الثلاثاء، 29 يونيو 2010

Home – Accueil

عشرة أعوام من الإخبار اليومي عن وطن يعيش فينا ونعيش به وله…  

TU            TUNISNEWSSN           EWS IEW

 10ème année, N°3689 du 29. 06 .2010 

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

 العشريتين الدكتور الصادق شورو

ولضحايا قانون الإرهاب


الهادي بريك:أما آن لصدور أن تتطهر من حقد أسود دفين؟
حريةوانصاف:يوميات الحصار في تونس(6):الدكتور زياد الدولاتلي يهدد بشن إضراب عن الطعام

السبيل أونلاين في حوار شامل مع الأستاذ نور الدين ختروشي حول ملف العودة ومستجدات الساحة التونسية

منسق منظمة المهجرين التونسيين لـ”قدس برس”: شرعيتنا مستمدة من الرد على ابتزاز السلطة للمهجرين

نقابي من بنزرت:بنزرت تجمع …منع…و رسالة

كلمة:حملة على مهربي البنزين بين تونس والجزائر

آكي:فيني: يجب منح تونس مرتبة الشريك المتقدم للاتحاد الأوروبي

الصباح:انتصاب الشباب للحساب الخاص الباعثون يتذمرون من أداء الإدارة… والحل في شباك موحد

الصباح:وزارة الصحة فتحت تحقيقا هذه تفاصيل مقتل سحر ومحمد ياسين على يدي أمهما

واب منجر سنتر:تونس: ارتفاع أسعار بعض المنتجات الفلاحية بسبب تراجع الإنتاج

الصباح:من الذاكرة الوطنية التعريب وثنائية الأصالة والمعاصرة

الحقيقة حول ملفّ الخلاف بين الاتحاد الجهوي لتونس و عمال البنكية للخدمات

الهادي بريك::حركة النهضة بين الأمس واليوم( 10 )

عبدالحميد العدّاسي:خطر لي (1)

الجزيرة.نت:تنديد بتورط دول غربية في التعذيب

العجمي الوريمي :الدرس الأردني

المقال الذي طردت بسببه ظبية خميس من الجامعة العربية

عزمي بشارة :العرب وإسرائيل وتركيا

فهمي هويدي :خرائطنا إذ ترسم في غياب مصر

القدس العربي:مصر تمنع الطائرات الاسرائيلية من الهبوط في مطار طابا

القدس العربي:الخارجية التركية تؤكد رفض انقرة طلباً إسرائيلياً لاستخدام مجالها الجوي

القدس العربي:الموساد كان ينوي خطف المبحوح لا قتله لمبادلته بالجندي الاسرائيلي شليط

مراد زروق:فرنسا بين الأزمة الكروية والأزمة الأخلاقية


 Pour afficherlescaractèresarabes suivreladémarchesuivan : Affichage / Codage / ArabeWindows)Toread arabictext click on the View then Encoding then Arabic Windows)  


 منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

ماي2010

https://www.tunisnews.net/18Juin10a.htm

 


أما آن لصدور أن تتطهر من حقد أسود دفين؟


علمنا في الحوار.نت في هذا اليوم الثلاثاء التاسع والعشرين من يونيو حزيران 2010 أن عثمان كمال المطماطي ( 24 عاما) ووري التراب في مقبرة سيدي بولبابة بقابس ( تونس) بعد ما فارق الحياة في اليوم ذاته في إثر حادث مرور يوم 21 من الشهر الجاري ذاته يونيو حزيران 2010. من هو عثمان كمال المطماطي؟ هو الإبن الوحيد للشهيد كمال المطماطي الذي إعتقل بسبب إنتمائه إلى حركة النهضة يوم الثامن من أكتوبر من عام 1991. فارق الشهيد كمال الحياة بعد وجبات دسمة من التعذيب الشديد الذي لقيه في مخافر الشرطة في سياق الحملة ضد الحريات والتدين في بداية سنوات الجمر الحامية في عشرية التسعينيات. أين دفن الشهيد المطماطي؟ لم يدفن! أجل. لم يدفن! لم؟ لأنه لا أحد ـ سوى ربك سبحانه والجلادون ـ يعلم مدفنه. يكاد يكون هو الشهيد الوحيد الذي عذب حتى الموت ثم أخفي سر دفنه من بعد ذلك حتى يومنا هذا. أي على إمتداد 19 عاما كاملة. طالبت عائلته بالتعرف على مكان دفنه لزيارته حتى كلت وما ظفرت يوما بخبر يقين ولا بعشر معشار خبر يقين. ظل والده أسيفا كسيفا حزينا يجر أذيال عقود من السنوات وراءه مترددا على مخافر الشرطة ومقرات التعذيب في وزارة الداخلية لعله يظفر بخبر يقين عن مدفن إبنه الوحيد. إنما طرد طرد الكلاب مرة بعد مرة حتى وافاه الأجل في سبتمبر ( أيلول) من عام 2009. مات حسيرا يشكو ربه الجلادين وزبانية التعذيب في تونس. وبمثل ذلك ظلت زوج الشهيد كمال المطماطي تسأل عن قبر زوجها ولسان حالها يردد كلمات الشاعر وتتوجه بها إلى فلذة كبدها عثمان الذي غيب التعذيب أباه : نم يا صغيري إن هذا المهد يحرسه الرجاءْ من مقلةٍ سهرت لآلامٍ تثور مع المساء فأصوغها لحناً مقاطعه تأجج في الدماء أشدو بأغنيتي الحزينة ثم يغلبني البكاء وأمدّ كفّي للسماء لأستحثّ خطى السماءْ . نم لا تشاركني المرارة والمحنْ فلسوف أرضعك الجراح مع اللبن حتى أنال على يديك منىً وهبت لها الحياه يامن رأى الدنيا ولكن لن يرى فيها أباه ****************** ستمرّ أعوامٌ طوالٌ في الأنين وفي العذاب وأراك يا ولدي قويّ الخطو موفور الشباب تأوي إلى أمٍّ محطمةٍ مغضّنة الإهاب وهناك تسألني كثيراً عن أبيك وكيف غاب هذا سؤالٌ يا صغيري قد أعدّ له الجواب . فلئن حييت فسوف أسرده عليك أو متّ فانظر من يسرّ به إليك فإذا عرفت جريمة الجاني وما اقترفت يداه فانثر على قبري وقبر أبيك شيئاً من دماه ****************** غدك الذي كنا نؤمّل أن يصاغ من الورود نسجوه من نارٍ ومن ظلمٍ تدجج بالحديد فلكلّ مولود مكانٌ بين أسراب العبيد المسلمين ظهورهم للسوط في أيدي الجنود والزاكمين أنوفهم بالترب من طول السجود . فلقد ولدت لكي ترى إذلال أمّه غفلت فعاشت في ديا جير الملمّه مات الأبيّ بها ولم نسمع بصوتٍ قد بكاه وسعوا إلى الشاكي الحزين فألجموا بالرعب فاه ******************* أما حكايتنا فمن لون الحكايات القديمةْ تلك التي يمضي بها التاريخ داميةً أليمةْ الحاكم الجبّار والبطش المسلّح والجريمة وشريعةٌ لم تعترف بالرأي أو شرف الخصومة ماعاد في تنّورها لحضارة الإنسان قيمة . الحرّ يعرف ما تريد المحكمةْ وقضاته سلفاً قد ارتشفوا دمه لا يرتجي دفعاً لبهتانٍ رماه به الطغاة المجرمون الجالسون على كراسي القضاة ******************* حكموا بما شاؤوا وسيق أبوك في أصفاده قد كان يرجو رحمةً للناس من جلاده ماكان-يرحمُهُ الإله-يخون حبّ بلاده لكنّه كيد المدلّ بجنده وعتاده المشتهي سفك الدماء على ثرى بغداده . كذبوا وقالوا عن بطولته خيانه وأمامنا التقرير ينطق بالإدانه هذا الذي قالوه عنه غداً يرَدّد عن سواه مادمت أبحث عن أبي في البلاد ولا أراه ********************** هو مشهدٌ من قصةٍ حمراء في أرضٍ خصيبة كتبت وقائعها على جدرٍ مضرّجةٍ رهيبة قد شادها الطغيان أكفاناً لعزّتنا السليبة مشت الكتيبة تنشر الأهوال في إثر الكتيبة والناس في صمتٍ وقد عقدت لسانهم المصيبة . حتى صدى الهمسات غشّاه الوهن لا تنطقوا إنّ الجدار له أذن وتخاذلوا،والظالمون نعالهم فوق الجباه كشياه جزّارٍ،وهل تستنكر الذبح الشياه؟ ********************* لا تصغ ياولدي إلى ما لفّقوه وردّدوه من أنهم قاموا إلى الوطن الذليل فحرّروه لو كان حقّاً ذاك ما جاروا عليه وكبّلوه ولمَا رَموا بالحرّ في كهف العذاب ليقتلوه ولما مشوا للحقّ في وهج السلاح فأخرسوه . هذا الذي كتبوه مسموم المذاق لم يبق مسموعاً سوى صوت النفاق صوت الذين يقدسون الفرد من دون الإله ويسبّحون بحمده ويقدّمون له الصلاة ************************** لا ترحم الجاني إذا ظفرت به يوماً يداكْ فهو الذي جلب الشقاء لنا ولم يرحم أباك كم كان يهوى أن يعيش لكي يُظلّل في حماك فاطلب عدوّك لا يفُتْكَ تُرح فؤاداً قد رعاك هذي مناي وأمنيات أبيك فاجعلها مناك . فإذا بطشت به فذاك هو الثّمن ثمن الجراحات المشوبة بالّلبن وهناك أدري يا صغيري ما وهبت له الحياة وأقول هذا ابني ، ولم يرَ في طفولته أباه ظلت الوالدة الممتحنة تتدافعها أيدي البوليس من مخفر إلى آخر ومن سجن لآخر وقلبها أفرغ من فؤاد أم موسى كما قالت العرب فما ظفرت بغير ما ظفر به أبو زوجها عليه رحمة الله سبحانه. العائلة بحاجة إلى شهادة وفاة بعد مرور عقدين كاملين من موت عائلها كمال. من يمد العائلة بشهادة وفاة؟ لا أحد. لم؟ لأن الإدارة تطالب بما يثبت وفاته والجلادون ينكرون معرفتهم هذا الأسم بالمرة. كأنهم لم يعتقلوه ولم يعذبوه ولم يقتلوه ولم يدفنوه في جنح الظلام!!! ومن يدري لعلهم لم يدفنوه حقا؟ في مملكة الرعب الرهيبة كل شيء ممكن إذا ما تعلق الأمر بحقوق الإنسان. أجل. ورب الكعبة. كل شيء ممكن. ربما قطعوه إربا إربا ثم ألقوا به في بعض المزابل تفترس القطط والكلاب والفئران والجرذان والذباب والنمل ما عفت عنه عصا البوليس مما بقي من هيكل عظمي يواري بشرا سويا كان إسمه كمال المطماطي جريرته العظمى أنه إنتمى ذات يوم إلى حركة إسلامية سياسية ديمقراطية إسمها حركة النهضة. ربما ألقوا به في بئر بعيد. ربما وضعوه في آنية مملوءة بماء الفرق أو أي مادة أخرى أعدت لذلك الغرض لتحيل العظام التي عفا عنها سوط الجلاد هشيما بل سائلا ذائبا مع السائل الذائب الذي يملأ ذلك الإناء. إخوان الشهيد كمال يتقبلون العزاء نيابة عن العائلة. كما بلغنا في الحوار.نت أن جنازة ولد الشهيد كمال ـ عليهما منه سبحانه رحمة الله ـ جرت تحت رقابة بوليسية مشددة وحضور لقوات القمع بسبب غياب عائلة الفقيد وقيام إخوان أبيه من الإسلاميين بتقبل العزاء كما شهدت الجنازة حضور عدد كبير من الحقوقيين والسياسيين ممن بحت أصواتهم على إمتداد عقدين كاملين من أجل التحقيق في وفاة الشهيد كمال أو من أجل إطلاع العائلة على قبره ولكن .. لكن أبت صدور الجلادين من زبانية التعذيب والقهر إلا الإحتفاظ بحقد أسود ثخين دفين حتى بعد مرور عقدين كاملين على إقتراف الجريمة النكراء.. كلمتان في الختام : 1 ـ الكلمة الأولى : الكلمة الأولى إلى زبانية التعذيب الوالغين في أشد ما يستمطر سخط الله سبحانه مما هو أشد من الشرك ذاته. إذا كنتم لا تؤمنون باليوم الآخر ومحكمة الله فيه أو لم يزجركم رغم ذلك وعيد يكاد يتطاير شررا كلما تلاه من الكتاب العزيز تال .. إذا كنتم كذلك فلا أقل من الإيمان بالقالة الشعبية التونسية الصحيحة ( يا قاتل الروح وين تروح؟). يمكن أن تتستر خلف منصبك الكبير ومقعدك الوثير .. يمكن أن تؤمن لك زبانيتك اليوم سعة ومن العيش رغدا.. أما عند الغرغرة فساء صباح المنذرين وما بعد الغرغرة أشد وأقسى لو كنتم تعلمون. ألا تعلمون أن الظلم ظلمات يوم القيامة؟ ألا تعلمون أن الظلم بين العباد ظلم لا يتركه سبحانه أي ينصب له محاكم جانبية يحضرها الظالم والمظلوم فإن عفا المظلوم فبها ونعمت وإن لم يعف ـ ولا يعفو أحد عن أحد يومها حتى أن الوالدة لا تطمع من فلذة كبدها التي جعلت له بطنها وعاء وثديها سقاء وحجرها مرفأ آمنا دافئا لشدة الكرب بعشر معشار حسنة تحول دونها ودون النار ـ فلن تكفيك خزائن الأرض والسماء وما بينهما فديات وأنى لك بملء راحتك يومها فدية بله ملء السماوات والأرض وما بينهن!!! أما قبر الشهيد كمال فالله يعلمه وإن لم تدفنوه فالله يعلم مثواه ومأواه ولو كان في بطن قطة أو في بطن بئر أو في إناء مذيب ماؤه. يبعث يوم القيامة وينصف ويؤجر إن شاء الله تعالى. 2 ـ الكلمة الثانية : الكلمة الثانية إلى عائلة المطماطي وزوجه. صبرا جميلا آل المطماطي فإن موعدكم الجنة بإذنه سبحانه. موعدكم الجنة لصبركم صبرا جميلا والشهيد يشفع في أهل بيته بإذن ربه سبحانه. ما مات الشهيد كمال ولكن مات الزبانية الذين عذبوه وقتلوه ودفنوه في جنح الظلام أو ألقوا به في مزابل تونس. ما مات الشهيد كمال ولكن ماتت المروءة وإنتحرت الكرامة وإحتضرت الشهامة.. وما لزبانية التعذيب من الشهامة عشر معشار حبة من خردل. رحم الله سبحانه الشهيد كمال .. ورحم الله سبحانه ولد الشهيد كمال.. ورحم الله سبحانه والد الشهيد كمال.. وألقى سبحانه بالسكينة والصبر والطمأنينة في صدر زوج الشهيد كمال.. الهادي بريك ـ المانيا


الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني:liberte.equite@gmail.com تونس في 18 رجب 1431 الموافق ل 29 جوان 2010 يوميات الحصار في تونس(6) محاصرة مستمرة ..ومتابعة لصيقة …واضطهاد غير مبرر الدكتور زياد الدولاتلي يهدد بشن إضراب عن الطعام


يرزح عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان وبعض المعارضين السياسيين منذ مدة إلى متابعة مستمرة ومراقبة لصيقة من قبل أعوان البوليس السياسي الذين يتبعونهم في كل تنقلاتهم على متن سيارات مدنية ودراجات نارية من الحجم الكبير:

حيث يتعرض الدكتور زياد الدولاتلي منذ مدة إلى مراقبة مستمرة ومتابعة لصيقة من قبل عدد من أعوان البوليس السياسي الذين يراقبون تحركاته وتنقلاته ويحاصرون منزله من كل الجهات طوال الوقت، وقد تسببت هذه المراقبة والمتابعة والمحاصرة في ترويع أفراد العائلة وإزعاج الجيران الذين أصبحوا يتذمرون من هذه المراقبة المفزعة، بل لقد تدهورت الحالة الصحية للدكتور زياد الدولاتلي الذي سبق وأن أجريت عليه عملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني فور خروجه من السجن وخضع مدة طويلة للعلاج الكيمياوي، وقد ضاعف أعوان البوليس السياسي المكلفين بمحاصرة منزله من الاستفزازات والضغوط التي بلغت حد منع الجيران من المرور أمام المنزل مما جعل الدكتور الدولاتلي يقرر الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام في صورة تواصل هذا الاضطهاد اليومي.

ولا يزال الحصار الأمني مضروبا على الأستاذ محمد النوري رئيس منظمة حرية وإنصاف الذي يتبعه عدد من أعوان البوليس السياسي على متن دراجة نارية وسيارة مدنية ويخضع مكتبه الكائن بنهج المختار عطية بتونس العاصمة للحصار المستمر منذ عام 2007.

وحرية وإنصاف

1)    تستنكر بشدة الممارسات والاضطهاد الذي يتعرض له الدكتور زياد الدولاتلي والأستاذ محمد النوري وتدعو إلى وضع حد لهذه الأساليب التي يجرمها القانون وتطالب باحترام الحياة الخاصة لهذه العائلات التي عانت قرابة العشريتين من ويلات السجون.

2)    تدين المضايقات المسلطة على المساجين السياسيين السابقين وتطالب السلطة بوقف هذه الممارسات والمضايقات المسلطة عليهم وتدعو إلى طي صفحة الماضي والاعتراف لهم بحقهم في العمل السياسي.

3)    تدعو السلطة إلى رفع القيود على العمل الحقوقي وتمكين المدافعين عن حقوق الإنسان من أداء واجبهم المتمثل في كشف الانتهاكات اليومية والتحذير من تداعياتها السلبية الوخيمة على صورة تونس في الداخل والخارج.

 

عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري


السبيل أونلاين في حوار شامل مع الأستاذ نور الدين ختروشي حول ملف العودة ومستجدات الساحة التونسية


السبيل أونلاين – باريس – خاص   في مناخ الانسداد العام التي تتسم به الساحة السياسية التونسية ، وفي أجواء الجدل الخفي والمعلن في موضوع العودة وأيضا الأزمة التى تمرّ بها “المنظمة الدولية للمهجّرين التونسيين” كان للسبيل أونلاين حديث شامل مع الوجه الوطني المستقل الأستاذ نور الدين ختروشي .   ختروشي :   * النخبة الحاكمة مصرّة على سياسة الاحاطة والتطويق لأشواق التونسيين المشروعة .   *رجل الدولة في تونس يتحوّل كل يوم من حاكم الى زبون .   *النظام الحالي بدأ بتحالف بين الامني والتكنوقراط وأنتهى إلى تحالف نكد بين رجل الامن وصعاليك السوق الجدد .   *خطاب المربعات البيض والسود يواري على حالة مهزومة ويتحايل لتأبيد السائد.   *من أنتقد مؤتمر جينيف لفائض السياسة تورط في تسييس ملف المهجّرين لحساب السلطة .   *لا أرى حقيقة معنى للمعارضة السياسية إذا لم تسعى للسلطة.   *مؤتمر جينيف أعاد الخارج والمهجر إلى دائرة المبادرة .   * أصدقائي ممن تابع يوميات الازمة الداخلية لمنظمة المهجّرين سيعاتبني على قليل الكلام في الموضوع .   *ملف العودة عاد إلى مكتب حركة النهضة .   * حالة الشتات التونسي سابقة تراجيدية في علاقة دولة الاستقلال بموطنيها.   *المشكل ليس في العودة بل في أيديولوجية العودة التي تصدّر زائفها وعيا .   *لا بارك الله لي في بيتي إذا دخلته بشرط الطرق على أبوابه .   * السلطة اخترقت الفضاء الحواري الداخلي للنهضة .   *المناورة بملف العودة يوحي بتحول استراتيجي في تعامل النظام مع حركة النهضة .   * النهضة حاجة ثقافية إذا ما انتبهنا إلى خطورة ومزالق مسار “الأسلمة المعولمة” الذي إندرجت فيه الشبيبة التونسية .   *رياح التغيير في العالم نحو نمط الحكم الرشيد أقوى من جيوب المقاومة لهذه النزعة ، والجيب التونسي ليس أشدها قسوة واستعصاء .   نــص المقابلــــــة :   السبيل أونلاين – شكرا لك الأستاذ نور الدين ختروشي على تفضلك بالإجابة على أسئلة السبيل أونلاين .بداية كيف تقرأ الوضع السياسي في تونس، ومختلف جوانب الحياة العامة بشكل عام ؟   نور الدين ختروشي : المتاح من التحاليل في قراءة المشهد السياسي بالبلاد يؤكد على حقيقة انسداد الوضع السياسي بالبلاد ، وعلى إصرار النخبة الحاكمة على سياسة الاحاطة والتطويق لأشواق التونسيين المشروعة إلى نظام سياسي أكثر انفتاحا وأقل انغلاقا وعنفا. نشعر كتونسيين بمرارة ونحن نسجّل تخلف مؤشر الاصلاح السياسي والحكم الرشيد عن أشقاءنا في المغرب والمشرق. ولعل ما يزيدنا حيرة كنخبة سياسية، هو إصرار السلطة على نهج احتكار الحياة العامة باستعمال العنف الرسمي، وهو بحساب المرحلة وزمنها السياسي عنف مجاني بل وعدمي وأحسب أن ضرره على النخبة الحاكمة وعلى مؤسسة الدولة تحديدا أكبر وأشد من ضرره علينا كمعارضة. ذلك أن القمع العاري لا يولد دكتاتورية ، فالدكتاتوريات تستند دائما وابدا على رافعة إيديولوجية قد تحقق بها وعبر مفاعيل دعايتها نجاحات تكبر و تصغر بحسب السياق و التحديات التي تطرحها ، وهي في هذا السياق العام تصنع رجل الدولة القوي الذي يبقى في الاخير حارسا للخير العام أو المصلحة العليا . أما دولة القمع العاري والشرس فإنها تتغذي من جدل الخوف والطمع ، ومسار تطورها هو مسار تحويل رجل الدولة من حاكم إلى “زبون”.   في الحالة التونسية نسجل أن رجل الدولة يتحول في كل يوم إلى “زبون تعيس” لدى مراكز الفساد المالي المعروفة بالاسم والعنوان ، فإرث الدولة الوطنية الذي سهرت عليه النخبة البورقيبية خانته النخبة الحاكمة اليوم مرتين : الاولى عندما حولت النواة البوليسية للدولة البورقيبية إلى هويتها وجوهرها التاريخي، ومرة ثانية بإنتاجها للمافيا المالية التي تتخفى وتلتهم السوق ، ومنه ومن خلاله التفت على المجال العام . وهي اليوم تنزع إلى فسخ القانون واستبداله بعرفها . العرف عند جماعات الضغط لغة مرمّزة وصارمة ، يتخفى وراءها الحاكم الفعلي الذي بقدر ما يوسع من منطقة نفوذه يتخفى أكثر، و يدوس على رجل الدولة . الهوة تتسع في كل يوم أكثر في تونس بين رجل السلطة الحقيقي الذي يملك سلطة القرار، وبين رجل الحكم الشرعي الذي يقتصر دوره على التنفيذ .   لقد بدأ النظام الحالي بتحالف بين الامني والتكنوقراط وانتهى إلى تحالف نكد بين رجل الامن ومراكز النفوذ المالي أو “صعاليك السوق الجدد” ، وأعتقد أن محنة البلاد مع هذا التحالف لن تنتهي بنهاية النخبة الماسكة اليوم بالسلطة ، بل ستتواصل وتعيد انتاج نفسها بما يضمن مصالحها الحيوية وهي قطعا ليست مصلحتنا لأن حيادية الادارة و أجهزة الدولة لا تستقيم بدون شفافية ولا تستقيم بدون رقابة . والشفافية والرقابة هي مقبرة الحاكم الخفي والدينار الوسخ .   سيكون التحدي الحقيقي أمامنا كنخبة في المدى المنظور هو استعادة بطانة الدولة الحديثة أي عقدها الاجتماعي ، ونخطىء إذا ثبتنا البصر على القمع السياسي ، فالأخطر منه هو القمع التاريخي الذي يهدد مقوم اجتماعنا السياسي ورافعته التاريخية أي مؤسسة الدولة ذاتها ، التي لن تستمر في عالمنا بدون عقد ، وبدون شفافية ، وبدون رقابة ، وبدون مشاركة ، أي بدون مجتمعها المدني بالنهاية . فبقدر ما تقتل الدولة المبادرة العامة تفسد السوق تلك حقيقة الحقائق التي يجب أن ينتبه لها من بشر بأمس قريب بمجتمع مدني بدون “أصولية” فكانت النتيجة تدمير الفعل السياسي ، ومن خطط اليوم لتنمية مستدامة بدون فاعلية اجتماعيه مستقلة ومشاركة في تحديد علاقات الانتاج هو بالنهاية يستجمع الشروط الرمزية والمادية لموت السوق .   السبيل أونلاين : ألا ترى أنك ترسم صورة سوداوية مبالغ فيها للوضع بالبلاد فهذا مربع السواد فأين مربع البياض؟   نور الدين ختروشي : أداء السلطة فيه الكثير من السلبيات كما ذكرت انفا، ولكن فيه ايضا قليلا من الايجابيات، مطلوب مني كمعارض أن أضع يدي على السلبيات وليس من المطلوب مني ولا من اللائق بي وانا ضحية تلك السلبيات أن أسجل إيجابيات السلطة ، ولا اعتقد أن النظام التونسي في حاجة لبوق جديد يتغنى بـ”مكاسبه” ، فهي إن وجدت ستحسب له تاريخيا . فقد عارضنا بورقيبة ودخلنا سجونه ولكن ذلك لا يمنعنا اليوم من انصافه. والتاريخ شاهد لبورقيبة بأكثر مما هو شاهد عليه وأحسب أن التاريخ سيشهد على الرئيس الحالي بأكثر مما سيشهد له ، أنا موقعي ودوري في المعارضة ان انبه للنواقص والاخطاء والسلبيات ، فدور الحاكم أن يحكم ودوري أن أعارض وأصحح ما أراه معوجا بالأساليب والادوات التاريخية المتاحة والممكنة والشرعية ، بل ان مبلغ ومنتهى الفعل السياسي لدي هي دائرة الحكم ذاتها / فالمعارض حاكم بالقوة إلى أن يتحول إلى حاكم بالفعل ، ربما هناك قليلا أو كثيرا من السينيزم أو(الصفاقة) فيما أقول ، ولكنها حقائق السياسة تتخفى وتتحايل على ظاهرها وترقص على نخب القيمة والمعنى الجميل ولكن نهايتها السلطة ورهانها الحكم.   لا أرى حقيقة معنى للمعارضة السياسية إذا لم تضع الوصول للسلطة كأفق لتحقيق مشروعها وإنجازه، وضمن هذا المنطق نمارس المعارضة. فشرعيتنا التاريخية نستمدها من حلقة الانتماء لشعبنا ووطننا ومشروعيتنا السياسية نستمدها أساسا من أخطاء خصمنا الحاكم ومن جدارتنا بأن نكون أفضل من الموجود .   القراءة السياسية السوية تبتعد عن النظرة المانوية للعالم والاشياء هي دائما وأبدا قراءة متلونة والفعل السياسي رهانه تغيير الواقع وتحريكه في اتجاه مصلحة عينية وملموسة ومحددة وهو في حركيته وديناميكيته يصنع حقائقه ويصبغها بما يريد .   ومن المؤسف أن أسجل هنا أن خطاب المربعات هذا أقترن بفاصل العودة ، فقزّم ذلك الخطاب وهوّن من مفاعيله بل أهانه لأنه يتصل بالاستراتيجي، أقصد بمقومات ثقافة سياسية جديدة أسسها الفكرية العميقة في حاجة إلى جهد تنظيري وأكاديمي من داخل المنظومة الاسلامية والدكتور النجار مؤهل للإضافة والابداع في هذا السياق، وله كل أرصدة التأثير في تشكيل وعي جديد لدى الاسلاميين ، ولكن ليس في هذا المناخ الموبوء بفيروس التهارج على الفواصل.   ففي مناخ التنابز بالألقاب سهل على الملاحظ السياسي تقبل فكرة ان خطاب النجار مجرد مزايدة على الخط الرسمي لحركته هذا في حين أن مقوم قوة الحركة تاريخيا في وسطها الاسلامي الاممي هو بالضبط سابقتها في ترجمة الوسطية العقائدية إلى مدرسة في الاعتدال السياسي ، فالمزايدة بالاعتدال على حركة النهضة وبحساب الحالة التونسية تدقيقا بعني الوقوف على يمين النهضة رسميا ، غير أن فائض اعتدال الحركة لم يترك لمن أختار يمينها إلا هامشا لولادة اسلامية مهادنة ، ومستعدة لخدمة الغالب سياسيا . هذا في حين مازالت السلطة مصرة على عدم حاجتها لخدمة الاسلامي لتستمر في الحكم .   لقد أخطأ في تقديري أستاذنا الفاضل في اختيار توقيت تنزيل خارطة طريقه التي تتصل أساسا بمفعول ثقافي نافد ، حاجة البلاد والمنطقة إليه لا تقل عن حاجة الاسلاميين. وقد شوشت عودته على العمق الفكري لأطروحة المربعات ومن خلالها خارطة الطريق التي أوحت للمراقب الخارجي كما هو الحال بالنسبة لي بأن خارطة النجار غير خارطة الغنوشي ، وهو تثبيت لسرير بروكست لدى الاجهزة التي تدير ملف العودة حيث قسمت ما تبقى من النهضة بالخارج إلى صقور وحمائم ، ومبلغ علمنا كمتابعين للساحة أن النهضة اليوم حمامة بدون أجنحة .   خطاب المربعات البيض والسود يبدو مع تطور الحالة التونسية اليوم وفي سياق التهارج بين المهجرين الاسلاميين حول موضوع العودة ، خطابا ذرائعيا مخاتلا بامتياز، وهو بدعوى موضوعية القراءة وواقعية الممارسة ، يواري على حالة مهزومة ، وعاجزة ومسلّمة للسائد، بل ومتملّقة له ، وطامعة فيه ، فهو يتحايل لتأبيد السائد وليس لتغييره.   السبيل أونلاين : مرت اليوم الذكرى الاولى كيف تقيّم لنا المؤتمر التأسيسي للمنظمة الدولية للمهجّرين التونسيين الذي انعقد في جينيف في جوان 2009 ، وكيف تلخّص لنا التحضيرات والأجواء التي سبقت المؤتمر؟   نور الدين ختروشي : مؤتمر جينيف كان ثمرة جهد جماعي تداولت عليه العديد من الفاعليات النضالية بالداخل والخارج ، وهو علامة في تاريخ الحركة الوطنية سواء بجدة العنوان الحقوقي أو في حجم التنزيل السياسي والاعلامي .أما عن الاجواء فكانت أخوية وسادتها روح نضالية متفانية ومصممة على الانجاز، وعندما بردت همة التنسيقية بباريس، سرعان ما احتضنت فكرة المؤتمر أياد من الصين وكندا ولندن وجينيف وتونس والشكر موصول لكل من ساهم بالقليل أو الكثير في تحقيق ذلك الانجاز. أما تقييم المؤتمر فيمكن أن نسجل التالي : 1- المؤتمر نجح في أصعب امتحان وهو تجميع الشتات المهجري من مشارق الارض ومغاربها على أرضية واحدة في موضوع حساس ومركب حدّ التعقيد وهو موضوع العودة . 2- المؤتمر أنجز على خلفية المقاربة الوطنية الشاملة ، أي أعاد نظم سؤال العودة ضمن سياق ملف النضال الوطني . 3- المؤتمر وضع مسألة العودة في مربع المطلب الحقوقي العام، بعد أن تشرّد في أقبية ودهاليز التسويات الفردية مع ما صاحبها من ابتزاز سياسي وإخلافي في جل الحالات. 4- المؤتمر أنجز على خلفية تسهيل عودة المهجرين، وابتعد المؤتمرون ما استطاعوا عن دائرة المزايدة بجرح إنساني عميق على جبين الوطن، وكان جوهر رسالتنا للسلطة هو أننا لا نبحث عن غبار معارك جديدة مع خصومنا بل نبحث عن حل شامل ومقبول لذلك الملف. 5- المؤتمر أعاد الخارج والمهجر إلى دائرة المبادرة ، وكان يطمح لاستثارة مقومات القدرة البشرية والقوة السياسية الكامنة والظاهرة في الساحة المهجرية لاستثمارها تحقيقا لمطلب واضح ومحدد وهو العودة الامنة والشاملة للجميع. 6- المؤتمر كان ردّا سياسيا مباشرا على السلطة، التي مازالت تتعامل مع ملف العودة من زاوية التوظيف السياسي الفج وقصير النظر، وقد أثبت المؤتمرون قدرا عاليا من المسؤولية الوطنية وعبروا من خلال إقرارهم للائحة العامة عن رغبة واضحة ومعلنة في تجاوز آلام الماضي لحساب أشواق المستقبل والمصلحة العامة. 7- لقد عاتبنا العديد من الأصدقاء عن دعوتنا للأحزاب والفاعليات السياسية بالداخل والخارج. وهنا وقبل أن أوضح خلفيات تلك الدعوة، أجدد شكري لكل الاخوة من قيادات وفاعليات المعارضة الذين استجابوا لدعوتنا، و خاصة منهم قيادات الداخل الذين ساهموا قبل المؤتمر في الاعداد له وتحملوا مسؤولياتهم كاملة قبل وخلال وبعد المؤتمر. وقد تابع الجميع العنف المادي والمعنوي الذي تعرضوا له بعد عودتهم، وكان ذلك العنف الردّ الاول والمباشر من السلطة على الارادة الوطنية الصادقة في التجاوز التي عبر عنها المؤتمرون. المهم أن حضور رموز الحركة الوطنية كان مطلوبا على قاعدة الرؤية الوطنية الشاملة للملف، ذلك أن المهجّرين جزء لا يتجزأ من الجسم الوطني المعارض ، وكانت الرسالة المشفّرة من وراء حضور رموزنا السياسية والحقوقية هي أننا إذا اضطررنا يوما للضغط والمقاومة لافتكاك حقنا في العودة ، فإن إضافتنا الحقيقية ستكون في قدرتنا على تحريك كل مفاعيل القوة في الجسم الوطني، شعارنا في ذلك، وأن كان لابد من بدّ من خصومة جديدة فهذه المرة سنتحرك ونمارس بحجمنا الحقيقي فالوعي كان حادا بضرورة الاعداد ليوم الزينة إذا ما فشلت مساعينا لحل توافقي مع السلطة . لقد بلّغنا الرسالة بوضوح وقوة: نطالب بالحقوق ولن نستجديها، ونناضل بالمتاح لإنجاز الممكن. وذلك جوهر فلسفة الاعتدال المسؤول الذي واكب تأسيس المبادرة وتطورها .   كما لا يفوتني هنا الردّ على من أنتقد اجتماع المعارضة في ما سميناه بـ”الغرفة السياسية”. وأريد أن أوضّح هنا أننا خططنا لإنجاز ثلاثة غرف على هامش المؤتمر، وهي على التوالي العرفة السياسية، والغرفة الاعلامية ، وغرفة رجال الاعمال ولكن ضيق الوقت ونقص الاعداد وبرودة أغلب عناصر التنسيقية بباريس بل عدم اقتناع أغلبهم بفكرة المؤتمر أصلا حالت دون توزيع الادوار وتحمل المسؤولية عند الانجاز، فاكتفينا بتنظيم الغرفة السياسية التي أنجزت المطلوب منها وأكثر، بل إنني أحسب أن مؤتمر جينيف نجح سياسيا وفشل حقوقيا فقاعة المؤتمر أفرزت بيانا خبريا بدون معنى، ومنظمة بدون قانون أساسي، وشرعيتين تنفيذيتين بدون تحديد الصلاحيات، وبدون هيئة رقابية ، والغرفة السياسية أنتجت بيانا سياسيا شاملا توافق فيه الحضور على تقييم موحد للوضع العام بالبلاد، مع توصية مشددة على ضرورة مواصلة الحوار ضمن أفق العمل المشترك . استضافة الغرفة السياسية أحالت على حرصنا المبدئي ، ووعينا الاستراتيجي، وطموحنا المشروع كمهجّرين بأن نكون عامل تنشيط صحّي لكل مقومات القدرة الكامنة والظاهرة في الجسم الوطني المعارض. وقد كان الفصل منهجيا وواعيا بين ما دار من حوارات داخل العرفة المغلقة للسياسيين، والقاعة المفتوحة للمؤتمرين. فموضوع عودة المهجّرين محكوم بشرطه السياسي .هذه بديهة وحل الملف مرتبط بجدل المطلوب حقوقيا والمأمول سياسيا ، وهو في النهاية مرتبط بإرادة سياسية هي في الاخير محل الرهان من كل الاستراتيجيات التي عملت على موضوع العودة. فمن حصر الملف في بعده المطلبي والاجرائي تعامل مع الملف سياسيا، لأنه بنمط خطابه يعتقد أنه سيقنع السلطة بحل الملف فرهانه بالمنطلق والنهاية رهانا سياسيا. وقد أثبتت التجربة أن هذه الاستراتيجية ، وبتحقيقها لبعض التسويات، لم تخترق إرادة السلطة بقدر ما مزقت الممزق من صفوف المعارضة وساهمت في تعفين أوضاعها بتشويش الرؤية وتعميق الجراح وتدمير حصون الممانعة . أليس من المفارقة أن نسجّل أن من أنتقد مؤتمر جينيف لفائض السياسة ، هو أوّل من تورّط في تسييس الملف ولكن لحساب استراتيجية السلطة .   السبيل أونلاين : أعلنت الهيئة الإدارية للمنظمة الدولية للمهجرين التونسيين في آخر بياناتها استقالتك من منصب رئاسة المنظمة ، وهي خطوة فاجأت الكثير من المراقبين ، ماهي سياقات وظروف هذه الاستقالة ؟   نور الدين ختروشي : لقد عبرت للأخوة في الهيئة الادارية عن استعدادي للاستقالة ان قدّروا إنها الحل الممكن للأزمة وقد طلبوها على استحياء ، وقبلتها بارتياح ، ونشرت المنظمة بيانها واعلنت عن الخبر.   أخلاق المسؤولية تفرض عليّ اليوم أن لا أقول على ما قيل رسميا ، أمّا للتاريخ فربما سنقول الحقائق كاملة أن مدّ الله في أعمارنا، وإن قدرنا مصلحة في ذلك .   الاكيد أن أصدقائي ممن تابع يوميات الازمة الداخلية سيعاتبني على قليل الكلام في الموضوع وجوابي لهم إنني في هذه المرحلة من تاريخ نضالنا الوطني غير معني بسؤال الحقيقة فمن المعلوم لدى الجميع أن جل الهيئات الوطنية المناضلة على الساحة مأزومة ، ومعرفة حقيقة ما يجري داخلها ليست من أولويات العمل الوطني في تقديري، فالعلاقة بالحقيقة في حالتنا مركبة وليست مباشرة ، والرهان في الحالة النضالية ليست المعرفة بل التغيير.   إذا أردت الحقيقة فابحث عنها لدى العالم لأنه معني ببناء المعرفة، وابحث عنها لدى المؤرخ لأنه معني بلازمة الامانة، ولكن ايّاك أن تبحث عنها لدى السياسي فشرط وجوده في المناورة على الحقيقة. ان أقصى ما تطمح إليه وأنت تمارس من موقع المسؤولية العامة في علاقتك بالحقيقة هو أن لا تكذب، وبذلك تحافظ على الأدنى من نبل السياسة ، ولسان حالك يقول من حقي أن أقول بعض الحقيقة، ومن حقي أن لا أقولها أبدا، ولكن ليس من حقي أبدا أن اكذب. وبالعودة إلى الفقرة الخاصة باستقالتي وكنت ممّن صاغها، حاولنا ما استطعنا أن نقول أقصى ما يمكن من الحقيقة ، وقد نكون نجحنا في امتحان الصدق مع اللحظة، أما التاريخ فسنكتبه كاملا كل من زاويته، وتبقى الشهادة لنا أو علينا من مشمول الذاكرة. فالذاكرة ليست التاريخ وإنما بقاياه العميقة أو ما يحصحص من حقائقه الكبرى والصغرى لرصيد التدبّر والاعتبار والاستلهام.   السبيل أونلاين : كيف تقيّم آداء المنظمة ، وهل تراها قادرة على تحقيق مطلب العودة الكريمة والآمنة ، وكيف تنظر الى مستقبلها ؟   نور الدين ختروشي : بمرارة وأسف شديد أسجل إنه ليس هنالك آداء أصلا حتى نقيّمه ، نحن أمام حقيقة مفزعة لكل من علق آمالا على المنظمة وهو تحولها الى رقم حقوقي كمي بدون اضافة للساحة ، وما يمنعني من الانسحاب منها اليوم هو قناعتي بأهميتها الرمزية فمجرد وجود عنوان العودة في المشهد الحقوقي الوطني هو مكسب للحركة الوطنية يجب علينا من حيث المبدأ المحافظة عليه وتحسين شرط الوجود ومسار الأداء .   ملف العودة بتعقيده السياسي وضغطه الانساني عاد إلى مكتب حركة النهضة ، وهي من تملك القرار السياسي فيه ، فأغلب أعضاء المنظمة من أبناءها والاقلية من المستقلين انسحب أغلبهم وانخرط جلهم في مسار التسوية الفردية بشروطه المعروفة ، ودون أن يكلّف نفسه حتى عناء إعلام المكتب . فالمنظمة في منطقة وسطية فارغة لا تتحكم في المعادلة لا بحساب سياسي ولا بحساب حقوقي مطلبي ، ولك أن تتخيّل صعوبة الوضع والاخدود الذي انتهى إليه مشروع المنظمة. أما مستقبلها فمرتبط بمدى ايمان أبناءها بممكن اصلاحها واطلاق قاطرتها على السكة الصحيحة وهذا لن يكون الا بمؤتمر استثنائي يقيّم وضعها الداخلي ويحمّل المسؤوليات بدقة ونزاهة عن مالات هذا الوضع ، وشخصيا مستعد لوضع كل الحقائق كما عايشتها ووثّقتها أمام المؤتمرين ومستعد أكثر لتحمل تبعات قراري بالاستقالة ، ولكن هل تملك المنظمة اليوم القدرة على ترتيب اجتماع فضلا عن تنظيم مؤتمر ، أشك حقيقة في ذلك.   السبيل أونلاين : كيف تنظر الى الأوضاع في المهجر وقضية العودة ، ومختلف جوانب ملف المهجّرين التونسيين ؟   نور الدين ختروشي : الاوضاع في المهجر تختلف من بلد لآخر، ومن حالة لأخرى ، والاكيد أن هناك من حظوظ النجاح والخيبة في هذه التجربة الكثير، سواء بمقاس المكاسب الفردية أو بمقاس المكاسب العامة .وهي تجربة من الثراء والتنوع والطرافة ما يرشحها أن تكون حيزا لإنتاج معرفي وأكاديمي سيتولاه أصحاب الاهتمام والاختصاص في حينه. و قد كان طموحنا عند تأسيس منظمة المهجّرين أن نساعد على الاقل في إنجاز ذلك من خلال حرصنا على البعد الثقافي في مشروع المنظمة .   في حالة الشتات التونسي نحن أمام سابقة تراجيدية في علاقة دولة الاستقلال بموطنيها . فقد اضطرت مئات العائلات للتسلل في هزيع الليالي بين الشعاب والتلال والجبال فرارا بجلودهم من قسوة الدولة ، هذه في ذاتها فضيحة تاريخية لأنها في شمولها لمختلف الشرائح العمرية والاجتماعية فتحت أكثر على معنى الاجتثاث من الارض على شاكلة الفحش الاستيطاني. فقد تابعت عدة حالات لمهجّرين حولت املاكهم أياد السلطة العابثة إلى خرب وملاذ للصعاليك ، وأخرى وقع الاستيلاء عليها بعقود مزورة ، واحيانا بدونها ، والاكيد أن فصول هذه المأساة المريعة سيرويها أصحابها ، وستبقى شاهدة على انتقام وقسوة لم يعرفها التونسيون مع دولة بورقيبة.   التاريخ السياسي الحديث لبلادنا يروي لنا تجارب في المنافي لنخب سياسية وثقافية معروفة أما رواية التغريبة التونسية في العقدين الاخيرين فأبطالها من تونس الشعبية والعميقة ، نساء ورجال وأطفال جاءوا من الارياف والقرى والمدن جامعهم المشترك هروبا من جحيم القمع وحلما جميلا بوطن أجمل ، ففي الحالة التونسية نحن أمام ميكرو مجتمع تونسي كان قدره الخروج إلى مجهول المنافي ، تلك في اعتقادي طرافة التجربة التونسية ومصدر ثرائها وتعقيدها. وفي هذا التوصيف وعلى قاعدته نفهم حالة الفوضى ومنسوب التنابز حول ملف العودة والموقف من بعض حالاتها اليوم .ذلك أن الامتداد الجماهيري لحركات التغيير سلاح ذو حدين يمكن ان ينقلب على النخبة إذا أساءت إدارته ، وفي حالة النهضة يمكن القول أنها خرجت من ورطة جماهيريتها بأقل الاضرار إذا قارناها مثلا بالحالة الجزائرية ، فلم يكن من السهل استيعاب حالة التهجير الجماعي وتأطيرها مع ما يتطلبه ذلك من قدرة مادية وسياسية وتنظيمية .إنها صفحة منسية من تاريخ تلك الحركة تعكس حجم المعاناة في إدارة حالة لم تتخيلها أصلا قيادة الحركة ، فضلا عن استباقها والتخطيط لها. فقد كانت عفوية يحكمها منطق التصرف بالمتاح في أفق الساعة واليوم وهذه المقدمة وتلك الحقائق ربما تفسّر حالة الارتباك في إدارة ملف العودة .   بالعودة إلى العودة المشروطة بالأقصى وهو التنكّر للتاريخ النضالي واعلان الوفاء والولاء لسياسية النظام….المشكل هنا ليس في تحول الموقع السياسي لمن اختار ذلك ، فنحن في مربّع سياسي وطني لا يجرّم ولا يخوّن فيه أحدنا الآخر لمجرد تحويل الموقع أو اللافتة التي يعمل تحتها. ليس لنا أعداء في الوطن ونخطأ كمعارضين إذا سقطنا في فاحشة تخوين التونسي ، هذه قاصمة تستعملها أجهزة السلطة ضد معارضيها ، فلنترك لها لعنتها ولعنة من عمل بها إلى يوم القيامة. ليس لنا عدوا في مربع الخصومة السياسية، ذلك هو الحجر الاساس في ثقافة سياسية جديدة نتلمس اليوم معالمها، ونطمح الى تمثُلها في استراتيجيات جديدة.   ليست لدي مشكلة حقيقة مع مناضل تحول من ضفة سياسية إلى أخرى. فواجب العمل في سبيل الله والوطن ليس مشروطا بالانتماء للنهضة أو لأي فصيل سياسي على الساحة ، وانما المشكل في أن يكون هذا التحوّل مناورة على الذات وتحايل على الموضوع ، فليس من الجدية ولا من المبدئية ، ولا من المسؤولية ، أن يتحوّل فاصل العودة إلى بوابة للردّة على الماضي والالتحاق المذل بصفوف الخصم ، والذي وبالمناسبة لم يقبل سياسيا أي عائد ، قلّ ما نسمع أن أحدا من العائدين قد التحق بأجهزة الحزب الحاكم أو السلطة . فهؤلاء مازالت تلفظهم السلطة بمثل ما ترفضهم المعارضة .وسياسيا نحن امام صفقة غريبة بدون معنى تعكس رغبة ذاتية ولا تفتح على مصلحة عامة ملموسة. والمؤلم ان تلك الرغبة تتنفس حقدا على رفاق الامس وتتمنطق بنطاقين نطاق العبرة في العلاقة بالماضي، ونطاق الحكمة والواقعية في التعامل مع الحاضر. هنا بالضبط مصدر التزييف والتلبيس . فالمشكل ليس في العودة وشروطها المذلة، بل المشكل في أيديولوجية العودة التي تصدّر زائفها وعيا ، وتصادر على مطلوبها حقيقة .   الحدّ الجاذب في تلك العودة طمعا في خصم سبقت منه المنة والاذى إذا أعطى، والحدّ الطارد خوفا ورهبة من مصير أستأمن عليه غادر، وبين الحدّين، قرأنا نصوصا تنزّ صفاقة وتدعي النسبة لفضيلة الشجاعة في الحق. لا خيانة في العودة بل الاصل أن نعود ولا بطولة في الصبر على الصعود في معارج التحرر فأصل الطريق صبر ومصابرة ، فمن عاد في هذا المناخ وبتلك الشروط نهنأه ولا نغبطه وفي كل الحالات لن نعاديه. أعتقد أن من مصلحة السلطة غلق ملف العودة ، وهي بصدد اغلاقه على مقاس الغالب ودورنا الآن هو ان نحسّن من شروط تلك العودة من دون أن نجعل مها قضية القرن ، فسنرجع بإذن الله ورحمته في يوم قريب بدالّة القضية التي أفنينا من أجلها اعمارنا، وبغير دالّة وألق المبدأ تعست قدما تسللت إلى أرضها برخصة من حارسها، ولا بارك الله لي في بيتي إذا دخلته بشرط الطرق على أبوابه.   السبيل أونلاين : كيف تراقب عودة بعض قيادات حركة النهضة الى تونس ، والجدل الدائر داخل الحركة حول موضوع العودة ؟   نور الدين ختروشي : في حدود علمي لم يعد أحد بصفته القيادية في حركة النهضة فالسؤال هنا بدون معنى ولكن إذا كنت تقصد عودة بعض الوجوه المعروفة من الحركة بصفة المواطنة فهو يؤشر عندي أن الملف قد أغلق يبقى حله عمليا في حاجة الى قرار سياسي علني وواضح من اعلى هرم السلطة ، لان الابتزاز السياسي الفجّ الذي يتعرض له الراغبون في العودة اليوم يؤشر على تردد السلطة وتجاذب بين أجنحة مازالت لم تُجمع على ضرورة الحل الانساني الآن ، فضلا عن الحل السياسي الشامل.   التسويات الامنية لا تخلوا طبعا من حالات إيجابية مكّنت بعض المهجّرين من عودة دون ابتزاز مباشر وهي مؤشرات إيجابية يجب التقاطها وتقديرها ضمن امكانية الفصل بين الوجه الانساني للملف وجانبه السياسي وهي عودة يشكر كل من ساهم فيها سواء من داخل الادارة التونسية أو من خارجها. هذا موقفي من حيث المبدأ ، أما من جهة الحيثيات وما واكب تلك العودة من جدل فأكتفي بتسجيل النقاط التالية على هامشها : 1 – لأول مرة في تاريخ الحركة نلاحظ أن السلطة اخترقت الفضاء الحواري الداخلي للنهضة وأصبحت لمواقفها صدى مباشرا وعلى لسان أبناء الحركة انفسهم . 2 – دخول السلطة إلى مربع المناورة يوحي بتحول استراتيجي في تعامل النظام مع الحركة حيث نشهد نهاية سياسة القمع الجسدي المباشر للحركة والانتقال الى دائرة المناورة السياسية لتفتيت وتفكيك ما تبقى من مقومات وجودها ووحدتها. والغريب أن المباراة بأدوات العمل السياسي هو المطلب الاساسي للنهضة ومطلبنا جميعا في المعارضة الوطنية ، ولكن كل المؤشرات تدل على أن السلطة التي أرهقت النهضة امنيا بالأمس القريب، هي اليوم بصدد إنهاكها سياسيا، وكأنّي بالنهضة التي لم تحسن إدارة معركتها ميدانيا في بداية التسعينات، تبدي قدرة متواضعة جدا على المناورة السياسية وهي على مشارف نهاية محنتها . 3- انتقال الحوار الداخلي الى المجال العام يكشف عن حجم التنوع الذي كانت تستوعبه مؤسسات الحركة وهو في اعتقادي منبع ومصدر قوتها ماضيا وحاضرا ومستقبلا . ولا يفوتني هنا أن ألاحظ إن خروج حوارات واختلاف الاسلاميين من كهوف التنظيمات السرية إلى العلن لبس خاصية نهضوية ، فقد تابعنا خلافات الحركة الام بمصر في الأشهر الاخيرة وما صاحبها من توتر بين قيادات الصف الاول ، وقبلها تابعنا نفس السيناريو في الجزائر والمغرب والسودان . فنحن امام نقلة نوعية في الثقافة السياسية والتنظيمية للإسلاميين تؤشر على أن معالم ثقافة سياسية جديدة فرضها تثوير المجال التواصلي وتعدد ودمقرطة وسائطه بصدد البروز. هناك جيل جديد من الاسلاميين بصدد التشكل من ابرز مواصفاته القطع مع ثقافة السرية وهذا أيضا مكسب تاريخي واستراتيجي للإسلاميين لن يتحقق بدون أوجاع وبدون أخطاء وبدون خسائر ولكنه مسار في الاتجاه الصحيح .   السبيل أونلاين : بوصفك متابع للساحة الوطنية ، كيف تنظر الى مستقبل حركة النهضة ؟   نور الدين ختروشي : رغم ان النهضة اليوم ليست في حجم نهضة الثمانينات ورغم حجم الضربة التي تعرضت لها بقيت وللمفارقة الرقم المركزي الذي تتحدد معه أو ضده كل استراتيجيات الاطراف الوطنية في السلطة والمعارضة ، وآخر المبادرات على الساحة التي تمثلت في ولادة تحالف المواطنة والمساواة قامت على اساس موقف موحّد من التحاف السياسي المباشر مع النهضة . وهذا يدفعنا الى الاستنتاج التالي أن بناء حياة سياسية سوية وبقطع النظر عن عمق التحولات نحو الديمقراطية وطنيا لن تكون في غياب النهضة او على حسابها ، أما الموقع وحجم الدور الذي يمكن أن تلعبه النهضة مستقبلا فهذا مرتبط بمدى استعدادها الذاتي لتثبت جدارتها في تحسين الموقع وتوسيع الدور هذا في مطلق الافتراض أما في ملموسيته وواقعه فهو مشروط أولا بمدى قدرة تلك الحركة على فهم عمق التحولات الاجتماعية بالبلاد والتي أحدثها تسارع الحركة التاريخية بأكثر مما أفرزها النظام القائم ، تلك التحولات والمتغيرات تستدعي الحركة مرحليا إلى لحظة هدوء استراتيجي تعيد فيها نظم أولوياتها واستراتيجياتها ، فالحركة التي كانت بداية الثمانينات منتوجا مهذّبا وطريفا في وسط اخواني محافظ في عمومه مؤهلة طبيعيا وبحكم بنيتها الذهنية الميالة تاريخيا الى التجدد ، تعيد انتاج نفسها في افق سياسي مغاير يعيد منهجية العلاقة بين أبعاد المشروع الاسلامي ، هذا في تقديري مؤشر استراتيجي سنقيس به وعليه مسار تطور الحركة مستقبلا .   النظام الحالي بالبلاد غير مقتنع بتغيير سياسته تجاه النهضة ولكن لا يتحمّل كلفة ضربها مجددا وهي غير قادرة على تحمل تبعات استفزازه فضلا عن مواجهته والزمن السياسي التونسي سيبقى معلّقا على ممكن فك هذه العقدة التي انهكت الحياة العامة وسممتها بأكثر مما انهكت جسد النهضة ، ويبدو أنها لن تنتهي الا بنهاية النظام الحالي . وحالة المراوحة تلك توفّر فرصة للنهضة لتتفرّغ لورشة تفكير ستكون مضنية ، ويجب ان تبقى هادئة من أجل استنبات معالم تجربة حركية مغايرة مغرية بطرافة التجديد و شرعية التاريخ .   النهضة بوسطيتها واعتدالها ضرورة ثقافية إذا ما انتبهنا إلى خطورة ومزالق مسار “الأسلمة المعولمة” الذي اندرجت فيه الشبيبة التونسية في غياب النهضة وحاجة سياسية ملموسة إذا ما سلمنا بأن السياسة في المجال الوطني لن تستعيد عافيتها ومعناها في ظل غياب اسلامية وطنية هادئة ومشاركة .   السبيل أونلاين : تتحدث أحزاب المعارضة التونسية على مرحلة “ما بعد بن علي” ، فكيف تستشرف مستقبل البلاد خاصة بعد الرئيس الحالي؟   نور الدين ختروشي : مسار تطور الحالة التونسية يحيل ضرورة على مستقبل أحسن سياسيا، ذلك أن ديناميكية التغيير التاريخي العميق تسارعت في العقدين الماضيين في فضاء ثقافي مُعولم وعابر للحدود والقارات. فتونس لن تحكم بعد بن علي بنفس آليات السيطرة والضبط الاجتماعي، والنخبة القادمة ستبني شرعيتها السياسية على إعادة النظر في ملف الحريات أساسا، والخشية الحقيقية هي أن تبقى المبادرة في يد السلطة من جديد. أعتقد إننا كقوى وطنية معنيين بمغادرة دائرة الانتظارية السلبية التي تذكرنا بسنوات علقنا فيها مصير البلاد على سرير مرض الرئيس السابق. ليس لنا كقوى وطنية الا استثمار ما أمكن تجميعه من مقومات القوة الرمزية والقدرة السياسية وصبها في استراتيجية عمل وطني موحد في إجماعه على الثوابت ومتفهم لضرورة تعدد المسالك نحو تسهيل خروج البلاد من واقعة والاستبداد والتخلص من إرثه الثقيل.   تونس في تقديري مؤهلة إذا صدقت نوايا أبناءها لنقلة نوعية هادئة نحو منطقة الحكم الرشيد يبقى التحدي الاساسي هو في مدى قدرتنا على لعب دور الشريك الجدي والمسؤول في إحداث تلك النقلة وعدم تركها رهينة الارادة الرسمية .   ما بعد بن علي سيكون جناحا من داخل السلطة وهذا الجناح مفترض لدينا لأننا كمعارضة لا نملك معطيات دقيقة عن مركز القوى في مطبخ السلطة ، واذكر أن السنوات الاخيرة لحكم بورقيبة كانت الصورة اوضح من الآن بكثير ومع ذلك صعد للحكم آخر من كنا نتصوّر. أرى من الانسب في ظل غياب المعلومة الدقيقة عن مراكز القوى واجنحة السلطة أن نركّز على سؤال كيفية الحكم ، فهو صرّة المعنى ومركز الاهتمام وبؤرة تفكير جدي ومضني حول مستقبل النظام السياسي المقبل وحد الاصلاحات الممكنة التي يتوجب على النخبة القادمة القيام بها .   لا يهمنا كثيرا من سيحكم بعد بن علي، ولكن معنيون بتحسين قدرتنا السياسية لأقناعه بان المعارضة القوية والجدية من مقومات قوة الدولة الحديثة ، وان ادوات الضبط التي تعودت عليها دولة الاستقلال فقدت مبررات مشروعيتها وفاعليتها ، وبأنه خاصة وضرورة لن يستطيع ان يحكم تونس بنفس الطريقة السائدة اليوم .   مدار الاهتمام والتفكير عندنا يجب أن ينصب على طبيعة دورنا في استثارة الشرط التاريخي ليكون الحاكم القادم حليفا كامنا واستراتيجيا لحقنا كتونسيين في نظام سياسي أكثر انفتاحا واقل انغلاقا ، مطلوب من قوى المعارضة الجدية أن توفّر شرط التحول السلس والمقبول من الجميع على قاعدة توافقية يطمئن ابناء الخضراء وشركائها على صلابة مسار الاصلاح واستعصاءه على النكوص والردّة .   رياح التغيير في العالم نحو نمط الحكم الرشيد أقوى من جيوب المقاومة لهذه النزعة ، والجيب التونسي ليس أشدها قسوة واستعصاء ، وللتونسيين من ارث التقارب والالتقاء ما يفوق عمقا وامتدادا عارض الخصومة والاحقاد ، السنوات القادمة ستكون مخاضا لتحولات نوعية تكتنزها احشاء تونس العميقة بمثل ما تختزنها دوائر صنع القرار والراجح عندي ان المرحلة القادمة وان لم تكن لنا فلن تكون علينا .    (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 29 جوان 2010)


قال ننتظر التفاعل الايجابي من السلطة ونؤمن بالتدرج في طرح مطالبنا منسق منظمة المهجرين التونسيين لـ”قدس برس”: شرعيتنا مستمدة من الرد على ابتزاز السلطة للمهجرين  


باريس- خدمة قدس برس اعتبر منسق المكتب التنفيذي للمنظّمة الدولية للمهجّرين التونسيين إن أساليب الابتزاز الأمني والسياسي التي تمارسها المصالح القنصلية والأجهزة الأمنية على الراغبين في تسوية وضعياتهم والاشتراطات المهينة، والمضايقات البوليسية، والهرسلة القضائية إثر عودة البعض، تمثل مؤشرات على عدم استعداد السلطة لحلّ ملف المهجرين بشكل جدي يحفظ كرامة وحق المواطنة لهؤلاء المعارضين المهجرين. وقال منسق المكتب التنفيذي للمنظّمة الدولية للمهجّرين التونسيين المهندس عماد دايمي في تصريحات خاصة بـ”قدس برس” بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للإعلان عن المنظمة، إن “مبادرة حق العودة للمهجّرين التونسيين قبل أكثر من سنة لتلبية حاجة حقيقية في الساحة المهجرية التونسية، لذلك التفّ حولها أغلب المهجّرين وعلقوا عليها الكثير من الآمال”، حسب تعبيره. هذا وعلى الرغم أن المنظمة التي انبثقت عن المؤتمر التأسيسي في حزيران (يونيو) الماضي عرفت عددا من المشاكل الذاتية والموضوعية التي عطلت أعمالها نسبيّا، فإنها، كما أكد أثبتت بسرعة مشروعية وجدوى وجودها، حيث نفضت الغبار عن قضية عادلة منسية، وجعلت منها مركز اهتمام في الساحتين الحقوقية والسياسية الوطنيتين خلال الأشهر الماضية، حسب تقديره. وشدد دايمي على أن “مشروعية المنظمة، ومسؤوليتها كذلك، أضحت اليوم مضاعفتين بسبب سياسات الإذلال والابتزاز الأمني والسياسي، التي تمارسها المصالح القنصلية والأمنية على المواطنين الراغبين في وضع حدّ لتهجير مفروض منذ سنوات طوال”، حسب وصفه. وبشأن اختلاف وجهات النظر داخل المنظمة في التعاطي مع السلطة قال دايمي “ليس من العيب الاعتراف بوجود اختلافات في الموقف من السلطة لدى أعضاء المنظمة القادمين من خلفيات سياسية متعددة. ولكن من المهم التأكيد أنّ المؤتمر التأسيسي عرف نقاشا عميقا وصريحا بين مختلف تلك التصورات أفرز هوية حقوقية مطلبيّة لهذا الإطار الوطني المعني بالتعريف بالقضيّة المشتركة والسعي لحلها بكل الوسائل الحقوقية والمدنية الممكنة”، حسب تعبيره، مضيفا أنه “من هذا المنطلق وتنفيذا لقرارات المؤتمر وتوصيات الهيئة الإدارية الأخيرة، أعدّ المكتب التنفيذي رسالة موجّهة إلى رئيس الجمهورية لدعوته لاستعمال صلاحياته الدستورية من أجل حل هذه القضية، واتصلنا بالسفارة التونسية في باريس للمطالبة بلقاء مع السفير التونسي لتسليمه تلك الرسالة عبر القنوات الرسمية، ولمناقشة السياسة التي تعتمدها المصالح القنصلية تجاه عموم المهجّرين الساعين لتسوية وضعياتهم القانونية. غير أنّ مكتب السفير لزم الصمت لحدّ اليوم. وحقيقة لم يثننا هذا الصدّ عن تدارس خطوات أخرى لإيصال مطالب المهجّرين إلى السلطات ومطالبتها برفع العراقيل التي تضعها في وجه الراغبين في العودة إلى الوطن. وسنطلع الرأي العام على تلك الخطوات في الإبان”. وحول سياسة السلطة تجاه ملف المهجرين، أوضح المتحدث “ما من شك أن توحّد المهجّرين للمطالبة بحقهم الدستوري والإنساني في العودة إلى بلادهم وتأسيسهم لمنظمة تجمع شملهم وما رافق ذلك من تغطية إعلامية مكثفة ومن تعاطف وطني ودولي غير مسبوق، غيّر الكثير من المعطيات، حيث دفع ذلك الأمر السلطات، التي كانت على الدوام تنفي وجود تهجير ومهجّرين، إلى الاعتراف ضمنيا بالقضية، وإلى انتهاج سياسة تسعى لتكريس مبدأ التسويات الفردية المشروطة كسبيل وحيد لحلّها. غير أنّ أساليب الابتزاز الأمني والسياسي التي تمارسها المصالح القنصلية والأجهزة الأمنية على الراغبين في تسوية الوضعية تحت ذلك الإطار، والاشتراطات المهينة والمضايقات البوليسية والهرسلة القضائية اثر العودة، كل تلك التصرفات وغيرها لمؤشرات على عدم استعداد السلطة في حلّ الملف”، حسب رأيه. وأكد دايمي أن “عدم جدية السلطة في حل هذه القضية، بقدر ما ساهم في تثبيط عدد من المعنيين بالملف ودفعهم لتأجيل طرق باب الوطن حتى ظروف أحسن، بقدر ما يزيد من مسؤولية المنظمة وهياكلها في تكثيف تحركاتها والانتقال إلى خطوات نضالية أكثر تأثير وفاعلية بعد كل ما تحقق للقضية من تعاطف وطني ومساندة عربيّة ودوليّة.”

 

(المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (بريطانيا) بتاريخ 29 جوان 2010)

 

 

http://www.qudspress.com/?p=98346

 

 


بنزرت تجمع …منع…و رسالة


بدعوة من النقابة العامة للتعليم الأساسي، توجهت الإطارات النقابية للتعليم الأساسي وثلة من إطارات الثانوي من مقر الاتحاد الجهوري للشغل ببنزرت للتجمع أمام  الإدارة الجهورية للتعليم ببنزرت يوم الثلاثاء 29 جوان 2010 حوالي الساعة الثانية بعد الزوال. دعت النقابة العامة للتعليم الأساسي للتجمع أمام مقرات الإدارة الجهوية احتجاجا على سياسة الإقصاء و المماطلة و التسويف التي تمارسها وزارة التربية على نقابات التعليم التي عبرت عن رفضها للمفاوضات الشكلية الفاقدة للمصداقية التي تمعن سلطة الإشراف في ممارستها مع الطرف النقابي. فوجئ النقابيون بالحصار المضروب على مقر الإدارة الجهوية و منعهم من الالتحاق بمقر إدارتهم من قبل العشرات من قوات البوليس بالزي المدني الذين لم يتورعوا عن تعنيف من أصر على الالتحاق بمقر الإدارة الجهوية. أمام إصرار المتجمعين على الوصول إلى مقر الإدارة الجهوية و بعد “مفاوضات عسيرة” مع “الناطق الرسمي باسم البوليس” تمكنت الإطارات النقابية للتعليم الأساسي من الالتحاق بمقر الإدارة  لتسليم المدير الجهوي للتربية رسالة موجهة لوزير التربية للاحتجاج على غلق باب التفاوض الجدي حول مطالبهم المشروعة.   نقابي من بنزرت

 


 

حملة على مهربي البنزين بين تونس والجزائر


حرر من قبل التحرير في الثلاثاء, 29. جوان 2010 تمكنت قوات الحرس الجزائرية العاملة بولاية تبسة حسبما ذكرت جريدة الشروق الجزائرية الصادرة بتاريخ 27 جوان خلال يومي 25 و26 من الشهر الجاري من توجيه ضربات موجعة إلى المهربين التونسيين والجزائريين الناشطين على حدود البلدين وتكبيدهم خسائر مادية جسيمة من خلال حجز آلاف اللترات من البنزين المهرب و عشرات الشاحنات والعربات، وإيقاف عشرات المهربين الذين تتراوح أعمارهم بين 23 و 40 سنة . من جهة اخرى تمكنت السلطات الأمنية بمدينة جمال من ولاية المنستير من حجز 1500 لتر من البنزين في مستودع بمدينة طوزة حيث كانت معدة للترويج في السوق السوداء.  علوم أن تهريب مادة البنزين قد زاد وتيرته في الاسابيع الماضية وتسبب في سقوط عشرات القتلى و الجرحى في كل من قابس و دوز والقصرين ومدينة بنان الساحلية.

 

(المصدر: مجلة “كلمة” الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 29 جوان 2010)

 


فيني: يجب منح تونس مرتبة الشريك المتقدم للاتحاد الأوروبي


وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء    2010 الثلائاء 29 يونيو

اعتبر رئيس مجلس النواب الايطالي انه “من العرفان منح تونس مرتبة الشريك المتميز مع الاتحاد الاوروبي”، ووصف تعاون بلاده معها بـ”الممتاز”، وقال انه يمكن أن يكون “أكثر وثوقا إذا ما تم التوصل إلى اتفاق في جملة من القضايا من بينها الطاقة” تونس: نوه رئيس مجلس النواب الايطالي جانفرانكو فيني الثلاثاء في لقاء صحفي في ختام زيارة رسمية دامت يوما واحدا، إلى قناعته بأن “تونس تستحق وضعية خصوصية في مجال علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي”، مؤكدا أن هذا البلد المتوسطي اتبع في السنوات الأخيرة سياسة “تتوافق مع قيم التكتل الأوروبي الموحد”، وعليه فـ”من الطبيعي أن يكون هناك عرفان لمنحها مرتبة الشريك المتميز” من جهة ثانية، قال فيني الذي اجري محادثات مع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، “إن لإيطاليا دول جوار عديدة، لكن علاقتها بتونس علاقة خاصة، باعتبارها ليس فقط بلدا مجاورا بل بلدا صديقا، مما يعد عاملا ملائما لمرحلة جديدة لعلاقات تونسية إيطالية أكثر نجاعة”، على حد تعبير رئيس الجهاز التشريعي الإيطالي وفي نفس الإطار، قال رئيس النواب الايطالي انه أكد للرئيس بن علي ولوزير خارجيته ان “ليست هناك حاجة لمحامين في بروكسل للدفاع عن مرتبة الشريك الممتاز” وتسعى تونس الى الحصول على مرتبة الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، وقد شرعت منذ شهر تقريبا في مناقشة طلب منحها هذه الصفة وعبرت عدة حكومات أوروبية من بينها بلجيكا واسبانيا و مالطا عن مساندتها لها . و في رده على سؤال حول التعاون التونسي الايطالي في مجال الهجرة، نوه فيني إلى أنه “عندما تنظم ايطاليا سياستها بالهجرة ستعطي مكانة خاصة لتونس في مجال استقبال اليد العاملة” مؤكدا أن روما “لن توقف التعاون مع تونس” على المستوى الحكومي في هذا المجال وفي رده على سؤال حول دور ايطاليا في دفع مسار اتحاد دول المغرب العربي، حث فيني هذه الدول على “تجاوز بعض الحساسيات”، وقال “تجربة الاتحاد الأوروبي واضحة أمام العيان ويجب أن تجاوز بعض الحساسيات الوطنية “. وتعد تونس أول دولة من الحوض الجنوبي للمتوسط التي توقّع عام 1995 اتفاقية للشراكة والتبادل الحر مع الإتحاد الأوروبي الذي يعتبر شريكها الأول، حيث يستقطب نحو 70% من صادرتها، بينما تستورد نحو 70% من حاجياتها منه (المصدر:موقع السياسية  (تونس) بتاريخ …29 جوان 2010)


انتصاب الشباب للحساب الخاص الباعثون يتذمرون من أداء الإدارة… والحل في شباك موحد


تونس-الصباح

تذمر بعض الشباب المشارك في الملتقى الثامن لتشغيل الشباب حول موضوع التشجيع على بعث المشاريع، الذي انطلقت أشغاله أمس وتتواصل إلى غاية يوم الإربعاء المقبل،من آداء الإدارة التونسية وعدم تفاعلها بالصفة وبالسرعة المطلوبة مع مشاريعهم. يقول الشاب ثامر خضراوي المتحصل على إجازة في الرياضة إنه يرغب في بعث مشروع يتمثل في مركز لتدريب الشبان في كرة القدم ويضيف «للصباح» أن لديه دراسة كافية  للمشروع غير أنه لم يجد تعاونا  مع بلدية المنطقة لتمكينه من كراء ملعب أو فضاء ملائم للتدريب فلجأ إلى البنك التونسي للتضامن عله يجد حلا لكنهم طلبوا منه الدراسة المعمقة للمشروع مع وثيقة كراء ملعب للتدريب قبل الخوض في مسألة التمويل. وبالتالي وجد نفسه من جديد في نقطة البداية ينتظر تجاوب البلدية لتحديد مصير مشروعه. من جهته أشار محمد حبوبي شاب متحصل على شهادة تقني سامي في الإعلامية الصناعية، إلى أنه يواجه بعض الصعوبات في مشروعه المتمثل في مد قنوات الغاز الطبيعي الذي نجح في بعثه في إطار آلية  المناولة بالتنسيق مع الشركة التونسية للكهرباء والغاز، فهذه الأخيرة لا تلتزم بصرف مستحقاته بالسرعة المطلوبة مما يؤثر على تقدم مشروعه ويقول «…إذا ما خرج الموظف المكلف بصرف المستحقات في إجازة لسبب من الأسباب أجد نفسي مضطرا لدفع أجور العمال وبقية المصاريف في انتظار التزام الإدارة بصرف ما عليها …» ويضيف محمد أنه يخشى بتكرر مثل هذه الممارسات الإدارية أن لا يكون قادرا على مواصلة المشروع أو توسيعه. شباك موحد تقترح الشابة منى مصباحي  المتحصلة على شهادة في الهندسة المعمارية الداخلية والتي تعرضت بدورها إلى صعوبات التعقيدات الإدراية في بعث مشروعها الخاص، إحداث إدارة موحدة في شكل شباك موحد يضم جميع المتدخلين في الإحاطة والتمويل وفي الحصول على التراخيص اللازمة.. يتوجه إليه الشاب الراغب في بعث مشروع لمساعدته على تجاوز الصعوبات التي قد تعترضه. رحب من جهته السيد كميل جرادي أستاذ جامعي وخبير في بعث المشاريع، بفكرة إحداث هيكل موحد لمرافقة الباعث ودراسة مشروعه في حضور الخبراء وكافة الهياكل المعنية..وأضاف أنه ينتظر أيضا من الأقطاب التكنولوجية،التي بصدد التركيز، أن تلعب دورا في هذا المجال…

 منى اليحياوي (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 29 جوان 2010)


وزارة الصحة فتحت تحقيقا هذه تفاصيل مقتل سحر ومحمد ياسين على يدي أمهما


تونس-الصباح

علمت «الصباح» أن وزارة الصحة العمومية فتحت تحقيقا في قضية مقتل الطفلين سحر ومحمد ياسين على يد أمهما وقد تحول المحققون الى مستشفى سهلول بسوسة خلال الأسبوع المنقضي حيث استمعوا الى الأطباء الذين باشروا الطفلة سحر ثم الى مستشفى فرحات حشاد حيث استمعوا كذلك الى الأطباء الذين باشروا الطفل المتوفى الثاني محمد ياسين وحسب مصادر «الصباح» فإن الأعراض التي ظهرت على سحر وذكرت في ملفها الطبي هي أعراض صرع حاد ولم يكن من اليسير اكتشاف حالة التسمم التدريجي التي تعرضت له نتيجة تناول مادة سامة تصنف ضمن ما يسمّى بـorgano cloré الموجود في مادة فتاكة وهي نفس الأعراض التي ظهرت على الطفل محمد ياسين الذي تم قبوله يوم 8 مارس الفارط وتوفي يوم 12 جوان والذي كان عند قبوله يعاني من حرارة مرتفعة وأعراض صرع تواصلت إلى حين وفاته. وحسب الأطباء المختصين فإن المادة التي كانت تضعها في العصير المقدم لسحر ثم لمحمد ياسين هي مادة تصيب مباشرة خلايا المخ وتحدث حالات صرع حادة وارتفاع في درجات الحرارة تؤدي الى الموت التدريجي. أما الطفل الثالث حازم فقد سلكت معه الأم نفس عملية التسميم التدريجي فظهرت عليه نفس الأعراض وهي ارتفاع درجات الحرارة وعلامات الصرع وكانت الأم تصر على أن ترافقه في الاقامة بالمستشفى لمواصلة تسميمه الا أن رئيسة قسم أمراض الاطفال بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد كانت رفضت بكل شدة وبدأت تراودها شكوك عديدة تفرض نفسها وهي: لماذا تظهر على الاطفال الثلاثة نفس العلامات؟ لماذا نقلت الام الابن الثالث الى المستشفى أياما قليلة بعد وفاة شقيقه؟ لماذا تصر الأم في كل مرة على الاقامة مع أطفالها في المستشفى؟ لماذا تصر على تقديم العصير بيديها لأبنائها؟ لماذا اتصلت اكثر من مرة بالهاتف بالقسم لتسأل عن حال حازم الذي تركت له العصير ولم تقدمه له بيديها؟ هذه الاسئلة العديدة جعلت رئيسة القسم تنصب كمينا للأم وتتأكد من وجود المادة السامة في العصير بعد أن سقته لقطة سائبة توفيت في الحين. هذا وقد علمت «الصباح» أن الطفل حازم الذي نجا بأعجوبة من موت محقق وعمره حوالي 13 سنة لا يزال مقيما في قسم أمراض الاطفال بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة وهو لا يعلم لحد الأن حقيقة وفاة شقيقيه ولا تعرض أمه للإيقاف وهو يخضع الآن لعلاج نفساني مكثف من شأنه ان يخفف عنه وقع الصدمة عند سماع تفاصيل ما جرى وهو محل رعاية ومتابعة مكثفة من قبل الاطار الطبّي وشبه الطبّي بالقسم الذي يباشره. (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 29 جوان 2010)


تونس: ارتفاع أسعار بعض المنتجات الفلاحية بسبب تراجع الإنتاج


 

قال وزير التجارة رضا بن مصباح أثناء زيارة ميدانية أدّاها، صباح الثلاثاء، إلى سوق الجملة ببئر القصعة إن الإنتاج الفلاحي لهذا الموسم اتسم بنقص ملحوظ في الكميات بالنسبة إلى عديد أصناف من الغلال على غرار المشمش والدلاع، وهو ما أدّى إلى ارتفاع في أسعار هذه الأصناف في ظلّ تراجع العرض وارتفاع الطلب. ودعا الوزير وكلاء البيع في سوق الجملة ببئر القصعة إلى القيام بمجهودات إضافية للمساهمة من موقعهم في الضغط على الأسعار، مراعاة للقدرة الشرائية للمستهلك المقبل على سلسلة من المواسم الاستهلاكية الكبرى. وعبّر بعض التجار خلال تواجد الوزير عن قلقهم إزاء ارتفاع الأسعار بسوق الجملة، وما سينعكس عنه نم ارتفاع في أسعار التفصيل في مختلف أسواق تونس الكبرى. من جهته، أفاد البشير النفطي المدير العام لأسواق الجملة أنّ من أهم عوامل تراجع الإنتاج، الظروف المناخية الصعبة، إذ أنه في فترة أزهار الأشجار المثمرة هبّت رياح قوية أسقطت الثمرة، ممّا تسبب في نقص في الصابة خصوصا في منتوج المشمش. وبخصوص تراجع إنتاج الدلاع فإن السبب الرئيسي يتمثل في عدم تخصيص الفلاحين لنفس مساحات الموسم الفارط بعد الركود الذي عرفوه على مستوى ترويج الدلاع وقد خيروا هذا الموسم زراعة البطاطا والطماطم، الأمر الذي أثر سلبا على العرض في هذا الموسم. وأبرز وزير التجارة أنّ أغلب المنتوج المتوفر حاليا هو منتوج بدري خاصة لبعض أنواع من الغلال على غرار العنب والتين والبطيخ والأجاص، وأنّ الوضع سيتغير نحو الأفضل والأحسن عند نزول المنتوج الفصلي في قادم الأيام. ومن المنتظر أن تتراجع الأسعار انطلاقا من شهر جويلية بدخول الإنتاج الفصلي في جلّ المنتوجات خاصّة منها الغلال. وأثناء هذه الزيارة عاين الوزير كل أجنحة السوق انطلاقا من جناح الأسماك مطلعا على سير المعاملات التي أصبحت تتم بطرق إلكترونية على مستوى البيع، داعيا الساهرين على هذا الجناح وفي مقدمتهم وكلاء البيع إلى اعتماد جدول الكتروني لإشهار الأسعار عند البيع. واستفسر الوزير أحد وكلاء بيع الأسماك في سوق الجملة، حول مدى الاستعداد للراحة البيولوجية التي ستنطلق يوم 1 جويلية 2010 ومدى تأثيرها على نسق التزويد خاصة خلال شهر رمضان. ولاحظ وكيل بيع الأسماك أن الراحة البيولوجية لن تؤثر على نسق التزويد باعتبار تواجد أصناف جديدة من الأسماك تظهر أثناء فترة الراحة. من جهة أخرى، أشار إلى الصعوبات التي يواجهها الصيادون على مستوى تواضع تجهيزات لاسيما المراكب الكبرى التي بإمكانها الاصطياد في أعالي البحار وتوفير أصناف أخرى من السمك.

( المصدر:موقع واب منجر سنتر بتاريخ 29 جوان 2010)  2010/06/29 16:20  –  ar.webmanagercenter.com


من الذاكرة الوطنية التعريب وثنائية الأصالة والمعاصرة


يقول مزالي في رسالته المفتوحة الى بورقيبة «ردّدت الصحافة غداة إقالتي مأخذا من المآخذ عليّ، وهو ما سمّته بـ»انعدام حساسيتي للمشاكل الاقتصادية». وذهب بعض أصحاب تلك الأقلام إلى القول بأني لم أكن لآهتمّ بالتصرّف الاقتصادي وأنّ دَيدني المناورة السياسية» وذهب بعضهم الى “اتهامي بالميل الى الفكر والأدب”. وتوقف مزالي مطوّلا عند مسألة التعريب، وعاد الى بدايات الاستقلال، معتبرا أنّ محمود المسعدي، هو الذي أجهض بمباركة الرئيس بورقيبة، برنامج التعريب الذي بدأه الأمين الشابي، أول وزير تربية في حكومة الاستقلال. في وزارة التربية يقول مزالي: و»لنستعرض بجديّة عملي التربوي الذي أنجزته وزيرا للتربية ثم وزيرا أوّل. وفي اعتقادي بدون تواضع مزيّف أنّني أرسيت مع مجموعة من الزملاء الأجلاّء رجال التعليم أسس تربية أصلية وعصرية ومتلائمة مع بلادنا وأجيالها الصاعدة. فقد شرعت في تركيز مبدأ التعريب لمناهج تعليمنا عام 1970 عندما تحمّلت مسؤولية وزارة التربية القومية لمدّة تقلّ عن الستة أشهر تمكّنت خلالها ـ رغم قصرها ـ والتّونسة، أي تعويض المدرّسين الفرنسيين الذين تجاوز عددهم حينذاك الأربعة آلاف ! وهذا ما كنت أعدّه غاية من الغايات النبيلة التي جاهد في سبيلها الشعب التونسي لمدة ثلاثة أرباع القرن، لكن المنبتّين، أولئك الذين لم يهضموا الاستقلال أو اكتفوا منه بالعلم والنشيد الرسمي، وضعوا حدّا لهذه السياسة الجديدة فأقلت من الوزارة يوم 12 جوان 1970. الأمين الشابي ومحمود المسعدي وللتاريخ أقول إن حماسي للتعريب كان وما يزال لريّ عقيدة كفاح تعلّقت بها منذ شبابي أي منذ كفاحنا من أجل الاستقلال، عندما اضطرّت السلطات الاستعمارية، تحت ضغط الحزب الدستوري وضغط الاتحاد العام التونسي للشغل، بقيادة حشاد العظيم، إلى تعريب السنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي بما في ذلك تعريب الحسابيات. والواقع أن محمود المسعدي يتحمل مع بورقيبة هذه النكسة المتمثلة في العودة إلى تعليم الفرنسية منذ السنة الثالثة وفَرنَسة تعليم الحساب بتعلّة المعاصرة. وأشهد أنّ المسعدي تآمر على المرحوم الأمين الشابي الذي كان يؤمن بضرورة مواصلة تعريب التعليم سنة بعد سنة. ولو قُدّر لأوّل وزير تربية في حكومة الاستقلال أن يواصل برنامجه المُستوحى من القيم العليا والوفاء لمقوّمات تونس العربية المسلمة، لما أفرزت سياسة بورقيبة والمسعدي بعض هذا الشباب المُنبتّ الذي يتكلّم خليطا من العربية والفرنسية، من دون أن يدري ما هي لغته؟ ! وسيحدّد التاريخ المسؤوليات لا محالة !  في حكومة نويرة دعاني السيد الهادي نويرة في نهاية عام 1971 لعضوية الحكومة وعلى رأس وزارة التربية القومية بالذات، وقبِل الشرط الوحيد الذي اشترطته وهو مواصلة التعريب ولو بالتدرج، وبدأت في تطبيق خطتي لإصلاح التعليم بمشاركة إيجابية وطنية من طرف أغلب رجال التربية. وللمرّة الثانية لم يُترك لي الوقت اللاّزم لإنجازه، فوُضِع حدّ لمسؤوليتي بالوزارة  بعد حوالي عامين وخلفني فيها إدريس قيقة. ولكن البذور التي رميتها أتت أكلها من حسن الحظ وطلعت سنابل خير،  ولم يجد قيقة بدّا من تعريب الفلسفة عام 1975 تحت ضغط الرأي العام المتمسّك بهويته الوطنية، وتحت تأثير المربّين الواعين بضرورة تجسيم السيادة الثقافية الى جانب السيادة السياسية(…).  في وزارة التربية للمرّة الثالثة ويوم 31 ماى 1976، عندما كنت وزيرا للصحّة العمومية وأثناء وجودي بجنيف في مهمّة، علمت أنّني عُيّنت للمرة الثالثة على رأس وزارة التربية القومية، فرفضت بصورة قطعية وقدّمت استقالتي من الحكومة لأنّني لا أريد مواصلة سياسة أعلم أنك (أي بورقيبة) ترفضها. وتوالت المكالمات الهاتفية ليلة 31 ماي ذاتها وأنا في أحد فنادق جنيف تدعوني لقبول المنصب، من الهادي نويرة والحبيب بورقيبة الابن والشاذلي القليبي مدير الديوان الرئاسي آنذاك، ومن الهادي المبروك سفير تونس بباريس وأخيرا من وسيلة بورقيبة التي قالت لي حرفيا: «لو أصررت على رفض الوزارة سيصاب الرئيس بأزمة قلبية» ! وكان لي معك لقاء يوم غرة جوان 1976 في الساعة الرابعة، حيث قدّمت لك شروطي الواضحة لعودتي لوزارة التربية القومية والتي يمكن تلخيصها كما يلي: * التجذير الثقافي واللغوي للشباب، أي استئناف تعريب التعليم وتدريس كل المواد باللغة العربية. * الاقتصار على تعليم اللغة الفرنسية كلغة أجنبية بمعدّل 10 إلى 15 ساعة تقريبا بداية من السنة الرابعة ابتدائي ولمدّة ثلاث سنوات. * وتظاهرت بقبول هذه الشروط، وطلبتُ أنا أن توافق الحكومة والديوان السياسي على هذا التوجه الأصيل. وفعلا اجتمعت الحكومة والديوان السياسي وعرضت عليهما تفاصيل خطتي العملية على رأس الوزارة التي ألتقي بها للمرّة الثالثة بعد وَدَاعين، فوجدت من زملائي الموافقة التامة(..). ثمّ دُعي رجال التعليم إلى إبداء الرأي فتحمّسوا للإصلاح على أساس التَونسة والتعريب وآزروني وأيّدوا جهادي. فماذا فعلت أكثر من أنّي نفّذت سياسة قومية تجذيرية آمنت بها وأقنعت بها كلّ زملائي، أصبحت تلومني عليها بعد عشر سنوات ! التوفيق بين دعاة التعريب ودعاة المعاصرة لقد ضمنت مع ثلة من المربّين الأجلاّء لأبنائنا تربية مستوحاة من مُثلنا الحضارية، وفيّة لقيمنا الأخلاقية، متفتّحة على العلوم والتكنولوجيا. وبذلك نفضت لغتنا العربية القومية عنها رداء التكرار الممجوج للبالي من الورقات الصفراء، واحتلّ مؤلّفونا التونسيون والمغاربة مكانتهم المشروعة في برامجنا التربوية إلى جانب إخواننا أدباء المشرق. وبالاضافة إلى البعد الثقافي والتربوي لهذا الاصلاح، لا بدّ من الإشارة إلى بُعدية النفسي والسياسي، إذ أنّ اللغتين العربية والفرنسية لم تعودا في موقف تصادم أو تزاحم، ممّا هدّأ من عواصف العدل العقيم القائم منذ الاستقلال في الحياة التربوية والثقافية الوطنية. فلأوّل مرّة نجحت في إرضاء المنادين بالتعريب ودعاة المعاصرة دون أن ترجّح الكفّة على حساب هؤلاء أو أولئك. وأتساءل اليوم، لماذا بعد عشر سنوات من الإصلاح التي أشرَفتَ عليه أنت، أصبحتَ تتّهمني بـ»المبالغة» في التعريب؟ كأن قضية قومية في مثل هذه القداسية يمكن المبالغة في الالتزام بها؟ !  

محمد علي الحبّاشي (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 29 جوان 2010)


الحقيقة حول ملفّ الخلاف بين الاتحاد الجهوي لتونس و عمال البنكية للخدمات

نقابة منصّبة و تجاوزات في حقّ العمال و علي رمضان يحرّك كلّ الخيوط


تونس في 28 جوان 2010   بقلم : جوبا الأول (*)   لقد كنّا نشرنا يوم 15 جوان 2010 ورقة قدّمنا فيها بعجالة إعلاما للرأي العام النقابي حول أحداث العنف و الفوضى التي تطوّرت إليها جلسة عقدت بالاتحاد الجهوي للشغل يوم 11 جوان 2010 بين عمال شركة البنكية للخدمات و الاتحاد الجهوي للشغل و بحضور الجامعة العامة للبنوك و ذلك للنظر في عريضة سحب الثقة التي قدمها العمال. و قد كنّا نشرنا بيانات الطرفين المتنازعين و وعدنا بالتحرّي في الموضوع قبل نشر ورقتنا التالية و ها نحن نوفي بوعدنا و نعود لنقدّم لكم ما توصّلنا له بعد أن استمعنا إلى وجهات نظر الطرفين و تفحّصنا الوثائق المقدّمة من طرفهما. و نظرا لتعقيد المسألة و نظرا لأنّ المظاهر خدّاعة في ما يخصّ هذا الملفّ فسنبدأ بإعلان شجبنا للعنف ضدّ النقابيين بصورة عامة (و بينهم) مهما كان المبادر به و خاصة ضدّ الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بتونس ثمّ تنديدنا بكلّ محاولة لضرب الإستقلالية الفعلية للهياكل النقابية سواء من طرف السلطة أو من طرف البيروقراطية النقابية (عمليات التنصيب المتواترة في السنوات الأخيرة…) ثمّ نمرّ إلى تقديم وجهتي النظر اللتان قدمتا لنا قبل أن نلقي عليهما نظرة نقدية للوصول للحقيقة.     1) وجهة نظر الاتحاد الجهوي للشغل بتونس و النقابة الأساسية لشركة البنكية للخدمات و المقربين منهما :   حسب الاتحاد الجهوي للشغل بتونس، و النقابة الأساسية لشركة البنكية للخدمات و المقربين منهما،  فإنّ النقابة الأساسية لأعوان البنكية للخدمات بتونس مهيكلة منذ 30 ماي 2009 و تعمل بصورة عادية منذ ذلك التاريخ. قام مجموعة من المديرين و المديرين الجهويين و رؤساء الأقسام، الغاضبون بسبب عدم تحصّلهم على الزيادات المأمولة في المفاوضات الفارطة و استئثار العمال بالقسط الكبير من الزيادة، بتحريض مباشر من المدير العام، محمد بن رمضان، و هو أصيل مدينة حمام سوسة و ذو مال و نفوذ حسب مصادرنا، بالضّغط على الأعوان لتمرير عريضة سحب ثقة من النقابة الأساسية المذكورة  و وفّروا السيارات الإدارية و الإمكانيات المادية ليتنقّل أعوان الشركة بتونس و ببعض الجهات لمقرّ الاتحاد (يوم 09 ماي 2010 ). و دوما حسب الاتحاد الجهوي للشغل بتونس، و…، وقع احترام قوانين الاتحاد و أصدر بلاغ يدعو لاجتماع عام يوم 09 ماي 2010 للنظر في عريضة سحب الثقة. انعقد الاجتماع في تاريخه بأحد قاعات الاتحاد و ظهر الخلاف عندما أصرّ الأعوان الحاضرون على أن يأخذ 02 من مديري الشركة و إطاراتها العليا صفة الملاحظين لإرباك العمال و الضّغط عليهم و هو ما رفضه الاتحاد الجهوي. ثمّ ظهر خلاف ثان حول هل يعتمد في احتساب النصاب القانوني 2/3 من القائمة الجملية للمنخرطين أم 2/3 من الممضين على العريضة ؟ سرعان ما خرجت الأمور عن السيطرة و تحوّلت إلى فوضى فانسحب أعضاء الاتحاد الجهوي الأربعة الذين كانوا يشرفون على الاجتماع لانعدام الظروف لإتمام مهامّهم و ذلك على الساعة 14 بعد الزوال. الجامعة العامة للبنوك و في مخالفة صريحة لقوانين الاتحاد أخذت على عاتقها إتمام العملية و الإشراف على عملية سحب الثقة و قدّمت تقريرا في الغرض لقسم النظام الداخلي يفيد بتوفّر 2/3 من المنخرطين (أي النصاب القانوني) بغرض إتمام العملية و طالبت بحلّ النقابة و إجراء مؤتمر استثنائي و هو التقرير الذي يفترض قانونيا أن يقدّمه الاتحاد الجهوي. كما يضيف الاتحاد الجهوي، و…، لاعتراضاته صورا تبيّن، إذا توقفنا عند مظاهر الأمور، أنّ الكاتب العام و أعضاء الجامعة العامة للبنوك يقفون متفرّجين في حين تشرف مجموعة من إطارات الشركة و أولهم عقبة التوكابري رئيس قسم الموارد البشرية على عملية التثبّت من النصاب القانوني و إمضاء عريضة سحب الثقة و هو ما من شأنه، حسب مصادرنا، أن يربك العمال و يلقي بظلال الشكّ على عملية سحب الثقة. كما يقدم الاتحاد الجهوي، و…، صورا تظهر التقرير السرّي المرفوع من الكاتب العام لجامعة البنوك و قد سرّب لعمال الشركة و إطاراتها و علّق في إحدى مداخل إدارتهم إلى جانب إعلانات الشعبة المهنية كما سرب لجميع لجان التنسيق بالجهات. يضيف الاتحاد الجهوي، و..، بعد تقديم وثيقة في الغرض، بأنّ الإدارة قد قامت بتقديم ترقية استثنائية للأعوان يوم الخميس 10 جوان 2010 أي يوما قبل أن تمكّنهم من جديد من الإمكانيات للتنقّل لتونس و التجمّع من الجديد بتاريخ الجمعة 11 جوان 2010  أمام مقرّات الاتحاد بتونس ثمّ اقتحام مكتب الكاتب العام للاتحاد الجهوي و الاعتداء عليه بالعنف ممّا استوجب نقله إلى المستشفى. و لكلّ هذه الأسباب اعتبر الاتحاد الجهوي بأنّ عملية سحب الثقة من النقابة الأساسية يجري تنسيقها من مكتب المدير العام للشركة، و ربّما تورّط فيها الكاتب العام لجامعة البنوك أيضا،  و ترمي إلى حلّ النقابة و تعويضها بمكتب موال للإدارة و الاعتداء بذلك الشكل على استقلالية الاتحاد و قرّر تجديد الثقة في النقابة و عدم السماح بمؤتمر استثنائي. هذا و يضيف بعض المقربين من النقابة الأساسية للشركة و من الاتحاد الجهوي بأنّ من الضّالعين في عملية ضرب النقابة المديرة الجهوية الحالية للشركة بنابل و الكاتبة العامة المساعدة للنقابة سابقا قبل أن تتحصّل على الترقية السيدة إيمان الشاوش التي تظهر في الصورة و قد جمّعت مجموعة من عاملات الشركة للجلوس القرفصاء في المدرج المؤدي إلى مكاتب الاتحاد الجهوي و ذلك، حسب روايتهم،  لاستفزاز أعضاء المكتب الجهوي و منع الدخول على موظفي الاتحاد. و هم يتّهمونها بأنّ لها مصالح تجارية مع الشركة عبر شركة أخيها الموجود بليبيا في الوقت الحاضر… و يؤكّدون بأنّ شركة البنكية للخدمات لا زالت تتعامل مع شركة الأخ عبر أخته التي تنوبه و تتقاضى الأموال عوضا عنه في علاقة بالمدير التجاري غازي شيبة الذي وقع نقله إلى تونس نتيجة عقوبة تأديبية و ذلك لتهديده لفتاة تعمل معه في فرع الشركة بسوسة الذي كان على رأسه مديرا جهويا. أمّا بخصوص المدير التقني، لسعد العرفاوي، و هو من المديرين القلائل الذين يساندون النقابة و يحسب الذين لم يمضوا على عريضة سحب الثقة على أنّهم من المحضيين عنده (أمضى العريضة 186 عون على 230 عون منخرط و عامل بالشركة…)، فيؤكد محدثونا انّه على خلاف مع المدير العام بسبب موقفه من النقابة و بسبب أنّ المدير العام قد أرسله إلى ألمانيا و بلجيكيا للإتّصال بأقاربه قصد إتمام صفقة شراء 40 سيارة جديدة للشركة لكنّه تفطّن إلى وجود تلاعب و استعمل خبرته لإلغاء الصفقة و عقد صفقة جديدة لشراء سيارات بنفس المواصفات محقّقا ربحا صافيا للشركة قدره مليارا.        2) وجهة نظر عمال و أعوان شركة البنكية للخدمات :   يقول العمال و أعوان الشركة بأنّ المظاهر خدّاعة و أنّهم ضحيّة مسرحيّة حبكها جيّدا عضو الاتحاد الجهوي (محمود عاشور) الذي أشرف على اجتماعهم بطلب من علي رمضان الأمين العام المكلّف بقسم النظام الداخلي و عبد الستار النصري عضو الجامعة العامة للبنوك و المؤسسات المالية لحماية كاتب عام النقابة الأساسية، مبروك جولاق، ابن قرقنة و صديقهم الحميم و الذي تربطهم به مصالح كثيرة…. و يتّهمون هذا الأخير بأنّه منذ انتخاب المكتب لم يقم بأي اجتماع و لم يستدعي بقية أعضاء المكتب و لا المنخرطين و أنّه يتصرف لوحده و ينشر اللوائح و البيانات و يمضي الاتفاقيات بدون الرجوع لهم. كما يؤكّدون بأنّهم في كلّ مرّة حاولوا مجادلته أو الضّغط عليه تجاهلهم و أعلمهم بأنّه لا حيلة لهم فهو ابن بلد علي رمضان و صديقه و لا يمكنهم إزاحته من مكانه. هذا و قد مدّنا أعوان الشركة بعشرات الشهادات عن المصالح التي تربط جولاق و النصري بالمدير التقني للشركة و عن السرقات الهوليودية و التجاوزات في حقّ العمال التي يتستّرون عنها و نعدكم بنشرها في مقالنا القادم. كما يتّهمون جولاق بالتواطئ مع الإدارة و خاصة المدير العام و المدير التقني على حساب الأعوان الذين تضرّروا كثيرا من تصرّفاته بحيث يتعرّضون لمظالم من الإدارة بدون أن يتمتّعوا بحماية النقابة و تأخّر ترسيم و ترقية بعضهم من الحاصلين على الأستاذية من الجامعة لمدة تسعة سنوات. و في مقابل ذلك نراه يتدخل صحبة المدير التقني لكي يطالب بترقية الكاتبة العامة المساعدة للمكتب الجديد سماح الحمروني و هي سكريتيرة أحد المديرين بسرعة البرق بحيث تصل، إن وافق المدير العام على ترقيتها، إلى رتبة لن تبلغها بصورة عادية إلاّ بعد 28 سنة من العمل. كما يتّهم محدثونا المدير التقني، و هو ضابط أمن سابق، و الكاتب العام للنقابة و عضو جامعة البنوك المذكور بالتدخّل لانتداب أقربائهم و أصدقائهم بدون مؤهلات و بترسيم مجموعة من رجال الأمن المطرودين من السلك و بعض موظفي البريد السابقين المطرودين من أجل التدليس و السرقة و بحمايتهم عند التورط في عمليات مشبوهة داخل الشركة…و توريط بعض العمال النزهاء الذين قدّموا ملفّات موثّقة في التجاوزات… يؤكد محدثونا على أنّ تأسيس النقابة قام به تاريخيا إطارات الشركة ( بما فيهم إيمان الشاوش المديرة الجهوية بنابل حاليا التي لم تكن مترسمة في ذلك الوقت) نظرا لأنّ جلّ العمّال لم يكونوا مترسمين و لذلك فإنّ تواجد بعض إطارات الشركة في الاجتماع لم يكن بإيعاز من الإدارة و لكن رغبة في سحب الثقة من النقابة التي أساءت للجميع و أنّ بعض الإطارات الحاضرة كانت ضمن مكتب النقابة الفارط و لا زالت من ضمن المنخرطين و ينطبق ذلك على المديرة الجهوية لنابل التي كانت الكاتبة العامة المساعدة بالمكتب الفارط و على عقبة التوكابري رئيس قسم الموارد البشرية…إلخ. كما يؤكدون على أنّ مسألة تقديم قائمة في الترقيات من طرف كل مدير قد اقترحت منذ مدة من طرف اللجان المتناصفة و وافق عليها المدير العام تحت ضغط العمال… و هو ما قام به كل مدير على حدة و كانت قائمة تونس، مثل قوائم الجهات الأخرى، تضمّ أعوان لم يتمتّعوا بترقيات منذ سنين طويلة و تكوّن من الأعوان الممضين على عريضة سحب الثقة و الغير ممضين على حدّ السواء.  تؤكد إيمان الشاوش أنّه من الممكن التأكد بأنّ شركة أخيها قد قدّمت خدمات في الإعلامية للشركة بعد المرور بمناقصة  قانونية لا دخل لها فيها و أنّ تلك الشركة قد أغلقت أبوابها منذ 2009 و لم تعد على علاقة بالبنكية للخدمات و أنّ كلّ ما قيل ليس غير محاولة لتشويهها هي شخصيا لوقوفها ضمن المنادين بسحب الثقة من النقابة المنصبة. كما أكّد لنا العديد من إطارات الشركة أنّ ما حدّثنا به المقربين من الاتحاد الجهوي و النقابة حول الربح الذي تسبب فيه المدير التقني للشركة إثر إجرائه لصفقة بديلة لشراء السيارات مجرد لغو لتجميل صورة صاحبهم لأنّ المسؤول الفعلي على عقد الصفقات هو اختصاصي من خارج الشركة تعينه الدولة… من ناحية أخرى يؤكد العمال بأنّ محاولتهم سحب الثقة من النقابة و كاتبها العام عن طريق عريضة قانونية تضمّ أكثر من ثلثي المنخرطين (186 إمضاء على 230 منخرط ) و هم يتحدّون الاتحاد الجهوي أن ينشر قائمة المنخرطين ليقارنها الرأي العام النقابي بقائمة الممضين على عريضة سحب الثقة و يهددون في حالة العكس بنشر كل بطاقات خلاص العمال الممضين على سحب الثقة على الأنترنات لإثبات انخراطهم و جمعهم لأكثر من 2 / 3 من المنخرطين. كما يؤكّد العمال على أنّ المماطلة و التسويف الذي تعرّضوا له ليس وليد اليوم لأنّهم يعيدون تلك المحاولة منذ سنوات و يصرون عليه منذ أربع أشهر بدون نتيجة رغم وعود الأمين العام للاتحاد شخصيّا و ذلك لتمتّع الكاتب العام بالحماية الشخصية لعلي رمضان المكلف بالنظام الداخلي و لعبد الستار النصري عضو الجامعة العامة للبنوك. و يؤكد محدّثونا على المحاولات العديدة التي وقعت قبل ذلك لإجهاض اجتماعات سحب الثقة و ذلك بتعيينها بصورة تعجيزية في أوقات ذروة العمل و اشتراط حضور كل العمال الممضين في نفس الوقت ثمّ إطالة الاجتماع رغبة في انسحاب العمال…  ينفي الأعوان أن يكونوا قد اعتدوا بالعنف على الكاتب العام للاتحاد الجهوي بمكتبه أو بقية أعضاء الاتحاد الجهوي و يبرهنون على ذلك بأنّ الصورة التي تظهر الكاتب العام بمكتبه بمعية بعض أعوان شركته تظهر أيضا إحدى زميلاتهم و هي تقف في مواجهته مباشرة و هي سيدة في أشهر متقدمة من الحمل و لو حدث عنفا بالمكتب لكانت أول المتضررين منه و كلّ ما وقع هو تدافع بالأيادي (نذكر بأنّ الكاتب العام للاتحاد الجهوي لا زال في فترة نقاهة بعد الحادث الذي تسبّب في تضرّر كتفه…) عندما فقد بعض أعضاء الاتحاد الجهوي صبرهم و نزع أحدهم قميصه لتعنيف الأعوان و الرمي بهم خارج المكتب و هو ما جعل أحد موظفي المكتب يتدخل لتهدئته. و يذهب محدثونا أكثر من ذلك ليؤكدوا بصورة قطعية أنّه وقع استدعاء ميليشيا النقل ذات العضلات المفتولة للاعتداء على بعض الأعوان من الذكور و شتم النساء بعبارات يندى لها الجبين. ينفي محدثونا قطعيا أن يكون العمال المطالبين بسحب الثقة من النقابة تحت تأثير الإدارة و يؤكدون بأنّ المدير العام الجديد و منذ استلم مهامه تفاعل مع الكثير من المطالب المباشرة للعمال ( بعد رفض النقابة تبنيها…)  و حقّقها بغية الحفاظ على السلم الاجتماعية و حتى يتمكن من تحسين أوضاع الشركة و  الدليل على ذلك هو حضور علي رمضان بنفسه في فيفري 2010  للشركة لتسليم المدير العام صحبة ثلّة من المديرين شهائد تقدير من الاتحاد (!!). و يقول محدثونا بأنّ النقابة الأساسية و من وراءها المدير التقني و عضو الجامعة العامة للبنوك و حلفائهم المذكورين لم ينقلبوا ضدّ المدير العام إلاّ بعد أن رضخ هذا الأخير و أخذ برأي العمال الذين ثاروا على اقتراح ترقية الكاتبة العامة المساعدة سماح الحمروني، السكريتيرة، بشكل غير قانوني و فيه حيف نحو العديد من الأعوان الحاملين لشهائد جامعية و المنتظرين للترقية و بعد أن رفض تلك الترقية المشبوهة (مستوى السكريتيرة السنة الخامسة ثانوي) و وضع الملفّ على رفّ الانتظار. و يقول محدثينا بأنّ جولاق كاتب عام النقابة كان دوما يرفض مطالب العمال مبررا قوله بأنّهم : ” يريدون أن يدفعوا المدير العام للإفلاس أو لدخول السجن !!” و أنّه وصل في بعض الأحيان إلى حدّ رفض اقتراح بعض المديرين بترقية بعض أصحاب الشهائد الذين تأخرت ترقيتهم مهددا في حالة مخالفة أمره بالدعوة للإضراب (!!). كما يذكر محدثونا بأنّ الكاتب العام تسبّب في ثورة العمال إثر تبنّيه لملفّ ترقية سماح الحمروني المشبوه و هرب ليحتمي بمركز الشرطة الموجود بالشركة و يضيفون بتهكّم يعني واقع الكاتب العام كمنصّب : ” هل هناك كاتب عام نقابة يحتمي من قواعده ؟”.  يؤكد محدثونا على أنّ كلّ الصور التي أمدّنا بها المقرّبون من الاتحاد الجهوي قد التقطتها سماح الحمروني السكريتيرة المذكورة و الكاتبة العامة المساعدة للنقابة و على أنّ تلك الصور لا تبرهن البتّة على ما يحاول الاتحاد الجهوي اتّهامهم به : فمثلا لنأخذ الصورتين الأولى و الثانية و التي اختاروا لها كعنوان سيارات الإدارة و بالتثبّت لا تظهر إلاّ فورقونات وحيدة يستعملها العمال لنقل الأموال أو الوثائق…ثمّ لنأخذ صورة السلم المؤدي لمكاتب الاتحاد الجهوي للشغل بتونس …كانت بعض موظفات الشركة المنهكات بعد يوم كامل من الانتظار يسترحن على درجاته بالقرب من الباب الخارجي مستأنسات بزملائهن الرجال المرابطين خارج المقر…فكيف يحول الاتحاد الجهوي ذلك إلى عملية استفزاز لأعضائه…  و غير ذلك من الترهات !؟ هذا وقد وعد العمال بتجميع ملفّ كامل من الوثائق الممكن نشرها للردّ على ما يزعمه الاتحاد الجهوي لحماية النقابة المنصّبة و كاتبها العام المحضي لدى علي رمضان على حدّ زعمهم.   3) ما يصمد بعد التحقيق : نقابة منصّبة و تجاوزات في حقّ العمال و علي رمضان يحرّك كلّ الخيوط   ليس من السهل على متتبّع هذه القضيّة، كما ترون، أن يحسم أمره لصالح هذا الطرف أو ذاك بدون مقابلة العمال مباشرة و مواجهة الأقوال بعضها ببعض. و لهذا السبب خيّرنا أن نقدّم لكم وجهة نظر الطرفين قبل أن ندلي برأي يلزمنا وحدنا في انتظار أن يقدّم العمال بعض الوثائق التي تؤكّد رأيهم بصورة قاطعة. لقد التقينا مجموعة من عمال الشركة بعيدا عن تأثير الإدارة و حدّثونا عن معانات كبيرة عاشوها و تجاوزات كثيرة لكاتب عام النقابة المنصّبة المتحالف مع ذوي النفوذ و الحظوة داخل الشركة…كما حدّثونا عن تجاوزات مالية و إدارية كبيرة يقوم بها بعض المتنفذين داخل الشركة من القريبين من المدير التقني و كاتب عام النقابة. هذا فضلا عن ارتباط كاتب عام النقابة و عضو الجامعة العامة للبنوك و المدير التقني للشركة بمصالح كثيرة… و أظنّ أنّ هذه العصابة المحمية من علي رمضان الأمين العام المساعد المكلف بالنظام الداخلي و زبانيته داخل الاتحاد الجهوي لا تفعل غير المحافظة على مصالحها. كما أنّ حماتها و منهم علي رمضان لهم مصلحة في بقاء نقابة منصّبة على غرار عشرات النقابات في كلّ القطاعات و ذلك تحضيرا لأيّ مجلس وطني ينقلب على الفصل العاشر. و إلى جانب مقابلتنا للعمال تمكنّا من الوصول لمصادر نقابية أكّدت لنا ما رواه لنا بعض العمال من أنّ الأمين العام للاتحاد قد قابل بعضهم إثر فشل اجتماع سحب الثقة و صرّح لهم بأنّهم وقعوا ضحيّة مؤامرات علي رمضان و أنّه سيحاول مساعدتهم. كما تأكّد لدينا بصورة قطعية بأنّ نفس القناعة موجودة عند أغلبية أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل و هي قناعة تتجاوز الشكليات القانونية، المتمثّلة في أنّ الراغبين في سحب الثقة لهم الحق في ذلك مهما كانت دوافعهم إذا تمكّنوا من جمع إمضاءات 2 / 3 من المنخرطين، و هي مبنية عن معرفة دقيقة بحقيقة النقابة المنصبة و محتويات الملفّ. كما وصلتنا وقائع اجتماع للمكتب التنفيذي لجامعة البنوك و المؤسسات المالية وقع فيه مشادة بين عضو المكتب المذكور أعلاه و بقية الأعضاء بسبب تورطه في التغطية على النقابة المنصبة و بسبب مواصلته بعد، فشل اجتماع سحب الثقة، للاجتماع بالمدير التقني للشركة بدون تفويض منهم و التحريض على بعض العمال الذين يظهر و أنّهم تعرّضوا للتهديد… و هكذا يتّضح أنّ المهدّد الحقيقي لاستقلالية الهيكل النقابي لشركة البنكية للخدمات ليس إدارة الشركة بل علي رمضان و زبانيته في الاتحاد الجهوي و الجامعة العامة للبنوك و أنّ الكاتب العام للاتحاد الجهوي لا يفعل غير مجاراتهم تحت الضّغط و هم يهددون في حال لم يقع إنصافهم بالإنسلاخ عن الاتحاد و التنظم خارجه بشكل أو بآخر. و في انتظار مقالنا القادم حول الموضوع نتساءل إلى متى يواصل علي رمضان تخريب الاتحاد و مواصلة لعبة التنصيب و التجريد ؟   (*) أحد منسقي منتدى ” الديمقراطية النقابية و السياسية “   مقالات في نفس الموضوع :   1) الاتحاد الجهوي للشغل بتونس يدين ويتهم http://archivesdemocratiesp.blogspot.com/2010/06/blog-post_9965.html   2) إثر عريضة سحب ثقة : مواجهة و حرب بيانات بين الاتحاد الجهوي للشغل بتونس و النقابة الأساسية لأعوان البنكية للخدمات http://archivesdemocratiesp.blogspot.com/2010/06/blog-post_16.html   3) تبادل الاتهامات حول الاعتداء على الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بتونس http://archivesdemocratiesp.blogspot.com/2010/06/blog-post_29.html   للإطلاع على الوثائق أنقر الرابط التالي : http://archivesdemocratiesp.blogspot.com/2010/06/blog-post_9672.html   المصدر  :  منتدى” الديمقراطية النقابية و السياسية “ الرابط  :http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p


في الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة التونسية حركة النهضة بين الأمس واليوم( 10 )


الحركة بين المؤتمرات والتحولات. هل نحن حركة أم حزب أم تيار أم تجمع وهل نحن في تجانس أو في نشاز. المقصد من تلك الأسئلة هو : إذا كنا حركة ذات تيار أقرب منه إلى التجمع من الحزب وأدنى منه إلى التجانس المشوب بالإختلاف ومفارقا في كل الأحوال إلى التماثل .. إذا كنا كذلك فالسؤال هو : كيف حافظت الحركة على وحدتها من جانب وعلى ذلك الخيط الرفيع الدقيق من التجانس الأدنى إلى النشاز والإختلاف منه إلى التماثل بل هو أبعد ما يكون عن التماثل من جانب آخر. السؤال هو : كيف إستطاعت المؤسسات إحتضان مثل ذلك على إمتداد أربعة عقود كاملة؟ أنى لثماني مؤتمرات حتى اليوم ( يونيو 2010) أن تستوعب ذلك رغم تحولات كبيرة وعميقة وكثيرة في الحركة والبلاد والعالم؟. معلوم أن الحركة هي أوسع جسم سياسي وفكري في البلاد. ومعلوم كذلك أن الحركة تحولت من جماعة على الطريقة التبليغية إلى نخبة تنظر في تنظم أكثر حذرا يجنبها إعاقات البوليس ثم إلى تنظيم يبلغ الدعوة إلى الناس ويستقطب بعضهم إليه ليعدهم في مصنع الدعوة ثم إلى حركة سياسية ذات مرجعية إسلامية ثم إلى حركة جامعة لها في كل موضع في البلاد قدم راسخة رغم غلبة الطابع الثقافي والفكري والشبابي عليها ثم إلى حزب فرضت عليه الدولة المواجهة فإضطر إليها وخاضها ثم لعق جراحاته وإحتسب ما أصابه ثم إلى جزء لا يتجزأ من النسيج النخبوي المعارض في البلاد ثم إلى معطى سياسي ترقب الدوائر المعادية للمشروع الإسلامي في العالم حركته وأفق تطوره ثم إلى جسم مترامي الأطراف تداهمه دبابة بن علي فتسحق الذي تسحق وتسجن الذي تسجن وتشرد الذي تشرد وتجمد الذي تجمد وتفرض الصمت على البلاد كلها والمعارضة كلها وتتوارى حركة النهضة وتتراجع وتجبر على الخروج من البلاد وتهجر مؤسساتها القيادية لأول مرة في حياتها. تلك تحولات كبرى في حياة الحركة وهي تحولات بعضها فكري وبعضها سياسي وبعضها تنظيمي داخلي. لا أظن أن من يتدبر الأمر بتحولاته وعقوده الأربعة يمكنه مقاربة السؤال آنف الذكر بيسر. السؤال هو : أنى لمؤسسة المؤتمر بصفة خاصة أن تستوعب تلك التحولات ومعها تلك الضربات القمعية القاصمة؟ إما أن تكون الحركة تستبطن إستعصاء عجيبا عن الإهلاك والإستئصال وتفتيت الوحدة الداخلية بما لا عودة معه إلى حياة داخلية ضمن مؤسسات الحركة وإما أن الحركة توفقت إلى إمتصاص الضربات وربما تحويل بعضها إلى قوة داخلية وفي كل الحالات فإن الأمر ـ في تقديري ـ يحتاج إلى تفسير أو تأويل أو حسن قراءة. أما أن يكون الأمر عاديا طبيعيا ينظر إليه على أنه لا يحتاج إلى قراءة وتفسير.. ذلك أمر يستعصي عن الفهم نظرا إلى حجم الضربات الإستئصالية المتوالية. المؤتمر الأول : صيف 1979. ( مؤتمر تأسيسي عادي). عنوان التحول الذي أنشأه هذا المؤتمر هو : ضبط وتدوين الإنتقال من الحالة التبليغية الدعوية الفردية العامة إلى مرحلة جديدة قوامها : مأسسة الدعوة فكرا من خلال التركيز على الطابع الجامع ( الشمولي بالمصطلح الذي لا أحبه) للدعوة الإسلامية بصفتها لصيقة للإسلام من جهة ومأسسة الوعاء التنظيمي الذي يرعى مأسسة الدعوة فكرا من جهة أخرى. لك أن تقول أنها مجرد ضبط وتدوين بسبب أن تلك المأسسة ( الفكرية والتنظيمية) نشأت قبل ذلك وعملت في البلاد قبل ذلك. ولكنه تحول من أكبر التحولات ـ بل أول التحولات ـ التي شهدتها الحركة. لك أن تختار عنوانا آخر إن شئت لذلك التحول هو : ضبط الدعوة ضمن مؤسسة. الوثيقة المركزية التي أفرزها ذلك المؤتمر التأسيسي الأول هي : القانون الأساسي للجماعة الإسلامية التي تحدثت عنها آنفا وهي ـ في الحقيقة ـ أول وثيقة من وثائق الهوية لهذه الحركة. وثيقة ثبتت بشكل صريح أن هوية الحركة : الدعوة إلى الإسلام في تونس. والمقصود بالدعوة إلى الإسلام هو الدعوة إلى الإلتزام بالإسلام فكرا ومسلكا بسبب أن التونسيين مسلمون كلهم بفضله سبحانه وذلك مما حفظ الحركة بفضله سبحانه من السقوط في مهاوي التكفير ومرادي التفجير. المؤتمر الثاني : ربيع 1981. ( مؤتمر إستثنائي). عنوان التحول الذي أنشأه هذا المؤتمر الإستثنائي هو : إهتبال مناسبتين لإعلان الإهتمام السياسي من لدن حركة أسست من أول يوم على أساس الجماع العقدي الإسلامي وهي الفكرة المركزية الكبرى التي تأسست عليها مشاريع الإحياء الإسلامي المعاصرة من لدن الإمام البنا والمودودي عليهما جميعا رحمة الله سبحانه. المناسبتان هما : إنكشاف تنظيم الحركة في الخامس من ديسمبر ( كانون الأول) من عام 1980 وهو أول إنكشاف سببه الإستبداد البوليسي الذي يفرضه نظام بورقيبة ضد المعارضة بعدما أغراه سحقه لليوسفيين والزيتونيين. أما المناسبة الثانية فهي إعلان بورقيبة ذاته ـ رد فعل على إنكشاف تنظيم الحركة ـ بعد ذلك بزهاء ثلاثة أشهر فحسب ( نيسان 1981) عن عدم ممانعته من إنشاء تنظيمات وأحزاب سياسية بالشروط العربية المجحفة المعروفة. كانت تلك الحركة من الحركة تتسم بضرب من الذكاء وبضرب من المبادرة وإتخاذ أسباب الحيطة والتوقي للشر قبل وقوعه. ذلك من جانب صحيح ولكن من جانب آخر لك أن تقول أن الخطوة من لدن الحركة في وجه بورقيبة كانت مفاجئة جدا وقوية جدا وصاعقة جدا. لك أن تقول بكلمة واحدة : كانت الخطوة من لدن الحركة تجمع بين الذكاء وبين المواجهة في آن واحد. لا زلت أقدر أن الإعلان في وجه بورقيبة ـ وهو من هو عداء للمشروع الإسلامي الذي إنما جاء مشروعه التغريبي على أنقاضه بالتمام والكمال ـ عن إنشاء حزب إسلامي سياسي يتسلل إليه وجه زيتوني نجا من بطش بورقيبة وهو الشيخ المرحوم محمد صالح النيفر مجتمعا إلى وجه حقوقي قضائي حديث وهو الشيخ عبد الفتاح موور وإلى شاب من المفترض أنه يدرس الفلسفة الغربية في الحياة تحت سقف النظام البورقيبي .. لا زلت أقدر أن كل ذلك كان كافيا ليكون أكبر تحد لبورقيبة في عقر دار بورقيبة. لا زلت أقدر أن الأمر يومئذ لم يكن ليقدر من الإخوة حق قدره ولو كان ذلك كذلك فإن مواجهة بورقيبة بذلك الثالوث الكفيل بالإجهاز على الحلم البورقيبي ( الزيتونة والفلسفة والقانون الحديث).. مواجهة بورقيبة بما لم يكن يخطر له على بال .. مواجهة بورقيبة بالإسلام الجامع أو الإسلام السياسي بالتعبير الإعلامي المعاصر ـ وهو تعبير خاطئ بسبب إجتزائه ـ .. مواجهة بورقيبة بالإسلام المقاوم الذي يتخذ الديمقراطية ـ ذلك المنتوج الغربي ـ وسيلة لإفتكاك السلطة من بورقيبة بالوسائل الغربية التي درسها بورقيبة ونال فيها شهادة المحاماة .. لا زلت أقدر أن ذلك كان لا يعني في العقل البورقيبي سوى أنه إنقلاب سياسي ضد سلطانه من لدن الذين إنما إنتصب لوأدهم وقتلهم وإبعاد شبحهم عن البلاد بالجملة والتفصيل. لا يعني ذلك أن الخطوة كانت خاطئة أو أن التقدير لم يكن في محله زمانا ومكانا. لا بل إن الخطوة جمعت إليها من أسباب الذكاء السياسي الذي جمعت ولكنها جمعت إليها من المواجهة السياسية السلمية الذي جمعت كذلك. ولكن الحديث هنا ومخه هو عن بورقيبة وليس عن الخطوة. لحسن فهم ذلك لا بد من فهم بورقيبة والبورقيبية. السؤال هو : لم إقتصر بورقيبة على السجن ـ المخفف نسبيا بالمقارنة مع بن علي ـ. حتى التعذيب يومها كان مناسبا للدولة العربية ولا مقارنة بينه وبين الذي حدث ويحدث اليوم في دولة بن علي. ذلك سؤال يهمني جدا. جوابي عليه مزدوج. إقتصر بورقيبة على السجن المخفف والتعذيب المخفف لسببين : أولهما لأن الرجل غربي حتى النخاع بل أشد غربية من الغربيين ومقتضى ذلك هو أنه يريد الوفاء لغربيته حتى في مواجهة خصومه بما لا يجعل صورته الغربية تهتز وفضلا عن ذلك فإن الرجل مثقف ثقافة عالية جدا ولا جدال في حبه لتونس ولكنه يحبها بمثل ما تراها عيناه هو ويسطر لها مصيرها بمثل ما يريد هو .. أي هو وحده. السبب الثاني هو أن ذكاء الإسلاميين قصره عن مواجهتهم بما هو أكثر من السجن المخفف والتعذيب المخفف. ذكاء تمثل في الإعلان بصراحة لا لجاجة فيها عن تبني الديمقراطية آلية لحسم الخلافات ونبذ العنف. لم يكن بورقيبة من الغباء ـ في ذلك الوقت على الأقل ـ حتى يواجه من إستلف من بضاعته الغربية جزء منها بأكثر مما واجهه به. بورقيبة كان رجل سياسة بإمتياز شديد وله فيها صولات وجولات ومناورات على مدى عقود منصرمة طويلة. بالمحصلة فإن هذا المؤتمر الإستثنائي الأول كان أكبر تحول في الحركة ـ ربما حتى اليوم ـ. ولا بد من كلمة حول التحول في الحركة. التحول السياسي هنا ليس معناه أن الحركة تبنت السياسة إهتماما جديدا عليها ولكن معناه أن الحركة كانت متشوفة إلى الأداء السياسي المباشر أي ضمن حزب أوهيئة أو غير ذلك ولكن لم تتح الظروف قبل ذلك فكانت المناسبتين آنفتي الذكر ( إنكشاف 5 كانون الأول + خطاب بورقيبة) فرصة مواتية للتعبير عن ذلك الإهتمام وتصريفه تحت سقف حزب سياسي فكان المؤتمر الأستثنائي ثم كان الإعلان بعده بخمسة أيام. ولكن ليس معنى ذلك أن التهوين من ذلك التحول جائز. لا. التحول كبير جدا بل ربما هو الأكبر في تاريخ الحركة بسبب أنها أول حركة في التاريخ البشري تلتزم عمليا بالقانون الوضعي القائم وتتقدم له بمطلب تأشيرة وتشكل حزبا سياسيا ذا مرجعية إسلامية في دولة لا يحكمها ـ بل يملكها ـ سوى أتاتورك العرب طرا مطلقا. لذلك التحول إيجابياته دون ريب وعليه سلبياته كذلك دون ريب. أما ما نشأ من بعد ذلك في بعض التقويمات الداخلية من حديث عن كون ذلك التحول كان إستراتيجيا أم تكتيكيا.. ذلك لا يعكس حالة صحية بالكامل بسبب أن التكتيك السياسي هو ما يمكنك التراجع عنه كلما شئت أو تجميد أثره. وليس ذلك الإعلان في ذلك من شيء. هو تحول إستراتيجي بأتم معاني كلمة التحول الإستراتيجي. هو كذلك ـ وهذا هو الأهم في السياسة ـ بنتائجه وآثاره بسبب أنك أصبحت مقاولا في حقل عام تشترك فيه مع غيرك والنتيجة ليست دوما : تغرم بغرمه وتغنم بغنمه بل قد تغرم بغنمه أو تغنم بغرمه. حقل إما أن يكون لك فيه حلفاء وشركاء أو أن تلقى فيه حتفك بالضرورة. حقل قوته ( من القوت وليس من القوة) القوة وليس غير القوة. ولكن يمكن أن تكون الضعيف القوي من خلال حسن التخطيط وحسن الأداء وحسن الصبر. تحول تكتيكي لتوقي ضربة قمعية قاصمة في إثر إنكشاف كانون الأول 1980؟ لا يجدر بنا ـ حتى اليوم وما بعد اليوم ـ إلا أن نقول أن ذلك التحول كان إستراتيجيا واعيا وتحملنا آثاره بشجاعة وبتوفيق من الله سبحانه قبل ذلك كله. تحول ولجته الحركة فكسبت خيرا كثيرا جدا ولكن أصابها شر كثير جدا كذلك. والمحصلة من ذلك التحول الإستراتيجي الذكي هي : كسبت الحركة أهم ما تكسبه أي حركة سياسية أي الإحاطة الصحيحة بواقعها في كل مستوياته وذلك هو أكبر مؤهل لها على الإصلاح والتغيير. أما ما أصابها من شر في ذلك فهو شر السجون والقتل والمنافي وما سماه القرآن الكريم”.. إلا أذى “. شر الأذى إذا قيس بخير فقه الواقع يصبح هو الآخر كسبا. وعلى كل حال فإن أول عنوان لمختلف تقويمات الحركة في هذا الصدد هو أن المشكلة لم تكن في التحول ولكن المشكلة في أن ذلك التحول حابى الحقل الجديد الذي ولجه التحول أي السياسة على حساب الإهتمامات الأخرى التي كانت تحظى بالرعاية في الحركة أي التربية والتعليم والتأهيل وغير ذلك. بكلمة إذن : التحول إستراتيجي ذكي ولكن الحركة لم تكن مهيأة داخليا لحسن إستيعابه فجار الضيف نسبيا على مضيفه. الحركة تستخدم الإستفتاء الشعبي العام المفتوح لأول مرة. كان ذلك بمناسبة الحوار الداخلي الدائر يومها في شأن ذلك التحول الأكبر في حياة الحركة. نظمت الحركة في صفوف أبنائها كلهم ـ أي المستويات التنظيمية الثلاثة التي تشكل تنظيم الحركة يومها ـ إستفتاء شعبيا عاما مفتوحا موضوعه ورقتان مدونتان : ورقة تدعم رأي الإعلان عن الحركة حزبا سياسيا بمرجعية إسلامية وورقة أخرى تدعم رأي عدم الإعلان عن ذلك. لك أن تقول أن الحركة كانت سباقة بشكل جدي إلى أسلوب الرأي والرأي المخالف من جهة وإلى أسلوب الإستفتاءات الشعبية العامة المفتوحة من جهة أخرى. ذلك حدث يعكس إنبناء الحركة على قيمة الشورى والديمقراطية داخلها وما كان غير ذلك في مناسبات إستثنائية قليلة جدا كان إستثنائيا لا يعبر عن الحالة العامة. نسيت بالضبط نتيجة ذلك الإستفتاء ولكنها تجاوزت بالتأكيد الستين بالمائة أو قل كانت في تلك الحدود أي حوالي ثلثي أبناء الحركة كلهم أجمعين في ذلك الوقت. أعطى ذلك للحركة دفعا قيميا جديدا و للحياة الداخلية ولأبناء الحركة بسبب أن القضية كبيرة جدا تعبر عن خطورة التحول وبسبب أن العملية كانت مبكرة في حياة الحركة. ذلك مما تعتز به الحركة في مشوارها الطويل. لم يكن الإستفتاء يومها آلية قانونية مدونة ولكن إستوحتها ثقافة الشورى في الحركة وعندما تسود مناخات الحرية في أي كيان تستجيب القوانين لذلك أما إذا تكلست العقول وإمتلأت بالإستبداد فإن أغنى القوانين حرية لا تغني ولا تسمن من جوع. وحتى لقاء قابل. الهادي بريك ـ ألمانيا


خطر لي (1)


توقّفت عند الحديث القدسى الذي يقول فيه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عن ربّه عزّ وجلّ: “إنّي والجنّ والإنس فى نبأ عظيم. أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويُشكر سواي… خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبّب إليهم بالنعم. ويتبغّضون إليّ بالمعاصي”… فسبّحت الله سبحانه وتعالى كيف وهو الذي روى عنه رسوله الصادق الأمين أيضا في ما رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، قوله: “يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أنّ أولكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أنّ أولكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، إلا كما ينقُص المخْيَط إذا أدخل في البحر…”. فسبحانه وتعالى غنيّ غنى تامّا عن عباده، إنسهم وجنّهم، برّهم وفاجرهم، ومع ذلك فهو جلّ وعلا يعجب كيف لا يقابل المخلوق نعمة الخلق بالعبادة الخالصة! كيف لا تُقابل نعمُه وآلاؤُه بالحمد والشكر والعرفان، وإنّما كان عجبه جلّ وعلا لعدم حرص العبد على ضمان سعادته في الدّارين، وإنّك أيّها العبد لن تجد أحرص من خالقك العليّ القدير على سعادتك في الدّارين!…  ألم تر إلى فرحة الله سبحانه وتعالى بعبده التائب العائد إليه من دار الخطيئة، وقد نقلها مسلم رواية عن الصحابة الأجلاّء سماعا من نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم قال: (للهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يتوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتهِ بأرضٍ فَلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابهُ فأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتى شَجَرَةً فاضطَجَعَ في ظِلِّهَا وقد أيِسَ مِنْ رَاحلَتهِ، فَبَينَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قائِمَةً عِندَهُ، فَأَخَذَ بِخِطامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أنْتَ عَبدِي وأنا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ)… ففرحة الله أكبر من فرحة هذا الذي خطّأته الفرحة!… مع أنّ الله لا ينتظر من العبد أيّ شيء ممّا انتظر هذا الفَرِح بعودة النّاقة من ناقته!… فالله سبحانه وتعالى يريد لعباده من الإنس والجنّ الاستواء في العبادة فلا يعبدون سواه والقسط في العلاقة فلا يشكرون على رزقه سواه والصدق في التعامل فلا يُقابل تحبّبه بالتبغّض ولا عطاؤُه بالجحود، فسبحان العظيم ربّ العالمين!..   ولقد كان توقّفي لأمر جال بخاطري، نظرت فرأيت فيه – ولله المثل الأعلى – ما يمكن ربطه بهذا الباب، باب الخير والشرّ والتحبّب والتبغّض، وذلك رغبة في الخير الذي لا يكون إلّا من ربّ العالمين، وإذ أدخل هذا المدخل بنقص علم فإنّي أسأل الله سبحانه وتعالى ألاّ ينطق لساني إلاّ بما يُرضيه… ذلك أنّني قلت في نفسي لعلّ الآباء والأمهات وقد نظروا إلى أولادهم ينمون فينبتون فتتغيّر نبرات أصواتهم فيقتحمون الحياة فينتجون ما ينتجون فيسوقون من الدنيا ما يسوقون يستوقفهم كثيرا هذا الموقف الرّباني، فيبنون عليه عجبهم لتصرّفات أبنائهم دون أن يقدروا على أخذ الكثير من حِلم ربّهم!… فهم يعجبون لـ”أنانيّة” أبنائهم وقد بدؤوا أوّل ما بدؤوا وقد أجرى الله في أيديهم المال بالاستجابة التامّة إلى تلبية حاجاتهم الشخصيّة من هاتف خلوي لا بدّ من تغييره على رأس كلّ تطوير فيه وكمبيوتر محمول وألبسة مستجيبة لصيحات الموضة وربّما سيارة وخلاف ذلك من الضروريات والكماليات التي لا يحلم بها أطفال غزّة أو غيرهم من المحرومين مجرّد الحلم… دون أن يذكروا الأيام والليالي بل السنوات الطويلة التي سهرها عليهم أمّهاتهم وآباؤهم يمنعون عنهم بما أوتوا الحرمان والفقر والخصاصة والخوف!.. بل قد يستاؤون (لأنّهم بشر) من عدم تخصيص باكورة الأعمال وباكورة المال والخيرات لهم… إذ كيف يلدون وغيرهم يغنم الولد، ثمّ يفرّ به إلى دنيا غير دنياهم؟! وكيف يسهرون حتّى إذا كبر الولد زهد في السهر عليهم؟! وكيف يعلّمون حتّى إذا تعلّم انعدم اقتناعه بعلمهم ومعلوماتهم؟!   فالأولاد مطالبون بمراعاة أوليائهم ومدعوون إلى إرضائهم لا سيّما إذا كان في إرضائهم إرضاء الله صاحب النّعم عليهم وعلى آبائهم سبحانه وتعالى،… صحيح أنّ الشاب أو البنت مدعوّ إلى التفكير في مستقبله وتوفير الأسباب الضامنة لراحته، ولكنّ ذلك لا يكون أبدا على حساب والديهم بأيّ حال من الأحوال… ولقد عجبت لصاحب مرتّب شهري كيف يدفع قرابة نصفه إلى مصالح الضرائب استجابة لقوانين البلاد التي يسكنها ولا يدفع عشره أو خمسه إلى أبيه أو أمّه استجابة لإحسان بل واجب دعاه الله خالقه إليه!…   ولست بالمقابل مع آباء أو أمّهات يأكلون أرزاق أولادهم بل ويأكلون أولادهم بالكامل، ولكنّي فقط أشرت إلى ناحيّة مهمّة في حياتنا جميعا رجوت النّاس كبارا وصغارا أولياء وأبناء أن يقفوا عندها وقفتي التي وقفت، طلبا للخير وترسيخا لمبدإ الشكر، فإنّما كان ربّي جلّ وعلا قد تحدّث في الحديث القدسي الاوّل عن تعثّر خَلقه من الإنس والجنّ على مضمار الشكر إلى درجةٍ أشركوا فيها به!…   دمتم جميعا بخير، وأصلح الله حالنا وحال المسلمين وأولادنا وأولاد المسلمين أجمعين…     عبدالحميد العدّاسي الدّنمارك في 28 يونيو 2010 

 


تنديد بتورط دول غربية في التعذيب


انتقدت منظمة “هيومان رايتس ووتش” المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان استخدام ألمانيا وبريطانيا وفرنسا معلومات واعترافات من الخارج انتزعت بواسطة التعذيب. وذكرت المنظمة اليوم الثلاثاء في لندن أن الدول الثلاث تستخدم اعترافات انتزعتها عن طريق التعذيب أجهزة مخابرات أجنبية في إطار مكافحة “الإرهاب”. وأشارت المنظمة في تقريرها الذي يحمل عنوان “بدون استفسار تعاون مخابراتي مع دول يتم التعذيب فيها” إلى أن التعذيب محظور بدون أي استثناء وفقا للقانون الدولي. وذكرت المنظمة أنه غير مسموح أيضا أن يستخدم في القضايا أدلة حصل عليها بواسطة التعذيب، وأعربت عن عدم قناعتها بدفاع مخابرات الدول الثلاث بأنه ليس من الممكن إثبات المصادر والوسائل التي استخدمت في جمع المعلومات التي نقلت إليها. وجاء في تقرير المنظمة أن “انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب باسم مكافحة الإرهاب تزيد على المدى الطويل من مواطن الضعف التي تنمي التطرف السياسي والتجنيد “للإرهاب”. الألمانية

(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 29 جوان  2010)

 


الدرس الأردني


العجمي الوريمي 2010-06-29 لا أدري لماذا وإلى متى سيظل المتابعون والمراقبون والمناصرون للحركات الإسلامية ينظرون إلى وجود تعدد للتيارات والآراء في داخلها نظرة سلبية. قد يعود ذلك إلى نوعية الثقافة السياسية السائدة والموروثة التي تنبذ الاختلاف وترى في المخالف عدواً أو متآمراً، وقد يعود إلى نقص الخبرة في إدارة الاختلاف، وإذا اجتمع غياب القيمة مع غياب الآلية والتقنية ونقص الكفاءة صارت الخشية من الجديد والمغاير مفهومة حتى وإن كانت غير مبررة أو تنم عن تأخر في مواكبة حاجات العصر وانتظارات الأجيال الناشئة. الخوف من المجهول والخوف من التحريف ومن الحياد عن الطرق المعبدة والمناهج المسطرة وراء النزعة المحافظة التي تخشى التجريب وتتحوط من الوقوع في الخطأ إلى حد الامتناع عن المبادرة والفعل، كما أن التعود على مناقشة القضايا العامة وكأنها قضايا خاصة وأسرار ينبغي إحاطتها بالكتمان والحذر من أن يتحول الحوار الفكري والسياسي داخل العائلة الفكرية الواحدة إلى نشر للغسيل أو مزايدة على قارعة الطريق مدعاةٌ لترفّع الكثيرين عن الخوض في المسائل الخلافية، كما أن نقص الوضوح والشفافية في العلاقات بين مؤسسات وهياكل التنظيمات السياسية تجعل كل محاولة لتطوير أداء تلك المؤسسات وتطوير آليات إفراز القرار ومحاسبة الفاعلين وتجديد الحياة والدماء في جسم تلك الحركات ضربا من تعريض وجودها إلى الخطر وأدائها إلى الإرباك، أي وضعها في سياق التأزم والتعثر. إن هذا التشخيص يجعلنا نميل إلى أن الحركات السياسية بعامة والإسلامية منها بصفة خاصة في حاجة لا فقط إلى التجديد الفكري وإلى تطوير خطابها، فذاك بالملموس تُبذل فيه مجهودات كبيرة محمودة ومبشرة بكل خير، وإنما إلى جانب ذلك في حاجة إلى ما يمكن أن أسميه التجديد التنظيمي، فهو في تقديري صمام الأمان لتطور سلس لتجارب سياسية لم يعد بالإمكان أن تتواصل دون أن تأخذ في الاعتبار عاملَيْ التنوع والتعدد اللذين طبعا حياتنا المعاصرة، ولا يمكن أن تُستثنى منه الحركات الإسلامية التي لا يزال الباحثون في شؤونها من الداخل أو من الخارج يبحثون عن المفردات التي تعبر عن ذلك التعدد والتنوع من قبيل مصطلحات الاعتدال والتطرف والمحافظة والوسطية والحمائم والصقور.. وكأني بالحراك الذي تشهده الحركات الإسلامية أكثر تسارعا من الملاحقة النقدية للباحثين المختصين في شؤونها الذين يجدون أنفسهم أمام ظاهرة لا تنضبط بسهولة للأطر المفاهيمية التي دأبوا على تطبيقها على الظواهر الاجتماعية والسياسية. ويرتبط تسارع الحراك الذي تشهده الحركات الإسلامية بتسارع الأحداث العالمية وتنامي الحاجات الاجتماعية لوظائف اختصت بها الحركات الدينية والسياسية ذات المرجعية الإسلامية، فازدياد الطلب على الدور التربوي والتوعوي والتأطيري وحتى التعبوي قد يكون نتج عنه إقبال على الجماعات الإسلامية واتساع لقاعدة مناصريها يفوق طاقتها على الإيفاء بمستلزمات ذلك الاتساع، خاصة أن الإطار القانوني ليس دائما عاملا مساعدا وميسرا لها للقيام بذلك الدور. وإذا كان سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة وراء التحول الكامل في وضع ومسار ومناهج وطرق عمل الأحزاب اليسارية والشيوعية، وأزمة النظام العربي وراء تراجع الأحزاب القومية، فإن إخفاق التجارب التحديثية وتعثر محاولات النهوض وهجمة الغرب على المنطقة العربية والتحولات السوسيولوجية والديمغرافية في المجتمعات الإسلامية والعربية ولامبالاة الحكومات بانتظارات الشباب والقوى الحية في الأمة.. قد ضاعفت من العبء على الحركات الإسلامية وضاعفت من الضغوط عليها لتطوير أدائها وبنياتها ناهيك أن بعض الجماعات قد توخت منهج القوة لتغيير الأنظمة ومنهج الصدام للتأثير في سياسات الدول الغربية خاصة أميركا تجاه قضايا الأمة وفي المقدمة منها قضية فلسطين. إن نوعا من الشك صاحب تلك التحولات وجعل مسار الحركات الإسلامية يتجه في الوقت نفسه نحو التمكين ونحو الأزمة. ولئن كنا لا نميل إلى القراءات التي ترى أن الإسلام السياسي يتراجع أو يمكن أن يتراجع فإننا تعتقد أن الفاعلين الإسلاميين والعاملين في حقول الدعوة والفكر والسياسة مطالبون ببذل مزيد الجهود لتطوير الأوضاع الداخلية لحركاتهم لتكون جديرة بالنهوض بالمهمة الإصلاحية المنتظرة منها أو التي ترشح نفسها للقيام بها، وإن مقارنة بسيطة بين واقع الحركات الإسلامية الآن وبين أوضاعها قبل عشرين عاما تُبرز لنا حجم الخطوات المقطوعة على طريق التطوير والتأهيل والتطبيع والمصالحة مع محيطها والانفتاح عليه. إن كلمات مثل فك الارتباط بين العمل الدعوي والسياسي، والفصل بين الحركة وبين الحزب، وتخصص العاملين في الحقل الإسلامي كل في مجاله.. وغيرها مما يُتداول ويُنشر على المواقع الإلكترونية من الأدبيات الحركية للتنظيمات الإسلامية وإن كانت لا تحمل نفس المدلول بالإحالة على وضع الحركات الإسلامية مشرقا ومغربا فإنها صارت مألوفة قياسا إلى تجربة كل حركة على حدة وحسب سياقها المخصوص. فهي تدل عند بعض الحركات مثل حركة الإصلاح وحزب العدالة والتنمية في المغرب على تجربة ناجحة وخبرة تمت مراكمتها وأصبحت نموذجا يُحتذى في توزيع وظائف العمل الإسلامي، وهي تدل في مصر على حجم الضغط الذي يمارسه النظام السياسي على جماعة الإخوان المسلمين لصرفها عن مهامها الدعوية والتربوية ودفعها إلى إعلان نفسها حزبا سياسيا ليس أكثر. وهي تدل لدى الإخوان المسلمين في الأردن على تجربة في مفترق الطرق تبحث عن سُبل تطويرها والبلوغ بها إلى مداها، وعلى الأرجح، بعد أن تم يوم السبت 26 يونيو 2010 انتخاب الشيخ حمزة منصور أمينا عاما لجبهة العمل الإسلامي، أنها تخطت اختبار التقييم وتجاذب الأجنحة وحققت قفزة كبيرة باتجاه انسجام الفعلين الدعوي والسياسي واستقلال الحزب بقراراته وخياراته دون إرباك للجماعة أو التشويش عليها، عملا بنصائح مكتب الإرشاد العالمي وتوصيات مجلس شورى الحركة في الأردن. إن الدرس الأردني بالغ الدلالة؛ لأن ما تعيشه الحركة الأردنية، رغم خصوصية السياق الأردني بفعل العامل الرسمي والفلسطيني والإقليمي، هو ما سيؤول إليه حال بعض الحركات الإسلامية الأخرى؛ إذ أن في تحرير الفعل السياسي من التأثير المباشر للجماعة وتيسير عملية تطوره الذاتي واستقلاله المؤسسي كتشكيل سياسي يتميز ببرنامج وخطاب وقيادة منتخبة دون وصاية، فرصة لتطوير التجربة السياسية الإسلامية وتطوير الحياة السياسية الأردنية مع التخفف من الأعباء الاجتماعية الثقيلة التي ظلت الجماعة تتحملها طيلة عقود، فحزب جبهة العمل الإسلامي يضم نخبة من خيرة كوادر الجماعة ومنهم وزراء ونواب سابقون وكفاءات جامعية في كافة الاختصاصات من شأن انخراطهم في الشأن العام والتجرد للاستحقاقات القادمة وأولها الانتخابات النيابية المقبلة أن يحقق الإضافة ويوسع دائرة التأثير للتيار السياسي الإسلامي خدمة للقضايا الوطنية للأردن وتصحيحا لدوره في سياق تحولات المنطقة والإقليم. إن ما حصل داخل جبهة العمل الإسلامي الأردنية يمكن وصفه بالتجديد التنظيمي ويمكن أن يشكل رصيدا لبعض التجارب الإسلامية الأخرى التي هي في حاجة إلى التغلب على حيرتها ومخاوفها ولا تزال تتلمس طريق المصالحة مع محيطها. إن نجاح جبهة العمل الإسلامي في دخول طور جديد يكذب تخمينات بعض المراقبين عن استفحال الأزمة الداخلية للحركات الإسلامية وزعم إصابتها بعدوى الفُرقة والتشرذم والتشظي التي أصابت قبلها التنظيمات القومية واليسارية. ajmilourimi@yahoo.fr   

(المصدر: “العرب” (يومية – قطر) بتاريخ 29 جوان 2010)


خرائب جامعة الدول العربية

المقال الذي طردت بسبب ظبية خميس من الجامعة العربية


كتبها ظبية خميس ، في 28 سبتمبر 2009 الساعة: 09:27 ص كوكب الريس تفتح جرح جامعة الدول العربية

 بقلم ظبية خميس دائماً ، الحديث عن دور الجامعة العربية في الحياة السياسية. لا أحد يتطرق لما يحدث داخل هذه المؤسسة ، كيف تتم إدارتها ، ما هو وضع أولئك المغتربين من دولهم الأخرى فيها وكم من التخبط والإنحيازات التي يتعرضون لها. وكوكب نجيب الريس التي عملت في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في تونس أولاً ، والقاهرة ثانياً قررت أن تتحدث ولو بالإشارة والتوثيق لأروقة الجامعة العربية في الداخل ، والمعاناة التي عاشها ويعيشها الكثير من موظفين الجامعة العربية ممن لا يوافق هوى إدارتها – وما أكثرهم – في كتابها الصادر حديثاً – “جامعة الدول العربية ماذا بقى منها ؟”. ولا شك أن كوكب الريس عانت كثيراً في أروقة هذه الجامعة وحرمت من الكثير من حقوقها الوظيفية داخل المؤسسة ومن التحيز وعدم العدالة في التعامل مع عدد كبير من موظفي الجامعة العربية. وقد تفاقم الحال مع ما سمي بعهد إعادة الهيكلة حيث تم تجميد عدد كبير من قدماء موظفي الجامعة وإزاحتهم من إداراتهم والإلقاء بهم إلى إدارة وهمية إسمها إدارة البحوث والدراسات خارج مبني المقر في التحرير وداخل حي هادئ يتثاءب في المعادي. إدارة لا علاقة لها بالبحث ولا الدراسة إلا بالإسم حوت ضمن ما حوت مدراء إدارات ذووي خبرة طويلة معظمهم كانوا ممن عملوا في تونس سابقاً وأغلبهم من شتى الجنسيات العربية وكانت كوكب الريس أحدهم منذ عام 2002. وتقدمت بطلبات كثيرة لتلتحق ببعثات خارجية دون إستجابة في الوقت الذي كانت خبرتها ، وعمرها الوظيفي ، ومعرفتها بثلاثة لغات الفرنسية والإنجليزية والعربية تؤهلها لرئاسة بعثة غير أن الجامعة وإدارتها فضلت الإستعانة لرئاسة البعثات الخارجية ببعض متقاعديها وبعض متقاعدي وزارات الخارجية العرب أو من ترشحهم حارمة موظفيها من هذه الخبرة السياسية والمنصب الذي يحق لهم ، ولهم ، أولاً وأخيراً. بل أنه درج في السنوات الأخيرة إرسال درجات لم تتجاوز سكرتير ثاني أو ثالث وبعض المتعاقدين لملء شواغر تلك البعثات بدلاً من الوزراء المفوضين في الجامعة. تقاعدت كوكب نجيب الريس في صيف 2009 وكتبت كتابها ” جامعة الدول العربية ماذا بقى منها ؟ ” ، خلال العامين الآخرين لتنشره متوجة نهاية عملها في الجامعة العربية بآراء موثقة تسرد حال الجامعة وتطرح أسئلة وإنتقادات لابد من الإجابة عليها في يوم ما والتنبه لأهميتها في الداخل والخارج. ومما لا شك فيه أن أعماراً بأكملها لبشر تغربوا وعاشوا أحلامهم وإنكساراتهم داخل هذه المؤسسة ملاحقين بخيبة العمل العربي المشترك في الداخل والخارج ومطاردين بأوضاع تدعو بعضهم للسقوط موتاً من شدة الضغوط النفسية فجأة كما حدث حديثاً مع العراقي نافع مطلوب ، والمصري شكري سعد ، والصومالي عمر شعيب ، والأردني عمر خريس ، والسوداني أسامة الفولي ، والسوداني علي أحمد عباس وحسن النور ، والأردني مشعل القاضي ، والفلسطيني حسين الصباح ، والسوري صخر بكار وغيرهم. هؤلاء معظمهم لم يكن قد تجاوز الأربعين أو الخمسين من عمره يسقطون فجأة موتى وهم لم يصلوا بعد إلى درجاتهم الوظيفية المتأخرة. والبعض فضل الإستقالة المبكرة كما حدث مع بعض الإماراتيين والكويتيين والجزائريين مفضلين أن لا يقضوا أعمارهم في ردهات إدارات بعضها مفرغ تماماً حتى من توصيف مهامه ومصائر ينتاب الكثير منها الاكتئاب والغضب لموظفين لا يتم إشراكهم لا في المهام الداخلية أو الخارجية أو الوظيفية في حين أن حفنة من الموظفين والمتعاقدين يجوبون الكرة الأرضية في مهام لا تنتهي. ” جامعة الدول العربية ماذا بقى منها ؟ ” كتاب بثمانية فصول مدعمة بالوثائق وفهارس الإعلام والأماكن. ومن المقدمة تستند كوكب الريس إلى أحمد الشقيري أول زعيم لمنظمة التحرير الفلسطينية وكتابه ، ” كيف تكون جامعة … وكيف تصبح عربية ” والتي نصحوها حين إلتحقت بالعمل في جامعة الدول العربية في تونس عام 1981 بقراءته لتدرك وضع المؤسسة التي تعمل بها. وتكتب أنها وحتى بعد أن قرأت الكتاب – ” لم أتخيل أبداً أنه سيأتي يوم – ولو في الألفية الثالثة – لن تبقى فيه جامعة! وتضحي فيه قزماً دبلوماسياً ” كما وصفها عبد اللطيف الفيلالي. وتحتوي عناوين الفصول على آراء مبطنة فالفصل الأول يحمل عنوان جامعة عربية… أم أفريقية ؟ وتشير فيه كوكب الريس إلى تفضيلات الأمين العام للمصريين وعدد مكيل من جنسيات الدول العربية لملء نشاط الجامعة العربية وهما كما تذكر من السودان والجزائر. وتوثق لموقف الأمين العام الحالي من موظفي الجامعة العربية عبر تصريحاته التي أدلى بها للصحف والإعلام تدل على نظرة دونية يحملها للعاملين في المؤسسة. – أما الفصل الثاني فعنوانه – ” مصر والسودان … نصف الأمة العربية “. وهي مقولة لأنور السادات. – والفصل الثالث بعنوان : الأمين العام للجامعة العربية ، شخصيته ، وجنسيته. وتشير كوكب الريس إلى ” إن شخص الأمين العام لجامعة الدول العربية – سواء أكانت دبلوماسية أم هادئة أم عنيفة – وحتى جنسيته والدولة التي ينتمي إليها ، كل هذه العوامل تلعب دوراً أساسياً ومحورياً في تعزيز العمل العربي المشترك أو تعقيده ، وحتى عرقلته وإعاقته “. وتستعرض شخصيات الأمناء العاميين للجامعة العربية ، وتطور إرتباط دور الأمين العام للجامعة العربية بعد عودتها من تونس إلى القاهرة بخطوات وتحركات السياسة الخارجية المصرية أولاً وأخيراً. وتوثق لذلك عبر أحداث وآراء وردت في الصحافة المصرية والعربية. – الفصل الرابع بعنوان مؤتمرات القمة العربية وحياد الأمين العام ودولة المقر. وتعرض المؤلفة إلى أن في فترة الأمين العام عصمت عبد المجيد ولمدة 10 أعوام من 1991 – إلى 2001 لم تعقد قمة عربية واحدة رغم الأحداث المشتعلة في العالم العربي. وإستعرضت أوضاع وقضايا القمم العربية التي تمت بعد ذلك أثناء فترة تولي الأمين العام الحالي وما إنتابها من قصور أو تهميش لبعض القضايا أو حتى طلبات بعض القادة العرب. – الفصل الخامس بعنوان الجامعة العربية والإتحاد من أجل المتوسط – وعنوان جانبي ” تطبيع مجاني مع إسرائيل ” إستناداً إلى عنوان ورد في جريدة الأهرام. – الفصل السادس بعنوان جامعة عربية … أم مصرية ؟ مشيرة إلى مقولة السادات : ” العرب من دون مصر يساوون صفر “. وتقول كوكب الريس في هذا الفصل : – ” وهكذا نصب عصمت عبد المجيد وعمرو موسى نفسيهما أمينين عامين فقط للدفاع عن حقوق الكوادر المصرية ، في وجه مرشحي الدول العربية الأخرى الذين وصفهم عصمت عبد المجيد بأنهم ” تنابلة السلطان ” في مقابلة أجراها معه الإعلامي عرفان نظام الدين في محطة MBC الفضائية خلال شغل عبد المجيد منصب الأمين العام في التسعينات ، فيما عقد عمرو موسى مؤتمراً صحافياً لدى تسلمه منصبه في ربيع 2001، وقال أن مقر الأمانة العامة للجامعة العربية في القاهرة ليس ” جراجاً ” ، وفي هذا إشارة إلى الكوادر العربية من غير المصريين ، الذين وصفهم موسى في قمة تونس 2004 “بالضعف كما وكيفاً “. وأوردت الكاتبة في هذا السياق آراء الكثير من كبار الكتاب والمفكرين المصريين أنفسهم في المؤسسات في مصر وفي من يديرونها. – أما الفصل السابع فيحمل العنوان التالي : آراء الحكام والمسئولين العرب في منصب الأمين العام للجامعة العربية وتذكر الكاتبة الكثير من الآراء والمواقف التي وردت على ألسنة عدد من الزعماء العرب تجاه الأمين العام للجامعة العربية موثقة ذلك بدلالة كبرى. – والفصل الثامن يحمل عنوان : ” جامعة بلا شخصية وميثاق من غير أخلاق ” – وهي جملة لأحمد الشقيري. وتختم كوكب الريس كتابها بسؤال مهم بعد أن إستعرضت أوضاع الجامعة العربية وما آلت إليه إدارياً وسياسياً فنسأل : ” إذاً أين ” الماهية ” العربية في جامعة الدول العربية؟”. وتستند كوكب الريس في كتابها إلى عدد كبير من الوثائق أفردت له ملفاً خاصاً جاوز نصف حجم الكتاب من بروتوكول الإسكندرية وميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع المشترك وميثاق التضامن العربي ورحلة السادات إلى إسرائيل وملحق خاص بشأن الإنعقاد الدوري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة وعقد التنمية العربية ومشروع الإتحاد العربي ، والإعلان عن قيام جامعة الوحدة العربية وغيره. إن كتاب جامعة الدول العربية ماذا بقي منها ؟ وثيقة حية ، وكتاب ذكي ومستند إلى التوثيق لكاتبه ودبلوماسية ذات خبرة عريقة في مجال عملها ، وهو صرخة موجعة ضد الإنهيار الداخلي للمؤسسة بكافة أشكاله ، وهو أيضاً إشارة تنبيه حمراء لإستعادة مصداقية الجامعة الإدارية والسياسية وقد دفعت كوكب الريس ثمن تجربتها من عمرها ، وفكرها ، وغربتها ورغم أنه كتابها الأول إلا إنه يبشر بولادة كاتبة سياسية مهمة ومن الطراز الرفيع.

ظبية خميس 27/9/2009 القاهرة المرجع : كوكب نجيب الريس ، جامعة الدول العربية ماذا بقي منها ؟ (بيروت : رياض الريس للكتب والنشر ، الطبعة الأولى ، أغسطس 2009)

http://dhabiya.maktoobblog.com/1594540/%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/

 


العرب وإسرائيل وتركيا


عزمي بشارة

يصعب الحديث في الفضاء العربي بموضوعية عن تعاظم الدور التركي السياسي في المنطقة، وعن التطور المشهود في الموقف التركي لصالح القضايا العربية، وعن أداء تركي يستحق أكثر من ثناء. ومصدر الصعوبة أنه منذ أكثر من عام تحولت تركيا إلى متنفس لإحباطات المجتمعات العربية، وإلى مشجب مريح تعلق عليها الأمنيات، وليس الآمال فحسب. ومرد هذا إلى أسباب من بينها غياب الدولة العربية الفاعلة القائدة التي تمثل القضايا العربية على المستوى الدولي وفي مواجهة إسرائيل. كذلك بروز حاجة لدى من نصبوا أنفسهم ممثلين عن هويات (أو عن انتماءات مستجدة ومتحولة إلى هويات) إلى دور “دولة سنيّة” (وكلها مصطلحات عربية راهنة لا علاقة لها بالواقع ولا بالتاريخ) في مقابل دور إيران المؤيد للمقاومة والقضية الفلسطينية، خاصة إزاء فراغ خلّفه غياب مصر والسعودية أو دور محرج تقومان به في قضايا الأمة (وهو محرج إذا نظر إليها كـ”دول سنيّة”، وهو مصطلح مغلوط مرة أخرى) خاصة إبان الحرب على لبنان من العام 2006 والحرب على غزة والموقف من حصارها. كانت هنالك حاجة لدولة يمكن تقديمها كدولة مسلمة وسنيّة وتلعب دورا مشرّفا في هذه القضايا. ومن هنا يُضخَّم دور تركيا إلى دولة عثمانية جديدة، أو حتى خلافة تقود الإسلام والمسلمين، كما يُضخَّم العداء التركي لإسرائيل إلى درجة أن البعض تساءل هل تهاجم تركيا إسرائيل بالسلاح بعد الهجوم على أسطول الحرية. ويجري التعامل مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من خلال صورة البطل المخلص للأمة القائمة في الأذهان… فـ”صلاح الدين لم يكن عربيا” على رأي من يجادل. وكأنه كانت هنالك قوميات ودول قومية حديثة في عصر الناصر صلاح الدين. ومن ناحية أخرى فإن أصحاب الموقف المؤيد للتسوية دون تحفظ، والذين تحوّلوا إلى مساعد تنفيذي للدور الأميركي، ولا يحلمون إلا بدور الـ”صاحب” أو المرافق المحلي للبطل الأميركي (موفد المخابرات البطل أو الصحفي أو المغامر المستكشِف في فيلم هوليوودي) يصابون بالإحراج تحديدا من مواقف تركيا الجريئة المنحازة للقضايا العربية والمعبَّر عنها مؤخرا. ويرغبون في تحجيمها، أو التقليل من شأنها. خاصة إزاء الأداء التركي الرصين والمجتمع مع الاحترام الذاتي، وخاصة أنه يترجم حالا على المستوى الشعبي إلى كرامة تركية مقابل ذل رسمي عربي. ويجري التشكيك بالموقف التركي بواسطة السخرية، وهي سلاح يفتك بصاحبه، خاصة إذا كانت تعبيرا عن مرارة أو حتى “غيرة شخصية” (لا أشك بوجودها لدى بعض الحكام العرب إلا إذا نسينا أن الحكام بشر ودنيويون جدا). كما يجري التشكيك بوصف هذه المواقف مجرد تعبير عن مصلحة تركية، وكأنها لا تحمل جديدا سوى الرغبة التركية بالزعامة ولعب دور قيادي. يثبت هذا الموقف المتبرم من الأداء التركي أن اعتراض هذه القوى العربية على المقاومة لم يكن في يوم من الأيام نابعا من كونها تؤيد الكفاح السلمي المدني، بل لأنها وضعت نفسها في موقع سياسي يعادي أي موقف كفاحي. واعتراض أصحاب هذه المواقف على القوى العربية المؤيدة للمقاومة ليس ناجما عن كونهم يؤيدون الديمقراطية وينفرون من الاستبداد، ولا حتى عن كونهم يؤيدون الواقعية ويرفضون السياسات المغامرة. فتركيا دولة ديمقراطية بمقاييس منطقتنا بالتأكيد. ونحن نجازف بالذهاب حد القول إنه حين تتحقق الديمقراطية في الدول العربية فسوف يصعب أن تبدو أفضل من التركية، وسوف يشقّ عليها أن تكون أكثر علمانية من تركيا الحالية. وخلافا لما يحلم به بعض المثقفين العرب سوف يلعب الدين في أحزابها الديمقراطية، إذا نشأت وخاضت تحدي الحكم، دورا لا يقل أهمية عن دوره في حزب العدالة والتنمية. وهو بالمناسبة ليس حزبا دينيا ولا إسلاميا بموجب تعريفه لذاته. وهذا التعريف الذاتي ليس “تقية”، كما يدعي (بتحبب!!) بعض الأخوة الإسلاميين الذي يحملّون الحزب بعضا من أمنياتهم. فحزب العدالة والتنمية هو حزب إسلامي إذا أخذنا رؤيته للإسلام كهوية ثقافية حضارية يريدها لبلاده كي تستعيد توازنها وتحقق طاقاتها الكامنة. وتركيا هي أيضا دولة حليف للولايات المتحدة، وعضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو). والواقعة الأخيرة، واقعة الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية المدعوم من تركيا، والتي أدت إلى التصعيد، هي عبارة عن عدوان إسرائيلي على نضال سلمي مدني كلاسيكي، وليس على عملية مسلحة. كنا نعرف الجواب على هذه الحيرة. فنقّاد المقاومة عربيا غالبا ما يتشدقون بالديمقراطية سياسيا، ولكنهم في الواقع ليسوا ديمقراطيين. ويتشدقون بالنضال السلمي، ولكن النضال السلمي الفعلي يحرجهم، والواقع أنهم ضد أي نضال، بما في ذلك الخروج في مظاهرة حقيقية (أقصد مظاهرة وليس “نزهة” مصور للعلاقات العامة) أو انتفاضة شعبية ضد إسرائيل. وإلا لكانت تعممت نماذج قرى بلعين ونعلين النضالية بين مروجي التسوية. مؤيدو التسوية المناهضون لمقاومة الاحتلال ينفرون أيضا من أي خلاف مع الولايات المتحدة حتى لو جاء من موقع الحليف، فالنموذج الذي يريدونه هو التبعية الكاملة. كنا نعرف ذلك. ولكن الأحداث تعود لتؤكده. باختصار لدينا أمة بلا قيادة، تسقط إحباطاتها وخيباتها وأمانيها على الدور التركي، وقيادات عربية رسمية لا علاقة لها بمنطق الدول. وتشكّك بأي دولة تتصرف كدولة أو تقدم نموذجا مختلفا لطريقة ومنطق الأسر الحاكمة في التعامل مع القضايا. يترك هذا الوضع القائم على مستوى التعامل مع الرأي العام العربي تحديدا، مجالا ضيقا للتحليل العلمي للدور التركي. ومع ذلك سوف نحاول في هذا الطرح القصير تحليلا عقلانيا للدور التركي الحالي في سياق الصراع العربي الإسرائيلي. خلفية تاريخية في العالم 1949 كانت تركيا أول دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بإسرائيل. ووصل بها خيار التحالف مع الغرب أن أرسلت بضع وحداتها إلى كوريا رمزيا إلى جانب الولايات المتحدة (التي حاربت بعلم الأمم المتحدة في حينه)، كما كان واضحا أنها جزء من التحالفات المحيطة بالعرب والمعادية لحركتهم القومية… وقد نشطت دول المحيط هذه، باكستان وإيران وتركيا في إقامة حلف السنتو في الخمسينات. وتحولت فعلا إلى قوى متعاونة مع إسرائيل (ربما لا ينطبق هذا التعميم على باكستان، ولكنه انطبق على إثيوبيا على التخوم الجنوبية الغربية للأمة). وقد شملت العلاقات تعاونا ثقافيا واقتصاديا وعسكريا. وما زالت هنالك في شرق تركيا نقاط مراقبة وتنصت مخابراتية إسرائيلية على إيران حتى يومنا (حسب الصحف الإسرائيلية)… وقد كانت العلاقات التركية السورية متوترة دائما على خلفية الصراع التاريخي على بلاد الشام، وباحتلال وضم إقليم الإسكندرونة من قبل تركيا، وبالموقف التركي من الوحدة السورية المصرية وتهديدات تركيا المستمرة لسوريا، ودعم سوريا لحزب العمال الديمقراطي الكردستاني الذي انتهى بتهديدات تركية عسكرية مؤثرة في نهاية فترة حكم الرئيس حافظ الأسد. كما أدى التدخل التركي المتكرر في شمال العراق في ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وبناء السدود على دجلة والفرات إلى توترات مع العراق وسوريا في التسعينات. ومؤخرا نشر بالتفصيل أن الطائرات الإسرائيلية، التي قصفت موقع دير الزور السوري في سبتمبر/ أيلول 2007 بادعاء أنه تجري فيه محاولة إقامة مفاعل نووي، قد حلّقت عبر الأجواء التركية، وما ذلك إلا من بقايا العلاقة العسكرية التركية الإسرائيلية التي توّجها اتفاق التعاون الإستراتيجي من العام 1996. وأشك في هذه الحالة أن يكون الجيش التركي قد أعلم السياسيين من حزب العدالة والتنمية، بإتاحته استخدام الأجواء التركية للطائرات الإسرائيلية، هذا إذا كان قد سمح بذلك فعلا. عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بعد فشل تجربة الرفاه وأعاد تعريف ذاته، كان أول امتحان له هو احتماء حكومته بأغلبيتها البرلمانية من طلب الولايات المتحدة عام 2003 استخدام الأراضي التركية للهجوم على العراق. لقد تمكن من رفض هذا الطلب الأميركي محتميا بإجراء ديمقراطي حقيقي وقواعد شعبية فعلية. هذا السلوك الجديد لحليف مشرقي للولايات المتحدة سوف يشكل عينة تمثيلية عن سلوكه السياسي، إنه يستخدم الديمقراطية كتعبير عن الإرادة السيادية لرفض التبعية للولايات المتحدة. وربما كان ذلك أهم ما يجدر بالرأي العام العربي الاستفادة منه في هذه التجربة التركية المشرقية الرائدة. تدهور العلاقة التركية الإسرائيلية بعد الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية الذي نُظِّم بقيادة جمعيات أهلية تركية وبدعم من القوى الإسلامية من قواعد حزبي السعادة والعدالة والتنمية في تركيا واستشهاد 9 من النشطاء الأتراك على السفينة مرمرة، شهدت المنطقة والعالم على مستوى مجلس الأمن تسارعا في تدهور العلاقة التركية الإسرائيلية. ولا شك أن هذا التصعيد قد واصل تفاقم أزمة تشوب العلاقة بين الطرفين. ومن هنا تسربت إلى التحليلات العربية نزعة لقراءة هذا التدهور كخط متصاعد ومستمر منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002. وغالبا ما تعدد الوقائع التالية في هذه القراءة: 1. تصريحات أردوغان منذ بداية فترته الثانية والتي تكرر ربط تطوير العلاقة التركية مع إسرائيل بمدى إحراز تقدم في عملية السلام. وتعليقا على هذا الدليل الذي يُجلَب لإثبات كون التدهور قديما نقول “صحيح أن هذه التصريحات أغضبت إسرائيل. ولكنها أتت في سياق البحث عن دور تركي سياسي يتلاءم مع إدراك تركيا لدورها الجديد بوجود حزب العدالة والتنمية في الحكم، وهو دور يتطلب موقفا أكثر توازنا بين العرب وإسرائيل بدل الانحياز للموقف الإسرائيلي، والتسليم بأن عملية السلام هي احتكار أميركي”. 2. تطوّر العلاقات التركية السورية بشكل لافت. وقد تحوّل الدور من محاولة تركية فعلية للوساطة. وهو ما شجعته إسرائيل والولايات المتحدة بتمكين تركيا من لعبه رغبة منها بوجود قائد معتدل ذي مصداقية للعالم الإسلامي، ولإبعاد سوريا عن إيران. ولكن دور تركيا فُهِم على أنه ينحاز بالتدريج إلى الموقف السوري، وفي الوقت ذاته لا ينجح، وربما في الواقع لا يرغب بإبعاد سوريا عن إيران. 3. استقبال مجموعة من قيادات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد فوزها بالانتخابات التشريعية وتشكيل (الحكومة الفلسطينية) في عام 2006. وهو استقبال لم تعقبه اجتماعات على أعلى مستوى، وتوقفت الدعوات منذ أحداث غزة وانهيار حكومة الوحدة الوطنية. وكان واضحا أنه بالاتصال مع حماس استثمرت تركيا رمزيا وجود حزب ذي طابع إسلامي على الأقل في الحكم. وراهنت على إمكانية أن تلعب دور الوسيط في المستقبل. فهي حاولت علنا إقناع الغرب وحماس في الوقت ذاته بضرورة إشراك ومشاركة حماس في ما يسمى بعملية السلام. 4. واقعة الصدام بين أردوغان والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في نهاية يناير/ كانون الثاني 2010 حين حاول الأخير تبرير العدوان الإسرائيلي على غزة أمام رئيس حكومة تركي شعر بالإهانة والخداع لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت زاره في أنقرة في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2008 قبل يوم واحد من العدوان على غزة دون أن يطلعه على الأمر، وقد شعر أنه طعن في ظهره لأنه الوسيط المتورط في عملية تفاوض جارية مع سوريا، إذ لا بد أن يفشلها هذا العدوان. هذه الواقعة مهمة طبعا ليس بحد ذاتها بل لأنها أول مؤشر على حصول تحوّل حقيقي. فمنذ العدوان الإسرائيلي على غزة تطورت ديناميكية سلبية في العلاقات بين الطرفين. ولا نعتقد أن هذه الديناميكية كانت خيارا تركيا واعيا منذ البداية. لم يكن هذا تطورا حتميا للأمور، بل كانت له علاقة مباشرة بالغطرسة الإسرائيلية، وبعدم قدرة قباطنة الكيان الصهيوني على فهم ما يجري في دولة حقيقية من جدلية بين القواعد الشعبية لحزب حقيقي، وبين قيادة الحزب من جهة، وتطور العلاقة مع العالم العربي من جهة أخرى. من هنا استمرت إسرائيل في نهجها عبر ما تعرّض له السفير التركي لديها حين استدعاه نائب وزير الخارجية إلى مبنى الوزارة، حيث تعامل معه بطريقة مسيئة وخارجة عن الأعراف الدبلوماسية. كانت هذه حماقة ناجمة عن الغرور وفرصة جديدة لأردوغان ليس فقط لتمثيل الخيار الإسلامي الشرقي على مستوى هوية تركيا، بل أيضا الكبرياء القومي التركي، ما وسع قاعدته الشعبية وأدى لإحراج أحزاب اليمين العلمانية التركية المؤيدة لعلاقة أوثق مع إسرائيل… لقد اضطرت جميعها أن تدين السلوك الإسرائيلي من منطلق كرامة تركيا. وبعد الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية ألقى أردوغان خطابا في مجلس الشعب التركي اعتبر فيه الجريمة الإسرائيلية وقتل تسعة من الأتراك كـ “عمل دنيء وغير مقبول” وأن عليها دفع ثمن ذلك، كما اعتبر رئيس تركيا عبد الله غل أن العلاقات التركية الإسرائيلية لن تعود إلى ما كانت عليه قبل هذا الاعتداء. واستدعت تركيا سفيرها من إسرائيل، وألغت مناورات عسكرية كان من المقرر إجراؤها. ومن الجدير ذكره أن لسحب السفير التركي من تل أبيب سوابق. ففي عام 1982 سحبت تركيا سفيرها احتجاجا على الحرب على لبنان، وقد احتاج الأمر عشر سنوات لإعادته. لقد حصل تدهور جدي في العلاقات. وارتفعت النبرة الرسمية التركية الناقدة لإسرائيل، ورافقتها عملية تعبئة للرأي العام التركي قامت بها قواعد الحزب. قراءة التدهور في العلاقات كأنه تعبير عن خيار أيديولوجي سابق ومعد سلفا ويبحث عن فرص للتصعيد هو برأينا تعبير عن فهم أيديولوجي عربي محمّل بالأمنيات، أو ما أسميه “خطاب التمني”. وفيما عدا تجاهلهم سياقات الأحداث المنفردة (التي حاولنا وضع الوقائع أعلاه في إطارها، في محاولة لفهم الوقائع التي تكرر خارج السياق كإثبات لموقف أيديولوجي وليس فرضية بحثية) فإن أصحاب هذه القراءة للموقف التركي كأنه استعادة لأمجاد الإمبراطورية العثمانية يتجاهلون وقائع أخرى حدثت منذ تولي العدالة والتنمية الحكم بجدارة وكفاءة في تركيا. وهي وقائع تؤكد نظرية ازدياد أهمية ووزن تركيا، وتنامي الوعي السياسي لهذه الأهمية في عهد العدالة والتنمية. كما تؤكد برأينا أنه في البداية رغب حزب العدالة والتنمية في ترتيب العلاقات مع إسرائيل لا تخريبها. فنظرية تصفير المشاكل مع الجيران، التي جاء بها وزير الخارجية الحالي أحمد داوود أوغلو لتمكين تركيا من تظهير طاقتها وإمكانياتها الحقيقية، تشمل فيما تشمل أرمينيا واليونان وسوريا وإسرائيل، ودول آسيا الوسطى طبعا. لقد رغبت تركيا العدالة والتنمية بتطوير العلاقات مع إسرائيل ومع العالم العربي لتتمكن من لعب دور سياسي يتلاءم مع حجمها ومع تمثيلها لخيار سياسي شعبي. وهذا الخيار السياسي الشعبي يتضمن رغبة بمواقف سيادية تركية غير تابعة لأميركا، وغاضبة على أوروبا، وليست في جيب إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقة مع العرب. لقد تضاعف حجم التبادل التجاري مع إسرائيل في عهد أردوغان، كما وقعت العديد من اتفاقيات التعاون العسكري والاقتصادي بين الطرفين. ولكن التبادل التجاري مع العرب تضاعف عدة مرات أيضا. وبحسب مركز الإحصاءات التركي، فإن حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل والعرب هو على الشكل الآتي: السنة     إسرائيل      الدول العربية 2002   1.33 مليار   5 مليارات 2008   1.9 مليار      37 مليارا 2009  2.58 مليار    30 مليارا ويوجد حاليا 200 شركة عربية في تركيا يبلغ حجم استثماراتها في تركيا 6.2 مليارات دولار. في صيف عام 2005 استضافت تركيا أول اتصالات علنية رسمية بين باكستان وإسرائيل. (وزير الخارجية الباكستاني خورشيد قصوري مع وزير الخارجية سيلفان شالوم). لقد رتب أردوغان الموضوع شخصيا بناء على طلب حاكم باكستان في حينه الجنرال برويز مشرف بعد أن وفّر الانسحاب الإسرائيلي من غزة حجة لمشرف للقيام بذلك. وفي بداية العهد الثاني للعدالة والتنمية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، ألقى شمعون بيريز خطابا بالعبرية في البرلمان التركي، هو أول خطاب لرئيس إسرائيلي أمام برلمان دولة ذات غالبية مسلمة. ومع تجديد المفاوضات بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركية في إسطنبول في العام 2008 بدا أن تركيا تستثمر علاقاتها مع الجميع بمنتهى الذكاء للعب دور سياسي وسيط وعظيم الأهمية. وقد برز وزن تركيا الجديد في اختيار الرئيس الأميركي باراك أوباما برلمانها منصة لإلقاء خطاب يوم السادس من أبريل/ نيسان 2009، ما أثار حفيظة النظام في مصر طبعا. وقد تجلى له فجأة أن الدور التركي الأكثر استقلالية عن أميركا يحظى باحترام أميركي أكبر. كما أنه من الأكثر منطقية أن يلقي الرئيس الأميركي كلمته في برلمان دولة إسلامية يسود فيها نموذج ديمقراطي برلماني كما يعرفه الغرب. وبعد شهرين خاطب أوباما العالم الإسلامي، حسب الصورة التي رغبت الدعاية الأميركية إنتاجها للخطاب، من القاهرة في يونيو/ حزيران 2009. معنى تزايد حدة الموقف التركي من إسرائيل لا شك أن الهجوم الإسرائيلي على غزة بعد أقل من يوم من زيارة أولمرت إلى تركيا قد شكَّل نقطة تحول. وقد سبقها توثق في العلاقات السورية التركية أيضا. ومع انهيار سياسة المحافظين الجدد في المنطقة وأزمة عكاكيز النظام الأميركي العربية تجلت مساحة واسعة فارغة للعب دور أقوى على الساحة العربية ما تطلب أخذ مسافة أبعد من إسرائيل، وما أدى إلى حساسية الدول العربية التي لا ترغب بقواعد لعبة جديدة يفرضها مشارك جديد قوي ويحظى باحترام الولايات المتحدة ويحظى بشعبية في الشارع العربي والإسلامي. إضافة إلى ذلك فقد وقع ما كانت تخشاه تركيا، وهو تنامي الدور الذي يلعبه إقليم كردستان شبه المستقل في العراق، ما وسَّع من مساحة الهموم المشتركة مع إيران وسوريا، فهذه الدول تخشى من دور كردي فيها تتحكم فيه عوامل دولية، خاصة وأن إسرائيل تدعم بشكل واضح أحزابا كردية تعمل في إيران، كما أن هنالك شبكة علاقات واسعة لإسرائيل وأجهزتها الأمنية في إقليم كردستان العراق. ولكن العامل الرئيسي برأينا والذي لم يفهمه الإسرائيليون أن حزب العدالة والتنمية هو ليس فقط حزبا بالمعنى الحديث للكلمة، لديه قواعده ورأيه العام الخاص به من ضمن الرأي العام التركي، بل هو الحزب التركي الأكثر قربا لمفهوم الحزب والأكثر اعتمادا على رأيه العام من بين الأحزاب التركية الحاكمة جميعا. فهو ما زال غير قادر على الاعتماد على مصادر قوة متجذرة في جهاز الدولة. ومازال جهاز الدولة مسرح صراع بالنسبة له حيث يواصل مكافحة الفساد منذ قدَّم كل من مسعود يلماظ وطانسو تشيلر للمحاكمة بتهم الفساد، وحيث يواصل مجابهته الفريدة والتدريجية مع الجهاز العسكري ومع جهاز القضاء حامي حمى النظام الأتاتوركي، والذي يعترض على قوانين تسنّها غالبيته البرلمانية،. ويتراوح موقف الجهازين من وجود العدالة والتنمية في السلطة بين التحفظ والعداء. والحزب مضطر أكثر من أي حزب آخر للاعتماد على الرأي العام وعلى قوته في المجتمع المدني بالمعنى التقليدي للكلمة، أي بمعنى اقتصاد السوق والمجتمع الذي يعيد إنتاج نفسه خارج علاقات القسر الدولتية. لقد بدأ خيار الانفتاح على الشرق من قبل نظام السوق التركي في الثمانينات، ولكنه ترسّخ في فترة تورغوت أوزال الذي مثّل طموح رأس المال التركي للاستثمار والتوسع بشكل براغماتي إلى درجة محاولة التخفف من الأيديولوجيات بما فيها العلمانية المغالية. وقد فاز حزب أوزال، “حزب الوطن” بأغلبية الأصوات عام 1987، وقد شمل ليبراليين وقوميين وعلمانيين وإسلاميين. وكانت تلك هي المرحلة التي سبقت الأزمة التي أدت إلى تحالف أربكان (حزب الرفاه) مع تشيلر، ثم قبول تشيلر بعد أزمة الفساد التي لاحقتها بأربكان رئيسا للحكومة. وبعدها قام الجيش بحل البرلمان. وفي العام 1994 فاز الحزب بـ19% من الأصوات في الانتخابات المحلية بما في ذلك رئاسة بلدية إسطنبول. وعرف حينها الشاب رجب طيب أردوغان. الذي تابع الرهان بعد منع حزب الرفاه، وإقامة العدالة والتنمية وانتخابه رئيسا للحكومة عام 2002. وقد وطّد حكمه طيلة العقد الأول من هذا القرن. لقد حققت سياسة الحزب الاقتصادية إنجازات كبرى على مستوى النمو ومكافحة التضخم وارتفاع دخل الفرد وعلى مستوى جباية الضرائب ما مكّنه من اتباع سياسة اجتماعية في دعم الفئات الفقيرة في تركيا. وفي عهده تحول الاقتصاد التركي من اقتصاد فاشل إلى اقتصاد متطور (الثالث بعد الصين والهند في نسب النمو) وتغلب على التضخم المريع، وجرت مكافحة الفساد بمثابرة وتم تقليص الديون للخارج وارتفعت قيمة الليرة التركية مقابل الدولار. الدخل القومي التركي السنة القيمة – مليار دولار 2000 265 384 2001 196 736 2002 230 494 2003 304 901 2004 390 387 2005 481 497 2006 526 429 2007 658 786 2008 742 094 2009 617 611 لقد أكسبت النجاحات الاقتصادية الحزب حلفاء جددا على مستوى الطبقات التي غالبا ما دعمت الأحزاب العلمانية المتشددة، خاصة لقدرته على الجمع بين توسيع الحريات المدنية وارتفاع مستوى المعيشة والنمو الاقتصادي بشكل عام واتباع سياسة سلمية منفتحة داخليا تشمل الاهتمام بالمناطق الكردية، والسماح للأكراد باستخدام لغتهم لغرض احتوائهم وعزل العنف السياسي. ولكن بالإضافة إلى هذه المنجزات علينا أن نرى أن القاعدة الاجتماعية للحزب هي أيضا صاحبة خيار على مستوى الهوية، هوية تركيا. وقد شكلت سياسة الحزب حالة توفيقية من قبول قواعد اللعبة التي وضعت في عهد أتاتورك والمتعلقة بالوطنية التركية، وفصل الدين عن الدولة أو تحييد الدولة دينيا من جهة وبين خيار شرقي إسلامي على مستوى الهوية التركية. وهو خيار متعايش مع الحريات المدنية ويحترمها، ومتعايش مع علمانية النظام. وتظهر الاستطلاعات موقفا حادا من السياسات الأميركية مع تمسك بالديمقراطية، وغالبية تؤيد السماح بالحجاب في الجامعات، ولكن نفس هذه الغالبية تؤيد استمرار تحييد الدولة في الشأن الديني، ولا تتحسس من السفور. ولا شك أن تعبيراتِ تَمَيُّزِه لا بد أن تظهر على مستوى الهوية الشرقية الإسلامية لتركيا. خاصة بعد اتضاح حقيقة الموقف الأوروبي من ضم تركيا إلى الاتحاد. وهكذا نرى أن غالبية خلافات تركيا الأخيرة مع إسرائيل بدأت على مستوى الرأي العام في قواعد الحزب الاجتماعية، إن كان ذلك على مستوى التضامن مع غزة أثناء الحرب، أو الغضب الشعبي على كيفية تعامل إسرائيل مع السفير التركي، وأخيرا المبادرات الأهلية لتسيير سفن كسر الحصار. لم تصبح خيارات حزب العدالة والتنمية الداخلية والخارجية خيارات دولة بعد. فهي ما زالت خيارات حزب سياسي في الحكم. أي لم تصبح من القضايا المسلم بها من قبل جهاز الدولة. وكمثال على خيارات الدولة، فإن المسلمات التي يعمل على أساسها الحزب الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة والمتعلقة بالأمن القومي الأميركي والنظام الرأسمالي والليبرالية السياسية هي خيارات دولة. وكذلك التسليم من قبل كافة الأحزاب التركية بما فيها حزب العدالة والتنمية بعلمانية الدولة، هي دليل على أن العلمانية هي خيار دولة، ويسعى حزب العدالة والتنمية إلى تخفيف حدتها، بنجاح برأينا حتى الآن… أما الإضافة التي يجلبها حزب العدالة لناحية أن تولي تركيا وجهها شرقا، وأن تعمل كدولة وطنية مستقلة الإرادة في القضايا الإقليمية بما فيها العراق وفلسطين وإيران، فما زالت خيارات حزب حاكم. ولم تصبح بعد خيار الدولة. ومن الواضح أن فئات اجتماعية أوسع أصبحت قادرة على تقبلها، وأن جهاز الدولة نفسه يتغيّر تدريجيا لصالحها كلما طالت مدة الحزب في الحكم. ولنتخيل كيف سيبدو الجيش وجهاز القضاء بعد فترة أخرى أو اثنتين من حكم الحزب. من هنا فإن السياسة الخارجية التركية بما في ذلك تجاه العرب وقضية فلسطين ترتكز على موقف الأكثرية في بلد ديمقراطي. وهذا يعني: أ. مصداقية الموقف التركي المنطلق من تصور لمصلحة تركيا وهويتها على قاعدة رأي عام وقواعد شعبية فاعلة في انتخابات مقبلة كما فعلت في انتخابات سابقة. ولا بد أن يقنعها الحزب الحاكم أن مواقفه تتلاءم ليس فقط مع برنامجه الذي انتخب على أساسه، بل أيضا مع مصالحها ومع مصالح تركيا العليا. ب. تولد موقف تركي معارض لهذه المواقف ناجم إما عن التنافس الحزبي وإما عن اختلاف تعريف هوية ومصالح تركيا، أو عن كليهما. ج. اضطرار الحزب للتوفيق بين موقفه وقدرة الدولة على الاستيعاب وأيضا قدرة الرأي العام التركي والعملية الديمقراطية على استيعاب الموقف، فهما من مصادر قوة الحزب الرئيسية. وهو في النهاية حزب سياسي في دولة وطنية. وهو لا يحاول أن يتحول إلى حزب قائد يستند إلى توافقات بين عرقيات وطوائف في إمبراطورية، ولا أن يكون حزبا قائدا في العالم العربي. وهو يمثّل الرأي العام التركي ويسعى لأن تصبح خياراته الرئيسية خيارات دولة، خيارات إجماع، كما قَبِل هو قواعد لعبة الدولة الديمقراطية العلمانية وانتخب على أساسها. عود على بدء ونختم من حيث بدأنا. الأصل في العلاقة العربية التركية من الزاوية العربية هو ليس ما تريده تركيا، فهذا أمر يمكن ارتكاب أخطاء طفيفة بشأنه لو استمع المرء للمسؤولين الأتراك مع بعض المعلومات التاريخية ومع إعمال العقل قليلا. فهنالك دولة تركيا، لها مواقف ومصالح، ويجري فيها صراع واضح المعالم. ولكن المشكلة في معرفة ماذا يريد العرب. إذا لا توجد دولة عربية ولا كيان سياسي عربي موحد يعبر عن إرادة عربية أو حتى عن خلافات وصراع عربي واضح المعالم، وهنالك كمية من الخيبات والإحباطات تشوش الرؤية العربية لحقيقة الموقف التركي أيضا. وبرأينا سوف يلحق هذا الأمر الضرر ليس فقط بالعرب بل أيضا بقضية تقدم وتطوير الموقف التركي. وهنالك أصلا مشكلة تواجه تركيا حتى عندما ترغب برفع سقف مطالبها ونبرة خطابها بشأن حصار غزة، أن دولا عربية تعارض ذلك، وكأنها تطلب من تركيا أن لا تكلف نفسها عناء التدخل وأن تكف عنهم تدخلها لصالح العرب. وطبعا لا يستبعد المرء بناء على التجربة أن تشكو بعض الدول العربية الموقف التركي للمعلم الأميركي لأنه يحرجها أمام شعوبها. وتستجد ثانيا مشكلة أخرى مع من يريد أن يزعِّم تركيا عربيا. وهذا مخالف لرغبتها. لا ترغب تركيا أن تقود محور ممانعة ومقاومة، والتعامل معها على هذا الأساس يخلق لحزب العدالة والتنمية مشكلة فعلية في مواجهة الأحزاب الأخرى وجهاز الدولة، ويسهِّل عليها اتهامه أنه يبعد الدولة عن أجنداتها، وأنه يجر دولة وطنية لأن تكون عربية أكثر مما يريد بعض العرب أن يكونوا. وثالثا وأخيرا، تبرز مشكلة مع من يقلِّد دور تركيا فيتراجع بذلك في حين تقدمت هي، نموذج الخلاف التركي الإسرائيلي بما فيه صراع المجتمع التركي بالطرق السلمية ضد إسرائيل، هو خلاف وصراع يليقان بدولة في حالة سلام مع إسرائيل. وهو مؤثر لأنه يدور في هذا الإطار. هذه خصوصيته. أما إذا اتبعت هذه اللغة وهذا الأسلوب دول وحركات هي في حالة حرب مع إسرائيل، أو هكذا يفترض أن تكون، فإنه لن يؤثر. فوسائل تأثير حركات (المقاومة والدول) في حالة الحرب هي وسائل مختلفة تماما، وعليها أن تمارسها، أو تصبر إلى أن تمارسها. أما تقليد الخطاب والأسلوب التركيين فيعتبر تراجعا بالنسبة لها، وسوف يقودها في النهاية إلى تراجعات حتى على مستوى الخطاب. لا بد من رؤية أهمية التحالف مع تركيا، مع فهم خصوصيتها. ولكن التحالف لا يعني أن نفرض على تركيا فهمنا وتصورنا لها، بل أن نتركها تدير صراعاتها كما ترى، وأن نقدم المشورة حين تطلب منا وأن نعبر عن كلمة تقدير وعرفان حتى حين لا يطلب ذلك. ــــــــــــــــ مفكر عربي (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 29 جوان  2010)


خرائطنا إذ ترسم في غياب مصر


فهمي هويدي  الخبر المثير أن تحولات إستراتيجية بالغة الأهمية تحدث الآن في الشرق الأوسط، أما الخبر المؤسف أن مصر ليست طرفا فيها، بعدما انسحبت من الحلبة واكتفت بالجلوس في مقاعد المتفرجين.   (1) صحيح أن الدول العظمى التقليدية ما زالت تتحكم في الكثير من الخيوط التي تحرك الأحداث في العالم، لكن من الصحيح أيضا أن الدول الناشئة أو النامية أصبح لها حضورها الذي لا ينكر في تقرير مصير قضايا الحرب والسلم في العالم، بل صار اتخاذ قرارات في هذه الأمور مستحيلا في غيبة تلك الدول الأخيرة. هذه هي الفكرة الأساسية في مقالة كتبها وزير خارجية البرازيل سيلسو أموريم يوم 15 يونيو/حزيران الحالي على موقع دولي باسم “بروجكت سينديكيت”. وهو يشرح فكرته، ذكر أن الأزمة المالية العالمية أبرزت دور دول العالم النامي الصاعدة التي تتوزع فيما بين أميركا اللاتينية (البرازيل والأرجنتين والمكسيك) وأفريقيا (جنوب أفريقيا) وآسيا (الصين والهند وتركيا). هذه الدول أصبحت لها كلمة الآن في المسائل المالية والبيئية والمناخية ومعاير العلاقات الدولية. وأحدث مثال على ذلك هو مبادرة البرازيل وتركيا للتوصل إلى حل لمشكلة تخصيب اليورانيوم في البرنامج النووي الإيراني، وقد اعتبر ذلك الحل الذي تم التوافق عليه بمثابة “قلب للوضع القائم رأسا على عقب”. ورغم أن تلك الخطوة تعد من آيات التعاون بين القوى الجديدة، فإنها تعد أيضا نموذجا للتجاذب الحاصل في الشأن السياسي بين تلك القوى وبين القوى الأخرى التقليدية الممثلة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي التي فوجئت بارتفاع صوت الجنوب في إعلان طهران، فتجاهلته ومضت في طريق فرض العقوبات على إيران. الأمر الذي يثبت حرص أصحاب الامتيازات على استمرار احتكار حسم القضايا الدولية ومقاومة رياح التغيير الحاصلة في عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة.   (2) التغير الحاصل في الساحة الدولية له صداه على الصعيد الإقليمي. فظروف الأزمة التي أبرزت دور دول العالم الثالث في الساحة الدولية، شبيهة بتلك التي أفرزت المتغيرات الجذرية التي تحدث الآن على الصعيد الإقليمي، ذلك أنه إذا كان العالم الغربي يعاني من الأزمة الاقتصادية، فإن العالم العربي يواجه أزمة الفراغ، الذي نشأ عن غياب مصر وخروجها من المشهد العربي منذ تصالحها مع إسرائيل في العام 1979. كأن ذلك التصالح بمثابة تثبيت للحضور الإسرائيلي وإعلان عن الخروج المصري. وحين حدث ذلك فإن العالم العربي دخل إلى مرحلة التيه، إذ أصبح بمثابة جسم بلا رأس. وفي الوقت الذي خلا فيه موقع القيادة في العالم العربي، كانت تركيا تنمو وتتقدم وتتأهل للعب دور رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، متجاوزة بذلك الدور الإيراني على أهميته. بعدما أثبتت تجربة ثلاثين عاما منذ نجاح الثورة الإسلامية، أن ثمة محاذير سياسية ومذهبية حالت دون الترحيب به في العالم العربي. لذلك ظل الدور الإيراني حاضرا في بعض الساحات وغائبا عن ساحات أخرى، على العكس من ذلك كان الدور التركي الذي كان الطريق مفتوحا أمامه لكي يتقدم في كل الساحات.   ثمة عوامل ثلاثة أسهمت في تحقيق الصعود التركي، تتجاوز خصوصية الموقع الجغرافي والخلفية التاريخية هي:   – النموذج الديمقراطي الذي وفر للحالة التركية جاذبية وقوة دفع معتبرة، إضافة إلى النهوض الاقتصادي المشهود، الذي حول تركيا إلى قوة اقتصادية معتبرة في محيطها، أوصل الناتج المحلي إلى تريليون دولار، وجعل من تركيا الدولة رقم 17 في قائمة القوى الاقتصادية العالمية (يخططون لكي تصبح القوة العاشرة بحلول العام 2020). أما في أوروبا فهي تعد الدولة السادسة في ترتيب القوى الاقتصادية. ومن نتائج هذا الوضع أن تضاعفت صادرات تركيا إلى العالم العربي أكثر من خمس مرات في الفترة من عام 2003 إلى الآن (من 5 مليارات دولار أصبحت 27 مليارا) كما أن قيمة صادراتها إلى العالم الإسلامي ارتفعت في الفترة ذاتها من 11 إلى 60 مليار دولار.   – المساندة الشعبية وفرت لحزب العدالة والتنمية الأغلبية في البرلمان، ومكنت الحكومة لأول مرة من أن تتمتع بحرية نسبية في التعامل مع الحلفاء التقليديين، وفي المقدمة منهم الولايات المتحدة وإسرائيل، بمعنى أن الاستناد إلى التأييد الشعبي حرر القرار السياسي الذي لم يعد مرتهنا للإرادة الخارجية، ومن ثم أتاح للحكومة هامشا من الحركة، جعلها تختلف وتتفق مع أولئك الحلفاء، وهذا الاستقلال في الإرادة الوطنية هو الذي أحدث تباينا في مواقف أنقرة وواشنطن إزاء المشروع النووي الإيراني وإزاء حركة حماس (التي رفض أردوغان اعتبارها حركة إرهابية). وهو ذاته الذي أفرز الفراق بين أنقرة وتل أبيب.   – وضوح الرؤية الإستراتيجية لدى الفئة الحاكمة. وهي الرؤية التي حدد معالمها وزير الخارجية الدكتور أحمد داود أوغلو في أكثر من لقاء على النحو التالي: تركيا أكبر من أن تكون مجرد ممر أو جسر بين الشرق والغرب، ولكنها مؤهلة لأن تصبح دولة مركز وصاحبة قرار في محيطها -في الوقت ذاته فإنها لا تعتبر الغرب قدرها وخيارها الوحيد، لكنها مع الغرب بأمر الجغرافيا ومع الشرق بحكم التاريخ- وهي تعتبر أن دورها ومن ثم مجالها الحيوي يمتد من مضيق إسطنبول “البوسفور” إلى مضيق هرمز، ومن القرص (المنطقة الحدودية بين تركيا وأرمينيا) إلى موريتانيا. لكي تقوم تركيا بالدور الذي تطمح إليه فينبغي أن تحل مشكلاتها مع جيرانها، فيما سميت بسياسة “تصفير” المشكلات، أي جعلها على درجة الصفر.   (3) في التفكير الإستراتيجي فإن الاستقرار ومن ثم النهوض في الشرق الأوسط يقوم على أعمدة ثلاثة، هي مصر ممثلة للعرب وتركيا وإيران. وهو ما اعتبره أستاذ الجغرافيا السياسية الأشهر الدكتور جمال حمدان “مثلث القوة” في المنطقة. ويرصد الباحثون أن التفكير الإستراتيجي الغربي ظل حريصا دائما على ألا تلتئم أضلاع ذلك المثلث. وجيلنا عاصر المرحلة التي قادت فيها مصر حركة التحرر الوطني في المنطقة، بعدما امتلكت قرارها، في حين كانت تركيا وإيران تدوران في فلك المعسكر الغربي. وتراهن إسرائيل على أن تحالفهما معها من شأنه أن يحاصر العالم العربي ويضغط عليه، لكن انقلابا حدث في ذلك المشهد خلال الثلاثين سنة الأخيرة، بمقتضاه خرجت إيران من المعسكر الغربي، وحافظت تركيا على استقلالها إزاءه. ومن ثم خسرت إسرائيل أهم حليفين لها في المنطقة. وفي الوقت ذاته أقامت مصر تحالفا “إستراتيجيا” مع الولايات المتحدة، وعقدت تصالحا أقرب إلى التحالف مع إسرائيل. وهو ما بدد الأمل في تكامل أضلاع مثلث القوة، وأدى إلى انفراط عقد العالم العربي وأحدث فراغا كبيرا في المنطقة، بدا مهيئا، بل جاذبا، للتمدد التركي.   عبر عن هذا المعنى الكاتب السياسي المخضرم جنكيز شاندلر، أهم معلقي صحيفة “راديكال” التركية، في الندوة التي عقدت أخيرا بإسطنبول حول الحوار العربي التركي، إذ قال إنه في حين تعاظمت القوة السياسية والاقتصادية لتركيا، فإن مصر بدت قلعة جرى تفريغها، وأن تمدد تركيا في الفراغ المخيم على الشرق الأوسط بعد غياب مصر كان المصدر الحقيقي لإزعاج الإسرائيليين. وفي رأيه أن توتر العلاقات بين أنقرة وتل أبيب سابق على حادثة منتدى دافوس (الذي انتقد فيه أردوغان السياسة الإسرائيلية علنا وانسحب من الجلسة التي كان بيريز متحدثا فيها)، كما أنه سابق على العدوان الإسرائيلي على غزة، وعلى انقضاض إسرائيل على أسطول الحرية وقتل تسعة من الأتراك. ذلك أن إسرائيل -والكلام لا يزال له- تصورت بعد تنحية مصر وإخراجها من المشهد العربي أن الساحة قد خلت لها وأصبحت بغير منافس. لكنها فوجئت بالصعود والتمدد التركيين وبما يترتب عليهما من ظهور منافس لزعامتها وهيمنتها على المنطقة. وهو ما أثار حفيظتها تماما مثلما حدث مع إيران وأدى إلى استنبات بذرة الحساسية والتوتر بين البلدين، اللذين ربطا بـ59 اتفاقية للتعاون، بينها 16 اتفاقية أمنية وعسكرية. وقد نمت تلك البذرة بمضي الوقت، متغذية بالممارسات والعربدة الإسرائيلية، الأمر الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه الآن.   (4) لأن التاريخ لا ينتظر أحدا، ولكن عجلته تدور بمن حضر في مجراه وامتلك إرادة الانخراط في صناعة أحداثه، فإن خروج مصر من المشهد العربي في ظل تحالفاتها الجديدة، لم يوقف عجلة التاريخ في الشرق الأوسط. وكل الذي حدث أن اللاعبين تحركوا وفي حسبانهم أن مقعدها القيادي شاغر، ولم يملأه أحد. وأذكر هنا -وأكرر- أن من بين المتغيرات الإستراتيجية المهمة في المنطقة أن إسرائيل وإن بدت أقوى عسكريا، فإنها غدت أضعف بكثير إستراتيجيا وسياسيا، بعد فشلها في كسر إرادة المقاومة في لبنان وغزة، وبعدما أصبحت تدافع عن نفسها داخل حدودها وليس خارجها، وبعدما فقدت أهم حليفين لها في المنطقة (إيران وتركيا)، وبعدما خسرت الرأي العام العالمي بعد عدوانها الفج على أسطول الحرية في المياه الدولية. وتلك عوامل يمكن أن توظف لصالح انتزاع الحقوق العربية إذا وجدت من يحسن استخدامها. على صعيد المتغيرات الإستراتيجية الأخرى بوسعنا أن نرصد المؤشرات التالية: – اقتراب تركيا من المشهد الفلسطيني عزز من موقع قوى الصمود في المنطقة. وحين قال وزير خارجيتها مؤخرا إن تركيا هي اليد اليمنى للعرب فإن تلك بدت لغة جديدة تعد امتدادا لكلام مماثل تحدث به السيد أردوغان أمام قمة طرابلس العربية.   – عقدت تركيا سلسلة من اتفاقيات التعاون الإستراتيجي مع مجلس التعاون الخليجي، ومع الدول التي تبادلت معها اتفاقيات إلغاء تأشيرات الدخول وتحرير التجارة (سوريا ولبنان والأردن وليبيا والعراق، وهناك اقتراح قدم إلى مصر أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس مبارك لأنقرة. وقد وعد بدراسته).   وذهبت تركيا إلى أبعد من ذلك حين أعلنت أثناء انعقاد المنتدى العربي التركي في إسطنبول عن إنشاء مجلس أعلى للتعاون مع سوريا ولبنان والأردن، وإقامة منطقة حرة لانتقال الأفراد والبضائع فيما بين الدول الأربع.   – ثمة تقارب وتفاهم سياسي مشهودان فيما بين تركيا وسوريا وقطر، وكان لقاء قادة الدول الثلاث خلال الشهر الماضي في أنقرة لمناقشة تشكيل الحكومة العراقية علامة بارزة في هذا الاتجاه وقرينة على اتساع نطاق التشاور بين الدول الثلاث، بحيث شمل أحداث المنطقة المحيطة.   – ثمة تفاهمات مستمرة بين تركيا وإيران وسوريا حول عدد من الملفات المهمة، على رأسها الوضع في العراق وملف النفط والغاز (إيران تعد المصدر الثاني لتمويل تركيا بالطاقة بعد روسيا) ومشروعات شبكة المواصلات التي تربط بين الدول الثلاث إضافة إلى لبنان والأردن.   – تتحدث الدوائر السياسية في دمشق عن رؤية إستراتيجية جديدة يتبناها الرئيس بشار الأسد تسعى من خلالها سوريا لأن تصبح ممرا ومعبرا بين البحور الأربعة: الخليج العربي، الأبيض المتوسط، بحر قزوين والبحر الأسود. وهي تصبح خمسة إذا أضفنا البحر الأحمر. وبمقتضى هذه الرؤية تصبح سوريا عقدة ربط بين الشرق والغرب وبين تركيا والعالم العربي. وقد تحدث الرئيس الأسد في هذا الموضوع أثناء لقائه مع رجال الأعمال في إسطنبول عام 2004، حين ذكر البعض أن سوريا هي بوابة الأتراك إلى الخليج العربي وأن تركيا بوابة سوريا إلى أوروبا. قد تكون هذه مجرد تمنيات وأحلام تراود القادة، لكننا يجب أن نتذكر أن حقائق اليوم هي أحلام الأمس، وأن الذين يحلمون يظلون أفضل كثيرا من الذين فقدوا القدرة على الحلم، وشغلوا بتثبيت مقاعدهم عن التطلع إلى المستقبل. إنني أخشى حين يكتب تاريخ المرحلة الراهنة أن ينبري شاب في وقت لاحق متسائلا: ألم يكن هناك بلد باسم مصر في تلك الأيام؟ (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 29 جوان  2010)

 


مصر تمنع الطائرات الاسرائيلية من الهبوط في مطار طابا


6/29/2010 القاهرة ـ يو بي اي: ذكرت صحيفة ‘روز اليوسف’ امس الاثنين ان السلطات المصرية قررت منع الطائرات الإسرائيلية من الهبوط في مطار طابا في سيناء أو عبور الأجواء المصرية في تلك المنطقة. ونقلت الصحيفة عن تعليمات أصدرها مطار طابا الى مطار مدينة ايلات الإسرائيلية المجاور بان الطائرات الإسرائيلية لم يعد مسموحا لها بالهبوط بالمطار الذي كانت تستخدمه الطائرات الإسرائيلية في الحالات الطارئة كسوء الأحوال الجوية في جنوب إسرائيل. وأضافت الصحيفة ان قرار سلطات مطار طابا جاء بسبب عدم التزام إحدى الطائرات الإسرائيلية بتعليمات برج المراقبة بضرورة إعادة إقلاعها بعد تحسن الأحوال الجوية. وأشارت الى ان قرار مطار طابا نهائي. ونقلت الصحيفة عن رئيس سلطة الطيران المدني المصرية سامح حفني ان القرار يأتي في إطار المعاملة بالمثل. وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها سلطات الطيران المدني المصري مثل هذا القرار منذ توقيع البلدين اتفاق السلام عام 1979 والذي سمح أيضا بتبادل الرحلات الجوية بين البلدين. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 29 جوان  2010)


الخارجية التركية تؤكد رفض انقرة طلباً إسرائيلياً لاستخدام مجالها الجوي


6/29/2010 أنقرة- أكدت وزارة الخارجية التركية الثلاثاء أن تركيا رفضت طلباً إسرائيلياً لاستخدام مجالها الجوي. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن المتحدث باسم الوزارة بوراك أوزوغرجين قوله: طلبت إسرائيل مؤخراً من تركيا السماح لطائرة شحن باستخدام مجالها الجوي لكنها رفضت الطلب، ومن جهة اخرى ما زالت إسرائيل تستخدم الفضاء الجوي التركي في الرحلات المدنية. وأضاف أوزوغرجين ان الرحلات الجوية منقسمة إلى مجموعتين الأولى رحلات مدنية والأخرى عسكرية، والأولى مستمرة ما لم تمنع لاحقاً. وتابع: في ما يتعلق بالرحلات العسكرية، تقضي الإجراءات الطبيعية بطلب إذن لكل رحلة تعبر المجال الجوي التركي، ويجري التقييم لكل حالة على حدة. واعتبر أوزوغرجين انه من الواضح أن هذا نتيجة السخط الناجم عن الهجوم العسكري على الأسطول الذي كان ينقل مساعدات إنسانية إلى غزة، وتركيا تريد من إسرائيل أن تعتذر وتدفع تعويضاً لعائلات الضحايا وترفع الحصار عن غزة. وأضاف: نحن نريد قيام لجنة مستقلة تحقق في الحادث، مشيراً إلى انه لا يمكن توقع أي نتيجة من اللجنة الوطنية التي أعلنت إسرائيل انها ستحقق، لأن رئيسها قال قبل اختيارها انه ما من حاجة للجنة. ولفت إلى أن من بين أعضاء اللجنة مؤسس جمعية (أصدقاء إسرائيل الأوروبيون) ومحام كتب الكثير من المقالات ضد تركيا. وتابع: قلنا من قبل اننا سنتخذ بعض الاحتياطات إلى أن تلبى طلباتنا وسوف يرى الرأي العام لديهم هذه الاحتياطات الواحد تلو الآخر. وأشار إلى بقاء 3 سفن من (أسطول الحرية) في إسرائيل بالرغم من المطالبة التركية باسترجاعها قبل 10 أيام، وذكر بأن مجلس الأمن أشار إلى هذه المسألة في بيان صادر عنه “ونحن نتوقع الآن من إسرائيل أن تتخذ قراراً. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 29 جوان  2010)


ضاحي خلفان لـ’القدس العربي’: القصة اقرب للتصديق والمخطط ينم عن غباء الموساد كان ينوي خطف المبحوح لا قتله لمبادلته بالجندي الاسرائيلي شليط سيناريو لنقله الى يخت موجود بدبي ثم لزورق عسكري مزود بصواريخ في البحر الاحمر


6/29/2010 غزة ـ لندن ـ ‘القدس العربي’ ـ من اشرف الهور واحمد المصري: فيما ذكر تقرير اسرائيلي نشره موقع ‘تيك ديبكا’ الاستخباري امس ان رجال الموساد الذين نفذوا عملية اغتيال القائد العسكري الكبير في حركة حماس محمود المبحوح في احد فنادق امارة دبي كانوا ينوون خطفه لا قتله، لمبادلته مع الجندي الاسرائيلي الاسير في غزة غلعاد شليط، رجح الفريق ضاحي خلفان تميم صحة هذه الانباء نظرا لعدد الاشخاص الذين شاركوا في العملية واكد ان ذلك ينم عن غباء جهاز الموساد. ونقل التقرير عن دوائر في المخابرات الامريكية قولها ان العملية التي استهدفت المبحوح المسؤول الرفيع في حماس لم تكن تستهدف موته بل لـ’التقاطه كرهينة حية’ لمبادلته بالجندي الاسير لدى حماس غلعاد شليط. وقال الفريق ضاحي خلفان في اتصال هاتفي لـ’القدس العربي’، ‘ان كل الاحتمالات واردة، وارجح هذه الانباء لان عدد الاشخاص كبير جدا لتنفيذ عملية اغتيال’، لكنه اضاف ‘العملية تنم عن غباء كبير من قبل جهاز الموساد، لان المخطط فشل فلا هم اسروا المبحوح ولا هم حرروا شليط’. ولم تخل نبرة الفريق خلفان من التهكم على جهاز الموساد، وقال ‘ربما كانوا ينوون الذهاب الى البحر الاحمر والانضمام الى القراصنة’، خاصة وان الفريق كان قد كشف عن العديد من خيوط عملية اغتيال المبحوح، وقام بنشر صور المتهمين وتم تعميم صورهم عبر الشرطة الدولية ‘الانتربول’. وكان قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان كشف عقب تنفيذ العملية مخطط الاغتيال، واتهم جهاز الموساد الاسرائيلي بالوقوف وراء عملية التنفيذ. ونشرت شرطة دبي صورا لاكثر من ثلاثين رجلا وامرأة من جنسيات اجنبية قالت انهم شاركوا في عملية الاغتيال وطالبت الشرطة الدولية ‘الانتربول’ باعتقالهم، والتي بدورها اصدرت بحق المتهمين مذكرات اعتقال. وقامت عدة بلدان اجنبية بطرد الملحقين العسكريين الاسرائيليين من اراضيها ردا على استخدام الموساد جوازات سفر مزورة لهذه البلدان. واول من امس قال الفريق خلفان ان شرطة دبي قد تطلب من الانتربول اصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس جهاز الموساد الاسرائيلي، مائير داغان على خلفية تورطه في اغتيال المبحوح، مشيرا الى ان استبعاد داغان من منصبه امر متوقع لان اسرائيل ‘لا تقبل الخاسرين’. واعتقلت بولندا مؤخرا احد عملاء الموساد مطلوبا لدى المانيا، وطالبت برلين بتسليمه لها. وتفيد المعلومات الامنية ان خطف المبحوح وهو الرجل المسؤول عن امدادات الاسلحة التي تصل مسلحي الحركة في غزة من ايران، سيكون ‘وسيلة للضغط للحصول على الافراج عن الجندي شليط’. ووفق التقرير فان عملية خطف المبحوح التي لم تتحقق كانت ضمن مخطط يهدف الى تنفيذ سلسلة عمليات مشابهة لقادة حماس في الشرق الاوسط خلال شهر كانون الثاني (يناير) الماضي لمقايضتهم بشليط. وبينت المصادر التي استند اليها التقرير انه وفي اعقاب فشل عملية خطف المبحوح قررت الاجهزة الامنية الاسرائيلية ايقاف المخطط لخطف باقي القادة الذين تتبعتهم الاعين الاسرائيلية تحضيرا لعمليات مشابهة. وذكرت المصادر الامنية الامريكية التي تحدثت للموقع الاستخباري ان فريق العملاء الذي نفذ مخطط اغتيال المبحوح، فشل في اعطائه جرعة التخدير اللازمة لشل حركته، حيث جرى اعطاؤه جرعة زائدة ادت الى وفاته على الفور. ووفق المخطط كان من المفترض ان يكون المخدر يكفي ليسمح للمبحوح بالخروج مع الخاطفين على قدميه، دون ان يلفتوا الانتباه، ليتم بعدها اقتياده الى ميناء دبي ووضعه على متن يخت مجهز في الانتظار ليبحر في الخليج للوصول الى زورق صواريخ اسرائيلي موجود في البحر الاحمر. لكن وبحسب ما ذكر الموقع الاستخباري بعد فشل العملية ووفاة المبحوح تلقى افراد الخلية اوامر بترك الجثة داخل الغرفة وايقاف العملية والخروج من دبي بشكل سريع. ويرى مراقبون امنيون ان هذه الخطة اقرب الى التصديق نظرا لوجود هذا العدد الكبير من الموساد في دبي لمجرد اغتيال رجل واحد فقط وهو امنيا لا يصح. وكانت وحدة الموساد وبينها نساء اغتالت المبحوح يوم 19 كانون الثاني (يناير) الماضي، في فندق البستان بدبي، واظهرت كاميرات المراقبة المنتشرة في المطار والفندق رجال الموساد الذين كانوا يراقبون تحركات الرجل. يذكر ان المبحوح الذي فر من قطاع غزة الى دمشق منذ سنوات بعد مطاردته من قوات الاحتلال الاسرائيلية، شارك في عمليات اسر وقتل جنود اسرائيليين ابان انتفاضة الحجارة التي انطلقت في العام 1987. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 29 جوان  2010)

 


فرنسا بين الأزمة الكروية والأزمة الأخلاقية


مراد زروق 2010-06-29 مما لا شك فيه أن المواكبة المبالغ فيها لأداء المنتخب الفرنسي لكرة القدم في كأس العالم التي تقام في جنوب إفريقيا حدث تاريخي بكل معنى الكلمة. المنتخب الفرنسي وصل إلى نهائيات كأس العالم وهو لا يستحق أصلا أن يكون في جنوب إفريقيا بعد أن سرق الفوز بهدف خيالي ضد أيرلندا، ولمّا ذهب إلى نهائيات كأس العالم شارك بلاعبين بعضهم في خريف مساره الرياضي والبعض الآخر دون المستوى، والمدرب يستحق في أحسن الأحوال أن يكون مدربا في بطولة الهواة أو في القسم الثاني. يُضاف إلى هذا الوضع السيئ تمرد اللاعبين على المدرب والفوضى العارمة التي عمت تربص المنتخب الفرنسي، فكان أن أُقصي هذا الفريق وخرج من الدور الأول. إلى الساعة ليس في هذه الصورة ما يستدعي الحديث عن أزمة وطنية أو ما يتنافى وقوانين الطبيعة، لكن النقاش الذي يدور حاليا في فرنسا يوحي بأن الأزمة ليست كروية وإنما أخلاقية، وأن المشكلة ليست تدني مستوى المنتخب الفرنسي بقدر ما هي مشكلة تدني أخلاق بعض رجال السياسة وأدعياء الثقافة. ما إن خسر الفرنسيون مقابلتهم ضد المكسيك حتى بدأ الحديث في بلد الأنوار عن السود الذين لا يقدّرون قيمة القميص الوطني الفرنسي. النقاش الدائر في الشارع عادة لا يتم التعامل معه حرفيا، بل تُستخلص منه الإرهاصات والتوجهات العامة للناس، إلا أن الهزيمة أمام جنوب إفريقيا جعلت هذا النقاش يُتداول في شكله البدائي داخل أوساط السياسيين والمثقفين، ويتسع بالتالي وقعه على المجتمع الفرنسي، إلى درجة أن التمييز بين لاعبي المنتخب بسبب لونهم وعرقهم لم تعد يُزعج أحداً. هناك من يقول إن أزمة المنتخب الفرنسي انعكاس للأزمة الاجتماعية والثقافية في فرنسا وامتداد للشرخ الذي يعرفه المجتمع الفرنسي، ولم يكلف المتنطعون ممن يلوكون هذه «النظرية» الجديدة أنفسهم عناء تفسير العلاقة بين فشل رياضي وفشل بنيوي في سياسة الإدماج بدأ منذ عقود وما زال يبحث عن عقول نيرة تأتي بالحل المستعصي. هكذا إذن بين عشية وضحاها أصبح أبناء ضواحي باريس هم سبب الإخفاق. أحد المعلقين على مقال حول هذا الموضوع كَتَب بالحرف أن المشكلة هم اللاعبون السود والعرب، فأجابه قارئ آخر بأن المدرب استثنى اللاعبين العرب من اللائحة النهائية قبل السفر إلى جنوب إفريقيا، فعاد صاحبنا وعقب على التعليق قائلا: «لا يهم، لأنهم جزء من المشكلة». هذا النوع من السُعار لا يحتاج إلى مجهود كبير للوقوف على دوافعه، فالعنصرية لم تعد تحتاج إلى متطرفين مثل جان ماري لوبين وصحبه في حزب الجبهة الوطنية، ما دام خطاب هذا اليميني المتطرف قد استحوذ عليه ساركوزي وبعض وزرائه العنصريين ودب في الشارع الفرنسي بسرعة مذهلة. أمام هذه المهزلة ارتفعت بعض الأصوات الرصينة في اليسار واليمين على حد سواء لتخفف من حدة هذا النقاش البيزنطي وأعادت صحيفة «ليبراسيون» نشر مقال المفكر إدغار موران الذي يعود إلى 20 يوليو 1998، أي بعد ثمانية أيام على فوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم، حيث اعتبر التتويج آنذاك عاملا لترسيخ التلاحم بين مختلف مكونات المجتمع الفرنسي، خصوصا أن أهم اللاعبين كانوا من أصول أجنبية، حينها كتب موران: «فرنسا الموحدة ذات التعددية تتجسد اليوم في إنجاز فريقها الذي يحمل ثلث لاعبيه أسماء أجنبية». ما أضعف ذاكرة الإنسان! لم يتغير أي شيء في الواقع الاجتماعي وفي أصول لاعبي المنتخب الفرنسي، كل ما هنالك أن العالم تغير، وأصبحت القيم التي اجتمع عليها الناس في أوروبا حملا لا يُطاق عند البعض, خصوصا في وقت الأزمات على اختلافها، لأن الأزمة هي رديفة الكراهية، فهي قادرة على تفجير كل ينابيع الخبث الباطنية. في يوليو 1998 عاشت فرنسا أحلامها الوردية فقد فازت بكأس العالم يوم 12 يوليو وشرب الجميع من كأس حب الوطن حتى الثمالة. كان زيدان وتورام وغيرهم من أبناء المهاجرين أبطالاً قوميين، وواصلت فرنسا احتفالها بالتتويج حتى يوم 14 يوليو، حيث كان الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي فريداً لأنه كان في الحقيقة تتمة للإنجاز الكروي. كان الرئيس شيراك آنذاك ممتناً لأبناء الضواحي، لأنه وظّف التتويج الرياضي خلال تلك المرحلة للتعامل مع السياق السياسي الدقيق ومع الأزمة الاجتماعية التي ذوبها الفوز. اليوم تغير المشهد تماما، أصبحنا نرى الرئيس ساركوزي يُعلق على تصرفات اللاعب أنيلكا في غرفة الملابس ويبعث بسيارة رئاسة الجمهورية لتقل اللاعب تيري هنري من المطار مباشرة ليجتمع به في قصر الإليزيه للحديث عن أزمة الكرة في فرنسا!! قمة الشعبوية وركوبٌ طارئ لموجة الهستيريا الكروية التي دفعت الرئيس الفرنسي للحديث عن هيكلة قطاع كرة القدم في فرنسا دون مراجعة الاتحاد الفرنسي الذي سيُعزل رئيسُه عما قريب أو وزارة الرياضة، مما جعل الاتحاد الدولي يحذر الرئاسة الفرنسية من التدخل في شؤون كرة القدم. لم يعد هناك فرق بين الرئيس ساركوزي ورؤساء جمهوريات الموز الذين يعيشون على الإنجازات الرياضية التي تخدر شعوبا بأكملها, إلا أن ساركوزي يختلف عن كل قادة الدول الأخرى ديمقراطية كانت أو ديكتاتورية بقدرته الفائقة على خلق أو اختلاق نقاش وطني حول أي موضوع جانبي يمكن أن يخطر ببالنا، من قبيل النقاب أو الهوية الوطنية أو الإخفاق الكروي، لكنه لن يجعل من قضية التضحية بالمكاسب الاجتماعية موضوع نقاش وطني, كما لم يتطرق ولن يتطرق بنفس الحماس للزيادة في سن التقاعد سنتين كاملتين أو لأزمة البطالة ونقل نشاط الشركات إلى الخارج، وباقي المشاكل التي تقض مضجع الفرنسيين. الأزمة الحالية أكبر من أن تكون إحباطا بعد الإقصاء المبكر للمنتخب الفرنسي، إنها أزمة أخلاقية بكل المقاييس، وإذا لم تُعالج أسباب هذه الأزمة من جذورها ستفرز رجات وأزمات أخرى في المستقبل. *أستاذ بجامعة غرناطة   zarmourad@gmail.com (المصدر: “العرب” (يومية – قطر) بتاريخ 29 جوان 2010)

 

 

Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

2 août 2009

Home – Accueil TUNISNEWS 9 ème année, N° 3358 du 02.08.2009  archives : www.tunisnews.net   Maître Barbara Manara: URGENT : Arrêtez

En savoir plus +

2 avril 2007

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 7 ème année, N° 2506 du 02.04.2007  archives : www.tunisnews.net Reporters sans frontières: Tunisie –

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.