استفحاله وتهديده لحياة المريض، ومن هنا لزم أن تكون معالجة الأزمة القائمة شاملة، حتى تصبح التوبة رجوعا حقيقيا عن نهج الاستبداد ” ومن حق أوطاننا على علمائها ومفكريها ومثقفيها أن يقدموا هم، لا غيرهم، هذه الخدمة، لا ريبة في غيرهم فقط، لكن أيضًا لأن أهل مكة أدرى بشعابها، وأعرف بموطن الداء وموضع النجاء منه. ومع هذا، فإن منطق الحركة الاجتماعية واحد في الجماعة البشرية، وهو ما يدعونا إلى القول بأن المسكنات والعلاج الجزئي لأي داء قد يزيد في استفحاله وتهديده لحياة المريض، ومن هنا لزم أن تكون معالجة الأزمة القائمة شاملة، حتى تصبح التوبة رجوعا حقيقيا عن نهج الاستبداد والجور إلى العدل والاستقامة ورعاية حقوق العباد. وهو ما يمكن أن يتمثل في العناصر التالية: 1- تحسين معيشة المواطنين الاقتصادية، وأساس ذلك هو العدل في تقسيم الثروة، وإتاحة فرص عمل مناسبة لهم، مع توفير الرعاية الاجتماعية والصحية المجانية أو المدعومة دون تفرقة بين فئات المجتمع. وقد نال هذا العنصر اهتمام الأنظمة الأكبر، إلا أنه مع كونه غير كاف بمفرده، فإنه تحول إلى قرارات مفاجئة، تنم عن غياب التخطيط والدراسة الدقيقة. 2- تنشيط الحياة السياسية بإنشاء برلمانات منتخبة، ورفع القيود عن تشكيل الأحزاب والجمعيات، وعدم إعطاء أي فرد في الدولة سلطة مطلقة، وإصلاح القضاء وتحريره من السلطة التنفيذية، وتقوية الأجهزة والمؤسسات الرقابية. ولا يتناقض هذا مع وجود أسر حاكمة تتوارث الحكم، فبعض أعرق الديمقراطيات في العالم محكومة بأنظمة ملكية كما هو الحال في بريطانيا والسويد. 3- إظهار حسن النوايا تجاه الثورات العربية دون تفرقة بين ثورة وأخرى؛ لأن الشعوب تشعر بالريبة من أنظمتها حين تعمل ضد الشعوب الشقيقة ومصالحها، خاصة حين تكون مواقف الأنظمة متطابقة مع وجهات نظر خارجية معروفة بتناقضها من ثورة إلى أخرى. ” الأخذ المتكامل لمشروعات الإصلاح العربية لن تكون مجرد ضمان لبقاء الأنظمة كما قد يُفهَم من النظرة الضيقة، بل هي فرصة لقيادة نهضات شجاعة ” 4- اتباع مواقف سياسية مسؤولة ومتوازنة تجاه القضايا الدولية؛ لأن الداخل له حساسيته أيضًا تجاه الخارج، خاصة بالنسبة لتلك القضايا ذات العلاقة بطرف شريك في الديانة أو العرق، أو التي يبدو فيها النظام الحاكم متابعا لمواقف أطراف دولية ذات ماض غير سار من القضايا الوطنية. مهما يكن، فإن الأخذ المتكامل لمشروعات الإصلاح العربية لن تكون مجرد ضمان لبقاء الأنظمة كما قد يُفهَم من النظرة الضيقة، بل هي فرصة لقيادة نهضات شجاعة، لا تصبح فيها ماليزيا نموذجا فريدا في العالم الإسلامي. وبدلا من أن تصبح كياناتنا العربية مهددة باللبننة أو السودنة أو الأفغنة أو غيرها من النماذج السالبة، نصبح أمام حالة من “المليزة” -من ماليزيا- وربما أكثر تفوقا وتكاملا منها ومن النموذج التركي كذلك!
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 15 أكتوبر 2011)
<
مالك التريكي 2011-10-14 الشعار الذي يستخدمه دعاة التغذية السليمة يقول: ‘أنت ما تأكل’، أو ‘لست سوى ما تأكل’. بالمثل تطالعنا بعض المجلات والمطبوعات الثقافية بشعار يقول: ‘أنت ما تقرأ’، أو ‘لست سوى ما تقرأ’. كما أن هناك موقعا على الإنترنت لتبادل المعلومات والتعليقات حول الكتب اسمه ‘أنت ما تقرأ’. مبالغة مقصودة. نصيحة وجودية مفتوحة على عوالم الإمكان. هذا هو الوجه الأول من المقولة. أما الوجه الآخر، فهو أن القراءة يمكن، في بعض الحالات، أن تكون مفتاحا من مفاتيح الشخصية.
وقد تبين لي هذا بمنتهى الوضوح عقب وفاة ميتران أوائل عام 1996. إذ كان معظم ما نشرته الصحافة الفرنسية آنذاك من شهادات من عرفوه من الساسة والمثقفين مشيدا بدهائه السياسي وبثقافته الأدبية الواسعة. إلا أن الشهادة التي شدت انتباهي هي التي أدلى بها رئيس الوزراء السابق ميشال روكار، وهو سياسي قدير كان يحظى بشعبية في أوساط اليسار في السبعينيات والثمانينيات. حيث قال روكار إن مكتبة ميتران الشخصية كانت تزخر بكل أنواع المراجع والمؤلفات في التاريخ والقانون والأدب. لكن الأمر الذي لاحظه هذا السياسي المثقف، الذي كان والده عالم فيزياء، هو أنه لم يجد يوما في مكتبة ميتران ولو كتابا وحيدا في الاقتصاد أو الدراسات السكانية أو الاجتماعية. وقد عدّ روكار ذلك أبلغ دليل على أن ميتران إنما كان يأتي السياسة مأتى المكر والمكيافيلية.
لكن فقدي نص هذه الشهادة أبقاني غير متأكد من صحة ما علق بالذاكرة. غير أن الكتاب الذي صدر أخيرا في باريس عن ‘العنف في السياسة: من ميتران إلى ساركوزي’ قد أكد أن هذا بالضبط هو موقف روكار من ميتران: الاستدلال على شخصيته السياسية بنوعية تكوينه الثقافي. حيث ينقل عنه المؤلفان رونو ديلي وهنري فرني القول إن الاعتقاد الشائع بأنه كانت بينه وبين ميتران كراهية هو اعتقاد خاطىء. ‘لنقل إننا كنا نحمل تصورين سياسيين متغايرين تماما. فقد كان ميتران على معرفة واسعة بالتاريخ والقانون: ولهذا لم يكن يلجأ إلا إلى أحد خيارين، إما القوة أو الحيلة. أما أنا فقد كنت أؤمن بالتفاوض والتعاقد’.
وكان روكار قد اتهم ميتران بأنه ‘قاتل’ بسبب دوره في قمع الثورة الجزائرية عندما كان وزيرا للداخلية ثم وزيرا للعدل من عام 1955 حتى 1957. وهذا أمر لم يعد يرقى إليه الشك بعد الحقائق التي أوردها المؤرخ بنيامين ستورا والكاتب فرانسوا مالي قبل عام في كتاب، مشفوع ببرنامج وثائقي بثته قناة فرانس 2، بعنوان ‘ميتران وحرب الجزائر’. ولهذا نقل الصحافيان عن روكار القول ‘لقد كتبت إبان حرب الجزائر أن ميتران قاتل. ولم أغير رأيي’. وبعد أن عدد روكار منجزاته السياسية، التي تشمل إنشاء تيار يساري نافذ يمكن تشبيهه بتيار الديمقراطية الاشتراكية في أوروبا الشمالية، قال: ‘لقد كان عملي، في الواقع، ذا طبيعة رئاسية تقريبا’. ثم ختم بالقول: ‘في حقيقة الأمر، لم يكن عندي رغبة في القتل…’. أي أن القتل السياسي هو طبيعة ثانية ملازمة لصاحب السلطة أو عاشقها. ولهذا يقول المؤلفان عن ساركوزي إنه قد خلف عددا لا يحصى من الجثث في صفوف حكومته وحزبه وإدارته، وإن هذا سيكون من أسباب هزيمته شبه المؤكدة في انتخابات العام المقبل.
لا نعرف ماذا تقرأ القلة من الحكام العرب القادرة على القراءة. لكن المعروف أن صدام حسين، مثلا، قرأ كثيرا عن سيرة جوزيف ستالين. كما أن القذافي كان يطالع على نحو ما. ويروي كاتب عربي أن القذافي وجه له دعوة لزيارته في ليبيا مطلع السبعينيات، فوجد أنه قرأ أحد كتبه بالفعل، بل إنه ملأ حواشي بعض الصفحات بالملاحظات… إذن ليست القراءة، في حد ذاتها، ميزة بالضرورة. لكن التكوين الثقافي (أو انعدامه) يمكن أن يكون في بعض الحالات مدخلا لشخصية السياسي. ولهذا فقد اتخذت المعارضة الفرنسية هذا المدخل منفذا لتسجيل هدف في مرمى ساركوزي عندما ساءلت وزير التعليم العام الماضي بشأن ‘سوقية’ عبارات فخامة الرئيس وكثرة سقطاته اللغوية. بل إنها طالبت الوزير باتخاذ ‘الإجراءات اللازمة لتمكين الرئيس’ من الكلام بما يناسب المقام. أما التفصيل الجليل، البالغ منتهى ‘العنف في السياسة’، فهو أنها لم تر أن الأمر يستحق إزعاج وزير الثقافة. لهذا اكتفت بمساءلة وزير التعليم والإرشاد والمعارف!
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 أكتوبر 2011)
<