السبت، 17 مارس 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2490 du 17.03.2007

 archives : www.tunisnews.net


الجمعية الدولية للصحفيين الأفارقة بالمنفى بيان ونداء لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس التعرض للمتحجبات في وسائل النقل العمومية!!!!??? أ. ف. ب: تونس: دعوة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان الحياة: وسط انتقادات حزب معارض لهذه «الخطوة التطبيعية الجديدة» … تونس: أعضاء في الكنيست يشاركون في اجتماعات برلمانية وفا: تواصل اجتماعات الدورة الثالثة للمجلس البرلماني الأورو متوسطي في تونس الحوار نت: السيّدة سامية عبّو في لقاء خاص مع الحوار نت نورالدين الخميري:رسالة  إلى الأخ كريم  الهاروني الطاهر بن حسين:18  أكتوبر والتيار الديمقراطي التقدمي : « الالتباس التاريخي » سفيان الشورابي: حصيلة هزيلة بعد 51 سنة من الاستقلال مواطنون:11  أفريل القادم إضراب في التعليم الثانوي مواطنون: الكتاب بين سياسة القمع وقوانين المنع مواطنون: دفاعا عن السلطة محمد العروسي الهاني:ذكرى 20 مارس 1956 ستبقى علامة بارزة في التاريخ وشمعة مضيئة على الدوام ومنارة مضيئة في بلادنا الصباح: العرض الأول للفيلم الروائي الوثائقي «عبد الرحمان ابن خلدون» الصباح: موسفيني «يحاكم» بورقيبة وسنغور أمبس نت:هند صبري تُواجه نقضا لقرار قيدها في جدول المحاماة بتونس :هند صبري.. بروب المحاماة هل ستخلعه؟ أم .بي.سي: من ضيوفها الشاب خالد وفاضل والدوكالي نسمة.. فضائية تونسية مخصصة لبرنامج ستاراك المغرب سالم الزريبي: غوانتانامو وملفات الفضائح الأمريكية  د. محمد الحداد: جديد هشام جعيط: محمّد ودعوته من وجهة نظر تاريخية وأنثروبولوجيّة (1)   د.حسن حنفي:الاهانة والتحدي…والاستجابة! توفيق المديني :إيران النووية تثير جدلاً حول خيار الحرب محمد نبيل : كيف عاد شي غيفارا؟: قراءة في وصول اليسار الي الحكم في دول امريكا اللاتينية صبحي حديدي: بوش في أمريكا اللاتينية: فشل ليس بحاجة إلي شرور اليسار؟


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


 

باريس  / 16 – مارس – 2007 الجمعية الدولية للصحفيين الأفارقة بالمنفى

 بيان ونداء  
 
إن الجمعية الدولية للصحفيين الأفارقة بالمنفى، بعد اطلاعها على الحكم الغيابي ب 14 شهرا من طرف إحدى المحاكم التونسية، في حق زميلنا الصحفي محمد الفوراتي (سكرتير التحرير السابق بجريدة الموقف التونسية، والصحفي الحالي بجريدة الشرق القطرية)، وللتذكير فإن الجمعية الدولية للصحفيين الأفارقة بالمنفى، كانت من أول المنظمات الصحفية الدولية التي احتضنت قضية زميلنا في مراحلها الأولى، وتابعت بدقة كل تطوراتها وحيثياتها، إلى أن وقعت تبرئته من طرف المحكمة الابتدائية، لتعود من جديد هذه القضية المنسوجة تتصدّر مشاغل واهتمام الجمعية الدولية للصحفيين الأفارقة بالمنفى، المستاءة من حالة الاختناق الإعلامي في تونس، التي يعاني منها الصحفيين التونسيين وخصوصا الأقلام الحرّة، التي ترفض تكفين الحقائق، وتتعلق بشرف المهنة، ممّا جعلهم عرضة مستمرّة للملاحقة والمطاردة، والمحاكمات والتجويع والعرقلة والاتهام المجاني، حتى بات الصحفي التونسي، مهدّدا في أي لحظة بالتعرّض لمحاكمة اصطناعية متى عارض النهج العام، أو متى مارس المهنة في إطار الشفافية والنزاهة، كما هو حال زميلنا محمد الفوراتي، وقبله العديد من الزملاء الذين عانوا ويعانون من المحاصرة، وإننا نطلق هذا البيان والنداء الموجّه لكل الزملاء في العالم، وكل المنظمات الصحفية الصديقة التي تربطنا بها شراكة مهنية وأخلاقية، من أجل مؤازرة الصحفي محمد الفوراتي، ونحن في الجمعية الدولية للصحفيين الأفارقة بالمنفى من باب المسؤولية التاريخية والإعلامية فإننا: 1 / نطالب السلطة التونسية إلغاء هذا الحكم الجائر في حق زميلنا محمد فوراتي، وتمكين عائلته من جواز سفر. 2/ نعبّر عن تضامنا ومساندتنا المطلقة مع زميلنا مع الفوراتي، ونعتبر الحكم الصادر ضدّه نوعا من القصاص السياسي، ومحاكمة للأقلام الحرّة التي تتشبث بحرية الرأي والتعبير. 3 / نؤكد وقوفنا المبدئي إلى جانب زميلنا محمد الفوراتي، من أجل رفع هذه المظلمة المسلطة عليه، وكذلك من أجل مناصرة كل الزملاء الأحرار، الذين نعتبر قضاياهم هي قضايانا وهمومهم هي همومنا. 4 / نعبّر عن احترامنا وتقديرنا للزملاء الصحفيين التونسيين الأحرار، الذين برهنوا في عديد المناسبات على صمودهم وكفاءتهم المهنية، واحترامهم للمبادئ الصحفية. الطاهر العبيدي / taharlabidi@free.fr الكاتب العام للجمعية الدولية للصحفيين الأفارقة بالمنفى www.jafee.orgwww.jafee.org


الصحفي محمد الفوراتي يحصل على شهادة الكفاءة لمهنة الصحافة

 
قلت مرة لصديقي فارطان، و هو صحفي في مجلة تركية بمونتريال، كندا، : » إنني أخشى أن يزج بي النظام في السجن إذا عدت إلى تونس » فقال لي :  » برافو، حبيبي، ففي تركيا يعتبر السجن بمثابة شهادة كفاءة لممارسة الصحافة، و الصحفي الذي ليست له مشاكل مع القضاء مشكوك في قدراته ». و اليوم بعد أن حكمت اللاعدالة التونسية غيابيا بسجن الصحفي محمد الفوراتي لمدة أربعة عشر شهرا فإني أقول له:  » برافو يا زميل و تقبل أحر التهاني و أطيب التمنيات  بمناسبة حصولك على شهادة الكفاءة الصحفية »
 
(المصدر: مدونة عمر الخيام  بتاريخ 17 مارس 2007) http://omarkhayyam.blogsome.com/2007/03/17/mohamed-fourati-obtient-son-capj/


لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس

التعرض للمتحجبات في وسائل النقل العمومية!!!!???

بسم الله الرحمان الرحيم
 
قامت يوم الاحد صباحا الموافق ل 11مارس2007 دورية تابعة للحرس الوطني قرب قرية غرناطة بالتعرض لسيارة أجرة يمطتيها عدد من المواطنين المغادرين لمدينة منزل بورقيبة  باتجاه مدينة بنزرت  ومن بينهم المواطن بشير بن محمد الفاتح وزوجته السيدة ريم الناصري أخت السجناء السياسيين المتهمين بموجب ما يسمى بقانون الإرهاب وهم حسني وقابيل وعقبى الناصري علما وأن هذه السيّدة كانت منقّبة .

طلب أحد الأعوان من السيد بشير وزوجته  النزول من السيّارة  والإستظهار  ببطاقتهما الوطنية ، ثمّ انهال عليهما  بوابل من الشتائم والإهانات أمام مرئى و مسمع المواطنين واتهمهما بالتطرف والتزمت ومساندة الارهابيين  وتكفير الدولة بارتداء لباس طائفي محظور….  أمر بعدها  سائق سيّارة  الأجرة بالسير خلف سيارة الحرس التي اتجهت بهم مباشرة إلى مقر منطقة الحرس الوطني ببنزرت مما أثار هلع وخوف الركاب في الاثناء اتصل السيد بشير بأحد نشطاء حقوق الانسان بالجهة الذي  اتصل بدوره  بممثل لجنة الدفاع عن المحجبات وكذلك رئيس فرع بنزرت لرابطة حقوق الانسان السيد علي بن سالم وثلة من مناضلي مدينة بنزرت الذين تجمعوا أمام المنطقة .

وفور وصول سيارة الأجرة  تدخّل الإخوة نشطاء الرّابطة لدى الأجهزة الأمنيّة  لترك سبيل المواطنين ، وقد تمّ ذلك خشية مزيد تعقيد الأمور وتجمهر المواطنين أمام المنطقة وبذلك تتحول المشكلة إلى قضية رأي عام إذ تعمل  السلطات الامنية  دائما  على تطبيق منشور 108 سيئ الذكر بكل حذر ودون جلب انتباه  المواطنيين .

و لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس إذ تستنكر ما حصل يوم الأحد الفارط  فانها تعتبر أن هذا التصرّف  يندرج  ضمن الحملة الأمنية المستمرة  التي شرع الحكم أبوابها صائفة 2006 في سياق ما يدعيه من مقاربة تونسية لفهم وتاويل الاسلام والتي لم نرى منها إلا انتهاكات صارخة لأبسط  الحقوق الفردية للمواطنين   لذا فإنّنا نناشد جميع المنظمات و الجمعيات الحقوقية التونسية والعالمية  للوقوف وقفة جدية الى جانب ضحايا القمع في تونس للاتصال بنا ومساندتنا protecthijeb@yahoo.fr


 

تونس: دعوة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان

السبت 17 مارس أ. ف. ب. تونس: وجه الاتحاد الدولي لجمعيات الدفاع عن حقوق الانسان الجمعة في تونس دعوة لحماية المدافعين عن حقوق الانسان في شمال افريقيا والشرق الاوسط. وبمناسبة اجتماع لبرلمانيين اوروبيين ومتوسطيين، قال احد المسؤولين في الاتحاد وهو انطوان مادلين « نوجه نداء رسميا كي تكون حماية المدافعين عن حقوق الانسان في صلب نقاش البرلمانيين في المنطقة والجمعية اليورومتوسطية ».

ووجه مادلين هذا النداء مع افتتاح الدورة الثالثة للجمعية البرلمانية الاوروبية المتوسطية التي تعقد في تونس. وقدم خلال مؤتمره الصحافي قسم « مغرب-مشرق » من التقرير السنوي لمرصح حماية المدافعين عن حقوق الانسان. واحصى المرصد التابع للاتحاد الدولي لجمعيات الدفاع عن حقوق الانسان والمنظمة العالمية لمكافحة التعذيب، 1306 حالة قمع في العام 2006 في حوالى 90 بلدا.

وجاء في التقرير الذي نشر في جنيف ان العام 2006 في مغرب-مشرق « كان الاكثر دموية منذ الانتفاضة الثانية (الانتفاضة الفلسطينية في العام 2000) ». واوضح ان « المنطقة شهدت مزيدا من التوتر في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني والحرب في العراق ولكن ايضا الهجوم الاسرائيلي على لبنان ». ويتحدث التقرير ايضا عن القمع الذي تعرض له المدافعون عن حقوق الانسان في 12 بلدا عربيا وفي اسرائيل والاراضي الفلسطينية

 
(المصدر: موفع ايلاف بتاريخ 17 مارس 2007)
 

 

وسط انتقادات حزب معارض لهذه «الخطوة التطبيعية الجديدة» … تونس: أعضاء في الكنيست يشاركون في اجتماعات برلمانية

تونس     الحياة  شارك رئيس الكنيست الإسرائيلي مجلي وهبة وأربعة نواب اسرائيليين في اجتماعات اللجان التحضيرية للدورة الثالثة للمجلس البرلماني الأورومتوسطي التي تُفتتح اليوم في تونس.

وكان وهبة وصل إلى تونس أول من أمس على رأس وفد ضم ثلاثة نواب حزب «كديما» ونائب واحد من حزب «المتقاعدين»، إضافة الى أربعة مساعدين لأعضاء آخرين في الكنيست، وذلك في أول زيارة من نوعها إلى تونس التي جمدت علاقاتها مع الدولة العبرية منذ السنة ألفين. ويحضر الوفد الإسرائيلي اجتماعات المجلس البرلماني الأورومتوسطي الذي يرأسه رئيس مجلس النواب التونسي فؤاد المبزع وبمشاركة 240 برلمانيا يمثلون 33 بلدا من بلدان البحر المتوسط وأعضاء الاتحاد الأوروبي.

ويحضر الجلــسة الافتتاحية كل من رئـــيس المفوضية الأوروبية مانويل بــاروزو والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ومــفوض السياسة الخارجية الأوروبي خافيير سولانا وعـــضو المفوضية المكلفة السياسة الخارجية بنيتا فريرو فالدنر ورئيس البرلمان المغربي عبدالواحد الراضي ورئيس مجلس الشعب المصري فتحي سرور ووفد من المجلس التشريعي الفلسطيني. وتناقش الدورة موضوعا رئيسيا هو الحوار بين الثقافات. وانتقد الحزب الديموقراطي التقدمي (معارضة مرخص لها) أمس زيارة وفد من الكنيست لتونس، وربطت أمينته العامة مية الجريبي في بيان أرسلت نسخة عنه لـ «الحياة» بين هذه الزيارة والدعوة التي وُجهت الى رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للمشاركة في قمة مجتمع المعلومات التي استضافتها تونس العام 2005 والتي أناب عنه إليها وزير خارجيته سيلفان شالوم. ودانت الجريبي بشدة زيارة وفد الكنيست الحالية، مُعتبرة إياها «خطوة تطبيعية جديدة»، وقالت ان «استضافة مؤتمرات دولية لا يمكن أن تُشكل ذريعة للمضي في مسار معاكس للمشاعر الشعبية ومناقض لالتزامات تونس تجاه القضية الفلسطينية».

 
(المصدر: صحيفة « الحياة  » (يومية – لندن) الصادرة يوم 17 مارس 2007)


تواصل اجتماعات الدورة الثالثة للمجلس البرلماني الأورو متوسطي في تونس

 
تونس 17-3-2007 وفا- تواصلت في العاصمة التونسية، اليوم، اجتماعات الدورة الثالثة للمجلس البرلماني الأورو متوسطي، باجتماع المكتب الموسع للمجلس وفريق العمل المكلف بالسلام والأمن في الشرق الأوسط. وأكد السيد فؤاد المبزع، رئيس مجلس النواب التونسي، رئيس الدورة في كلمته الافتتاحية، على ضرورة مساهمة هذا البرلمان في كتابة صفحة جديدة من تاريخ المتوسط، على طريق جعله منطقة تقدم، وبحيرة أمن وسلام، كونه منطقة انتشار الأديان السماوية، وجسر تواصل بين دوله، ومنبعاً لقيم التسامح والحرية والتعاون، وهو أمر ضروري لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دوله. ودعا رئيس الدورة، إلى تكثيف الجهود لإرساء حوار متواصل بين ضفتي المتوسط، للمساعدة على إقامة شراكة فاعلة وشاملة في كل الميادين، تقوم على التساوي لا التفاضل، وعلى التعاون لا على الإعانة.

وتطرق إلى تعثر مسيرة السلام في الشرق الأوسط والأوضاع في المنطقة، مبيناً انعكاساتها السلبية لا على الأمن والاستقرار فحسب، وإنما على الأمن والاستقرار في العالم، وشدد في الوقت ذاته على استعداد تونس للتعاون، من أجل الارتقاء بمستقبل المنطقة، الذي يبقى رهن تحقيق تنمية متضامنة، تقوم على استراتيجية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعميق الحوار. من جانبه، أكد السيد محمد أبو العينين، نائب رئيس البرلمان الأورومتوسطي، النائب في اللجنة السياسية والأمن وحقوق الإنسان، أن اللجنة تطرقت في جزء هام من اجتماعاتها للقضية الفلسطينية- الإسرائيلية، من إجل أيجاد حل سلمي وعادل لها من خلال تنمية الشرق الأوسط.

وأكد في هذا الصدد، أن ذلك هو هدف كل دولة في المتوسط، وأن كل دولة معنية بشكل فاعل وإيجابي بالقضاء على كل مشاكل المنطقة, مشدداً على ضرورة إيجاد منهج جديد، من شأنه المساهمة في إخراج الصراع العربي- الإسرائيلي من عنق الزجاجة. وأشار إلى أن اللجنة، سوف تضع منظومة جديدة للسلام، بحيث يحرص كل عضو في البرلمان الأورومتوسطي، على متابعة ما يتم التوصل إليه مع حكومته، علها تكون بداية حل دائم.

من جانبها، لفتت السيدة ميت جيسكوفا، نائبة في البرلمان الدنمركي، إلى وجود تقدم ملموس فيما يخص القضايا الإقليمية، وخاصةً قضية الشرق الأوسط بين أعضاء اللجنة على مستوى الأفكار المطروحة، مشددةً على أنه لا مجال غير التعاون لإنجاح العملية السلمية، لاسيما وأن المواضيع المطروحة تمس جل القضايا، التي تحظى بإجماع دول المتوسط. وناقش المجتمعون موضوع « الإرهاب »، والذي أصبح عالمياً ويمس الجميع، ولا يهدد المنطقة فحسب، بل كل دول العالم، مشيرين إلى ضرورة إيجاد معايير للتعامل مع هذه الظاهرة، بالتعاون الاقتصادي والأمني والاجتماعي والثقافي، بما يساعد على تنمية شاملة للخروج من مسببات هذه الظاهرة.


 

السيّدة سامية عبّو في لقاء خاص مع الحوار نت

 
 حاورها: مبعوث الحوار نت الى باريس / نور الدين الخميري- ألمانيا .  
الهمّ التونسي كان محور لقاء الدّورة السّادسة التي انعقدت بباريس بتاريخ 23 فيفري 2007 تحت شعار  » من أجل إطلاق سراح المساجين السيّاسيّين وسنّ قانون العفو التّشريعي العام لفائدة ضحايا القمع في تونس  » والذي جمع إلى جانب عدّة شخصيات وجمعيات حقوقيّة تونسيّة ودوليّة العديد من أهالي المعتقلين السيّاسيّين ومساجين الرأي في تونس ، وقد كان لنا على هامش هذه الدّورة لقاء خاص جمعنا بإحدى مناضلات تونس السيّدة  ساميّة حمّودة زوجة سجين الكلمة السيّد محمّد عبّو والتي لبّت دعوتنا مشكورة لتحدّثنا عن مشاغلها وهموم الوطن .

وقبل الدّخول في تفاصيل اللّقاء ارتأينا تسليط الضّوء على شخصيّة هذه السيّدة فمن تكون إذا ، وكيف دخلت السّاحة السيّاسيّة التّونسيّة ؟؟ تعتبرالسيّدة ساميّة حمودة والمعروفة في الوسط السيّاسي التّونسي بالسيّدة عبّو من الرّعيل الثّاني ، ظهرت على السّاحة السيّاسيّة التّونسيّة  منذ اعتقال زوجها السيّد عبّو في 1 مارس 2005 . شاركت في مناسبات عديدة  في عدّة تحرّكات  نظّمتها جمعيات ومنظّمات حقوقيّة دوليّة تضامنا مع زوجها ، تتكلّم الفرنسيّة بطلاقة ، وهي أمّ لثلاثة أطفال ، ولدان وبنت : محمّد ، جمال الدين ونورالهدى. تزاول تعليمها العالى رغم صعوبة الظروف العائليّة بنجاح بكليّة الحقوق بالمركبّ الجامعي بتونس بالسّنة النّهائيّة . تمثّل نموذجا نضاليّا لكسر حاجز الخوف في تونس  وتمتاز بقدرة كبيرة على تحمّل المصاعب والمشاق بصمود وثبات . كان لنا معها هذا الّقاء الخاص  من باريس : الحوارنت : بداية مرحبا بكم سيّدة عبّو وشكرا لكم على تلبية دعوتنا لإجراء حوارمعكم سامية عبّو : أهلا وسهلا بكم وشكرا لكم على هذه اللّفتة الكريمة

الحوارنت : تمرّ الآن حوالي سنتان على اعتقال السيّد عبّو ، كيف تقيّمون هذه السّنوات ؟ ساميّة عبّو : في الحقيقة بقدر ما حملته لنا الأيّام  من أوجاع وآلام ، وبقدر الصعوبات التي اعترضتنا بين حين والآخر فقد مكّنتنا التّجربة  من معايشة هموم المواطن عن قرب والإنخراط في الدّفاع عن الحريّات وحقوق الإنسان في تونس .
الحوارنت : ماهوّ شعور الأبناء بعد اعتقال السيّد عبّو ؟ ساميّة عبّو : كانت الأيّام الأولى صعبة  ولا أستطيع وصفها إليكم ، وقد اختلف فيها شعور الأبناء بين مرتبك وقلق وخائف والموقف في عمومه جدّ مؤثّر ، لكن مع مرو الأيّام تعوّد الأبناء على الوضع الجديد
الحوارنت : هل تعتبرون أنّ الذّرائع التي تقدّمت بها السّلطة التّونسيّة لمحاكمة السيّد عبّو هي وراء حقيقة المحاكمة ؟ أم أنّ هناك أسباب أخرى ؟ سامية عبّو : كما تعلمون فاعتقال السيّد عبّو جاء على خلفيّة نشره لمقالين بتونس نيوز  الأوّل كان بتاريخ 25 أوت 2004 تحت عنوان :  » أبو غريب العراق وأبو غرائب تونس  » والثّاني كان بتاريخ 28 فيفري 2005 تحت عنوان :  » بن علي ـ شارون  » أمّا ما تروّج له السّلطة التّونسيّة على أنّه اعتداء على زميلة له فهو كلام مردود وقد أجمعت كلّ الدّوائر والمنظّمات الحقوقيّة على أنّ محاكمة السيّد عبّو هي محاكمة رأي  وبالتّالي فقضيّة الإعتداء هي قضيّة ملفّقة ، تعود وقائعها إلى عام 2002 أي قبل ثلاث سنوات من تاريخ المحاكمة
الحوارنت : كيف تعاملت المنظّمات الحقوقيّة ومنظّمات المجتنع المدني في تونس مع قضيّة السيّد عبّو؟ سامية عبّو : تلقينا مساندة ودعما كبيرا من طرف العديد من الجمعيات والمنظّمات الحقوقيّة المحليّة والدّوليّة إلى جانب العديد من الشّخصيّات والأحزاب التّونسيّة ولا يفوتني بالمناسبة إلاّ أن أنوّه بالدّور الذي تقوم به هيئة المحامين التّونسيّين من دعم ومؤازرة .
الحوارنت : نقلت بعض وسائل الإعلام تعرّضكم إلى الإعتداء والمضايقة في أحيان كثيرة وأثناء زياراتكم المتكرّرة للسيّد عبّو في سجن الكاف ،  فما حقيقة هذه الأخبار؟ وهل من توضيح لنوعيّة الإعتداءات والمضايقات  ؟ ساميّة عبّو : لقد تعرّضت لاعتداءات ومضايقات متعدّدة ومختلفة وفي أماكن عديدة : في الشّارع ، في    طريقي إلى سجن الكاف وفي بيتي وحتّى في قصر العدالة بتونس ، وقد كان الإعتداء الأوّل الذي تعرّضت له بالعنف الشّديد من طرف أعوان الأمن يوم 2 مارس 2005 ، يوم التّحقيق مع السيّد عبّو بقصر العدالة  أمّا الإعتداء الثّاني فكان يوم 16 مارس 2005 أمام قصر العدالة ، حيث تسبّب لي في رضوخ في يدي اليمنى . ولم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ بل أتعرّض يوميّا لمتابعة أمنيّة لصيقة كما أتعرّض للتنكيل الدّائم عند كلّ زيارة لزوجي حيث يتمّ إيقافي في طريقي  إلى السّجن عديد المرّات من قبل دوريّات أمنيّة وأخضع للإستجواب والمساءلة مع ما يرافق ذلك من استفزازات واعتداءات لفظيّة بشعة ،  كما وقع تهديد العديد من أصدقائي  بسبب اتصالهم بي . أمّا في بيتي فقد تعرّضت عديد المرّات إلى عمليّات ترهيب  من طرف أشخاص مجهولي الهويّة
الحوارنت : كيف هيّ وضعيّة السيّد عبّو داخل السّجن ؟ وهل يتعرّض لمضايقات ساميّة عبّو : يتعرّض  السيّد عبّو لتعذيب نفسي كما يتعرّض للإستفزاز والإهانة والإعتداء من طرف 4 مساجين يقيمون معه في نفس الغرفة ، وقد طالب عديد المرّات بنقله إلى غرفة أخرى لتجنّب تلك الإعتداءات لكنّ إدارة السّجن للأسف الشّديد كانت ترفض في كلّ مرّة طلبه ممّا حدى به منذ مارس 2006 إلى النّوم على سرير حديدي بدون حشاية والدّخول في إضرابات جوع متتاليّة وخياطة شفتيه قصد غلق فمه كأسلوب احتجاجي لسوء  المعاملة والإعتداء المتواصل وبهدف لفت أنظار العالم لتدهور وضع الحرّيات في تونس
الحوارنت : هل من رسالة تودّون توجيهها للسّلطات التّونسيّة ؟ ساميّة عبّو : عندما يشعر الإنسان أنّه يعيش وسط غابة ، محاطا بوحوش مفترسة  ويفتقد لأبسط أنواع التّعامل الحضاري فأيّ معنى بعدها للكلام   ……..؟؟؟؟؟ 
الحوارنت : هل من كلمة أخيرة ؟ سامية عبّو : بقدر صعوبة الأوضاع وتعدّد الإعتداءات والمضايقات فإنّ المستقبل للحريّة في تونس وأملي أن نتعاون جميعا لإنهاء محنة المساجين السيّاسيّن ومساجين الرّأي وتحقيق مطلب العفو التّشريعي العام الحوارنت : شكرا لكم مرّة أخرى سيّدة ساميّة  لرحابة صدركم وأملنا أن يطلق سراح السيّدعبّو وكلّ المساجين السيّاسيّين في القريب العاجل ساميّة عبّو : شكرا لكم
أعدّ الحوار ونسّقه : نورالدين الخميري
 
(المصدر: موقع الحوارنت  بتاريخ 17 مارس 2007)
 


ألم يأن لفرسان الحرية وراء القضبان في تونس أن تترجل ؟

الحلقة الثانية

السجين السياسي : كريم الهاروني

 

ــ هو كريم الهاروني.

ــ مولود في : 17 ديسمبر كانون الأول 1960 بالمرسى ( شمال تونس العاصمة).

ــ أعزب.

ــ متخرج عام 1985 من المدرسة القومية للمهندسين بتونس برتبة : مهندس أول ( إختصاص هندسة معمارية ).

ــ مسجل بكلية العلوم بتونس لنيل شهادة الدكتوراه. ولكن حالت ظروف السجن دون ذلك.

ــ من مؤسسي الحركة الإسلامية في تونس ( حركة النهضة حاليا ).

ــ من مؤسسي الإتحاد العام التونسي للطلبة عام 1985 بالجامعة التونسية.

ــ إنتخب أول أمين عام للإتحاد العام التونسي للطلبة.

ــ إعتقل لأول مرة في إثر خروجه من صلاة التراويح عام 1981.

ــ ظل بعد ذلك محل ملاحقات ومتابعات أمنية بوليسية بسبب تدينه ونشاطه الإسلامي والطلابي.

ــ حوكم حضوريا أمام محكمة أمن الدولة عام 1987 بعشر سنوات سجنا نافذا ومثلها مراقبة إدارية.

ــ حوكم حضوريا أمام المحكمة العسكرية عام 1992 بالسجن مدى الحياة.

ــ نال قسطه وافرا من وجبات التعذيب في محلات وزارة الداخلية عامي 1987 و 1991 وكذا في مختلف السجون التي مر بها.

ــ يقضي عقوبة السجن مدى الحياة منذ عام 1991 حتى يومنا هذا.

ــ قبع في العزلة الإنفرادية بالسجن عامين كاملين من أفريل نيسان 2003 حتى 2005.

ــ قضى في سجن الهوارب بالقيران خمس سنوات كاملة في أسوإ ظروف إعتقال مما أثر في حالته الصحية تأثيرا بالغا.

ــ وقعت نقلته بشكل تعسفي إلى سجون داخلية كثيرة منها : سجن 9 أفريل وبرج الرومي وسيدي بوزيد والمسعدين والمهدية والمنستير وصفاقس الخ… وفي كل ذلك كانت عائلته التي تقطن المرسى بتونس العاصمة تلاقي الأمرين على درب زيارته التي تدوم دقائق معدودات.

ــ قام بإضرابات عديدة عن الطعام أملا في تحسن أوضاعه المعيشية داخل السجن منها ما تجاوز خمسين يوما كاملة.

ــ فقد أمه يوم 16 أوت أغسطس 2006 ومكنته إدارة السجن من حضور دفنها.

ــ كريم الهاروني علم على رأسه نار لدى شباب الحركة الإسلامية التونسية وخاصة الطلابية منها.

ــ عرف بدماثة خلقه العظيم من رحمة بالمحتاج وخفض جناح للناس برهم وفاجرهم.

ــ ثبت على قيمه ومثله ومبادئه التي تعلمها في حضن أبويه الكريمين ثم في مدرسة الحركة الإسلامية والطلابية فلم يبدل ولم يغير وظل صابرا مرابطا محتسبا لما يصيبه من أذى في الإعتقال والسجن على مدى عقدين كاملين تقريبا.

ــ حفظ الكتاب العزيز كاملا في السجن.

ــ شهد له الصديق وغير الصديق بالشأو الرفيع والكعب العالي في خلق التكافل وإحترام سنة التعدد وقانون الإختلاف ومن أولئك الصحفي التونسي عمر صحابو على سبيل الذكر لا الحصر.

ــ طالب أحد أشد المقربين من السلطة الحاكمة برهان بسيس بإطلاق سراحه صحبة رفيق دربه العجمي الوريمي بعدما تبين بأن أمثال كريم الهاروني وعجمي الوريمي وغيرهما لا ناقة لهم ولا جمل في مسرحية العنف أو تهديد الأمن العام بل هم منارات أمن وأعلام هدى ومثابات سلام ولكنها المحنة التي لا بد منها تعصر الرجل الصادق الأمين عصرا فينال بها إحدى الحسنيين.

إنتهى الوقت المخصص لنا لزيارة فارس من فرسان الحرية من سجناء تونس ولم يبق سوى توديعه على أمل اللقاء به قريبا إن شاء الله بين أحضان أسرته وأزقة المرسى حرا طليقا.

وإلى زيارة قابلة في ضيافة فارس جديد من فرسان الحرية من مساجين تونس أستودعكم من لا تضيع ودائعه ودائعه.

الهادي بريك ــ ألمانيا

 

رسالة  إلى الأخ كريم  الهاروني

 
ألمانيا في  200.03.13           السيّد كريم عمر خالد الهاروني رقم   2796  الجناح ـ ح 5 ـ السّجن المدني بالمرناقيّة 1110 منوبة تــــــونس أخي العزيز كريم أبلّغكم التحيّة وأرجو أن تكونو بخير وبعد لقد استوقفتني ذكريات كثيرة ، لكن حالت دوني ودونكم أشياء كثيرة للتّواصل عبر البريد ، غير أنّ دوافع الإيمان دفعتني هذه المرّة  لأخطّ لكم بعض الكلمات علّها تزيل عنكم وحشة الزّنزانة وقسوة الأيّام السّود أخي الحبيب يشدّني الماضي أحيانا فأستحضر تلك الأيّام التي قضيناها معا في الجامعة ، غير أنّ سنوات الغربة وآثارها السّلبيّة كادت تنسيني ما احتوته الذّاكرة من رسوم جميلة فتتحوّل تلك الذّكريات بسرعة إلى صور قاتمة  مفزعة  ، فتعجز مخيّلتي عن تصوّر ذلك المشهد ويتوقّف قلمي عن الكتابة أخي العزيز تلك بعجالة بعض ملامح عهدي الجديد أتمنى لكم الخير وإلى رسالة أخرى خارج القضبان أخوك نورالدين الخميري ملاحظة : وجهت هذه الرّسالة  إلى الأخ كريم  الهاروني عبر البريد السّريع  إلى مقرّ سكناه الجديد منذ 1992 بسجن المرناقيّة بتونس 

تعريف مقتضب للسيّد كريم الهاروني

كريم بن عمر الهاروني ولد في 17 ديسمبر 1960 بضاحيّة تونس الشّماليّة / المرسى الشّاطئ متخرّج من المدرسة القوميّة للمهندسين بتونس العاصمة في جويلية 1985 كمهندس أوّل في ميدان الهندسة المعماريّة قام بتسجيل في جامعة العلوم بتونس لمواصلة الدّراسات العليا للحصول على الدّكتوراه إلاّ أنّ سجنه سنة 1988 حال دون تحقيق رغبته وإلى يوم النّاس هذا انتخب أمينا عامّا لأكبر منظّمة طلاّبيّة منذ المؤتمر التّأسيسي للإتّحاد العام التّونسي للطّلبة في أفريل 1985 وفي سنة 1986 أعيد  انتخابه ثانية ليباشر الأمانة العامّة إلى حدود 1988  لكنّ السّلطة التّونسيّة قامت بسجنه خلال سنة 1987 لإقصاءه من السّاحة الطلابيّة  ومن الحياة السياسيّة بالبلاد فأصبحت الأمانة العامّة بالنّيابة  وفي سنة 1989 تولّى رآسة مؤتمر إتحاد الطّلبة ودعا يومها الطلبة لمنح الفرصة لغيره لهذا اللّقب بالرّغم من حرص الجماهير الطلاّبية على مواصلة تقلّد السيّد عبد الكريم الهاروني الأمانة العامّة للإتّحاد حوكم في عهد الرّئيس الرّاحل بورقيبة  وذلك في سنة 1987  بسبب انتمائه إلى حركة الإتّجاه الإسلامي التّونسيّة ب 5 سنوات سجن  و10 سنوات مراقبة إداريّة بعد تعقيبه الحكم ، وأفرج عنه في 6 نوفمبر 1988 بموجب قرار عفو رآسي ضمن مجموعة من إخوانه  عند قدوم الرئيس الحالي بن علي إلى الحكم عبر انقلاب أبيض سنة 1987 ، لتتمّ محاكمته مجدّدا وغيابيّا مرّة من قبل المحكمة الإبتدائيّة ببن عروس بتونس بالسّجن مدّة 9 أشهر  بعد استئناف الحكم وأخرى من قبل محكمة مدنين بسنتين سجنا وكان الغرض من ذلك كلّه إبعاده عن السّاحة الطلاّبيّة والحياة السيّاسيّة بالبلاد حوكم لاحقا في شهر أوت 1992 ضمن حملة شرسة استهدفت الإسلاميّين بسبب انتمائه لحركة النّهضة التّونسيّة  ـ حركة الإتّجاه الإسلامي سابقا ـ بالسّجن مدى الحياة تعرّض لأبشع أنواع التّنكيل في المعتقل حيث وضع لمدّة عامين كاملين في السّجن الإنفرادي بالسّجن المدني بصفاقس في 18 أفريل 2003  ممّا اضطرّه يومها للقيام  بإضرابات جوع متتاليّة فاقت أحيانا ال50 يوما تعبيرا على سوء المعاملة إلى أن أصبحت حياته عرضة للخطر كما خاض عدّة إضرابات جوع  متتالية احتجاجا على المعاملة القاسيّة  التي كان يتلقاها داخل السّجون وحرمانه من أبسط حقوقه المشروعة التي كفلها دستور البلاد وكلّ المواثيق والمعاهدات الدّوليّة التي أمضت عليها تونس بدون تحفّظ مرّ بكلّ السّجون التّونسيّة تقريبا من شمالها إلى جنوبها نتمنى له ولجميع إخوانه مساجين الرأي في تونس موعدا جديدا مع التّاريخ ، ولعلّها ذكرى 20 مارس 07 تكون مناسبة سعيدة  لإطلاق سراحهم ضمن عفو تشريعي عام


18 أكتوبر والتيار الديمقراطي التقدمي : « الالتباس التاريخي »

 
الطاهر بن حسين لازلت أتذكر ما عبّر لي عنه محمد الشرفي في نهاية التسعينات كخلاصة لتأملاته في تجربتنا المشتركة ضمن مجموعة الدراسات والعمل الاشتراكي (برسبكتيف) : » لم نخطأ في معارضة بورقيبة ولكننا أخطأنا في معارضته بالشكل الذي عارضناه به ». والحق يقال أننا عارضنا مؤسّس الدولة الوطنية بمنطق « رمي الرضيع مع ماء الاستحمام ». والرضيع كان آنذاك ما تضمنته الاصلاحات البورقيبية من ايجابيات وتقدمية، وبالخصوص منها ما تعلّق بنشر التعليم وتحديد النسل ووضع المرأة وغيرها. أما  ماء الاستحمام فكان الاستبداد السياسي. ومن مبدأ « لا يلسع المؤمن من جحر مرتين »، بقيت استكشف ما يمكن تصنيفه في باب « الرضيع » وما يمكن تصنيفه في باب « ماء الاستحمام » من تجربة النظام الحالي. ولا يخفى على أحد بأن في هذا النظام أيضا ما يمكن تصنيفه في باب الرضيع، على الاقل ما يتعلق بحفاظه على النمط المجتمعي المتفتّح والجهود المبذولة في الميدان الاقتصادي ومستوى الخدمات الاجتماعية الخ… ولئن كان النظام البورقيبي غير مهدد في نمطه المجتمعي المتفتّح الذي نشترك معه فيه فان هذا النمط اصبح اليوم مهدّدا وسوف يبقى مهدّدا للعديد من السنوات بسبب ظهور التيار الأصولي بمختلف أطيافه. وعليه فان « الرضيع » أصبح اليوم أكثر وضوحا بالنسبة للتيار التقدمي ووجب علينا التمييز ليس فقط اتعاظا بتجربتنا السابقة بل ايضا اعتبارا للخطر المحدّق. وفي المقابل بقي ماء الاستحمام نفسه : الاستبداد.   ومن أخبث مساوئ الأنظمة الاستبدادية أنها تدفع المواطنين الى حالة من القهر واليأس يصبحون فيها متشوّقين الى أي تغيير سياسي، مهما كان مجراه ومهما كان مرساه. وهنا تكمن الخطورة لان هذا التطلع العشوائي للتغيير هو الذي يدفع عفويا الى « رمي الرضيع مع ماء الاستحمام » وهو الذي غالبا ما يفضي الى وضع أتعس مما كان. وتزداد خطورة هذه النزعة عندما تتبناها فئات متزايدة من النخبة. وأخشى ما أخشاه اليوم هو أن المكوّنات النيّرة في حركة 18 أكتوبراتخذت هذا المسار وأخلّت بذلك بدروها كنخبة رائدة تنير الطريق نحو مجتمع أفضل من منطلق تقدمي. طريق الجحيم مفروش بالنوايا الطيّبة لا شك في أن حركة 18 أكتوبر تلبّي حاجة تاريخية في مسيرتنا الوطنية وهي الحاجة الملحة الى ارساء الحريات للجميع، بما فيه لخصومنا بل وبالخصوص لخصومنا، لا سيما وان خصومنا هم أبناء هذا الوطن وطالما لم يلجؤوا الى العنف أوالاكراه في عملهم السياسي فانه يفترض أن تكون لهم جميع حقوق المواطنة. وبالاضافة الى الموقف المبدئي القائل بأن الحرية لا تجزّأ والذي قد يعتبره البعض مثاليا فان حرية عمل خصومنا هي ضمان لحرية عملنا. ونحن نرى اليوم أن ضرب حركة النهضة أدّى الى ضرب أو محاصرة جميع أطياف المعارضة. واذا سلّمنا بصحة هذا المنطلق فانه لا يعقل أن لا تتظافر جهود جميع المعنيين لتحقيق مطالبهم المشتركة. فبأي منطق يسجن العياشي الهمامي او نجيب الشابي او مصطفي بن جعفر نتيجة تحركاتهم للمطالبة بحرية عمل النهضة وباطلاق سراج مساجينها بدون أن يتواجد مناضلو النهضة في نفس التحركات وبدون أن يتعرضوا لنفس المخاطر؟ وعلى هذا الاساس فان العمل المشترك مع حركة النهضة من أجل حقوق المواطنة لهو ليس فقط منطقي بل وضروري أيضا. ولذلك فاني أرى غياب بعض التيارات التقدمية، مثل حركة التجديد والشيوعيين الديمقراطيين وحزب العمل الوطني الديمقراطي وغالبية المستقلين التقدميين وغيرهم، في هيئة 18 أكتوبر غير منطقي،  على الأقل من منطلق المطالبة بالحريات. ولا يخفى بالطبع أن في هذا العمل المشترك خطورة زرع الالتباس في أذهان الراي العام بأن التيار التقدمي يشترك مع حركة النهضة في مشروع سياسي ومجتمعي كامل وليس فقط في اكتساب حقوق المواطنة. وعليه كان مشروع تنظيم منتدى 18 أكتوبر بادرة خير لتوضيح المواقف ولنشر الوعي بتمايز المشاريع بين التيار التقدمي والتيار النهضوي الاخواني. ولكنه يبدو أن كل طرف دخل في هذا العمل المشترك وفي هذا الحوارالذي كان يفترض أن يكون توضيحيا بحتا مع اصطحاب « شيطانه في جيبه ». فهناك من أراد الاعتقاد بأن حركة النهضة تبنت المشروع الديمقرطي وأصبحت مرشحة كطرف في التحول الديمقراطي، ثم بدأ يستعمل مجهره للبحث عن تبريرات لموقفه.  وهناك من فتح كتاب « الفقه الجدلي »  وأفتى بأن حركة النهضة، بالرغم من رجعية مشروعها، لهي « العدو الثانوي » مقارنة بالنظام الذي  يعتبرونه « العدو الرئيسي ». وهناك من ركب الموجة عملا بمبدأ « شنقة مع الجماعة خلاعة ». ولقد تجلّت هذه المواقف بوضوح من خلال اعلان هيئة 18 أكتوبر حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. صارعني وصارعته وأعانني الله عليه فجئت تحته يلخّص هذا المثل « الشابي » ما وصلت اليه هيئة 18 أكتوبر من موقف حول المرأة في علاقة بالتحاور مع حركة النهضة حول الموضوع. وصدر هذا الموقف في بيان يحتوي 201 سطرا بجريدة الموقف عدد 396 من بينها 72 سطرا تضمنت تعدادا للمكتسبات التي تحققّت للمرأة التونسية خلال الخمسين سنة السابقة، وهي مكتسبات يعلن الاسلاميون الموقعون تمسكهم بها بينما يعتبر زعيم حركة النهضة انها « اسقطت…على حساب شخصيتنا الحضارية » ويطالب بتطبيق الحدود بدلها . كما تضمن البيان 114 سطرا تبنّى  فيها الموقعون العديد من المطالب المهنية والنقابية الخاصة بالمرأة والتي لا يمكن لاي معارض، مهما كانت مرجعيته أن يرفضها، اذ أنها تتعلق اساسا بالميزانيات المرصودة لتحقيقها ولا تمسّ بعدم المساواة. وتضمن أخيرا 4 أسطر للاعلان عن ضرورة الاستعجال في ارجاء المطالب الجوهرية المتعلقة بالمساواة (المساواة في الارث وتحفظات الدولة التونسية حول الاتفاقية الدولية الخاصة بالمرأة) و 6 أسطر لتأييد التحجّب بدعوى الحرية الذاتية و5  أسطر لنفي كل ما سبق ذكره من مكتسبات بالنداء الموجّه الى الحركات السياسية والمجتمع المدني « لمواصلة الجهد في اطار من التفاعل بين مقومات الحضارة العربية الاسلامية للمجتمع التونسي ومكتسبات البشرية في العصور الحديثة…لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين ». وكأني بالموقعين يتجاهلون أن الحضارة العربية الاسلامية، مثلها مثل جميع الحضارات المعتمدة على الدين، لم تخلق في كامل تاريخها ولن تخلق أي  تقدم في مجال المساواة بين الرجل والمرأة. فتحصيل الحاصل هو أن حركة النهضة نجحت في تحقيق أكبر عملية « تسوية بالاسفل » في كامل حياتها، اذ تراجع الديمقراطيون ليتقهقروا نحو ركب النهضة الذي لم يتزحزح قيد أنملة. فالاعتراف بالمكتسبات اختصر على شخصين ولا يلزم القيادة الرسمية للنهضة التي لها موقفها المخالف صراحة (وهذا اذا اعتبرنا ان الاعتراف بالمكتسبات يكتسي أهمية تاريخية أو أن حركة النهضة قادرة على تهديدها) بينما الموافقة على ارجاء النظر في المساواة في الارث وفي رفع التحفظات  وخاصة الاتفاق على « التفاعل بين مقومات الحضارة العربية الاسلامية » مع تيار ما انفك يختصر ذلك التفاعل في تأويل النص الديني، يلزم الحركات الديمقراطية الموقّعة. ولا أرى شخصيا أي مبرر لهذا « الاستسلام » اذا كنا نعمل فعلا من أجل مجتمع أفضل وليس لمجرد التغيير من أجل التغيير. فلئن كانت الارضية الاصلية لهيئة 18 أكتوبر خطوة الى الامام من أجل الحقوق والحريات المدنية فان « تحميل النهضة ما لا طاقة لها عليه » لن يؤدي في أفضل الحالات الا الى اجهاض الحركية الايجابية الاصلية لهذه الهيئة وفي اسوأ الحالات الى « الخونجة » التدريجية للتيارات التي تتنازل عن القيم الكونية التي تأسست عليها لكسب حليف يدوسها بأقدامه.

 

 

تونـــس: في مقر الحزب الديمقراطي التقدمي

حصيلة هزيلة بعد 51 سنة من الاستقلال

 
تونس- سفيان الشورابي

لجرْد التاريخ السياسي و الاجتماعي لتونس منذ إعلانها الاستقلال عن فرنسا في 20 مارس 1956، و لبيان أهم الاستحقاقات السياسية المطروحة أمام الأجيال الحالية، نظّم الحزب الديمقراطي التقدمي ( معترف به ) ندوة سياسية أمس الجمعة 16 مارس في مقره المركزي، تحت شعار « السيادة الشعبية و السيادة الوطنية »، حضرها جمْع من المواطنين و الناشطين في الحقليْن المدني و السياسي، و على رأسهم كل من السيدات و السادة؛ حمة الهمامي، الناطق باسم حزب العمال الشيوعي التونسي، و مصطفى التليلي عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، و سامية عبو وفاطمة قسيلة و عبد اللطيف عبيد و آخرين. و استهل اللقاء السيد منجي اللوز، عضو المكتب السياسي للديمقراطي التقدمي، بتأكيده على أن « طموحات وتطلعات الرعيل الأول من المناضلين في حياة كريمة ذهبت هباء ». و أصبح من اليقين أن رغبتهم في الرقي الاجتماعي و التنمية السياسية اصطدمت بحواجز « الحكم الفردي للمرحوم الحبيب بورقيبة » على حد تعبيره. فتونس خلال النصف الماضي من القرن الفارط، و على عكس الروايات الرسمية، تكتوي من نيران البطالة المنتشرة بكثافة بين شرائح كبيرة من الشباب. و تذبذب النمو الاقتصادي و انخرام الوضع الاجتماعي، تكشف حسب رأيه فشل السلطة التونسية في تحقيق الرخاء للشعب التونسي الذي عاش الويلات من سياسة الاستعمار الفرنسي. و تحمل تضحيات كثيرة من أجل بناء الدولة العصرية، لم ينل منها سواء القهر و القمع و الاستغلال. وهو ما بيّنه السيد أحمد نجيب الشابي، عضو المكتب السياسي لنفس الحزب، في مداخلته التأْريخية حول ماهية و طبيعة الاستقلال الذي تحقق.
استقلال شكلي؟
أبرز السيد نجيب الشابي بأنه لا يصح الحديث اليوم عن استقلال كامل الشروط و تام من جميع الجوانب و متناغم مع تصور القطاعات الشعبية و الحركات السياسية و النقابية التي ضحّت بدمائها من أجل تحرير البلاد من هيمنة و الاستعمار استلابه . فالاقتصاد التونسي مثلا، رغم المحاولات التي قامت به الحكومة الفتية التونسية لم يفقد ارتباطه الهيكلي بالمجال الغربي. و ظل في جانب كبير منه يخضع بدرجة كبيرة إلى أملاءات الغرب. و لم تستطع السلطة نحت بنيان اقتصادي وطني متكامل. كما راهن النظام التونسي في سنواته الأولى على الصراعات الدولية الدائرة في إطار الحرب الباردة. و نسج تحالفاته بما يكفل له الاستفادة القصوى من التباينات بين المعسكرين المهيمنين حينها. غير أنه في الصعيد السياسي خيّر بورقيبة « احتكار الرأي و إقصاء النخب بمن فيها من شاركه المعركة التحريرية ». و كانت تجربته على رأس السلطة متسمة بقتامه كبيرة، يغلب عليها بصورة أساسية استعمال أسلوب العنف لحل الخلافات السياسية و القضاء على الخصوم. و هو ما أدى دوما إلى « الإخفاق في العديد من المنعرجات ». و بالتالي فانه يُطرح الآن بشدة أهمية البديل الديمقراطي كخيار ذا أولوية. « فصحيح أن التونسيين حققوا العديد من المكاسب في العديد من المجالات. و لكن الحكم الفردي للنظام البورقيبي قلّل من حجمها ». و ما على المعارضة التونسية التقدمية إلا صياغة المبادرات و الدفع نحو التغيير الديمقراطي الحقيقي، سواء عن طريق التحاور الجدي مع السلطة و مختلف الحركات السياسية، أو من خلال الاعتماد على الوسائل الأخرى المشروعة لتحقيق هذا الهدف، على ما جاء على لسان الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي السيدة ميّة الجريبي في حوار أجرته معها الجريدة اليومية « الصباح » أول أمس.
مؤشرات انفراج ؟
إذ شددت السيدة الجريبي على أنها لا تدري ما يقصد « بمؤشرات الانفراج؟ هل تعني الكتب الممنوعة من النشر، أو الاحزاب والجمعيات التي تنتظر الترخيص للنشاط ، أم تعني العوائق التي تعيشها بعض أحزاب المعارضة القانونية التي تختلف مع السلطة، أم تعني ملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان الذي ما يزال يعاني مأزقا واضحا، أم مشكل تحرير الاعلام وقضايا سياسية أخرى بالغة الاهمية، على غرار العفوالتشريعي العام ». واعتبرت أن  » التوصل لصياغة ميثاق ديمقراطي ييسر العمل المشترك، ويمهد ارتقاء حركة 18 أكتوبر من حركة مطلبية تحررية إلى قطب سياسي فاعل » وكانت المجموعات السياسية المجتمعة في إطار هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات نظّموا لنفس المناسبة السنة الفارطة تجمعا احتجاجيا في « ساحة الاستقلال »، تعبيرا منهم عن غضبهم من حالة التردي التي تعيشها البلاد رغم مرور نصف قرن من التحرر. و جوبهت الحركة حينها باستعمال العنف الشديد من طرف الشرطة التونسية .و تعرض الكثير منهم إلى أضرار بدنية بليغة. في مناسبة كانت مكثفة بالرموز رغم محدودية عدد المشاركين فيها

http://sofinos.maktoobblog.com/?post=248030 [1]


الكتاب بين سياسة القمع وقوانين المنع

لم يقتصر أسلوب الحدّة ومنطق المحاصرة والمنع على قمع التظاهرات ومنع الاجتماعات بل تجاوزها ليشمل إبداعات الفكر والوجدان. وتعتمد السلطة أساليب مختلفة منها منع ترويج الكتب بشكل مباشر بتعلّة الحصول على وصل الإيداع القانوني، ومنها ما هو غير مباشر باستعمال أساليب ملتوية تعطّل توزيع الكتاب، نفس الشيء بالنسبة للصحف التي سرعان ما ترفع من السوق بقدرة قادر ونادرا ما يحصل أحد القراء عليها خصوصا وأن سرعة أعوان الأمن تتصف بالبرقية والردعية أيضا. ولنا أن نستعرض نماذج من كتب ممنوعة ولا نضنّ أن القائمة ستقف عند حدود ما أعلن عنه من عناوين طالما وأن العقلية المنتجة للسياسة المتبعة لم تتغيّر بعد: ** « محاكمة أحمد بن صالح » للأستاذ عبد الرحمان عبيد، كذلك كتابه « أحمد بن صالح عبر محطات الذاكرة » علما وأن الجامعي عبد الرحمان عبيد توجّه برسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة عنوانها « متى يتمّ الإفراج عن مؤلفاتي؟ » والرسالة صدرت بتاريخ 11 مارس 2005 ويبدو أن وزير الثقافة لم يقرأ بعد هذه الرسالة التي بلغ عمرها العامين. ** « قدري أن أرحل » هو الآخر كتاب لم ير النور للشهيد الراحل الفاضل ساسي وقد قام بتجميع نصوص الكتاب والد المؤلف والأستاذ جلول عزّونة بعد أحداث الخبز سنة 1984، علما وأنّ محتويات الكتاب نشرت في نصوص متتالية على أعمدة صحيفة « الشعب ». فحسب أي منطق تنشر النصوص نفسها متفرقة وترفض عند جمعها في كتاب؟ ** الأستاذ توفيق البشروش منع كتابه « امرأتنا من خلال فتاوينا » وهو محجوز منذ عام 2001 كما أنه منع من التأشيرة وربما تنتظر الوزارة فتوى لرفع الحجز عنه. ويمنع منذ 1999 كذلك كتاب « المسلم في التاريخ » وهو عبارة عن عدد من المداخلات التي ألقيت في إحدى ندوات كلية الآداب بمنوبة. كما تمنع المجموعة القصصية لجلال الطويبي المعنونة بـ « مناضل رغم أنفه » وقد طبعها المؤلف على نفقته الخاصة سنة 1995 ثم طبعها للمرة الثانية سنة 2003 لكنها لم تحصل على البراءة رغم الاستئناف بالطبعة الثانية . ** رئيس رابطة الكتاب الأحرار الأستاذ جلول عزونة له كتاب صادر عن دار سحر للنشر منذ عام 2002 بعنوان « الحرية والآداب متماهيان » وهو عبارة عن مجموعة مقالات نشرت بالصحف لكن موقف السلطات منها نتيجة لموقفها من الكتاب وهي طريقة جديدة في العقاب « إذا لم نسجن جسدك فإننا نسجن إبداعك وفكرك ». ** « عودة عزّة المغتربة » للكاتب محمد الهادي بن صالح ممنوع منذ 1994 و » شاهد عيان قال » لمحمد الشابي وهو ديوان شعر صادر عن دار الأقلام ومصادر من السلطات بالإضافة إلى « النسر والحدود » للكاتب هشام الغربي الصادر عن دار النورس للنشر، وديوانان آخران هما « لا شيء يوجعني » للشاعر عبد الوهاب المنصوري و « يا أمتي » للشاعر الصادق شرف منذ سنة 1990 والصادر عن دار الأخلاء. ** قاعدة تعاملات غريبة: فدور النشر التي تصدر الكتب عديدة ودار المنع والمصادرة واحدة، وهي غير قابلة للنقاش ولا لتغيير رأيها. والأغرب من ذلك أن كتبا في المدح والتكسّب تمنع هي كذلك من النشر من قبيل « الاستقرار السياسي في تونس » و » الخطاب المفيد في العهد الجديد » وديوان شعر بعنوان « خربشات » ويبدو أن قواعد المديح أصبحت صعبة الحفظ والتعلم في ظل سباق متنوع لفلسفة الولاء والطاعة. هذا وتمنع سلسلة من الكتب التي أصدرها المعهد العربي لحقوق الإنسان من التوزيع ومنها « المنظمات غير الحكومية في العالم العربي » و « الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية » لحاتم قطران كما يمنع أيضا كتاب « نسيان الفحولة » للكاتبة رجاء بن سلامة وديوان « الصعلوك » وكتاب « نحو عقل إسلامي عام » لفريد خدّومة الذي طبعهما الكاتب على نفقته الخاصة. لا شيء سوى الحصار للكلمة وللفكرة وللجسد في وقت تعجّ به مكبّرات الصوت بالدعوات للإبداع لتتراقص فيه ماجورات الأعياد المأجورة معبّرة عن الفرح الدائم بالعدل الدائم والأمن الدائم والنظام الدائم أبدا. الصحبي صمارة (المصدر: صحيفة « مواطنون » (معارضة – تونس)، العدد 9 بتاريخ 7 مارس 2007)  

11 أفريل القادم إضراب في التعليم الثانوي

أصدرت النقابة العامة للتعليم الثانوي لائحة مهنية حددت من خلالها دخول كامل المدارس الإعدادية والمعاهد ومدارس المهن في إضراب إنذاري يوم الأربعاء 11 أفريل القادم في صورة عدم استجابة الوزارة للمطالب النقابية.
وفي لقاء لنا بالسيد الشاذلي قاري الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي، أكد لنا أن الإضراب جاء نتيجة عدم التزام الوزارة بالتوقيت الأقصى للاستجابة لمطالب الأساتذة والذي تم تحديده ليوم 28 فيفري الفارط، بل تنصّلها من بنود محضر اتفاق 17 أكتوبر 2006 الممضى من الطرفين والقاضي بالتفاوض حول الترفيع في منحة التكاليف البيداغوجية قبل موفى فيفري 2007.  كما نددت النقابة بعدم فتح التفاوض حول مدارس المهن، و بالاعتداء على حرية ممارسة العمل النقابي داخل المؤسسة التربوية بمنع الاجتماعات ومضايقة المسؤولين النقابيين وتلفيق التهم ضد البعض منهم، وتنصيب ما سمّي بـ « مجلس المؤسسة » دون تفاوض مع النقابة العامة، علاوة على تردي ظروف العمل وتنامي العنف المادي واللفظي ضد المدرسين.
وقد أفادنا السيد قاري بأن الأطراف النقابية تطالب الوزارة بفتح التفاوض الفوري فيما ظل عالقا من بنود محضر اتفاق 17 أكتوبر 2006. وتجدد النقابة مطالبها باحترام حرية ممارسة العمل النقابي بما في ذلك حق الاجتماع، التفاوض في النظام الأساسي لمدرسي التعليم العالي وفقا لمشروع القطاع كما تطالب الجهات النقابية وزارة الشباب والرياضة والتربية البدنية بتطبيق اتفاقية 24 مارس 2005 والاستجابة للمطالب الخصوصية لمدرسي التربية البدنية الواردة في لوائح ومقررات القطاع ويسحب كل ما تم الاتفاق عليه مع وزارة التربية والتكوين عليهم.
وحرص السيد الشاذلي قاري على التأكيد أنه لم يتم منذ مارس 1985 ولا مرة تفاوض النقابة مع وزارة التربية والتكوين على عكس ما صرّح به السيد وزير التربية في مؤتمر صحفي بأنه تم عقد 17 جلسة تفاوضية بين الوزارة والأطراف النقابية وأضاف مصدرنا بأن الجهات النقابية ترفض رفضا قاطعا المجالس المنتصبة وتعتبرها صورية ولا تمثل إلا نفسها وأن الأساتذة يقاطعونها.
وكدليل على التجاوزات الخطيرة ومحاصرة العمل النقابي التي تشهدها المؤسسات التربوية مدّنا السيد الشاذلي قاري بوثيقة مفادها أن مدير معهد حي سيدي عبد القادر بالرديف طالب كتابيا من أحد العمال بالمعهد مراقبة النقابيين وتحركاتهم بالمعهد وإعلامه بأي جديد يطرأ وفيما يلي نص المراسلة: إيمان المداحي (المصدر: صحيفة « مواطنون » (معارضة – تونس)، العدد 9 بتاريخ 7 مارس 2007)  

ركــن التــربية علمني… علمني… درس في… التوجيه المدرسي في حوار حول التوجيه المدرسي سأل الأستاذ تلاميذه عن توجهاتهم: – بهاء: آمل أن أشارك في أكاديمي ستار… وأصبح من النجوم الكبار… فأضمن مستقبلي بقليل من العناء وكثير من الإغراء. – رياض: آمل أن أهبش هبشة نكراء… من ورقة بروموسبور خضراء… تجلب لي الثراء… وتنقلني من صنف الضعفاء إلى صنف الأقوياء. – هاجر: آمل أن أحفظ « باسطا » و « أنكورا » من اللغة الإيطالية… فأشق عباب البحر إلى « بونتالاريّة » وأجمع ثروة في صبح وعشية… وأعود إلى بلدي بسيّارة وأرصدة مالية… قال الأستاذ: إليك يا مدرستي تحيّة زكيّة…. سي يوسف (المصدر: صحيفة « مواطنون » (معارضة – تونس)، العدد 9 بتاريخ 7 مارس 2007)  

دفاعا عن السلطة

كل ما حدث ويحدث وما سيحدث يدعو إلى القلق… كل القطاعات تشهد تراجعا سريعا وغريبا رغم كل الأخبار والأرقام المعلنة، بل إن بعضها تعطّل تماما وأصبح تسمية فضفاضة للفراغ أو ما شابهه، والنتائج جلية للقاصي والداني وللعام والخاص…بطالة، جريمة، جهل، تطرّف، عدم مبالاة… قد يكفي البعض اتهام جهات أجنبية أو الكتب الصفراء أو فئة ضالة ليبرّر كل ما يحدث لكنهم يعلمون ونعلم أن هذا الكلام لا يستند إلى معطيات علمية وموضوعية… قد لا تكفي صفحات هذه الجريدة وصفحات كل الجرائد « الوطنية » لوصف الواقع وذكر الأسباب. لذلك سأنصرف عن هذا المبحث إلى تحديد المسؤولين عن ما آلت إليه البلاد وما صار عليه العباد… قد يقاطعني البعض بإجابة بسيطة بديهية من أن السلطة بمكوناتها الرسمية والعائلية والجغرافية هي المتسبب الرئيسي في ذلك… طبعا هذه إجابة سليمة لا تقبل النقاش، بل أذهب إلى أبعد من ذلك في تحميل المسؤولية لا إلى سلطة « التغيير المبارك » فحسب، بل إلى سلطة « الحزب الواحد » منذ نشأتها الأولى التي استأثرت بكل مكونات نظام الحكم وأقصت وشرّدت وسجنت وقتلت كل من خالفها في الرأي… لكني أعتقد أن مسؤولية السلطة الحاكمة لا تساوي شيئا أمام مسؤولية أطراف أخرى تمثل الخطر الأكبر المهدّد لمصالح الأمة… أشخاص كانوا محسوبين، إلى زمن ليس ببعيد، على المعارضة والثقافة والنضال والمجتمع المدني نراهم الآن في مناصب رسمية وشبه رسمية يجتهدون ويبدعون في شهادة الزور لإيجاد المبررات لكل ما يحدث، لا يستحي أحدهم أمام كاميرا التلفزيون أو على منصة قاعة اجتماعات في نزل من فئة سبعة نجوم ـ بعد ملء بطنه في المطعم المجاور ـ من التنويه والإساءة والمناشدة والنشيد… طبعا هم ينالون أجورهم سرا وعلانية… وطبعا هم يعرفون أنفسهم ويعرفون أننا نعرفهم ورغم ذلك يتطاولون وتأخذهم العزة بما يأتونه من فعل « وطني » يساوي الفتات الذي يلقى به إليهم من المال العام على غير وجه حق والمتمثل غالبا في منصب هنا أو هناك (عضوية في مجالس متنوعة) ينالون من ورائه دخلا شهريا قارا غير محترم… أو تفرغا من العمل لفائدة حزب سياسي معترف به أو جمعية معترف بها، أو مشاركة في الندوات الوطنية والدولية المدفوعة الأجر ـ بحسب درجة الولاء العلني وخاصة السري ـ  طبعا ليس بإمكاني ذكر الأسماء، لكني أعرف الكثيرين منهم، بعضهم « مناضلون » في أحزاب « الموالاة » ويتمتعون بامتيازات قد لا يتمتع بها بعض « مناضلي » الحزب الحاكم… مقرات ودعم مادي ودعوات للمشاركة في المحافل الرسمية وتشريك في مجالس « منتخبة » أو « منصبة »  تتمتّع بالتفرغ للنشاط الحزبي، وحماية خاصة قد تسمح للبعض منهم بالقيام ببعض التجاوزات من حين لآخر… تراهم أحيانا ـ بعيدا عن الأماكن العامة الشعبية ـ وقد ظهرت عليهم علامات النعمة والتغيير يبتسمون/ لا يتكلمون خوفا من الانجرار إلى ما يحرجهم ويورطهم مع « أعرافهم ». وبعضهم تقلّد مناصب مرموقة في الجمعيات ـ بدعم من السلطة طبعا ـ يتمتعون بالدعم المادي والأدبي، فلهم أن يسافروا في مهمات سرية يقع الإعلان عنها بعد العودة، ولهم أن ينالوا نصيبهم من ميزانية الجمعية التي ينتمون إليها وحتى من الجمعيات الأخرى، ولهم ولهم… هذه الفئة المحسوبة على أحزاب المعارضة والمجتمع المدني، في تقديري، أكثر خطورة من الممثلين الرسميين للسلطة، فالذين لا يعرفون حقيقة ما يجري قد لا يصدقون رموز النظام السياسي الرسمي ولكنهم يصدقون هؤلاء حينما يصمتون أو يؤيدون أو ينوّهون أو يتهمون، وخاصة حينما يناشدون لأنهم « يقدمون أنفسهم زورا كمستقلين عن السلطة… فتسمع أقوالهم ».  هؤلاء أكثر خطرا وأجدى بأصحاب الرأي الحر تعريتهم وكشف زورهم السياسي والفكري، فالأمة في خطر والحالة لا تحتمل المهادنة مع من لوّث يده ولسانه وحسابه البنكي بتعب وألم أبناء هذا الشعب الطيّب.. أين دولة القانون عندما يطالب مواطن بحقه القانوني ويتمسك به في ظل دولة تدعي أنها دولة القانون والمؤسسات يتعرض للتهديد وبالويل والثبور هذا ما حدث لمواطن يقطن حومة ضرب الباب بجرجيس عندما قام رئيس مركز الأمن صحبة أربعة من أعوانه بمحاولة مداهمة منزله وتفتيشه بدون إذن من وكيل الجمهورية، رفض المواطن السماح لهم ومنعهم من الدخول فحاصره أعوان الأمن وحاولوا السيطرة عليه وإدخاله السيارة لنقله إلى منطقة الأمن. فحدث هرج وصياح عنيف تجمهر على إثره عدد كبير من جيرانه والمارة عندها، خيّر الأمن الانسحاب. وقع هذا بناء على وشاية تقدم بها منظف المركز وهو معروف بأفعاله وتصرفاته لدى الخاص والعام. الغريب أن هذا المواطن لا يعرف السبب الذي من أجله أراد الأمن تفتيش منزله. هذه الواقعة ذكرتني بموقف أبي جهل الذي تصدى للرسول وأتباع الدين الجديد عندما احتج عليه وجهاء مكة على عدم مداهمته منزل محمد وتحطيمه فأجابهم بقولته المشهورة : « أتريدون أن تتحدث عني العرب بأني انتهكت حرمة بيت محمد ! ». موقف جاء من رجل يؤمن باللات والعزة، إنها عبرة لمن يعتبر. أحمد زكرياء الماقوري (المصدر: صحيفة « مواطنون » (معارضة – تونس)، العدد 9 بتاريخ 7 مارس 2007)

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أفضل المرسلين تونس في: 17/03/2007 

الحلقة الأولى ذكرى 20 مارس 1956 ستبقى علامة بارزة في التاريخ وشمعة مضيئة على الدوام ومنارة مضيئة في بلادنا

 
  إن قيمة الشعوب وحضارة الأمم وتقدم الأوطان تقاس بمدى المحافظة على تاريخها ورصيدها الوطني وتقديرها لزعمائها وإكبارها لدورهم وتضحياتهم الجسام وأن تونس العربية المسلمة تعتز وتفتخر برصيدها الزاخر وبماضيها المجيد الحافل بالإنتصارات والإنجازات والمكاسب والتحولات الهامة والكفاح الوطني الطويل الشاق على إمتداد أكثر من ثلث القرن 34 سنة كاملة من النضال الوطني والمحطات الوطنية التاريخية إنطلاقا من تأسيس الحزب الحر الدستوري التونسي عام 1920 على يد الشيخ عبد العزيز الثعابني ورفاقه رحمهم الله.
في المحطة الأولى لتأسيس الحزب ثم جاء دور المحطة الثانية والإصلاحات الجريئة الشجاعة وتنظيم الحياة السياسية والحزبية على قواعد جديدة تعتمد على الإتصال المباشر وبث الوعي الوطني وتنظيم صفوف الشعب وتعبئته للمعركة الحاسمة وكان ذلك في 2 مارس 1934 المحطة التاريخية الهامة والمنعرج السياسي الحاسم الذي وضع الحزب الجديد في المسار الصحيح وتم ميلاد الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد في 2 مارس 1934 في مؤتمر قصر هلال التاريخي. بعد أن إتصل المحامي الشاب الحبيب بورقيبة بأحرار قصرهلال يوم 3 جانفي 1934 وشرح لهم بصراحة وجهة نظره وسلط الأضواء على الخلاف الذي حصل عام 1933 بينه وبين أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب القديم وتضامن معه رفاق الدرب وزملاء المحنة وأصدقاء الأوقات الحرجة وجاء المؤتمر الخارق للعادة الذي سماه المناضل وناس بن عامر الإنشقاق المبارك وانتخب المؤتمر قيادة سياسية شابة مثقفة ثقافة عالية وحصل هذا عام 1934. وشمر مكتب الديوان السياسي على ساعد العمل وبدأ النضال الحقيقي والاتصال المباشر والكفاح الوطني حتى شعر الإستعمار الفرنسي بخطر الجماعة قادة الحزب الجديد فأبعدهم إلى الجنوب التراب العسكري في قبلي ثم برج البوف وكانت المحنة الأولى لإمتحان الرجال قال الله تعالى: »ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم«. صدق الله العظيم. وواصل قائد السفينة ورفاقه قيادة الحزب من محنة إلى محنة ومن معركة إلى معركة ومن خطة إلى أخرى بحكمة وتبصر حتى تتوجت كل المحن والمعارك والخطط بالنجاح والفوز المبين وجاء النصر على يد قائد السفينة وبطل التحرير الذي صبر واعتمد على الله وأخلص عمله لله وتطوع لخدمة شعبه بكل صدق وإخلاص وضحى بكل صحته وشبابه وتاريخه الحافل ورصيده الزاخر يروي التاريخ والتاريخ لا يرحم أحد وفي هذا الإطار علمنا أن مبادرة جدية صادقة وهادفة ستقوم بها إدارة قناة العربية مشكورة هذه الأيام وإنطلاقا من يوم 20 مارس 2007 ذكرى عيد الإستقلال التام ستخصص العربية 4 حلقات متتالية لإبراز كفاح ونضال وتضحيات هذا الرمز الخالد على الدوام الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله وهي مبادرة هامة في نطاق إحياء التاريخ وترسيخ معاني الوفاء وذكر خصال الزعماء والأبطال العظام مثل ما تقدم به قنوات الدول الغربية لإبراز أمجاد زعمائها وأبطالها. نرجو لهذه المبادرة الطيبة النجاح والتوفيق والإشعاع حتى ينسج على منوالها أصحاب المبادرات الحرة والعقول النيرة وأصحاب القيم والثوابت والمبادئ ونشكر السيد ماهر عبد الرحمان الصحفي القدير التونسي الذي يعمل في قناة العربية ربما هو صاحب الفكرة والمبادرة وعسى أن ينسج أخواننا في الجزيرة وغيرها في الفضائيات العربية لتخصيص حصص على العمالقة العظام حتى يكونوا عبرة للأجيال العربية ونتمنى أن تكون مبادرة العربية هذه الأيام هادفة والإخوان المدعوون لحضور الحلقات والمشاركة في الحوار في مستوى الأمانة التاريخية والأمانة الأخلاقية والأمانة الوطنية والشعب التونسي ومحبي الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله سيحكمون بكل صدق على الأخوة وصاحب البرنامج أما بالنزاهة الكاملة للتاريخ أو سيكون هناك آثار مشاعر ربما نتدخل في الحين إذا كان الحوار مفتوح وبحرية ولعل نجاح حوار العربية يفتح بصائر إخواننا في تونس وتبادر تلفزتنا الوطنية التي راهن عليها الزعيم الحبيب بورقيبة وأسسها عام 1966 وراهن على دعمها كما راهن على الإذاعة الوطنية وكان حريصا على الإصغاء إليها يوميا ويستمع لكل البرامج وينصت إليها بإهتمام وكثيرا ما يحصل من مواقف وفقرات نتيجة متابعة للإذاعة الوطنية واستماعه الدائم لها وهذا الإهتمام جعله شغوفا دوما بحصص الإذاعة وأعتبرها وسيلة نوعية وتثقيف ولها دور إعلامي هام فهل تعترف الإذاعة بهذا الدور اليوم بعد غيابه وانتقاله إلى الدار الدائمة بعد دار الفناء وهل التلفزة الوطنية تفيق من سباتها العميق وتسعى لإعادة الاعتبار لتاريخ الزعيم اعتقد أن دور الإعلام ضروري خاصة فتح أبواب الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب على مصرعيه أيام 18-19-20 مارس 2007 لفسح المجال للمناضلين بكل حرية وشفافية حتى يعبروا بصدق عن مشاعرهم المتأججة والجياشة وبدلوا بآرائهم بحرية وصدق على ما يخالج أفكارهم وقلوبهم ويفجروا ما هو داخل وجدانهم حول الذاكرة الخالدة وحول ذكرياتهم الوطنية حول الكفاح التحريري وحول مسيرة الحزب الذي حرر البلاد وحول قائدهم الأوحد الزعيم الحبيب بورقيبة الذي فجر الثورة المباركة وبث الوعي الوطني وجدد الأمل في النفوس وقام بغرس الروح الوطنية في الشغب وضحى بكل معاني التضحية من أجل شعبه نريد أن يتحدث المناضلون بحرية كما سمعنا وقايعنا بكل اهتمام شهادات الوفي المخلص الأستاذ الإعلامي الكبير محمد حسنين هيكل وفاء للزعيم الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله.

قال الله تعالى: »لمثل هذا فليعمل العاملون«. صدق الله العظيم

محمد العروسي الهاني مناضل دستوري رئيس شعبة الصحافة الحزبية سابقا

 

عشية اليوم بالعاصمة:

العرض الأول للفيلم الروائي الوثائقي «عبد الرحمان ابن خلدون»

الحدث السينمائي اليوم في تونس.. هو دون شك الفيلم الروائي الوثائقي حول العلامة عبد الرحمان ابن خلدون لعديد الاعتبارات لعل ابرزها على الاطلاق انه العمل الروائي والوثائقي الطويل الأول من نوعه في تونس وحتى في العالم العربي يتناول مسيرة وأبرز المحطات التي ميزت حياة مؤسس العلم العمراني البشري ثم تزامن هذا الانجاز التوثيقي الروائي بإحياء الذكرى المائوية السادسة لوفاة صاحب كتاب «المقدمة» وغيرها من المؤلفات ذات المنحى الاجتماعي في الحضارة العربية والاسلامية وحتى الكونية. عشية اليوم العرض الأول وعشية اليوم بداية من الرابعة بعد الظهر بنزل أفريكا بالعاصمة يكون الموعد مع العرض الاول الخاص بهذا العمل الذي كتب نصه الأديب علي دب وأعد الحوار والسيناريو محمد بن محمود وعلي دب اخرجه الحبيب المسلماني أول تجربة له مع الاخراج السينمائي الوثائقي وهو المعروف بأعماله الدرامية التلفزيونية على الفضائية تونس 7 وموسيقى الطاهر القيزاني وانتاج شركة نصير للانتاج الفكري والفني بإدارة السيدة هاجر بن مصر. وسيكون المعرض مسبوقا بندوة صحفية يحضرها المخرج وعدد من الممثلين. أما أدوار البطولة فيتقاسمها عدد من الأسماء الفاعلة على الساحة الابداعية التونسية حيث نجد علي الخميري في دور ابن خلدون ولزهر البوعزيزي في دور صديقه الحميم ولمياء العمري في دور زوجة ابن خلدون صالح الجدي ويونس الفارحي وفتحي المسلماني وعماد الوسلاتي وشكري البحري وحسين المحنوش وصلاح مصدق ومحمد اليانقي.. وغيرهم كثير.. في حين قام عامر بوعزة بدور الراوي. مغامرة سعيدة بها وأكدت السيدة هاجر بن نصر أن تقديم عبد الرحمان ابن خلدون في فيلم روائي وثائقي تونسي نصا واخراجا وتمثيلا وتنفيذا مغامرة فخورة بها.. هي محاولة متواضعة للتأريخ للذكرى المائوية السادسة لوفاة هذا العلامة الكبير..» وقالت السيدة هاجر بن نصر: «لقد سخرت كل الامكانيات المتاحة لي لكسب هذا الرهان.. وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك الى حد كبير..» من العاصمة الى الصحراء ونشير أن تصوير هذا العمل الروائي الوثائقي تم في مكتبة العطارين وقصر النجمة الزهراء بالعاصمة وبرج قليبية ورباط المنستير وفي الصحراء التونسية بالاعتماد على أحدث التقنيات. قصة الفيلم يعرض هذا الشريط الروائي الوثائقي في 90 دقيقة المسيرة الفكرية والحياتية للعلامة العربي الكبير عبد الرحمان ابن خلدون المولود في 27 ماي 1332 في تونس والمعروف عالميا كواحد من أول المجددين في مجال العلوم الانسانية وبالخصوص علمي الاجتماع والتاريخ. ويهتم هذا الشريط بحياته المليئة بالمغامرات السياسية في بلاطات السلاطين والأمراء في تونس والجزائر والمغرب والأندلس مبرزا أهم نظرياته في شتى العلوم، فقد كان لابن خلدون تأثير كبير على الثقافة والفكر العالميين حيث انه مؤسس لعلم العمران البشري الذي مكنه من شهرة كونية لأنه تعمق في دراسة وتحليل ظواهر عمرانية لم يسبق أن تعرض لها أحد بتلك الطريقة المدققة والمحدثة. ولم يغفل هذا الشريط التعرض الى أهم الاحداث في الحياة الشخصية لهذا المفكر الذي برغم مكانته قد تعرض لجور الحكام من نفي وتعذيب وسجن ولم ترحمه الأقدار حيث تعرض الى نكبات عدة. (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 مارس 2007)   


موسفيني «يحاكم» بورقيبة وسنغور

خلال اجتماع مؤتمر الشعب العام في ليبيا يوم الثاني من مارس الجاري، بمناسبة العيد الثلاثين «لإعلان قيام سلطة الشعب»، تولى الرئيس الأوغندي يو يري كاجوتا موسفيني، الكلمة التي حاول فيها استعراض التطورات الحاصلة في القارة الإفريقية في علاقة بالتوجه الليبي نحو بلدان القارة. كلمة الرئيس الأوغندي، وإن قوطعت بالتصفيق الحار من قبل أعضاء مؤتمر الشعب العام في ليبيا (البرلمان)، فإنها أثارت الكثير من التساؤلات، سواء لدى بعض الصحفيين أو الديبلوماسيين أو حتى المسؤولين الليبيين.. فقد تطرق السيد موسفيني، إلى ظروف تشكل منظمة الوحدة الإفريقية، وانتقد بشدة الرئيس السينغالي الأسبق، ليوبول سيدار سنغور، والرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، باعتبارهما لم يكونا متحمسين لعملية الاندماج الافريقي، ووصف الرجلاين بكونهما من «التيار المحافظ» صلب القارة الإفريقية، حيث رفضا عملية الاندماج هذه، ونوّه في ذات الوقت بموقف الرئيس الغاني الأسبق كوام نكروما، والرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، اللذين ساهما – في نظره – بقسط وافر في تحقيق الاندماج الإفريقي، عبر المساهمة في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية.  لسنا ندري، الخلفية التي استند إليها الرئيس الأوغندي  عندما أورد هذه المعطيات، فالمعروف عن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أنه من المؤسسين السبعة لمنظمة الوحدة الإفريقية، إلى جانب رئيس الكوت ديفوار (بوني) والسينغال (سيدار سنغور) والمغرب (الحسن الثاني) وغيرهم. صحيح أن الرجل لم يكن متحمسا شديد الحماسة لتكتل إفريقي في ضوء التخلف الذي كانت تعيشه القارة السمراء آنذاك، والذي سيجعل هذا التكتل لدول متخلفة، أغلبها ما يزال يعاني الاستعمار، غير مؤهل للفعل السياسي والتأثير الإيجابي في القارة.. كان بورقيبة يتقاسم وجهة النظر هذه مع سنغور ومع الملك الراحل الحسن الثاني، لكن هذا الثالوث، لم يتردد في الدفع باتجاه منظمة الوحدة الإفريقية، على خلفية أن ما لم تتمكن الدول الإفريقية من إنجازه منفردة، قد تنجح فيه وهي موحدة.. والحقيقة أن بورقيبة، كان يفكر بشكل عملي، فمثل هذه التكتلات، المتناخرة فيما بينها إلى حد التناقض، ليست لها أهمية على صعيد التأثير السياسي في دول القارة، التي كانت مشتتة بين اليافطة (التقدمية – الماركسية) آنذاك،  والنزوع الليبرالي الفرنسي الذي كان يتهم بالمحافظة.. لم تكن تونس آنذاك، تميل لوحدة إفريقية من دون وفاق حقيقي على قواعد دنيا، ورغم ذلك كان بورقيبة يقف إلى جانب الوفاق الإفريقي ويحترمه.. صحيح أن القارة الإفريقية كانت تعيش صراعات بين الـ«مع» و«ضد» وحدة إفريقية تنهي الانقسام والتشتت بين مكوّناتها، لكن تونس لم تختر الانتصار لهذا الطرف على الآخر، بقدر ما تعاملت بشكل «براغماتي» مع فكرة المنظمة الاقليمية الجديدة، رغم قناعتها، وهي القناعة التي تقاسمها بورقيبة مع الحسن الثاني ومع سيدار سنغور، بأن مثل هذه المحاولات ليس لها مستقبل عملي، وهو ما يؤكده تاريخ منظمة الوحدة الإفريقية التي لم يتجسد فيها «الوفاق الإيجابي» بحسب عديد المؤرخين والمراقبين، باعتبارها لم تكن عاملا حاسما في تقدم القارة أو بعض دولها، التي حققت تقدما، سواء بمبادراتها الذاتية، أو من خلال تحالفات إقليمية ودولية محددة. ليس هذا دفاعا عن بورقيبة، فليس هذا من وظيفتنا، بقدر ما هو تساؤل عن طرح موضوع بهذا الشكل وفي هذا التوقيت بالذات، رغم أن السيد موسفيني لم يكن لاعبا أساسيا في الساحة الإفريقية آنذاك.. قد تكون حماسة الرئيس الأوغندي، للأجواء التي تعيشها القارة الإفريقية، وللعلاقات التي تربطه بالقيادة الليبية، سببا في هذه «القراءة» غير المنصفة لزعيم سياسي من زعماء  المنطقة الإفريقية، ونعني هنا الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، لكن هذه الحماسة، لا يمكن أن تبرر القفز على وقائع التاريخ وحيثياته أو بعضها على الأقل التي قد تكون غابت عن السيد موسفيني… صالح عطية (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 مارس 2007) 


من ضيوفها الشاب خالد وفاضل والدوكالي نسمة..

 فضائية تونسية مخصصة لبرنامج ستاراك المغرب

 
الجمعة 16 مارس 2007 تونس – سليم بوخذير انطلق في تونس البث الأَولي للفضائية « نسمة » على القمرين

« نايل سات » و »عربسات »

، فيما ينطلق البث الرسمي للقناة مساء اليوم الجمعة لأول « برايم » للبرنامج الرئيس للمحطة الشبابية ذات التوجه المغاربي، وهو برنامج « ستاراك المغرب ». وهي ثاني محطة فضائية خاصة يُسمح لها بالبث من تونس بعد بث محطة « حنبعل » منذ فبراير- شباط 2005 ليصبح مجموعها 3 محطات فضائية إحداها حكومية هي « تونس 7 ». والقناة الجديدة مخصصة لفسح المجال أمام المواهب من الشباب المغاربي في البلدان المغاربية الـ 5 من خلال بناية « الدار » التي تم تصميمها خصيصا لتكون « أكاديمية » خاصة بالمشاركين في برنامج « ستاراك المغرب ». وتقع البناية على 2300 متر مربع وتضم غرف نوم عديدة للفتيان وللفتيات وقاعة للرياضة وأخرى للمسرح، فضلا عن بلاتو للتسجيل وآخر للتمارين. وسيكون مدة « البرايم » الأول من برنامج « ستاراك المغرب » مساء اليوم ساعتين، فيما تُخصص المحطة 50 دقيقة يوميا لبث مُلخص لأهم المواقف من الحياة اليومية لـ »الطلاب » داخل الأكاديمية، وذلك إلى حين موعد بث « البرايم » الثاني من البرنامج مساء يوم 23 مارس الجاري. وكانت المحطة قد فتحت باب المشاركة منذ أشهر في البرنامج، حيث اختارت 14 شابا من المتقدمين ودعتهم للانضمام إلى « ستاراك المغرب ». ويخضع المشاركون لدروس في الاختصاصات على يد 6 متخصصين، من بينهم البطل التونسي أنيس الونيفي الذي يتولى تدريبهم رياضيا. وتشهد حلقات « البرايم » استضافة الفنانين تباعا، من بينهم الفنانة نجاة عتابو والفنان عبد الوهاب الدوكالي من المغرب والفنان التونسي محمد الجبالي والشاب « فاضل » والشاب خالد من الجزائر. وقالت مصادر لـ mbc.net: إن المشرفين على البرنامج شرعوا في اتصالات لجلب الفنان العالمي « ستينغ » إلى البرنامج، والاتصالات ما زالت جارية معه.

المصدر : موقع قنوات أم .بي.سي التلفزية  بتاريخ الجمعة 16 مارس 2007   

والدتها نفت تعمدها إصابة شاب بسيارتها هند صبري تُواجه نقضا لقرار قيدها في جدول المحاماة بتونس

هند صبري.. بروب المحاماة هل ستخلعه؟

 
تونس- سليم بوخذير
 
قال مصدر مسئول في الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين لـ mbc.net إن الهيئة قررت نقض الحكم الذي حصلت عليه الممثلة هند صبري بترسيمها في جدول المحاماة. وقال المصدر: رفعنا الأمر إلى محكمة التعقيب « النقض » بالعاصمة من أجل نقض الحكم الذي حصلت عليه مؤخرا بترسيمها محامية في تونس. وأضاف: إن سندنا في النقض هو نفس سندنا في رفض ترسيمها منذ البداية، وهو عملها ممثلة خارج البلاد وليست محامية. وكانت هند صبري قد أدت يمين المحاماة في تونس أمام هيئة قضائية بمحكمة الاستئناف بالعاصمة وقضت بترسيمها في جدول المحامين التونسيين، وذلك بحضور عميد المحامين التونسيين عبد الستار بن موسى. وسبق لهيئة المحامين بقيادة بن موسى أن رفضت قبول ترسيم هند في جدول المهنة منذ 2006 بسبب إقامتها خارج البلاد وامتهانها لمهنة أخرى هي التمثيل. وحسب القانون التونسي، يُعد قرار الهيئة ذلك بمثابة حكم قضائي ابتدائي، ولذلك حق لهند صبري بعد ذلك رفع دعوى لدى محكمة الإستئناف في إبطال هذا الحكم الابتدائي، قدمت فيها شهادات بأنها « مُقيمة في تونس وأن مُمارستها للتمثيل إنما بغرض الهواية ». من جهة أخرى نفت والدة هند صبري لصحيفة « الصريح » المحلية في تونس، أن تكون ابنتها تعمّدت دهس شاب بسيارتها في أحد شوارع القاهرة، كما روت صحيفة تونسية. وقالت والدة هند ابنتي غادرت الإشارة الحمراء بسرعة 15 كلم في الساعة والشاب تعمّد إلقاء نفسه أمامها وكانت إصابته جرحا بسيطا، وحين ذهب الجميع إلى قسم الشرطة تم اكتشاف حقيقة الشاب الذي جرّب الارتماء أمام السيارات 4 مرات من قبل ». وكانت صحيفة تونسية قد نشرت أن هند قامت بحادث سير خطير وتسببت في إصابات خطيرة للمصاب.

)المصدر : موقع قنوات أم .بي.سي التلفزية  بتاريخ 17 مارس 2007)


 

إيران النووية تثير جدلاً حول خيار الحرب

 
توفيق المديني
يتفق المحللون الغربيون أن التصريحات التي تصدر عن بعض المسؤولين الإيرانيين  حول الملف النووي ، و التي تبدو متناقضة، تعكس في جوهرها  حالة من الإرباك التي يعاني منهاقادة إيران .فالنظام الذي أصبح سجين « التعبئة القومية  » التي أطلقها داخليا حول النووي- حين استطاع الرئيس الإيراني أن يجيش شعبه ويحشده ببراعة خلف المشروع النووي الايراني، وينقل  المسألة النووية من مجرد حاجة عادية قد تسعى اليها أية دولة إلى مسألة قومية تتعلق بكرامة الأمة الإيرانية-  بات يعي أن عقوبات جديدة تتضمن حظراً على صادرات الأسلحة الايرانية، وحظراً على تقديم قروض حكومية إلى إيران، وتجميد ممتلكات بعض الأفراد الإيرانيين والشركات المرتبطين بالبرامج النووية الإيرانية،ستكون لها إسقاطات مدمرةعلى البلاد.و لهذا ، فهو يرسل رسائل إلى الأطراف الدولية تتعلق باستعداد إيران للتفاوض ، و لكن من دون أن يفقد ماء الوجه.فهو لا يقبل وقف تخصيب اليورانيوم من دون مقابل .
إيران تريد أن تكون في نفس وضعية اليابان « على عتبة النووي »، أي أنها تريد أن تمتلك التكنولوجيا النووية  المدنية كي تستطيع استخدامها ، في المجالات العسكرية، إذا اقتض الحال.و هذه سياسة الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي : انفتاح باتجاه الدول الأوروبية، وتجميد تخصيب اليورانيوم لمدة سنتين و نصف، على أمل أن يتم الاعتراف بالدور الإقليمي الإيراني في المنطقة. وعلى الصعيد الإقليمي تمتلك إيران أوراقا قوية ، استطاعت أن توظفها عبر سياستها الخارجية  ، إذ زرعت ما يمكن تسميته « مراكز نفوذ متقدمة » في بلدان عدة، تكون نصيرا حادا في أي نزاع قد ينشب مع أية دولة كبرى وبالذات مع الولايات المتحدة. لقد استطاعت إيران منذ الثورة الايرانية دعم الروح الثورية واستنهاض المسلمين عبر سياسة تصدير الثورة، وعندما أخفقت في ذلك،  بسبب اندلاع الحرب العراقية –الإيرانية الطويلة، قوّت من شوكة الأقليات التي تستند و إياها إلى نفس المرجعية الدينية و المذهبية في العالم العربي، كما هو الحال مع « حزب الله » ،الذي استطاع بفضل مقاومته الباسلة في لبنان ، وصموده البطولي في حرب تموز الماضية أن يحبط المخطط الأميركي الصهيوني في المنطقة،   ، ومن خلال علاقاتها العضوية مع الأحزاب الدينية في كل من البحرين و العراق التي فازت في الانتخابات التشريعية الأخيرة في  البلدين كليهما، و أصبحت مسيطرة على السلطة على الأقل في العراق، و عبر تحالفها الإستراتيجي مع سوريا. من جانبها، تريد الولايات المتحدة الأميركية إبقاء الحديد ساخنا في النار من خلال حشد أساطيلها في الخليج، وممارسة الضغوطات على إيران  من أجل دفعها نحو الحل الوسط الذي قد ينقذ ماء وجهها ويقلل في الوقت ذاته من خطر برنامج إيران النووي. فهي تستكشف الطريقة الدبلوماسية و العقوبات الاقتصادية.و هي ترسل إشارات قوية في الوقت عينه  على تصميمها باتجاه الخيار العسكري:وتعتبر حاملتي الطائرات الأميركيتين في الخليج العربي صورة شهيرة وحديثة عن « السياسة المسلحة ».
و من المعلوم أن قرار الإدارة الأميركية باستخدام القوة العسكرية لتدمير المفاعلات النووية الإيرانية سوف لن يقود إلى محو كل المراكز النووية ، أو على الأقل  استئصال القدرة العلمية و التكنولوجية لخبراء إيران  النوويين ،إذ إن إيران تملك مفاعلات أخرى مخبأة جيدا، وبوسعها استخدامها للمضي قدما في مشروعها. علاوة على ذلك كله، فإن قرار الحرب سيفجر سلسلة من ردود أفعال إيرانية ضد الكيان الصهيوني  و المصالح الأميركية في المنطقة .فإيران قادرة على تحريك « حزب الله » في لبنان وفتح جبهة مع الكيان الصهيوني، وتحريك الشارع في العالمين العربي و الإسلامي الذي يعادي السياسة الأميركية في المنطقة بسبب انحيازها الأعمى « لإسرائيل »، وهو لن   يقف على الحياد. وإيران قادرة أيضا على تحريك الأحزاب العراقية الموالية لها ضد أميركا في العراق، فتصبح القوات الأميركية عرضة لهجمات مختلف أطياف الشعب العراقي على اختلاف  طوائفه. كما أن خيار الحرب، سيعزز من الوحدة  الوطنية للشعوب الإيرانية ، التي من المؤكد أنها ستنسى  مشاكلها الاقتصادية، وستغض  النظر عن قصور أداء حكومتها ، وتصاعد الغلاء والتضخم، وزيادة البطالة، لكي تتخندق في الخندق الواحد مع قيادتها السياسية ، التي ستركز على ضرورة محاربة العدو القومي، الذي يريد إذلال إيران المسلمة، ومنعها من امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية. إذا كانت مخاطرالحرب  تعد كبيرة  على الولايات المتحدة الأميركية، لجهة تفوقها على إيجابياتها من ناحية ، ولإخفاق الإدارة الأميركية في العراق التي تريد التستر عليه من خلال البحث عن كبش فداء يتمثل في التركيز على دور إيران السلبي جدا من ناحية أخرى، فهل تستطيع « إسرائيل  » أن تتعايش مع إيران النووية؟ الصهاينة يعتقدون أن إيران على مسافة ثلاث أو أربع سنوات من إنتاج القنبلة النووية، (و لكنهم يقولون أن هذه التقديرات  لا تأخذ بعين الاعتبار احتمال أن يكون لإيران برنامج نووي سري )، بينما يتحدث الخبراء الأميركيون من خمس إلى ثماني سنوات.
ويفضل قادة الكيان الصهيوني أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بهذه الضربة العسكرية المعقدة و المحفوفة بالمخاطر. فهم يعتقدون أن الأميركيين مجهزون بصورة أفضل على صعيد الوسائط العسكرية في ميدان العمليات، و هم من دون أدنى شك يستطيعون أن يتحملوا النتائج الدبلوماسية لمثل هذه الحرب المدمرة.بالنسبة للكيان الصهيوني ، الأمر يتعلق بتحدي من طبيعة استراتيجية : المواقع النووية الإيرانية هي متفرقة، و غالبا مخبأة تحت الأرض، و تبعد عن « إسرائيل  » بمسافات تتراوح ما بين 1200 كيلومتر إلى 1500 كيلومتر، وهذه المسافات قابلة للزيادة إذاكان على الطائرات الصهيونية أن تتجنب المجال الجوي الأردني ، بل العراقي. ولكي تكون لهذه العملية العسكرية معنى استراتيجي ، يجب أن يتم تدمير مراكز التحويل ، و التخصيب، و الإنتاج لليورانيوم بشكل كامل، الأمر الذي يتطلب تدمير  على  الأقل ، المنشآت النووية في  إصفهان ، وناتنزو آراك.و لكي تنجح « إسرائيل  » في تحقيق ذلك، يجب عليها أن تحظى بدعم الولايات المتحدة الأميركية. بيد أن الإدارة الأميركية  المحاصرة دوليا وإقليميا و حتى أميركيا من الداخل، تعلم جيدا أن خوضها الحرب ضد إيران ، سوف يجرها إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط، وهي تدرك أنها قد تخسر كثيرا، لا سيما أن استخدام القوة ليس مضمونا. 
 
(المصدر: صحيفة « صحيفة الخليج – رأي ودراسات -الصادرة يوم 17 مارس 2007)
 

غوانتانامو وملفات الفضائح الأمريكية

سالم الزريبي- كاتب من تونس للرئيس الأمريكي بوش الابن صفحات سوداء في تاريخ حكمه رغم أن في قراءات المحللين أن الفترة الثانية لحكمه ـ أي منذ سنة 2004 ـ كانت بمثابة فرصة التدارك لاصلاح الأخطاء.
غير أن صعوده للحكم وترشحه علي منافسه آل غور أثبتت الأيام انه كان بمثابة التصعيد في الخطة التي بدأ بها. فأضاف الي أخطائه المتمثلة في احتلال أفغانستان والعراق عمليات التنكيل بالأبرياء، وعمليات القتل العشوائي، ومداهمة البيوت، واطلاق العنان لجيشه للعبث بأعراض النساء ودوس كرامة الرجال والرمي بهم مسلوبين معذبين في غياهب السجون، ثم يعقب علي هذه الأعمال البذيئة بتصريحات هي بذاتها غريبة؛ و بأنه جاء ليحرر الشعوب! فتبا له من تحرير يعود بالشعوب الي العصر الحجري. وان معتقل غوانتانامو وغرائب أبو غريب لفيهما أكثر من كفاية علي هذه الحرية المزيفة التي جاؤوا ينادون بها.
واذا قلنا غوانتانامو تصورنا مدي الشراسة التي يعامل بها الأبرياء. ففي غوانتانامو تجمع المساجين كخرفان العيد لا تسأل عن حماقة ارتكبوها، ولا عن ذنب اقترفوه، وانما هي ارادة الحكم المتجبر شاءت أن تحتكر همم الناس الي أمد مجهول لا لشيء الا لكونهم كانوا عرضة في طريق مداهماتهم واجتياحاتهم العسكرية؛ فلا تمييز في هذا الشأن بين من يمارس مهنة شريفة وبين معتكف في عقر داره؛ لا تمييز في كل ذلك بينهم وبين الجندي المحارب! فأين هذا المنطق من الواقع؟ وبأي شريعة هؤلاء يحاكمون؟ اللهم لا وجود لمثل هذه الأنماط العرفية والعسكرية الا في سراديب غوانتانامو التي ستبقي وصمة عار في سجل التاريخ.
فنحن نتساءل والعالم كله يتساءل منذ أكثر من خمس سنوات: من أجل ماذا يقبع الصحافي سامي الحاج في غياهب غوانتانامو؟ هل من أجل عمله كصحافي؟ أم أنه كان يحمل السلاح ويقاتل به جيش الحلفاء؟
انه لم يكن الا حاملا جهاز تصويره لينقل الحقائق كما يراها الي العالم. فهل يعد ذلك ذنبا في الحياة المهنية؟ ـ اللهم لا. الا في نظام مساجين غوانتانامو. لقد صرخت الأصوات حتي من بين أعضاء الكونغرس، وطالبت بغلق هذا الأصطبل الذي لا يتماشي وحياة البني آدميين، ولكن لا حياة لمن تنادي. فلا اكتراث بعار، ولا اكتراث بردود فعل مهما كان حجمها. التصميم فقط علي اتمام شغل العبودية في غوانتانامو وفي غيره مهما قلص ذلك من هيبة البلاد وعاد بها عشرات السنين الي الرجعية، وهو ما سوف يتطلب من خلفاء بوش الابن الآماد الطويلة في الترميم والاصلاح. ولكن الصورة القديمة سوف لن تعود الي سالف عهدها لأن ملفات الفضائح والانتهاكات تجاوزت كل تصور. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 مارس 2007)  


جديد هشام جعيط:

محمّد ودعوته من وجهة نظر تاريخية وأنثروبولوجيّة (1)

     

د. محمد الحداد (*)     إنّه حدث استثنائي وغير مسبوق، أن يقدم مؤرخ مسلم على التأريخ للدعوة المحمديّة ملتزما التزاما صارما وصادقا بمناهج البحث العلمي الحديث. لقد ظهرت عشرات الكتب التي تعيد ما قصّته أدبيات السيرة القديمة في أسلوب جديد، لكنّ ذلك ليس كافيا لمنحها صفة الحداثة مادامت تسبح في فضاء القصص والسير النموذجيّة الذي هو غير التاريخ. وظهرت بعض المحاولات المحتشمة لكتابة سيرة عصريّة بمعنى إعادة إخراج حياة نبيّ الإسلام ودعوته في قالب يستسيغه إنسان العصر الحديث، وخاصة من لم يكن من جموع المسلمين، مثل « حياة محمّد » للكاتب محمد حسين هيكل، وقد ظهر في بداية القرن الماضي، ومثل كتاب « السيرة » الصادر مؤخرا بالفرنسيّة باسم محمود حسين (اسم مستعار). لكنّ التاريخ لا يقوم على إسقاط رغبات المعاصرين على الماضي، ولا يكفي تخليص السيرة القديمة من المبالغات الإيمانيّة والميتافيزيقيّة لبلوغ الصرامة التي يفرضها البحث التاريخي المعاصر. لم يكن أمام القارئ العلمي إلاّ أن يستنجد بكتابات غير المسلمين، والكثير منها لا يخلو من تحامل واستفزاز. لكنّ الكتابات الغربيّة أو ما يدعى بالاستشراق هي التي فتحت مجال البحث التاريخي الحقيقي في هذا الميدان الحسّاس، ولم يكن ذلك بكيد للإسلام أو نبيّه كما يرى بعض المسلمين، إنّما هو مسار طبيعي بدأ بإعمال المناهج العلميّة الحديثة في مصادر العهد القديم ثم في كتب العهد الجديد وما يتصل بالمسيح وحياته وبلغت بعد ذلك الإسلام وتاريخه الأوّل. والرأي عندي أنّ كتاب مونتغمري وات بجزئيه، « محمّد في مكّة » ( 1958 ) ومحمّد في المدينة ( 1959 )، قد بلغ الدرجة الأرقى في مجال دراسات السيرة النبويّة، أو لنقل في سيرورة الانتقال من أدب السير إلى علميّة التاريخ، مع التسليم بما يتضمنه العمل التاريخي عامة وهذا العمل تخصيصا من نسبيّة في النتائج والاستنتاجات. كأنّ الأستاذ هشام جعيّط قد طرح على نفسه أن يتحدّى هذا المرجع العملاق بكتابة سيرة جديدة (تاريخيّة الدعوة المحمديّة في مكّة، بيروت، دار الطليعة، 2007) تبدأ بقسم أوّل موضوعه الدعوة المحمديّة في مكّة، وللقارئ أن ينتظر صدور قسم ثان حول الفترة المدنيّة، ومناقشات جعيّط للمؤرخ وات كثيرة في الكتاب وكذلك مظاهر تقديره لذلك العمل الضخم. ولن يكون من المبالغة إذا قلنا أنّ كتاب جعيّط قد جاء إحياء وتجديدا للمنهج الفيلولوجي الذي اعتمده وات وغيره من كبار الباحثين، وأنه سيكون مستقبلا المرجع الرئيس في هذا المجال وسيحلّ محلّ كتاب وات حسب ما تقتضيه سنن التطوّر العلمي. وفي الفترة الحالية التي سيطر فيها الاتجاه التشكيكي (وانزبرو، كراون، كوك، الخ) على الدراسات المتصلة بالقرآن والسيرة وتاريخ الإسلام الأوّل، جاء كتاب جعيّط ليرفع تحدّيا آخر، هو إعادة الاعتبار للفيلولوجيا في وجه التشكيكيّة، وإبراز الفارق بين علميّة الفيلولوجيا رغم نسبيتها وشطحات التشكيكيّة رغم إغراءاتها. ولقد جاء نقد جعيّط للتشكيكيّة نقدا قويّا ومتعاليا، إذ جعل الهوامش محلّ مناقشة أبرز أطروحاتها وكبار ممثليها، معتبرا أنّها ليست من باب العلم وإنّما هي للخيال العلمي أقرب، متأسّفا للفراغ المترتب عن وفاة كبار العلماء في الغرب وقد فسح المجال لكلّ صاحب قول أن يقوله دون تمحيص. لكنّ موقف جعيّط هذا ليس الدافع إليه الإيمان بالدين لكنّه نتيجة الإيمان بالفيلولوجيا، فجعيّط في هذا الكتاب لا يختلف عن جعيّط في دراسته لنشأة مدينة الكوفة أو تاريخ الفتنة الكبرى، إنه نفس المنهج الذي أتقنه وحذقه وأخذه عن مراكز البحث الغربية وواصله بعد أن خبت تلك المراكز بتراجع الاهتمام الغربي بالبحوث الرصينة في تاريخ الإسلام. ينبّه الكاتب منذ الصفحة الأولى إلى أنّ « التاريخ إنما هو علم وضعي وأرضي يتناول فعاليات الأفراد والمجتمعات البشريّة في الماضي ويخرج عن دائرة الإيمان والمعتقد » (ص 5). ويؤكّد إمكانيّة الدراسة التاريخيّة لكلّ المواضيع مهما كانت حسّاسة، لأن التاريخ علم ووظيفة العلم تفسير الأشياء لا الحكم عليها. فإذا كان المؤرّخ مسلما فلا مناص من أن يضع إيمانه وقناعاته بين قوسين عندما يدرس تاريخ الإسلام ويتذكّر أنّ صفته باحثا تقتضي منه في لحظة البحث الوفاء والالتزام بنتائج بحثه وليس بضرورات إيمانه. وليس من دور المؤرخ أن يحاول نسف الإسلام ولا أن يحاول إحياء مقاصده، إنما دوره أن يستنطق المصادر المتوفرة لديه ويعارض بين ما تحتويه من معلومات ومعطيات ويمحّص منها ما هو الأقرب إلى تمثيل الحقيقة التاريخيّة. لا يقلّل الكاتب من أهميّة الوضع النفسي للمسلمين الذين يعيشون أزمة هويّة كما يقول ويشعرون بالحصار من الداخل والخارج فلذلك هم غير مستعدّين لمراجعة القصص المؤسسة للأصول. كما لا يقلّل من المشاكل التي تطرحها المصادر فهي تجعل الكثير من النتائج وقتيّة وافتراضيّة وقابلة للاختلاف بل النقض. إلا أنّه لا يرى بديلا عن التاريخ الذي « تأسست في ألمانيا وفرنسا في القرن التاسع عشر مناهجه المعروفة في التعامل مع المصادر، وازداد ثراء في القرن العشرين، حتى وصل إلى نوع من النضج بتكافل المعارف التي تصبّ فيه، من اقتصاد وأنثربولوجيا وسوسيولوجيا » (ص 7). وينبّه في هذا السياق إلى أنّ العلم اليوم قد خفّف من ميوله النضاليّة، لأنّه أصبح ملتصقا بالتكنولوجيا وخرج عن عهد التصادم مع الكنيسة، فهو بذلك أصبح أكثر رصانة وأقلّ ارتباطا بالوضعانيّة القديمة. لكنّ هذا التوصيف ينسحب في رأيي على الغرب وحده وعلى المواضيع التي تتصل بتاريخه، أمّا في المجتمعات الإسلاميّة فالعلم ما يزال محاصرا من قوى عديدة منها القوى الدينيّة، من جهة أخرى لم تنمح النضاليّة تماما في الغرب عندما يتعلّق الأمر بتاريخ غير الغربيّين، أو « من لا تاريخ لهم » حسب عبارة إريك وولف، فالكثير مما يكتب حول الإسلام مثلا تمتزج فيه نتائج البحث الدقيق بالأفكار المسبقة للباحث. إلاّ أنّ كتاب جعيّط هو خير شاهد على كونيّة العلم التاريخي وقابليّة البحث في المجتمعات المسلمة لأن يبلغ أقصى درجات الامتياز إذا توفرت له الإمكانيات والحريّة، وإذا التزم صاحبه بالموضوعيّة ونأى عن الاستفزاز أو التمجيد في آن واحد. إذا ضربنا صفحا عن المشاكل التي تعوق دراسات التاريخ النبوي من الخارج فإنّنا نصطدم مع ذلك بمشاكل « داخليّة » تتمثّل في مصداقيّة المصادر وما تقدّمه من معلومات. وقد أشرنا إلى تيار التشكيكيّين الذي يلتقي حول فكرة أساسيّة مفادها أنّ المصادر الإسلاميّة عاجزة عن تقديم القدر الأدنى من المعلومات لإعادة كتابة السيرة النبويّة. لكنّ جعيط يرى على العكس من ذلك أنّ مصادر تاريخ الإسلام الأوّل هي مصادر ثريّة إذا ما قارنّاها بالمصادر المتوفّرة حول تأسيس أديان أخرى مثل المسيحيّة والبوذيّة. فالقضيّة في رأيه ليست قضيّة مصادر وإنما القدرة على نقدها وتفحصها ومعارضتها بعضها البعض. والمصدر الأوّل والأهمّ والمرجعي هو القرآن الذي لا يتوقّف جعيّط كثيرا حول المجادلات التي طرحها بشأنه التشكيكيّون، وهو يلخّص ردوده عليهم في ما يلي:
– اكتشفت مصاحف في صنعاء ترجع إلى الفترة الأمويّة لا تختلف كثيرا عن المصاحف السائدة، – لا يمكن للدولة الإسلامية التي قامت على أساس الشرعية الدينية أن تترك ضبط المصحف إلى فترة متأخرة، – القرآن كان مستعملا في الصلوات الجماعيّة وقد وجدت المساجد في فترة مبكرة من تاريخ الإسلام فلا يمكن أن يكون نصه محلّ اختلاف كبير بين المسلمين، – عثر على نقوش قرآنيّة ترجع إلى القرن الأوّل الهجري، – أسلوب القرآن مختلف عن أدب القرون الموالية، – القرآن يخالف قواعد اللغة العربيّة التي وضعت في القرن الثاني من الهجرة فصياغته قد سبقت هذه الفترة، – فكرة قداسة القرآن ظهرت مع ظهور الإسلام فلا يمكن تصوّر المسلمين يقدسون القرآن ولا يحفظونه، – غياب نسخ من قرآن القرن الأوّل لا يعني شيئا لأن النسخ الجديدة تلغي سابقاتها وأقدم مخطوط محتفظ به من العهد القديم يرجع إلى القرن التاسع بعد الميلاد دون أن يعني ذلك أنّ العهد القديم قد حرّر في تلك الفترة. يؤكّد جعيّط حينئذ على أنّ القرآن يعكس واقع فترة تأسيس الإسلام، وليس مهمّا أن يكون حصل فيه بعض إسقاط أو إضافة أو تكرار فذلك لا يعدو مواضع ثانويّة، لكن لا يمكن أن يكون قد حصل فيه تغيير كبير. وهو يشكّك في كونه قد كتب أوّلا على جذوع النخل وعظام الإبل كما ورد في الروايات الإسلاميّة التقليديّة لأنّ العرب كانوا يعرفون الرقّ والبردي ويحسنون الكتابة. إنّ مؤرّخ حياة محمّد ودعوته يجد في القرآن النواة الأولى للأحداث غير مفصّلة ويمكنه بعد ذلك أن يجد في المصادر الأخرى تفصيلها ويواجه هذه التفاصيل بما هو وارد في القرآن. ولا بدّ من الاستفادة هنا من جهود المستشرقين الذين قاموا بترتيب آياته وسوره ترتيبا تاريخيّا، فهذا الترتيب هو الذي يمكّن الباحث من اعتماد النصّ القرآني شاهدا على تاريخ محمد عامة وتاريخ الفترة النبويّة تخصيصا. والعمدة هنا ترتيب نولدكه مع المراجعات التي قام بها بلاشير. ويقتضي هذا الترتيب تقسيم الآيات القرآنيّة إلى فترة مكيّة أولى وفترة مكية ثانية وفترة مكية ثالثة وفترة مدنيّة. والمصادر الأخرى أو ما يدعوها جعيّط بالأناجيل الأربعة للإسلام هي السيرة لابن إسحاق والطبقات لابن سعد والأنساب للبلاذري وتاريخ الأمم والملوك للطبري، وهذا هو ترتيبها الزمني وهي تتراوح من النصف الأوّل من القرن الثاني إلى النصف الثاني من القرن الثالث، غير أنّ ما تحويه من معلومات هو أقدم طبعا من تاريخ كتابتها، فقد احتفظت بالمادة الخام التي كانت تتداول شفويّا أو جمعت في مدوّنات ضاعت أصولها. فابن سعد مثلا ينهل من كتب الواقدي المفقودة وخاصة من سيرته التي قد تكون الجزء الأوّل من مغازيه. والطبري قد احتفظ لنا بسيرة ابن إسحاق قبل التهذيب الذي قام به ابن هشام واحتفظ بروايات كثيرة كانت تنقل مشافهة إلى عصره. ويلاحظ أن جعيّط لم يهتمّ في كتابه بما تحويه كتب الحديث (البخاري، مسلم…) وقد يكون السبب في ذلك أنها كتب متأخرة بالمقارنة بهذه المصادر وما يرد فيها حول السيرة المكية قليل. وهو لا يعير أهميّة لتشكيك المحدّثين في عدالة رواة السير مثل ابن اسحاق صاحب السيرة ورواة آخرين (الواقدي، ابن الكلبي، أبو معشر، الخ) فهو يرجع ذلك إلى الاختلاف في الاختصاص إذ حكم أهل الحديث على أهل السير من خلال منظورهم الخاص. وهذا تفسير قد لا نرتاح إليه كثيرا ونميل إلى اعتبار أنّ جزءا مهمّا من أدب السيرة إنّما كان ينتمي إلى القصص الخيالي فلذلك نظر إليه المحدثون بعين الارتياب وهم الذين كانوا يدقّقون في الأسانيد، مع أنهم وقعوا بدورهم في أوهام كثيرة لغلبة قضيّة السند عندهم على نقد المتون. لقد بلغ تدوين السيرة مستوى مرضيّا منذ منتصف القرن الثاني، فابن اسحاق توفي حوالي سنة 151 هجري وكتب كتابه في الفترة بين 120 و150 هجري، وسيرة ابن اسحاق معروفة أكثر عبر التهذيب الذي قام به ابن هشام حتى أصبحت تعرف بسيرة ابن هشام، مع أن الأخير متأخّر بجيلين وقد قام بعمليات حذف وإضافة على النص الأصلي الذي نعرفه من خلال رواية الطبري في « تاريخ الأمم والملوك ». فوجود سيرة على شاكلة ما تركه ابن إسحاق يدلّ على وجود جهد تاريخي بدأ قبل جيل أو جيلين، ويرجّح جعيّط أنّه بدأ حوالي 80 هجري عندما بدأ أحفاد العشائر الكبرى من قريش يكرّسون حياتهم للتدريس بعد أن فقدوا طموحاتهم السياسيّة وقد قمع الأمويّون ما دعاه جعيّط بالفتنة الثانية سنة 80، وفشلت ثورة ابن الزبير واستبيحت المدينة وسكانها. وفي عهد عبد الملك ابن مروان ثم ابنه الوليد، بدأ الاستقرار والوعي بعظمة الإمبراطوريّة الإسلاميّة وبدأ تعريب الدواوين والعملة فكان بروز الحسّ التاريخي نتيجة طبيعيّة لهذه التطوّرات. ولدينا بعض الآثار عن هذه الفترة مثل قطعة البردي المنسوبة إلى وهب بن المنبّه كتبت حوالي 110 هجري ولا تحتوي معلومات كثيرة، ورسالة عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان وهي وثيقة اعتمدها جعيّط في عمله هذا واستخرج منها معلومات كثيرة. ثمة إذن نشاط تاريخي تواصل من سنة 80 هـ إلى 120 هـ وقد جاءت سيرة ابن اسحاق تتويجا له وجمعا لما وفّره من معلومات وروايات. ولعلّ من أهمّ شخصيات هذا العصر ابن شهاب الزهري الذي توفي سنة 124 هـ وكان يقال عنه أنه مؤسس الإسناد وتنسب إليه كتابات فقدت جميعها، وعنه أخذ ابن إسحاق الكثير من روايات السيرة كما أخذ عنه محدثون وإخباريّون آخرون ونجد رواياته في موطّأ مالك وصحيح البخاري وصحيح مسلم. وكان عبد العزيز الدوري قد ذهب إلى أنّ الزهري هو أب الحديث والسيرة في آن واحد، ومعنى ذلك أن السيرة هي فرع من التاريخ، ويخالفه جعيط هذا الرأي ويعتبر السيرة قد نشأت منفصلة عن الحديث وسابقة له (يرى أن الاهتمام بالحديث لم يكن موجودا في القرن الأول للهجرة)، ويشكّك في حقيقة ما نسب إلى الزهري من كتابات ويرجّح أنّه كان من جيل رواة المشافهة وأنّ التدوين الحقيقي للسيرة إنّما بدأ مع ابن إسحاق وجيله. ويبدو أن قيام الدولة العباسيّة كان عاملا إضافيّا لتشجيع كتابات السيرة لأنها دولة قامت على شرعية الإسلام والقرابة من أسرة النبي، ولا شكّ أنّ كتابة السيرة قد تأثرت بالمناخ الجديد في العهد العباسي لكنّ جعيّط يؤكّد على تمتّع كتّاب السيرة بحِرفيّة تمنعهم من أن يكونوا تحت تأثير رجال السياسة وإن كان المرجّح أنّهم تحاشوا ذكر ما قد يغضب خلفاء بني العباس. هذه المصادر تقدّم مادة خاما تتسم بالضبابيّة والأسطوريّة لكن المؤرخ الحصيف يمكن أن يستخرج منها النواة التاريخية. ولا شكّ أنّ الأمر أكثر عسرا في الفترة المكيّة لأنّ القرآن شحيح بالمعلومات حولها، لكن جعيّط يستخرج منه منطقا للدعوة المحمديّة في هذه الفترة يجعله حكما بعد ذلك على صحّة الروايات المذكورة في المصادر، وسنرى أنّ هذا المنهج هو الذي حدا به إلى التشكيك في قصّة الغرانيق المشهورة. إنّ أصحاب هذه المصادر قد واجهوا ما يواجهه المؤرّخ الحديث من جهة نقص الشهادات على الفترة المكيّة وخاصة بداياتها، ولم يكن الناس آنذاك يتوقعون أن يشتهر محمد ودعوته كي يحتفظوا بتاريخ فترة البداية، ومن عاصر تلك الفترة يكون متقدّما في السنّ لم يبلغ عهد استقرار الدولة الإسلاميّة وبداية التدوين. والقرآن نفسه شحيح بالمعلومات عن هذه الفترة فلا يذكر شيئا عن أحداث كبرى موجودة في كتب السيرة مثل الهجرة إلى الحبشة وحصار بني هاشم ورحلة الطائف والدعوة بين القبائل. وقد حاول كتّاب السيرة القدامى أن يملأوا الفراغات بالحسّ التاريخي الممكن في عهدهم أو بقبول القصص الوهميّة واختلاقها. أمّا المؤرخ المعاصر فهو قادر على استعمال مناهج تاريخيّة أكثر نجاعة لبلوغ الحقيقة التاريخية. (يتبع) (*) كاتب وجامعي تونسي، حاصل على الدكتوراه من جامعة السوربون (باريس)، معلّق بصحيفة « الحياة »، من مؤلفاته: حفريات تأويليّة في الخطاب الإصلاحي العربي (دار الطليعة، 2002)، محمد عبده: قراءة جديدة (دار الطليعة، 2003)، مواقف من أجل التنوير (دار الطليعة، 2005)، الإسلام بين نزوات العنف واستراتيجيات الإصلاح (دار الطليعة، 2006)، في آليات الاجتهاد الإصلاحي وحدوده (دار المعرفة، 2006)، ديانة الضمير الفردي (دار الكتاب الجديد، 2007). (المصدر: موقع « الأوان، منبر العقلانيين العرب »، بتاريخ 15 مارس 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=80&Itemid=18


كيف عاد شي غيفارا؟: قراءة في وصول اليسار الي الحكم في دول امريكا اللاتينية

محمد نبيل (*) تتحرك العديد من بلدان أمريكا اللاتينية في صمت علي المستوي السياسي والاجتماعي، حيث ينتشر الخطاب اليساري وتزداد الدعوات الي التغيير والتنمية. ويعد هذا التطور محط اهتمام ومساءلة تدعو الي القيام بوقفة متأنية لفهم الحركية التي تشهدها هذه البلدان وأبعادها المختلفة. تري ماذا يحدث في بلدان جنوب القارة الأمريكية وما معني عودة الخطاب اليساري اليوم الي عدد من الدول بعد فترة الحكم العسكري؟
لولا داسيلفا أو كيف تحول ماسح الأحذية الي رئيس لدولة البرازيل؟
لم يذرف الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا دموعه كعادته، بل اكتفي فقط بالتعبير عن سعادته اثر فوزه الساحق بفترة رئاسية ثانية مدتها أربع سنوات، وذلك بفضل تفويض شعبي سمح للرئيس لولا بانتزاع النصر في دورة انتخابية يخوضها للمرة الخامسة في حياته السياسية. فلولا دا سيلفا حظي بدعم شعبي كبير نظرا لبرنامجه الانتخابي الذي تعهد فيه بتحسين المستوي المعيشي للفقراء من خلال رفع الرواتب وتخفيض الضرائب وخلق المزيد من فرص العمل. لولا المشهور عالميا بكونه أول رئيس للبرازيل قادم من الطبقة العاملة، صرح بأن فوزه في الانتخابات يعد انتصارا لكل البرازيليين بل أضاف قائلا: سيكون للفقراء الأفضلية في حكومتنا .
وحصل لولا الذي بدأ حياته كماسح للأحذية علي 60.83 بالمئة من الأصوات في انتخابات يوم التاسع والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) في حين حصل منافسه جيرالدو الكمين حاكم ساو باولو السابق الذي ينتمي لحزب الديمقراطية الاشتراكية، علي 39.9 بالمئة من الأصوات وبالتالي يكون لولا قد توصل بالهدية التي طلبها من أنصاره الذين قدموا يوم السابع والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) لمقر رئاسته قصد تهنئته بعيد ميلاده الواحد والستين.
سيرة هذا الزعيم تختزلها معاناة طفل مسحوق ورجل نجا من بؤس الشمال الشرقي للبرازيل، سار كل الطرقات الشائكة، وجابه العراقيل الجمة. رفض الظلم الاجتماعي الذي تعانيه البرازيل، وأصبح عضوا في نقابة العمال، ومن ثم رئيسا لأكبر نقابة أخصائيي التعدين. تري كيف استطاع لولا الطفل الفقير وماسح الأحذية بضواحي ساو باولو التسلق حتي وصل الي رئاسة دولة من حجم البرازيل؟ وما موقع فوزه في انتخابات بلاده من اعراب سياسة أمريكا اللاتينية؟ لولا، الطفل الذي تأثر بأمه! ولد لويس ايناسيو لولا دا سيلفا يوم السابع والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) عام 1945 بكارانهونس الواقعة في ولاية برنامبوكو الفقيرة والموجودة شمال شرق البرازيل. ولولا تعني في اللغة البرتغالية الكالمار أو الحبّارة، وهو نوع من السمك ينتمي الي الرخويات. وقد تبني الرئيس هذا الاسم عام 1982 لأسباب انتخابية. ويعد لولا الطفل السابع لعائلته المتكونة من ثمانية أطفال. هاجر أبوه اريستيديس اناثيو داسيلفا الي مدينة ساوباولو بدعوي البحث عن عمل، في الوقت الذي كان فيه لولا في بطن أمه اوريديس فريرا دي ميلو. وبعد احدي عشرة سنة وبالضبط عام 1956، قررت الأم اوريديس أن تبيع الأرض وكل ما تملك وتهاجر رفقة أبنائها بحثا عن زوجها بساوباولو وهربا من الفقر. سفر الأم دام 12 يوما علي متن حافلة أوصلتها الي مدينة ساوباولو حيث ستكتشف أن زوجها متزوج من امرأة ثانية وهي ابنة عمها. كان الحدث بمثابة صدمة قلبت حياة الأم رأسا علي عقب وتركت آثارا سيئة في نفسية لولا. هذا الأخير تلقي تربيته الأساسية علي يد أمه التي كانت تحاول التأثير عليه باستمرار.
اوريديس فريرا دي ميلو قررت رفقة أبنائها كراء غرفة توجد داخل حانة بحي ليبيرانكا الفقير. فالكثير يعتقد أن المضاعفات الوخيمة لمرحلة انفصال الأم عن أب لولا اريستيديس ساهمت بشكل كبير في تكوين شخصية الرئيس الذي يحكم دولة تعد القوة الاقتصادية الـ13 علي المستوي العالمي، كما يصل تعداد سكانها الي 180 مليون نسمة. فهو يعترف بعظمة لسانه أنه تعلم الكثير من الدروس من والديه وخاصة من أمه. يقول لولا: لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس، وكيف أحترم نفسي حتي يحترمني الآخرون .
ولولا لا يخجل عندما يتحدث عن ماضي عائلته، فهو الذي قال خلال حفل عشاء أقيم بالعاصمة برازيليا علي شرف الرئيس جاك شيراك في شهر ايار (مايو) المنصرم، بأنه ينتمي لأبوين ظلا أميين حتي وفاتهما. أب لولا كان يحس بالترف وهو يشتري جريدة ليحتفظ بها طيلة يوم عمله، بالرغم من أنه لا يستطيع فك رموز أبسط كلماتها. من ماسح الأحذية الي زعيم نقابي! المشهد المحزن الذي يظل مرسوما في ذاكرة لولا هو حين احتشد أفراد أسرة لولا والبؤس يكسو ملامحهم، يناقشون حالهم بعد أن هرب والدهم غير المسؤول مع فاتنة برازيلية شقراء ظهرت فجأة في حياته. استقر اجتماعهم التاريخي علي الرحيل رفقة الأم ولولا الذي لم يكن يتجاوز عمره سبع سنوات للبحث عن الأب الهارب في مدينة ساو باولو بعد أن أكدت آخر التحريات أنه هناك. لكن المفاجأة كانت هي تنكر والدهم لهم ولباقي اخوتهم بل قام بطردهم أمام الجيران.
لولا يبدأ دراسته لكنه يتوقف عن التحصيل في مستوي الخامسة من التعليم الأساسي. و منذ تلك اللحظات العصيبة بدأت مسيرة لولا من ماسح أحذية يأتي بلقمة العيش لأمه واخوته الي ان انتهي به الأمر سيدا للقصر الرئاسي. حمل لولا ابن السابعة صندوق الأحذية، حيث سيحصل علي أول مدخول مادي له من هذه الحرفة، ثم عمل بعدها صبيا بمحطة بنزين، ثم خراطا، وميكانيكي سيارات. لم تنته معاناة لولا عند هذا الحد بل اشتغل كبائع خضار، وبعدها عمل حاجبا في مكتب وعاملا بأحد المحلات الخاصة بالصباغة، لينتهي به هذا الحال المتعب كمتخصص في التعدين بعد التحاقه بمعمل فيس ماترا وحصوله علي مقعد للتكوين مدته ثلاث سنوات.
ونتيجة للأزمة التي حدثت بعد الانقلاب العسكري الذي وقع بالبرازيل عام 1964، غير لولا عمله مرات عديدة. وظل لولا يطوف علي كافة طوائف وحرف الأشغال الشاقة حتي خبر كل دروب البرازيل وخاصة عالمها السفلي. وقد دفعته الفاقة الي التنقل بين عدة مراكز ومعامل، مما سمح له بخلق علاقات مع الفعاليات والأوساط النقابية بساو باولو. وتقول المصادر انه في أوائل عشرينياته، دخل لولا العمل النقابي من باب المشاكسة، لكنه تفوق فيه لتمتعه بخصلتين: الأولي قدرته اللامحدودة علي الانصات للآخرين وتفهم مشاكلهم، والثانية قدرته الاستثنائية علي التفاوض. وبفضل أخيه خوصي فريرا دي سيلفا والملقب بالأخ شيكو استطاع لولا أن يحتل منصب نائب رئيس نقابة عمال الحديد جنوب ساوباولو بدلا من أخيه الذي انسحب من منصبه عام 1967. وفي عام 1978 انتخب لولا رئيسا للنقابة التي كانت تضم آنذاك 100 ألف عامل، مؤسسا ـ بكسر السين ـ توجها نقابيا جديدا.
ومن داخل نقابته العمالية، سيحقق لولا ثورته السياسية وذلك بتأسيس أول حزب عمالي في العاشر من شباط (فبراير) من عام 1980 رفقة العديد من المثقفين والسياسيين الذين يمثلون الحركات الاجتماعية البرازيلية. وفي نفس العام، سيتم اعتقال لولا الي جانب عدد من رفاقه النقابيين، وسيزج به في السجن لمدة شهر بسبب الاضرابات التي قامت بها النقابة العمالية التي أسسها لولا والتي دفعت السلطات الفيدرالية الي التدخل ضد زعمائها ومن بينهم الزعيم لولا. لولا الذي لم ينس سنوات الجوع والأمية! لم ينس الرئيس البرازيلي سنوات طفولته والجوع الذي عاشته أسرته وأمه علي الخصوص. فبداية المحنة كانت منذ أكثر من خمسين عاما في أحد أكواخ الشمال البرازيلي الفقير، حين رمي الأب كل العائلة التي عانت من الجوع والفقر المدقع. أما عقدة أبويه الأميين، فما زالت تؤرقه لحد الساعة، بل حفزته أكثر للتصدي الي هذه الظاهرة. والمبادرة الشجاعة التي أطلقها لمحاربة الجوع بالاشتراك مع المملكة الأسبانية وجمهورية تشيلي، تعد نقطة هامة في سجل الرئيس السياسي وتستحق كل الاهتمام علي المستوي الدولي. فلولا يريد أن يضع حدا للمجاعة التي يسببها الجفاف في مناطق كثيرة في الجنوب وللأمية التي تنخر جسد المجتمع البرازيلي. الرئيس يحمل مسؤولية محاربة الجوع الذي يمس 50 مليونا من سكان البرازيل لكل أفراد الشعب.
ويعد لولا الرئيس الأكثر نشاطا لمحاربة الجوع عالميا، حيث اقترح تمويل برنامج لمكافحة الفقر من خلال فرض ضريبة علي مبيعات الأسلحة في العالم. وبرر الرئيس البرازيلي مقترحه في قمة جنيف المنعقدة في شهر كانون الثاني (يناير) عام 2004، بكون خسائر الجوع لا تقل خطورة عن أسلحة الدمار الشامل. هذا الاقتراح لم يكن مجرد فكرة طرأت فجأة في ذهن لولا، بل الحكاية تعود الي حفل رقص فيه لولا وحضره 100 ألف مشارك في المنتدي الاجتماعي في بورتو أليجري. كانوا يغنون اسمه علي طريقة الروك آند رول، وبعدها أعلن الرئيس أمام الحاضرين أنه ذاهب الي منتدي دافوس ليجالس زعماء بلدان الشمال الغنية. وهناك أطلق لولا فكرة المعاهدة العالمية لمكافحة الجوع. فهذه الأخيرة، تعد محورا أساسيا في سياسته الاجتماعية عبر تبنيه لبرنامج حكومي يستغرق أربعة أعوام، ويحمل اسم مشروع الجوع صفر . لولا يعرف جيدا أن مشاكله الكبري لن تحل بعصا سحرية خارجية، لذلك فقد قال لصحيفة لوموند الفرنسية، بأنه من الضروري أن تحل البرازيل مشاكلها بنفسها اعتمادا علي مواردها الصناعية والزراعية. ففي ظل العولمة لن يعير أحد اهتماما بطفل يموت جوعا في البرازيل أو بملايين العاطلين عن العمل. ويضيف: هذه مشكلتنا، ويجب علينا أن نطرحها علي الطاولة، ولدينا حلول لها . عائلة الرئيس! لم يكتب للرئيس أن يعيش مع زوجته الأولي، السيدة ماريا دي لوغت داسيلفا التي أصيبت بفيروس التهاب الكبد، مما أدي بها الي الموت رفقة جنينها عام 1970. لولا يتزوج المرأة الثانية، ماريزا ليتسيا لولا داسيلفا التي التقاها خلال عمله داخل النقابة. وتعتبر الصحافة والمهتمين بالشؤون البرازيلية ماريزا ليتسيا، السيدة الأولي في البرازيل التي ظلت ترافق لولا منذ زواجهما عام 1974 وأنجبا خمسة أبناء، ماركوس كلاوديو 35 سنة، لوريان 33 سنة، فبيلة لويز 32 سنة، سانترو لويس 27 سنة، وأخيرا لويس كلاوديو 21 سنة.
هل يريد لولا بالفعل كسب ود العرب؟
رغبة الرئيس لولا في توطيد علاقاته مع العالم العربي تظل متميزة بالمقارنة مع سياسة بلده طيلة عقود من الزمن. فخلال زياراته لبعض البلدان العربية عبر لولا عن ارادته في تأسيس جسر يربط البرازيل والعالم العربي. وكمثال علي ذلك، أطلق لولا فكرة عقد قمة برازيليا خلال جولته في الشرق الأوسط في كانون الاول (ديسمبر) عام 2003. وحسب العديد من المراقبين يريد الرئيس البرازيلي كسب ود العرب لأسباب عديدة وعلي رأسها، شعوره بان العرب ينتمون هم كذلك الي عالم الجنوب، والجنوب، سواء في العالم الجديد أو العالم القديم، هو ميدان لحروب الولايات المتحدة ومغامراتها ومؤامراتها، هذا اضافة الي اعتقاده بأن الضحايا يمكن أن يشكلوا قوة تدافع عن مصالحهم في عصر العولمة عن طريق انشاء منظمة تجارة مشتركة. أما السبب الأخير، فيتمثل في ملايين العرب الذين هاجروا الي أمريكا اللاتينية وهم يعيشون في المجتمعات اللاتينية، في وضعية تختلف عن عرب المهجر المقيمين بالولايات المتحدة وباقي البلدان الأوروبية المصنفين كجالية الارهابيين. ولذلك، أصبح عرب أمريكا اللاتينية يصلون الي مراكز القرار السياسي كرؤساء ووزراء ونواب في دول مثل الأرجنتين وبيرو. والأهم من هذا كله هو أنه لا يوجد لوبي صهيوني في عواصم أمريكا اللاتينية بقوة لوبي واشنطن ولا توجد هوليوود تشوه صورة العرب والمسلمين ليلا ونهارا.
لولا يتخذ مواقف واضحة من قضايا العرب وعلي رأسها أزمة الشرق الأوسط. فقد صرح أكثر من مرة، أن البرازيل تعتبر السلام في الشرق الوسط أمرا ملحا وممكنا. فلولا يساند الجهود الرامية للوصول الي وفاق الشعوب في الشرق الأوسط، كما يؤيد قيام دولة فلسطينية عن طريق التفاوض وليس بالعنف والارهاب، ويأمل أن توصل هذه الصيغ الي تأسيس دولة فلسطينية في أقرب وقت. لولا داهية اقتصادي! الكثير من التقارير تعتبر الرئيس لولا داهية في مجال الاقتصاد بالرغم من عدم دراسته لهذا العلم. فقد أثبت خلال ولايته الرئاسية الأولي رؤيته الاقتصادية الجديدة. فالي جانب تصوراته الشخصية، اختار الرئيس كلا من جوسيه بالويس وزيرا للمالية وهنري بالويس مديرا للبنك المركزي، المعروفان بأنهما رجال البنك الدولي وصندوق النقد، لكنه عين صديقيه ديريكيو وجونينو باعتبارهما رجال حرب العصابات الغيفارية كمستشارين له.
لولا وضع لنفسه برنامجا يتكون في ثلاث نقاط أساسية: أولا، انهاء دعارة الأطفال الذين يصل عددهم الي 9 ملايين طفل، وثانيا، انهاء الجوع بعد أن وصل عدد البرازيليين الذين يأكلون وجبة واحدة يوميا الي 30 مليون برازيلي من مجموع عدد السكان الذي يصل الي 175 مليون نسمة، وأخيرا، اجراء اصلاح زراعي يستفيد منه 50 مليون برازيلي.
طموح لولا أكبر منه، فهو يريد تسويق تصوره الاقتصادي الي الغرب الليبرالي ليكون مطلبا غربيا. وفي هذا الاطار اعتبرت واشنطن تايمز في احدي افتتاحياتها، أن لولا مقدم علي لقاء صندوق النقد بجسارة؛ فهو يؤمن بأنه قادر علي بيع أشياء ثمينة للغرب مثل أجواء الاستقرار في البرازيل والاستقرار الضريبي والضمان الاجتماعي وقوانين عمل تبعث الطمأنينة في قلوب المستثمرين وجيش من الطبقة الوسطي الواعدة.
وبالرغم من كونه يعتز بأفكاره السياسية والاقتصادية، فانه يرفض أن يكون رسولا يحمل أفكار الآخرين. فحينما سألته جريدة لوموند حول لقائه بالرئيس الأمريكي جورج بوش بواشنطن في العشرين من ايار (مايو) عام 2003، قال لولا بالحرف الواحد: يجب أن أتعايش مع الرئيس بوش… لا أستطيع أن أقنعه أن يحمل أفكاري، ولكني لن أحمل أفكاره أيضا . ربطة العنق ومظهر جديد للفوز بالانتخابات! ليس من السهل تجاوز المسافة الفاصلة بين النظرية والواقع. هذه المعادلة ألقت بظلالها علي سياسة لولا وجعلته يغير استراتيجيته في التعاطي مع أبناء جلدته. فهزيمته في الانتخابات الرئاسية ولثلاث مرات، دفعت لولا النقابي الي اعادة النظر في صورته ومظهره أمام الشعب البرازيلي.
سلسلة هزائم لولا بدأت في أول مشاركة له في الانتخابات التي أجريت عام 1989 أمام منافسه المرتشي كولور. لعنة الهزيمة ستطارده مرتين وأمام نفس المرشح فرناندو كاردوسو ـ 1994 و1998 ـ هذا الفشل، بقدر ما زاد لولا عزيمة أكبر للتقدم من أجل الفوز بكرسي الرئاسة، بقدر ما أدي به الي مراجعة نفسه. قرر لولا تغيير مظهره. فربطة العنق واللباس الأنيق حلا محل لباس العامل الكادح. هذا التغيير الجذري يعتبره بعض المراقبين للشأن البرازيلي، سببا وراء فوز لولا بكرسي الرئاسة لأول مرة في انتخابات عام 2002 أمام منافسه خوصي سيرا. لولا من الكاريزمية الي الشعبوية الكثير من زعماء الحركات الاجتماعية البرازيلية يترددون في دعم الرئيس لولا ويوجهون له النقد بسبب سياسته في مجال الاصلاح الزراعي غير المقنعة. وبالرغم من هذه المعارضة، استطاع لولا بفضل براغماتيته، أن يطمئن أوساط رجال الأعمال والطبقة المتوسطة وطالبهم بالالتفاف حول الفقراء، وخاصة بشمال شرق البرازيل التي ما زال سكانها يعتبرونه رمزا للتغيير. فالرئيس يظهر بوجع اعلامي متميز، يبكي مع الفقراء ويمسح دموعهم، فهو الذي يقول أمام الجماهير: من أجل الحكم نحتاج الي قليل من الذكاء والكثير من القلب. فالشعب ليس عبارة عن رقم . صورة لولا الشعبوي تظهر كذلك عندما يقول أمام عدسات الكاميرا: لا أحد يعرف مشاكل الشعب أفضل مني . فهو يطالب في نفس الوقت هذا الشعب بالدفاع عنه ضد هجمات ونقد المعارضة البرازيلية، فصورة لولا الضحية تخدمه جيدا، وكارزميته تظل ثابتة عندما يمسك بالوتر الحساس للطبقة الفقيرة ويدغدغ أحاسيسها معلنا أنه ضد الجوع ومن أجل مصالح المزارعين.
وكيفما تكون شعبوية رفيق شي غيفارا، فان لولا تحدي خصومه داخل وخارج البرازيل وقاوم الدكتاتورية العسكرية ووصل الي أعلي هرم السلطة في بلاد كانت تعتبر الي حدود سنوات التسعينات ضمن العالم الثالث فأصبحت اليوم تصدر السيارات الي الولايات المتحدة.
كيف عاد شي غيفارا الي أمريكا اللاتينية؟
عاد اليسار الي أمريكا اللاتينية وانبعث شي غيفارا من جديد بدون سلاح أو حرب عصابات بل بالديموقراطية وصناديق الاقتراع. فرفاق شي غيفارا تسلموا السلطة في أربع دول كبري جنوب القارة الأمريكية لينضافوا الي رفيقهم التقليدي كاسترو رئيس كوبا. وتقول مارغريت لوبيز مايا، وهي أكاديمية متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية: ان جنوب القارة الأمريكية وصلت المرحلة التي يتعين أن تشهد فيها ثورة اجتماعية . وتعتبر مايا أن الوقت حان من أجل حدوث المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين سكان القارة. وتقول بعض التحاليل، أن زعماء اليسار الجدد في أمريكا اللاتينية يعبرون عن مطالب شعبية تبدو بسيطة، وبصورة عفوية، ويتحدثون عن الفقراء والمهمشين ومظالم التمييز الاجتماعي والدكتاتورية وليس عن الصراع الطبقي كما هو متعارف عليه في الأدبيات اليسارية. انه صوت الشعب التلقائي ضد الظلم والاستغلال. مزارع هندي يحكم بوليفيا من الأرض الزراعية في مقاطعة قبيلته أيمارا والتي عمل فيها خلال عقد من الزمن، مرورا برفع شعاراته الثلاثة المعروفة لتعبئة الفلاحين والعمال في بوليفيا وهي: لا تكن جبانا، لا تكن منافقا ولا تكن عبدا، أتي ايفو موراليس ذو الأصول الهندية الي هرم السلطة ببوليفيا.
موراليس ما زال لم يتأقلم مع الفضاء السياسي الجديد، فهو الزعيم الذي يتنقل بين قصور الرؤساء بين باريس وبكين، مرتديا جاكتته الجلدية العادية وفانيلة صوف ملونة وبنطلون جينز قديم، بل يتكلم بخجل ويتلعثم في خطاباته. فعدد من التعاليق الصحافية تعتبر الرئيس موراليس كممثل لا يتقن دوره.
ذاق موراليس الفائز في الانتخابات الرئاسية ليوم 18 كانون الاول (ديسمبر) 2005 مرارة الاعتقال في السجون والمنافي والقمع، فهو النقابي الذي لا يتقن اللعبة السياسة كما يمارسها الوصوليون والسياسيون المحترفون، لكن هذا المزارع الهندي المعجب بالقائد الراحل شي غيفارا انتصر في النهاية.
وعلي خلفية تلك المواقف الشعبوية المعادية لأمريكا والمطالبة بالارتداد عن اقتصاد السوق الذي يخدم فقط فئة قليلة من الأثرياء الموالين للشمال علي حساب الملايين من الفقراء، فاز ايفو موراليس في انتخابات الرئاسة في بوليفيا، ضدا علي كل الشتائم القذرة التي كانت تلصق به في وسائل اتصال أمريكية ومحلية متهمة اياه بتجارة المخدرات والارهاب. المرأة الحديدية تفوز بشيلي وفي شيلي أعلن عن فوز المرأة الحديدية الاشتراكية، ميشال باشلي بالانتخابات الرئاسية ضدا علي منافسها الثري والليبرالي سيبستيان بينرا صباح يوم الأحد 15 كانون الثاني (يناير) هذا العام. وقد تم انتخاب الطبيبة المتمردة كما يصفها البعض والأم بدون زوج كما ينعتها البعض الآخر، بأغلبية 54 في المئة من الأصوات في بلد يعد أهم دول أمريكا اللاتينية علي سواحل المحيط الهادي، وشريك الصين الأول في القارة كلها.
ولدت ميشيل باشلي في التاسع والعشرين من ايلول (سبتمبر) من عام 1951، ووالدها كان جنرالا مسؤولا عن قطاع المواد الغذائية، ثم قائد سلاح الطيران أيام حكومة سلفادور الليندي الاشتراكية عام 1970.
وعندما حدث انقلاب الجنرال بينوشيه ضد رئيس شيلي المنتخب يوم 10 ايلول (سبتمبر) 1973، تم اعتقال الجنرال باشيليه، وتعذيبه بقسوة حتي لقي حتفه في اذار (مارس) 1974. رئيسة شيلي ذاقت العذاب هي الأخري في فيلا جريمالدي أو السجن الرهيب كما يطلق عليه، وتم ترحيلها الي المنفي عام 1975، متنقلة بين استراليا والولايات المتحدة، وبعدها الاستقرار في المانيا الشرقية. وفي المنفي تخرجت ميشيل من كلية الطب بجامعة هومبلدت الشهيرة في برلين حيث تزوجت قبل أن تعود بعد نهاية المنفي الي شيلي عام 1979، وتعمل كطبيبة أطفال حتي نهاية عهد ديكتاتورية بينوشيه عام 1990.
ويعود شي غيفارا ثانية الي شيلي بعينيه الخضراوين وسيجاره الكوبي من خلال الانتخابات الديموقراطية وليس من خلال قعقعة السلاح . انه التاريخ يعيد نفسه لكن في حلة مغايرة بهذا البلد، لكن المواجهة تظل متوقعة مع الولايات المتحدة. بالمقابل، تقول بعض التحاليل ان العالم تغير وزعماء أمريكا اللاتينية بمن فيهم زعيمة شيلي لا يؤمنون بالشيوعية ولا بقمع الرأي الحر، لكنهم أصبحوا يمارسون اللعبة السياسية بطرق جديدة تختلف عن مثيلاتها ابان سنوات الرصاص. أما حكومة واشنطن فقد تغيرت بدورها وقبلت بهم قسرا لا طوعا لأن ارادتهم الي جانب شعوبهم تظل أقوي في نهاية المطاف. شافيز ثائر من نوع خاص ومن بلد كفنزويلا يخرج ثائر جديد ضد الهيمنة الأمريكية. ونقصد الرئيس هوغو شافيز رئيس الجمهورية والمنتصر في ثورة التحرير الجديدة عام 1998، متحديا واشنطن وأعظم الشركات العابرة للقارات التي تعلن صراحة دعوتها للاطاحة به. شافيز يحكم الآن خامس الدول الكبري المنتجة للبترول، ويمد دول أمريكا الجنوبية المستقلة بالبترول بثمن منخفض. هذا، وقد انضمت فنزويلا الي منظمة ميركوسور لتسهيل عملية مد البترول والغاز من فنزويلا الي بوليفار والأرجنتين جنوبا كمحور للاستقلال الاقتصادي للقارة. وبالمقابل، تستورد كراكاس الكوادر المتقدمة في مجالات الطب والصيدلة والتكنولوجيا المتقدمة في هذه البلدان بغية تكوين وحدة أمريكا الجنوبية تدريجيا بشكل ميداني فعال.
فالعديد من المراقبين يشهدون لشافيز جرأته في اتخاذ القرارات الكبري. وفي هذا الصدد، نظم ثائر أمريكا اللاتينية مؤتمر كاراكاس المعروف وجمع من سماهم بالبؤساء والمسحوقين مقابل مؤتمر منظمة التجارة العالمية الذي يضم البلدان الغنية، وهو الذي يدير تكتلات المنتجين ويؤثر في سوق النفط العالمية بمقاومة استغلال الشركات الكبري وكسر احتكاراتها وتوزيع الخيرات علي الطبقات العاملة من الشعوب. شافيز يتهم أكثر من مرة الولايات المتحدة رسميا بمحاولة اغتياله. وفي هذا الاطار، كشفت المحامية الأمريكية من أصل فنزويلي ايفا كولينكر عن تورط الاستخبارات الأمريكية في اغتيال شافيز، في كتابها الذي عنونته بـ: الـ سي آي ايه بفنزويلا. وللاشارة، فشافيز لا يتوقف عن اعلانه صراحة التحدي، وأنه بالفعل قائد ثورة بوليفار الثانية ضد الامبريالية الأمريكية في عموم أمريكا اللاتينية.
هل ما زالت رياح اليسار ستهب علي أمريكا اللاتينية؟
لقد بدأت رياح اليسار تهب علي أمريكا اللاتينية، لكنها لن تقف عند حدود دول البرازيل، فنزويلا، بوليفيا، شيلي وكوبا. وتقول المؤشرات، ان المد اليساري سيكتسح العديد من الدول كالبيرو، المكسيك والأوروغواي من أجل التخلص من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية علي مقدرات شعوبها. فاذا أخذنا البيرو، سنجدها تسير وفق تحرك الضابط المتقاعد أولانتا هومالا وصديق شافيز الحميم، في اتجاه ثورة جديدة يتوقع أن تغير من ملامح المشهد السياسي لدولة البيرو في الانتخابات المقبلة. أما المكسيك جارة الولايات المتحدة، فتقول استطلاعات الرأي بأن الرئيس الحالي فنسنت فوكس الموالي لواشنطن لن يتمكن من تجديد ولايته هذا العام، في الوقت الذي تتصاعد شعبية الزعيم اليساري اندريه أودبرادور المرشح للرئاسة القادمة محل فوكس.
تيار التغيير وصل الي حدود الباراغواي التي اختار شعبها في تشرين الاول (أكتوبر) 2004 ولأول مرة، الرئيس الاشتراكي تباري فاسكيز رئيسا لهذا البلد الصغير الذي استنزفت أحزاب اليمين ثرواته طيلة عقد من الزمن. ويجب أن لا نسقط من بالنا، كلا من البرازيل والأرجنتين، البلدين العازمين علي تسديد ديونهما المستحقة لصندوق النقد الدولي في أفق توفير فوائد مهمة تصلح لتطوير وبناء البلدين وفك الارتباط بالمؤسسات النقدية الأمريكية. ويظل العداء ضد حكومة واشنطن ورقة سياسية رابحة بيد العديد من الزعماء بأمريكا اللاتينية. هذا العداء نفسه، هو الذي أدي ببلد مثل نيكاراغوا الي التطلع للتغيير حيث تأمل حركة ساندنستا اليسارية التي يقودها دانييل أورتيغا العودة الي السلطة مجددا، بعدما تغلب عليه ثوار الكونترا الذين دعمتهم واشنطن بقوة عام 1990 قصد التخلص من النظام الاشتراكي واقصاء أورتيغا عن السلطة. (*) صحافي من المغرب مقيم بألمانيا falsafa71@hotmail.com (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 16 مارس 2007)  


بوش في أمريكا اللاتينية: فشل ليس بحاجة إلي شرور اليسار؟

صبحي حديدي (*) جولة الأيام الستة، التي قام بها الرئيس الأمريكي جورج بوش إلي أربع دول في أمريكا اللاتينية، البرازيل والأروغواي وكولومبيا وغواتيمالا والمكسيك، حملت من الرموز والبلاغة والمسرح ـ وكان في النشاط الأخير طراز إيمائي أيضاً! ـ أكثر بكثير مما جاء من وعود بتقديم مساعدات ملموسة أو برامج استثمار تنموية أو مبادرات عون في ميادين الإسكان أو الرعاية الصحية أو التعليم أو تنظيم الهجرة والحدّ من نزيف الأدمغة. ويكفي، في مثال أوّل يكاد يلغي الحاجة إلي أيّ مثال إضافي، أنّ بوش تفاخر بعزم إدارته علي زيادة المساعدات إلي أمريكا اللاتينية، وتناسي أنّ مشروع الميزانية الذي أرسله إلي الكونغرس يخفّض تلك المساعدات، بدل زيادتها أو حتي الإبقاء عليها في مستواها الراهن!
غايات الجولة، كما بدا واضحاً قبل أن يتضح سريعاً وعلي نحو مكشوف مفضوح، كانت تُختصر في هدفين اثنين: إحتواء التأثيرات الهائلة والقاعدية واليومية التي يمارسها الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في ضمير الشارع الشعبي العريض هنا وهناك في دول القارّة؛ ثمّ الإيحاء، بعد الاحتواء، أنّ يسار أمريكا اللاتينية ليس واحداً متماثلاً رجيماً علي قدم المساواة من وجهة النظر الأمريكية، وثمة يسار نظيف طيّب رشيد (من النوع السائد في الأروغواي والبرازيل مثلاً)، ويسار قذر شرّير مغامر (من نوع كوبا كاسترو، وفنزويلا شافيز، وبوليفيا إيفو موراليس). ولهذا وجدنا بوش ينقلب إلي منافس لكبار ممثّلي لاهوت التحرير، لكي لا نقول إنه تباري مع كارل ماركس نفسه، في التركيز علي العدل والمساواة والبُعد الاقتصادي للحياة الاجتماعية! في غواتيمالا خاطب الجماهير هكذا: نحن حلفاء في قضية العدالة الاجتماعية ، وفي الأروغواي قال دون أن يرفّ له جفن: محنة الفقراء تثير قلق الولايات المتحدة ، وفي البرازيل اقترح التحالف الأفضل ضدّ الفقر: نحن كلّنا عائلة الله !، قبل أن يضيف: إذا أصيب واحد بأذي، فإننا أيضاً نُصاب به !
لكنّ السحر لم ينطلِ علي الجموع خارج قاعات الاستقبال، رغم أنّ بوش حرص هذه المرّة علي الإقلال من تواجده فيها والإكثار من الاحتكاك بالشارع، ولاح أنّ النقيض تماماً هو الذي أسفرت عنه الجولة: تظاهرات شعبية واسعة، ليس للاحتجاج علي زيارته فحسب (وهذا صار تقليداً كلاسيكياً أينما حلّ وارتحل)، بل أساساً للإعراب عن رفض سلسلة من الاتفاقيات أو التفاهمات التي توصلت إليها واشنطن مع العواصم المعنيّة بالجولة (كما في مثال تظاهرات مونتيفيديو احتجاجاً علي اتفاقيات التبادل التي أبرمها رئيس الأورغواي تاباري فاسكيز مع الولايات المتحدة، أو تظاهرة كراكاس ضدّ اتفاقيات مماثلة عقدها الرئيس الأرجنتيني نستور كيرشنر)، والترحيب بمبادرات مضادة من نوع تأسيس بنك الجنوب الهادف إلي الحدّ من نفوذ البنك الدولي في شؤون أمريكا اللاتينية.
وإذا كانت ممارسة السياسة الخارجية تنطوي، في عالمنا المعاصر وخاصة عند القوي العظمي، علي طرائق بالغة الرداءة، فإنّ أكثرها سوءاً ذلك السبيل الذي يختزل قضية متشابكة معقدة إلي مجرّد تفصيل واحد تُسلّط عليه كلّ الأضواء، ويصبح بالتالي جوهر الكلّ ومنتهي الكلّيانية. وهذه كانت حال بوش، مثل معظم الرؤساء الأمريكيين في الواقع، تجاه القضايا المعقدة التي تنمّي حسّ السياسة لدي الجموع في أمريكا اللاتينية، وتخلق بالتالي دوافع مجيء اليسار (راشداً كان وطيّباً، أم مغامراً وشريراً) هنا وهناك في أرجاء القارّة.
وقبل سنوات معدودات كان سلفه، بيل كلينتون، قد أدّي وصلة مسرحية مماثلة ـ تراجيدية هذه المرّة ـ أمام الشارع الغواتيمالي، حزناً علي 200 ألف ضحيّة سقطوا خلال الحرب الأهلية التي كان للمخابرات المركزية الأمريكية الدور الأكبر في إشعالها وهندستها وتغذيتها بالحديد والنار. وآنذاك اختصر كلينتون المأساة بأسرها هكذا: من المهمّ أن أعلن بوضوح أنّ دعم القوات العسكرية أو وحدات الإستخبارات التي انخرطت في أعمال العنف والقمع الواسع النطاق، كان خاطئاً. وينبغي علي الولايات المتحدة أن لا تكرر ذلك الخطأ. علينا، بدل ذلك، أن نواصل دعم السلام وسيرورة المصالحة في غواتيمالا .
لكنّ العامل الموضوعي الذي أجبر كلينتون علي هذا الإقرار العلني كان التقرير الذي صدر عن هيئة إيضاح التاريخ ، التي عكفت علي دراسة وقائع 36 سنة من حرب أهلية ارتكب فيها الجيش وقوات الأمن الغواتيمالية أكثر من 42 ألف حالة انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، تراوحت بين الموت تحت التعذيب والإعاقة الجسدية والاغتيال وإحراق قري بأكملها، وبلغت حدّ الإبادة الجماعية لمجموعة إثنية ريفية هي المايا، اتهمتها الطغمة العسكرية بالتعاطف مع ميليشيات اليسار. والتقرير قال التالي عن تورّط الولايات المتحدة: تكشف تحقيقات الهيئة أنه حتي أواسط الثمانينيات مارست حكومة الولايات المتحدة والشركات الأمريكية الخاصة ضغطاً صريحاً لإبقاء غواتيمالا في إسار بُنية من الفوضي الإقتصادية ـ الإجتماعية غير العادلة. يضاف إلي ذلك أن الولايات المتحدة، عبر مختلف هياكلها الإدارية، والمخابرات المركزية تحديداً، قدّمت دعماً مباشراً وغير مباشر لعمليات القمع اللاشرعية التي مارستها أجهزة السلطة الغواتيمالية .
وأمّا السجل التاريخي فقد دوّن أنّ مليشيات يسارية انخرطت في حرب عصابات ضد السلطة العسكرية إثر قيام حفنة من ضباط الجيش بإنقلاب (مدعوم مباشرة من الولايات المتحدة وحلف الـ ناتو ) ضدّ حكومة الرئيس جاكوبو أربينز (الليبرالية، وليس الشيوعية!) التي كانت آنذاك قد انتُخبت بصفة شرعية ديمقراطية. وأمّا الأسباب فهي ثلاثة: أن أربينز وافق علي ممارسة الشيوعيين لحقّهم في العمل السياسي، وأنه لجأ إلي المعسكر الإشتراكي لشراء الأسلحة حين رفضت الولايات المتحدة ودول حلف الـ ناتو تزويده بها، وأنه رفض التراجع عن تشريعات الإصلاح الزراعي التي كانت ستصيب بالضرر مصالح شركة الفواكه المتحدة الأمريكية العملاقة. كذلك يقول السجّل التاريخي إن واشنطن هي التي ضغطت مباشرة من أجل إطلاق يد الجيش في تطبيق سياسة الأرض المحروقة ضدّ المعارضة الغواتيمالية، وأنها ساعدت في ذلك عن طريق القصف الجويّ لمواقع الميليشيات، ثم عن طريق إرسال قوّات تدخل أمريكية رابطت في غواتيمالا وأشرفت علي مختلف العمليات العسكرية.
وبالطبع، ولكي نربط فكرة عائلة الله التي يتحدّث عنها بوش اليوم بطراز آخر من اللاهوت، نشير إلي أنّ الحرب الأهلية الغواتيمالية كانت المحرّك الأبرز وراء ولادة ما سيعرف في أمريكا اللاتينية باسم لاهوت التحرير ، أي انضواء الكنيسة في صفّ الدفاع عن الشعب ضدّ الطغمة العسكرية، وانخراطها موضوعياً في تحالف غير مباشر مع الميليشيات الماركسية. وكان القسّ الأمريكي توماس ملفيل أوّل من أماط اللثام عن الدور الأمريكي القذر في هذه الحرب، وذلك في رسالة شهيرة وجهّها إلي السناتور وليام فولبرايت. ولقد أوضح الأب ملفيل، وكان آنذاك رئيساً للبعثة التبشيرية التابعة للكنيسة الكاثوليكية، أنّ قضية الميليشيات كانت أكثر عدلاً وحقّاً، بل وأكثر مسيحية، من قضية الطغمة العسكرية وشركة الفواكه والمخابرات المركزية والجيش الأمريكي!
وفي تقرير أحدث عهداً، عن كولومبيا، أعدّه معهد راند الأمريكي، ثمة أرقام مذهلة عن تهريب السلاح والإتجار به استيراداً وتصديراً، في بلد تقول أكثر الإحصائيات تفاؤلاً إنّ نسبة الجريمة فيه هي الأعلي في العالم. غير أنّ هذه الحقيقة، أي العلاقة بين تجارة السلاح وارتفاع معدّل الجريمة، ليست مدعاة ذهول أكثر من الحقيقة الأخري التالية: أنّ معظم هذا السلاح يأتي من مصدر واحد هو ما يُسمّي مستودعات الحرب الباردة ، أي تلك الكميات الهائلة من الأسلحة التي سبق أن خزّنتها الولايات المتحدة في بلدان أمريكية ـ لاتينية مثل الهوندوراس والسلفادور ونيكاراغوا!
وحين احتدمت معركة الإنتخابات الرئاسية الاخيرة بين بوش والمرشح الديمقراطي جون كيري، وجّه الأخير رسالة إلي الرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي فيليز، يطري فيها تراجع نسبة الجريمة والمذابح الجماعية وأعمال الخطف، ويحثّ علي المزيد من التقدّم في هذا المضمار. لكنه، علي استحياء أشبه برفع العتب، لم يغفل الإشارة إلي أعمال القتل غير المشروعة وحالات الإختفاء القسري التي تُعزي إلي قوّات الأمن الكولومبية. والحال أنّ تلك الأعمال لا تُعدّ بالعشرات أو بالمئات، بل بالآلاف وعشرات الآلاف. وهي تشمل وجوه المعارضة الديمقراطية السلمية، وليست تلك المسلحة التي تخوض حرب عصابات، فضلاً عن ممثّلي النقابات في ميدان أشغال النفط تحديداً، وبعض أبرز وجوه المجتمع المدني الكولومبي! حكاية الإرهاب ، أو إلصاق التهمة علي وجه التحديد، هي وجه آخر لممارسة الاختزال الفاضح في السياسة الخارجية، كما في مثال كولومبيا ذاتها. فالبلد شهد ويشهد حرباً أهلية طاحنة تجاوز عمرها نصف قرن، وذهبت بأرواح أكثر من 53 ألف قتيل، وينخرط فيها عشرات الآلاف من أعضاء الميليشيات يميناً ويساراً. لكنّ البيت الأبيض، وبصرف النظر عن هوية شاغله الأوّل وما إذا كان جمهورياً أم ديمقراطياً، اعتاد أن يختصر الأمر بأسره إلي مجرّد حرب أمريكية ضدّ المخدرات، فيطمس غالبية الحقائق السياسية والإجتماعية وراء تلك الحرب الأهلية. بين هذه، مثلاً، أنّ مصادرة أراضي مئات الآلاف من الفلاحين، وطردهم من عشرات القري علي امتداد ثلاثة عقود خلت، هو الشرارة التي أشعلت لهيب العصيان الشعبي، أو في الأقلّ ذاك الذي تتزعمه اليوم جبهة القوات المسلحة الثورية الكولومبية ، أو الـ FARC. ورغم أنّ الجبهة تسيطر اليوم علي مساحات شاسعة واسعة من الأراضي الوطنية، فإنّ الولايات المتحدة تصرّ علي اختزال تلك المجموعة السياسية ـ العسكرية الرئيسية إلي عصابة مخدّرات ، وتضع أمر تصفيتها علي قدم المساواة مع محاربة عصابات المخدرات الفعلية المحترفة.
الحقيقة، رغم ذلك، تشير إلي أنّ الزمرة العسكرية المهيمنة علي المؤسسات الديمقراطية الشكلية هي التي كانت تسهّل زراعة وتصنيع وتجارة المخدرات، لأنها شريكة مباشرة في الـ بزنس ، بل هي الشريك الأوّل الذي لا غني عنه. وفي عام 1998، لتقديم مثال مضحكٍ ـ مبكٍ في آن معاً، هبطت طائرة رئيس أركان سلاح الجوّ الكولومبي في مطار ميامي (في الولايات المتحدة، للتذكير!)، وشاءت الصدفة وحدها أن تُكتشف علي متن الطائرة الرسمية كمية من الكوكايين لا تقلّ عن نصف طن! المدهش أكثر أنّ الرئيس الكولومبي السابق أندريس باسترانا سارع، فور انتخابه، إلي فتح حوار مع جـبهة الـ FARC، رافضاً التصنيف الأمريـــــــكي الذي يضعــــها في خانة عصابة مخدرات، ومعتبراً أنها حركة ثورية ذات مطالب سياسية واجتماعية. لكنّ واشنطن فرملت ذلك الحوار عن طريق الضغط المباشر علي باسترانا، أو تحريض الطغــمة العسكرية لتصعيد العمليات العسكرية ضد الـ FARC بالتزامن مع انطلاق أولي جولات الحوار، أو الزيادة الدراماتيكية في حجم ونوعية المساعدات العسكرية الأمريكية ورفعها إلي مستوي التدخل العسكري.
وليس دون أسباب وجيهة، نابعة مباشرة من هذا الاختزال الامريكي المستديم، أنّ بوش باشر جولة الأيام الستة وقد تلبدت في يوم سوداء داكنة في أجواء جديدة من سماءات القارّة: إعلان بنــــــاما أنها لن توقّع اتفاقية للتجارة سبق التفاوض حولها مع واشنطن، وعزم حكومة دانييل أورتيغا في نيكاراغوا توقيع 15 اتفاقية اقتصادية مع فنزويلا، وإقرار حكومة رافائيل كورّيا الجديدة في الإكوادور سلسلة إصلاحات إشتراكية واسعة كما جــــاء في التسمية الرسمية… فهل الفشل الأمريكي الذريع بحاجة، حقاً، إلي شرور اليسار لكي تتكشّف عناصره كاملة، وتُفتضَح يوماً يعد يوم؟
(*) كاتب سوري مقيم بباريس    (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 16 مارس 2007)

الاهانة والتحدي…والاستجابة!
 
د.حسن حنفي
جرت العادة في فلسفات التاريخ أن يُقرن التحدي بالاستجابة. فكل تحدٍّ له استجابة. ولكن في الوطن العربي يقرن التحدي بالإهانة. فالإهانة تبدأ أولاً وتتكرر وتتراكم حتى تأتي لحظة التحدي والرفض لها والانتفاضة ضدها والثورة عليها. وفي هذه اللحظة التاريخية، مفترق الطرق، تتكرر الإهانات واحدة تلو الأخرى وكأن المواطن العربي أصبح بلا كرامة، والوطن العربي بلا شعوب أو دول، أو كأن الساحة العربية كلها أصبحت بلا صاحب تفعل فيها القوى الخارجية ما تشاء، وتلعب في أحشائها كما تريد. وتجري العمليات الجراحية واستئصال الأعضاء، وتغيير مجرى الشرايين، وزرع الأعضاء الاصطناعية بما في ذلك القلب كما تهوى وتخطط. والوطن العربي أثناء كل ذلك في حالة تخدير، جثة هامدة. تفعل فيها يد كبير الجراحين وفريقه ما تشاء. أصبح صدر المواطن العربي عارياً يصوِّب إليه من يشاء، وسماء الوطن مفتوحة يخترقها من يريد، وأرضه بلا ثغور ولا حدود، يدهسها كل غازٍ. مع أن مهمة المجتمع في الفقه القديم « الذب عن البيضة » بتقوية الثغور والدفاع عن الحدود. فالوطن كالبيضة إن لم يتم الدفاع عنها انكسرت قشرتها أي إرادتها، وسال بياضها بالدموع، وصفارها بالدم.
تسيل الدماء في العراق كل يوم على مدى أربع سنوات وكأن المواطن هناك لا وطن يحميه، ولا نظام سياسياً يدافع عنه، ولا دولة تعطيه الأمان كما أعطته عبر التاريخ، « وامعتصماه ». وتثار النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية فيه لتؤجِّج نار الحرب الداخلية. ويُقتل النساء والأطفال والشيوخ بدكِّ المنازل بدعوى البحث عن رجال التمرد. ويذبح الجرحى في المساجد. وتطلق النار على كل مقاوم كما كانت تطلق النار على كل شيء يتحرك في فيتنام. فلا مكان للأسرى على رغم الاتفاقيات الدولية التي تنظِّم قواعد الحرب ومعاملة المقاتلين والأسرى. وتسيل الدماء في فلسطين كل يوم. تُخترق المدن، وتُدهم المنازل، ويُحاصر الأحياء، ويؤسر المقاومون ويؤخذون في العربات المصفّحة، والأيدي فوق الرؤوس أمام الجند المدججين بالسلاح. فالوطن بلا كرامة، والسلطة بلا حضور، والمواطن بلا ستار أو غطاء يحميه. وفي نفس الوقت تـُطالب المقاومة بالتوقف وبنزع السلاح والاعتراف بالعدو المحتل دون مقابل إلا بوعود كلامية: دولتان متعايشتان، جنباً إلى جنب. ثم جاءت الصومال، والدول الثلاث العراق وفلسطين والصومال أعضاء في جامعة الدول العربية، لتقع تحت الاحتلال الحبشي بدعوى نصرة فريق على فريق، وتأييد الدولة ضد خصومها السياسيين، والدفاع عن السلم ضد الإرهاب، وعن النظام ضد الفوضى، وعن التحضر والتمدن ضد الهمجية والتخلف. وتتفشى الكوليرا لدى الفقراء بسبب الماء غير الصالح للشرب. فالكل يتصارع على السلطة. ولا أحد يدافع عن الشعب. وما يحدث في العالم الإسلامي، أفغانستان والشيشان وكشمير، هو امتداد لما يحدث في الوطن العربي. ويتم الغزو الأجنبي بطريقة القرن التاسع عشر، والاستعمار في أوْجه. والغزو العسكري والاحتلال المباشر هما وسيلة التخاطب بين الشعوب. فالحق هو القوة. والقوة هي الحق. وتأتي أصوات الاستغاثة عن بُعد من المسلمين في بورما وتايلاند، أصوات بعيدة تنضم إلى الأصوات القريبة في فلسطين والعراق. لا مانع اليوم في عالمنا من اليد الطويلة، والقوة القاهرة. والقاهر للداخل لا يقوى على صد القهر من الخارج. وتظل صورة الإهانة في الذاكرة الوطنية. ويُعلن كل يوم عن أن القوات الأميركية وجدت في المنطقة لتبقى، وأن بقاءها ليس مرهوناً بما يدور في العراق أو فلسطين أو سوريا أو لبنان، بل دفاعاً عن المصالح الأميركية في المنطقة، النفط وعوائده، والمواقع الاستراتيجية والأسواق ومناطق النفوذ. فالحرب الباردة لم تنتهِ بعد. والإمبراطورية الأميركية في خطط « المحافظين الجدد » مشروع متواصل، من رئيس إلى رئيس، ومن إدارة إلى إدارة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى لو اندلعت الحرب العالمية الثالثة. ويُعلن عن بناء أكبر قاعدة عسكرية في شمال العراق للتنسيق مع قاعدة إنجرليك في تركيا لحصار روسيا من الشمال والجنوب. وتبنى قاعدة ثالثة في إحدى جمهوريات آسيا الوسطى، لتكون أكبر قاعدة في آسيا، حتى يتم حصار القارة الآسيوية كلها من الجنوب والغرب. في الشمال الجليد، وفي الشرق الصين، وهي المستهدف أصلاً بالحصار.
وتهدد سوريا ولبنان كل يوم. فسوريا تؤيد المقاومة في العراق وهي طريق إيصال الأسلحة إلى « حزب الله » في جنوب لبنان. وترفض الصلح مع إسرائيل والجولان محتل. وهي آخر من تبقى من النظام العربي القديم والمشروع القومي العربي. والمطلوب من منظمات المقاومة في لبنان نزع السلاح وجزء من التراب الوطني مازال محتلاً، ومطلوب أيضاً التخلي عن القضية الفلسطينية والهم العربي وأن تكون جزءاً من المشروع الأميركي- الصهيوني للبنان وللوطن العربي. ويطالب لبنان بقبول محكمة دولية للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء السابق، مع تجاوز نظام القضاء اللبناني. وفي نفس الوقت تتم تبرئة دولة صربيا من جرائم البوسنة والهرسك، وذبح الآلاف من المسلمين في المناطق الآمنة التي أعلنتها الأمم المتحدة. ولا يتم التحقيق دولياً في اغتيال عالم الذرة المصري يحيى المشد، ولا في وقوع الطائرة المصرية المدنية في المحيط، ولا في اغتيال إسرائيل لـ »أبو جهاد » في تونس أو « أبو عمار » في رام الله، أو في مقتل مئات من المصريين العزل الأسرى في سيناء في عدوان 1967 أو في الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، أو العدوان الإسرائيلي على فلسطين، أو التدخل العسكري الروسي في الشيشان.
وتستمر حالة الاحتقان على رغم تفاعل بعض النظم السياسية إيجابياً مع إرادة الخارج مثل تأييد خطة بوش الأخيرة لتحقيق الأمن في العراق وأعمال العنف والمقاومة تزداد كل يوم وتشتد. ويقسم الوطن العربي إلى محاور ومناطق نفوذ طالما قاومها في تاريخه الحديث قبل الثورات العربية في النصف الأول من القرن العشرين أو بعدها في النصف الثاني منه. وتستمر الإهانات وتزداد يوماً بعد يوم. فيتعود عليها الفرد فيقبلها، ويستسلم لها، ويعتبرها القاعدة وليس الاستثناء. وتتأثر نفسية الشعوب وتفقد احترامها لذاتها، وتتعود على الإهانة وهي تصارع من أجل لقمة العيش وغريزة حب البقاء. وتتحول الإهانات المتكررة إلى ذاكرة جماعية وتخلق وعياً تاريخياً بالرضا والقبول والاستكانة والاستسلام للأمر الواقع. وتصاب بالفتور واللامبالاة كما وصف الكواكبي ذلك في كتابه « أم القرى ». وينعزل الفرد والشعب عن العالم. وينكمش على ذاته ويتحول إلى محميات كما حدث للهنود الحمر في الولايات المتحدة، بعد أن تعود على العجز. ووجد مهرباً له وخلاصاً في ثقافة الزهد وقيم الفقر والصبر والرضا والتوكل والقضاء والقدر والاستسلام.
ومع ذلك فالكرامة الإنسانية والاحترام الذاتي جزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني. يحميه من الضياع والاندثار. يتمسك به بالقلب وإن استعصى الكلام باللسان أو التغيير باليد. يظهر في مقاومة المثقفين الوطنيين ومظاهرات الطلاب. ويندلع بين الحين والآخر في الحركات الشعبية للعمال والنقابات والاتحادات. وينفجر في الانتفاضات الشعبية مثل انتفاضة الخبز في يناير 1977، وانتفاضة الفقر للأمن المركزي في يناير 1986، ويتفجر في الثورات الوطنية مثل ثورة عرابي في 1882، وثورة 1919، وثورة يوليو 1952. فكما أن كل تحدٍّ له استجابة فكذلك كل إهانة لها تحدٍّ. (ويقولون متى هو، قلْ عسى أن يكون قريباً).
 
(المصدر: صحيفة الاتحاد الإماراتية الصادرة يوم 16 مارس 2007)

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

14 mai 2007

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 8 ème année, N° 2547 du 14.05.2007  archives : www.tunisnews.net C.R.L.D.H. Tunisie: Des sévices sexuels

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.