الجمعة، 21 أبريل 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2160 du 21.04.2006

 archives : www.tunisnews.net


الوسط التونسية: إغلاق موقع “الوسط التونسية”  في كامل تراب الجمهورية التونسية نبيل الرباعي: وسقط القناع د.خالد الطراولي: أتألم وألوم..لماذا هذا العبث والصورة واضحة؟ الأزهر مقداد: كن مسلما ام معاذ: صرخـة غريــب بنعيسى الدّمني: أزمة السودان ومحاذير التدويل  بين غيبوبة العرب وخطيئة الإسلاميّين خميس الخياطي: حينما تكون سائحا في السجون المصرية… محمد كريشان: المراجعة الشجاعة د. بشير موسي نافع: إسقاط حكومة فلسطينية اختارها الشعب ليس سقوطاً الحياة: طيب تيزيني: المثقفون العرب باتوا مسوّغاً للدولة الأمنية… حتى في صمتهم! الحياة: مؤتمر الدوحة للديموقراطية يتجاوز الخطوط الحمر … ويرسخ دور المرأة الخليجية


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

هيئة 18 أكتوبر تكون ثلاثة لجان

 

قررت هيئة 18 أكتوبر خلال اجتماعها الأخير تكوين ثلاثة لجان :

1) لجنة إعلامية.

2) لجنة الاتصال بالجهات.

3) لجنة لإدارة الحوار الفكري.

 

(المصدر: موقعpdpinfo.org بتاريخ 20 أفريل 2006)

 

خبر عاجل :

تردي خطير للوضع الصحي للزميل سليم بوخذير

تسرب كميات معتبرة من الدم الى المجاري البولية – نزيف دموي على مستوى الكلى

الوسط التونسية/عاجل جدا: في اتصال هاتفي منذ قليل وردنا الخبر الاتي مباشرة من مكان تواجد الزميل بوخذير حيث يخوض لليوم السابع عشر على التوالي اضرابا مفتوحا عن الطعام,فقد أكد لنا مصدر موثوق جدا تواجد على عين المكان نبأ تسرب كميات من الدم الى المجاري البولية ,وهو مافسره الطبيب المختص منذ قليل على أنه تسرب دموي مصدره الكلى. هذا وقد علمت الوسط التونسية بأن الطبيب المختص طلب من الزميل بوخذير الايقاف الفوري للاضراب والالتحاق باحدى المصحات قصد تلقي العلاج المكثف وهو مارفضه زميلنا الصحفي في اتصال هاتفي فوري قبيل دقائق بالوسط التونسية محملا السلطات التونسية المسؤولية الكاملة عن التدهور الخطير الذي ألم بصحته. http://www.tunisalwasat.com قسم الأخبار/  الوسط التونسية.

 

 

خبر عاجل:

إغلاق موقع “الوسط التونسية” هذا المساء في كامل تراب الجمهورية التونسية

 

الوسط التونسية/عاجل

 

بلغنا للتو ومن مصادر جد متعددة وموثوقة نبأ إغلاق موقع صحيفة الوسط التونسية هذا المساء الخميس 20-04-2006 بكامل تراب الجمهورية التونسية.

 

وإذ تشجب أسرة تحرير الوسط هذا الإجراء السياسي القمعي والذي يبرهن مرة أخرى عن زيف ادعاءات حرية الإعلام في بلدنا تونس, فإنها تعتبر هذا السلوك التسلطي مؤشرا حقيقيا على سلامة الخط التحريري المتوازن والصادق الذي سلكناه منذ إعلاننا عن ميلاد صحيفتنا بتاريخ 9 أفريل 2006.

 

مرة أخرى نجدد العهد للقراء والأحباء الذين أهطلونا بسيل من التشجيعات والمساهمات ,على أننا ماضون قدما بمشيئة الله تعالى من أجل فتح الفضاء الإعلامي على مشاريع الحرية والتعددية والثراء الفكري والثقافي والسياسي…ونعاهدهم بإذن الله على أن يكون هذا المنبر ساحة مفتوحة للكلمة الحرة والرأي المتزن والمساهمات الجادة من أجل واقع إعلامي تونسي وعربي وإنساني أفضل.

 

مرسل الكسيبي

عن أسرة تحرير الوسط التونسية.

http://www.tunisalwasat.com

 

(المصدر: مراسلة اليكترونية بتاريخ 20 أفريل 2006 على الساعة 23 و 48 دقيقة)

 


نـحــو

 

كلّما استمعتُ إلى الأخبار في التلفزات والإذاعات العربيّة… إلاّ وأحسستُ بالدّوران من كثرة الأخطاء النحويّة.

 

فالمفعول به مثلا دائما مكسور… والحال ساكِنٌ كحال كلّ يائس مقهور.

 

أخطاء نحويّة بالجملة، ما عدا الفاعلُ إذ ليس فيه أيّ خلاف… فهو عند الجميع دوما مرفوع… على الأكتاف!

 

محمد قلبي

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 21 أفريل 2006)

 


مشاريع قوانين جديدة

 

من بين مشاريع القوانين التي تطرق لها مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة يوم 5 افريل الجاري، مشروع قانون يتعلق بسن عفو جبائي سيشمل الديون الجبائية الراجعة للدولة وبعض المعاليم الراجعة للجماعات المحلية وكذلك الخطايا والعقوبات المالية. وكذلك مشروع قانون يتعلق بتنقيح بعض احكام مجلة الاجراءات الجزائية وذلك بادخال تعديلات على تركيبتي الدوائر الجنائية والابتدائية والاستئنافية لتكون متألفة من قضاة اكتسبوا اقدمية كافية للنظر في المادة الجنائية.

 

وتم النظر ايضا في مشروع قانون يتعلق بتنقيح مجلة حماية الطفل وذلك بادخال تعديلات على تركيبتي محاكم الاطفال المنتصبة للقضاء في المادة الجنائية ابتدائيا واستئنافيا وذلك في اطار مراجعة تركيبة الدوائر المختصة في القضايا الجنائية عامة.

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 21 أفريل 2006)

 


صـــــلاح مصبــــــــاح في السجــــــــن:

حقيقــــــة مــــــا جـــــــــرى

 

الخبر الذي انفردت بنشره الصباح في عددها الصادر امس الاول الثلاثاء حول ايداع الفنان صلاح مصباح السجن المدني بتهمة العنف اللفظي والبدني تجاه احد الموظفين بالجيش الوطني..

 

هذا الخبر حرك السواكن فتعددت الروايات حول حقيقة ما جرى وبحثا عن الحقيقة واعتمادا على معلومات متوفرة لدينا من مصادر موثوق بها تبين ان الفنان صلاح مصباح اصطدمت سيارته باحدى حافلات النقل العمومي.. فكان المجال لانطلاق الشرارة الاولى لمشادة قبل الاتفاق على الاجراءات القانونية المرتبطة بمثل هذه الحوادث.. ويبدو ان «استفزازات» صلاح مصباح قد دفعت باحد الجنود الذي كان في حالة مباشرة لعمله التدخل.. وهو ما لم يستسغه صلاح مصباح.. فعلا الصياح والهرج.. وكان ان اختار الجندي مغادرة الحافلة صحبة زميل له ليفرا.. فما كان من صلاح مصباح ان طاردهما وينهال عليه ضربا مبرحا وشتما قبل ان يقتاده مغلولا داخل سيارته الى احدى الثكنات..

 

ودائما حسب ما توفر لدينا من معلومات فان صلاح مصباح استعان بابنه في عملية المطاردة.. وحسب المصدر الذي قدم لنا هذه المعلومات فان صلاح مصباح سبق له الاعتداء سابقا على موظف عمومي.

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 21 أفريل 2006)

 


إغلاق موقع الساحات الشهير علي الانترنت

 

لندن ـ القدس العربي: تم إغلاق موقع الساحة العربية في قرار رسمي أماراتي بعد صدور تقرير أمريكي الشهر الماضي يشير الي مساهمته في الترويج للارهاب.

 

واقفلت الساحات وكذلك موقع فارس الذي يمتلكه إماراتي، الذي يشارك فيه الكثير من السعوديين وجنسيات من دول أخري. وتسمح الساحة لممثلي تنظيم القاعدة في السعودية والعراق والكويت وأفغانستان بنشر بياناتهم وأشرطتهم.

 

وكانت وزارة الداخلية الإماراتية قدمت الدعم لموقع الساحات عبر شراء مساحة إعلانية ضخمة فيه الشهر الماضي مما تسبب في غضب أمريكي رسمي.

 

واحتلت الساحات العربية منذ تأسيسها مرتبة متقدمة في معدلات التصفح والتي فاقت الكثير من الصحف الرسمية في دول الخليج، بسبب كثرة المشاركين فيها وقدرتهم علي ايصال الأخبار والافكار بسرعة، وتمنع اشتراك الكتاب الليبراليين وغير المتدينين في الموقع.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 21 أفريل 2006)

 


مدينة لبنانية تزيل الصور المخلة بالآداب من ساحاتها

 

بيروت ـ يو بي أي: قررت بلدية مدينة لبنانية محافظة إزالة لوحات إعلانية تتضمن صورا تمس بالآداب العامة . وقال رئيس بلدية مدينة طرابلس الساحلية الشمالية ذات الاغلبية الاسلامية وتعتبر مدينة محافظة رشيد الجمالي في بيان انه يحذر الشركات المعلنة بأهمية التنبه الي طبيعة المواد الاعلانية وضرورة توافقها مع مقررات المجلس البلدي التي تشدد علي الالتزام بالاخلاق والآداب العامة . وقال ان المجلس البلدي للمدينة الثانية في لبنان أزال عددا من اللوحات الاعلانية المتضمنة صورا تمس بالاخلاق العامة لسكان المدينة.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 21 أفريل 2006)

 


 

مهرجان دولي في تونس للمرجان الأحمر

تونس – سميرة الصدفي    

 

تشارك عشرة بلدان متوسطية في المؤتمر الدولي حول المرجان الأحمر الذي تستضيفه مدينة طبرقة التونسية على «ساحل المرجان» كما يسميه التونسيون.

 

وقال عمدة المدينة الدكتور الجيلاني الدبوسي لـ «الحياة» ان اقامة الندوة في مدينته أمر طبيعي لأنها معروفة بخصوبة ساحلها الذي يضم أكبر احتياطي من المرجان الأحمر في تونس. وتنتشر في شوارع المدينة التي تقع على سفوح غابية تتدرج نحو البحر محال بيع المرجان وورش الحرفيين الذين يصنعون منه قلادات وحلياً للسيدات.

 

وأوضح الدبوسي ان البلدان التي ستشارك في الندوة هي: الجزائر والمغرب ولبنان وفرنسا وايطاليا وإسبانيا ومالــطا وبلجيكا وسلوفينيا، إضافة الى تونس.

 

وأفاد أن الجهة المنظمة هي برنامج الأمم المتحدة للبيئة بالاشتراك مع منظمات دولية ومحلية غير حكومية.

 

وتُعتبر طبرقة (180 كيلومتراً شمال غربي تونس العاصمة) التي لا تبعد سوى عشرين كيلومتراً عن الحدود الجزائرية مركز استقـــطاب للسياح الأوروبيين المولعين برياضة الـــغولــف والذين يقـــبلون على شراء مشغولات تقليدية مصنـــوعة من المرجـــان الأحمر.

 

وأقام فيها مستثمرون تونسيون وعرب مصانع لصقل المرجان وتصديره الى الخارج.

 

وأسس الفينيقيون طبرقة قبل 2800 عام واسمها مطابق لطبرجة شمال بيروت حالياً، وصار الغزاة الرومان يصدرون المرجان منها الى روما بعد سقوط قرطاج، خصوصاً في القرنين الثالث والرابع الميلاديين قبل أن يفتحها العرب. الا ان الإيطاليين احتلوها طوال 150 عاماً بين القرنين السابع عشر والثامن عشر.

 

وتُعتبر طبرقة المدينة الوحيدة في تونس التي تغطي سقوف بيوتها بالقرميد الأحمر لمقاومة الثلوج التي تهطل عليها كل سنة في فصل الشتاء.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 21 أفريل 2006)

 


كامل التفاصيل عن «مشروع مارينا القصور» السياحي:

2.5 مليار دينار… 4 آلاف وحدة سكنية… وفيلات ومنازل فاخرة… ونواد ترفيهية من طراز رفيع

 

تونس ـ الشروق

 

ينتظر ان تتدعم في الفترة المقبلة الاستثمارات الامارتية في تونس. فبعد ان حازت مؤسسة تيكوم ديج الاماراتية على 35 من رأس مال اتصالات تونس في أكبر عملية خوصصة في البلاد منذ الاستقلال بصفقة بلغت قيمتها 3.050 مليون دينار أعلنت مؤخرا مؤسسة استثمارية اماراتية أخرى من دخول السوق التونسية عبر خطة لتطوير مشروع «مارينا القصور» على الساحل الشرقي بتكلفة جملية تصل الى 2.54 مليار دينار ويضم المشروع السكني الجديد قرية سياحية في وسطه على مساحة 442 هكتارا في سواحل مدينة سوسة وباتجاه النهاية الجنوبية لخليج الحمامات.

وكان السيد محمد علي العبار رئيس مجلس ادارة «اعمار العقارية» عرض خلال الأسبوع الماضي على رئيس الدولة تفاصيل المشروع الجديد الذي يتميز بوفرة المناظر الطبيعية التي تتنوع بين البحيرات الطبيعية وملاعب الولف وأشجار الزيتون والغابات والشواطئ الرملية وتضم القرية مجموعة من المتاجر والمطاعم والشقق المحيطة بالمرسى الذي يستطيع استقبال القوارب من جميع الأحجام.

ويتألف مشروع «مارينا القصور» من اكثر من 4 آلاف وحدة سكنية متنوعة تشمل الفيلات والمنازل والشقق المطلة على البحيرات والشاطئ والمرسى وجانب الميناء بالاضافة الى مبان للشقق الفندقية الفاخرة التي تقع بين الشاطئ والمرسى كما يضم المشروع العديد من المرافق المتنوعة بينها المنشآت التفريهية وناد لليخوت ونواد شاطئية ورياضية وملعبا للولف ومنتجعا صحيا بالاضافة الى مجموعة من المحلات التجارية التي تمتد من المرسى الى جانب رصيف الميناء.

يذكر ان شركة إعمار الاماراتية هي أكبر شركة تطوير عقاري في العالم ويعتبر دخولها السوق التونسية دليلا على الثقة التي أصبحت تحظى بها هذه السوق والتي جعلها تستقطب أهم المستثمرين والذين من بينهم المستثمرون الاماراتيون الذين لهم حضور دولي بارز.

وتضع الجهات التونسية أهمية كبيرة لمزيد توسيع دائرة استقطاب الاستثمارات العربية في تونس بما يدعم النجاعة الاقتصادية ويوفر مشاريع جديدة.

وينظر المتابعون للشأن الاقتصادي الوطني بترقب الى احتمال تواصل تدفق الاستثمارات العربية وبخاصة منها الاماراتية الى تونس خاصة في ظل وجود مشاريع كبرى في الطريق من أهمها ميناء المياه الاقليمية ومصفاة النفط المبرمجة في جهة الصخيرة.

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 21 أفريل 2006)  


ملاحظة أولية:

 

تواصل هيئة تحرير “تونس نيوز” نشر (أو نقل) ما يصلها من مقالات وتعليقات ومعلومات حول ما يسمى بمبادرة “حمادي” ومن معه. ومع يقيننا بأن هناك أطرافا عدة تحاول التلاعب والمناورة والتضليل وتحقيق أهداف شتى من مثل هذه التحركات  ومن خلال تمرير “الغث والسمين” عبر نشرتنا، إلا أننا نعتقد أن القراء الكرام (والرأي العام المعني بالشؤون التونسية بشكل عام) قادرون على التمييز بين الغث والسمين واكتشاف نقاط الخلل والتلاعب والتضليل. لذلك فنحن ننشر المادة المتوفرة أو التي تصلنا لكننا نعتمد في نهاية المطاف على نباهة الجميع لفك رموز ما يُنشر وما يُكتب وما يُقال وللتعامل بأكبر درجات الوعي والحكمة والتأني واليقظة مع مختلف التطورات.

 ——————————————————————–

 

الحمد لله وحده ناصر المظلومين وقاصف الجبابرة…

 

وسقط القناع

 

“… ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين…”

 

بقلم: نبيل الرباعي (*)

 

كثر الحديث والتساؤل هذه الأيام في ربوع تونس الحبيبة بين المناضلين السياسيين والمتابعين للشأن التونسي على مبادرة المدعو “حمادي” والدكتور الصحبي العمري فهل هذه المبادرة رئاسية أم هي خدعة أمنية ؟ ومن يقف وراءها : الرئاسة أو المخابرات التونسية أو المخابرات الاسرائيلية ؟

 

بادئ ذي بدء ، من هو الدكتور الصحبي العمري ؟

 

الدكتور الصحبي العمري، من مواليد سنة 1957 ، متزوج ، وأب لخمسة أبناء ، مهنته طبيب. وهو حسب بعض المصادر من قيادات النهضة مهنته في الظاهر طبيب في إحدى مستشفيات مدينة الكاف وهذه المناطق محاذية للقطر الجزائري وأهل هذه المناطق معروف عليهم تجارة الممنوعات كتدخيل السلع المهربة وتهريب الأشخاص إلى القطر الجزائري بمقابل، وقد امتهن الدكتور هذه المهن وهو معروف في هذا المجال خاصة أن والده كان يعمل مسؤولا ساميا بالديوانة التونسية في تلك المناطق مم سهل المهمة عليه ، فتم ربط العلاقة به من طرف أحد قيادي النهضة الدكتور صادق العبيدي  في سنة 1987 إبان حملة إبادة الإسلاميين من طرف نظام بورقيبة  وتم التعامل معه للمساعدة في تهريب بعض الأشخاص من المنتمين للنهضة من الجهاز الأمني المختص وإدخال بعض آلات النسخ. وقد تمت بعض العمليات بنجاح لكن ما في كل مرة تسلم الجرة حيث تم ذكره في بعض الأبحاث وبذلك تم إيقافه ضمن من أتطلق عليهم بالمجموعة الأمنية. وبذلك انطلقت محنته مع النظام وتم طرده من العمل ومضايقته في أعماله الحرة فانطلق يكتب ويحرر مقالات جنونية ناقدا النظام ورمزه مطلقا عليه أبشع النعوت ومنذ هذا الوقت وإلى زمن غير بعيد عاش هذا المسكين معاناة شديدة، فهو منبوذ من المعارضة التونسية بادعائهم وأنه يتعامل مع البوليس السياسي ومغضوب عليه  من النظام ونعته بالمعتوه وإن لله وإن إليه لا راجعون

 

الدكتور الصحبي من وصف الرئيس بالجنرال الدكتاتور كرد فعل على ما عاناه أصبح الآن من مناصريه ومن المادحين في خصاله والداعي إلى اتباعه منوها بالانجازات التي قام بها الرئيس بن علي كما أصبح من المنادين والمؤازرين للتطبيع مع الكيان الصهيوني العدواني والمطالبين بإنشاء سفارة إسرائيلية بتونس.

 

ماذا حصل يا ترى ؟ ماذا تغيير في النظام التونسي بين عشية وضحاها ؟.

 

كل ما في الأمر أنه شخص يدعى حمادي وفي الأصل هو محمد فرجاوي (ومساعده المدعو عمر رواحي) اتصل به واصفا نفسه مبعوث الرحمة والانقاذ من طرف الرئيس بن علي  قدم نفسه على انه الصديق الحميم للرئيس بن علي شخصيا عارضا عليه عرضا متمثلا في كتابة اعتذار إلى الرئيس طالبا العفو والمغفرة  وتبرأه من المعارضة وشتمها ونشر الأكاذيب حولها و تلفيق التهم للأبرياء . ومساعدته على الاتصال بالمعارضين بالداخل والخارج عارضا عليهم الحلول التالية : إطلاق سراح المساجين السياسيين ، عودة المغتربين ، إدماجهم في المجتمع من جديد وتعويضهم. مقابل حل مشكله :  إرجاعه إلى العمل كطبيب صحة عمومية بإحدى مستشفيات تونس العاصمة ، نقل زوجته من مستشفي سيدي بوزيد إلي تونس  وتمكينه من جواز سفره ، تمكينه من سيارة فخمة ، وتعويضه ماديا…..

 

وانطلقت الرحلة  الكذب و النفاق و التحيل و الظلم  والاستبداد  ……

 

 النموذج المزعوم :

 

وكبادرة من مجموعة المدعو حمادي تم استئجار غرفة بفندق فخم نزل السفراء بالعاصمة للدكتور الصحبي وتمكينه من السيولة المالية بسخاء ، وشراء العديد من الثياب باهظة الثمن لهذا الأخير وتجديد جواز سفره ، واصطحابهم له في جولتهم بباريس.

 

المعارضين المقيمين داخل الوطن  .

الأشخاص الذين تم الاتصال بهم :

 

* الشيخ الأستاذ المناضل عبد الفتاح مورو الذي بحكم حنكته السياسية رفض مقابلتهم ومسايرتهم

 

* حرم المحترم الأستاذ محمد عبو  طلبوا منها آن تقدم لهم رسالة اعتذار ومطلب سراح لزوجها مؤكدين لها انه سيقع اصلاق سراحه في بحر 24 ساعة  لكن حرم   الأستاذ محمد عبو  رفضت ذلك العرض  واطردت مبعوثهم ما كان منهم إلا أن أطلقوا الاشاعات حولها والماسة بعفتها حسب ما أعلمني به أحد الناشطين المتابعين لوضعية لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

 

* السيد الطيب السماتي الامين العام المؤسس للحزب الإسلامي التونسي (حزب نكرة وليس له أنصار) الذي تم استقطابه في البداية عارضين عليه تمكينه من تعويض مالي عن قضيته الشغلية واعطائه جواز سفره مقابل كتابة رسالة اعتذار فكان لهم ذلك بتاريخ  5 مارس 2006 (1) وبعد ذلك تنكروا له وهذا التصرف تجاهه كان بمثابة الرجة التي أعادت له توازنه وأفاقته من الغيبوبة التي عاشها في ظلهم (2) و لم يكون على علم بالنوايا الحقيقية والهدف الذي دفعه إلى الانخراط صلب مجموعة حمادي هي تلك الحلول التي قدمت له والمتمثلة في : إطلاق سراح المساجين السياسيين ، عودة المغتربين ، إدماجهم في المجتمع من جديد وتعويضهم.

* محرر هذا المقال –نبيل الرباعي- حيث تم الاتصال به عن طريق الدكتور الصحبي وطلب منه مثلما طلب من سابقيه واعدين إياه بالكثير لكنه رفض الانجراف في هذا التيار بحكم تمسكه بمبادئه وقيمه وتجربته النضالية.

 

المعارضين المقيمين خارح الوطن  .

 

وانطلقت الرحلة نحو باريس باحثة عن ضحايا جدد. وقد تم ضبط المقاييس التي يجب اتباعها في من سيتم اختيارهم في هذه المهمة. وقد كانت وجهتهم منحصرة في البحث عن من أعييتهم أعباء الهجرة والبعد عن الأهل وممن ينتظرون الفرج للعودة إلى أرض الوطن وهم أشخاص ليست لهم أي انتماءات تنظيمية وممن اختلفوا مع توجهات حركة النهضة وأيضا الناشطين في مجال حقوق الانسان أمثال السادة الدكتور أحمد المناعي ، منذر صفر ، عبد العزيز العقوبي ، أحمد الورغمي وغيرهم كثير ظنا منهم وأنهم سهلوا المنال. لكن مجموعة حمادي عادت تجر أذيال الخيبة بعد أن أوصدت جميع الأبواب أمامها وبعد أن رفض كل من اتصلت بهم كل مقترحاتهم ومطالبهم ايمانا منهم بعقم هذه العملية وهنا قامت هذه المجموعة بترويج الاشاعات والادعاءات الكاذبة في حق هؤلاء.

 

وبعد كل ما سبق بيانه يتضح جليا وأن العملية برمتها لا تعدو أن تكون مجرد مناورة سياسية لشق من السلطة لم يتبين معرفته بعد وذلك لاستقطاب رموز المعارضة بالداخل والخارج رغبة في شق صفوفها وضرب كل من قام بالتضامن مع إضراب حركة 18 أكتوبر مشددين على تحقيق كل المطالب التي بنيت عليها هذه الحركة. بالإضافة إلى ضرب حركة النهضة وهذا  جلي في دعوة كل من اختلف في الرأي معها(3). وبهذا نزداد يقينا وأنها مؤامرة رخيصة لضرب كل حركات المعارضة وإيجاد بديل كرطوني لها. وقد اتجهت النية لتأسيس جمعية لتحقيق كل أهدافهم ولكن لم يقع الإعلان عنها بحكم اكتشاف أمر حمادي وهذه الجمعية متكونة من: محمد فرجاوي (المدعو حمادي ): رئيس عبد العزيز عقوبي : نائب رئيس ، الصحبي العمري : سكرتير ، عبدو معلاوي: سكرتير مساعد ، عمر رواحي : أمين مال ، أحمد ورغمي : مساعد أمين مال. مع الإشارة أن السادة عبد العزيز العقوبي ” تعرض للتهديدات في تونس “ وعبدو معلاوي وأحمد الورغمي لم يكونوا على علم بالنوايا الحقيقية وراء تكوين هذه الجمعية والهدف الذي دفعهم إلى الانخراط صلبها هي تلك الحلول التي قدمت لهم والمتمثلة في : إطلاق سراح المساجين السياسيين ، عودة المغتربين ، إدماجهم في المجتمع من جديد وتعويضهم.

 

هيهات هيهات ، إن عصابة المدعو حمادي هدفها الأساسي ضرب صوت المعارضة بالداخل والخارج وإذلال كل المعارضين الذين صدقوها وتوريطهم كالصحبي العمري واجباره على كتابة رسائل يندى لها الجبين تنادي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني العدواني وبهذا يتبين لنا علاقة هذه المجموعة بالمخابرات الإسرائيلية مع العلم أن عند تواجدهم في مطار تونس قرطاج الدولي للسفر لفرنسا منتصف مارس الماضي حضر الحاخام اليهودي المعني بكنيس اليهود بحلق الوادي بنفسه لتوديعهم. كما أن المدعو حمادي يروج العديد من الإشاعات الخطيرة جدا والماسة باستقرار البلاد حول اعتزام السلطة فتح سفارة إسرائيلية بتونس واعلان بمناسبة عيد المرأة في 13/08/2006 عن تحوير في قانون الأحوال الشخصية بتساوي الميراث بين الرجل والمرأة واستخدام ورقة المساجين السياسيين في انتخابات 2009 وأن بن علي لم يعد يثق بالأمن المختص بوزارة الداخلية الذي لا يريد تنقية الأجواء ولا يجيد إلا التعذيب و مرض السيد الرئيس ……

 

وما استخدام أشخاص نكرة في الأوساط السياسية للعمل ضمن هذه الجماعة إلا هروبا من المسؤولية في صورة فشل مخططهم

 

والأحداث التي جدت مؤخرا والمستهدفة لرموز المعارضة في تونس كتعرض الشيخ عبد الفتاح مورو للتهديدات (4)، استدعاء علي العريض ، الفاضل البلدي ، تضييق على السجين محمد عبو، تعرض سيارة الناشط الحقوقي الأسعد الجوهري للاعتداء… ؟ تبين صدق نواياهم .

 

وفي الختام أدعو الدكتور الصحبي العمري إلى الرجوع إلى الجادة وبيتي مفتوح له كما في السابق، كما أدعو كل الذين ضلوا الطريق

“وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”

“عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون إلا ما أريد”

 

ملاحظة : من يريد من الاخوة الكرام ترجمة هذه المقالة فله ذلك مع ذكر اسم من قام بالترجمة وشكرا سلفا

*********************

 

(1) المقال المشؤوم نشر بتاريخ 5 مارس 2006 بموقع تونس نيوز  تحت عنوان شكرا للسيد الرئيس ” اهنىء …..”” 

(2) مقال نشر بتاريخ 18 أفريل 2006 تحت عنوان “لا هي مبادرة سياسية ولا هي مناورة أمنية ليست سوى عملية احتيال” على موقع تونس نيوز.

(3) موقف الحركة النهضة منها ؟ : كما عمدت السلطة آلي أسلوب جديد في التعامل مع ملف المعارضين في الداخل والخارج عارضة حلولا جزئية امنية فردية  فرارا من التعامل السياسي الجاد مع الملف. بيان حركة النهضة بتاريخ  23 مارس 2006  الشيخ راشد الغنوشي.

(4) استدعاء للمرة الثانية على التوالي الأستاذ الشيخ عبد الفتاح مورو من طرف أمن قرطاج فرقة الارشاد بمنطقة قرطاج وتحذيره من أي اتصالات مع أصدقائه القدامى علما وأنه قام بزيارة الدكتور زياد الدولاتلّي بسبب مرضه وإجراء عملية جراحية شفاه الله وعافاه.

 

حرر بتونس في :الخميس 20 أفريل 2006

 

(*) سجين إسلامي سابق

الهاتف : 361.487 98

 rebai_nabil@yahoo.fr 


أتألم وألوم..لماذا هذا العبث والصورة واضحة؟

 

د.خالد الطراولي

ktraouli@yahoo.fr

 

بعدما قرأت رسالتي السيد سماتي [[1]] والسيد الرباعي[[2]] وما حوتاه من مكاشفات واكتشافات تكاد تشبه الأفلام البوليسية الركيكة من صنف ب، كنت أظن أني في قاعة سينما أو في بيتي أمام التلفاز! لن تهمني خفايا المسلسل وما تعرض له من حلقات بليدة ومد وجزر وأبطال وأقزام، وهو سيرك في أتمّ معناه كما شبهه مواطن في إحدى خواطره[[3]]…مع انهيار مخز للأخلاق والقيم. وهذا ليس هذا اكتشافا نوعيا على حالة السقوط الأخلاقي التي يعيشها الوطن ولقد مثلت المأساة المتواصلة التي يعيشها أفراد وأسر داخل السجون أو خارجه أكبر مظهر لهذا السقوط وغياب منظومة للقيم.

 

طريق الآلام

ما آلمني هو رخص المواطن أولا واحتقار حاله وعدم الاعتبار لأي مكون إنساني لديه والدوس الصريح على مقومات الكرامة والفضيلة حيث تسقط منظومة القيم ويبدو المشهد عاريا فضفاضا يغوص في الوحل ويستظل الظلام، استهزاء وسخرية واستغلال لمآسي أفراد ومأساة وطن.

أتألم لمن سمع وصدّق وأجاب ورمى بنفسه وذويه في فك وحوش لا ترعى إلا ولا ذمة..، أتألم لمن آمن بنجاته قبل نجاة مشروعه…،

أتألم لمن أسرع الخطى وتنافس على خدمة الطغيان تحت جنح الظلام ونسي أن حلول السراديب والأضواء المطفية لن يأتي بخير، فخفافيش الليل لا تعيش إلا على امتصاص الدماء..!

أتألم لمن رافق وساعد وأعطى العناوين والهواتف بكل عفوية ودون سابق إضمار، ثقة مبالغ فيها ومراهنة في غير محلها وخدمة لم تراع واقعية المكان وتاريخ القضية.

 

أتألم لنسبية المحن والآلام  التي غابت في مواقف البعض وممارسات البعض، فيما يحدث له من غربة ونفي ومغادرة الأهل، أمام ما تعرض له أناس من جلدتنا وهم محبوسون وراء القضبان، وما تتعرض لهم أسرهم من محن وابتلاء تجعل الحليم حيران…فلعل ابتلاءاتنا ومحننا ونحن في المهجر على شدتها عند البعض لا تضاهي قطرة عذاب ممن هم صابرون ويحملون الجمر داخل الكهوف ووراء القضبان!

أتألم للقراءة المنقوصة التي غلبت على الكثير في منهجيتهم وتصوراتهم للحدث، فوقع السقوط ووقع العدم. قراءة تميزت بخليط غريب من المثالية المزيفة واحباط وانسحاب وحنين للأوطان، خليط من نهاية عهد ورمي للمنديل وكبر عمر، ووخز ضمير واعتراف بهزيمة أو فشل، هيمن الأنا وهيمنت قراءته وهمشت أبعاد المسؤولية أمام الله والشعب والوطن، أبعاد الصبر والمصابرة والمراهنة على عامل القيم، فالأيام دول، و”ما يدوم حال”، ولكل بداية نهاية..،

 

أتألم لكل هذا ولكن لن ألوم، فمثل هؤلاء الإخوة الأفاضل كمثل الغريق الذي يتلمس وسيلة للنجاة، يعتقد في أي يابس يراه خشبة أو سراب، فلعل الواقع الموضوعي لكل فرد يحوي على أبعاد لا يفهمها قلم الغير ولا مواقفه، ولعل ظروفا ضاغطة لا يعلمها إلا صاحبها جعلته يعتقد في أي حبل للنجاة… والناس معادن منهم اللين سريع التحلل، ومنهم الشديد لا ينكسر، ولله في خلقه شؤون وعبر…

 

بيتنا مازال من زجاج

إني ألوم أنفسنا نحن أولا من تشدق بالمعارضة وحمل الناس على الوقوف في وجه الطغيان، من جعلهم صفا يواجهون الظلم والعدوان، مشردين منفيين في بلاد الله الواسعة بعيدا عن الوطن، من يمنيهم بالنصر، وللنصر أسباب وسنن، من جعلهم يؤمنون بنهاية الظلام، وتركهم لوحدهم يعيشون في الظلام، بعضهم مجمّد وبعضهم منسي وبعضهم غادر ولم يترك عنوان، بعضهم نسي مشروعه وارتمى في حضن الجيران، طاقات كثيرة وكبيرة وقع نسيانها أو استبعادها او حملها على مغادرة البنيان. مأساة الداخل غيبت مأساة الخارج ولعل رب ضارة نافعة فما وقع هذه الأيام هو تنحية الغبار عن مأساة ساهم فيها البعض بوعي أو بغير وعي وخرجت للعيان.

 

إن ظاهرة الهروب والتخلي على المشروع المعارض والنجاة الفردية على حساب خلاص الأوطان، والذي أخرجته إلى السطح هذه المبادرة الفاشلة يؤكد على عديد النقائص التي يحملها مشروعنا المعارض ويعطل مساره، فبرز ضعف المعارضة المهجرية وهشاشتها، وارتباطها بالنخبة أكثر من قربها من الجمهور، ولعله إذا أرادت يوما أن تعيش مشوار صاعدا للانتصار فلن يكون بتاتا من وراء الجدران أو دردشة أمام فنجان،  وبين مجموعة ضيقة لا يزيد عددها ولا ينحسر، وكأن تاريخ النضال ورجاله توقفا في السبعينات والثمانينات وانحبسا وراء الشعر الأبيض والذقون البيضاء. إن الالتصاق بالجماهير المهجرية ضرورة حياتية للمشروع النضالي العام، وأن الاقتراب من هموم الناس ومشاغلهم وفهم أو تفهم ارتباطاتهم وظروفهم وطموحاتهم وآمالهم، يمثل جزء أساسيا من الواقعية المرجوة والإنسانية المغيّبة.

 

الحسابات الخاطئة والمحاولات البائسة

لن ألوم السلطة!، فما وقع يفيض عن درجة اللوم والعتاب والمؤاخذة بل يلامس الاستنكار والتنديد، فما وقع لا يشرف السلطة بتاتا ولست أدري إن كان هرمها وكل أفرادها يعلمون بما جرى أو يفهمون عمق التردي الأخلاقي الذي جرته هذه الخزعبلات ومدى ضربها لأي مصداقية لاحقة لأي مشروع أو موقف وطني شريف وعادل لعله يأتي من قبلها.  

 

إن السلطة أو بعض أطرافها مازالت تغمض عينيها وتضع رأسها في التراب حتى لا ترى حجم المأساة ولا يؤنبها ضمير أو يقض مضجعها طارق بليل…قسوة لم يشهدها تاريخ البلاد وأرجو أن لا تكون شملت كل أطرافها، هذه القسوة التي أمسكت الرحمة أن تطال الجميع ويعيشوا في أمن وأمان. قسوة جعلت السلطة تقبل أن يموت تونسيون وراء القضبان أو مرميون وراء الحدود دون جنازة أو اعتبار،  والبعض من الماسكين بأطرافها ينتحلون صفات الوداعة والرحمة وهم يحملون قلوبا من حجر ويشهرون السكاكين وراء الظهور ولا يحترمون الصغير والكبير ولا المرأة ولا الشيخ، ويريدون أن يقتاتوا الفتات على موائد المآسي وأحزان الناس. موقف لا حياء فيه ولا اعتبار، استغلال ضعف الناس وحنينهم إلى الوطن لتركيب منهجية جوفاء لمقاومة الخصم ومناورة رخيصة للإطاحة به، يفقد كل الشرف ويطيح بكل البنيان…

 

آمال معلقة والصورة واضحة

نعم لم تنجح المناورة ولم تنقسم المعارضة ولم يختلّ توازنها، لكن غيابها عن الساحة كان بارزا وكأن الأمر لا يعنيها وتركت أفرادها يعالجون مشاكلهم لوحدهم ويقعون ضحايا الابتزاز، نعم خرجت المعارضة من هذه المحنة بسلام رغم أنها لم تطلق سهما واحدا.. لكن الدروس كثيرة وعليها استيعابها فما كل مرة تسلم الجرّة..

أملي أن تنتبه المعارضة إلى دور المهجر في أي بناء نضالي، أملي أن تخرج من نخبويتها، وأن تفهم أن ما وقع هو ناقوس خطر وتنبيه إلى أن الملل من طول الانتظار، وغياب الرؤية الواضحة والحسم مع الواقعية، والتفرق والاختلاف والاقصاء، والنرجسية والأنا، يولدون الاحباط والتخلي ومغادرة السفينة ولو في وسط الأمواج…

 

أملي أن تنتبه السلطة إلى أن العودة إلى الوراء لا تفيد، فتاريخ الأمس ليس في صالحها ولا في صالح الوطن، أملي أن تغلب مصلحة البلاد على مصالح الفئة والجهة، أملي أن تفهم السلطة أخيرا أن الترقيع والتلفيق والنظرة القصيرة والمعالجات القاصرة والاستثناء والإقصاء والبعثات المشبوهة والمناورات الرخيصة، لن يفيد في الشيء، بل يعمق حجم المأساة ويجعل الوطن وأهله على كف عفريت.

إن الاعتبار لكرامة المواطن مهما شرقت أو غرّبت ميولاته ومرجعياته هو السند الأصيل لكل فعل يبتغي مصلحة العباد والبلاد، وأن المصالحة الوطنية الحقيقية هي المنطلق الأساسي للخروج من هذا النفق الذي طال مساره، هذه المصالحة التي تشكل اليوم أساسيات برنامج اللقاء الإصلاحي الديمقراطي وبيانه الأساسي،[انظر رسالة اللقاء رقم 6 والوثيقة التاريخية للمصالحة بين المشروع الإسلامي والسلطة على الموقع www.liqaa.net] وهي تعني عودة المشاريع المرفوضة والمقصية والمنبوذة والمشردة إلى الوطن دون إقصاء وتهميش، وهي تعني دفع السلطة إلى نبذ  فكر  المغالاة والتطرف ومنهجية التفرد  الرافضة لكل يد ممدودة رغم وطنية هذه اليد ونظافتها وحبها لتونس، ونضالها السلمي من أجل تونس لكل التونسيين.

المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net

 


 


[1]  تونس نيوز عدد 2157 بتاريخ 18/04/2006

[2]  الصحيفة الإلكترونية الوسط التونسية بتاريخ 21/04/2006

[3]   “سيرك” بقلم مواطن ركن خواطر موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net

 


كن مسلما

 

 

كن كالربيـــــــــع يـــنشر ورده                  وعبيره الفيــــاض في الفيحـاء

كن كالسمـــوأل يبـــــــــذل ابنه                  فيصير في النــــاس من الأمناء

كن كالنخيل يميد بالتمر اللذيـــذ                 ويطاول الجـــــوزاء في العليـاء

كن كالهواء للحيــــاة وقد حوى                 كل الفضاء ونـــــصف المــــــاء

كن كالطبــــيب في عين مريضه                 أملا يعيده قبل الــــموت للأحياء

كن مسلما يـــداوي حضــــــارة                  ناءت بها الأدران والأهــــــــواء

ودع الحقول تنبت عــــشبـــــها                  والطير يشـــــدو بأحلى غنـــــاء

وازرع بذور الخيــــر دون تردد                 تزيل من دنيا الناس عنــــــــــاء

أو لست أنت سليــــل حضـــارة                  عمــــت  بخيـــــرهــا البــــــيداء

كن مسلما لحنــــا تردده ألدنـــا                  وتصيخ بالـــــسمع له الأرجـــاء

وكفاك إسلاما لا بديــــل لــــــــه                 دع عنك سبيــــل الغي والإغواء

وانهض نهوض أسد في الوغى                 تحمى العرين وتـــــهزم الأعـداء

فالخير أنت والحضــــــارة لبها                  والشمس من نور ضياك سنـــاء

أو لسنا في زمـــن تنوء الأرض                 وتؤط بكــفر الكافـــــــرين سماء

من لدنيا الناس غـــــيرك منقذا                  أنت الطبيب وغيرك الســــــقماء

فاحمل دواءك وانشـــــر مصله                  عسى يعود للدنيا بصـيص رجاء

إن كان نوم النائميـــــن خسارة                 فإن نوم المسلمين للحياة فنــــاء

فانهض اخي واحمـــــــل شمعة                 لتضيء درب الحائــــرين رجاءا

 

الأزهر مقداد

سويسرا في 20/ أفريل /2006

 


 

صـرخــة غــــريــــب

أم معاذ

 

أيا روح رفرفي فى شموخ فوق أوتاري

واعزفي ترنيمة داوود فى خشوع ووقار

و يا طير غرّدي واتركي التّسبيح للأشجار

وعلّمي الإنسان كيف يكون الوفاء للأوطان

***********

واتركي العين تذرف عبرات الشوق اللّهيب

واعتقي القلب من عبوديّة الصّمت الرّهيب

واصرخي فى الكون صرخة الحرّ العنيد

سنرجع يوما يا وطني ونكسر كل قيد من حديد

***********

فراق الأحبة والخلاّن ألم يمزّق أحلامي

عيش الغريب وحشة تطحن أفكاري

همس العذارى ثورة تفجّر بركاني

فسحقا لمن باع الوطن وهجر الأسوار

***********

فيا وطنى تذكّرني ولا تنساني

تذكر إسمى وعنواني

تذكرني طفلة رقصت على شذى ألحانك

تذكرنى صبيّة صلت على بساط رمالك

تذكرنى امرأة تلحّفت برداء أنوارك

***********

تذكرني ولاتنسانى…. تذكر اسمي وعنواني

فيك حبي ..فيك أملي .. فيك جملة أشعاري

فيك تعلّمت كيف أكون ..فيك تعلّمت كيف أثور

فأنت تاريخ أجدادي ومستقبل أحفادي

فإن مت دونك يا وطني فاعلم أني لا أبالي

 

ام معاذ – ألمانــــــــــــــــــــيا

09ـ 04 ـ 2006

 

(المصدر: موقعpdpinfo.org بتاريخ 19 أفريل 2006)

 


 
 

أزمة السودان ومحاذير التدويل 

بين غيبوبة العرب وخطيئة الإسلاميّين

بنعيسى الدّمني (*)

إن حجم التدخل الأجنبي في السودان المستقل لم يعد خافيا على أحد.فقد ظهرت بوادره إبان أزمة الجنوب المزمنة، ثم سرعان ما تفاقم أمره خلال أزمة دارفور الراهنة.حيث بدت في الأفق إرهاصات تدويلٍ لهذه الأزمة، زاد من احتماله إخفاق الأطراف المتنازعة في التوصل إلى اتفاق سلام، واشتعالُ جبهة الشرق أخيرا.

ولا يخفى على أحد أن مساعي التدويل تنذر بأوخم العواقب، وتشكل – في حال نجاحها – خطرا لا يتهدد مصير السودان ووحدته فحسب، بل يتهدد مستقبل الوطن العربي والبلدان الإفريقية أيضا. ورغم أن للأزمات السودانية عواملها الداخلية التي تراكمت تاريخيا في ظل عقود طويلة من الحكم العسكري، وضمن واقع عربي قُطري مفكّك؛ فإن معطيات الظرف الدولي الجديد قد هوّنت من أهمية تلك العوامل في أذهان الكثيرين، وجعلت جمهرة من المحللين يردّون كل أزمات السودان المتناسلة إلى مردّ واحد هو: “التآمر الأجنبي”.

ولا أحسب أن تفسيرا تبسيطيا من هذا القبيل يفي بالحاجة إلى فهم حقيقة الأزمة وأبعادها، ولا هو يحفز أصحاب المصلحة الأولى في تجاوزها، أعني السودانيين وعموم العرب والمسلمين، على تحمّل مسؤولياتهم التاريخية، والقيام بما يلزم من النقد الذاتي لتدارك الأمر. لذلك فقد يكون من المفيد إعادة التساؤل، بين يدي هذا التحليل، عن حقيقة المعطى الدولي، وعن رهانات أطرافه، وعن مدى أهميته بالقياس إلى معطيات الوضع الداخلي سودانيا وعربيا، عسى أن يتجلى حجم التحديات التي يطرحها كل ذلك على أولي الأمر وأولي الرأي في هذا البلد المكلوم، الذي لا يستحق شعبه المعروف بالوداعة وطيب المعشر، هذا المآل المحزن.

 لماذا السودان بالذات؟

 ما من شك في أن السودان ليس البلد الوحيد، الذي يشكو من أزمات داخلية أو حروب أهلية في العالم.. لكن يبدو أن انتماءه العربي الإسلامي قد جعله ضحية معاملة مخصوصة من قبل القوى الغربية العظمى، تمثلت في الضغط عليه وابتزازه والتحفز لممارسة ما يسمى “حق التدخل” في شؤونه. ويندرج هذا المسلك الدولي ضمن مخطط سياسي بعيد المدى، يرمي إلى إحكام السيطرة على جميع بلدان العالم الإسلامي وعرقلة نهضتها والتحكم في وتيرة نموها. ومن هذا المنظور، ينبغي اعتبار أن ما يجري الإعداد له فيما يخص السودان لا يخرج عن سياق ما جرى وما يجري حاليا في كل من فلسطين وأفغانستان والعراق..

بالإضافة إلى هذا السبب المتعلق بانتماء البلد والمتصل باعتبارات حضارية وتاريخية ليس هذا مجال بحثها، يوجد سبب آخر جعل القوى العظمى تضاعف من اهتمامها بهذا البلد المترامي الأطراف: يتمثل في أن السودان يمتلك رصيدا جغراستراتيجيا لا يستهان به إقليميا، بالنظر إلى موارده المائية والزراعية الضخمة، وإلى مخزّناته البترولية والمنجمية الواعدة والمثيرة للأطماع، علاوة على ما يمكن أن يضطلع به من دور حيوي يتجاوز حدوده، على اعتبار أنه سلّة الغذاء العربي، وأنه في ذات الوقت البوابة الجنوبية للوطن العربي، المفتوحة على إفريقيا السمراء، وعلى مواردها البشرية وثرواتها الطبيعية الخام.

وهذا ما يؤهله نظريا لأن يكون ذا وزن استراتيجي خطير في المنطقة، وأن يشكل سندا أساسيا للأمن العربي ببعديه الغذائي والجغراسياسي، وجسرا ثقافيا يربط بين العرب والأفارقة. ولا نحسب الدول الغربية العظمى تتساهل في تحقيق ذلك عمليا، وفق معايير التقسيم الدولي للعمل وفي ظل واقع العولمة الجديد ونظام القطب الكوني الواحد.

 رهانات القوى الدولية العظمى

 وإذا عنّ لبعض رافعي ألوية الليبرالية في ربوعنا، أن يثقوا في حسن نوايا الدول الغربية، وبخاصة في أمريكا التي تبدي تعاطفا مع الشعب السوداني، وتعلن رعاية الحلول التفاوضية بين أطرافه المتنازعة، فإنه لا يعزب عن ذهن كل متابع حصيف لمجريات الأمور أنّ تعامل الولايات المتحدة مع أزمة السودان ومع كل أزمات العالم الإسلامي، لا يمكن أن يخرج عن مقتضيات خطط سياستها الخارجية: فمنذ الحرب الباردة، دأبت الدبلوماسية الأمريكية، كما بيّن ذلك رئيسها الأسبق هنري كيسنجر، على الاستفادة من النزاعات الداخلية والإقليمية، التي نشبت في كل بقاع العالم. وما كانت تحرص أبدا على فض تلك النزاعات، بقدر ما كانت تميل إلى إطالة أمدها، والتخفيف من حدتها، حتى يتسنى لها المسك بخيوطها، فتتخذها ذرائع لتدخلها وتوسيع مجال نفوذها الدولي. ولو تسنّى للمرء أن يراجع أسلوب تعامل أمريكا مع كل الأزمات والنزاعات (وبخاصة في المشرق العربي وفي جنوب شرقي آسيا)، لألفى آثار تلك السياسة بادية للعيان.

وقد حافظ الأمريكان على ذلك التوجه العام لسياستهم الخارجية في فترة ما يعد الحرب الباردة، واستفادوا من الظروف الدولية الجديدة، فطوروا أهدافهم ووسائلهم، وسعوا إلى تغيير خارطة العالم السياسية في اتجاه توسيع مجال نفوذهم الدولي وانفرادهم بالهيمنة. ومن الواضح أن العالم الإسلامي بات يحتل موقع صدارة الاهتمام في هذه الاستراتيجية، خصوصا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

فقد بينت الأحداث التي تلت تلك الهجمات أن الهدف الجوهري للسياسة الأمريكية أضحى هو إعادة ترتيب هذه المنطقة من العالم، عبر تفكيك بناها القائمة، وإشاعة ما يسمى “الفوضى البنّاءة” فيها، تحت شعارات “الإصلاح” و”الديموقراطية”. ولم يعد قادة البيت الأبيض يخفون مراهنتهم من وراء ذلك على إقامة “شرق أوسط كبير” يمتد من أفغانستان إلى المغرب؛ تحكمه أنظمة طيّعة وموالية، توكل إليها مهام حماية المصالح الأمريكية، وضمان أمن إسرائيل، وديمومة تفوقها إقليميا.

وغنيّ عن القول إنه لن يعود للعرب والمسلمين إذاك حاجة إلى الإبقاء على عبارات من قبيل: “الوطن العربي” و”الأمّة الإسلامية” و”الحق في المقاومة” و”الحق في تقرير المصير” ضمن قاموسهم السياسي.. ولن تتاح لهم فرص النهضة بمقدرات بلدانهم، وتحقيق وحدتهم، وبناء كيانهم الحضاري المنيع، من باب أولى.

إن ذلك لم يعد من الأسرار التي يتسنى للإدارة الأمريكية إخفاؤها، خصوصا بعد أن نجح المحافظون الجدد في اختراق مراكز القرار فيها، وتمكنوا من تهميش وظيفة الأحزاب السياسية لفائدة ما صار يعرف “بدبابات الفكر”، أعني مراكز البحوث والدراسات التي بات أولئك المحافظون الجدد يشرفون على كثير منها، ويرسمون بواسطتها استراتيجيات السياسة الداخلية والخارجية، ويحددون بالتالي ملامح العالم بأسره، مستندين إلى خلفيات إيديولوجية ودينية هيمنية، تقول بتفوق الحضارة اليهودية المسيحية (Judéo Chrétienne)، وتحاول المزاوجة بين البروتستانتية والصهيونية.

وقد توافرت جملة من الظروف الداخلية والخارجية، التي دفعت القيادة الأمريكية إلى تبني تلك الاستراتيجيات، والمضي في تنفيذها عمليا بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك القوة، وتسخير الهيئات الأممية لإضفاء الشرعية الدولية عليها؛ رغم أنها استراتيجيات تعبق بروائح العنصرية، ولا تؤمن بوحدة المصير البشري، وتفتقر في الغالب لأدنى مقومات الحق.. اللهم إلا إذا كانت القوة هي التي تنشئ حقا، وهذا محال.

 التفريط في مستلزمات الصراع وقابلية الاستضعاف

 إن استحضار هذه الحقائق لا ينبغي أن يكون مبررا للعزف على قيثارة “التآمر الأجنبي”، كما يفعل كثيرون، ولا ينبغي بالتالي أن يقلل من أهمية العوامل الداخلية في تفسير ما يجري في السودان تحديدا، وفي العالم الإسلامي بشكل عام. ذلك أن التاريخ إنما يُصنع بسنة التدافع، أعني بصراع الإرادات والمصالح والقوى (ولا يخلطنّ أحد بين هذه الحقيقة التاريخية الثابتة وبين ما ادعاه صامويل هنتنكتن من صدام مزعوم بين الحضارات). وإن ما يسمى “تآمرا أجنبيا”، إنما هو سعيُ الآخرين الطبيعي إلى الأخذ بأسباب تفوقهم وانتصارهم في هذا الصراع المفتوح، من أجل بسط سيطرتهم على من سواهم.

وإذا علمنا أن نجاح أي استراتيجية لا يتوقف على شروط تماسكها الداخلي وفاعليتها الذاتية فحسب، وإنما يتوقف أيضا على الشروط الموضوعية، التي تطبق فيها، بما في ذلك مدى قوة أو ضعف الاستراتيجيات المقابلة والمنافسة؛ صار من اللازم الإقرار بأن التفريط في إعداد مستلزمات القوة والتقدم، كما هو حال أغلب المسلمين اليوم، من شأنه أن بجعل صراعهم غير متكافئ بالمرة، وأن يوفر رصيدا إضافيا لفائدة الاستراتيجيات المقابلة، فيشكل ذلك أرضية ملائمة لنجاحها، على عِلاتها.

وإذن فإن الركون إلى تفسير مشاكل المسلمين بعامل التآمر الأجنبي هو أمر غير ذي معنى على الإطلاق. إذ لا مراء قط في أن تخلف الأمّة، وهدر ثرواتها، واستحكام الاستبداد بشعوبها، ونشوب النزاعات المسلحة بين مكوناتها، واستقواء بعض تلك المكونات بالخارج؛ كل ذلك وغيره يمثل قابلية لاستضعافها، ويفتح الباب أمام تدويل قضاياها، وتدخّل القوى المتربصة في شؤونها؛ لا بل هو يسوّغ احتلال أراضيها، ويخوّل سلب دولها مقومات السيادة.

ألم يشهد التاريخ المعاصر، فعلا، ردّة خاسئة إلى الوراء بعودة ظاهرة الاستعمار من جديد، وبوجه أقبح مما كانت عليه في الماضي، إلى كل من أفغانستان والعراق؛ وها هو اليوم يتربص بدول أخرى، أغلبها عربية وإسلامية؟ وهل كان لذلك أن يتم لولا قابلية ذينك البلدين للاحتلال، بسبب ما ساد فيهما قبله من أوضاع داخلية هشة، ومن هدر للطاقات، ومن سياسات لم تكن لتكفل لهما المناعة والمهابة؟ مع وجود الفارق بينهما طبعا.

ألم يعزّ النصير في صفوف العرب والمسلمين، للذود عن حمى ذينك البلدين المحتلين، كما عزّ من قبلُ لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني؟ فترك كل بلد يواجه مصيره بمفرده. وباتت الأمة منكوبة في ثلاث من أعز دولها، بعد أن كانت تكافح لرفع النكبة عن واحدة.

لقد حصل كل ذلك لأن قابلية الاستضعاف قد استشرت في عموم الأمة، وعششت بشكل خاص داخل أنظمتها الرسمية، التي يبدو أنها فقدت الإحساس بالانتماء، ولم تعد تهتم بأكثر من البقاء في سدة الحكم أطول مدة ممكنة.

 ضريبة الغيبوبة العربية

إن السودان اليوم ينشد المساندة من أمته – ولا أحسب أنه يتطلع إلى أكثر من الدعم الدبلوماسي – للحيلولة دون تقسيمه واستباحة أرضه وإخضاع شعبه؛ لكنه لا يكاد يظفر بمجيب.

لطالما أكد خطاب الأنظمة الرسمي على مبدأ “التضامن العربي”. فاستبشر لذلك كثير من المتفائلين، وعقدوا الأمل على ما يمكن أن تثمره ترجمة التضامن على أرض الواقع؛ على اعتبار أنه يمثل أضعف درجات الإيمان بالأخوة وبالمصير العربي المشترك، ويمكن أن يتجسد في أشكال من الممانعة في وجه مشاريع الهيمنة الدولية. لكن أين هذا التضامن العربي في واقع الحال السوداني؟ أم تراه التحق، هو الآخر، بسلسلة الأوهام العربية الطويلة؟

وإذا كانت الدول العربية قاصرة عن الاضطلاع بدورها التضامني منفردة – وهذا مفهوم في ظل حدّة الضغوط الخارجية الممارَسة عليها، وفي ظل عجز أي واحدة من هذه الدول عن التأثير في ميزان القوى العالمي – فأين دور الجامعة العربية في النهوض بهموم أحد أعضائها، وفي تطويق أزماته، والمبادرة إلى حلها؛ حتى لا يظل هذا البلد العربي عرضة لابتزازات دولية لها أول وليس لها آخر؟ أم ترى الجامعة تنتظر الضوء الأخضر من القوى العظمى، كما سبق أن فعلت في أزمة العراق؟

إنه لمن المحزن حقا أن يبدو العرب – وهم أصحاب المصلحة الأولى والأكيدة – كأنهم غير معنيين بأي وساطة بين الفرقاء السودانيين، وغير حريصين على توفير رعاية جدية لحل أزمتهم. فلقد لاحظ الجميع مثلا غيابهم النسبي حتى عن مراسم الاحتفال بتوقيع اتفاق السلام الذي أبرم، منذ أكثر من عام، بين الحكومة السودانية وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان، برعاية أجنبية. وبصرف النظر عن تقييمنا لمضمون ذلك الاتفاق، فلا مندوحة عن الإقرار بأن غياب الدور العربي في رعايته والتوصل إليه هو ليس مجرد غياب تشريفاتي عرضي، بل هو يعكس غيبوبة عربية عميقة، وفقدانا عربيا للوعي بالذات وبالمصلحة وبالمسؤولية.

وما من شك في أن هذه الغيبوبة تمثل أحد وجوه حالة التدهور العربي الشامل، الذي تحاول الأنظمة القائمة إخفاءه وتضليل الناس عنه بشتى الوسائل، لكن أجهزة إعلامها ودعايتها الرسمية لم تفلح حتى في التلطيف من فداحتها، فضلا عن أن تمحو معالمها بالكلية. وأنّى لتلك الأجهزة، وللأنظمة التي تقف وراءها، أن تنكر أن سقف الأمل العربي في الزمن الراهن قد بلغ أكثر مستوياته تدنيا؟: فبعد أن ظل “مبدأ الوحدة العربية” يملأ الدنيا ويلهب مشاعر الناس، خصوصا زمن الطفرة القومية، في أواسط القرن العشرين،، وبعد أن قصُرت الهمم عن تحقيق الأحلام التي شيدت على أساس ذلك المبدأ، تمّ النزول عنه إلى ما هو أدنى، فتنادى القوم إلى “العمل العربي المشترك”، على أمل أن يفضي تواضع الأمل إلى تحقيق المبتغى.

ولما أخفق النظام الرسمي العربي، ليس في إقامة عمل مشترك فحسب، يل حتى في تحقيق الحد الأدنى من التنسيق العربي، خصوصا في سياق الهرولة نحو التسويات الصلحية المنفردة مع الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، منذ السبعينات؛ اكتفى القوم برفع شعار “التضامن العربي”. والظاهر أنهم قد اكتفوا بما قد يثمره هذا الشعار من تبادل بيانات التهنئة في الأفراح، والمواساة في ساعات العسرة: ولمن رام شواهد على ذلك، أن يتأمل في موقفهم السلبي من الحصار العقابي الذي ضرب على ليبيا، وفي موقفهم المتخاذل إزاء العزلة الدنيئة التي فرضها الصهاينة وحلفاؤهم على الرئيس الفلسطيني المغدور به: ياسر عرفات، حتى الموت.

ولقد دفع جميع العرب ضريبة تواضع الأمل وما انجر عنه من تخاذل: فظل الأعداء يتربصون بهم الدوائر، ويعرقلون كل مشاريعهم النهضوية، ويُوغرون صدور بعضهم ضد بعض، ثم ينفردون بالواحد منهم تلو الآخر، فيسلطون عليهم العقوبات، ويعقدون ضدهم الأحلاف، ويشنون عليهم الحروب، ويخلعون حكاما وينصّبون آخرين، ويعيثون في أوطانهم فتنة وتقسيما وإذلالا؛ تحت رايات “التحرير من الغزو” و”نشر الديمقراطية” و”مكافحة الإرهاب” و”حماية الأقليات“….

ولأنّ القوى الدولية النافذة قد أدركت تمام الإدراك ما آل إليه وضع العرب من تدهور وغيبوبة. واطمأنت إلى أنه لن تصدر عنهم أي مبادرات مساندة لأشقائهم السودانيين، فقد عملت بقول القائل: “خلا لكِ الجو فبيضي وفرّخي”، وراحت تكيّف الأزمة السودانية قانونيا وسياسيا على طريقتها، وتستغلها عمليا لدعم حضورها في المنطقة: فمن حيث التكييف، ظلت تلك القوى ترفض التسليم بأن ما يجري في دارفور هو نزاع قبلي على الأراضي وموارد المياه والمراعي، وتصر تعسفا على اعتباره حرب إبادة عرقية يشنها السودانيون العرب (الجنجاويد) بمساندة السلطة، ضد أولئك الذين ينحدرون من أصول إفريقية. وذلك في محاولة من تلك القوى لتغليظ جُرم النظام السوداني، وجعله عرضة للمحاسبة.

وقد تولى اللوبي الصهيوني في الكونغرس الأمريكي الدفع، عمليا، نحو ذلك. فبدأ بتوجيه لوم إلى إدارة البيت الأبيض بسبب “مهادنتها” حكومة الخرطوم و”تساهلها” معها بشأن ما يجري في دار فور، مطالبا بفرض عقوبات. ثم سرعان ما أردف ذلك بصياغة “قانون محاسبة السودان” الذي صادق عليه الكونغرس على الفور، والذي تضمن فرض حظر على البترول السوداني، وإلزام حكومة الخرطوم بنزع سلاح الجنجاويد، وتعليق عضوية السودان في منظمة الأمم المتحدة، مما يُعدّ إشارة عكسية من قِبل الولايات المتحدة إلى حركات التمرد.

وقد سار وزير الخارجية البريطاني في نهج لا يبتعد كثيرا عن ذاك، عندما طالب في مؤتمر أبوجا للسلام، الذي كان يُفترض أن تسود فيه لغة الحوار لا لغة التهديد، بتشديد العقوبات على السودان؛ مستعملا سياسة العصا والجزرة.

في هذه الأجواء المشحونة بالابتزاز المفضوح وبازدواجية الخطاب الغربي، وبالتلويح بالعصا الغليظة، لا يجد المرء بدا من التساؤل عن مدى جدوى مفاوضات تدور جولاتها في مدينة أبوجا النيجيرية، وفي غيرها من الأماكن، بغرض تحقيق السلام بين السودانيين؟ وعن مدى جدية القوى الغربية، ونزاهة الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، عندما تعلن رعايتها لتلك المفاوضات؟ ألا يبدو ذلك أقرب إلى حملة علاقات عامة يراد منها تلميع الصورة، وتسويق السياسات، والضحك في النهاية على ذقون الخلق؟

ميراث العقل السلطوي يكبّل الجميع

على أنه كان يمكن للسودان أن يقاوم كل تلك الضغوط الخارجية، وأن يُحبط كل تلك المناورات المفضوحة، دونما حاجة إلى مساندة عربية أو غيرها، لو كانت جبهته الداخلية موحدة ومتينة. لكن يبدو أن النظام في هذا البلد، شأنه في ذلك كشأن أغلب الأنظمة العربية، لم يهتد بعدُ إلى السبيل التي تؤهله لأن يكون محل إجماع وطني. فهو في الوقت الذي كان يواجه فيه أخطر التهديدات الدولية بسبب نزاعاته الداخلية المسلحة، راح يخوض مواجهات مع جل التيارات السياسية السلمية الموجودة في الداخل وفي الخارج، ويفتح الجبهات الجديدة، حتى مع أولئك الذين كانوا متحالفين معه في الماضي القريب. فوجد نفسه بذلك شبه وحيد في مواجهة الأزمات الداخلية، وفي التعامل مع الضغوط الخارجية.

إنه لا جدال في أن أزمات السودان الراهنة ليست من صنع نظامه السياسي الحالي، بل هي من تركات نظام النميري العسكري الأسبق. فقد أخفق ذلك النظام في توزيع السلطة والثروة بعدالة وتوازن بين مكونات شعبه العرقية والجهوية: فباستثناء الشمال، الذي كان ينحدر منه أغلب قادة الدولة تقريبا، ظلت أقاليم شاسعة من السودان تشكو من انعدام البنى الأساسية الحيوية، ولا يكاد يُرى فيها أثر لنهضة أو تنمية. وظل أهالي تلك الأقاليم يعيشون في ظروف شبه بدائية، يعانون الحرمان، وتملأ قلوبهم مشاعرُ الغبن، على امتداد عقود من الزمن. ومن الطبيعي أن تكون بذور التمرد قد انزرعت في نفوسهم، منذ ذلك الوقت، ضد سلطة مركزية لم يكن يشدهم إليها إلا خيط رفيع، ولم تكن هي ذاتها قادرة على بسط نفوذها على كل أطراف البلاد.

في تلك الظروف الكالحة من سبعينات القرن العشرين وثمانينياته، تعددت المحاولات الانقلابية للإطاحة بنظام النميري، لكنها باءت كلها بالفشل الذريع؛ وخرج عليه جيش تحرير السودان، فلم يحقق من أهدافه إلا القليل؛ وتحالف معه الإسلاميون قي أواخر عهده، بغرض احتوائه، فأقنعوه بتطبيق الشريعة، لكنهم لم يفلحوا في تغيير طبيعته التسلطية وفي اجتثاث مظالمه السياسية والاقتصادية. وظل وضع الاستبداد على ما هو عليه إلى أن قام اللواء عبد الرحمان سوار الذهب سنة 1986 بذلك الانقلاب الموفق، الذي حظي بمباركة كل القوى والأحزاب السياسية، خصوصا بعد أن وعد بتنظيم انتخابات حرة، وبالتنحي عن السلطة لفائدة نظام مدني ممثل، في ظرف ستة أشهر. وذلك ما قد تم بالفعل للمرة الفريدة في تاريخ العرب المعاصر.

وقد نشأ عن تلك الانتخابات نظام ديمقراطي تعددي جديد بشّر بكل خير، وجعل حل مشكلة الجنوب ضمن أوكد أولوياته. لكن معالجته لتلك المشكلة عمليا لم تحظ برضا كل الأطراف: فقد تعجّل الرئيسُ السوداني في تلك الفترة أحمد عثمان ميرغني توقيع اتفاق سلام مع الجنوبيين، على إثر مفاوضات أجراها وإياهم خارج حدود البلاد. لكن كثيرا من السودانيين اعتبروا وقتها أن ذلك الاتفاق لم يكن ليخدم مصلحة غالبية الشعب. وانهال على الميرغني بسببه، من داخل المؤسسة العسكرية ومن خارجها، سيل من التهم بضعف الأداء، وبالتفريط في الحقوق الوطنية. وقد استغل الفريق عمر حسن البشير تلك الظروف، فلم يتخلف في أوائل التسعينات عن تحريك الجيش للمسك بزمام الحكم، ووضع حد لتلك التجربة الديمقراطية الفتيّة، باِسم الإنقاذ.

وسواء أتحرك البشير بدوافع وطنية تلقائية، أو كان مدفوعا إلى ذلك من قِبل الإسلاميين الذين لم يكن لهم حضور في الرئاسة، ولم تكن لهم الكلمة العليا في حكومة صادق المهدي، رغم مشاركتهم فيها، فقد ظلت كل أطراف المعارضة السودانية، لعدة سنوات، تتهم “نظام الإنقاذ” الجديد بأنه صنيع “الجبهة القومية الإسلامية”، التي كان يرأسها الدكتور حسن الترابي في ذلك الوقت. كيف لا، وقد تقلد الترابي وأعضاء جبهته، في أول عهد هذا النظام، أسمى الوظائف في الدولة، بينما كان نصيب طرفي المعادلة السياسية الآخرين، أعني: أحمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، وصادق المهدي زعيم حزب الأمة، أن تحولا إلى المعارضة وحياة المنفى.

لا يختلف اثنان في أنه في ظل الطبيعة الطّرُقية الصوفية، التي ميزت بنية هذين الحزبين – ولم تزل – وفي ظل التركيبة القبلية العامة للمجتمع السوداني، وفي ظل ضمور الوعي الديمقراطي داخل الأوساط الشعبية، كان الولاء – وليس الكفاءة – هو المقياس الغالب في اختيار رجال الحكم إذاك بواسطة الانتخاب الحر. لكن ذلك، في المقابل، لا يعطي المبرر لمن ينتمون إلى حزب قائم على أسس عصرية متطورة، كما هو شأن حزب الدكتور الترابي في صورة الحال، لأن يؤجلوا الديمقراطية، أو يلغوا استحقاقاتها، بدعوى عدم تهيؤ الشعب لها، أو بسبب مظنة استغلالها من قبل قوى المجتمع التقليدية. كما أنه ليس لهؤلاء أي عذر، من باب أولى، لأن يساندوا حكم العسكر بذريعة أنه هو الأكفأ على حل مشاكل البلاد، وصيانة وحدتها، ومواجهة أعدائها.

إن هذا المنهج في التفكير والسلوك السياسي هو منهج وِصاية على الشعوب عادة ما تعتمده الأنظمة العسكرية والاستبدادية لتبرير تسلطها. لكن من المعروف لدى الجميع أنه نادرا ما خلا بلد عربي من ساسة ومثقفين شاطروا تلك الأنظمة تفكيرها، وسايروها عمليا في سلوكها. فكافأتهم على ذلك بمتاع من الدنيا قليل، وقلدتهم مناصب في الدولة أفرطوا في استغلالها لتكريس برامجهم الحزبية ومشاريعهم الإيديولوجية، ولمغالبة خصومهم السياسيين. وتلك سلوك معيب لأن من أقدموا عليه من الساسة والمثقفين قد فعلوا ذلك بطريقة انتهازية. ولا يخفى على أحد أنه قد كان لهم دور ضالع في إطالة عمر الاستبداد وتلميع صورته في الوطن العربي.

لكن لسائل أن يسأل: وما العيب في التحالف السياسي مع السلطة ما دام ذلك يسمح بتحقيق برنامج المتحالفين كليا أو جزئيا؟ والجواب على ذلك: أن الحديث لا يتعلق بالتحالف على أساس برنامج واضح مع نظام قد انبثق بطريقة شرعية. فتلك مشاركة ديمقراطية لا عيب فيها ولا مأخذ عليها بكل المقاييس. إنما التحالف المَعيب هو ذاك الذي يتم بطريقة انتهازية مع نظام يفتقر إلى أسس الشرعية ومواصفاتها، فيقبل المتحالفون معه، باسم المرونة التكتيكية، أن يتنازلوا عن الثوابت من أجل المواقع، وأن يضحّوا بالمبادئ في سبيل تحقيق أهداف مرحلية.

ولئن غلبت على أنصار هذا النوع من التحالف الانتهازي تاريخيا التوجهات القومية واليسارية في بلدان مثل مصر الناصرية سابقا وسورية البعثية في الزمن الراهن، فكان الإسلاميون من أبرز ضحاياهم، وغلبت عليهم التوجهات الليبرالية والليبرالية الجديدة في بلدان أخرى مثل العراق المحتل حاليا وبعض دول الخليج، فإن الذين مكّنوا للنظام السوداني الحالي بتحالفهم معه طيلة سنوات، هم من ذوي التوجه الإسلامي الصريح. وفي هذا دليل واضح على أن الوعي السياسي العربي المعاصر، بكل روافده الفكرية والإيديولوجية دون استثناء، ظل يعاني من قصور فادح وهشاشة في الرؤيا الديمقراطية، إضافة إلى فقر في مجال التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى. وذلك نظرا إلى أن هذا الوعي بقي، رغم كل شيء، سليل عقل سلطوي موروث: فهو رغم تشكله زمنيا في الحقبة المعاصرة، نراه في المقابل قد أخفق في التحرر من مكبلات الاستبداد، الذي ألقى بكلكله على الأمة طيلة قرون خلت، أي منذ ظهور الدولة الأموية تحديدا. وقد أسهمت في ذلك الإخفاق عوامل ثقافية واجتماعية وسياسية أهمها:

1-  انتشار ظاهرة الأمّيّة داخل المجتمعات العربية.

2-  ضآلة الجهد الإبداعي وانحسار النزعة الاجتهادية لدى العلماء والمفكرين بوجه عام.

3- أهمية البواعث الطائفية والعشائرية والعرقية في نسج العلاقات وتنظيم الولاءات وصياغة وعي الأفراد والجماعات.

4- شيوع خطاب سياسي يرفع مفاهيم: “الزعيم الملهم” و”الملك المفدى” و”السمع والطاعة” و”الولاء للحزب” إلى مقام المقدسات، ولا يحرص في المقابل على إشاعة مفاهيم المواطنة والدولة والقانون بالمعنى الحديث، وإشاعة مفاهيم الأمّة والشورى وأصول الحكم الرشيد التي جاء بها الإسلام.

لقد بقي العقل السياسي العربي المعاصر، تحت وطأة تركة الاستبداد، ينظر إلى السياسة في ضوء العلاقة العمودية بين الحاكم والمحكوم، بين الراعي والرعية؛ لا في ضوء جملة العلاقات الاجتماعية المتشابكة والمتوقفة على شروط اقتصادية وثقافية داخلية وخارجية، لا انفكاك منها ولا غنى عنها. فاتجهت عموم الأحزاب والفعاليات السياسية العربية نتيجة لذلك إلى القفز عمليا على تلك الشروط اللازمة وإلى تجاهلها بشكل فادح. فهي مثلا لم تول البحث الفكري والاستراتيجي المعمق ما يستحق من العناية، ولم تعمل إلا نادرا على تغيير عقليات الأفراد وتطوير بنيات المجتمع بشكل تدريجي وراسخ بما يكفل بناء فضاء مدني لا يتزعزع بمرور الزمن. فآل بها الأمر إلى أن اختصرت غاية العمل السياسي في مجرد الوصول إلى السلطة والبقاء فيها أطول أمد متاح. لكنها ما أفلحت دوما في ذلك. وإن صادفها الفلاح مراتٍ هنا وهناك، فما نجحت في توطين الحريات العامة وفي ترسيخ مبادئ الحق وإقامة دولة القانون، بَلهَ تحصين مجتمعاتها مدنيا وسياسيا من شر النكوص على الأعقاب والوقوع في درَك الاستبداد والقهر.

 خطيئة الإسلاميين وحتمية النقد الذاتي

إن المتأمل في المآل الذي انتهت إليه تجربة تحالف حزب الدكتور حسن الترابي مع نظام الرئيس عمر البشير يدرك أن الإيمان بمبادئ الحكم الرشيد، وموالاة نظام سياسي لم يصل إلى الحكم بطريقة انتخابية، هما ضدان لا يلتقيان. وأن الجمع بينهما من شأنه أن يخل بمصداقية مقترفه. ففي اللحظة التي تقدِم فيها جماعة ما على موالاة نظام هذا شأنه، لا بل في اللحظة التي تهادنه فيها، تكون تلك الجماعة قد تخلت آليا عما آمنت به من مبادئ الحكم الصالح، وأعانت ذلك النظام بالتالي على توطين الاستبداد والفتك بجميع المخالفين، بمن فيهم أولئك الموالين أنفسهم، في حال كانت موالاتهم غير مطلقة، أو شابها شيء من النقد، أو أقدموا على مبادرات لم يرجعوا فيها إلى “القيادة العليا”: ألم تكن مبادرة جماعة الترابي بمحاورة الحركة الشعبية لتحرير السودان، ومحاولة التوصل وإياها إلى صيغة سلام عادلة ومشرّفة، هي فعلا القطرة التي أفاضت كأس صبر النظام السوداني على تلك الجماعة؟ فبعد أن كان أعضاؤها في مواقع الحلفاء والموالين، تحوّلوا بين عشية وضحاها إلى ضحايا للتهم والملاحقات، وفتِحت أمامهم أبواب السجون والمعتقلات، وافتكّ منهم النظام زمام المبادرة والفعل

ولعل الإسلاميين في حزب المؤتمر الشعبي السوداني قد أدركوا، بعد تقويم حصيلة تجربتهم التحالفية، أن للحكم العسكري منطقه الخاص الذي لا ينفع معه حسن النوايا ولا تجدي معه المناورات.. فهو، بحكم طبيعته السلطوية، لا يحتمل تعدد مراكز القيادة والقرار، ولا يبيح أن يكون صوتٌ أعلى من صوته أو مبادرة فوق مبادرته.. إنه يأمر الكافة ولا يتلقى الأوامر من أحد.. لأن علاقته ببلاده وبشعبه إنما هي، في مزاجه الخاص كما في واقع الأمر، علاقة تملكٍ كرهي لا علاقة تعاقد طوعي. وتلك قاعدة ثابتة ما كان ينبغي الغفلة عنها أبدا. أمّا وقد وقعت الغفلة وتم جلب العسكر إلى السلطة في السودان أو التحالف معهم بعد مجيئهم، فمن التهوين المخل أن يُعدّ ذلك التحالف، بعد تبين فساده، مجرد خطأ عارض في التقدير. بل هو في حقيقة أمره تنكّب خطير عن المبادئ، التي تضمنتها أدبيات الإسلاميين وبرامجهم. وفي ميزان السياسة والأخلاق، يُعد هذا النوع من التنكب خطيئة تستوجب التدارك والإصلاح. وإلا تحولت إلى سُنة سيئة يقتدي بها آخرون فتغدو، لا سمح الله، ظاهرة لصيقة بعموم الإسلاميين.

ونحسب أن الحركة الإسلامية في السودان لا ترضى لنفسها أن تتحمّل ما قد يترتب عن ذلك من أوزار ثقيلة، ومن مسؤولية تاريخية جسيمة. وأنها لن تتأخر بالتالي في القيام بما يجب من نقد ذاتي تتدارك به ما فات، وتقطع به الطريق على أولئك الذين يحاولون ظلما ربط صورة الإسلاميين المعاصرين بمنهج التغيير العنيف وبنمط الحكم القهري؛ في وقت يشهد العالم انخراط القطاع الأوسع من الحركة الإسلامية المعاصرة في العمل الديموقراطي، وارتباط صورتها بالنضال من أجل الحريات العامة وحقوق الإنسان.

وعلى صعيد آخر، فقد استقبِلت القطيعة المتأخرة بين الإسلاميين ونظام الحكم السوداني بكل ترحاب من قبل القوى الدولية، التي كانت دائما تشترط على الحكومات السودانية المتعاقبة، منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، زمن حكم النميري، إخراج الإسلاميين من الحكم كشرط لازم لرضاها و”تكرّمها” بتقديم المساعدات للبلاد. فازدادت تلك القوى، بعد تحقق مبتغاها، استفرادا بالنظام السوداني، المتخلى عنه أصلا من قبل العرب، وأقحمته في مفاوضات تمت برعايتها مع ذات الطرف الجنوبي، الذي تخاصم بسببه مع حلفاء الأمس. فكانت النتيجة أن تم إبرام اتفاق سلامٍ عام 2005، اعتبرته جماعة الترابي ذاتها وبقية أطراف المعارضة وكثير من الملاحظين مخلا بسيادة السودان، ومنطويا على محاذير تقسيمٍٍ للبلاد. مما يُقهم منه أن مبادرة التفاوض التي جوزيَ عليها الإسلاميون “جزاءَ سنمّار”، كانت تروم تحقيق أهداف أفضل مما حققته الحكومة بعد أن استأثرت بزمام المبادرة.

ثم ما لبث أن حمي وطيس التمرد في دار فور، محفوزا بطمع أطرافه في الحصول على ذات حصص الجنوبيين من السلطة والثروة. وأمام عدم توصل المفاوضات بشأن هذه الأزمة إلى حل نهائي، ربما بسبب عدم استعداد الحكومة السودانية، غير المفهوم، تعميمَ صيغة الاتفاق مع الجنوب على بقية الأقاليم، نجحت القوى الدولية في استصدار قرار أممي توافقي (رقم1591) يقضي بإحلال قوّات حفظ سلام تابعة للاتحاد الإفريقي في دار فور. لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم تقنع بذلك. فراحت تعمل بكل الوسائل على استصدار قرار أممي جديد ينقل الإشراف على هذه القوات الإفريقية إلى الأمم المتحدة، ويسمح بتشريك قوات الحلف الأطلسي فيها، وذلك سعيا منها ليس إلى جعل التدويل أمرا واقعا فحسب، بل إلى إيجاد منفذ يبيح لها التدخل العسكري المباشر في البلاد.

وإذا كان هذا المسعى الأمريكي السافر قد أثار حفيظة القيادة السودانية، وجعلها تهدد حتى بإعلان الجهاد في حال صدور قرار يبيح إرسال قوات حفظ سلام دولية إلى دار فور، فهل يُعدّ ذلك التهديد كافيا للتصدي لمحاذير التدويل ولمضاعفاته، مع بقاء الجبهة الداخلية في السودان على ما هي عليه من التصدع؟

آفاقٌ للحل

 لقد أعرب أكثر من طرف داخلي معارض في السودان عن شكوكه في مدى جدية موقف الممانعة الأخير للقيادة السودانية، على اعتبار أن التدويل في نظرهم هو أمر واقع بالفعل، وإنْ كان ذلك بشكل محدود: ففي دار فور توجد، منذ مدة، آليات عسكرية، برية وجوية، أوروبية وكندية، يسيّرها ويشرف عليها خبراء وعسكريون ينتمون إلى تلك البلدان الأجنبية. وقد رأت المعارضة أن ذلك الحضور الأجنبي وما قد يليه من نشر قوات أممية أخرى لحفظ السلام في المنطقة، هو نتيجة طبيعية لعجز حكومة البلاد عن حل الأزمة، وحماية مواطنيها في دار فور، وانخراطها في مسار تفاوضي مفروض عليها من الخارج. وهو ذات المسار الذي سلكته من قبلُ لمعالجة أزمة الجنوب، والذي أفضى فيما أفضى إلى تشريك الجنوبيين في مؤسسة الرئاسة بنائب رئيس أضيف إلى النائب الأول.

وفي ضوء ذلك، فقد ذهب كثير من المعارضين إلى اعتبار أن حكومة الخرطوم قادرة على حل أزمة دارفور، لا بل حل أزمات كل الأقاليم تفاوضيا، والدخول في مرحلة سلام شامل، وذلك باستصحاب صيغة الحل التي تم التوصل إليها مع الجنوبيين، والموافقة بالتالي على توسيع مؤسسة الرئاسة لتضم ثلاثة نواب رئيس آخرين يمثلون كلاّ من دارفور وكردوفان والزنوج. فيصير عدد النواب خمسة، توكل إليهم مهمة التوافق على صيغة عادلة لتوزيع السلطات والصلاحيات والثروات بين كل مكونات الشعب السوداني بمنأى عن كل التدخلات الأجنبية.

وبصرف النظر عما يمكن أن تكون انتقادات المعارضة السودانية قد تضمنته من مزايدات، وبدون الدخول في مناقشة تفاصيل ما قدمته من حلول ومقترحات لم يكن الوقوف عندها من أغراض هذا التحليل، لا يملك المرء إلا أن يأسف لرؤية الحكومة السودانية تضرب صفحا عن آراء مواطنيها في شأن وطني بالغ الأهمية، بينما نراها تجلس حول موائد المفاوضات لمناقشة ذات الشأن مع ممثلي المتمردين، بمشاركة أجانب، ليس لهم في الأصل علاقة مباشرة بالموضوع، وليس لهم من همّ سوى ممارسة الضغوط على الحكومة وإصدار التعليمات الخادمة لأجنداتهم المشبوهة في المقام الأول. ومهما يكن من أمر، فإن ذلك من شأنه أن يحفز كل عربي وكل مسلم، لا بل كل حر غيور في العالم، على أن يقوم بواجب لفت الانتباه إلى جملة من الحقائق الأساسية، التي قد تساعد في تحديد المعالم الكبرى لحل منشود في السودان.

وفي هذا السياق، لا بد من القول إنه إذا كان مما لا جدال فيه أن النظام السوداني هو أدرى بشؤون بلاده وبكيفية مقاومة مخططات الهيمنة والاستعمار الأجنبي، فإن ذلك لا يُعفيه ولا يعفي رئيسَه تحديدا من واجب توفير شروط نجاح تلك المقاومة. ولعل من أوكد تلك الشروط: حشدَ جميع القوى والأحزاب والفعاليات الوطنية حول أهداف إستراتيجية واحدة تتعلق بحفظ وحدة السودان وصون سيادته وضمان منعته وكرامته. ونحسب أن ذلك لن يتأتى إلا بالمسارعة إلى تكوين حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها كل الأحزاب المؤمنة بالعمل السياسي السلمي، وتجعل على رأس سلّم أولوياتها هدفين استراتيجيين اثنين، متساويين في الأهمية ومتزامنين في التنفيذ، وهما:

1-  التصدي للتهديدات الأجنبية الراهنة على أرضية برنامج وطني مشترك.

2-  التهيئة في ذات الوقت لتنظيم انتخابات حرة وعامة تضع حدا لطابع النظام العسكري، وتفتح الباب أمام عهد جديد يكتسب فيه نظام الحكم شرعية انتخابية جديدة، فيكون أقوى مما هو عليه الآن، وأقدرَ على الذود عن استقلال بلاده، والنهوض بحياة شعبه، في كنف السلم والاستقرار ودولة القانون.

وظننا بالنخب السياسية السودانية أنها على ذلك قديرة. فإن لديها من بُعد النظر ومن المرونة الفكرية ومن الاستعداد للنقد الذاتي، ومن الرصيد النضالي الطويل في مقارعة الاستعمار فالاستبداد، ما يؤهلها لأن تقدّم نموذجا عربيا وإفريقيا لتلازُم مساري التحرر الوطني والإصلاح. فيكون لها بذلك قصب السبق في تسفيه ذلك المنطق الأعوج، الذي طالما أشاع أصحابه كذبا أن في احترام إرادة الشعب وكفالة الحريات العامة والتداول السلمي على السلطة إضعافا للدولة وتمييعا للشعب وتفريطا في أسباب النصر على الأعداء!

ولنا أن نتساءل استنكارا: ألم تكن أقسى هزائمنا ونكباتنا، نحن العرب في القرن العشرين، ناجمة عن تأجيل الديمقراطية بدعوى أنْ “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”؟ فما ربحنا المعركة، وما أبقينا للأحرار أصواتا تهدينا السبيل.

كاتب وباحث تونسي(*)
 
(المصدر: مجلة “أقلام أون لاين” الألكترونية، العدد السابع عشر، السنة الخامسة / أفريل – ماي 2006)

 

حينما تكون سائحا في السجون المصرية…

خميس الخياطي (*)

 

لا شك أن القراء العرب المتواجدين في أرجاء الوطن العربي يعرفون جيد المعرفة مكانة الواحد منهم كفرد مستقل بهويته وأحلامه، ليس فقط في مرجعياتنا الحضارية العربية ـ الإسلامية، بل كذلك في سياسات دولنا وأنظمتنا المحترمة الحاضرة الآن وهنا من المحيط إلي الخليج. هذه الأنظمة بتعلة لم تعد تقنع إلا الممسكين بأمور المصالح المنتفعين منها عاجلا وليس آجلا، تدفع بما تسميه بـ المصلحة الجماعية قبل المصلحة الفردية وكأن الجماعة العربية إستثنائية وخاصة وتختلف عن الجماعات الأخري وبالتالي ليست مكونة من آمال وآحلام فسيفسائية. ألهذا السبب يرجع فقر التاريخ العربي المعاصر في خانة الثورات ضد حكامهم من بني جلدتهم؟ ورغم هذا الفقر المفترض، تعج السجون العربية بالمساجين السياسيين، مساجين الرأي من هؤلاء الذين قالوا لا . وكلنا يعرف مساوئ الفكر الحر والراي الرافض لما أصبح من المسلمات في بلدان تربت أجيالها علي الفكر الواحد وألفت الرأي الواحد حتي أن إنتخاباتنا الديمقراطية تعطي عادة 85 في المئة وما فوق، نسبة تجعل التحويرات الدستورية أمرا معتادا لأستمرار النعمة… والغريب في الأمر أن الحكام العرب وأزلامهم من أفراد وجمعيات أهلية مدجنة وبوقاحة غير معهودة وصلافة غير مشهودة ينفون وجود أي سجين سياسي كما أن بإمكانهم أن ينفوا دوران الأرض حول نفسها…

 

4500 بدلا عن 26 ألفا

 

أتحفتنا القناة الأولي المصرية مساء الإثنين الماضي بحلقة جديدة من برنامج إتكلم الذي تعده وتقدمه لميس الحديدي ويخرجه محمد عاطف واستضافت فيه اللواء محمود وجدي مساعد وزير الداخلية المصري المكلف بقطاع مصلحة السجون… وحينما يأتي لواء مسؤول عن السجون ليعترف كنت ضابط مباحث طول عمري ، ماذا ننتظر منه أن يقول؟ ذلك أن اساس المحاورة، رغم ذكاء الصحافية وصلابة تدخلاتها وحرية دفاعها، أساس نخره الشك لطول كذب السلط الحاكمة. في ديكور بسيط ومهذب، كان اللواء يلبس بذلة زرقاء وقميصا أبيض ورابطة عنق رزقاء ـ بيضاء، ولأنها ألوان لا نشاز فيها ولا حيوية، فهي معبرة عن مصدر سلطوي. حركاته محكمة، مدروسة ولا تخرج أبدا عن إطار الصورة. وجهه وجه طفل مدلل يشع صحة وسعادة ولا تخونه إلا الحواجب التي تتقوس حينما يسمع السيد اللواء شيئا مما لا يريد سماعه في حين نظراته كستار سميك لا يترك مسلكا لأي بصيص إنسانية.

التقاطع الأول كان حول عدد المساجين في السجون المصرية، إعتمادا علي تقارير الجمعيات المدنية لحقوق الإنسان قالت الحديدي ان هناك ما يفوق الـ26 ألف سجين وسجينة في مصر. أجاب اللواء مصطنعا الدهشة أن الرقم غير معقول وأنه متعجب من كل واحد ماسك قلم ويكتب ويهاجم السجون… يجب أن يجيء ويتفقد السجون . وإن حدد رئيس الوزراء المساجين بثلاثة آلاف، فإن اللواء ضرب عرض الحائط بتقارير جمعيات حقوق الإنسان مع أنه يهمنا وجود حقوق الإنسان ونتعامل معهم ويتعاملون معنا قائلا انه يقدر المساجين بأربعة آلاف وخمسمئة سجين… وإن تقاسمنا مع الصحافية تعجبها الصامت أمام دقة الرقم الذي قدمه اللواء من جهة وقلة مصداقيته من جهة أخري لأنه لا يمثل إلا 0.006 في المئة من مجمل الشعب المصري، فاننا نتعجب أكثر من الفارق الكبير بين ما قدمه رئيس الوزراء وهو المسؤول الثاني في الحكومة المصرية وما يقدمه اللواء وهو المساعد لوزير الداخلية وليس حتي وزير داخلية… لو تمثل الفارق في خمسين أو مئة سجين لقلنا لعلهم لم يصلوا بعد السجن حين تكلم رئيس الوزراء. أما والفارق يطال ألفا وخمسمئة مصري ومصرية، فإن في القضية ضحكا علي الذقون واستبلاها للمصريين… ينطبق الأمر كذلك علي الفجوة القائمة بين ما رصدته جمعيات حقوق الإنسان والذي يعادل ستة أضعاف ما قدمه السيد اللواء. أهكذا تود الحكومة المباركية إقناعنا بأنها سليلة أول حضارة عرفت أهمية التدوين؟ وبما أن برنامج إتكلم يبث من قناة حكومية، فإن للديمقراطية حدودا. وبالتالي، لم تصر الصحافية في معارضة ضيفها، والمصري يلقطها وهي طايرة … وحتي يدعم حصيلة شغله، قال ان قانون الطوارئ لم يسبب أي إرتفاع في عدد المساجين وأن المعتقلين يقلون كل يوم ولم يجرؤ علي القول بأن مصر ستصل في يوم قريب جدا إلي مكانة أول بلد بدون مساجين. لقد صرح في نهاية البرنامج: أنا مرتاح… نراعي ربنا وضمائرنا ونحن نسميهم نزلاء ومافيش تمييز في السجون بين المساجين …

 

سجون فايف ستارز

 

ومن تقييم عدد المساجين، إنتقل الأمر إلي تكدسهم . قال اللواء ان الأمر كان كذلك منذ سنتين وأن اطلاق السراح الشرطي خفف بين 60 و70 في المئة من الإزدحام. وحينما سألت لميس الحديدي عن مدي الإعتناء بالمساجين واحترام إنسانيتهم لم يتورع السيد اللواء من أن يفصل بين السجناء و النزلاء قائلا السجين ليس سجينا، بل هو نزيل وهو تعبير مهذب وذهب كذلك إلي الفصل بين السجن و المعتقل مستنجدا بفهلوة اللغة العربية. وبدأ سيادته في ذكر مزايا السجون المصرية، مزايا نسوقها للقارئ شيلة بيلة . لكل سجين غرفة لوحده وبها سرير وتواليت وتلفزيون. المساجين هي اللي تطبخ بمقابل مادي من الإدارة. هناك ورشات إنتاجية. يأكلون الخضراوات والفيتامينات ويأكلون لحمة… عندها، تبث الأولي المصرية صورا عن مساجين وسجينات في عيادات طبية وهن لابسات أبيض زي الفل ولابسين أزرق زي الفل كما تقول الصحافية التي تعلق: ده أحسن من العيشة العادية . يجيبها السيد اللواء: فعلا. الدولة المصرية تصرف علي أكلهم ما يعادل 120 مليون جنيه سنويا . وحينما تستفسره الصحافية عن أسماء السجون مثل سجن العقرب او سجن بطن الحوت ، يجيبها أنها مسميات من طرف المساجين وأن لا وجود لها علي الصيغة التي ذكرت حتي أن كمال أبو المجد بحث عن سجن العقرب ولم يجده بل زار سجنا شبيها في 17 كانون الثاني (يناير) 2006. وقال اللواء أن سجن وادي النطرون سجن متميز لانه قريب من سكن المساجين. قال ان سجن الوادي الجديد هو سجن موديل، به السياسي والجنائي (!!!) وقال وقال وقال حتي يخيل للمشاهد بأن اللواء السيد محمود وجدي مساعد وزير الداخلية المسؤول عن قطاع مصلحة السجون هو في الحقيقة مساعد لوزير السياحة ومسؤول عن قطاع الفنادق من درجة خمسة نجوم… فنادق مخصصة لمعارضي الرأي. لقد إرتفعت منزلة أصحاب الرأي عندنا…

 

لا تمييز في السجون!

 

وتذهب لميس الحديدي إلي أقصي درجة. تسأله عن شهادة النائب في البرلمان السيد أكرم الشاعر من أن هناك من المساجين من توفي بمرض الإيدز (فقدان المناعة). ينكر اللواء ذلك جملة وتفصيلا قائلا أن هناك برنامجا مع وزارة الصحة ومنفذا منذ العام 2000، يفحص 6000 سجين (أليسوا 4500) ولا توجد إلا حالتان في وادي النطرون. وقد تقابل معهما الدكتور إيهاب وفحصهما في المعامل المركزية وكانت النتيجة سلبية. ويضيف أما بخصوص من ذكره النائب، فلم تأت بخصوصه نتائج من وزارة الصحة حتي الآن وأنه موش عارف بيثير هذا الموضوع ليه؟ وها النائب أكرم الشاعر يتدخل في البرنامج ليقول أن المريض توفي في 18/01/2006 من الإيدز وبشهادة من الدكتور شتيوي وأخشي أن تخفي الحقائق لأننا منعنا من زيارة سجن عنبر ثلاثة وإلا كيف توفي السجين أكرم زهيري؟ كذلك لو كانت موازنة الأكل كما ذكر اللواء، ذلك يعني أن هناك خمسين ألف سجين يأكل كل واحد منهم بمئتين من الجنيهات شهريا. فما كان من اللواء إلا أن يتهمه بالإساءة لأهل بور سعيد ولأطباء بور سعيد وأن ما يقوله ليس له اساس اي من الصحة و الجماعة المحظورة هي نوعيات معينة وكل شيء إفتراءات وكذب عن الدولة ووزارة الداخلية . (نقطة علي السطر).

تسأله الصحافية عن ايمن نور (من حزب الغد) وكيف منع من الكتابة من داخل السجن حينما مس الرئيس مبارك وبعض المسؤولين في حكومته. يجيب اللواء ما نقدرش نميز مسجون عن مسجون والرق معاه والقلم معاه والكتابة معاه. إلا أن القانون يمنع الكتابة من داخل السجن ويتدخل عبر الهاتف نائب رئيس تحرير الأهرام أحمد موسي لينجده قائلا ان جماعة الإخوان تطلب دائما ميزات خاصة بها وأنه لم توجد أوامر سياسية لمنع أيمن نور من الكتابة… وتتالت الأسئلة من بعض المواطنين والمواطنات. من زينب (القاهرة) التي ضرب إبناها علقة بوادي النطرون . أحمد (القاهرة) والرشاوي لأمناء الشرطة المختصين بالزيارة. دعاء (القاهرة) عن أخيها المسجون بوادي النطرون منذ خمس سنوات. مرسي (كفر الزيات) والرد علي فهمي هويدي وهجمة حقوق الإنسان الشرسة علي السجون، إلخ… كان رد اللواء مثاليا: تعالوا بكرة لمكتبي وقدموا عريضة شكوي. الله، الله، الله…

برامج من هذا الجنس الحواري الساخن والجريء، وإن يستشف جليا ما يراد من وجوده علي الشاشة الرسمية لأنه يمس جانبا ما من الفرجة التلفزية التي وإن عرت الحقائق فهي تشيئها، فإنه في النهاية يصالح مؤقتا المواطن المصري والعربي مع تلفزته ليس عن طريق الومضات الغنائية فقط بل كذلك عن تعرية الواقع ولو بالإيهام بأن السجون العربية تضاهي أرقي الفنادق العربية الموجهة للسياح العرب.

جملة مفيدة: حينما يمتلئ القلب سلاما، يرتكز الفكر أكثر . الراهب الصيني شاولين ، صاحب الـ كونغ فو . من قناة آرتي .

 

(*) ناقد وإعلامي من تونس

khemaiskhayati@yahoo.fr

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 أفريل 2006)

 


 

المراجعة الشجاعة

محمد كريشان

 

العملية الأخيرة في تل أبيب وبعد أكثر من أربعة أشهر عن آخر تفجير مماثل في نتانيا قد يعيد النقاش من جديد حول هذا النوع من العمليات الذي يصفه البعض تمجيدا بالاستشهادية والبعض الآخر انتقادا بالانتحارية مع إضافة صفة الإرهاب عليها دائما من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا وغيرهم بالتأكيد.

 

سئل مرة الشاعر الكبير محمود درويش عن هذه العمليات فقال ما معناه إنه لا يعطي لنفسه السلطة الأخلاقية ليقول لمن قرر أن يفدي وطنه وقضيته بروحه كيف كان عليه أن يتصرف. مثل هذا الجواب رائع في إنسانيته ونزاهته بلا جدال ولكن يفترض فيه في المقابل أيضا ألا يصادر حق من يريد أن يبدي رأيا في هذا النوع تحديدا من العمل المسلح مع مراعاة ألا يقوده ذلك، بأي حال من الأحوال، إلي أي تسخيف أو إدانة مطلقة لا تحترم المدي الذي يمكن أن يصل إليه شعب يرزح تحت الاحتلال في التعبير عن مدي القهر والظلم الذي راكمه لعقود طويلة وعرضه في حليب أمه ويراه

رأي العين صباحا مساء .

 

المسألة، كما أراها، لا تتصل بمدي مبدئية أو مشروعية هذا النوع من العمليات مع أن البعض يطرحها أيضا من هذه الزاوية علي أساس أن القيام بها ينزع من الفلسطينيين التفوق الأخلاقي الذي يميزهم عن الإسرائيليين في هذا الصراع المرير، إنما تتصل بحسابات الربح والخسارة في سياق خيار المقاومة وليس في أي سياق غيره. الحسابات في أية مواجهة عسكرية أو شبه عسكرية ركن أساسي في تحديد الخيارات فبناء عليها يتم التخلي عن هذه الوسيلة أو تلك وتبني وسيلة مغايرة دون أن يعني ذلك التخلي بالضرورة إدانة لتلك الوسيلة بل هي تقديرات وتقويمات تقدم هذا وتؤخر ذاك أو حتي تلغيه لمجموعة أسباب محددة رجحت الحسم في هذا التوجه.

 

من هنا ومن هنا فقط فليقدم القائمون علي هذا النوع من العمليات، وليس أحدا غيرهم، بجردة حساب جريئة وصادقة مع أنفسهم ليقدروا في ضوء ما ترتب علي كل هذه العمليات طوال السنوات الماضية من نتائج ليس فقط علي الصعيد السياسي الدولي بل وبالأساس علي صعيد حياة وأمان ومعيشة الفلسطينيين أنفسهم، ففي منطق المواجهات مع أي عدو هناك كر وفر وتنويع في وسائل التصدي أو الهجوم وكل ذلك يتغير وفق تقويمات ونتائج عملية علي الأرض وليس تنظيرات معلقة في الهواء فقد تكون أي وسيلة هي من أروع ما يكون ولكن إذا كانت المحصلة كارثية فهل من الحصافة أن تتمسك بها وتعاند؟!!

 

كثيرون علي الساحة الدولية أبدوا تفهما بدرجة أو بأخري مع هذه العمليات وبعضهم هوجم بضراوة واضطر للتوضيح أو التراجع من أمثال زوجة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بل إن بعض من زار الضفة الغربية وغزة ورأي بنفسه سياسات الإذلال اليومية علي الحواجز والمداهمات وهدم البيوت يستغرب كيف لم يتحول كل الفلسطينيين إلي حملة أحزمة ناسفة يفجرون بها من شدة غيظهم وقهرهم أي مكان وهو ما حاول تصويره ببراعة مثلا فيلم الجنة الآن الذي حاربته إسرائيل والدوائر المؤيدة له علي أساس أنه يجمل قبح مثل هذه الأعمال ويختلق لها الأعذار.

الاعتبار الأخلاقي الذي تحدث عنه محمود درويش هو ذاته الذي يدفعنا للطلب ممن يقف وراء هذه العمليات، وليس من غيرهم، أن يراجعوا حساباتهم فمن قرر أن يفدي وطنه وشعبه بالروح، وهي أغلي ما نملك، لن يستكثر بالتأكيد علي شعبه وقفة قصيرة مع النفس يفكر فيها أين استفاد الفلسطينيون من هذه العمليات وأين زادت من محنتهم التي أراد الفدائي أن يضع لها حدا .

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 أفريل 2006)

 


 

إسقاط حكومة فلسطينية اختارها الشعب ليس سقوطاً

د. بشير موسي نافع (*)

 

انطلقت المحاولات المحلية والدولية لإسقاط الحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس حتي قبل ان يتسلم أعضاء الحكومة مهامهم. ولكن إجراءات الحصار والمقاطعة وتقويض السلطات تسارعت في شكل مفضوح خلال الأسابيع الأخيرة، وكأن الهدف ان لا تكمل الحكومة شهرين أو ثلاثة من التفويض الانتخابي والدستوري التي تتمتع به. في مناخ من الهجوم الديمقراطي الامريكي علي المنطقة، ثمة مسعي امريكي وأوروبي سافر لإطاحة حكومة تسلمت مقاليد الحكم في واحدة من أكثر العمليات الانتخابية شفافية. هذا المسعي يضع علي عاتق الحكومة الفلسطينية أعباء مضاعفة، ويفرض عليها اتباع نهجاً واضحاً وصلباً. ولكن حتي إن نجحت محاولات إسقاط الحكومة الفلسطينية، فلا يجب ان يصبح سقوطها مناسبة للتراجع وفقدان زمام المبادرة.

 

كانت الخطوة الأولي في محاولة إجهاض التفويض الانتخابي الذي حصلت عليه حماس رفض قيادات فتحاوية المشاركة في حكومة وحدة وطنية، بالرغم من ان هذه الحكومة كانت مطلباً شعبياً واضحاً، ومن ان ما بات يهدد الوضع الفلسطيني من الجانب الإسرائيلي يكاد يمثل نكبة جديدة بكل المقاييس. وقد جاء رفض فتح المشاركة في الحكومة مبرراً بخلافات جزئية حول البيان الحكومي، خلافات لا تقدم ولا تؤخر في عمل الحكومة ذاتها. وجاء هذا الرفض ليعكس أنانية بعض القيادات الفتحاوية، والشعور السائد في أوساطها بأن الشأن الفلسطيني هو حكر عليها، سواء أحسنت أو أساءت وأصلحت أو أفسدت. وما ان أوشكت الحكومة علي تسلم مهامها، حتي بدأت التعيينات السياسية في هيئات المجلس التشريعي، وتعيينات أخري علي مستوي وكيل وزارة في دوائر السلطة المختلفة.

 

وبالرغم من التصريحات التصالحية التي أطلقها الرئيس محمود عباس، فمن الصعب إعفاء الرئيس من المشاركة في مساعي إسقاط الحكومة الجديدة التي تخالفه وجهة النظر في مسار القضية الوطنية. إذ بغض النظر عن الجدل حول الصلاحيات الدستورية، لم تحمل القرارات الرئاسية المتعلقة بتعيين قائد لقوات الأمن ووضع المعابر الحدودية تحت إشراف مكتب الرئيس، والتي صدرت بدون أدني قدر من التشاور مع رئيس الوزراء، سوي عمل يقصد به إضعاف الحكومة ودفعها إلي زاوية التهميش أو الصدام. وتبدو جولات الرئيس الخارجية، المتلاحقة منذ تولت الحكومة أعمالها، وكأن الرئيس غير معني بما يتعرض له الفلسطينيون من تجويع. وفي موازاة هذا التوجه الرئاسي، يخوض وكلاء الوزارات الفتحاويون، صراعاً يومياً مع الوزراء الجدد، يستدعي في بعض حالاته المسلحون، بهدف شل عمل الحكومة ومنعها من تنفيذ برنامجها الإصلاحي.

 

في الوقت نفسه، تزداد الضغوط الخارجية علي الحكومة والشعب، وتحكم حالة من الحصار غير الأخلاقي ولا الإنساني. الإدارة الامريكية، التي لم تقم بإجراء واحد منذ ست سنوات لإحقاق الحق الفلسطيني، وتركت الرئيس عباس الذي طالما عملت لتوليه مقاليد الفلسطينيين في العراء، توقف كافة اتصالاتها بالحكومة الفلسطينية وتقطع كافة مساعداتها للسلطة. وبالرغم من ان الأوروبيين حاولوا في البداية الحفاظ علي مسافة فاصلة بينهم وبين السياسة الامريكية، فسرعان ما خضعوا هم أيضاً وأعلنوا اتباع سياسة متطابقة مع واشنطن. المأساة في الوضع الفلسطيني، سلطة وشعباً، ان أوسلو تركت الضفة والقطاع أسيرة تماماً للقرار الإسرائيلي، أمناً وأرضاً ومتطلبات معيشية. والمدهش ان الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، التي شكلتها وقادتها فتح، لم تبذل جهداً حقيقياً لفك الارتهان الفلسطيني للدولة العبرية أو لتحسين شروط الحياة اليومية للشعب. بل ان الحكومة السابقة تركت الخزينة الفلسطينية مدينة بعشرات الملايين من الدولارات، والسلطة بلا ميزانية تسير أمورها. وبالتطابق الواقع بين الإسرائيليين والامريكيين والأوروبيين لا تعجز الحكومة عن دفع رواتب موظفي السلطة وحسب، بل ان أهالي الضفة والقطاع يمكن أن يتعرضوا للتجويع فعلاً. هذا فيما تدك المدفعية والطائرات الإسرائيلية قطاع غزة بمئات القذائف يومياً، في محاولة لإظهار حكومة الفصيل الفلسطيني المقاوم غير قادرة علي الدفاع عن شعبها أو الرد علي الاعتداء.

 

بيد ان الحكومة الفلسطينية لا يمكن إسقاطها حتي بهذا المثلث من الحصار والتهديد؛ فبدون تواطؤ عربي يظل مشروع إطاحة الحكومة صعباً إلي حد كبير. والحقيقة أن ليس من مشروع تدخل أجنبي في شؤون المنطقة، عسكرياً كان أو سياسياً، أمكن إنجازه بدون تعاون عربي فعال، من حرب الخليج الأولي إلي غزو العراق واحتلاله إلي حصار الرئيس عرفات ثم اغتياله. وقد كان قرار القمة العربية بتقديم مساعدة شهرية للسلطة الفلسطينية لا تتعدي الخمسين مليون دولار، مؤشراً كافياً علي ضعف العزيمة العربية في هذا المجال، بالرغم من أن مداخيل عدد كبير من الدول العربية قد تضاعفت خلال العام الماضي بفعل الارتفاع الكبير في أسعار النفط. ولكن الأسوأ أنه حتي هذا المستوي من العون لا يتوقع وصوله للفلسطينيين قريباً؛ أو ان وصوله سيتأخر زمناً طويلاً، ربما حتي يتم إسقاط الحكومة. ليس ثمة دولة عربية رئيسة دعت رئيس الوزراء الفلسطيني أو وزير خارجيته لزيارتها؛ وبخلاف الأمين العام للجامعة العربية، ليس ثمة مسؤول عربي رسمي واحد تحرك في عمل فعلي لتخفيف عبء المقاطعة والحصار والتهديد الذي يتعرض له الفلسطينيون وحكومتهم. إن استمر الموقف العربي علي ما هو عليه، فلن يحتاج أحد إعلان نوايا من الدول العربية تجاه الحكومة الفلسطينية.

 

حصار ومقاطعة خارجية وتهميش داخلي وتواطؤ عربي: هذه هي المعادلة التي يراد للحكومة الفلسطينية مواجهتها، بحيث تتحول إلي حكومة بلا فعالية وبأقل قدر ممكن من السلطات، تحمل في الوقت نفسه مسؤولية التدهور المتزايد في الأوضاع الحياتية والمعيشية والأمنية. ولكن هذا المصير ليس حتمياً. ولمواجهة هذا الوضع الثقيل، علي الحكومة الفلسطينية أن ترد بعدد من المواقف والسياسات الضرورية.

 

علي الحكومة الفلسطينية، أولاً، ومهما كانت التكاليف والنتائج ان لا تتراجع عن مواقفها المبدئية المتعلقة بالقضية الوطنية. إن كان ثمن البقاء في الحكم وكسر الحصار والمقاطعة هو ان تعود الحكومة الحالية إلي تبني السياسات التي تبنتها الحكومات السابقة، فمن الأفضل التخلي عن الحكم لصالح المفاوضين الأشاوس من الحكومات السابقة التي أوصلت القضية الوطنية إلي ما وصلت إليه. لقد اختار الفلسطينيون هذه الحكومة بناء علي برنامج وموقف معلن من مسائل الاعتراف والتفاوض والتسوية، واختارها من بين عدد من البرامج والسياسات وفي ضوء تجربة طويلة للعملية السياسية تمتد منذ منتصف التسعينات. ومهما كانت الصعوبات التي تمر بها الحكومة الحالية والمصير الذي ينتظرها، فأولويات الشعب الفلسطيني ما تزال تتعلق بالتحرر الوطني والتحرر من الاحتلال لا تلك المتعلقة بالرواتب والبطالة، مع أهمية هذه الأخيرة.

 

وعلي الحكومة الفلسطينية، ثانياً، ان تتحدث مع شعبها وان تتوجه إلي الشعوب العربية والإسلامية بصراحة وشفافية في كل ما يخص الوضع الفلسطيني الداخلي والموقف العربي والإسلامي من المسألة الفلسطينية. علي الفلسطينيين ان يعوا، بوضوح ومنهجية وليس بوسائل تسريب المعلومات للصحف ووسائل الإعلام، حجم الفساد والتخريب الذي مارسته الحكومات السابقة ومسؤولوها. ولا ينبغي ان يعتبر هذا إدانة لفتح بأي حال من الأحوال، (ففتح لا تزال قوة وطنية مقاومة) بل إدانة لفئة حاكمة تصرفت علي ان السلطة مزرعة خاصة وأبدية لها. ولأن هذه الحكومة هي حكومة تقودها حماس، ولحماس علاقات عربية وإسلامية شتي، فقد تجد الحكومة الفلسطينية حرجاً في كشف حقائق الموقف العربي والإسلامي من الوضع الفلسطيني. المسألة التي لا ينبغي نسيانها قط، والتي ينبغي ان تدركها الشعوب العربية والإسلامية كافة، ان الدول العربية والإسلامية قادرة علي تقديم الدعم اللازم للفلسطينيين وعلي كسر إجراءات المقاطعة والحصار الأورو ـ امريكية، وبتكلفة بسيطة نسبياً. إن سقطت هذه الحكومة وأجبر الفلسطينيون علي العودة الي الوضع السابق، من خراب داخلي وتعنت إسرائيلي وفشل تفاوضي، فستكون المسؤولية في أغلبها مسؤولية الدول العربية والإسلامية. وهذا ما ينبغي ان يقال بوضوح وبدون مواربة.

 

أما الموقف الأهم علي الإطلاق فيتعلق بحقيقة ما ينتظر الفلسطينيين في وطنهم جراء المخططات الإسرائيلية، وما ينبغي عليهم القيام به لمواجهة هذه المخططات. فقد أصبح واضحاً بعد فوز أولمرت وحلفائه في الانتخابات الإسرائيلية ان الحكومة القادمة للدولة العبرية ستنفذ مشروع الفصل الأحادي في الضفة الغربية. كما أصبح واضحاً ان هذا المشروع يتلقي دعماً امريكياً وبريطانياً، علي الأقل، وان الدول الأوروبية الرئيسية الأخري ستقف منه موقف اللامبالاة. سيؤدي هذا المشروع، كما لاحظ عدد من المراقبين العرب والإسرائيليين علي السواء، إلي تمزيق عري الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، إلي السيطرة الإسرائيلية الكاملة علي أجزاء واسعة من الضفة (بما في ذلك منطقة الأغوار) سواء بضم التجمعات الاستيطانية الكبري أو بما اقتطعه الجدار الفاصل، وإلي السيطرة الكاملة علي القدس. لمواجهة هذا المخطط ينبغي إعادة بناء التحرك الوطني الفلسطيني لخوض نضال طويل من أجل مستقبل الضفة والقدس، وهو نضال قد يمتد لسنوات طوال. وبالنظر إلي سياسات أبي مازن المعلنة، وإلي النهج الذي تبنته الحكومات الفلسطينية السابقة، فمن المشكوك فيه ان يكون الرئيس الفلسطيني ورجالات السلطة ومفاوضيها المعروفين مؤهلين للتعامل مع هذا التحدي الكبير الذي تواجهه القضية الوطنية. وهذا ما علي الحكومة الفلسطينية الحالية ان توضحه للشعب، داخل وخارج الوطن الفلسطيني.

 

علي الحكومة الفلسطينية ان تكشف للشعب الفلسطيني حجم المخاطر التي تحيق به، أن تحدد له أولويات المرحلة القادمة، وأن تؤكد عزمها قيادة النضال من أجل الضفة والقدس بكل الوسائل الملائمة ومهما كانت التكاليف. الفلسطينيون وحدهم من يقرر إن كان في المخزون الوطني في هذه المرحلة من عزيمة وصبر كافيين لمواجهة مخططات أولمرت وحكومته، ولتذكير العالم بأن الصراع علي فلسطين لن ينتهي بمكافأة المعتدي وتقويض وجود المعتدي عليه. عندها سيكون بقاء الحكومة وسقوطها سواء. فإن استطاعت الحكومة الاستمرار فستقود الشعب في نضاله من مقاعد الحكم والشارع، وإن لم تستطع فستقوده من الشارع وتجعل الحكومة القادمة رهينة للأكثرية البرلمانية.

 

(*) باحث عربي في التاريخ الحديث

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 20 أفريل 2006)

 


مؤتمر الدوحة للديموقراطية يتجاوز الخطوط الحمر … ويرسخ دور المرأة الخليجية

الدوحة – محمد المكي أحمد     

 

بعد ثلاثة أيام من النقاش الحر، بعيدا من الجلسات المغلقة التي لا تنسجم مع الشفافية المطلوبة في المؤتمرات التي تناقش هموم الديموقراطية في العالم العربي، حمل مفكرون ومثقفون وبرلمانيون وناشطون سياسيون ومهتمون بقضايا الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي حقائبهم وغادروا الدوحة بعدما شاركوا في «مؤتمر الدوحة السادس للديموقراطية والتنمية والتجارة الحرة»، وساهموا في اثراء حوار بين العرب والأميركيين والغربيين، وبينهم فرنسيون وبريطانيون. وبلغ عدد المشاركين نحو 600 شخصية (بينهم 100 بريطاني) من 74 بلدا.

 

جلسات المؤتمر كانت كثيفة ومتداخلة في مواعيدها، لدرجة تعذر معها على المراقب والمهتم متابعة موائدها المستديرة، التي تزامنت مواعيدها في شكل لافت. لكن المهم أن اطلالة البث التلفزيوني المباشر أتاحت للمواطن العربي، من المحيط الى الخليج، فرصة الاطلاع على نبض المؤتمر، من خلال مشاركين تحدثوا بصراحة عن «الاستبداد» العربي وقضايا الاصلاح و»شموع» في عالم الديموقراطية شهدتها الدول العربية كما قال الدكتور سعد الدين ابراهيم وهو يرصد بعض التطورات الايجابية في هذه الفترة. لكن هذه الشموع على قلتها واجهتها رؤى أخرى ترى وضعا ظلاميا في دنيا العرب كالتي طرحها الدكتور محمد غانم الرميحي الكاتب والأستاذ الجامعي الكويتي الذي قدم وصفة جديدة للحال العربية عندما قال إن «لدينا ديموقراطية فائض العولمة»،

 

ولخص رؤيته بأنها «ديموقراطية التعبير لا ديموقراطية التغيير» وهي «لحماية الأمن الغربي» الذي يتطلب «ديموقراطية فائض العولمة»، وطالب بمحاربة خمس خرافات في «مطالبتنا بالديموقراطية» بينها «أن الديموقراطية ستأتي بمتشددين، وأن ثقافتنا غير قابلة للديموقراطية ، وشعوبنا قاصرة تحتاج الى رعاية».

 

اليوم الأخير لمؤتمر الدوحة كان ساخنا ومهما، ففيه طرحت قضية «الاصلاح في العالم العربي»، وتعددت الرؤى، فشملت قضايا المراة وانتقادات لـ»الطرح الأميركي الذي يقدم نوعا معينا من الديموقراطية تتناسب مع المصالح الأميركية» وفقا للدكتورة ابتسام الكتبي أستاذة العلوم السياسية في جامعة الإمارات. وطرحت آراء عدة، شملت قضية انتهاك حقوق الانسان في العالم العربي والتحديات التي تواجه المرأة.

 

وعلى رغم أن جلسات المؤتمر ناقشت عناوين عدة تناولت قضايا «منظمات المجتمع المدني» و»قضايا الصحافة والاعلام» و»التنمية ومقتضيات الاصلاح» «وتعزيز الديموقراطية ومحاربة الارهاب» وغيرها من قضايا الساعة في عوالم الديموقراطية والتنمية والتجارة الحرة، الا أن احدى الاضافات المهمة التي قدمها مؤتمر الدوحة الى جانب اتاحته فرص النقاش الحر تمثلت في جلسة علنية كغيرها من الجلسات تحت عنوان «السلطة والمعارضة في العالم العربي». ففي هذه الجلسة شاركت شخصيات معارضة، بينها أحمد نجيب الشابي (محام تونسي) وحاتم عبدالقادر (من حركة «فتح») وناجي الغطريفي الأمين العام لـ»حزب الغد» المصري.

 

المتحدثون في هذه الجلسة الساخنة سخونة الطقس السياسي العربي وجهوا انتقادات شديدة للأوضاع العربية التي «لا تقوم شرعيتها على الشعب بل على القوة والأمن»، وانتقدت أنظمة الحكم التي تقوم على «الحكم الفردي»، وووجهت انتقادات لـ»ظاهرة الديكور الديموقراطي» في بعض الدول العربية، وأشير الى ما وصف بـ»أزمة الحركات الاسلامية في علاقتها مع الديموقراطية»، مع التنويه بـ» تطور ظاهرة الاسلام السياسي»، كما هي الحال في فلسطين (تجربة «حماس»)، واطلق تحذير من أن «الزيادة في أسعار النفط هي ضد الاصلاح لأنها تعني تمكين السلطة ضد المعارضة»، ووجهت انتقادات الى أميركا والغرب وقوانين هناك مقيدة للحريات، مع تنبيه الى أن «أجندة الغرب تستخدم الديموقراطية» لتحقيق مصالحها. ونالت أحزاب المعارضة العربية حظها من الانتقادات التي أشارت الى ضعف خبرتها، مع توقع «بزيادة قوة التيارات اليمينية التي تستخدم الدين أو تتقرب منه»، وأطلقت دعوة تركز على أنه «لا خيار أمام المعارضة سوى النضال السلمي البعيد المدى وعدم اللجوء الى العنف»، مع تأكيد على أن «لا تحول ديموقراطيا في العالم العربي الا بعد أن يتبنى الاسلاميون الديموقراطية». ووجهت رسالة الى أوروبا كي «تحترم قيمها الديموقراطية» بشأن موقفها من الفلسطينيين بعد فوز حركة المقاومة الاسلامية (حماس).

 

وبعدما طوى المؤتمرون أوراقهم ورحلوا بعد يوم استجمام في «منتجع سيلين» في منطقة «خور العديد» يوم الجمعة، حضره من يرغب وبضيافة قطرية، سجلت «الحياة» بضع ملاحظات، منها أن المؤتمر شهد منذ يومه الأولى طرح أفكار جريئة ومثيرة، وأنه لم يعرف الخطوط الحمر ولم يضع أمام المتحدثين شروطا تعيق التحليل الجاد وطرح القناعات السياسية والفكرية، وبدت سمات هذا المناخ في خطاب أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لدى افتتاحه المؤتمر، اذ ربط بين الأمن الأقليمي والتنمية والديموقراطية. ومن يقرأ هذا الخطاب بتمعن يجد أنه يتجاوز الخطاب الرسمي العربي بأشواط، فهو فضلا عن دعوته الى «اصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل في الدول النامية»، رأى أن «نجاح المشروع الديموقراطي أمر اساس لعلاج مظاهر الطغيان والفساد التي لا تزال تلتهم خيرات الشعوب وتحرمها من حقوقها وتدفع بعض أبنائها الى التطرف والاغتراب». وبالفعل تجاوزت هذه الرؤية الخطاب الحكومي العربي الذي لا يتحدث عن الطغيان والفساد بهذين الوضوح والشفافية.

 

كلام القطريين عن الديموقراطية والاصلاح اقترن بموقف أعلنه الأمير عندما شدد على أن قطر تساند الجهود المبذولة لمساعدة المنطقة على تطوير واصلاح شؤونها، ولفت الى بلاده تبرعت بعشرة ملايين دولار لدعم صندوق الديموقراطية التابع للأمم المتحدة، وأنها مستعدة لاستضافة مقر «مؤسسة المستقبل» المعنية بتشجيع الممارسة الديموقراطية وجهود الاصلاح في المنطقة.

 

وشكل حضور الشيخة موزة المسند زوجة أمير قطر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، بل دخولها القاعة مع الأمير لفتة تؤشر الى دعم الحكومة القطرية لدور المرأة في اطار العملية الاصلاحية الجارية منذ نحو عشر سنوات. وشكلت مشاركة وجوه نسائية قطرية وخليجية ودولية في جلسات الحوار مؤشرا اضافيا يرمز الى أن الدوحة تتيح فرصا أمام المراة في المنطقة لمناقشة قضايا مجتمعاتها أيا كان نوعهأ.

 

واللافت أيضا أن القضية الفلسطينية ألقت بظلالها على المؤتمر، وجاءت بداية الاطلالة و الطرح والدعوة لدعم الفلسطينيين وخيارهم الديموقراطي على لسان الأمير الشيخ حمد بن خليفة الذي وجه انتقادات ضمنية لأميركا والغرب عندما حض على دعم التجربة الديموقراطية الفلسطينية «بدلا من الضغط عليها أو التدخل في حق أصحابها في اختيار قياداتهم أو التهديد بقطع المعونات عنهم».

 

وكانت تفاعلات الملف الايراني حاضرة، وجاء الموقف في هذا الشأن على لسان النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي انتقد كيفية تعامل الدول الكبرى مع هذا الملف، مشيرا الى تعامل غربي بطريقتين مختلفتين مع الملفين الايراني والاسرائيلي، مشددا على أهمية أن تكون المنهجية واحدة. وقال إن الوقت حان لنقول لأصدقائنا (الأميركيين والغربيين) أننا لا نستطيع أن ندافع عن سياساتكم أمام مواطنينا، مشددا على احترام الرأي العام في بلاده، وأكد أن المؤتمر مهم لأننا نتصارح كأصدقاء حتى لو اختلفنا في الآراء. وخاطب أميركيين وأوروبيين مشاركين في المؤتمر بالقول: «نريد منكم نقل وجهات نظركم لأصدقائنا في أميركا والغرب بشكل عام».

 

والأهم أن مؤتمر الدوحة شهد اختبارا عمليا عندما تحدث مواطن قطري هو حسن الجفيري في جلسة علنية، فوجه انتقادات ساخنة للحكومة القطرية منها انه منع من الكتابة في الصحافة القطرية وأن حقوقه منتهكة، ورد عليه النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الخارجية مشيرا بأن شكواه دليل على أنه يتكلم بحرية ولا يوجد ارهاب من الدولة، و»انك ستأتي الى المؤتمر المقبل وأنت تتمتع بحريتك الكاملة كمواطن قطري».

 

وأضاف الوزير في رده أنه لا يوجد أصحاب نفوذ بل يوجد قانون «يساوي بين الناس»، وكشف أن الحكومة خسرت 97 في المئة من القضايا المرفوعة منها وضدها في المحاكم القطرية «وهذا دليل على وجود قضاء مستقل»، لافتا أيضا الى أن الدولة تقدم لمواطنيها خدمات صحية وتعليمية راقية. أما في شأن ما أثاره الجفيري حول منعه من الكتابة في الصحف فرد الوزير أن الصحف أهلية وليست حكومية، وهي التي تقرر لمن تنشر أو لا تنشر.

 

هذه التفاعلات أضفت على المؤتمر سمة «التمرين» الديموقراطي الذي يتجسد في مواجهة غير متوقعة بين مواطن ومسؤول. لكن يبقى سؤال مهم: ماذا بعد ست سنوات وجولات لمؤتمر الديموقراطية شهدت تشريحا وتحليلا نظريا لقضايا الديموقراطية في العالم العربي؟ هذا هو سؤال الساعة المطروح على منظمي المؤتمر، ويحتاج الى تأمل ودراسة حتى ينتقل مؤتمر الدوحة الى مرحلة جديدة لا تجعله أسيرا للنظير الممل المتكرر.

 

وهناك مسألة أخرى تتعلق باختتام المؤتمر من دون توصيات، اذ يرى المنظمون أنه مؤتمر لاشاعة روح الحوار. ولكن مع نجاح التجربة تبدو أهمية التفكير في أسلوب أنفع، اذ يمكن مثلا عقد جلسة ختامية تلخص فيها أبرز الرؤى المطروحة، وتطرح فيها اقتراحات بدلا من اختتام المؤتمر بجلسة من جلساته من دون معرفة ماذا بعد؟

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 21 أفريل 2006)


“الحياة” تحاور الفكر العربي: أين نحن في العالم؟ متى ينتهي الانحدار؟ أي دور للمثقف؟…

 

طيب تيزيني:

** المثقفون العرب باتوا مسوّغاً للدولة الأمنية… حتى في صمتهم!

** النظام الأمني صادر السياسة والديموقراطية… أفسد الناس وأجهض الليبرالية والثقافة

ابراهيم العريس    

 

كان يكفيه أن يصدر أول كتاب له يعرف على نطاق واسع في أوساط القراء العرب في ذلك الحين، حتى يصبح اسمه بين الأسماء البارزة في الفكر العربي النهضوي، والباحث عن آفاق جديدة ما إن أفاق الناس من صدمة هزيمة العام 1967. ومنذ ذلك الحين أصبح الدكتور طيب تيزيني، واحداً من المفكرين العرب الذين حاولوا المقاربة بين «الفكر الاشتراكي العلمي» – بحسب تعبيرات تلك المرحلة – وبين التراث الفكري العربي. وكان الكتاب الذي نعنيه «من التراث الى الثورة». صحيح أن اسم طيب تيزيني خبا، بعد بدايات مميزة، بفعل التدهور العام الذي أصاب الفكر العربي التقدمي، خصوصاً أن كثراً من أعلامه غرقوا في موجات تنازل متتالية، غير ان هذا لا يعني اختفاء صاحب «من التراث الى الثورة» عن الساحة الفكرية، فهو استمر ينشر أفكاره في مقالات يكتبها بين الحين والآخر، كما استمر في التدريس الجامعي وفي إلقاء المحاضرات، ولا سيما في بلده سورية حيث صارت له شعبية طيبة في أوساط الفكر التقدمي الذي ثمّن عالياً مشروعه المسمى منذ البداية «مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بواكيره حتى المرحلة المعاصرة».

 

اليوم، وبعد ما يصل الى أربعين عاماً منذ نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة من الجامعات الألمانية، وبعد ثلث قرن وأكثر على صدور أول كتاب له – وهو صدر في اللغة الألمانية – يوزع د. طيب تيزيني وقته في التدريس بين جامعتي دمشق وحلب. كما يساهم في مسألة الحريات العامة من خلال عضويته في «لجنة الدفاع عن الحريات في الوطن العربي»، ويعزز بمحاضراته وكتبه (التي كان آخرها حتى اليوم كتابين هما: «من اللاهوت الى الفلسفة» و «بيان في النهضة والتنوير العربي؟)، يعزز مكانته التي جعلت مؤسسة «كونكورديا» الفلسفية الفرنسية – الألمانية تختاره في العام 1998 واحداً من «مئة فيلسوف في العالم للقرن العشرين»، بحسب ما أكد لـ «الحياة» التي التقته في دمشق لتحاوره حول القضايا الراهنة في العالم العربي، وآفاق مستقبل الفكر والثقافة والسياسة في هذا العالم، ضمن سلسلة حوارات شملت حتى الآن كلاً من سمير أمين وجورج طرابيشي، وبرهان غليون والطاهر لبيب ووجيه كوثراني وعلي اومليل وعبدالمنعم سعيد وعبدالله الغذامي وسعد الدين ابراهيم ومحمد الرميحي وابرهيم البليهي…

 

قبل أكثر من ثلاثين سنة بدأت تصدر تلك النصوص الواعدة التي كان أبرزها يحمل اسماً ذا دلالة: «مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط». كلمة مشروع كانت حبلى بالاحتمالات، تعد بالانتقال من التاريخ الى المستقبل، لكن هذا كله يبدو اليوم اوهاماً. كنا نلوم انفسنا إزاء أي نكوص عن مجاراة العقلانية والتقدم. اليوم لا يبدو ان ثمة مكاناً لهما في حياتنا. فلماذا، وكيف تشخص الوضع العربي في ضوء مشروعك الطموح؟ وهل لا تزال ترى هذا المشروع قائماً، شاخصاً الى المستقبل؟

 

– هذا السؤال يبادر بأن يوجه الحوار والقضية التي نتحدث عنها صوب المسألة الاكثر حضوراً في عالمنا العربي كما في حياتنا الشخصية. سؤال يريد ان يعرف اين صرنا وكيف ولماذا. وأنا أعيش وسط هذا النوع من الاسئلة، لكنني احاول دائماً ان اعيد النظر في مساري نفسه، شخصياً وفكرياً وسياسياً ووجوداً عاماً… وألهث وراء هذا الهدف. ربما لا اصل دائماً الى نتائج مهمة مناسبة تعجبني وترضيني، ومع هذا استطيع القول انني وضعت يدي على البدايات الاولى التي تلائم ملاحقة ما يحدث، بالتالي تمكنني من اعادة بناء شخصي فكرياً وسياسياً في صورة محددة. وكل هذا في استجابة واضحة لاحتياجات التغيير الهائل الذي يعيشه عالمنا.

 

من هنا أقول: لمّا كانت الأحداث الكبيرة ما زالت قائمة، وربما ستظل لفترة طويلة اخرى، طالما انها لم تفضِ بعد لا الى نهاياتها السعيدة ولا الى نهاياتها التعيسة… فالحدث ينمو اكثر وأكثر، ما يعني ان من غير الممكن، بعد، الحديث النهائي حول مسألة ينظر اليها باعتبارها ناجزة وهي لم تنجز بعد.

 

وجواباً عن السؤال، سأقول بعض الصيغ التي اراها اولية واحتمالية. وأبدأ من ملاحظة تتعلق بعنوان اول كتاب لي، في المشروع الذي تتحدث عنه. كان العنوان «من التراث الى الثورة»، وهو صدر في 1976. والذي أراه اليوم ان احداث العالم العربي وتطوراته تضطرني وبإلحاح الى ان أبدأ النظر الى الكتاب وعنوانه تخصيصاً. تساءلت: هل ما زال هذا العنوان صالحاً بعدما تفككت افكار كثيرة وتفكك الاتحاد السوفياتي، والأفكار التي كانت مهيمنة في ذلك الحين على فكر تقدمي مهيمن في الساحة العربية؟ بعد رصد ما حدث والتطورات المتلاحقة وضعت يدي على مسألة اظن الآن انها كانت، بالنسبة اليّ، مدخلاً لاكتشاف ما عليّ ان انجزه مجدداً: فكلمة «الثورة» الواردة في العنوان لم تعد ذات وجود، بصرف النظر عن التسويفات التي يمكن ان تقدم. لغة العصر لم تعد تتسع لهذه الكلمة. ومن هنا رحت افكر في كتابي، من ثم انطلقت من الواقع الى الكتاب ثم من الكتاب الى الواقع… وفهمت ان مشروع الثورة ذاته بات يعيش اختناقاً قاتلاً. من هنا، ومن خلال قراءاتي الدؤوبة في الفكرين العربي والأوروبي، ادركت ما يخيّل إليّ انه البديل المناسب لمفهوم الثورة ومشروعها، وهو مفهوم النهضة ومشروعها.

 

> لكنهما كانا موجودين منذ اواسط القرن التاسع عشر…

 

– صحيح… لكننا كنا ساهين عنهما. ما أن توصلتُ الى هذه الفكرة حتى تعاظمت في حياتي الفكرية والسياسية لأدرك ان اهم عنصر من عناصر مشروع الثورة والنهضة (وأعني هنا الثورة الحقيقية) انما يتمثل في فهم كينونة الحامل الاجتماعي لأية ثورة او نهضة. وهكذا فكرت ملياً في الامر حتى توصلت الى ان الحامل الاجتماعي لأي تحرك في المجتمع العربي هو المجتمع ذاته… المجتمع كله. بدلاً منه، كنا في الماضي نعتبر الحامل الاجتماعي حاملاً طبقياً ونتحدث عن الصراع الطبقي والاشكالية الطبقية، هذا ليس وارداً الآن. حامل المشروع الجديد، النهضوي، لا يمكن الآن إلا ان يكون تحالفاً طبقياً او سياسياً يضم كل فئات المجتمع. العالم اختلف كثيراً، منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وبروز عالم جديد تقوده الولايات المتحدة وحدها. وتبين لي من موقع علم الاجتماع السياسي ان الحامل الحقيقي الاجتماعي لمشروع نهضوي ما يتمثل في الأمة كلها من أقصاها الى اقصاها. وبتحديد ايديولوجي اكثر، وجدت ان الحامل الاجتماعي لأي مشروع مستقبلي يتمثل في مروحة تنطلق من أقصى اليمين القومي الديموقراطي الى اقصى اليسار الوطني. أخذت ألاحق هذه المسألة السوسيولوجية الثقافية والسياسية ليتبين لي ان حديثنا عن «المشروع الثوري»، ليس مضللاً فقط، بل هو خطير ايضاً، وهكذا انتقلت الى الموقف الجديد، وفكرت في ان اعيد النظر في مشروعي النظري القديم… وأصيغه حتى في عنوان جديد، معيداً بناء ما يتعين عليَّ بناءه… ثم تركته جانباً، لأصيغ بدلاً منه مشروعاً آخر تماماً، عنوانه «من التراث الى النهضة».

 

> أفهم من هذا انك أبدلت ماركس وأنغلز وأدبيات الثورة الروسية التي انفقت سنوات طويلة من عمرك تدعو اليها وتدافع عنها، بأفكار الطهطاوي ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا…

 

– لا… ابداً. انا لم اتخلَّ عن افكار ماركس وأنغلز، بل على عكس كثيرين لم انكر حتى ايديولوجية ماركس. كل ما في الأمر انني حاولت ان اوضح لنفسي المفاهيم التي كانت ملتبسة طوال عقود من السنين. لم اتخلَّ عن ماركس الايديولوجي، بل أعدت تعريف ايديولوجيته، فقلت ان همّها هو تفسير المعارف وتأويلها بمفترض المصالح. من هنا أقول ان تفسيري لماركس لم ولن يتغير. الذي حدث هو ان هذه الايديولوجيا اخترِقت على مدى الزمن بمواقف خشبية ومتشنجة، تمكنت من ان تطيح كل فهم علمي لها، مطيحة في الوقت ذاته الوجه المعرفي لماركس. اليوم اذ تجب استعادة ماركس، لا تجب من خارجه بل من داخله، من داخل احتياجات الزمن الراهن. انا تركت الأيديولوجيات التي برزت بمسميات وأقنعة ماركسية، فكنا نحن ضحاياها، وكان ماركس نفسه ضحية لها ايضاً.

 

> لنقل ان هذا شكّل لديك انقلاباً فكرياً ايجابياً، فكيف يمكننا ان نطبقه على التاريخ الراهن للأفكار العربية؟ النهضة التي تتحدث عنها هل تتمظهر مثلاً في فكر قومي عربي يخص الأمة كلها، ومن شأنه ان يوصلنا الى نوع من الفاشية التي تقدّس الجموع؟

 

– ظاهرياً يبدو الأمر كذلك. كان هناك مشروع قومي عربي حدثت فيه اختراقات كثيرة وخطيرة من هذا النوع، لعل اولها غياب الديموقراطية، وغياب السياسة وغياب الحراك الاجتماعي السياسي. ابتلع المشروع القومي كل هذا، ما جعله أشبه بأن يكون مشروعاً شبه فاشي.

 

> ماذا تعني بعبارة «شبه فاشي»؟

 

– أعني انه يقترب كثيراً من الفاشية، ولكن لا يمكنه ان يكون فاشياً خالصاً لأن عندنا كوابح كثيرة عادة ما تنطلق من صفوف الناس الذين لا يمكنهم ان يكونوا فاشيين.

 

> كالإيمان الديني مثلاً والذي له جانب انساني عميق يتناقض مع الفاشية… أو، مثلاً كون الدين ذا جانب عقلاني معتدل والفاشية في حاجة الى غياب العقل؟

 

– ليس تماماً، بل ربما افضّل ان يبقى الكلام محصوراً في الدائرة العقلانية – العلمانية. وفي هذا السياق، اضيف انه بدأ يتضح لي شيئاً فشيئاً ان المشاريع الدينية المتعددة ممكنة، انطلاقاً من أن النص الديني قابل لقراءات متعددة تنطلق من قناتين، أولاهما المستوى المعرفي للقارئ، والثانية المستوى الايديولوجي المرتبط بالمصلحة. كل هذه القراءات مشروعة، لكنها لا تمتلك كلها الصدقية المعرفية. هذه الصدقية تمتلكها القراءة التي يمكن ان تنطلق من منظومة المفاهيم الحداثوية العقلانية والديموقراطية. وهي يمكن ان تكون دينية، وهذا أمر وصل اليه بعض اصحاب الفكر الديني، لكنهم لم يدخلوا في ايجاد البديل.

 

> مشروع الثورة مشروع شعبي في نهاية الأمر، اما مشروع النهضة فمشروع نخبوي او هو كذلك على الاقل في تمظهره. فهل ما تتحدث عنه هو عودة الى نوع من الخروج بين النهضة والفكر الشعبي، الرغبات النخبوية الثقافية والجماهير الشعبية…؟

 

– أرى دائماً ان المشروع الثوري نفسه لا يمكنه في بداياته الا ان يكون نخبوياً…

 

> … كان انقلابياً في بلادنا.

 

– هذا، بالتحديد، ما أردت قوله. المشروع الثوري كانت تحمله نخبة تفكر وتستنبط وتكتشف وتعمم نيابة عن الناس. مهما يكن، الفكر الثوري لا يمكنه ان يكون عفوياً، هو يحتاج كي يصاغ الى انتاج معرفي لا يمكن ان ينتجه غير اهل النخبة من المثقفين. صحيح ان هناك ما يأتي عفوياً، لكنه نادراً ما يتطور وينمو ويدوم…

 

> أعتقد ان في امكاننا بعد رسم هذه الخلفية ان ننتقل الى غايتنا الأساسية، وهي تشخيص الوضع الراهن…

 

– أود قبل هذا ان أوضح فكرة أساسية: هذا المشروع الذي كان يقترب من الفاشية لم يصبح فاشياً منذ البداية. صار فاشياً لاحقاً… حين نشأ على أنقاضه مشروع الدولة الأمنية. الآن، وفي معظم أرجاء العالم العربي نعيش في ظل دول أمنية، ولا أقول حزبية. هذا المشروع «الأمني» بدأ مع مشروع الوحدة بين مصر وسورية. فالشرط الأول للانضمام الى الوحدة في ذلك الحين كان إلغاء الأحزاب، بالتالي إلغاء الحياة السياسية. ومن هنا ألغي العنصر الذي كان عليه، ان يحمي مشروع الوحدة. في ذلك الوقت اذاً، راحت إرهاصات الدولة الأمنية تعلن عن نفسها ووجودها. واليوم ها نحن أولاً، نعيش في قلب المرحلة الأمنية بامتياز، بخاصة مع استشراء الهيمنة الأميركية التي تجد نفسها أمام تفتت هي قادرة على ان تفتته اكثر وأكثر.

 

> هل يعني هذا، بالنسبة اليك نوعاً من اعادة الاعتبار الى مراحل ديموقراطية سبقت الانقلابات العسكرية التي جاءت بالمشاريع الأمنية؟

 

– اعتقد بأن تلك المراحل لم تستكمل، بل اخترِقت في عز تناميها. وأنا اعتقد ان مشروع الوحدة مثّل الاختراق الأفدح لأنه قام على هاتين الفعلتين (إلغاء الأحزاب، وإقامة الدولة الأمنية). المشروع برمته مثّل انقلاباً في مصر كما في سورية، ما عنى انه كان حتمياً سحق الحياة الديموقراطية الليبرالية ولو في حدودها الدنيا. وها نحن اليوم ندفع ثمن كل هذا غالياً.

 

> هل ترى أن المثقفين لعبوا في هذا كله دوراً سلبياً، هم الذين سموا الانقلابات في الخمسينات ثورات، وأحنوا رؤوسهم امام كاريزما الزعامة وشعارات النهوض القومي اللفظية؟ هل ترى انهم خانوا مهماتهم العقلانية ودجنوا وهادنوا…؟

 

– لا ارى انهم فعلوا هذا كله عن قصد ووعي. اعتقد بأنهم أُخِذوا على حين غرة بكل ما كان يحدث، فوضعوا وحدتهم الثقافية ومشاريع نهوضهم على الرف، أو رأوها مجسدة في الزعيم. في سورية مثلاً ظهرت تجربة ليبرالية ما، في اعقاب الاستقلال، لكنها لم تكتمل. جاءت الانقلابات العسكرية المتلاحقة لتنهي مشروع التجربة الليبرالية. بيد ان الأخطر كان ما حدث في النهاية: فشلت التجربة الوحدوية مع مصر، ثم صار لدينا حكم الحزب الواحد تحت شعار الشرعية الثورية. ان هذه التجربة في سورية، كما في غيرها من الدول العربية «التقدمية» اتت مماثلة للتجربة السوفياتية، من ناحية هيمنة الحزب القائد والاقتصاد المخطط وما الى ذلك. في مواجهة هذا لا اعتقد بأن المثقفين خافوا. كل ما في الأمر انهم، ولظروف متنوعة، لم يكونوا قادرين على إدراك ما يخبئه لهم المستقبل. معظمهم استبشر بالوحدة. قلة تنبهت الى الأخطار. وهم جميعاً وقفوا عاجزين في وجه المد الشعبي المرحّب ودفعوا الثمن. بعد ذلك، مباشرة، قام النظام الأمني، وتبلورت الآلية العظمى لنظام عربي أمني كان شعاره ان يفسد أكبر عدد ممكن من الناس.

 

ما نشأ لم يكن دولة بوليسية بل دولة أمنية. الدولة البوليسية تقمع وتلاحق، اما الدولة الأمنية فتستوعب وتفسد المجتمع بأسره. الدولة الأمنية في معظم أرجاء عالمنا العربي صادرت السياسة والديموقراطية، وابتلعت كل القوى التي كانت تتطلع الى بناء الأوطان.

 

> هزيمة حزيران (يونيو) 1967 وجهت اولى الضربات الى مشروع التقدم الكاذب. بعدها سلك المفكرون والمثقفون درباً نقدية نهضوية نسميها عادة «النهضة الثانية». قدموا نقداً للمرة الأولى في التاريخ العربي الحديث، طاول الممارسات الفكرية لا سيما تلك التي أدت الى ولادة كاريزما الزعامة اللفظية. هل وصلت هذه النهضة – إذا كنت توافقني على تسميتها هكذا – الى نتيجة؟ هل أثرت في أحد؟

 

– في ذلك الحين نشأت الدولة الأمنية… ونشأ ما تراه فكراً نقدياً في آن. ولكن كان ثمة تفكك في اوساط الناس وتخلف اجتماعي واضح،. ما جعلنا نعيش حالاً جديدة في التاريخ العربي. فإذا عدنا الى تلك المرحلة التي انتجت هذه «النهضة الجديدة» نجد ان هذه النهضة كانت الوريث الشرعي للاخفاقات السابقة. سبق لتجربة عبدالناصر ان ولدت نظيراً عملياً لها، لكنها أخفقت لأنها بدأت بداية محترقة من حيث البنية، اذ ألغت الأحزاب والحياة السياسية وكذلك الحياة الدستورية. فإذا كان ظهر آنذاك مثقفون وأفكار جديدة، فإنهم انما كانوا نتاج تجربة متصدعة أقصيت منها الليبرالية التي كان في إمكانها، وحدها، ان تكون واعدة. صحيح انه ذات لحظة نشأ نوع من الترابط بين الثقافة والليبرالية، لكن الدولة الأمنية سرعان ما عرفت كيف تجهض الاثنتين معاً. من هنا نما ذلك الشرخ العميق بين الثقافة والسياسة، الشرخ الذي راح يبرز في الحياة العامة، وكان من نتائجه ان اظهَر المثقفين عاجزين عن فعل أي شيء، فكان على شرائح كبيرة منهم في النهاية، ان تدخل البنية الأمنية للدولة. اصبحوا جزءاً منها… جزءاً مسوّغاً لها حتى في صمتهم! ناهيك عن أن طوابير منهم صارت والدولة الأمنية واحداً، وشغلوا مناصب في مؤسساتها. من هنا أتت الهزيمة الكبرى التي طاولت مشروع المثقف العربي. اعني ان السلطة السياسية استخدمتهم للوصول الى أعلى ذرى الحالة الأمنية التي تحولت اليها الثورة ومشروعها.

 

> في خضم هذا كله… ما الذي كان في إمكان المثقف ان يفعله ولم يفعله: النقد، التصدي، الانخراط في احزاب بديلة… محاربة المتطرفين باعتبارهم رديفاً؟

 

– هذا النوع من التساؤل يخص كتل المثقفين اكثر مما يخص مثقفاً فرداً. ذلك ان المشكل من ناحية ثانية كمن في الكتل السياسية الأخرى التي كان فيها مثقفون كثر. فهذه الكتل، من الشيوعية الى القومية، دخلت نفق التحالفات والجبهات. قبل ذلك كانت لها شعبيتها ومشاريعها وكان في إمكانها ان تفعل واقفة في وجه التحولات السلبية التي أفضت الى الدولة الأمنية. توهمت انها ستكون فاعلة من خلال التحالفات، لكنها كانت واهمة. أما المثقفون – وأعني هنا المنضوين في تلك الأحزاب – فأضحوا من دون فعالية… عجزوا عن التصدي للتحولات الجديدة فصاروا مساندين لها، فابتلعتها الأجهزة الأمنية كما ابتلعت أحزابها وجماهيرها.

 

اذا تحدثنا عن المثقفين، فإن هذا لا يعني ان حاملاً ثقافياً من محاميل المشروع النهضوي بقي موجوداً هناك. بقيت شراذم… اختفت هي وأحزابها. والمطلوب اليوم دماء جديدة غير تلك القديمة.

 

> هناك غائبان كبيران في كلامك: المجتمع وما يسمى الاسلام السياسي…

 

– قلت وكتبت ان الدولة الأمنية ابتلعت في طريق صعودها ثلاث مرجعيات: المرجعية السياسية والمرجعية الثقافية ثم المجتمع ذاته. وهنا لا أتحدث عما يسمى الآن المجتمع المدني، بل عن المجتمع في شكل عام. إذ إن الدولة الامنية أدركت منذ البداية ان تبتلع هذا المجتمع بأن تنهي احتمالات البدائل نفسها… بأن تفسد المجتمع كله. ولنتذكر كيف ان تدفق السيولة النقدية خلال النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين دجّن كثراً من الناس، مثقفين وغير مثقفين. اما المرجعية الوحيدة التي ظلت ممانعة فكانت المرجعية الدينية. ذلك أنها تقوم اصلاً على بنية مغلقة، أصولية، فأنا أتحدث هنا عن الاسلام السياسي الأصولي، لا عن الإيمان الشعبي الطيب والصحيح. ولأن هذه المرجعية تفادت ان يفسدها النظام الأمني، في شكل او آخر، راحت تحصد الثمار. وراح المجتمع العربي في شكل عام يتجه صوب الاصولية. ويمكننا طبعاً ان نتوقف عند كثير من الظواهر، لكنني سأكتفي بالاشارة الى الاشتغال على المناهج المدرسية والكوادر التعليمية، ولك ان تتخيل تأثير ذلك خلال ربع قرن. في دوامة هذا كله اتسع الشرخ بين من يملك ومن لا يملك، وتعاظمت الأزمة الاقتصادية مع ارتفاع وتيرة الحديث عن أرقام مالية فلكية. وصبّ هذا ايضاً في طاحونة الأصولية، ما أوصل مباشرة الى التطرف، لتخرج الأمور حتى من يد السلطات السياسية والأمنية. ومن هنا باتت مجتمعاتنا كلها مضطربة، وسط وضعية في النظام العالمي الجديد تجعل الخارج يدخل في نسيج الداخل، من طريق الاعلام المعولم وغيره. اليوم لم تعد في العالم مجتمعات مغلقة إلا في خيال من يريدون نشوء هذا الانغلاق…

 

> كل هذا، اذاً، يخلق مزيداً من التأزم والشرخ بين الدولة الأمنية والمجتمع الذي يشعر بأنه لم يعد لديه سلاح سوى التطرف. أين المثقف؟ وماذا يمكنه، بعد، أن يفعل؟

 

– اتحدث هنا عن تجربتي الخاصة. اكتشفت ان المسألة الدينية أهمِلت إهمالاً مرعباً من جانب النخب الثقافية، ماركسية او قومية او حتى ليبرالية. واكتشفت ان الخطورة تكمن في حقيقة أن النص الديني يُقرأ بطرق متعددة يطالب هو ذاته بها. انه نص مرن. من هنا جاء ذلك الموقف الفظ الذي وقفته الماركسية والوضعية والفكر القومي حيال الفكر الديني. لم ندرك في الماضي ان الحامل الاجتماعي لأي تغيير تعيش نسبة عظيمة من افراده تبعاً للفكر الديني، ما كان ينبغي له ان يحضنا على قراءة جديدة عقلانية ومنطقية للفكر الديني، أي الفكر الحقيقي الذي يتغذى منه المجتمع حقاً. ومع بروز هوية جديدة لمشروع التغيير (النهضة)، باتت هناك الآن مسوّغات كثيرة أصبح من الضروري امتلاك ادواتها الفكرية. ومن هنا أرى ان من المستحيل الوصول الى أي فكر نهضوي تغييري حقيقي اليوم، من دون اعادة قراءة الفكر الديني والدخول الى روح الوسط الايماني. وهذا ما يدفعني الى التشديد مجدداً على ان الحامل الاجتماعي – الثقافي الذي يمكنه وحده اليوم مساندة الفكر التغييري، يمتد من أقصى اليمين الوطني والديموقراطي الى أقصى اليسار التقدمي.

 

> كأنك بهذا تعيد الأمور الى مستوى وجود الطبقة الوسطى التي «غابت» منذ عقود، على رغم انها هي بانية الأوطان والحضارات عادة…

 

– اجل، ربما يكون هذا هو ما اعنيه بالضبط. علينا ان نواكب فكرياً إعادة انتاج الفئات الاجتماعية التي تتسم بسمتين أساسيتين (لبناء المجتمعات): اليُسر الاقتصادي والتنوير الفكري. وهذا يأتي ضمن عملية واسعة هدفها إعادة التوازن الى المجتمعات العربية، وسط زمن عولمي يكاد أن يلتهم كل شيء… وبطريقة تزيد خبثاً وقوة عما فعلت الدولة الأمنية حتى الآن.

 

المواطنة ومشروع الإصلاح الوطني الديموقراطي (*)

 

«إن مشروع الاصلاح أمر بمقدار ما هو في غاية التعقيد، بسيط غاية البساطة. انه بسيط بساطة وطن يراد له ان يسقط وقد لا استطيع ان اكتشف حالة تقول لي ان مرجعية ما اخرى غير هذا البلد، عاشت مثل هذه اللحظة التي نعيشها. وطن يشتعل، وطن مدمر من الداخل كما من الخارج، من دون ان نفعل محاولة جادة او نؤسس لفعل جاد، فما السر في ذلك؟!… في التاريخ لا توجد اسرار وإنما توجد أحوال لا بد من ضبطها وتحليلها وتقديمها فعلاً سياسياً. لهذا ولذاك لا بد من القول، في طور التشديد على ان أي مثقف او أي سياسي يفتقدان معناهما إن لم يحوّلا ما يمتلكانه في الذهن الى فعالية سياسية حقيقية، أن مفهوم حقوق الانسان والمواطنة يكادان أن يكونا اسمين لمفهومين متماثلين، ولكن مع بعض التأثير. ان حقوق الانسان ستكتشف قبل اكتشاف المواطنة، المواطنة مفهوم متقدم في تاريخ البشرية، في حين ان حقوق الانسان ظهرت مع مجيء البشر، أي مع انتقال الكائن الحي من الطبيعة الى المجتمع، بالتالي مع اكتشاف قيمة الحياة، فكانت الحياة اول الحقوق والقيم التي ادرك الانسان اهميتها ودلالتها. من هنا بدأ الناس يكتشفون ان هناك حقوقاً لا يمكن التفريط بها أبداً، ومنها حق الحياة لأن هناك حقوقاً يمكن السكوت عليها. لكن هذه الحقوق التي يُسكت عنها إن غابت تغيّب الحياة نفسها، ففي طبيعة هذه الحقوق، حق العمل، وحق الحرية والعدالة.

 

العلاقة عميقة بين كلا الأمرين، أو كلتا الفئتين من الحقوق: الحياة والعمل، والحرية والعدالة. مع ذلك نضع حداً ما للتمايز بينهما، فالحياة اولاً، ومع هذا نتبيّن في سجوننا العربية ما لا يحصى ممن قتل، ممن ذوّب، ممن غيّب، ممن طُمِر حياً. هذا يعني اننا نعيش مفارقة تاريخية ربما تكون فريدة. لن تكون هناك حرمة لأي انسان ولا لأي كائن. الجميع سواء، تحت المقصلة. هذا الأمر سيتسع اكثر فأكثر حين نلاحظ ان هذا الأمر حُمِي من دول ونظم سياسية، انما أنشئت من موقع النظام الرأسمالي الامبريالي، وليس غريباً ان نكتشف ان النظم العربية أُسست من خارج الوطن شرط ان تكون ديكتاتورية الطراز. لهذا نكتشف امراً آخر، هو التساؤل لماذا ينقض الآن أولئك الذين أسسوا هذه الديكتاتوريات، على هذه الديكتاتوريات؟!… لماذا هذا الانقضاض الجديد!؟… ما الذي تغير؟!… تغيرت ثلاثة مواقع. جاء النظام العالمي الجديد، حين استُفرِد العالم من قبل هذا النظام، بالتالي لم يعد هذا النظام مدعواً الى ان يراعي معسكراً آخر، غريماً آخر، كان محتملاً ان يطاح بجميع الغرماء الآخرين وأن يستفرد هؤلاء الذين نشأوا وتربوا على ايديهم، على ايدي من أنشأوهم انفسهم. عملية الاستفراد اذاً ذات اهمية خاصة. كان هناك ما سمي في حينه الظهير العظيم او الصديق العظيم: الاتحاد السوفياتي الذي كان يمنع وصول الغرب الى عقر الدار العربية، الآسيوية او الأفريقية. وهذا اوجد حالاً من الوهم والضلال تمثلت في الاعتقاد بأن هذه البلاد التي حُمِيت من هذا الصديق العظيم، انما كانت تسير على طريق سوي.

 

سقط الصديق العظيم وانتهى الأمر، وذاب الثلج وبان المرج، واتضح ان هناك بلداناً لا وجود لفساد في عالم آخر يماثل الفساد الذي ينتشر فيها. اتضح ان هذه البلدان التي كانت تشكل جبهة صمود ومقاومة انما هي جبهة الفساد والإفساد. الأمر الثاني تمثل بأن النظام العالمي الجديد اذ نشأ، فإنه نشأ مدججاً بالسلاح، السلاح الحضاري الاقتصادي العسكري التكنولوجي، وبصورة خاصة مدججاً بسلاح المعلوماتية والاتصالات التي جعلت يده قادرة على ان تطاول العالم كله. اما الأمر الثالث فتمثل بالبلدان التي رُبيت على أيدي الغير. هذه النظم بدأت تتحول الى عائق في وجه التدفق العولمي الامبريالي الأميركي، بمعنى ان هذه البلدان لم تعد مناسبة لعملية مهمة تتجلى في السؤال: كيف نُدخِل هذا العالم الديكتاتوري المتخلف في عالمنا؟!… كيف نماهي بيننا بمقدار بقدر او بآخر؟!… بل هناك عامل ثانٍ قد يكون اكبر أهمية بالنسبة الى النظام العولمي. وهذا الأمر بدأ الآن ينفتح على العالم كله، والمجال الحيوي لهذا المصطلح العريق والذي نشأ في ألمانيا النازية وقبلها في أماكن أخرى، المصطلح المعني هنا ضرورة ان نمتلك العالم كله كي نصدّر له ما عندنا من صادرات اقتصادية وعسكرية وغيرها، ونلزمه باستيراد كل شيء من عندنا. هذا الأمر في البلدان المعنية (ذات الأنظمة الديكتاتورية) لا يمكن تحقيقه لأنها بلدان تعيش على العشرة في المئة (العشرة في المئة التي تنفق على الشعب بينما الـ90 في المئة تسرقها حكومات). وهذا التقويم الجديد بدأ في محافل متعددة من البحث الاقتصادي والسياسي حين وصلوا الى ان بلاد العشرة، أي العشرة في المئة لا تستطيع ان تكون سوقاً حقيقية لعملية التدفق الاقتصادي الآتي من النظام العولمي الجديد. اذاً لا بد من تغيير واقع الحال، بحيث نبدأ بإعادة بناء البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذه البلاد، واعادة بناء الجامعات التي يراد لها ان تكون رديفاً لهذا التدفق الاقتصادي والسياسي والتكنولوجي، بحيث تصبح القوة الشرائية في الداخل مناسبة كي تستطيع ان تأخذ ما يتدفق اليها من الخارج. وجاء الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001 ليمنح هذه الفكرة صدقية دقيقة، تتركز على انه لا بد من ادانة العالم برمته وفق الثنائية التي اطلقت من موقع النظام العالمي الجديد، وهي ثنائية الديموقراطية والارهاب: إما ان تكون ديموقراطياً وإما ان تكون ارهابياً، أو تكون ديموقراطياً على النمط الذي انتجه هذا النظام الجديد. اذاً، اعادة النظر في البلدان التي اسس لها الغرب ذاته سياسياً ولكن من موقع آخر، والسؤال الذي يدور الآن في اوساط الباحثين السياسيين: لماذا غيّر الغرب موقفه من الأنظمة الديكتاتورية التي أنشأها؟!… اذاً هناك متغيرات اخذت تفرض نفسها على واقع الحال، بهذا المعنى نجد ان المواطنة وحقوق الانسان اخذت تفرض نفسها فرضاً على الغزاة الجدد، لأن حقوق الانسان هنا انما تعني، في مقولة الانسان نفسه، الانسان القادر على ان ينتج ويشتري ما ينتج. كان الانسان سابقاً يعتبر من الهوام لدى الفريقين كليهما: الخارج الذي اسس لهذه الانظمة الديكتاتورية والداخل الذي يعيش عليه هؤلاء الهوام. الهوام الآن لم يعد وجودهم محتملاً».

 

(*) من نص محاضرة للدكتور طيب تيزيني ألقاها في حمص أوائل 2006

 

 (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 17 أفريل 2006)


 فـذلـكـة مـصـريـة رشـيـقــة

 

التعريف بالمصطلحات السياسية

التنوير عملية تتم في الشوارع عندما يسكنها وزير العولمة عملية تحول اجتماعي وثقافي وفني تمارسها راقصة مشهورة الشفافية سمة ضرورية للملابس المستخدمة في العولمة الجات مصيبة وجات على دماغنا النظام الملكي عند وفاة الملك ينتقل الحكم لابنه ليصبح هو الملك الجديد النظام الجمهوري عند وفاة الرئيس ينتقل الحكم لابنه ليصبح هو الرئيس الجديد المبايعة ورقة بتكتبها لما تبيع عربية قديمة الدستور كلمة تقال للحماية من الآسياد لما الواحد يدخل بيت مسكون

الديموقراطية نوع من الفنون الزخرفية يستخدم لتزويق صورة الحكومة القانون آلة تصدر أصوات جميلة لما تلعب فيها بصوابعك الحرية للجميع للشعب أن يقول ما يشاء ، وللحكومة أن تفعل ما تشاء حرية النشر تمارسها النساء على السطوح في المناطق الشعبية رأي المرأة ستات مصر قالوا كلمتهم ؛ النخلتين سمنتهم الدبلوماسية أحسن هدية تصالح بيها مراتك بس بشرط الماس يكون حر الصراع الطبقي خناقة كل بيت على مين اللي حيغسل الأطباق النهاردة الحرب الأهلية حرب البنت مع أهلها عشان تتجوز الواد اللي هي عايزاه  

حرب الشوارع قيادة سيارة في شوارع القاهرة حرب التحرير معركة شهيرة يخوضها كل من يريد استخراج جواز سفر من مجمع التحرير العمل الثورى مذكر العمل البقرى الشريط الحدودي الشريط الجاي لعمرو دياب الوحدة العربية أن تعاني كل دولة عربية الشعور بالوحدة

(المصدر: نكتة مصرية )


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

30 juin 2009

Home – Accueil TUNISNEWS 9 ème année, N° 3325 du 30.06.2009  archives : www.tunisnews.net   Appel pour le boycott des élections

En savoir plus +

27 avril 2007

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 7 ème année, N° 2530 du 27.04.2007  archives : www.tunisnews.net Reuters: Tunisia denies recycling charges

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.