الأحد، 11 ديسمبر 2005

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2029 du 11.12.2005

 archives : www.tunisnews.net


المجلس الوطني للحريات بتونس:  لجنة جائزة الهاشمي العياري 2005 لجمعيّة القضاة التونسيين

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فرع المنستير: بيان إلى الرأي العام

لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر : »تونس و اليوم العالمي لحقوق الإنسان: 400 سجين سياسي لا يزالون في أقبية السجون »

لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر رسالة إلى السيد كوفي عنان 

الرابطة الليبية لحقوق الإنسان:آن الأوان لتحديد مسؤولية حكومة مصر فى اختطاف داعية حقوق الإنسان الليبىالسيد منصور الكيخيا
الحياة: انتقادات سويسرية لتونس تسمم العلاقات الثنائية 
ميدل إيست أونلاين: بن علي: تونس ليست في حاجة إلى نماذج جاهزة
العربية.نت : انتقد فرنسا ضمنا..الرئيس التونسي يصف معارضيه بغياب الحس الوطني

الجزيرة نت: المعارضة التونسية قبل وبعد قمة المعلوماتية

  

صلاح الدين الجورشي: تونس: عندما تصبح الخلافات الأيديولوجية عاملا ثانويا

توفيق المديني: إنعقاد  قمة المعلوماتية في ظل إحتضارالحريات وموت السياسة في تونس

  مرسل الكسيبي: نجاح الإصلاح في تونس مرهون بوحدة الصف المعارض

أبو غسان (صحافي): نقابة الصحافيين التونسيين الى اين؟

الطاهر الأسود: في مواجهة المحظور: كلوني Clooney في مواجهة تشويه الحقيقة الإخبارية
رفيق عبد السلام: الدولة اللائكية الفرنسية والاستبداد الحديث  
فاضل السّــالك:  المدينة التائهة

حسين المحمدي: « مجازر عربية يومية بدم بارد .. أنموذج تونس » (الحلقة 16)

 


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 
 
المجلس الوطني للحريات بتونس
 تونس في 11 ديسمبر 2005

لجنة جائزة الهاشمي العياري 2005 لجمعيّة القضاة التونسيين

    أسندت لجنة جائزة الهاشمي العياري المتكونة من الأستاذ الهاشمي جغام  (رئيس) و  السادة علي بن سلم و التيجاني حرشة و المختار العرباوي (أعضاء)، الجائزة لهذه السنة  2005
 

لـ جمعيّة القضاة التونسيين

و ذلك تقديرا لمواقفها النضاليّة  وصمودها من أجل استقلال القضاء ولنضالات هياكلها واعتبارا لتضحيات أعضاء هيئتها في السنوات الأخيرة. و قد تمّ تسليم الجائزة يوم السبت 10 ديسمبر، العيد السابع لتأسيس المجلس، و الذكرى السابعة و الخمسون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خلال حفل تكريم التألم بمقر التكتل الديمقراطي من اجل العمل و الحريات بحضور ممثلين عن أحزاب و منظمات المجتمع المدني والعديد من النشطاء في حقل حقوق الإنسان.
و ذكرت الناطقة الرسمية للمجلس بالدور الرائد الذي لعبته جمعيّة القضاة التونسيين هذه السنة و المكانة التي تحتلها قضية استقلال القضاء في إرساء دولة القانون و إحداث نظام ديمقراطي، ثم قام السيد علي بن سالم بتسليم الجائزة باسم لجنة جائزة الهاشمي العياري إلى القاضية وسيلة الكعبي والقاضية ليلى بحرية نيابة عن جمعيّة القضاة التونسيين و ألقت بهذه المناسبة كلمات مؤثرة عبرتا فيها عن استعداد القضاة التونسيين الشرفاء لمواصلة نضالهم من اجل قضاء مستقل مهما كلفهم ذلك من تضحيات.   عن المجلس الناطقة الرسمية سهام بن سدرين


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

المنستير، في 11 ديسمبر 2005

بيان إلى الرأي العام

 

بمناسبة إحياء الذكرى 57 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان و استجابة لنداء الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع

عن حقوق الإنسان، دعا فرع الرابطة بالمنستير منخرطي ومناضلي الجهة للتجمع أمام مقر فرعهم تحت شعار  » من أجل استرجاع حقهم في استغلال مقرهم  » الكائن بطريق القيروان – حي العمران.

 

و لكن جحافل من البوليس السياسي بالزي المدني اعترضت سبيلهم و حالت دون وصولهم إلى المقر ، و قد استعملت في ذلك شتى أشكال العنف البدني  والألفاظ النابية و البذيئة  كما تعمد أحد أفراد المرتزقة من البوليس إلى تصوير الأحداث بواسطة آلة فيدو مما استقطب اهتمام وتعاطف كل المواطنين الذين تجمهروا و عبروا عن استيائهم

مما عاينوه من تصرفات لا إنسانية و لا أخلاقية تجاه مناضلي الرابطة و تجاه عموم المارة من ذلك الطريق.

 

و نحن إذ نحيي في هذه المحطة النضالية جميع أنصار الحرية في تونس و في العالم قاطبة فإننا:

 

1- نثمن استجابة كل الرابطيين و المناضلين الديمقراطيين الذين لبوا نداء الدعوة و هبوا لمناصرة منظمتهم و للدفاع

عن استقلاليتها.

2- نستنكر تواصل التصرفات التعسفية القمعية و المتخلفة التي تعكس الانغلاق و الهبوط السياسي الذي صار السمة

المميزة لسلوك السلطة و لتعاطيها مع أنشطة منظمات المجتمع المدني.

3- نحيي النضالات التي تخوضها الشعوب من أجل تحررها وتقرير مصيرها و استعادة سيادتها وفي مقدمتها شعبنا في كل من العراق و فلسطين.

4- نعلن إصرارنا على التمسك بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كمنظمة وطنية إنسانية مستقلة و مناضلة من أجل الحرية و الديمقراطية.

 

عن هيئة الفرع

الرئيس

سالم الحداد

 

(المصدر: قائمة مراسلات 18 أكتوبر بتاريخ 11 ديسمبر 2005)

 


 

لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر

 

بلاغ

 

« تونس و اليوم العالمي لحقوق الإنسان: 400 سجين سياسي لا يزالون في أقبية السجون »

 

رغم وجود تونس على أرض هذه المعمورة و رغم انتساب انسانها الى هذا العالم و اعلان السلطة فيها على التزامها بالمواثيق الدولية و منها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فان الأوضاع فيها- أوضاع الحريات تبعث على القلق و الذعر. تلك حقيقة ماثلة في الواقع السياسي التونسي شهد عليها العالم كله.

  فبعد انقشاع حجب المغالطات و تعرية الزيف الذى تبثه وسائل إعلام  نظام الحكم في تونس فإنّ شمس الحقيقة التى سطعت أخيرا بعد نضالات المساجين السياسيين و اضرابات الجوع المتعاقبة و التى كان آخرها و أهمّها اضراب الجوع الذى قامت به نخبة من سياسيي تونس و مناضلي حقوق الإنسان فيها قد كشفت زيف نظام الحكم فى تونس و ابانت للعالم هول الإنتهاكات التى يمارسها تجاه كل رأي مخالف فكانت قمة المعلومات شهادة بالغة عن عمق هذه التجاوزات و مثّل إنعقادها أرضية خصبة لإجماع عالمى حول تردّى الأوضاع فى تونس

 و لأن أملت العديد من الأطراف الداخلية و الخارجية تغيرا فى الأوضاع باقدام نظام الحكم على بعض الإجراءات لتحسين أوضاع الحريات و على رأسها الإفراج عن المساجين السياسيين فإنّ خيارات السلطة سارت بعد انتهاء أعمال القمة فى الإتجاه المعاكس حيث قامت أجهزتها البوليسيّة بملاحقة الناشطين الحقوقيين و السياسيين و تعنيفهم و الإعتداء عليهم و اعتقالهم ومنع العديد من المناضلين من السفر و مزيد التنكيل بالمساجين السياسيين الذين يصرون على مواصلة إضراب الجوع.

ان لجنة مساندة 18 اكتوبر بالمانيا تدعو:

1.    كل انصار تحركات 18 اكتوبر و كل الأحرار فى العالم و محبي الحرية الى مزيد من النضال و الضغط على السلطة لحلحلة الأوضاع و تحقيق مطالبنا المشروعة فى الإفراج الفورى عن المساجين السياسيين و اعلان العفو التشريعى العام و بسط الحرية أمام الناس و تحقيق الحريات الأساسية, حرية الصحافة و الإعلام و حرية التنظم.

2.     تدعو بهذه المناسبة كل أصدقائها الى العمل على تحقيق اهداف تحركات 18 اكتوبر

3.     تناشد كل المسؤولين و على رأسهم السيّد  كوفى أنان أمين عام الأمم المتحدة أن يدافع عن  حقوق الإنسان فى تونس .

 

عن لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر

الناطق الرسمي

محمد طه الصابري

الهاتف.00491625713249

www.aktion18oktober.com

info@aktion18oktober.com

  


 

لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر

 

السيد:  كوفي عنان

تحية احترام و بعد

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الأنسان نود أن نرفع لكم نحن لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر بالغ التقدير و الشكر على موقفكم من قضايا حقوق الإنسان و الحريات الذى عبرتم عنه اثناء انعقاد قمة مجتمع المعلومات بتونس ونلفت إنتباهكم إلى تواصل التدهور الخطير لأوضاع الحريات و حقوق الإنسان فبالرغم من إضراب الجوع المتواصل و الذي يخوضه المساجين السياسيين و بالرغم من الإدانة العالمية لإنتهاك السلطة لحقوقهم و للحريات عموما و حدها من نشاط منظمات المجتمع المدنى فان سلوكها بعد القمة و بعد اضراب الجوع الذى خاضه الثمانية من مختلف الأطراف لا يزال على حاله موغلا فى المحاصرة و المتابعة و التعذيب اذ سجلنا العديد من الحالات الخطيرة التى تعرض لها العديد من المناضلين الحقوقيين و السياسيين من اعتداء عنيف بالضرب و اعتقال كما ان وضع المساجين السياسيين يزداد سوءا فى الوقت الذى ينتظر فيه العالم الإفراج عنهم.

ان عيون المضطهدين فى تونس تتطلع لهذا اليوم متعلقة آمالها بكم من اجل انهاء معاناة الإنسان فى تونس تحقيقا للحرية و قطعا مع الإستبداد و الظلم.

اننا نناشدكم من خلال هذه الرسالة التحرك السريع لإنهاء معاناة السجين السياسي و الدفاع عن مبادئ الإعلان العالمى لحقوق الأنسان من احترام للحريات العامة و احترام للإنسان و حرمة جسده وتحقيقا لحرية الإعلام و حرية التنظم.

 

عن لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر

الناطق الرسمي

محمد طه الصابري

الهاتف.00491625713249

www.aktion18oktober.com

info@aktion18oktober.com

 


تصويب

لقد ورد عن خطإ في البيان الصحفي الصادر يوم 5 ديسمبر والمعلن عن تأسيس هيئة 18 اكتوبر للحقوق والحريات إمضاء المجلس الوطني للحريات بتونس والحال أنني أمضيت باسمي الشخصي على هذا البيان ولم يشارك المجلس في هذه الهيئة. لذا وجب التصحيح.

 

الكاتب العام للمجلس

عبد القادر بن خميس

 


تصحيح من طرف جمعية الزيتونة بسويسرا

ورد في بيان جمعية الزيتونة بسويسرا حول التجمع الذي أقامته أمس 10.12.2005 بمناسبة الذكري 57 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ذكر استقبال وزيرة الخارجية السويسرية لوفد من مضربي حركة 18 أكتوبر ولم تقع الإشارة إلى أن استدعاء هذا الوفد الى سويسرا و المقابلة مع وزيرة الخارجية السويسرية وما صاحبها من تحركات  تم تنظيمه من طرف جمعية الحقيقة والعمل Vérité-Action و هي مشكورة و مناضليها عليه.


الرابطة الليبية لحقوق الإنسان

allibyah@yahoo.com

 

10 ديسمبر 2005

 

آن الأوان لتحديد مسؤولية حكومة مصر فى اختطاف داعية حقوق الإنسان الليبى

السيد منصور الكيخيا

 

1.     فى مثل هذا اليوم، 10 ديسمبر، من سنة 1993 اختطفت أجهزة الأمن المصرية داعية حقوق الإنسان الليبى، السيد منصور الكيخيا، من فندقه فى القاهرة بينما كان يحضر اجتماعات المنظمة العربية لحقوق الإنسان بصفته عضوا فى مجلس امنائها. ولم يعرف للسيد الكيخيا بعد الإختفاء القسرى لا جثة ولاقبرا ولا أثر . وهذه المرة الأولى التى يختفى فيها شخص فى مصر، فى الخمسين سنة الأخيرة، وتفشل كل أجهزة أمن مصرعلى اختلاف أنواعها ومهماتها فىتحديد الجهة المسؤولة عن جريمة الخطف أوالعثور على اي مؤشر أو حتى خيط لهذه الجريمة التى يبدو أنها أعدت ونفذت بدقة متناهية وبإمكانيات متقدمة وتسهيلات كبيرة لا تتوفرإلا لأجهزة أمن  حكومية رسمية.

 

2.       لقد قامت الرابطة خلال ال12 سنة الأخيرة بالإتصال بالعديد من الجهات بما فيها رئاسة جمهورية مصر إلا أنها لم تستلم أي شيئ من شأنه أن يساهم فى معرفة ماذا جرى للسيد الكيخيا فى مصر ليلة ال10 من ديسمبر 1993. كما قامت جهات عديدة أخرى، بما فيها فريق العمل الخاص بالإختفاء القسرى التابع للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بالإتصال بوزارات ومؤسسات رسمية مصرية عديدة إلا انها جوبهت كل تلك الجهات بنفس الرد المتكرر والغير مقنع للحكومة المصرية ومفاده ان ليس لديها « أي جديد فيما يخص ملف السيد الكيخيا » وكأنها تريد ان تقول بأنها  طرف مباشر فى جريمة الإختفاء الذى لن يفتح ملفها طالما استمرت هذه الحكومة فى موقع السلطة. وتخشى الرابطة ان ينجر عن هذا الموقف اللامسؤول، والذى لا يعير القانون واحترام حقوق الإنسان الإهتمام المطلوب، عواقب غير إيجابية، على المدى البعيد، على علاقات الجوار التى تربط الشعبين الليبى والمصرى. إن سياسة « الهروب الى الأمام » التى انتهجتها الحكومة المصرية منذ ديسمبر 1993 فى تناولها لهذا الملف وإصرارها على الإستمرار فى النهج ذاته لن يسفر إلا عن المزيد من التنديد بدورها المشبوه فى عملية خطف السيد الكيخيا والذى ينظر إليه فى كثير من الدوائر على أنه تدخلا سافرا فى الشؤون الداخلية لليبيا.

 

3.       إن الإسراع فى إغلاق ملف اختفاء السيد الكيخيا عن طريق كشف كل الحقيقة حول اختطافه ومصيره  لن يكون له الا نتائج إيجابية بالنسبة لجميع الأطراف بما فيهم اسرة وأهل السيد الكيخيا. وسوف يضع حدا، على وجه الخصوص، « للإشاعات » المتزايدة والتى تتهم صراحة مسؤولين مصريين كبارا بالضلوع فى استلام مبالغ مالية كبيرة وعقارات ورشاوى أخرى عن دورهم فى اختطاف السيد الكيخيا. إننا ندعو الحكومة المصرية أن تتخذ الإجراءات التى طال انتظارها والبدء فى التحقيق الجدى فى هذه الجريمة التى لا تليق بمركز مصر وهيبتها بين الأمم وسوف تؤثرسلبا على سمعةمؤسساتها واجهزتها إن لم يتخذ فيها إجراء عاجل. إن الحكومة المصرية مطالبة اليوم بوضع حد لتقاعصها فى هذه القضية التى لن تنسى وذلك عن طريق فتح ملفها بطريقة جدية والبدء فىالتحقيق مع الجناة المعروفين تمام المعرفة لدى الأجهزة المصرية.

 

4.      تدعو الرابطة كذلك المنظمة العربية لحقوق الإنسان فى القاهرة لتوضح موقفها من اختطاف عضو مجلس امنائها السيد الكيخيا وبأن يعطى ملفه الأولوية التامة ضمن نشاطاتها.  إن جريمة الإختطاف تتطلب من زملاء السيد الكيخيا فى المجلس ومن المنظمة التى ساهم فى إنشائها واشترك فى قيادة أعمالها موقف تضامنى اكثر صلابةوتصميما. إننا نطالب المنظمة، على وجه الخصوص، بتحديد علاقاتها مع الحكومة المصرية بناءا على تجاوب الأخيرة مع المطالب التى تنادى بالتحقيق العادل والشفاف فى هذه القضية. إننا نطالب المنظمة بنقل مقرها الى خارج مصر إذا ما تمادت الحكومة المصرية فى إهانتها لها عن طريق تجاهل ملف اختطاف عضو مجلس امنائها. لقد تسبب اختطاف السيد الكيخيا فى خلق عوائق إضافية فى طريق نمو وتضامن حركة حقوق الإنسان العربية التى مثلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، لفترة، إحدى نواتها. وقد كان لموقف المنظمة اللين أو الضعيف، الذى لا يتناسب مع فداحة الجريمة، واستمرار وجودها فى مصر، وكأنه شيئا لم يكن، قد أعطى لحركة حقوق الإنسان العربية مثالا غاية فى السوء عن مستوى تضامن أعضائها وطريقة الدفاع عن نشطائها. إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان مطالبة اليوم بإظهار ولو الحد الأدنى من الوفاء والإخلاص تجاه أعضائها من أمثال السيد الكيخيا الذى ضحى بحياته وبسعادة أطفاله وأسرته من أجل رفعة قضيتنا جميعا؛ قضية حقوق الإنسان.

 

10 ديسمبر 2005


انتقادات سويسرية لتونس تسمم العلاقات الثنائية

تونس – رشيد خشانة    

 

ألقى استقبال وزيرة الخارجية السويسرية وفداً من المعارضين التونسيين الزيت على العلاقات الثنائية المحتقنة منذ الاحتكاكات التي أبصرتها كواليس القمة العالمية للمعلوماتية والتي استضافت تونس مرحلتها الثانية الشهر الماضي، فيما بدا انتخاب موريتز لوينبرغر رئيساً جديداً لسويسرا اعتباراً من العام المقبل مؤشراً على دخول العلاقات منطقة زوابع صعبة.

 

على رغم ان تونس وسويسرا تعهدتا التنسيق لمتابعة تنفيذ قرارات قمة المعلومات التي تقاسمتا مرحلتيها الأولى والثانية في السنتين 2003 و2005، تدهورت العلاقات الثنائية في الفترة الأخيرة ما حمل السويسريين على تسليم السفير التونسي في بيرن عفيف هنداوي الشهر الماضي مذكرة احتجاج على ما اعتبروه مبادرات غير ودية من الجانب التونسي. وأفيد أن السويسريين غضبوا من قطع التلفزيون الرسمي التونسي بث خطاب رئيسهم صامويل شميت في الجلسة الافتتاحية للقمة لدى تعرضه لموضوع حرية التعبير عن الرأي وحرية الإبحار على شبكة الانترنت، في اشارة غير مباشرة للرقابة التي تنفذها السلطات التونسية على مستخدمي الشبكة ووجود شباب معتقلين منذ أكثر من سنة بسبب دخولهم مواقع «محظورة».

 

وقال مصدر مطلع ان ما زاد من غضب الوفد السويسري إقدام التونسيين على «فرض رقابة» على مواقع إعلامية سويسرية أثناء القمة، ما حملهم على طلب استفسارات من الحكومة السويسرية زعموا انها بقيت «من دون جواب مقنع». وتكهربت الأجواء خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الاتصالات لوينبرغر (الذي حل محل شميت في رئاسة الوفد بعدما غادر الأخير تونس) بسبب أسئلة طرحها عليه صحافيون رسميون تونسيون وصفت سويسرا بكونها بلد تبييض أموال.

 

وعلى خلفية هذه التطورات شكل انتخاب لوينبرغر الاربعاء رئيساً جديداً للكونفيديرالية السويسرية خبراً سيئاً للتونسيين بسبب الاحتكاكات التي أبصرتها علاقاته مع البلد المضيف خلال قمة المعلومات. ولم تساعد استضافة منظمات غير حكومية سويسرية في الأيام الأخيرة ندوات وموائد مستديرة تطرقت لأوضاع الحريات وحقوق الانسان في تونس بمشاركة نشطاء تونسيين على ترطيب الأجواء بين العاصمتين.

 

إلا أن الأمور زادت تعقيداً مع استقبال وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي الخميس وفداً ضم اربعة من النشطاء التونسيين من ضمنهم المحاميان المعارضان عبدالرؤوف العيادي وسمير ديلو اللذان شاركا في اضراب عن الطعام شنته ثماني شخصيات عامة طيلة أكثر من شهر قبل قمة المعلومات.

 

وردت الخارجية التونسية على الخطوة بدعوة السفير بيار دي غرافنفيلد وسلمته رسالة احتجاج شديدة اللهجة معتبرة المحاميين «متطرفين» ووصفتهما بكونهما من «الدعاة للعنف والارهاب». وأتت تلك الخطوة مؤشراً جديداً الى تسميم الأجواء بين العاصمتين بعد اللجوء «للتخاطب بواسطة مذكرات الاحتجاج»، كما قال مراقبون في تونس.

 

والأرجح أن الاتصالات التي أجراها وفد من المضربين السابقين عن الطعام مع مسؤولين في لجان المفوضية السامية لحقوق الانسان في مقر الأمم المتحدة في جنيف بعد اجتماعه مع الوزيرة كالمي راي، لن تزيد سوى من تكاثف سحب جديدة في سماء العلاقات التونسية – السويسرية فيما لا تبدو في الأفق مؤشرات على إمكان تجاوز الأزمة في الأمد القريب.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 11 ديسمبر 2005)


 

بن علي: تونس ليست في حاجة إلى نماذج جاهزة

 الرئيس التونسي ينتقد في خطاب ألقاه بمناسبة صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان طرح تصورات نظرية لا جذور لها في الواقع.

 

تونس – قال الرئيس التونسي زين العابدين بن علي انه لم يفصل يوما « مسيرة الحريات وحقوق الإنسان في بلاده عن مسيرة التنمية الشاملة وبناء الديمقراطية وترسيخ التعددية » مؤكدا ان تونس « لم تكن في حاجة إلى نماذج جاهزة ترجع إليها أو تصورات نظرية لا جذور لها في الواقع ».

 

وأوضح في خطاب ألقاه في موكب احتفالي بالذكرى 57 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه « قد يبدو للبعض ان التقدم الاقتصادي والاجتماعي كان أسرع نسقا وأوضح نتائج من التقدم السياسي والديمقراطي لكن في ذلك خطأ في التقويم قد يكون عن حسن نية نقبلها عذرا وقد يكون عن سوء نية هي مرفوضة » مضيفا « ان في ذلك تجاهلا للواقع لان صيانة حقوق الإنسان وتوسيع مجال الحريات والبناء الديمقراطي وترسيخ حرية الرأي والتعبير هي كلها ثمار جهد متواصل لم نتوقف عن بذله عبر مبادرات متتالية دعمناها بإصلاحات عميقة ».

 

ولاحظ ان الشعب التونسي « أصر علي رفع التحدي في وفاق وتآزر وواصل مسيرته الوطنية الموفقة إلى الأمام بخطي ثابتة غير عابئ بأولئك الذين لا يعملون ويؤذى أنفسهم ان يعمل الآخرون وينجحون ».

 

كما أعرب الرئيس بن علي عن اعتزازه بنجاح تونس في تنظيم القمة العالمية حول مجتمع المعلومات مبرزا انها برهنت بحق على أنها « بلد صاعد يتقدم باطراد، بلد عصري ناهض راهن على التطوير والتحديث بكل ثبات وان حاول بعض المناوئين او الأطراف التي تحن إلى الماضي ولا يمنعها الحياء حتى من استعمال عبارة « مستعمرات سابقة » ان يغرق ذلك النجاح المتميز بالدعاية حول حالات تعد على أصابع اليد الواحدة ولا علاقة للسلطة العمومية بها وهي اليوم من أنظار القضاء ».

 

وقد تسلم الرئيس بن علي خلال الموكب الدكتوراه الفخرية من جامعة « ماسيراتا » الإيطالية كما تولى تسليم جائزة رئيس الجمهورية لحقوق الإنسان لرئيس كرسي الحوار بين الحضارات والأديان.

 

(المصدر: موقع ميدل إيست أونلاين بتاريخ 10 ديسمبر 2005)

 


انتقد فرنسا ضمنا..

الرئيس التونسي يصف معارضيه بغياب الحس الوطني

تونس – سليم بوخذير

 

وصف الرئيس التونسي زين العابدين بن علي السبت 10-12-2005 المعارضين السياسيين في البلاد بـ »غياب الاحساس الوطني »، وغمز من قناة فرنسا ضمنا في خطابه الذي ألقاه بمناسبة اليوم العالمي للميثاق العالمي لحقوق الانسان، بقوله إن « أطرافا تحن الى الماضي ولا يمنعها الحياء حتى من استعمال عبارة مستعمرات سابقة ».

 

واعتبر معارضون تونسيون خطاب الرئيس تشكيكا في وطنيتهم وتخوينا لهم. وبخصوص فرنسا، قال « الأطراف التي لها حنين الى ماض  قد ولى  منذ ظفر هذا الشعب الأبي بالاستقلال » في اشارة الى استقلال تونس في 1956.

 

وكان وزير الخارجية الفرنسي دعا تونس الى « انهاء انتهاكات حقوق الانسان واطلاق الحريات العامة » في اعقاب الاعتداء الذي استهدف الصحفي الفرنسي كريستوف لويتانسكي مبعوث جريدة « ليبيراسيون » الى تونس عشية القمة العالمية لمجتمع المعلومات اثر تقرير نشره  عن اوضاع  حقوق الانسان في تونس.

وفي رده  على دعوات الاصلاح، عبر بن علي عن  رفضه لمفهوم الاصلاح بالصورة  وبالسرعة التي تراها المعارضة وعديد من الجهات الدولية المنتقدة لتونس ، متجنبا  تقديم تفاصيل وافرة عن تصوره هو للاصلاح او اعلان سقف زمني واضح لهذا الاصلاح  حيث اكتفى بالاشارة الى رفضه  » التسرع  في الاصلاح  الذي  يؤدي  الى قفزة  في المجهول تؤدي الى عودة التطرف والعنف » في اشارة واضحة لمواصلة الحكومة التونسية لرفض الأحزاب الاسلامية.

 

واعتبر مراقبون أن خطاب الرئيس التونسي أعطى انطباعا بأن بن علي يرفض مطالب المعارضة  التونسية وهي الافراج عن سجناء الرأي، والترخيص للمنظمات والأحزاب المحظورة وكذلك اطلاق حرية النشر والاعلام  للمواقع والجرائد المحظورة.

 

كما ينطوي على احتمال بداية تشكل أزمة  دبلوماسية  بين تونس وفرنسا ، انتقلت مظاهرها  من الكواليس، الى التصريحات الواضحة  لوزير الخارجية الفرنسي والى لتصريحات المضادة شبه المباشرة للرئيس التونسي.

 

وكان مسؤول تونسي فضل عدم الكشف عن اسمه، رد على استقبال وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي معارضين تونسيين، بقوله « التصرف غير الصديق وغير المقبول » فيما وصف في ذات التصريح من استقبلتهما الوزيرة السويسرية، وهما عبد الرؤوف العيادي  نائب رئيس  حزب المؤتمر من اجل الجمهورية  المحظور  وسمير  ديلو ممثل جمعية المساجين السياسيين بـ  » المنافقين  دعاة العنف  والإرهاب ».

 

(المصدر: موقع العربية.نت بتاريخ 10 ديسمبر 2005)

وصلة الموضوع وتعاليق القراء عليه: http://www.alarabiya.net/Articles/2005/12/10/19363.htm

 


المعارضة التونسية قبل وبعد قمة المعلوماتية  

 تامر أبو العينين (*) – جنيف

 

نظمت جمعية « الحقيقة والعمل » السويسرية والمهتمة بالأوضاع الداخلية في تونس، مجموعة من الفعاليات لتقييم وضع المعارضة التونسية بعد قمة مجتمع المعلوماتية التي انعقدت بتونس في الفترة ما بين 16 و 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

 

واستضافت الجمعية وفدا من المضربين عن الطعام ضمن ما يعرف بـ « حركة18 أكتوبر » ضم عبد الرؤوف العيادي نائب رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية المحظور، وسمير ديلو عضو إدارة الجمعية الدولية لمساندة المعتقلين السياسيين المحظورة، وعياشي الهمامي محامي الدفاع عن سجناء الرأي في تونس.

 

وجرى الحديث عن أوضاع حقوق الإنسان في تونس والممارسات القمعية التي يمارسها النظام في حق المعارضة على اختلاف توجهاتها، وذلك في حلقات حوار نظمتها « الحقيقة والعمل » بالتعاون مع جمعية « مراسلون بلا حدود » ومنظمة « اتصالات » السويسريتين.

 

والتقى الوفد التونسي وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي راي، في سابقة هي الأولى من نوعها، حيث أعربت الوزيرة عن انشغال الحكومة الفدرالية بأوضاع حقوق الإنسان في تونس والعالم العربي مؤكدة أنها أبلغت هذا القلق إلى السلطات التونسية.

 

وقال الهمامي عضو الوفد للجزيرة نت إن فتح ملفات أوضاع حقوق الإنسان والحريات في تونس على إثر انعقاد قمة مجتمع المعلومات هناك، يبعث على الأمل الجدي في أن تجد المعارضة التونسية أرضية مشتركة للعمل من أجل تقديم البدائل التي يحتاجها المجتمع التونسي سواء في المجال السياسة الداخلية والاجتماعية والاقتصادية.

 

وأرجع تأخر المعارضة التونسية في الوصول إلى تلك الأرضية المشتركة حتى الآن إلى ما وصفه بـ »عدم الثقة المزدوجة، فالمعارضة لم تصل على الثقة الذاتية بالنفس، ولا توجد ثقة متبادلة بين أطياف المعارضة على اختلاف توجهاتها الفكرية، وهو ما يعني أن المعارضة التونسية يجب أن تخوض المعركة على جبهتين؛ واحدة ضد نفسها لإصلاح الذات والثانية ضد الحكومة ».

 

تحذير للمعارضة

 

في الوقت نفسه يحذر عياشي الهمامي من تباطؤ المعارضة في الالتفاف حول القواسم المشتركة، إذ ليس من المفترض أن يصل الأمر إلى القناعة بأن النظام الحالي هو الأفضل.

 

من ناحيتها رأت رئيسة جمعية الحقيقة والعمل صفوة عيسى أن المعارضة التونسية قد اكتسبت مصداقية كبيرة أمام الرأي العام الدولي الذي بات يعرف حقيقة أوضاع حقوق الإنسان والحريات في تونس، وأصبح على قناعة بأن تلك المعارضة سلمية ولا تلجأ إلى أساليب العنف بل تستخدم أسلوب الحوار وطرح الحقائق.

 

كما أكد مستشار الجمعية عفيف الغانمي للجزيرة نت أن المعارضة التونسية نجحت في الوصول إلى مرحلة تكوين علاقات جيدة مع مؤسسات المجتمع المدني الأوروبية والدولية التي تحرص على قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان إلى جانب البرلمانيين والساسة الناشطين في هذا المجال، وهو ما كانت المعارضة التونسية تفتقد إليه في مرحلة ما قبل قمة مجتمع المعلوماتية.

 

ودعا المسئول الإعلامي بالجمعية منصور بن يحيى المعارضة التونسية لأن تحافظ على مصداقيتها من خلال التواصل مع منظمات المجتمع المدني الدولية ذات الاهتمام المشترك، وذلك لإعطاء قضية حقوق الإنسان والحريات بتونس المصداقية التي تستحقها مما سيفتح الأبواب بشكل أفضل لطرح هذا الملف بصورة أقوى.

 

(*) مراسل الجزيرة نت

 

(المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 10 ديسمبر 2005)

وصلة الموضوع: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/FEBCD596-14AC-49C1-B16D-B37412248FDB.htm

 


تونس: عندما تصبح الخلافات الأيديولوجية عاملا ثانويا

صلاح الدين الجورشي – تونس

 

مع انتهاء إضراب الجوع الذي قام به ثمانية من قيادات العمل السياسي والمدني في تونس على مدى 32 يوما، طرح السؤال التالي: ثم ماذا؟. فعلى الرغم من أهمية الحدث، لم يستجب النظام لمطالب المضربين ولا لنداءات منظمات المجتمع المدني الدولية ولم يتجاوب مع الضغوط الموزونة التي أقدمت عليها بعض الحكومات الغربية.

 

 لقد كان الحدث هاما من الناحية السياسية، وتمكن أصحابه من خلق حركية سياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، خاصة وأنه تزامن مع فعاليات القمة العالمية لمجتمع المعلومات. لكن بالرغم من كل ذلك، لم يستجب النظام لمطالب المضربين ولا لنداءات منظمات المجتمع المدني الدولية ولم يتجاوب مع الضغوط الموزونة التي أقدمت عليها بعض الحكومات الغربية.

 

لهذا توقع البعض بأن التحرك الذي قام به الثمانية وكاد أن يعرض حياتهم للخطر لم يغير شيئا كثيرا من المشهد السياسي العام، غير أن الصورة تبدو مختلفة من وجهة نظر أصحاب المبادرة ومعظم الأطراف التي ساندتهم.

 

هؤلاء يعتقدون بأنهم ساهموا في إحداث « حالة نهوض عمت مختلف الأوساط » وبناء عليه قرروا مواصلة المواجهة مع السلطة بأشكال مختلفة، فعقدوا يوم 7 ديسمبر ندوة صحفية في هذا الغرض وأصدروا بيانا جاء بمثابة الأرضية السياسية التي ستقود تحركهم خلال المرحلة القادمة.

 

فقد انفضت لجنة مساندة الإضراب التي كانت تضم شخصيات من مختلف التيارات السياسية والفكرية، واستبدلت بأخرى تحمل اسم « هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات » تتشكل من 24 شخصية، وتجمع أحزابا وتيارات وجمعيات ومستقلين.

 

ومن أهداف هذه اللجنة: « مواصلة العمل الموحد »، و »انتهاج أساليب التحرك الميداني »، و »الدفاع عن نفس المطالب التي رفعها المضربون باعتبارها الحد الأدنى الجامع »، و « مواصلة الحوار مع مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية والهيئات المدنية المعنية بالنضال من أجل إقامة دولة ديمقراطية« .

 

ثلاث جوانب مميزة

 

هناك ثلاث جوانب تميز هذا التحرك الجديد. أولها الإصرار على مواصلة تحدي السلطة، حيث تنوي الأطراف المشكلة لهذه الهيئة تجاوز وسائل الاحتجاج القديمة التي كانت تعتمدها المعارضة منذ أن انتهى شهر العسل بينها وبين نظام السابع من نوفمبر. وفي هذا السياق، يقول عياشي الهمامي (محام يساري مستقل): « سنفاجئ التونسيين بأشكال نضالية جدية لم نعرفها سابقا، وسنمر إلى الفعل وإلى الشارع والرأي العام ولن نكتف بالبيانات« .

 

إنه خطاب شبيه فيما يبدو بخطاب حركة كفاية التي أزعجت النظام المصري خلال الشهور الماضية. وإذا ما تكررت التجربة في تونس فإن السلطة ستجد نفسها بين خيارين. إما مواجهة التحركات الميدانية المتوقعة بالعنف، وهو ما من شأنه أن يثير مزيدا من ردود الفعل الدولية حول أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في تونس، التي أصبحت في الأسابيع الأخيرة تحت المجهر العالمي. وإما تغيير السياسة وفتح الحوار مع هذا الصنف من المعارضين المتمردين على بيت الطاعة.

 

الجانب الثاني يتلخص في الجمع بين التوحد والتنوع. فبالرغم من عدم انضمام حركة التجديد ومجموعة « الشيوعيين الديمقراطيين » وبعض الشخصيات الليبرالية خاصة من القطاع النسوي إلى المبادرة الجديدة تجنبا للتنسيق مع الإسلاميين، إلا أن ذلك لم يؤثر على طرافة المبادرة حيث تغلبت بقية الأطراف على اختلافاتها السياسية والأيديولوجية، وأعطت الأولوية لما هو مشترك فيما بينها.

 

وفي هذا السياق يمكن القول بأن التحرك الجماعي الذي ولدته ما يسمى بحركة 18 أكتوبر قد ساعد بعض التيارات اليسارية والشخصيات الليبرالية على تعديل نظرتها وإعادة ترتيب أولوياتها بشكل أساسي، مما كان له الأثر الحاسم في خلق تلك الحركية التي شهدتها الساحة السياسية المعارضة.

 

فليس بالأمر الهين عندما يعتبر حمة الهمامي، زعيم حزب العمال الشيوعي التونسي أن « ما يجمع الأطراف المشاركة في هدا التحرك أكثر مما يفرق بينها »، ويؤكد أن « الفوارق الإيديولوجية أصبحت في هده المرحلة ثانوية« .

 

أما الميزة الثالثة فتتمثل في أن التحرك الجديد يستند على صيغتين. الصيغة الأولى سياسية ذات طابع عملي، وتتمثل في الهيئة التي تم تشكيلها (والتي ستتولى التنسيق وتنظيم التحرك الميداني).

 

أما الصيغة الثانية الموازية التي توصلت إليها جميع أطراف المبادرة، فتتعلق بإنشاء منتدى فكري، يتولى إدارة « الحوار بين مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية التونسية حول القضايا الأساسية التي يقتضيها الانتقال إلى الديمقراطية » . وتم إعطاء الأولوية لخمسة محاور يتشابك فيها النظري بالسياسي والاستراتيجي.

 

وواضح أن الغرض من هدا المنتدى هو دفع حركة النهضة وأنصارها نحو حوار مفتوح وصريح مع مختلف مكونات النخبة السياسية والمجتمع المدني، تعلن من خلاله عن مواقفها تجاه جملة من المسائل كانت ولا تزال محل شكوك الأوساط الديمقراطية والحقوقية وعموم النخب الحديثة سواء داخل تونس أو خارجها. وتتعلق هده المسائل بحرية المعتقد والضمير، والمساواة بين الجنسين، والمسائل المتعلقة بهوية البلاد، والحرمة الجسدية التي يقصد بها « الحدود في التشريع الإسلامي« .

 

بمعنى آخر، تريد الأطراف العلمانية الشريكة في هذا « التحالف » الأول من نوعه مند عام 1987، الحصول على ضمانات مبدئية من حركة النهضة حول ما يعتبر الحد الأدنى لبناء نظام ديمقراطي. وهو شرط ضمني قبله من يمثل هذه الحركة، ولو بصفة شخصية حيث أكد زياد الدولاتلي في الندوة الصحفية أن الإسلاميين « يعملون من أجل مجتمع ديمقراطي يتسع لكل التونسيين« .

 

تجاوز العقد .. ورسائل ثلاث

 

يتبين مما تقدم أن أطرافا هامة في المعارضة التونسية قد تجاوزت « عقدة » الخلاف مع الإسلاميين، وقررت الدخول معهم في نوع من « الجبهة السياسية » بهدف فرض عدد من المطالب الخاصة بالحريات العامة. وهذا يعني أن العزلة التي فرضها النظام على حركة النهضة لمدة خمسة عشر عاما قد انتهت. كما يتبين من جهة أخرى أن النظام قد فوت فرصة « تحييد » النهضويين أو جزءا منهم بعد أن أصر على عدم التخفيف عن معتقليهم.

 

أما عن الأسباب التي ساعدت على تغيير مواقف أطراف عديدة كانت من قبل ترى في الإسلاميين الخصم الرئيسي، فقد استعرض الأستاذ نجيب الشابي، الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي، ثلاثة منها في تصريح خاص لسويس أنفو.

 

فهو يعتبر أن ذلك قد حصل نتيجة تراكمات أدت إلى اقتناع التونسيين بأن المساجين الإسلاميين قد تعرضوا لمظلمة، وأن من حقهم التمتع بالحرية كبقية المواطنين. ثم يشير ثانيا إلى الاعتصام الدي قام به المحامون دفاعا عن زميلهم المعتقل « محمد عبو » في الربيع الماضي، وهو أول تحرك مشترك ميداني بين علمانيين وإسلاميين. وبفضل وحدة العمل استطاع المحامون أن ينجحوا في تحقيق تعبئة واسعة وناجعة، مما « مهد الطريق لتكرار التجربة على مستوى وطني وسياسي مع حركة 18 أكتوبر »، حسب اعتقاد الشابي.

 

كما اعتبر أن التجربة التركية دفعت بالكثير من العلمانيين في تونس وخارجها إلى مراجعة موقفهم من ظاهرة الإسلام السياسي، إلى جانب موقف الأمريكيين والأوروبيين الجديد من مسألة الحوار مع الإسلاميين والسعي لإدماجهم في الحياة السياسية في بلدان المنطقة.

 

أما عن شروط نجاح مثل هذا الرهان، فيشير خميس الشماري، النائب السابق والمناضل الديمقراطي والحقوقي الذي لعب دورا أساسيا في تأسيس المبادرة الجديدة، في حديث خاص مع سويس إنفو إلى ثلاث عوامل يراها أساسية. وهي في الحقيقة عبارة عن رسائل مضمونة الوصول موجهة إلى الأطراف المعنية سلبا أو إيجابا بهذا الرهان.

 

الرسالة الأولى وجهها الشماري إلى الإسلاميين الموالين لحركة النهضة، حيث دعاهم إلى أخد مسألة الحوار بجدية، وتجنب الغموض أو عدم التجانس في المواقف من قضايا تعتبر أساسية، حتى لا يفتح الباب من جديد لاتهامهم بازدواجية الخطاب. كما حذر من تكرار التوظيف الذي من شأنه أن يثير ردود الأفعال وينمي الشكوك لدى البعض، مؤكدا على أهمية الالتزام بأرضية العمل المشترك.

 

أما الرسالة الثانية فهي موجهة للأطراف العلمانية التي دعاها إلى مراجعة تحليلها للأمور، والتخلي نهائيا عن منطق الإقصاء.

 

وأخيرا، حمل الشماري السلطة مسئولية ما قد يترتب عن التصعيد الذي يمكن أن تلجأ إليه من أجل المزيد من قمع الإسلاميين والمناضلين الديمقراطيين.

 

وضع غير مريح

 

يصعب التكهن بما يمكن أن تحدثه هده الهيئة السياسية التي تم تشكيلها، لكنها في العموم قد تنجح في وضع بقية الأطراف، وفي مقدمتها نظام الحكم أمام وضع غير مريح.

 

وفي هذا الإطار، يبدو أن قرار الرئيس بن علي تكليف السيد زكرياء بن مصطفى، رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان (الرسمية) بالاستماع لمشاغل أحزاب المعارضة القانونية ومنظمات المجتمع المدني المرخص لها، قد اعتبرته معظم الجهات المعنية (باستثناء بعض الأحزاب التي تربطها علاقات تعاون مع السلطة) لا يستجيب لطبيعة المرحلة.

 

لكن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لها رأي مختلف حيث قررت هيئتها المديرة طلب تحديد موعد مع بن مصطفى لتسليمه مذكرة حول الخلاف القائم بينها وبين السلطة وتنتظر أن يساعد ذلك على « رفع الموانع لإنجاز مؤتمرها السادس« .

 

أما أحزاب المعارضة الاحتجاجية (سواء المعترف بها أو غير القانونية) والجمعيات غير المرخص لها فقد تجاهلت القرار الرئاسي، اعتقادا منها بأن الوضع العام بالبلاد يتطلب تغييرا جوهريا وملموسا في أسلوب إدارة الشأن العام.

 

فهل تشهد الأشهر القادمة ميلاد جبهة سياسية تكون قادرة على إحداث حراك سياسي ينقل الأوضاع في تونس إلى مرحلة مختلفة، بعد أن بقيت المعارضة بمختلف أطيافها تراوح مكانها لسنوات طويلة؟ يقول المثل العربي: « وعند جهينة الخبر اليقين« ..

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 11 ديسمبر 2005)

وصلة الموضوع: http://www.swissinfo.org/sar/swissinfo.html?siteSect=105&sid=6303157&cKey=1134295382000

 

إنعقاد  قمة المعلوماتية في ظل إحتضارالحريات وموت السياسة في تونس

توفيق المديني (*)

 

يسترعي  إنتباه المحللين  المتابعين  للشؤون السياسية في تونس بروز حدثين مهمين يتطلبان  التوقف عندهما.

 

 الأول ، ويتمثل  في اتساع رقعة الحركة الاحتجاجية في تونس واتساع صداها بالخارج خاصة بعد أن قررت نخبة  (ثمانية  شخصيات) من رموز المجتمع السياسي والمدني القيام بإضراب عن الطعام ، بدؤوه منذ منذ 18 أكتوبر ،وحمل اسم حركة 18أكتوبر،  واستمر الاضراب طيلة شهر ، و انتهى مع نهاية القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقد ت مؤخرا بتونس.

 

1-إضراب الجوع سلاح معركة من أجل الحرية

 

و يأتي إضراب الجوع هذا في ضوء احتكار السلطة التونسية لكل شيء خلال أكثر من أربعين عاما ، إذ ً أسست  نظاماً تسلطياً شمولياً فئوياً أدى الى انعدام السياسة في المجتمع وخروج الناس من دائرة الاهتمام بالشأن العام،  مما اورث البلاد هذا الحجم من الدمار المتمثل بتهتك النسيج الاجتماعي الوطني للشعب  التونسي .فقد تفاقمت الأمراض الاجتماعية في البلادمثل  الجريمة التي تتخذ يوما بعد يوم أبعادا مفزعة (سرقة، اعتداءات، قتل، اغتصاب …) الأمر الذي جعل التونسيات والتونسيين يشعرون بانعدام الأمن في وضح النهار وفي قلب العاصمة والمدن الرئيسية، وهم يلاحظون أن الحزم الذي يظهره البوليس في ملاحقة وقمع المناضلين السياسيين والحقوقيين والنقابيين وبشكل عام أصحاب الرأي المخالف يقابله تقاعس كبير في التصدي لانتشار الجريمة والبحث في أسبابها وسبل علاجها، فما يهم السلطات هو ضمان أمن الطغمة الحاكمة لا ضمان أمن المواطن.وإلى جانب الجريمة ينتشر البغاء والكحولية وتناول المخدرات والاتجار بها في كافة أنحاء البلاد.

 

إضراب عن الطعام يلاحق إضراب عن الطعام ، تلك هي الحالة السائدة في تونس منذ عدة سنوات.فقد قامت المحامية راضية نصراوي الناشطة الحقوقية في إطار الدفاع عن حقوق الإنسان بإضراب عن الطعام قبل  عدة سنوات. و كان سبقها على هذا الطريق الصحافي توفيق بن بريك.

 

وفي الذاكرة الجمعية الأوروبية ، ظل الإضراب عن الطعام مرتبطا بقضية إيرلندا، حتى و إن كان الزعيم الهندي غاندي قد مارسه إبان النضال السلمي ضد الكولونيالية البريطانية.ومع  بداية الثمانينات، قام عشرة قياديين من منظمة الجيش السري الإيرلندي بإضراب جوع مفتوح، طالبوا من خلاله السلطات البريطانية الإعتراف بوضعهم كمساجين سياسيين . بيد أنهم ووجهوا بموقف صارم من المراة الحديدية الحاكمة آنذاك مارغريت تاتشر،فتوفيوا جميعا في السجن الواحد تلو الآخر.

 

و على الرغم من هذا الإخفاق، استمرت الإضرابات عن الطعام تتكرر في بلدان  مختلفة من العالم ، و لأسباب مختلفة.فكان للإتحاد السوفياتي مضربيه عن الطعام ، وكذلك الأمر في بولندا ، و يوغوسلافيا، و النيبال و إسبانيا.حتى فرنسا لم تنج من الإضراب عن الطعام ،إذ إن أعضاء من منظمة العمل المباشر قاموا بإضراب عن الطعام طالبوا فيه أيضا  بالحصول على وضع مساجين سياسيين.

 

ومع بداية الألفية الثالثة،اتخذت الإضرابات عن الطعام في تركيا طابعا مأساويا، حين  قام أكثر من خمسين مناضلا و مناضلة من منظمة يسارية متطرفة في عامي 2000و 2001، بإضراب عن الطعام مفتوح للمطالبة بتحسين شروط إعتقالهم داخل السجون التركية المبنية حديثا، بوصفها لا إنسانية.

 

وعلى الرغم من تراجع إستخدام سلاح الإضراب عن الطعام في العالم ، إلا أن المغرب العربي شذ عن هذا التوجه العام. فالإضراب عن الطعام لايزال منغرسا في  الثقافة السياسية الجمعية منذ وقت طويل ، ولا تشير الأحداث أنه في إطار الزوال.و على النقيض من ذلك ، فإن المرشحين لهذا الإنتحار البطيء  ما انفكوا في تزايد مستمر ، خاصة في تونس. إنهم يأتون في معظمهم من أوساط مثقفين .بعضهم صحافيين ، و بعضهم الآخر حقوقيين ، و البعض الثالث نقابيين أو أساتذة.

 

وفي بعض الأحيان يبدو أن السلاح المستخدم (الإضراب عن الطعام) يكون عكسيا طرديا مع القضية التي يدافع عنها  المضرب.وهكذا بررت المحامية راضية نصراوي حركتها بالمضايقات و الإزعاجات التي يتعرض لها وكلاؤها ، و أقرباؤها، و حتى هي شخصيا من جانب أجهزة الأمن التونسية . إن الأمر يتعلق بالدفاع عن »كرامتي كمحامية ، و كمرأة تونسية » حسب ما كتبته في  صحيفة لوموند الفرنسية..

 

إن المضربين  المغاربيين عن الطعام المستعدين للموت دفاعا عن قضاياهم ، يتراجعون  أكثر فأكثر في المدد لرهان قابليتهم للموت.ففي عام 2000 صمد الصحافي التونسي  توفيق بن بريك  لمدة 42 يوما. وكان بن بريك حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب نشره صورة كاريكاتور تنتقد قصر قرطاج.أما زميله المغربي علي المرابط ، فلم يوقف إضرابه عن الطعام إلا بعد إنقضاء 50 يوما. و استمرت المحامية راضية نصراوي في إضرابها عن الطعام لمدة 57 يوما.و كانت الشخصية الرمزية للمضربين الإيرلنديين عن الطعام ، بوبي ساند ، قد توفيت في السجن في اليوم ال65، في عام 1981.

 

ومؤخرا أنهت ثمانية شخصيات من قيادات الأحزاب والجمعيات الأهلية الإضراب عن الطعام الذي تنفذه منذ 18 أكتوبر الماضي- بعد أن صمدوا لمدة شهر- مطالبة الحكومة التونسية بسن   عفو اشتراعي عام، وتحرير قطاع الإعلام من القيود ،والترخيص لأحزاب وجمعيات غير مجازة، واطلاق سراح نحو 500 سجين سياسي، والسماح بالعمل السياسي والنقابي.وكان وزير العدل التونسي البشير التكاري قد شدد مؤخرا انه لا يوجد اي سجين سياسي في البلاد وان حتى السجناء المنتمين لتيارات سياسية مختلفة حوكموا بسبب جرائم حق عام وجرائم ارهابية. وقال ان جميع الحريات متاحة ولم يسجن احد في تونس بسبب ارائه.

 

وأعلن المضربون في بيان قرىء في مؤتمر صحفي أنه استجابة « للدعوات الدولية الصادرة بالخصوص من الوفد الذي زارنا وعلى رأسه شيرين عبادي…وسيديكي كابا اللذين ناشدونا ايقاف الاضراب باعتباره حقق أهدافه في حشد المساندة الداخلية ولفت الانظار الى مأزق الحريات في تونس…فاننا المضربون قررنا ايقاف اضرابنا عن الطعام ».واضاف البيان « حقق الاضراب الهدف المرسوم له بنسبة فاقت التوقعات فقد خلق الاضراب حركة سياسية جديدة..وقلص بالخصوص الهوة التي كانت تفصل الحركة النقابية عن المجتمع المدني بأحزابه ». و أضاف المضربون :أن إنهاء الإضراب يشكل «بدءاً لمرحلة جديدة عنوانها توحيد القوى السياسية والاجتماعية حول أرضية مشتركة اختزلتها مطالب الإضراب الثلاثة».

 

إن ممارسة الإضراب عن الطعام كسلاح معركة في تونس و باقي البلدان المغاربية بدرجة أقل ، يعكس لنا الطبيعة التسلطية للأنظمة السياسية  الحاكمة – سواء منها الجمهورية أو الملكية- إذ إنها  جميعها غير مستعدة  للمصالحة الوطنية الحقيقية  مع السياسيين المعارضين، الذين يطالبون بإحلال دولة الحق و القانون.فهذه الأنظمة يمكن لها أن تتسامح مع وجود معارضات هامشية، و يمكن أن توفر لها فضاءا نسبيا من الحرية، و لكنها تمنعها من إسماع صوتها للرأي العام المحلي أو الدولي.

 

 فالثقافة الديمقراطية، بما هي  سيرورة، و عملية ذهنية، و محرك أساسي للإنتاج ، إنتاج الأفكار و المفاهيم الكبرى، التي من شأنها أن تجعل المجتمع في حركة دائمة، كإنتاج الديمقراطية و الإيديولوجيا و الدولة و الاقتصاد و المفاهيم المتصلة بالسوق ، و مفاهيم الحرية و المساواة و العدل ، و الأطر المنظمة للحياة من قوانين و تشريعات، و دساتير،و المفاهيم المتعلقة بالتسويات السياسية بين السلطة و المعارضة، هذه الأمور جميعها غير منغرسة، و بالتالي فهي غير  متطورة في الذهنية  السياسية للنظام التونسي ، و بدرجة أقل عند باقي  الأنظمة المغاربية. و هذا ما يجعل على وجه الدقة ، عندما تحدث صراعات إجتماعية أو سياسية تلجأ السلطة إلى إستخدام  العنف لقمعها.ويظل إعلان الإضراب عن الطعام أحد  النتائج الدراماتيكية.

 

و مقارنة تونس مع جارتها الجزائر، فنادرا ما تسمع عن حصول إضراب عن الطعام إلا لدى بعض المناضلين المدافعين عن قضية الأمازيغ.و هذا لا يعني أن النظام الجزائري هو من طبيعة ديمقراطية، و إنما بكل بساطة يوجد في الجزائر فضاء واسع من حرية التعبير، كما أن الصحافة لا تعاني من القيود التي تعانيها في تونس.ف »الخطوط الحمراء »  لا توجد في الجزائرفعليا، حيث بإمكان المرء أن يقول كل شيء، و يكتب كل شيء. إن النظام السياسي الجزائري قد أقام حواجز كفاية ، بما يجعله بمنأى من الإهتزاز.

 

إنه بحكم واقع التاريخ  و القرب الجغرافي لايمكن لفرنسا  أن تظل محايدة وغير مكترثة بالإضرابات عن الطعام التي تحصل  في بلدان المغرب العربي ، خاصة تونس.لأنه في بعض الأحيان يكون المضرب عن الطعام يحمل الجنسية الفرنسية (حال علي المرابط)، وفي حالات أخرى ، ينتقل المضرب عن الطعام إلى باريس بوصفها المدينة التي تحتوي على صدى إعلامي كبير، لإعطاء بعد شعبي لمعركته من ناحية ، ومحاولة  إستخدامها كرافعة سياسية ، من أجل ثني السلطة القائمة التي يحاربها ، من ناحية أخرى.

 

وقد يصادف ترافق زيارة مسؤول فرنسي كبير مع إضراب عن طعام . و في مثل هذه الحالة،من العبث أن يتنصل المسؤول الفرنسي من إستجوابه من قبل الصحافة.و لكي يتفادى الإرتباك و الإحراج ،فإنه عادة ما يتمترس وراء التذكير بمبادى حقوق الإنسان الكونية، وتوجيه نصيحة إلى المضرب عن الطعام ، من دون توجيه نقد للسلطة الحاكمة التي تنتهك حقوق الإنسان ، وتمارس التقييد للحريات.

 

وفي تونس  حصل هذا السيناريو ، عندماكان  الرئيس الفرنسي  جاك شيراك في زيارة لذلك البلد، قبل سنتين،  و كانت المحامية راضية نصراوي مضربة عن الطعام  . فما كان من الرئيس المعني أمام تهاطل أسئلة الصحافيين سوى تهميش الإضراب عن الطعام للناشطة الحقوقية ، و إضفاء إكليل من الغار و المديح لنظام الرئيس زين العابدين بن علي في مجال حقوق الإنسان. وقد أثار هذا الموقف الفرنسي صدمة كبيرة في مختلف مكونات المجتمع المدني التونسي لجهة إضطلاع الرئيس شيراك القيام بدور الحامي و المدافع عن الإستبداد في تونس، وإختزاله المبسط      لحقوق الإنسان في الأكل و الشرب ، دون الحرية السياسية و حقوق  المواطنة، الأمر الذي قاد إلى موجة إستنكار واسعة ضده، و هو ماجعله يتراجع ، لفرط ما هو حقيقة، أن صوت فرنسا غير مكترث في بلدان المغرب العربي.

 

2-قمة المعلوماتية تعري بؤس الإعلام الرسمي التونسي

 

لقد تميز الحدث الثاني بمفارقات كثيرة خالطت أجواء قمّة تونس لمجتمع المعلومات التي عقدت مابين 16و 18 نوفمبر 2005 في العاصمة التونسية . ولم يلعب حدث دوراً كاشفاً ومعرياً لأزمة الإعلام والصحافة في تونس مثلما كان من أمر القمة العالمية لمجتمع المعلومات.  وكانت السلطة التونسية  تتوقع منطقيا أن تستفيد من هذا التجمع العالمي،لكي تظهر أمام 12رئيس دولة ، يضاف إليهم 23 ألفاً مشاركا  من المشتغلين بالانترنت والاعلام عامة ، و حشد هائل من الصحافة الدولية جاءت لتغطية هذا الحدث الدولي ، كيف أن  تونس  هذا البلد الصغير الذي لا يمتلك ثروات طبيعية كبيرة مقارنةمع جيرانه في المغرب العربي  (ليبيا والجزائر)، يمكن له من فرط عناده و تصميمه وصلابته ، أن ينافس أمما محظوظة أكثر، و يبذل جهدا  في نشر الحاسوب وشبكة الانترنت، و ينتزع شهادة لما بلغه من مستويات تحديث تقني  ومن قدرات عالية على تنظيم مؤتمر دولي .

 

فنظام الرئيس بن علي يقدم تونس على أنها بلد حداثوي، و يتحكم في إستخدام تكنولوجيات المعلومات.وقد تهاطلت عليه الشهادات  التي تزكي ملفه التنموي الإقتصادي ، وملفه الإجتماعي :تحرير المرأة.وهو يسعى من خلال إنعقاد هذه القمة العالمية للترويج   ، لصناعة السياحة التي تمثل اكبر مورد للعملة الصعبة ، واكثر القطاعات تشغيلا بعد القطاع الزراعي، وإخراس الحاسدين من معارضيه.

 

في الواقع ، هناك الوجه الآخرلتونس الذي يعمل  الناشطون في مجال حقوق الإنسان ، والمناضلون السياسيون  المتشبثون ببناء دولة الحق و القانون ،  على إظهاره أمام الرأي العام الدولي، و الذي يتمثل في إستدامة   بقاء نظام بوليسي لا يتسامح مع وجود أي رأي نقدي، أوصحافة حرة،  ويسجن معارضيه حيث تتعرض قوى المعارضة التونسية لقمع منهجي، وينتهك أساسيات مبادىء حقوق الإنسان،   و يسخر منها،ويكمم الصحافة الحرة، ويستخدم الصحافة المأجورة محليا و عربيا للدعاية للنظام، وطمس الحقيقة في تونس..

 

وفيما كان النظام التونسي مستميتا في انتزاع شرف عقد القمة العالمية لمجتمع المعلومات في تونس ، لكي يحصل على شهادة رضى من المجتمع الدولي هو في أمس الحاجة إليها في زمن اشتدت عليه أصوات الناقدين لملفه الحقوقي والاعلامي والسياسي المتعلق بالحريات حتى عدّته جمعية الناشرين الدولية ضمن أسوأ عشر أنظمة في العالم قمعا للاعلام، وطردت الجمعية الصحفية التونسية الموالية له بسبب تواطئها معه ونكوصها على الدفاع عن الصحفيين التونسيين المضطهدين، كانت القمة مناسبة نادرة من المجتمع الدولي  لتوجيه نقد لنظام الرئيس بن علي بسبب قمعه المنهجي لحرية الصحافة ، وحرية نقل و تبادل المعلومات، و إستغرابه  أيضا إختيار تونس محطة للقمة المعلوماتية، وهي البلد الذي تناقض فيه السلطة الحاكمة مع كل ما تطرحه وتدعو إليه بشان الديمقراطية .

 

لقد تعرضت تونس لانتقادات أخرى بشأن اتجاهاتها نحو حرية الإعلام. وانتقدت دراسة أكاديمية الطريقة التي تراقب بها المواقع على شبكة الانترنت وتختار منها ما يسمح به، وقد صممت الدراسة لتتزامن مع موعد القمة. وخلال القمة رفعت منظمة صحفيون بلا حدود لافتة تدين خمس عشرة دولة وصفتهم بأنهم « أعداء الانترنت » بسبب التحكم في الوصول للمواقع وشدة الرقابة، وشملت قائمة المنظمة روسيا البيضاء والصين وكوبا وإيران وليبيا وجزر المالديف وميانمار ونيبال وكوريا الشمالية والسعودية وسوريا وتركمانستان وتونس واوزباكستان وفيتنام.

 

وتنفي حكومة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أي انتهاك لحقوق الإنسان أو وضع قيود على الوصول لوسائل الإعلام التقليدية أو الالكترونية. إلا أن دراسة أجرتها مؤسسة تدعى « مبادرة الانترنت المفتوحة » أنشئت بالتعاون بين جامعات تورنتو وهارفارد وكمبريدج كشفت عن أن نحو 10% من ألفي موقع شملتهم الدراسة حظروا في تونس. وكانت هذه المواقع متخصصة في المعارضة السياسية وحقوق الإنسان، وبعضها في الصور الإباحية ووسائل التحايل على سيطرة الدولة.

 

كانت حسابات الرئيس بن علي خاطئة في هذه القمة ،  وهي تدل على نوع المستشارين الذين يحيطون به،إذ  كان حريا بهم لو كان فيهم رجل رشيد أن ينصحوه بأحد أمرين بصدد عزمه على استضافة مؤتمر اعلامي من هذا القبيل من شأنه حتما أن يجعل تونس الصغيرة تحت أضخم المجاهر وأسطع الاضواء: إما أن يقدم قبل انعقاد المؤتمر على إصلاحات جذرية في مجال الحريات الاعلامية والسياسية، فيفتح أبواب سجونه تتنفس الهواء النقي ويفك القيود الثقيلة التي تكبل الاحزاب والجمعيات حتى أفرغت السياسة إلا من النفاق ، ويرفع الأغلال عن الاعلام وشبكة الانترنيت والرقابة على الهواتف، وهي نفس المطالب التي رفعتها حركة 18أكتوبر ولاقت أضخم التجاوب داخل تونس وخارجها، باختصار أن يعدّ تونس الاعداد المناسب لاستقبال مؤتمر جوهره حرية الاعلام وما يرتبط بها من حريات سياسية وجمعياتية، وذلك ما كان يتوقعه من يفكرون في السياسة بعقولهم وليس بهواجسهم كانوا شبه مستيقنين أن الرئيس سيقدم على ذلك قبل انعقاد المؤتمر ولكن مرة أخرى تصدق الآلة التحليلية التي يستخدمها الدكتور منصف المرزوقي في توقع ما ستقدم عليه السلطة من سياسات. إذ خلافا للطريقة المتبعة في توقع سلوك شخص سويّ: أنه سيعمل وفق ما تقتضيه مصلحته، فتضع نفسك مكانه لتقدير تلك المصلحة فتتنبأ بنوع سلوكه، بدل ذلك عليك أن تسأل عندما تكون بصدد توقّع سلوك صاحب السلطة هنا أن تفكر في أشد المواقف إضرارا بمصلحته، وغالبا سيكون توقعك مصيبا. أما الاحتمال الآخر الذي كان يسعه وكان على مستشاريه أن ينصحوه به إذا كان غير مستعد في أي صورة للاقدام على مثل تلك الاجراءات والقرارات لتهيئة البلاد لاستقبال مثل هذا المؤتمر الدولي، وليس بمجرد إعداد خطة أمنية لفرض الحصار على البلاد وغلق المدارس والدوائر الحكومية من أجل التحكم في حركة السكان، الى الاعداد المادي من فنادق وقاعات وسيارات – قد يكون  إعدادها جيدا- الاحتمال  الثاني الذي يسعه في هذه الحالة الاعتذار عن الاسضافة، إذ ليس لدينا في سوق الاعلام  ما نعرضه بل كل الذي عندنا هو من صنف  ما هو جدير بشدة التكتم عليه والتواري به، ولكن يبدو أن القوم قد اطمأنوا الى الحكمة التي تقول « اكذب واستمر في الكذب، مؤكدا باستمرا أن ليس في تونس مساجين سياسيين حتى وإن كنت في جانب والعالم كله في جانب آخر، كما ذكر الدكتور ابن جعفر، المهم ألا تتراجع، فسيصّدق الناس أن تونس دولة تنتمي الى عالم الحداثة والدليل  تشجيعها على اقتناء الحاسوب – حتى مع التحكم فيه- وتحريرها للمرأة – حتى وإن اتخذتها مجرد زينة في المحافل وحتى مع انضواء الجمعيات النسوية تحت لواء المعارضة، إذ لا حرية للمراة في مجتمع الاستبداد. تونس حديثة حتى ولو ظل رئيسها ينتخب بالتسعات المعروفة وحزبه يحكم بانفراد منذ نصف قرن ، حديثة وإن امتلات سجونها بالاحرار ومنهم مستخدمو الانترنيت، وأنها حديثة حتى وإن حظيت بأطول تقارير المنظمات الاممية الحقوقية شجبا للتعذيب، وازدحمت البلدان بمهاجريها،.إنها الحماقة والاحتقار لوعي كل البشرية وليس مجرد شعب تونس(1)!!

 

وعلى الرغم من ذلك فإن الاتحاد الأوروبي عامة ، وفرنسا خاصة  تتمسك بهذا النظام خشية من تدفق المهاجرين، ومن الأعمال الإرهابية للإسلاميين المتطرفين.

 

لقد قيل الكثير في وصف أعمال القمة العالمية لمجتمع المعلومات ، وعلت أصوات كثيرة بالاعتراض على عقد مؤتمر كهذا في تونس ، حيث وجّهت إلى النظام التونسي ، وما زالت توجّه إليه اليوم، انتقادات، قاسية أحياناً، حول تعاطيه مع الصحافة الحرّة والحقّ في التعبير بحريّة عن الرأي، خاصّة أنّ « مجتمع المعلومات » يُعنى أولاً بعالم الأنترنت الذي يلغي المسافات (أو ما تبقّى منها) وينمّي النزوع الفرديّ الذي قد يكون الدعامة الأولى في المجتمعات الديموقراطية.

 

من مفارقات القمّة التي « توصَف بالكثيرة »، أنّ الأمين العام لمنظمة « مراسلون بلا حدود » غير الحكومية، روبير مينار، والمدعو للمشاركة في أعمال القمّة، احتجز في الطائرة التي أقلّته إلى تونس تحت حراسة « مشدّدة » على ما روى مراسل صحيفة « ليبراسيون » الفرنسيّة (عدد 18 تشرين الثاني 2005)، ومُنِع من دخول الأراضي التونسيّة بدعوى أنّه « غير مسموح له الدخول إلى تونس.ـ باسم ماذا؟ـ باسم القانون التونسي. ولستُ مديناً لكَ بأي تفسير. أنت غير مرحّب بك.ـ ولكنني مدعو.ـ لا، أنت لست مدعواً ».

 

تبع هذا الحوار الذي نقله مراسلا صحيفة « ليبراسيون » كريستوف أليكس وكريستوف أياد، تنطّح روبير مينار لإبراز الفاكس الخاص بالدعوة والصادر عن اللجنة التنفيذية للجهة المنظّمة للمؤتمر، فما كان من الرجل الذي قدّم نفسه بأنه ضابط شرطة، إلاّ أن هزّ كتفيه وقال مولياً الضيف ظهره: « بأية حال، أنا من يقرّر هنا ». ووقف ستّة من رجال الشرطة بثياب مدنية عند الطائرة، تحسّباً… لأي طارئ. أمّا في قاعة الوصول حيث لبث عدد قليل من الصحافيين فقد لوحظ وجود نحو خمسين نفراً من رجال الشرطة بثيابٍ مدنية.

 

ويضيف مراسلا الصحيفة الفرنسيّة، في معرض سردهما لخلفيّات « الحادثة » أنّ روبير مينار كان طرد من تونس عام 2001 لقيامه بتوزيع صحيفة ممنوعة في الشارع. وفي صيف العام نفسه احتلّت منظّمته لستّ وثلاثين ساعة مقرّ « مكتب السياحة التونسي » في باريس احتجاجاً على سجن الصحافية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، سهام بنسدرين. وقد مثل مينار أمام محكمة باريسيّة في أعقاب ذلك وغرّمته مبلغ ألف يورو. السلطات التونسيّة « نبشت » ملفّ هذه القضيّة لتبرير منعها مينار من دخول الأراضي التونسيّة والمشاركة في المؤتمر حيث كان في نيّة مينار التنديد بانعقاد مهرجان دولي ضخم كهذا حول الإعلام، وبرعاية الأمم المتحدة، في بلدٍ تتعرّض فيه حرية الرأي والتعبير للتنكيل، وتمارس الرقابة على مواقع الأنترنت، ويجري فيه حجب الرسائل الألكترونية والتضييق على المعارضين….

 

أمّا حقيقة ما جرى، فيقول مراسلا الصحيفة إنّ حوادث غير معزولة كانت سبقت العرّض لمينار بمنعه من دخول الأراضي التونسيّة. فقد كان موفد صحيفة « ليبراسيون » الخاص إلى تونس لتغطية أعمال المؤتمر، كريستوف بولتانسكي، تعرّض لاعتداء بالضرب والطعن بالسكاكين من قبل أربعة مجهولين (؟)- قيل أنهم عملاء من الشرطة المدنيّة- بالقرب من الفندق الذي كان ينزل فيه الجمعة11 نوفمبر 2005، بعد أن  نشر مقالا عن مواجهات بين الشرطة التونسية ومتظاهرين مؤيدين لسجناء تونسيين مضربين عن الطعام.و كان هذا الصحافي ضحية للأسلوب القمعي البوليسي الذي هو عادة مخصصا للمدافعين المحليين عن حقوق الإنسان في تونس. كما جرى الاعتداء على فريق صحافي تابع للراديو والتلفزيون البلجيكي (RTBF) من قبل رجال الشرطة وصودر منه شريط تسجيل،إذ كان هذا الفريق يقوم بتحقيق حول حرية التعبير في تونس تحضيرا للقمة .

 

إن الرئيس زين العابدين بن علي الذي جاء إلى السلطة عقب « إنقلاب عسكري طبي »، حول منذ وقت طويل ، تونس الوديعة إلى ثكنة بوليسية ، أين أن كل معارضة نقدية لنظامه هي ممنوعة، و حيث ايضا أن الواقع السياسي  التونسي لا يعرفه الملايين من السياح الأجانب الذين يأتون للتمتع بالطبيعة الخلابة، و الشواطىء الجميلة ، و الشمس الدافئة ، لتونس.

 

في مواجهة هذه اللوحة السوداء، نجد الولايات المتحدة الأمريكية –التي غالبا ما يتم إنتقادها بسبب إستمرارها في التحالف مع الحكومات الاستبدادية  العربية التي تخنق الحريات الديمقراطية ، تحت يافطة شعار « الحرب على الارهاب »-  تعزز أكثر اجهزة الدول العربية الموالية لها  قمعاً، وتتعامى عن الاعتقالات الاعتباطية في حق الإصلاحيين الاسلاميين الذين  دافعوا في وجه المتطرفين الأصوليين عن تلاؤم الاسلام والديموقراطية، وممثلي المجتمع المدني الذين ناضلوا من أجل الحق في الانتظام والتعبير عن آرائهم، باعتبار  أن هذه المجموعات وحدها هي الكفيلة بكسب معركة الديموقراطية لتكون المتراس الأمتن في وجه التطرفية الجهادية، وعلى عاتقها هي، وليس على نخبة قليلة في واشنطن، تقع مسؤولية خوض النضال من أجل الاصلاح الديمقراطي في العالم العربي.

 

و على الرغم من كل ذلك  لم تتردد الولايات المتحدة الأمريكية من توجيه إنتقاداتها لتونس بسبب « إخفاقها في إستثمار المرحلة الثانية من القمة العالمية لمجتمع المعلومات لإثبات إلتزامها تكريس حرية التعبير و الإجتماع ».فقد عبر  رئيس الوفد الأمريكي  إلى القمة مستشار الرئيس بوش للشؤون العلمية  جون ماربورغر  في بيان عن « خيبة الأمل  » من عدم  قدرة الحكومة التونسية على الإستفادة من المرحلة الثانية من القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي أنهت أعمالها في تونس يوم 18 نوفمبر 2005، لإعطاء إشارات  على « تحقيق إصلاحات سياسية و إحترام حقوق الإنسان أسوة بمستوى الإنجازات  الإقتصادية و الإجتماعية المهمة التي نفذتها ».أما فرنسا ، فإنها لم تتوافر لديها مثل هذه الشجاعة الأمريكية. فعلى الرغم من أنها الشريك الإقتصادي الأول لتونس ، إلا أن وزير خارجيتها  ،فيليب دوست بلازي، اكتفى بمطالبة  السلطات التونسية بضمان « حرية الاعلام وحرية ممارسة الصحافيين لمهنتهم » وذلك بعد اعتداءات تعرضت لها وسائل اعلام اجنبية في الايام الاخيرة في تونس.

 

و فضلا عن ذلك، تعيش تونس في ظل  الانغلاق السياسي ، الذي يتمثل في ضرب الحريات الفردية و العامة و الاعتداء على مكونات المجتمع المدني من جمعيات مستقـــلة و أحزاب سياسية و منظمات حقوقية. فقد شهدت تونس قبل موعد إنعقاد القمة العالمية الأخيرة، وقائع الاعــتداء على جمعية القــضاة التونســـيين ،و الرابطة التونسية للدفاع عـــن حقــوق الإنســان، و نقابة الصحافيين و المحامين و الأساتذة الجامعيين .كما منعت الحكومة التونسية  العديد من الجـــمعيات المدنية و الأحزاب السياسية من النشاط بصفة قانونية إلى جانب محاصرة الصحافة الحرة و التضييق على الإعلام و الصحفيين المستقلين. و لا تزال السلطة تعتقل مئات المساجين السياسيين منذ قرابة خمسة عشر عاما و تشن حملة اعتقالات و محاكمات ضد المئات من الشباب تحت طائلة قانون الإرهاب الجائر و إصدار أحكام قاسية بحقهم.

 

 فالإعلام المستقل و الحر في تونس  خاضع لمختلف أساليب القمع والإرهاب وشتى محاولات التشويه والتطويع والاحتواء. فقد غاب عن الوعي الرسمي التونسي معنى الصحافة الحرة وصورة السجال الإعلامي النقدي والدور الطبيعي المنوط بكل عمل إعلامي في كشف الحقائق ونقد الظواهر السلبية ونشر القيم النبيلة، وما يعنيه ذلك من دور حافز لإشراك الناس، كرأي عام، في المراقبة والمتابعة وأيضاً الإسهام في اتخاذ القرارات، خاصة عندما تتعلق بحياتهم ومصائرهم. فقد ساد في تونس لعقود متتالية حالة من إنعدام الحرية واحترام حق الاختلاف، وتحويل الإعلام والصحافة إلى منابر دعاية لدعم إيديولوجية سلطوية شمولية إقصائية  لا ترضى بغير صوتها صوتاً وحقلاً سياسياً مسخراً لنصرة برنامج السلطة الحاكمة ومواقفها.

 

إن ما يميز الإعلام الرسمي التونسي هو انتقائيته  المذهلة في التعاطي مع جديد الحقائق والوقائع الملموسة ومحاولة تقزيم ما يعارض سياسات النظام ،وتضخيم الداعم لها، مثلما يجري التلاعب بالمفاهيم والمصطلحات، وترويج ما يخدم منها على قاعدة المجاهدة في تبرئة الذات وعدم الاعتراف بالخطأ واعتبار ما جرى ويجري ليس أكثر من فعل أطراف خارجية معادية لتونس.

 

لقد صيغ الإعلام الرسمي التونسي خلال عقود وفق رؤية تميزت بها الأنظمة الشمولية الإقصائية  التي تعتبر أي نقد لسياسات النظام تشهيراً وعداءً إن لم يعتبر إسهاماً في المخطط « الأصولي الإرهابي »المعادي! الأمر الذي أدى في تطبيقاته العملية إلى خلق ما يسمّى « كارثة الإعلام الموجه » وأهم نتائجه، يتمثل باحتكار البث الإذاعي والتلفزيوني وحزمة من الصحف والمجلات الصفراء غرضها الترويج لرأي سلطة السابع من نوفمبر ومواقفها الممجوجة ، وتوجيهاتها وإنجازاتها،وكيل السباب للمعارضين التونسيين الذين يعيشون في الداخل أو في المنافي – لا فرق- وما يترتب على ذلك من نحر الدور الطبيعي المنوط بالإعلام في مجتمع صحي، وإجهاض فرصة نشر الموضوعية والعقلانية وأسس المنهج العلمي وتطبيقاته العملية في تفسير الواقع الحي بعيداً عن تأثير المصالح الذاتية والتحيّز.

 

ولما كانت مهمة الإعلام الرسمي التونسي هي الدفاع عن سياسات النظام ، فلا قيمة عند هذا الأخير لاحترام رأي المواطن وعقله وملكته النقدية بل درج التعامل مع الناس على أنهم جهلة لا يفقهون شيئاً ولا يعرفون ما يجري أو يجب أن لا يعرفوا.  وتعجب كيف يغفل هؤلاء أو يتغافلون عن الفرص الكبيرة التي تتيحها عشرات الفضائيات ومئات الصحف والمجلات ومواقع الانترنت لتمكين البشر من متابعة ما يحدث عربياً وعالمياً وربما بأدق التفاصيل!.

 

وتميزت تونس عن باقي البلدان العربية الأخرى ببروز ظاهرة الصحافة المأجورة الهابطة التي تطلق التهم من دون وجه حق، وتكيل  الشتائم ضد بعض وسائل الإعلام العربية، وضد المعارضين التونسيين  الديمقراطيين: من سياسيين،  و إعلاميين  ، الذين يمتلكون رأيا مخالفا لرأي السلطة ، وينشرون  مقالاتهم في صحف عربية، بحيث لم تقتصر هذه الاتهامات على الادعاء بأنهم يبيعون عقولهم وضمائرهم للغير لقاء حفنة من المال، كذا!! وإنما تصل غالباً حد التخوين والإدانة بالعمالة؛ وطبعاً لا يمكن تفسير شدة هذه الهجمة وحدّتها إلا بحجم الهزيمة التي مُني بها الإعلام الرسمي التونسي وانكشاف عمق أزمته وعجزه عن أداء دوره وفق العقل والمنطق، وعبر مقارعة الحجة بالحجة، والواقعة بالواقعة، للدفاع عن السياسات الرسمية.

 

وتعاني الحياة الإعلامية والصحافية في تونس من التصحر الفكر ي و الثقافي ، ومن إنعدام أي مساحة لحرية الرأي المخالف، و هذه قضية سياسية بامتياز ، من الصعب الاطمئنان لنجاعة علاج أزمتها ومشكلاتها بعيداً عن معالجة منظومة الحقوق والحريات الأساسية الغائبة في المجتمع.

 

لا شك في أن أغلب الكتاب التونسيين يتمنون أن تتوفر في بلادهم فضاءات حرة للعمل الصحافي، وقوانين تسمح لكل صاحب موقف أن يبدي موقفه من دون رقيب أو حسيب، من دون مضايقات أو عقاب أو حصار ومحاربة حتى بلقمة عيشه. ويحلم كثير من الكتاب المعارضين أن يفسح لهم  في المجال لإصدار الصحف والمجلات الخاصة، أو بالحد الأدنى أن تعرف البلاد مساحة « مقبولة » لاحترام حرية الفكر والرأي والتعبير.ولكن فاقد الشيء لا يعطيه!

 

3- لماذا يحظى نظام بن علي بالحصانة من العقاب؟

 

يتمتع نظام الرئيس زين العابدين بن علي بمساندة قوية من العواصم الأوروبية، التي تتخيله على غير  ماهوعليه، و ترى فيه سورا واقيا ضد الأصولية الإسلامية  نظرا لعدائه الشديد لها. فهم يتمتع بحصانة من العقاب.

 

ويسعى نظام الرئيس زين العابدين بن علي إلى إرضاء  الولايات المتحدة الأمريكية بانخراطه  في مشروع الشرق الأوسط الكبير وتعميق مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني وصولا إلى دعوة مجرم الحرب شارون ومن يمثله إلى حضور قمة المعلوماتية هذه في تونس ، وقمع جماهير الشعب ومنعها من مساندة المقاومة الوطنية في العراق وفلسطين.ولم يكن كل ذلك ممكنا إلابعد أن أصبح  الطابع الأمني معمما  و مهيمنا على الفضاء العام ( الجامعة،الأحياء الشعبية ،مقرات اتحاد الشغل ،مقرات الجمعيات ،الفضاءات الثقافية والترفيهية ….) وخصخصة الدولة، وإلغاء السياسة من عملية إنتاجها في المجتمع ،  وتعميم القمع، ومصادرة الحريات العامة والفردية ،واعتماد الحل الأمني أداة رئيسية في التعاطي مع قضايا المجتمع، وضرب ومحاصرة الجمعيات المستقلة والقطاعات المناضلة :الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان،جمعية القضاة، ،المحامون،الجامعيون،جمعية النساء الديمقراطيات،رابطة الكتاب الأحرار….وقمع الشبيبة الطلابية ومصادرة حقها في العمل النقابي والسياسي والثقافي …..

 

وكان حضور المسؤول الصهيوني سيلفان  شالوم  في قمة المعلوماتية بتونس ،  قد ووجه  بحركة احتجاج ومقاومة شملت العديد من القطاعات والجهات تمثّلت في إضرابات نقابية كان أبرزها إضراب الأساتذة والمعلّمين والاعتصامات العماليّة ضدّ الطرد والتجويع والمظاهرات وإضرابات الجوع… 

 

فقد انعقدت في تونس المرحلة الثانية للقمة العالمية حول مجتمع المعلومات وسط اجراءات امنية مشددة واستثنائية رافقت وصول وزير الخارجية الصهيوني سيلفان شالوم للمشاركة في أعمال القمة في ظل رفض شريحة واسعة من التونسيين لزيارة وفد الصهيوني  للبلاد.وقد وصل شالوم الذي يرأس وفدا صهيونيا رفيع المستوى الى مطار جربة الدولي (جنوب) على متن طائرة « العال »الصهيونية . وهي المرة الاولى التي تتوجه فيها طائرة صهيونية تقل مسؤولا صهيونيا ، مباشرة الى تونس.ولا تقيم تونس والكيان الصهيوني علاقات ديبلوماسية بينهما الا انهما فتحتا « مكتب لرعاية المصالح » في كلا البلدين عام 1994 وعينتا ممثلين دائمين فيهما. لكن تم تجميد هذه الاجراءات في تشرين الاول (اكتوبر) 2000 في خطوة ارادت فيها تونس انذاك الرد على القمع الصهيوني العنيف للانتفاضة الفلسطينية.

وقال ابن رئيس الطائفة اليهودية في تونس رينيه الطرابلسي ان « طائرة تقل شالوم ووفدا يضم 150 شخصا » حطت في مطار جربة الدولي. واوضح ان « شالوم المولود في تونس يرافقه افراد من عائلته ». ولفت الطرابلسي الى ان الوفد سيقوم بزيارة « معبد الغريبة » في جربة اقدم كنيس يهودي في افريقيا. وكان هذا المعبد شهد في عام 2002 هجوما أسفر عن مقتل نحو 19 سائحا المانيا. وكان من المقرر ان يزور رئيس الوزراء الصهيوني ارييل شارون البلاد لاول مرة بعد توجيه الدعوة له لحضور القمة. ورفضت المعارضة التونسية زيارة شارون بشدة وتعهدت عرقلتها.وتؤكد تونس ان هذه القمة من تنظيم الامم المتحدة وتدعى اليها كل البلدان الاعضاء في الامم المتحدة.

 

وبعد أن منعت السلطات التونسية  انعقاد قمة المواطنة التي حاولت تنظيمها بتونس على هامش قمة المعلومات مجموعة من المنظمات العالمية المهتمة بحقوق الإنسان بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني التونسية، استمرت أجهزة الأمن التونسية في إعتدءاتها على الصحافيين التونسيين و الأجانب على حد سواء.و طالت هذه الاعتداءات السيد إريك غولدشتاين الناشط الحقوقي المعروف من منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية والسيد أنطوان برنار من الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان.

 

بالرغم من تزايد الضغط المحلي والدولي، المسلط على نظام زين العابدين بن علي، من أجل التنفيس السياسي وإفساح في المجال أكبر أمام القوى السياسية والاجتماعية للنشاط العلني والحر، فإن السلطات التونسية تؤكد يوما بعد يوم، أنه ليس لها من الاستعداد لتحقيق مطالب المعارضة الديمقراطية وتطلعات الهيئات غير الحكومية الأجنبية.ذلك أن قيامها بمنع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، من عقد مؤتمرها الخامس، ومنع نقابة الصحافيين التونسيين من تنظيم مؤتمرهم التأسيسي، وطرد المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين من مقرهم، يكشف، لمن بقي له بصيص أمل في النظام التونسي، الطبيعة المتوحشة لهذه السلطة.

 

فعلى عكس الخطاب الرسمي الخشبي، الذي يعد دوما بإصلاحات ديمقراطية  » ترفع البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة »، وخلافا لانتظارات المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي، والذين راهنوا على دور انعقاد القمة العالمية لمجتمع المعلومات في تونس، في شهر نوفمبر 2005في التليين و التلطيف من حدة القمع الممارس يوميا في تونس، فإن السلطات المحلية، هدمت تلك الأحلام وأسقطت تلك الحسابات في الماء، ووضعت الناشطين والفاعلين في الحقل السياسي أمام واقع متأزم، وفي موقف معقد، وأحرجت العديد الذي ما يزال ينتظر إقدام بن علي على الإصلاح الديمقراطي والتحسين من وضع الحريات.ذلك أن آخر المعطيات والأحداث حول وضع حقوق الإنسان في تونس، تؤكد التمشي نحو التعميق من حدة هذه الوضعية.

 

لقد تحولت سلطة السابع من نوفمبرالتي جاءت لدفع المجتمع التونسي  قدما إلى الأمام  من النواحي الإقتصادية و السياسية و الثقافية ، و تحريره من المطلقات السلطوية  و إيديولوجية الحزب الواحد الشمولي المسيطر على الدولة التونسية منذ فجر الإستقلال ، بحيث لا يعود خاضعا إلا لسلطان الحقيقة حيث أن مصلحتها تتطلب تعدد الآراء، و مقتضيات المعرفة البشرية التي تظل نسبية، تحولت إلى ديكتاتورية  بوليسية على الشعب. و لقد تحولت تلك الامال العريضة لمختلف طبقات و فئات المجتمع إلى كوابيس شمولية أو إلى بيروقراطية دولة امنية بامتياز.

 

و تبين أن سلطة السابع من نوفمبر و الديمقراطية  تتناصبان العداء، بدلا من أن تمهد إحداهما الطريق أمام الأخرى.و صار الشعب التونسي بعد أن أعيته كل دعايات السلطة السلطوية حول الديمقراطية و المجتمع المدني و الحداثة، قانعا بما تيسر من أمن اقتصادي محدود جدا، فاختصر الحرية السياسية و حرية التعبير ، و حرية إنشاء الأحزاب السياسية المعبرة عن تطلعاته و طموحاته ، حتى باتت الحرية مجرد إتقاء لشر التسلط و التعسف اللذين تمارسهما  سلطة السابع من نوفمبر، التي  ناصبت العداء لكل دعوة إلى إحترام حقوق الإنسان في تونس، و نصبت نفسها ممثلة للحقيقة المطلقة بصفة إحتكارية  تعلو على السيادة الشعبية.

 

فالديمقراطية هي سياسة الإعتراف بالآخر كما قال شارل تايلور.بينما أستغلتها سلطة السابع من نوفمبر لخدمة الدولة الأمنية التعسفية و القمعية، التي قضت على المجال السياسي ، وعلى إنبعاث القناعات الديمقراطية لدى فئات الشعب.

 

الديمقراطية مسألة مستجدة على المجتمع التونسي ، بل هي وافدة برانية . فقد اعتقد الشعب التونسي و معه النخبات الفكرية و السياسية، أن الديمقراطية قد انتصرت بعد  عملية الإستبدال التي حصلت في رأس هرم الدولة :إزاحة الرئيس بورقيبة و مجيء الرئيس بن على إلى السلطة بواسطة إنقلاب عسكري أبيض، و انها ستفرض نفسها باعتبارها الشكل الطبيعي للدولة ، فضلا عن كونها المظهر السياسي  الذي تتجلى من خلاله حداثة قائمة على اقتصاد السوق من حيث شكلها الإقتصادي، و على العلمانية من حيث تعبيرها الثقافي.

 

فلا السوق السياسية المنفتحة و القادرة على المنافسة هي الديمقراطية ، ولا اقتصاد السوق يشكل بحد ذاته مجتمعا صناعيا.بل إن بوسعنا القول، في كلا الحالتين ، أن النظام المنفتح سياسيا و اقتصاديا، شرط ضروري من شروط الديمقراطية أو التنمية الإقتصادية، لكته غير كاف. صحيح أن لا وجود لديمقراطية بدون حرية إختيار الحاكمين من قبل المحكومين ، وبدون تعددية سياسية ، و بدون حرية تعبير، لكننا لا نستطيع الكلام عن ديمقراطية ما إذا كان الناخبون لا يملكون إلا الإختيار بين جناحين من أجنحة  الأوليغارشية أو الجيش و أو جهاز الدولة.لأن العولمة الرأسمالية المتوحشة  التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية تتساهل تجاه إنضمام  دول مختلفةلأقتصاد السوق،منها دول تسلطية ، و منها دول ذات أنظمة تسلطية’آخذة بالتفكك، ومنها دول ذات أنظمة  يمكن تسميتها ديمقراطية ، أي أن المحكومين فيها يختارون بملء إرادتهم وحريتهم من يمثلهم من الحاكمين.

 

إن التحول الذي جاءت به سلطة السابع من نوفمبر آل إلى ولادة أوليغارشيات أمنية جديدة، و إلى إنشاء نظام إستبدادي من طبيعة شعبوية.

 

وتشهد تونس اليوم عودة فكرة حقوق الإنسان بزخم أشد من السابق، لأن الذين يحملون هذه الفكرة هم من مكونات المجتمع المدني الحديث و من ذوي العقول التقدية الذين يناضلون في أحلك أوقات هذا الزمن العربي و مراحله العصيبة ضد السلطة الشمولية التونسية.

 

الديمقراطية تقتضي تلبية مقتضيين إثنين يبدوان في ظاهرهما متعارضين : من جهة، مقتضى إحترام الحريات الشخصية إلى أكبر حدممكن، و من جهة أخرى، مقتضى تنظيم المجتمع بحيث يكون في  في نظر الأكثرية مجتمعا عادلا.

 

إن الحرية بشقيها الإيجابي و السلبي  هي الرغبة الديمقراطية بتزويد المقهورين والمضطهدين و التابعين بالقدرة على التصرف بحرية، و على النقاش مع السلطةالسياسية ، والفعاليات الإقتصادية  القابضة على زمام الموارد الإقتصادية، من باب التساوي معهم في الحقوق و الضمانات.و لذلك كان  التفاوض  الإجتماعي ، و الديمقراطية الصناعية على نطاق واسع، فتحين كبيرين من فتوحات الديمقراطية : فقد أتاح عمل النقابات للعمال المأجورين أن يتفاوضوا مع أرباب عملهم في أقل الأوضاع سوءا. و كذلك الأمر لحرية الصحافة، فهي ليست حماية لحرية فردية و حسب، بل إنها تزود الضعفاء بإمكانية إسماع أصواتهم، في الوقت الذي  يستطيع الأقوياء أن يدافعوا عن مصالحهم سرا و بالكتمان إذ يعبؤون شبكات بحالها من صلات القربى و الصداقة و المصالح الجماعية(2).

 

لاشك أن الإصلاح الديمقراطي في تونس ، يتطلب ذكاء سياسياً، وخيالاً معنوياً، و حاكما عادلا، وسن الرئيس بن علي عفوا تشريعيا عاما ، و إفساح في المجال لعودة كل المنفيين السياسيين  و المحاكمين في قضايا سياسية مختلفة داخل البلاد و خارجها، بضمانات تكفل لهم كامل حقوقهم  المدنية و السياسية . بيد أن الرئيس بن علي يريد من القوى الديمقراطية ، والحركة الإسلامية الإصلاحية (النهضة)،  إعلان توبتها،  و التقدم برسائل استرحام شخصية إلى الرئيس بن علي يؤكد فيها أصحابها  إلغاء تاريخهم السياسي الماضي ، و الانخراط في تجربة  « الديمقراطية المتحكمة و المراقبة  » التي قادتها سلطة السابع من نوفمبر ، و التي كانت حينذاك عملية تجريب قامت بها الدولة على المجتمع بهدف السيطرة عليه ،حيث أعقبت هذه التجربة ، قيام دولة أمنية شديدة المركزية ، افترست المجتمع المدني بحظر قيام مؤسسات خارجة عن الدولة ، و عدم الاعتراف بالأحزاب السياسية التي تتمتع بقاعدة عريضة مثل حركة النهضة ، وبالتالي ألغت صنع الأحزاب السياسية في صلب المجتمع ، بحيث أصبحت السياسة منذئذ فصاعدا هي الدولة ، و لا شيء غير الدولة .

 

المعارضة التونسية غير المعترف بها رسميا على اختلاف مشاربها الفكرية والإيديولوجية ، سواء في الداخل أو في الخارج ، أعلنت عن ترحابها بأي مبادرة إيجابية تصب في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية و فعلية بين السلطة و المعارضة ، خاصة منها الإسلامية . غير أنها تعتبر أن الحل يجب أن يكون شاملا لا إفراد يا . و تؤكد المعارضة هذه أن ممارسة الحريات لا يمكن أن تكون مشروطة إلا بما يحميها من أعداء الحرية ، لذلك فهي ترفض الشروط الإيديولوجية و السياسية التي تستهدف إلزام الحركات السياسية بالدفاع عن النظام. و لا مجال بالنسبة إلى المعارضة لأن تلعب دور الحجة على وجود الديمقراطية ظاهريا ،أو أن تكون ديكورا لهذه العملية التي يراد تمريرها باسم الانفتاح.

 

و تطالب المعارضة التونسية أولا ، بإصدار عفو تشريعي عام في البلاد ن و تجاوز الإجراءات المفروضة على المناضلين السياسيين و النقابيين . و ثانيا ، بإلغاء المحاكم السياسية والقوانين اللادستورية القائمة ، خاصة قانون الجمعيات و قانون الصحافة اللذين يحرمان على القوى و التيارات السياسية ممارسة حقوقها . و ثالثا ، مراجعة القانون الانتخابي ، و توفير الإمكانيات المادية و الإعلامية لجميع التيارات السياسية للمشاركة في العملية الانتخابية .

 

و تؤكد المعارضة سعيها للحصول على حقها بممارسة عملها السياسي علنا في إطار الديمقراطية ، و حرصها على مواصلة النضال لأجل تحقيق المطالب الديمقراطية للشعب التونسي التي تحاول السلطة طمسها ، و التي هي حاليا العفو التشريعي العام ، و إقرار حرية التنظيم و حرية التعبير و حرية الاجتماع ،و التظاهر بصورة فعلية ، لا إقرارها النظري على صعيد الدستور ، و مصادرتها على صعيد الواقع السياسي السائد حاليا .

 

وكانت تونس شهدت  خلال عقد التسعينات تدهورا خطيرا للحريات الديمقراطية في ظل غياب و انتهاك حرية الفرد و حقوق الإنسان و المواطن ، و الحق في المشاركة السياسية في إدارة الشؤون العامة شاملا الحق في الترشيح للانتخابات الرئاسية . و قد أدانت المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان و كذلك البرلمان الأوروبي النظام التونسي لانتهاكاته المتكررة في مجال حقوق الإنسان ، و الأساليب التي يستخدمها لجهة المحاصرة و المحاربة في الرزق والتوظيف الحكومي ،و العمل الحر ضد المساجين السياسيين القدامى و أفراد عائلاتهم ، و كذا المتعاطفين معهم ، و حرمان كل المعارضين السياسيين من حق التنقل خارج البلاد ن و حق الحصول على جواز السفر بل و حتى بطاقات الهوية .

 

و أصبحت تونس تتصدر قائمة الدول ن التي تنعدم فيها حرية الصحافة بالكامل ، يشهد على ذلك أن جمعية الصحف العالمية كانت قد طردت الجمعية الصحفية التونسية في دورتها بحزيران 1997 لتخاذلها في مقاومة قمع الصحافة ،و التي يمارس فيها التعذيب ضد المساجين السياسيين على أوسع نطاق ، إلى درجة أن الصحف الفرنسية تشن باستمرار حملات تنديد ضد السلطات التونسية ، حيث علقت إحدى الصحف الفرنسية بصريح العبارة  » تونس ارض تعذيب و ليست أرضا سياحية « .

 

و هكذا شيدت الدولة التونسية سيطرتها على المجتمع في ظل سلطة السابع من نوفمبر من عمليات الاستبعاد و الإقصاء لكل مكونات المجتمع المدني ، مؤدية بذلك إلى تكاثر عدد الأيتام السياسيين و أيتام السياسة ، بحيث أنه إذا وقفت أية قوة سياسية خارج الدولة ، فإنها تضع نفسها في موضع الاستبعاد المفترض من ( ترك السياسة ) أو المرفوضة ، تنتقل عندئذ إلى موقف أقرب إلى الخيانة  » الوطنية  » منه إلى الاختلاف المشروع .

 

و لما كان موضوع الحريات الديمقراطية يحتل مكانا جوهريا في عملية بناء دولة القانون و المؤسسات ، فإن المعارضة التونسية ترى أنه لا يجوز لسلطة السابع من نوفمبر و هي تتحدث عن مراعاة تقاليد دولة القانون و المؤسسات أن تتبنى في الوقت عينه رؤية حصرية و شمولية ، و أيدلوجيا حصرية و شمولية  تطرد الآخر من عالمها و لا تنظر إلى الاختلاف إلا على أنه مروق و كفر و إضعاف لوحدة الجماعة في أحسن الظروف ، و تعطي لنفسها من الحقوق والامتيازات ، و لا سيما امتياز تمثيل الطبقة أو الشعب ، ما تنكره على غيرها .

 

هذه الرؤية الحصرية تقلص المجال السياسي و الحقوقي للمجتمع إلى الهوية الحصرية لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم ، و تقلص الوطن إلى حدود سلطته ، فلا يبقى من مكان للآخر المختلف عنه أو المعارض سوى القبر أو السجن أو النفي داخل الوطن أو خارجه .

 

و حتى يرقى حكم الرئيس بن علي إلى مستوى بناء دولة القانون و المؤسسات ، عليه أن ينظر إلى حزبه أنه الجزء من الكل و أن لا يجعل من حركته السياسية الجزء بدلا من الكل ، لأن الكل هو الحركة السياسية ، الجامعة للمسألة الوطنية التي تعبر عن نزوعها إلى التحرر والاستقلال و التقدم . هذه الحركة تشمل موضوعيا جميع الشخصيات السياسية الوطنية والديمقراطية ، و جميع التيارات الفكرية و الأحزاب السياسية بصرف النظر عن إيديولوجيتها ، و برامجها ،و أهدافها و تركيبها الاجتماعي ، و أساليب عملها ، و لهذه الشخصيات ، و التيارات و الأحزاب المصنفة على أساس إيديولوجي و سياسي : التيار الإسلامي ، و التيار القومي ،  والتيار الماركسي ، و التيار الليبرالي ( باستثناء التيار الذي تتناقض إيديولوجيته مع المسألة الوطنية صراحة ) ، لها حقوق متساوية في العمل و التعبير السياسيين ، و في الترشيح للانتخابات الرئاسية و التشريعية لقيادة السياسة العامة للدولة التونسية ، كما يضمنه لها ذلك الدستور بالنصوص ، و ذلك لأنها تمثيليات سياسية لقوى و فئات اجتماعية لها في مجتمعها حقوق متساوية ، و لن كلا منها جزء من الحركة السياسية ، و يعبر عن قوة اجتماعية هي جزء من الشعب .

 

و تعتبر المعارضة التونسية أن للمواطنين التونسيين حقوقا متساوية بصرف النظر عن الواجبات ، فحق الرئيس بن علي متساو مع حق أي معارض له ، و لا سيما المساواة الحقوقية  وليست الأخلاقية . و هذه المساواة هي مساواة المواطنين أمام القانون باعتباره أساس الموقف العقلاني من الآخر ، لا سيما في مجال الأحزاب ،و الانتماءات السياسية إلى المعارضة أولا ، وهذه المساواة التامة هي ضمانة الديمقراطية في العلاقة بين الحكم التونسي و القوى السياسية ثانيا ، و في علاقة الحركة السياسية بجميع تباراتها مع الشعب ثالثا ، و أساس السياسة باعتبارها فاعلية اجتماعية رابعا . ذلك هو الطريق الضروري للقضاء على الاستبداد و التسلط في الحياة السياسية .

 

(*) كاتب وباحث تونسي مقيم بدمشق

 

الهوامش:

 

(1)- الشيخ راشد الغنوشي- مؤتمر المعلومات في تونس  من الرابح؟ من الخاسر؟ المصدر:موقع نهضة.نت  بتاريخ21 نوفمبر 2005).

 

(2)-ألان تورين – ما هي الديمقراطية؟ حكم الأكثرية أم ضمانات الأقلية- دار الساقي، الطبعة الثانية 2001، (ص 18).

 

(المصدر: دراسة نشرت في مجلة الوحدة الإسلامية الشهرية، التي تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان ، العدد 49، ديسمبر2005.)


نجاح الإصلاح في تونس مرهون بوحدة الصف المعارض

بقلم: مرسل الكسيبي

 

بلا ريب أن سر تواصل محنة تونس والتونسيين الى هذا اليوم وعلى رأس هذه المحنة قضية السجناء السياسيين والمنفيين وجملة من القضايا الأخرى المتعلقة بحرية التعبير والتنظم علاوة على مشكلات أخرى ذات طابع اجتماعي وأخلاقي تمس عمق المجتمع وأقصد بذلك قضايا المخدرات وتفشي الجريمة والاقبال بشكل واسع على تعاطي الكحوليات في صفوف شرائح واسعة من الناشئة أضف الى ذلكم قضايا البطالة المتعلمة والاحباط الذي يحمل شباب تونس على الالقاء بنفسه في قوارب الموت…

 

ان السر في تواصل هذه المحن السياسية وتعمق امتداداتها لتلامس مجالات حياتية أخرى هو بلا شك تسلط الجهات الرسمية وتعنتها ورفضها لأي حوار داخلي يعالج كبرى الملفات وأخطرها في عالم تتسارع فيه التغيرات والتطورات

الا أن ماشجع السلطة على التمادي في مثل هذا التعنت وعدم الاستجابة لنداءات النخب وتطلعاتها كما تطلعات المواطن التونسي هو التمزق الذي حكم واقع المعارضة التونسية فيما خلى من سنوات جمر عرفتها البلاد.

 

ولعل لعب السلطة على وتر التمايزات الايديولوجية بين علماني واسلامي ويساري واخواني وتقدمي واخر يتهم بالرجعية وتوظيف قطاع من النخبة المثقفة من أجل تعميق هذه الفروقات وتضخيمها والتخويف منها وجعلها فزاعة في وجه القوى الغربية المؤثرة هو الذي ساهم بشكل رئيسي في اضعاف وزن المعارضة التونسية وعدم النظر اليها باحترام حتى لدى العواصم الغربية

 

اليوم يبرز في الساحة عنصر جديد هو بداية تشكل نواة صلبة تدعى حركة 18 أكتوبر والتي أعلنت عن نفسها مؤخرا في شكل هيئة الحقوق والحريات,والجدة في الأمر أن ما جمع قادة هذا الهيكل أو هذه الحركة هو قاعدة من المطالب السياسية الدنيا التي هي محل اجماع بين كل القوى الوطنية بحيث أن الفرز في الساحة لم يعد على أساس من الايديولوجيات وانما غدا مبنيا على قيمة توسيع دائرة الحريات.

 

والاختبار الحقيقي الذي سيضع البلاد أمام محصلات من النجاح أو الفشل على المدى المنظور هو مدى قدرة أطياف هذه المعارضة على تحصين صفها الداخلي وتمتينه وعدم تعريضه للاختراقات والاهتزازات التي يمكن أن تعيد الجميع الى مربع التشتت الأول.

 

ولا أشك لحظة في أن عيون السلطة باتت اليوم مفتوحة أكثر من أي وقت مضى على هذا التكتل السياسي والحقوقي الوليد من أجل زرع الألغام داخله وتمزيقه بحكم أنها تدرك أن تطور هذا الهيكل نحو توحيد حقيقي للمعارضة يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف الى اعتراف دولي مهيب يتوج بتغيير حقيقي في البلاد أو الى حالة استباقية مغشوشة تقوم بها دوائر من داخل السلطة نفسها أو الى صناعة سياسية وأمنية جديدة قد تشرف عليها دوائر خارجية مؤثرة في واقع دول العالم الثالث ولاسيما العربي منه.

 

أخوكم مرسل الكسيبي

في 10 ذو القعدة 1326 ه

الموافق للعاشر من ديسمبر2005

 

(المصدر: نص مداخلة موجزة نشرها السيد مرسل الكسيبي يوم 10 ديسمبر 2005 على موقع الجزيرة نت)

 


نقابة الصحافيين التونسيين الى اين؟           

أبو غسان (صحافي)

 

أنا واحد من الصحافيين الذين أمضوا عريضة  مشروع تأسيس نقابة الصحافيين التونسيين . وقمت بذلك لسببين اثنين ، الأول : قناعتي الراسخة أن عموم الصحافيين التونسيين في حاجة لمثل هذا الهيكل الذي أضحى ضرورة ملحّة في ظل ما آلت إليه أوضاعنا من تردّي وتهميش. والثاني: أن الأهداف التي تضمّنها البيان التأسيسي للنقابة لا يمكن الا مساندتها و الإنخراط فيها.

 

وقد حرصت منذ التأسيس على متابعة أشطة النقابة و القيام بما يمكن القيام به في اتجاه التعريف بها بين الصحافيين وكسب الأنصار اليها.

 

كنت اقوم بذلك رغم « شعوري » أن واقع النقابة أصغر بكثير من فكرتها ومشروعها..لكنني كنت مثلي مثل عدد آخر من الصحافيين أجد التبريرات لذلك من خلال « الظروف الموضوعية » التي تتحرك فيها النقابة ، وخاصة موقف السلطة منها و »خوف » عديد الصحافيين من اعلان مساندتهم العلنية لها.

 

وكان دائما هناك أمل في أن تتجاوز النقابة هذه »المحنة » وأن تحتل مكانتها الطبيعية بين الصحافيين ، خاصة أنها تمكنت من قطع خطوات عملاقة على صعيد العلاقات الخارجية (الفيج…المنظمات الصحفية العربية والدولية).

 

ومبعث هذا الأمل أن بعض أعضاء الهيئة التأسيسية وخاصة لطفي حجي و محمود الذوادي ومحمد معالي وآمال البجاوي يبدون دائما إرادة للإرتقاء بالنقابة وتمتين عملية البناء و الحفاظ عليها كمكسب لعموم الصحافيين التونسيين.

 

لكن خلال الأسابيع الأخيرة بدأ هذا الأمل يتبدد وربما لا أبالغ في شيء حين أاكد أن النقابة أصبحت مهددة في وجودها بسبب أداء رئيسها الزميل لطفي حجي الذي نكن له كل الإحترام والتقدير ، لكن ذلك لا يمنع أن نقول له انك أخطأت وعليك أن تتحمل مسؤولية خطئك.

 

أخطأ لطفي حجي حين شارك في « إضراب الثمانية » بصفته رئيسا لنقابة الصحافيين التونسيين رغم أنه لم يفوض لذلك لا من أعضاء الهيئة التأسيسية الذين تحدث معهم في الموضوع، ولا من المنخرطين الذين لم تتم استشارتهم بالمرّة.

 

وحتى تكون الصورة واضحة، فإن لطفي حجي وضع الجميع أمام الأمر الواقع وتصرّف كأنّ النقابة هي لطفي حجي و لطفي حجي هو النقابة.

 

وطبعا فإن مثل هذا السلوك ، فضلا عن كونه غير مقبول في العمل الجمعياتي أو الحزبي أو أي نشاط جماعي آخر …فإنه ينم على نزعة فردانية خطيرة . وبالمناسبة فإن هناك عدّة ممارسات أخرى تصب في الإتجاه ذاته قام بها لطفي حجي ، ربما يتم الكشف عنها في وقت آخر.

 

ورغم هذا المأزق الذي حشر لطفي حجي النقابة فيه، فإن بعض أعضاء الهيئة التأسيسية وعدد هام من المنخرطين تصرّفوا « بحكمة » وتجنبوا الإعلان للعموم أن النقابة لا علاقة بها بمشاركة لطفي حجي في هذا الإضراب ..وأن هذا التصرف فردي لا يلزم إلا شخصه… ووراء ذلك عدّة أسباب:

 

إن من شأن ذلك أن ينزع عن لطفي حجي سندا هو في أشد الحاجة إليه..و »أخلاقيا » لا يمكن القيام بمثل هذه الخطوة.

 

إن المطالب التي رفعها المضربون الثمانية هي مطالب مشروعة وحقيقية ، تناضل من أجلها نقابة الصحافيين ، والتملص من مشاركة لطفي حجي قد تدفع البعض وخاصة قوى المجتمع المدني للإعتقاد أن نقابة الصحافيين غير معنية بهذه المطالب.

 

راهن البعض على أنه بعد انتهاء إضراب الجوع ستتم تسوية هذا المازق ، ويتحمل كل طرف مسؤوليته.

 

هذه (على الأقل) الأسباب المعلنة التي سمعتها لتبرير عدم اصدار بيان منذ اليوم الأول لإنطلاق إضراب الثمانية يشير الى التصرف الفردي للطفي حجي.

 

وأعتقد أنه رغم وجاهة هذه الأسباب وموضوعيتها فإنها لا يمكن أن تبرر السكوت على مثل هذا الخطأ الذي ارتكبه رئيس نقابة الصحافيين التونسيين، ليس فقط في حق  النقابة و إنما في حقّ المجتمع المدني ككل .

 

إذ كيف يعقل أن يشارك لطفي حجي في حركة احتجاجية تطالب بالحرية والديمقراطية، وفي الوقت ذاته يدوس هو على ابسط مباديء الديمقراطية…أليست هذه مفارقة عجيبة؟ أليس من حقي أن أطرح تساؤلات كبيرة حول مصداقية من كنت أقول إنه رئيس نقابة الصحافيين التونسيين؟ألايسيء هذا الى مصداقية المنظمات و الجمعيات و الأحزاب التي شاركت في الإضراب أو ساندته؟.

 

وللأسف الشديد فإن المسألة لم تقف عند هذا الحد ، فبعد انتهاء الإضراب و »فترة النقاهة » كان من المفروض أن يتم التحرك لإيجاد مخرج لهذا المأزق…وانتظرت شخصيا أن يبادر لطفي حجي بتقديم اعتذاراته العلنية على ما ارتكبه في حق النقابة ، أو أن ينسحب بهدوء من رئاسة النقابة ويتفرّغ لنشاطه السياسي الجديدضمن  » هيئة 18 أكتوبر للحريات »  ، لكنّه لم يفعل ذلك…وهو  مايعني أنه مازال متماديا في ارتكاب الخطا.

 

وهنا لابد من التأكيد على ما يلي :

 

أولا: إن نقابة الصحافيين التونسيين هي الخاسر الأول من هذا التعنت ، لأنها ستكون مهددة بإنشقاق وعودها مازال طريا لا يتحمل ذلك.

 

ثانيا: وحتى ان لم يحصل هذا الإنشقاق واضطر عدد من أعضاء الهيئة التأسيسية لمسايرة « أهواء » لطفي حجي ، فإن النقابة ستكون قد حادت عن الأهداف التي رسمتها عند التأسيس.

 

وعليه أعتقد انه من المهم أن يتم التحرك من الآن لوضع حدّ لهذا المأزق …ومسؤولية التحرك هي مسؤولية أضاء الهيئة التأسيسية الناشطين الذين عليهم اتخاذ موقف واضح و التخلي عن التردد الذي طبع أداءهم طيلة الفترة الأخيرة.

 

وهي أيضا  مسؤولية قوى المجتمع المدني التي عليها أن تقنع لطفي حجي بضرورة احترام إرادة منخرطي النقابة.

 

وإذا لم يحصل هذا فإنه سيكون بإمكان منخرطي النقابة التحرك بطريقة أخرى.

 

تونس في 10 ديسمبر 2005


 

في مواجهة المحظور

كلوني

Clooney في مواجهة تشويه الحقيقة الإخبارية

بقلم: الطاهر الأسود (*)

laswadtaher@yahoo.com

 

1

 

سيهيمن الممثل (و المنتج والمخرج أيضا وهو ما برهن عليه بقوة الآن) جورج كلوني (George Clooney) على المشهد السينمائي لهذه السنة وبالتالي جوائز أكاديمية الفنون حتى ولو لم يتحصل على أغلبها (مازال من المبكر الحسم في ذلك). الأهم من ذلك أن كلوني حقق ذلك من خلال المراهنة على أشرطة تناقش قضايا شائكة وحساسة على المستوى السياسي الراهن. وبشكل ما فإنه أقحم هوليود، بعد غياب ملحوظ في السنوات القليلة الأخيرة، في خضم النقاش النخبوي المتزن والملتزم ومن ثمة فهو يساهم، مثل الكثيرين غيره (شون بين وروبرت ريدفورد مثلا)، في إستعادة دورها الضروري كواجهة سياسية مستقلة في الولايات المتحدة. إن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن هوليود ليست ولم تكن لونا واحدا أو منبرا آليا للدعاية للقوة الامبراطورية بل هي وكانت دائما تحتوي على مجال للرأي المخالف ومنبرا إعلاميا للمعارضة لما هو رسمي. وذلك على عكس الفكرة النمطية التي تتكرر بشكل مضجر خاصة في وسائل الاعلام العربية الآن.

 

2

 

أقول ذلك وفي ذهني فقرة إعلامية وردت يوم الجمعة الماضي في « الجزيرة هذا الصباح » تم فيها استضافة مسئول إداري مكلف بالسينما في وزارة الثقافة اللبنانية، وكان موضوع اللقاء هو مهرجان « السينما الأوروبية » الذي تم تنظيمه في بيروت في الأسبوع الماضي. وقد كرر هذا المسئول ومضيفة الحصة بشكل متناسق مقولات مغرقة في التعميم والسطحية وحتى الجهل من نوع « السينما الاوروبية الناعمة والهادفة » في مواجهة « السينما الأمريكية العنيفة والسطحية ». طبعا كان المعني بـ »السينما الاوروبية » السينما الفرنسية تحديدا وهو ما يمكن فهمه من كم الأفلام الفرنسية المعروضة في المهرجان ولكن أيضا من نوع الأشخاص المكلفين بالترويج للمهرجان خاصة من بين الديناصورات الفرنكفونية اللبنانية التي استفاقت بشكل مفاجئ في الفترة الأخيرة لأسباب تتعلق بالتحديد بالظروف السياسية.

 

على كل حال هناك مشكل حقيقي في علاقة بتصور عربي سائد للسينما الأمريكية: حيث يوجد اعتقاد أنها متشابهة وهذا غير صحيح. وفي الواقع يتحمل جزءا هاما من المسؤولية الموزعون المحليون للسينما الأمريكية الذين ينتقون أفلاما دون غيرها توصف عادة وبشكل تضليلي بـ »التجارية » وهي بالتحديد من نوع « أفلام المغامرات » بالرغم أن بقية الأنواع السينمائية يمكن أن تكون مربحة مثلما يمكن لأفلام المغامرات أن تكون غير ناجحة. إن قائمة الأشرطة المنتقاة من قبل أكاديمية الفنون في السنوات الأخيرة فقط يمكن أن تعطي فكرة حقيقية عن مدى تنوع السينما الأمريكية بما في ذلك تلك المنتجة من قبل الشركات الهوليودية الضخمة: لنتفحص مثلا أشرطة، لم يسمع بأغلبها للأسف معظم المشاهدين العرب بالرغم من نجاحها الكبير في القاعات الأمريكية وحيازتها على جوائز الأكاديمية (الأوسكار) وهي ليست بالتالي أشرطة على الهامش، مثل « الساعات » (The Hours) سنة 2002، و »21 غرام » (21 Grams) سنة 2003، و »ميستك ريفير » (Mystic River) سنة 2003… إلخ وهي جميعا أشرطة مميزة من حيث المحتوى ولكن أيضا من ناحية الأسلوب الفني بشكل يجعلها بحق طليعية وتستحق أن تُدرس في المدارس السينمائية.

 

في مقابل ذلك فإن « السينما ألاوروبية » تعاني أزمة ثقة كبيرة يجعل أغلب إنتاجاتها إما بدون هوية محددة (تقليد أعمى ومبتذل لأشرطة أمريكية محددة سواء المغامرات والعنف) أو هي تجريبية بشكل مفرط مما يجعلها « إمكانات » سينمائية عوضا عن أن تكون مصادر حقيقية للإلهام ويتعلق ذلك تحديدا بتيار أساسي في السينما الفرنسية مثل أشرطة حون لوك قودار (Jean-Luc Godard) أو أيضا في السينما الألمانية أشرطة راينر فاسبيندر (Rainer Fassbinder). ولكن بالرغم من ذلك توجد تجارب سينمائية أوروبية ناجحة في السنوات الأخيرة حازت على اهتمام واسع (بما في ذلك في الولايات المتحدة بالمناسبة وحتى من قبل أكاديمية الفنون) مثل الشريط الفرنسي « أميلي » (Amélie) سنة 2001، والشريط الألماني « اركضي لولا… أركضي » (Run Lola Run) سنة 1998، ولو أن مخرجي الشريطين والممثلين الأساسيين فيهما قاموا بتكرار غير ضروري لنفس الرؤية والقصة في أشرطة أخرى لاحقة. وفي نفس الاتجاه يتميز الممثل-الملحن-المخرج البوسني الأصل أمير كوستوريشا (Emir Kusturica) بنوع سينمائي مميز يمكن اعتباره تيارا أساسيا وناجحا في السينما الأوروبية الراهنة. وعموما وبمعنى آخر لا توجد « سينما أوروبية ناعمة » وأخرى « أمريكية عنيفة وسطحية » في المطلق. إن ذلك ينم ببساطة عن جهل مريب بالمشهد السينمائي العالمي.

 

3

 

تميز جورج كلوني، إذا، بشريطين في هذا الموسم السينمائي، ونحن الآن في أوجه حيث لم يبقى على إسناد جوائز أكاديمية الفنون سوى أسابيع قليلة. الشريط الأول بعنوان « ليلة سعيدة، وحظا سعيدا » (Good Night, And Good Luck) والشريط الثاني بعنوان « سيريانا » (Syriana).

 

شريط « ليلة سعيدة، وحظا سعيدا » يتناول موضوعا حساسا في الظرف الراهن وهو مدى استقلالية الإعلام الإخباري الأمريكي عن الادارة الأمريكية وتحديدا عن مسألة « المصلحة الوطنية » وذلك في وقت يشهد تراجعا كبير من قبل الاعلام الأمريكي في أداء مهامه كإعلام إخباري مستقل، في وقت تصرف فيه أبرز الإعلاميين الأمريكيين في حرب العراق كمراسلين عسكريين لا يخفون موالاتهم للقوات الأمريكية الغازية، في وقت لبس فيه إعلامي محترم مثل تيد كابل (Ted Copple) الخوذة والبدلة العسكريتين ودخل بغداد على منصة دبابة أمريكية في صورة غازي أكثر من صورة إعلامي مستقل، في وقت منح فيه الإعلاميون الإخباريون الإدارة الأمريكية مجالا مفتوحا للدعاية الفضة للحرب دون محاولة التساؤل بجدية عن دوافعها ومبرراتها، وفي وقت قامت فيه صحف مرموقة مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست بالترويج المبرمج للحملة الدعائية التي سبقت الحرب على العراق بدون أي تقصي مهني للمعلومات.

 

يسترجع شريط جورج كلوني (وقد قام فيه بدور ثانوي في التمثيل ولكنه كان مخرجه والمنتج الأساسي له، حيث يبدو أنه عانى الكثير لتحقيق ذلك حتى أنه رهن فيلته الفارهة في الريف الإيطالي لتوفير المال اللازم) يسترجع إذا شريط جورج كلوني فترة مماثلة تميزت بتأثير الصراع الدولي الذي تخوضه الحكومات الأمريكية في استقلالية النخب المثقفة بما في ذلك المسئولين الإعلاميين: استرجع الشريط مرحلة الماكارثية حينما قام السيناتور السيئ الصيت جوزيف ماكارثي (Joseph McCarthy) في بداية السنوات الخمسين بإعداد قائمات سوداء للملاحقة والاقصاء المهني في أوساط السينمائيين والكتاب والإعلاميين بدعوى ارتباطهم بالحركة الشيوعية وأقام في الكونغرس جلسات استماع رسمية ومفتوحة لازالت تحتفظ بذكراها المخيفة حتى الان.

 

اختار كلوني شخصية شهيرة وأساسية في الإعلام الإخباري الأمريكي لمعالجة تلك الفترة: إدوارد موروو (Edward Murrow) وقد قام بأدائه بشكل رائع ديفيد ستراثيرن (David Strathairn). كان موروو المحرر الإخباري الرئيسي في قناة سي بي أس (CBS) والمسؤول الأساسي مع فريد فريندلي (Fred Friendly) والذي قام بأدائه جورج كلوني على برنامج إخباري أسبوعي « شاهده الآن » (See it Now). وكان موروو قبل ذلك مراسل إذاعي ذاع صيته خلال تغطيته للحرب العالمية الثانية وهو ما أهله لأن يكون من ضمن الجيل الأول للإعلاميين التلفزيين وذلك في بداية عصر الشاشة الصغيرة وانتشارها في المشهد الإعلامي الأمريكي خلال الخمسينات. وكان من ضمن الأوائل الذين صارعوا من أجل التأسيس لإعلام تلفزي إخباري جدي وواجه في هذا الاطار جهود تحويل التلفزة الى مجرد « صندوق تسلية » كما لاحظ في الشريط وهي مسألة تتكرر على امتداد الشريط. لكن القضية الأساسية في الشريط هي قرار موروو مواجهة الأسلوب الترويعي والتضليلي للسيناتور ماكارثي في وقت ساد فيه الصمت على الاعلام الاخباري بشكل يصل حد التواطؤ وهو ما أثار حفيظة الاعلامي الأمريكي الذي رأي في ذلك تجاوزا خطيرا على حرية الإعلام. وفي وقت لم يجرؤ أحد على فضح أساليب ماكارثي قام موروو مع فريق العمل في برنامجه تجميع المعطيات اللازمة وشن حملة مضادة عليه وهو ما انتهى الى الإسهام في فضح ماكارثي ومحاصرته ومن ثمة تقديمه للتحقيق. وقد بقي أسلوب موروو في تقديم الأخبار خلال الحلقات التي تناولت أساليب ماكارثي مرجعية بالنسبة للإعلام الإخباري الأمريكي، وحتى الآن بقي أسلوبه الجذاب والجاد مؤثرا وهو ما تجسم رمزيا في الطريقة التي ينطق بها الجملة-الخاتمة في برنامجه، وهي عنوان الشريط: « ليلة سعيدة، وحظا سعيدا ».

 

القصة معروفة ولكن كان التذكير بها ذي دلالات خاصة في الظرفية الراهنة وهو ما جلب انتباه وسائل الاعلام الأمريكية خاصة في مرحلة التراجع الأمريكي في العراق وانكشاف الأبعاد التضليلية التي سبقت الحرب هناك. لكن لم يكن الظرف السياسي وحده وراء النجاح الفني والجماهيري للشريط. كانت مهارات جورج كلوني كمخرج أساسية في تميز الشريط: حيث اختار أن يكون الشريط بالأبيض والأسود مما خلق سلاسة كبيرة بين الأجزاء الدرامية للشريط وتلك الوثائقية المأخوذة من أشرطة أصلية ترجع لفترة الخمسينات. كما كان التصوير في الاستوديوهات التلفزية (أين دارت أغلب أحداث الشريط) مناسبة للقفز بين الكاميراهات المختلفة وشاشات الاستوديو العديدة وهو ما جعل المشهد الذي يحتكره المخرج التلفزي أي تعدد زوايا النظر يتحول الى مشهد متاح للمشاهد ومركب أساسي من درامية الشريط. وهكذا كان الانتقال من شاشة الى أخرى ومن كاميرا الى أخرى وسيلة أساسية لنقل معاني التردد والاضطراب والصراع التي ميزت معركة موروو مع ماكارثي.

 

4

 

الشريط الثاني « سيريانا » تم افتتاحه يوم الجمعة. وشهدت قاعات السينما الأمريكية إقبالا كبيرا نظرا للحملة الدعائية التي سبقته والتي لم تكن مدفوعة الأجر في أغلبها بل طوعية نظرا لجلبه اهتمام النقاد والملاحظين السياسيين الذين أتيحت لهم فرصة المشاهدة المبكرة للشريط. تدور أحداث شريط « سيريانا » في نسق شديد التعقيد وأسرع بكثير من نسق شريط « ليلة سعيدة، وحظا سعيدا ». يلعب هنا كلوني دورا أساسيا في التمثيل الى جانب الممثل المميز والجاد مات ديمون (Matt Damon) (كما تقاسم كلوني مع ديمون إنتاج الشريط) بالاضافة الى الممثل الصاعد جيفري رايت (Jeffrey Wright).

 

سيناريو الشريط يتكون من أربع قصص متقاطعة. القصة الأولى وهي القصة المحورية تدور حول « بوب » (جورج كلوني) وهو عميل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (كان يعمل في الثمانينات في المنطقة العربية وتحديدا في بيروت) يعيش مرحلة تدهور قيمة عملاء الوكالة بعد انهيار جدار برلين وضياعهم وسط السياسة الأمريكية المضطربة في المنطقة العربية. يتصف « بوب » بالمشاغبة وخاصة رفضه الصمت على الأداء البيروقراطي في الوكالة ويعيش عبر مراحل الشريط عملية استفاقة تؤدي به لبدء التساؤل عن دوافع أعمال الوكالة خاصة بعد فشل عملية اختطاف « أمير عربي » كُلف بها في بيروت وهو ما أدى الى تضحية الوكالة به والتحقيق معه على أساس أنه مجرم يعمل لحسابه الخاص. ومن خلال « بوب » ينقلنا السيناريو الى مجال الأدوار التي تقوم بها الوكالة في المنطقة وتحديدا تعبيرها عن سياسة مستديمة للادارة الأمريكية في حماية مصالح الشركات النفطية الأمريكية وبشكل يتجاهل مصالح شعوب المنطقة. حيث يتم التركيز على قطر عربي خليجي كبير فيه حقول نفطية واسعة يتجه ملكه، بدفع من نجله « ناصر »، الى محاولة تنويع شركائه النفطيين على قاعدة الكفاءة من خلال التعاقد مع شركات صينية وهو ما أثار حفيظة أحد الشركات النفطية الأمريكية العملاقة المتمركزة في تكساس. ويقوم هنا المحامي الرئيسي للشركة، وهو صديق قديم للملك، بمحاولة التدخل في شؤون العائلة المالكة ودعم الابن الأصغر للملك على حساب نجله لخلافته، حيث يتم تصوير الملك في المراحل الأخيرة من حياته متنقلا على كرسي متحرك، وهو يخضع في النهاية لضغط الأمريكيين ليعين ابنه الأصغر التافه والمقرب من الشركات النفطية الأمريكية وليا للعهد. بالتضامن مع ذلك تشن وكالة المخابرات المركزية حملة على نجل الملك « ناصر » من خلال الترويج لصلاته بـ »منظمات ارهابية » ومن ثمة العمل على اختطافه (و هي العملية التي سيتكفل بها « بوب » ولكنها تفشل) حتى وإن أدى الأمر الى التعاون حتى مع حزب الله اللبناني. في النهاية، في آخر الشريط تنجح وكالة المخابرات المركزية في قتل « ناصر » بصاروخ موجه وذلك في خضم الصراع على الخلافة وبالرغم من سعي « بوب » الى انقاذ الأمير (يموت « بوب » مع الأمير في القصف الصاروخي الى جانب زوجة الأمير وأطفاله).

 

القصص الثلاث الأخرى تدور حول القصة المركزية حيث تقوم بتوضيح الجوانب الجانبية للصراع. من جهة أولى يتم تصوير مدى الفساد الذي يميز الشركات النفطية الأمريكية حيث يكشف محامي ناشئ (جيفري رايت) للشركة النفطية الأبرز، وهي ناتجة عن عملية دمج كبرى، حجم الفساد المستشري فيها وكيف أن ذلك أداة أساسية لـ »نجاح » الشركة وبدفع من مالكيها. المشهد الرئيسي في هذا الخط الدرامي كلام متهم أساسي في أعمال الفساد سيتم التضحية به لحماية الشركة حيث يصرخ في وجه المحامي الشاب « الفساد هو السبب في أننا ننتصر! ». من خلال كواليس الشركة يتم التوغل في الارتباطات المريبة للتروستات النفطية بالدوائر السياسية والاستخبارية الأمريكية حيث تظهر الأخيرة بمثابة الخادمة لمصالح الأولى.

 

من جهة ثانية يتتبع السيناريو مسار محلل اقتصادي وتحديدا نفطي أمريكي طموح وساذج (مات ديمون) يعيش في سويسرا وقريب من أوساط العائلة العربية الحاكمة، ينتهي الى الاقتراب من « ناصر » والتحول الى مستشاره الاقتصادي. وهنا نرى من خلال المحلل الأمريكي الشاب صورة « ناصر » عن قرب حيث يشير الى امتعاضه من تبعية بلاده للولايات المتحدة ورغبته في تحديثها واستعمال ثروتها النفطية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية وتذمره من التعامل الظالم في مملكة والده مع المرأة. ويتعرض الشريط الى محاولة « ناصر » تجميع أنصاره ولكنهم يشيرون الى « وجود عشرة آلاف جندي أمريكي » في البلاد، غير أنه يرد بأن هناك من « يرفض الوجود الأمريكي » مثله ومستعد لمواجهته.

 

وهنا تأتي القصة الرابعة. قصة المهاجر الباكستاني الشاب الى القطر الخليجي والذي يخسر عمله في الحقل النفطي بد شرائه من قبل الشركة الأمريكية العملاقة المتمركزة في التكساس. ليقع تدريجيا تحت تأثير مصري أصولي باسم « عجيزة » يدعوه للقيام هو وصديقه بعملية انتحارية ضد المصالح النفطية الأمريكية وتحديدا حقل نفطي بحري للشركة الأمريكية. وينتهي الشريط بنسق درامي مكثف مباشرة بعد قتل المخابرات الأمريكية للأمير « ناصر » بعملية الشاب الباكستاني من خلال اصطدامه بزورق بالحقل النفطي، حيث يقع تقديمه بشكل رومنسي كأنه مستعد للطيران وهو يقود الزورق المفخخ.

 

سيناريو الشريط شديد التعقيد وسيجد المشاهد الأمريكي العادي صعوبة كبيرة في تتبع أبعاده الدرامية المختلفة. ويرجع هذا التعقيد الى أن السيناريو قائم بالأساس على رواية (See No Evil) وهي لبوب باير (Bob Baer) وهو عميل حقيقي لوكالة المخابرات المركزية يشبه دوره الحقيقي في بعض الملامح دور « بوب » في الشريط ونقل في روايته معالم حقيقية من تجربته الفعلية. وقد شغل بوب باير مواقع متقدمة في وكالة المخابرات المركزية حيث عمل في الثمانينات في بيروت كما كان لعب دورا متقدما داخل العراق قبل الحرب (من داخل المجال الكردي في الشمال). غير أنه شكك في الحرب الأخيرة وحاول من خلال روايته مراجعة الدور الأمريكي في المنطقة ومسؤوليته في استمرار الاستبداد والفساد و »الارهاب » في المنطقة. ولهذا فقد أحدث وسيحدث الشريط ردات فعل قوية من قبل الأطراف المقربة من الادارة الأمريكية الراهنة المعروفة بقربها من الشركات النفطية ودعمها لعدد من العائلات العربية الحاكمة في الأقطار العربية النفطية. ويطرح في المقابل مراجعة راديكالية للصورة النمطية في الاعلام الأمريكي في علاقة بمصادر الاستبداد في المنطقة. كما أنه يطرح مراجعة للصورة النمطية التي تجعل من المعارضين للوجود الأمريكي معادين للتحديث وذلك من خلال تقديم الصورة الإيجابية لـ »ناصر »، بل بالعكس يشير الى أن تواصل التخلف يرجع للفساد المستشري بتشجيع من المصالح النفطية. من جهة أخرى يقدم الشريط صورة رومنسية للـ »الارهاب » جعلت له أبعادا إنسانية من خلال تتبع صورة الشاب الباكستاني البريئة تقريبا. ولهذا فقد بدأ البعض باتهام كلوني وستيفان قاقان (Stephen Gaghan) مخرج وكاتب سيناريو الشريط بشرعنة « الارهاب ».

 

مهما كانا شريطي كلوني مثيرين للجدل فإنه يستحق الاحترام لجرأته وشجاعته على خرق محظورات سادت أخيرا في المشهد الاعلامي والسينمائي الأمريكي. وأثبت بعد كل ذلك أنه مثقف وليس مجرد نجم سينمائي ثري وفارغ. وأصبح من الواضح أن أكاديمية الفنون لن تستطيع تجاهل الشريطين حيث ستمنحهما في أقل الأحوال الترشيح لجوائز الأوسكار. إن السينما في هذه الحالة تصبح بديلا، ولو بشروطها الدرامية الخاصة، عن الفراغ الذي يمكن أن يتركه الإعلام الإخباري. وفي الواقع هذه الحالة الجديدة بدأت في التكثف منذ مدة ليست بالقصيرة غير أنها عرفت أوجها السنة الماضية مع النجاح الواسع للشريط الوثائقي لمايكل مور « 9/11 فاهرينهايت ».

 

(*) باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية

 

(المصدر: موقع ميدل إيست أونلاين بتاريخ 10 ديسمبر 2005)

وصلة الموضوع: http://www.middle-east-online.com/?id=35049

 

الدولة اللائكية الفرنسية والاستبداد الحديث

  

رفيق عبد السلام (*)   غالبا ما يقدم الفرنسيون نظامهم الجمهوري اللائكي (أي العلماني) باعتباره النموذج الأمثل في مجال الاجتماع السياسي، ليس فقط بالنسبة للفرنسيين أو الأوروبيين، بل لعموم البشرية في مختلف قارات العالم، لما يقوم عليه هذا النظام من أسس حداثية وتنويرية غير مسبوقة على حد زعمهم.   وفعلا مثلت التجربة الفرنسية وما زالت بالنسبة للكثير من النخب الفكرية والسياسية سواء في العالم العربي أو في غيره من مواقع العالم الأخرى، نموذجا ملهما ومثالا يحتذى.   ورغم ما يطفو اليوم على النموذج الجمهوري اللائكي الفرنسي من أزمات عميقة وأعطاب واسعة على نحو ما أفصحت عنه اضطرابات الضواحي الباريسية التي ألهب وقودها أبناء المهاجرين من أصول عربية وأفريقية، فضلا عما يطبعه من مظاهر تهميش وتمييز خفي ومعلن، فإن الفرنسيين لا يكفون عن التعلق بادعاءاتهم الوثوقية والتبشيرية بالحل الجمهوري اللائكي.   وما يتم تجاهله غالبا في ثنايا الخطاب التبشيري اللائكي بشقيه الفرنسي والعربي ما تحمله التجربة الفرنسية من أبعاد تسلطية مخيفة ومتوارية خلف ادعاءات الحرية والمساواة والتحرر.   وحسبنا أن نشير هنا إلى بعض هذه الملامح التسلطية الملازمة للنموذج الجمهوري اللائكي الفرنسي.   تتأسس اللائكية الفرنسية على نزعة تدخلية صارمة وثقيلة الوطأة للدولة، وتقوم هذه النزعة التدخلية بدورها على دعامة نظرية مفادها اعتبار الدولة اللائكية ضامنة الوحدة الاجتماعية والسياسية وحارسة الهوية العامة، وذلك بحكم قدرتها « الخارقة » على تجاوز الانقسامات الاجتماعية والقيمية التي تنخر الجسم السياسي، ومن ثم قدرتها الفائقة على التعبير عن المصلحة العامة المتجاوزة للمصالح الجزئية والعينية للأفراد والمجموعات.   وتتأسس هذه الفكرة بدورها على تقليد أنواري مبكر يشدد على شفافية السياسي وقدرته على بلورة الإرادة الكلية والعامة، أي قدرته على التعبير الوفي عن المصالح الكلية والجامعة التي تشمل مجموع الأفراد والجماعات، ومن ثم التعالي عن ظاهرة الانقسام الديني والطائفي والعرقي والطبقي التي تشق الجسم السياسي والاجتماعي.   وتعود جذور هذه الفكرة إلى القرن الثامن عشر وتحديدا إلى الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي عدّ الدولة بمثابة الإطار المعبر والمجسد للإرادة الكلية للمواطنين، وهي إلى جانب ذلك قوة ناظمة ومتعالية عن مجموع المصالح الفردية والجزئية.   ومن المعلوم هنا أن التعلق الشديد بالدولة عند الفرنسيين لم يكن مبنيا على اعتبارات فكرية أو نظرية محضة بقدر ما كان محكوما بمشكلات عملية فرضتها سياقات التجربة الفرنسية نفسها.   فقد تميزت الحالة الفرنسية بصفة عامة، بما في ذلك زمن الملكية بوجود دولة تدخلية ومركزية، متساندة مع سلطة كنسية شديدة الضبط وبالغة القهر.   ومع تراجع دور الكنيسة على ضوء مجمل الصدمات التي تلقتها بعد الثورة، امتصت الدولة الجمهورية اللائكية جل الخصائص الهيكلية والبنيوية للمؤسسة الكنسية الكاثوليكية وافتكت جل الوظائف التي كانت موكولة إليها، بما في ذلك وظيفة فرض الوحدة الاجتماعية والسياسية على مجتمع منقسم على نفسه طائفيا وعرقيا، وإحلال التجانس الثقافي واللغوي.   الدولة عند اللائكيين الفرنسيين ليست مجرد أداة لتنظيم الشأن العام، ولا هي مجرد مؤسسة وظيفية لإدارة حياة الناس وتصريف أحوالهم ومعاشهم، بل هي « صوت الأمة » و »روح » الشعب.   وهي إلى جانب ذلك موضع حلول العدالة الكاملة والخير الأعظم، وهذا ما يعطيها مشروعية التدخل على النحو الذي تريد وفي الوقت والموضع الذي تريد لفرض قيمها وتصوراتها الخاصة على الأفراد والجماعات، مفترضا فيها ان تكون القيم العامة والكلية للمجتمع نفسه، بحيث تتطابق مصالح المجتمع مع مصالح الدولة، وتنصهر الإرادات العينية والجزئية للمواطنين في الإرادة العامة والكلية التي تعبر عنها الدولة اللائكية.   من الواضح هنا أن الفكر السياسي الفرنسي يقوم على خيرية الدولة وشفافيتها بما يجعلها جديرة بتجسيد وحماية القيم السياسية النبيلة، وفي مقدمة ذلك قيمتا الحرية والمساواة.   وهنا يتساوق الدور التدخلي والإكراهي للدولة الفرنسية على نحو ما تجسد ذلك في تجربتها التاريخية الحية، مع نظرية سياسية متمركزة حول الدولة.   تشتغل اللائكية الفرنسية عبر ذراعين متكاملتين ومتعاضدتين: أولا عبر آلية الرقابة والضبط العقابي للدولة الجمهورية اللائكية التي تقوم على « حراسة » القيم الجمهورية اللائكية وضبط حدود المباح والممنوع من منظار هذه الدولة.   وثانيا عبر أدوات التوجيه الثقافي والأيدولوجي التي تتم بمقتضاها صياغة الشخصية الفردية، وشحن الفضاء العام بالقيم الدهرية المعلمنة وعلى رأس ذلك مؤسسة المدرسة والترشيد التربوي.   ولعل هذا ما يفسر كثرة الضجيج والسجال الذي يثيره الفرنسيون حول دور المدرسة والتعليم بما لا نظير له لدى أمم أخرى في العالم.   فاللائكية الفرنسية لا تكتفي بتحرير السياسي من سيطرة الكنيسة وإنما تراهن على مقارعة الدين عامة وطرده من الفضاء العام لتحل محله « القيم اللائكية الصلبة »، وهنا تحل المدرسة محل الكنيسة في إعادة صياغة الوعي الفردي والجماعي.   كتب فردينان بويسون زمن الجمهورية الثالثة عام 1912 في معرض دفاعه عن مشروعية المدرسة اللائكية « إن للكنيسة معقوليتها الخاصة ومن ثم ليس أمام المرء إلا أن يكون معها أو ضدها، كما أن المدرسة اللائكية هي الأخرى لها اسمهما وهويتها الخاصة والمحددة. ومن ثم على المرء أن يختار بين المدرسة العقلانية والمدرسة الإكليروسية لأنه لا توجد منطقة وسطى بينهما ».   فتحت الثورة الفرنسية الباب على مصراعيه أمام ظهور أنماط استبدادية جديدة وغير مسبوقة، استبدادية تعتمد على الأنياب الحادة لدولة مركزية وتدخلية وذات ادعاءات تنويرية. فقد كانت الثورة الفرنسية حاملة لبذور الاستبداد « الحديث » على نحو ما سيبرز لاحقا في الأنظمة الفاشية والنازية والشيوعية وغيرها.   وما يجمع هذه الأنماط التسلطية على اختلاف أنواعها وأسمائها تعلقها المفرط بالدولة والعمل على تغيير شروط الوجود البشري بصورة مثالية وحالمة عن طريق تدخل الفعل السياسي المبرمج والمخطط لذي تحتل فيه الدولة موقع الصدارة والتوجيه.   ونخلص من ذلك إلى القول بأن اللائكية الفرنسية ليست مجرد آلية سياسية لمعالجة قضية الانقسام الديني أو الطائفي، بل هي أشبه ما يكون بالعقيدة الشمولية والصارمة التي تراهن على الحلول محل الأديان والعقائد بعد امتصاص الكثير من مظاهرها وتعبيراتها في قالب دهري معلمن.   ودليل ذلك ما تحاط به اللائكية الفرنسية من تقديس ومحرمات، ما يجعل المرء عرضة للتجريح والإدانة بمجرد الاعتراض على بعض التصورات أو المسلكيات اللائكية، أو مجرد الحديث عن محدودية الحل العلماني.   وفي الجملة يمكن القول إن الثقافة السياسية الفرنسية على نحو ما تشكلت في مبدأ اللائكية ومرادفها الجمهورية قامت على نزوعات جذرية مدمرة لا تعرف معاني التوسط والوفاق.   ويبرز ذلك جليا من خلال صعود اليعاقبة وتحويلهم الساحة السياسية والثقافية الفرنسية إلى ساحة حرب مفتوحة في إطار ما سمي وقتها بسنوات الرعب أو ما أسماه روبسبيير بإرهاب الحرية.   وحالة الرعب هنا لا تعني مجرد حقبة من حقب الثورة الفرنسية -تلك التي تمتد بين مجازر سبتمبر/أيلول 1792 إلى غاية سقوط روبسبيير في يوليو/تموز 1794- بقدر ما هي نمط كامل في إدارة الحكم وفي تصور السياسي، لازم الثورةَ منذ ولادتها واستمر معها لعقود متتالية من الزمن وما زال يحكمها إلى يوم الناس هذا.   والمقصد هنا ذلك النمط من الحكم الذي يستدعي القوة والحسم الجذري في التعاطي مع السياسة وقضايا الاجتماع باسم ادعاءات حداثية وتنويرية، وهو إرهاب يتراوح بين الاستخدام الفج والصريح للعنف المنظم من طرف مؤسسات الدولة وأجهزتها، وبين العنف « الصامت » الذي يقوم على سن تشريعات قانونية تعسفية وحامية لإرهاب الدولة المنظم.   وفعلا كانت مخاوف الفيلسوف الإنجليزي المحافظ إدموند بيرك في محلها حينما كتب منذ وقت مبكر وقبل أن يستوي مشهد الثورة على صورته الجلية (عام 1790) يقول إنه يتوقع للفرنسيين « رحلة طويلة وشاقة في عالم الفوضى وعتامة الظلمة ».   وذلك بحكم ما يطبع الثورة الفرنسية من وحهة نظر بيرك من تعلق بالمجردات والمثل بدل الاستناد إلى الخبرة السياسية الحية، رادا ذلك إلى قلة دراية وخبرة منظري الثورة بأحوال السياسة وأوضاع الاجتماع السياسي المعقدة.   ومن مظاهر ذلك التعلق بتصورات مثالية للزمن والتاريخ، العمل على صنع تاريخ ونمط من الاجتماع السياسي مطلق الجدة وفي قطيعة مطلقة مع الماضي، فضلا عن السعي إلى صنع مفهوم مجرد ومتعال للمواطنة لا علاقة له بالواقع وممكناته الفعلية.   وذلك بالإضافة إلى ميل أهل تلك الثورة إلى الحلول الجذرية والقصوى بدل البحث عن الحلول الوفاقية الوسطى.   وبغض النظر عن الدوافع المحافظة، بل العنصرية في الكثير من الحالات التي حكمت المفكر الإنجليزي، فإن أهمية مقاربته للثورة الفرنسية تكمن فيما قدمه من تشخيص وتساؤلات لا في نوعية الإجابات التي ركن إليها، ولعل هذا ما يعطي أهمية لتأملاته الثاقبة حول الثورة الفرنسية.   من المعلوم هنا أنه قل وندر أن تركزت الأنظار والكتابات حول إرهاب الثورة الفرنسية، وربما يعود ذلك إلى ما رشح عن هذه الثورة من شعارات تحريرية ومدونات حقوقية طلائعية غطت وجوهها المخيفة والمرعبة.   كما أن ظهور الثورات الشيوعية القريبة إلينا زمنا وانكشاف توجهاتها العنفية التسلطية قد ألقى بشناعات الثورة الفرنسية في طي النسيان، خاصة أن النخبة السياسية والفكرية الفرنسية تعودت على إحاطة حدث الثورة بهالة احتفالية صاخبة.   هكذا توارت بشاعات الثورة الفرنسية خلف المجازر الستالينية والحروب الهتلرية وحلت مشاهد دكتاتورية البروليتاريا محل العنف العبثي لجماعة اللامتسرولين وأقرتهم اليعاقبة في مجال الدراسات التاريخية والسياسية.   وفعلا فإن القراءة الثاقبة للتجربة الفرنسية سواء في موطنها الأصلي أو في مختلف البلاد التي امتد إليها نفوذها الاستعماري، تكشف لنا عما رافقها من أبعاد تسلطية ثقيلة الوطأة ومن مظاهر التشديد على الدور الطلائعي للدولة في إحداث التحولات السياسية والاجتماعية وفي هندسة البنية الاجتماعية السياسية بصورة فوقية ومتعالية عن مشاغل الناس وحاجياتهم.   ومما يزيد من مخاطر النموذج الفرنسي ويقوي أنيابه الحادة أكثر أن يتم الاستحواذ على هذه الدولة من طرف نخبة لائكية صلبة ومعزولة عن محيطها الاجتماعي، ومقطوعة الصلة بثقافة الناس ومصالحهم، كما هو واقع الحال في الكثير من البلاد العربية التي خضعت لتجربة الاحتلال الفرنسي القاسية، خاصة في بلاد المغرب العربي حيث استحال أمر هذه الدولة إلى ما يشبه آلة حرب دائمة ومفتوحة في مواجهة مجتمع موصوف بالجمود والتخلف.   وفعلا إذا كانت اللائكية الفرنسية « الأصلية » مصابة بالكثير من الأعطاب والاختلال التي ما زال الجسم الفرنسي يشكو من تداعياتها إلى اليوم، فإن أخواتها من اللائكيات المستنسخة تبدو عللها أشد وأسقامها أعمق بحكم شدة غربتها عن الناس بما لا يقارن بلائكية النموذج أو الأصل.   ولذا لم يكن محض مصادفة أن تكون أكثر أنظمة الحكم العربي تخلفا وغلظة في التعامل مع شعوبها تلك التي ورثت التقاليد « الجمهورية الفرنسية ».   (*) كاتب تونسي   (المصدر: ركن المعرفة بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 10 ديسمبر 2005) 

 

يسبح بأغانيه الملتزمة عكس التيار …

سامي يوسف يكافح التشويه

بيروت – راغدة طرّاف     

 

يلفتك، بين كل تلك الصور الجميلة لفناني الفيديو كليب، طلّة مختلفة لشاب وسيم، أعطته اللحية القصيرة جاذبية، وأضافت إلى هدوء ملامحه سحراً غريباً… صاحب ابتسامة آسرة نابعة من القلب، صوته العذب والدافئ، يبعث لديك شعوراً بالراحة والسلام الداخلي… إنه سامي يوسف صاحب ألبوم «المعلم» الذي استطاع أن يحقق انتشاراً كبيراً في ظل هيمنة أغنيات «الطقش والقفش»، وما شابهها.

لم يتغن يوسف بحبيبته، ولم يعتمد تلك المواضيع التي ملّها الجمهور والحبيبين أيضاً، إنما حاول التغنّي ببعض أخلاقيات الشاب المسلم الذي لا يتوانى عن مساعدة الآخرين، ومعاملة الجميع، من دون تفرقة – بمحبة واحترام.

 

قلّة هم الذين يعرفون أن سامي يوسف (25 عاماً)، هو من أصل آذري (أذربيجان). نشأ وترعرع في إنكلترا، تتلمذ على يد والده الذي اكتشف ميول ابنه الموسيقية وحاول صقل موهبته.

 

في سن السادسة عشرة حصل على منحة لدراسة الموسيقى في الأكاديمية الملكية للموسيقى في العاصمة البريطانية. ومن هنا، يبدو واضحاً ذلك المزيج بين الروح الشرقية والأنغام الغربية التي اعتمدها في معظم أغانيه.

 

طرح يوسف ألبومه الأول في صيف 2003 تحت عنوان «المعلم» وضم ثماني أغنيات هي : «المعلم»، «من هو المحبوب»، «غار حراء»، «الله الخالق»، «تأمل»، «يا مصطفى»، «الدعاء». معظم كلمات هذه الأغاني كتبت بالإنكليزية، وتخللها بعض المقاطع بالعربية، علماً أن الأغنية الرئيسة كانت «المعلم» التي صوّرت على طريقة الفيديو كليب وحققت انتشاراً واسعاً.

 

أما ألبومه الثاني فاحتوى على 13 أغنية هي: «أمتي»، «حسبي ربي»، «يا رسول الله»، « حاول ألا تبكي»، «محمد»، «أقم الصلاة»، «أغنية العيد»، «حر»، «مناجاة»، «الأم» بالنسختين العربية والتركية، «لن نخضع»، و»دعاء».

 

والجدير بالذكر أيضاً أن سامي يوسف لحن 99.9 من الأعمال، كما يقول.

 

أطلّ سامي يوسف على الجمهور أخيراً من خلال أغنية متميزة جداً هي «حسبي ربي» التي تعرضها إحدى محطات «الفيديو كليب». واللافت أن الأغنية مغناة بأربع لغات: الإنكليزية، التركية، الهندية والعربية.، تحمل في نغماتها إيقاعاً راقصاً. وعلى رغم أن ذلك الإيقاع تعرّض لكثير من الهجوم، فقد أسهم إلى حدّ كبير في شدّ آذان الشباب نحو الأغنية الراقية، المختلفة الطابع والمضمون.

 

ويعتبر سامي يوسف نفسه صاحب رسالة إنسانية معاصرة، وكل ما يوّد تقديمه من خلال أغانيه هو صورة حقيقية عن الشاب المسلم الذي يتحلّى بالعزة والكرامة والشرف والقيم السامية: «أوّد من خلال أعمالي أن أعكس صورة حقيقية عن العالم الإسلامي الذي يتعرّض إلى تشويه واضح، خصوصاً عندما يتحدثون عن الإرهاب الذي لا يمت إلى حضارتنا وثقافتنا بصلة».

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 29 نوفمبر 2005)


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.