الخميس، 9 مارس 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2117 du 09.03.2006

 archives : www.tunisnews.net


أهالي مساجين الرأي بتونس: عيد بأي حال عدت يا عيد المرصد الوطني لحرية الصحافة والإبداع والنشر: تهديدات لعائلة الجلالي وعودة إلى أساليب تركيب مشاهد الفيديو  طلبة القائمة المستقلة بجامعة صفاقس: أخبار الجامعة أخبار تونس: الرئيس زين العابدين بن علي يقرر تركيبة جديدة للديوان السياسي للتجمع الدستوري الديمقراطي الصباح: شخصية مستقلة تلتقي زكريا بن مصطفى.. محمد الفاضل: محنة سجناء السياسة، محنة المجتمع التونسي (الجزء الـثاني)

عبدالحميد العدّاسي: الرئيس التونسي يُحارب الردّة والمرتدّين

مواطــن: لماذا تبكي نساؤنا ونساء الغير تفرح ؟

آمال قرامي: مسيرة التونسيات: استمرارية أم قطيعة

د.منجية السوائحي: العنف المقدّس ضدّ المرأة

نضال القادري : المرأة بين الواقع والمرتجى في النظام الأبوي البطريكي « دراسة مقارنة »

مرسل الكسيبي: تشكيل مجلس ادارة الجزيرة:حدث ودلالات

السيد ولد أباه: نذر الفتنة الأهلية الشاملة


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

   

أهالي مساجين الرأي بتونس

عيد بأي حال عدت يا عيد

نحن أمهات و زوجات و بنات المساجين السياسيين التونسيين نسجل تطلعنا إلى أن يلتفت قبالتنا المجتمع المدني في الداخل و الخارج ليرى معاناتنا طوال خمسة عشر سنة من تنقل بين السجون التونسية و فقدان للآباء من قبل الأبناء الأمر الذي يجعلنا كنساء تونسيات نكابد أتعابا جسيمة في صمت دون أن يتوقف نزيف العذاب الأسبوعي و اليومي المتواصل.  ولنا أن نذكر بالعديد من هؤلاء النسوة:

 

–                السيدة بختة الزعلوني و يقيم زوجها السيد الشاذلي محفوظ في سجن برج الرومي

–                السيدة فوزية السنوسي يقيم أخوها السيد لطفي السنوسي في سجن برج العامري

–                السيدة زعرة الأسود التي تجاوز سنها السبعين و تعيش على أمل الإفراج عن ابنها السيد عادل بن عمر المقيم بسجن برج الرومي.

–                السيدة سعادعبد الملك زوجة السيد حمادي عبد الملك المقيم بسجن المسعدين.

–                السيدة مباركة العير أخت السيد معتوق العير المقيم بسجن الناظور.

–                السيدة وسيلة بوحجيلة أم السيد عبد اللطيف بوحجيلة المقيم بسجن 9 أفريل بتونس العاصمة.

–                السيدة طاع الله الخلصي أم التوأمين السجينين السيدين ماهر الخلصي ورمزي الخلصي المقيمين في سجنين مختلفين طوال 15 سنة ( ماهر ببرج العامري ورمزي بالمهدية ) و ما ينتج عن ذلك من معاناة و مشقة تتكبدهما هذه السيدة كلما زارت أحد ابنيها اللذين أودعا السجن قبيل اجتياز امتحان الباكالوريا بقليل سنة 1991.

كما نشير إلى المشاكل النفسية الخطيرة التي بدت على أبناء ينتظرون إطلالة آبائهم كل عيد و كل سنة دون أن يحصل ذلك إلى حد كتابة هذه الورقة من مثل صابرين شنيتر ابنة السيد علي شنيتر التي ولدت دون أن ترى أباها مما جعل مفهوم الأبوة غير واضح لديها و مثل نهى محفوظ ابنة السيد الشاذلي محفوظ التي لا ترسم من صورة أبيها إلا النصف الأعلى باعتبار أنها لا تعرف من صورته إلا تراه من خلال القضبان المزدوجة إذ أنها فارقته و عمرها سنة واحدة والقائمة تطول…إلى جانب فقدانهم للسند المادي مما جعل حياتنا خليطا من المشاكل المادية و النفسية و الاجتماعية وصار العذاب خبزنا اليومي على غير ما تتمتع به المرأة من حياة مدنية عادية يحق لنا أيضا أن نحياها.  

و إننا كأهالي مساجين الرأي بتونس و باعتبارنا جزءا لا يتجزأ من نساء تونس نلفت انتباه الرأي العام إلى وضعيتنا المزرية و حقنا في حياة عادية خالية من المظالم و المتاعب آنفة الذكر والتي تتجاذبنا بين ثقل المشاكل المادية والاجتماعية و النفسية فمتى تتوقف سلسلة العذاب المقيتة التي نحياها.  

لا ننسى خضوع العديد من النساء إلى المضايقات التي تضطرهن الى طلب الطلاق للخلاص من المتابعات الأمنية مثل زوجة السيد الطاهر الحراثي و زوجة السيد فرج الجامي وزوجة السيد علي النفاتي وزوجة السيد علي الزروي وزوجة السيد معتوق العير وأسماء أخريات عديدات اجبرن على طلب الطلاق بطريقة أو بأخرى وما يزال هذا الصنف من المضايقات قائم الذات وما تزال الاستفزازات ضد النساء التونسيات أمهات و زوجات وأخوات مساجين الرأي مما يجعل العقوبة تكاد تكون عائلية أو جماعية و ليست شخصية فسجين الرأي يسجن بتهمة ما و يتعذب أهله جميعا بأشكال مختلفة اقلها سوء المعاملة… وعليه فإننا كأهالي المساجين السياسيين في تونس نمثل صوت الضحية التي تحاكم دون محاكمة وتعذب بلا تهمة غير انتمائها إلى زوج أو أب أو أخ أو ابن يعد صنفا معينا من المساجين.  

إذا تتوالى الأعياد تباعا كل سنة دون أن تأتي إلينا بما يشعرنا بحقنا في المواطنة شان المتنبي حين قال:

 

عيد بأي حال عدت يا عيد        لما مضى أم لأمر فيك تجديد
أهالي مساجين الرأي بتونس
08/03/2006
 

المرصد الوطني لحرية الصحافة والإبداع والنشر

تونس في 7 مارس 2006

 

تهديدات لعائلة الجلالي

وعودة إلى أساليب تركيب مشاهد الفيديو

 

ينبّه المرصد الوطني لحرية الصحافة والإبداع والنشر إلى فداحة ما تتعرض له عائلة الأستاذ محمد الطيب الجلالي من تهديدات تمسّ بأعراضهم.

فقد تلقّى الأستاذ محمد الطيب الجلالي تهديدات عبر الهاتف تم تعزيزها عبر رسالة بريدية يوم 7 مارس 2006 مفادها وجود صور وتسجيلات فيديو تظهره في مشاهد جنسية سيقع توزيعها.

وكانت زوجة الأستاذ الجلالي، الصحفية نزيهة رجيبة (أم زياد) مديرة تحرير مجلة كلمة الإلكترونية ونائبة رئيس المرصد الوطني لحرية الصحافة والإبداع والنشر، قد  تلقّت عقب قمة مجتمع المعلومات في نوفمبر 2005 تحذيرا من مصادر مقرّبة من الحكم في تونس بشأن انزعاج السلطات التونسية من المقالات التي تنشرها خاصّة في نقد تجاوزات السلطة والفساد المستشري في أوساط العائلة المحيطة بجهاز الحكم. وقد تم إعلامها بوجود نيّة لاستهدافها هي وعائلتها وهو ما نبّه إليه المرصد في بيانه ليوم 5 ديسمبر 2005.

 

والأستاذ محمد الطيب الجلالي عضو بالمجلس الوطني للحريات بتونس ونائب سابق بالبرلمان من 1999 إلى 2004 حيث لعب دورا بارزا تلك الفترة. وقد استقال مؤخرا من حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي بمعية 70 عضوا آخر رافضين لعب دور الديكور حول نظام الحكم.

 

وقد تقدم الأستاذ الجلالي بشكوى إلى وكيل الجمهورية بمحكمة تونس لتعقّب المعتدين عليه بالتهديد.

 

وهي ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الأجهزة المختصة بوزارة الداخلية هذه الأساليب المشينة ضد المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

 

 فقد عادت بعد أن ظَنَنّا أنّها أساليب قد ولّت بعد سنوات بداية التسعينات حين استخدمها البوليس السياسي وسيلة لتلويث سمعة المعارضين الذين لم يمتثلوا لإرادة الجهاز.

 

ومع الأسف لا تزال حملات التشويه تطلق من حين لآخر عبر الصحف الخاضعة للتعليمات.

 

والمرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع :

 

       يدين بشدّة هذه الأساليب المستهجنة التي تديرها الأجهزة المختصة في وزارة الداخلية.

       يعبّر عن تضامنه الكامل مع الأستاذ الجلالي ونزيهة رجيبة وعائلتهما.

       يدعو إلى أن يتحمّل القضاء مسؤوليته في معاقبة مستخدمي هذه الوسائل التي تسيء إلى سمعة البلاد ومؤسسات الجمهورية.

       يحمّل السلطات التونسية مسؤوليتها عن كلّ ما قد يمسّ بالسلامة الجسدية أو المعنويّة لهذين الشخصيتين المعارضتين أو أبنائهما.

 

الكاتبة العامة

سهام بن سدرين


 

طلبة القائمة المستقلة بجامعة صفاقس

 

أخبار الجامعة

باريس في 09/03/2006

 

أقدم عميد كلية العلوم بصفا قس منذ أسبوعين على منع الطالب أسامة بن سالم ممثل طلبة المرحلة الثانية في المجلس العلمي عن القائمة المستقلة من حضور اجتماع  المجلس التأديبي و طلب من الممثلين الأربعة تفويض عضو واحد لنيابتهم في كل الاجتماعات حيث رأى أن وجود ثلاثة ممثلين عن الحزب الحاكم كفيل بإقصاء ممثل المستقلين، إلا أنه فوجئ برفض ممثل طلبة المرحلة الأولى عن التجمع الدستوري الديمقراطي « كريم الحناشي » لهذا الأسلوب.

 

 فقد رأى هذا الأخير أن للمستقلين الحق في تمثيلهم بكل الاجتماعات وأن النتائج التي تحصل عليها ممثلهم والتي فاقت مجموع الأصوات التي تحصل عليها معارضوه لدليل قاطع على أنه يمثل شريحة واسعة من الطلبة، إضافة إلى كون مطالبهم محض حقوقية، لعل من أهمها مطلب فتح الباب الخلفي للكلية بعد غلقه من طرف العميد لغاية عزل الطلبة داخل أسوار الجامعة و منعهم من الخروج على إثر المظاهرات المنددة باغتيال الشيخ احمد ياسين.

 

 ومنذ ذلك الحين يعاني الطلبة مشقة قطع مسافة 1500 متر للوصول إلى المطعم الجامعي، في حين لا يفصله عن الباب القديم سوى الطريق العام أي حوالي 10 أمتار.

 

وقد ضم الطالب التجمعي « كريم الحناشي » صوته إلى المستقلين وقرر مقاطعة المجلس بعد تشبث العميد بقراره الاقصائي.

 

وعلى إثرها تعرض لهرسلة يومية و تهديدات بإحالته على مجلس التأديب و الطرد و ذلك في اتصال هاتفي من قبل العميد مما دفعه صحبة الطالب أسامة بن سالم إلى الدعوة لتنظيم اجتماع عام في ساحة الكلية لإعلام الطلبة بالأحداث الجارية كما طالبوا فيه العميد بمقابلتهم و تفسير قراراته إلا أنه رفض ذلك رفضا قاطعا مما أدى بالطلبة إلى تصعيد الوضع والتوجه للاعتصام أمام الباب المذكور أعلاه فتصدى لهم أعوان الأمن ونتج عن ذالك مشادات عنيفة أدت إلى إقدام الطلبة على هدم الحائط.

 

وقد طلب مسؤول أمني من ممثلي الطلبة تهدئة الأوضاع التي خرجت عن سيطرتهم فاستجاب كل من مرشح المستقلين والتجمعيين لذلك مقابل حل الأزمة سلميا و تم نقل مجموعة متكونة من ثمانية طلبة لمقابلة الأستاذ حامد بن ضياء رئيس جامعة صفا قس ووقع استدعاء عميد كلية العلوم للتشاور حيث تم وعدهم بحل الأزمة، إلا أنه و اثر مغادرته المقر أوقف أعوان البوليس السياسي أربعة طلاب وأرغموهم على مرافقتهم إلى منطقة الشرطة بحي البحري حيث أعلموا بفتح محضر بحث عدلي بطلب من وكيل الجمهورية و برفع دعوى ضدهم من طرف عميد الكلية بتهمة الإضرار بأملاك الدولة.

 

 و الطلبة هم:

كريم الحناشي:  ممثل طلبة المرحلة الأولى عن التجمع الدستوري الديمقراطي

أسامة بن سالم:  ممثل طلبة المرحلة الثانية عن قائمة المستقلة

باسم النصري:  طالب سنة أولى رياضيات عن قائمة المستقلة

حسونة أولاد لطيف:  طالب سنة ثالثة عن قائمة المستقلة

 

هذا و قد تم منعهم من دخول الكلية في اليوم التالي بدعوى إحالتهم على مجلس التأديب إلا أن التفاف الطلبة حولهم من جديد أدى إلى السماح لهم بالدخول و تأجيل القرار التأديبي لأجل غير محدد إذ علمنا من مصادر قريبة من العميد أنه ينوي تنفيذ قراره في إحدى العطل وهذا ليس بغريب عنه حيث أقدم خلال صيف 2004 علي طرد كل من الطلبة الآتي ذكرهم لمدة ثلاثة أشهر:

 

النفطي المحضي:  ممثل طلبة المرحلة الثانية في المجلس العلمي لسنة 2004-2005 عن القائمة المستقلة.

أسامة بن سالم:  ممثل طلبة المرحلة الثانية في المجلس العلمي لسنة 2005-2006 عن القائمة المستقلة.

ثامر المشي:  طالب سنة رابعة رياضيات.

 

إن هاته الأحداث لدليل على أن القائمة المستقلة ليست حكرا لتيار معين من الطلبة بل هي تمثل تيارا عريضا من الطلبة المستقلين الذين آمنوا بضرورة وجود فضاء حر يضم مختلف الأفكار التي من شانها أن تثري العمل النقابي الطلابي سعيا منهم لتحسين ظروف أبناء وطننا العزيز من طلاب العلم وإصرارا على إيصال مطالبهم وآرائهم رغم تهافت أعداء الحرية و العمل الحقوقي على سلك التعليم.

 

عن طلبة القائمة المستقلة بجامعة صفاقس

سيف بن سالم

 

الرئيس زين العابدين بن علي يقرر تركيبة جديدة للديوان السياسي للتجمع الدستوري الديمقراطي

 

اجتمع الرئيس زين العابدين بن علي صباح اليوم الخميس بالسيد الهادي مهني الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي الذي اطلع سيادة الرئيس على تقدم الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال والبرامج التي أعدها التجمع على مختلف الأصعدة احتفاء بهذه الذكرى الوطنية المجيدة.

كما اطلع سيادة الرئيس على تقدم تجديد هياكل التجمع على المستوى الخارجي.

ومن جهة أخرى أعلن الأمين العام للتجمع ان سيادة الرئيس قرر ان تكون تركيبة الديوان السياسي للتجمع الدستوري الديمقراطي على النحو التالي :

 

السادة :

– حامد القروي / نائب أول لرئيس التجمع

– محمد الغنوشي/ نائب ثاني لرئيس التجمع

– الهادي مهني / أمين عام

– عبد الله القلال/ أمين مال

 

أعضاء / السادة والسيدة

– فؤاد المبزع

– عبد العزيز بن ضياء

– احمد عياض الودرني

– عبد الوهاب عبد الله

– رفيق بالحاج قاسم

– أليفة فاروق

 

(المصدر :موقع « أخبار تونس » الرسمي بتاريخ 9 مارس 2006)


شخصية مستقلة تلتقي زكريا بن مصطفى..

تونس ـ الصباح

علمت «الصباح» ان السيد زكريا بن مصطفى رئيس الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات، والمكلف من قبل رئيس الدولة بقبول اتصالات الاحزاب ومشاغلها، تلقى في غضون الايام القليلة الماضية تقريرا حول النظام الانتخابي، خلال مقابلة للسيد زياد الهاني، الذي ترشح بشكل مستقل في اربع مناسبات انتخابية سابقة.

وتضمن التقرير الذي قدمه السيد الهاني جملة من المقترحات تخص النظام الانتخابي في تونس، وهي تتلخص في اربع نقاط اساسية:

ـ حياد الجهاز المشرف على العملية الانتخابية
ـ تعزيز دور القضاء في الاشراف على العملية الانتخابية
ـ تعزيز تجسيم ارادة الناخب
ـ تعزيز ضمانات المترشحين وتجريم اعمال التزوير..
وجاءت هذه النقاط في نحو 11 صفحة كاملة.

وكان زياد الهاني ترشح بصفة مستقل في ثلاث مواعيد انتخابية جزئية، وموعد انتخابي برلماني عادي، الامر الذي راكم لديه تجربة انتخابية، حرص على بلورة بعض الملاحظات بشأنها، وتقديمها للسيد زكريا بن مصطفى..

وتعد هذه اول مرة يستقبل فيها السيد بن مصطفى في اطار مهمته الجديدة، شخصية مستقلة، لا علاقة لها بالاحزاب والتيارات السياسية، وهو ما يعني ان مهمة السيد زكريا بن مصطفى مفتوحة على جميع الاطراف الحزبية والجمعياتية والشخصيات المستقلة..

الجدير بالذكر ان السيد بن مصطفى استقبل عدة وفود من احزاب سياسية ومنظمات عديدة، بينها حزب الوحدة الشعبية وحركة التجديد والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وغيرها.

صالح عطية
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 9 مارس 2006)

الأحــــــــد القـــــــادم بالمســـــرح البلــــــدي:

انطلاق الدورة الثانية للمهرجان الدولي للإنشاد

الأداء بــدون موسيقــى رهــــان أساســي لهــذه التظاهــرة الفنيــة

 

يحتضن المسرح البلدي بالعاصمة بداية من الاحد القادم الدورة الثانية للمهرجان الدولي للانشاد الذي تنظمه جمعية احباء الابداع الموسيقي بادارة الدكتور محمد لطفي المرايحي.. وهو المهرجان الذي يعتمد على فن الاداء دون مرافقة موسيقية.

وتشارك في هذه الدورة ذات الطابع الخصوصي عديد الاصوات والفرق المتمرسة في فن الاداء  القوي والسليم وهي:

*  تينوس دي بتي (اربعة اصوات قادمة من سردينيا تحمل الارث البولوني لجنوب ايطاليا).

* المجموعة الافريقية: وهي متكونة من طلبة افارقة يدرسون بتونس فيفوح انشادهم برحيق الارض الافريقية.

* لي كواردي ليلان: مجموعة متكونة من خمسة منشدين قادمة من حي لبلان بمرسيليا الفرنسية مختصة في تقديم الارث الاكسيتاني.

* جميلة حقي وعبد الرحمان الشيخاوي وعلياء السلامي وليلى حجيج وبطانة الشيخ النعاث ومنير المهدي والمجموعة الصوتية لمدينة تونس بقيادة اندريا صدام.

وستعمل هذه الفرق والمجموعات على كشف عديد خصوصيات الانشاد الريفي والمواويل الدينية.

ونشير في هذا الاتجاه ان عروض هذا المهرجان تتوزع على المسرح البلدي بالعاصمة والمركب الثقافي بحمام الانف وتتواصل حتى السبت 18 مارس الجاري.

محسن بن أحمد

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 9 مارس 2006)
 

 

السجن السياسي وتعميم أنظمته المجتمعية في النسخة التونسية

محنة سجناء السياسة، محنة المجتمع التونسي (الجزء الـثاني)

بقلم: محمد الفاضل

 

(نشر الجزء الأول تحت عنوان « السجن السياسي في تونس – بين الخيارات الأمنية وأحلام الإنفراج » في عدد تونس نيوز المؤرخ بـ 6 مارس 2006)

 

المقدمة

 

إن الخصوصية الجامعة التي تجعل مسألة السجـن السياسي القضية الأم للقضايا التي تشغل الأحرار من التونسيين، هي كون مؤسسة السجن بما هي مؤسسة عقابية لا تستهدف بالعقاب السجين الفرد بحد ذاته فقط ولا فاعل الجرم بصفته البشرية وحسب وإنما في واقع الأمر تجري معاقبة ذاك السياسي بما هو:  هوية عاقلة وكيان مجتمعي وفعل للحق. فتجريم السياسي منهج يعمل على بتر السلوك وطمس الوعي واحتكار دوائر الفعل السياسي وهو أيضا يقنن أنظمة السجن العقابي ويعممها.وإذا كان السجن أكثر الصيغ الحسية بداءة للعقاب المؤسسي، فإن إرادة الاستبداد قادرة على أن تجعل له أنظمة بالغة التجريد و المرونة، تشارك الفرد والجماعة معاشهما بإكراهات ناعمة، لاتلبث الطباع البشرية أن تتطبع عليها بعد التبلد.

                                  

محنة السجن في تجربة الإسلاميين وأبعادها السياسية

 

إن الذين لا يزل نفاقهم السياسي يهيم بهم فيدَعون أن محنة الإسلاميين في السجون هي محنة إنسانية وليست محنة سياسية هم في واقع الأمر أحد صنفين: إما أنهم حلفاء إستراتيجيون لنظام إبن علي وحماة لمشاريعه الإمبريالية المتصهينة أو أنهم حلفاء موضوعيون أدى عنهم نظام إبن علي بقمعه الإسلاميين، ما لن يترددوا في أدائه لو أن الأمر بيدهم. فحين بتحذلقون في إجتهادهم بالتمييز بين الحقوق السياسية للإسلاميين وحقوقهم الإنسانيةوحين يعتبرون السجن السياسي منحة لايستأهل الإسلاميون التمتع بها، إما لأنهم أجرموا كما يقول الحلفاء الإستراتيجيون أولأنهم ظلاميون على حد وصف الحلفاء الموضوعيون، إنما يعكس عمق الفصام الذي تعانيه هذه الذهنية السياسية المهترأة والمشبعة بلوثة الاستبداد التاريخي.

 

ففي الوقت الذي تجتهد هذه الذهنية بإظهار رقتها وإنسانيتها حين تعترف بالوجه الإنساني لمحنة الإسلاميين دون الوجه السياسي، فإنها تكون قد أسقطت التاريخ من قراءتها وأفرغت نزاع الإسلاميين ضد مشاريع الدولة الحديثة في العهدين البائد واللاحق، من كل المضامين الإشكالية في السياسة والفكر والتاريخ, وهي تقرأ بذلك أيضاً الفعل السياسي بصورة مفارقة للإنساني من جهة وتسقط من لوازم الفعل الإنساني كل مدلولاته السياسية، وتنزع عن مؤسسة السجن ما تحمله من إمتيازات سياسية للدولة في مناوراتها ضد المجتمع المدني.وتطمس بشفقتها الزائفة تاريخا عريقا للإسلام السياسي في تونس لم تكن حركة النهضة الإسلامية إلا إحدى روافدها الأساسية المعاصرة.إن حلفاء نظام إبن علي الإستراتيجيين و حلفائه الموضوعيين حين يجعلون من السجن السياسي منحة، يجب عدم مكافأة الإسلاميين بها، ويكتفون بالشفقة الزائفة على إنسانيتهم المهدورة، يدركون مع ذلك أن السنين الخمسة عشر التي اُهدرت فيها إنسانية الإسلاميين في السجون وخارجها، كان نظام إبن علي، على مرأى منهم ومسمع، قد أهدر كرامة التونسيين جميعهم وأنتهك حقوقهم الإنسانية وصحر حياتهم السياسية. وفي الوقت الذي نشطت أجهزته من أجل تجفيف ينابيع الإسلاميين ومدارسهم الفكرية والشرعية كانت تلك الأجهزة ذاتها، بعد أن اطمأنت إلى ما بدا لها من نجاح في مهمتها، تجفف الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعيةو السياسية، وتلغي مكاسب عريقة للمجتمع التونسي نحت بأظافره، طوال ما يزيد عن القرن، تاريخها.

 

كما أن حلفاء ابن علي هؤلاء، لا محالة يدركون، أن عشرات الألاف من السجناء الإسلاميين (نحو 25ألف إسلامي أدخل السجن بين1990و2005) جاؤوا من خلفية ثقافية وتاريخية لا تزال برغم كل شيئ تنبض بالحياة.وأنهم بكل حال يمثلون خياراً منافساً يجد دوماً في الاستجابة الجماهيرية لهم ما يبرر وجودهم حتى ولو ظلوا لسنين رهائن السجون المعتمة. وأياً كان رأي خصوم الإسلاميين في مشاريعهم فإنهم، قبل إغلاق جامع الزيتونة وبعده، كانوا لايترددون في مواجهة مشاريع التغريب و في دفع التضحيات مقابل خيارات، لهم في أدبياتهم ما يأصلها و في وطنيتهم ما يشهد لها.وأن السجن السياسي ليس بدعة في تاريخهم ، ليمنحهم  المخلفون  شرفه، وأن تجربتهم التاريخية كانت ترفع ،دوماً بتضحياتهم، من سقف أمالهم وأمال شركائهم السياسيين وتصنع بمحنتهم جذوة نضال لأجيال لاحقة.

 

إن بعض خصوم إبن علي ممن يضعهم عداءُهم “الراديكالي” للإسلاميين في خانة الحلفاء الموضوعين مع النظام وأجهزته الأمنية حين يبعث فيهم، هدر إنسانية الإسلاميين في السجون، شعور بالأسف وحين هم، من جهة ثانية، يستكثرون على الإسلاميين حقهم في السجن السياسي، إنما هم في واقع الأمر يجعلون من آلام الإسلاميين ومحنتهم مناسبة لمقياضتها بحقهم في السياسة و هو نهج برغم الشفقة الزائفة، يؤسس، تماماً كما يفعل نظام إبن علي، لمقدمات إقصائهم من الساحة السياسية مستقبلاً.

 

وحري بهذا البعض ممن لا يجد غضاضة في إقصاء الإسلاميين من الحياة السياسية، أن يذ كر أن سجل الإسلاميين على إمتداد الخمسين سنة الماضية من التنكيل لم يقطع أوصالهم ولم ينزع شأفتهم وإنما إستدعى استئصالهم شن أكبر عملية أمنية شهدتها البلاد منذ خمسة عقود ضد المجتمع بأفراده وهيئاته ومؤسساته. وحري أيضا بمن، يخرج اليوم عن هيئة 18 اكتوبر للحقوق والحريات، بتحالفات موازية تشترط إقصاء الإسلاميين عن المشاركة أن يتأكد إن كان لمشروع دولة استئصالية تأتي غداً يقودها مثل هذا التحالف أن يمنح التونسيين من حقوقهم أفضل مما منحته دولة إبن علي للإسلاميين؟

 

وإذا كان لابد لمن رام إعادة النظر في دولة إبن علي ووْصفها بما يتناسب ومناهجها الأمنية مقارنة بماضي التونسيين وكان يعنيه أيضاً هذه الأيام الاحتفاء بخمسينية الاستقلال عن فرنسا، أن يذكر أن أحداً من التونسيين وعلى إمتداد الحقبة الإستعمارية، لم يقضي بالسجن مدة متواصلة بلغت الخمسة عشر عاماً مثلما قضاها الإسلاميون ولا يزالون يقضونها في سجون دولة ابن علي. وأن الإستعمار الفرنسي الذي كان قد حاكم التونسيين بتهم الخيانة والنيل من سلامة أمنها الداخلي والخارجي، وتخريب منشأتها، وتنظيم المقاومة المسلحة ضدها، كان يسارع أيضاً بعد بضع سنين فقط من صدور أحكام ثقيلة في حقهم. إلى إصدار قرارات للعفو لفائدتهم.

 

إن إصرار النظام على وصف السجناء الإسلاميين بسجناء الحق العام، وهم الذين كانوا أقوى الأطراف المنافسة له في إنتخابات89  يؤكد كما يفعل دائما، افتقاره إلى أي أفق سياسي مطلوب لبلد كان من أهم ميزاته التاريخية بين دول العالم العربي وإفريقيا، مبادراته الإبداعيه في السياسة المدنية ( من نظرية العمران البشري لإبن خلدون إلى عهد الأمان مع نهاية القرن التاسع عشر إلى بعث أول حزب سياسي في العالم العربي1920 فتأسيس أول حركة نقابية 1924 إلى بعث سنة 1977لأول رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي)

 

وما يزيد إلى حاجة النظام في التملص من ملف الانتهاكات ذات الطبيعة الحقوقية، بالنظر إلى تمسكه بعدم الاعتراف بوجود سجناء سياسيين في تونس تلك الضرورة الملحة في إبقاء ملفات خصومه من سجناء الرأي بعيداً عن الذاكرة السياسية الجمعية و بعيداً عن المراجعة والمقارنة النظرية بين خياراته وخيارات سياسية أخرى مقترحة وبعيدا عن استثمار خصومه للرمزية السياسية لمحنة السجن، وإخلاءاً للساحة السياسية الآن ومن بعده من بدائل وطنية، وترسيخاً لثقافة تجريم السياسي، وتكريساً لمنهج الإقصاء والاستئصال، واستدامة لحالة العقم السياسي الذي سقطت البلاد في دركاته منذ ثمانية عشر عاماً.

 

والدولة الأمنية وحدها حين ترهن المجتمع بمكوناته الحية المدنية والسياسية بين مؤسسة سجنية عقابية تنزع نعت السياسة عن السجين وبين نظام سجني عقابي يسحب عن المعارضة الجادة والنشطة حقها السياسي وتصبغ على التعامل معهم جميعاً صبغة خاصة. ووحدها هذه الدولة الأمنية بإقصاءاتها تلك لمواطنيها وهيئات مجتمعها و بتناقضات أجهزتها السياسية وأجهزتها الأمنية ستتطور إلى دولة أوليغارشية بيد عصابات ستعيد مراكمة دورة المال العام لتحول وجهته إلى خزائنها الخاصة.

 

ونظام السابع من نوفمبر الذي إنتهز انشغال العالم ووسائل إعلامه بزلزال حرب الخليج الأولى ليجهز على الحركة الإسلامية ويتخذ من حالة الاقتتال الداخلي في الجزائر حجة له لاستئصالها، فـقدَ اليوم كل معقولياته الدعائية التي بررت نهجه الأمني السابق في معالجته ملف الإسلاميين.فابن علي الذي ظهر في عيون التونسيين بصورة البطل القومي عند خروجه عن الموقف العربي بإزاء قرار التدخل العسكري في العراق في قمة مصر/1990، يجد اليوم نفسه في خدمة هذا التدخل العسكري ذاته من موقع » الجبهة التونسية لمكافحة الإرهاب » وحماية « الأمريكان » يحاصر ويعتقل بين سنتي2004و2005 شباباً تنادى لنصرة المقاومة العراقية ويزج بعد التعذيب ما يزيد عن150 منهم في السجون.

 

والقادة السياسيون الجزائرون الذين نجحوا في إخراج البلاد من محنة إقتتال سقط ضحيتها 150 الف جزائري، يثبتون أن الإرادة الوطنية الصادقة وحدها يمكن أن تنجز، ولوبحسابات محدودة الإنصاف، ميثاقاً وطنياً للسلم والمصالحة يستجيب إليه جميع الأطراف (الإفراج عن 2629 من الإسلاميين الجزائريين بموجب اتفاق المصالحة الوطنية) إلا أن هذا النجاح الجزائري في إنهاء أزمة البلاد مع المجتمع ومع الإسلاميين على وجه الخصوص، لايمكن لدولة ابن علي الأمنية، بأنظمتها المغلقة وميزاتها التسلطية، أن تستوعبه. فمقارنة الحالة الجزائرية مع ما قيل من قيام الحجة في تونس على تجاوز الإسلاميين للمحظورات الأمنية، وعلى الرغم من أننا لم نرى حجة أونسمع بينة على أن عود ثقاب واحد أشغله أبناء حركة النهضة الإسلامية. فإنه بعد خمسة عشر عاما من التنكيل بالإسلاميين و التدمير المنظم لمكاسب التونسيين، لاتزال وسائل دعاية ابن علي، مع إنسداد كل أفق سياسي للإصلاح، تعده بطلا وطنياً فريداً.

 

أحلام الإنفراج والخيارات الأمنية

 

يبدو أن الإفراج علىما يزيد عن السبعين من السجناء الإسلاميين في توقيت لم يعتده المنشغلون بالشأن السياسي التونسي، كان له من الوقع في نفوسهم ما دفع العديد منهم إلى التساؤل حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الإجراء المفاجىء.وأكثر التفسيرات تداولاً، ردت الأمر إلى زيارة دونالد رامسفيلت ورغبة الولايات المتحدة في أن تردف الدولة التونسية إلى إصلاحاتها الاقتصادية والاجتماعية، إصلاحات سياسية.

 

والتفسير الثاني الذي تداوله المنشغلون بالشأن التونسي هو التقرير الذي رفعته لجنة الصليب الأحمر الدولي إلى الرئاسة والذي تعرض لوضع المحكومين من السجناء الإسلاميين.لكن ما أثار إستغارب الكثيرين أيضاً هو أن توقيت الإفراج كان يبعد بنحو خمسة وعشرون يوماً من تاريخ عيد الإستقلال، وهو ماجعل منه،برأيهم، حدث بدون مناسبة، بعكس ما كان يحلو لبن علي أن يفعل.غير أن الحدث من جهة أخرى دغدغ في نفوس البعض أمالاً صادقة في أن يروا في الإفراج عن السجناء من الإسلاميين، مؤشرات على الإنفراج السياسي. ومع أن كل تلك التفسيرات تظل إجتهادات مشروعة لفهم الواقع التونسي واستشراف مستقبله، إلا أنها لن تكون مقبولة إلا في حدود الاسترشاد بها فقط لما يمكن أن يرشح عن هذا الإفراج من وضع جديد بالبلاد، وما دامت لم تتجاوز هذه الاستنتاجات المجال التداولي للحدث السياسي ومادامت الدولة الأمنية وحدها، والحالة تلك، قادرة على إعطائه ما يحمل من مدلولات.

 

ومع أن الرئاسة تلقت فعلاً تقرير لجنة الصليب الأحمر الدولي الذي أعدته بناءاً على استجوابات لجميع سجناء الإسلاميين خصوصاً من أبناء حركة النهضة الإسلامية، خلال شهر جويلية من سنة2005، و استغرقت خلالها المقابلات مع كل واحد من السجناء بين الساعة ونحوها إلى الساعتين، فإننا نستبعد أن يكون للإفراج الحاصل في 25فيفري 2006 أثر ضاغط أدى إلى اتخاذ مثل هذا القرار وذلك لأن الإفراج كان جزئياً ولم يكن قد شمل كل المساجين ممن يعرفون بإلإنتماء إلى حركة النهضة الإسلامية، ناهيك عن كونه كان يتسم إلى حد كبير بالعشوائية ودون التقيد بأية معايير خاصة: كالمدة المتبقية من محكومية السجين أو معايير متعلقة بسوء سلوك السجين أو حسنه أو بتصنيف السجين في القضية المتهم بها من حيث أهميته الفعلية مقارنة بدور رفاقه فيها أو معايير متعلقة بالحالة الصحية التي عليها السجين.

 

·                فمن بين المساجين الإسلاميين من كان محكوماً بما يزيد عن العشرين سنة جرى تسريحه بينما لم يشمل هذا العفو بعض من لم يبق من مدة محكوميته إلا سنة أو سنتين.

·                كما أفرج عمن اشتهر لدى إدارات السجون بسلوكه المشاكس وتحريضه السجناء على الإضراب وعوقب لمرات بالعزلة، فيما المعروفون بحسن سلوكه من السجناء لا يزال بعضهم يقضون باقي محكوميتهم.

·                كما أنه من بين بعض المجموعات من السجناء المحكومون في ذات القضية تم تسريح المتهم الرئيسي في المجموعة وترك رفاقه الذين هم أطراف ثانويون فيها.

·                وفيما يوصف هذا الإفراج عن السجناء الإسلاميين بالعفو الرئاسي، لايزال عدد منهم ممن أدركت حالته الصحية حداً بالغ السوء، ولم يبقى من محكوميته إلا سنة واحدة، يرقد للآن في المستشفى تحت الحراسة الأمنية دون أن يسعفه هذا العفو، في الوقت الذي سرح محكومون عنهم بما يزيد عن العشرين عاماً.

 

هذه الملاحظات التي سقناها تؤكد غياب معايير واضحة في عملية الإفراج حيث لابد أن تكون لجنة الصليب الأحمر الدولية قد نصحت بها إن لم تكن قد نصحت بإطلاق سراح الجميع. وحيث أن شيئاً من هذا لم يراع مع تدخل المنظمة فإن اعتقادنا يميل إلى التقليل من الأهمية المباشرة لهذا التدخل.

 

أما زيارة دونا لد رمسفيلد وما يعتقده بعضهم في أنها كانت وراء قرار الإفراج، فهو أمر لا نستبعده بكل حال وإن كنا لا نرى له في القرار أثر مباشر فمهمة رمسفيلد تأتي في سياق ترتيب النفوذ الجيو-استرتيجي للولايات المتحدة الأمريكية على دول شمال إفريقيا ودعم خطط التعاون في نطاق الحملة الدولية لمكافحة ما يسمى بالإرهاب وأساساً من أجل البحث في سبل التعاون العسكري وإرساء قواعد عسكرية أمريكية في دول الشمال الإفريقي. والإشارة التي جاءت على لسان الوزير الأمريكي،  بضرورة أن تجري تونس إصلاحات سياسية، إذا فهمت في سياق الإشادة بالنجاحات التونسية الاقتصادية والاجتماعية. و ما تعطيه تلك التصريحات من انطباعات عما تحمله مشاريع الإصلاح من حوافز وتطمينات  فيما لو تمت تلك الإصلاحات بمواصفاتها الأمريكية وما يعنيه هذا الغزل السياسي من رضا، فإن معني الإصلاح السياسي لن يكون له أي مضمون خارج سياق الطبيعة الجوهرية للدولة الأمنية.

 

والواقع أن الإفراجات عن السجناء الإسلاميين عرفت في تونس بموسميتها وارتباطها بمناسبات رسمية وهي منذ بضع سنين تجري على ذاك النحو بصورة شبه منتظمة و تحقق لنظام ابن علي غرضها السياسي والأمني بصورة لا تستدعي تدخلا من أحد.و إن كان من تدخل من جهة ما، فإن تسريح السجناء سيجري على عادته وضمن الجدولة الكمية والزمنية المقررة وسيحقق ابن علي رضا وقبولاً بما سيُبديه لصالح الجهة المتدخلة من مرونة وتعقل مصطنعتين، وهو في الأخير لن يفعل حقيقة غير الذي يريد.  ونظام ابن علي الذي ارتبطت طبيعته الأمنية و مصالحه الاقتصادية بمصالح الإمبريالية المتصهينة، لا تلوي ذراعه تصريحات قلقة على حالة حقوق الإنسان في تونس وهو أبعد من أن تنغص عليه تقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية زهوه بما تدعيه له الآلة الدعائية من معجزات اقتصادية، ما دام قادر على أن يطعن في تلك التقارير و يثبت لحلفائه في الغرب استقرار بلاده السياسي وتمسك التونسيين بقيادته الحكيمة.

 

غير أن السياق الداخلي للأحداث وحده، كما نعتقد، يمكن أن يسمح لنا برؤية أكثر وضوحاً بخصوص تفسير مدلولات الإفراج عن السجناء السياسيين في مثل هذا التوقيت وأثره على الحياة السياسية في المرحلة القادمة؟

 

1. فرفع حركة 18أكتوبر لمطلب إطلاق سراح المساجين السياسيين في السجون التونسية، كان أكثر مطالبها إثارة وأقدرها وقعاً و إقناعاً لدى وفود المنظمات الحقوقية والإنسانية التي حلت بتونس أيام قمة المعلومات لاسيما وأن تلك الوفود تابعت الإضراب عن الطعام الذي شنته رموز حزبية ومجتمعية و زارت أسر عائلات المساجين السياسيين الذين شاركوا هم أيضاً في الإضراب عن الطعام في مرحلته الأخيرة.وهو إلى كل ذلك مطلب يقدم عينة مكثفة ومعبرة على مستوى الإنتهاكات الإنسانية والحقوقية التي يرتكبها الحكم في تونس.

 

2. أن النجاح الذي حققته حركة 18 اكتو بر في حشدها الإعلام العالمي وسحبها الأضواء إليها وحول مطالبها الثلاث وجر المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية خلال المرحلة الثانية لقمة مجتمع المعلومات وما قبلها،  لنصرة قضيتها ثم التحركات والاتصالات شبه الدبلوماسية التي أجرتها رموز تلك الحركة في أعقاب القمة وما تحقق لها بنتيجة تلك الإتصالات من اعتراف بهيأتها التمثيلية الاعتبارية، كان قد أفقد نظام إبن علي أمام الجهات الدولية المعتبرة صورة الإجماع الوطني الخادعة التي تحرص آلة الدعاية الإعلامية على ترويجها.

 

3. أن التجمع الذي دعت إليه الهيئة الوطنية للحقوق والحريات يوم24 فيفري كشف لأول مرة عن وقوع النظام تحت ردة فعل مبادرات المعارضة المدروسة، مما دفعه إلى التسريع بالإعلان عن العفو الرئاسي الذي كانت قوائمه قد أعدت للإعلان عنها في20مارس احتفالا بعيد الاستقلال وعلى عكس الإفراجات السابقة التي يبلغ فيها السجناء بالإفراج فإن المسؤولين من حراس السجن أنفسهم قد بلغهم نبأ الإفراج من نشرة الأخبار الرسمية و هو ما يدلل على أن توقيت الإفراج،  وليس قرار الإفراج، كانت الهيئة الوطنية للحقوق والحريات قد حددته. فنظام ابن علي الذي يَستعدُ منذ ما يقرب عن السنة ليجعل من الاحتفال بخمسينية الاستقلال مناسبة متميزة لعهده المتجدد، صار يتوجس خيفة من أن تفاجئه هيئة18 أكتوبر فتسرق أضواءه وتتغذى وحدها على موائده.

 

4. إن برنامج ما وراء الخبر بقناة الجزيرة ليوم 23 فيفري الذي تناول حواره خلفية التحرك السياسي للمعارضة التونسية المنضوية تحت الهيئة ثم التغطية الإخبارية في نفس القناة خلال يوم غد كان له في الرأي العام التونسي وقع مؤثر يتجاوز تأثير حدث التجمع نفسه.

 

5. أن النهج الذي تسلكه الهيئة الوطنية للحقوق والحريات باتجاه إفتكاك الفضاء العام وتحت المطالب التي ترفعها حصراً، يفسر حالة الاستنفار الهستيري للآلاف من أعوان الأمن في شوارع تونس العاصمة ومداخلها في مواجهة بضع مئات من المناضلين، وحشد ما يقرب عن 3000 عون أمن من جميع الفرق (رقم تقديري) في مساحة لاتزيد عن الكيلومتر مربع إنما تضيف إلى قائمة الخطوط الحمر في أنظمة الرقابة السجنية، خطاً جديداً تفسر الحساسية المفرطة لدى النظام من كل تحرك ميداني ولو بدا نخبوياً.

 

لا يبدو أن صورة الوضع الذي عليه البلاد بعد الإفراج على السجناء الإسلاميين تقدم لنا ما يشير إلى أية رغبة ظاهرة أو خفية في تنقية الأجواء مع المعارضة، فقرار الإفراج هو قرار لايخرج عن المعتاد من سلوك النظام خلال السنوات الخمس الأخيرة فإن تأويل الإفراج على أنه تحول في سياسته تجاه الإسلاميين، يظل تأويلا مجانبا للصواب لكون ملف المساجين السياسيين- من أبناء النهضة وشبان جرجيس خصوصاً وهم الذين تم إطلاق سراحهم – بات مسكه يزيد في كلفته على النظام. وهو يعبر أيضاً عن فشله في إقناع أصدقائه الأوروبيين وحلفائه الأمريكيين أن ملف حركة النهضة يندرج ضمن مكافحته المبكرة للإرهاب المحلي. ويجد النظام في التخلص منه أمر يساعد على تحسين صورته وإسقاط ورقة ضاغطة تمسك بها المعارضة، ـ ومع أن النظام خفض ثلث المدة المتبقية للسجناء السياسيين ممن لم يشملهم هذا العفو، وهم بضع عشرات (+/-70من أبناء النهضة المتبقين بحسب السجناء أنفسهم)، فإنه لن يتأخر في الإفراج عنهم في الأيام ( 20 مارس) أو الأشهر (25 جويلية) القريبة القادمة.

 

غير أن ما يزيد عن 150 من الشباب رواد المساجد الذين شملتهم الحملة الأمنية منذ أفريل2005، لايزال إبن علي يؤكد بتمسكه بهم رغم ضعف أدلة الإتهام الموجهة إليهم ،إن السياسة ليست طبيعة متأصلة في نظامه وإنما الثابت أن الأمن هو جوهره. ورغم أن الإفراجات الجزئية التي دأب النظام على إعلانها منذ 1999 في كل مناسبة وطنية، لاتقدم أي مؤشر على الإنفراج السياسي، إذ يسارع النظام بعدها دائما إلى  التأكيد على التزامه خطاً لايزال ينهجه، فإن بعض المعارضين من الإسلاميين وغير الإسلاميين في كل مناسبة من مثل هذا الإفراج، لحسن نيتهم أو لسوء فهمهم، لايترددون في التعبير عن أحلام الإنفراج التي قد يجود بها نظام السابع من نوفمبر فجأة على الحياة السياسية في تونس.

 

والواقع أن إطلاق سراح المساجين السياسيين على دفعات وفي مناسبات إما وطنية أو حزبية، ورغما عن كونه يجري، كما اعتدنا أن نرى، في سياق إنعاش الطابع الاحتفالي لمناسبات، فقدت في عيون التونسيين مبرراتها، فإنها بدرجة أولى، تندرج في إطار إعادة الدمج الأمني في صيغته الاجتماعية: الاطمئنان إلى أن السجين السياسي المسرح لم يعد يشتغل بالسياسة، يمارس شغلاً يقطع أنفاسه طوال النهار، مشغول بأهله وأبنائه الذين كبروا في غيابه، مشغول بالعناية بالآثار الصحية المزمنة التي سكنت لحمه وعظمه طوال سنين السجن… ولأن هذا الدمج هو دمج أمني صرف فسيستمر العقاب بعد السجن بحرمانه من العودة إلى الجامعة إن كان طالباً وإلى عمله إن كان موظفاً أو عاملاً… فهذا الاندماج الاجتماعي لن يسهل عليه العودة إلى مؤسسته أو جامعته ولن يعوضه مادياً ولن يمكنه من بطاقة معالجة مجانية ولن يرد عليه بطاقة هويته الوطنية إن إنتزعت منه ولا جواز سفره أبداً لو توفر له عرض عمل في خارج البلاد، وأتمنى على الله أن لا ينهيه الوهن ولا تقضي عليه الأمراض الخبيثة قبل أن يحج البيت الحرام ويزور القبر الشريف.

 

إن الإفراج على دُفعات عن المساجين السياسيين بصورة دورية وفق مناسبات حزبية أو وطنية، مرتبط بالمراقبة الأمنية وخطة الأجهزة في الإستيعاب والتأطير ضمن المنظومة الرقابية بوظائفها العقابية بالبلاد، فعملية الإفراج وبالنظر إلى الأفاق السياسية المسدودة لا يمكن بحال أن تُـقرأ إلا على أنها عملية ترحيل منهجي للسجين السياسي من مؤسسة السجن العقابية إلى نظام السجن العقابي، وهي في المحصلة دورة جديدة لرسكلة المـُسرحين بصبغة خاصة من المراقبة و لإعادة إنتاج المجتمع المقهور…..


الرئيس التونسي يُحارب الردّة والمرتدّين

كتبه عبدالحميد العدّاسي

 

كنت ولازلت وسأظلّ أجتنب الحديث عن الكفر وعن التكفير وأهله، لما في هذا الباب من مخاطر قد لا ينجو من تبعاتها إلاّ القليل. ذلك أنّ الباب يحتاج إلى علم وافر وإلى فقه كبير يمكّن من المقارنة والترجيح. غير أنّي رأيت الوقوف – دون كثير غوص – مع بعض ما ورد في الرسالة  » القيّمة  » التي وجّهها سيادة رئيس الدولة إلى السيدة رئيسة اتّحاد المرأة التونسية، السيدة عزيزة حتيرة، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وقد جاء في إحدى فقراتها: «  ومن واجبنا اليوم أن نعمل على الدوام  دولة ومنظمات وجمعيات ومجتمعا مدنيا من أجل حماية مكاسب المرأة والأسرة وتنميتها وإثرائها، حتى تبقى المرأة خاصّة والأسرة عامة حصنا حصينا ضد نزعات الغلو والتطرف وتيارات الردة والرجعية، وتكون باستمرار قوة دفع إلى الأمام في مسيرة شعبنا نحو التطور والرقي إذ أنّ سلامة المجتمع من سلامة المرأة والأسرة ومناعتهما من مناعته ( ولو قال ومناعته من مناعتهما لكان أبلغ )« . فقد أشار سيادته في هذه الفترة إلى مقاومة الردّة اقتداء بأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، عندما حارب من فرّق بين الصلاة والزكاة بقولته الشهيرة الفارقة  » والله لأجاهدنّهم ما استمسك السيف بيدي وإن منعوني عقالا « . فقد لاحظ الرئيس – وهو المسؤول الأوّل أمام الله يوم القيامة عن فترة إمارته الممتدّة على أكثر من عقدين من الزمن، وهو من أدرك خطورة كلام الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم: « ..فإنّها أمانة، وإنّها يوم القيامة خزي وندامة إلاّ مَن أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها  »  قلت قد لاحظ توافر أسباب الردّة في المجتمع التونسي فانطلق يدعو الجميع إلى الوقوف كالرّجل الواحد لمقاومتها، إذ لا مكان لمرتدّ في الترتيبة الإسلاميّة الصادقة. وقد صدق الرّئيس في ذلك، فالكثير من التونسيين اليوم لا يصلّي، والكثير لا يزكّي، والكثير يأكل الحرام دون تحرّ، والكثير يقطع الطريق ويروّع الآمنين، والكثير يغتصب الحقوق من أهلها، والكثير يقتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ من أجل أمر تافه في بعض الأحايين كهاتف مقّال مثلا أو من أجل إنكار منكر أو مناصرة معروف، والكثير يزني بحليلة جاره، والكثير يتلفّظ بالكلام الفاحش لا يلقي له بالا، والكثير يردّ ما هو معلوم من الدين بالضرورة كآيات الحجاب أو آيات الميراث أو غيرها من الآيات البيّنات المنزلّة من لدن العليم الحكيم، بل إنّ منهم مَنْ لا يجد حرجا في مناقشة القرآن وزعم وجود تناقض فيه أو يتجرّأ على الخوض في سيرة الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم والقدح فيما ثبتت صحّته بتواتر لا يقدح فيه إلاّ كافر أو زنديق…

كلّ هذا، وغيره كثير، يدعو الرّئيس إلى التفكير في الوقوف في وجه المرتدّين المبدّلين لدينهم النابذين لشرع الله القويم المسوّقين لفلسفة الفاسدين من دعاة التطبيع مع الصهاينة الأرجاس وغيرهم من المحاربين للإسلام والمسلمين ( قال ابنُ دقيق العيد الردة سبب لإباحة دم المسلم بالإجماع..)، كما ويستدعي منّا جميعا – رغم الضيم الذي عانيناه وغياب العدل الذي مرّ بديارنا – مناصرة الرّئيس والوقوف معه داعمين توجّهه للمحافظة على نمط العائلة المسلمة الفاضلة التي على أركانها يُبنى المجتمع الربّاني الفاضل الذي ينبذ الشذوذ والعراء والفساد وسوء الأخلاق، والذي يُكرم المرأة ويُعلي من شأنها ولا يتردّى بها إلى مدارك مكاتب المدراء العامّين أو صخب حفلات الاستقبال الماجنة، ولا  يُلجئها إلى بيع نفسها رخيصة مقابل حفنة من المال أو باقة من أضواء تسوّق جسدها وتطمس قيمها، كي يكون للاحتفال بيومها العالمي معنى، وكي نكون بحقّ أبناء أمّهات عُلمَت أنسابُها وتأكّدت للنّاس عفّتها، وكي نفوّت على المرتدّين المتاجرة بها…

 

ملاحظة: بعد الفراغ من هذا المكتوب، نبّهتني نفسي إلى إمكانيّة سوء فهم الرّجل، فلطالما وقف الرّئيس بالمناشير والقرارات ضدّ مظاهر التديّن بالبلاد. فلعلّه أومأ إذن إلى نقيض ما عنيتُ، غير أنّ هذا الفهم – إن صحّ – يضع رئيس البلاد في موقع المشجّع على الردّة، وهو لعمري ما لا يقترفه عاقل يُؤمن بالله ورسوله…


لماذا تبكي نساؤنا ونساء الغير تفرح ؟ *

في هذا اليوم العالمي للمرأة لوّحت نظراتي يمنة ويسرة في بلدي وخارجه فما وجدت إلا الدموع تنسكب على وجنات نسائنا…  في فلسطين تبكي نساؤنا وقد قهرتهن الحواجز والعالم ينظر بلا استحياء، يحملن مأساة شعب في صمتهن وفي حركتهن، فقدن الأبناء والأزواج وهن صابرات… وفي العراق تبكي نسائنا من ظلمات عهد قديم وظلام عهد جديد لم تنكشف أنواره الموعودة، فهن لا يجدن نورا في في المنزل ويعشن الظلام إذا غادرنه… وتبكي نسائنا في الصومال وهنّ جائعات لا يملكن ما يشدّ رمقهن ولا رمق فلذات الأكباد الذين تنطفأ حياتهم بين الأحضان… تبكي نسائنا في الجزائر بعد أعوام من الويل والثبور، دفعن خلاله ضريبة الصبر والفراق وحيوانية الإنسان حين يطرق أبواب الجنون والعدم! وتبكي نساؤنا في تونس وهنّ يصارعن في صمت قوانين جائرة طالت لباسهن وحريتهن… تبكي نساؤنا في تونس والبيت مقفر من صاحبه، غادره إلى المنفى أو إلى غيابات السجن ظلما وعدوانا، تحَمَّلن تربية الولد وجور الأوطان، وصرن عنوانا للتضحية والصبر. متى يتوقف البكاء؟ متى يتوقف الأنين؟ متى تنتهي مأساة جنس ومأساة جماعة؟؟؟ يوم تبتسم نساؤنا سيبتسم المجتمع، يوم تفرح نساؤنا سيرقص المجتمع… ولا يمكن لمجتمع أن يفرح ونصفه لا يبتسم..، لا يمكن لمجتمع أن يسعد ونصفه يعيش الشقاء والظلم والعدوان..! لا يمكن أن يكون لنا موقع بين الأمم ونحن نقف على رجل واحدة، والرجل الأخرى مفقودة أو تتألم، أو أصابها الشلل!
بقلم : مواطــن *  بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة. المصدر: ركن خواطــر موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net


 

مسيرة التونسيات: استمرارية أم قطيعة

آمال قرامي*

 

يحقّ لنا ونحن نحتفل بالعيد العالمي للمرأة، أن نخضع مسيرة التونسيات للمساءلة وأن لا نجاري الخطاب التمجيدي السائد في مثل هذه المناسبة الذي يكتفي بالتنويه بآراء الطاهر الحداد التنويرية والمفاخرة بما فعله الحبيب بورقيبة من أجل النهوض بمكانة المرأة التونسية.

 

إنّ تبني الدولة لقضية رعاية حقوق النساء جعل المرأة التونسية نموذجا تطمح فئات كثيرة من النساء في المجتمعات العربية والإسلامية، إلى الإقتداء به كما أنّه جعل من « مجلّة الأحوال الشخصية » التونسية مثالا فريدا تسعى الكثير من المناضلات، وخاصة منهن الحقوقيات إلى محاكاته واستلهام بنيته. 

 

ولئن بدت المرأة التونسية في عيون الآخرين موضع احترام أو حسد وغيرة نتيجة ما اكتسبته من حقوق، فإنّنا نجد إزاء موقف الإعجاب موقف استنقاص لمنزلة التونسية.  فهناك من يعتبر أنّ وضع المرأة التونسية هشّ لأنّه لم يكن وليد حركة نضالية نسائية بل إنّه جاء نتيجة مبادرة شخصية وارتبط منذ البدء برغبة ذكورية وإرادة سياسية فوقية لا تستند إلى القاعدة ولا تعبّر عن حاجاتها. فالمرأة لم تتحرر بموجب وعي شخصي ونضال مرير قادته في سبيل تغيير مكانتها إنّما ضربت الوصاية عليها، وهي وصاية مضاعفة: وصاية الرجل  le pater ووصاية الدولة وبذلك تمّ اتخاذ القرار نيابة عن النساء وصيغت المطالب على لسان الرجال.  ثمّ إنّ التغيير الذي حصل لم يراع التدرج وإنّما حدث بنسق سريع متسم بالعنف. فإزاء العنف الذي مارسه المجتمع البطريكي طيلة قرون، هناك عنف سياسي فرض تغيير منزلة النساء بالقوة رغم معارضة رجال الدين والمدافعين عن الموقع الذكوري المتميز. وقد تجلّى العنف أيضا في القضاء على المؤسسة الدينية الرسمية المهيمنة واستبدالها بنخبة موالية للسلطة.

 

                وأفضت المواجهة مع الدين إلى إفراغه من بعده الروحي، وأدت زعزعة المسلمات وخلخلة البنى الذهنية والاجتماعية إلى ظهور سلوك ازدواجي لدى عدد من الرجال كالتظاهر بالإيمان بأهميّة المساواة بين الجنسين واتخاذ مواقف تعبّر عن استنقاص النساء واعتقاد راسخ في دونيتهن. وهكذا بدت الهوّة عميقة بين الظاهر والباطن والخطاب والممارسة. ولئن كان تصدّع مفهوم الفحولة وخلخلة بناء الذكورة قادحين وراء انتقام عدد من الرجال من النساء في مناسبات عديدة، واتخاذ بعضهم العنف اللفظي أو المادي أو الرمزي وسيلة من وسائل رد الاعتبار إلى الذكورة المهزومة أو المسحوقة أو المهيمن عليها، فإنّ مقاومة فئة من النساء للتغيير الذي لحق وضعهنّ له مبررات أخرى منها ما يتعلق بعسر التخلص من الموروث، ومنها ما يرتبط بالمرجعية الدينية أو الأيديولوجية. فمع تغلغل الخطاب الديني السياسي في النسيج الاجتماعي، صار التنكّر للمكتسبات شرط إثبات الانتماء إلى الجماعات الدينية وإبراز الولاء إلى الأمة.

 

لا غرو أنّ ما تحقق من إنجازات ثورية من أجل تحسين وضع النساء اندرج ضمن رغبة السائس في تحديث البلاد، ومن ثمة وظفت القضية النسائية سياسيا لصالح الدولة التي صارت حاملة شعار الحداثة مفتخرة بما قطعته من أشواط في سبيل التخلّص من تركة الماضي المتخلف. ولئن بدت صورة تونس مشرقة في المحافل العالمية فإنّ الربط بين تطوير وضع المرأة وتحديث البلاد ونزع القداسة عن المؤسسة الدينية في الآن نفسه، أدّى إلى نعت مكتسبات التونسيات بأنّها ثمرة نسوية الدولة البورقيبية

 féminisme d’Etatواتهام عدد كبير من التونسيات بالتفريط في الهوية الإسلامية في سبيل اللائكية الغربية. بل ذهب المتشددون إلى التشكيك في انتماء التونسيات إلى حظيرة الأمّة بمعاير الإسلام الأرتودكسي. و بات الحديث عن المرأة التونسية لدى هذه الفئة من رجال الدين متنزلا في إطار خطاب تحذيري ترهيبي وعظي. فالتونسية السافرة المتغربّة نموذج يضرب به المثل في عدم اتباع تعاليم الشريعة.  

 

ولكن كيف تنظر التونسيات اليوم إلى أنفسهن؟

عندما تقارن أغلب التونسيات منزلتهن بوضع المرأة العربية أو المسلمة في بلدان عديدة، يتأكد لديهن الوعي أكثر فأكثر بالمسافة الفاصلة بينهن وبين الأخريات ويصير الحديث عن مجموعتين متقابلتين: نحن المتحررات في مقابل هنّ الراضخات لإرادة المجتمع البطريكي.  فلا غرابة أن ينتاب عدد من التونسيات الإحساس بالاعتزاز والشعور بالاستعلاء، بل النرجسية.  فكم من مرّة اكتشفت التونسية أنّ  القضايا التي تثار هنا وهناك لم تخطر لها يوما على البال  فهي من قبيل ‘اللامفكر فيه’ مثل قضية قيادة السيارة أو الحاجة إلى إذن الزوج للسفر أو قضية منع المرأة من ممارسة القضاء أو امتهان بعض المهن. وغني عن البيان أنّ الوعي بالذات لا يتم إلاّ في نطاق الغيرية وفي إطار المقارنة بين الأنا والآخر والدخول في علاقة تبادلية وفي وضع تفاعلي تحاصره التمثلات الاجتماعية والصور النمطية. فكلّما أدركت التونسية ما تعيشه المرأة في بعض المجتمعات من غبن وقهر، ازداد إحساسها بالطمأنينة والرضا بما لديها من مكتسبات.

 

               تتسم الصورة التي ترسمها التونسية لنفسها أو التي تريد من الآخرين أن يرونها عليها بالمبالغة حينا وبالمغالطة في كثير من الأحيان. فكم من مرّة يلجأ التونسيون نساء ورجالا إلى أسطرة تحرر التونسيات في البرامج التلفزية أو في الندوات العربية ويتعامى أغلبهم عن الواقع المعيش. قد يكون ذلك عن قصد أو عن غير قصد إذ ينحو الخطاب نحو التعميم والتفاخر والمغالطة. وغالبا ما يكون الحديث عن التونسيات بصيغة التعميم وكأنّهن يمثلن كتلة واحدة منسجمة ذابت فيها الفروق الفردية. وتبدو منزلة المرأة في هذا الخطاب التمجيدي منزلة ثابتة لم يعتورها تغيير لا بحسب المكان أو الزمان. ويغدو وضع التونسيات من خلال نظم هذا الكلم متماثلا ومتناغما رغم اختلاف انتماءات النساء الاجتماعية والفكرية والأيديولوجية واختلاف مستواهن التعليمي والثقافي. فهنّ مستمتعات بكامل حقوقهن فلا عنف ضد النساء ولا ممارسات دونية ولا تهميش ولا سلوك عدواني تجاه المرأة ولا استغلال للقضية النسائية ولا توظيف لها. وهكذا تتضخم صورة الأنا ويتحقق الشعور بالإشباع النفسي وتنتشي الأنا لأنّها احتلت موقعا هاما في سلّم التراتبية الهرمية مقارنة بتدني منزلة الأخريات. وشيئا فشيئا يكبر الوهم: وهم العيش في مأمن من الانتهاكات والعبث بمصير النساء.  وهو أمر يجعلنا نعتبر أنّه لا مفر من الإقرار بأنّنا إزاء منعرجين حاسمين في تاريخ المرأة التونسية وأنّه قد آن أوان إخضاع مسيرة التونسيات للمساءلة. فهل هنّ قادرات اليوم  أكثر من أي زمن آخر على امتلاك مصيرهن والتحرّر من أسر الدولة التي تضرب الوصاية على النساء وتتخذ المسألة النسائية  مطية لتحقيق أهداف سياسية؟ وهل بإمكان التونسيات اليوم الوقوف بوجه المدّ الإسلامي الذي يتخذ أجساد النساء فضاء للتعبير عن حضوره وعلامة على قدرته على اكتساح كافة المجالات وتأثيره في جميع الشرائح الاجتماعية؟

 

لا مراء أنّ المسيرة التونسية تعيش اليوم مأزقا. فنحن أمام جدّات وأمهات يواصلن المسيرة رغم وجود العوائق وحفيدات يعلن انفصالهن عن مشروع لم يخترنه ويلوحن بالقطيعة بل الردّة.

 

القطيعة

من البيّن أنّ ارهاصات القطيعة بدأت في الظهور.  نعاينها في انتقاد فئة من النساء للانجازات  التي تحققت ورفضهن المطالبة بمزيد من الحقوق. بل إنّ من النساء من تنكّرت لماضي النضال النسوي  واعترفت بأنّها كانت في مرحلة تيه وضلال  واليوم عاد إليها صوابها فآثرت الرجوع إلى’ أوامر الشريعة’. والواقع أنّ التراجع لا يسجّل في تونس فحسب بل هو ظاهرة استشرت اليوم في أكثر من بلد عربي. فلا غرابة أن ترتفع أصوات نسائية من المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان مطالبة بعدم منح النساء مزيدا من الحقوق. وإذا كان نيتشه قد أعلن عن موت الإله وإذا كان فوكو قد أثبت موت الإنسان أفلا يحقّ لنا وإن بتجوّز، الإعلان عن موت جيل المناضلات في سبيل القضية النسائية؟

 

وإذا نظرنا في حال الأجيال الجديدة لاح لنا إنّها تنقسم إلى فئتين: فئة أفادت من إنجازات الآخرين ولم تتساءل يوما عن المكتسبات التي ورثتها فذاك أمر من قبيل تحصيل الحاصل. وتبدو هذه الفئة جاهلة بالتاريخ تعيش على الهامش لا تمتلك مشروعا لا همّ لها سوى محاكاة المرأة الغربية في الهيئة والسلوك. أمّا الفئة الثانية فهي فئة نبذت العمل النسوي وآثرت التمسك بالمرجعية الإسلامية والمحافظة على الهوية العربية. وهكذا نتبيّن أنّ التعلّق بالنموذج الغربي يوازيه التشبّث بنموذج المرأة المسلمة الملتزمة بالشريعة. وسواء تحدثنا عن الفئة الأولى أو الفئة الثانية’ فخيانة الحفيدات للجدّات أمر لا مرية فيه.

 

ويمكن أن نجمع أسباب هذه القطيعة بين الجيل القديم والجيل الجديد وبين النساء المؤمنات بجدوى الانخراط في الحركات النسائية وغيرهن من المرتميات في أحضان الحركات الإسلامية في الآتي:

 

– من الواضح أنّ الاستفادة من مكتسبات الحداثة الفكرية والثقافية محدودة. فالوعي النسائي لم يبلغ المستوى المأمول ولم يشمل جميع النساء بنفس الدرجة.

 

–  كان من نتائج التغيير الحاصل على مستوى البنى الاجتماعية والذهنية والتحولات الطارئة على مستوى العقليات ونمط العيش انشغال جميع أفراد المجتمع بتحصيل الرزق. ومن ثمّة صارت القدرة على نحت الذات عسيرة المنال بسبب غياب الاستقلالية المادية. وهكذا بات المشروع الرئيسي في الحياة كسب « الحاجي » على حدّ عبارة ابن خلدون. واستبدلت المشاريع النضالية الجماعية بالمشروع الفردي. وحلّت الأنانية محلّ التفاني في خدمة المصلحة الجماعية.

 

– أثبتت الدراسات السيوسيولوجية ودراسات أنتربولوجيا اليومي أنّ نسق الحياة شهد تحولات كبرى ليست في صالح أنسنة الإنسان. إذ ترتّب عن التغيرات الحاصلة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية والفكرية خلخلة البنى التقليدية وتصدّع المنظومة القيمية.  وصاحب كلّ ذلك فشل مؤسسة الزواج في توفير الاستقرار المرجوّ ونكوص المؤسسة العائلية عن أداء وظائفها الأساسية. وبات الانشغال بكسب الرزق أهمّ من الاضطلاع بالتنشئة الاجتماعية والسهر على رعاية الأبناء.  وأمام نكوص الأمهات عن الاضطلاع بأدوارهن التربوية بسبب كثرة الأعباء ونمط الحياة المعاصر من جهة،  وتقصير النساء في نقل المعارف والخبرات وتجذير قيم المساواة والكرامة والحرية وغيرها من جهة أخرى، وجد مروّجو « ثقافة الحجاب » أرضية ملائمة فانطلقوا في العمل داعين الفتيات إلى الثورة على الأصول ورفض الخطاب التحديثي.

 

– إنّ ربط مشروع الحياة بالتعليم وربط الثقافة بالمؤسسات التعليمية كان حافزا وراء نجاح عدد من الفئات على امتداد العقود الماضية. بيد أنّ تغيّر الأوضاع الاقتصادية وأنماط المعرفة أفضى إلى فكّ الصلة التلازمية التي كانت موجودة بين تحصيل الشهادات العلمية والعثور على عمل. ولمّا كانت هذه التحولات غير مصحوبة  بمشروع بديل يلائم حاجات الأجيال الجديدة فقد صارت المؤسسات التعليمية عاجزة عن أداء دورها، خاصّة وأنّ برامجها باتت تشكو هنات كثيرة بعد أن تأخر الإصلاح الجذري لمنظومة التعليم. والحال أنّ هذه المؤسسات كانت من قبل فضاء للتأطير الفكري الأيديولوجي. فقد كان الطالب يتعلّم عن طريق الانخراط في الأحزاب آليات النضال ويكتسب الدربة على المواجهة. أمّا اليوم فقد غابت هذه الفضاءات التأطيرية ولم تعد المؤسسة التعليمية فضاء ثقافيا للمعرفة ولم يعد الأستاذ مصدر المعرفة والتوجيه.

 

– لقد أثبتت دراسات أنتربولوجيا اللاعمل واللاالتزام أنّه يعسر في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، الانخراط في مشاريع الإبداع والخلق والتأسيس والإنتاج. فهناك بنية نفسية مشتركة بين أغلب أبناء الجيل الجديد، سواء كانوا من الذكور أو الإناث، من هذه الطبقة أو تلك، تتمثّل في نزعة الاتكال والتواكل على جهد الآخرين و الرغبة في الاستهلاك لا الإنتاج ورفع شعارات من قبيل اللاعمل، اللاالتزام، اللاإبداع، في زمن لم يعد الواحد يؤمن فيه بأهمية بذل الجهد.  فقاعدة « العمل وسيلة للكسب ولتحقيق النجاح » لم تعد تقنع أحدا بل إنّها باتت من أساطير الأولين مندرجة ضمن فكر ميثي.  إنّ الاجتهاد والعمل والشقاء والمكابدة وغيرها من الأفعال  لم تعد الوسيلة المثلى لتحقيق الأحلام، بل صار الإيمان بـ »ضربة الحظّ » مبدأ. فمع تفشي البطالة وضياع المشروع الفردي البديل، صار اقتناص الفرص هاجسا دليلنا على ذلك ما نعاينه من تصرفات صادرة عن الشبان والشابات المحتشدين أمام مكان إجراء الاختبارات لانتقاء المشاركين في مناظرات « السوبر ستار » أو ستار أكاديمي ». فهذه المناسبات تعدّ الفرصة الذهبية لتغيير الحال وتحقيق الطموحات المنشودة. وفضلا عن ذلك تعتبر فئة من الفتيات أنّ أيسر طريقة لتحسين وضعهن هي العثور على الفارس الذي يركب أحدث أنواع السيارات.  فلا مانع لديهن  من حبك المؤامرات واللجوء إلى الغنج والدلال وتوظيف الفتنة والإغراء لاصطياد الرجال، بل ما المانع من تقديم التنازلات وقبول القوامة بجميع أبعادها  القانونية والمادية والجنسانية والرمزية. والواقع أنّ البحث عن الزواج المبكر لبلوغ الطمأنينة في عالم متقلب، صار هدف فئات عديدة من الفتيات، خاصّة بعد استشراء ظاهرة العنوسة وعزوف الشبان عن الزواج. فليس أمام البنت في مثل هذه الحالة إلاّ ممارسة الإغراء أو اسدال الكساء وحجب الجسد ورفع شعار العفة حتى تعثر على العريس. وما من شكّ في أنّ التفريط في المكتسبات بيسر يعدّ حجة على انعدام الوعي بأهمية هذه الحقوق التي عاشت الواحدة منهن مستمتعة بها دون إدراك لمعانيها ودلالاتها العميقة.

 

– أثّرت عوامل خارجية عديدة في انتشار عدوى الانتماء إلى التيارات الإسلامية المتشددة منها ظاهرة الإعلام « المؤسلم » ونجاح ثقافة الصورة في التأثير في المشاهد مقابل تواري ثقافة الكتاب أو الحوار المباشر. ففئة مهمّة من التونسيات أضحت تتابع  ما تعرضه  الفضائيات العربية من برامج وهنّ شغوفات بالداعية الكارزمتي عمرو خالد  أكثر من سواه مستعدات للتضحية بالثقافة اليسارية أو الثقافة العلمانية. في سبيل نيل رضاه بل إنّ عددا من النساء تحولن إلى راعيات للممارسات البطريكية حافظات عن ظهر قلب دروس الدعاة.

 

تسبّب الصراع الأمريكي العربي الإسلامي في اهتزاز ثقة المواطن في منظومة حقوق الإنسان وفي قيم الحداثة. وتحول مشروع الديمقراطية إلى وهم، خاصّة بعد ظهور الولايات الأمريكية في صورة دولة مهيمنة لا تختلف في ممارساتها عن الأنظمة الدكتاتورية. فبعد اكتشاف حالات خرق القوانين والمعاهدات وبعد ما رأى المواطن العربي ما يحدث في السجون من انتهاكات لكرامة الإنسان وخدش للضمير الجمعي وهدر لكيان العربي والمسلم، صار الحديث عن تمييز بين حقوق المواطن الأمريكي أو المواطن الأوروبي وبين حقوق المواطن العربي جائزا. فنحن إزاء حماية لحماية إنسان مقابل العبث بمصير من عدّ نصف إنسان أو لعلّه أقرب إلى الحيوان أو الأشياء. لقد استشري في ظروف سياسية ثقافية اجتماعية واقتصادية مثل هذه الإحساس بالخوف والشعور بالانكسار ومثّل نجاح الحركات الإسلامية في مصر وفلسطين بصيصا من أمل في نظر فئات كثيرة المواطنين لم تتوان عن التشبث بمشروع إنقاذ أو خلاص. وبناء على ذلك شكّلت هذه الظروف السياسية قادحا أمام الجماعات الإسلامية التي انطلقت في العمل، خاصّة وأنّها تملك مشروعا واضحا وتنظيما محكما وسرعان ما نجحت في جمع الأنصار الذين التفوا وراء مشروع « الإسلام هو الحلّ » كما أنّها عملت جاهدة على تحجيب فئات كبرى من النساء في كلّ البلدان العربية.

 

– أفضى غياب التعددية السياسية والفكرية وإلجام المثقفين عن الكلام إلى غياب العمل الجمعياتي المنظم القادر على صياغة مشروع يستهوي الجيل الجديد من الفتيات والنساء. وباتت ظاهرة العزوف عن الاضطلاع بدور سياسي أو اجتماعي داخل المنظمات أو الأحزاب أو الجمعيات أمرا عاديا. وصار الركون إلى الراحة والكسل واتخاذ عوائد أهل الترف ( بالمفهوم الخلدوني) أمرا مسلّما به، بل إنّ الآمال، إن كان ثمة آمال، علّقت على السياسي فهو الوصي أو الولي الذي يرعى قضية النساء وهي جزء من مخططاته شئنا ذلك أم أبينا .

 

– عدم إيمان فئات كثيرة من النساء بجدوى العمل الجماعي وأهميّة التضامن والتعاون وتفضيل أغلبهن الانطواء على النفس والعمل الفردي ،أي تحقيق المشروع الشخصي. فهناك تصوّر مفاده أنّ الانخراط في العمل النضالي مفهوم ومبرّر إذا كان في بلدان تهضم حقوق المرأة ولكن ما الداعي إلى هذا العمل في ظلّ » دولة النساء ». ولا ريب أنّ هذا التصوّر تعميمي إذ يتم فيه تجاهل الفئات المسحوقة والتعامي عن الهوّة الفاصلة بين التنظير والواقع المعيش. وعلاوة على ذلك نلحظ هروب عدد من النساء من العمل النضالي بسبب عجزهن عن تقديم التضحيات وخوض غمار المواجهات وخوفهن من مخاطر الانخراط في الحركات النضالية. وهو أمر مفهوم إذا ما أخذنا في الاعتبار أنّ هذا الجيل من النساء لم يخضع لطقوس التدريب ولم يمتلك آليات المواجهة،  إنّما هو جيل عوّال على جهود الآخرين يؤثر تسليم النفس لسلطة تتولى القرار بدلا عنه وتوفّر له الحماية والطمأنينة. ثمّ إنّ عزوف الأجيال الجديدة، وخاصّة منهنّ المثقفات علامة على أنّ هذه الجمعيات لم تعد تمثّل النسغ الذي يغذي طموح المرأة نظرا إلى غياب مشروع جديد له أهداف تلبي احتياجات النساء التي لا يمكن بلوغها بمعزل عن الجماعة. ونتج عن ذلك اهتمام أغلب النساء بتحقيق الطموح الفردي داخل الأسرة أو في المجال المهني. أما الفئات الشعبية فلا يهمّها التحديث وتحقيق المساواة وكسب المزيد من الحقوق بقدر ما يعنيها ردم الهوة السحيقة بين القوانين وتنفيذ القوانين وبين التنظير واكراهات الواقع المعيش.

 

شهد المجتمع التونسي مثل غيره من المجتمعات العربية عودة الأفكار التقليدية وبروزها من مكمنها من جديد. فنحن إزاء خطاب يروّج للتشكيك في مكتسبات النساء ويتهم الحركات النسائية بأنّها فشلت في اكتساب الثقة والتقدير والاحترام. فالمرأة التونسية أساءت في الغالب، استعمال الحرية وكانت في بعض الحالات، نموذج الأنوثة المتسلطة مستمتعة بحقوق لم تفهم كيفيّة توظيفها ومدعومة بقوانين لم تساهم في صياغتها. وساهمت وسائل الإعلام العربي في التأثير في المشاهد. فالإشادة بنموذج الذكورة المهيمنة أضحت من المواضيع المتداولة في المسلسلات العربية التي تبث في ‘ساعات الذروة’ في شهر رمضان. وهكذا صار الحديث في منتديات الرجال عن حنين البعض إلى زمن كان يرى فيه والدته تغسل قدمي والده وإلى زمن يعود فيه الأب إلى البيت ليجده مرتبا وليجد الطعام اللذيذ مهيئا والزوجة أو الزوجات بانتظار أوامره… ولن نلوم الرجال على البوح بما في نفوسهم من أماني وما يضمرون من نوايا.  فهناك هوامات

fantasmes وصور نمطية ونماذج وتمثلات اجتماعية تبقى راسخة في المتخيّل الجمعي تتحيّن الفرص للظهور على السطح.

 

هذه بعض العوامل التي أدّت إلى بروز ارهاصات القطيعة. قد نكون مغالين في ادعائنا هذا وقد نكون متشائمين ولكن لابدّ من الاعتراف بأنّ استمرارية مسيرة التونسيات من أجل تطوير مكانتهن أكثر فأكثر ممكنة.

 

الاستمرارية

تتطلّب استمرارية النضال النسائي  مجهودا كبيرا وخطة عمل محكمة ولتجاوز العقبات  والرهانات المطروحة ومقاومة حالة التكلّس لابّد في تقديرنا، من توفّر مجموعة من الشروط  وإيجاد حلول ناجعة وأجوبة عملية عن التساؤلات الآتية:

 

– كيف السبيل إلى تنمية الإحساس بالغيرة على الحقوق وتوعية النساء بأنّ المكتسبات إن لم يحافظ عليها قد تضيع وأنّ الإنجازات يمكن أن تكون مهددة بالتلاشي في أية لحظة خاصة وأنّها كانت منذ النشأة مرتبطة بإرادة ذكورية وسياسية؟.

 

– كيف يمكن التوصل إلى مسالك جديدة لبث الوعي وإيجاد قنوات بديلة لتمرير رسائل مقنعة تواكب التحولات الطارئة على مختلف البنى والأنساق؟

 

– هل بإمكاننا استحداث خطاب قادر على إقناع الجيل الجديد من التونسيات بضرورة الانخراط في العمل الجماعي وأخذ المشعل وامتلاك مشروع وتبني القضية النسائية والسعي إلى تطوير المنزلة ونيل حقوق جديدة.؟

 

– هل باستطاعتنا إنجاز دراسات ميدانية دقيقة بهدف معرفة واقع الأجيال الجديدة. فقلّما فسحنا للفتيات فرصة الحديث عن أنفسهن وأصغين إلى مطالبهن وفهمن مشاكلهن.؟

 

– كيف يتسنى لنا إعادة النظر في أساليب التنشئة الاجتماعية وتطوير منظومة العلاقات التبادلية بين النساء والرجال وبين الفتيات والحفيدات والأمهات وبين النخبة و القاعدة؟

 

ألم يحن الوقت بعد لخروج المثقف من وضع المشاهد إلى وضع الفاعل الاجتماعي القادر على الاضطلاع بدوره وتسجيل حضوره على الركح الاجتماعي، خاصّة بعد هيمنة الإسلام السياسي على الساحة؟ هناك عوائق مفروضة على أنصار الإسلام التنويري التجديدي وعلى المثقفين العلمانيين منها: حرب التكفير ومنع النشر والرقابة المفروضة على عدد من الأعمال الفكرية وقلّة الإمكانيات المتوفرة للنشر والتوزيع وغيرها من المشاكل إلاّ أنّ هيمنة الإسلام الأرتودكسي والإسلامي السياسي على وسائل الإعلام ودور النشر وغيرها من المجالات، يجعلنا في أمسّ الحاجة إلى كسر طوق الحصار والتحرّر من مشاعر الانكسار والخوف والإحباط والشروع في تحمل مسؤولياتنا التاريخية حتى لا نجد أنفسنا ذات يوم خارج التاريخ.

 

– أليس من واجب النساء المتضلّعات في الدراسات الإسلامية الشروع في إعادة قراءة النصوص الدينية والمساهمة في إبراز أعمال توازي ما ينشر من كتب إسلامية تروّج لإسلام أرتودكسي؟

 

 -كيف السبيل إلى مقاومة العمل الذي ينهض به أنصار الحركات الإسلامية المتشدّدة القائم على تنشيط الذاكرة من جهة وتعمّد النسيان من جهة أخرى؟  فكم استمعنا إلى خطابات تنوّه بسلوك النساء الصالحات اللواتي كنّ لا يفارقن بيوتهن ويفعلن كلّ ما في وسعهن من أجل كسب رضا الزوج. وهذا يعني أنّنا نشهد محاولات لإعادة بناء الذاكرة النسائية مرتكزة بالأساس على الانتقاء والتصرف. والظاهر أنّه لا شيء أسهل من نسيان حركات نضال النساء ربّما يعود الأمر إلى عدم تخليد مساهمات النساء بالقدر الكافي ومن ثمّة باتت مشاريع كتابة تاريخ النساء وتقديم شهاداتهن من الضرورات. فبفضل ذلك يتسنى للجيل الجديد معرفة نضال التونسيات ومساهمتهن في الكشافة والسياسة والسينما وفي غيرها من المجالات.

 

– أليس من واجب النساء اليوم أن ينهضن بواجب نقل المعرفة ورواية تاريخ الجدّات وتوعية الحفيدات بما يتعيّن عليهن القيام به حتى يحافظن على المكتسبات ويستطعن تغيير العقليات البطريكية؟

 

نخلص إلى القول إنّه يتعيّن على التونسيات اليوم تحديد الثوابت ومعرفة حجم المتغيرات التي شهدتها المسيرة النضالية وذلك بهدف الخروج من أسر الأسطرة وحالة التكلّس والجمود والانطلاق في تحديد نوعية المطالب الجديدة التي تتلاءم مع المستجدات المحلية والعالمية.  إذ لا يخفى أنّ وضع المواطن بقطع النظر عن لونه وعرقه ودينه وجنسه وانتمائه الأيديولوجي، مرتبط بالمجالات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية. فكيف يمكن الحديث عن تطوير وضع التونسيات والحال أنّ النساء يشكّلن موضوع « مجلّة الأحوال الشخصية » ولا يساهمن بالقدر الكافي في صياغة القوانين التي تعبّر عن مطالبهن الحقيقية؟ وكيف السبيل إلى تحديث هذه المجلة والحال أنّ الربط الوثيق بين المرأة والعائلة مستمر وكأنّه يصعب التفكير في حقوق تنتفع منها المرأة  العزباء أو المطلقة التي لم تنجب الأبناء؟ وكيف يتسنّى التفكير في إعادة النظر في نصيب المرأة في الميراث في ظل ثنائية الشريعة والتشريعات الحديثة؟ وكيف السبيل إلى تطوير منزلة التونسيات والحال أنّ قضية المرأة لم تفارق عباءة التوظيف السياسي ومازالت تمثل العمود الفقري في حرب الهويات المتصارعة؟

 

amel_grami@yahoo.com

* جامعية تونسية

للتعليق على هذا الموضوع

(المصدر: موقع شفاف الشرق الأوسط بتاريخ 9 مارس 2006 )

http://www.metransparent.com/texts/amel_grami_tunisian_women_continuity_or_break.htm

 


 

العنف المقدّس ضدّ المرأة

 

د.منجية السوائحي

 

 

      اليوم العالمي للمرأة 8 مارس، هل غيّر من نظرة العنف المقدّس ضدّ المرأة رغم المحاولات المتواصلة للقضاء على التميّز؟

منذ ما يزيد عن خمسين سنة وقف المجتمع الدّولي وقفة تاريخية ليعلن عن حقوق الإنسان، وجاءت المواثيق الدّولية وبنود حقوق الإنسان لتحدّ من التمييز ضدّ المرأة وأبرزها « اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداوCEDAW) التي تبنّتها الجمعية العامة للأمم المتّحدة سنة 1979، ودخلت حيّز التنفيذ سنة 1981 كما تبنّت اتّفاقية حقوق الطفل (CRC) سنة 1989 ودخلت حيّز التنفيذ سنة 1990، وصادقت على هذين الاتفاقيتين دول كثيرة. وبناء على تلك التوقيعات تعتبر هاتان الاتفاقيتان معا أكثر الاتفاقيات عضوية في تاريخ الأمم المتّحدة بالمقارنة مع بقية اتفاقيات حقوق الإنسان.

      وترتكز الاتفاقيتان على مبادئ حقوق الإنسان التي عددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتخص حقوق المرأة والطفل بالذّكر وتعتبرها جزء لا يتجزّأ عن حقوق الإنسان العامة.

مبادئ الاتفاقيتين :

      تشترك الاتفاقيتان في المبادئ الهامة التالية :

·        نظرة موحّدة لحقوق الإنسان :

تمشّيا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدّولي لحقوق الإنسان تصرّ الاتفاقيتان على أن حقوق الإنسان لا نتجرّأ ، وأن التعاون الدّولي ضروري لضمان هذه الحقوق التي لا تقتصر على الحقوق المدنية والسياسية وإنما تهتم بالجوانب الاقتصادية والتعليمية والبيئة وكل ما له تأثير على حياة المرأة والطفولة.

·        العناية الخاصة بالفتيات :

لأن البنت هي الأكثر عرضة للتمييز في المجتمع، وقع التركيز على الحاجيات الخاصة بها، وتكفّلت الاتفاقيتان بحمايتها من التمييز المسلّط عليها بسبب الجنس، كما طالبت بنود الاتفاقيتين الدّول أن تتولّى حماية الأطفال من الجنسين، والمساواة بينهما في المعاملة وفي الحقوق.

·        إبراز دور الأسرة في مقاومة التمييز:

تؤكّد اتّفاقيتا المرأة والطفل على الدّور المهم للأسرة في الحدّ من حوادث الظلم الّذي تعاني منه المرأة، وإيقاف التمييز ضدّها، وتعطي الاتفاقيتان نموذجا للعائلة التي يمكن أن يحظى فيها أبناؤها ذكورا وإناثا بواجبات وحقوق متساوية ، وتطالب ايضا الدّول بتوفير أحسن الظروف للاسر لتتمكّن من القضاء على التمييز مثل التعليم والعمل والاستقرار والحرّية.

·        الأولوية للصّحة :

تطالب الاتفاقيتان بضرورة تطوير الخدمات الصحية داخل الدّول وحق البنات في رعاية صحية ذات مستوى عال، وحقّها في تغذية سليمة مثلها مثل الولد.

·        حقّ التعليم :

تؤكّد الاتفاقيتان على أن التعليم حق أساسي للبنت ، وتطالبان بالمساواة في تحقيق الفرص بين الجنسين في مجال التعليم.

·        إيقاف العنف ضدّ المرأة:

تدعو الاتفاقيتان إلى حماية المرأة من الضرب والاعتداءات الجنسية، وتطالب أيضا بالحدّ من العادات التي تسبب أخطارا على حياة المرأة كتشويه الأعضاء التناسلية بالختان، وزواج الصغار لماله من ضرر على جسد البنت خاصة عند الحمل وهي صغيرة.

·        الحق في المشاركة في الحياة العامة :

تقنّن الاتفاقيتان لحق المرأة في المشاركة في الحياة العامة وحقّها في الحصول على المعلومة وإبداء الرأي وحرية الفكر والتعبير وحق التجمّع وتكوين جمعيات.

ويمكن أن نقول أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة (CEDAW) في جوهرها إعلان عالمي

لحقوق المرأة حيث تبيّن أن مجرّد التسليم بإنسانية المرأة غير كاف لضمان حقوقها وفق المعايير الدّولية وآليات حقوق الإنسان اليوم. ولذلك تطالب الاتفاقية من الدّول الأعضاء القضاء على أشكال التمييز ضدّ المرأة فيما يتعلّق بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ووضعت برنامجا وجملة من الإجراءات التي يتعيّن على الدّول الالتزام بها لضمان تحقيق المساواة بين الرّجال والنساء في الحياة العامّة وداخل الحياة الخاصّة داخل الأسرة.

هل تحقّقت مبادئ حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي الاتفاقيات الدّولية؟

تبعا لهذه المبادئ العالمية تطوّر نضال الحركة النسائية في مختلف أرجاء العالم، وحصل تطوّر ملموس بدأ من خلال الاعتراف بحقوق النّساء، وتغيير وضعياتهنّ المتردّية. إلا أن التمييز ضدّهنّ لا يزال قائما في بلدان العالم.

إن هذا التمييز-خاصة في الدّول العربية والّذي يسمح للرّجل بتعنيف المرأة– يستمدّ أصوله من قوانين الأحوال الشخصية التي تسند إلى الفكر الأبوي الّذي يكرّس دونية المرأة مما ينتج التصادم بين قوانين الأحوال الشخصية المنحازة للرّجل من جهة وبين المواثيق الدّولية التي تقرّ مبدأ المساواة الكاملة بين الرّجال والنساء من جهة أخرى .

إضافة إلى أن قوانين الأحوال الشخصية التي شهدت سعيا إلى تعديلات في العالم العربي والإسلامي تعرّضت إلى هجوم عنيف من التيار الدّيني المهيمن عرقل تلك المحاولات باستثناء تونس التي حقّقت مبدأ المساواة بين الرّجل والمرأة في قوانين مجلّة « الأحوال الشخصية التونسية حيث استطاع المشرّع التونسي بدعم من القيادة السياسية الواعية بحقوق المرأة وبأهمية تحقيق المساواة الاجتماعية والقانونية بين النساء والرّجال منذ 1956 حيث أصدرت مجلّة الأحوال الشخصية، ثم تتالت الإصلاحات والتنقيحات لتلك القوانين حتّى وصلت إلى المساواة والشراكة داخل الأسرة والمجتمع وتمكّنت قوانين الأحوال الشخصية التونسية من تجاوز الإيديولوجية الدّينية المعادية للمرأة واستعملت الاجتهاد النّير فمنعت تعدّد الزوجات، وجعلت الزواج رسميا والطلاق قضائيا، وألغت مبدأ الطاعة وعوّضته بالاحترام المتبادل، ومكّنت المرأة من حق الولاية على أبنائها، والمشاركة في تسيير شؤونهم وحق الموافقة على زواج القصر منهم، دون خروج عن مبادئ الإسلام السمحة ومقاصده الهادفة فقامت قوانين الأحوال الشخصية على مبدأ المواطنة والمساواة التي شهد بها مكاسب المرأة التونسية خلال خمسين سنة ولا تزال الإصلاحات متواصلة.

المرأة العربية والعنف المقدّس:

لماذا ترزح المرأة العربية إلى اليوم تحت سيف التمييز، والأتعس تصاعد لهجة العنف والتمييز ضدّها في أواخر الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة مع تصاعد موجة الإيديولوجيات الدّينية والعنصرية في العالم؟

الأسباب متعدّدة إيديولوجية وثقافية وسياسية واقتصادية، تظافرت كلّها في العالم لترسخ العنف ضدّ المرأة، إلا أني سأقتصر على أسباب العنف في العالم العربي الإسلامي، لأنه يستمدّ قدسيته من الدّين، فهو أخطر، ولأن الرّجل يشرّع لنفسه ضرب المرأة ويعتبره حقا خصّه به اللّه بعد أن ميّزه عن المراة، ويرفض المساواة بين الجنسين رفضا مطلقا. ويبدأ التمييز مع قصّة الخلق ثم الدّرجة للرجال على النساء ثم قوامه الرّجل على المرأة وأخيرا حقّه الإلهي في تأديبها بالضرب.

1)     قصة الخلق :

في القرآن الكريم:﴿يا ايها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم منن نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء﴾(النساء:1).

أجمع المفسّرون القدامى والمحدّثين على أن معنى :﴿خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها﴾ أن اللّه خلق آدم من طين ثم خلق حوّاء من ضلع آدم، وخالف الاصفهاني الّذي ذهب إلى أن المراد أنّه تعالى خلق من جنسها زوجها فآدم وحوّاء من جنس واحد وطبيعة واحدة، وأي فائدة من خلقها من الضلع لأنه سبحانه قادر على خلقها كآدم من تراب واستدلّ بقوله تعالى:﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها﴾(الروم:21)، أي من جنسكم مثل قوله :﴿هو الّذي بعث في الأميين رسولا منهم﴾(الجمعة:2) أي من جنسهم، ومثل : ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم﴾(التوبة:128)أي من جنسكم.

ويردّ ابن عاشور على هذا الرأي قائلا : « لم يأت بطائل لأن ذلك لا يختص بنوع الإنسان فإن أنثى كل نوع هي من نوعه » (التحرير والتنوير ج4ص 215 ، ط.تونس 1984) وهو نفس رأي الطبري في جامع البيان الّذي يرى أن حوّاء خلقت من ضلع آدم (جامع البيان مج3، ج4، ص 150، ط. دار الفكر بيروت، د.ت) ويتبنّى وهبة الزحيلي من المفسّرين المعاصرين رأي جمهور العلماء فيذكر « أن حوّاء خلقت من ضلع آدم الأيسر » ويستدلّ بالحديث الّذي قيل فيه :استوصوا بالنساء خيرا فإنّهن خلقت من ضلع وان أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج » (التفسير المنير، ج4 ص 223-224، ط. دمشق 1991).

ونلاحظ مدى سلطة الفكر القديم وتحكّمه في الفكر المعاصر في مسألة خلق المرأة، فإن ابن عاشور والزحيلي مفسّران معاصران ولكنّهما وافقا الطبري في رأيه ولم يغيّرا شيئا ولم يقدّما قراءة تقرّر المساواة في الخلق، وما دام التميّز في القصة قائما فالرّجل يعتبر نفسه هو المقوّم للضّلع الأعوج، فعن أي مساواة نتحدّث. ولن تتغيّر هذه العقلية إلا بتجديد القراءة والتفسير والنزوع إلى تفسيرات دينية تسوى بين الجنسين.

2)     الدّرجة للرّجل على المرأة:

نقرأ هذه الآية الكريمة :﴿ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف وللرجال عليهن درجة﴾(البقرة:228).

كيف فهمت هذه الدّرجة قديما وحديثا من المفسرين الرّجال؟

      يورد الطبري في الدّرجة خمسة أقوال أربعة منها تفضّل الرّجل على المرأة في معنى الدّرجة فهو مفضّل في الجهاد والميراث وله أن تطيعه زوجته، وان جعل له لحية وحرمها منها ، هل رأيتم عجبا أكثر من هذا؟

      ورغم هذه اختار الطبري رأي ابن عباس فقال :« وأولى هذه الأقوال بتأويل الاية ما قاله ابن عباس وهو أن الدّرجة التي ذكرها اللّه تعالى في هذا الموضع الصفح من الرّجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإعفاؤه لها عنه، وآداء كل الواجب لها عليه »(جامع البيان ج2ص275-276)، ففهم ابن عباس من الدّرجة ما فهمه من « لهن مثل الّذي عليهنّ بالمعروف » لكن فهم ابن عباس للدرجة لم يُتَّخَذْ هو القدوة، وإنما اعتبر جلّ المسلمين أن الدّرجة حق التفوّق للرّجل على المرأة فمن أقوالهم : »… وللرّجال عليهنّ درجة، إثبات لتفضيل الأزواج، في حقوق كثيرة على نسائهم لكي لا يظن المساواة المشروعة بقوله : »ولهن مثل الّذي عليهنّ بالمعروف » مطردة ... والتفضيل ثابت على الإجمال لكل رجل. وقوله : »للرّجال » خبر عن درجة، قُدِّمَ للاهتمام بما تفيده « اللام » من معنى استحقاقهم تلك الدّرجة كما أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله : »الرّجال قوّامون على النساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض »…والأدهى تعليل هذه الدّرجة بما نصّه « وهذه الدّرجة اقتضاها ما أودعه اللّه في صنف الرّجال من ريادة القولة العقلية والبدنية« . واعتبار الذّكورة في الحيوان إتمام في الخلقة، ولذلك يعتبرون صنف الذّكر في كل أنواع الحيوان أذكى من الأنثى وأقوى جسما وعزما »(التحرير والتنوير، ج2 ص 401)، والتحيّز للرّجل باد هنا، ولكن العلل المذكورة للتمييز كذبها العلم فالرّجل ليس أذكى من المرأة ولا الأقوى حيلة منها، وليست المذكورة ميزة ولا كمالا في الخلق بدلالة قوله تعالى:﴿فلما وضعتها قالت ربّ إني وضعتها أنثى واللّه أعلم بما وضعت وليس الذّكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرّجيم، فتقبّلها ربّها بقبول أحسن وأنبتها نباتا حسنا وكفّلها زكريا﴾ (آل عمران:36-37).

      فانظر هنا قالت امرأة عمران: »وليس الذّكر كالأنثى » جاء التعقيب الإلهي :« فتقبّلها ربّها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا ».

      ويوم ندرك حقيقة المساواة ونغيّر مفهوم الدّرجة التي قال عنها ابن عباس أفهم من الدّرجة ما افهم من « ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف » عندها سيزول العنف ضدّ المرأة، وإلا سيبقى منتشرا ويبدو أن الأمل ضعيف في هذا التغيير في العقول العربية والإسلامية والدّليل ما جاء في التفسير المنير، تفسير معاصر عن مفهوم الدّرجة فيقول وهبة الزحيلي « للرجال درجة (أي منزلة) على النساء وهي درجة القوامة وتسيير شؤون الأسرة كما قال اللّه تعالى :﴿الرّجال قوّامون على النّساء بما فضل اللّه بعضهم على بعض وبما اتّفقوا من أموالهم﴾(النساء:34) ثم يلخص معنى الدّرجة في هذه الكلمة : »أما الدّرجة للرّجال فهي في الخلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح والفضل في الدّنيا والآخرة »(التفسير المنير 2/237-330)، ونلاحظ أن التفسير المعاصر عند البعض بالغ في فهم الدّرجة إلى درجة أنه اعتبرها أنّه اعتبرها تفضيلا للرّجل في الدّنيا والآخرة »(التفسير المنير 2/237)، ونسي أن الأحكام في الآخرة حسب الأعمال واللّه هو الّذي يحكم بالفضل وليس المفسّر لقوله تعالى :﴿إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم﴾(الحجرات:13)، ولم يقل القرآن إن أكرمكم عند اللّه ذكوركم، وقد فضل اللّه امرأة فرعون على الرّجال، وفضل مريم عليها السلام على نساء الدّنيا وفضّلت فاطمة الزّهراء رضي اللّه عنها على غيرها مما يؤكّد أن الأنوثة في حدّ ذاتها ليست نقصا، والذّكورة في حدّ ذاتها ليست كمالا، وإنما هي بما تثبت من أهلية، وبما تحقق من عمل، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.

      ومن هنا نطالب المرأة أن تتخصص في الدّراسات الدّينية وأن تعيد قراءة التفسيرات التي انحرفت عن حقيقة النصوص الدّينية التأسيسية، وخضعت لإيديولوجيا أبوية لا هم لها إلا إخضاع المرأة وممارسة أشكال العنف عليها، عنف مادي وعنف معنوي، لأن رجلا يعتقد أن له درجة تميّزه على المرأة يعتقد جازما أن له حق ممارسة العنف عليها ليقوّمها ويؤدّبها.ولن تغيّر نظرته حقوق الإنسان لأنها وضعية في نظره وهو يستمدّ قوته من الشرع.

3)     القوامة :

في القرآن الكريم :﴿الرّجال قوامون على النساء بما فضل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا﴾(النساء:34).

في القراءات القديمة للآية أن الرّجل قوام على النساء في تأديبهن والأخذ على أيديهنّ فيما يجب عليهم لأنفسهم وللّه وللأزواج بما فضّل اللّه به الرّجال من إعطاء المهور والإنفاق عليهن، وبذلك صاروا قوامين عليهنّ (جامع البيان 5/37-38) ويواصل بعض المفسّرين المعاصرين نفس الفكرة مبرزين أن هذا التفضيل ظهرت آثاره على الأجيال فصار حقا مكتسبا للرّجال » وتفضيل من اللّــه وإنفــاق (انظر التحرير والتنوير 5/38-39).

ويتفنن الزحيلي في تفسير القوامة فيقول :« الرّجل قيّم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدّبها إذا اعوجّت، وهو القائم عليها بالحماية والرعاية فعليه الجهاد دونها، وله من الميراث ضعف نصيبها ، لأنه هو المكلّف بالنفقة عليها » ثم يوضح سبب القوامة في أمرين:

الأول : وجود مقوّمات جسدية خلقية، وهو أنه كامل الخلقة، قوي الإدراك قوي العقل، معتدل العاطفة، سليم البنية فكان الرّجل مفضّلا على المرأة في العقل والعزم والقوّة...

الثاني : وجوب الإنفاق على الزوجة والقريبة وإلزامه بالمهر على أنه رمز لتكريم المرأة (التفسير المنير 5/54-55) والقارئ يدرك تهافت هذه الأدلّة لأن البنية الجسدية تربط بالتغذية السليمة التي تحقق القوة الجسدية والعقلية وخرافات تفوّق الرّجل عقليا كذّبها العلم الحديث، أما عجز مسألة المرأة في المعارك والانقلابات والثورات، وقضية الميراث لم تأت في القرآن لتفضيل المرأة على الرّجل وإنما لإدماج المرأة مع من لهم حق الميراث، لأنها لم تكن ترث على الإطلاق وإنما كانت تورث مثلها مثل الأشياء المادية. وقضية الإنفاق لم تعد مطروحة عند فئة من النساء وبذلك تنتهي قوامة الرّجل على المرأة كما ذكر ابن الفرس في كتابه أحكام القرآن (أحكام القرآن لابن الفرس 2/175، تحقيق منجية السوائحي، ط.دار ابن حزم 2005).

4)     حقوق الرّجل في تأديب المرأة بالضرب :

في سورة النساء :﴿واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن﴾(النساء 34)، فهم الرّجل أن الضرب حقّه بشرع اللّه، ولذلك ذهب جلّ المفسّرين إلى جواز تأديب المرأة بالضرب وبذلوا جهدا في تفسير الضرب فقال الطبري : »فعظوهن أيّها الرّجال في نشوزهن فإن أبين الإياب إلى ما يلزمهن فشدّوهن وثاقا في منازلهن واضربوهن ليؤبن إلى الواجب عليهن من طاعة اللّه في اللازم لهن من حقوقهن » (جامع البيان 5/43) ويقبل ابن كثير ضرب المرأة بشرط أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا » (تفسير ابن كثير 1/501) ويختار الآلوسي الضرب الّذي لا يقطع لحما ولا يكسر عظما(روح المعاني 1/25)، ومن المعاصرين يشرع للضرب محمد عبده بما نصّه ﴿إن مشروعية ضرب النساء ليست بالأمر المستكره في العقل أو الفطرة فيحتاج إلى تأويل (المنار 5/75) ويسانده تلميذه محمد رشيد رضا فيقول « … فأي فساد في الأرض إذا ما أبيح للرجل التقي الفاضل أن يخفض من صلف إحداهن ويدهورها من نشر غرورها بسواك يضرب به يدها، أو كفّ يهوي به على رقبتها » (المنار 5/75) ، وإنه لأمر غريب أن يصدر من مفسّرين معاصرين يدعوان إلى التجديد وفعلا جددا إلا في موضوع الضرب. والملفت للانتباه حقا أن بعض مفسّري العصور السابقة وقفوا موقفا حازما ضد ضرب النساء نقل ابن العربي عن عطاء في الرّجل: »لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه يغضب عليها » وعلّق ابن عربي « وهذا من فقه عطاء فإنه من فهمه للشريعة ووقوفه على الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب ها هنا أمر إباحة ووقف على الكراهية من طريق أخرى في قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :« إني لأكره الرّجل يضرب أمته عند غضبه ولعلّه أن يضاجعها من يومه » وقال : »ولن يضرب خياركم » (أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي 1/420 ط. بيروت 1408 هـ/1988). وذكر ابن الفرس أن العلماء أنكروا الأحادية المروية بالضرب فقال :« فرأى قوم أن أفضل ما يتخلق به الرّجال الصفح عنهن على ما صحّ في الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من صبره على هجر نسائه له ولم يذكر أنه عاقبهن على ذلك، وأنكروا الأحاديث التي جاءت بإباحة ضربهن مثل قوله عليه الصلاة والسلام : »علق صوتك حيث يراه الخادم » وقوله : »أخف أهلك ولا ترفع عنهم عصاك  » وقالوا لا يجوز الاحتجاج بها لوهاء أسانيدها(أحكام القرآن 2/174-175)، ومن المفسّرين المعاصرين يكاد محمد الطاهر ابن عاشور يكون من القلائل من بين رجال الإصلاح الدّيني الّذين رفضوا الضرب وعبارته « إن الضرب خطير وتحديده عسير »، ويبين أن أصل قواعد الشريعة لا تسمح بأن يقضي أحد لنفسه لولا الضرورة بيد أن الجمهور قيدوا ذلك بالسلامة من الأضرار، وبصدوره ممن لا يعد الضرب بينهم إهانة وإضرارا… ويجوّز لولاة الأمور إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها…أن يضربوا على أيديهم في استعمال هذه العقوبة ويعلنوا لهم أن من ضرب امرأته عوقب كي لا يتفاقم أمر لإضرار بين الأزواج » (التحرير والتنوير 5/44).

 

الرسول يمنع الضرب:

 

نعود إلى الآية 34 من سورة النساء، والتي يتّخذها كل رجل يعنّف زوجته حجّة يستمدّ منها شرعية أحقيته في العنف المقدّس، قبل مجيء هذه الآية حكم الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم بالقصاص لمدّة ثلاث سنوات، كلّما جاءته امرأة تشتكي صفع زوجها لها إلا وطلب منها أن تصفعه، إلى أن وقعت غزوة أحد وهزم فيها المسلمون وعندها جاءت زوجة سعيد بن الربيع أحد وجهاء المدينة تطلب القصاص منه لأنه لطم وجهها، فأمرها الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم أن تقتص منه وقبل إنجاز الحكم تراءت الآية للرّسول ﴿واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن﴾ وعندها قال الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم :« أردت شيئا وما أراد اللّه خير ».

هل حكم الرّسول بالقصاص يتعارض مع الآية؟ وقد قال أبو بكر الصديق : »كان الرّجال نهوا عن ضرب النساء » والّذي نهاهم هو الرّسول رغم أن الضرب كان عاديا في مكّة حسب الأخبار التي وصلتنا ولكنّه لم يكن معمولا به في المدينة ولذلك ثارت نساء قريش على أزواجهن وطالبن بالمساواة في المعاملة لما انتقلن إلى المدينة وتمّت المساواة فعلا إلى أن جاءت آية سورة النساء مراعية للظروف التي يعيشها المسلمون كما ذكرنا سابقا فقدم الأهم على المهم، لمّ شتات المسلمين، ومقاومة الأعداء، والتفكير في أسباب الهزيمة أهم بكثير من خصومة بين زوجين، كما أن سعيد بن الربيع له شأن في المدينة وربما القصاص منه يضاعف من الأزمة خاصة وأن رجال المهاجرين ضجروا من ثورة النساء عليهن فقد نشزت واجترأن فأزعجن السلطة الرجالية، ولذلك حسم الأمر لصالحهم في مسألة الضرب، وما أحوجنا لقراءة تاريخية لهذه الآية 34 من سورة النساء ليتّضح معناها أكثر فأكثر وليفهم مؤيّدي تأديب المرأة بالضرب، أنه غير متماشي مع موقف الرّسول من الضرب وأنه متعارض مع المواثيق الدّولية ومع حقوق الإنسان. وقد فهم عليه الصلاة والسلام الفهم السليم فقال رغم نزول الآية :« ولن يضرب خياركم » وقال « استوفوا بالنساء خيرا » وقال « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم » وقال « رفقا بالقوارير »، وما ضرب رسول اللّه شيئا قطّ بيده ولا امرأة ولا خادما » برواية عائشة رضي اللّه عنها.

ونستنتج من هذا أن المنع للضرب هو الأصل وليست الإباحة هي الأصل مع العلم أن ما ذكرته حدث في زمن تاريخ يقارب 15 قرنا من الزمن. ألم يحن الوقت ليتخلّص الرّجل العربي والمسلم من هذه الإيديولوجيا التي يبيح بها لنفسه تعنيف المرأة ، والمؤسف أن العنف لا يزال منتشرا ليس في العالم العربي والإسلامي فقط ولكن عند كل الشعوب ، والضحيةواحدة وهي المرأة، فقد ذكر تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2005 أن وفيات النساء الأوروبيات وأعمارهن بين ست عشرة سنة وأربعة وأربعين سنة بسبب العنف الممارس ضدّهن من قبل الأزواج ، ثم تأتي في المنزلة الثانية الوفيات بسبب سرطان الثدي ثم حوادث المرور.

وأعلنت كترين فوتران الوزيرة الفرنسية المفوّضة لشؤون الوحدة الاجتماعية والمساواة بين الرّجل والمرأة سنة 2005 أن نتائج الإحصائيات الرسمية التي أجرتها وزارتها عن العامين المنصرمين أظهرت أن امرأة واحدة تموت كل أربعة أيام نتيجة العنف الّذي يمارسه الزوج ضدّها داخل العائلة، وأن رجلا واحدا يموت نتيجة هذا العنف كل 16 يوما.

ونسب العنف في العالم العربي والإسلامي لا يمكن حصرها لأن تخل تحت المسكون عنه أوّلا، ولأن المرأة في الأغلب لا تصرّح بها، مع العلم أن  تتراوح نسبة العنف في العالم العربي والإسلامي بين 40 % و 60 % وأن المصدر الأوّل لهذا العنف هو الزوج، مما يلحّ على ضرورة تغيير التشريعات التي تجاوزها الزمن والاستفادة من تجارب الدّول العربية والغربية التي قلّلت من العنف ضدّ المرأة ووضعت قوانين تحميها وتحمي الأسرة، والالتزام بما جاء في المواثيق الدولية التي ترفض كل أشكال التميّز ضدّ المرأة.

 

*أستاذ الدّراسات الإسلامية بجامعة الزيتونة

 

للتعليق على هذا الموضوع

 

(المصدر: موقع شفاف الشرق الأوسط بتاريخ 9 مارس 2006 )

http://www.metransparent.com/texts/mongia_saouhi_sacred_violence_against_women.htm


غداة يومها العالمي: المرأة العربية ووضعيتها المرتبكة

آمـال مـوسى (*)

 

احتفل العالم أمس باليوم العالمي للمرأة، وهو موعد سنوي يطغى عليه الطابع الاحتفالي ويركّز على الوجه المشرق من ملفات المرأة المفتوحة التي لم تستوف كافة الإشكاليات. ومن جهتي كامرأة عربية، تثيرني هذه المناسبة من جهة الوضعية المرتبكة والمتناقضة، التي تعيشها النساء العربيات، فنلحظ أن واجبات المرأة كاملة وفي تراكم يومي، في حين أن حقوقها قليلة على مستوى الكم ومتخلفة على مستوى النوع والكيف. وإن كنا لا ننكر أن المرأة العربية في السنوات الأخيرة قد حصلت على بعض الحقوق في مجال الأحوال الشخصية (قانون الخلع في مصر)، إلا أننا في المقابل لا يسعنا سوى الاعتراف بأن معظم البلدان العربية لا تزال مترددة وتعمل النخب السياسة الحاكمة فيها ألف حساب للمعارضة الإسلامية، وتتعلل برفع شعار الخصوصية الثقافية الاجتماعية. والحال أن حتى مفهوم الخصوصية يتكون من شق ثابت وآخر متحول.

 

لذلك فإن تخلف التشريع القانوني في ما يخص وضعية المرأة في الفضاء العربي، يلعب دور العقبة والمانع لتطور المدونة التشريعية، وبالتالي المرأة كممثلة رمزيا وواقعيا لنصف المجتمع. فإصرار قوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات العربية على فرض مبدأ الطاعة على المرأة، يعني ضمنيا وتصريحا أن المرأة دون الرجل، وأنها تابعة له وأن لا علاقة لها بصنع القرار في علاقتها الزوجية أو داخل أسرتها.. الخ، وبالتالي فإن صورة المرأة في غالبية التشريعات العربية لا تتجاوز التبعية النسبية أو الكاملة، وهو ما ينفي عنها صفة الذات الفاعلة المستقلة والشريكة للرجل.

 

وفي الحقيقة فقد كان لسجن التشريعات للمرأة في دائرة الطاعة والتقبل في الماضي ما يبرره، وأهم تلك التبريرات النفقة، التي كانت على رأس قائمة واجبات الرجل نحو زوجته وأطفاله، لكن الحراك الاجتماعي الذي شهدته المجتمعات العربية منذ فترة الاستقلال إلى اليوم، قد أفرز عدة تغيرات فأصبح الفعل الاجتماعي يدار ويدفع ويتحرك بمجهودات الرجل والمرأة وبساعديهما الاثنين معا، لذلك فإن مشاركة المرأة في معركة الخروج من التخلف (المعركة المتواصلة)، وخروجها إلى العمل ومساهمتها في الإنفاق على البيت، وتساوي واجباتها على مستوى الواقع الاجتماعي مع واجبات الرجل، كل هذا أبطل شرعية طاعة المرأة للرجل بزوال السبب، بما أن مسألة الإنفاق داخل الأسرة لم تعد حكرا على الرجل فحسب.

 

والمشكل اليوم هو أن أدوار المرأة تغيرت وتطورت داخل الأسرة والمجتمع، في حين أن التشريعات القانونية، لا تزال متخلفة على أكثر من صعيد، فهي واقعيا فاعلة اجتماعية وتشريعيا كائن مطلوب منه الطاعة!.

 

ومثل هذه الوضعية المتناقضة، حيث تلعب المرأة دور الشريك وتطالب في الوقت نفسه قانونيا بالطاعة، تعكس هوة بين الواقع الاجتماعي وقوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات العربية، رغم أن المعروف أن القانون حاجة اجتماعية، بل أن حتى مجلة الأحوال الشخصية في تونس، التي تعتبر رائدة وتجربة نموذجية في العالم العربي، حيث ألغت تعدد الزوجات منذ 1956، لم يتم فيها إلغاء مبدأ الطاعة سوى بعد تنقيح 1993 الذي أصبح ينص على مبدأ الشراكة بين المرأة والرجل لا علاقة قائمة على مبدأ الطاعة. ولا شك طبعا أن جوهر هذه الإشكالية ثقافي بالأساس والمسألة في معظمها ذات علاقة بالمنظومة الثقافية الدينية المستحكمة في المجتمعات العربية.

 

إلا أن تجارب عديدة أثبتت أن جرأة التشريعات القانونية وسن قوانين تقدمية تنسجم مع تطلعات المجتمع إلى التقدم والتنمية والتطور، يمثل حصانة قوية للمرأة وللأسرة وللمجتمع ككل، أي يمكن أيضا للمدونة القانونية أن تكون أقوى وأكثر تقدما من المنظومة الثقافية السائدة في المجتمع ومن الواقع الاجتماعي نفسه، إلى أن يتم التوازي بين البعدين بفعل تراكم التجربة الاجتماعية مع الزمن الذي يتيح للقيم والقوانين فرصة التغلغل والثبوتية.

 

ولئن تحدثنا عن حقيقة وجود الشراكة بين الجنسين في مستوى الواقع والممارسة والوقائع الاجتماعية، فإنه يغلب عليها الطابع التلقائي والطبيعي للحياة. ذلك أنه حتى على أرض الواقع نجد هذه الشراكة مقطوعة الرأس ومجتزئة. أي أنه هناك شراكة في الاقتصاد والمرأة تعمل في كافة الحقول الصعبة والعادية، وأثبتت مهارتها حتى في المجالات التي تعتبر مجالا ذكوريا خاصا. وتساهم كذلك المرأة العربية في التنمية وتعمل في التعليم وفي الصحة وفي الصحافة وفي المحاماة، لكن حضورها في الحقل السياسي ودوائر صنع القرار لا يزال دون التوقعات المأمولة. وباستثناء مصر التي تقلدت فيها المرأة نصيبا معقولا من المناصب القيادية في الإعلام وفي الوزارات، وبالخصوص في المجال الدبلوماسي، فإن باقي الدول العربية لا يزال الرجل يحتكر فيها العمل السياسي وصنع القرار. وفي تونس مثلا التي يتجاوز فيها نسبة الإناث نسبة الذكور ونسبة الطالبات 57%، نجد أن حضور المرأة التونسية في البرلمان 22.7% و23 امرأة مديرة عامة في الوظيفة العمومية، وهي أرقام لا تنسجم بما يكفي مع الخطاب السياسي التونسي حول المرأة ولا يتوازى في القيمة مع فتوحاتها على مستوى القوانين. ومن التعبيرات الوصفية لواقع المشاركة السياسية للمرأة في المجتمعات العربية، نذكر وصفا خاصا للدكتورة والباحثة الاجتماعية تراكي زناد تقول فيه إن المرأة العربية يد عاملة في السياسة لا أكثر ولا أقل.

 

ونعتقد أن ضعف حضور المرأة في مجالات صنع القرار وطبخة يستدعي من الدول العربية بذل جهد خاص من أجل استيعاب الإرادة النسوية، وبالتالي المضي قدما نحو تحقيق نوع من الشراكة السياسية، تثمر بدورها ضرورة تطوير التشريع القانوني وتجعل مساهمة المرأة في التنمية تشمل الانخراط تماما كما التفكير والتخطيط وصنع القرار. خصوصا أن المجال السياسي إذا ما حازت فيه المرأة العربية على حصة مرضية، سيسمح بتكاتف الإرادتين من أجل صالح مجتمع، لا خيار له اليوم سوى تكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وملف المرأة جزء ظاهر ومخف من هذه التحديات.

 

(*) كاتبة تونسية

amelmoussa@yahoo.fr

 

(المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » الصادرة يوم 9 مارس 2006)

 


 

المرأة بين الواقع والمرتجى في النظام الأبوي البطريكي « دراسة مقارنة »

نضال القادري

يحكى دائما عن مكتسبات في مسيرة الحركة النسائية وعن القرب من تحقيق المساواة. إن فكرة مساواة المرأة مع الرجل طرحت لعقود طويلة بطريقة لا تخلو من غياب الجوهر الحقيقي للموضوع، ويستطيع الباحث أن يرصد الكثير من الأقاويل والقصص المثيرة للجدل للتدليل على قهر المجتمع بصورة عامة للمرأة. فعندما تتحدث أي امرأة عن ظلم الرجل لها، ومطالبتها بحقوقها، يشار دائماً إلى فكرة أن الرجل أقوى وأقدر على الحماية والولاية على كل ما يتحكم بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة، رغم كل ما يقال من أن المرأة هي نصف المجتمع ليس قناعة منه بذلك بل فقط ليدغدغ عواطفها، ولينقلب إلى شخص أخر في موقع المدح المدفوع سلفا للإقتناص من معنوياتها في وقت لاحق، والسؤال الذي يطرح نفسه علينا بطريقة مستدركة: إذا كانت المرأة نصف المجتمع، فكيف يمكن أن يتطور نصف المجتمع ويبقى نصفه الآخر بدون تطور؟!

إن ما يقال عن تحقيق مكتسبات في تاريخ العلاقة بين الصنفين لهو لغو نسبي لا يتعدى أكثر من إحصاء بسيط ولا يطال نواحي الحياة الفعلية لهما ولا يدلك على المجرى الحقيقي الطبيعي للمنطلقات الإنسانية بينهما. فالمكتسبات النسائية هي هشة بطبيعتها في المجتمعات العربية، وهي تواجه أنواعا عدة من العقبات أهمها ما يعرف بالهجمة الذكورية، والردة الإيديولوجية للمكنون الديني الذي يقود المجتمع بطريقة « بطركية » كما يقول الباحث هشام شرابي في كتاباته. وفي هذا الجو المحموم من العلاقة، تتكرر الموضوعات المستعارة المستوردة في أغلبها من الغرب، ومن الولايات المتحدة خصوصا، ومفادها أن مستنصري التوجه النسائي يبالغون في تصوير المشهد الأولي لاضطهاد المرأة في مجتمعاتنا، وعمليا قد يكون انتهى إلى غير رجعة ذلك الزمن من التحرش الجنسي المستتر، وكذلك الاغتصاب بين الأزواج، والزواج بالإكراه كما كان ساريا من قبل في مجتمعاتنا العربية، إذ هناك بعض النساء ممن لا يستسلمن بسهولة لأي وسيلة إخضاعية، وهذا النموذج يتخذ خطوات أكثر جرأة تبدأ بالتمرد على التهميش العائلي والإستفراد في منزل أهلها وتنتهي بطلب الطلاق والإفتراق من الزوج الذي لا تحبه أو أجبرت على الزواج منه، ولكن ذلك لا يشكل البطولة ولا الإنصاف المنشود الذي تسعى لتحقيقه الحركات النسائية. ولا بد للمتسائل أن ينبري للتوقف عند ما يزعم أنه التحرر والافتراق والإنعتاق من واقع مرير، لكن عند بعض المجتمع أو بعض الأسر قد تأخذ هذه الصفة (التحرر والافتراق والإنعتاق) وتعطيها معان أخرى بعيدة كل البعد عن المعنى الأصلي للكلمة، فمجتمعاتنا تحكم على المرأة المطلقة بالموت المعنوي والدعائي، مهما كانت ظروف طلاقها وأيضا دون النظر إلى حالتها السابقة التي مرت بها، ومهما كانت معروفة أطباع وسوء الرجل الذي انفصلت عنه، فلا بد أن تكون المرأة هي المخطئة في مجتمعاتنا ويكون بذلك الرجل المتحكم بها دائما على حق مبين، هذا إذا لم يطعن الرجل وأسرته وأحلافه القبليين في أخلاقها وشرفها، وغالبا ما يحدث هذا.بصورة بشعة، تخلق من دون أدنى شك صورة معنوية هزيلة للمطلقة في مجتمع يحكمه الذكور المتشوقين إلى ضحية وأصنام الأعراف الماضية البائدة التى لا توفر من لا يعنيهم الأمر.

إن الردة الرجعية لبعض المفاصل في القوانين التي تتحكم في حياة المرأة التي أصابها القدر السيء، تضعنا أمام تحديات جمة، خصوصا إذا ما أصبحت وحدها تجابه الريح العاتية الأتية من كل حدب وصوب، والمثال الأتي يشهد ما أقوله عندما تكون العِصْمَة التي بيد الرجل أبدية حتى بعد الموت، إذ تتحول إلى سيف قهار بتار لا يرحم نساءنا في الشرق، فالمرأة مثلاً لا يجوز لها أن تكون وصية على أطفالها بعد وفاة زوجها، لا في مسألة تزويجهم أو إدخالهم إلى المدارس أو تسفيرهم إلى الخارج أو توريثهم شرعا، وتبقى الأرملة على الدوام بحاجة أو تحت رحمة أحد أقارب زوجها المتوفىّ من أصحاب الصفة القانونية لكي يشرف على معاملاتها التي تبقى دوماً أسيرة لموافقة أو لمزاج أولي الأمر. والسؤال يطرح نفسه من دون مقدمات تذكر: من ينصف المرأة؟! من يحاسب ظلاّم المرأة ويأخذ لها حقوقها الأساسية أو يحافظ على ما تبقى منها؟! هل نذهب كما قال البعض: « لا بد من أيجاد محكمة نسوية صرفة »، الحاكمة فيها امرأة عانت ما تعانيه النساء من ضروب الظلم المتعددة والتي قد تبدأ بالحرمان من التعليم ولا تنتهي فقط عند تلقي الضرب والإهانة على يد الأزواج؟! الجواب: لا، إن الأمر ليس كذلك، لا أعتقد ذلك على الإطلاق، ففاقد الأشياء لا يعطيها، وكيف به إذا صار متحكما ويريد أن يسترجع ما فقده منذ زمن بلحظة حياة واحدة. إن تطبيق القانون يجب أن يكون سيد المواقف، وإن أي تشكيل لمحكمة نسوية صرفة سيقلل من مصداقية أحكامها وقراراتها واجتهاداتها، وسينظر الرجال إلى هيكليتها من زاوية عنصرية فاقدة لكل ما تقوم به حتى ولو كانت درجات الإستئناف بها تأخذ حيزا كبيرا. إن الناظر في الأشياء يرى أن جهاز القضاء، على سبيل المثال في لبنان، قد أصبح يعج بالأسماء النسوية وأصبح عدد النساء في مهعد الدروس القضائية يشكل ما نسبته 80 % من عدد الطلاب المقبولين، مما طرح أكثر من علامة إستفهام وسؤال داخل الجسم القضائي وخارجه لمعالجة ما اعتبر مشكلة بين الجنسين، ولكن هذا لا ينتقص من قيمتهن أو كفاءتهن، إذ أكبر دليل على كفائتهن السيدة القاضية « ربيعة عماش قدورة » التي دخلت تاريخ الجسم القضائي في لبنان والدول العربية كأول قاضية تتولى مهام « مدعي عام تمييزي ».. مثال أخر هو السيدة القاضية « تهاني الجبالي »، أول امرأة تعتلي عرش القضاء المصري من بنات حواء للفصل في القضايا بنص القانون وروح العدل، إن قلبها يتسع للدنيا كلها لتحسم الكثير من الجدل حول مدى أحقية وكفاءة المرأة في أن تحكم بين الناس وتحل مشاكلهم وتفصل في نزاعاتهم، ولم تقف عند هذا الحد، بل تم إنتخابها عضوة في المكتب الدائم لإتحاد المحامين العرب، لتصبح بذلك أول سيدة عربية تنتخب في هذا المستوى بالإتحاد منذ تأسيسه في عام 1944م. ولم تكن المرأة في سورية بعيدة عن سلطة العدل، إذ وصلت على سبيل إلى أعلى درجات القضاء حيث تتولى منصب النائب العام القاضية « غادة مراد » وهي سيدة من أكفأ النساء العاملات في مجال القانون وحكمت في العديد من قضايا الإعدام والإفلاس الشائكة.

منذ القدم، لا يزال المجتمع الذكوري مسيطرا، بالرغم مما قدمته المرأة على كل الأصعدة، في الحرب والسلم والهدنة، وللمتسائل أقول أنه لا يوجد نص قرآني يمنع تعيين المرأة في القضاء، وفي ذلك يقول الله في قرأنه الكريم: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، فقد أعطى الدين الإسلامي للمرأة حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكما قال أيضا محمد رسول الله: « خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء »، حيث أعطى حق الإفتاء للسيدة عائشة والصحابي عمر بن الخطاب، وأعطى القضاء في السوق لامرأة تفصل فيما ينشب من مشاكل بين التجار. إن الظلم يقرّه ولاة المجتمع، ويدعمه الجهلة من أتباعه رغم كل الأقوال البائتة في عدم جوازه، وإن أي محكمة تطرح على بساط البحث يجب أن تحفظ إنسانية الإنسان بالدرجة الأولى وكرامة المرأة كونها إنسانا رقيقا، فهي الأم والأخت والبنت والخالة والعمة.. ومن يقبل العبودية لأهله والإهانة لأهله فهو ليس أهلا للشورى والولاية على كل أنواعها، إن المحاكم التي تقر بوجوب أن تصدر أحكام على العنصرية والتفرقة بين الجنسين مرحب بها من كثير من أبناء الشعب، والمحاكم ليست مشكورة من قبل الهيئات التي ترى أن النتائج هي عملية إنتقاص من صلاحيات يدعون ألوهيتها بطلانا ويعتبرون أن ما ألت إليه الأمور باطلا بطلانا تاما وبائنا. نعم، لمحكمة تأخذ لنا حقوقنا من مجتمع الرجعية والتخلف دون النظر للجنس واللون والطائفة والدين لكل من أطراف النزاع والدفاع والحكام، واقتراح تشجيع استخدام الآليات القضائية ‏مثل الطعن في الأحكام غير الدستورية واستخدام آليات العدالة الاجتماعية مثل ‏المحكمة الجنائية الدولية وحث الدول على المصادقة عليها.

إن النظرة إلى المجتمع الأبوي في العالم العربي بطريقة أحادية الجانب لا تخلو من العنصرية، لذلك يعتبر الخطأ والخطيئة فخاً واحدا منصوباً أمام الفتاة الشرقية في كل زمان ومكان، علماً بأن العلاقات الشبابية بين الذكور والإناث هي علاقات أُلفة ومحبة مشروعة ومتبادلة، ولذا ينبغي أن يكون الخطأ والخطيئة (الذنب) أيضاٌ متبادلاً، أي عندما يتم ارتكاب أية هفوة فإنّ على المجتمع محاسبة الطرفين على حدٍ سواء، لكن الذي يجري في العادة لا يعكس الصورة الحقيقية لمجريات الحدث، بل تُنْسَب أي غلطة إلى الفتاة وتعتبر خطيئة لا تغتفر إلاّ بغسل العار الذي يتم عادة بقتلها، أو إلزامها بالبقاء ضمن أربع جدران إلى أبد لا نعرفه غسلا لعار مزعوم لم ترتكبه، ويتبين من معاناة المرأة أنها لا تزال تحت قيد المعاناة، وإن إزالة هذه الحالة عنها لا تعني أن المساواة قد تحققت، حيث أننا نجد من بين كل عشر إناث تعرضت سبعة منهن للضرب في المغرب ووصلت النسبة في مصر إلى 25% وفي اليمن إلى64 % ، بالإضافة إلى جرائم الشرف التي تقع ضحيتها النساء بنسبة 59%، ويخطرني في ذلك، حادثة السيدة « رانيا الباز« ، المذيعة السعودية التي تصدرت حادثة ضربها من قبل زوجها، السعودي أيضًا، عنوانين الصحف وأجندة الاعلام العربي والغربي في عام 2005 لمدة لا يستهان بها. وبهذا المعنى، فإن النساء سيشكلن أقلية حتى لو وصلت نسبتهن ديموغرافياً إلى 70% أو 80% في بعض البلدان العربية في ظل مجتمع « بطركي » أبوي سلطوي المنشأ والمجرى، هذا المنطق سيكرس ثقافة التلاوين والتمايزات وعدم قبول الآخر، ويمكن أن يؤسس لمثنويات جوهرية سلبية في المستقبل المنظور (أبيض/ أسود، لغة سيدة/ لغة مبتذلة)، وبالتالي فإن المثنوية الجوهرية (رجل / إمرأة) ستفسح في المجال لتلاوين عنصرية أخرى، وستزرع ثقافة أقل ما يقال فيها بأنها « مضطربة » في مكنوناتها.

وفي هذا المجال لا يسعني إلا أن أعبر عن تقديري لرهافة الكاتبة « سوسن العطار » عندما تكلمت عن زميلتها « أحلام مستغانمي » ناقدة لفكرها القصصي الذي لا يعبر عن مكنونات المرأة العربية في التحرر والسيادة والإستقلال، خصوصا عندما تقدم هذه الأخيرة منهما أشخاص نسائها في القصة: « هذه هي أحلام مستغانمي، تحبها النساء وينام على عبق رواياتها الرجال، تنتظرها بشغف وإعجاب المثقفات المتحررات/.. من الزوجة الخائنة إلى الزوجة التي تدري بخيانات زوجها وتصمت كأن ذلك أحد حقوقه، أو الزوجة الغبية التي لا تدري أصلا بخيانات زوجها، إلى الأم الأرملة التعسة الجاهلة والمطلقة المستسلمة…/ ثم تنبري الكاتبة « سوسن العطار » لزميلتها قائلة: »بصدق أنا أستمتع وأنا أقرأك، وسأحاول أن أعيد قراءتك لعلي أجد فيها مخفيا بين الشخوص، عن امرأة ما أو رجل ما، لا أريده / أريدها مثاليا، ولكن عاديا، يعيش لفكرة ما، لهدف ما إلى جانب غرائزه، ولا يستخدم سحر قضاياه ورومانسية عذاباته لتجميل غرائزه وجعلها أكثر إغراءا، الخيانة ليست فضيلة، الخيانة خيانة لوطن، لزوج، لصديق، فلا يتزوج أو يستمر في الزواج من لا يشعر أن الآخر صديقه وزوجه ووطنه ».. إن الزواج ليس إنعتاقا من حالة يأس بالقوة إلى حالة يأس بالفعل، إن الزواج حالة حياة مثلى لنظام كوني مصغر يختبر الإنسان فيه مكنوناته الأولى تمهيدا لولوج نهائيات الكون في جمالياته الأخيرة. إن الزواج عمليا بالنسبة للفتاة هو إحدى الوسائل المساعدة لحصولها على جزء من حريتها بطريقة أو بأخرى، ويجب ألا يكون إستعمارا جديدا واستعبادا قبليا من الناحية الأسرية والعائلية، وكذلك السياسية أيضا. وإذا كان الذي يحصل لا يدل على ذلك، فإن الأخذ بنظام « الكوتا » في الممارسة السياسية لهو ضرورة ملحة على أن يكون ذلك إجراءاً مرحليا ليحمي المرأة من مجتمع يتحكم الذكور في صغائره وكبائره، وهذا النظام الحصصي تعمل به حوالي 75 دولة في كافة أنحاء العالم، وبالتالي سيكون ضرورة للتصدي للإتجاهات المحافظة والرجعية التي إرتفع صوتها، ومن هنا أستدرك السؤال لأقول: ألا يعتبر النضال من أجل إصدار قانون عصري للأحوال الشخصية من الأولويات النضال؟!!

بعد كل ما تقدم، أعتقد أن سبب تردي أوضاع المرأة في السياسة كمشروع نهضوي يرجع لأسباب جوهرية من أهمها عدم إنخراط المرأة في العمل السياسي لفترة من الزمن، وعدم وعي المرأة الناخبة لأهمية مشاركتها في الانتخابات، ولنقص موارد التمويل للحملات الانتخابية أو لتأثرها بقرار الرجل في اختيار المرشح أو لغياب المؤسسة النسائية المنظمة القادرة على تبني المرشحات من النساء ودعمهن. ومن هنا، إن الدعوة لضرورة التصديق على إتفاقية « سيداو » (إتفاق إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة) هو ضربة تشريعية في محلها تسهم إلى حد كبير بوضع الأمور في نصابها الصحيح. وعند مناقشة هذه الحالة، تحضرني آراء النهضويين الذين عاشوا في بلاد الشام أمثال الأساتذة الكبار أحمد فارس الشدياق، وبطرس البستاني، وفرح أنطون، وأنطون سعادة، وكانت مذاهبهم أكثر تنورا ممن عاشوا في باقي العالم العربي، إلا أن تأثير أفكارهم لم يكن كافيا ورسوليا على ما يبدو لتغيير العقلية الذكورية المسيطرة على سكان البلاد، مرد ذلك لما شهدته بلادنا من قهر سياسي قضى على أفكار بعضهم واغتالها تحت ذرائع الإنفتاح الممنوع. ضف إلى ذلك، أن العمل على وقف بثّ الصورة السلبية للمرأة في وسائل الاعلام التي تمثّلها كجسد والعمل على إزالة تكريس الصورة النمطية للمرأة هو إنجاز في محله يرفع درجة احترامها ويعيد الكثير من صورتها المفقودة كوجه متكامل بكل أبعاده الإنسانية. وسأذكر على سبيل المثال، الوجه المتكامل للمراة التي جسدت صورة بلادي من الناحية الإعلامية السيدة « لبيبة هاشم » التي أصدرت في عام 1906 مجلة (فتاة الشرق)، والسيدة « ماري عجمي » التي أسست في عام 1910 مجلة (العروس)، وأسست جمعيات نسائية عدة للنضال ضد المستعمر العثماني، وقد اتضحت مسيرتها النضالية حين التقت بالمناضل « بترو باولي »، لكن الأتراك قبضوا عليه، وأعدم مع مجموعة الشهداء في 6 أيار، وبقيت وفية له ولم تتزوج أبدا، كما واجهت بدورها الاستعمار الفرنسي بذات الروح النضالية، ولم أنس السيدة « عادلة بيهم الجزائري » التي شاركت في النضال السياسي ضد قهر السلطة العثمانية، وحمت ورفيقاتها أناسا كثرا من أعواد مشانقهم. ولا يخفى من بعدها، دور المرأة السورية التي ازدادت وتعاظمت في السمو، إذ نالت حق المشاركة في الانتخاب عام 1949، وفي شباط 1958 تم تشكيل مجلس أمة موحد في سورية كان من بينهم امرأتان هما السيدة « جيهان موصللي » والسيدة « وداد أزهري ». وفي التاريخ الحديث، كان على المرأة في بعض البلدان العربية أن تسلك طريقا يعتمد في بعض أدواره على الكفاءة أو المحسوبية/ أو التلطي تحت سقف العباءات السياسية أو الإقطاعية/ وإما الإختباء في سلالة المورثين في الحزب والدولة والجمعية ونوادي السياسة وكل ما إلى ذلك من أجل الوصول إلى المنال والمراد، وهذه الذهنية لم تشكل حتى الأن صورة مقنعة عن المرأة المستقلة بقرارها إستقلالا تاما يؤدي إلى أعتبارها نموذجا صحيحا للإقتداء به بين جمهور النساء. ولكن كلامي في ذلك، ليس للتقليل من أهميتها بل للتدليل على أسلوب وصولها إلى الأضواء في الأنظمة المركبة بطريقة مثيرة للجدل، وتحضرني الأسماء التالية كنماذج يمكن إسقاطها على ما تقدم: (ربيعة عماش قدورة، نضال الأشقر، أليسار سعادة، بشرى مسوح، هيام محسن، جولييت المير سعادة، بهية الحريري، غنوة جلول، مها الخوري أسعد، نائلة معوض، منى الهراوي، نعمت كنعان، ندى السردوك، منى فارس، بثينة شعبان، أسمى خضر، حنان عشراوي، توجان الفيصل.(

إن الصورة الوحيدة التي لا تزال عالقة في أذهاني هي صورة المراة المقاومة البطلة التي تخطت كل عرائض المطالبات بالمساواة، إن ما قدمته لهو زيادة فوق الزيادات، صورة تختلف عن التي طالبت بها المشاركات في « مؤتمر المرأة العربية » الذي أقيم في بيروت بعد التحرير، ولا أنكر حق المرأة التي طالبت الأحزاب والقوى السياسية والاتحادات النقابية بترشيحها وإدراجها داخل هيئاتها القيادية على اللوائح الانتخابية تحت نظام « كوتا » أو التي اقترحت في إطار تنظيم الاعلام والاعلان الانتخابيين على تصويب صورة المرأة في وسائل الاعلام، بل رأيت أن الصورة الصواب هي أن نضع فسيفساء الصمود والتحدي أمام مهزلة التخلف التي نجتهد منذ زمن لتصحيحها. إن النموذج الفريد والأوحد الذي يهز المشاعر هو الذي شهدناه بعدما إزاحت المشاركات في المؤتمر الستار عن نصب وجدارية «المرأة المقاومة» التي صممها الفنان « وجيه نحلة »، هذا الستار الذي أسدلت ليل ظلماته في النضال ضد اليهود، إبنة المفكر « أنطون سعادة » مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي الشهيدة « سناء محيدلي » ورفيقات من بعدها على مذابح الحرية الحمراء، إن هذه الصورة ليست بحاجة لمن يجملها، إنها البداية والنهاية ومساواة للمعنى والمبنى، إنه وطنها الأرحب الذي لا نشكل كلنا إلا أطراف مجده الأتي.. وخير ما أسعدني في ذلك اليوم أيضا، ما تقدم به رئيس بلدية بيروت د. عبدالمنعم العريس عندما أتحف المشاركات بالقول: »كان أوج المجد الذي وصلت إليه المرأة، ارتقاؤها إلى مستوى المرأة المقاومة، وفي تجربتنا اللبنانية لم تكتف المرأة بدور المساندة لأعمال المقاومة، بل ذهبت إلى ممارسة المقاومة فعلا، وصولا إلى السيادة، وإننا إذ نزيح الستار عن نصب وجدارية المرأة المقاومة في قلب بيروت، نؤكد على معنى المقاومة التي انطلقت من بيروت في عام 1982، وجسدها الشهيد البطل خالد علوان« .

حقا، لا مساواة إلا في محبة الوطن وفي الذود عن بتلاته، ولا تكتمل المكتسبات إلا للذين يحبون الحرية.

_______________________________________________________________________________

 -1- إن « العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية » في الديباجة التمهيدية يقر بما يلي: « إن الدول الأطراف في هذا العهد، ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل، وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، وإذ تقر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، وإذ تدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل، وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في أن يكون البشر أحرارا، ومتمتعين بالحرية المدنية والسياسية ومتحررين من الخوف والفاقة، هو سبيل تهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وكذلك بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذ تضع في اعتبارها ما على الدول، بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، من الالتزام بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته، وإذ تدرك أن على الفرد، الذي تترتب عليه واجبات إزاء الأفراد الآخرين وإزاء الجماعة التي ينتمي إليها، مسئولية السعي إلى تعزيز ومراعاة الحقوق المعترف بها في هذا العهد« .

 -2- إن المادة الرابعة من « العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية » في فقرتها الأولى تقر بالأتي: « في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي« . 

_______________________________________________________________________________

نضال القادري

nidal@mediawebplus.com

 


 

 تشكيل مجلس ادارة الجزيرة:حدث ودلالات

مرسل الكسيبي

reporteur2005@yahoo.de

9-03-2006

 

استنادا الى خبر نشرته صحيفة الشرق الأوسط يوم 3-03-2006 فان الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني أمير دولة قطر يكون قد اتخذ قرارا بتشكيل مجلس ادارة لشبكة الجزيرة الفضائية عين بموجبه مجموعة من الشخصيات البارزة للاشراف على هذه المؤسسة الاعلامية التي شقت منذ سنوات طريقها باتجاه العالمية ,فكان أن عين بموجب هذا القرار أعضاء بالمجلس المذكور السادة الشيخ حمد بن ثامر ال ثاني رئيسا ,وخلف أحمد المناعي نائبا للرئيس,وأحمد عبد الله الخليفي عضوا,والدكتورة الاعلامية والمذيعة السابقة بالقناة الهام بدر عضوا,ووضاح خنفر المدير الحالي للقناة عضوا,ومحمود شمام المعارض الليبي ومديرتحرير النيوزويك العربية عضوا.وقد جاء في نص القرار المشار اليه تنصيص على مدة مهام هذا المجلس حيث وقع تحديدها بسنة على أن يباشر العاملون فيه مهامهم الأخرى علاوة على الممهام التي تقتضيها عضوية المجلس

واللافت للانتباه في هذا القرار هو وجود ثلاثة اعلاميين ولأول مرة على رأس هذه الهيئة الاعتبارية المعينة بقرار سياسيي صادر عن أعلى هيئة تنفيذية وسياسية بدولة قطر,مما يعطي دلالة واضحة على مزيد من افساح الأبواب أمام أهل الاختصاص والاهتمام الاعلامي في الاشراف وظيفيا على ادارة شؤون مؤسسة الجزيرة مستقبليا

واذا كان مجلس الادارة بتشكيلته الحالية بعد قرار سمو دولة قطر يحمل على عاتقه مهاما ادارية ومالية ,الا أن قراءة في بعض طروحات واحد من الشخصيات الجديدة المعينة على رأس هذا الهيكل الموقر وهو الأستاذ محمود شمام قد يعطينا صورة أوضح حول أبعاد وجود هذا الأخير ضمن طاقم أعلى هيئة ادارية تباشر شؤون أشهر وأصدق مؤسسة اعلامية عربية وربما حتى عالمية

 

عضوية الأستاذ شمام بالمجلس تحمل رسالة تطمين الى البيت الأبيض

 

بلا شك فان شخصية الأستاذ محمود شمام الاعلامي والمعارض الليبي تحمل الكثير من القبول والتفهم لدى ادارة البيت الأبيض ,حيث أن قدرته على ربط الوصال مع الوسط الاعلامي الأمريكي ومن ورائه الوسط السياسي جعلاه يحضى بادارة مؤسسة اعلامية عربية امريكية ليس من السهل تسليم زمام رئاسة تحريرها الى واحد من الاعلاميين العرب,ولعل مثل هذه المعطيات لم تكن خافية بالمرة عن سمو أميردولة قطر الذي يعلم حقيقة  العلم  أهمية ارسال خطاب عملي وتطميني الى ادارة المحافظين الجدد في الوقت الذي انهالت فيه على القناة والدولة المضيفة لها ضغوطات سياسية وديبلوماسية كبيرة نتيجة النهج التحريري والميدانية المجازفة والجرأة العالية التي أرادت الجزيرة توخيها عند تغطية جملة من الأحداث الشرق اوسطية وعلى رأسها ملفات العراق وفلسطين وقضايا أخرى تمس الرأي العام الاسلامي والدولي ومنها قضية افغانستان

 

القرار يرشد الدور الاعلامي المحترف لقناة الجزيرة

 

ماتسرب من أخبار حول مشاركة الأستاذ محمود شمام في الندوة الثانية لقناة الجزيرة والتي انعقدت على مدار أيام ثلاثة امتدت الى تاريخ 2-03-2006 يعزز لدينا الانطباع بأن القرار الأميري جاء ليعزز الدور المنشود من خلال شبكة الجزيرة والذي يؤكد على صبغتها المهنية والحرفية والاعلامية بعيدا عن كل مجازفة تلقي بها لاشعوريا في محضن التحول الى هيئة سياسية ,ولعل ماحذر منه الأستاذ شمام من خطورة التحول الى ممارسة دور الأحزاب السياسية يمكن أن يفهم منه بأن الجزيرة قادمة في المرحلة المقبلة على مزيد من ترسيخ خطها المهني ورسالتها الاعلامية

ولعلني شخصيا تابعت بشيء من القلق جملة من البيانات التي أصدرتها الجزيرة والتي نحت منحى سياسيا واضحا في ابداء بعض المواقف من تطورات بعض الأوضاع التي مست بشكل مباشر بعض الطواقم الصحفية في هذا البلد أو ذاك,واذا كان المشاهد يتفهم هذا الأمر على اعتبار أن للجزيرة رهائن يقبعون وراء القضبان ورسالة اعلامية تقتضي منها الدفاع عن الرسالة التي انتدبت لها,الا أن الخبر الذي تسرب عبر الصحافة البريطانية عن اعتزام بعض الجهات الدولية قصف بعض مقرات الجزيرة يكون قد دفع بالجزيرة وطاقمها من حيث لايشعرون باتجاه التعاطي السياسي مع الموضوع ونشر بيانات الجهات السياسية المؤيدة لها عبر مواكبة على مدار الساعة في كتابة متحركة لنصوص مواقف سياسية تجاه الموضوع

ان مقتضيات العمل الاعلامي المهني والمحايد والموضوعي تحتم بلا شك على القناة عدم الوقوع في سقطة الرد على الاستفزاز بالبحث عن مواقف سياسية تؤيد أو تعارض,فرسالة الجزيرة برغم ماتلاقيه من اعتراضات لاينبغي ان تخضع للمساومات السياسية او الردود التحريرية أو الكتابية التي يشتم من رائحتها الرد على ماتلاقيه من مضايقات وخنق في هذا البلد أو ذاك

 

ان تصريحا ثانيا للأستاذ شمام في الندوة الثانية للقناة قد يحمل في دلالاته نهجا ليبراليا مستبطنا في رؤيته لمتطلبات العمل الاعلامي ,ولعل حديثه الذي نسب الجزيرة كاختراع على حد تعبيره الى الغرب والذي فسره بعدم اعتمالها لمقاييس العمل التليفزيوني العربي من شانه أن يؤكد على مناحي التمدرس في النهج الاعلامي الذي يرتئي الاقتراب الى المسار التحرري المهني في محاكاة حرفية لسبق مهني في تقاليد العمل الاعلامي العالمي,والذي من صفاته أيضا أن يتوق باتجاه التوازن في تغطية القضايا التي تهم الرأي العام

 

مؤشرات هذا التوازن المطلوب في تصريحات شمام

 

لقد عاب عضو مجلس الادارة الجديد لشبكة الجزيرة قبيل توليه مهامه بشكل رسمي على القناة عدم تغطيتها لقضايا الفساد في العالم العربي ,وكان أن أردف ذلك بالحديث عن اهمال الجانب الاجتماعي ضاربا مثالا  بعدم تطرق الجزيرة في برامجها الى قضايا انتشار الدعارة في ربوع الوطن العربي

أما عن التوازن في مسائل التقييمات والاستشراف السياسي فقد عاب الأستاذ شمام على القناة اعتمادها لرؤى زعيم عربي في مناسبتين متتاليتين وعلى رأس كل سنة معتبرا ذلك من قبيل الأخطاء الكارثية والحال أن هذا الأخير والمقصود بذلك الزعيم الليبي يرتكب في بلده الكثير من الكوارث

ان ماينتظر الجزيرة وعلى ضوء هذا التعيين وهذه التصريحات مزيدا من التوازن في طرح القضايا حيث ان التركيز على القضايا ذات البعد السياسي المباشر من شأنه أن يهمل غيرها من القضايا ذات الأهمية والتي تسجل حضورا ضعيفا في برمجة القناة وربما كانت القضايا الثقافية والفكرية والاجتماعية وجهة مقصودة لعمل مجلس الادارة الجديد يضاف الى كل هذا أعباء تحسين العلاقات بالوسط الاعلامي الغربي الذي بات يشعر بالقلق امام اختطاف الجزيرة لكثير من الأضواء وأخيرا وفي حفاظ على الحيادية والموضوعية والمهنية الاعلامية لاينبغي على الجزيرة من خلال تقييم خاص الغفلة عن دور العلاقات العامة في تحسين العلاقات وتطويرها ليس فقط مع الجماهير وانما مع بعض الدوائر العالمية لصناعة القرار وذلك من أجل الحفاظ على هذا المكسب الاعلامي العربي والعالمي الرائد

 

مرسل الكسيبي

كاتب واعلامي تونسي

reporteur2005@yahoo.de

 الثامن من صفر1427ه


 

نذر الفتنة الأهلية الشاملة

السيد ولد أباه
على الرغم من نذر اندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج العربي على خلفية الملف النووي الإيراني، وعلى الرغم من مؤشرات انفجار الوضع الفلسطيني بعد وصول حركة حماس للحكم، إلا أن الرهان الأكثر حدة والذي يستوقف المراقب اليقظ للوضع العربي هذه الأيام هو دون شك إرهاصات قيام فتنة أهلية واسعة داخل الفضاء الإسلامي الشامل. ولا تعني عبارة فتنة أهلية هنا الصراع الداخلي المسلح أو الحرب الأهلية التي جربناها في لبنان، حتى لو كان هنا المستوى من الفتنة احتمالا قائما بالفعل. إن الأمر يتعلق بما هو أبعد مدى وأشمل دلالة، أي بفتنة متعددة الخلفيات والمناحي والأطراف، تتمايز وتيرتها بحسب السياقات والساحات، ويمكن أن نميز داخل هذه الدينامية بين مستويات أربعة بارزة، نستجليها ببعض الاقتضاب. أما المستوى الأول الأظهر: فهو الصراع الطائفي الذي بلغ مداه في العراق في الأشهر الأخيرة في إطار حرب الأضرحة والمساجد التي استهدفت في الأسابيع الماضية عتبات سامراء والعديد من المساجد السنية. ومع أن العقلاء من الجانبين، وفي مقدمتهم السيد السيستاني وجمعية علماء السنة، حاولوا تهدئة الوضع واحتواء الفتنة، إلا أن الصراع الطائفي أصبح حقيقة جلية في العراق مرشحة للتفاقم في أي لحظة. ويشكل الاستقطاب الطائفي محور العملية السياسية في بلاد الرافدين في ظل انبثاق أطروحات انفصالية في شكل حلول فيدرالية تقنن التقسيم الفعلي بحسب خطوط التمايز الطائفية. ومهما قيل عن مسؤولية التيارات التكفيرية المتطرفة في إذكاء النعرات الطائفية إلا أن الحقيقة المؤسفة هي أن الظاهرة تتجاوز هذا المستوى البادي للعيان، وتتعلق بإشكالات ومصاعب تعايش فعلية بين سنة العراق (من العرب) وشيعته، لا يمكن بطبيعة الأمر أن تعزى لأسباب عقدية أو مذهبية (على عكس الصورة السائدة) بل تفسر بعوامل معقدة ومركبة تتعلق من جهة بتركة النظام الاستثنائي السابق، وتتعلق من جهة ثانية بواقع الاحتلال والتركيبة التي افضى إليها واستراتيجيات واتجاهات القوى السياسية التي تستغل وتوظف العامل الطائفي في الشأن السياسي الانتخابي. وللحالة العراقية ذيولها وامتداداتها في العديد من الساحات العربية، مما لا يحتاج لبيان. وقد أصبحت الظاهرة جلية في الإعلام الفضائي والإلكتروني، حيث يحتدم النقاش العقدي (خارج سياقه التاريخي) بين المتطرفين من الجانبين بلغة التكفير والتبديع والتخوين، مما أصبح منذرا بالخطر على نسيج الأمة الثقافي والديني، أما المستوى الثاني: فيتعلق بالصراع داخل الحقل الفكري بين الاتجاه التحديثي والاتجاه التأصيلي الذي غدا يأخذ شكل استقطاب حاد وعنيف بين التيار المدعو بالعلماني والتيار المناوئ المدعو بالأصولي. ولا يتعلق الأمر بصدام فكري أو مناظرة عقدية، وإنما بصراع مواقع لغته الايديولوجيا وأداته الخطاب، لا خصوبة فيه ولا ثراء، على عكس المواجهات الفكرية المطلوبة التي هي وقود التجدد الحضاري وأساس الحراك الثقافي. وكما استندت بعض الحكومات في عقود سابقة للتيار الأصولي لمحاربة اليسار الصاعد في الساحة العربية، نلمس اليوم ظاهرة مشابهة تكمن في توظيف شعار التحديث في مواجهة الحركات الموسومة بالتطرف بدون دفع للاستحقاقات الموضوعية المطلوبة وفي مقدمتها إرساء مناخ فكري حر، هو الشرط الأوحد والضروري لتجديد الفكر وتحديث العقل. والظاهرة الجديدة التي يتعين التنبه إليها هي انتقال هذا الاستقطاب إلى الحقل الاسلامي نفسه الذي أصبح يتضمن على الأقل قوى ثلاثاً متصادمة هي حركات الإسلام السياسي التقليدية (التي يطلق عليها صديقنا رضوان السيد اسم «الحركات الاحيائية) والمجموعات المدعوة بالسلفية الجهادية ،(التي لا تتردد في محاربة تلك الحركات وتكفيرها بحجة خنوعها ومهادنتها للانظمة)، والدعاة الجدد المستنكفون عن العمل السياسي، الذين أصبحوا اليوم كثيفي الحضور في الواجهات الاعلامية. إن هذا الاستقطاب لن يحل بطبيعة الأمر بفرض مرجعية دينية ملزمة كما يطالب البعض، وإنما بإرساء الشروط الموضوعية لحوار فكري حر ورصين لا يستثني الا التيارات المتطرفة التي تلجأ للعنف والإرهاب، حتى ولو كانت هذه المهمة تبدو اليوم خيارا صعبا لا سبيل لتحقيقه. أما المستوى الثالث: فيتعلق بالصراع الاثني والقومي الذي تلمس بعض نذره في ساحات عربية عديدة. صحيح أن مشكل الجنوب السوداني قد وجد طريقة للحل ـ ولو بصفة هشة ـ ولكن مشكل اقليم دارفور قد انفجر بحدة فظيعة معرضا البلاد لمحنة أهلية أليمة. كما أن التغيير الذي حدث في موريتانيا يوم 3 أغسطس قد مكن من احتواء الاحتقان المتولد عن تركة نظام ولد الطايع المتهم بارتكاب مجازر في حق الأقليات الإفريقية الموريتانية، بيد أن هذا الملف لا يزال عالقا لم يحسم، ولعله سينتظر عودة الحياة الدستورية الطبيعية للبلاد بعد استكمال المسار الانتقالي الحالي في مطلع 2007 . وفي العراق حالات مماثلة تتصل بملف القوميات الآشورية والتركمانية، وبوضع القومية الكردية التي لم تحسم خيارها النهائي (ما بين التمسك بالعراق الموحد أو الانفصال الفعلي في معادلة فيدارلية شكلية). وفي الجزائر يطرح المشكل القبائلي ببعض الحدة أحيانا، في سياق حديث متنام عن «المشكل الأمازيغي» في منطقة المغرب العربي مما لا يتسع المقام لتفصيله في هذا الحيز. أما المستوى الرابع: فيتعلق بالإطار الإقليمي للفتنة الأهلية في فضائنا الإسلامي، حيث يشكل الملف النووي الإيراني بخلفياته ذات الصلة بالعلاقات الإيرانية ـ العربية المعقدة بؤرة رئيسة من بؤر هذا الصدام ـ خصوصا بعد وصول مرشح التيار المحافظ المتشدد للسلطة في طهران (الرئيس احمدي نجاد). ولئن كانت المعادلة السياسية الجديدة في أنقرة (بعد تسلم حزب العدالة والتنمية للسلطة) قد خففت من هذه الإشكالات العالقة بين تركيا والعالم العربي) إلا أن العديد من الملفات العصية لا تزال على الطاولة، ومنها على الأخص موضوعات المياه وأكراد العراق وعلاقات تركيا بإسرائيل… ومن الواضح أن المنظومة الإسلامية لم تتمكن في السنوات الأخيرة من بلورة أي رؤية استراتيجية منسجمة، ولم تنجح في بناء أسس شراكة فاعلة بين مكوناتها الأربعة الأساسية: العالم العربي وتركيا وشرق آسيا وإفريقيا الغربية على الرغم من الأدبيات السياسية الرائجة. إن ما نريد أن نخلص إليه من هذا التشخيص المقتضب لحال الأمة الذي رصدناه في مستويات ما دعوناه بالفتنة الأهلية العامة، وهو التنبيه إلى ضرورة العمل على احتواء نذر هذه الفتنة، التي وصلت إلى حد الخطر المدمر نتيجة لارتفاع صوت التطرف والإرهاب الذي أصبح الوقود الحقيقي للفتنة.
 
(المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » الصادرة يوم 9 مارس 2006)


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.