الأحد، 18 مارس 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2491 du 18.03.2007

 archives : www.tunisnews.net


 سليم بوخذير:البوليس  يمنع بالقوة زياد الدولاتلي  من حضور لقاء بالبرلمانيين الأوروبيين عامر عياد: تدهور في الحالة الصحية للسيد الشملي طلبة تونس: أخبار الجامعة مجموعة من الطلبة الغيورين على بلدهم:غول الكابس و كابوس البطالة موقع الحزب الديمقراطي التقدمي :ندوة سياسيّة في « الديمقراطي التقدمي » بمناسبة الذكرى 51 للإستقلال تونس أونلاين: حوار مفتوح  مع الصحفي التونسي محمد فوراتي راضية النصراوي: من لا يعرف محمد عبّو ؟ سامي نصر: سوسيولوجيا الإعلام الإجرامي في تونس: حادثة « تبادل إطلاق النار » نموذجا (الجزء الثاني) الطاهر بن حسين:اليسار الذي نريده اليوم سامي بن غربية: أصداء المدونين المتمردين عبدالجميد العدّاسي: وقفة مع هيأة مجموعة من الطلبة الغيورين على بلدهم:غول الكابس و كابوس البطالة رجاء بن سلامة: للذّكر مثل حظّ الأنثيين: « كيف يمكن احتمال ما لا يحتمل » محمد عمار: « باكالوريا » الرابعة ابتدائي: هذه نتيجة القرارات الفوقية سامية الجبالي: المعدنوس المتعفن المنذر شريط: المثقف والمشروع التحديثي: علي المهذبي من جديد على الركح صالح بن عبد الجليل: في إحياء الذكرى 53 لمظاهرة صوت الطالب الزيتوني :وفاء للشهداء وتأصيل للتاريخ الوطني لطفي الدخلاوي: إنفلونزا الطيور والإرهاب: جدلية الخطر والوقاية الصباح: منتدى الذاكرة الوطنية:حديث عن مشاركة بنزرت في المعركة التحريريّة: كيف قام محمد الصالح براطلي بتجميع القنابل اليدوية وترويع المستعمر؟ رشيد خشانة: انتخابات موريتانيا تعكر مزاج الحكومات وتُنعش آمال التغيير توفيق المديني : هل تجعل العولمة الدولة – الأمة عاجزة؟ مصطفى لافي الحرازينالعلمانية انطلاقاً من قراءة عبدالوهاب المسيري … مفارقات السعادة والألم عمرو حمزاوي :صورة الحراك السياسي في العالم العربي: رتوش قاتمة وملامح صراعات مقبلة هيفاء زنكنة: ما وراء اللغة الناعمة لمنظمات المجتمع المدني المـُمـوّلـة أمريكيا القدس العربي: الشيخة موزة تعمل علي استقطاب الأدمغة العربية


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


البوليس  يمنع بالقوة زياد الدولاتلي  من حضور لقاء بالبرلمانيين الأوروبيين

 
منعت صباح اليوم الأحد 18 مارس  وبالتحديد على الساعة الحادية عشرة ، قوات البوليس بالقوّة السيد زياد الدولاتي عضو هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات من الدخول إلى مقر حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات لحضور لقاء ممثلي المنظمات و الأحزاب التونسية مع برلمانيّي الكتلة الإشتراكية في البرلمان الأوروبي من أكثر من دولة أوروبية . و قال محمد النوري  رئيس الجمعية الدولية لمساندة السجناء السياسيين  إن عددا هاما من أعوان البوليس السياسي رابطوا صباح اليوم أمام مقرّ التكتل الديمقراطي بنهج أنقلترا بالعاصمة ، مُتابعا أنّه فوجئ بهم يمنعون بالقوّة السيد زياد الدولاتلي الذي كان بُمصاحبته من دخول المقرّ ، فيما سمحوا للنوري بالدخول . و  قد مثّل المنظمات و الأحزاب التونسية في لقاء  اليوم  ببرلمانيي الأحزاب الإشتراكية  في البرلمان الأوروبي كلّ من السيد مصطفى بن جعفر عن حزب التكتل والسيد لطفي حجّي والسيد خميس الشماري عن هيئة 18 اكتوبر و السيدة خديجة الشريف عن  جمعية نساء ديمقراطيات و السيد المختار الطريفي عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان  السيد فتحي الجربي عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية و السيد و السيد عبد الجليل البدوي و عبد القادر بن حميس عن المجلس الوطني للحريات و السيد عبد الرزاق الكيلاني عن الهيئة الوطنية ل! لمحامين و السيد محمد النوري عن الجمعية الدولية لمساندة السجناء السياسيين و السيد المختار اليحياوي عن مركز تونس لإستقلال القضاء .. كما وجّه السيد مصطفى بن جعفر الدعوة لحضور هذا اللقاء إلى السيد محمد حرمل و حضره فعلا .  
* القلم الحرّ سليم بوخذير


بسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم  تدهور في الحالة الصحية للسيد الشملي

 
عامر عياد يواصل الباحث الأكاديمي بكلية الصيدلة بالمنستير وعضو هيئة فرع المنستير للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إضراب الجوع الذي بدأه منذ يوم 01-03-2007 وقد علمنا من أوساط اللجنة الطبية المتابعة لصحة السيد الشملي أن صحته بدأت تتعكر   وقد لاحظت اللجنة الطبية هبوطا شديدا في وزن السيد الشملي بما يعادل ال7% علاوة على مظاهر الوهن التي بدت عليه.كما أوضح التقرير أن السيد الشملي يعانى من نقص في كمية السكر، وقد دعت اللجنة الطبية المضرب إلى الخلود للراحة و الاقتصاد في الجهد لتفادي المضاعفات الخطيرة . ومن المعلوم ان السيد الشملي يعيش منذ أكثر من  عشرين يوما على الماء والسكر فقط وهو لا يمكن من توفير سوى ما يعادل 200او 300 حريره في يحتاج الجسم إلى ما يعادل 1500الى 2000حريرة . إضافة إلى ذالك فان السكر الذي يستهلكه السيد الشملي هو من النوع الذي يحترق سريعا.

هذا وقد أعلن السيد الشملي انه متمسك بمطالبه المعلنة و يحمل سلطة الإشراف كامل المسؤولية في ما يمكن أن يحدث له. من جهة أخرى تزايدت حملة التأييد و المساندة فبعد الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والنقابة العامة للتعليم العالي وعديد الشخصيات الوطنية الذين اتصلوا بالسيد الشملي سواء بصفة مباشرة أو عن طريق الهاتف والبرقيات أعربت عديد أحزاب المعارضة ممثلة في جهة المنستير (الديمقراطي التقدمي –التجديد-التكتل و حزب العمال و العمل)عن مساندتها اللامشروطة لمطالب السيد الشملي محملة السلطة مسؤولية تدهور الحالة الصحية للمضرب معتبرة النيل من الحريات الأكاديمية للجامعيين هو استهداف لتقدم البلاد.

 

طلبة تونس

WWW.TUNISIE-TALABA.NET

أخبار الجامعة

 

المركب الجامعي بتونس : غياب ملحوظ للطلبة الدساترة ….

 

لاحظ الطلبة الدارسون بالمركب الجامعي بتونس و العديد من المراقبين للساحة الجامعية انحسار نشاط الطلبة الدساترة خلال الأشهر الماضية و ذلك بالرغم من وقوع العديد من الأحداث و التحركات النقابية و السياسية و الثقافية و يفسر البعض هذا الغياب إما بوجود صراعات داخل منظمة الطلبة الدساترة حول أشكال التحرك داخل الساحة الجامعية و طبيعة العلاقة مع مختلف التيارات السيلسية و بالتحديد في المركب الجامعي أو أن الأمر يعود الى شعور بتقلص التأييد من قبل عموم الطلبة و تزايد شعبية أطراف أخرى مما يعني أن أي تحرك سيقومون به سيكون مصيره الفشل ….   

 

الأساتذة الجامعيون يضربون ……..

 

أقرت نقابة التعليم العالي إضرابا يوم الخميس 5 أفريل 2007 احتجاجا على عدم الإستجابة لمطالب الأساتذة و تنديدا باعتداء مدير المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بالمنار على أحد الأساتذة

و قد غطت عديد الشعارات جدران المؤسسات الجامعية للتعبير عن مطالب الأساتذة و كان من بينها  » لا للإملاءات الخارجية  » و  » لا للتطاول على حرمة رجال العلم « 

 

إضراب أساتذة التعليم الثانوي :

 

قررت النقابة العامة للتعليم الثانوي القيام بإضراب إنذاري كامل يوم الإربعاء 11 أفريل 2007 بكامل المدارس الإعدادية و المعاهد الثانوية و مدارس المهن في صورة عدم استجابة وزارة التربية و التكوين لمطالب الأساتذة المتمثلة أساسا في :

– توقف الوزارة عن الإعتداء على ممارسة العمل النقابي داخل المؤسسة التربوية بمنع المدرسين من الإجتماع و عقد المؤتمرات و مضايقة المسؤولين النقابيين و تلفيق التهم ضد البعض منهم

– المطالبة بتراجع الوزارة في ما وقع تنصيبه من مجالس المؤسسة و بفتح تفاوض مع النقابة العامة للتعليم الثانوي في الأمر المنظم للحياة المدرسية

– تحسين ظروف العمل داخل المؤسسات التربوية خاصة وأنه تم تسجيل تنامي العنف المادي و اللفظي ضد المدرسين

– التفاوض حول الترفيع في منحة التكاليف البيداغوجية

– فتح التفاوض حول مدارس المهن

 

بنزرت : لجنة للدفاع عن أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل ……

 

تم خلال الأسبوع الأول من شهر مارس في مدينة بنزرت  تكوين لجنة للدفاع عن أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل و قد شرعت في القيام بتحركات للتحسيس بقضية هؤلاء فنزلوا إلى الشارع و قصدوا بعض المقاهي إلا أن البوليس منعهم من الإتصال بالمواطنين

 

تشغيل أصحاب الشهادات العليا : أرقام جديدة …..

 

تشير الإحصائيات الرسمية المتعلقة بشهري جانفي و فيفري 2007 إلى أن مكاتب التشغيل و العمل المستقل قامت ب 3614 عملية تشغيل لفائدة حاملي الشهادات العليا مقابل 2854 عملية تشغيل خلال نفس الفترة من سنة 2006

 

 

صدور الحكم في شأن التلاميذ الخمسة المتهمين بالإنتماء للجهادية السلفية …..

 

أصدرت الدائرة الجناحية الرابعة بالعاصمة يوم الإثنين 26 فيفري 2007 أحكامها في شأن التلاميذ الخمسة اللذين يزاولون تعليمهم  بمدينة قبلي بتهمة عقد اجتماعات غير مرخص فيها طبق أحكام الفصول 2 و 5 و 23 و 24 من قانون 69

و قد تم إيقاف هؤلاء التلامذة – حسب ما ورد في محضر الباحث الإبتدائي – من قبل دورية أمنية يوم 6 فيفري 2007 بجهة باب سعدون بتونس العاصمة و اتهموا بالتخطيط للسفر قصد الجهاد في العراق

و قضت الأحكام بسجن اثنين منهم بسنة واحدة و الثلاثة الآخرين بثلاثة أشهر سجن نافذة

 

متحصل على الأستاذية ينتحر بعد ارتكابه جريمة قتل …..

 

صبيحة يوم الإثنين 12 مارس 2007 ألقى شاب بنفسه أمام القطار الرابط بين بئر بورقبة و نابل و ذلك مباشرة إثر ارتكابه جريمة قتل ضد إمرأة متزوجة كانت تربطها علاقة محرمة به منذ مدة  

و كانت هذه الأخيرة قد اصطحبت طفليها الى إحدى رياض الاطفال القريبة ثم توجهت إلى منزل الشاب السالف الذكر وهو حامل لشهادة الأستاذية و يبلغ من العمر 33 سنة أصيل ولاية جندوبة و يشتغل عطارا بمدينة الحمامات و يبدو أنه حصل شجار بين الطرفين بسبب إصرار المرأة على قطع علاقتها بالشاب فاستشاط غضبا و قرر الإنتقام منها فتسلح بفأس و هوى به عليها فهشم رأسها و من ثم توجه مباشرة إلى محطة سكك الحديد و وضع رأسه على السكة بمجرد إقتراب القطار ففصل رأس الضحية عن جسده  

 

الإعدام شنقا لقاتل الطالب الجامعي بخزندار …..

 

بعد أكثر من عام من وقوع الجريمة أدانت الدائرة الجنائية الثالثة بالمحكمة الإبتدائية بتونس شابا بقتل طالب جامعي لم يتجاوز سنه الواحدة و العشرين خلال شهر جانفي 2006 بحي الهضاب بخزندار و كان المجرم قد التقى الضحية في الطريق متوجها لشراء الخبز فطلب منه الجاني تسليمه هاتفه الجوال إلا أنه رفض ذلك فما كان من المنحرف إلا أن وجه له عدة طعنات أصابت إحداهن القلب إصابة مباشرة كانت كافية لإزهاق روحه

 

صدور الحكم في شأن الطالبات الخمس الممارسات للبغاء …..

 

قضت الدائرة الجناحية السادسة بالمحكمة الإبتدائية بالعاصمة يوم السبت 24 فيفري 2007 بسجن الطالبات الخمس المتورطات في علاقة غير شرعية مع شخصين من بلد مجاور بالسجن سنة واحدة لإحداهن و بالسجن ستة أشهر للمتبقيات الأربع و قد أسعفتهن المحكمة بتأجيل العقاب

مع الملاحظة أن الطالبات الخمس مثلن أمام المحكمة بحالة إيقاف

و تدرس إحدى الطالبات بالمعهد الوطني للهندسة المعمارية و ثانية بكلية الآداب أما البقية فيدرسن بكلية الحقوق بتونس


 

غول الكابس و كابوس البطالة

 
تقريبا لا تخلو اسرة تونسية واحدة من معاناة احد افرادها على الاقل من داء الكاباس و البطالة المزمنة. الكل يستعرض المآسي و يحصي الدموع و يلوم زيدا او ينتقد نظاما ولم نرى من اول الحل والعقد في البلاد غير النكران, فالاساتدة الجامعيون بللشهرية هم قانعون و على الاراءك ينتعمون وبالمكيفات هم منتشون, فما العيب ان تدهور التعليم او عزفت الطلبة عن الدرس و حضرت قلة فليلة  و غابت فئة كثيرة هم في التعليم زاهدون فاخره هم و حزن. الكاباس بالمرصاد لكل فتاة وشاب و الى البطالة حسن المآب, الكل وافق و حتى ان لم يوافق فان الامر فرر و حدد و من السنة القلدمة لا محيد عنه, انه نظام امد و ما ادراك. لكن لساءل ان يسال ما نحن بالكاباس فاعلون, فبعد استحداث شعب للبطالة السريعة و الطويلة التي توفر تكوينا ربما لا ينفع الا سكان المريخ ها فكر المسؤولون الكرام عن الافق العملية و كيفية التعامل مع كابوس البطالة. للمساعدة على التفكير و ايجاد الحلول العملية رأينا, نحن مجموعة من الطلبة في الادلاء ببعض المقترحات عسى ان تجد ادانا صاغية و لنا في مسؤولينا الكرام ثقة في ان تحرك فيهم كلماتنا نحو ما فيه خير لتونس و شبابها ما من شأنه أن يدرأ عنه أخطار الانغلاق و التطرف و ما الاحداث الاخيرة الا خير دليل عما نقول.
في البداية يجب من قادة تونس الحبيبة ايلاء مسالة بطالة اصحاب الشهائد المكانة التي تستحق. على غرار ما تقوم به البلدان التي تحترم شعوبها يجب الاقرار بأهمية المشكلة و ايلاءها المرتبة التي تستحق في سلم أوليات الدولة و نحن نناشد أن يشرف رئيس دولتنا الموقر بنفسه مباشرة على الموضوع فهو كما عودنا سنيد الضعفاء و نصير الحق. فأولا يجب تحديث كلي في الوظيفة العمومية باحداث ثورة كاملة ستلاقي حتما معارضة شديدة من المتمعشين و هواة النباح الدائم و الأنانيين و الغير وطنيين, فمثلا وجب استحداث رتبة أستاد مدارس ثانوية للمتحصل على الاجازة فقط – طبعا تتبع بسنة الكاباس الدي هو جد ضروري من حيث الناحية البيداغوجية خاصة – يشتغل 10ساعات فقط و يتحصل على قرابة 400 د مثلا, ثم نجد رتبة أستاد معاهد ثانوية أي باضافة سنتين للاجازة الموافق للماجستير و يدرس 10ساعات مع الحصول على قرابة 600د وهو مامن شأنه أن يوفر فرص عمل كبيرة وغالبا يقع الزواج داخل نفس الفئة الوظيفية وهو ما من شأنه مضاعفة المدخول الشهري للأسر, و من لا تكفيه الأجرة عليه بالبحث عن عمل بعد الدوام مثلما هو شائع في عدة دول على غرار مصر, المهم أن يجد الشاب عملا فحاليا اصحاب الأستاديات يشتغلون أضعاف أضعاف الوقت و لا يتحصلون حتى على 300د في المصانع و غيرها,ان وجد العمل فهو عملة نادرة جدا, رضينا بالهم و الهم ما رضي بنا. و ان شأتم قوموا باستجواب المعطلين عن العمل و ستجدوهم بأقل الأجور فرحون و الي يحس بالجمرة كان الي حاسس بيها. من البداية يجب تعريف الناجحين في البكالوريا بأهمية التحديات و بالأفاق الممكنة و ما عليه الا الأختيار و تحمل تبعاته, فمثلا بفرنسا المعلم بالمدارس لديه مستوى باك+5 و من البداية يتحمل التلميد تبعات اختياراته و كفانا في تونس بكاء و عويلا و نباحا فالدولة لديها قدراتها و لا نشك في كونها تبحث عن أفضل الحلول في محيط ليس داءم الورود فكلنا يعي مدى حدة املاءات البنك العالمي و رهانات المنافسة العالمية. و للأسف لم نر من قوى المعارضة أو حتى الموالاة غير الاستغلال البشع لمشاكل الغير و يكل يصب داخل نطاق سجالاته العقيمة و مصالحه الانية و الضيقة.
ثانيا يجب مراجعة الاجراءات الخاصة بتشجيع الشباب للانتصلب لحسابهم الخاص, فالتجربة بينت فشل المحاولات نظرا لاهمية التجاوزات من قبل المتمعشين فمثلا هل يعقل أن يشتري احدهم بقرة بمليونين في حين أنها تباع بنصف الثمن في السوق و الامثلة عديدة جدا في كافة الميادين و القطاعات و لا فائدة في الأطالة. المهم يجب مراجعة شاملة لبرامج تشغيل الشباب و الاحاطة الجيدة  بكل حالة مثلما تقوم به الدول التي لا تسخر من مواطنيها. يجب منح المزيد من الامتيازات و التشجيعات و احداث عديد التربصات و التأهيل و اعادة التأهيل و الادماج, و لما لا يقع سن قوانين حمائية لطاقاتنا البشرية. مثلا لمادا لا يقع تشجيع أصحاب الاستاديات الصعبة الادماج في التكون ضمن ورشات او سنة خاصة في الصحافة مثلما هو موجود في فرنسا أين نجد صحافيين متخصصين – في العلوم, في التاريخ و الجغرافيا, في الاقتصاد…..او ورشات لكتابة السناريو و القصة و الرواية فكل يوم تعج مئات الصحف بمئات القصص التي يمكن الاستفادة منها و خلق سوق رائجة, و هو قطاع واعد نظرا لاهمية تأخرنا فيه, لاحظوا أهمية عجزنا مع دول مثل مصر و غيرها, و لأهمية السوق العربية فوجب كدلك استغلال السمعة الحسنة لجل التونسيين في الفضائيات العربية و هنا يجب الاشارة الى أهمية التلفزة في التعريف بطاقاتنا و لتشجيع التشجيع يجب ادماج اصحاب الشهائد العاطلين عن العمل و منع الازدواج الوظيفي منعا باتا مثلما هو معمول به في بقية المجالات. كما يجب تعميمه على الرياضة كدلك فما هي الفائدة المجنية من استيراد شيوخ او لاعبين و مدربين مفلسين فبرواتبهم يمكن ادخال البسمة و امل الحياة لالاف الشباب اليائس… نكتفي هنا بهدا القدر رغم أنه بقي لديتا الكثير و الكثير من المقترحات لكننا نفضل انتظار تفاعل أهل الحل و العقد و غيرهم حتى لا نتهم بحراثة البحر. مجموعة من الطلبة الغيورين على بلدهم, نعم ببلدنا يمكن أن يطيب العيش رغم أنف الحاقدين و ليس الحل في قوارب الموت او في حزام ناسف…


 

ندوة سياسيّة في « الديمقراطي التقدمي » بمناسبة الذكرى 51 للإستقلال

 
محمد ياسين الجلاصي  انعقد بالمقرّ المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي بالعاصمة مساء اليوم الجمعة 16 مارس 2007 اجتماع عامّ بمناسبة الذكرى الحادية و الخمسين للاستقلال، تحت عنوان « الإستقلال بين السيادة الوطنيّة والسيادة الشعبيّة »، ألقى خلالها الأستاذ أحمد نجيب الشابي عضو المكتب السياسي كلمة تمحورت حول الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس منذ الاستقلال. وبعد ان نوّه المحاضر الى انّ مضمون مداخلته هي أراء شخصيّة لا تلزمه الاّ هو، استعرض سردًا وتحليلاً أهمّ المحطّات التاريخيّة التي عرفتها تونس منذ اعلان الإستقلال سنة 1956، معتبرًا انّ الحكم البورقيبي كان رغم بطشه واستبداده نظامًا وطنيًا حمل مشروعًا تحديثيًا فوقيًا وأسّس لنظام سياسي ارتكز كثيرًا على شخصيّة الزعيم الراحل، الذي كان يرى أنّ عليه جمع كلّ السلطات في يديه لتحقيق هذا المشروع الطموح. كما بيّن الشابّي انّ الحقبة التالية التي دشّنها « تغيير 7 نوفمبر » لم تمثّل قطيعة مع العهد البورقيبي وانّما سيرًا على نفس المنهج وتكريسًا لنفس المشروع رغم تغيّر الظروف الدوليّة والإقليميّة. و ركّز الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدّمي في كلمته على مصطلَحَيْ الاستقلال الشكلي والتبعية، من خلال بعض الأمثلة التي تدلّ على انّ البلاد ما زالت تابعة للغرب المصنّع وبالتحديد لفرنسا والولايات المتحّدة الأمريكيّة، اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا ، مؤكّدًا انّ ذلك لا ينقص شيئًا من حقيقة وأهمّية الإستقلال، ومعدّدًا المكاسب التي تحقّقت في تونس منذ نصف قرن مثل التحديث وتعميم التعليم و تسهيل الخدمات الاجتماعية وغيرها… و تلا كلمة الشابي نقاش أداره الأمين العام المساعد السيّد المنجي اللوز، تحدّث فيه الحاضرون عن وضعية البلاد بعد خمسين سنة من الاستقلال، وكان من بين المتدخّلين السيّد النفطي حولة الذي رأى انّ الزعيم بورقيبة لم يكن يتبنّى مشروعًا وطنيًا مستشهدًا بعلاقته بالغرب، وخاصّة بأمريكا وفرنسا التي ساعدته في أكثر من مرّة، بما في ذلك عسكريًا، على حسم معاركه الداخليّة. بينما ركّز السيّد حمّة الهمّامي الناطق الرسمي بإسم حزب العمّال الشيوعي على فكرة الإستعمار الجديد وغير المباشرالذي عوّض الإستعمار المباشر الذي عرفته تونس تحت نظام « الحماية »، منبّهًا الى ضرورة الإبتعاد عن الأحكام المطلقة والتبسيطيّة المشكّكة في وطنيّة بورقيبة وانّ الأمور ليست بهذه البساطة وانّما هي بالأساس نتيجة لموازين القوى ولرؤية القيادة السياسيّة آنذاك. وبعد ان أخذ الكلمة الأستاذ منذر الشارني الذي شدّد على محوريّة شخصيّة بورقيبة لفهم طبيعة حكمه، ختم الأستاذ الشابّي الندوة بالردّ والتعقيب على بعض الإستفسارات والملاحظات. (المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 16 مارس 2007) 

اختارت الحجاب.. وتخلت عن الوظيفة

 
مونتريال ـ يو بي آي: اختارت حارسة سجن متمرنة في كندا التخلّي عن وظيفتها عوضاً عن التخلّي عن ارتداء الحجاب الاسلامي. ووصف نائب وزير الامن في ولاية كيبيك الكندية جان لورتي الحادثة بانها مؤسفة غير انه اوضح ان المسؤولين في سجن بوردو بالقرب من مدينة مونتريال، طبّقوا القوانين بحذافيرها لان الحجاب يمكن ان يستخدم لخنق حارس او كسلاح اذا وقع بين ايدي احد السجناء. وقالت سندس عبد اللطيف (19 عاماً) انها وضعت صورتها وهي مرتدية للحجاب علي طلب الوظيفة الذي تقدمت به، غير انها اوضحت انه تم استدعاؤها الي مكتب مدير السجن الثلاثاء الماضي وطلب اليها الاخـــتيار بين الوظيفة والحجاب. وقالت عبد اللطيف لصحيفة تورنتو غلوب اند مايل قال لي اما عدم ارتداء الحجاب او عدم العمل هنا. قلت حسناً، لن اعمل هنا . (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 17 مارس 2007)

حوار مفتوح  مع الصحفي التونسي محمد فوراتي

 تونس أونلاين . نت

 حاوره الطاهر العبيدي

الصحفي محمد فوراتي أحد الأقلام التونسية الحرة، التي مثل غيرها من الصحفيين التونسيين الملتزمين مهنيا وأخلاقيا بمبادئ حرية الصحافة والتعبير، ومن أجل تجسيد هذه القيم المستنيرة يدفعون من حين لآخر فواتير باهظة، تتوزع بين السجن والمطاردة والمحاكمات والطرد التعسفي، كما هو حال العديد من الزملاء في تونس الذين يعانون كل صنوف التضييق والمحاصرة والظروف المعيشية القاسية، نتيجة محاولات الضغط في كل الاتجاهات، وباتت التهم الجاهزة نصيب كل هؤلاء الصحفيين الذين رفضوا أن يكونوا أتربة تحجب بواطن الأمور، كما هو حال الصحفي محمد فوراتي سكرتير تحرير جريدة الموقف سابقا، ومراسل وكالة قدس برس، وعضو تحرير مجلة أقلام أون لاين الإلكترونية، الذي حوكم غيابيا بسنة سجن وأربعة أشهر، وبعد انتشار نبأ الحكم، قامت حملة إعلامية تضامنية ومساندة تدل فيما تدل على أن القطاع الإعلامي يمثل حصنا يحمي الصحفي الحر من أن يستفرد به، وأن هذا التقليد يعتبر شكلا من أشكال الفعل الواعي والناضج، ولمزيد من استيضاح ملابسات قضية المحاكمة وتداعياتها اتصلنا بزميلنا محمد فوراتي وقد ألقينا عليه بعض الأسئلة ليكون هذا الحوار.       

1 / هل لنا أن نتعرف على ملابسات القضية، التي من أجلها حوكمت ب14 شهرا غيابيا، وما هي دلالات التوقيت في تجديد هذه القضية، التي برّأتك منها المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف سابقا؟

القضية قديمة امتدت على حوالي سبع سنوات وهو أمر غريب في الحقيقة ولا أجد له تفسيرا إلا محاولة الانتقام مني كصحفي مستقل. فقد أثيرت في البداية قضية سياسية في قفصة وهي مسقط رأسي أعتقل على إثرها عدد من المناضلين بتهمة تقديم مساعدات مادية وعينية بمناسبة شهر رمضان إلى عائلة سجين سياسي ( زوجة عبد الحميد الوحيشي وبناته)، ورغم أن العمل إنساني بحت وفي شهر رمضان المعظم فإن موضوع المساعدة مضحك ولا يمكن أن تركّب عليه قضية سياسية فقد احتوى الملف على التبرع بمبلغ 250 دينار وكميات من الذرة والتمر. المهم أنني لم أكن ممن تبرعوا أو حتى لهم علم بالموضوع، فقد وجد أعوان الأمن السياسي عددين من مجلة أقلام أون لاين الإلكترونية التي أعرتها لأحد الأصدقاء وفيها بعض مقالاتي، و أنا عضو في هيئة تحريرها فببساطة وقعت إضافتي للقضية طبقا لهذا المحجوز.

وقد وقفت أمام عدد من القضاة وكنت دائما أسألهم عند الاستنطاق بماذا أنا متهم في هذه القضية، فمسألة التبرع بأموال بدون رخصة غير مطروحة إذ لم يقل أحد من المتهمين بأنني سلمته مالا، ثم أن وجود أعداد من مجلة إلكترونية مع صديق لي ليست دليلا على الانتماء إلى جمعية غير مرخص فيها. وفي الحقيقة كنت أحس بأن السادة القضاة محرجين من هذه الأسئلة، وفي أحيان كثيرة وأثناء مرافعة بعض السادة المحامين كان القاضي يضحك، وربما هو في قرارة نفسه يلعن من ورّطه في مثل هذه القضية التافهة حتى يخسر وقتا من أجل الفصل فيها. والأمر حقيقة كان مهزلة بأتم معنى الكلمة فقد كنت في كل جلسة أنتقل من تونس العاصمة مع عدد من المحامين والحقوقيين إلى مدينة قفصة أي حوالي 400 كلم ثم تؤجل الجلسة ونعود مرات عديدة ليكون الحكم في النهاية عدم سماع الدعوى. أنظر كم خسرنا من الوقت والبنزين والمال وضيعنا الكثير من المصالح من أجل قضية تافهة ومركبة. وطبعا المجتمع التونسي هو الخاسر في النهاية فهناك قضاة وأعوان أمن وموظفين وسيارات ومحامين والهدف عبثي.

أدين في القضية طبعا كل من الأستاذ علي شرطاني والتلميذ في البكالوريا مضر جنات بعام وشهرين وبرئت ساحة البقية وهم لطفي داسي ورضا عيسى ومحسن النويشي.

تفسيري ببساطة لما حدث هو أن البعض من الأمن السياسي وأصحاب القرار وجدوها فرصة متاحة لمزيد التنكيل بصحفي مستقل، لا يكف عن الكتابة على مواضيع في نظرهم محظورة مثل الحديث عن السجناء السياسيين أو حرية التعبير أو حرية التنظم أو حق الشغل للعاطلين من أصحاب الشهادات أو محاورة رموز المعارضة والمجتمع المدني وغيرها مما كنت أكتبه في الموقف وقدس برس وأقلام أون لاين. وقد وصلتني عديد الرسائل في الحقيقة عبر زملاء صحفيين أو ديبلوماسيين أن أغير طريقتي في الكتابة، وقال لي مرة أحدهم وهو ينصحني على أثر نشر حوار مع القاضي مختار اليحياوي أنني أتجاوز خطوط حمراء ومن الأفضل أن أغير من خطي الصحفي فأنا مازلت في بداية الطريق. وكانت هذه الملاحظات تصلني كلما أجريت حوارا مع مختار الطريفي أو بشير الصيد أو العميد عبد الستار بن موسى أو حمادي الجبالي أو سهام بن سدرين أو مصطفى بن جعفر. وكنت لا أعير الأمر اهتماما لأني أعتبر ذلك من صميم شغلي، بل ومن واجبي الصحفي.

أما عن إعادة إثارة القضية هذه المرة وأنا أتسلم عملي الجديد في الشرق القطرية فليس لي تفسير جازم فهذا النظام ليس له منطق واضح، ولكن هناك تخمينات مثل دفعي إلى الهجرة وعدم العودة مجددا إلى تونس، أو مزيد التشفي والانتقام والتنكيل بي وبعائلتي. 

2 / كيف تمكنت من السفر للالتحاق بجريدة الشرق القطرية، في حين أنك مطلوبا قضائيا في تونس، وملفك لم يسوّ أمنيا؟

عندما تعاقدت مع إدارة جريدة الشرق أي قبل شهر من سفري تقريبا لم تكن القضية مطروحة أصلا، وكنت أعتقد أن الأمر انتهى منذ سنة 2005 آخر مرة أعيدت فيها القضية من التعقيب. ولكني سمعت بالخبر قبل أسبوع تقريبا من السفر ولم أعر الأمر اهتماما وقررت أن أسافر لتسلم شغلي مع متابعة الأمر عبر محامي. ولم يكن هناك أي مانع طبعا من السفر لأنه لم يصدر الحكم بعد.

3 / لو تسمح في أي إطار وقع انتدابك بجريدة الشرق القطرية، هل هو نوع من الفرار، أم بحثا عن الاستقرار أم  اختفاء عن الأنظار؟

ليس هذا ولا ذاك فقد وقع اقتراحي من قبل أحد الزملاء على جريدة الشرق التي تريد انتداب صحفيين من تونس، انطلاقا من السمعة الطيبة التي حققها الكادر الصحفي التونسي العامل في قطر، ووجدت أن الفرصة سانحة لخوض تجربة صحفية جديدة، وتحسين ظروفي المادية، فقد كنت فقيرا جدّا وشبه متطوع. أما الآن فأنا لي عائلة وابن ومتطلبات الحياة أصبحت مختلفة.

 

4 / هناك من يقول أن بعض الصحفيين التونسيين أصبحوا يبحثون عن افتعال قضايا مع النظام، لأجل جلب الأنظار لهم، وكسب تعاطف إعلامي وحقوقي، من أجل الشهرة وتكوين رصيد نضالي؟

هذا النوع من الصحفيين غير موجود في تونس. هناك عدد كبير من الصحفيين شرفاء ولكنهم   » عيّاشة  » ( بمعنى كادحين )، أي همهم فقط الخبز كما يقال، والبعض القليل  من أجل هذا الهدف مستعد للتطبيل وحتى العمل كمخبر. على كل أنا كتاباتي تشهد على أني لا أبحث عن افتعال القضايا فقد حاولت دائما أن أكون مهنيا وموضوعيا ومحايدا قدر ما يقتضيه المقام ولم أسلك أبدا مسلك الاستفزاز أو السب والشتم والإثارة. ولكني وهذا دائما كنت أقوله منحاز إلى هموم المواطن وقضايا المحرومين والمظلومين والمجتمع المدني والمعارضة لأني أؤمن بأن صوت هؤلاء يجب أن يصل ومهما كانت الضريبة التي يمكن أن أدفعها.

وللعلم هناك عدد كبير من الصحفيين مهمومون بقضايا الوطن والمواطن بعضهم يخط الآن تجربته مثل الزملاء لطفي حجي ومحمد الحمروني وسليم بوخذير ولطفي حيدوري، ولكن الكثير من الزملاء لم يجدوا فرصة أو منبرا يسمح لهم بالكتابة بشكل حرّ.

5/ ما هي الخطوات القانونية التي تنوي القيام بها بعد صدور هذا الحكم؟

طبعا أنا سأعترض على هذا الحكم في نفس المحكمة، ومادام الحكم غيابيا فالقانون يسمح بذلك، وهناك فرصة مواتية لكي يصلحوا هذا الخطأ في حقي وفي حق عائلتي بإقرار البراءة من جديد.

6 / هل لنا أن نعرف انعكاسات هذا الحكم القضائي على عائلتك، وهل يتعرضون لمضايقات؟

طبعا أكثر المتأثرين بهذا الوضع أمي وزوجتي ثم كل أفراد عائلتي الذين تألموا كثيرا لهذه الهرسلة المتواصلة. وأنا في الحقيقة أتألم كثيرا لوضع أمي الصحي فمنذ أن سمعت الخبر وصحتها في تدهور، فقد أصبحت مصابة بالإرهاب والخوف المتواصل من جراء ما تعرضت له طيلة هذه المدة. أما زوجتي فهي لم تتمتع بعد بالحياة الزوجية الخالية من المنغصات، فأثناء زواجنا كان الحفل مراقبا أمنيا بشكل مستفز، وبعد أسبوع من زواجنا وقفت أمام المحكمة، والآن أنا محكوم غيابيا بعام وشهرين وبعيد عنها. أما ابني

 » ساجد  » فهو مازال لم يتمتع بعد بالحنان الأبوي، وهذه كلها جرائم يقوم بها النظام فتطال كل أفراد العائلة.

7 / الحملة الإعلامية المساندة والمتضامنة معك في اعتقادك يمكن أن تغيّر من المعادلة؟ 

هذا أكيد فكل نظام استبدادي هو نظام جبان ويريد أن يمارس جرائمه في صمت وتحت التعتيم التام، فإذا خرجت فضائحه إلى العلن يحاول أن يصلح ما فات ويصبح مستعدا للاعتذار وربما يقولون لك أن الأمر كان خطأ.  وليس أدل على ذلك أن زوجتي كانت محرومة من جواز سفر وبدون سبب وعندما قامت الاحتجاجات من الزملاء الصحفيين والمجتمع المدني والحقوقي سلموها الجواز في يوم واحد. وأنا أستغل هذه الفرصة لأشكر كل الزملاء الصحفيين وكل المنظمات والجمعيات التي احتجت وأصدرت بيانات (أو حتى الجمعيات التي صمتت)، وأقول لهم ليس هناك أثمن من التضامن الواسع مع مظلوم ومستهدف، كما أن تكريس هذا التضامن بين الصحفيين والنشطاء تقليد جيد يجب أن يتواصل.

8 / لو تعطينا بسطة عن واقع الحريات الإعلامية في تونس، والمناخ الذي يتحرك فيه الزملاء؟

الحقيقة أن واقع الحريات الإعلامية هو من سيئ إلى أسوأ، وكل التعديلات التجميلية التي يحاولون الإيهام بها هي لذرّ الرماد على العيون. فكل الصحفيين يعانون الأمرين: أجور متدنية تصل أحيانا إلى 200 دينار في الشهر، وتدخل سافر من الإدارة في كل كبيرة وصغيرة. والصحفي في تونس يمكن أن يطرد في أي لحظة ولأتفه الأسباب، وحتى إذا التجأ إلى القضاء فلن ينصفه والأمثلة عديدة، محمد بوسنينة من جريدة الصحافة، والهادي يحمد من مجلة حقائق، وسليم بوخذير من الشروق، وعبد الحميد القصيبي من الصباح، وعدد كبير من الصحفيين يطردون في صمت ولا يجدون من يأخذ بيدهم.

أما الصحافة المستقلة فلا وجود لها، وهناك فقط الموقف والمواطنون وهما جريدتان فقيرتان ماديا ويتعرضان لكل أنواع المحاصرة والمضايقة والقتل البطيء، ولولا صمود الزملاء  ومن يؤازرهم فكان يمكن للموقف مثلا أن تتوقف في أي لحظة.

بقي أن أقول أن في تونس طاقات صحفية جبارة لو تتاح لها الفرصة فستصبح الصحافة التونسية أفضل صحافة في العالم العربي، ويكفي للدلالة على ذلك ان أفضل الصحفيين في المؤسسات الإعلامية العربية هم تونسيون ولم تظهر مواهبهم إلا عند خروجهم من البلاد. ويمكن أن أذكر هنا للمثال وليس للحصر محمد كريشان والحبيب الغريبي وليلى الشايب ومحمود بوناب مدير الجزيرة للأطفال وتوفيق فوني مدير الجزيرة الوثائقية وغيرهم كثير.

9 / ما هي الأولويات المطروحة على الصحفيين التونسيين في مثل هذه الظروف؟

أولا لابدّ من ترميم نقابة الصحفيين التونسيين ودعمها، وإصلاح جمعية الصحفيين التونسيين لتصبح أكثر استقلالية. وعلى الزملاء الصحفيين أن يجدوا أسرع الطرق وأنجعها للدفاع عن الحقوق المادية للصحفيين، فالصحافي في تونس جائع وبدون أي تهويل، ثم ثانيا لابد من تفعيل طرق التضامن والتآزر بين الصحفيين وانخراطهم بشكل أوضح في الدفاع عن حرية التعبير وكرامة الصحفي التي تهدر كل يوم وفي مختلف المؤسسات الإعلامية.

10 / من وقت لآخر نلاحظ بروز قضايا ومحاكمات تتعلق ببعض الصحفيين، تتجنّد لها المنظمات والجمعيات، لتصبح تحت الشمس، فإذا كان هذا حال الصحفيين الذين لهم قدرة على توصيل همومهم، فكيف هي إذا أوضاع المواطن العادي، الذي لا تدركه  الأضواء الإعلامية، ولا تتمكن من رصده الجهات الحقوقية؟ 

بكل بساطة يا أخي أقول لك أن حقوق بعض الناس ضاعت وبدون رجعة، وليس هناك أي هيئة أو جهة يمكن أن تعالج كمّ الظلم الاجتماعي والسياسي الذي يزدادا انتشارا يوما بعد يوم. فقد كنت في جريدة الموقف أستقبل كل يوم ما لا يقل عن مواطنين، يسردون قصصا غريبة عن مدى الظلم الذي يتعرضون له، وكنا ننشر بعض هذه المشاكل ولا نستطيع نشر قصص أخرى لأسباب مختلفة، وكنت أقول لزملائي أني سأصاب بمرض نفسي من كثرة المشاكل التي ترد علينا في الجريدة. فبالإضافة إلى المواطن المحروم من جواز السفر ومن الشغل وحتى من بطاقة الهوية، هناك قضايا أكثر خطورة تتعلق بالتحيل وافتكاك الأراضي والشركات والبطالة، بالإضافة طبعا إلى عشرات العائلات التي سجن أبناؤها بسبب قضايا سياسية.

11 / ماذا تريد قوله في ختام هذا الحوار ؟

الحرية هدف ثمين على جميع التونسيين والصحفيون في مقدمتهم أن يناضلوا من أجله، فبدون الحرية والكرامة لا يمكن لمجتمعنا أن يتقدم ولا يمكن للمواطن أن يحس بالأمان، أو أن يبدع ويعمل، وليس هناك ضمان من أمراض المجتمع مثل الإرهاب والجريمة والعنف إلا الحرية، فالاستبداد في بلدنا طيلة نصف قرن جلب كل الكوارث لمجتمعنا فدمر الأخلاق والقيم وتسبب في خراب التعليم والاقتصاد والسياسة وفقدت الثقة بين أفراد المجتمع، وتفشت المحسوبية والرشوة وثقافة الخلاص الفردي، ولا يمكن الخروج من هذا النفق إلا بالوصول إلى هذا الهدف وهو الحرية لجميع المواطنين بشكل متساو وطبقا للقانون.

 (المصدر: موقع تونس أونلاين . نت بتاريخ 16 مارس 2007) 

www.tunis-online.net

info@tunis-online.net


من لا يعرف محمد عبّو ؟

 
 
راضية النصراوي من لا يعرف محمد عبّو المحامي الشاب المعتقل حاليا بسجن الكاف ؟ الجميع من المحاميات والمحامين يعرفه رغم حداثته في المهنة، والسبب هو ليس دماثة الأخلاق والتمسك بآداب المهنة فحسب، بل أيضا ما أبداه من اهتمام بحقوق الضعفاء والمظلومين الذين تطوّع للدفاع عنهم. كان محمد عبّو منتصرا للحريات وحقوق الإنسان، متجندا دائما للدفاع عن ضحايا الجور والاضطهاد مهما كانت اتجاهاتهم الفكرية والسياسية مبديا نفس الحماس لهم جميعا، منتبها إلى أدق التفاصيل حتى لا يفوّت موعد جلسة أو أجل استئناف أو تعقيب أو يغفل عن زيارة منوّب. كان رائعا في تعاونه مع زميلاته وزملائه، حريصا على مدّهم بما لديه من ملفات ووثائق ومعطيات واستشارتهم حول تقرير يقترح عليهم أن يقدّمه باسمهم جميعا وسؤالهم عن طريقة الدفاع التي يفضّلون. كان جريئا شجاعا في مرافعاته، لا يوقفه استفزاز أو ترهيب أو تهديد ولا يتوقّف إلاّ بعد أن يبلّغ ما يريد غير آبه بتبعاته. لم يكن مغرورا كما لم يكن يبحث عن البروز فشخصيته تذوب في القضية العادلة التي يدافع عنها، همّه نصرة المظلوم والتخفيف من آلامه وأتعابه، ولِم لا الحصول على إطلاق سراحه إن كان مسجونا. لم يكن يغريه الربح، بل كان يدفع من جيبه لتصوير ملفّ أو شراء طابع جبائي ويخجل من طلب أتعاب في قضيّة صاحبها ضحّى بحرّيته من أجل مبدأ أو موقف يدافع فيه عن حقوق الناس وكرامتهم. كان يعتبر الدفاع عنه مجانا أقلّ اعتراف له بالجميل. علاقته بالزميلات كان يسودها الاحترام التام والتعاون النزيه وما يكذّب ما حاولت السلطة إلصاقه به من تعنيف للنساء لإخفاء أسباب اعتقاله الحقيقية أنّ أربعة من بين 12 محام الذين شكلت النواة الأساسية لاعتصام المحامين الذي دام 52 يوما للمطالبة بإطلاق سراحه والدفاع عن حرمة المحاماة كنّ من النساء. إنّ القضيّة التي افتعلتها السلطة ضدّه لتشويهه أمام الرأي العام بعد أن اعتقل بسبب مقالين نشرهما على الانترنت ينتقد فيهما دعوة بن علي شارون لزيارة تونس وأوضاع السجون التونسية، لم تؤثّر بالمرة على سمعته واحترام زميلاته وزملائه له. وعندما تعرفت إلى زوجته السيدة سامية عبّو وأطفاله الثلاثة ورأيت ما يكنّون له من محبّة اكتشفت الوجه الآخر الإنساني لمحمد عبّو وأدركت أيّ علاقة توجد بين الإنسان ومواقفه في الحياة العامّة (المصدر: مجلة « كلمة » (اليكترونية شهرية – تونس) العدد 51 لشهر مارس 2007) الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=493
 


سوسيولوجيا الإعلام الإجرامي في تونس

حادثة « تبادل إطلاق النار » نموذجا (الجزء الثاني)

سامي نصر في الجزء الأوّل من هذه الدراسة قمنا برصد الصحف التونسيّة التي تناولت حادثة تبادل إطلاق النار بين « مجموعة أنفار » (كما ورد في البيان الحكومي الأوّل) وبين الجهاز الأمني التونسي والتي وقعت بالضاحية الجنوبيّة للعاصمة تونس، حادثة ودّعنا بها سنة 2006 واستقبلها بها سنة 2007. واعتمدنا في رصدنا على نموذج إحصائي تمثّل في قياس درجة إجابة كل صحيفة على الأسئلة النموذجيّة التي اقترحناها ماذا حدث؟ متى حدث؟ أين وقع الحدث؟ من قام بالحدث؟ لماذا وقع الحدث؟ أمّا في هذا الملخّص للجزء الثاني من نفس الدراسة فقد اعتمدنا بالأساس على جملة من الأهداف التي رسمتها الأمانة العامة لوزراء الداخليّة العرب (سنة 2005)، وحاولنا إخضاعها إلى التحليل الإحصائي من خلال القيام بإحصاء عدد الكلمات الواردة في بالصحف والمتعلّقة بتلك الأهداف والمتمثّلة في: • أوّلا، « بث الشعور بالأمن والطمأنينة » • ثانيا، البعد السلبي للجريمة « تأكيد مجموعة من القيم في مقدمتها أنّ الجريمة لا تفيد » • ثالثا، التأكيد على « أن المجرم لا يفلت من العقاب » • رابعا، البعد المأسوي للجريمة وذلك بالتأكيد على « بعض الحوادث المأساويّة الناجمة عن فشل » الممارسات الإجراميّة. • خامسا، التأكيد على التعاون الكامل بين الجمهور والأجهزة الأمنيّة وفي هذا الإطار قمنا برصد نفس الصحف التونسيّة التي رصدناها في الجزء الأوّل من الدراسة وهي: صحيفة « الصباح الأسبوعي »، وصحيفة « الإعلان »، وصحيفة « الشروق »، وصحيفة « الصريح »، وصحيفة « الحدث »، وصحيفة « أخبار الجمهوريّة ». وكانت نتائج الرصد على النحو التالي: أوّلا، « بث الشعور بالأمن والطمأنينة » استهدفت كل الصحف التونسيّة المرصودة تحقيق الهدف الأوّل الذي رسمته الأمانة العامة لوزراء الداخلية العرب إذ سجّلنا 1331 كلمة مستعملة في هذا الغرض من جملة 2846 أي بنسبة 46.77% وبرز هذا الاهتمام بشكل أكثر وضوح في ثلاث صحف تونسيّة تجاوزت فيها نسبة استعمال الكلمات المعبّر عن ذلك النصف، وهي صحيفة « الصباح » بنسبة 61.43% و »الصباح الأسبوعي » (53.73%) ثم « الشروق » (53.73%) وأقلّ نسبة سجّلت في صحيفة « أخبار الجمهوريّة » والتي لم تتجاوز في جملتها الـ18.97%. كما حقّق مقال برهان بسيس الصادر بصحيفة « الصباح » ليوم 7 جانفي 2007 رقما قياسيّا في هذا الغرض وذلك بنسبة 88.12% وأيضا بمقاله الثاني والصادر يوم 4 جانفي 2007 وذلك بنسبة 82.67%، واحتل مقال صحيفة « الشروق » الصادر يوم 26 ديسمبر 2006 (مقال غير ممضى يحمل عنوان « بالمناسبة ») المرتبة الثانية وبمعدّل 74.14% إضافة لمقال منجي الخضراوي الصادر يوم 16 جانفي 2007 بصحيفة الشروق وذلك بمعدّل 61.29%. ثانيا، البعد السلبي للجريمة: في إطار التناول الإعلامي لحادثة تبادل إطلاق النار بين « مجموعة مسلّحة » وبين الأمن والجيش التونسي بالضاحية الجنوبيّة للعاصمة (تونس)، ركّزت الصحف التونسيّة المذكورة كثيرا على البعد السلبي للجريمة كهدف من أهداف الإعلام الإجرامي، وذلك من خلال تكرار بعض العبارات الدالة على ذلك مثل « عمل إجرامي »، « عمل إرهابي… » واحتلّت المرتبة الثانيّة بعد هدف « بث الشعور بالأمن والطمأنينة » وذلك باستعمال 541 كلمة من جملة 2846 كلمة أي بنسبة مائوية 19.01%. وتصدّرت صحيفة « أخبار الجمهوريّة » صدارة الصحف المرصودة في هذا المجال حيث بلغت نسبتها الـ41.38%، ثم تلتها صحيفة « الصباح الأسبوعي » (28.36%)، ثم « الصباح » (22.66%). وسجّلت صحيفة « الإعلان » أقلّ نسبة من الكلمات المستعملة في غرض البعد السلبي للجريمة والتي لم تتجاوز في مجملها الـ13.64%. ثالثا، التأكيد على « أن المجرم لا يفلت من العقاب »: نظرا لارتباط التغطية الإعلاميّة للحادثة المذكورة بالمؤسسات الأمنيّة (الأمن والجيش) التي واجهت الحادثة وخاضت المعركة، ولم يعلن لا في التصريحات الرسميّة أو غير الرسميّة عن مباشرة المؤسسة القضائيّة لملف القضيّة، لم نلاحظ اهتماما من طرف الصحف التونسيّة بهذا العنصر (التأكيد على « أن المجرم لا يفلت من العقاب) والتي لم تتجاوز في مجملها الـ 8.43% . كما أنّ العبارات التي تمّ رصدها وتسجيلها في هذا الغرض ارتبطت أساسا ببعض مخلّفات الحادثة مثل « القتل » والجرح » والاعتقال »، وهي كلّها صادرة من المؤسسة الأمنيّة لا المؤسسة القضائيّة. وأعلى نسبة سجّلت خلال رصدنا وجدناها في صحيفة « الصباح الأسبوعي » والتي بلغت الـ17.91%، واقتربت منها كثيرا صحيفة « الإعلان » بنسبة 16.34%، ثم صحيفة « أخبار الجمهوريّة » (10.34%)… وأقلّ نسبة وجدناها في صحيفة « الصريح » بنسبة 2.81%. رابعا، البعد المأسوي للجريمة: من حيث النتائج العامة نلاحظ أن الصحف التونسيّة أعطت للبعد المأسوي للحادثة مكانة متميّزة وذلك بالتأكيد على بعض الحوادث المأساويّة التي استقتها من الإعلانات الرسميّة أو من خلال تبني وإعادة صياغة بعض الروايات التي تناقلتها ألسن المواطنين، حيث احتلّت المرتبة الثالثة وبنسبة 13.84%، ولكن درجة حضورها حسب كل صحيفة كان مختلفا ومتباينا، ففي الوقت الذي بلغت فيه نسبة التركيز على البعد المأسوي في صحيفة « الإعلان » الـ 21.73% وتقريبا نفس النتيجة بالنسبة لصحيفة « الشروق » (21.47%)، سجلّنا نسبة منخفضة جدّا في بقيّة الصحف، ومنعدمة تماما في صحيفة « الصباح الأسبوعي » والتي نم نسجّل فيها أي عبارة تستهدف التركيز على البعد المأسوي. خامسا، التأكيد على التعاون الكامل بين الجمهور والأجهزة الأمنيّة: على الرغم من الحضور المتوسّط لقضيّة التعاون بين الأجهزة الأمنيّة والمواطنين والذي تراوح في حدود 11.95% بالنسبة لكل الصحف، حيث سجّلنا 340 كلمة استعملت لهذا الغرض من 2846 كلمة متجانسة مع الأهداف التي رسمتها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخليّة العرب، إلاّ أنّنا لاحظنا تفاوت كبيرا في درجة حضور هذا الهدف حسب كل صحيفة، حيث احتلّت صحيفة « الصريح » المرتبة الأولى بمعدّل 38.76%، وتلتها صحيفة « أخبار الجمهوريّة » بـ17.24% ، في حين لم نسجّل أي إشارة للتعاون بين الأمن والجمهور في صحيفة « الصباح الأسبوعي » ولم تتجاوز النسبة في صحيفة « الإعلان » الـ 4.26%… وحقّق مقال المنصف بن مراد في صحيفة « أخبار الجمهوريّة » والصادر يوم 4 جانفي 2007 رقما قياسيّا في هذا الغرض وذلك بنسبة 62.5%، ثم نجد مقال صالح الحاجة الصادر بصحيفة « الصريح » بتاريخ 27 ديسمبر 2006 وذلك بنسبة 47.13%، ثم مقال كمال الطرابلسي الصادر يوم 7 جانفي 2007 بصحيفة « الصباح » وذلك بنسبة 40.16%. وكالة الأنباء التونسية (رسمية) أقل التزاما من الصحف التونسيّة: من بين الملاحظات الهامة التي سجّلنا خلال رصدنا للتغطيّة الإعلاميّة للحادثة المذكورة هو أنّ التصريحات الرسميّة الصادرة عن وزارة الداخليّة والتنمية المحليّة أقلّ التزاما بالمعايير التي رسمتها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخليّة العرب من الصحف التونسيّة « المستقلّة »، والتي كانت حكوميّة أكثر من الحكومة. فمن جهة أوّلى لم تحافظ التصريحات الرسميّة على الترتيب الوارد في النموذج المذكور، إذ ركّزت هذه الأخيرة على البعد المأسوي للجريمة وذلك بنسبة 33,70 % ، في حين في الصحف التونسيّة لم تتجاوز الـ 13.84%.. ومن جهة ثانية لم نسجّل أي إشارة للتعاون بين الأمن والجمهور في تصريحات الوزارة (عكس ما وجدناه في الصحف التي بلغت الـ11.95%)، ومن جهة ثالثة تميّزت التصريحات الرسميّة بالاقتصار والغموض… من بين الاستنتاجات الأوّليّة التي يمكن عرضها من خلال النتائج الإحصائيّة المسجّلة هو أنّ الصحف التونسيّة بمختلف عناوينها حاولت التقيّد بالنموذج الأمثل لوزراء الداخليّة العرب، فباستثناء صحيفة « الصباح الأسبوع » التي تغافلت عن العنصرين الأخيرين من النموذج (البعد المأسوي للجريمة و التعاون الكامل بين الجمهور والأجهزة الأمنيّة)، حيث لم نسجّل فيها أي إشارة لذلك في تغطيتها الإعلاميّة لحادثة تبادل إطلاق النار بين « المجموعة » وجهاز الأمن… سجّلنا حضور كل عناصر نموذج وزراء الداخليّة العرب في بقيّة الصحف التونسيّة المرصودة. كما تجانس الترتيب العام للنسب المائويّة المسجّلة مع ترتيب عناصر النموذج، إذ احتلّ عنصر « بث الشعور بالأمن والطمأنينة » صدارة الترتيب في النموذج النظري وفي النتائج الإحصائيّة، ونفس الشيء بالنسبة للعنصر الثاني « البعد السلبي للجريمة »… أمّا العنصر الوحيد الذي لاحظنا فيه اختلافا فتجسّد في التأكيد على « أن المجرم لا يفلت من العقاب » والذي احتلّ المرتبة الثالثة في النموذج المقترح في حين احتلّ المرتبة الأخيرة في النتائج الإحصائيّة لرصد الصحف وذلك بنسبة لم تتجاوز الـ8.43%، وهذا الاختلاف راجع بالأساس (كما ذكرنا) إبعاد المؤسسة القضائيّة في التغطيّة الإعلاميّة والتي لم تباشر بعد عملها. ولكي تكتمل الدراسة التقييميّة للصحف التونسيّة سوف نحاول في الجزء الثالث تقديم دراسة مقارنة بين « صورة جهاز الأمن التونسي » و »صورة المجموعة التي واجهتها » في هذه الحادثة. (المصدر: مجلة « كلمة » (اليكترونية شهرية – تونس) العدد 51 لشهر مارس 2007) الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=494

اليسار الذي نريده اليوم

 
الطاهر بن حسين ليكن من الواضح أن عنوان هذا المقال لا يعني ادعاء اعادة تعريف اليسار، ذلك أن جوهر اليسار لم يتغير منذ ظهوره في التاريخ السياسي المعاصر. فلقد كان اليسار وسوف يبقى دائما مرادفا لمقاومة استغلال الانسان للانسان، بكل ما يتضمن ذلك من عدالة اجتماعية وقضاء على جميع مظاهر الاستلاب، المادية منها والثقافية، ومساواة بين الجنسين وتضامن بين الشعوب واستقلال وطني. وبالتالي فان ما نحتاجه اليوم هو التعريف بالاشكال الجديدة التي يمكن أن تتخذها قيم اليسار على ضوء التجربة التاريخية للحركات اليسارية خلال القرن العشرين، بما حملته من فشل ونجاح، وبالخصوص على ضوء التطورات الاقتصادية والعلمية والفكرية التي حققتها البشرية خلال نفس القرن. ** مواقع الفشل في التجربة التاريخية لليسار العدالة الاجتماعية لقد اعتبر اليسار التاريخي بأن القضاء على استغلال الانسان للانسان يمر عبر تحويل ملكية وسائل الانتاج الى الدولة باعتبارها، في ظل النظام الاشتراكي، ممثّلا للطبقة المنتجة ولاغلبية الشعب. ولذلك ارتبطت التجربة التاريخية لليسار بالاشتراكية بمختلف أشكالها. وتمّت غالبية التجارب اليسارية على هذا الاساس، وان كان بدرجات متفاوتة. ولكنه اتضح من الممارسة أن بيروقراطية الدولة أصبحت طبقة لا تقل جشعا عن البورجوازية وبالتالي فان استغلال الانسان للانسان ليس فقط لم يزل بل اشتد بحكم تجميع السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية المباشرة في أياد واحدة، خلافا للنظام البورجوازي السابق حيث كانت هذه السلطات على الاقل موزّعة. كما أن هذا النمط الانتاجي لم يقم بدوره في التنمية، أو على الاقل في تحقيق وتيرة عالية من التنمية، بسبب انعدام الحوافز الفردية والجماعية وثقل دواليب الدولة في اتخاذ القرارات. التمثيل الشعبي فشلت تجارب اليسار التاريخية أيضا في تحقيق تمثيل شعبي في جميع المؤسسات اذ استفردت الاحزاب، الماركسية في غالبيتها، بالحكم واعتبرت أنها تمثل الطبقات الكادحة لمجرد انتمائها العقائدي الى الاشتراكية. وبذلك فان بعض التجارب الاشتراكية أدّت الى أبشع الدكتاتوريات عبر التاريخ البشري. وضوح القيم الجماعية رغم الفشل بالرغم من مواقع الفشل القاتلة في تجارب اليسار التاريخية فان القيم الجماعية التي تميّز اليسار كانت واضحة. فلا أحد ينكر اليوم أن أنظمة الصحة والتعليم والرياضة والثقافة كانت متميزة في جميع البلدان التي كانت تحكمها أحزاب اشتراكية او شيوعية. والى اليوم، تعتبر أنظمة الصحة والتعليم في كوبا من أفضل ما يوجد في العالم، بالرغم من دكتاتورية النظام السياسي. ** الأشكال الجديدة للتعبير عن قيم اليسار العدالة الاجتماعية مع الملكية الفردية من البديهي أنه لا معنى لليسار بدون الاشتراكية اذ أنها الأساس للعدالة الاجتماعية. ولكن مسيرة التاريخ أدّت الى استنتاجات غيرت كل المسلّمات السالفة ومنها أن : 1. ملكية الدولة لوسائل الانتاج لم تحقق العدالة الاجتماعية بل اكتفت بتغيير طبقة المستغلين 2. الراسمالية التي قامت ضدها مطالب العدالة الاجتماعية تغيّرت الى درجة أنها أصبحت « اشتراكية » بمعنى أنها أصبحت تشمل الملايين ولم يعد هناك شخص أوعائلة تحتكر غالبية الأرباح (فعدد مساهمي شركة اي.بي.ام مثلا يزيد عن ثلاثين مليونا ولا يوجد بينهم اي مساهم يمتلك أكثر من 1% من راس المال) . وبذلك أصبح العامل البسيط منتجا ومستهلكا لفائض القيمة في نفس الوقت. 3. تركيبة الطبقة العاملة تغيرت في غالبية البلدان، من حيث مستوى التعليم والثقافة والمهارة، بحيث أصبح منتجو فائض القيمة ممن يسمون سابقا « بالأعناق البيض » اي الموظفين، كما أن طموحهم الاجتماعي ارتقى الى نفس مستوى طموحات هذه الشريحة (المنزل والسيارة والتجهيزات المنزلية والعطل الخ…) ولكن التركيبة الجديدة لرأس المال وللطبقة العاملة لم تكن لتحقق مزيدا من العدالة الاجتماعية بل كانت مجرّد هيكلة جديدة للرأسمالية بكل ما يتضمنه هذا النمط الاقتصادي والاجتماعي من استغلال وعدم مساواة. وفي المقابل فانه اصبح من العبث، اقتصاديا واجتماعيا، أن يطالب اليسار بتأميم وسائل الانتاج. تحقيق العدالة الاجتماعية باعادة توزيع الثروات فرضت التطورات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة احلال اشتراكية التوزيع محلّ اشتراكية الملكية. ونلاحظ اليوم أن الحركات الشيوعية الداعية لاشتراكية المليكة (التي لم تتحقق أبدا في كامل التاريخ البشري) في تراجع في جميع أنحاء العالم بينما نرى الحركات الداعية لاشتراكية التوزيع في تزايد. ومن ذلك مثال بلدان أمريكا اللاتينية وأوروبا الشمالية وحتى الغربية. فلا أحد يطالب اليوم بالتأميم في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية بل بتوزيع أكبر نسبة من الثروات لسد الفجوة بين الطبقات. وتتم اعادة التوزيع هذه طبعا بصفة مباشرة من خلال زيادة الاجور وبصفة غير مباشرة من خلال تعميم وتطوير الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والعطل والترفيه والعناية بالمحيط الخ… كما ان ظاهرة التواصل بين الطبقات، بمعنى امكانية الارتقاء من طبقة الى أخرى، جعلت اعتماد هذا النمط من الاشتراكية لا يستهدف القضاء على التركيبة الطبقية للمجتمع بل فقط الى الحدّ من الفوارق الطبقية عبر اعادة توزيع الثروات. التنمية الموجّهة نحو الحاجيات الوطنية والتحرر من التبعية ينطلق اليسار من الاقرار بانه لا مجال لبلد تابع في تقرير مصيره ولا في تلبية حاجيات مواطنيه. ويتعزز هذا الاقرار في ظل العولمة السائدة. ولذلك نرى غالبية الحركات اليسارية في العالم تناهض أشكال العولمة المهينمة اليوم على اقتصاد العالم. ولكن اليسار لا يناهض كل أشكال العولمة بل ينادي الى عولمة تقوم على مصالح الشعوب وتضامنها وعلى التنمية المستديمة لصالح الأجيال القادمة. وفي ظل هذه العولمة البديلة يرى اليسار أن للدولة الوطنية دور في توجيه وتنمية اقتصادها في اتجاه يحدّ من التبعية ويضمن مزيدا من التشغيل في الداخل والمنافسة في الخارج. قيم المساواة لعل أن قيمة المساواة بين الافراد هي من أنبل القيم اليسارية. فاليسار يؤمن ويعمل على ترسيخ المساواة التامة ليس فقط بين مواطني المجتمع الواحد بل بين جميع سكان المعمورة. ويتجاوز مفهوم المساواة هذا جميع اعتبارات الجنس ولون البشرة والمعتقد الديني والوضع الاجتماعي. ولا شك في أن المساواة التامة بين الرجل والمرأة هي أقدس قيم المساواة في نظر اليسار. الثورة على الموروث والاصلاح الدايم الموروث، بمعنى المعاملات والقيم التقليدية عدا ما هو ثقافي بحت، هو تكريس لتوازنات وقيم اجتماعية قديمة ولا يعكس بالضرورة التوازنات الحديثة او على الاقل قيم المساواة والعدالة وبالتالي وجب اصلاحه. المشاركة الشعبية المباشرة في اتخاذ القرار على جميع المستويات من الدروس التي استخلصها اليسار المعاصر من هذه التجارب التاريخية أن الديمقراطية المسماة بالبورجوازية هي أنسب الانظمة لتحقيق التمثيل الشعبي كما أنها النظام الوحيد الذي يسمح بحفز همم قوى اليسار بتنافسه مع قوى اليمين، اضافة الى كونه النظام السياسي الوحيد الذي يسمح باحترام القيم الفردية التي أصبح اليسار المعاصر من دعاتها. ولكن اليسار يدعو أيضا الى توسيع هذه الديمقراطية النيابية بتشريك المواطنين في اتخاذ القرار على جميع المستويات وبشكل دائم وليس فقط عرضيا بمناسبة الانتخابات. ويتم ذلك من خلال تنظيمات محلية تناقش وتقرر في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية (من التهيئة العمرانية، الى صرف الميزانيات المحلية الخ…). القيم الفردية لقد كانت القيم الفردية العنصر الغائب في قيم اليسار التاريخية في حين أن الدراسات الحديثة في علم النفس وعلم الاجتماع أثبتت أن كل انسان نموذج فريد وأن التجانس الطبقي لا يخص سوى المظاهر المادية العامة التي لا يمكن اعتمادها لوحدها في صياغة نموذج اجتماعي. ومن هنا انطلقت مفاهيم تحرير الانسان كفرد وليس فقط كجنس بشري. فأصبح اليسار يدافع عن كل الحريات الفردية بشكل مطلق، وبدون أي حدود عدا ما يمسّ بحرية الغير. (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 396 بتاريخ 9 مارس 2007) 
 

أصداء المدونين المتمردين

بقلم سامي بن غربية

لقد حرصت الزميلة الصحفية المصرية عبير العسكري على أن يتعرض برنامج قلم رصاص (2 مارس 20006) الذي يبثه لتلفزيون دبي و يقدمه الصحفي حمدي قنديل لموضوع المدونات العربية المتمرّدة خاصة بعد الحكم بالسجن لأربع سنوات على المدوّن المصري كريم عامر بتهمة التهجم على حرمة الإسلام والرئيس حسني مبار. على هذا الأساس تم استدعائي إلى هذا البرنامج إلى جانب المدوّنة السورية ركانة حمّور صاحبة مدونة « قصتي » و المدوّن المصري رامي صيام صاحب مدونة « يا صبر أيوب« .

و قد كانت حقا مناسبة رائعة أتاحت لي فرصة التعرف على إنسانين لطيفين، لكل منهما تجربته مع التدوين، و محنته مع الملاحقات الأمنية التي تجيدها أنظمتنا العربية التي، على اختلافها و فرقتها، إتفقت على مصادرة الكلمة الحرة حماية لدويلات الفساد الإداري و السياسي و المالي التي شيدتها.

فالسيدة ركانة حمّور تم اختطافها من منزلها خلال شهر رمضان الفارط وسيقت بملابس النوم في الشارع مكبلة بعد أن شهر في وجهها ووجه أبنائها الصغار السلاح الذي كان يحمله عناصر الأمن الجنائي.

 

عملية اختطاف السيدة ركانة، في 15 أكتوبر 2006، و التي تمت دون أي أمر قضائي، كانت على خلفية التجائها إلى التدوين، بعد أن عجزت عن متابعة حقها عدليا، لفضح عدد من رموز الفساد الإداري و البنكي و القضائي الذين سلبوا منها حقها في وراثة أبيها الذي كان يُعد من أكبر وأشهر أصحاب رؤساء الأموال في الجمهورية السورية. فنظرا لوجود خلاف عائلي بينها و بين إخوتها تم حرمان ركانة من نصيبها الشرعي و الذي يبلغ الخمسمائة ألف دولار أمريكي, و تمت عملية سلبها من حقها بتواطئ مسؤولين كبار في الدولة السورية كوزير العدل السوري. و قد تعرضت السيدة ركانة لمضايقات عديدة من جهات مرتبطة بملف الفساد القضائي، فحسب تقارير أصدرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تم استدعاء ركانة مرة أولى يوم 20 -12- 2005 للمثول أمام المحكمة بسبب مقالتها « عفوا أيها الفساد » التي كشفت فيها السرقات التي تعرضت لها مدعومة بوثائق ومستندات تبين تزوير توقيع والدها قصد حرمانها من تركته.

الشجاعة التي تسلحت بها ركانة في مواجهة آلة الفساد المالي و الجبروت الأمني السوري تعد من ألمع نماذج ملحمة التدوين العربية. هذا على الرغم من أن ركانة حمّور لم تلق أي دعم معنوي من وسائل الإعلام الغربية المُدمنة على تغطية « المدونين النجوم » و لا حتى من وسائل الإعلام البديلة التي لم تكتب عنها ولو حرفا واحدا، على عكس قناة الجزيرة التي أذاعت خبر اعتقالها. بل أن المنظمات العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان و حرية التعبير لم تلتفت لحادث اختطاف المدونة السورية ركانة و باتت كالإعلام مولعة بالدفاع عن « المشهورين » أو « المؤهلين للشهرة » من بين المدونين من مصر و البحرين و السعوية و إيران الذين نجحوا إلى حد كبير في اختطاف الأضواء و التربع على عرش « التدوين الشرق أوسطي » إلى درجة أستحال معها الحديث عن ظاهرة التدوين في بلدان المشرق و المغرب دون الحديث عنهم. و هذا راجع لأسباب يطول ذكرها في هذه التدوينة، أقلها حركيتهم و ارتباطهم العضوي بحركات التغيير، و أهمها إستعمالهم للغة الأنجليزية خلال التدوين عملا -غير مباشر- بنصيحة « نجم » المدونين الإيرانيين حسين درخشان عندما قال : »إن لم تدوُن بالأنجليزية فكأنك لم تدوُن. »

أما المدون المصري رامي صيام، فإنك لن تجده على مدونات « نجوم التدوين المصرية » على الرغم من الصداقة التي تربطه بهم و على الرغم من انخراطه معهم في أهم محطات الحراك السياسي التي مرت بها المدونة المصرية، كتنظيم المظاهرات و المشاركة فيها و تنظيم أول حفل غنائي « غني يا بهية » تضامنا مع المدونين الذين تم اعتقالهم خلال مظاهرات مناصرة القضاة سنة 2006. فرامي الذي لم يدوّن منذ حادثة اعتقاله السنة الفارطة، أي منذ تدوينة « يوميات ايوب … سجينا« ، لا يؤمن بتدوين مقطوع عن الشارع فهو ناشط سياسي أكثر من كونه مدون. و كما قال لي في حوار سأنشره لاحقا عندما استشهد بقولة ويليام بليك  » الكلمات التى لا تتحول الى افعال … تجلب الألم. »

إلى جانب أن رامي أقنعني بضرورة إرتباط المدون بالشارع إلى حد أنني صرت أفكر جديا في العودة إلى تونس ومواجهة مصيري هناك مهما كان الثمن، فقد أعاد رامي لذهني أجواء السمر والأمسيات الدافئة بالنقاشات السياسية. أشعاره وأغنيات فيروز التي كانت ترتلها ركانة بلكنتها الشامية أحيت في قلبي الذي حنطته قسوة المنفى « هويتيه العاطفية » -على حد تعبير محمود درويش.

دبيّ المصطنعة، الغنية، الفاخمة،المتبرّجة، التي أحسنت ضيافتنا و دللتنا في رفاهة أفخم فنادقها لم تسحرني أكثر من اللحظات التي قاسمتها مع رامي و ركانة. أسواق دبي الرخامية المكتضة بحجيج الإستهلاك و سلعه و طقوسه الشبه دينية أقرفتنا، فهربنا بحثا عن محطة لا زمانية و لا مكانية نختفي فيها حتى تنجلي عنا حالة الحصار الإستهلاكي التي أنشأتها دبي أو قل » أكبر مـُدجنة في العالم العربي » كما سماها رامي.

لقد كانت زيارتي لدبي هي الأولى التي أقوم بها لبلد عربي منذ لجوئي إلى هولندا سنة 1998. فبعد هروبي من تونس على إثر إيقافي من طرف أعوان أمن الدولة و التحقيق معي، ثم استدعائي للمثول أمام محققي وزارة الداخلية سيئي الذكر، هربت إلى ليبيا و مررت ببعض الدول العربية منها السعودية و سوريا. وقد كانت رحلتي التي قصصت أطوارها تفصيلا في كتابي الإلكتروني « برج الرومي إكس ال (XL) » مريرة زرت خلالها زنزانات الأمن العسكري الليبي حيث خضعت لتحقيق دام خمسة أيام بسبب ظنون أمنية أثارها سفري عبر الصحراء الكبرى قاصدا النيجر. أما العربية السعودية فقد أرادت ترحيلي لتونس لولا ألطافا إلاهية أنقذتني من أيادي حرس حدود المملكة و سفرتني إلى سوريا حيث حـُجز جواز سفري و أخضعت لتحقيق داخل مخافر المخابرات السورية بمنطقة المزة.

خلاصة القول أن تجربتي مع الدول العربية لم تكن ممتعة و لا سياحية على الإطلاق. فكان دخولي لـدُبي بجواز سفر هولندي دون تأشيرة و لا مسائلة و لا تحقيق و لا حتى نظرة جانبية مزدرئة من شرطة الحدود التي عودتنا، نحن حاملي الجواز التونسي ،على إطالة التدقيق و التحرّي و التجنّي، كافيا لإقناعي بأن عدوّ العرب الأول هم العرب و أني لست بحاجة إلى استرجاع جواز سفري التونسي الذي لن يزيدنى إلا عناءا. فدخول الدول العربية يكون أسهل لنا، نحن العرب، عندما لا نحمل جوازا عربيا.

سامي بن غربية في 18 مارس 2007

http://www.kitab.nl/2007/03/18/dubai_tv/

http://www.nawaat.org

http://www.yezzi.org

(المصدر: موقع نواة بتاريخ 18 مارس 2007)

الرابط: http://www.nawaat.org/portail/article.php3?id_article=1208


وقفة مع هيأة

 

كتبه عبدالجميد العدّاسي

 

جاء في تفسير ابن كثير: فقوله تعالى:  » يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظ الأنثيين « ، أي يأمركم بالعدل فيهم فإنّ أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكر دون الإناث، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث، وفاوت بين الصنفين فجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين، وذلك لاحتياج الرّجل النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسّب وتحمّل المشاقّ، فناسب أن يُعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى…

 

وجاء في فتح الباري ما حكاه جعفر بن حبيب: أنّ بعض عقلاء الجاهلية ورّث البنت لكن سوّى بينها وبين الذكر (قلت: فالمطالبة بالتسوية إذن بين الذكر والأنثى في الميراث، من حيث القيمةُ والأقساطُ، هي عودة لجاهلية كان قد أصلحها الإسلام وقوّمها)

 

جاء في مسلم عن جابر بن عبد الله قال: عادني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان فوجدني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ ثم رشّ علي منه فأفقت، فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت:  » يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين « . وفي رواية أخرى، وهي في مسلم كذلك: فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي؟ فلم يردّ عليّ شيئا حتى نزلت (الآية). (قلت: فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يجب جابرا ولم يجتهد في هذا الأمر حتّى جاء الجوابُ في شكل وصيّةٍ من خالق العباد جميعا، الله سبحانه وتعالى، فهو الأعلم بما يجري في كلّ العصور والأزمان وهو الأحكم والمقدّر لما ينفع خلقه، فلا مجال لأحد مهما كان أن يجتهد في هذا الأمر، لأنّ الاجتهاد فيه هو تغيير لوصيّة الله التي تركها فينا وأمرنا بتنفيذها في أولادنا من الذكور والإناث).

 

على أنّ هذا التفصيل و « التفضيل » لا يكون إلاّ في الميراث، فإن وهب شيئا في حياته لأبنائه كان عليه أن يسوّي بين ذكورهم وإناثهم. قال الإمام النّووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم: ينبغي أن يسوّي بين أولاده في الهبة ويهب لكل واحد منهم مثل الآخر ولا يفضّل ويسوّي بين الذكر والأنثى. وقال بعض أصحابنا يكون للذكر مثل حظّ الأنثيين، والصحيح المشهور أنّه يسوّي بينهما.

 

جاء في صحيح البخاري رحمه الله وأجزل له الأجر، عن بن عباس رضي الله عنهما قال: كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين،  فنسخ الله من ذلك ما أحبّ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس (قلت: لا فرق هنا بين الذكر والأنثى لحكمة يعلمها سبحانه) وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع (أي: بحضور أو غياب الولد).

 

مقدّمة لعلّها طويلة بعض الشيء، ولكنّها ضرورية حسب رأيي لجعلها إطارا ومرجعا في تناول موضوع كثر الحديث عنه في الفترة الأخيرة من تاريخ البلاد التونسية، خاصّة من طرف مجموعة لا يختلف إثننان من التونسيين الأصليين (العرب المسلمين) في تحديد أهدافهم وضبط توجّهاتهم.

وقد دفعني إلى المساهمة في هذا الحديث، ما جاء في (بيان هيأة 18 أكتوبر حول المرأة والمساواة بين الجنسين) الوارد على صفحات تونس نيوز بتاريخ 7 مارس 2006، من مبالغات فيما حصلت عليه المرأة في تونس من خلال التشريعات التي وصفتها إحداهنّ – مفتخرة – بأنّها وضعية (*)، ثمّ ما تُرك مُشتبها حول قضيّة الميراث والمساواة فيه بين المرأة والرّجل، ممّا جعل السيّد الطاهر بلحسين، الواضح جدّا في عدم قبوله بالنهضة وأبنائها وأدبياتها، وربّما الرّضاء بربّها (وربّها الله مالك الملك)، ينتقدهم بالقول:  » وكأني بالموقّعين يتجاهلون أنّ الحضارة العربية الإسلامية، مثلها مثل جميع الحضارات المعتمدة على الدين، لم تخلق في كامل تاريخها ولن تخلق أيّ  تقدّم في مجال المساواة بين الرجل والمرأة  » (**).

وإنّي، إذ أمرّ دون التوقّف عند تلك المبالغات التي ذكرها الأستاذ الفاضل عبدالمجيد النجّار في مقاله الفذّ (حوار هادئ مع هيئة 18 أكتوبر) وحلّلها تحليلا ليس من الأدب – أحسب – لمثلي أن يُنقِصَ من قيمته بالتعقيب عليه، فإنّي سوف أتوقّف عند بعض التناقضات الواضحة بين مختلف فقرات البيان، كما أطيل التوقّف نسبيا مع قضيّة الميراث.

فقد أطنب البيان في ذكر المكتسبات التي حقّقتها المرأة على طريق تحرّرها كإنسان، سواء كان ذلك على المستوى القانوني أو على المستوى الإجرائي. وقد كان البيان أسير التعميم دون أن يتطرّق إلى المشاكل الحياتية المعيشة من الأمّ والأخت والبنت في تونس اليوم، ودون أن يتوجّه بالنّقد إلى الجهة المسؤولة عن تأخّر تحرير المرأة، ليظلّ ذلك مسكوتَ ومنطوقَ الرّافضين للفكرة القائلة بأنّ الأسلام هو الدين الذي حرّر المرأة وأعلى شأنها وأنّ المؤمنين الصّادقين به هم مَن يحترم المرأة ويُنزلها خير منازلها، دون أن يختزلوا تحرّرها في جلوس بالفصل الدراسي بين ذكرين من أترابها، أو مزاحمة لزميل لها في الشغل، أو تمتّع بجراية تقاعد أو غيرها من المنح، أو إثبات جدارة لا أدري من نزعها عنها حتّى تثبتها.

ولَإن قال البيان في مستهلّه:  » وفي مجال التربية والتعليم، أقرّ القانون التونسي مبدأ التساوي بين البنين والبنات في حق التعليم وجعله إجباريا ووحد بين البرامج والخيارات المفتوحة أمام الطلاب وعمّت المدارس المختلطة للبينين والبنات وبذلك زالت مظاهر التمييز بين الجنسين في مستوى التعليم وتساوت نسب التمدرس بينهما وتطورت صورة المرأة لدى الناشئة « . فقد عاد بعد شوط ليقول:  » وفي مجال التعليم وعلى الرغم من كل الخطوات المقطوعة لا تزال الأمية تنتشر في أوساط النساء ونسبتها تفوق نسبتها لدى الرجال بكثير… فهل تساوت نسب التمدرس أم لا تزال الأميّة منتتشرة عند النّساء (***)؟!

ولَإن قال البيان:  » وفي ميدان الشغل، سوّى القانون بين النساء والرجال … إلى أن قال: وبذلك فتح عالم الشغل أمام المرأة التي لم تترك مجالا من مجالات النشاط الاجتماعي إلا واقتحمته وتقلدت المرأة مختلف أنواع الخطط والمهن وأثبتت فيها كفاءة وجدارة ساهمت بشكل فعال في تطوير العقليات وتخليصها من التقاليد البائدة المحقرة للمرأة « . فقد عقّب بعد ذلك بالقول: … وتحتل المرأة مواطن العمل الأكثر هشاشة وتعرضا لعدم الاستقرار والطرد، وترجع إليها المهن متدنية المهارة والأجر… إلى أن قال: وتتعرض المرأة العاملة إلى التمييز بسبب حالتها المدنية وخاصة الزواج والحمل والرضاعة كما ترهقها ازدواجية المسؤوليات المهنية والأسرية.

إلى غير ذلك من التناقضات التي أرى أنّه قد فرضها التأرجح بين التجريم والتبجّح والمداراة: تجريم لعدوّ افتراضي للمرأة من خارج أغلبية هيأة 18 أكتوبر وغيرها من الدّيمقراطيين الذين احتكروا مبادئ الديمقراطيّة، وتبجّح بما أنجزه « المصلحون » من غير « الرجعيين » لخدمة المرأة، وقد اكتشفوها إنسانا بعد أن حرّروها، ومداراة لأقليّة سرّبتها مصالح غامضة داخل الهيأة المذكورة. ما جعل السيّد الطاهر السالف الذكر يقول في مقاله المشار إليه أعلاه: فلئن كانت الأرضية الأصلية لهيئة 18 أكتوبر خطوة الى الأمام من أجل الحقوق والحريات المدنية فان « تحميل النهضة ما لا طاقة لها عليه » لن يؤدي في أفضل الحالات إلاّ إلى إجهاض الحركية الإيجابية الأصلية لهذه الهيئة، وفي أسوأ الحالات الى « الخونجة » التدريجية للتيارات التي تتنازل عن القيم الكونية التي تأسست عليها لكسب حليف يدوسها بأقدامه.

 

أخلص الآن إلى الحديث عن المساواة في الميراث بين المرأة والرّجل، فقد جاء في البيان: « … وإذ تؤكد (أي هيأة 18 أكتوبر) عزمها الراسخ على الحفاظ على كل هذه المكاسب والدفاع عنها في وجه كل تهديد (قلت: لك أن تستفهم عن هذا التهديد) وعلى مواصلة الحوار بروح وطنية بناءة حول القضايا الخلافية العالقة مثل مسألة المساواة في الإرث أو … » فعن هذه الفقرة يحقّ لي التساؤل: إذا كان الميراث مسألة قد وصّى بها الله سبحانه وتعالى وألزم المسلمين جميعا بتنفيذها كما بيّنت النّصوص التي استفتحتُ بها، فكيف يكون إذًا قضيّة خلافية؟! هل في هيأة 18 أكتوبر مَن هو مِن غير المسلمين حتّى يدعو إلى الحوار حول مسألة قضى فيها الله سبحانه وتعالى؟! وهل يحقّ لغير المسلمين ممّن أنصفهم الإسلام (لا إكراه في الدين … لكم دينكم ولي دين ) أن يناقشوا تشريعات إسلامية في بلد مسلم لا تهمّهم لا من قريب ولا من بعيد؟! وكيف يكون المحاور وطنيّا والحوار بروح وطنيّة إذا فرّط هذا المحاور في أعزّ مكتسبات الوطن، هويّته؟! وكيف يكون الحوار بنّاء إذا فقد المرتكزات التي يقوم عليها أصلا؟! فحبّ الوطن لا يكون بكره الدّين! ومسألة الإرث مسألة لا تهمّكم أنتم في الهيأة ولا تهمّ حاكم البلاد ولا تهمّ من يرشّح نفسه – ربّما – متحدّثا باسم الإسلام: إنّها قضيّة الله وحده، وهو الذي اختارها وأحبّها لعباده… وسبحان الله، كلّما عجز المرء عن أخذ حقّه من أخيه الإنسان الذي اغتصبه منه، سارع إلى المجاهرة بحرب الله، كما في قضيّة الحال.  

وإلاّ، فلماذا لا يبدأ المنادون بهذا الأمر وغيرهم من أهل تونس – سيّما في صفوف المتنوّرين – بإرجاع حقوق المرأة كما بيّنها لها الإسلام إلى المرأة: اجعلوها حرّة في التصرّف في مالها الذي ترثه أو تكتسبه بكدّ يدها وبعرق جبينها. لا تلزموها بالعمل من أجل لقمة العيش إلاّ إذا اختارت هي ذلك رغبة منها في مساعدة زوج أو أب أو أخ أو ولد أو قريب أو مسكين، أو استغلال لفائض وقت عندها، أو حبّا في عمل ترى فيه النفع لبلدها وأهلها، أو فرضا لا يُؤتيه إلاّ اختصاصها. لا تسجنوا زوجها أو تضيّقوا عليه في الرزق حتّى تكرهوها على امتهان ما لا يليق بها. لا تكثروا الفوارق بين النّاشئة الصغار بل سوّوا بينهم في الحظوظ عند الدّراسة وعند الانتداب للعمل، لا تغيّروا أسس ما يرغّب في الزّواج منها. فإنّ الكثير من التونسيين صار لا يتزوّج المرأة إلاّ لمالها أو لعملها حتّى ماتت لديه الغيرة وانكمشت فيه الرّجولة، حتّى صارت الواحدة تتكلّم عن النديّة في بيت الزوجيّة (إنّه منطق المؤسّساتية يغزونا في عقر دارنا، فلا نطالب بتطبيقه خارج هذا النّطاق أبدا لما رأينا من نكده وبؤسه)، حتّى صرنا نتكلّم (بل ونفتخر) عن تدخّل الإدارة في البيت للمساعدة على تسيير الشؤون العائلية (لم نرض بالسلطة الأبوية فجعلناها سلطة بلدية، وإنّها كلّما تدخّلت خرّبت، والله شاهد على ذلك)، حتّى نشزت المرأة من زوجها وقد جُبِلت على محبّة الغيور الموفّر لها الحماية وهي تراه بلا فضل ولا حنوّ عليها، حتّى أقنعت أولادها بعدم أهليته وعدم اتّخاذه قدوة يُحتذى به، حتّى فقدنا المرجعية وضيّعنا الهويّة، حتّى كثر لدينا الطلاق وفشا في ربوعنا الزّنا، حتّى نافس أبناءنا الشرعين اللقطاءُ، حتّى خشينا بعد أن عمّ الخبث أن يعمّ البلاء!…

 

هيأة 18 أكتوبر مولود، قد يكون استبشر بمقدمه الجميع لأنّ أعضاءه قد تواطأوا على قول لا للظّلم، قد تواطأوا على المطالبة بالحريّات الفرديّة والجماعيّة للتونسيين بلا استثناء. الأمر الذي جعل الكثير من التونسيين، بما في ذلك الإسلاميين، يلتفّون حول الفكرة دون إطالة تدقيق في السير الفردية للأفراد المكوّنين لهذا التجمّع. تماما كما كان الالتفاف حول نداء: لا ظلم بعد اليوم! وعليه فإنّ الإخلال بالعمل على تحقيق الهدف الظاهر من التجمّع ستكون له آثار جدّ سلبية عليه، فإنّه في كلّ الأحوال لن يكون أغلى على التونسيين من « التغيير » الذي لم يزهد فيه إلى حدّ الآن إلاّ مواليد ما بعد كتابة هذه الأسطر!…    

   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*): … وخاصّة في تونس التي تتّسم فيها القوانين بالطّابع الوضعيّ، ولا تعدّ الشّريعة فيها مصدرا للتّشريع. فالدّستور التّونسيّ ينصّ في فصله السّادس على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وينصّ في فصله الخامس على أنّ الجمهوريّة التّونسيّة « تضمن الحرّيّات الأساسيّة وحقوق الإنسان في كونيّتها وشموليّتها وتكاملها وترابطها… » وعلى أنّها « تضمن حرمة الفرد وحرّيّة المعتقد وتحمي القيام بالشّعائر الدّينيّة ما لم تخلّ بالأمن العامّ ». ثمّ إنّ الاتّفاقيّات والمعاهدات الدّوليّة التي أمضتها تونس تتنافى مع اللاّمساواة في الميراث، وهذه الاتّفاقيّات لها سلطة أعلى من سلطة القوانين. ولذلك فقد أمكن للقضاء التّونسيّ أن يحكم في مسألة المواريث بما يخالف مجلّة الأحوال الشّخصيّة التي تعتمد مبدأ عدم التّوارث بين المسلم وغير المسلم« . (قلت: وإذا فعلنا هذه، وهي كبيرة، فلماذا لا نفعل غيرها، طالما كانت المرجعية عندنا هي الاتّفاقات والمعاهدات الدولية، ونحن ممّن يحترم هذه الاتّفقات والمعاهدات بـ »لا استثناء » )، رجاء بن سلامة، تونس نيوز بتاريخ 14 مارس 2007 .

 

(**): قلت لو بلغ إيماننا بالله هذا الصدق الذي بلغه إيمان هذا الرّجل بعدم صلاحية الأديان للمساواة بين الرّجل والمرأة – كما أشار – لأيقنّا أنّه لا يجوز إعطاء الدنيّة في الدين لأمثاله ولو كان باسم لملة الصفّ، فالأولى للمسلم أن يتّقي المنافق – إذا علمه – لا أن يتخيّر له أوسع الأفنية …

 

(***): قد يقول قائل: انظروا إلى هذا (يعني: إليّ أنا ) كيف يخلط، فنحن في الأولى قد تحدّثنا عن القانوني وفي الثانية عن الإجرائي، وأقول بأنّني أناقش المسطّر فقط وهو ما يمسّ الجانب الإجرائي!… لأبيّن بعد ذلك أنّ البيان، وهو يصاغ، كان تحت ضغط:  » مَن نُرضي ومَن نغضب  » وكلّ عمل من هذا الصنف ينقصه الإخلاص لا محالة.   


 

للذّكر مثل حظّ الأنثيين (3)

« كيف يمكن احتمال ما لا يحتمل »

رجاء بن سلامة سبق أن بيّنّا انفتاح ثغرة المساواة بين الجنسين انفتاحا لا يمكن أن يطوى معه ملفّ المطالبة الحديثة بالمساواة في الميراث  كما طوي في السّابق. ولكنّ هذا لا يعني أنّ محاولات سدّ الثّغرة ستزول، بل إنّ الرّاهن العربيّ، والثّقافة السّائدة يقومان عموما على محاولة سدّ كلّ ثغرة تنفتح، ولذلك تضخّم خطاب الإصلاح على نحو لافت للنّظر، وطرح الإعلاميّون والمثقّفون العرب إشكاليّات عجيبة لا أظنّ أنّ أمّة من أمم العالم طرحتها، من قبيل « هل يكون الإصلاح من الدّاخل أم الخارج؟ » ووجدنا النّخب العربيّة تشكّك في ما طالبت طيلة سنوات طويلة لمجرّد أنّ الحكومة الأمريكيّة الحاليّة طالبت به، من ذلك إصلاح المنظومة التّربويّة نفسها.
يقول الفكاهيّ الجزائريّ فلاّق ما نحاول ترجمته إلى العربيّة كالتّالي : « إذا وقع الإنسان في جبّ، فإنّه عادة ما يخرج منه، أمّا نحن فنواصل الحفر ».
 يواصل الحفر من يكون مشدودا إلى الأصل، ويكون لعبة بيد دوافع الموت، فلا يرفع رأسه من الجبّ ليرى الأفق العريض فوقه، بل يبحث عن حتفه تحت باطن الأرض.  ورغم أنّ صورة الثّغرة مختلفة عن صورة الجبّ، فإنّني تذكّرت عبارة هذا الفكاهيّ الذي ما فتئ يُضحك ويبعث على الدّهشة وأنا أفكّر في مناهضة المساواة في الإرث. كان بودّي أن أحاكي فلاق لأقول باختصار: ما انفتحت ثغرة الأفق في حصن اللاّمساواة واللاّعدالة، إلاّ وسارع الجزائريّ والتّونسيّ والعربيّ المسلم الحاليّ عموما، إلى سدّها بركام من التّعلاّت والأوهام. ولكنّ الفكاهة شيء والتّحليل شيء آخر. الذي يريد أن يحلّل الظّواهر ويبحث عن البدائل لا يمكن له أن يقع في فخّ الإطلاق والفكر الماهويّ الذي يؤول بنا إلى نوع من العنصريّة ضدّ أنفسنا. هناك في عالمنا من يطمح إلى المساواة ويرى الثّغرة، وهناك من لا يريد أن يراها، وإن كان هؤلاء كثرا، والمجتمعات ليست كتلة واحدة، والذي لا يريد أن يرى الثّغرة اليوم قد يراها غدا، وأجيال الغد قد تكون غير أجيال الأمس، وعرب اليوم يمكن أن يرفعوا رؤوسهم من الجبّ، وأن يروا الأفق خارج الجبّ أو الثّغرة. وإلاّ فلا معنى للمطالبة وللكتابة، ولحبل الأمل الذي نتمسّك به. 
فلندع التّعميم والنّبوءات جانبا، ولنتأمّل حجج المناهضين للمساواة في الميراث. إنّنا نذهب إلى أنّ هذه الحجج ليست من باب الحجج العقليّة التي تأخذ بعين الاعتبار تطوّر المجتمع من ناحية، ونموذج المساواة وحقوق الإنسان من ناحية أخرى، أي تأخذ بعين الاعتبار الحاضر والمستقبل المأمول، وهي تعيد قراءة الماضي لتتّخذ مسافة تأويليّة منه، وتبدع أوضاعا مختلفة عن أوضاعه دون أن تنساه وأن تتجنّب النّظر إليه. إنّها حجج تجعل نموذجها في الماضي ولا تريد أن ترى الحاضر وثغراته. ولذلك، فهي ليست حججا بقدر ما هي آليّات نفسيّة في الدّفاع، تسعفنا اللّغة العربيّة بكلمة تعبّر عنها أحسن تعبير هي « التّعوّذ »: إنّها تستعيذ بالماضي من متطلّبات الحاضر ومن نموذج المستقبل. وأحيانا لا تعدو آليّات الدّفاع هذه أن تكون صراخا وتهديدا وشتائم، أي استعاذة من الشّيطان الرّجيم. وهي عموما نابعة من الخوف، والخوف وحده لا يمكن أن يؤسّس فكرا، بل التّجارب تبيّن أنّه كثيرا ما يكون قوّة دافعة إلى العنف والإسقاط أو إلى التّقوقع والخمول.
هناك أوّلا الحجّة التّكتيكيّة التي تنبني على منطق الأولويّات. يقال لنا إنّ المساواة في الميراث لم يحلّ زمانها لأنّها قد تثير الحساسيّات وقد تؤدّي إلى ردّة فعل تذهب بالمكاسب التي حقّقتها المرأة. وردّنا على هذه الحجّة أنّ كلّ ما بيّنّاه سابقا عن جرح الأفضليّة، وعن الضّيم الذي تشعر به النّساء، وعن تطوّر المجتمع وتزعزع نظلم القوامة، إضافة إلى أنّ الفقر في كلّ بلدان العالم يطال النّساء أكثر من الرّجال، إضافة إلى طبيعة المطالبة الحاليّة في تونس تحديدا، كلّ هذا يجعل رفع المظلمة ضروريّا.  إنّ الوضع يتطلّب تدخّلا من السّلطات العامّة لإبطال قوانين غير دستوريّة، وغير متلائمة مع مبادئ حقوق الإنسان. فهذه الحجّة التّكتيكيّة تحقّق نصف شروط التّعوّذ، لأنّها هروب من مواجهة متطلّبات الحاضر ونموذج المستقبل.
ونجد ثانيا هذه الاستراتيجيّة الخطابيّة المتمثّلة في فرض خطوط حمراء، أو في إطلاق صيحة  « ممنوع اللّمس » في مجال الفكر لا في مجال الأشياء الملموسة، وكأنّ العقائد والأفكار أوان زجاجيّة يمكن أن تنكسر بمجرّد التّفكير فيها. فمن هؤلاء المعتمدين لهذه الاستراتيجية من يعتبر المطالبة بالمساواة في الميراث « خروجا عن النص وتعدّيا على الأحكام الشرعية التي لا يجوز لأي كان الخوض فيها دون معرفة بأحكام الدين، زيادة على أنّ مثل هذه الدّعاوى غير واقعية وتجرح مشاعر المسلمين لانها تشكّك في عقائدهم. » (جريدة الصّباح التّونسيّة 11 أوت 2006). فمن خصوصيّات هذه الاستراتيجية الخطابيّة أنّها لا تفتح الحوار بل تبادر بغلقه إبّان فتحه، لأنّ الكلام فيما يتعدّى الخطوط الحمراء، خروج عن المرافئ التي يركن إليه الفكر الوثوقيّ. ولأنّ سياسة وضع الخطوط الحمراء سياسة الضّعفاء فكريّا، فإنّ معتمديها كثيرا ما يلجؤون في استدلالهم إلى عكاّزة الشّتيمة والتّشويه، فيختزلون المطالبين بالحقّ في المساواة في صنف واحد هم النّساء المتطرّفات أو المترفات الطّامعات في ثروة آبائهنّ أو المستغربات أو المسترجلات، وقد يصبّون جام غضبهم على « الجمعيّة التّونسيّة للنّساء الدّيمقراطيّات »، وهي جمعيّة تتميّز في العالم العربيّ ببرنامجها الواضح ذي المرجعيّة المدنيّة الوضعيّة وتتميّز بكفاءة عضواتها العالية، فيعنّ لهم تسميتها بـ « جمعيّة النّساء الدّيمقراطيّين »، لمجرّد أنّها تطالب بالمساواة في الميراث وبرفع التّحفّظات على اتّفاقيّة مناهضة جميع أشكال التّمييز. وهذه أساليب عتيقة في « إلجام الخصم » لا تدلّ إلاّ على فقدان الحجّة لدى مستعمليها. فالذي يبصق في وجه خصمه هو الذي لا يملك قوّة كلمة الحقّ، فيعوضها بعنف الإذاية والرّجم. 
ويطال « ممنوع اللّمس » الآيات القرآنيّة، وآية المواريث التي تعتبر « قطعيّة صريحة ». ولكنّ هؤلاء الذين يتعلّلون بوجود نصوص صريحة، ينسون الكمّ الهائل من الآيات القرآنيّة التي أبطل العمل بها لبطلان حكمها نتيجة بطلان علّتها أو لعدم مسايرتها لتطوّرات العصر ومصالح النّاس، منها الآيات التي تتعلّق بالعبيد، وتلك التي تتعلّق بالعقوبات الجسديّة وقانون القصاص ومنع الرّبا.
وهو ما يدلّ على أنّ ما يراد منعه ليس الآيات القرآنيّة بل أمر آخر، هو آخر ما بقي من مظاهر تبجيل الرّجال، وتفضيلهم على النّساء، آخر ما يضمن بقاء ظلال الأسرة التّقليديّة التي يترأسها الرّجل.
والنّوع الثّالث من الحجج يقوم على آليّة الإنكار، وهي آليّة معقّدة تختلف عن الرّفض البسيط. فهي تتمثّل في رفض الاعتراف بمعطى يعتبره الرّافض سلبيّا مع إقراره ضمنيّا أو لاشعوريّا به، بحيث يبقى المعطى السّلبيّ حاضرا ومنفيّا، وينجرّ عن ذلك انشطار وتناقض وتلجلج. والإنكار في هذا الصّدد يتمثّل في رفض مبدإ أفضليّة الرّجال على النّساء والقول بأنّ الإسلام كرم المرأة وساواها بالرّجل، مع الدّفاع في الوقت نفسه عن ميزات الرّجل المنجرّة عن هذا المبدإ : « حيث ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الحق بالميراث من حيث المبدأ لكن عند التفاصيل يدخل في ذلك الكثير من الحقوق والواجبات والتوازنات التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار… » (المرجع نفسه). « التّفاصيل » الذي يذكرها هذا المناهض للمساواة في الميراث ألا تلغي المساواة؟ هل من باب التّفاصيل أن ترث الابنة نصف أخيها الذّكر لمجرّد أنّها أنثى؟ هل مبدأ التّنصيف الذي يحكم المنزلة القانونيّة للمرأة كما بيّنّا هو من باب الفروع التي لا يؤبه بها؟ إنّ العنصر المرفوض لا يذكر، ولكنّه يظلّ محلّ اعتراف ضمنيّ، فيصاب الخطاب بانشطار يصبح فيه التّفكير متهافتا لأنّه يقول ما معناه إنّ الإسلام ساوى بين المرأة والرّجل وإن لم يساو بينهما.
ومن المهمّ أن نميّز بين هذا الموقف القائم على آليّة الإنكار وموقف المفتي السّعوديّ الذي اعتبر المساواة في الميراث كفرا صريحا دون أن ينكر أفضليّة الرّجال على النّساء ودون أن يخفيها. فهو يقول في مجادلته للرّئيس بورقيبة : « سبحانه قد جعل الرّجال قوّامين على النّساء بما فضّلهم اللّه به عليهنّ في الخلق والعقل-كما تقدّم-وبما ينفقونه من الأموال عليهنّ، كما قال : (الآية) فأطلق سبحانه في هذه الآية قيام الرّجال على النّساء. ولم يخصّ ذلك بوقت دون وقت. وهو سبحانه يعلم ما يكون في آخر الزّمان. » (بورقيبة والإسلام، ص217)
نجد في هذا الموقف إطلاقا أصوليّا، وانغلاقا أسطوريّا للأوّل على الآخر، وللبدء على المصير، بحيث أنّ الماضي يكتنز الحاضر والمستقبل، والإرادة الإنسانيّة عديمة لأنّ عينا إلهيّة جبّارة رأت كلّ شيء وقدّرته منذ البداية. هذه الأصوليّة الأسطوريّة تختلف عن الأصوليّة الانتقائيّة التي تحيل إلى المنظومة التّيولوجيّة وتحيل في الوقت نفسه إلى النّموذج الدّيمقراطيّ، فتنكر ما يتعارض مع المنظومة الأخيرة، وتريد أن تبيّن أنّ الإسلام احتوى على المساواة والدّيمقراطيّة وإن كانت مقرّراته متناقضة معها. والأصوليّتان في نهاية المطاف تلتقيان في الحفاظ على اللاّمساواة، إلاّ أنّ الأولى  لم تعد مقبولة عموما إلاّ في أدبيّات تنظيم القاعدة والإسلام الجهاديّ التّكفيريّ، والثّانية تحسب على الاعتدال والتّوسّط، وتمثّل برنامجا لحركات الإسلام السّياسيّ أو لبعض أنصار « النّسويّة » الإسلاميّة. « كيف يمكن الدّفاع على ما لا يحتمل، وكيف يمكن احتمال ما لا يحتمل؟ » هذا ما قاله رجل كان حاضرا  في جلسة نقاش دارت مؤخّرا حول المساواة في الميراث. ما لا يحتمل أو ما لم يعد بالإمكان احتماله هو مبدأ التّنصيف في حقوق المرأة، ومبدأ أفضليّة الرّجال على النّساء في صيغته الصّريحة أو الإنكاريّة. إنّ ما يجعل « ما لايحتمل » محتملا، بل يجعله مصدرا للذّة من نوع خاصّ هو المازوشيّة وقريتنها السّاديّة. المازوشيّة التي تجعل ضحايا اللاّمساواة يتحمّلون هذه المظلمة، والسّاديّة التي تجعل المحظوظين يستمتعون بسلطتهم على ضحايا اللاّمساواة المستمتعين بخضوعهم. فأيّ مجتمع ديمقراطيّ يمكن أن يقوم على السّاديّة المازوشيّة بدل قيامه على علاقات المشاركة والمساواة؟ وأيّ رسائل متناقضة وباعثة على الجنون يمكن أن نوجّهها إلى أبنائنا، عندما نقول لهم إنّ المرأة مساوية للرّجل إلاّ أنّ الرّجل أفضل منها في بعض الأمور؟  نشر في الأوان www.alawan.com


 

« باكالوريا » الرابعة ابتدائي

هذه نتيجة القرارات الفوقية

بقلم محمد عمار قامت وزارة التربية والتكوين خلال الأسابيع القليلة الماضية بتحويرات تهم تلاميذ السنة الرابعة من التعليم الأساسي والمتمثلة في اعتماد « اختبارات موحدة نهاية الثلاثي الثالث » بداية من السنة الدراسية الحالية وفق تراتيب وإجراءات قامت باتخاذها الوزارة المشرفة دون استشارة أهل المهنة. ولعل اللافت للانتباه أن تلميذ العشرة سنوات سيقوم باختبار تقييمي نهاية السنة الدراسية في أربعة مجالات (رياضيات، إيقاظ علمي، دراسة نص بالعربية ودارسة نص بالفرنسية Expression écrite) يتم على إثرها تحديد نجاحه (ارتقائه) أو فشله (رسوبه) حسب معايير معينة قامت الوزارة بنشرها داخل منشور رسمي. فهل هذا الطفل صاحب العشرة سنوات قادر على فهم هذه الطريقة الحسابية لتحديد نجاحه من فشله وماذا سيفعل التلميذ بباقي المواد العلمية والأدبية الأخرى ؟ « الجريدة » اتصلت ببعض الأطراف المعنية بالموضوع وكانت آراؤها كالتالي : منظمة التربية والأسرة تراوحت آراؤها بين مؤيد ورافض حيث يرى أحد إطاراتها أن القرار كان مفاجئا دون استشارة أصحاب الخبرة ويأتي أربعة أشهر قبل نهاية السنة الدراسية وهذا غير معقول. في حين ترى سيدة أخرى أن هذا القرار يعد إيجابيا لأنه سيخفف على التلميذ بعض المواد وسيقع حصرها في أربعة اختبارات فقط. من جهته يرى السيد محمد حليم كاتب عام نقابة التعليم الأساسي أن القرار كان أحادي الجانب حيث لم يقع تشريك المعلمين ونقاباتهم وهذه ليست المرة الأولى، حيث تعتمد الوزارة مبدأ القرارات الفوقية وقد طالبت نقابات التعليم بصفة عامة بتشريكها في الاختيارات التربوية باعتبارهم المعنيين بالأمر أولا وأساسا ولهم من الخبرات والقدرات والكفاءات والتجربة ما يمكنهم من اتخاذ القرارات الأقرب إلى الصواب فهم من يمارس العملية التربوية وهم أكثر التصاقا بالتلاميذ وأعلم باحتياجاتهم وإمكانياتهم، وقد نبه المعلمون ونقاباتهم عبر لوائحهم إلى أن البرامج والطرق البيداغوجية المستعملة لا يمكن إلا أن تؤدي إلى تدني مستوى التلميذ وهذا ما حصل فعلا. والآن، الوزارة تحاول تدارك هذا الضعف بإدخال، حسب قولها، إصلاحات « عاجلة » لكن في الشكل ليس في المضمون لأن المعضلة تكمن في البرامج والطرق البيداغوجية وظروف العمل والتكوين… وكان من الأحرى للوزارة أن تشرك المربين لتشخيص الداء والبحث عن العلاج وهذا ما لم يحدث. ويضيف محدثنا أن الوزارة تخلت عن مناظرة « السيزيام » بتعلة أن تلاميذ السنة السادسة (12 سنة) من غير المعقول إرباكهم ووضعهم تحت ضغوط المناظرة والامتحانات، واختارت (الوزارة) مبدأ الارتقاء الآلي في كل سنوات التعليم الابتدائي وصولا إلى السنة السادسة وها هي الآن تعود إلى المناظرة مع تلاميذ السنة الرابعة (10 سنوات) دون إعداد مسبق لهذا القرار المسقط على التلاميذ والأساتذة وكل الأطراف المعنية. هل أن ما يربك تلاميذ السادسة (12 سنة على الأقل) أصبح لا يربك تلاميذ السنة الرابعة ؟ ذاك هو التناقض بعينه. فهل سيتحسن مستوى التلاميذ بمثل هذا الامتحان المرهق الشبيه بالباكالوريا ؟ ومن الواضح أن هذا القرار يتسم بالتسرع المضر. المعضلة في البرامج وكيفية تسطيرها وإعدادها وملاءمتها مع واقع الطفل وانتظاراته كما هي في الاختيارات البيداغوجية. نقابة التعليم الأساسي ومن ورائها اتحاد الشغل تطالب الوزارة بفتح ملف التربية والتعليم الذي لا يخصها وحدها فهو شأن وطني يهم كل شرائح المجتمع وإخضاعه للتقييم الجدي والمسؤول بتشريك المربين والمجتمع المدني والخبرات لإعداد برنامج يمكن من تحضير الناشئة لاكتساب العلوم والمعارف. (المصدر: صحيفة « الجريدة » (أسبوعية أليكترونية – تونس)، العدد 66 بتاريخ 17 مارس 2007) الرابط:  http://www.gplcom.com/journal/arabe/article.php?article=1607

المثقف والمشروع التحديثي علي المهذبي من جديد على الركح

بقلم المنذر شريط أمام جمهور هام من رجال الفكر والثقافة قدم الأستاذ رضا الملولي منشط نادي « كتب وقضايا » بدار الثفافة ابن خلدون مساء الجمعة 2 مارس، ضيفه المثقف والإعلامي علي المهذبي. افتتح الأستاذ علي المهذبي مداخلته السجالية الساخنة التي جاءت تحت عنوان : « تقاطع الثقافي بالسياسي في المشروع التحديثي التونسي »، بإشارته إلى أننا « نعيش اليوم على إيقاع عصر لم تعد فيه الأمم تتنافس بحسب وزنها الديمغرافي أو حجمها الجغرافي ووفرة ثرواتها الطبيعية بل بابتكارات أبنائها واختراعاتهم وإبداعاتهم وقيمة ما ينتجون وهي عناصر تتوفر باكتساب العلوم والمعارف وتفتح الأذهان وتطور الإنتاج الثقافي وإثراء الرصيد الفكري في مناخ من الطمأنينة والحرية. لأن الحرية هي ضمان الإبداع الجيد والراقي في تفتح الآفاق للتحرر من تراكمات السائد وإدراك جوهر مغامرة الإنسان ». وعن الإبداع قال المهذبي أن الحقيقي والأصيل منه لا يتحقق ولا يزدهر ولا يشع محليا وعالميا في غياب الاعتراف بإنسانية الإنسان. لذا فان تونس حرصت منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي على تخليص الفكر مما لحق به من حصار ومصادرة ومنع ومواجهة حيث حرصت على وضع الضمانات الكفيلة لحمايته. وعن المشروع التحديثي التونسي قال علي المهذبي أن « المشروع التحديثي التونسي فياض بحس الحرية في الفكر والصحافة والإبداع بمختلف أصنافه. ومن دون هذه الحرية ينمو الفكر الظلامي ويتعمق الجهل وينتصر التسطيح والتبسيط وكل ما يستتبع هذا من تهديد للمكتسبات التنويرية وتصاعد للمخاطر التي قد يكون بوسعها أن تدمر بعضا مما نملك وكل ما نعرف وكل ما نحن عليه من سعي نحو التقدم ورغبة جادة في العقلانية وطموح ممتد في بناء مجتمع حر ومسؤول ». وتساءل علي المهذبي هل نحن حداثيون حقا ؟ وفي مقارنته التحليلية للاجابات عن هذا السؤال قال المحاضر : « تزداد الحاجة إلى المثقف الحر والتنويري خاصة بعد اعتداء 23 ديسمبر 2006 الإرهابي ». وفي الواقع تبرز هنا أصالة هذا المفكر والمثقف الذي لا يزال وفيا لخطه الفكري الذي عرفته عن قرب في نهاية الثمانينات حيث زاملته بمجلة « المغرب العربي » لألمح عن قرب تصديه لمسارب الفكر السياسي الظلامي الذي كان يتستر عليه البعض ليحترق بناره مستقلون حقيقيون. مع العلم أنه كان من جملة الحاضرين السيد كمال الحاج ساسي كاتب الدولة لدى وزير الشباب والرياضة والتربية البدنية المكلف بالشباب. ليت شباب علي المهذبي يعود يوما. (المصدر: صحيفة « الجريدة » (أسبوعية أليكترونية – تونس)، العدد 66 بتاريخ 17 مارس 2007) الرابط: http://www.gplcom.com/journal/arabe/article.php?article=1616&gpl=66  

المعدنوس المتعفن بفعل « المليديو » ونقص الإرشاد والتكوين
بقلم سامية الجبالي أثارت حادثة إتلاف كميات هائلة من « المقدونس » أو « المعدنوس » خلال الأسابيع الماضية بسوق الجملة عديد التساؤلات بشأن جودة الخضر والغلال التونسية، خاصة وأنه ومنذ مواسم فارطة يتردد في الشارع التونسي أنها فقدت نكهتها المعهودة. إشكالية الروائح الكريهة المنبعثة من « المعدنوس » والتي نفت سلط الإشراف أن يكون سببها الري بالمياه الآسنة أو المستعملة المعالجة المحجر استغلالها في ري المنتوجات الفلاحية وإنما إصابة مساحات مزروعة « معدنوسا » بمنطقة سليمان وبرج الطويل من ولاية أريانة بمرض « المليديو » الذي يصيب جذور النبتة ويؤثر على فروعها التي تتخمر فتبعث روائح كريهة عند تعرضها للشمس هذه الحادثة ألقت الأضواء مرة أخرى على جودة الغلال والخضر التونسية وأعادت إلى الأذهان شكوكا لطالما رافقت المستهلك التونسي مفادها أن السبب الرئيسي في انعدام نكهة المنتوجات من غلال وخضر يعود إلى استعمال المياه المستعملة للمعالجة في ري المساحات الفلاحية. ولئن كانت سلط الإشراف تنفي هذا المعطى بشدة فإن واقع الحال يفرض حقيقة لا ترقى إلى مستوى الشك وهي فقدان بعض المنتوجات لنكهتها. الجدير بالذكر في هذا الخصوص أن انعدام النكهة في المنتوجات الفلاحية لم يصاحبه نقص في المنتوج فالسياسات الفلاحية المتبعة في هذا المجال مكنت من توفير عرض ملائم على مستوى الأسواق المحلية وحتى الخارجية في أحيان كثيرة. وهنا بالذات لنا أن نتساءل : هل أن تركيزنا على كسب رهان تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتوجات الفلاحية واستغلال مختلف الحصص التعريفية التي توفرها لنا اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، أفقدنا عنصر الجودة ؟ أم هي الوسائل الإنتاجية المعتمدة التي أثرت بشكل كبير على نكهة المنتوج الفلاحي ؟ ما لا يمكن نفيه في هذا الإطار هو أن المستوى الجمالي للخضر والغلال صار متقدما بمعنى أنها أصبحت ملفتة للنظر ولكنه أضحى في بعض الأحيان مظهرا يفتقد إلى المحتوى. الأكيد أن التحديات كبيرة خاصة على مستوى التصدير وهو ما يقتضي الحرص على احترام المواصفات الصحية على وجه الخصوص واستخدام مواد مطابقة للمواصفات المعمول بها على المستوى العالمي وبخاصة توفير العناية اللازمة للمنتوجات فبالاستناد إلى التفسيرات الرسمية التي أجابت عن التساؤل عن أسباب الروائح الكريهة المنبعثة من « المعدنوس » والتي لم تصنع عمليات الإتلاف على مستوى سوق الجملة ووصولا إلى المستهلك. هذه التفسيرات أشارت إلى أن مرض « المليديو » الذي أصاب هذه المنتوجات كان نتيجة إغفال مقاومة من خلال المداواة الوقائية مما أنتج تفشيه في بعض المساحات المزروعة معدنوسا. التفسيرات وإن كان المقصود من ورائها تبرير الحادثة فإنها لن تبرز نقص الإرشاد والتكوين والتحسيس للفلاحين وهو إحدى التوصيات التي أشارت غليها دراسة البنك العالمي حول القطاع الفلاحي في تونس، فإن كان السبب استعمال المياه المعالجة أو إهمال المداواة فإن النتيجة واحدة. (المصدر: صحيفة « الجريدة » (أسبوعية اليكترونية – تونس)، العدد 66 بتاريخ 17 مارس 2007) الرابط: http://www.gplcom.com/journal/arabe/article.php?article=1614&gpl=66

في إحياء الذكرى 53 لمظاهرة صوت الطالب الزيتوني :

وفاء للشهداء وتأصيل للتاريخ الوطني

الأستاذ المربي (في التقاعد) : صالح بن عبد الجليل شهر مارس من كل عام شهر احتفالات الشعب التونسي بذكرياته المجيدة وأعياده الوطنية التي بلغها بعد تضحيات متواصلة ونضال مستمر مدة ثلاثة أرباع قرن وزيادة … ومن الأيام المشهودة في شهر مارس يوم نصفه 15 مارس 1954 انه يوم مشهود في منظومة النضال الوطني المشرف للشعب التونسي بكل فئاته الحيّة وفي مقدمتها الطلبة والتلاميذ، ذلك النضال الذي أدى الى الحرية واستقلال البلاد بكل مؤسساتها وترابها عن سيطرة الاستعمار واستغلال عناصره بمكاسب الشعب المكدود وابتزازهم لثروة البلاد وأراضيها ومناجمها وهيمنتهم على مؤسساتها التعليمية الرسمية وتوجيهها وفق السياسة الاستعمارية الغاشمة والهادفة الى تدمير هوية البلاد وشعبها وتحريف تاريخها وتمزيق وحدتها وسلخها في النهاية عن عروبتها ، ودينها ليسهل ابتلاعها وذهاب ريحها كما جرى بصقلية والأندلس اللتين تشهد آثارهما الزاخرة الآن بما تم فيهما من حضارة إنسانية ونهضة عامة أقامها المسلمون وارتحلوا ولسان حالهم يقول: (تلك آثارنا تَدُلّ علينا .. فانظروا بعدنا إلى الآثار) إن لمنتصف شهر مارس من عام 1954 منزلة عظمي وموقعا متميزا في الذاكرة الوطنية عموما وفي ذاكرة كل أبناء جامع الزيتونة وفروعه من طلبة وتلاميذ ومدرسين كانوا يومذاك يملؤون  ساحة النضال الشعبي للذوذ  عن مقدسات الأمة في مجال التعلم والتعليم والسياسة والاجتماع في المدن والأرياف في العاصمة وبدواخل  الجامع الأعظم وفروعه التي بلغ عددها في 1950 (25 فرعا) في كامل المملكة بشرق الجزائر تستوعب من الشباب العربي المسلم المتعطش لنور العلم والمعرفة في ظل الحرية والكرامة ما يزيد عن (20 ألف طالب) (انظر ص 212 من كتاب الحركة الأدبية والفكرية في تونس…) في حين كان تعداد كامل الشعب التونسي في ذلك الوقت لا يتعدى  2 مليون ونصف نسمة فما أروعهم في ذلك اليوم الأغر من تاريخ التعليم الزيتوني في عهد الاحتلال فكأنني أرمقهم  وهم يتدافعون بالمناكب تغصّ بهم أبواب الجامع الأعظم وتكتظ ساحاته وعرصاته منسابين من فروع العاصمة فرع صاحب الطابع والجامع  اليوسفي والحفصي ومدارس سكناهم كمدرسة الجامع  الجديد بحي الصباغين والمدرسة السليمانية والحسينية الكبرى داخل المدينة العتيقة وهم ينساقون في ازدحامهم المتزايد يحملون لافتاتهم المنادية ببعث تعليم زيتوني قومي عصري في مبان حديثة يعيد للشخصية التونسية المسلمة كرامتها وللأمة الاسلامية عزّها وسيادتها فما أروعهم ينسابون وأصواتهم مرتفعة في عنان السماء بالتهليل والتكبير والهتاف بالشعارات الوطنية والمطالبة للحكومة بتنفيذ وعودها في اقامة مبان جامعية كبرى تؤوي هذا التعليم الاصيل عوض المساجد المجعولة أساسا للصلاة وعبادة الشعب الكريم لله رب العالمين وتمكين تلاميذ الآفاق والدواخل القادمين الى العاصمة  لاستكمال تعلمهم الزيتوني الذي بدؤوه بفروع جهاتهم، تمكين هؤلاء التلاميذ من حق السكنى بأماكن صحية مجهزة بما يحفظ الكرامة ويعين على التعلم في ظروف لائقة تقود مسيرتهم هذه وتنظم تحركاتهم وتتكلم باسمهم لدى  السلطة هيئتهم  الرسمية المنبثقة منهم واسمها لجنة (صوت الطالب الزيتوني) التي أسست في آخر الأربعينات على تقوى من الله ورسوله برعاية زعيمهم الشيخ الفاضل بن عاشور الذي كان آنذاك يرأس المنظمة الشغيلة الأم (الاتحاد التونسي للشغل) الناطقة والمدافعة عن حقوق كل الشغالين التونسيين بالساعد والفكر  الى اليوم والتي تكونت بمساعي رواد الحركة النقابية يقودهم الشهيد الخالد فرحات حشاد في 20 جانفي 1946 في اجتماع تأسيسي مهم في رحاب معهد الجمعية الخلدونية التي يديرها الشيخ الفاضل المذكور (انظر تفاصيل كل هذا في ص 13 من جريدة «الشعب» عدد 812  السبت 7 ماي 2005 . وتوجهت تلك المظاهرة الطالبية الخالصة نحو ساحة الحكومة بالقصبة وبالذات الى وزارة الشؤون الاسلامية مطالبة من خلالها حكومة الباي بتنفيذ ما وعدت به الطلبة والتلاميذ من حقوق مشروعة وأساسية وعادية جدا بمقياس الدراسة والتعليم اليوم ، وما أن وصل المتظاهرون الى الساحة حتى وجدوا البوليس الاستمعاري يحتلها ليمنعهم من الوصول الى غايتهم وتبليغ مطالبهم الى من يهمه الأمر، فأصر المتظاهرون على مطالبهم وصدرت الأوامر الى جندابليس بإطلاق النار على التلاميذ العزل إلا من أصواتهم المادية بحقهم وفعلا نطق البارود إظهارا للقوة الباغية وفرضا لإرادة الحاكمين الطغاة فكانوا بحق ينطبق عليهم قول الشاعر: أسد عليّ وفي الحروب نعامة .. فدخاء تفر من صفير الصّافر وما هي إلا لحظات حتى سقط في ساحة الشرف والفداء شبلان من أشبال الزيتونة هما المرحومان محمد الدهماني ومحمد المرزوقي للذين استشهدا بين أيدي  زملائهم الذين التفوا بهما وحملوهما  الى المدرسة اليوسفية مدرسة الجامع الجديد بالصباغين وجرح وقبض على خلق كثير مهنهم … وإثر هذه المظاهرة الأليمة أخذت الأمور تتعقد وتسوء في سير التعليم الزيتوني بالتحريض على الاضراب عن الدروس والدخول في كفاح عنيف مع الحكومة المصابة  بالصمم  إزاء الحق المشروع والمتذرعة بالتسويف والمماطلة ربحا للوقت ومغالطة للشعب، وفعلا أعلن الاضراب العام عن الدروس في كامل التعليم الزيتوني بالعاصمة والداخل وقوي في التلاميذ والطلبة الاعتداد بأنفسهم كما قوي في الأمة الاعتداد بهم واتسع الأمل في الانتصار على ايديهم وبلوغ النهضة الثقافية العصرية المتكاملة التي هي المطلب الاساسي من سير الاصلاح الزيتوني برمته منذ مطلع القرن 20 والذي كان شجى في حلق الاستعمار لأن اتجاه السياسة الاستعمارية منذ احتلال فرنسا، لتونس إنما كان لغاية معروفة ومدروسة هي سدّ أبواب التطور في وجه الثقافة القومية ومنع اللغة العربية من أن تكون أداة النهضة الفكرية حتى  إذا ألحت عوامل التطور والنهضة على المجتمع التونسي بتقدم الزمن لم يجد اليها سبيلا إلا من الثقافة واللغة الفرنسية فتبقى تونس بذلك مرتبطة ارتباطا  عضويا دائما بفرنسا ولا حل لمشاكلها سوى ذلك (كتاب الحركة الأدبية والفكرية ص 225 ) ودام الإضراب عن الدروس الى أن رضخت السلطة وأقرت بضرورة إيجاد بناية جامعية كبرى لإيواء كل التعليم الزيتوني بشعبتيه العلمية والعصرية وتم وضع حجر الأساس في حفل رسمي بهيج وانجز القسط الأول وهو الجناح  القبلي من كلية الأداب والعلوم الإنسانية بشارع 9 أفريل الآن وأصبح يسمى معهد ابن خلدون الثانوي الزيتوني مع بداية الاستقلال . ولقد كان ينشط ويرأس تلك المنظمة الطالبية الأصيلة (صوت الطالب) أحد وجوه وزعماء طلبة التعليم العالي بجامع الزيتونة وهو الطيب الذكر المحبوب لدى كل الزيتونيين محمد البدوي العامري الذي كتبت عنه قبل عشر سنوات من الآن أي  سنة 1997 الطالبة بسمة عباسي فلسفة موضوعا رائقا بمناسبة أربعينية وفاته في جريدة الصباح يوم 21 نوفمبر 97 يعني في فجر هذا العهد الجديد الذي ردّ بفضل الله وعونه الاعتبار لأهله وذلك بملء الفراغ الذي خلفه العهد السابق في مجالات حيوية عديدة ـ قالت الطالبة أو  أستاذة الفلسفة الآن : بصفتي قارئة وفيّة لجريدة الصباح قمت بترجمة فصل من كتاب «الآيات القرآنية» الصادر بالفرنسية عن دار النشر (البدر) في باريس سنة 1996 والذي خصصه صاحب الكتاب (محمد الهمامي السويبقي ) بحديث عن بعض خصال المرحوم الشيخ محمد البدوي العامري أصيل مدينة تالة والمتوفى يوم 22 أكتوبر 1997 يقول الكاتب : حقا إنه لأمر مؤسف جدّا أن لم أعرفه من قبل ليجنبني انحرافات  فكرية كثيرة بسبب تفكيره الكامل الشامل. إنه رجل عظيم حقا، وقليلون هم الرجال العظام مثله الآن ولعمري إن قمم جبال قريتنا «تالة» الشامخة تنحني إكبارا وفخرا لهذا النجم الذي لا  يكاد ينطفئ نوره ، لقد كانت دروس الشيخ محمد البدوي على غرار دروس الحكيم «سقراط» الشفاهية أكثر مما هي كتابية، وفي أول لقاء جمعني به وجدت نفسي شديد الانبهار بخصاله العديدة والنبيلة فكأنه صلاح الدين الأيوبي في أخلاقه  وحماسه وابن تيمية في استقامته والإمام محمد عبده في  اصلاحه والشيخ الجيلاني في ورعه والمعلم ايفانوف في إقناعه … ويواصل الهمامي قائلا سألته يوما (لأي شيء يهدف القرآن يا شيخ) فأجاب : كل إنسان يصبو الى السعادة والقرآن يوضح لنا الطريق الصحيحة المؤدية اليها. (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) ـ 9 ـ  الإسراء والآيات القرآنية كلها تحذر من هيمنة المشعوذين أو الكهنة وكل من يدعي القدسية للسيطرة على الجماهير مستغلين سذاجتهم وخوفهم، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى  إن من يدرس كتب  القرآن عن كثب لا يجد فيها أبدا روح التعصب والتحجّر الفكري أوالغرور بالنفس والاستعلاء على الغير بل يجد الحق والعدل والخير والجمال … وقد تحدث القرآن عن المتحجرين وشدد عليهم حين ألحقهم بالسوائم الراتعة (إن شرّ الدواب الصمّ البكم الذين لا  يعقلون …)  22 الأنفال ـ أي الذين لا يستعملون مداركهم في فهم الحق كأنهم حيوانات لا تعقل، القرآن بحثنا دائما على النظر العقلي والتدبّر في كل شيء والتروي وترك التعصب  ووزن كل بميزان العقل والنظر لا بميزان الهوى والتحيز (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟) 82 ـ النساء لكن ما الطريق التي هي أقوم كما ذكر القرآن ؟ بقول الله تعالى : (وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون ـ 56 ـ  الذاريات . وكيف يصبح الإنسان سعيدا عن طريق عباد الله ؟ يجيب القرآن : (إن كنتم تحبون الله … يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم …) 31 آل عمران فعندما يسلم الإنسان قلبه الى خالقه أي يخلص في عبادته لربه إخلاصا تاما (وما أمروا إلا ليعبدو الله مخلصين له الدين. 5 البيّنة (هو الحيّ  لا إلاه إلا هو فادعوا مخلصين له الدين…) 65 غافر عندما يكون كذلك فإن الإخلاص للخالق يجلب الى أعماق المخلوق حبّ الخالق ورحمته وعفوه ويُدخل في نفسه النور والطمأنينة والأمان والاحساس بالجمال والتوازن النفسي وكل الايجابيات التي تجعل من الانسان إنسانا سعيدا حقا، وهكذا فإن بالعبادة الخالصة لوجه اللّه  الكريم  يستنير بها  الإنسان ظاهرا وباطنا وهذا لا يمكن أن يحصل بجمع المال والثروات والاستغراق في اللذائد والشهوات المادية الهابطة … ويختم الهمامي كلامه إن سألتني عن السعادة فأحيلك حتما على الشيخ محمد البدوي الذي تظهر سعادته على محياه بسبب الإيمان بالله الذي يملأ قلبه بالإيمان ذلكم هو محمد البدوي الأديب البليغ والخطيب الفصيح والأستاذ المربي رئيس لجنة (صوت الطالب الزيتوني) عاش نصف حياته أي 30 سنة الأولى من الاستقلال لاجئا متغربا في القطر الجزائري الشقيق الى أن جاء العهد الجديد الذي أرجع الاعتبار لأهله. رحمه الله ورحم علماءنا الصادقين وأدباءنا المناضلين والعزة والخلود لله وللوطن بمؤسساته العاملة في الطريق الصحيح. (المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 17 مارس 2007) الرابط: http://www.echaab.info.tn/rubrique.asp?Rub_ID=388&Date=20070317  

إنفلونزا الطيور والإرهاب: جدلية الخطر والوقاية

لطفي الدخلاوي تعددت الأوبئة عبر التاريخ ولطالما هددت مسيرة المجموعات البشرية وعصور ما قبل النهضة الأوروبية تشهد على فتك هذه الأوئبة ببني الإنسان، جارفا أمامه مدنا وقرى وبلدانا بأكملها. ورغم ما عرفته البشرية من تقدم وتطور تكنولوجي وعلمي فإنها بقيت تتململ أمام خطر إنفلونزا الطيور والإرهاب الديني اللذين ظهرا للسياسيين والعلماء وكأنهما من الأوبئة الغامضة الغريبة التي تبث الرّعب والهلع في الأماكن التي تحط بها الرحال. والحالة هذه لا تستثني حتى تلك الدول التي حققت سبقا عظيما في ميداني الاكتشافات العلمية البيولوجية (وأعني التلاقيح والمضادات الحيوية) والديمقراطية وأعني : (حرية التعبير وحقوق الإنسان) . لقد وجدت هذه الدول صعوبات بالغة في  التعامل مع الموقف وحرجا شديدا أمام شعوبها التي بدأت تتذكر شبح الأوبئة والحروب التي شهدها العالم خلال العصور المظلمة. ولمواجهة هذا الحرج خصصت هذه الدول أرصدة خيالية للأبحاث العلمية، وأرصدة أخرى لمزيد نشر الديمقراطية، والغرض من ذلك هو اكتشاف جرعات تحمي كياناتها من هذا الخطر الأعمى وهنالك والحمد لله «مؤشرات وأشياء تعتمل في رحم المختبرات الأوروبية « على حد تعبيرا بن خلدون بتصرف، توحي بأن الأمر أصبح ممكنا وأن البشرية في طريقها الى أستئصال وباء إنفلونزا الطيور.  شخصيا لا أقوى على الفصل بين إنفلونزا الطيور عافانا وعافاكم الله وخطر الإرهاب الطائر ويتأتي هذا التداخل في ذهني لأسباب موضوعية تتعلق بالقواسم المشتركة بين هذين الوباءين. فالطريقة التي يتفشي بها كل منهما واحدة ألا وهي العدوى!! وكذلك سرعة الانتشار، وعدم الاكتفاء بمكان معين من المعمورة أما عن كيفية الوقاية، وهو الاشكال الأكبر فان كان لا مناص من التلاقيح والمضادات الحيوية antibiotiques ومزيد الأبحاث المخبرية بالنسبة لوباءالطيور، فان الجرعة المثالية في نظري ضد عدوى الإرهاب الديني وتسرب سمومه الى أبدان شبابنا تكمن بصورة قطعية في مناهج التعليم وأقصد بذلك أن الشاب التلميذ الذي يتعلم ويتشبع بمعنى الحب من عليسة والوطنية من حنبعل والتسامح والاعتدال من القديس أو أوغستين Augustin   Saint «قديس قرطاج المسيحي الوسطي المعتدل» (محمد الهادي الشريف) والشعر والحياة من أبي القاسم الشابي شاعر الحب والأرض والحياة ويتعلم الهوية الوطنية من حسين بن علي والتعلق بالأرض من كاهنة البربر، هذا الشاب التلميذ والطالب والباحث الأكاديمي أراهن على أنه يكون محصنا بصورة قطعية ضد الانجراف وراء مشاعر التطرف والشعوذة والخوارق. وكخطوة إجرائية أليس من الممكن تخصيص مساحة زمنية أكبر في مناهجنا وبرامجنا التربوية الى مادتي التاريخ والأرض، وتحديدا تاريخ المجتمع التونسي المتماسك والمتسامح والمعتدل في طقوس الدين وفي أشكال الحياة وفي شعائر المحبة. هذه الحقيقة لا غبار عليها في تاريخ القطر ويشهد بها علماء الإجتماع والتاريخ المحليون والأجانب. تونس في نظر أهلها كما في نظر الآخرين أرض التاريخ، أرض الحب والحضارة وما نسجله من مخاوف ـ عابرة ـ  يمكن تلافيها بسهولة مثالية عبر تنشئة شباب متجذر في أرضه وثقافته ومعتزا بهويته الوطنية ومعتزا بانتمائه الى تاريخ قرطاج. وتمكن الجرعة المثالية فقط في التاريخ وإحيائه عند ما لا نحرم التمليذ أو الطالب من الشعب العلمية ـ وهي كثيرة ـ من مادة التاريخ وأقصد تاريخ الوطن وحضارته العريقة ورواده ومصلحيه ومفكريه ومؤرخيه وشعرائه، .صحيح أن مناهج التاريخ في المرحلة الأساسية والثانوية تنحو هذا الاتجاه. لكن الأمر بحاجة الى مزيد النظر بالنسبة الى المساحة الزمنية المخصصة لهذه المادة فهي ضعيفة مقارنة بالزمن الجملي لباقي مواد الدراسة. فعلى سبيل المثال إن المتخصص في البيولوجيا الذي يبحث في مختبره عن مصل أو تلقيح ضد وباء الطيور قد يكون لا سمح الله عرضة لوباء الإرهاب الطائر إذا هو لم يتلق  تكوينا تاريخيا كافيا يمكنه من التجذّر في شخصيته الوطنية. وتونس ولا شك في ذلك تزخر بكفاءات علمية عالية متخصصة في التاريخ ومتفرغة كليا لتعزيز مجهودات علماء البيولوجيا وقادرة على أن تتمكن من تحقيق الوقاية واكتشاف الجرعة المناسبة لوباء إنفلونزا الإرهاب المتأتي أساسا من الجهل بالتاريخ. (المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 17 مارس 2007) الرابط: http://www.echaab.info.tn/rubrique.asp?Rub_ID=388&Date=20070317

منتــــــــدى الذاكــــــــرة الوطنيــــــــــة: حديــث عن مشاركـــة بنــزرت فـي المعركـــة التحريريّـــة

كيف قام محمد الصالح براطلي بتجميع القنابل اليدوية وترويع المستعمر؟

تونس – الصباح على منبر الذاكرة الوطنية بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات التي يديرها المؤرخ عبد الجليل التميمي، تحدّث أمس باحث في تاريخ الحركة الوطنية وعدد من المناضلين عن مشاركة بنزرت في المعركة التحريرية.. وتحدث بعضهم عن محمد الصالح براطلي الذي قام بتصنيع أول قنبلة يدوية وانتهزت «الصباح» فرصة حضوره في هذا المنتدى واستفسرته في حديث خاطف معه عن التفاصيل.. فقال: «نعم صنعت أول قنبلة يدوية وكنت وقتها دستوريا ومنخرطا في الحزب وحينما اندلعت معركة جانفي 1952 كنت في بنزرت وبعد المظاهرة التي وقعت وقتها تحدثت مع صديق يدعى أحمد بن صابر وفكرنا في البحث عن الديناميت وتوجهت إلى صيادي السمك نظرا لتوفر هذه المادة لديهم وابتعتها منهم وجمعت علب طماطم تسع كيلوغراما وصنعت قنابل يدوية قبل انطلاق المظاهرات في العاصمة..  وأذكر أنني حاولت تجربتها ذات ليلة في حدود الثانية فجرا فانطلقت منها أصوات مدوية بعثت الرعب في الناس وأقلقت السلطات الاستعمارية في بنزرت التي حاولت التوصل على صاحب الفعلة لكن مساعيها خابت». وأضاف: «لما علم الحزب في تونس بهذه المسالة أرسل الديوان السياسي الدستوري محمد دربال للبحث عني..  وحينما التقيته دعاني للرحيل إلى تونس وهكذا أصبحت أصنع القنابل وأوزعها على العصابات وبقيت على هذا الحال إلى غاية شهر نوفمبر 1952 وبعدها هربت من تونس وبرفقتي المناضل علي بن سالم الذي عمل بدوره على تصنيع القنابل في جهة بنزرت ونفذ عملية خطيرة وكبيرة في مكتب بريد بنزرت وأدى ذلك إلى حصول مواجهة مع السلطات الفرنسية وشاهدنا كيف كان البوليس يعامل المواطنين بقساوة ويقبض عليهم دون ذنب وفي ظرف شهر تم القبض على أغلبية المناضلين بينما تمكنت أنا وعلي بن سالم من الفرار إلى ليبيا وبقينا هناك ولم نرجع إلا بعد استقلال البلاد..  أذكر أننا قمنا بدور هام في بنزرت والعاصمة وكان قائدنا في بنزرت المناضل محمد دربال رئيس شعبة دستورية في بنزرت شجاعا ومقداما رغم كبر سنه». وقال الأستاذ محمد صالح فليس منسق اللقاء المنتظم حول مساهمة بنزرت في الحركة الوطنية إنه سيقع تنظيم منبر ثان حول معركة بنزرت..  ولاحظ أن منطقة بنزرت حازت في المشروع الاستعماري الفرنسي على مكانة متميزة في استراتيجيتها نظرا لمكانها في المتوسط وكانت كما يذهب إلى ذلك جول فيري مبررا كافيا لفرنسا لكي تحتل تونس وكان دي قول يرى أن فرنسا بقدر استعدادها لتنفيذ طلبات التونسيين فإنها لا تقبل أي تفاوض حول بنزرت..  وبين أن جهة بنزرت تضررت كثيرا عندما غيّب عن قصد الإسهام المتميز لمناضليها أمثال الحبيب بوقطفة وحسن النوري وأحمد بن صابر ومحمد دربال وعثمان بن عيسى وعلي المعاوي وغيرهم. مصائب سلط المناضل علي بن سالم الأضواء على مساهمات بنزرت في النضال وخاصة بتاريخ 13 جانفي سنة 1952 وتحدث في مدخل شهادته عن المصائب التي حلت بالشعب التونسي جراء تعاونه مع الألمان..  حيث انتقم منه الفرنسيون شر انتقام وأبادوا الكثير من الرجال بتهمة التعاون مع الجيش النازي وفعلوا ذلك دون محاكمات وشوهدت مجازر شنيعة في عديد جهات البلاد من الجنوب وصولا إلى باب سويقة وباب سعدون وذلك إلى جانب حوادث الاغتصاب وغيرها من الاعتداءات وتحدّث المناضل عن خطاب بورقيبة الذي ألقاه في بنزرت في 13 جانفي    1952 وكان بمثابة إعلان المواجهة بين الشعب والمستعمر وقال إن  الشعب التونسي كان في المستوى وكانت بنزرت وقتها رمزا وكثرت فيها المظاهرات والمصادمات..  وبين أن محمد الصالح براطلي قام ذات ليلة بتفجير الفوشيك فاستيقظ الناس مذعورين وانهالوا شتما وسبا ودعاء بالشر على صاحب الفعلة..  كما حدث تفجير في ثكنة الجيش..  وتفجيرات في عدة مناطق أخرى وكانت آخر عملية مواجهة في مكتب البريد. نضال في مونبليي بفرنسا تطرق الدكتور رشيد التّراس إلى عدة محاور وهي الدوافع المغذية للروح الوطنية في بنزرت والنشاط السياسي الذي قام به ورفاقه والمعركة الحاسمة ونشاطه في منبيليي وباريس وبنزرت بعد عودته إلى أرض الوطن..  وبين أنه يخير الحديث عن حرب بنزرت وليس معركة بنزرت لأن كلمة حرب أبلغ بكثير فالبلدة كان يهيمن عليها المستعمر بشراسة ويوجد فيها 20 ألف جندي فرنسي إلى جانب المدنيين الذين يعملون في الإدارات وغيرها وكانت أغلب عمارات المدينة الحديثة على ملك الأجانب  وهو ما غذى الروح الوطنية لديه.. وعن النشاط السياسي بين أنه انخرط في الحزب الحر الدستوري التونسي منذ سنة 1947 ولديه بطاقة انخراط في الحزب تعود إلى ستين سنة خلت وهو يشعر بالفخر حينما يشاهدها وكان رئيس منظمة التلامذة بالمعهد الثانوي ببنزرت والمسؤول عن حركة الإضرابات به سنة 1952 مما تسبب له في السجن والطرد من جميع معاهد تونس وحينما تحول لاتمام تعليمه في فرنسا كان شاهدا وفاعلا في الحركة الوطنية بمونبليي وباريس خلال فترة  1952-1958 فهو الرئيس المؤسس لشعبة مونبليي الدستورية بفرنسا سنة 1954 والرئيس المؤسس لفرع مونبليي للاتحاد العام لطلبة تونس وكان عدد التونسيين في هذه الجامعة قرابة 60 طالبا نجد 40 طالبا من صفاقس وقلة من جهات أخرى..  وحينما انتقل إلى باريس واصل نشاطه وكان الكاتب العام لشعبة باريس الدستورية والكاتب العام المساعد للجامعة الدستورية بباريس.. وبعد إنهاء دراسته في فرنسا عاد إلى بنزرت حيث أصبح عضوا باللجنة العليا للشبيبة الدستورية وقام برحلة إلى الصين وترأس النادي الرياضي البنزرتي وكذلك بلدية بنزرت أثناء معركة الجلاء خلال فترة 1960ـ 1963 حيث كانت المعارك متواصلة سنة كاملة في مدينة مقسمة بالأسلاك الشائكة نصف فيه الجيش التونسي ونصف آخر يحتله الجيش الاستعماري. مساهمة ماطر ألقى الأستاذ محمد الصالح النّهدي أضواء على دور منطقة ماطر في الحركة الوطنية وقال «عملت مجموعة من المناضلين على رأسها حمودة بن ميهوب على تكوين شعبة دستورية وبعدها خرج بن ميهوب ورفاقه إلى عدة مدن أخرى ببنزرت وركزوا فيها شعبا..  وبعدها توجه إلى الشمال الغربي (الكاف وتبرسق وباجة وسليانة ومكثر) حيث كون شعبا دستورية. وتحدث عن النشاط الاجتماعي في مدينة ماطر وخاصة ظهور النادي الأهلي الذي كون جمعية خيرية إسلامية لمساعدة الفقراء وفتح مصانع للنجارة والحدادة والأحذية اشتغل فيها الكثير من أبناء البلدة وتأسست أول نقابة سنة 1924 وتأسست شبيبة دستورية.. وبين أن الفرنسيين المقيمين في ماطر كانوا يحتفلون بعيدهم الوطني في الشوارع وكانوا يرفّهون عن أنفسهم و يتسلّون بمشهد الأطفال التونسيين الذين يلبسونهم «أكياس الخيشة»..  وهو ما حزّ في نفوس الأهالي فاخذوا يرمونهم بالحجارة من فوق السطوح لذلك اختفت هذه العادة السيئة كما تصدى الوطنيون للنشاط الصهيوني وخرجت مظاهرة من ماطر نحو المعبد اليهودي عام 1946 وعند إعدام عمر المختار حصلت مظاهرة كبيرة في ماطر وتمت مهاجمة الإيطاليين وأملاكهم وتحدث عن موقف الشعبة من التجنيس وقال «لقد تسلح أهل ماطر برأي مفتي بنزرت الشيخ إدريس». وتحدث عن موالاة ماطر للحزب القديم والشيخ عبد العزيز الثعالبي وعندما زار الثعالبي البلدة سنة 1937 انطلقت رصاصة خلال الاجتماع وقتلت شيخا يدعى سعد بن الحاج مختار وأسفرت عن عشرين جريحا ودعا الثعالبي إلى عدم التطاحن مع الحزب الجديد..  وبقيت ماطر وفية للحزب القديم. ولدى حديثه عن النشاط النقابي بين أنه تم تكوين أول فرع في النقابة عام 1924 وأن وفد ماطر شارك في المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل.. وعن زيارة بورقيبة لماطر عام 1950 قال لقد أشيع أن بورقيبة ضرب بالطماطم ولكن هذا ليس صحيحا.. وتحدث عن مظاهرة 9 جانفي 1952 العارمة التي سقط فيها 11 شهيدا وعن معركة وادي الشعير. وزراء من بنزرت تحدث السيد محمد علي القارصي عن تمثيلية بنزرت على مستوى الحكومات التونسية من سنة 1956 إلى سنة 1987 وبين أن نسبة البنزرتيين تعادل 4 فاصل 4 بالمائة أي ستة وزراء فحسب وهم حسان بالخوجة وفتحية مزالي ورضا حمزة ومحجوب بن علي وحسين الشريف والعربي الملاخ وكانت بنزرت من بين الولايات الأربع الأقل تمثيلا وفي المقابل نجد ربع الوزراء من المنستير التي تعد 4 بالمائة فقط من سكان البلاد. وخلال المنتدى قدّم الباحث في تاريخ الحركة الوطنية ببنزرت فوزي الصدقاوي ابن المناضل قدور الصدقاوي بسطة عن تاريخ بنزرت من 1924 إلى سنة 1944.. وتطرق إلى عدة عناصر ففي ما يتعلق بإعتصامات سنة 1924 بيّن أنها كانت عنيفة جدا انتهت بمقتل العربي الكوني ومبروك الدّاهش وشملت أعدادا غفيرة من العملة خاصة عملة الرصيف. وعن قضية التجنيس بين أن أهالي بنزرت تصدّوا بعنف شديد للمتجنسين ورفضوا دفنهم في المقابر الإسلامية وتسبب ذلك في حصول صدامات كبيرة..  وعن الحركة الدستورية والنقابية بين أنه تكونت الكثير من النقابات وأن الحركة النقابية والسياسية في بنزرت لعبت دورا مهما حتى أن بورقيبة كتب في إحدى رسائله أنه يعول كثيرا على حسن النوري وكانت مرحلة 1936 و1938 مهمة تاريخيا وكانت الحركة النقابية والدستورية في صائفة 1937 تتحرك بالتنسيق مع الديوان السياسي..  وبعد إبعاد حسن النوري والحبيب بوقطفة تم حل النقابات ونجحت الإقامة العامة في الحصول على مساندة العرش لسياستها القمعية وحرص المقيم العام على مواجهة الحزب من خلال حملة صحفية ترمي لمواجهة ما ادعى بأنهم يرومون إلى خلق اضطرابات مشبوهة. سعيدة بوهلال (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 18 مارس 2007)
 

انتخابات موريتانيا تعكر مزاج الحكومات وتُنعش آمال التغيير

تونس – رشيد خشانة ظلت موريتانيا دائما العضو المُهمّـش في المغرب العربي، ليس فقط بسبب وجودها في مكان قصي هو أقرب إلى إفريقيا السوداء منه إلى إفريقيا العربية، وإنما أيضا بسبب قساوة الطبيعة التي جعلتها من أقل بلدان المنطقة ثروات، عدا الحديد. وزادت قلة السكان من تخفيف ثقلها في الموازين الإقليمية، وخاصة منذ انسحابها من صراع الصحراء الغربية في أواخر السبعينات، في أعقاب الإطاحة بأول رئيس للجمهورية الراحل مختار ولد داداه. لكن مسارها الديمقراطي قد يمنحها وضعا جديدا في المنطقة. منذ استقلالها، لم تستقبل موريتانيا أي قمة عربية واكتفت بقمة واحدة لاتحاد المغرب العربي، غاب عنها زعيمان وحضر اثنان فقط، بالإضافة للرئيس معاوية ولد أحمد الطايع (اللاجئ حاليا في قطر بعدما خلعه الجيش في أغسطس 2005)، كل هذه العناصر الجغرافية والسكانية والسياسية، زيادة على ضعف مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، قبل اكتشاف النفط أخيرا، جعلت هذا البلد المترامي الأطراف بين الصحراء والمحيط الأطلسي، أبعد ما يكون عن اتخاذه أنموذجا يقتدي به أشقاؤه المغاربيون. لكن برنامج المجلس العسكري الانتقالي، الذي تزعّـمه العقيد أعلي ولد محمد فال بعد الإطاحة بولد الطايع (من دون إراقة قطرة دم واحدة)، ألقى موجة من الأصداء اللاّسعة في أذهان الحكومات المغاربية، التي شعرت بقلق من مآلات هذه الرسالة الموريتانية المُحرجة. وقالت شخصية مُقرّبة من إحدى الحكومات المغاربية، « كان هناك غموض في شأن ما يعتزم المجلس الجديد إنجازه، بل حتى في شأن طابعه الانتقالي أو الإنتقالي – الدائم، كما هو حال المجالس المشابهة في العالم العربي »، إلا أن تسمية الهيئة الإنقلابية « المجلس العسكري من أجل العدالة والديمقراطية »، والتي لم تختر المصطلحات المعهودة مثل « حكومة الإنقاذ » و »مجلس قيادة الثورة » و »حركة التصحيح »، عكست برنامجا مختلفا، عنوانه المُعلن « الديمقراطية »، مما عزّز المخاوف في الأوساط الرسمية المغاربية، وخاصة بعدما تعهّـد ولد فال بمغادرة الحُـكم فور استكمال أهداف المرحلة الانتقالية. من هُنا، بدأت الهواجس تكبر والقلق يتعمّـق من ظهور طفل « رهيب » في المنطقة يخرج عن السرب، وأوضحت الشخصية المغاربية أن العقيد ولد فال قرّر الجولة المغاربية، التي قام بها العام الماضي، في ضوء شعوره بتصاعد القلق لدى حكومات المنطقة، أملا بتهدئتها وطمأنتها بأن موريتانيا لا تنوي تصدير ثورتها الديمقراطية إلى الجيران. مع ذلك، لم تكن التطمينات كافية لتهدئة روع الحُكّـام، الذين ظلوا مُوقنين في قرارة أنفسهم أن المخاطرة بإطلاق العِـنان للشارع، « ستعطي الفرصة للمتشدّدين كي يطفوا على السطح ويمسكوا بالسلك الذي يمس عصب المجتمع »، مثلما قال رئيس عربي لولد فال. هزة قوية للحكومات المغاربية ولعل الزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي كان أكثر الزعماء صراحة ووضوحا في التعبير عن التبرم بالتطورات الجارية في موريتانيا. فخلال استقباله العقيد ولد فال، الذي أدى زيارة رسمية لليبيا كرست المصالحة بين البلدين، لم يُخف ضيقه من الإقدام على « تجربة منفلتة »، في إشارة إلى الانتخابات الحُـرة، التي شرح الضيف أطوارها الثلاثة، أي انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ والرئاسية. وظل التقدم نحو تنفيذ البرنامج المُعلن للمجلس الانتقالي، يُبدِّد آمال الحكومات المغاربية بأن تكون العملية هزل في هزل، وعززت لديها القناعة بأن ولد فال والفريق المُساند له لن يتراجعا عن تعهداتهما. وفي الوقت نفسه، بدأت النُخب المغاربية، وخاصة الأحزاب والرأي العام المهموم بالشأن السياسي، يضع آماله في هذه التجربة، التي بدا طعمها مُختلفا عن التجارب المُخيِّـبة السابقة، ربّـما بسبب خصوصيات البيئة الموريتانية. وشد المسار اهتمام الأحزاب المغاربية مع توالي تطبيق التعهدات التي قطعها المجلس الانتقالي على نفسه، وقال أحمد بيطاطاش، القيادي في جبهة القوى الاشتراكية الجزائرية، التي يتزعّـمها حسين آيت أحمد (المقيم بسويسرا) لسويس أنفو: « إن الانعطاف الذي حصل في متابعته للمسار الموريتاني، حصل مع تبنّـي دستور ديمقراطي في استفتاء شعبي بنسبة قاربت 50% في يونيو من العام الماضي، وتعزّز مع الإنتخابات التشريعية والبلدية التعددية، التي أجريت في نوفمبر، ثم انتخابات مجلس الشيوخ التي تلتها في مسيرة من دون مشاكل، تُوجت بالانتخابات الرئاسية ». في المقابل، شكّـلت الانتخابات التي ترشّـحت لها 19 شخصية والتزم المجلس العسكري فيها بالحياد، هزّة قوية لمشاعر الحكومات المغاربية، التي رأت فيها نوعا من التحدي، وظهر ذلك في سخرية العقيد القذافي، الذي لم يُحقِـر من شأن الانتخابات فحسب، بل استهزأ بالبلد وأهله. درس القذافي للموريتانيين والأفارقة كان القذافي يتصدّر المنصّـة الشرفية في مدينة سبها يوم الجمعة 2 مارس الجاري وإلى يمينه الرئيس التشادي إدريس ديبي وإلى يساره رئيس النيجر طانغا ورئيس أوغندا موسيفيني في ذروة الاحتفالات بـ « العيد الثلاثين لقيام سلطة الشعب »، أي قيام الحُـكم « الجماهيري »، الذي اعتبره تجاوزا للديمقراطية الغربية، وبتعبير آخر، كان الإطار مناسبا لتصفية الحساب مع المسار الانتقالي في موريتانيا، من خلال وضع الآليات الديمقراطية في قفص الاتهام. وعلى رغم أن الزعيم الليبي بدا مَـيالا لارتجال خطابه، إذ لم يكن يقرأ من أوراق، فإن كل عبارة في كلامه كانت مدروسة ومُعدّة سلفا. فقبل التعرض لموريتانيا بالاسم، هاجم من سمّـاهم بـ « أعداء الداخل »، مشدِّدا على ضرورة تفويت الفرصة على « اللصوص والمجرمين والسفهاء وغير المسؤولين والطامعين في أن يُخرّبوا الجبهة الداخلية »، بواسطة شعارات الديمقراطية. وطفق يستعرض المسارات التي أوصلت الرؤساء الجالسين على جانبيه إلى سدّة الحكم، من دون مراعاة آداب الضيافة، فقال « طبعا الإخوة الذين هم إلى جانبي عندهم انتخابات، والبعض منهم عندهم أحزاب، لكن هؤلاء أجبِـروا من الغرب ومن صندوق النقد الدولي ومن المصرف الدولي ومن المانحين، الذين قالوا لهم لازم تعملوا تعدّدية وتعملوا انتخابات في إفريقيا… قالوا لهم، إما أن تعملوا هذا مثلنا، وإلا فلن نعطيكم قروضا ولا مِـنحا ولا مساعدات، فاضطروا إلى أن يعملوا شيئا من هذا ». وزاد شارحا، « فموسيفيني لم تأت به الناس ولم تقل له خُـذ أصواتنا حتى تبقى رئيسا، هو منقذ أوغندا وقام بثورة لتحريرها، وكان يمكن أن يبقى، لكن ماذا قالوا له؟ قالوا: لابد أن تعمل انتخابات لأن الموضة السائدة هكذا ». وأضاف، « الرئيس إدريس (ديبي) أتى بالثورة على دكتاتورية حسين هبري وحرر تشاد، وكان يمكن أن يبقى. والرئيس طانغا، عمل مع مجموعة من الضباط انقلابا عسكريا على النظام، الذي كانوا يعتقدون أنه رجعي، وبعد ذلك، دخلت عليهم هم أيضا التعدّدية والحزبية، وشكّـل كل واحد حزبا، وبعدها ترشح فاختاره الشعب النيجري ». هكذا اقترب من الموضوع الموريتاني ليُـمهد له بسؤال إنكاري مفاده « ما دامت هذه الانتخابات والأحزاب مَـهزلة، فمن لا زال يقبل بها، خاصة بعد أن انعتق الشعب ووصل الناس (إلى مستوى) إدارة كل أمورها الداخلية والخارجية بنفسها »؟ وانتقل بالتدرج إلى بيت القصيد، وهو أن « حكاية الانتخابات والأحزاب، حاجة بَـهدَلة… فالناس مثل السُّـكارى ماشية جاية مع الشوارع في موريتانيا… ناس مضْـيَعة الوقت ». وتطوع بمزيد من الشرح قائلا « موريتانيا، التي هي فقيرة وتَـعبانة، دخَلوها في الأحزاب… رأيتم البَـهادل؟ الموريتانيون قبائل، ناس بَـدو لا يعرفون الأحزاب ولا الإنتخابات… دخـَلوهم فيها، والناس ماشية جاية في شوارع نواكشوط وغيرها… مسيرة ماشية في هذا الاتجاه ومسيرة أخرى ضدها، وناس رافعين صورة هذا، وناس رافعين صورة واحد آخر. يعني مهزلة، هذه مسخرة، لما ترى حالة الشعوب وهي ماشية جاية ». وطبعا تخلّـص القذافي إلى إعطاء درس للموريتانيين وسائر الأفارقة في محاسن النظام « الجماهيري ». مفاجأة المستقبل الموريتاني ثارت ثائرة الموريتانيين في جميع الأوساط على هذا التحقير لبلدهم والاستهزاء بتجربتهم الديمقراطية، فاستدعت الخارجية الموريتانية القائم بالأعمال الليبي مصطفى أحمد وأبلغته رسميا احتجاجها على تصريحات القذافي. وتقدم الوزير الأول سيدي محمد ولد بوبكر إلى ناصية الركح، مُذكّـرا بأن « الشعب الموريتاني، هو صاحب الاختيار وقد اختار النّـهج الديمقراطي للممارسة السلطة ». وقال ولد بوبكر لقناة « الجزيرة » في عبارات مزجت بين الحنق والمرارة « الشعب الموريتاني هو صاحب الاختيار وقد اختار النهج الديمقراطي لممارسة السلطة ». وكشف مصدر موريتاني لسويس أنفو، أن خطوة قطع العلاقات مع ليبيا كانت خيارا مطروحا بجدّية، لكن الغالبية رأت أن لا جدوى من العودة إلى مسلسل القطيعة والمصالحة، فاستُبعد قرار قطع العلاقات أو سحب السفير الموريتاني من طرابلس. ولم يكن الموقف الشعبي أقلّ حدّة من موقف الحكومة، بل على العكس، إذ بثت الإذاعة تعاليق لوجوه من النّـخبة وزعماء سياسيين انتقدوا الزعيم الليبي الذي قالوا، إنه « يقود نظاما هجينا أقرب للفوضى العارمة منه لنظام سياسي معقول »، ورأى بعضهم أن القذافي « يحسِـد موريتانيا على تجربتها الديمقراطية الرائدة، التي تشكل اليوم نموذجا يُحتذى في العالم العربي، بينما يشكِّـل نظام القذافي الحالة الشاذة الوحيدة ». واللافت أن الموريتانيين ليسوا وحدهم الذين يرون في مسارهم الانتقالي نحو الديمقراطية تجربة نموذجية، فالنُخب المغاربية الأخرى تُشاطرهم هذا الرأي وقد أعلنته في التعاليق التي أعقبت الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، سواء في الجزائر أو تونس أو المغرب. فموفد إحدى الصحف الجزائرية ُفُضيل بومالة، التقط أسباب نجاح العسكر في ضمان الانتقال الديمقراطي السِّـلمي، والمتمثلة في قبولهم بإعطاء الأولوية للسياسيين على الجيش والتمهيد لتسليمهم المقاليد عبر مراحل واضحة، وشدّد على أن الهدف النهائي من المسار الذي يُتوِج بالدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم 25 مارس القادم، يتمثل في منع العودة إلى الحزب – الدولة الذي طبع المرحلة « السوفييتية » في بلدان المنطقة. وأشارت تعاليق أخرى إلى أن ما قطعته موريتانيا في سنتين، فاق ما حققته في أربعين عاما منذ الاستقلال على صعيد التطور السياسي وتجديد مؤسسات الدولة. ونُلاحظ انتشار الانطباع نفسه لدى النخب التونسية، التي تعاطت بكثير من الحماس والأمل مع التطورات الجارية في موريتانيا إلى درجة يمكن معها القول أن المفاجأة الموريتانية « أنعشت » الأمل لديها بتغيير أوضاعها يوما ما. وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة « مواطنون » الأسبوعية المعارضة، أن حياد الجيش أفسح المجال لأول مرة لانتخابات ديمقراطية، وقالت إن « مكافحة الفساد المالي والإداري وملف حقوق الإنسان والحريات، تحتل أولويات العملية الديمقراطية في موريتانيا، إضافة إلى ما ينتظره الشارع من نتائج تدفع عجلة التنمية في البلاد ». كما لوحظ أن عدة تعاليق أشارت إلى احتمال تخوف الحكومات المغاربية من انتشار « العدوى الديمقراطية » في المنطقة، انطلاقا من النموذج الموريتاني. لكن المفارقة المغاربية التي أفرزتها الانتخابات الموريتانية، لا تقتصر فقط على الضيق الرسمي من المسار مقابل الترحيب الشعبي، وإنما تشمل أيضا بُـعدا آخر خارجيا، هو التقدير الذي لاقاه مسار « المجلس العسكري من أجل العدالة والديمقراطية » لدى المجتمع الدولي، لوفائه لنهج الحريات وإعادته السلطة للمدنيين، مقابل التحفظ العربي والمغاربي في الدرجة الأولى. وعلى رغم أن كثيرا من الجيران يستهِـينون بأبعاد الدرس الموريتاني لضعف وزن البلد الاقتصادي، فإن الخبراء الاقتصاديين يؤكِّـدون أن شأنه، حتى على هذا الصعيد، سيكون مفاجأة أخرى في المستقبل بعد الاكتشافات النفطية الهامة المسجلة في الآونة الأخيرة. (المصدر: موقع « سويس إنفو » (سويسرا) بتاريخ 18 مارس 2007)

 

انتخابات موريتانيا تعكر مزاج الحكومات وتُنعش آمال التغيير

 
تونس – رشيد خشانة ظلت موريتانيا دائما العضو المُهمّـش في المغرب العربي، ليس فقط بسبب وجودها في مكان قصي هو أقرب إلى إفريقيا السوداء منه إلى إفريقيا العربية، وإنما أيضا بسبب قساوة الطبيعة التي جعلتها من أقل بلدان المنطقة ثروات، عدا الحديد. وزادت قلة السكان من تخفيف ثقلها في الموازين الإقليمية، وخاصة منذ انسحابها من صراع الصحراء الغربية في أواخر السبعينات، في أعقاب الإطاحة بأول رئيس للجمهورية الراحل مختار ولد داداه. لكن مسارها الديمقراطي قد يمنحها وضعا جديدا في المنطقة. منذ استقلالها، لم تستقبل موريتانيا أي قمة عربية واكتفت بقمة واحدة لاتحاد المغرب العربي، غاب عنها زعيمان وحضر اثنان فقط، بالإضافة للرئيس معاوية ولد أحمد الطايع (اللاجئ حاليا في قطر بعدما خلعه الجيش في أغسطس 2005)، كل هذه العناصر الجغرافية والسكانية والسياسية، زيادة على ضعف مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، قبل اكتشاف النفط أخيرا، جعلت هذا البلد المترامي الأطراف بين الصحراء والمحيط الأطلسي، أبعد ما يكون عن اتخاذه أنموذجا يقتدي به أشقاؤه المغاربيون. لكن برنامج المجلس العسكري الانتقالي، الذي تزعّـمه العقيد أعلي ولد محمد فال بعد الإطاحة بولد الطايع (من دون إراقة قطرة دم واحدة)، ألقى موجة من الأصداء اللاّسعة في أذهان الحكومات المغاربية، التي شعرت بقلق من مآلات هذه الرسالة الموريتانية المُحرجة. وقالت شخصية مُقرّبة من إحدى الحكومات المغاربية، « كان هناك غموض في شأن ما يعتزم المجلس الجديد إنجازه، بل حتى في شأن طابعه الانتقالي أو الإنتقالي – الدائم، كما هو حال المجالس المشابهة في العالم العربي »، إلا أن تسمية الهيئة الإنقلابية « المجلس العسكري من أجل العدالة والديمقراطية »، والتي لم تختر المصطلحات المعهودة مثل « حكومة الإنقاذ » و »مجلس قيادة الثورة » و »حركة التصحيح »، عكست برنامجا مختلفا، عنوانه المُعلن « الديمقراطية »، مما عزّز المخاوف في الأوساط الرسمية المغاربية، وخاصة بعدما تعهّـد ولد فال بمغادرة الحُـكم فور استكمال أهداف المرحلة الانتقالية. من هُنا، بدأت الهواجس تكبر والقلق يتعمّـق من ظهور طفل « رهيب » في المنطقة يخرج عن السرب، وأوضحت الشخصية المغاربية أن العقيد ولد فال قرّر الجولة المغاربية، التي قام بها العام الماضي، في ضوء شعوره بتصاعد القلق لدى حكومات المنطقة، أملا بتهدئتها وطمأنتها بأن موريتانيا لا تنوي تصدير ثورتها الديمقراطية إلى الجيران. مع ذلك، لم تكن التطمينات كافية لتهدئة روع الحُكّـام، الذين ظلوا مُوقنين في قرارة أنفسهم أن المخاطرة بإطلاق العِـنان للشارع، « ستعطي الفرصة للمتشدّدين كي يطفوا على السطح ويمسكوا بالسلك الذي يمس عصب المجتمع »، مثلما قال رئيس عربي لولد فال. هزة قوية للحكومات المغاربية ولعل الزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي كان أكثر الزعماء صراحة ووضوحا في التعبير عن التبرم بالتطورات الجارية في موريتانيا. فخلال استقباله العقيد ولد فال، الذي أدى زيارة رسمية لليبيا كرست المصالحة بين البلدين، لم يُخف ضيقه من الإقدام على « تجربة منفلتة »، في إشارة إلى الانتخابات الحُـرة، التي شرح الضيف أطوارها الثلاثة، أي انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ والرئاسية. وظل التقدم نحو تنفيذ البرنامج المُعلن للمجلس الانتقالي، يُبدِّد آمال الحكومات المغاربية بأن تكون العملية هزل في هزل، وعززت لديها القناعة بأن ولد فال والفريق المُساند له لن يتراجعا عن تعهداتهما. وفي الوقت نفسه، بدأت النُخب المغاربية، وخاصة الأحزاب والرأي العام المهموم بالشأن السياسي، يضع آماله في هذه التجربة، التي بدا طعمها مُختلفا عن التجارب المُخيِّـبة السابقة، ربّـما بسبب خصوصيات البيئة الموريتانية. وشد المسار اهتمام الأحزاب المغاربية مع توالي تطبيق التعهدات التي قطعها المجلس الانتقالي على نفسه، وقال أحمد بيطاطاش، القيادي في جبهة القوى الاشتراكية الجزائرية، التي يتزعّـمها حسين آيت أحمد (المقيم بسويسرا) لسويس أنفو: « إن الانعطاف الذي حصل في متابعته للمسار الموريتاني، حصل مع تبنّـي دستور ديمقراطي في استفتاء شعبي بنسبة قاربت 50% في يونيو من العام الماضي، وتعزّز مع الإنتخابات التشريعية والبلدية التعددية، التي أجريت في نوفمبر، ثم انتخابات مجلس الشيوخ التي تلتها في مسيرة من دون مشاكل، تُوجت بالانتخابات الرئاسية ». في المقابل، شكّـلت الانتخابات التي ترشّـحت لها 19 شخصية والتزم المجلس العسكري فيها بالحياد، هزّة قوية لمشاعر الحكومات المغاربية، التي رأت فيها نوعا من التحدي، وظهر ذلك في سخرية العقيد القذافي، الذي لم يُحقِـر من شأن الانتخابات فحسب، بل استهزأ بالبلد وأهله. درس القذافي للموريتانيين والأفارقة كان القذافي يتصدّر المنصّـة الشرفية في مدينة سبها يوم الجمعة 2 مارس الجاري وإلى يمينه الرئيس التشادي إدريس ديبي وإلى يساره رئيس النيجر طانغا ورئيس أوغندا موسيفيني في ذروة الاحتفالات بـ « العيد الثلاثين لقيام سلطة الشعب »، أي قيام الحُـكم « الجماهيري »، الذي اعتبره تجاوزا للديمقراطية الغربية، وبتعبير آخر، كان الإطار مناسبا لتصفية الحساب مع المسار الانتقالي في موريتانيا، من خلال وضع الآليات الديمقراطية في قفص الاتهام. وعلى رغم أن الزعيم الليبي بدا مَـيالا لارتجال خطابه، إذ لم يكن يقرأ من أوراق، فإن كل عبارة في كلامه كانت مدروسة ومُعدّة سلفا. فقبل التعرض لموريتانيا بالاسم، هاجم من سمّـاهم بـ « أعداء الداخل »، مشدِّدا على ضرورة تفويت الفرصة على « اللصوص والمجرمين والسفهاء وغير المسؤولين والطامعين في أن يُخرّبوا الجبهة الداخلية »، بواسطة شعارات الديمقراطية. وطفق يستعرض المسارات التي أوصلت الرؤساء الجالسين على جانبيه إلى سدّة الحكم، من دون مراعاة آداب الضيافة، فقال « طبعا الإخوة الذين هم إلى جانبي عندهم انتخابات، والبعض منهم عندهم أحزاب، لكن هؤلاء أجبِـروا من الغرب ومن صندوق النقد الدولي ومن المصرف الدولي ومن المانحين، الذين قالوا لهم لازم تعملوا تعدّدية وتعملوا انتخابات في إفريقيا… قالوا لهم، إما أن تعملوا هذا مثلنا، وإلا فلن نعطيكم قروضا ولا مِـنحا ولا مساعدات، فاضطروا إلى أن يعملوا شيئا من هذا ». وزاد شارحا، « فموسيفيني لم تأت به الناس ولم تقل له خُـذ أصواتنا حتى تبقى رئيسا، هو منقذ أوغندا وقام بثورة لتحريرها، وكان يمكن أن يبقى، لكن ماذا قالوا له؟ قالوا: لابد أن تعمل انتخابات لأن الموضة السائدة هكذا ». وأضاف، « الرئيس إدريس (ديبي) أتى بالثورة على دكتاتورية حسين هبري وحرر تشاد، وكان يمكن أن يبقى. والرئيس طانغا، عمل مع مجموعة من الضباط انقلابا عسكريا على النظام، الذي كانوا يعتقدون أنه رجعي، وبعد ذلك، دخلت عليهم هم أيضا التعدّدية والحزبية، وشكّـل كل واحد حزبا، وبعدها ترشح فاختاره الشعب النيجري ». هكذا اقترب من الموضوع الموريتاني ليُـمهد له بسؤال إنكاري مفاده « ما دامت هذه الانتخابات والأحزاب مَـهزلة، فمن لا زال يقبل بها، خاصة بعد أن انعتق الشعب ووصل الناس (إلى مستوى) إدارة كل أمورها الداخلية والخارجية بنفسها »؟ وانتقل بالتدرج إلى بيت القصيد، وهو أن « حكاية الانتخابات والأحزاب، حاجة بَـهدَلة… فالناس مثل السُّـكارى ماشية جاية مع الشوارع في موريتانيا… ناس مضْـيَعة الوقت ». وتطوع بمزيد من الشرح قائلا « موريتانيا، التي هي فقيرة وتَـعبانة، دخَلوها في الأحزاب… رأيتم البَـهادل؟ الموريتانيون قبائل، ناس بَـدو لا يعرفون الأحزاب ولا الإنتخابات… دخـَلوهم فيها، والناس ماشية جاية في شوارع نواكشوط وغيرها… مسيرة ماشية في هذا الاتجاه ومسيرة أخرى ضدها، وناس رافعين صورة هذا، وناس رافعين صورة واحد آخر. يعني مهزلة، هذه مسخرة، لما ترى حالة الشعوب وهي ماشية جاية ». وطبعا تخلّـص القذافي إلى إعطاء درس للموريتانيين وسائر الأفارقة في محاسن النظام « الجماهيري ». مفاجأة المستقبل الموريتاني ثارت ثائرة الموريتانيين في جميع الأوساط على هذا التحقير لبلدهم والاستهزاء بتجربتهم الديمقراطية، فاستدعت الخارجية الموريتانية القائم بالأعمال الليبي مصطفى أحمد وأبلغته رسميا احتجاجها على تصريحات القذافي. وتقدم الوزير الأول سيدي محمد ولد بوبكر إلى ناصية الركح، مُذكّـرا بأن « الشعب الموريتاني، هو صاحب الاختيار وقد اختار النّـهج الديمقراطي للممارسة السلطة ». وقال ولد بوبكر لقناة « الجزيرة » في عبارات مزجت بين الحنق والمرارة « الشعب الموريتاني هو صاحب الاختيار وقد اختار النهج الديمقراطي لممارسة السلطة ». وكشف مصدر موريتاني لسويس أنفو، أن خطوة قطع العلاقات مع ليبيا كانت خيارا مطروحا بجدّية، لكن الغالبية رأت أن لا جدوى من العودة إلى مسلسل القطيعة والمصالحة، فاستُبعد قرار قطع العلاقات أو سحب السفير الموريتاني من طرابلس. ولم يكن الموقف الشعبي أقلّ حدّة من موقف الحكومة، بل على العكس، إذ بثت الإذاعة تعاليق لوجوه من النّـخبة وزعماء سياسيين انتقدوا الزعيم الليبي الذي قالوا، إنه « يقود نظاما هجينا أقرب للفوضى العارمة منه لنظام سياسي معقول »، ورأى بعضهم أن القذافي « يحسِـد موريتانيا على تجربتها الديمقراطية الرائدة، التي تشكل اليوم نموذجا يُحتذى في العالم العربي، بينما يشكِّـل نظام القذافي الحالة الشاذة الوحيدة ». واللافت أن الموريتانيين ليسوا وحدهم الذين يرون في مسارهم الانتقالي نحو الديمقراطية تجربة نموذجية، فالنُخب المغاربية الأخرى تُشاطرهم هذا الرأي وقد أعلنته في التعاليق التي أعقبت الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، سواء في الجزائر أو تونس أو المغرب. فموفد إحدى الصحف الجزائرية ُفُضيل بومالة، التقط أسباب نجاح العسكر في ضمان الانتقال الديمقراطي السِّـلمي، والمتمثلة في قبولهم بإعطاء الأولوية للسياسيين على الجيش والتمهيد لتسليمهم المقاليد عبر مراحل واضحة، وشدّد على أن الهدف النهائي من المسار الذي يُتوِج بالدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم 25 مارس القادم، يتمثل في منع العودة إلى الحزب – الدولة الذي طبع المرحلة « السوفييتية » في بلدان المنطقة. وأشارت تعاليق أخرى إلى أن ما قطعته موريتانيا في سنتين، فاق ما حققته في أربعين عاما منذ الاستقلال على صعيد التطور السياسي وتجديد مؤسسات الدولة. ونُلاحظ انتشار الانطباع نفسه لدى النخب التونسية، التي تعاطت بكثير من الحماس والأمل مع التطورات الجارية في موريتانيا إلى درجة يمكن معها القول أن المفاجأة الموريتانية « أنعشت » الأمل لديها بتغيير أوضاعها يوما ما. وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة « مواطنون » الأسبوعية المعارضة، أن حياد الجيش أفسح المجال لأول مرة لانتخابات ديمقراطية، وقالت إن « مكافحة الفساد المالي والإداري وملف حقوق الإنسان والحريات، تحتل أولويات العملية الديمقراطية في موريتانيا، إضافة إلى ما ينتظره الشارع من نتائج تدفع عجلة التنمية في البلاد ». كما لوحظ أن عدة تعاليق أشارت إلى احتمال تخوف الحكومات المغاربية من انتشار « العدوى الديمقراطية » في المنطقة، انطلاقا من النموذج الموريتاني. لكن المفارقة المغاربية التي أفرزتها الانتخابات الموريتانية، لا تقتصر فقط على الضيق الرسمي من المسار مقابل الترحيب الشعبي، وإنما تشمل أيضا بُـعدا آخر خارجيا، هو التقدير الذي لاقاه مسار « المجلس العسكري من أجل العدالة والديمقراطية » لدى المجتمع الدولي، لوفائه لنهج الحريات وإعادته السلطة للمدنيين، مقابل التحفظ العربي والمغاربي في الدرجة الأولى. وعلى رغم أن كثيرا من الجيران يستهِـينون بأبعاد الدرس الموريتاني لضعف وزن البلد الاقتصادي، فإن الخبراء الاقتصاديين يؤكِّـدون أن شأنه، حتى على هذا الصعيد، سيكون مفاجأة أخرى في المستقبل بعد الاكتشافات النفطية الهامة المسجلة في الآونة الأخيرة. (المصدر: موقع « سويس إنفو » (سويسرا) بتاريخ 18 مارس 2007)

 

هل تجعل العولمة الدولة – الأمة عاجزة؟

توفيق المديني (*) يؤكد العديد من المحللين من اليمين، كما من اليسار، أن العولمة تلتهم الدولة القومية منذ أكثر من عقد من الزمن. فالدول لم تعد تمتلك القدرة على التحكم في سياساتها الاقتصادية، ولا مراقبة حدودها. أما سياداتها فستتآكل نهائياً، وستكون لأنشطة الشركات المساهمة العملاقة العابرة القوميات، والحركات الهائمة لرؤوس الأموال، تأثيرات سيئة على الاقتصادات الوطنية للبلدان التي تهجرها، وستجد الدولة نفسها غير فاعلة في مواجهة الكوارث العالمية من تخريب البيئة إلى انتشار الأوبئة المعدية. إن هذا لا يجعلنا ننكر التحولات العميقة التي أصابت المجتمعات في مختلف أصقاع الأرض، فالعولمة الاقتصادية والترابط المتنامي بين الدول وانتشار الفاعليات الاقتصادية العابرة القوميات، تمثل حقائق غير قابلة للنقاش. ومع ذلك فإن اطروحة عجز الدولة لا تشكل قناعة ناجزة عند الجميع. ثم ان تآكل السيادة يمس الدول بطريقة غير متساوية، فإذا كانت هناك تآكلات «خاسرة»، فهناك بالمقابل تآكلات «رابحة». وتبدو المقارنة صعبة جداً بين الدول الخاسرة، أي تلك الدول التي شهدت على أراضيها حروباً أهلية والديموقراطيات المزدهرة في العالم الغربي. فبالنسبة إلى بعض تمثل العولمة ظاهرة ايجابية وبالنسبة إلى البعض الآخر فهي مصدر للمشاكل التي لا نهاية لها في الظاهر. ويقسم المحلل السياسي البريطاني روبرت كوبير الدول إلى ثلاث مجموعات كبيرة: – دول «ما قبل الحداثة» (أفغانستان، ليبريا، الصومال…) وهي دول هشة، أو هي غارقة في الفوضى وضعيفة إلى درجة أن مفهوم السيادة لا يعني لها الشيء الكثير. – الدول «الحديثة» (الهند، الصين، البرازيل…) وهي ليست مستعدة كثيراً لتقديم تنازلات تتعلق بالسيادة القومية. – دول «ما بعد الحداثة»، مثل الدول الغربية القديمة، حيث يرتكز الأمن في قسم كبير منه على الترابطات المتبادلة لاقتصادياتها. وهي الدول الأكثر استعداداً للتفاوض حول سياداتها في مقابل تحقيق أرباح في مجالات أخرى. ومن بين هذه الأنماط الكبيرة من الدول، فإن نمط ما بعد الحداثة هو المستهدف مباشرة من قبل الاشكالية «الآيلة للزوال»، وهو الوحيد الذي راهن على فتح حدوده، والذي يمثل تآكل مفهوم السيادة عنده معنى ما. والحال هذه، وهنا تكمن المفارقة، نجد دول ما بعد الحداثة هي التي تقاوم بشكل افضل «الهجمات» التي تتعرض لها. وبرهنت دول ما بعد الحداثة، بوصفها شكلاً من التنظيم السياسي والاجتماعي، على صلابتها في مواجهة التهديدات المتنامية، إذ أن هذه الأخيرة تتقدم من الآن فصاعداً في الدول الضعيفة، أو دول ما قبل الحداثة، أو حتى الدول القوية العصرية. فدول ما بعد الحداثة هي تلك التي تسود فيها مؤسسات سياسية ودستورية مستقرة، وهي مزدهرة اقتصادياً ومنظمة، بحيث تمتلك القدرة على جذب الشركات المتعددة الجنسية لنقل خطوط انتاجها إلى أراضيها، وعلى جلب الرساميل الباحثة عن الأمان والاستقرار والضمانات القانونية التي تضمن أمن الصفقات التجارية. وإذا كانت المنظمات غير الحكومية الكبيرة قادرة على تعقيد اللعبة الديبلوماسية الدولية لهذه الدول، إلا أنها تظل عاجزة عن تغيير سياساتها الخارجية بشكل جوهري. ففي كل المسائل المتعلقة بالنواة الصلبة للسيادة الوطنية والأمن ونموذج التنمية الاقتصادية والمصالح الاستراتيجية الحيوية، فإن المنظمات غير الحكومية لا يوجد لها أي تأثير عليها، إلا في المجالات التي تريد فيها هذه الدول أن تقدم لها بعض التنازلات. على رغم أن العولمة الليبرالية تقتضي تسليط برنامج اقتصادي اجتماعي شديد اليمينية يزيد من تعميق التفاوت الطبقي بامتياز داخل كل بلد، وتعميق الهوة بين اقلية تصادر الامتيازات وأكثرية بمئات الملايين تهوي إلى قعر لا قرار له، إلا أن انسحاب الدولة ليس عاماً ولا ذا اتجاه واحد. ومع أن السيادة تآكلت في كل مكان، إلا أن الدولة حافظت على امتلاك وسائل تدخل ضخمة. فهي قادرة على تنفيذ تعاونيات وتنظيم دفاع عن مصالحها وتقديم الدعم لفلاحيها. فالدعم الذي تقدمه الدولة الفرنسية للقطاعات الاستراتيجية الكبيرة للاقتصاد تؤكد لنا هذا التحليل. وحتى الولايات المتحدة التي تدافع بشراسة قل نظيرها عن العولمة الليبرالية، تقدم الدعم لشركاتها الكبيرة ضد المنافسة الدولية. وفي حال حدوث انقلاب قوي، تعود الدولة الى اتخاذ اجراءات تدخلية كما رأينا خصوصاً بعد أحداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001. وإذا كانت معظم الدول الأوروبية فتحت حدودها للتنقل الحر للرساميل والسلع والأشخاص، إلا أنها حافظت على غلق حدودها في وجه الشرطة والقضاء والجيوش للدول المجاورة، وهي ثلاثة ميادين لا تزال تحتفظ فيها الدولة بسيادتها الوطنية، ولا تزال النواة الصلبة للسياسة الخارجية والدفاع تحت سيطرة الدولة. وإذا كانت ثورة العولمة الليبرالية أنتجت في الطبقات العليا الأوروبية ما يشبه الاغراء في سيرورة «الاندماج الامبريالي» أو الزواج الامبريالي مع الامبراطورية الأميركية التي أصبحت الزعيمة العالمية للعولمة الليبرالية القائمة على اللامساواة، والتحول الاوليغارشي الذي يستهوي جميع الطبقات الحاكمة في كل مجتمعات العالم، إلا أن أوروبا لم تفضل الاندماج الكامل بالطبقة الاميركية الحاكمة، لأن النموذج الأميركي الخاص القائم على الرأسمالية من دون ضوابط، يشكل تهديداً للمجتمعات الأوروبية. إن هذا يجعلنا نقول إنه من المبكر الحديث عن زوال الدولة – الأمة كما تذهب إلى ذلك بعض التحاليل. إن الدولة – الأمة، سواء في فرنسا أو بريطانيا أو في المانيا واليابان، حافظت على دورها التاريخي كناقلة أولى لتأسيس وإعادة انتاج العلاقات المجتمعية والوضع الطبقي وقوانين الملكية والعملة والعقود والأسواق، فضلاً عما انيط بها من مهمة تحقيق تراكم رأس المال على مستوى دولي. وحيث وجبت على الدولة إدارة الرأسمال المحلي على نحو يتوافق مع إدارة النظام الرأسمالي، جرى تدويل الدولة بما جعلها أبعد نفوذاً وطموحاً من الدولة – الأمة. وتنطبق هذه الحقيقة على الدولة الأميركية، بصورة خاصة، حين اضطلعت بموقع الريادة والرعاية للنظام الرأسمالي العالمي، بما جعل حماية مصالحها القومية تقضي بحماية مصالح القوى الرأسمالية كافة المنضوية في سياق ما يُعرف بالرأسمالية المعولمة. إن لتحرير الاقتصاد وفتح الأسواق وتعديل النظام الضريبي نتائج كارثية تضرب أي محاولة للنهوض وتُخضع دول عالم الجنوب لهيمنة شركات أجنبية ووكلاء محليين فاجرين، ويجعلها دولاً مستتبعة وفق الأسس النيوكولونيالية المستترة والمعلنة. كما أن الوجه الثاني للعولمة النيوليبرالية هو تعزيز الانطواءات الاتنية والطائفية والاصولية والتوترات الناجمة عنها. وجها العولمة النيوليبرالية هذان متلازمان ويقدمان تكذيباً يومياً للمزاعم القائلة إن العالم يتوحّد وإن أسوار الحماية تنهار أمام زحف رأسمالية تصهر الأقوام والشعوب. كلا، ان ما يحصل فعلاً هو مزيج من توحد وتشرذم يقضمان الدولة – الأمة من فوق ومن تحت، ويهددان بفوضى عالمية هائلة إن لم يصر الى تصحيح مسارهما. ففي نظر العولمة الليبرالية المدافعة عن حركية رأس المال المتحرر من اي روابط قومية، والذي يجب أن يستقر حيث تمليه المنافع الاقتصادية، أصبحت الدول التي تدافع عن مفهوم السيادة والحقوق الواسعة النقدية والضريبية المضادة لتطلعات الأسواق الكونية والشركات العابرة القوميات والحماية الاجتماعية للعمل، بالية ومتخلفة. إن الخطاب الايديولوجي للعولمة الليبرالية الذي يمجد الحرية المطلقة لحركة رأس المال العالمي والتجارة الحرة والشركات العابرة القوميات وأسواق رأس المال العالمية المتحررة من كوابح السياسة، يعتبر الدولة القومية مجرد وكيل محلي للنظام الامبراطوري الأميركي الكوني، أو مجرد بلدية تقدم تلك الخدمات الاجتماعية والعامة التي يراها رأس المال العالمي ضرورية. وفضلاً عن ذلك، فإن خطاب العولمة هذا هو خطاب المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، وهو يستند الى عقيدة نيوليبرالية مناوئة للسياسة القومية. في مؤلف صغير صدر حديثاً في لندن للمؤلفين ليو بانيتش وسان غيندين «الرأسمالية المعولمة والامبراطورية الأميركية»، يؤكدان فيه أنه لا يجوز اختزال الدول إلى أسواق والتعامل مع الامبريالية كمحض نظام رأسمالي متطور ومحكوم بجملة من الشروط والمعايير الاقتصادية المجردة. فتعيين الرأسمالية والامبريالية يقضي عدم التوقف عند نظرية المراحل والأزمات الاقتصادية، وإنما الفصل بين الاثنين، الرأسمالية والامبريالية، وذلك من خلال التوكيد على الدور الأساسي للدولة… ولئن أدى نجاح الولايات المتحدة في طي القوى الرأسمالية الأخرى في فلك امبراطوريتها غير المباشرة إلى إبطال نظرية التنافس الامبريالي التقليدية، فإنه لم يكن نجاحاً كافياً كي يجنبها تحدي تلك الدول التي، وإن وقعت في المدار الرأسمالي العالمي، فإنها لم تتطور تطوراً رأسمالياً ييسر دمجها في النظام الرأسمالي المعولم. هذا التحدي سرعان ما انقلب إلى مواجهة دموية في غير بقعة واحدة من العالم. فمع تبني الدول الغربية لسياسة نيوليبرالية، ليس فقط في حدود نهج اقتصادي يحض على تعميق مجال السوق الحرة وتوسيعها، وإنما من خلال التصدي للقوى السياسية الديموقراطية الراديكالية، فإن محاولة التدخل في البلدان العالمثالثية والأوروبية الشرقية لم يعد مقتصراً على محاولة «تصحيح اقتصاد» هذه البلدان ودمجها في الامبراطورية الأميركية من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات الدولية، ومن ثم فإنها سرعان ما انقلبت الى تورط عسكري أجاز الوصف، أو النعت، المتأخر للسياسة الخارجية الأميركية بأنها سياسة امبريالية. يدور في قلب الحركة المناهضة للعولمة نقاش عميق، يساهم فيه عالم الاجتماع سامي نعير استاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والنائب الأوروبي القريب من جان بيار شيفنمان وزير الدفاع الفرنسي السابق، من خلال كتابه الأخير «الامبراطورية في مواجهة التنوع». ويتمحور النقاش حول أنجع السبل الفعالة لمواجهة الرأسمالية الجديدة المعولمة التي، حسب قول سامي نعير، تتوسع الى حدود «امبراطورية تجارية» من الآن فصاعداً. وإذا كانت الأمركة – «الامبريالية في الامبراطورية» – تقدم لنا وجهاً لهذه السيرورة، فإنه لا يمكن لنا مع ذلك أن نخلط هذا «النظام – العالم» مع الهيمنة الأميركية الشمالية. يرى بعضهم أن مقاومة الامبراطورية الأميركية تتطلب بناء «أممية» جديدة، حيث تشكل قمم العولمة الرأسمالية من سياتل إلى فلورنسا، مناسبات لتنظيم المقاومة ضد النيوليبرالية عن طريق بناء مجتمع مدني حديث، هو معلوم ايضاً. أما عند بعضهم الآخر، ومنهم سامي نعير، فإن «الدولة – الأمة» تظل الأداة الرئيسة للدفاع، وما هو الدليل على ذلك؟ يقول سامي نعير: إذا كان هناك مكان في العالم حيث لا يتم تضييع الوقت في نقاشات عقيمة حول «الأزمة» أو «نهاية» الدولة – الأمة، فهو بكل تأكيد في الولايات المتحدة. هناك المسألة تكمن في كيفية تأخذ على عاتقها قيادة العالم. أما الحل من أجل احياء التعدد والعدالة لمواجهة الامبراطورية الأميركية المفرطة في قوتها، فيمر من طريق أوروبا أيضاً. أوروبا ممكن أن تكون حليفاً لقطب روسي سينجز في النهاية «الانتقال إلى الديموقراطية». ليس لأوروبا مشاكل خاصة مع العالم، على عكس الولايات المتحدة، فهي في تفاعل تجاري متبادل عادي مع بقية دول العالم، تشتري المواد الأولية والطاقة التي تحتاج إليها وتسدد ثمن وارداتها من ثمن صادراتها، وتقوم مصلحتها الاستراتيجية في الأمد الطويل على السلام. في حين أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة ترتكز أكثر فأكثر على راعيين أساسيين مع خصمين مجاورين لأوروبا: الأول روسيا، التي تشكل العائق الاساسي في وجه الهيمنة الأميركية ولكنها أقوى من أن تقهر، والثاني العالم الإسلامي، وهو «خصم مسرحي» يستخدم لاستعراض القوة العسكرية الأميركية وأوروبا ذات المصلحة بالسلام، خصوصاً مع هذين الجارين، تجد أهدافها الاستراتيجية من الآن فصاعداً على تناقض مع الأهداف الأميركية. (*) كاتب تونسي. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 18 مارس 2007)


العلمانية انطلاقاً من قراءة عبدالوهاب المسيري … مفارقات السعادة والألم

 
مصطفى لافي الحرازين (*) نود أن نركّز في مداخلتنا هذه على مسألة تبدو مركزية في فكر الدكتور عبدالوهاب المسيري وهي تتمثل بمفهوم العلمانية حيث تفتح قراءة المسيري لهذا المفهوم أفقاً جديداً في سياق الفكر العربي الاسلامي الراهن وذلك بتجاوزه اعتبار العلمانية صورة مبسطة هي بمثابة الفصل بين الدين والدولة ليبيّنها بما هي نسق من الأقوال والأفعال والنقلات يقوم على ضبط آليات التأصيل والتوصيل وإعادة انتاج الحياة. ذلك هو الفهم الجديد الذي يقدمه صديقنا وأستاذنا مؤمّناً بذلك أداة نقدية فعّالة في مواجهة تدفقات التحديث والعقلنة التي تختلط اليوم بسياق العولمة بشتى أنواع القهر والاحتلالات. وإننا في هذه الكلمة السريعة والمقتضبة سنحاول مستخدمين الطاقة التي يؤمنها هذا المفهوم لتعميق أصوله وتوسيع دلالاته وذلك بالاشارة الى نقطتين: تتعلق النقطة الأولى بضرورة أن يتجاوز تحليل هذا المفهوم حقل الآليات اللغوية البيانية ليلتقط الآليات السلطوية الحديثة التي ترسّخه وتعطيه فعالية امتدادية تتخطى تنوّع المعارف والنماذج واللغات وتعطّل قدراتها التقعيدية بما هي أولاً وقبل كل شيء وليدة السيادة التي امتزجت بفكرة التطور التنويرية لا لتفصل بين الدين والدولة بل لتعطّل جوهر المجتمع الديني القروسطي القديم وذلك بفرض السعادة باسم فعالية المقاصد التقدمية وتعيين هذا التقدم بالسيطرة على الألم. والمفارقة هو أننا على رغم كل ما نشهده من استنفار انساني معولم لبث هذه السعادة من خلال التنمية والأخلاق التداولية ودحر مشاهد الألم بفصلها عن ديناميات العنف السلطوي الحديث اللامتناهي، فإن هذه السعادة لا تكتسب شرعيتها في الأصل إلا من هذا العنف نفسه. إن هذا بالضبط ما يمكننا من اكتشاف المنزلق الوجودي الذي يأخذ اليوم الفكر الاسلامي الى متاهة التقريب، إذ كيف نتطيّر من العلمنة ونرفض عناوينها ونقبل في الوقت نفسه متطوعين لا مرغمين بدعوتها لنا للدخول في مسار سعادتها. هذه السعادة حيث لا يرتسم التاريخ بفصل الدين عن الدولة بل بالفصل بين تجربة الألم التي استدعت في تاريخنا مجمل المعالجات اللاسلطوية التي يرمز اليها بامتياز مفهوم البر والاحسان عن الألم الحديث، ألم الدولة الحديثة الذي يصور لنا وكأنه ضرورة لا بد منها للدخول في اطار التقدم وحيث الدولة في ظل الاحتلال بل الدولة الاسلامية في ظل الاحتلال تقع فعلياً بين هذين الألمين، أي في الرهان على مستقبل تنويري ديموقراطي يقود الى تعطيل مجمل الضوابط الذاتية لتحمّل الألم الذي ينمذج الجماعة القرآنية والقبول بسعادة موعودة تمر عبر تقنين احتلالي لألم مفروض في ظل عقلانية مبرمجة. من أين تدخل هذه العقلانية الى بلادنا وما هي المواضيع التي تخترق منها نظاماً راسخاً؟ كيف تـلتـقـي اليـوم طلائع اسلاميـة جهازية مع تـلك الوعـود فتتسارع الى انشاء دول مستنسخة لتتصارع عليها قبل نشوئها؟ وبالفعل لقـد استـخدمت هذه الطلائع مجمل ما كان يشير في نظام التراث الى حاجات السلطة الى تطويع الاعجاز القرآني واخضاع نظامه التشريعي الى حكم الوقت تحت عناوين المقاصد والمصالح المرسلة حتى بتنا في زمن انهيار الأمة نرى أن من طبائع الأمور أن ندمح بـين أحكام الشريعـة الحافـظة لمبدأ الجماعة وبين أحكام القانون المدني الحديـث النابـذة لها بحيـث لم يعد يحول دون هذا الدمج العجيب المتقدم متخفياً بالبـداهة إلا أحكام العائلة بما هي بتعبير بيير بوريو شكل الممانعة المتبقي والوحيد. لم يكن من السهل بعد تعطيل فقه المعاملات اختراق حقل العلاقات العائلية بتبديل أصولها الشرعية وإلحاقها بالنماذج الغربية الحديثة ولذا جاءت صيغة الأحوال الشخصية كنقطة توازن مؤقت بين منطق الشرع الاسلامي القائم على الجماعة القادرة على تأمين دورتها الذاتية ومنطق القانون الحديث حيث تبدو العائلة حقل نيات فردية لا يلتئم إلا بتدخل الدولة في ما تقوم العولمة اليوم بكسر هذا التوازن واستكمال شحنته السلبية السلطوية لتفريغ الاطار العائلي من فعاليته التي تتعارض مع الفعالية المعولمة التي تقوم بتجاوز الأطر الجمعية لتتكون خارجها وترتد عليها. وحين لا يحسم الفكر الاسلامي موقفه من اجتياح القانون الحديث لمبدأ الجماعة مكتفياً بتصدّ شكلي لمفهوم العلمنة، فإنه يتغافل عما تنطوي عليه مجمل الدعوات التحديثية التنموية الآتية من المنظمات الدولية العولمية مدعية اعادة تشكيل العلاقات والرموز العائلية ضاربة الذاكرة ومعايير الاحتراف والحميمية فارضة معايير رياضية مالية للسعادة الانسانية. فمجمل تلك المفاهيم المتعلقة بحقوق المرأة ومحاربة التمايز بين الجنسين وحماية الاطفال العاملين لا تُفهم إلا من خلال هذا السعي المحموم لتقويض الأصول الاسلامية التي تحكم الجمع والتفريد مفرقة بين التسلط وضرورة الضبط الذاتي المؤمّن للحمة عبر مفاهيم مثل الولاية والقوامة التي تشكّل اليوم بما هي مواضع معطلة للآليات السلطوية الحديثة حيث تتحكم الدولة بالعائلة الهدف الرئيسي حيث يصب الفكر النيوليبرالي المعولم نيرانه من دون هوادة. بهذا المعنى فإنه لئن كان من المفيد تعيين الحداثة بالعلمانية، فإن هذه العلمانية لا تختصر بالفصل بين الدين والدولة ولا تُفهم بمقارنتها من خلال صيغها اللغوية. إنها في الأساس صيغة فريدة بالتسلط والقهر، صيغة تبدأ من القبض على ألم الناس لتقدم نفسها كعنوان لسعادتهم، صيغة تقطع بآلية السيادة تواصل زمن الذاكرة لتعطي نفسها بيانياً زمن التطور والمستقبل، صيغة تعطل مبادئ الجمع وتفككها وتموّه طاقتها التفكيكية بكلامها عن التآلف وترويجها لحكايتها الديموقراطية. وفي النهاية فإننا لم نقدم على تفصيل هذه الافكار وتمتينها إلا لتوسيع مفهوم العلمانية الذي كان لأستاذنا المسيري فضل إرساء أصوله وتبيين دلالاته. (*) كاتب فلسطيني (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 17 مارس 2007)


صورة الحراك السياسي في العالم العربي: رتوش قاتمة وملامح صراعات مقبلة

 
عمرو حمزاوي (*) على رغم أن الحراك السياسي الذي حدث بصور مختلفة في عالمنا العربي خلال السنوات القليلة الماضية لم يقارب بيننا وبين مشهد التحول الديمقراطي كثيراً، إلا أنه لم يعدم بعض الآثار والتداعيات المهمة. فقد أضحت الساحة السياسية في عدد من الدول العربية أكثر انفتاحاً وذلك على مستويات أربعة؛ يتمثل أولها في تنوع الفاعلين. لم تعد النخب الحاكمة تحتكر الممارسة المشروعة للسياسة، بل أضحت الأحزاب والحركات «الإسلامية» تزاحمها بقوة فضلاً عن أدوار متفاوتة الأهمية تلعبها التيارات الليبرالية واليسارية. كما أن هناك مطلبية ديمقراطية جديدة تكونت لها أدوات كحركة «كفاية» المصرية وغيرها من الحركات الاحتجاجية التي تجمع بين السياسي والمدني. استقرار أشكال مختلفة وإن كانت غير مكتملة من الممارسات الديمقراطية هو جوهر المستوى الثاني من الانفتاح. تكرر المشهد الانتخابي، رئاسياً وتشريعياً ومحلياً، بانتظام على امتداد العالم العربي ورتب أحياناً غير المتوقع من النتائج كحالتي فوز «حماس» والصعود اللافت لجماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة. برزت ثالثاً ثقافة محاسبة شعبية باتجاه النخب الحاكمة ودفعتها في بعض الحالات إلى تبرير سياستها في سياق خطابات رسمية ديمقراطية الملامح. أما المستوى الرابع والأخير فيرتبط بإعادة اكتشاف القوى السياسية للشارع ولدينامية التعبئة الجماهيرية في لبنان وبدرجات أقل في المغرب ومصر واليمن. كل هذا لا يعني أننا أمام مشهد تحول ديموقراطي، ببساطة لأن معادلة السلطة ما زالت بيد النخب الحاكمة التي تحول بمزيج من القمع والاحتواء والرعوية دون تداولها. وإذا ما استثنينا العراق وفلسطين وبهما امتزج تداول السلطة بانهيار النظام العام، تتداخل تكوينات النخب بكثافة مع مؤسسات الدولة على نحو يكرس الإدارة السلطوية للمجتمع ويتلاشى معه الخط الفاصل بين ما هو سياسي (نخبة الحكم) وبين ما هو تنفيذي (الدولة بمؤسساتها السيادية وأدواتها البيروقراطية). يغيب المشهد الديموقراطي العربي أيضاً لأن الوضعية الهشة والهامشية لأحزاب المعارضة، إذا ما استثنيت الحركات الإسلامية، لم تتغير. غابت الأحزاب عن الوجود العلني في ظل الترتيبات السلطوية الضاغطة فلم تطوِّر قواعد شعبية حقيقية وتكلست نخبها وخطاباتها وبرامجها. الأخطر من ذلك أن تلك المؤسسات الحزبية التي انخرطت في العملية السياسية في سياقات التعددية المقيدة المميزة للنظم شبه السلطوية وأخذت قراراً استراتيجياً بالمشاركة كالمعارضات المغربية والمصرية واليمنية تواجه معضلة الدمج الاستيعابي المتمثلة في محدودية الفاعلية. تصدِّر النظم شبه السلطوية جزءاً من أزمة شرعيتها إلى أحزاب المعارضة التي يرتب فقدانها القدرة على الدفع باتجاه تحولات جذرية في النظام السياسي، تراجع ثقة المواطنين بها وسحبهم بعيداً عنها. أما الإسلاميون المسيَّسون فهم وعلى النقيض مصدر حيوية غير مسبوقة. تختلف حركات مثل «التجمع اليمني للإصلاح» و «الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت» و «الإخوان المسلمون» في مصر و «حزب العدالة والتنمية» في المغرب باختلاف البيئات السياسية العاملة فيها ومنطلقاتها التاريخية، إلا أنها جميعاً تتميز بالتماسك التنظيمي وقدرتها على تجديد نخبها وتطويرها رأس مال اجتماعياً قابلاً للاستثمار أمام صناديق الانتخاب من خلال التواجد المستمر في الساحات الدينية والخيرية. إلا أن مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية تطرح عليهم تحديات عميقة معظمها يدور حول متوالية الالتزام الأيديولوجي – البراغماتية وثنائية الرؤية الاستئثارية في حجة سمو المرجعية والمنطلق في مقابل الاعتراف غير المشروط بالتعددية واحتمالية التداول. هنا يقلل التأرجح البادي على خيارات الإسلاميين من فاعليتهم في الدفع نحو توسيع الهامش الديمقراطي. كما أن وجود الإسلاميين بدوره يضع الساحة السياسية أمام تحديات كبرى. فعلى رغم أنهم وفي سياق صياغات وجود مختلفة – من الحزب ذي الوجود القانوني إلى الجماعة المحظورة إلى الجمعية السياسية – حينما شاركوا في الانتخابات إن على المستويين القومي والمحلي أو على مستوى القطاعات النقابية لم ينقلبوا على الآليات الديموقراطية، إلا أن الحركات الإسلامية في العالم العربي لم تختبر كحكومات منتخبة ديموقراطياً سوى في تجربة حماس حديثـــة العهد وشديدة الخصوصية. نعم دخل الإسلاميون البـــرلمـــانات ومـــجالس النقابات وخرجوا منها من دون أن يصدر عنهم أي محاولة لتضييق مساحات الفعل الديموقراطي، لكنهم لم يقللوا قط من لا ليبراليتهم في قضايا الحريات الفردية والــمدنــية ولــم يبحــثوا – باستــثناء تجـــربة أحــزاب اللــقاء المشترك في اليمن – عن توافقات أيديولوجية مع المعارضات الليبرالية واليسارية. يمثل ضعف الهيئات التشريعية والقضائية وعزوف أغلبيات واضحة في المجتمعات العربية عن المشاركة في الحياة السياسية معضلات أخرى تقلل من فرص التحول الديموقراطي. ففي حين لا تملك البرلمانات في الأغلب الأعم سلطات رقابية حقيقية وتتبع في فعلها إرادات نخب الحكم، يتم تهميش القضاء المستقل والمحايد في ظل طغيان المؤسسة الأمنية وشيوع العمل بالقوانين الاستثنائية في العديد من الحالات. أما غياب المشاركة الشعبية فهو وإن أمكن تفسيره جزئياً من خلال الرجوع إلى سوء الأوضاع المعيشية (الفقر، البطالة، الأمية) وما ترتبه من نظرة إلى النشاط السياسي كفعل كمالي، إلا أن حركات وأحزاب المعارضة وفاعلي المجتمع المدني تتحمل الشق الأكبر من مسؤولية الإخفاق في الدمج التدريجي لقطاعات أوسع من المواطنين في الحياة السياسية. فشلت القوى الليبرالية واليسارية بل والإسلامية في إنتاج نقاش عام حقيقي حول الديموقراطية يربط بين فرص التحول باتجاهها وبين إمكانات تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، كما عجزت عن صياغة مشاريع للتغيير تتجاوب مع تطلعات الأغلبيات الفقيرة والمهمشة بطرح قضايا من شاكلة إعادة توزيع الثروة والعدل الاجتماعي. أخيراً، ما لبثت الثقافة السياسية العربية تعاني من وباء الشمولية الذي أورثتنا إياه عقود طويلة من القمع والتضييق على الحريات. لم تسجل السنوات الماضية تراجعاً يذكر لخطاب تبرير العنف والإرهاب إن في صياغته القومية العلمانية أو الدينية الأصولية. تعددت السياقات والتفسير واحد من ثلاثة: مقاومة المحتل وأعوانه أو قتال الطائفة الضالة من الحكام وأتباعهم أو التصدي لمصالح ومطامع الغرب المتآمر علينا. يستباح دم المواطن البسيط والسياسي وصاحب الرأي والقلم من خلال منطق الإدراج الشمولي ضمن تصنيفات كليانية من شاكلة «الشيعة والسنة» و «النخب الكافرة» و»عملاء الغرب» ثم يبرر القتل والإقصاء دفاعاً عن مصالح الأمة عربية كانت أم إسلامية. إلا أن إفرازات وباء الشمولية العربي لا تقتصر في أي حال من الأحوال على تبرير العنف والإرهاب، بل تتعداهما إلى فرض نظرة استعلائية تجاه ظواهر المجتمع والتاريخ تتناقض في التحليل الأخير مع جوهر الفكرة الديموقراطية. مثال ذلك نزوع العديد من الليبراليين واليساريين العرب إلى تفسير نجاحات الإسلاميين في الانتخابات باختزالية ملحوظة إما كتعبير عن وعي جماهيري زائف أو كظاهرة انتقالية مآلها الزوال مع انتظام آليات المنافسة السياسية أو كدليل على عزوف الأغلبيات «علمانية الهوى» عن المشاركة وتركها ساحة الفعل للإسلاميين جيدي التنظيم. مصدر الاستعلاء الشمولي المناقض للفكرة الديمقراطية هنا هو تجريد الحقيقة المجتمعية من مضمونها وتأويلها القسري بصورة تلائم فقط قناعات الذات الناظرة. ينطبق الأمر نفسه على دفع بعض الأصوات الدينية والمحافظة بخصوصية العالم العربي الثقافية والحضارية أثناء معالجة قضايا الإصلاح والتحول الديموقراطي. أحياناً يفرض الإسلاميون على مجتمعاتنا إطاراً كليانياً يدعي احتكار الحقيقة ويختزل ظواهر الاجتماع والسياسة المركبة في ثنائيات تبسيطية تفضيلية من شاكلة الأصيل والوافد، النافع والضار، الخير والشر. ومثلما يجافي التعامل الاختزالي مع دور الدين في السياسة واقع المجتمعات العربية، لا ينبغي تأويل نجاحات الحركات الإسلامية الانتخابية باعتبارها بينة انتصار الحق على الباطل. تلك هي بعض معوقات التحول الديموقراطي في العالم العربي كما تتبدى اليوم. استمرارها لا يدعو لليأس والقنوط، فقط يرسم برتوشه القاتمة صورة أكثر واقعية لمشهد الحراك السياسي الراهن ويحدد ربما ملامح الصراعات القادمة. (*) باحث مصري بمؤسسة كارنيجي- واشنطن (المصدر: ملحق « تيارات » بصحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 18 مارس 2007)


ما وراء اللغة الناعمة لمنظمات المجتمع المدني المـُمـوّلـة أمريكيا

 
هيفاء زنكنة (*) من يقرأ الصحافة العراقية ويتابع بعض مواقع الانترنت لعدد من منظمات المجتمع المدني يجد ان هناك فورة من ورشات العمل للتدريب في العراق المحتل وما يصاحبها من وثائق ومشاريع وتوجيهات. بعض ما يمد الفورة بالبقاء لايتجاوز كونه اعلانا عن قرب تشكيل ورشات لن تتجسد بل تبقي مجرد حبر علي ورق. كما ان البعض الاخر ومثل الكثير من المشاريع التي نقرأ عن قرب انجازها في (العراق الجديد) او الشروع بانجازها لاتزيد عن كونها مسودة تتم كتابتها للحصول علي الدعم المادي من جهة او اخري وبالامكان تصنيف هذا النوع تحت (سين المستقبل) او الاصح تحت تبويب انتظار المنتظر او حتي استلام مبلغ مالي معلوم. هناك، ايضا، ورشات تدريب وتوعية شكلية او وهمية تتم كتابة بحوثها او اوراقها مرفقة مع عريضة لاعلاقة لها ببرنامج محدد بل نقلا عن برامج منظمات اخري وهدفها صياغة بيان اعلامي او الترويج الاعلامي لنشاط ما يرتبط بالنظام العراقي او باحدي وزاراته او تنظيماته المستحدثة بين كل مبادرة امريكية وأخري. هذا لا يعني اطلاقا ان كل ورشات العمل وهمية او مستحدثة من قبل منظمات مجتمع مدني تستهدف الربح غير المشروع لان هناك وبين ركام الغث والفساد قد برزت منظمات مجتمع اهلي هدفها خدمة المواطن او نمت منظمات مدنية كانت بذورها موجودة سابقا قبل الغزو الامبريالي لبلادنا، مما يجعل التمييز ضروريا. وسبب ذكري لورشات التدريب وما تكتبه من أوراق ومشاريع هو رسالة تلقتها زميلة ناشطة في منظمة (تضامن من اجل عراق مستقل موحد) في لندن. وقد قامت الزميلة، أخيرا، بالكتابة الي آن كلويد، مفوضة رئيس الوزراء البريطاني لشؤون حقوق الانسان في العراق، معبرة عن قلق اعضاء المنظمة من اصدار الحكم بالاعدام علي أربع نساء عراقيات وفي ظروف غير انسانية استنادا الي تقرير صادر من منظمة العفو الدولية، كما اشارت الزميلة الي جـــــرائم الاغتصاب التي تتعرض لها المرأة العراقية في ظل همجية الاحتلال الانكلو امريكي وسادية العملاء العراقيين موضحة كنموذج ما تعرضت له الشابة زينب الشمري وسيدة ثانية من مدينة تلعفر. وكان الجواب عبارة عن نسخة من تصريحات طالما سمعناها من السياسيين، جاء فيه بانها قد سمعت بان هناك نساء قد حكم عليهن بالاعدام وان الحكومة البريطانية عموما لا تقر احكام الاعدام. اما بصدد الاغتصاب فان الحكومة البريطانية قد زودت الجيش العراقي والحرس الوطني اثناء تدريبهم بارشــادات مكتوبة عن حقوق الانسان. تري ما الذي فعله جنود فرق الجيش والحرس الوطني بارشادات المفوضة عن حقوق الانسان، وما هي خطوات تدريب هذه القوات علي احترام المواطنين وحقوقهم من قبل القوات الامريكية والبريطانية المعروفة هي نفسها بمجازرها وانتهاكاتها وجرائم اعتدائها علي اعراض الناس؟ غالبا ما يشير المسؤولون في حكومة الاحتلال وسادتهم في واشنطن ولندن بفخر واعتزاز الي موضوع اقامة الدورات والورشات التدريبية وعلي مختلف الاصعدة سواء في المنطقة الخضراء او خارج العراق وبالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية مثل منظمة الامم المتحدة بفروعها او المنظمات الحكومية او الحزبية الامريكية والبريطانية والتي تقيم الدورات وهي تصف نفسها بانها منظمات (مستقلة لا تتلقي الدعم من اية جهة حكومية بل تعتمد في تمويلها علي المساهمات الشخصية)، وهذه بطبيعة الحال واحدة من الاكاذيب والتصريحات المضللة التي يجب تفحصها بدقة شديدة. من بين المنظمات (المستقلة) التي نشطت في العراق خاصة في فترتي كتابة الدستور والتحضير للانتخابات المعهد الديمقراطي الامريكي التابع للحزب الديمقراطي والمؤسسة الجمهورية التابعة للحزب الجمهوري الامريكي وقد اقامت المنظمتان العشرات من ورشات العمل التدريبية وما تزال تقيمها مستهدفة المرأة بشكل خاص، ليتم تدريب عدد من النساء المختارات علي مستلزمات القيادة السياسية وتبوؤ المراكز القيادية. وكما هو معروف، لا يتم منح الدعم لاية جهة مهما كان برنامجها العملي انسانيا او نبيلا لوجه الله تعالي بل يتحدد منح الدعم المادي بمطابقة برنامج عمل جهة المتلقية لسياسة الجهة المانحة. لذلك حين نقرأ خبرا عن ورشة عمل في الديوانية ومفاد الخبر: أقامت منظمة (أصدقاء الديمقراطية) بالتعاون مع قسم الإجتماع بكلية الآداب في جامعة القادسية في محافظة الديوانية ورشتي عمل حول مشاريع (عهد العراق) القانونية يومي 25 و26 كانون أول (ديسمبر) الماضي وتحت شعار (من أجل ضمان الحقوق والحريات لكل العراقيين، ومن أجل بناء عراق علي أسس ديمقراطية). علينا ان نتساءل اولا عن طبيعة ومهمة واهداف منظمة اصدقاء الديمقراطية ثم ننتقل الي طرح التساؤل نفسه عن منظمة عهد العراق وسبب تعاونهما معا لاقامة ورشتي العمل في الجامعة. ويبقي السؤال الاول هو من هي الجهة المانحة للمنظمتين ولماذا؟ ان منظمة أصدقاء الديمقراطية الناشطة كثيرا علي الساحة العراقية في العامين الاخيرين هي الابنة الشرعية المتلقية للدعم المادي والاعلامي من قبل منظمة تدعي (سبريتس اوف أمريكا) او الروح الامريكية، وهدفها المعلن هو دعم القوات الامريكية في الخطوط الامامية علي تحقيق النجاحات في البلدان المحتلة وهي تعمل بشكل خاص لدعم قوات المارينز سواء في العراق وافغانستان. وقد نشطت ودعمت نشاط منظمة اصدقاء الديمقراطية خاصة في فترة التحضير لاجراء الانتخابات في العراق المحتل. ومن بين نشاطاتها الاخري فتح اذاعات ومحطات تلفزيون محلية في مناطق (التمرد) مثل محافظة الانبار وغيرها للرد علي (اكاذيب قناة الجزيرة) وتشجيع المذيعين علي فتح ابواب النقاش (الديمقراطي) بشرط عدم توجيه النقد الي (القوات متعددة الجنسيات) ومع ذكر الانجازات التي حققتها هذه القوات! اما منظمة او حملة عهد العراق فانها التوأم الروحي لمنظمة أصدقاء الديمقراطية ماديا واعلاميا حيث قلما يقام للحملة مؤتمر او محاضرة او ورشة تدريبية بدون وضع اللافتة الكبيرة علي واجهة القاعة المقام فيها الحدث والموضح لمساهمة اصدقاء الديمقراطية سواء في السليمانية او النجف او واسط. وكما هي منظمة الاصدقاء في توجهها نحو الشباب في الجامعات كذلك حملة عهد العراق وان ركزت اكثر علي التوعية بدور المرأة وتعديل مواد دستورية متعلقة بحقوقها. وتخبرنا المنظمة علي موقعها الالكتروني بانها: تعهد بين القادة المنتخبين والشعب العراقي لضمان الحرية وحقوق الانسان في الجمعية الوطنية العراقية القادمة. ومن بين اللواتي عملن علي تأسيسها ذات النسوة اللواتي عملن بحماس منقطع النظير علي دعم الادارة الامريكية في شنها الحرب المدمرة علي العراق واللواتي يواصلن التطبيل والتزمير لعملية الاحتلال السياسية واشهرهن رافعة الاصبع البنفسجي من اجل بوش النائبة صفية السهيل والناشطة من اجل الاحتلال رند رحيم فرانكي فضلا عن منظمات اصدقاء الديمقراطية الامريكية ورابطة المرأة العراقية التابعة للحزب الشيوعي العراقي ومنظمة وافدي المؤسسة من قبل مؤسسة الدفاع عن الحريات الصهيونية ـ الامريكية المعروفة. وكما ذكرت سابقة تبدو اهداف وغايات هذه المنظمات سامية في ظاهرها مما قد يضلل ويخدع بعض المنظمات الناشئة والافراد السذج ويدفعه الي العمل معها والانضمام تحت رايتها، هذا اذا أبعدنا عامل الدعم المادي السخي والمغري، الا انها في جوهرها لا تزيد عن كونها منظمات تكرس ومن خلال الوجوه العراقية، النسوية خاصة، سياسة الاحتلال كما تمد الاحتلال وسلطاته بشرعية البقاء من خلال مناقشة تفاصيل لا تغني ولا تسمن مثل تغيير المادة كذا من الدستور او تلك من قوانين بريمر واقامة الدورات التدريبية علي مستوي (تدريب المرأة القيادية) و(بناء النظام الديمقراطي) للمرأة وهي التي فقدت حق الحياة بكرامة في بلدها وهجرت وعائـــــلتها لتتسول وبناتها في بلدان اخري وهي التي عجزت (الحكومة المنتخبة) عن توفير ابسط متطلبات العيش لها والمحافظة علي حياتها وحياة ابنائها. ليصبح غرض الدورات صرف الامــوال الممنوحة باسم الشعب العراقي لتختفي في جيوب ديمقراطيي العهد الجديد كما اختفت المليارات من قبلها وليشغلوا المواطن المنهك والمستباحة حياته تحت قسوة الاحتلال وجرائمه عن التفكير بجدوي الدستور اساسا وهو المكتوب من قبل الاحتلال نفسه وباعتراف الكثيرين ممن بدأوا بمغادرة سفينة الاحتلال المثقوبة. (*) كاتبة عراقية (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 17 مارس 2007)


 

تحاول جلب بعض العلماء العراقيين الي الدوحة لمنحهم ملاذاً آمناً

تحليل: الشيخة موزة تعمل علي استقطاب الأدمغة العربية

الدوحة ـ من دلال سعود: انطلقت قطر التي تحاول ان تصبح مركز الشرق الأوسط للتعليم بمستواه العالمي، في مواجهة تحدّ جريء: عكس مسيرة هجرة الأدمغة العربية التي وصلت الي مرحلة مقلقة من خلال اغتيال وخطف وهجرة جماعية لآلاف العلماء والأكاديميين العراقيين. وشعرت الشيخة موزة بنت ناصر المسند زوجة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني التي كانت القوة الدافعة وراء تحويل قطر الي موقع تعليمي مهم في المنطقة، بالقلق الشديد وأبدت اهتمامها بالمأساة العراقية الحاصلة. وقالت الشيخة موزة ليونايتد برس انترناشونال علي هامش مؤتمر استضافته قطر ورعته منظمة اليونسكو بعنوان تحديات محو الأمية في المنطقة العربية نحاول ان نجلب بعض العلماء (العراقيين) إلي هنا لمنحهم ملاذاً (آمناً) في هذا الوقت الصعب . وأضافت الشيخة موزة التي أثارت مسألة توفير الحماية الفعالة للأكاديميين العراقيين خلال لقائها بالمدير العام لمنظمة اليونسكو كويشيرو ماتسورا أثناء أعمال المؤتمر نحاول المساعدة بقدر الإمكان لكن في بعض الأحيان تخرج الأمور عن السيطرة . ووقع عدد كبير من العلماء والأكاديميين والأساتذة والمثقفين العراقيين، ضحايا ما يبدو حملة واضحة ومنظمة من الاغتيالات، منذ الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003. وعلي الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة ومؤكدة، إلا أنه يعتقد أن عدد الأكاديميين والعلماء الذين قتلوا لغاية اليوم بالمئات. وبدأت حملة الاعتداءات علي المثقفين العراقيين، بعد ان اجتثت قوات الاحتلال الأمريكي ما لا يقل عن 15500 باحث وعالم وأستاذ بسبب مزاعم ارتباطهم بحزب البعث المنحل الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وكشف وزير التعليم العالي العراقي عبد ذياب العجيلي الأربعاء الماضي ان 196 أستاذاً جامعياً قتلوا، وأن أكثر من 100 آخرين خطفوا منذ الغزو العراقي. واستناداً للعجيلي، فإن العنف المتزايد الذي يستهدف الأساتذة الجامعيين، أرهب أعضاء الهيئات التعليمية وأجبر آلاف آخرين علي الهروب من البلاد. واستناداً لتقارير أخري، فإن حوالي 170 عالماً عراقياً اغتيلوا خلال السنوات الأربع الماضية. وقالت الشيخة موزة نحن نخسرهم (الأكاديميين) دونما سبب. ليسوا متورطين في الحرب، أو في هذه المعضلة، فلماذا عليهم أن يعانوا؟ . وبغض النظر عن المسؤول عن هذه الاغتيالات التي تتم بدم بارد ـ أكان جهاز الاستخبارات الإسرائيلية السري الموساد، الذي وجه إليه رئيس دائرة الأبحاث والتطوير في وزارة التعليم العالي العراقية أسامة عبد المجيد أصبع الاتهام، أم المقاومة العراقية التي تنفي أي مسؤولية لها ـ فإن النتائج مدمّرة بالنسبة للعراق والمنطقة العربية. وأضافت زوجة أمير قطر لا أري أي مبرر لقتل الأساتذة، والأكاديميين وقصف المدارس. لا أناقش قضية الحرب… لست مسؤولة سياسية، لكنني أقول إنه لا يوجد أي سبب لقصف المدارس وتعطيل التعليم، ففي النهاية هؤلاء أولاد انقطعوا عن الدراسة وسيكون لهم حربهم الخاصة في المستقبل . ودعت لحماية ما وصفته بأهم حقول مجتمعاتنا وهي أدمغة وعقول الشعب العربي . وفي نيسان (أبريل) الماضي، جمعت مؤسسة قطر للتربية والعلوم والتنمية الاجتماعية التي تترأسها الشيخة موزة، نحو 150 عالماً عربياً مغترباً من جامعات ومؤسسات أبحاث حول العالم في الدوحة في أول مؤتمر من نوعه. وأوضح روبرت باكستر مستشار العلاقات العامة في مؤسسة قطر بأن المؤتمر والذي سيتبعه مؤتمر ثان مماثل في وقت لاحق من العام الحالي، كان جهداً لجمع القاعدة الواسعة للمعرفة العلمية العربية والتي هي علي قدر من الأهمية، لكنها غالباً في بلاد الانتشار . وقال باكستر ليونايتد برس انترناشونال نحاول خلق نوع من النهضة العربية، المعرفة والعلوم.. لدينا مهمة خاصة في رعاية هذه النهضة العربية التعليمية . وأضاف لهذا السبب نتوجه بصورة خاصة إلي العلماء العرب . وإعادة العلماء العرب الذين يعيشون في بلاد الانتشار ليست مهمة سهلة بل تشكّل تحدّياً كبيراً. غير أن مؤسسة قطر تراهن علي الفرص الكبيرة والتسهيلات التي توفرها من خلال مدينتها التعليمية وحديقتها العلمية والتقنية. واستناداً لنائب رئيس مؤسسة قطر الدكتور عبدالله آل ثاني، فإن بعض العلماء العرب المغتربين الذين يعيش معظمهم في الولايات المتحدة وأوروبا حيث لديهم القدرة علي إجراء أبحاثهم، قد يرغبون جداً بالعودة إلي المنطقة إذا توفرت لهم الفرص والمنشآت نفسها. ومن خلال تأسيس صندوق الأبحاث الوطني القطري المشابه لمؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية، فإن الإمارة الخليجية الصغيرة الغنية بالنفط والغاز فتحت الباب أمام مثل هذه العودة المحتملة. وقال آل ثاني ليونايتد برس انترناشونال النموذج التعليمي الذي نحاول إقامته هو لمحاولة إعطائهم الفرصة للعودة. نريد أن نعكس مسيرة هجرة الأدمغة . واستناداً لباكستر فإن العلماء والأكاديميين من أصول شرق أوسطية سيكونون أمام إغراء العمل في قطر لأنهم يعرفون نوعية الجامعات في المدينة التعليمية والتي تتضمن جامعة كارنيجي ميلون، وجامعة جورجتاون، وجامعة تكساس آي أند أم، والتي هي مطابقة للمؤسسات التي سيأتون منها . ويبدو العراقيون أول القادمين بسبب الوضع الأمني المتدهور في بلادهم. غير أنه لم يكشف عن عدد العلماء العراقيين الذين حصلوا علي الملاذ الآمن في قطر لأسباب أمنية علي الأرجح، وبسبب المخاوف المتعلقة بأمنهم. وقال الدكتور قطب خان من مكتب اليونسكو في العراق ليونايتد برس انترناشونال إن منظمته تبذل جهوداً كبيرة من أجل حماية العلماء العراقيين، والأساتذة والمحاضرين الجامعيين من خلال طرق وأساليب مختلفة بما في ذلك إرسال العديد منهم إلي الخارج. وأوضح خان أن عقدين من الحروب دمرا بالكامل البنية التحتية الاجتماعية والسياسية للعراق وأهم ناحية في ذلك تدمير النظام التعليمي الذي هو حجر الزاوية في تنمية الموارد البشرية التي يعتمد عليها البلد بأكمله . وأشار إلي ان معظم العراقيين المؤهلين، إما ماتوا أو هاجروا . وإنقاذ العلماء العراقيين الجدد تحد مهم آخر. وأعطي العديد من الطلاب العراقيين الذين وصفهم آل ثاني بعلماء المستقبل منحاً لمتابعة دراستهم في الجامعات المرموقة في المدينة التعليمية بقطر. لكن هل ستنجح قطر في أن تصبح مركز حماية الأدمغة العربية في وقت يعتقد فيه اغلب العرب أن إسرائيل والولايات المتحدة ستقف حائلاً في وجه مثل هذا الانبعاث العربي؟ وقال آل ثاني الذي يستضيف بلده أكبر قاعدة أمريكية في الخليج لا نعلم. لم نواجه أي مقاومة. الفرق هنا هو أننا نعمل مع المؤسسات الأمريكية… أصبحنا فريقاً واحداً الآن . (يو بي آي) (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 17 مارس 2007)


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

22 avril 2008

Home – Accueil   TUNISNEWS  8 ème année, N°  2891 du 22.04.2008  archives : www.tunisnews.net   Xinhua:  Tunisie: croissance de

En savoir plus +

6 janvier 2009

Home – Accueil   TUNISNEWS 8 ème année, N° 3150 du 06.01.2009  archives : www.tunisnews.net   FIDH & OMCT:Tunisie: Campagne de

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.