السبت، 26 نوفمبر 2005

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2015 du 26.11.2005

 archives : www.tunisnews.net


الرابطة التونسية لأصحاب الشهادات العاطلين عن العمل: بيان إلى الرأي العام الوطني


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

أخبار المهندس الهادي التريكي على ضوء اتصال هاتفي مباشر

 

اتصلت هذا اليوم السبت 26 نوفمبر 2005 بالأخ العزيز المهندس الهادي التريكي قصد الاطمئنان على صحته وهو ماتوفقت اليه تحديدا على الساعة الثانية الا ربع بتوقيت أوربا وبعد التحية والسلام لاحظت أن الأخ الكريم يعاني من حالة ارهاق نتيجة الاصابة التي طالت رأسه بامتداد أربع سنتمترات بالاضافة الى رضوض طالت عظام الصدر الخلفية مع أخرى في الوجه والعيون التي شكى لي من أوجاع بها هذا وقد علمت في الابان بأنه يستعد لمغادرة المستشفى بعد أن رفع السلام والتحية لكافة الأحباء في المهجر داعيا الله سبحانه أن يلم الشمل في ساحة الوطن الواحد. هذا وقد تبادر الى علمنا أنه تلقى مكالمات هاتفية عديدة من شخصيات وطنية وحقوقية أرادت الاطمئنان على أحواله وتبليغه رسائل تضامنية في الغرض ولقد كان من بين المتصلين الدكتور المنصف المرزوقي وأم زياد عن المؤتمر من أجل الجمهورية كما تأكد لدينا ان نشطاء من الحزب الديمقراطي التقدمي والحركة الحقوقية بصفاقس تعتزم القيام بزيارات واتصالات تضامنية معه وتجدر الاشارة الى أن الدكتور المنصف المرزوقي أبلغه هذا اليوم أن المضاعفات الصحية للاعتداء على الرأس قد تستمر في شكل أوجاع تمتد الى فترة ستة أشهر ومن جهة أخرى علمنا أنه فتح محضر تحقيق في الغرض من قبل دوائر الشرطة العدلية ولقد حاولت بعض الجهات …اقناعه عنوة بأن الأضرار حدثت له نتيجة حادث مرور

 

أخوكم مرسل الكسيبي

السبت 26 نوفمبر2005

 

(المصدر: قائمة تونس اليوم – حركة 18 أكتوبر بتاريخ 26 نوفمبر 2005)

 

تعريف موجز بالمهندس الهادي التريكي

 

تجدر الإشارة إلى أن السيد الهادي التريكي , مهندس في الإعلامية 44 سنة أب لثلاثة أبناء أصيل ولاية المهدية و قاطن مع زوجته و أبناءه بمدينة صفاقس و قد قضى عقوبة بالسجن مدة حوالي إحدى عشرة عاما بعد أن صدر ضده حكم بالسجن مدة عشر سنوات من المحكمة العسكرية الدائمة بتونس وحكم بالسجن مدة سنتين و عشرة أشهر من الدائرة الجناحية لدى محكمة الاستئناف بتونس تحت عدد 9520 و أفرج عنه يوم 2003/3/23 . و قد وقع إعلامه من طرف مصالح الأمن بضرورة الخضوع للمراقبة الإدارية مع تحديد إقامته بمدينة صفاقس , و هو مواظب على الحضور لدى مصالح الامن بمدينة صفاقس بشكل دوري للإمضاء على دفتر الحضور المعد للغرض:

 

الامضاء: المحرر السياسي لقائمة مراسلات تونس اليوم-حركة18 اكتوبر

 

(المصدر: قائمة تونس اليوم – حركة 18 أكتوبر بتاريخ 26 نوفمبر 2005)

للإشتراك في قائمة المراسلة ارسل بريد فارغ على العنوان الاتي


قوافل العودة إنطلقت

تهنئة بالعودة لتراب الوطن :

عاد بوم الخميس الموافق لـ 24 / 11 / 2005 المجاهد الأخ بوعبد الله لطيف بعد غربة إمتدت لحوالي سبع سنوات تحصل فيها هذا الأخير على اللجوء السياسي على قضائه 10 سنوات سجنا .  و نحن نبلغ أحد فرسان العودة تهانينا لهذه البطولة الرائعة .

 و على أمل اللقاء بواحات الحنة … نتمنى لهذا الهُمُام إقامة هنيئة – و هي ستكون كذلك بإذن الله . 

لنا عودة هذا الموضوع .

 محب لقافلة العودة : ألمانيا الإتحادية


 

الرابطة التونسية لأصحاب الشهادات العاطلين عن العمل

 

تونس في 24 نوفمبر 2005

 

بيان إلى الرأي العام الوطني

 

 بلغ إلى علم الرابطة التونسية لأصحاب الشهادات العاطلين عن العمل أن عضو الرابطة السيد محسن اليحياوي تعرض إلى الإيقاف عن العمل  كأستاذ تعليم ثانوي بالمعهد الثانوي بماجل بالعباس على أثر برقية  من المدير الجهوي للتربية والتكوين بالقصرين بتاريخ 19/11/2005 نصها” نعلمكم انه وقع إيقافكم عن العمل بعد أن تعذر علينا إتمام إجراءات  انتدابكم (عدم اﻹستظهار ببطاقة عدد3)” وهو الآن معتصم بدار الاتحاد الجهوي للشغل بالقصرين دفاعا عن حقه الشرعي في العمل.

 

هذا مع العلم أن السيد محسن اليحياوي منتدب بصفة قانونية كأستاذ تعليم ثانوي منذ 14 سبتمبر 2004 بعد نجاحه في مناظرة الكاباس دورة  2003 ولم يتلقى أي من مستحقاته المالية منذ انتدابه بتعلة عدم استظهاره ببطاقة عدد3 التي لم تشأ مصالح وزارة الداخلية تسليمها له على الرغم من مطالبته بها وفق الصيغ القانونية العديد من المرات أخرها كان في أفريل 2005 بوصل إيداع رقم 3223 بالمنطقة الوطنية للأمن الوطني بالقصرين .

 

إن الرابطة التونسية لأصحاب الشهادات العاطلين عن العمل التي تخشى أن تكون عملية الإيقاف عن العمل الغير قانونية هذه  إجراءا الهدف منه حرمان السيد محسن اليحياوي من حقه في العمل نضرا لماضيه السياسي وهو السجين السياسي السابق في أطار قضية احتفاظ بجمعية غير مرخص فيها سنة 1993 والتي حوكم فيها بسنة و نصف سجنا قضاها كاملة بالسجن المدني بتونس:

 

– تعبر عن تضامنها المطلق مع الأستاذ محسن اليحياوي كما تهيب بكافة فعاليات الحركة الديمقراطية الوقوف إلى جانب المتضرر من أجل حصوله على حقوقه كاملة.

– تؤكد على موقفها المبدئي الرافض لكل فرز أمني و سياسي قبلي و بعدي في عمليات الانتداب.

– تطالب السلطات بضرورة احترام القانون التونسي بعد أن تكررت عمليات إيقاف إجراءات الانتداب و خاصة هذه السنة جراء عدم تمكين المنتدبين الجدد من بطاقات عدد 3 على الرغم من استرجاع هؤلاء المنتدبين لحقوقهم المدنية والسياسية بشكل آلي وفق القانون.

 

الرابطة التونسية لأصحاب الشهادات العاطلين عن العمل

 

 

الطريق

 

د.منصف المرزوقي  

ما أشبه اليوم بالبارحة !

هذا ما كان يتردّد بخاطري والسيارة تغادر بنا مدينة الكاف في اتجاه تونس بعد أن أنهت  سامية عبو زيارتها زوجها وأنهينا  أنا وعبد الوهاب معطر وقوفنا بباب السجن في انتظارها . نعم ما أشبه اليوم بالبارحة! لم يخطر ببالي أنني سأجد نفسي في نفس الموضع مجدّدا  – مع فارق وحيد هامّ هو أن إدارة السجن أضافت بابا خارجيا للباب القديم الذي يبدو أنه لم يكن كافيا….هل من رسالة أبلغ ؟

 لا أذكر كم من مرّة  وقفت بباب هذا السجن اللعين  أنا وعمر المستيري،  وكنا أخذنا قرارا عندما سجن نجيب الحسني في منتصف التسعينات  أن نأتي مرّة في الشهر إلى الكاف ، مع كل من نستطيع تجنيده  لتضامن  رمزي  صامت و لشدّ أزر عائلته.  أذكر أننا تجمعنا مرّة أكثر من عشرين شخصا ورفعنا الشعارات المعادية للدكتاتور بالاسم  وأن الحرس أصيبوا بالذهول ولم يعرفوا كيف يتصرفون معنا .

بصراحة عدت من هذه الزيارة وبي حزن شديد ، لا لوعيي مرة أخرى بالثمن الباهظ الذي دفعه مئات الآلاف من التونسيين والتونسيات لكي يتمتّع  هذا الدكتاتور بلذّة التسلّط وعائلاته بلذّة النهب والسلب ،  وإنما لوعي مفاجئ وشديد الوجع بكل هذه الأعوام الضائعة  من عمري ومن عمر الوطن  . سبحان اللّه …كأن الزمن يتحرّك في كل مكان إلا في تونس. إنه نفس القمع ، نفس الغباء، نفس الفساد، نفس التزييف، نفس الخطاب الحقير لأبواق السلطة … نفس الوجوه ونفس السيارات التي ترابط أمام بيتي ليلا نهارا وتتعقبني حتى عند قضاء أبسط الشؤون  منذ أكثر من عقد……. نفس صحافة الزبالة بنفس جملها البليدة. ثمة بلدان مثل نهر عات يشق طريقه نحو مجاهل المستقبل ، أما تونس بن علي كما يقولون فمستنقع ، يتصف ككل مستنقع بالقدر الهائل من الاستقرار على السطح  وفي أعماقه يتكدّس العفن. 

يومها  ألحّ علي سؤال واحد: كيف نعيد  لتونس الحبيبة ديناميكيتها لتعود  نهرا حيا لا بركة آسنة… كيف نكسر  الحلقة المفرغة التي يدور فيها الوطن  ليصبح الطريق خطّا مستقيما لا دائرة غبية تعيدك مهما تحرّكت لنفس النقطة .

                                                            *     

إن المبدأ الأساسي في العمل السياسي ، خاصة إذا كان له بعد تاريخي ، هو  استغلال وتطوير التراكمات للرصيد النضالي  الذي ساهمت في تكوينه منذ استتباب نظام  العصابات  الحركة السياسية والحركة الحقوقية والشخصيات الوطنية  وحتى بعض  القوى النقابية الحيّة .

 إن مبادرة إضراب الجوع التي قام بها الثمانية هي آخر عملية في هذه التراكمات التي تنضج شيئا فشيئا  ظروف انتقال يستطيع أن يتباطأ، أن  يحيد عن مساره…. أو أن يهلّ علينا بطلعته البهية بأسرع مما نتوقّع إن نحن أحسنّا إدارة المعركة .

لقد تمخضت العملية – بغضّ النظر عن المكسب الإعلامي- عن ظاهرتين إيجابيتين على قدر كبير من الأهمية .

الإيجابية الأولى هي كسر الحاجز العقائدي لفائدة عمل سياسي مشترك. كم رائع أن ترى، أخيرا،  في نفس خندق مقاومة الدكتاتورية ديمقراطيين ويساريين وإسلاميين ومستقلين تجمع بينهم أخوة النضال من أجل تونس عادت في شرايينها الحياة . إن مثل هذا التوحّد ضدّ الدكتاتور ونظامه هو الشرط الأساسي لا للتسريع بالتخلص من الاستبداد ، لكن أيضا  لإعداد التعايش السلمي الضروري  بين مختلف مكونات المجتمع التونسي يوم يستتب النظام  الجمهوري والديمقراطي ويستبدل  التونسيين  الصدام العقائدي الهدّام بالحوار السياسي البناء .

الإيجابية الثانية هي الحركية التي بثتها في الجهات وهذا أحسن دليل على مدى تعطّش مناضلي  هذه الجهات لأي مبادرة تطلق  وتستغلّ قواهم المتأهبة للعمل.

كل هذا يحسب لأصحاب المبادرة ، خاصة وأن البعض منهم عرّضوا فعلا حياتهم للخطر.

السؤال اليوم هو  كيف نواصل  المشي إلى الأمام ليكون إضراب الجوع الأخير خطوة إلى الأمام.

الهدف الأوحد

من الضروري استرجاع الأشواط التي  قطعها المجتمع المدني في نضاله من أجل الجمهورية و النظام الديمقراطي على الصعيدين الحقوقي والسياسي حتى لا نعيد اكتشاف الدولاب كما يقول الفرنسيون  .

فعلى الصعيد الأوّل يجب التذكير بنضال الرابطة في التسعينات ضدّ التعذيب والتجاوزات والمحاكمات الجائرة . كذلك  لنذكّر بأن مطلب العفو التشريعي العام انطلق سنة 95. ما لا يعرفه الكثير أن المجموعة التي بادرت  لم تحصل إلا على 25 إمضاء بعد جهد جهيد  فرفضنا نشر النداء لشعورنا بالخجل أن يصدر مطلب كهذا بمثل هذا العدد البائس. سنة 1996 تحسنت الأمور وتحصّلنا على 126 إمضاء فنشرنا أوّل نداء. سنة 1999 أصبح  المطلب  جزءا من  وثيقة ميلاد المجلس الوطني للحريات . سنة 2001 توسعت دائرة المطالبين لتشمل كل القوى الحقوقية والسياسية  وبدأت التظاهرات المشتركة ومنها اليوم الوطني للعفو التشريعي العام. وما بين 2002 و2005 بدأت حتى الأحزاب الكارطونية تتبنى الطلب.

 كذلك الأمر بخصوص مطلبي حرية الرأي والتنظم . فلكل قضية  تاريخ طويل .  لقد اكتشفت بين وثائقي  “نداء مواطنين من أجل حرية الصحافة ” أول ممضي من بين قائمة طويلة …..الدالي الجازي  (نشرته جريدة الرأي في ….21 ديسمبر 1984) . أما بعد استبدال دكتاتورية الحزب بدكتاتورية البوليس   فأن أهم وثيقة في المسألة  هي  بيان الثلاثمائة الذي  انطلق سنة 1991من مبادرة صحافيين هما كمال العبيدي  والعربي شويخة (الذي كان من بين الممضين على نداء 1984 ) . ومن يومها لم تتوقف البيانات والاحتجاجات والتقارير والتظاهرات .  لكن تجنّد المجتمع المدني لهذه القضية وبقية المطالب الحقوقية لم ينتج  التغيير المنشود  لأنه كانت يتوجه لرجل لا يسمع، وإذا سمع لا يفهم ،وإذا فهم لا يلبّي، وإذا لبّى زيّف وسوّف وماطل لشق المعارضة  واسترجاع ما أعطى  مكرها حالما “تتحسّن ” الظروف.

لهذا السبب اقتنعت شخصيا بأن الطريق الحقوقي ، وإن كان ضروريا ويجب متابعته لأنه يفضح ويعرّي ويجلب الدعم الداخلي والخارجي للمجتمع المدني ،  فإنه غير كاف  بسبب طبع الدكتاتورية وطبع الدكتاتور ولا بدّ من التوجّه للمرض لا لأعراضه…. للدكتاتورية كنظام لا لانتهاكاتها .

وكما للحركة الحقوقية  تاريخ طويل وثري ، فإن للمعارضة السياسية رصيد نضالي هامّ علينا متابعته. ومن آخر وأهمّ المراحل   تجمّع كل القوى السياسية  في  12ماي 2002  في تونس وفي باريس بعد أسبوع لرفض الاستفتاء المزعوم واعتباره لاغيا وغير ملزم للبلاد. ثمة أيضا اجتماع أكس في ماي 2003 الذي أنتج وثيقة من أهم وثائق الحركة السياسية أمضاها  الإسلاميون  مع الديمقراطيين وفيها  تعهّد مختلف الأطراف  بقبول كل قواعد اللعبة الديمقراطية وكافة حقوق الإنسان ومنها المساواة التامة بين الرجل والمرأة . لنتذكّر كذلك أن الأحزاب الديمقراطية ،التي تنازعت بخصوص المشاركة في “الانتخابات” الرئاسية والتشريعية والبلدية الأخيرة، أقرّت كلها بعدم شرعيتها ورفضت الاعتراف بنتائجها .

إن كل هذا الزخم الحقوقي والسياسي هو الذي يجب أن نواصله بالانتقال إلى  مرحلة أكثر تقدّما أي رصّ الصفوف لفرض رحيل الدكتاتور وقيام  الجمهورية والنظام الديمقراطي.

فمطلب إنهاء الدكتاتورية اليوم، مثل مطلب نهاية الاستعمار في الخمسينات ، غير قابل للمساومة وللتهميش وللوضع في الظلّ  ، خاصة في ظرف تسارع  انحطاط نظام فاقد الهيبة، فاقد الشرعية ،  فاقد المصداقية داخليا، واليوم عالميا بفضل فضيحته في قمة المعلومات التي يمكن القول أنها صدّقت بخصوصه مقولة ” جاء يربح صادو بوربّيح “.

 إن رحيل الدكتاتور ونهاية الدكتاتورية كنظام سياسي لحكم تونس هو  الهدف الأوحد الذي تفرضه علينا طبيعة المرحلة وهو المشروع الوحيد الذي يعطي  للحركة السياسية بما هي، ككل حركة سياسية،  عزم على تولّي السلطة وفرض البدائل…. معنى لوجودها، و إلا أي فائدة منها ؟

من سيطرح قضايا الهوية والاستقلال الوطني والفساد وانهيار مؤسسة التعليم وانحطاط القيم الخ .

فليتجمع الحقوقيون إذن  حول المطالب الحقوقية يواصلون فضح النظام – دون أدنى وهم حول النتيجة باستثناء الفضح –  لكن مهمة  السياسيين الوحيدة  مواصلة الطريق الذي توقّف عند رفضهم  شرعية الانتخابات الأخيرة .

العقلية  البنّاءة

لنتذكّر هنا أيضا أنه، طيلة الخمسة عشر سنة الأخيرة، دار بين مختلف أطراف المجتمع المدني حوار  معمق حول أمهات القضايا مثل  مشاركة النهضة من عدم مشاركتها  في العمل السياسي  الجماعي وطبيعة الدولة التي نطمح لها ونوع المجتمع الذي نرغب في تحقيقه الخ ، فتبينت نقط الوفاق ونقط الاختلاف وأصبحنا نحفظ عن ظهر قلب حجج الآخرين ونردّد حججنا إلى درجة الغثيان.

لكن  الحوار الوطني وصل على الأقل  إلى نتيجة واحدة على قدر بالغ من الأهمية هي اتفاق كلّ الأطراف على نمط الدولة التي نريد . أما الاختلاف الذي يحرّك كل الخلافات فهو حول طبيعة المجتمع  وهو الذي جعل بعض الأطراف تجاهر بأنها غير مستعدّة لأيّ تحالف سياسي إلا مع الطرف الذي يضمن له إما  المجتمع الإسلامي الذي يريد أو المجتمع العلماني الذي يفرض المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.

ما لا يفهمه البعض هو أنه ليس لأي من المنظمات والأحزاب والأشخاص ، الحق في تصوّر نمط مجتمعي يفرضونه من الآن  على التونسيين . فمن أعطى الحق لنخبة حقوقية أو سياسية  لا تتجاوز مئات من الأشخاص ،أن تبتّ مسبقا في مصير مجتمع مكممّ ومكبّل والحال أنها تدعو للديمقراطية أي لسيادة الشعب . أضف إلى هذا عبثية الموقف . فالمجتمع التونسي يرمي روافده في عمق  التاريخ   تحرّكه  نحو المستقبل عوامل جبارة ثقافية اجتماعية اقتصادية وسياسية بالغة التشابك والتعقيد  ولا أحد قادر بالتنبؤ بنتيجتها  . لا معنى إذن لخصام حول طبيعة مجتمع لن توجهه أي نخبة ولن تفرضه أي قوّة وإنما سيكون الحصيلة  الطبيعية لتفاعل مكوناته  المتباينة.. كل ما نحن متأكدون منه هو أن هذا المجتمع الذي اختطف نظام العصابات دولته وكبّله وكمّمه وأذله واستنزف ثرواته ، بحاجة لقواعد لعبة جديدة تسمح  بفكّ عقاله لكي يستعيد توازنه ويحسّن أدائه ويقرّر مصيره من موقع سيادة فعلية.

ما يجب أن يكون واضحا للجميع أنّه لا  نهاية للحوار حول طبيعة المجتمع ، لأنه لا نهاية للاختلافات بين مختلف المشاريع والرؤى . لكن الحوار السياسي  انتهى لحسن حظّ تونس  بقبول كل الأطراف دون استثناء  بالنظام الجمهوري والديمقراطي.   

إن وفاق كل الطبقة السياسية  على القواعد الجديدة التي ستؤسس لتونس الغد هو  الكسب الحقيقي حيث لا يوجد في بلادنا  إلا مشروع  واحد  لا مشروعين مثلما هو الحال في جلّ البلدان العربية والإسلامية.

هذا   ما يفسّر  تواجد كل مكونات الطيف السياسي في الإضراب الأخير وعلى أساس هذه اللحمة يجب أن نتقدّم  خطوات أخرى إلى الأمام. .

نعم لقد آن الأوان لكي  نستثمر الحوار السياسي المعمق   طيلة سنوات الجمر وما انجرّ عنه من تقارب ليكون منطلق القرار لا التركيز على حوار عقائدي عقيم لن يتسبب إلا في  إرجاء متواصل له..الأمر الذي سيكون أجمل هدية للدكتاتورية وأشنعها لتونس .

 

الأداة  الضرورية

لم يعرف عن شعب أنه نهض لحريته دون أن تكون له نخبة تحدّد له الهدف وترسم له الطريق وتقوده للوصول إليه .وفي غياب هذه الشروط لا تعرف الشعوب إلا تمرّدا  مثل لهيب القشّ تخمده السلطة القمعية بمنتهى السهولة .

 والإطار الوحيد اليوم لاستثمار زخم كل النضالات هو  المؤتمر الوطني الديمقراطي الذي آن الأوان للقرار الوطني إيجاده بعد أن ناقش الحوار الوطني طيلة عشر سنوات مختلف أبعاده .

إن مثل هذا المؤتمر هو تجمّع كل الأطراف ،  دون وصاية أي حزب أو أي  شخص ودون إقصاء أيّ حزب أو أي شخص  ،شريطة أن  تنخرط  في قطيعة تامة مع الدكتاتورية  وتجتمع من أجل :

– صياغة عقد سياسي مفصّل حول النظام الجمهوري والشكل الديمقراطي للدولة يكون مسودّة دستور الجمهورية الديمقراطية التونسية .

– إقرار الضمانات المانعة لعودة أي شكل من أشكال الاستبداد وخاصة الاستبداد الديني  حتى لا يقع  استغلال آليات الديمقراطية  لضرب الديمقراطية من أي طرف كان .

– إعلان مبدأ أن العدالة ستمارس بمفهومها الإيجابي أي ردّ الاعتبار المادي والمعنوي والسياسي لضحايا القمع وأنها لن تكون انتقاما.

– تسمية قيادة جماعية مؤقتة لقيادة  المعركة السلمية .

– وضع خطّة للعمل ،خارج تونس وداخلها، تعتمد على تعبئة الطاقات  المجتمعية والشبابية المجمدة حاليا واستعمال كل الوسائل الجماهيرية السلمية من أجل إنهاء الدكتاتورية   وذلك في أفق لا يتجاوز 2009  لتكون هذه الانتخابات لحظة التأسيس .

إنه من الضروري  تسمية لجنة تحضيرية تنبثق من الأحزاب والمنظمات وتضم شخصيات وطنية في الداخل والخارج  وتعدّ لانعقاد المؤتمر الديمقراطي في أقرب الآجال، مثلا  يوم 9 أبريل المقبل وذلك بالقوى القابلة  بهذه الخيارات مع ترك الباب مفتوحا لكل القوى المتردّدة .

أخيرا وليس آخرا يجب ألا ينسى أحد أن المؤتمر الوطني الديمقراطي مسؤولية الجميع وخاصة الشباب والجهات والمغتربين  وكل القوى الوطنية  التي لا تريد لتونس أن تتواصل تقهقرها بالنسبة للشعوب العربية والإفريقية هي التي كان لها دوما الريادة في الإصلاح والتجدّد.                                                 

أما إذا لم نرتقي جميعا   لمسؤولياتنا  التي تفرضها المرحلة  فإن أخشى ما أخشاه   تواصل نظام  الدكتاتورية الديمقراطية  لسنوات عديدة  …. إلى أن يأتينا السابع مكرّر لسنوات عديدة  أخرى تشهد استتباب  نظام الديمقراطية الدكتاتورية .

لا تستغربوا بعدها وقوفكم- وربما وقوفي-  أمام سجن الكاف أو أي سجن آخر لا سلاح لكم سوى التضامن الصامت مع زوجة باكية وأطفال طال انتظارهم للعفو التشريعي العام ….كل هذا   سنة 2015  وما بعدها.

                                                                 ****

 

سوسة  في 21-11-2005


 بقلم عبد السلام عبد الودود   هل اتاكم حديث الاحكام القضائية التي لا تعرف طريقها  الى التنفيذ  وتظل حبرا على ورق قبل سنوات لم تكن الظاهرة  كبيرة الانتشار لكنها في السنوات الاخيرة  صارت تقريبا هي الاصل وليست الاستثناء ،فنظرا لبروز ظواهر غير مقبولة في مصالح عدة في وزارة العدل في تعارض تام  مع دعوات جمعية القضاة التونسيين بقيادة السيد احمد الرحموني من اجل استعادة  القضاء لمسلكه السليم  واستقلاليته المنشودة ،امكن لعديد المواطنين  ان يضمنوا عدم اصدار وكيل الجمهورية لاذون  بتنفيذ احكام مدنية صادرة ضدهم باستعمال القوة العامة ،وفي هذه الحالة  لم تنفذ الاحكام الصادرة ضدهم  حثى ولو مر على صدورها سنوات . الظاهرة تضرر منها عديد الدائنين  من مختلف الفئات ،واخيرا وليس اخرا  صادف ان تحصلت على شكوى  مواطن بسيط  قد يكون الحكم القضائي الصادر لصالحه والذي لم يستطع تنفيذه بعد، الاطول عمرا  على الاطلاق  في تاريخ  تونس بعد الاستقلال،  فهل تعرفون كم عمر الحكم الصادر لصالحه  ولم ينفذ . ان عمر الحكم الصادر لصالحه 37 سنة بحالها ، اي ان لحكم بلغ الان مرحلة الكهولة ، ومع ذلك لم يعرف طريقه نحو التجسيم … اسم هذا المواطن البسيط خميس التكيكي  وكان والده الراحل قد ترك له ارضا في الكاف مساحتها 16 هكتارا  وكان رهنها لشخص  في مقابل دين ،ثم اتى وقت وسدد الدين  وحصل على حكم  قضائي بتاريخ 12 افريل 1968 يقضي بفسخ الرهن نهائيا  واستعادة الارض المذكورة في الحال . وطال الزمان بعد صدور هذا الحكم  والمواطن المسكين يطالب  باذن بتنفيذ الحكم جبرا واستعادة ارضه ،لكن لا من مجيب وخصمه يتمتع  بالارض (تحصلنا على نسخة من الحكم القضائي  وتاكدنا من صحته التامة ). فهل وصلنا في تونس الى هذا المنعطف الخطير من الاستهزاء بكلمة العدالة هل وصلنا فعلا الى درجة ان تكون احكام القضاء مجرد حبر على ورق المشكلة ان هذه ليست الحالة الوحيدة فهناك المئات مثلها ،وقد صارت القاعدة في تونس انه يجب عليك ان يكون “عندك اشكون ” حتى تنفذ حكما قضائيا. فماذا يفعل من ليس له سوى الصلاة على سيدنا محمد رسول الله 

 

سلطة 7 نوفمبر وحصاد العشريّة المرّ

نورالدين الخميري-  بـونألمـانيا

 

 

لا ينكر عاقل أنّ الرّئيس بن علي حقّق لتونس خلال العشريّة الفارطة ما عجزت عنه أنظمة عربيّة كثيرة تعرف عادة  بالإنغلاق والتطرّف .

 

فتونس التي لا يتعدّى عدد سكّانها العشرة ملايين احتفلت هذه الأيّام – في اطار تراتيب أمنيّة مشدّدة – باحتضانها القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات وسط انتقادات لاذعة لواقع الحرّيات وحقوق الإنسان.

 

والملفت للإنتباه أنّ وكالات الأنباء العالميّة والفضائيّات والصحف والمواقع الإلكترونيّة لم تهتم بهذا الحدث رغم أهمّيته بل راحت تكشف الوجه الآخر لسلطة السّابع من نوفمبر وما وصلت إليه البلاد من انغلاق سياسي وانتهاكات صارخة لحرّية التعبير والصحافة والتنظّم تجاوزت كلّ المواثيق والمعاهدات الدوليّة ممّا يوحي بأنّ الوضع في تونس لم يعد مسكوتا عنه اليوم من طرف الدّوائر الرّسمية الغربيّة ومنظّمات حقوق الإنسان .

 

إن تونس بن علي كما يطلق عليها الإستئصاليّون وإن حقّقت تقدّما في بعض المجالات تبقى عاجزة على تلميع صورتها لدى المجتمع الدّولي لما تشهده السّاحة الوطنيّة من انتهاكات خطيرة وتعدّيات طالت كلّ أطياف المجتمع المدني برغم ما تروّج له السّلطة من شعارات ومفاهيم عبر حملات إعلاميّة مكثّفة في الدّاخل والخارج ناهيك عن شراء الذمم .

 

ولئن نجحت السّلطة لحدّ الآن في تهميش المعارضة الحقيقيّة وإقصائها بالكامل من المعترك السيّاسي إلاّ أنّها ساهمت بهذا الفعل في تغذيّة حالة الإحتقان لدى المواطن ومشاعر القلق والتذمّر لدى النّخبة فجاء إضراب الجوع الذي شنّه ثمانية من رموز المعارضة والمجتمع المدني ليكون تعبيرا صادقا للحالة التي وصلت إليها البلاد وليكشف للعالم زيف شعارات السّلطة ويضع سياسة الدّولة على المحك.

 

إنّ مقاومة إرهاب السّلطة وتلبيّة نداء الحرّية والكرامة يجعل نخبنا الوطنيّة والمعارضة المستقلّة ومنظمات المجتمع المدني أمام مسؤوليّة كبرى في اتجاه مواصلة النضال للضغط على السّلطة لتحسين الأوضاع واحترام كرامة الإنسان .

 

إنّها لحظة تاريخيّة هامّة في تاريخ هذا الشّعب للتصدّي لمشاريع سلطة فقدت كل مصداقيّة واعتمدت خيار القمع وتكميم الأفواه أسلوبا لا رجعة فيه أمام استمرار حالات التعذيب في المعتقلات وتعدّد المحاكمات السّياسيّة ومحاولة تدجين منظمات المجتمع المدني وضرب مظاهر التديّن وانتشار الرشوة والمحسوبيّة ومظاهر التفسّخ والإنحلال الأخلاقي وتزايد البطالة التي أصبحت تمسّ أصحاب الشهادات وارتفاع عدد قوارب الموت واشتداد محنة المساجين السّياسيّين بالإضافة إلى غلاء المعيشة ونفوذ أصحاب المصالح والمافيا الماليّة على دواليب الدولة .

 

إنّ الأوضاع السيّاسية والإجتماعيّة والإقتصاديّة ناهيك عن حالة الغليان الشعبي وما تشهده الساحة السيّاسية من تطوّرات  قد تدفع بالبلاد إلى المجهول وتكون عواقبه باهظة الثمن .لذا فالمصلحة الوطنيّة تقتضي إجراءات عمليّة عاجلة و مصالحة وطنيّة شاملة .

 

ولئن عبّرت السلطة ولحد الآن عن تجاهل مطالب المجتمع  واعتماد سياسة الهروب إلى الأمام تبقى حركة الشارع دائما وفي كلّ الأحوال  منطلقا لإعادة التوازن المختل بين الدّولة والمجتمع.

 وما من شكّ أنّ عودة الشارع التونسي  في هذه المرحلة قد ساهم في تعريّة السّلطة وفتح الطريق لبداية مسيرة التحدّي قد تسارع في حركة التغيير وفكّ قبضة البوليس عن رقاب النّاس.

 

هكذا إذا انتهى الأمر وكان الدّرس قاسيا للجميع ولكن ما تمثّله  أصوات الإحتجاج اليوم سيدفع الدولة للتراجع وفي أقلّ الأحوال التخفيف من حدّة الإحتقان والإستجابة إلى بعض المطالب.

 

 فهل تشرق شمس الحرّية يوما ما في تونسنا الحبيبة؟

 


 

برهان بسيّس والكذبة الكبرى

مشرّد  ـ تــونسي ـ ألمــانيــا

 

من عجائب هذا الزمان أنّ تونس التي أنجبت أبو القاسم الشّابي والشيخ محمّد الطّاهر بن عاشور ومحمّد صالح النّيفر والشّهيد البطل ـ نحسبه كذلك ولا نزكّي على اللّه أحد ـ سحنون الجوهري أنجبت كذلك برهان بسيّس وبوبكر الصغيّر والقنزوعي وأنس الشّابي وغيرهم كثير………..

 

تلك هيّ حال الدّنيا اليوم فقد انقلبت المفاهيم والقيّم حتّى أصبحت المقاومة إرهابا والإلتزام تطرّفا والدّفاع عن النّفس عنفا والكذب موضة .

 

والغريب في هذا كلّه  أن يطلّ علينا هذه المرّة كاتب وباحث تونسي ضمن برنامج ـ أكثر من رأي  لقناة الجزيرة ـ ليعلن أمام الملايين من مشاهديها أنّ الطائرة التي كان يقلّها وزير الخارجيّة الإسرائيلي أثناء زيارته الأخيرة لتونس للمشاركة في القمّة العالميّة  لمجتمع المعلومات لم تكن تحمل العلم التّونسي إضافة للعلم الإسرائيلي.

كنت أعتقد أنّ زمن قلب الحقائق والمهاترات الكلاميّة والإستخفاف بالشعوب قد ولّى وانتهى في زمن تفتخر فيه تونس باحتضانها القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات.

 

ولعلّ هذا المثال يجزي عمّا سواه فبالمثال يتّضح الحال .


طالعت بإستغراب شديد مقال السيدة نائلة شرشور حشيشة المنشور بجريدة الموقف للأسبوع الفارط, 18 نوفمبر 2005. ليس تعجبي ناجما عن محتوى المقال (الذي أتفق مع بعض نقاطه) لكن من هوية موقعته. و للتاريخ نذكر بأن : – السيدة حشيشة نشرت في أوت 2001 بمجلة حقائق رسالة مفتوحة عصماء تشيد فيها بمناقب الرئيس و تترجاه بقبول ترشيح نفسه لإنتخابات 2004 – في الوقت الذي تم فيه إيقاف المرحوم زهير اليحياوي (  جوان 2002  ) كانت السيدة المذكورة ” تلوث ” منتدى تونيزين و تبرر تعذيب ” التونسي ” بكونه قليل الأدب. – السيدة شرشور تعتبر في تحاليلها المنشورة على الأنترنت بأن الديمقراطية الإسرائيلية تحمي نفسها من الإرهاب الفلسطيني كما أنها ترى غزو العراق أمرا جيدا لإحلال الديمقراطية. من حق  السيدة أن تغير مواقفها من النظام التونسي. و لسنا هنا بصدد نصب محاكم تفتيش للتثبت من صدق نواياها. لكن نشر مقالاتها في جريدة تعتبر متنفسا للحركة الديمقراطية التونسية يقتضي من السيدة تقديم نقدها الذاتي و الإعتذار علنا لأصدقاء زهير. اللحظة التونسية الراهنة تستلزم منا اليقظة لفرز الغث من السمين و لفضح الممارسات الإنتهازية لمناضلي الربع ساعة الأخير. الطيب معلى القارئ المثابرعلى منتدى تونيزين كيباك, كندا


بعد جولتين في جنيف وتونس وجهود استمرت أكثر من سنتين …

حصاد قمة المعلوماتية: حصيلة هزيلة وهيمنة اميركية

تونس – رشيد خشانة     

 

في حصيلتها النهائية، تبدو «القمة العالمية لمجتمع المعلومات»، التي اختتم جزؤها الثاني (الاخير) في تونس قبل بضعة ايام، اقرب الى العجز عن ايجاد سبل عملية لتحقيق غايتها المعلنة: توفير السبل لردم الهوة الرقمية بين الدول الغنية والنامية. مثلاً، ارتفعت في القمة أصوات كثيرة سعت الى خلخلة السيطرة الأميركية على شبكة الإنترنت، ولم يتحقق تقدم نوعي على هذا الصعيد. أكثر من ذلك، رأى بعض المراقبين أن أميركا حققت نصراً في تونس، لكن المدير العام للإتحاد الدولي للاتصالات الياباني يوشيو أوتسومي، الذي شكل الأمانة الفنية للقمة، أكد لـ «الحياة» أن هناك اتفاقاً على «إرساء نظام تدريجي لرقابة جماعية على الإنترنت تشارك فيها جميع الدول». وتوقع أن يفضي هذا المسار إلى ظهور شبكات اقليمية لإدارة الإنترنت. وفي المقابل، رأى كثيون أن تلك الشبكات ستبقى تحت مظلة «الحنفية» الأساسية التي تملك أميركا مفاتيحها. وأوضح أوتسومي المتهم بقربه من الأميركيين أن «المنتدى» الذي اتُفق على إنشائه يتألف من الأطراف المشاركة في قمتي جنيف وتونس، أي الحكومات والمجتمع المدني والمنظمات الدولية والقطاع الخاص. واعتبر انه سيمثل «إطاراً لتعميق الحوار في هذه المسائل بما يتيح إرساء مسؤولية جماعية في إدارة شبكة الإنترنت». وعلمت «الحياة» أن اليونان ستستضيف الإجتماع الأول لفريق العمل هذا في الصيف المقبل، إلا أن هناك شعوراً عاماً بأن قبضة أميركا ما زالت متحكمة بالشبكة من خلال الشركة الخاصة «أيكان» (ICANN) . والأرجح أن المنتدى سيكون ساحة للتجاذبات أسوة بالقمتين ما جعل معابر قصر المعارض في ضاحية الكرم تبصر حركة غير عادية لتشكيل لوبيات ولوبيات مضادة منذ الآن. ويمكن القول إن الأميركيين الذين أصروا على رفض أي تعاون دولي في مجال إدارة الإنترنت كسبوا وقتاً إضافياً من قمة تونس.

 

صندوق التضامن الرقمي والظلال القاتمة

 

استكمالاً لمشروع «صندوق التضامن الرقمي» الذي طرحه الرئيس السينغالي عبدالله وادي في المرحلة الأولى من القمة التي استضافتها سويسرا في السنة 2003، نوقشت في تونس آفاق تمويل الصندوق كي يساعد في ردم الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب، لكن الرئيس وادي أكد في تصريح لـ «الحياة» في اختتام المرحلة الثانية للقمة التي استضافتها تونس الأسبوع الماضي، أن ما حصده الصندوق لم يتجاوز 8 ملايين يورو. وشكا من أن الدول ليست وحدها غير متحمسة للمساهمة في الصندوق «وإنما القطاع الخاص أيضاً كي تكون البلدان النامية قادرة على شراء الحواسيب وتحديث بنيتها الأساسية الرقمية من أجل الاندماج في مجتمع المعلومات على الصعيد الدولي. غير أن المشاركين في القمة لاحظوا أن الصيغة التي اعتُمدت في جنيف والمتمثلة باقتطاع نسبة 1 في المئة من صفقات بيع الحواسيب والتجهيزات الإعلامية لتمويل الصندوق، أثبتت حتى الآن محدوديتها.

 

في المقابل، اعتمدت الحكومات الأوروبية التي كانت ممثلة في القمة، موقفاً ناعماً من الصراع بين أميركا والبلدان النامية إذ عاودت الدفاع عن خطتها التي بلورتها في لشبونة (البرتغال) السنة 2000 والمعروفة بـ «استراتيجية لشبونة»، وهي ترمي الى تكريس تحرير قطاع الإنترنت على الصعيد الدولي وتفويض الحكومات إدارته بما يعني الحد من التحكم الأميركي بالشبكة.

 

ويمكن القول إن الهدف الذي أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان والمتمثل بربط جميع القرى في العالم بشبكة الإنترنت في أفق السنة 2015 ما زال بعيد المنال، وهو اعترف في رد على سؤال لـ «الحياة» أن هناك «أسباباً سياسية وليست فنية» تعوّق الوصول إلى ذلك الهدف، مؤكداً أن الخفض في أسعار الحواسيب والهواتف الجوالة وكلفة الربط كفيلة بتسريع ردم الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب. واقترح رئيس الوفد الإماراتي وزير الاتصالات سلطان سعيد المنصوري من جانبه آلية لتقليص الفجوة الرقمية تتمثل بتعهد البلدان الصناعية التبرع بالحواسيب التي تجددها كل ثلاث سنوات للبلدان النامية كي يتم تحديثها واستخدامها مجدداً. واشار إلى أن البلدان العربية القادرة تستطيع تنفيذ هذه الصيغة مع شقيقاتها الأقل نمواً من دون انتظار قرار دولي على هذا الصعيد. وعرض في هذا السياق أن تقدم المؤسسات الإماراتية الحديثة أسوة بمدينة دبي للإنترنت ومركز تجميع الحواسيب والجامعة الإفتراضية خبرتها للبلدان العربية التي تحتاجها.

 

تجارب العرب في الميزان

 

من التجارب العربية التي شدت الاهتمام أيضاً في دوائر القمة مشروع البطاقة الذكية الذي قدمه الوفد البحريني والتي تجمع كل المعلومات عن حاملها من الهوية إلى فصيلة الدم والصورة إلى رقم الجواز وغيرها، ما سيساعد

 

في المستقبل على معالجة العمليات المالية الكترونياً وعن بعد. وأعلن البحرينيون أنهم يعتزمون تسويق هذه البطاقة الجديدة بعد قمة تونس. كذلك أفاد وفد مجموعة «كيو تل» القطرية بأن الدوحة ستستضيف الاجتماع الدولي للاتصالات قريباً في إطار المساهمة في درس سبل ردم الفجوة الرقمية بين البلدان الصناعية والبلدان النامية.

 

في المقابل، شددت الوثيقة الختامية للقمة التي أطلق عليها «التزام تونس»، على ضرورة إطلاق حرية استخدام الإنترنت. وأتى طرح هذا الجانب استجابة للضغوط القوية للمجتمع المدني. وعكست هذه الضغوط كلمة الناشطة الإيرانية شيرين عبادي في جلسة الافتتاح التي انتقدت اعتقال المبحرين على الشبكة في غير بلد وطلبت الإفراج عن جميع سجناء الرأي وحضت الأمم المتحدة على تشكيل مرصد لمكافحة الرقابة والملاحقات القضائية المترتبة على استخدام الإنترنت. غير أن «التزام تونس» لم يعكس تلك الأفكار سوى في بعض الجوانب فقط، إذ تعهدت البلدان المئة والسبعون تطوير مجتمع المعرفة ونشر الثقافة الرقمية مع احترام الخصوصيات الثقافية للشعوب وحقوق الإنسان. وشددت الوثيقة على ضرورة تأمين حرية التعبير ونقل المعلومات والأفكار ومصادر المعرفة عموماً من دون التعرض لمضايقات، مع التحذير من احتمال استخدام وسائل الاتصال المتطورة «لأهداف إجرامية أو إرهابية».

 

وأكدت في هذا السياق أهمية تعددية وسائل الإعلام وحرية تلقي المعلومات من خلال وضع نصوص تشريعية ملائمة وتشجيع المؤسسات.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 25 نوفمبر 2005)


 

مفارقات في المنتدى العالمي لمجتمع المعلومات

تونس – الحياة     

 

تستعد المنظمات غير الحكومية الدولية لعقد اجتماع قريباً للبحث في موضوع «لماذا أخفقت قمة المعلومات في تونس؟» وسط تأكيد مسؤولين تونسيين أن مرحلتها الثانية كانت نجاحاً فريداً في تاريخ الأمم المتحدة لأنها استقطبت 22 ألف مشارك طبقاً لتقديرات وزير تكنولوجيات الاتصال منتصر وايلي، و29 ألف مشارك في تقدير رئيس اللجنة التنظيمية حبيب عمار. إلا أن الاحتكاكات التي تمت مع منظمات أهلية محلية ودولية عدة خلال أيام القمة وبخاصة لدى اتخاذ إجراءات أمنية صارمة لحظر إقامة قمة موازية، على عكس ما اعتادت عليه المنظمات في قمم دولية سابقة، جعلت مراقبين يعتقدون بأنها كانت قمة المفارقات.

 

وفيما كان يُفترض أن تركز القمة بحكم موضوعها وعناوينها على توسعة مجالات الحرية، أبصرت مجالات التعبير تقليصاً لافتاً شمل حتى رؤساء الوفود. وكان الرئيس السويسري صامويل شميت المشارك في رئاسة القمة وأحد الرؤساء الشماليين القلائل الذين حضروها، أول ضحايا الرقابة إذ قطع التلفزيون التونسي بث خطابه في الجلسة الافتتاحية لدى قوله إن «الركن الأساسي لنجاح هذه القمــة هو أن يتمكن كل فرد سواء هنا داخل قصر المعارض أو خارجــه من ممارسة حرية التعبير». وعانت الناشطة الإيرانية شيــرين عبادي التي ألقت كلمة المجتمع المدني من مقـــص الرقيب فلم تبث كلمتها ربما بسبب مطالبتها بالإفـــراج عن جميع السجناء السياسيين وسجنـاء الرأي.

 

وتمثلت المفارقة الثانية في ان القمة كانت في قطيعة مع محيطها الخارجي إذ تابعها التوانسة، الذين منحوا إجازات من العمل لمنع تنقلهم وسط العاصمة، من خلال وسائل الإعلام فقط ما حال دون أي تفاعل إيجابي أو احتكاك مع المشاركين، على رغم أن ممثلي المجتمع المدني قُدروا على سبيل المثال بـ 6500 مشارك.

 

وأتت المفارقة الثالثة من قطع الاتصال في المدن التونسية مع مواقع إعلامية عدة أوروبية بالأساس خلال أيام القمة، لكونها تضمنت مواد نقدية للوضع في البلد. لكن تلك المواقع بقيت مفتوحة داخل فضاءات القمة. ولوحظ ذلك بالنسبة للمواقع السويسرية التي انتقدت حجب خطاب شميت وكذلك الفرنسية التي نقلت مقالات نقدية نشرتها صحف فرنسية بارزة أثناء القمة في مقدمها جريدة «ليبيراسيون» التي تعرض موفدها الخاص كريستوف بولتنسكي لاعتداء بالعنف لدى عودته إلى الفندق الذي كان ينزل فيه.

 

أما المفارقة الرابعة فتمثلت بتقييد حركة منظمات غير حكومية معروفة بجرأة مواقفها داخل أروقة القمة وهو أمر لم تعتده في قمم سابقة. وشكا مندوبو تلك المنظمات من «التشويش» على فعاليات أقامتها بما في ذلك ندوة أقامها برلمانيون من الاتحاد الأوروبي وأكدت في أعقابها النائبة الإشتراكية وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة كاترين تروتمان أنها تعرضت لمضايقات شديدة من عناصر غريبة كانت معبأة ضدها سلفاً. ويمكن القول إن قمة الشكوى تزامنت مع تطويق قوات الأمن المركز الثقافي الألماني في تونس لمنع عقد «قمة المواطنة» وهو الاسم الذي أطلق على القمة الموازية التي كان من المنوي عقدها على هامش القمة الرسمية.

 

ويمكن القول إن المفارقة الأخيرة جسدها التعاطي الأحادي للإعلام المحلي مع القمة. واقتصر ذلك التعاطي على الجوانب الإيجابية، لا بل ضخمها في أحيان كثيرة، وأغفل الأصوات المغردة خارج السرب، فكل الذين لم يروا قدراً كافياً من الحرية في الأجواء المحيطة بالقمة لم يستطيعوا إيصال صوتهم، مثلما أن أصوات الذين هم خارج القمة لم تبلغ إلى داخلها.

  (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 25 نوفمبر 2005)


خلافات أوروبية عربية حول أجندة الإصلاح

نور الدين الفريضي – برشلونة

 

في الذكرى العاشرة لإعلان برشلونة، يعقد الإتحاد الأوروبي اجتماعا مع بلدان جنوب شرق الحوض المتوسطي يومي 27 و28 نوفمبر في نفس المدينة. ومن المنتظر أن يؤكد الأوروبيون لشركائهم على أولويات التعليم والتبادل التجاري الحر والهجرة والارهاب والديمقراطية ودولة القانون.

 

عند مراجعة المراحل التي قطعتها بلدان مسيرة الشراكة الأوروبية المتوسطية منذ انطلاقها في 1995، تبدو الكأس متناصفة. النصف الأول تملئه شبكة اتفاقات الشراكة الثنائية وبرامج معونات الانماء ودعم الاصلاحات الاقتصادية وملامح الحوار الثقافي ومساهمات بعض اوساط المجتمع المدني.

 

أما النصف الثاني فيشتمل على نواقص احترام حقوق الانسان والديمقراطية وغياب الضغط الأوروبي الفعلي ضد الشركاء الذين تنكروا لالتزاماتهم المنصوص عليها في البند الثاني من اتفاقيات الشراكة. وتتراكم، الى جانب الكأس المتناصفة او بسببها، تحديات انعدام الاستقرار والتهديدات الأمنية وضغط تيارات الهجرة.

 

ويفسر حجم التحديات القائمة في المنطقة المتوسطية و تداعيات الحروب التي شنتها الولايات المتحده، في المنطقتة التي أسمتها الادارة الاميركية “الشرق الأوسط الكبير”، المراجعة الأوروبية لأولويات الشراكة في الأعوام الخمسة المقبلة التي تفصل الشركاء عن الموعد المفترض قيام منطقة للتبادل التجاري الحر.

 

الإصلاحات السياسية .. مطلب أوروبي

 

وينتظر ان يؤكد الاتحاد الأوروبي في أول اجتماع شامل يعقده مع بلدان جنوب شرق الحوض المتوسطي يومي 27 و28 نوفمبر في برشلونه على أولوياته المتمثلة في التعليم والتبادل التجاري الحر والهجرة والارهاب والديمقراطية ودولة القانون.

 

وفي هذا السياق، وعدت عضوة المفوضية الأوروبية ومسؤولة العلاقات الخارجية بينيتا فيريرو فالدنير بان الاتحاد الاوروبي سوف “يمد يد العون الى الشركاء من أجل القضاء على الأمية وضمان فرص التعلم لكافة الأطفال والبنات في حدود عام 2015”.

 

ويعترف المسؤولون الأوروبيون بنواقص مسيرة برشلونه على الصعيد السياسي وعدم اصغاء بعض الشركاء من دول الجنوب الى دعوات احترام حقوق الانسان واطلاق مسيرة اصلاحية ذات مصداقية.

 

كما يرى المسؤولون في الدوائر الأوروبية بان نقص الديمقراطية في بلدان الضفة الجنوبية “تضاعف مسببات عدم الاستقرار وتعطيل وتيرة التنمية وتحول المعادلة الى تصدير مشاكل تهريب العمالة غير الشرعية والارهاب”.

 

ويقترح الاتحاد الأوروبي على البلدان العربية “تحديد روزنامة وأهداف لتنفيذ الاصلاحات السياسية”، الا ان الجانب العربي تحفظ في المباحثات التمهيدية على الالتزام المسبق بالمراجعة المشتركة مع الاتحاد الأوروبي لما أنجز.

 

ويبدو من خلال التصريحات المتكررة التي يدلي بها كل من الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي خافيير سولانا وعضوة المفوضية الأوروبية ومسؤولة العلاقات الخارجية بينيتو فيريرو ان الاتحاد الأوروبي “واع بمخاطر نقص الديمقراطية والتنمية على استقرار بلدان المنطقة وامتدادات المخاطر داخل البلدان الأوروبية”.

 

فالارهابيون الذين فجروا قطارات مدريد (في 11 أبريل 2004) أتوا من شمال افريقيا وهي نفس المنطقة التي تعبرها من جهة ثانية تيارات الهجرة السرية الآتية من بلدان الساحل الافريقي.

 

قناعة جديدة لدى الأوروبيين

 

وقالت بينيتو فيريرو في مؤتمر الصحافة المتوسطية الذي انعقد يوم الخميس 24 نوفمبر في برشلونه بان الاتحاد الأوروبي “يفضل استخدام وسائل الاغراء لتشجيع الشركاء على دفع الاصلاحات السياسية”.

 

وقالت بينيتا فيريرو بان المفوضية ستزيد في المعونات التي تقدمها الى كل من البلدان المعنية بنسبة تتراوح بين 10 و15%، لكنها تتجاهل الاشارة الى البلد الذي لا يتقيد بشروط الحوار السياسي واحترام التزامات كان وقعها في اتفاقية الشراكة.

 

وفي المقابل فهي لا تحجب عينيها عن التطورات السياسية الجارية في الساحة العربية وبالذات التغير الذي تشهده بعض الحركات الاسلامية والدور الذي باتت تلعبه في الحياة السياسية.

 

وقالت عضوة المفوضية في تصريحات خاصة لسويس إنفو بان “المراقبين الأوروبيين الذين سيشرفون على سير الانتخابات الفلسطينية في مطلع العام المقبل لن يقاطعوا مرشحي حركة المقاومة الاسلامية “حماس” و ستيعاملون معهم في مثابة المرشحين السياسيين للمجلس التشريعي الفلسطيني”.

 

ويعكس كلام السيدة فيريرو بداية تشكل قناعة لدى الأوروبيين بان “مشاركة الاسلاميين المعتدلين في الحياة السياسية أفضل من تهميشهم”، ويعزز ذلك تصريح وزير الخارجية الاسباني ميغيل انجيل موراتينوس الذي قال: “سنتعامل مع الذين تفرزهم صناديق الاقتراع في البلدان العربية”.

 

ويبدو الاتحاد كانه طوى الجدل حول صراع التسعينيات بين السلطة والاسلاميين في الجزائر ولا يستبعد اليوم الحوار مع الاسلاميين في المستقبل خاصة إذا ما أثبتوا وجودهم السياسي باساليب الاعتدال والانتخاب.

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 26 نوفمبر 2005)


 

السفير السابق أحمد ونيس لـ«الصباح»:

“الإيفـاء بعهد الشراكــة مع أوروبا تقتضـي فتح باب الإصـلاح في المجتمعـات العربيــة”

عشر سنوات مرت اليوم على اتفاقية برشلونة.. فهل تحققت أهدافها وهل يمكن الحديث عن شراكة أورومتوسطية فعلية؟؟ عن هذا السؤال أجابنا السفير السابق أحمد ونيس خلال لقاء به أمس في ملتقى جمعية الدراسات الدولية.

 

يقول ونيس «لو نبقى متعاقدين في إطار نظام تعاون سياسي واقتصادي وإجتماعي وحضاري فإن المفاوضات تسدّ الرمق وتنجح وتكفي.. لكن لما ندخل في مشروع شراكة فإن الأمر سيكون أعمق وأسمى لان الشراكة لا تنجح إلا بتحول إقتصادي وسياسي لكل الشركاء فهي بمثابة عقد الزواج الذي يقارب بين عادات ونفسيات الشريكين»..

 

ويضيف «أعني بحديثي هذا أن الايفاء بعهد الشراكة يستوجب منا فتح باب الاصلاح في المجتمع.. وقد فتحت أوروبا هذا الباب وكذلك فعل شركاؤها من أوروبا الشرقية ولكننا نحن وعدنا بهذا وكذبنا.. وبحكم تحول المناخ الدولي بعد أحداث 11 سبتمبر أصبحت ضرورة الاصلاح ليست من أجل عهد الشراكة فحسب بل ضرورة حيوية لأهم الأقطاب الغربيين في الساحة العالمية.. واشتدت الضغوطات على الأطراف العربية لتحقيق الوعد وأصبحت سبل تطويق العالم العربي مفضوحة وجريئة».

 

وقال إن القمة العربية الأخيرة اضطرت لإدماج عنوان الاصلاح في جدول أعمالها لأول مرة في تاريخها وهو أمر يعد في حد ذاته شاهد على الأزمة العربية لأن الادماج هذا لم يكن قرارا ذاتيا بل هو رضوخا لتدخل قاس من الغرب.

 

وأضاف: «ماذا حققنا؟؟ لقد حققنا الفراغ.. فقط الفراغ.. فهل نقدر على أن نغطي الهزات المهددة لمجتمعنا كما غطيناها في السبعينيات والثمانينيات؟؟ هذا الأمر ممكن لكن اليقضة ستكون أمرّ من السابق نظرا لتنامي الوعي داخل المجتمعات العربية رغم الأصوات المكبوتة إلى جانب تغير المناخ الدولي.. فنحن مقبلون على أزمة شديدة وهي أزمة حضارة».

 

 

 سعيدة

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 26 نوفمبر 2005)

 

 


 

سارج دي غالي سفير فرنسا بتونس في حديث خاص لـ«الصباح»

«هذا تقييمنا لمسيرة برشلونة.. وهذه توقعاتنا من القمّة المقبلة»

«نحن مطالبون بالقضاء على الأسباب الكامنة وراء الإحساس بالميز العنصري في مجتمعنا»

«نجاحنا في معبر رفح سيكون مؤشرا على أية مبادرة أوروبية في المنطقة مستقبلا»

 

تونس – الصباح: منذ انطلاقها قبل عشر سنوات ظلت مسيرة برشلونة أو مشروع الشراكة الأورومتوسطية محل جدل مفتوح بين الذين حمـّلـوها مختلف أسباب التكامل والنجاح الاقتصادي والثقافي والتجاري بين ضفتي المتوسط وبين الذين اعتبروها محاولة لتطويق دول الجنوب وتقييدها باتفاقات تجارية واقتصادية مجحفة تلبي مصالح دول الشمال الغنية.. فما الذي تحقق بعد عشر سنوات على اطلاق هذه المبادرة التي اتسعت بعد امتداد الاتحاد الأوروبي لتشمل 35 بلدا أورومتوسطيا؟ وما الذي يمكن أن تفرزه قمة برشلونة المرتقبة الأسبوع القادم وما هي مجالات النجاح والاخفاق في هذه المسيرة؟ هذه التساؤلات وغيرها كانت محور هذا اللقاء مع السفيرالفرنسي السيد سارج دي غالي الذي امتد ليشمل جوانب من الأزمة التي هزت فرنسا على مدى ثلاثة أسابيع من الاضطرابات في صفوف أبناء المهاجرين فضلا عن مهمة الاتحاد الأوروبي على معبر رفع وغيرها من القضايا الأورومتوسطية والعربية.

 

وفيما يلي نص الحوار:

 

مسيرة برشلونة

 

* لو وضعنا حصيلة تقييمية لمسيرة برشلونة بعد عشر سنوات على انطلاقها بمعنى هل هي مسيرة فاشلة أو ناجحة؟

 

ــ بالتأكيد إنها حصيلة أبعد ما تكون عن الفشل حتى وإن كان النجاح الذي حققناه ليس نجاحا مطلقا بل إنّه نجاح قابل للاستمرار والتطور كما في كل مجالات الحياة الإنسانية أو الديبلوماسية أو السياسية، ولذلك فإن مسيرة برشلونة ناجحة لعدة أسباب سأحاول المرور عليها، وقمة برشلونة المرتقبة في 28 و29 نوفمبر ستكون فرصة سانحة لبحث سبل دعم هذه الشراكة.

 

وهذه المسيرة ليست اخفاقا لأننا توصلنا اليوم الى فرض هذا المجمع الذي يسمح بلقاء رؤساء أو رؤساء حكومات 35 بلدا بين ضفتي المتوسط في اجتماعات دورية على مستويات مختلفة وزارية او غيرها للالتقاء ولمناقشة ومتابعة هذه المسيرة التي تتنزل في مرحلة مهمة في تاريخ أوروبا والمتوسط بل والعالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وفي خضم متطلبات العولمة الاقتصادية وما تفرضه من ازالة للحواجز..

 

وتبعا لذلك فإن مسار برشلونة يظل الاطار المطلوب لمزيد دعم العلاقات بين أوروبا وبين الضفة الجنوبية للمتوسط وغياب مثل هذا الاطار يعني ضياع فرص الحوار وخلق مناخ للاحتقان.. وبدون شك فإن مسار برشلونة مكسب ثمين يجب عدم التفريط فيه بل يجب دعمه لاسيما فيما يتعلق بفرنسا وتونس وهو مكسب ايضا أمام التحوّلات الكثيرة التي نشهدها من حولنا واتساع عضوية الاتحاد الأوروبية وما يفرضه ذلك في وجه المنافسة القادمة من الأمريكيين ومن الدول الأسيوية.. وهذه الشراكة تتطلب المزيد من العمل والجهود وذلك عبر التجارة والاستثمارات ونقل التكنولوجيا إلى دول الواقعة جنوب المتوسط.. كماتبقى هذه المسيرة أيضا وسيلة لمساعدة هذه الدول في جهودها على بعث مشاريع تنموية والاستفادة من التمويلات التي يوفرها برنامج «ميدا» Meda والقروض عبر البنك الأوروبي للتنمية ومضاعفة المبادرات المالية بشأن المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تم بعثها.

 

هذا طبعا إلى جانب ما يمكن أن توفره هذه الشراكة على مستوى الانفتاح بين الأطراف المعنية طبعا طموحنا كان ومايزال يهدف إلى دعم الأمن والسلم والاستقرار والديموقراطية في هذه المنطقة المتوسطية ودعم طموحات شعوبها من أجل الأفضل  ومن هذا المنطلق فإننا نعترف أنّ الوضع لا يتلاءم مع ما كنا نطمح لتحقيقه خاصة بعد اتفاقات مدريد أوسلو وتجنب المواجهات وهو ما ينطبق أيضا على ما كنا نطمح لتحقيقه فيما يتعلق بالحوار بين الشعوب والحوار بين الحضارات..

 

وأود هنا أن أشير إلى ما يمكن أنّ نتوصل لتحقيقه عبر مؤسسة «آنا ليندث» في دعم الحوار بين الحضارات والشعوب.. صحيح أننّا تأخرنا في هذا المجال ولكن توجهاتنا في المستقبل  واضحة وتتجه نحو تيسير هذا الحوار بما يتلاءم مع متطلبات الرأي العام والأجهزة السياسية القائمة حيث يتضح اليوم أنه وحيثما كنا أن الأهداف والمطامح في تحقيق الأمن والاستقرار والعدالة والديموقراطية مطالب مشتركة.

 

النتائج

 

* ولكن ماذا عن النتائج الميدانية الملموسة لهذه الشراكة؟

  – هناك بالتأكيد تطور تجاري ملحوظ في المنطقة يفوق ما تحقق في مجال التجارة الدولية. طبعا مايزال الطريق طويلا أمامنا خاصة فيما يتعلق في الاستثمارات الأجنبية المباشرة ما نلمسه ايضا أنّ المنطقة المتوسطية قد حافظت على موقعها في مجال الاستثمارات الأوروبية ولكن دون أن تكسب أيضا حصص داخل السوق ذلك أن المنافسة الشديدة من جانب الدول الصناعية الآسيوية الجديدة، للدول الصناعية لأمريكا اللاتينية لم يساعد على الترفيع في مستوى المبادلات القائمة والتي من المهم أيضا أن نشير إلى أنها لم تنخفض.. كما أشير الى أنّ فرنسا وتونس أولت هذا الجانب الكثير من الاهتمام عبر وثيقة العمل التي ستصدر عن اجتماع برشلونة الأسبوع القادم والتي تهدف الى دعم الاستثمارات الأوروبية في الدول الواقعة جنوب المتوسط ولاسيما في الدول المغاربية.

 

بين دول الشمال.. ودول الجنوب

 

* كيف تردون على الانتقادات الموجهة إلى هذه الشراكة بأنّها كانت في الواقع على حساب دول الجنوب ولصالح دول الشمال؟

 

– لا يمكن أن نقول بأن هذه الشراكة كانت على حساب الجنوب، فنحن وبالاضافة الى ما تقدم ذكره من تحولات فرضتها العولمة، فإنّ هذه الشراكة قد ضاعفت الوسائل والآليات المتاحة لدعمها كما نلاحظ ان المبالغ المالية المخصصة قد ارتفعت أيضا خلال مرحلة «ميدا 2» عما كانت عليه في المرحلة الأولى على مستوى المبادلات التجارية بلغت صادرات دول الجنوب الى أوروبا منذ 1990 7.2% سنويا مقابل 4.2% في بقية دول العالم.

 

كما بلغت حجم القروض الانمائية خلال مرحلة «ميدا 2» بين سنة 2000 وسنة 2006 (5.35 مليار أورو) في كامل المنطقة.

 

وقد بلغت هذه القروض منذ 1995 موعد انطلاق المسيرة إلى غاية 2005 (8.785 مليار أورو) من القروض.

 

* وما هو المطلوب حسب رأيكم من هذه الدول؟

 

– طبعا لابد من التأقلم ولابد من التضحيات في بعض الأوقات ولكن لا ننسى أنّ هذا مكسب بالنظر إلى الآفاق الاقتصادية لهذه الدول ومن ذلك أن بلدا مثل تونس مثلا يزخز بالكفاءات والنخب سيكون مدفوعا إلى تجاوز السوق الضيقة لحدود عشرة ملايين نسمة إلى سوق أكثر اتساعا تشمل نصف مليار ساكن.

 

ومن هنا فإن هذه الدول ستكون أمام الكثير من المزايا في مجال الشراكة الثنائية او الأوروبية ودعم مجالات التعاون بين المؤسسات الفرنسية والتونسية الى جانب مجالات التجديد ودعم مراكز البحوث ومجالات التكوين والإستفادة مما يمكن ان يوفره هذا التوجه.

 

قضايا الهجرة

 

* الكثير اعتبروا ان هذه الشراكة جاءت أولا لدعم مصالح أوروبا لاسيما في مواجهة الهجرة غير المشروعة وقضايا الارهاب أو غيرها.. – وأن ما تم تحقيقه من اتفاقات تجارية كان مجحفا بالنسبة لدول الجنوب فكيف تردون على ذلك؟

 

– أولا إنّ الانغلاق والانعزال يبقى أسوأ ما يمكن أن يحدث ولذلك لابد من دعم أسباب الانفتاح فالانغلاق بكل بساطة يعني الاضمحلال والزوال علينا الا نكون أغبياء، من الطبيعي جدا أن يسعى كل طرف من الأطراف لحماية مصالحة والمصالح التي نسعى لتحقيقها ليست مصالح آنية بل هي مصالح طويلة المدى.. فأوروبا تبقى السوق الأولى لدول جنوب المتوسط فرنسا تستقبل ثلث الصادرات التونسية مثلا…

 

ثم إنّ أغلب التمويلات الأوروبية تقدم في شكل منح أو بشكل قروض ميسرة… فنحن إذن أمام مصالح وفوائد مشتركة للجانبين وليس لجانب على حساب الآخر. هدفنا على المدى الطويل أن تكون هذه المنطقة امنة ومستقرة وأن يكون التحول تدريجيا ودون اهتزازات..

 

* وماذا عن قضايا الهجرة؟

 

– يجب أن نتأمل المسألة بواقعية فالهجرة تبقى طبعا مرتبطة بالوضع الاقتصادي بالدول المستقبلة للمهاجرين وفي الوقت الراهن  فإن أوروبا تشهد نموا اقتصاديا غير كاف بل هو منخفض عما كان عليه الوضع بعد الحرب العالمية الثانية.. أوروبا لم تغلق ابوابها امام المهاجرين ولكنها ترغب في ان يكون استيعاب المهاجرين منظما ومقيدا وأعتقد أنّ هذا الموقف يحظى بالقبول لدى الأطراف المعنية بالشراكة الأورومتوسطية ومنها فرنسا واسبانيا والمغرب وتونس.

 

والهدف تفادي الهجرة الفوضوية التي يفتقر فيها المهاجرون للتغطية الاجتماعية ويعانون خلالها في البطالة كما يقعون فريسة للاستغلال والمتاجرين بالنساء والأطفال وهذا في نهاية الأمر مسيء لكرامة الإنسان سواء كان في دول الشمال او الجنوب..

 

اما مكافحة هذه الظاهرة فهي ترتبط بالتأكيد بالقضاء على الأسباب الكامنة وراءها والعمل على دعم الفرص الاقتصادية وضمان المناخ السياسي الذي يجعل شعوب تلك الدول تشعر بالارتياح في موطنها الأصلي..

 

* ما هي توقعاتكم من قمة برشلونة؟

 

– كثيرة، واولها أن تعيد التأكيد على وجود اطار قادر على التأقلم وفرض شرعيته في المنطقة.. وفقا لما قدمه على مدى عشر سنوات مضت، سياسيا أن يبقى حوض المتوسط في مأمن من كل المخاوف المرتبطة بالارهاب او بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط او كذلك غياب الحوار الثقافي..

 

 

المطلوب أن تفرز قمة برشلونة رسالة واضحة، فهذه القمة تأتي اليوم في مرحلة مهمة في تاريخ المنطقة وأن تلبي الطموحات المطروحة والآفاق المالية المطروحة خلال فترة 2007 و2013 وأن توفر أرضية خصبة للنقاش خاصة أنه من المتوقع انضمام أطراف جديدة للاتحاد الأوروبي مثل رومانيا وبلغاريا… فنحن إذن أمام رهان مصيري وأمام وضعية مالية دقيقة… وستكون القضايا المتعلقة بالديموقراطية وحقوق الإنسان مطروحة خلال هذه المرحلة ايضا بعد أن تحولت اليوم إلى مسألة تطرح عالميا…

 

طبعا لا نعتقد أنّ هناك مثالا للديموقراطية يجب فرضه أو اتباعه ولكن هناك عدد من القواعد والمبادئ المشتركة للحرية والمسؤولية ولابد هناك من تحقيق التنمية المطلوبة حتى يمكن للديموقراطية أن تفرض نفسها وأن يكون للمجتمع المدني دوره في تحديد لغة الحوار وتفادي الخلط..

 

أزمة اجتماعية

 

* عاشت فرنسا على مدى ثلاثة أسابيع حالة من «الفوضى» والتمرد في صفوف أوساط الشباب من أبناء المهاجرين الأفارقة ممن يوصفون «بالبير Les beurs» وهو ما كشف أزمة اجتماعية حادة فكيف تفسرون ما يحدث في البلد الذي طالما لقب ببلد النور والحريات والعدالة؟

 

– لا يجب بأي حال من الأحوال الاستهانة أو التقليل من شأن ماحدث، ولا مجال أيضا للتهويل والمبالغة بشأن تلك المظاهرات كما عمدت الى ذلك بعض الأوساط الصحفية.

 

لقد تم فعلا في مناطق معينة حرق عدد من السيارات والمحلات وهي تبقى حوادث معزولة في مناطق توفرت فيها الأسباب التي دفعت بعدد من المندسين وبعدد من العصابات إلى استغلال المتظاهرين والتلاعب بمشاعرهم وإحساسهم بالغبن وعدم الرضا عن وضعياتهم…

 

* وكيف سيتم تجاوز هذا الوضع؟

 

– لقد وقع تحليل ما حدث من جانب المسؤولين ولاسيما الرئيس شيراك ورئيس الحكومة وتحديد الأسباب وراء غياب التأقلم الاجتماعي والاقتصادي لهؤلاء لهؤلاء وبعث أسباب ارتفاع نسب البطالة بينهم وتحديد مختلف أسباب الغضب.. لقد اتضح أنّ المدرسة لم تعد تقدم الدور الذي كانت تقدمه في المجتمع وأنها تحتاج اليوم للاصلاحات وجعلها أكثر تلاؤما مع تكوين الشباب وتفادي كل ما يمكن ان يدفع هؤلاء الشباب للإحساس بأنهم لا يتمتعون بنفس الفرص ونفس الحقوق أو كل ما يمكن أن يبدو لهم ضربا من التمييز العنصري والتفرقة ازاء المهاجرين الى جانب كل ذلك لابد من الصرامة ازاء المتلاعبين والعصابات التي تسعى لاستمالة هؤلاء..

 

معبر رفح

 

* لأول مرة يتابع العالم إعادة فتح معبر رفع الفلسطيني تحت اشراف مراقبين من الاتحاد الاوروبي.. هل من توضيح حول هذه المهمة؟

 

– إنها فعلا مهمة على غاية من الأهمية لعدة أسباب، فهي مهمة بالنسبة للفلسطينيين الذين سيكون بامكانهم المرور عبر الحدود مع مصر لقضاء مختلف شؤونهم وهي ايضا مهمة لانها ثمار مجهود ديبلوماسي مكثف بين الاتحاد الاوروبي والسلطة الفلسطينية واسرائيل وامريكا ومصر وتعبر بالتالي عن رغبة دولية في تحقيق هذه النتيجة وهي مؤشر في نفس الوقت على قدرة الاتحاد الأوروبي في الاضطلاع بدور أساسي في المنطقة. طبعا تبقى هذه المهمة حساسة جدا وقد تواجه الكثير من الحوادث المحتملة، ولكنها تظل أساسية في مثل هذه المرحلة وقبل أسابيع على موعد الانتخابات الفلسطينية.

 

* إذا كان الامر كما تقولون مرتبط بجهود دولية وأوروبية فهل تتوقع مستقبلا دورا اوروبيا او مبادرة اوسع في الشرق الأوسط؟

 

– بالنسبة للاتحاد الاوروبي اذا نجحت هذه المبادرة في رفح وهو ما تتمناه جميعا فقد يندمج الاتحاد الأوروبي أكثر في المنطقة بعد أن يحظى بثقة الأطراف المعنية واذا نجحت مهمتنا هذه فقد يكون لأوروبا دور أكبر في المنطقة وقد تتحوّل الى عنصر استقرار فيها.

 

العراق

 

* وهل من مبادرة مماثلة فيما يتعلق بالعراق بعد انقضاء ثلاث سنوات على سقوط النظام السابق؟

 

– نحن نؤيد مبادرة الجامعة العربية في العراق وموقف فرنسا معروف في هذا الشأن ولا يمكن التوصل للأمن والاستقرار في هذا البلد بدون إقحام مختلف الشرائح العراقية لدعم اللعبة السياسية واستثناء أطراف دون غيرها لا يقدم الحلول المطلوبة.

 

* بعد انتخاب انجيلا مركيل في المانيا ما هي الأولويات المطروحة ضمن أجندة الاتحاد الأوروبي؟

 

– اختيار ميركل للعاصمة الفرنسية لتكون محطتها الأولى بعد ساعات على تنصيبها يحمل الكثير من الرموز والتحالف بين فرنسا والمانيا ليس وليد اليوم ولدينا من الاتفاقات بين البلدين ما يجسد مختلف مجالات التعاون وارتباط المصالح قبل هذا وجود السوق الأوروبية المشتركة او اتفاقات فرنساي انجيلا ميركل كانت لها علاقات واطلاعات واسعة مع المسؤولين قبل هذا التنصيب.. وسيكون لفرنسا والمانيا قوة مؤثرة في دفع الأمن والاستقرار خارج حدود أوروبا.

 

أجرت الحوار: آسيا العتروس

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 26 نوفمبر 2005)


 

أمريكا تكلف حلفائها بممارسة التعذيب في السجون السرية

بقلم: توفيق المديني (*)

 

منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، اعتبر جورج بوش أن الحرب على الإرهاب تبرر التخفيف من بعض الواجبات الأخلاقية للقانون الدولي.وبعد بضعة أيام من بدء الحرب الأمريكية على أفغانستان ، منح الرئيس الأمريكي جورج بوش وكالة المخابرات المركزية الأمريكية  :السي.آي .إيه سلطات واسعة لنقل المشتبهين بهم في أعمال إرهابية إلى الخارج.وعلى أساس  هذه القاعدة ظهرت” السجون السرية” للسي .آي .إ يه.

 

وكانت صحيفة “الواشنطن بوست” أكدت أن وكالةالاستخبارات أرسلت أكثر من 100 مشتبه بهم تم اعتقالهم بعد هجمات 11 سبتمبر/أيل2001 إلى شبكة سرية من السجون حملت اسم “المواقع السوداء” وتقوم بتمويلها الوكالة الأميركية في أوروبا الشرقية ودول أخرى خصوصا تايلندا وأفغانستان. وحسب ما كشفته صحيفة الواشنطن بوست ، تعتقل  السي .آي .إ يه. القيادات المهمة لتنظيم القاعدة-ثلاثين شخصا في المجموع  العام-في سجون سرية في الخارج.وتقع هذه السجون السرية للجهاديين في بلدان اوروبا الشرقية في قواعد سوفياتية سابقة.هذه المعلومات التي كشفتها الواشنطن بوست لم تنفيها السلطات الأمريكية .واعتبر  السيد ستيفان هادلي، المستشار في الأمن القومي الأمريكي بصدد هذه السجون  :”إ ن واقع كونها سرية ، بمقدار ماهي موجودة، لا يعني أن التعذيب يمكن أن يسمح به”.

 

وقد نفت كل من  بولندا ورومانيا  الحليفين الوفيين للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب ضد ما يسمى الإرهاب، بشكل قاطع  يوم الخميس 3 نوفمبر الجاري، الشكوك التي عبرت عنها اليوم  عينه منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية المدافعة عن حقوق الإنسان ،  والتي مفادها أن هذين البلدين يأيويان على أراضيهما سجونا سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية السي آي.إيه. من أجل إستجواب أشخاص متهمين بالإنتماء إلى تنظيم القاعدة ،  و إخضاعهم للتعذيب.

 

في فرسوفيا كانت ردة فعل الأغلبية السابقة الإشتراكية الديمقراطية متماثلة مع ردةفعل الحكومة الحالية لليمين المحافظ:”نحن لا نعتقل إرهابيين و لا نحقق معهم” حسب تأكيد السيد جيرزي سماجدنسكي وزير الدفاع البولندي(2001-2005)في مرحلة ، حيث حطت طائرة تابعة للسي.آي. إيه. قادمة من أفغانستان  في مطار سزيماني (شرق بولندا ) بشكل سري ، ثم في القاعدة العسكرية الرومانية ميهايل –كوغالنيسو، القريبة من ميناء كونستانتا، على البحر الأسود، في سبتمبر 2003.

 

ولايعتقد مسؤول الأجهزة السرية البولندية ، زبيغينوواسيرمان، بوجود سجون سرية في بولندا.”فمثل هذا الإحتمال قد يحصل في بلدان آسيا الوسطى أو القوقاز لكنه غيروارد في بولندا، حيث أن القوات الأمريكية غير منتشرة. إنه من غير المعقول أن تسمح الأجهزة الأمنية البولندية بمثل هذا العمل الذي سيضع الأمن القومي في خطر”. وجاء أيضا النفي قطعيا من رومانيا، حيث قال رئيس وزراء رومانيا، كالين تاريسيانو”لا توجد قواعد “للسي .آي.إيه”.

 

هذان البلدان المتهمان ، والعضوان في الحلف الأطلسي، كانا في أوروبا  من أشد المتحمسين  للغزو الأمريكي للعراق مع بداية 2003، ووقعا ،بفاصل زمني ببضعة أيام ، على رسالتين تطالبان بالتدخل المسلح ضد نظام صدام حسين.و أرسلا قوات إلى العراق، على الضد من رأي شعبيهما.

 

 

فالمطار  الروماني ميخيلكوغلنيسو  المذكورمن قبل منظمة هيومان راتس ووتش، قد استخدم بدءا من مارس 2003 كقاعدة خلفية مهمة وعنصرا للجسر الجوي الأمريكي  أثناء الحرب على العراق. وفضلا عن ذلك ، هذا الموقع بإمكانه أن يستقبل واحدة أو عدة قواعد  أمريكية  في نطاق إعادة نشر القوات الأمريكية  في أوروبا الشرقية.فالمفاوضات  هي “منتهية عمليا”باستثناء بعض ” التفاصيل الإدارية” ،وهي الآن قيد النقاش أيضا حسب تأكيد الرئيس الروماني ، تريآن باسيسكو.  وكان وزير الخارجية الروماني رازفان أونغورييانو،  أعلن الأسبوع الماضي ، أن وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ستزور رومانيا قريبا لتوقيع إتفاق في هذاالشأن . أخيرا ، إن رومانيا هي من بين البلدان القلائل الأعضاء في التحالف الدولي  التي لم تحدد جدولا زمنيا لإنسحاب قواتها من العراق.

 

 أما بولندا، فهي تقر اليوم بسحب قواتها  من العراق مع بدايةالعام المقبل  ، حيث كانت تقود واحدة من المناطق الأمنية الثلاث. و لكنها تظل وفية للولايات المتحدة الأمريكية ، التي تعتبر في فرسوفيا الضامن الجيد لأمنها الخارجي منذ نهاية الهيمنة السوفياتية.ويؤكد وزير الداخلية البولندي السابق ريزارد خاليس  أن بلاده ، العضو في الإتحاد الأوروبي منذ 2004، لن تسمح بإقامة مراكز سرية للإعتقال على أراضيها ،حيث يتم ممارسة التعذيب فيها ، في حين أن بولندا “التزمت باحترام حقوق الإنسان ” منذ أن طوت صفحة  الشيوعية منذ ستة عشر عاما.

 

وكانت جمهورية تشيكيا الوحيدة التي أقرت بأنها رفضت طلبا أميركيا لإنشاء سجن ينقل إليه معتقلون من قاعدة غوانتانامو. ومع ذلك ، نفت كل من هنغاريا،و سلوفاكيا ، و تشيكيا، وبلغاريا ، أن تكون سمحت بإقامة سجون سرية للسي . آي.إيه .على أراضيها، في حين أن تقريرصحيفة  الواشنطن بوست الأمريكية  يؤكد أن السي .آي.إيه تستوجب أحد المعتقلين المهمين من تنظيم القاعدة في إحدى القواعد السوفياتية  الموجودة في أوروبا الشرقية.

 

لقد أثارت  قضية ” السجون السرية” نقاشا حذرا داخل المفوضيةالأوروبية، التي لم تقم دعوى على أساليب   التعذيب التي تمارس   ضد سجناء غوانتنامو، و هي على ما يبدو لا تريد إدانة مبدأ “المواقع السوداء”  ،أين يتم إعتقال الإرهابيين المشتبه بهم.فهي تتناقش  بانتظام مع وزير  العدل الأمريكي ، ألبرتو غونزاليس ، من دون أن تنتقد رأيه، أن الإرهاب حالة إستثنائية يهمل   قواعد القانون الدولي الإنسانية.وكان الناطق الرسمي باسم فرانكو فراتيني، المفوض الأوروبي المكلف بالعدل و الشؤون الداخلية ،   أشارأن المفوضية الأوروبية في بروكسيل “ستقوم  بأبحاث على مستوى تقني”. و تستبعد المفوضية  في الوقت الحاضر “أي إجراء سياسي”.

 

  وتزايدت الشكوك لدى أوساط مختلفة في الولايات المتحدة وأوروبا إزاء لجوء الاستخبارات الأميركية إلى ترحيل المتهمين في قضايا “الإرهاب” إلى سجون سرية خارج الأراضي الأميركية لاستجوابهم وإخضاعهم للتعذيب.  وآخر البلدان التي طالتها تلك الاتهامات والشكوك النرويج والسويد والمغرب وإسبانيا, وكانت سبقتها المجر وإيطاليا ورومانيا وبولندا وألمانيا.

 

وفي هذا الصدد أعلنت الحكومة النرويجية يوم الأربعاء 17 نوفمبر الجاري عقد اجتماع مع السفير الأميركي لتحديد ظروف هبوط طائرة في أوسلو في 20 يوليو/تموز الماضي، بعدما ذكرت وسائل إعلام محلية أن الاستخبارات الأميركية استخدمتها لنقل سجناء إسلاميين. وفي السويد, تحدثت وكالة الأنباء المحلية “تي تي” عن هبوط طائرتين على الأقل للاستخبارات الأميركية تقلان سجناء عامي 2005 و2002, إحداهما توجهت مرارا إلى قاعدة غوانتانامو الأميركية في كوبا.

 

وفي المغرب, أكدت مجلة “لوجورنال” الأسبوعية نقلا عن عنصر سابق في الاستخبارات لمغربية أن المغرب “ساهم مباشرة في برنامج سري للتعذيب وضعته الاستخبارات الأميركية, أن طائرات استأجرتها “سي آي إي” قامت على الأقل بعشر رحلات داخل البلاد من ديسمبر/كانون الأول 2002 إلى فبراير/شباط 2005.وفي إسبانيا, أوردت صحيفة “إيل بايس” نقلا عن تقرير للحرس المدني أن أربع طائرات استخدمتها الاستخبارات الأميركية لنقل معتقلين إلى سجون سرية هبطت على الأقل عشر مرات في بالما دي مايوركا عامي 2004 و2005.

 

وقد وجهت أسئلة عديدة حول هذه القضية إلى الحكومة الإسبانية برئاسة خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو, وطالبت الكتلة الوطنية اليسارية بمثول وزيري الدفاع خوسيه بونو والداخلية خوسيه أنطونيو ألونسو أمام البرلمان لتبديد “الشكوك حول اعتقالات غير مشروعة وعمليات خطف” ترتبط بهذه المسألة .وفي واشنطن نفى متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية تلقي أسئلة رسمية من الحكومة الإسبانية حول هذا الموضوع. ومن جانبه أصر مجلس الشيوخ الأميركي على أن يقدم رئيس الاستخبارات معلومات دقيقة عن السجون السرية التي أنشأتها “سي آي أي” وأماكن وجودها.

 

وفي ألمانيا, فتح تحقيق حول قيام عناصر الاستخبارات الأميركية في فبراير/شباط 2003 بخطف المدعو أبو عمر في إيطاليا, وهو إمام سابق نقل إلى قاعدة رامشتاين الأميركية جنوب غرب ألمانيا قبل أن يتم اقتياده إلى مصر. وفي إيطاليا, طلبت النيابة في ميلانو تسليم 22 من عناصر الاستخبارات الأميركية يشتبه في مشاركتهم في خطف أبو عمر الذي كان يخضع لتحقيق إيطالي في إطار مكافحة ما يسمى الإرهاب.

 

من جهة أخرى دعا المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب مانفريد نوفاك الاتحاد الأوروبي إلى إجراء تحقيقات عالية المستوى حول مجمل هذه الاتهامات. وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها تطالب الولايات المتحدة منذ عامين بمنحها إذنا لزيارة معتقلين سريين في الخارج “في إطار ما يسمى الحرب على الإرهاب”, ولكن من دون جدوى.

 

لقد حث الجدل الدائر في الولايات المتحدة الأمريكية  الديمقراطيين الأمريكيين على معاودة الهجوم ضد ممارسات التعذيب- المصورة  في قاعدة غوانتنامو تجاه المشتبه بهم في أعمال إرهابية- من خلال التصويت في مجلس النواب على تعديل لقانون النائب الجمهوري  جون ماكاين .إذ يقترح  هذا النص، الذي أقره مجلس الشيوخ ، أن كل معتقل تحت الإدارة الأمريكية  سيكون في منجى “من الممارسات المرعبة ،اللاإنسانية أو المنحطة”. ويعارض البيت الأبيض مثل هذا التعديل القانوني.

 

إن الولايات المتحدة الأمريكية ،التي ترفع راية الدفاع عن حقوق الإنسان و القيم الأخلاقية و الديمقراطية في العالم كله منذ وقت طويل ، ها هي اليوم تطالب بلدان أوروبية ، أعضاء في الحلف الأطلسي  و فاعلين في الإتحاد الأوروبي ، أن يقوموا نيابة عنها  ب”الأعمال القذرة” ضد المعتقلين الجهاديين  المصدرين إلى أراضيها.إننا لايمكن أن نتصور، و بدرجة أقل أن نسلم ، إذا ما تأكدت ، أن مثل هذه الممارسات من التعذيب ، ليست فقط غير شرعية من وجهة النظر القانون الدولي، بل هي مدانة أخلاقيا.

 

وهكذا، أسف الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر بقوله أنه منذ وصول  الرئيس بوش إلى البيت الأبيض:”حصل تغيير راديكالي  وعميق في المبادىء السياسية و القيم الأخلاقية” للولايات المتحدة الأمريكية. أما وزيرة الخارجية ،كونداليزا رايس ، المتسرعة في ا لدفاع عن الديمقراطية المصدرة إلى الخارج، هل يمكن لها أن تقبل أن تلتمس  الولايات المتحدة الأمريكية من بعض بلدان الإتحاد الأوروبي  مخالفة القانون الدولي و الأخلاق؟إزاء  القارة العجوز ، يعبر مثل هذا الموقف عن الغطرسة ،و الإحتقار للآخر.

 

(*) كاتب تونسي مقيم بدمشق

 

(المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة يوم 26 نوفمبر 2005)


 

مرثية لزمن أصبح فيه شارون إمام الاعتدال

د. عبدالوهاب الافندي (*)

 

(1)

ما زلت اتذكر عنوان قصيدة لشاعر سوداني (يؤسفني ان اقول انني لا اتذكر اسمه) سمعتها لاول مرة في اواخر السبعينات، وهو مرثية لزمن اصبح فيه الاسبرو احسن صديق . العنوان، كما هو واضح، اشارة ساخرة لاعلان كان يتكرر باستمرار في الاذاعة السودانية لدواء تخفف الالم المعروف وكان يختتم بعبارة شبه غنائية تقول أسبرو.. أفضل صديق !

(2)

في الزمن الذي لا يجد الانسان فيه صديقا افضل من قرص الاسبيرين، لا يبدو مستغربا ان يستقبل العرب بكثير من الاستبشار قرار جزار صبرا وشاتيلا ومدمن القمع والمجازر والحروب، ارييل شارون بالاستمرار في دوره في قلب السياسة الاسرائيلية حتي يختم تاريخه الاجرامي الطويل بمكرمة اخري يتوسلها منه العرب الذين اصبحوا مقعدين وقاعدين عن كل المكارم، سوي التوسل الي مجرمي الحرب، والبحث عن الحظوة عند اعداء الامة.

(3)

لعلها من عجائب الزمان ان شارون اصبح بالفعل يحتل مقام الاعتدال والوسطية في السياسة الاسرائيلية، ولكن الاستغراب يتوقف حين نعرف ان الاعتدال والتطرف هي مسألة نسبية ليست فقط بالقياس الي مواقف الاطراف الاخري في الساحة، بل بالنظر الي كلفة المواقف. في امريكا القرن السابع عشر كان من يدعو الي الغاء الرق وتحرير العبيد يعتبر متطرفا متهورا. ونفس التهمة كانت تطلق علي من يدعو لانهاء الاستعمار في آسيا او افريقيا حتي منتصف القرن العشرين، ذلك لأن الاحتفاظ بالرقيق والمستعمرات كان مربحا وبلا كلفة تقريبا.

(4)

في عصرنا هذا يعتبر من يدعو الي اعادة العمل بنظام الرق مجرما. اما من يدعو الي اعادة الاستعمار فانه يعتبر فاقدا للرشد. اللهم الا اذا كانت تلك الدعوة تتعلق باستعمار بلد عربي، فحينها يصبح هذا عين العقل.

(5)

اذا كان موضوع النقاش والجدال هو كيفية التعامل مع مزرعة للخراف، فان المتطرف يكون هو الذي يتبني سياسة الرفق بالحيوان، ويدعو للامتناع عن اكل لحومها علي اساس مبدئي. ولكن للأمر يختلف تماما حين يتعلق الأمر بغابة للأسود.

(6)

حين اصبحت كلفة الاحتفاظ بغزة عالية لا تطاق، وقبل ذلك حين اثقلت كواهل المؤسسة الاسرائيلية كلفة احتلال جنوب لبنان، اصبح من العقل كل العقل التعجيل بالانسحاب. ولكن الامر يختلف بالنسبة للجولان والضفة، وغير ذلك من المطالب الفلسطينية.

(7)

العرب لم يساعدوا قط دعاة الاعتدال في اسرائيل، بل بالعكس، قوضوا مكانتهم بسبب الثمن الزهيد الذي فرضوه علي اسرائيل مقابل تجاوزاتها وبسبب تهافتهم المذل علي استرضاء شارون وبقية المتطرفين.

(8)

هناك سؤال دائم ظل يلح الذهن العربي حتي قبل قيام دولة اسرائيل، وهو لماذا يعجز العرب عن الدفاع عن حوزتهم، ولماذا يتخلفون في كل ميدان؟ والاجابة بسيطة في الحقيقة. ففي كل المجتمعات الاخري، ومنها اسرائيل، حين تفشل القيادة في القيام بواجبها في حماية المجتمع والدفاع عن حقوقه، تتحمل مسؤوليتها وتتنحي وتترك المجال لمن هو أقدر، اما عند العرب، فان رئيس الحكومة، وزعيم الحزب، وشيخ الطائفة لا يتنحي مهما ارتكب من جنايات ومصائب. بل انه لا يتنحي حتي عندما يموت، بل يظل يحكم البلاد، او يتزعم الحزب من قبره عبر وريثه الشرعي او خليفته المختار.

(9)

لكي يستمر الزعيم العربي في زعامته الابدية رغما عن انف الشعب، ورغم استمرار الفشل والخيبة، فانه لا بد ان يحول البلاد الي مزرعة خراف، وان يضرب كل من تسول له نفسه ان يضبط متلبسا بتهمة الانسانية. وعندها هل يكون عجبا ان يطمع الاخرون في ثمار هذه المزرعة، ويكونوا غاية في التعقل والاعتدال حين يصيبون منها ما تطيب به انفسهم موقنين بأن الخراف لا تتظاهر وهي تساق الي الذبح؟

 

(*) كاتب وباحث سوداني مقيم في بريطانيا

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 26 نوفمبر 2005)


 

بصوت مسموع: إن عجِزنا … عن هذا «التوافق»… فما البديل؟

محمد جابر الأنصاري (*)       

 

علينا أن نعترف بشجاعة أن أصحاب الاتجاهات الإسلامية يمثلون الغالبية العظمى في المجتمعات العربية. ومن ليس منهم فإنه متعاطف معهم. وبلا شك فإن قسماً من أصحاب هذه الاتجاهات يمثلون للأسف تشدداً وإرهاباً وعنفاً لا يمكن التحاور معه سياسياً (وإن كانت ثمة تقارير غربية تشير إلى أن جهات في الدول الكبرى تلوح لهم بالتحاور وتمرير الصفقات معهم إن أمكن، ولا نستبعد إقدام الأوساط الغربية على ذلك فهو نهجها في رعاية مصالحها!)…

 

غير أن قسماً آخر من الاتجاهات الإسلامية يميل إلى الاعتدال وينبذ العنف، ويدين الإرهاب، ويدخل الانتخابات البرلمانية في ظل الشرعيات القائمة للدول العربية، فهل نتركها أيضاً لسفراء الدول؟ وبطبيعة الحال فهذه التنظيمات وفي ظل ما تعرضت وتتعرض له ليست حمائم بيضاء مسالمة، وهي لها أجندتها «العقائدية». وثمة حكمة سائدة في أوساط «التيار الآخر» في العالم العربي، التيار «العصري» بمختلف أطيافه على أن هذه التنظيمات الدينية «المعتدلة» لا يؤتمن جانبها وقد تقلب الطاولة في أية لحظة، فيتحول «المرجئة» إلى «خوارج»، و»المعتزلة» إلى «قرامطة»، إذا شئنا استخدام المصطلحات التراثية من دون لهجة الاتهام المتبادل في لغتنا السياسية المعاصرة!.. (هذا مع تحفظي حيال تلك المصطلحات، فتلك أمة سلفت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وحياتنا اليوم يستحيل أن تكون استنساخاً للماضي).

 

وللأمانة فإني لا اعترض كلياً على هذه الحكمة السائدة، بل تساورني، بنفسي، بعض مخاوف منها. وإن كنت لا أسلم بها تسليماً تاماً. غير أن السياسة ليست فن الطمأنينة. ولا هي شركة تأمين توزع الضمانات وبوليصاتها للباحثين عن الاطمئنان. فالسياسة مراهنة خطرة في بعض الأحيان، وما حاجة المضطر إلا ركوبها. وفي ألمانيا اليوم يأتلف حزب كبير اسمه المسيحيون الديمقراطيون – للمفارقة برئاسة إمرأة ومن الشطر الشرقي غير المتقدم – مع حزب لا يقل عنه ثقلاً هو الاشتراكيون الديموقراطيون لقيادة ألمانيا الموحدة رغم مخاوف الافتراق.

 

وفي عالمنا العربي فمن حسن السياسة ألا يقاتل ما نسميه التيار «العصري» أو الليبرالي بمختلف ألوانه المتفرقة والتي لم تشكل بعد قوة سياسية ذات وزن، وتجد في مظلة الدولة العربية القائمة حماية لوجودها لأنها كما قلنا لا تملك «أسناناً سياسية» وهي ظاهرة أوضحنا إشكالاتها في مواضعها… نقول ليس من حسن السياسة أن يتقاتل هذا التيار ومعه الدول العربية القائمة ضد أوسع قطاعات المجتمع وفي جبهة متماسكة بين متطرفيها ومعتدليها. تجمعها المواجهة إلى رص صفوفها رصاً لن يكون إلا في صالح قوى التطرف الذي يسود عادة في كل التجمعات والتحالفات.

 

والواقع أن الخاطرة التي قررت أن أقدم على طرحها هنا بصوت مسموع، وأرجو ألا تكون خاطرة تفاؤلية أكثر مما يحتمله الواقع، قد ساورتني وأنا أشهد الصور التلفزيونية القادمة من مصر، أكبر بلداننا العربية وأكثرها تأثيراً ، والطرفان المتواجهان في مراكزها الانتخابية يتبادلان الضرب بالعصي والكراسي… فكيف سيتحاور نوابهما تحت قبة البرلمان لمصلحة الناس، خصوصاً ان كتلة الاتجاه الإسلامي، في ظل الانفتاح الديموقراطي الذي أقدمت عليه الدولة بمصر، استطاعت أن توصل عدداً لا بأس به من ممثليها إلى مجلس الشعب، في ظاهرة لم تحدث بمصر طوال أكثر من خمسين سنة. وقد سمعت الدكتور مصطفى الفقي، وهو مفكر قومي صاحب رأي متوازن، يقول في يوم الانتخابات التي فاز فيها وفي ضوء ما حدث من تجاذب في دائرته الانتخابية، أنه يشعر بضرورة تغيير العلاقة بين الحكومة والإخوان، وتجاوز ما يحدث بينهما… ولم يوضح لضيق الوقت ما يقصده، وربما ساورته من واقع التجربة فكرة مماثلة… وهذا شعوري ولا أحمله وزره!

 

ثم أن خيار التوافق أو استمرار المواجهة سيواجه المجتمعات العربية والإسلامية كافة في هذه المرحلة، وبعضها أخذ يسير فيها شوطاً، ولا بد من التعامل معها بمسؤولية سياسية وفكرية لا تتهرب من طبيعة المرحلة ومتطلباتها.

 

وهذه الخاطرة التي ساورتني أمام هذه النتائج، ولنترك مشاهدها الساخنة وراءنا أملاً في تجاوزها من أجل المستقبل، تدرجت في تفكيري على النحو الآتي: طالما أن الانفتاح الديموقراطي الجديد في مصر بقيادة الرئيس حسني مبارك، قد أدى إلى واقع سياسي جديد في البرلمان المصري، أقدم وأعرق المؤسسات البرلمانية في الوطن العربي، بما أعاد إليه دوره وشخصيته الرقابية والتشريعية بفتح المجال لتحاور الاتجاهين والصوتين، فهل من المستحيل سياسياً – أقول سياسياً وليس فكرياً أو ايديولوجياً – أن يبدأ تحاور سياسي بين الطرفين العصري والإسلامي من أجل هذا العهد الجديد الذي تشق الطريق إليه قيادة الرئيس مبارك من أجل مصر وعالمها العربي؟

 

بدايةً، ومن حيث الواقعية السياسية الخالصة، فإن الاستمرار في ذهنية المواجهة العنيفة بين الطرفين داخل البرلمان ستكون كارثة على التطور الديمقراطي العربي كله.

 

ثم أن الإسلاميين المعتدلين الذي وصلوا في ظل شرعية الدولة إلى البرلمان يمثلون قطاعاً لا يستهان به من القطاع المجتمعي العربي المتأثر معظمه بالحركات الإسلامية بين تشدد واعتدال، فهل نترك لجناح التشدد فرصة كسب الجولة التاريخية بالقول للمعتدلين: أنظروا… ها أنتم شاركتم ببرامج اعتدال ، فماذا كانت النتيجة؟ وأين وصلتم؟

 

وإذا لم يكن في مقدور قوى التحديث ومعه الدولة التحاور مع أقرب قطاع إسلامي إليها نهجاً، في غمرة اكتساح هائل للقوى الدينية لمجتمعاتها، فإنه عجز سياسي خطير يساوي العجز عن حماية المصير ومنجزات التقدم.

 

ومن أول شروط هذا التوافق المنشود أن يحدد «الإسلاميون» برامجهم البرلمانية والحكومية بوضوح تام لا ينطوي على أي التباس، ولا يثير الشكوك، مع الأهمية القصوى للاعتراف بحق الطرف الآخر المخالف في الوجود والتعبير والعمل كشريك شرعي في نسيج «الأمة»… وبلا مواربة. وليس سراً أن مواطنينا العرب من غير المسلمين يشعرون بعدم الثقة بالمستقبل حيال التشدد الديني ولا بد لدعاة النهج السياسي الديني أن يتحملوا من مسئوليتهم كاملة حيال هذا الأمر.

 

من جانب آخر، وفي ظل مثل هذا التوافق السياسي على العمل الوطني المشترك يتولى الإسلاميون بعض المسؤولية، ويظهرون قدرتهم على مواجهة الواقع المعاصر، وكيف يستطيع الفكر والفقه الإسلاميان التعامل مع معطياته ومستجداته بمسؤولية تتجاوز شكواهم المزمنة من الإقصاء وإبعاد الاجتهاد الإسلامي عن واقع الحياة. ومن خلال هذه التجربة العملية يستطيع المواطنون الحكم لهم أو عليهم، إيجاباً أو سلباً، في الانتخابات المقبلة، كما حدث في تجربة الأردن الديموقراطية على عهد الملك حسين منذ مطلع التسعينات، حيث تحددت معالم كثيره من خلال مسيرة التجربة من الطرفين ومع واقع المجتمع. من جانب آخر فإن ندوات المؤتمر القومي الإسلامي بمبادرات مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت قد طرحت الكثير من الرؤى بشأن هذا التوجه، وهو ليس جديداً من الناحية الفكرية، إلا أن التعامل مع الواقع هو المحك الحقيقي لأية فكرة.

 

حان الوقت ليتجاوز «الاخوان المسلمون» حصاد التجربة المرة مع القوى الأخرى. فقد ظلوا في مصر بين 1945 – 1952 بعيدين عن أطراف الجبهة الوطنية المصرية بكل قواها فضيعوا على أنفسـهم وعلى الآخرين فرصة ثمينة من التعارف والتحاور والتفاعل مع الرأي الآخر. والطريف أن بعضهم لم يلتق مع «التقدميين» إلا في السجون فتحاوروا هناك في ظلماتها… فهل هذا المطلوب اليوم؟

 

وإذا كانوا قد دخلوا في تعاون غير معلن مع تنظيم «الضباط الأحرار» ودعموا حركة الجيش في سنواتها الأولى، فإن الاختلاف دب بين الطرفين لأمور تتعلق بالصراع على السلطة من ناحية ، وتتعلق بالموقف من قضايا العصر من ناحية أخرى ، ويجب أن نترك للتاريخ مسئولية هذا « الخصام التعيس « الذي تصوره سيد قطب بين الكنيسة والدولة في الغرب ، وذهب بنفسه ضحيةً له في بلـده ! … وعلى ذكر سـيد قطـب ، فإن من أهـم متطلبات المرحلة أن يتجاوز «الاخوان المسلمون» مرحلته الفكرية المتأزمة التي كانت حصيلة سجنه المديد، بالعودة إلى سماحة فكر مؤسسيهم وقادتهم وعلى رأسهم حسن البنا الذي له من الأفكار والاجتهادات المتقدمة ما يستحق النظر، وكذلك مواقف خلفه حسن الهضيبي، الذي رغم ظروف السجن والملاحقة، ذكر الإخوان بأنهم « دعاة لا قضاة « يصدرون الأحكام ضد الآخرين معارضة لسيد قطب. ومنذ البدء فقد كان حسن البنا يدخل المقاهي وأماكن الترفيه ليدعو روادها بالتي هي أحسن ولم يدع هكذا إلى إغلاقها ومسحها من الوجود!

 

وكما عرفنا دعاة الإخوان المسلمين في مجتمعاتنا الخليجية قبل عقود فإن أغلبهم والشهادة لله، كانوا أناساً مصلحين، عاملين من أجل التربية والتطور واكتساب التقدم الحضاري، وسيكون مؤسفاً لو أتضح أن شبابهم وأجيالهم الجديدة أصبحوا بخلاف ذلك.

 

وأعلم أن الكثيرين في الخليج، ممن يحملون التقدير لذكرى عبدالناصر، لا يزالون يتذكرون المواقف الكيدية المضحكة لأولئك الدعاة ضده. لكنه منطق الصراع السياسي الأهوج الذي نأمل بأن يتحول إلى تفاهم وتوافق… حيث لم نكسب إلا الكوارث من ذلك التصارع؟ فهل لا يزال ذلك قدرنا أم ثمة بديل آخر أمامنا لكائنات عاقلة؟

 

هي مجرد خاطرة أردت طرحها بصوت مسموع لئلا تبقى من ذلك «المسكوت عنه»!

 

(*) كاتب ومفكر من البحرين.

 (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 26 نوفمبر 2005)


Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

25 août 2006

Home – Accueil – الرئيسية   TUNISNEWS 7 ème année, N° 2286 du 25.08.2006  archives : www.tunisnews.net Omar Khayyam: Tunisnews bombardée

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.