السبت، 10 ديسمبر 2005

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2028 du 10.12.2005

 archives : www.tunisnews.net


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: بـيان بمناسبة ذكرى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الهيئة التنسيقية لدعم الحريات في تونس بهولندا: اعتصام أمام السفارة التونسية بلاهاي

جمعية الزيتونة بسويسرا تقيم تجمعا بجينيف

الهادي بريك: الاضراب عن الطعام جهاد في سبيل الله

عبدالحميد العدّاسي: رضينا بالهمّ و الهمّ ما رضى بينا

مرسل الكسيبي: محصلة حوار سياسي صريح

جعفر الأكحل: بيريز … في أحضان شارون

العروسي الهاني: كلمة شكر لعناية الملك محمد السادس

أحميدة النيفر:  محمد عبده في ذكرى وفاته – تحديات الحاضر وأسئلة الماضي… والمؤسسة والنصّ

حسين المحمدي: « مجازر عربية يومية بدم بارد .. أنموذج تونس » (الحلقة 15)

 


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 
 أنقذوا حياة محمد عبو  أنقذوا حياة كل المساجين السياسيين   الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف: 71.340.860 الفاكس: 71.351831   تونس في: 10 ديسمبر 2005 بـــــــــيان

بمناسبة ذكرى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

 

تحل الذكرى السابعة والخمسين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و بلادنا ما زالت ترزح تحت وطأة الديكتاتورية و ما ينشأ عنها من مصادرة للحريات العامة و الفردية و ما يتبعها من ايقافات ومحاكمات جائرة وسجن و قهر و نفي و حرمان و تنكيل بالقوى الحية في البلاد الذين أغلقت في وجوههم كل إمكانية للإصلاح و هو ما حدا بثلة من ممثلي كل الحساسيات الفكرية و الحقوقية للدخول في إضراب عن الطعام دام أكثر من شهر لانعدام أية وسيلة أخرى أمامهم للتعبير عن آرائهم و لانسداد الأفق أمام أي انفراج لوضع مأساوي دام أكثر من عشرين سنة.   فقد زج بالآلاف من المعارضين السياسيين و من أصحاب الرأي في السجون و قضى أغلبهم الأحكام الصادرة ضدهم و بقي منهم مائتان و واحد و خمسون سجينا محرومون من أبسط الحقوق التي يكفلها لهم قانون السجون و أصبحوا معرضين للموت نتيجة الأمراض المزمنة التي علقت بأبدانهم من جراء سوء المعاملة و طول العقاب كما بقي ببلاد المهجر عدد كبير من المهجرين الذين غادروا البلاد خوفا من ملاحقتهم من أجل انتماءاتهم الفكرية و السياسية.   و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ترى أن إطلاق سراح كل المساجين السياسيين أصبح مطلبا شعبيا و دوليا ملحا يستند إلى القوانين المعمول بها و أن الاستجابة له من شأنها أن تساهم في انفراج الوضع السياسي المحتقن في البلاد و هي تجدد هذا الطلب لإطلاق سراح جميع المساجين السياسيين و إفساح المجال لعودة المغتربين و بهذه المناسبة تعتبر الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين عن ابتهاجها بالخطوة الايجابية التي خطتها الأمم المتحدة و المتمثلة في صدور قرار عن القمة العالمية المنعقدة خلال شهر سبتمبر 2005 و المتمثلة في إنشاء مجلس لحقوق الإنسان من شأنه تعزيز حقوق الإنسان و حمايتها.   رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع قابس   قابس في 06/12/2005  بيان مساندة  
دخل الطالب وسام زايد في إضراب جوع مفتوح للمطالبة بحقه في التسجيل بالمعهد الأعلى للتصرف بقابس و ذلك منذ يوم 05/12/2005 بمقر جامعة الحزب الديمقراطي التقدمي بقابس. و فرع قابس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يساند الطالب وسام بن زايد في إضرابه المشروع من أجل حقه في الدراسة الجامعية بعد مماطلة الإدارة في تسجيله و بعد الوعود غير المنجزة التي قدمتها الجهات المسؤولة. إن حرمان أي طالب من حقه في التعلم بسبب انتمائه السياسي أو نشاطه النقابي الذي يضمنه دستور البلاد يعتبر انتهاك خطير لحقوق الإنسان الأساسية. إننا في هيئة الفرع ندعو الإدارة الجامعية و كل الجهات المسؤولة إلى الإسراع بتمكين الطالب وسام زايد من حقه في التسجيل بكليته في أقرب وقت ممكن حفاظا على صحة هذا الشاب.   عن هيئة الفرع الرئيس المنجي سالم

اعتصام أمام السفارة التونسية بلاهاي

انطلاقا من واجبها الوطني و مواصلة للتحركاتها المناهضة لدكتاتورية النظام الحاكم في تونس,و دعما للنضال الوطني من أجل الحقوق و الحريات للشعب التونسي ,و بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الأنسان أقامت اليوم -السبت العاشر من ديسمبر- هيئة دعم الحريات في تونس بهولندا اعتصاما أمام السفارة التونسية بلاهاي كانت مناسبة رفع فيها المشاركون شعارات مطالبة بحرية المساجين السياسيين و حرية الصحافة و الاعلام و حرية التنظم و تأسيس الجمعيات في ظل قانون ديموقراطي .كما عبر المشاركون عن استبشارهم بتأسيس هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات معلنين انخراطهم الي جانب كل المناضلين في الداخل و الخارج من أجل تحقيق المطالب التي تأسست الهيئة لأجلها .

وكان من بين الشعارات التي رددها الحاضرون :
-الحرية للمساجين السياسيين -الحرية لكل التونسيين الحرية لمحامي الحرية محمد عبو -بن علي يزي,فك

ان هيئة دعم الحريات في تونس بهولندا اذ تتوجه بكل الشكر و الأمتنان لكل السادة الذين حضروا هذا التحرك فانها تدعو كل أبناء تونس بهولندا لمساندة هثل هذه التحركات و غيرها من أجل التحرر الوطني و دعما لنضالات الأحزاب و الجمعيات التونسية التي نعتقد أنها بدأت الخطوات الأولى الصحيحة في طريق تحصيل الحرية للشعب التونسي ,مدشنة صفحة نضالية رائعة في تاريخ التونسيين كان اضراب 18 أكتوبر أساسا متينا لها .هذا و تعلن هيئة دعم الحريات في تونس بهولندا أنها ستواصل تحركاتها بكل الأشكال المتاحة و القانونية الي أن ينال شعبنا ما نعتقد أنه يستحقه من حرية و ديموقراطية . الهيئة التنسيقية لدعم الحريات في تونس بهولندا 

جمعية الزيتونة بسويسرا تقيم تجمعا بجينيف

 

البرد القارص الذي اجتاح اليوم 10.12.2005 مدينة جينيف لم يكن مانعا لعدد قارب المائة من أبناء الجالية التونسية أن تتجمع أمام البريد المركزي بمناسبة الذكري 57 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد انطلق التجمع في حدود الساعة 12.00 لينتهي في حدود الساعة 14.00 .

وقد رفع المتظاهرون عشرات الصور للمساجين السياسيين، من مثل : حمادي الجبالي، الصادق شورو، محمد عبو، نورالدين العمدوني، دانيال زروق…. ولافتات عديدة كتب عليها شعارات تندد بممارسات النظام التونسي اتجاه المساجين وتطالب بإطلاق سراحهم ورفع القيود عن الحريات الفردية والجماعية، ومن بين هذه الشعارات:

المساجين السياسيين في خطر الموت.

تونس ديكور سياحي، حقيقة مفزعة.

كما تم توزيع بيان على المارة يوضح صورة الأوضاع بتونس وحجم الاضطهاد وكبت الحريات والتجاوزات التي تقوم بها السلطة التونسية، والموت البطيء الذي يتعرض له المساجين.

والبيان والشعارات المرفوعة في التجمع تبين الصورة الحقيقية لما يجرى على الساحة. وقد لقي التجمع مساندة عديد المواطنين خاصة وأن الشعب السويسري يتابع عن كثب موقف الحكومة السويسرية من أوضاع الحريات بتونس وما حدث في قمة مجتمع المعلومات وما تلاه، خاصة ما جرى مؤخرا من استقبال وزيرة الخارجية السويسرية لوفد من مضربي حركة 18 أكتوبر.

وتعتبر سويسرا الآن بحجم التحركات التي تمت فيها وموقف الحكومة السويسرية المبدئي الواضح والغير مجامل موقعا متميزا على الساحة الخارجية.

 

رئيس جمعية الزيتونة بسويسرا

العربي القاسمي


تغيير رقم تغير رقم هاتف الصحفي التونسي سليم بوخذير وبامكان الاخوة الراغبين في الاتصال به  ممن لم يتمكنوا من التحصل عليه على الرقم المعتاد وهو  0021698670881  ان يطلبوه  من هنا فصاعدا على الرقم الجديد 0021697556844  يعتبر هذا اعلانا لكل اصدقاء سليم بوخذير في داخل الوطن وخارجه ،ولكنه ايضا  يعتبر اعلانا وبالمجان  لاصحاب الاذان الطويلة في مصالح التنصت على مكالمات  النخب التونسية  في وزاة الداخلية  حتى يوجهوا من هنا فصاعدا اذانهم  نحو الرقم الجديد بدل التساؤل عن امر اختفاء صوت هذا الصحفي عن   اجواء المكالمات المراقبةمنذ  الغائه لعمل الرقم المعتاد  الامضاء =فاعل خير


 
 
الاضراب عن الطعام جهاد في سبيل الله

 

اللهم ألهمني الحكمة وفصل الخطاب وسدد مني جنانا ولسانا وأخلص كل ذلك لك .

أفزعني ما قرأت البارحة للسيد الماجري على صفحات تونس نيوز وأود حثيثا من كل قارئ لهذه الكلمات المسارعة إلى قراءة ما كتبه السيد الماجري ليقف بنفسه  حكما ميزانا على كل متعلقات القضية إذ لم يعاتب سيدنا داوود عليه السلام من ربه سبحانه سوى أنه إستمع إلى خصم فحكم له دون الاستماع إلى الاخر.

 

القضية مثار النظر هي الاضراب عن الطعام ومدى مشروعيته وجوازه شرعا .

لابد لي بداية من كلمتين أولهما إلى المساجين السياسيين في تونس ومنهم المنفي في وطنه من مثل الاخ الكريم عبد الله الزواري وثانيهما إلى السيد الماجري .

 

صبرا علينا أيها المساجين والمنفيون فإذا كنتم تخوضون إضرابات عن الطعام منذ عقد ونصف كامل برخصة شرعية أو بدونها فإن حالنا هنا مازال يشكو تذبذبا في مشروعية ذلك بين مغلظ في التحريم إلى حد القياس بالانتحار وقتل العمد وهو ما ذهب إليه السيد الماجري وبين مبيح بضوابط ومنهم الامام القرضاوي .

 

آمل من السيد الماجري أن يسمح لي بحرية وحق الاختلاف معه فإن فعل فواجب عليه ذلك وإن أبى فلا أرجو منه سوى إلتزام أدب الحوار إذ الامر يجب أن ينزل إلى منزلة المختلف فيه دينا وعقلا على أقل تقدير وذلك مراعاة لخلاف لم أطلع عليه سوى عند السيد الماجري ولا أظن أن متشددا مغاليا مجافيا لفقه المقصد وفقه الواقع فضلا عن فقه الضرورة يذهب مذهب السيد الماجري في تغليظ التحريم إلى حد القياس على الانتحار وقتل العمد وأرجو مرة أخرى من كل قارئ لهذه الكلمات أن يطلع على ماكتبه السيد الماجري .

 

فتوى الامام القرضاوي :

كما أنقل ما تيسر من فتوى للامام القرضاوي هذا نصها وردت في  » فتاوىمعاصرة » المجلد الثالث صفحة 490 الطبعة الاولى 2001 نشر دار القلم بالكويت والقاهرة . يقول السائل  » ما حكم إضراب الاسير عن الطعام في سجنه وأسره وهي الطريقة الاكثر تأثيرا وفعالية لدى آسريه والتي لا يملك غيرها للمطالبة بحقوقه ولفت الانظار إلى معاناته الطويلة وقد عرف أن هذا الاسلوب يغيظ الاحتلال حسب التجربة « .

قال الامام القرضاوي  » لا بأس للاسير باللجوء إلى هذا الاضراب مادام يرى أنه الوسيلة الفعالة والاكثر تأثيرا لدى الاسرين وأنه الاسلوب الذي يغيظ الاحتلال وأهله وكل ما يغيظ الكفار فهو ممدوح شرعا  » وإستشهد الامام بآيتين في الفتح 29 والتوبة 120 ثم واصل يقول  » فإذا كان هذا الاسلوب يغيظ الكفار ويسمع صوت الاسرى المظلومين والمهضومين والمنسيين إلى العالم ويحيي قضيتهم ويساعدهم على نيل حقوقهم فهو أمر مشروع بل محمود بشرط ألا ينتهي إلى الهلاك والموت فالمسلم هنا يتحمل ويصبر إلى آخر ما يمكنه من الصبر والاحتمال حتى إذا أشرف على الهلاك بالفعل قبل أن يأكل أن ينجي نفسه من الموت فإن نفسه ليست ملكا له « .

 

إضراب الجوع عند السيد الماجري :

هو موضة ولا حجة شرعية فيه . بل لقد غلظ فيه تغليظا إذ لم يجد له سندا في القرآن والسنة وفقه الامة ومقاصد ا لشريعة كما يقول . كما إعتبر أن المضرب عن الطعام يائس من رحمة الله . ثم تساءل عمن أفتى الناس بهذه الموضة وما هي أصول فتواه . وإعتبره تجرأ على مخالفات واضحة لاجماع النصوص الشرعية وتواترها … . كما إعتبره إنتحارا وقتلا عمدا للنفس . ثم ذهب مذهبا عجيبا حيث قال  » من أقدم على الموت الاختياري ولم يمت عوقب على محاولة الانتحار » أي أن المضرب عن الطعام كذلك . كما إجتهد في البحث عن  سابقة لهذا العمل في العهود الاولى فلم يجد . وخلاصة مقاله أن المساجين في تونس الذين يضربون عن الطعام  » لم يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية  » أي بإضرابهم عن الطعام بدل الصبر وأنهم منتحرون وأنهم  » يتحملون قسطا ولو ضئيلا لما هم فيه ولا يتحمل النظام وحده ذلك  » ثم أغرقنا بوابل من النصوص من القرآن والسنة عن قتل النفس والانتحار والصلاة على المنتحر والعذاب الذي ينتظره . ومسائل أخرى كثيرة لا يمكن للانسان أن يتعرض لها كلها لضيق المجال .

أرجوك سيدي القارئ بادر بالاطلاع على مقال السيد الماجري لتدرك أن المساجين في تونس شرذمة من اليائسين المنتحرين قاتلي أنفسهم يتحملون مسؤوليتهم في وضعهم وهم أجبن من أن يتحملوا ذلك لفقدهم الصبر ولجوءهم إلى الاضراب عن الطعام كما يوحي لك في أكثر من مرة بأن قيادة المهجر هي من تأمرهم بشن إضراب لا بل تلزمهم بذلك .

 

نسيت بأن أعتذر في البداية لدى كل قارئ كريم عن طول محتمل لهذه المقالة بحكم تداخل المسائل التي جمعها السيد الماجري وبنائها ضمن معادلة رسالتها هي : المساجين آثمون مرتين مرة لانهم تسببوا في سجنهم ومرة لانهم أضربوا عن الطعام بل هم منتحرون قاتلو عمد وإضراب الجوع بدعة تساوي الشرك بالله سبحانه أو تكاد وقيادة المهجر لحركة النهضة عصابة مفسدة في الارض تقرص زرا كهربائيا فيضرب المساجين عن الطعام ثم تقرص آخر فيأكلون ويشربون والحزبية داء وبيل ومرض عضال مطلقا .

 

ــ 1 أحسب أن فتوى الامام القرضاوي كافية شافية في القضية إلا أن يقوم القياس عند السيد

الماجري بأن الاحتلال الصهيوني للارض المحتلة لا ينطبق على حرية ينعم بها المساجين في تونس وليس ذلك بمستهجن منه لانه يحمل المساجين مسؤولية سجنهم . الامام القرضاوي إعتمد أصولا منها ـ في هذه القضية ـ أن إضراب الجوع ليس دينا بل هو تدين أو هو عادة وليس عبادة أو توفيق للمصالح وليس توقيف للشرائع وكل ذلك ورد على ألسنة الفقهاء والمهم فيه أن التحريم لا بد له من دليل راجح قوي من سماع وحتى في هذه الحالة فإن الضرورة تخترق القاعدة الاولية فضلا عما حرم تنزيها أو بظن غير قاطع فإن الحاجة عندها تستثنيه . قد لا يميز كل قارئ كريم بين كلمات من مثل دين وتدين وتوقيف وتوفيق وعادة وعبادة وليس ذلك عيبا ولا شغبا مني ولكن لعل السيد الماجري يثوب إلى لب رشده إن كان يعير لقضية التأصيل إهتماما .

قال الامام القرضاوي وهو يحاور الدكتور العبيكان في شرم الشيخ مباشرة على قناة إقرأ الفضائية قبل شهور بمناسبة ندوة في الموضوع بالحرف الواحد  » لا نبحث عن جواز المظاهرات في الاسلام بل في التجربة والعقل  » وكان الدكتور العبيكان قد قال بأن المظاهرات الاحتجاجية ضد الحكام في البلاد الاسلامية حرام لانها تقليد نصراني .

مخ القصة كلها هو إذن أن كل ما هو ليس منصوصا عليه نصا بالمعنى الاصولي للنص وهو أقوى درجات الظاهر سواء كان مفسرا أو محكما … لا يسأل عنه الاسلام إلا من باب الاجتهاد والاستئناس وذلك هو معنى الاستصلاح والاستحسان والاستصحاب والعرف وسائر المصادر التي تستوعب تطور الحياة وتعقيداتها المقبلة في حياة الناس ولولا ذلك لمات الفقه وتجمد العمل وظهرت عدم صلاحية الاسلام للناس في كل زمان و مكان .

لو ظللت تسأل الاسلام عن كل شئ يعترضك لما تقدمت خطوة إلى الامام في حياتك ولكن تسأل الاسلام فيما هو منصوص عليه ثم تجتهد فيما هو مظنون فيه أو تحتمله مقاصده ولو لم يجتهد الصحابة بقيادة عمر في قضايا شهيرة من مثل المؤلفة قلوبهم وأرض الخراج وحد السرقة وغير ذلك كثير لتوقف التدين بالناس ولاصبح الدين الاسلامي نظرية عقلية مجردة لا تصلح لحل مشاكل الناس .

الاسلام التشريعي مقسم عند الفقهاء إلى أمرين : منصوص موقف ثابت قطعي وهذا إجتهادنا فيه إجتهاد تطبيق وحسن تنزيل ورغم ذلك يتعرض في جوانب معينة منه للاجتهاد ولا يتسع المجال هنا لذكر أمثلة وأمر منصوص عليه بشكل ظني ورودا أم دلالة وهذا هو الاغلب كما سيما خارج دائرة العبادة والاخلاق والعقائد .

أين تندرج إذن قضية الاضراب عن الطعام ؟ ليست في العبادة قطعا ولا في العقائد ولكن فيما يجد للناس من أقضية وحوادث .

تحدث السيد الماجري عن قضية المقاصد فقال  » المصلحة الحقيقية لا تكون إلا فيما قررته النصوص  » لم يقسم الفقهاء المصالح تقسيما ينبني على الحقيقة وغير الحقيقة من الجويني والغزالي والشاطبي وإبن عاشور سوى أن القرضاوي وهو يرجح بين منهجي الغزالي والشاطبي منحازا نسبيا إلى هذا الاخير قال بشرط رابع وهو أن تكون المصالح حقيقية لا وهمية وهو يعالج ذلك في سياق شغب العلمانيين على موضوع المقاصد .

لا تبنى المصالح إذن على الصفة الحقيقية لانها إجتهاد بشري حسبه غلبة الظن وغلبة الظن بني عليها التشريع الاسلامي العبادي بأسره في تفاصيل العبادة الطقوسية المعروفة في توقيتاتها ومكيلاتها وموزوناتها .

لو جارينا السيد الماجري بأن المصلحة لا تكون سوى فيما قررته النصوص لما إحتجنا إلى فقه المقصد بجانب فقه النص وبجانب فقه الواقع ومعنى ذلك أن النص إذا كان ظنيا أو قطعيا حالت ظروف معينة من العابد أو من غيره لاستثنائه أو تأجيله أو تخصيصه أو تقييده قصد وعلل على نحو يؤدي مراد الشارع منه فينا وتلك العملية تسمى إستصلاحا وإستحسانا وإستصحابا وإستعرافا وغير ذلك . وتلك هي وظيفة القياس المرسل عمدة الاستصلاح إذ لا يجري القياس الكلي والتام سوى في ما هو مقرر من النصوص القطعية فكيف نصرف الحياة خارج دائرة العبادة إذن ؟

من المؤسف جدا عند السيد الماجري وعند أغلب من على نهجه الفكري حين ينتصرون بإبن تيمية ووالذي نفسي بيده لو إتسع المجال هنا لاوردت ما لايقل عن عشر حالات كاملة ينحاز فيها إبن تيمية لصالح مقصد يجتهد في تخريجه وتحقيقه يكون مخالفا للنص الشرعي الاصلي وهو ما أخذ به في حالات عديدة المجلس الاوربي للافتاء والبحوث .

لقد صدق من قال حقا بأن إثنين ظلما في تراثنا ظلما شنيعا بينا وهما الامام علي كرم الله وجهه غبنته الشيعة إلا قليلا وإبن تيمية شغبت على فقهه خوارج العصر .

إن الانتصار بإبن تيمية لتضييق دائرة الفقه المقاصدي الاستصلاحي أن يكون منهجا عاما في التفسير والحديث والفقه العملي لحساب غلو متنطع لهو أشبه بالانتصار بمنظومة حقوق الانسان من لدن أنظمة بوليسية عسكرية قمعية من مثل النظام الذي لم يحمله السيد الماجري مسؤولية سجن الابرياء .

الخلاف إذن في قضية المشروعية الاسلامية للاضراب عن الطعام محصور في مآلاته العملية أي في دائرة فقه المآلات وليس في دائرة فقه الشرعيات أو القطعيات أي أن الخلاف تقديري عقلي بين المضربين أنفسهم فيما يحقق لهم ذلك من مصالح ويدفع عنهم من أذى .

آمل من السيد الماجري وأقول ذلك والذي نفسي بيده مخلصا لله سبحانه وناصحا له أمينا بأن يحاول قدر المستطاع التمييز بين مشكلته مع حركة سياسية أو قيادتها أو قيادة مهجر كما يقول وبين المستوى الشرعي الذي لا يرحب بالمتطفلين على مائدة الفقه حتى لو كانوا أعلم الناس لان فقه واقع الناس بناء على فقه مقاصد الشريعة أمر مختلف عن مجرد ملء أوعية العلم مع سوء شديد جدا في توظيف النصوص الدينية من قرآن كريم وحديث وهو ما وقع فيه السيد الماجري الذي حول مقالته محاكمة ضارية قاسية للمساجين المضربين عن الطعام بتهمة أنهم إنتحاريون قاتلو نفس عمدا يائسون الخ …

أجل قد تجد من يتعاطف معك مع مشكلتك التنظيمية داخل الحركة ولكن توظيف الاسلام للاجهاز على حركة بأسرها مشروعا فكريا تجديديا رائدا ورؤية إصلاحية زكاها أعلام كبار في الدين والسياسة وفقه المقاصد من مثل الدكتور النجار والريسوني والامام القرضاوي والمرحوم الغزالي … عمل تورط فيه قبلك حميده النيفر ولكن من منطلق مغاير فحسب لما كان سيفا بتارا في يد الشرفي وهو يجهز بكلتا يديه على الاسلام يطبق خطة تجفيف المنابع …  ونخبة من أولئك هم الذين يضربون عن الطعام من مثل دانيال زروق فهو شهادة لله سبحانه فقيه متفقه متبحر في أصول الفقه ومقاصد الشريعة .

خذ إليك هذه على عجل يا سيد ماجري : هل تعلم أن الامام القرضاوي والدكتوران الباحثان المقاصديان المتميزان الريسوني والنجار قالوا بأولوية مراجعة البناء التركيبي لفقه مقاصد الشريعة لتخليصها من الصياغة الفردية الشخصية من جهة ولاضافة الشأن العام إليها من جهة أخرى . أي أنك ترتب أمرا مختلفا فيه على أمر غير ثابت في أكثر فروعه بل في أصوله وليس عدم ثبات ذلك يعني نسفه بل يعني تجديده كما دعا إلى ذلك كثيرون منهم مثلا الفقيه طه جابر العلواني وغير هؤلاء لا يحصون .

نصيحتي إليك : تعلم قبل أن تتكلم ولا يليق برجل مثلك التطفل على علم مقاصد الشريعة وهو العلم البكر الوحيد تقريبا من تراثنا مازال أرضا خصبا قابل لما لا يحصى من إجتهادات معاصرة 

نصيحتي إليك والذي نفسي بيده مخلصا لك محبا أمينا : إحذر أن يفوتك لسانك بقولك هذا يجور وهذا لا يجوز في أي قضية إسلامية حتى تكون أوثق بها من وجودك ذاتك وكذلك الامر في اللغة العربية لان من لم يعرف إختلاف العلماء لم يشم رائحة الفقه كما يقولون وهو شرط للاجتهاد كما تعلم ويتواضع العلماء بعضهم لبعض مراعاة للخلاف وليس للحجة والدليل .

كان يسعك أن تقول أن الامر مختلف فيه وتورد أقوالا من هؤلاء وأخرى لاولئك أما غير ذلك فكبوة كابية سامحك الله سبحانه

 

2 ــ ماهي الحكمة لو لم نأخذ من اليساري الاحمر الشيوعي الملحد ؟

قال السيد الماجري بأن الجماعة في لندن أضربوا عن الطعام مساندة لشيوعي أحمر في بداية التسعينات وأنهم لا يرون مانعا من الاخذ عن اليسار الملحد .

ما ذا تقول عن محمد عليه السلام وهو يعترف مزكيا حلف الفضول الذي عقده مشركو مكة إنتصارا للمظلوم من خارج مكة ضد ماطله وغابنه سيما في قضايا إستخلاص الديون ؟

ألا يجيز لنا ذلك الانتصار لكل إنسان ملحد كافر إبن كافر مشرك كلما كان مظلوما حتى لو كان ظالمه من أحب إخواننا إلينا وأقربهم ؟ قس الاشباه والنظائر يرحمك الله ثم راجعني وكن للحق رجاعا .

ما ذا تقول عن محمد عليه السلام وهو يذهب مع رجل مظلوم من خارج مكة إلى دار أبي جهل ليقود منه دين الرجل ويغلظ له القول والشد باليد حتى خشي أبو جهل على نفسه ووعد خيرا ؟

أليس الظالم مشرك والمظلوم أشد شركا ؟ ما دخل محمد عليه السلام في القصة ؟ أليست تلك هي أخلاق الاسلام حيال كل الناس مطلقا لانهم آدميون مكرمون بالنفخة الرحمانية وكفرهم نتعامل معه بالدعوة بالتي هي أحسن ثم نفوض الامر إلى الله يوم القيامة ؟

ماذا تقول عنه عليه السلام وهو يتخذ الخاتم لما قيل له بأن الملوك تختم رسائلها ويتخذ الخندق وهو عمل لا عربي ولا إسلامي لما غلب على ظنه أنه يحقق مصلحة حربية ويعرض على غطفان ثلث تمر المدينة لفضها عن محالفة قريش وكلاهما مشرك كافر بالله ورسوله ؟

لو لم نأخذ الحكمة من كل إنسان مجتهد بقطع النظر عن دينه ولونه فممن نأخذها إذن ؟

الله أنزل إلينا كتابا وأنزل إلينا ميزانا فمن أخذ بالكتاب نصا دون الميزان مقصدا والحكمة لفقه الواقع ضل دون ريب ولا يضل سوى من وفقه سبحانه للجمع بين الاضلاع الثلاثة : الكتاب بنصه والميزان بمقصده ومصلحته والحكمة بفقهها للواقع . ذلك هو المنهج النبوي والراشدي.

 

3 ــ إذا كان إضراب الجوع يأس وإنتحار وقتل عمد للنفس فما تعد الاستشهاد في فلسطين ؟

هل تستطيع أن تمضي في منهجك الفكري هذا ثم تقول لي ما هو حكم الاستشهاد في فلسطين؟ قطعا لو ظللت وفيا لمنهجك لقلت بأن ذلك إنتحار لانه قتل عمد حقيقة لا مجازا ولانه في ظاهره إنتحار حقيقة لا مجازا فما الذي جعله في نظر الامام القرضاوي وأكثر فقهاء الامة اليوم إستشهادا في سبيل الله سبحانه ؟ أليست مصلحة ما ؟ أم هي مصلحة حلال عليهم حرام على مساجين النظام الذي برأته من دم عشرات من شهداء شعبنا .

نحن نقبل دعوتك لنا بتقوى الله سبحانه ونقول اللهم إجعلنا من المتقين ولكن ألا تقبل منا قولنا لك إتق الله في المساجين وفي شعب كامل بأسره ذهب ضحية خطة تجفيف منابع التدين ؟

ألا يكفي العصابة التونسية في تونس سوء أنها أتت بما لم يأت به أبوجهل وسطالين والقذافي حين أنتجت خطة تهدف إلى القضاء على كل شعيرة إسلامية وشريعة محمدية ؟

أنت تونسي وتعلم ذلك حق العلم بل أنت ضحية من ضحايا تلك الخطة الخبيثة .

 

4 ــ مغالطات لا يليق بك الوقوع فيها :

ــ لم يقض المرحوم بوصاع بسبب إضراب الجوع ولنتحاكم إلى الوثائق الطبية في زمن بشرتنا بأنه ليس بعيدا وأشد على يديك على ما أبديت من أمل هي الحسنة الوحيدة لمقالتك .

ــ الحزبية التي شننت عليها حربا ضروسا آلة محايدة أو هي شرعا في حكم المباح ككل ماعون ينبني الحكم على ثمرته لا على أصله فهي خير إذا كانت تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وشر إذا كانت غير ذلك لا بل قال إبن خلدون بأن العرب لا يقوم لهم أمر إلا بعصبية دينية والحزبية في القرآن أمر ممدوح بل مطلوب وفق المعيار الذي ذكرت فلا يليق بك إخراج الحزبية وهي لفظ قرآني مطلقا من دائرة المباحات ولقد قال أكثر من فقيه معاصر اليوم بأن الاحزاب السياسية اليوم هي المدارس الكلامية سابقا والمذاهب الفقهية قديما فهل نلعن كل الفرقاء كلاميا وأصوليا وفقهيا وأدبيا وحديثيا وتفسيريا لانهم تحزبوا ضمن مجمع فكري ومضرب ثقافي فإجتهدوا فأصابوا وأخطؤوا ؟

لذلك قلت لك سابقا بأن تعمل ما في وسعك للتمييز بين المشكلة الحزبية بينك وبين حركة النهضة وبين التعيير الثقافي والتكييف الفقهي للقضايا الشرعية والدنيوية وإلا وقعت في محظور حيال ربك سبحانه

ــ ألا تشهد بالله العظيم عليك بأن قيادة المهجر كما تسميها أنت تعمل في كل مرة منذ عقد ونصف كامل على إثناء المساجين على إضرابات الجوع التي يشنونها حرصا عليهم ؟ أليس ذلك بارزا في البيانات أم أنك تزعم بأن الايدي الخفية تأمرهم بذلك . أنا والله العظيم أشهد لله سبحانه بأن قيادة المهجر كما تسميها أنت فعلت على الارض ما هو مكتوب في البيانات في هذه القضية .

ــ يوحي كلامك حين تشيد بمزاولة الاخ الوسلاتي للرياضة في السجن بأن المساجين الاخرين الحريصين على الانتحار وقتل العمد لانفسهم يفرطون في كل فرصة لمزاولة الرياضة البدنية وفي المقابل يقبلون بشره كبير على إضراب الجوع إنتقاما من أنفسهم . هل يقول هذا الكلام عاقل وأنت جربت السجن وحاجة الانسان إلى دقائق معدودات من الهواء النقي وممارسة المشي ؟ هذه قضايا ليست سياسية ولا فكرية بل هي غريزية فطرية لا تحتاج إلى أمر شرعي ولا إلى مصلحة مرعية لانها تسكن الفطرة التي جبلنا عليها . هل يقبل عاقل بشره وحب على إضراب الجوع إلا وهو يقدر أن ذلك يحقق مصلحة له ؟ بلى قد يخطئ التقدير ولكنه لم يخطئ إتباع محمد عليه السلام .

ــ تشنع على المساجين بقولك بأنهم لم يبادروا بمبادرات تطلق سراحهم دون إضراب الجوع وهي مغالطة ولك أن تسأل اليوم وليس غدا الاستاذ الدكتور الدولاتلي نفسه الذي تقدم برسالة إلى رئيس عصابة النهب والتصهين في تونس منذ الايام الاولى لسجنه ومبادرة أخرى للمرحوم الزرن وأخرى للجبالي ومبادرات أخرى كثيرة لا تحصى منذ الايام الاولى حتى قبل المحاكمة ولقد إطلعت بنفسي والله على بعض تلك المبادرات . هل يدعي عاقل يحترم نفسه ويحترم عقول الناس بأن المسجون يرغب في السجن ويحب قتل نفسه عبر إلاضراب عن الطعام ؟

ــ قلت بأن المساجين عليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية كاملة أي عليهم حسب سياق كلامك أن لا يضربوا عن الطعام ويصبروا بدل ذلك . المساجين المضربون عن الطعام صبروا مرتين مرة حين صبروا على السجن ككل سجين ومرة حين صبروا عن الاكل والشرب تقديرا منهم لصحلة مبتغاة . عيب عليك والله عظيم أن تبخسهم بأنهم لم يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية فمن تحملها إذن عليهم ؟ ما الذي يجبر لعريض واللوز والجبالي وشورو وهم مهندسون وأطباء وأساتذة جامعيون ومحامون ومقاولون ينعمون بالدنيا وبالثقافة خارج السجن على المكث في الزنزانات الانفراداية عقدا كاملا ونصف من الزمان ؟ أليست هي المسؤولية التاريخية ؟

عيب عليك والله عظيم أن تشغب عليهم في حين كان يمكن لك أن تكون لهم نصيرا ولو بكلمة حانية ثم لما يخرجوا من قبور الاحياء أقتلهم وأنبهم وأغلظ عليهم القول ولا حرج عليك عندها لانهم يقدرون الدفاع عن أنفسهم . عيب عليك والله عظيم .

 

كلمة أخيرة : السيد الماجري ينصب محاكمة قاسية للمساجين ويبرئ العصابة من دمهم .

أجل المقالة بأسرها محاكمة قاسية ضارية ضد المساجين المضربين عن الطعام لانهم منتحرون مارقون من الشرع تسببوا بأنفسهم في مأساتهم يقتلون أنفسهم عمدا عبر إضراب الجوع .

لما إلتفت إلى عصابة التصهين في تونس لم يجد أنسب من القول بأنها لا تتحمل وحدها المأساة.

ما الذي يجعلك تختلف إذن عن برهان بسيس وبوبكر الصغير ؟

 

أجل إضراب الجوع جهاد في سبيل الله سبحانه وفق الضوابط التي وضعها الامام القرضاوي حفظه الله سبحانه ونفعنا بعلمه وفقهه ولم نسمع بأحد المساجين مات مضربا عن الطعام فلله الحمد والمنة .

أجل سنظل نجاهد بأجسامنا في الداخل والخارج حتى يفتح ربك سبحانه بيننا وبين القوم الظالمين وسنظل نعزر كل إنسان محروم من حريته وحقه في الحياة ومقتضياتها حتى يستيعيد كرامته كاملة ما إستطعنا إلى ذلك سبيلا .

 

ذلك هو ما حفظته من الاسلام ومن منهج نبيه عليه السلام فإن يك ذاك حقا وصوابا وعدلا فالجنة أولى بنا وإن يك ذلك غير ذلك فربك وحده سبحانه يحكم بين المتخاصمين يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون .

 

والله تعالى أعلم

والسلام

الهادي بريك / ألمانيا


 
 

تدارك نقص في مقال

« ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ! » للسيد خميس الماجري

 

بعث إلينا السيد خميس الماجري يطلب منا تدراك نقص وقع في مقاله المنشور في عددنا الصادر يوم 9 ديسمبر 2005. حيث قطعت جملة في المقال المذكور بين الفقرة الثّانية والثّالثة (أي بين « والله المستعان » .. وبين « المسجونين »)

 

والجملة الناقصة في النص المنشور هي:

 

« انّه من المؤسف حقّا أن يلتجئ سجناء العقيدة خاصّة القيادات منهم الى التّضحية بالنّفس أو الحاق الضّرر بالبدن ، ومن المؤسف أن نقرأ عن بعضهم تصريحات من مثل ما ينشر في أحد المواقع قول أحد الاخوة. « 

 

لذلك تصبح الفقرات الثلاث الأولى من المقال كالتالي:

 

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل !

بقلم: خميس الماجري

 

لقد تابع الرّأي العام العامّ التّونسي والدّولي منذ مدّة ظاهرة تضخّمت حتّى لكأنّها أصبحت موضة جديدة في الكدح من أجل إفتكاك الحقوق المشروعة للمضطهدين في البلاد بل لكأنّها تكاد تكون حالة تونسيّة بحتة تميّزها عن غيرها في عالمنا الإسلامي والعربي . وهذه الظّاهرة حسب علمي لم تكن معروفة في أعرافنا وتقاليدنا وثقافتنا المتسامحة والمعتدلة المبغضة لإلحاق الضّرر بالنّفس لعمق أصالة شعبنا المصبوغ بصبغة الحنفيّة الّتي من أعظم مقوّماتها ومن أركان أصولها حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار  .

 

هذه الموضة هي إضراب الجوع . والّذي تولّى كبر هذه الموضة فيما أعلم أحد رؤوس اليسار عندما بدأ منذ أواخر التّسعينات في جلب أنظار النّاس إلى اليسار المتورّط في التّحالف الأثيم مع السّلطة لذبح الإسلاميّين وتجفيف منابع الدّين ومعاقبة المتديّنين وملاحقتهم .

 

وعلى إثر تصدّع ذلك الحلف المشئوم  إنطلق اليسار في جملة من التّحرّكات المشبوهة من أهمّها إضراب الجوع الّذي شنّه في تلك الفترة والّذي دعم بهالة كبيرة من صخب إعلامي دولي منحاز ـ كعادته ـ إلى اليسار .

 

وأحسب أنّ الإسلاميّين وجدوا أنفسهم مضطرّين  أن ينخرطوا مع القوم  فهبّوا يستحسنون هذا الشّكل من العمل وجعلوه شرعة إسلاميّة ومنهجا للحركة والإحتجاج . فأضرب جماعة من لندن أيّاما مساندة للشّيوعي الأحمر، ولست أدري ما هي حجّتهم الشّرعيّة في ذلك ؟ ثمّ راحوا ينظّرون أنّ هذا العمل من أعظم الأشكال الرّاقية الحضاريّة الّتي يلجأ إليها المقهورون للتّصدّي للدّكتاتوريّة والإستبداد !

 

وقد أشربت قلوب منظّري الصّحوة في تونس هذه العدوى وهم ومعروف عنهم أنهم لا يرون مانعا من الأخذ عن اليسار الملحد . وأدرجت هذه الموضة في سبيل المؤمنين المضطهدين في تونس حتّى لكانّها صارت السّبيل الوحيد لآفتكاك الحقوق إلى أن وصل الأمر داخل مقابر السّجون  في تونس فأدرجت هذه الموضة ضمن أجندة التّحرّكات للحصول على الحقوق وتطوّرت في سقفها مضمونا وشكلا . فإمّا الموت أو إطلاق السّراح . وأنا خارج لا محالة إمّا على رجلي وإمّا محمولا في نعش ثمّ جاءت رغوة الصّابون الّتي أطلّت برأسها يوم 18 أكتوبر الّتي لمّعت اليسار كونيّا واختطفوا شقاء الإسلاميّين وأحزانهم وجراحاتهم  الّتي لا يعلم مداها إلاّ الله عزّ وجلّ ، واستقووا بالغرب لتحقيق مصالحهم كما استقوى بهم بعض الإسلاميّين من أجل تحقيق مطالبهم ممّا حمّس جميع النّاس  في الخوض في هذه الموضة : البرّ والفاجر ، العاقل والغافل ، الكبير والصّغير ، النّساء والرّجال ، بل حتّى الأطفال أدخلوا في هذه الموضة  وأضربوا وجاعوا واختلط الرّجال بالنّساء والحابل بالنّابل ,والله المستعان !!!

 

انّه من المؤسف حقّا أن يلتجئ سجناء العقيدة خاصّة القيادات منهم الى التّضحية بالنّفس أو الحاق الضّرر بالبدن ، ومن المؤسف أن نقرأ عن بعضهم تصريحات من مثل ما ينشر في أحد المواقع قول أحد الأخوة المسجونين أنا مضرب من أجل خروجي من هنا، وأنا خارج لا محالة إمّا على رجلي وإمّا محمولا في نعش وآمل من ذلك الموقع أن يمحّص أخباره قبل نشرها ويغربلها جيّدا لأنّها قد تساهم في التّحريض على الإنتحار و مجانبة الآداب من مثل فضح حرمة الأخ نبيل الواعر وجعلها مادّة إخباريّة هائلة ! وهذه الأمور ولاشكّ  تخالف الأصول الأخلاقيّة في الحفاظ على حرمة المؤمن وستر عرضه ! ألم يستر الصّحابة رضي الله عنهم مهاجر أمّ قيس؟ ألم يحفظوا حرمة المرأة الغامديّة و المخزوميّة وغيرهم كثير !!!

 

(يمكن الإطلاع على بقية المقال في عدد تونس نيوز ليوم 9 ديسمبر 2005)

 

رضينا بالهمّ و الهمّ ما رضى بينا

كتبه: عبدالحميد العدّاسي   سأتحدّث اليوم بعيدا عن السياسة التي قد تُُلجئ مريديها إلى بعض الحسابات أو المجاملات المفضية إلى مجانبة الحقّ فأقول: ليس في تونس مَن ظُلِم وأوذي أكثر من الإسلاميين، وليس في تونس مَن لم يظلم الإسلاميين ويؤذيهم – إلاّ من رحم ربّك وقليل ما هم – فالنّظام بزبانيته والمتمسّحين بأعتابه من المنافقين وكثير من المثقّفين وكثير من الأحزاب أو من رجالاتها بل وكثير حتّى من دعاة حقوق الإنسان، جميعُهم قد ظلموا الإسلاميين،  هذا بحبسهم وتعذيبهم وتشريدهم، وذاك بالتشكيك في نواياهم وآخر بالكذب والافتراء عليهم ورابع بغمط الحقّ وتدليس المعطيات حولهم، حتّى ليبدو للرّائي والسامع أنّ الإسلاميين ما ولدوا لتونسيين وتونسيات ولا انتسبوا لدينهم ولا أخذوا بعاداتهم. في محاولة رخيصة لمحاربة كلّ فكر أو دعوة تعيد البلد إلى أصله و تديّنه وحيائه وحسن المجاورة والمعاشرة فيه.      وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يخفّف من ذلك الحيف ومفعوله فجمع في إضراب الجوع الذي صار يعرف فيما بعد بحركة 18 أكتوبر بين كلّ الأطياف، في إشارة – أتمنّى – باقتراب رحمة الله سبحانه وتعالى منّا. فإنّا ما غلبنا إلاّ لمّا تنازعنا: تنازعنا كحاكم و محكوم في مواجهة العدوّ الخارخي ( مهما كان هذا العدوّ ) فغلبنا، وتنازعنا كمعارضة بمختلف أجنحتها في الوقوف ضدّ استبداد الحاكم الظالم فغلبنا. ولقد التفّ كلّ أحرار تونس – أحسب – حول هذا الإضراب الذي ارتكز على أسباب جدّ واقعية وجدّ هامّة تمثّلت في المطالبة بحرية العمل الحزبي و الجمعياتي وحرية الإعلام والصحافة وإنهاء معاناة المساجين السياسيين المنتمين في غالبيتهم الساحقة إلى حركة النهضة المضروبة.   غير أنّ أناسا سمّوا أنفسهم ديمقراطيين، راحوا يكتبون – حول بعض الإشكالات المرتبطة بالإضراب عن الطعام – كلاما يسبّب الامتعاض الشديد، ذلك أنّ القضية لدى هؤلاء الشواذ، لا تتعلّق حسب ما أرى بفهم الديمقراطية وكيفية تطبيقها وإنّما تتعلّق بقلوب و أنفس هؤلاء المتواطئين على محاربة التحابب بين التونسيين أجمعين. وقد عجبت لمتعدّ في الحديث كيف يسمح لنفسه بالوقوف ضدّ ما اختاره جزء كبير من الشعب التونسي. فهذا الإضراب كما أسلفت قد جمّع الأجسام وطيّب النّفوس ونسأل الله أن يؤلّف بين القلوب، وقد بدأت آثاره ترأب الصّدع و ترتق الفتق وتجمع الجهد باتّجاه جلب الخير لتونس ولكلّ التونسيين المتحابّين المتناصرين في أصلهم وعبر تاريخهم، غير أنّ هذا الطابور الحاقد على الإسلام الكاره لله ولرسوله ولشرعه وللمتديّنين من أمّة الإسلام ( يكفي للدلالة على ما أقول مناداة بعضهم المستمرّة بإبطال ما قسم الله في الإرث لكلّ من الذكر و الأنثى، والحال أنّ من ردّ جزءا من الدين فقد نزع رِبْقة الإسلام من عنقه )، يأتي ليشكّك فيما عزمنا عليه نحن التونسيون، فيتكلّموا عمّا عمرت به قلوبهم الغُلْفُ الفاسدة من كره لنا ولأصالتنا. وتشجّعهم قلّة حيائهم على الحديث عن الديمقراطيين فينادون باسمها بعزل أهمّ مكوّن سياسي في البلاد أعني الإسلاميين، فقد كان أولى بهم أن يموتوا بغيضهم بدل أن يتقيّؤوا هذا الفكر المنحرف، وهم من عبّروا بلا انقطاع عن خوفهم من انقلاب الإسلاميين على الديمقراطيّة بعد أن يؤول الحكم إليهم. ( هم ههنا ينقلبون على الديمقراطية قبل ولادتها، فسبحان الله ما أقلّ حياءهم )   يجوز لي باطمئنان أن أنفي عن هذا الطابور أيّ صلة بالديمقراطيّة والديمقراطيين، فالديمقراطية لن تكون بنفي الآخر ولن تكون بفرض الأنا لا سيّما تلك الأنا المريضة المنزوية في زاوية مظلمة من زبالة التاريخ، والديمقراطية لن تكون بالانقلاب على الذات والكفر بالموروث وبالتطاول على القديم الثابت ومحاربته. والديمقراطيون في تونس إن لم يلتزموا بأصلهم و يوقِّروا ربّهم ورسولهم ودينهم كانوا تافهين، وإن لم يتشاركوا بالرأي و فيه كانوا مفرّقين، و إن لم يرحموا بعضهم البعض كانوا قاطعين، وإن لم يقفوا في وجه هؤلاء الشواذ كانوا ملحقين بهم.   أحمدُ الله على أنّ هذا الفكر المتخلّف لا يلقى رواجا كبيرا في تونس الحبيبة، ولكن والقول في باب الحديث على الاستثناء، فإنّه لا بدّ من التأكيد على أنّ تونس مسلمة وستظلّ كذلك بإذن الله إلى يوم الدين. كما أنّني لا أرى خلافا بين التونسيين الصادقين في ما نطقت به ألسنة مكوّني هذا الطابور نفاقا أو خداعا من أنّ  » المجتمع الذي نصبو اليه هو الذي يكفل الحريات الأساسية و منها بالخصوص حرية الفكر و حرية المعتقد و حرية الابداع, و يضمن المساواة التامة بين المرأة و الرجل « .   فنحن التونسيون الأحرار وخاصّة الإسلاميين أول من طالب بالحريّة وأوّل من دفع ثمنها، وحريّة الفكر عندنا ضرورة للترقي و الإبداع في كلّ المجالات، والمرأة عندنا لا تكون أبدا مساوية للرّجل، فهي أفضل منه وأقدر على تربية الأجيال خاصّة عند توفّر البيئة الصالحة التي يغيب عنها أشباه الرّجال،  على أنّ ذلك لا يعني تعريضها لما يُغضب ربّما عليها بكشف سترها أو إذهاب حياءها أو إتلاف أنوثتها، و الحرية في المعتقد أصل جاء به الشارع الكريم فنادى: « لا إكراه في الدين » على أنّ ذلك لا يعني أبدا  ارتداد مسلم – لا قدّر الله – عن دينه، كما لا يعني أبدا فتح مدارس لتعليم الإنجيل أوالتوراة باسم الحداثة مثل ما يقول التافهون،  كما أنّه لا يعني أبدا إيجاد ديانات جديدة بالبلاد، فإنّ الدين عند الله الإسلام، ولن نصير – بإذن الله – بعد آبائنا وأمّهاتنا المسلمين الطيّبين عبّاد شياطين أو عبّاد فروج ( معذرة للقارئ ).   الحديث في الباب طويل طويل، ولكنّي أكتفي بهذه الإشارات أمام تلك الإشكالات، فهل يعي أهل هذا الطابور و من شابههم هذا الكلام ويقلعوا عن المهاترات وليدة الخواء الفكري والرّوحي !…   أرجو ذلك فإنّه خير لهم ولنا ولتونس بأسرها، ولا عاش في تونس من خانها وخان الله ورسوله وأمّه وأباه فيها..


بسم الله الرحمن الرحيم
 
محصلة حوار سياسي صريح
 
هناك قضايا حقيقية تشغل الشارع فلمذا لايطرحها قادة18 أكتوبر!؟

كتبه مرسل الكسيبي

كعادتها كانت أم زياد أو الأستاذة نزيهة رجيبة جد متألقة ليس فقط عبر ماتطرحه من كتابات وانما كان الحوار معها عن بعد وعلى بعد الاف الكيلومترات مليئا بمشاعر الوفاء للوطن والمواطن

لم أعرف خلال حديثي معها خلال حوالي النصف ساعة مللا أو كللا بل تمنيت لو أن لي قنطارا من ذهب يتيح لي فرصة التواصل معها لزمن أطول نتطرق فيه لكثير من القضايا الشائكة التي تثقل كاهل بني وطني من الشرفاء والمساكين

محاور حديثنا مست جملة من القضايا المستجدة التي لاداعي الى اعادة التذكير بها

ولا شك أن هيئة الحقوق والحريات التي أعلن مؤخرا عن تأسيسها كانت احدى نقاط الحوار  وتلك العريضة التي استهجنت التحالف الحاصل بين طيف واسع من القوى السياسية والأهلية التونسية لم تفلت من بين ألسنتنا ومسائل أخرى تتعلق بصدى زيارة مجموعة من قادة تحرك 18 أكتوبر والهيئة المنبثقة عنه  لسويسرا كانت هي الأخرى معرض تعليق واهتمام

وبين دفة موضوع واخر أردت أن أوفر على القارئ جملة من المشاق حتى ينتبه الى أن الرصد المتواصل للحدث التونسي لاينبغي ان يكون فقط من خلال صدى مايكتب وينشر وانما يشكل الاتصال المباشر بالمناضلين الأشاوس والمواطنين البسطاء وتبني هموم الشارع والجماهير هو طريق أي حزب أو هيئة أرادت أن تحقق لنفسها النجاح

ومن خلال هذه الجولة بين الملفات التي ارقني البحث في ثناياها اكتشفت أن أم زياد امرأة تعانق حس الجماهير من خلال حديثها حول مجموعة من القضايا الوطنية التي تغفل النخب أحيانا عن المساس بها وربما قد يكون ذلك من باب الحسابات وقد يكون الأمر أحيانا من باب الابتعاد عن مشكلات السواد الأعظم من الناس بحكم طبيعة الأحلام والامال كما الالام والاهتمامات

قضايا البطالة المتفشية في صفوف شرائح واسعة من الشباب وظاهرة اقبال واسع من الشبيبة اليافعة على تعاطي شرب الخمور والكحول واليأس الذي قاد اخرين الى الغرق في افة المخدرات والجريمة والسرقة والاغتصاب وقوارب الموت التي تهدأ أحيانا وتنشط في مواسم الهجرة الى الشمال

المجتمع الذي تشقه ظاهرة التظلم من الفساد المالي الذي ينخر ثناياه ,قصص حقيقية وأخرى يضخمها المخيال العام انتقاما من رجل السياسة الذي لايتحلى بالشفافية والمصداقية الا في الخطابات

غياب النزاهة في الحسابات السياسية وانعدام المصداقية لدى قطاع واسع من رجال السياسة وربما حتى نسائها,ظاهرة تقض بلا شك كاهل الرسميين ولكنها ظواهر تحتاج الى معالجة لدى بعض من احترفوا تقويض كل تكتل معارض يهدف الى احداث بصيص من الأمل في كبد العتمات

هناك جالية تونسية داخل تونس تريد تفكيك أقدار من توحد الصف المعارض بدعوى تباين في المشاريع بين واحد تقدمي واخر رجعي لايمت الى الحداثة على حد زعمهم بصلة

خواطر انبعثت هنا وهناك وليس من الضروري أن تكون انطلقت من فم تلك المرأة التي تزن ألفا من رجالات تونس ,ولكن بلا شك أن تلاقحا في الأفكار حصل وأن مشاريع سياسية تكون قد اكتشفت ولو انها مازالت في محضن الأفكار والورقات والنصوص المرقونة

أستخلص بين هذا وذاك أن على هيئة الحقوق والحريات أو من قاد حركة 18أكتوبر المباركة ألا يكتفي بطرح السقف الأدنى من القضايا وأن ترتقي هذه المجموعة الوطنية المناضلة بأفكارها واهتماماتها الى معانقة الممكن من هموم الجماهير كتلكم التي تتعلق بتدهور المستوى الدراسي وضياع الشباب وانزلاقه الخطير نحو الانحراف وانحداره الى مستوى عال من اليأس وقضايا أخرى تتعلق بمعاناته اليومية

قضايا الشرعية السياسية والاصلاحات الدستورية الجوهرية قد تكون مشروعا سياسيا كبيرا لايفقهه المواطنون البسطاء ولكن يحق للنخب أن تطور هذا المشروع الوطني الذي تبلور في خطوته الثانية نحو هيئة الحقوق والحريات حتى يعانق بذلك نضجا سياسيا أكبر يحقق قدرا اكبر من الانتقال السياسي الهادئ نحو مراحل متقدمة من الاصلاح الوطني الشامل

قد يكون من الجدير في تقديري الشخصي المتواضع تنمية هذا المشروع الذي أطلق عليه المتابعون تسمية حركة أكتوبر وتطويره ليحتوي جملة هذه التطلعات ويجسد النضال من أجلها في مشروع سياسي أكبر لن أظن بأنه سوف يكون محل اختلاف بين المعارضات وقد يكون أيضا من المعقول بمكان مساندته بمشروع سياسي اخر يطرح قضايا أخرى تعانق مطالب النخب والجماهير ولملا عندها فليتنافس في ذلك المتنافسون ولتتعدد المبادرات مادام هدف الجميع هو الاصلاح والارتقاء نحو فضاء عمومي اكثر ثراء وأعلى نضالية ومجتمع أكثر تحررا وانعتاقا

بلا شك أن المعارضة التونسية تقف اليوم امام عتبات النضج الحقيقي وهي تدخل بوابة العمل الوطني المشترك بعد أن غادر أغلبها بوابات العمل السياسي المتشرذم الا أن البعض سيبقى عالقا بلا شك بين حواجز يضعها النظام وأخرى يضعها سقط المتاع من خلال عدم الانسجام مع قوانين الارتقاء والتطور بعد أن غادر الجميع مراحل الولادة والنشوء

ولكن ولادة أكبر تنتظر رحم المجتمع فمن الذي سيخصب حالة الاحتقان التي تعتمله ومن الذي سيحسن التعامل مع هذه الحسناء التي تدعى تونس

أخوكم مرسل الكسيبي
كتب مساء
 العاشر من ذي القعدة 1426 هجري
الموافق للعاشر من ديسمبر 2005


 

بيريز … في أحضان شارون

 

بقلم : جعفر الأكحل   في لحظة فاصلة، التقى العجوزان اللّدودان، وكأنهما لم يختلفا يوما أبدا .. وتبيّن للجميع أن كليهما واحد، أو لنقل أنهما وجهان لعملة واحدة . وانكشف القناع الزائف الذي كان يتذرّع به الذين راهنوا يوما على الحمائم البيض رموز السلام .   إن لقاء شارون وبيريز في تشكيل سياسي واحد ليس بالامر الهيّن وليس بالشأن الداخلي لإسرائيل وإن يخدم اسرائيل منطلقا وغاية .   إن هذين العجوزين يحملان خلفهما نصف قرن من التجاذب والتجارب وها هما يلتقيان في نهاية المطاف لينطلقا من جديد .   ولم يكن إحداث هذا الحزب الجديد ( كاديما ) بين قطبين الدّهاء السياسي ورمزيه أمرا عاديا، أو ظرفيا بل ينطوي على دلالات ليس أقلها خلق وضع جديد من الاستقرار والقوة السياسية لقيادة المنطقة وليس إسرائيل فقط نحو أوضاع جديدة تخدم بالتالي أهداف الدولة العبرية، وكذلك استعدادا للعب دورا أكثر تأثير في مجريات الأحداث الدولية اعتمادا على الظروف الجديدة التي يديرها القطب الأوحد ( أمريكا )، والاستفادة من كل التطورات العالمية وتوجيهها في صالح إسرائيل ودعم نفوذها .   وهكذا فإن إسرائيل تأخذ ولا تعطي وإن أعطت أو تنازلت عن شيء فمن أجل أن تأخذ أكثر، وفي هذا الاطار فأن دويلة صغيرة في غزّة لا تسمن ولا تغني من جوع هي دوما على مرمى حجر من جيش الدفاع الإسرائيلي ومراقبة بحرا وجوا، هي أقصى ما يمكن أن تقدمه إسرائيل بشارونها وبيريزها للعرب وللعالم من أجل سلام يبيح لإسرائيل كل شيء ويعطيها جواز عبور للهيمنة  على كل العالم والسيطرة عليه ليس بالقوة العسكرية وهي البلد المحدود في مساحته وسكانه ولكن بالتواجد الدائم في كل مكان ورصد كل شيء، عبر الهيمنة الدائمة على مراكز النفوذ في أمريكا .   وهكذا يبطل العجب عندما يعرف السبب ولقاء قطبي الدهاء والخبرة السياسية وهما أكبر ساسة العالم سنّا وممارسة هو بلا شكّ قرار مدروس، كما أسلفنا وليس وليد الساعة سبقه حوار طويل، وقراءة عميقة للواقع الإقليمي والدولي أدى الى اتفاق على رسم مستقبل المنطقة بل والعالم يكون لإسرائيل الدور البارز والعلني، لما فيه مصلحة الشعب اليهودي . وهو ما ينبىء بأسوء الاحوال للمنطقة العربية التي ينتظرها في الزمن الشاروني البيريزي القادم مزيدا من التدهور السياسي والتجزئة والانقسام .   إن إلتقاء شارون مع بيريز يمثل عهدا جديدا على الطريقة الإسرائيلية، إنه احتضان مشهود قائم على أسس التلمود ومستقبل الايام يحمل الكثير من الوعود في خضم هذا التحالف الهرمي الموعود ضمانا للموجود ..ووفاء للجدود .
جعفر الأكحل – المنستير  


بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أفضل المرسلين  تونس في 10-12-2005
                                      بقلم العروسي الهاني  مناضل من الرعيل الثاني

كلمة شكر لعناية الملك محمد السادس ملك المغرب الذي اذن مؤخرا بإسناد أوسمة

لزعماء من المغرب العربي وفرنسا من بينهم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة  

   برعاية وعناية شخصية من لدن الملك محمد السادس ملك المغرب أشرف ولي العهد مولايا رشيد على حفل رسمي بالرباط سلم خلاله الوسام العلوي لعدة شخصيات وزعماء من المغرب العربي وفرنسا. وقد سلم الوسام العلوي المسند للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله الى نجله الحبيب بورقيبة الابن ، ووسام للمرحوم الزعيم فرحات حشاد تسلمه نجله نور الدين حشاد ، ووسام للمناضل الزعيم حسين آيت أحمد من الجزائر ووسام للرئيس ديغول تسلمه حفيده في حفل رسمي و تأتي هذه اللفتة الكريمة من قبل الملك محمد السادس عاهل المغرب .   في  الوقت المناسب اعترافا من المملكة المغربية للزعماء الذين قدموا تضحيات جسام من أجل تحرير الوطن الكبير المغرب العربي وناضلوا من أجل استعادة الكرامة والسيادة والحرية للامة العربية في مغربنا الكبير .. وبهذه المناسبة السعيدة يسرني أن أنوه بجهود الملك محمد السادس الذي كان نسخة من أبيه المرحوم الحسن الثاني وجده المرحوم محمد الخامس . وقد أعاد بهذه اللفتة الكريمة الاعتبار للزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله الذي رفع جثمان الملك محمد الخامس على كتفيه في فيفري 1961 وقطع زيارته لفرنسا آنذاك رغم بعض الفتور الحاصل من خلال اعتراف تونس بموريتانيا . وهذا الموقف الشجاع  تأثر به نجله الحسن الثاني رحمه الله و أصبح يعتبر بورقيبة الاب الروحي له وهاهو نجله محمد السادس بعد 44 سنة يأذن بإسناد الوسام العلوي للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة اعترافا له بالجميل ، فشكرا لأهل الوفاء والاخلاص والمحبة وأهل الفضل .   وأرجوا في هذا الوقت أن يفهم الآخرون من الذين يتحاملون على الاساءة للزعيم من خلال منتدى مؤسسة التميمي للذاكرة الوطنية. وما شهادة حسين التريكي مؤخرا يومي 29 و 30 نوفمبر 2005 التي نشرتها جريدة الصباح إلا تأكيد على أصرار المؤسسة على مواصلة الاساءة بشتى الطرق. وحينما يحاول الاحرار من المناضلين الرد والتعقيب على بعض المتحاملين والحاقدين تغلق الصحف أبوابها ولم تهتم بأي رد أو توضيح للحقيقة أو رفع الغشاوة والاساءة المقصودة والحملة المسعورة ضد الزعيم الراحل. وقد سبق لي أن عقبت على شهادة حسين التريكي بتاريخ 3 ديسمبر الجاري لكن جريدة الصباح صمتت ولم تنشر الرد والتعقيب على ما ورد على لسان حسين التريكي وغيره أمثال أبو قاسم محمد كرو الذي كان هو الآخر متحاملا على الزعيم وقد أساء إليه في شهادته السنة المنصرمة بنفس المؤسسة. هذا وحتى خبر التوسيم في المملكة المغربية لم تتعرض إليه الصحف التونسية ما عدى جريدة الموقف في عددها الاخير يوم الجمعة 9 نوفمبر الجاري .   فإلى متى صحفنا الوطنية صامتة لا تكتب ولا تسمح بالنشر لمن يكتب. فلماذا هذا التعتيم الاعلامي ضد الزعيم الحبيب بورقيبة الذي بنى الدولة العصرية وحرر البلاد والعباد من براثن الاستعمار الفرنسي وأنجز الجمهورية وحرر المرأة التونسية وغادر الحياة نظيفا لا يملك شجرة ولا حجرة  ولا دينارا؟ وهو بذلك يستحق أن يكون رمزا خالدا لتونس على الدوام حب من حب و كره من كره.   والسلام محمد العروسي الهاني مناضل من الرعيل الثاني


 

محمد عبده في ذكرى وفاته:

تحديات الحاضر وأسئلة الماضي… والمؤسسة والنصّ

أحميدة النيفر (*)  

 

لقيتْ جهود المدرسة الإصلاحية في العالم العربي عناية خاصة وأُشبعت بحثاً ودراسة في المشرق والمغرب. لكن هذا لا يمنع من إعادة قراءة جوانب رئيسة من هذا التيار على ضوء ما انتهت إليه تجارب التحديث العربي اليوم ثم ما لحق ذلك في العقد الأخير من تطورات لافتة. ما يُطرح منذ بضع سنوات من توجهات واقع بين طرفين متناقضين، طرفٍ ساعٍ إلى «حماية الهوية» وتحصينها وآخر داعٍ إلى الانفتاح الداعم لاختيارات عولمة متوحشة تدّعي «إصلاح العالم العربي»، في مثل السياق القائم على تنافٍ متبادل ينبغي للباحث في شأن المؤسسات والأفكار والمناهج وتطوّرها أن يقوم بفحص ما قبل هذه المرحلة المعطَّلة وذلك بعمل تقويمي لطروحات الإصلاح قصد المساهمة في حداثة مبدعة.

 

أول ما ينبغي لفت النظر إليه هو الاتفاق الضمني بين الاحتجاج السلفي الذي تنامى عقب إخفاق المشاريع التنموية العربية وبين الأيديولوجية التحديثية على إهمال أي قراءة نقدية لجهود المدرسة الإصلاحية. ما تحقق في العقود الخمسة الماضية تراوح بين الحدّين المتناقضين: إما التوظيف القسري لجهود تلك المدرسة أو الاقتصار على نوع من الاستعراض السردي المشوب بقدر من التمجيد. بين هذين الطرفين يبرز خط الإدانة الصامتة التي انخرط فيها دعاة الأصالة الساعون إلى بناء جديد قائم على مقولة الصفحة البيضاء التي لا تسعى لأي ارتباط بالمدرسة الإصلاحية.

 

ليس غرضنا – في ذكرى مرور قرن على وفاة محمد عبده – الدعوة لاستعادة مقولات الإصلاحيين بعامة أو عبده بخاصة فذلك متعذر موضوعياً. غايتنا هي إعادة النظر في ما تبنّاه الإصلاحيون قديماً من أفكار ضمن ما اعتبروه قضايا أساسية على ضوء ما انتهت إليه التحولات الفكرية والثقافية والاجتماعية المطروحة اليوم.

 

ما نسعى إليه هو المساهمة في التعامل مع تاريخنا الفكري والثقافي بالتنسيب والتحقيب بما يقطع مع ما يسمى في الفكر التاريخي العربي الحديث بحالة «الجغرافية الزمنية». تلك الحالة التي تُحشَد فيها جملة من الآراء والمواقف المتباينة والمختلفة على أنها متزامنة من دون القيام بالجهد التقويمي القادر على تجاوز المغالطات الفكرية.

 

على عكس ذلك الموقف التمجيدي فإن اختيار التحقيب ينهي حالة الاستخفاف بالجهود الإصلاحية التي لا تعبأ برسم حركة الأفكار في البلاد العربية ولا تعتمد رؤية تاريخية نقدية تتمكّن من ضبط الإضافات الجزئية أو النوعية لكل مرحلة وتحديد طبيعة العوائق التي حالت بينها وبين بلوغ ما كانت تهدف إليه.

 

ضمن هذا التوجه نتناول مسألة مركّبة تتعلّق من جهة بالمؤسسة التعليمية ومن جهة أخرى بعلاقة المفسِّر بالنص القرآني فننظر كيف تناول عبده هذه القضية المثنّاة ثم إلى أين انتهت مع التوجهات المعاصرة؟

 

انطلاقاً من محاضرة الأستاذ الإمام في تونس عند زيارته الثانية لها سنة 1903 التي تناول فيها جملة من الآيات القرآنية المتعلقة بالعلم نحدد في مرحلة أولى أهم آرائه في المسألة التعليمية ومنها ننتقل إلى ما حكم منهجه التفسيري. في مرحلة ثانية ننزّل هذا الجهد المنهجي ضمن المسعى التجديدي الحالي الذي يتجه بعد مرور قرن إلى نوع خاص من علاقة المفسِّر بالنص القرآني المؤسس. من هذه المقاربة النقدية يمكن الوقوف على خصوصية تجربة محمد عبده التأويلية ضمن سيرورة التساؤلات الحديثة وما بلغه الفكر التجديدي اليوم في هذا المجال.

 

 

المعاصرة والمؤسسة التعليمية

 

كتب محمد عبده إلى السيد جمال الدين إثر زيارته لتونس في كانون الأول (ديسمبر) سنة 1884 ما يأتي: «لقد تعرفتُ هنا إلى علماء ومسؤولين كثيرين ووضّحت لهم أن العروة الوثقى ليست اسم جريدة ولكنها جمعية أسّسها الأفغاني في «حيدر أباد» وأن لهذه الجمعية فروعاً في عدد من البلدان الإسلامية لكن كل جماعة تجهل كل شيء عن الجماعة الأخرى وأنه لا يعرف حقيقة الأمور جميعاً إلا القياديون وأعلمتهم كذلك أني جئت إلى تونس بأمل تأسيس فرع لهذه الجمعية».

 

يواصل عبده «استُقبلتْ هذه الدعوة بحرارة كبيرة وخَصّصتُ كامل وقتي من أجل وضع أسسها وقد رأينا أن نُطلق على خليّة تونس اسمك (الأفغاني) وإني على يقين من أنها سوف تتطور، ذلك أن التونسيين لهم رغبة واضحة في هذا العمل السرّي وفي حمايته والدفاع عنه».

 

في أيلول (سبتمبر) 1903 قام عبده بزيارة ثانية لتونس في ظروف تختلف كل الاختلاف عن الزيارة السابقة، إذ تغيرت وجهة النخب التونسية المقبلة على الإصلاح كما أن الزائر الكبير أصبح يعتمد طريق العلم والتربية للتغيير بينما ظل أستاذه السيد جمال الدين متمسّكاً برأيه القاضي بأن الأنجع هو إصلاح الحاكم. محمد عبده تحوّل من جهته من متمرّد منفيّ يؤسس لعمل سرّي إلى مفتٍ للديار المصرية يمتلك رؤية مغايرة للإصلاح بعيدة عما كان يجمعه بأستاذه الثائر. كما غيّرت السنون العشرون بمصاعبها وخيباتها رؤى النخب التونسية التي اجتمعت لاستقبال عبده والإنصات إليه. لقد كانت النخب الوطنية على اختلاف انتماءاتها: شيوخ زيتونة ورواد الخلدونية وأعضاء حركة الشباب التونسي تتابع بكثير من الاهتمام ما ينشره الأستاذ الإمام على صفحات مجلة المنار منذ تأسيسها سنة 1898.

 

ما يعنينا من هذه الزيارة هو الدرس العام الذي ألقاه الأستاذ الإمام على مجموعة من علماء تونس وأعيانها وطلبتها في رحاب معهد الخلدونية، تلك المؤسسة العلمية التي أنشأها الإصلاحيون حديثاً رديفاً للمؤسسة الزيتونية العريقة تكمّل ما نقص من معارفها وتفتح للناشئين من الطلبة آفاقاً في البحث تجعلهم أقدر على مواجهة العصر.

 

عشية يوم الأحد 20 أيلول 1903 اجتمع ما يقارب من خمسمئة شخص لمتابعة ما أراده محمد عبده لقاءَ حوار ومسامرة ذلك «أن الفقير رجل سائح قصدتُ هذه الديار للتعرف إلى بعض المسلمين والنظر في أحوالهم وأمور دينهم … والتكلم فيما يختلج بفكري في أمر التعليم».

 

بهذه العبارات التي تبدو أقرب إلى مقتضيات المجاملة افتتح محمد عبده درسه العام موضحاً أنه لا يقصد تحقيق مسألة علمية، إذ لا داعي إليه فـ «ما عندكم من جلة العلماء من نعترف بفضلهم فمن أراد تحقيق مسألة علمية فليراجعهم».

 

ما ميّز هذا الدرس العام الذي حرصت على تسجيله صحيفة «الحاضرة» التونسية ثم نقلته عنها مجلة المنار هو تناول ثلاث مسائل: – في معنى العلم / – كيف ينبغي أن نتعلم؟ / – هل لدينا إيمان صحيح؟

 

تمهيداً لتناول هذه القضايا حرص محمد عبده على تحديد منهجه الذي اعتمده في معالجته النقدية: «(إن الله) يخاطب في كتابه الفكر والعقل والعلم من دون قيد ولا حدّ (أما نحن فعملنا) منافٍ لما كتبه أسلافنا وما تركوه من جواهر المعقولات في الكتب النفيسة المستودعة بخزائننا التي أصبحت ليومنا أكلة للسوس وفراشاً للأتربة…».

 

هذا التمشي النقدي القائم على المقارنة مع ما كان متداولاً في عصور الازدهار لا يتحقق عنده إلا بحريّة التفكير، الشرطِ الرئيس الذي تناوله عبده في أكثر من مناسبة وبأكثر من طريقة. ذكر ذلك في التقديم وفي الخاتمة وفي بحثه لغاية التعلم وعند مباشرة ما يشوب بعض المسائل العلمية من اشتباه وغموض. لعل أفضل الأمثلة المعبّرة عن هذه العناية الموصولة بحريّة الرأي قوله في سياق التسوية بين المرجعيات المعتمَدة عند تحديد مصطلح العلم ذاته: «ليس الغرضُ الخوضَ فيما اصطلح عليه علماء السلف الصالح أو غيرهم من المتكلمين أو الفلاسفة أو حتى من الزنادقة…». مثل هذا النزوع إلى التسامح الفكري نجده في ثنايا تلميحات ساخرة من قبيل تعريضه بدعاة الفكر التقليدي الرافض لأية مراجعة: «ومن الناس من إذا سألته في أمر يتعلّق بعقيدة من العقائد فاجأك بقوله لا تقل كذا فتكفرَ وتعتزل».

 

إمعاناً في إحراج موقف الرافضين حرية الفكر لا يتردد عبده في تأكيد أن السلف الصالح كان ينطلق من تلك القيمة نفسها التي يتعذّر تحقّق أي تقدّم من دونها، يقول: فالقديم الحقيقي هو ما ندعو إليه ولا نجاح لنا إلاّ بالتعويل عليه… (إنها) طريقة أسلافنا الأقدمين فالعود إليها إحياء لسننهم وعمل بآثارهم».

 

لا شك في أن عبده كان يدرك أن قسماً من الحاضرين المتابعين لا يشاركه الرأي في مسائل عدة خصوصاً ما يتعلّق باستقلال الفكر عند معالجة المحاور الثلاثة التي دارت حولها محاضرته: العلم والتعلّم والإيمان.

 

مع ذلك فإنه لم يتردد في طرح مسائل كانت تبدو للبعض مسَلّمَات، طرحَها فحصاً ونقضاً.

 

– بدأ بالعلم فذكّر بالمفهوم السائد عنه في المؤسسات التقليدية الإسلامية معتبراً أنه مفهوم مخطئ، يمكن أن يسمى «جهلاً» أو «ضلالاً يضيع الوقت من دون فائدة». ليس العلم «قواعد تحفظ وتقارير تكتب وحواشي تطول تضيّع الفائدة وتصرف الذهن». العلم «نور يعطي للإنسان التبصّر في أي أمر من الأمور ويهديه للخير في الاعتقاد والعمل… إنه الاستعداد للفهم».

 

لتأكيد هذا يذكر عبده ما خبره بنفسه من دراسته في الأزهر: «وقد وقع لي أن مكثت سنة ونصف لا أفهم شيئاً من شرح الكفراوي على الأجرومية فحملني عدم الفهم على مهاجرة طلب العلم لتمكّن اليأس من نفسي».

 

– في خصوص التعليم ووسائله يعلن الشيخ أننا لا نعرف كيف نعلّم لأنه على الأستاذ أن «يكون بيده ميزان يزن به ذهن الطالب ودرجة استعداده لقبول ما يقول بأن يتنازل مع المبتدئ حتى يرتقي به شيئاً فشيئاً ليصل إلى الدرجة التي يتمكّن بها من إدراك دقيق للمعاني».

 

هكذا يصبح التعليم علماً، إنه «فن معرفة درجات الأذهان وكيفية الاستفادة منها». ثم يضيف في نوع من السخرية المُرّة مبيناً خطورة هذا العلم المجهول: «ومَن أنفقَ أوقاته (فيه) فإني أضمن له ثوابه تعالى أضعاف ثواب من يختم إقراء المطوّل».

 

يفصّل المحاضر بعد ذلك القول شارحاً فساد وسائل التعليم في اختصاصات ثلاثة هي النحو والبلاغة والتوحيد. ثم يعلن أمام مستمعيه بالخلدونية أن غاية التعليم في البلاد الإسلامية لا تنفصل عن مبدأ الحرية واستقلال الفكر أي أنه «لا بد من أن نفتح للطالب باب النظر بنفسه في العلوم».

 

ذلك هو الجانب الأول من مضمون محاضرة عبده في تونس طرح من خلاله سؤالاً عن المؤسسة التعليمية الإسلامية في بداية القرن العشرين.

 

اليوم وبعد تجارب مختلفة لا يزال سؤال تلك المؤسسة شاخصاً أمامنا بكل حدّة بعد أن انضافت إليه تعقيدات ما يسميه بعضهم بالنرجسية الدينية. تلك النرجسية التي حالت دون إنهاء الانفصام القائم بين الطالب في تلك المؤسسة وبين عصره نتيجة معضلة الاكتفاء بالذات في المجال المعرفي والاستغناء عن كل تجديد منهجي.

 

لكننا حين نعود اليوم إلى محمد عبده في اهتمامه بإصلاح المؤسسة التعليمية التقليدية فلا يمكن تجاهل ما آلت إليه التجارب العربية الهادفة لبناء مؤسسات جامعية طوال القرن المنصرم وما تثيره تلك المؤسسات الحديثة من تساؤل محيّر.

 

كيف نفسّر هشاشة النخب الجامعية الحديثة ولماذا يتعذر عليها وهي ذات المستوى العالي في التكوين العصري أن تقف بنجاح أمام التحدي الكبير الذي يواجه مجتمعاتها اليوم: أي بناء مشروع فكري عام قادر على تحريك المجتمع؟

 

أليست مهمة المؤسسات الكبرى – والجامعات واحدة من أهمها- هي تجسيد يقظة العقل الاجتماعي المتحفز من طريق فكر نقدي تطويري؟

 

حديثنا اليوم عن عبده يطرح سؤالاً مزدوِجاً: جانبُه البارز يتصل بالتعليم الأصلي أو الديني لكن الخفي منه يتعلق بمعضلة التعليم العصري الجامعي وضرورة تفسير ما يبدو وكأنه إخفاق لمشروع المؤسسة التعليمية كما نمت وتطورت في المجتمعات العربية الحديثة.

 

سؤال المعاصرة كما نفهمه عند قراءة مسعى عبده الإصلاحي يرتبط بمعضلة المؤسسة الجامعية عندنا، إنه بحث في منهج التفكير وفلسفة المعرفة التي تعتمدها تلك المؤسسة لكنه من جانب آخر تساؤل عما وقع إنجازه في الاتجاه نفسه ضمن بنية المجتمع بمؤسساته المختلفة وفي النسيج الثقافي السائد الذي يصوغ تصورات النخب والجمهور.

 

 

المفسر ومرجعية النص المقدس

 

قدم الأستاذ الإمام إلى تونس في زيارته الثانية بعد أن أقام أياماً في الجزائر اجتمع فيها بأعيانها وعلمائها وألقى فيهم محاضرة فسّر فيها سورة العصر تفسيراً جاء أطول من تفسيره للسورة ذاتها ضمن معالجته لكامل جزء «عم يتساءلون».

 

أما في محاضرته بالخلدونية فإن عبده لم يقدم – وهو صاحب تفسير المنار – أي تفسير بالمعنى المتداول باستثناء استشهاد بست آيات، أربعٌ تُعلي من شأن العلم والعلماء واثنتان تتصلان بموضوع التوكّل والسعي.

 

يتضح في هذا الجانب الثاني من محاضرة الخلدونية أن عبده أعاد بصورة مختصرة ما كان قد تناوله مطولاً في محاضرته الجزائرية أي أنه أراد أن يؤكد أن الإيمان الصحيح قرين السعي والعمل وأن الاحتجاج بالقدر للبقاء في البطالة والكسل خطأ في فهم التوكل وتعطيل لشرع الله.

 

ما يعنينا في مقارنة مضمون المحاضرتين (الخلدونية والجزائرية) هو الحرص على مواجهة حالة الرضا والتسليم التي جعلت الكثيرين يعتقدون أن سوء حالتهم من قدر الله الذي لا مردّ له. تلتقي المحاضرتان في اعتبار الفساد والشر غير موصولين بالزمان وبالمعنى الصحيح للتوكل إنما منشؤُهما في نفوس الناس بما يحملونه من معتقدات مخطئة.

 

لكن اللافت للنظر هو أن عبده راعى حال المخاطَبين في كل من تونس والجزائر، فقد كيّف شرحه لسورة العصر وتناوله لمسؤولية الإنسان بما يناسب الوضع الاجتماعي والثقافي الخاص بالجزائر فاهتم أكثر بتعلّم اللغة العربية وإتقانها وبطبيعة العلاقة بالآخر المختلف دينياً. هذا في حين تناول المقولة نفسها في السياق التونسي ضمن إطار المؤسسة التعليمية بما يحقّق لها تحصيل الملكة والارتقاء فيها بالعلوم الأساسية التي على رأسها التمكّنُ من اللغة العربية «الوسيلة المفردة لإصلاح عقائدنا».

 

السؤال الذي يطرح نفسه عند تناول المحاضرتين يتعلق بمنهج محمد عبده في تفسيره للنص القرآني ذلك أنه يتعذّر السعي إلى مدلولات القرآن من دون اعتماد على نظام فكري ونسق ثقافي يمثلان قاعدة العلاقة بين المفسر بالنص.

 

ما يبرز في مستوى أول أن عبده لم يكن – في محاضرتيه وبخاصة في محاضرة الخلدونية – منشغلاً بالتفسير قدر انشغاله بالواقع المتردي في القطرين المسلمين. لكنه كان في واقعيته تلك يختار من النص القرآني ما يلائم غايته ويدعم دعواه الإصلاحية. من جهة ثانية إذا استعرضنا الأسلوب المعتمد (تأطير السورة – مكية مدنية – اللغة والاصطلاح – تفسير القرآن بالقرآن) والمراجع التي يحيل عليها (الشافعي- البيضاوي) ذهب بنا الظن أن عبده يفهم النص بحسب المعاني التي ضُبطت زمنَ نزوله وما تلا ذلك بقرنين وأكثر.

 

إذا وسّعنا دائرة السؤال الباحث في علاقة عبده المفسر بالنص وعدنا إلى نصوصه الأخرى اتضحت لنا الصورة في ما يمكن أن نعتبره نوعاً من المنزلة بين المنزلتين:

 

– هو لا يتجاهل الثقافة المرجعية الحافّة بالنص المقدس المعروفة بالعلوم النقلية لكنه يضيف إليها بعض المؤلفات الأوروبية الحديثة.

 

– يجاهر بمناهضته للشيوخ الرافضين ومحدودية أفقهم الفكري لكنه يعتبر أن نهضة المسلمين لا يمكن أن تقوم إلا على أساس «الداخل الثقافي».

 

– أكثر من ذلك، نجد له رأياً لافتاً في خصوص تفسير القرآن سجّله تلميذه رشيد رضا عندما ألح عليه في القيام بدروس في التفسير بالأزهر. امتنع عبده عن القيام بهذه الدروس مبيناً أن «القرآن لا يحتاج إلى تفسير كامل فله تفاسير كثيرة أُتقن بعضُها ما لم ُيتقَن بعض آخر لكن الحاجة شديدة إلى تفسير بعض الآيات» ثم قَبِل إلقاءَ سلسلة من دروس التفسير.

 

يضيف في مقدمة تفسير المنار قوله: «التفسير عند قومنا اليوم ومن قبلِ اليوم عبارة عن الاطلاع على ما قاله بعض العلماء في كتب التفسير على ما في كلامهم من اختلاف يتنزّه عن القرآن القائل: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً».

 

تؤكد جملة هذه المواقف المتباينة أن صاحب المنار يقف على مشارف تحوّل مفصلي مما يجعل من العسير أن نصنفه ضمن المفسرين التراثيين للقرآن: إنه وإن لم يتنكر للعدّة المعرفية التي اعتمدها القدماء ولبعض أساليبهم في شرح النص فإن البناء الفكري الذي يقود تفسيراته يختلف عما ظلت المدرسة التراثية تعتمده باستمرار.

 

لا شك في أن عبده كان متبرّماً بتلك المدرسة التي يكون المفسّر فيها متحرّكاً ضمن الموروث اللغويّ والفقهيّ والعقديّ وخاضعاً لمنهج يجعل اللغة والتراث «يفكّران» من خلاله وليس العكس.

 

ما يؤكّد هذه العتبة التدشينية التي لم تبلغ مرحلة القطع مع المناهج الموروثة ما نجده في ثنايا المنار مما يمكن أن نعدّه تعليلاً لهذا القلق والتبرّم:

 

يقول عبده: «التكلّم في تفسير القرآن ليس بالأمر السهل وربما كان من أصعب الأمور… وأهم وجوه الصعوبة أن القرآن كلام سماوي تنزل من حضرة الربوبية التي لا يُكتنَه كُنهُها على قلب أكمل الأنبياء». يضيف في فقرة أخرى: «إن الله تعالى لا يسألنا يوم القيامة عن أقوال الناس وما فهموه وإنما يسألنا عن كتابه الذي أنزله لإرشادنا وهدايتنا».

 

تتأكد هذه المسألة عندما ننظر في آثار السيد جمال الدين فنجد المقولة ذاتها: «القرآن وحده سبب الهداية والعمدة في الدعاية أمّا ما تراكم عليه وتجمّع حوله من آراء الرجال واستنباطهم ونظريّاتهم فينبغي أن لا نعوّل عليه».

 

كيف يمكن أن ننزّل هذه المواقف الناقدة ضمن سيرورة جهود القراءات التفسيرية الحديثة للقرآن؟

 

لقد صيغت دعوة التحرّر من عبء المدونة التفسيرية التي اعتبرها الإصلاحيون أخرجت الكثيرين عن المقصود من الكتاب الإلهي في تثبيت مقولة: «القرآن كتاب هداية».

 

انطلاقاً من هذه المقولة أمكن لمحمّد عبده أن يفتح طريقاً جديدة للعلاقة بالنصّ القرآني. هذه العلاقة تحدّد للتفسير هدفاً مغايراً لما استقر عليه المفسرون التقليديون، إنه: «ذهاب المفسّر إلى فهم المراد من القول وحكمة التشريع في العقائد والأحكام على وجه يجذب الأرواح ويسوقها إلى العمل والهداية المودعة في الكلام». الغرض الجديد للتفسير في تيار المنار هو التوصّل إلى الاهتداء بالقرآن أي أن وظيفة النصّ القرآني تتحدد في إصلاح المجتمع.

 

(*) أكاديمي تونسي

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 10 ديسمبر 2005)

 


 

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

26 août 2006

Home – Accueil – الرئيسية   TUNISNEWS 7 ème année, N° 2287 du 26.08.2006  archives : www.tunisnews.net LTDH: Déclaration AISPP: Communiqué

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.