الثلاثاء، 14 نوفمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2367 du 14.11.2006

 archives : www.tunisnews.net


جمعية التضامن التونسي: بـــيـــان لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس تستنكر اعتداء البوليس التونسي على مناضليها و محاولة تجنيدهم الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: بــــلاغ ميدل إيست أونلاين : خامس تأجيل لمحاكمة المتّهم بالاٍعتداء على معبد يهودي في تونس ذو العينين: وقفة مع المعركة.. الأخلاقية! أحمد نجيب الشابي: ربنا قنا شرّ أصدقائنا ناجي الجمل: شكر وتساؤل علــي شرطــاني : طبيعة النظام العربي الإسلامي وأسباب فشله صــــابـر التونسي: “تونس” والشهائد العالمية محمد العروسـي الهانـي: رسالة مفتوحة إلى الأخ الأمين العام للتجمع الدستوري الديموقراطي محمد بوسنينة:  تونس: من تأسيس مقوّمات الديمقراطية.. إلى الممارسة اقبال الغربي: حول الانتفاضة الجنسية في مصر توفيق المديني: خريطة الأحزاب والقوى في موريتانيا المقبلة على انتخابات احميدة النيفر: أوروبا التي نحبّ … أوروبا التي نكره عندما نضيق ذرعاً بأنفسنا  إبراهيم العريس : «أيام قرطاج» … ماذا يبقى من تاريخ عريق اكتشف أقوى ما في سينما الجنوب؟ عبد الله جدي: مزق حجابها في تونس الأستاذ منير بطيخ : مقاهي الحاضرة في النصف الأول من القرن العشرين (2): المقـاهي الأدبيـة القدس العربي: معركة الحجاب تصل إلى المطارات المغربية الجزيرة.نت : ليبيا تنشئ منطقة حرة بالتعاون مع شركة “إعـمـار” (الإماراتية)   مخضرم: رقصة القذافي وإبنه محمد أبو رمان: الإسلاميون برؤية أوروبية جديدة حسام تمام : تحولات قواعد الإخوان صالح السنوسي: المثقف العربي بين عنف الأقلية الحاكمة والأقلية المعارضة   خالد الحروب: «المثقف الموظف» ضد المثقف الـحُـرّ الجزيرة.نت : كتاب من تأليف عبد الغني بن عمارة وخليل تمار : “محمد.. الغرب يشهد” .. سباحة ضد التيار


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


أطلقوا سراح الأستاذ محمد عبو أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 شارع المختار عطية تونس 1001 الهاتف : 71340860 الفاكس:71354984 14/11/2006   بــــلاغ
  أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس يوم الاثنين 13 نوفمبر 2006 حكما ضد مجموعة من مساجين الرأي طبقا لمقتضيات قانون الإرهاب  هذا نصه :”ابتدائيا حضوريا في حق برهان الدريدي و سامي الغربي و صلاح الدين العوني و أحمد الشابي و غيابيا في حق من عداهم و ذلك بثبوت إدانة الأربعة الأوائل من أجل عدم إشعار السلطات ذات النظر فورا بما أمكن لهم الاطلاع عليه من أفعال و ما بلغ إليهم من معلومات و إرشادات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية و عقاب كل واحد منهم مدة ستة أشهر كثبوت إدانة المتهمين محمد زين الدين و محمد مهدي الهمامي و ياسين الفرشيشي و رضا اليحياوي و نزار المرنيص و عن كل واحد منهم مدة ثمانية أعوام من أجل الانضمام إلى تنظيم له علاقة بجرائم إرهابية و اعتبار جريمة استعمال اسم  أو كنية أو رمز أو غير ذلك من الإشارات قصد التعريف بتنظيم إرهابي و بأعضائه أو بنشاطه منذ مدة كسجن كل واحد منهم مدة ثمانية أعوام من أجل الدعوة إلى ارتكاب جرائم إرهابية و اعتبار جريمة استعمال تراب الجمهورية لانتداب أو تدريب شخص أو مجموعة من الأشخاص بقصد ارتكاب عمل إرهابي داخل تراب الجمهورية أو خارجه كسجن كل واحد منهم مدة ثمانية أعوام من أجل الانضمام خارج تراب الجمهورية إلى مثل هذا التنظيم و اعتبار جريمة تلقي تدريبات عسكرية خارج تراب الجمهورية أو داخله كسجن كل واحد منهم مدة ستة أشهر من أجل مغادرة تراب الجمهورية بدون وثيقة سفر رسمية و إخضاع كافة المحكوم عليهم للمراقبة الإدارية مدة خمسة أعوام بالنسبة للأربعة الأوائل و مدة عشرة أعوام بالنسبة لباقي المتهمين بداية من نفاذ العقاب و انقضائه و حرمان هؤلاء الأخيرين من حق الاقتراع مدة عشرة أعوام …”.         رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري


بسم الله الرحمان الرحيم لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس: اعتداء البوليس  التونسي على أعضاء لجنة الدفاع عن المحجّبات في تونس أمام الإعتداءات المتواصلة التي يقوم بها البوليس التونسي والتي تأخذ في كل مرّة منحا  جديدا  سواء ضدّ المحجبات أوضدّ أعضاء  لجان المساندة التي شكلت في تونس للدفاع عن المحجّبات فإنّنا في لجنة الدّفاع عن حجاب المرأة في تونس بألمانيا نستنكر بشدّة ما تعرّض له السّادة جميل التّستوري ومحمّد الوافي ومنذر الطبيب ـ أعضاء بلجنة الدفاع عن المحجّبات في تونس ـ من اعتداء وترهيب في مقرّ وزارة الدّاخليّة كما نعلن مساندتنا المطلقة لأعضاء اللجنة وندعو المنظّمات الحقوقيّة والأحزاب الوطنيّة ومنظّمات المجتمع المدني في تونس  للتّصدي لهذه الممارسات الهمجيّة والتشهير بها . وفي ما يلي نعرض عليكم نصّ الرّسالة كما وردت علينا من لجنة الدفاع عن المحجّبات في تونس : 

 

لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس تستنكر اعتداء البوليس التونسي على مناضليها ومحاولة تجنيدهم

 

قام عدد من الطلبة من مناضلي لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس بزيارة الأستاذة سعيدة العكرمي الكاتبة العامة بالجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين بتونس و ذلك للاستفسار عن الوضعية القانونية للجنة.

 

وأثناء مغادرتهم لمكتب الأستاذة سعيدة قام أحد أعوان البوليس السياسي المرابط بالمكتب بإيقاف ثلاثة من مناضلي اللجنة وهم جميل التستوري ومحمد الأمين الوافي من كلية العلوم القانونية و السياسية بتونس ومنذر الطبيب من كلية الحقوق و العلوم السياسية و استدراجهم إلى مقر سلامة أمن الدولة في المبنى التابع لوزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة.

 

و قام البوليس التونسي بفصل الطلبة الثلاثة عن بعض و استجواب كل واحد منهم على حدة كما قام بتعنيفهم في بداية التحقيق لتخويفهم و إجبارهم على الإدلاء بما لديهم من معلومات و قد وجهت لهم العديد من الأسئلة على امتداد 5 ساعات من قبيل : “منذ متى أنت  تصلي؟ و هل تصلي بالقبض والرفع؟ هل أنت سلفي جهادي؟ ما هي الكتب التي تقرؤها والقنوات الدينية التي تتابعها؟

 

وتم استفسارهم عن سبب زيارتهم للمحامية آنفة الذكر وقد رافقت هذه الأسئلة حملات متواصلة من الترويع و الإرهاب حيث كان العديد من أعوان الأمن بالزي المدني يدخلون ويخرجون إلى غرفة التحقيق و هم يسبون الجلالة ويقذفون مناضلي اللجنة بالكلام البذيء إضافة إلي الصفعات و الركلات  وعندما سألهم أحد الطلبة عن موعد خروجهم أجابهم أحد الأعوان بقوله “إن من يدخل مقر وزارة الداخلية لا يخرج منه أبدا” كما ادعى أحدهم أن “القانون الذي يدرسه الطلبة هو قانون يدرس فقط وأن البوليس هو القانون وهو الحاكم في هذه البلاد” كما زعم أحدهم أنه “قادر على جلب المحامي الذي استشاره الطلبة وتعنيفه على مرآهم ليعرفوا أن الدولة دولة بوليس لا دولة القانون” وقصد بذلك الأستاذ عبد الرؤوف العيادي عضو حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يرأسه الدكتور المنصف المرزوقي الممنوع من النشاط في تونس وذلك أن الأستاذ العيادي انتقل إلى مقر قريب من الأستاذة العكرمي وظن  هذا الشرطي أنه هو من زاره.

  

وإثر هذه الحملات المتكررة من الإرهاب و الترويع قام البوليس التونسي بأخذ صور لمناضلي اللجنة و هم يحملون أرقاما  كما قاموا بأخذ بصماتهم وأرقام هواتفهم. ثم بدأ أعضاء مكتب سلامة أمن الدولة يغيرون طريقة التعامل معهم شيئا فشيئا فسألوهم إن كانوا في حاجة إلى المال أو إلى وظيفة معينة ثم وعدوهم بأن يوظفوهم ويمدوهم بالمال إن قبلوا الاشتغال كمخبرين لدى المخابرات و الإرشاد السياسي وبالتالي مدهم بكامل التطورات الخاصة بعمل اللجنة و نضال الطلبة.

 

وقد قام أحد أعوان الإرشاد السياسي بأخذ موعد منفصل مع كل طالب و أمر الجميع بكتمان أمر إيقافهم و تعنيفهم في مبنى الداخلية.

 

وقد اتصل البوليس التونسي مؤخرا بمناضلي اللجنة الثلاثة مستفسرا عن سبب عدم حضورهم في الموعد ورد عليه أحدهم بإغلاق خط هاتفه.

 

 أمام هذه التصرفات المشينة من البوليس التونسي تعتبر “لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس” أن حقها في النضال المدني السلمي هو حق لا تفاوض فيه و تؤكد عزمها على مواصلة الدفاع عن المحجبات والحريات بتونس .

كما تلفت اللجنة نظر الرأي العام الوطني وكل من يتابع الشأن التونسي  أن البوليس تحول إلى أداة قمع عمياء بيد السلطة التي تمارس على شعبها إرهابا منظما كما تحول مقر وزارة الداخلية من مركز لحفظ  الأمن إلى مركز إرهاب المواطنين والمناضلين و تكريس لعصا البوليس بدلا عن حكم القانون.

 

و في ظل هذه التضييقات نرجو من كافة مكونات المجتمع المدني الالتفاف حول اللجنة ومساندتها .

 

نرجو من الجميع التضامن معنا عبر مراسلتنا بالبريد الالكتروني:

protecthijeb@yahoo.fr


 

جمعية التضامن التونسي
بـــيـــان
تمّ إطلاق سراح خمس و  خمسين سجينا سياسيا ينتمون لحركة النهضة بعد أن قضوا أكثر من 15 عشرة سنة وراء القضبان في ظروف قاسية و لا إنسانية عبر استهدافهم للعقوبات التعسفية و التعذيب المتواصل و حرمانهم من أبسط الحقوق المضمونة قانونا مثل الحق في العلاج و التغذية و التواصل مع العائلة و التعليم.
 وجمعية تضامن تونسي إذ تعبر عن اعتزازها بصمود المساجين السياسيين و تمسكهم بحقوقهم المشروعة تهنئ المفرج عنهم وعائلاتهم باستردادهم لحريتهم.
وجمعية تضامن تونسي  إذ تؤكد أن إطلاق سراح كل المساجين السياسيين أضحى مطلبا ملحا غير قابل للتأجيل فإنها تعتبر أن التردد في إغلاق هذا الملف و إنهاء معاناة المئات من أبناء تونس وإنقاذهم من الموت البطيء مهما كانت المبررات لن يزيد الأوضاع إلا تعقيدا و هي تحمل السلطة مسؤولية كل ما يمكن أن يترتب عن استمرار احتجازهم وتعريض حياتهم للخطر, كما تدعو السلطة إلى الاستجابة الفورية لنداء العقل و مطالب كل القوى الوطنية و الهيئات و الفعاليات السياسية و الحقوقية و الإنسانية في الداخل والخارج بإطلاق سراح كل المساجين السياسيين ووضع حد لسياسة التنكيل و القتل البطيء التي تستهدفهم و إعلان العفو التشريعي العام.
جمعية التضامن التونسي قسم الإعلام


 الحمد لله ، الكاف في : 14/11/2006                                                          

هـذه   غابـتـهم  ، ومن إنجازات  سابعهم

  أعلم  كافة زملائي  المحامين  والرأي العام  أني تنقلت  اليوم 14/11/2006  مساءا  لزيارة أحد حرفائي بالسجن المدني  بالكاف  ،  وهو سجين  حق عام  .

حيث منعت مرة أخرى  من الزيارة  و ردّ  لي  الترخيص القضائي .

يقولون أنهم  أنجزوا دولة القانون  و هم  الذين   داسوهما  وهمشوا حقوق الدفاع و حولوا   البلاد  إلى  غابة .  الإمضاء الأستاذ محمد نجيب الحسني  المحامي بالكاف


إنا لله وإنا إليه راجعون

 

السيدة مريم مريزق في ذمة الله

 

بعيون دامعة وبقلوب حزينة ولكنها محتسبة صابرة لقضاء الله ذاكرة قوله تعالى ” إنا لله وإنا إليه راجعون” تنعى حركة النهضة السيدة مريم مريزق والدة الأخ  عبد الحميد العابد عضو حركة النهضة المقيم بمدينة نيس الفرنسية .

 

وقد انتقلت الفقيدة العزيزة إلى رحمة الله تعالى اليوم الاثنين 22 شوال 1427 هـ الموافق لـ13 نوفمبر 2006.

 

و حركة النهضة، بهذه المناسبة الأليمة، تحتسب عند الله الفقيدة العزيزة وترفع إلى الأخ عبدالحميد وإلى كل عائلة الفقيدة  خالص التعازي وصادق الدعاء أن يرزقهم جميل الصبر وأن لا يفتنهم وإيانا بعدها. راجين من العلي القدير ان يكون مثوى الفقيدة جنة الخلد وأن يتقبلها القبول الحسن بواسع الرحمة والمغفرة والثواب .

 

“يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” الفجر (30،29،28،27)

 

1 شوال 1427 الموافق 25 اوت 2006

 

حركة النهضة بتونس

الشيخ راشد الغنوشي

 

 للإتصال بالأخ عبدالحميد للتعازي:0033603106167

 


خامس تأجيل لمحاكمة المتّهم بالاٍعتداء على معبد يهودي في تونس

تونس – ذكرت مصادر قضائية في تونس أن محكمة الاٍستئناف بتونس العاصمة قررت للمرة الخامسة تأجيل النّظر إلى يوم 7 كانون الأول/ديسمبر المقبل في قضية بلقاسم نوّار المتّهم الوحيد في “التّفجير الإرهابي” الذي اٍستهدف عام 2002 المعبد اليهودي بجزيرة جربة. ولم توضح هذه المصادر أسباب هذا التأجيل. و كانت هذه المحكمة قد أجلت قبل حوالي شهر (16 تشرين الأول/ أكتوبر)النظر في نفس القضية استجابة لمطالب محامي الدفاع. ويعد التأجيل الجديد خامس تأجيل في هذه المحاكمة التي بدأت في 26 أبريل/نيسان الماضي إثر اعتقال دام نحو أربع سنوات. يذكر أن المحكمة الاٍبتدائية في تونس العاصمة كانت قد أصدرت في 6 حزيران/ يونيو الماضي حكما بالسجن 20 عاما مع 6 سنوات سراح مشروط ضد بلقاسم نوّار بعد اعترافه أمام الدائرة الرابعة للمحكمة بمساعدة ابن أخيه نزار في شراء الشاحنة التي نفذ بها هجومه على المعبد اليهودي في 11 أبريل/ نيسان 2002 وهو تفجير أسفر آنذاك عن مقتل 21 شخصاً من بينهم 14 سائحاً ألمانياً و 5 تونسيين و سائحان فرنسيان بالإضافة إلى نزار نوّار الذي لقي مصرعه أثناء التفجير الذي تبناه أسامة بن لادن، زعيم تنظيم “القاعدة” بعد أسابيع من حدوثه. وكانت السلطات التونسية قد سمحت لقضاة ألمان و فرنسيين بالمشاركة في التحقيق ومن بينهم القاضي الفرنسي جان لوي بريغيير. (المصدر: موقع ميدل إيست أونلاين بتاريخ 14 نوفمبر 2006 نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية)


 

وقفة مع المعركة.. الأخلاقية!

بقلم: ذو العينين

 

أوردت نشرية تونس نيوز تقلا عن موقع الحوار.نت مؤخرا تقريرا (يمكن مراجعته كاملا على الوصلة التالية: http://www.alhiwar.net/bern.htm ) عن مجريات تجمع نظمه عشرات المحتجين يوم السبت 11 نوفمبر 2006 أمام مقر السفارة التونسية في مدينة برن بسويسرا وقد لفت نظري ما ورد في الفقرة التالية:

 

“… ثم أخذ الكلمة الشيخ و العضو المعروف في الزيتونة الاخ علي بالحاج علي و هذا بعض ما جاء فيها:”إن ما يحصل فضيحة ولا يمكن ان يكون هذا في بلادنا بلاد العروبة و الاسلام بلاد الزيتونة هذه الفضيحة التي لا يمكن ان يسكت عنها و الاصل فيه ان المجتمع التونسي باختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية و التاريخية ان يثوروا ويردوا هذه الفضيحة و التي تتمثل بالاعتداء على اقدس المقدسات لحرية الانسان هذه الحرية هي الحرية الشخصية و الحرية الدينية هاتان الحريتان اللتان كفلتهما كل الدساتير الوضعية و الدينية حرية ان يرتدي الانسان ما يريد وان يفكر كما يريد”

 

و قد تخللت كلمة الأخ هتافات و شعارات من المعتصمين و منها:

 

Le HIJAB  un Droit..  Ben Ali S’EN VA

 

حــجــاب حــرّيــة كــرامــة وطــنــيـّـة

 

مـــلاّ خــزي و مـــلا ّعــــار وُوه وُوه عــلى النــــــظــــــام

 

و هناك من غيّرها وقال:

 

مــلاّ خــزي و مــــلا عــــار تـــفوه تـــفوه عـــلى الـــنظــام…”

 

للوهلة الأولى لم أصدق ما قرأت. عدت للقراءة مرة ثانية وثالثة، ثم راجعت موقع الحوار.نت مجددا واتضح أن ما قرأته كان “صوابا”. فعلا، لقد اختار متظاهرون إسلاميون تونسيون لاجئون سياسيون في سويسرا تؤطرهم جمعية الزيتونة (!) وينتمون مثلما يبدو من المعلومات الواردة في التقرير إلى حركة النهضة الإسلامية (!) التونسية أن يُطلقوا هذه الشعارات البذيئة وأن يصرخوا بملء أفواههم في الشارع الغربي بل وأن يدونوا ذلك وينشروه للرأي العام التونسي والعربي والإسلامي والعالمي فيما يشبه التباهي والإعتزاز.

 

يــا للخيبة! ويـــا للكارثـة!!

 

إنني كنت و لا أزال أعتقد أن انحدار العمل المعارض التونسي إلى هذا الدرك في صفوف المنتمين إلى التيار الإسلامي (وإلى غيره من التيارات السياسية والفكرية) كارثة أخلاقية ووطنية بكل المقاييس. فكيف سمح هؤلاء لأنفسهم – وفي حضور سيدات وأمهات وأطفال مثلما تظهر الصور المصاحبة للتقرير – بالتلفظ بمثل هذه العبارات الدنيئة وهم يعلمون جيدا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وهم يعرفون تماما أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، القدوة الأولى لكل مسلم ومسلمة (ولكل إسلامي من باب أولى وأحرى) “لم يكن فحاشا و لا لـعّـانا”.

 

لذلك أسأل: هل أن إطلاق شعارات سُوقية من هذا القبيل يخدم قضية الحجاب ويخفف مأساة الحرائر والعفائف التونسيات؟ هل أن ترداد مثل هذا الكلام الحقير يُشرف الأسود الصامدة المصابرة في السجون التونسية منذ عشرية ونصف؟ وهل يدخل الحبور والسرور على عشرات الآلاف من الصامدين المرابطين في السجن التونسي الكبير بحجم الوطن؟

 

إن حظر الحجاب والتدخل في أخص خصوصيات المرأة المسلمة من طرف الأقلية المتسلطة على رقاب العباد في تونس خزي وعار وشنار لا شك ولا جدال في ذلك.. ولكن الدفاع عن القضايا النبيلة والشريفة لا يمكن أن يتم بالأساليب الغوغائية ولا بالطرق غير الأخلاقية ولا بتقليد أساليب وألفاظ أزلام النظام وزبانيته وعملائه الذين تجاوزوا كل المحرمات وانتهكوا كل الممنوعات.

 

هذا هو الفرق الذي يجب أن يكون واضحا بينا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. أما أن يكون أصحاب “البديل” المأمول بهذا المستوى فعلى الآمال (الضئيلة) بالتغيير الحقيقي السلام لأنه “قبل التمكين، لا بد من التأهيل” مثلما يقول أحد الصالحين.. ولأن الذين يرضون لأنفسهم بالإنحدار إلى هذا المستوى المتدني لـن يـكـونـوا بديلا لبن علي وأشباهه وأمثاله لأنهم بكل بساطة … غير مؤهلين أخلاقيا لذلك!!!!!.

 

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

 

14 نوفمبر 2006

 


ربنا قنا شرّ أصدقائنا

أحمد نجيب الشابي الصديق الطاهر بن حسين شديد الاعتناء بما أقول وبما أفعل حتى أنه يرى نفسه ملز ما بالرد علي في كل مناسبة بأسلوبه السجالي الهادف إلى تقويم الاعوجاج في تفكيرالناس وسلوكهم .ويندرج مقاله “في الايدولوجياوالهويه” ضمن هذا السعي المحموم .ولول اأهمية الموضوع وحرصي على أن لايحوم الغموض حوله ماكنت لأتحمل عناء الرد على مقاله هذا لأنه كان في أغلبه تفتيشا في خبايا الكاتب ومايخفيه من تكتيكات مريبه وأهداف غيرمعلنة بدلاعن تحليل الظاهرة الموضوعية ذاتها، والمتمثلة في معرفة إذا ماكان الحزب الديمقراطي يعاني من أزمة هوية ، وفي صورة النفي ما هي هذه الهوية التي تميزه . من الناحية المنهجية يبدو لي أن الصديق بن حسين وقع في خلط كبيربين المفاهيم قاده إلى تخبط في التحليل . فكأني به يخلط بين الأيديولوجيا و القيم والفكر السياسي في جانب ، وبين المشروع المجتمعي والبرنامج الاجتماعي في جانب آخر. ولمجرد التوضيح أكرر بأن الأيديولوجيا منظومة تعبر عن تصورللكون والمجتمع وتقرر قواعد للتفكير والسلوك أما القيم فهي، في ما أعتقد، المثل التي يسعى الشخص أو المجموعات إلى تحقيقها للاعتقاد بصلاحها وحسنها. أما الفكر السياسي فهو ببساطة مجموعة الأفكار السياسية الخاصة بشخص أو مجموعة من الأشخاص .واذا سلمنا بهذه التعريفات يتجلى الفرق واضحا بين القيم والأيديولوجيا. فإذا كانت الأيديولوجيا تنبني على مثل أو قيم ضمن عقائدها ومبادئها (وهو ما يقره الصديق بن حسين ) فهي لا تقف عند هذا الحد بل تتعداه لتصوغ قواعد للتفكير والسلوك والتي يعد الخروج عنها (أو حتى مجرد مراجعتها) مجافاة لحقائقها و مروقا عن نظامها. وان كنت أنكرت في مقالي المنتقد أن يكون للحزب الديمقراطي مرجعية أيديولوجية فإني لم أدع البتة أن ليس له قيما ومثلا أو فكرآ سياسيا بل اعتبرت على العكس من ذلك أن للحزب الديمقراطي فكرا سياسيا مميزا و فعالا. أما بالنسبة للمشروع المجتمعي فإني أزعم أنه يتحدد أساسا بنظامه السياسي ونظامه الاقتصادي وما يرتبط بهما من ثقافة سائدة في حين أن البرنامج الاجتماعيي تمثل في جملة الإجراءات التي يقترحها أويجريهاهذا الحزب أو ذاك في هذا القطاع أو ذاك لفائدة هذه الشريحة الاجتماعية أو تلك ، وبالطبع فإن هذا البرنامج يعكس القيم والمثل والفكر السياسي للحزب الذي يحمله . ومن هذا المنظور،أصر على أن الاشتراكية – الديمقراطية لا تملك مشروعا مجتمعيا مختلفا عن أحزاب اليمين في العالم الغربي وانما تتميز عنها ببرنامجها السياسي والاجتماعي والذي يعكس مصالح فئات اجتماعية مختلفة . ولو كان الأمر خلاف ذلك لشهدنا البلدان الأوربية تنتقل من “مشروع مجتمعي” إلى آخر كلما تداول اليمين واليسار فيها على الحكم ،والحال أن الواقع في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا وأسبانيا وغيرها يشهد بخلاف ذلك ويثبت أن المجتمعات الغربية استقرت على وفاق يجعل من اقتصاد السوق و الديمقواطية الركيزتين الأساسيتين التي يقوم عليهما المشروع المجتمعي الذي ارتضته لنفسها. هذا الخلط قاد الصديق بن حسين إلى تخبط في تحليل الظواهر السياسية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية على أساس ما افترضه من انشطار حول القيم . كما قاده إلى تخبط مماثل في قضايا الهوية الحضارية للبلاد فحاول أن يخلق تضاربا بين البعدين العربي والإسلامي للمجتمع التونسي وكأنه لا يعي أن الحضارة العربية الإسلامية هي تلك التي اشتركت الشعوب المعتنقة للإسلام في صياغتها بلغة الضاد، أوكأني به لم يسمع من قبل بالحضارات “اليهودية –المسيحية” أو” الإغريقية – الرومانية” الخ … أو كأن المرء إذا ما تحدث عن حضارته أوثقافته ” الهسبانية” أو الهندوسية أو البوذية أو الشمال أمريكية يكون قد خرج عن المنطق والعقل . وللخروج من هذا التخبط التجأ السيد الطاهربن حسين إلى رياضته المفضلة ،فن السجال وتشريح نفسية مخاطبه ، فقسّم الأحزاب العصرية إلى قسمين كبيرين : : الأحزاب ذات الأيديولوجيا الواعية والمعلنة والأحزاب ذات الأيديولوجية الضمنية وغيو المعلنة” (هكذا).. وفي ما يخصني قرر أن أيديولوجيتي التحروية المعلنة تخفي أخرى دينية و أرجع هذا الازدواج إلى أهداف وغايات تكتيكية تحاول التأليف بين المتناقضات ، بين التحررية التي من كنهها حرية المعتقد و احترام المرأة و السلامة الجسدية وبين الأيديولوجيا الدينية التي تنفي هذه القيم بصريح النص . لكن الانتقائية التي احتمى بها للوصول إلى أحكام مطلقة لاتقنع أحدا. فلو تأمل قليلا في تاريخ الحضارة الإسلامية لاكشف أنها ضمنت ولأزيد من أربع مئة سنة حرية المعتقد لكل الديانات بما فيها عبدة النار في ايران وعبدة الشيطان في شمال العراق وحفظت حتى يوم الناس هذا ديانات غابرة مثل الآشورية والصابئة ، وعرفت تعدد المذاهب والطوائف والملل والنحل داخل المنظومة الإسلامية ذاتها، ولاستنتج من ذلك أن قضايا التحديث قد تطرح في هذه المنطقة من العالم بشكل مختلف عن تلك التي يتخذها نموذجا لإعادة بناء التاريخ . فالمسألة ليست في اكشاف العالم الإسلامي لحرية المعتقد بقدر ما تكمن في إخراج هذه الحرية من عقد الذمة (حماية المسلمين لأهل العقائد الأخرى) لإدماجها ضمن عقد المواطنة الحديث الذي يسوي بين أبناء البلد الواحد في الحقوق والواجبات . ولو تأمل صديقنا كتابات المصلحين من المسلمين على مد قرن ونيف حول قضايا المرأة والنظم السياسية و حكم الردة وغيرها من أمثال محمدعبده والطاهر الحداد و قاسم أمين والمتنورين من قادة الإسلام السياسي الحالي لراجع تصنيفاته المحنطة في اتجاه الإقرار بقوانين الحياة في التطور و لنسب أحكامه المطلقة التي لا تصلح أساسا للفعل السياسي. ومما أثاراستغرابي في رد الصديق الطاهر بن حسين أيضا أسلوبه السجالي الذي ذهب يفتش في خبايا نفسي ولا وعيي ليفضح أهدافي ” الخفية”، وهو لعمري أسلوب أخنى عليه الزمن وأعده من رواسب فترة الشباب التي لم تعد تليق بنا في هذه السن المتقدمة ولا بالمسؤوليات التي نطمح إلى الاضطلاع بها في بلادنا، وأمنيتي أن لايعود بنا الصديق بن حسين إلى مثل هذا السجال العقيم . (المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 13 نوفمبر 2006) 
 


شكر وتساؤل
بقلم ناجي الجمل  كعادته في تقصي الحقائق وإنارة التونسيين، نشر موقع تونس نيوز الأغر بتاريخ 12 نوفمبر 2006 مقالا مأخوذا من جريدة الصباح التونسية لفضيلة الشيخ الدكتور محمد بوزغيبة، أستاذ الفقه الإسلامي وعلومه بجامعة الزيتونة. جاء المقال المعنون

بموقف شيوخ الزيتونة من الحجاب

ليضع حدا للتهافت الذي صاحب حملة الحكومة التونسية على المحجبات ويصدع بكلمة الإسلام في الموضوع. فبين الشيخ بالدليل الشرعي والتوثيق التاريخي أن أئمة الزيتونة، قدامى ومتأخرين، قد أجمعوا على أن ستر المسلمة لبدنها ما عدا الوجه والكفين فرض ثابت على مر العصور والأجيال وأنه لم يقل خلاف هذا إلا دعي متطفل على الدين. وبهذا يكون الشيخ الفاضل قد ألقم اللذين انبروا، مستغلين سكوت العلماء، للإفتاء ببدعة الستر أو ما يعرف اصطلاحا بالحجاب حجرا أكبر مما كانوا يتوقعون. خاصة وأن الرمي جاءهم من حيث ضنوا أنهم لن يؤتوا. كيف لا وهم اللذين حسبوا أنهم “طهروا” مؤسسات التعليم من كل متخلف لا يرى رأيهم في فهم الدين. لقد أصاب الدكتور وأنصف المسلمات لا بل لقد أنصف الدين وأبرأ ذمته أمام الله وأرضى ربه. فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير. ونحن لا نطالب علمائنا وشيوخنا في تونس السجينة بأكثر من تبيان موقف الشرع مما يدور في الساحة التونسية لكي لا يبحث شبابنا الفار إلى دينه عن مصادر أخرى للإفتاء لا تعرف واقعه. وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفق الشيخ الفاضل وإخوانه من أهل العلم الشرعي في تونس إلى قول كلمة الحق دوما ودون مواربة. وقف الدكتور في تحليله عند الحد الذي تسمح به ظروف القهر التي تعيشها تونس في هذه الحقبة من تاريخها. فوضّح موقف الدين من المسألة ونبّه إلى أن دعوة الحكومة إلى التزام اللباس التقليدي الموافق للمواصفات الشرعية متلائم مع الإسلام، وهذا صحيح لا يجحده مؤمن لا في تونس ولا في غيرها. أين الخلاف إذا؟ وما سر هذه الحملة المسعورة والتراشق بين الحكومة وأنصارها ولبس الحجاب وأنصاره؟ لاحظ عدد من المتتبعين لسير معركة الحجاب في تونس أن الإسلاميين لم يجنحوا في جدالهم مع خصومتهم إلى التدليل الشرعي إلا نادرا واكتفوا بحصر الخصومة في جانبها الحقوقي. وليس ذلك تقسيما للأدوار كما فسر البعض ولا عوزا في الحجة الشرعية. وإنما كان الأمر عفويا ومنضبطا لقراءة الواقع التونسي. فاللذين انبروا لنفي فرضية الحجاب لم يكونوا من اللذين يعتد بعلمهم الشرعي حتى يرد عليهم بنفس الأدوات وإنما هم دخلاء أو معادين أصلا للدين. لأجل هذا آثر الإسلاميون التخندق في مجال الحقوق والحريات، وهو ذات الخندق الذي رفض الشيخ الدكتور محمد ولوجه، وترك لغة التدليل الشرعي لمن هم أهل له. فإذا سلمنا بأن الله سبحانه وتعالى قد فرض على المؤمنات ستر الجسم ماعدا الوجه والكفين، جاز لنا شرعا وعرفا أن نختلف في الطريقة التي تحقق الغرض سواء كانت حجابا عصريا كالذي تحمله الملايين من المسلمات في العالم أو سفساريا تقليديا كالذي دأبت على لبسه أمهاتنا وجداتنا في تونس. ولكن يبقى السؤال التالي هل يحق للدولة بمؤسساتها أن تتدخل في فرض نمط معين من اللباس أم أن العدل والحرية تقتضي ترك الناس وما يختارون؟ خلافنا مع النظام الحاكم ها هنا. فنحن مع رفع الدولة يدها عن التدخل في أذواق الناس وندّد خاصة بطريقتها الفجة والغليظة والمتخلفة في فرض قناعاتها أو قناعة بعض المتنفذين في أجهزتها على المرأة المسلمة التونسية.


طبيعة النظام العربي الإسلامي وأسباب فشله

بقلــم: علــي شرطــاني – قفصـة – تونـس إن فشل هذه الأنظمة التي رزأت بها الشعوب والأوطان الإسلامية والخطب الذي أصيبت به الشعوب والأوطان العربية الإسلامية يرجع بالأساس إلى أنها لم تكن أصيلة بالكامل ولا هي دخيلة بالكامل، فقد كانت نشازا. فلا هي أخذت بهذا المنهج أو ذاك، ولا هي استطاعت أن توجد نظاما جديدا متكاملا لا هو بهذا ولا بذاك، ولكنه كان مزيج بين هذا المنهج وذاك. “وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. هذا لا يعني في اعتقادي أن هذه الأنظمة يمكن أن تنتهي إلى تحقيق من النتائج ولو إلى ما يشبه ما تحققه الأنظمة الغربية أو قريبا من ذلك، إذا ما اختارت جلب أيا من المناهج المتبعة في الغرب. ولكن المتأكد هو العكس:
– نظرا لغربة هذه المناهج عن الوجدان الإسلامي والعقل المسلم والواقع الإسلامي والتاريخ الإسلامي والموروث الإسلامي والمقومات الأساسية للشعوب الإسلامية أولا.  -ونظرا لانسجام هذه المناهج مع البيئة الغربية والوجدان الغربي والواقع الغربي والتاريخ الغربي والمقومات الأساسية التي أصبحت عليها هذه الشعوب فقط ثانيا. – وبحكم الإختلافات الجوهرية الكامنة في طبيعة مجتمعات هذه الشعوب وتلك ثالثا. – ونظرا للإمكانيات المادية الهائلة التي انتهت إلى الأنظمة الغربية والشعوب الغربية من خلال حركة النهب الإستعماري الإمبريالي لثروات الشعوب التي أخضعتها أنظمتها لهيمنتها عقودا بل قرونا من الزمن، سواء كانت هذه الشعوب إسلامية أو غير إسلامية، في الوقت الذي مازلت فيه جلها إن لم نقل كلها عاجزة على تحقيق ولو الحد الأدنى المطلوب من الإكتفاء الذاتي الغذائي، فضلا على أن تتجاوزه إلى ما زاد على ذلك رابعا. – وبحكم ما عليه طبيعة الأنظمة شرقا وغربا، أي ما عليه طبيعة أنظمتنا السياسية وأنظمتهم، وما يكون عليه الأمر من فرق بين نظام وطني ديمقراطي أصيل، ونظام استبدادي خائن هجين ودخيل خامسا.  لكل هذه الأسباب وهذه العوامل وغيرها، لا يمكن مطلقا أن يصادف اعتماد وتطبيق هذه المناهج في أوطاننا وعلي شعوبنا أي نجاح. وقد أثبت التاريخ فشل هذه التجارب، مرورا بالتجربة التركية الكمالية، وانتهاء بالتجارب العربية الإسلامية التلفيقية الهجينة. – وذلك لما تحمله هذه التجارب من بذور الفشل والإفلاس في ذاتها أولا.  – ولما عليه القائمين عليها من عدم القدرة والكفاءة والنزاهة المطلوبة ثانيا. – ولما عليه الشعوب من حال من الغربة بينها وبين هذه القيادات والأنظمة والمناهج ثالثا.
فرغم أنه بات في حكم المتأكد أن هذه المناهج والإختيارات والتصورات والبرامج التي تمت المراهنة عليها عقودا من الزمن قد أفلست، وأخفق المقتنعون بها في امتلاك القوة وكسب أسبابها، فإن الأنظمة العربية خاصة مازالت توهم الشعوب ومازال أصحاب السمو والمعالي وأصحاب الفخامة والجلالة والزعماء يوهمون أنفسهم بأنهم مازالوا قادرين على تقديم ما لم يقدموه من قبل. ومازالوا يعملون على تحقيق الرفاه لشعوبهم والقوة والمناعة لأوطانهم.
 ولكن الذي يؤكده كل العارفين والمراقبين لواقع التاريخ السياسي للأنظمة السياسية في المنطقة العربية من العالم الإسلامي، أنه لا هم لهذه القيادات في حقيقة الأمر إلا إحاطة نفسها بكل الضمانات التي تبقى عليها في السلطة، وقد نشطت حركة بعضها باتجاه بعض في العقود الأخيرة لتأمين بعضها بعضا بإمضاء جملة من الإتفاقات والتعاون الأمني وتسليم “المجرمين”.
 فكان أهم هذه الاتفاقات على الإطلاق تلك التي أشرف عليها الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، والتي أصبحت معروفة باتفاقية “شرم الشيخ” لمقاومة الإرهاب. ولقد كان معلوما لدى الجميع منذ ذلك الحين أن المراد بالإرهاب هو مجموع التيارات المجاهدة لحركة التحرر العربي الإسلامي داخل الحركة الإسلامية التي تجعل في مقدمة اهتماماتها مقاومة الأنظمة العميلة الفاسدة في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي، واستهداف الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، والمصالح الأمريكية والقوى الدولية المعادية للعرب والمسلمين والداعمة لدولة اليهود المركبة والمصطنعة بما فيها والراعية لإرهاب الإستبداد السياسي والإرهاب المنظم للدولة العلمانية الحديثة والدولة التقليدية التي قامت على أنقاض الخلافة الإسلامية والتي بارك وجودها ورعاه وأسس له الغزاة الغربيون في المشرق العربي خاصة والتي كانت نتيجة غير طبيعية لتحالف الحركة القومية العربية مع الغزاة الفرنسيين والبريطانيين في المنطقة والتي ربطت وجودها واستمرارها في الوجود بالتحالف الإستراتيجي مع قوى الهيمنة الغربية وخاصة الإمبراطورية الأمريكية. وليكون كل ذلك على حساب الأوطان والشعوب. وقد بدا واضحا أنه كان من أؤكد مهام هذه الأنظمة إقرار الإقليمية وتأكيدها وتأصيلها، مواصلة لخطة الإستعمار والصهيونية في الإنفصال والتجزئة وهي ترفع شعارات الوحدة والتضامن العربي. وهي التي تكرس الإستبداد والقمع، في الوقت الذي تقيم فيه الدنيا ولا تقعدها برفع شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وهي التي يزداد في ظلها الفقير فقرا والغني غنى، وهي التي لا تنقطع في خطابها عن الإهتمام بضعاف الحال والفقراء والمستضعفين، مؤكدة ضمانها للعدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للثروة. وهي الملوحة كذلك باستمرار بشعار الإستقلالية في القرار ونبذها للتبعية والإلحاق، وقد جعلت من العمالة عباءة تلتحف بها، ومن العدو ملاذا تحتمي به.
 فقد أفسدت هذه الأنظمة مزاج الشعوب وتفكيرها. فلا هي استطاعت أن تجتاز بها خط الرجعة في التغريب والتبعية لتصبح جزءا من الغرب تفكيرا وسلوكا ومزاجا. ولا هي أبقت عليها قريبة من أصالتها وتراثها الحضاري وعقيدتها ومنهجها الذي جعل منها أمة، والذي أقامت به حضارة كانت أساسا للحضارة المعاصرة. وماذا ينتظر من أنظمة سياسية لا تقوى على غضب الغرب وأمريكا وعدم رضاهما عليها ؟ وماذا ينتظر من أنظمة ملتزمة بالخط الغربي الأمريكي واليهودي الصهيوني، وتعتبر أنها لا تملك إلا ذلك. وأنه لمن الجنون والمجازفات الخطيرة جدا الحياد عنه، أو المخالفة ولو الجزئية له ؟ إن أشد ما ابتليت به الأنظمة الإستبدادية في المنطقة العربية وبعد انتهاء الحرب الباردة خاصة، هو زيادة اقتناعها أكثر من أي وقت مضى بضرورة الإسراع إلى بيت الطاعة الأمريكي والغربي واليهودي الصهيوني، والقبول الطوعي بضرورة الإحتماء بالأعداء الغربيين أمريكان كانوا أو غربيين أو روس أو صهاينة يهود، ولسان حالهم يقول: أنه لا ملجأ من هذه القوى إلا إليها. فأي قيمة لأنظمة وقيادات تجعل من أعداء الأمة أصدقاء ؟ وأي ثقة في أنظمة وقيادات تجعل أعداء الشعوب أئمة وقد وات وأسوة حسنة في التفكير أو السلوك أو في التفكير والسلوك معا رغم الفشل الذريع الذي منية به في ذلك ؟ وأي مستقبل لشعوب وأمم تنفذ عليها مخططات وبرامج الإذلال والإبادة والقهر عن طريق القيادات والأنظمة السياسية المنصبة عليها ؟
وأن الواحد منها ليظل متشبثا بكرسي الحكم، ومشدودا إليه حتى يهلكه الموت العزاف أو تنتزعه من فوقه قاذفات أفواه المدافع وأزيز الدبابات ودوي الطائرات. وغالبا ما يكون ذلك ضمن خطة أجنبية تهدف لاستبدال شخص بشخص آخر أكثر ذلا وطاعة، وأوفر حظوظا لها في تحقيق المزيد من المصالح لهذه الجهة وتلك، على حساب شعبة ووطنه وأمته. أو قوة سياسية بقوة سياسية أخرى في إطار صراع القوى الدولية على مناطق النفوذ، سواء بالإبقاء على الولاء للجهة أو القوة الدولية التي كانت أقدر من غيرها على إحداث التغيير لصالحها لتبقى قوى الإحتلال الغربي والأمريكي هي الرابح الوحيد، ولتبقى الشعوب والقوى الوطنية الحقيقية الرافضة لخط العمالة والإلحاق هي في المقابل الخاسر الوحيد. حتى أنك لتجد مقابل الواحد من هذه القيادات وهذه الأنظمة متحفا كاملا من الرؤساء والزعامات الغربية والأمريكية الذين وقع الإختيار عليهم، ليس رغبة في ذواتهم وأشخاصهم، ولكن قبولا لبرامجهم وخططهم وأفكارهم التي رأت فيها جماهير شعوبهم معالجة لقضاياهم وقضايا أوطانهم، وحلولا لمشاكلهم ومشاكل أوطانهم، وضمانا لسلامتهم وقوة أوطانهم. ألم تر أنه لا سبيل إلى المقارنة بين شعوب وقيادات تجعل مصلحة الأوطان أولا وقبل كل شيء وفوق كل اعتبار، وقيادات تجعل من الشعوب والأوطان غاية، باعتبار أن القيادات تزول وتبقى الشعوب التي أنجبتها، والأوطان التي احتضنتها. ذلك أن القيادات والزعامات والرموز لا تنجب أوطانا وشعوبا، بينما الأوطان والشعوب وحدها هي التي تنجب القيادات والزعامات والرموز.والشعوب نفسها تزول وتبقى الأوطان التي تتوارثها شعوب وقيادات أخرى تابع عن تابع ما دامت السماوات والأرض، وبين قيادات تجعل من الشعوب والأوطان وسيلتين لخدمة أنفسها، وليكون القائد هو الغاية التي تقع التضحية بالشعوب والأوطان على حد سوى في سبيل الإبقاء عليه، ولو كلف ذلك فناء الشعوب والأوطان جميعا. ولا حرج ولا غرابة ولا خسارة في ذلك طالما ظل القائد الملهم موجودا على قيد الحياة، محافظا على موقعه في السلطة، مكرسا من خلاله الظلم والتسلط والإهانة والإذلال لأبناء الشعب. حتى أن جل أو كل قيادات الأقطار العربية التي أطلق عليها دول الطوق أو دول المواجهة مع العدو الصهيوني كانوا في كل مرة تفرض عليهم فيها معركة مع الكيان العبري للقيط المغتصب لأرض المسلمين فلسطين، يحتل فيها الأرض وينتهك فيها العرض، يعتبرون رغم كل ما حدث أنهم قد ربحوا المعركة طالما أن العدو الصهيوني اليهودي الذي يعتبرون أنه إنما كان يستهدف بالحرب إسقاط أنظمتهم أو بعضها، وبما أنه لم يتحقق له ذلك فإنه إنما يكون قد منى بهزيمة نكراء، ولم يتحقق له من الأهداف ما كان قد جاء لتحقيقه من خلال عدوانه. حتى إذ لقي هذا القائد أو ذاك حتفه يبقى الرأي العام كامل، بما في ذلك نخبه المثقفة في حالة ترقب حذر حتى يقع الإعلان عن قائد ملهم آخر:
– إما أن يكون من نفس العصابة أو العائلة أو العشيرة التي تكون محكمة قبضتها على دوائر القرار السياسي طبعا. – وإما أن تكون شخصية مشهورة ومعروفة سبق أن منحت فرصة إفساح المجال لها للظهور على مسرح الأحداث. – وإما أن تكون هذه الشخصية مغمورة، والتي عادة ما تكون من قيادات الظل ذات المهمات الإستشارية أو  الإستخبارية أو العسكرية أو غيرها. – أو أن تكون من المعروف عنها ضلوعها في اقتراف جرائم خطيرة ومعروفة في حق الشعب والوطن لصالح الإستبداد، وعادة ما يكون ذلك لصالح إحدى القوى الدولية المعادية للشعب وللأمة وللإنسان العربي والمسلم والمستضعف عامة. 14 نوفمبر ‏2006‏‏

“تونس” والشهائد العالمية

صــــابـر التونسي   أُرهق جسدي وقبله معنوياتي من العناء والكدح في شوارع روما، جربت كل الأعمال التي لا تحتاج إلى مؤهلاتي العلمية التي انتهت “مدة صلوحيتها” منذ أن ألقيت بنفسي في البحر مغامرا ومؤملا في تحقيق الرخاء وراء البحر! وجمع رأسِ مالٍ يخولني من الوقوف “على رجلي” وتأسيس مشروعٍ خاصٍّ عندما يحضنني وطني من جديد!   ولكن تحول الحلم إلى سراب وتبين لي أنني تركت جنتي وراء ظهري لما يَمّمتُ وجهي نحو السراب!   ثم تحوّل الأمر لديّ إلى مسألة عناد و عزّة نفس تحول بيني وبين قرار العودة لئلاّ يشمت بي من عارض فكرة سفري منذ البداية!   زالت فكرة الرخاء من رأسي ولم يبق إلاّ الحرصُ على البقاء والحنين إلى الوطن! والسّؤال عن أخباره!   عادت لي روحي وارتفعتْ معنوياتي بترشّح فريقنا الوطني لكرة القدم وغزوه لأروبا فاتحا، شاركني بعض مُواطنيّ البهجة والأمل فحملوا الأعلام ورفعوا الوطن، هتفنا باسم فريقنا ومن أغدق عليه من حرّ ماله حتى يصل إلى ما وصل!!   و يوم أن اقْتنيتُ علما لأرفعه وأحضنه و”أمسح دمعي في احمراره**” تقرّرت عودة فريقنا إلى الوطن! وبقي علمي في لُفافته و”شَاحَ” الأمل!!   رأيت الشماتة في عيون “الرّومان” وأعرافي وتعابير وجوههم تقول بأننا لسنا أهلا لمنافستهم وكأننا لا ننفع إلا لخدمتهم!!…وأَزْدادُ حسرة وكمدا كلّما حقّـق فريقهم انتصارا وغطـّت أعلامهم الساحات وطغى صخبهم على كل الأصوات!!   عدت إلى مكنستي والشوارع والظهر المقوس والشقاء ليسعد غيري… وكلّما مسكت المكنسة تذكرت رسالة منصور المُغرّب لزوجته وهو يقول:” …لا تخافي مبروكة مساح الشوارع… زوجك المغوار قد أضحى مهانا… ريشة في الغرب يا مبروكة ضائع…”   إلى أن تكرم عليّ يوما صديق بجريدة الصباح* وقد مضى على صدورها زهاء شهر، ولكن لا يهم …احتضنتها وكأني أحتضن فيها الوطن! “التهمت” ما فيها وكأنها رسالة من حبيب إلى أن وصلتُ إلى بعدها الآخر،و إذا بالأمل ينبعث من جديد وسبحان الذي يحيي العظام وهي رميم وينبت الفرحة كما يُنبتُ العشبَ بين الصخر!!…   يذكر “المقال” أن منتدى إقتصاديا عالميا قد صنف بلادنا ضمن الأوائل في المنافسة الإقتصادية!!و ” ما يبعث على الاعتزاز فعلا هو ان بلادنا تحصلت على المرتبة الاولى عربيا وافريقيا والمرتبة الثلاثين عالميا متجاوزة ضمن هذا الترتيب بلدانا مثل ايطاليا والبرتغال واليونان*…”!! لم أتابع القراءة بل هللت وكبرت وهتفت “للتغيير المبارك” الذي طرأ على اقتصاد بلادي… صرخت بأعلى صوتي أخيرًا هُـزم “الرّومان” الذين فازوا بكأس العالم فوزا مغشوشا واحتقرونا وأهانونا كما أهانوا “أخانا” زيدان!!   قلت الآن أنتقم لكرامتي من “الطليان” كما انتقم زيدان نفضتُ الذل وكسرت “المكنسة” ثم شددت عصاها خلفي على الدراجة وأخرجت علمي من لفافته و شددته خلفي على العصا …اقتنيت صفارة مثل صفارة الحكم… انطلقت بدراجتي صاخبا في شوارع روما وعلمي يزداد خفقانا كلما أسرعت… أحدثت كثيرا من الصخب والتصفير بالشوارع … ارتكبت كثيرا من مخالفات السّير…وتسببت كذلك في حوادث!! وضررا لأملاك الغير!!   قبضوا عليّ للتّـثبّت من المدارك العقلية! وفحص نسبة الكحول في الدم…! لم أعبأ بهم وتفاخرت بنبأ الفوز عليهم وهزيمتهم اقتصاديا!! وتباهيت عليهم بأن الهزيمة الإقتصادية أمرّ من هزيمة “ركل الهواء**”… طلبت منهم أن يعاقبوني بالتسفير إلى بلادي… وبيّنت لهم أن ذلك مرادي!!   وضعوني بسجن حتى تطير “سكرتي” أو يَبتّ القضاء في أمري…!!هناك وجدت كثيرا من أبناء بلدي منهم من قبض عليه لأنه يعمل في عصابات ترويج المخدرات! ومنهم “الحراقة” الذين يهرّبون شبابنا ـ مقابل مبالغ طائلة ـ إلى أوروبا في قوارب الموت ـ وقليل منهم من تكتب له النجاة ويصل ـ!!   أسفتُ للمجموعة الأولى وشمِتُّ في “الحرّاقة” وقلت الحمد لله أن شبابنا ما عاد يحتاج “لخدماتكم” فبلادنا أصبحت بخير وعندي على ذلك “برهان” وهو هذا المقال!!…تصفّح أحدهم مقال “شهادة لتونس” ثم ضحك مني طويلا وقال : هذه شهادة زور كغيرها… ولتعلم صدق قولي انظر إلى هؤلاء… ثيابهم لم تجفّ بعد من عملية “الحرقان” وهم يفضلون السجن هنا على العودة!!.. ولكني أدعوك لتمضي في رحلة عودتك وأنا على يقين بأنك ستبحث عنا وستدفع ما تملك “لنحرّقكَ” من جديد وستختار بؤسك هذا على بؤسك هناك لأنك هناك لا تُطعمُ من جوع ولا تأمنُ من خوف!!…وكما تعلم الدفع مسبقّا ولا ضمان للوصول أو السلامة!!   ثار في وجهي كل المساجين من حولي وكل له حكاية يصفعني بها فهذا يتحدث عن الشباب الذي يلقي بنفسه في البحار والذي يرى الهلاك في محاولة ينجيه الله منها وما يلبث أن يعود حتى يعبر أو يهلك!!   وذاك يحدثك عن عصابات السرقة أوالنهب جهارا نهارا وخطف كل ما له قيمة، فهناك جماعة “السلاسل” النسوية والمحافظ اليدوية وهناك جماعات الهواتف النقالة، بل إن كثيرا من أصحاب هذه الهواتف لا يجرؤون على إخراجها والرد على المكالمات إذا كانوا في أحياء معينة!! وهناك سرّاق الدواب والمواشي والثمار والغلال وكلّ مجال له لصوصه و كما يقال “حاميها حراميها” ولم يبق مجال سلم من النهب والسرقة أو الفساد والرشوة وصحفنا الصفراء مليئة بهذه القصص المثيرة وعليها تقتات!!   قلت من أين جاءت هذه الشهادة “لتونس” إن كان الوضع بالقتامة التي تصفون!! وإلى ما استند صاحب المقال؟؟   أجابني شاب ثيابه بَعْدُ مبللة قائلا كثيرة هي الشهائد التي تحصل عليها “تونس”!! شهائد دكتوراه متكررة وأوسمة ودروع ولكن تونس تعاني سطوة “تونس” وليس في الأمر أحجية “فتونس” يقصدون بها سلطة تونس من باب ذوبان الأصل في الفرع والكل في الزعيم والأمر ليس جديد نظّـر له الزعيم الرّاحل وكرّسه الزعيم اللاّحق!!   ودعك من ذاك البوق المتسيّس فهو موظف ليبرهن على ما لا يُبرهن وتلك مهمّته!! ولتعلم أنه موظف متزلّف يقحم كلام المديح لأولياء نعمته ـ في موضعه وغيره ـ استمرَّ في قراءة ما كـَتب لتجده يقول: “…بلد يقوده رئيس يشتغل ويقدم النموذج في العطاء والجدية والانصراف للعمل والجهد من اجل التقدم والنماء…زين العابدين بن علي لا يقود بلده من منتجعات اوروبا او قصورها الشتوية ولا يجتمع بحكومته في اقامته الصيفية*…”   فما علاقة رئيس الدولة بتقرير دافوس؟؟ أم أنه كُتب علينا أن يكون تاريخنا وإنجازاتنا كلها ملكا للزعماء ولا دور للشعوب غير تنفيذ سياستهم؟؟ أليس أليق بنا أن ننسب التطور والنهوض ـ على افتراض وجوده ـ إلى المؤسسات والشعوب؟؟ هل سمعت بأن الإنجازات في البلاد الديمقراطية ـ على كثرتهاـ تنسب لزعيم فرد؟؟ وإن حدث وسمعت ذلك فاعلم أن تلك البلاد لا تمتّ لعالم الديمقراطية بصلة وأن ذلك منها مجرد ادعاء يكذبه الإختبار!!   ثم لماذا يرفع هذا وأمثاله أصواتهم في حالة كهذه لا يجد المواطن لها أثرا في الواقع ويخرسون في حالات أخرى أنكى وأشد يتجرع المواطن مرارتها ولا يسلم منها أحد؟؟!!   ألم يسمع “صاحبك” عن كبت الحريات وقهر الشرفاء وسجن الأحرار، ألم يسمع بالتضييق على المرزوقي لأنه طالب بمقاومة سلمية للإستبداد، قطعت لأجل ذلك العلاقات مع بلد شقيق لأن “التلفزيزن” الذي ظهر عليه المرزوقي موجود على أرضه!   ألم يسمع بأن التقرير السنوي لمراسلين بلا حدود حول حرية الصحافة والتعبير قد صنّفَ “تونس” في ذيل القائمة ؟؟؟   وأن تصنيفها(148) مائة وثمان وأربعين وليس ثلاثون!! وأن معظم بلاد العالم العربي والإسلامي والإفريقي قد حصلت على مراتب متقدمة جدا على مرتبتنا، أيعقل أن تكون مرتبة البينين مثلا ثلاث وعشرون(23) وموريتانيا سبع وسبعون(77) ونحن (148) ؟؟!!   أيعقل أن يكون للجزيرة مكاتب حيث أرادت من بلاد العالم ويُقفل مكتبها ببلادنا لأن زيدا أو عمروا من ضيوفها قد انتقد وضع الحريات في تونس، أو طالب بفصل الدمج المتعمد بين تونس التي ننتسب إليها جميعا وبها نعتزّ و”تونس” السلطة وأن انتقاد السلطة لا يعني بحال التهجم على تونس!!   يا صاحبي إن الذي يرى بنصف عين ولا يقرّ لتونس بحقها في مقاومة الاستبداد بائس مخدوع أو انتهازي وصولي وإن تمسح بمسوح الحداثة والإصلاح!!   الحق أنني ذُهلت من الغرائب التي رأيت والقصص التي سمعت مما يَعسرُ عليّ نقله، وحتي لا أعطي فرصة للمتزلفين بتصنيفي في خانة المعادين “لتونس” “اولئك الذين تعوّدوا على انكار المكاسب واطلاق عويل الخراب والانسداد كلما تحدّثوا عن الوضع التونسي في وصف تشكيكي عدمي* …” حاولت أن أمحص أخبارهم وأردها ولكن عبثل حاولت ووجدتني في وهمي كالغريق الذي يأمل التعلق بقشة….ثم أيقنت أنني واهم ولاهث وراء سراب!!   بقي علي أن أخرج من الورطة التي وضعت نفسي فيها بسذاجتي… لا مفرّ من أن أعلن عند التحقيق أنّني مجنون بني “برهان” الذي ينتابه الجنون كلما قرأ تلبيس برهان …. وسيصدّقونني لأن القوم يحترمون فعلا أتفاقية منش التعذيب وانتزاع الإعترافات من المتهمين بالإكراه!! خلافا لمن يعلق هذه الإتفاقيات في مراكز الإعتقال ثم يدمر المعتقلين للإعتراف بما ينسب إليهم من تهم!!   وقد تعلمت من تجربتي أن تونس أكبر بكثير من “تونس” وأن مصلحة تونس تقتضي مواجهة “تونس” والصراخ في وجهها!!   ولا نامت أعين الجبناء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   *الصباح التونسية 28.09.2006   *اللون الأحمر من “البعد الآخر”   **مقتبس من شعر بحري العرفاوي   (المصدر: مجلة “كـلـمـة” الالكترونية التونسية، العدد 47 لشهر نوفمبر 2006) 


تونس في 14/11/2006

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أفضل المرسلين

 

 

بقلم محمد العروسـي الهانـي

مناضل دستوري من الرعيل الثاني

رسالة مفتوحة إلى الأخ الأمين العام للتجمع الدستوري الديموقراطي

اقتراح حول إحياء الذكرى 51 لمؤتمر صفاقس التاريخي

اذا كان بحق التجمع وريث حزب التحرير قولا  و عملا

 وتخليدا وترسيخا للذاكرة الوطنية يذكر الأحرار من المناضلين الدستوريين ذكرى انعقاد المؤتمر الخامس للحزب الحر الدستوري التونسي الجديد يوم 15 نوفمبر 1955 الذكرى 51 العزيزة على قلوبنا والتي لا تمحى من ذاكرتنا الوطنية.

نورد للتاريخ مراحل انعقاد مؤتمر البعث بصفاقس حتى يتأكد أخونا خالد عبيد بشرعية الزعيم بورقيبة التاريخية والنضالية والوطنية حتى لا يتحامل مرة أخرى على الزعيم الوطني الذي ضحى بكل شبابه وصحته من أجل تحرير الوطن وسعادة الشعب.

                 في نخوة واعتزاز وشرف الإنتماء لأعرق حزب سياسي في القرن العشرين يحيي الأحرار الدستوريين الأوفياء لثوابت وقيم وتاريخ كفاحهم التحريري الوطني البطولي الشجاع الذكرى51  لانعقاد المؤتمر الخامس للحزب الحر الدستوري التونسي الجديد في 15 نوفمبر 1955 بمدينة صفاقس المناضلة .بعد أن تم الحصول على الاستقلال الداخلي الحكم الذاتي يوم غرة جوان 1955 يوم  النصر المبين الذي عاد فيه القائد الأوحد والزعيم الفذ المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة رحمه الله الى أرض الوطن حاملا لواء النصر وبشائر الاستقلال وعلى اثر العودة تم امضاء وثيقة الاستقلال يوم 3 جوان 1955 وبعد الجولة الواسعة المارطونية التي قام بها الزعيم بورقيبة الى كامل أنحاء البلاد شرقا وغربا جنوبا وشمالا شارحا سياسة المراحل الإيجابية “خذ وطالب”

                 وتعزيزا لدور الحزب صاحب الريادة والقيادة وتحكيما لإرادة المناضلين الأحرار وتثبيتا لسياسة المراحل البورقيبية ودعما لتوجهات واختيارات الحزب وبحماس نواب الشعب الدستورية المنظوية تحت راية الحزب وبدعم من أحرار ولاية صفاقس وفي طليعتهم المرحوم الحبيب عاشور النقابي الوطني والدكتور احمد علولو رئيس جامعة صفاقس الدستورية ،انعقد المؤتمر الحاسم التاريخي بمدينة صفاقس وحضره 1234 نائبا من نواب الشعب الدستورية على 1300 نائب أي أن نسبة الغيابات كانت 66 ما يعادل %5 من مجموع النواب في 31 جامعة دستورية في كامل أنحاء البلاد وكانت أكبر نسبة غياب بجهة سليانة 21 نائب لم يحضروا المؤتمر التاريخي.

                 وحضر المؤتمر ممثلي الأحزاب والدول الشقيقة والصديقة بدعوة من الحزب الحر الدستوري التونسي وكان بحق مؤتمر البعث والمنعرج الحاسم في تاريخ البلاد والحياة السياسية العامة ،والبلاد تمر بمرحلة حاسمة ودقيقة للغاية لا تخفى على أحد.

                 وبفضل حكمة الزعيم الحبيب بورقيبة المهندس البارع والطبيب الحكيم الماهر، وحماس ووفاء مناضلي الحزب وارادتهم القوية ،خرج الحزب بعون من الله منتصرا وحسم وقضى على بذرة الخلافات التي كادت أن تعصف بالبلاد وتنكث العهود والالتزامات والاتفاقيات بين تونس وفرنسا وتجر البلاد إلى الفوضى والرجوع إلى الحالة التي كانت عليها قبل الإستقلال وتخسر كفاحا دام ربع قرن لكن فطنة القيادة وذكاء الزعيم والحب المفرط للوطن من طرف المناضلين الأحرار صانعي مؤتمر المعجزة في 15 نوفمبر 1955 بصفاقس،جنبوا البلاد كل أسباب الانحلال والفوضى والخلافات وحكموا العقل ولم ينساقوا وراء الغرور والتفوا وراء القائد الزعيم وحسموا أمرهم وأمرهم شورى بينهم , صدق الله العظيم .

وكان مؤتمر صفاقس بحق منعرجا حاسما في حياة الحزب وحقق ما يصبو إليه الوطن من وحدة وكرامة وعزة وتقدم ومناعة واستقرار وأمن في النفوس وبناء الدولة العصرية واستكمل البناء السياسي وتعزز الاستقلال الداخلي وتوج يوم 20 مارس 1956 بالاستقلال التام بعد مضي أربعة أشهر وخمسة أيام فقط على انعقاد مؤتمر صفاقس التاريخي واسترجعت تونس كل مقومات السيادة والحرية والعزة وشكلت الحكومة الوطنية حكومة الإستقلال يوم 14 أفريل 1956 برئاسة الزعيم الحبيب بورقيبة الذي أسندت إليه حقيبتي الخارجية والدفاع واستمر الحزب في بناء الدولة العصرية بقيادته الحكيمة المتبصرة وكان مؤتمر صفاقس هو مصدر القوة ومصدر القرارات والمقترحات الهادفة منبع الفكر والتصورات الايجابية المرجع الغني والسند الأكبر للحكومة التي هي ملزمة بقرارات وتوصيات المؤتمر ولوائحه الهامة.

                 ومما تجدر الإشارة إليه بأمانة وللتاريخ أن اللوائح التاريخية التي أصدرها نواب الشعب الدستورية والأفكار التي طرحها مناضلوا الحزب والتصورات التي وضعوها في صلب المؤتمر بحرية وحماس وصدق هي الدعامة الأساسية والمرجع الذي لا ينبض معينه, والقوة الدافعة لانجاح رسالة الحزب واشعاعه على الدوام والمضمون والجوهر لعمل الحكومة والدفع الحقيقي للنماء الشامل والتشريعات الرائدة التي حققها النظام يعود الفضل فيها كلها الى لوائح مؤتمر صفاقس 1955 ولن نتصور على الاطلاق مهما كانت عباقرة اليوم والدكاترة والفلاسفة أن يضيفوا شيئا على ما وضعوه وطرحوه وتصوره أحرار الحزب في مؤتمر صفاقس 1955 وأدعوا المهتمين بالشأن السياسي في تونس وفي العالم أن يرجعوا إن شاؤوا لوائح مؤتمر صفاقس 1955 سيجد الشيء العجاب وآنذاك يدركون ما أفرزته المدرسة البورقيبية بعد كفاح مرير دام ربع قرن ثم ازداد جمالا وبهاء بعد نصف قرن على الإستقلال الداخلي وبعد مرور نصف قرن على انعقاد المؤتمر التاريخي الذي يحق لنا نحن حاملي مجد الحزب وأمانته التاريخية الأوفياء لزعيمه الذي لم ولن يمحى من ذاكرتنا أبدا بل العكس فهو كمعدن الذهب كلما صقلته ازداد جمالا وبهاءا كما يقولون.واليوم بعد وفاته زاد الحب والوفاء والإعجاب له.

                 ولا يسعني بعد هذه اللمحة الوجيزة إلا أن أترحم بكل إجلال وإكبار وخشوع على روح الزعيم الأوحد والقائد الفذ المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة الذي صنع الحدث ورفاقه في الديوان السياسـي في مؤتمر صفاقـس وهم علـى التوالي: الباهــي لدغــم جلـولي فارس،الصادق المقدم ،المنجي سليم ،الهادي نويرة ،علي البلهوان ،الطيب المهيري ،احمد التليلي ،عبد الله فرحات رحمهم الله وبقي على قيد الحياة الأستاذ محمد المصمودي ثم الأخ عبد المجيد شاكر الذي عينه رئيس الحزب مديرا للحزب وألحق بالديوان السياسي وهو أصغر مديرللحزب آنذاك ونورد للتاريخ بعض المقتطفات من كلمات أعضاء الوفود الشقيقة والصديقة الذين حضروا أشغال المؤتمر .قال الشيخ احمد حسن الباقوري وزير الأوقاف في الحكومة المصرية لقد استمعت الى خطاب الرئيس الحبيب بورقيبة فوجدت أنه ألقى بحجة وبمنطق يدل على فقه واسع سليم”

أما السيد خير الدين الزركلي مندوب المملكة العربية السعودية .أود أن ألقي كلمة تليق بهذا الجمع الكريم المحتشد لتدشين قوميته أو ما شئتم أن تطلقوا من النعوت وان سمح لي المجاهد الأكبر أن أسميها ثورة فكرية عاصفة أتت أكلها والحمد لله وستضاعف نتائجها المقبلة باذن الله وصدق الزركلي السعودي فيما قال فحققت تونس كل الانتصارات والمكاسب التي تمناها مبعوث السعودية.

وقال السيد عبد الرحمان قلهود وزير العدل الليبي :”لأني سعيد جدا عندما أحظى بمثولي في هذا المؤتمر العظيم وهو أول مؤتمر عقد في هذا البلد اذا أصبح دولة وأصح مستقيلا.

أما كلمة السيد عبد المجيد محمود وزير الدولة العراقية فقد جاء فيها بالخصوص :”أهنئكم بهذا الأسد الرابض أسد تونس الذي يكسو رأسه الوقور شيب هو غبار الوقائع وأثار ما كابده من محن وما قساه من نفي وتشريد وسجن في سبيل اعلاء كلمة هذا الوطن وتحريره واستقلاله…

هذه كلمة مبعوث العراق أسوقها وهي مسجلة بكتاب حول مؤتمر صفاقس حتى لا يتهم أو يدعى محمد أبو القاسم كروا تحريف التاريخ أو التجني في شهادته بمنتدى الفكر لمؤسسة التميمي أن مبعوث العراق قال كلام غير هذا وللتاريخ فإن كلام كروا مردود عليه والتاريخ لا يرحم.ياسي محمد كروا…

أما الآنسة موكورجي عن حزب المؤتمر الهندي قالت أن للحزب الحر الدستوري الجديد والشعب التونسي لن يفخرا بما حققاه ولنا الثقة التامة في أن مناقشات المؤتمر ستضفي الى اتخاذ قرارات هامة تضمن مستقبل تونس وشعبها.

أما السيد هانري دي مونتيتي رئيس هيئة العمل والتعاون التونسـي الفرنسي فقـد قـال:” آسف لعدم قدرتي على مخاطبتكم بالعربية وأعبر عن شكري وتقديري لكم ولرئيسكم الأستاذ الحبيب بورقيبة وأقول لكم أني لم أقف هنا وأتحدث إليكم باسم فرنسي تونس الديمقراطيين إلا أن العقلية الفرنسية أصبحت تزداد يوما بعد يوم وقد كونا حركتنا لهذا الغرض ونريد بواسطتها الوصول الى بناء هذا المجمع البشري المشترك وسنعيش الى جانبكم في هذا البلد الأمين ونطلب منكم أن تقرؤوا لنا حساب باعتبارنا ضيوفا عندكم نحترم سيادتكم وتقبلوا شكري لكم ولرئيسكم الأستاذ الحبيب بورقيبة اذا سمحتم لأحد الفرنسيين الديمقراطيين بالتحدث في هذا المؤتمر”         ومسك الختام نورد مقتطفات من خطاب الرئيس الحبيب بورقيبة في افتتاح مؤتمر صفاقس 15 نوفمبر 1955 للعبرة والدرس وللتاريخ وفاء للعهد وللتاريخ ووفاء لروح الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.

من خطاب الرئيس الحبيب بورقيبة

الإستقلال الذاتي خطوة الى الأمام

ضيوفنا الكرام، اخواني، أخواتي الفضيلات،

إنه لمن المشرف الاثيل أن يجتمع نواب الشعب التونسي بعد كفاح مرير ليتدبروا أمرهم وينظموا صفوفهم ،ويرسموا الخطة المثلى  التي يجب السير على هديها ويسطروا للحكومة المنهاج الذي يجب أن تتجه فيه لتظفر هذه الأمة بما كانت تصبو اليه منذ زمن بعيد من عزة وكرامة وازدهار وسيادة حقة واستقلال تام.

وإنه مما يثلج الفؤاد وينم عن تطور عميق أن يشاركن في هذا العمل الجبار نواب ووفود من الشعوب العربية الشقيقة ،ومن شعوب الأمة الاسلامية ومن الشعوب والأمم المحبة للاخوة والسلام والتعاون الذي لا تشوبه هيمنة أو اضطهاد أو قهر ،قهر القوي للضعيف ،لأن الأمة التونسية عربية اسلامية منذ ثلاثة عشر قرنا ونصف إلا أقلية منها ضئيلة وستبقى عربية مسلمة الى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

الشعب ضحى بالنفس والنفيس

وقد كافح الشعب التونسي وفي  مقدمته هذا الحزب ،وضحى بالنفس والنفيس وسالت دماء أبنائه واستشهد رجاله وأبطاله منذ سنة 1933 للابقاء على عروبة هذه الديار واسلامها .فقد قاوم آنذاك سياسة التجنيس التي كانت تهدف الى اخراج الجانب العظيم من الأمة التونسية المسلمة والحاقها بالجنسية الفرنسية وقد كافح وصمد في وجه الرصاص والحراب الاستعمارية الى أن أغلق باب التجنيس ،فبقيت الأمة التونسية بحمد لله مسلمة عربية ليوم الناس هذا وسيبقى كذلك الى يوم يبعثون.

كما كافح هذا الشعب سياسة استعمارية أخرى أشد بأسا كانت ترمي الى اخراج التونسيين من الجنسية التونسية ،بل الى ادخال الفرنسيين والجالية الفرنسية الموجودة بتونس في حظيرة الأمة التونسية وبهذا يتم لها ازدواج السيادة ،ويصبح للجالية الفرنسية حق مشاع في سيادة البلاد ..وحاول الاستعمار الفرنسي اعتبار الفرنسيين والأجانب المقيمين بالبلاد تونسيين يشاركون في الانتخابات كجزء من الأمة التونسية.

الركون الى الرأى وملكة التمييز

فواجب الأمة إذا وفى مثل هذا الظرف أن تعمل الرأى وتحكم ملكة التمييز ،وتبحث بنفسها عن الصواب فلا تنكمش على نفسها وتلوذ بالحياد وتبقى تبصر من بعيد خلاف زعيمين وتسدل على عينيها غشاوة وتقول “اني منتظرة أن تتفقوا سواء كان اتفاقكم على حق أم على باطل ثم اقتدي بكم وأسير خلفكم.”

والذي أطلبه منكم أن تفكروا مليا في الجوهر لأن الزعيم ليس له إلا أن يوجه بينما على الأمة أن لا تقتنع برأيه الا بعد التروي وأن تصدع بحكمها له أو عله.

وقد حرصت دوما على أن أسخر مواهبي وما حباني به الله من مدارك وما ظفرت به من تجربة في سبيل البحث والاجتهاد وهذا ما أدعوكم إليه اليوم حتى تتبعوا من الأمور أصلحها فيتضح الموقف وينحسم الخلاف.

 ان الخلافات السياسية لا تفض بمجرد العاطفة المشبوبة بل لا تنتهي الا متى تسلط عليها العقل والإدراك وغاص المرء في غورها لاستجلاء المواقف حتى يبت فيها بنزاهة وتجرد وترفع عما تشوبه الغايات الدنيئة فلا تحدوه إلا رعاية المصالح العليا للأمة .

وبذلك وعلى هذا مستوى من الإدراك ،تحسم الخلافات بدون غوغاء ولا هرج.

ولن أختم كلمتي قبل أن أحذركم عواقب الاغترار فقد ظللت خمسا وعشرين سنة أرشدكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم ،أرشدكم في الكفاح وأرشدكم في كل  الظروف القاسية التي مرت بنا وهديتكم السبيل وكنت دوما في الطليعة سواء في الحرب أو السلم .

والتاريخ يشهد والحمد لله أني خدمت هذه الأمة باخلاص وأني نجحت في مهمتي إذ ظفر الشعب اليوم بما ينعم به من حرية مكنتنا من عقد هذا المؤتمر الخالد ومن الاجتماع بإخواننا من المشرق والمغرب.

ولا أدل على نجاعة هاته المرحلة التي نجتازها رغم ما تتصف به من نقص في بعض الميادين من صدور أوامر حكومتنا الى السفراء كي يؤشروا جوازات سفر اخواننا من العرب وتمكيننا لهم من زيارتنا وحضور مؤتمرنا تشريكا لهم في فض مشاكلنا ومهما كانت ملكة الاقناع عندي قوية فإني مؤمن أن الرشد من عند الله يمنحه من يشاء.

“إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء” والسلام عليكم ورحمة الله

انتهــى خطاب الزعيــم بورقيبــة

                 ووفاء لروح الزعيم في الذكرى الخمسين لانعقاد المؤتمر التاريخي الخالد الذي يستحق اهتماما واسعا في الأوساط  السياسية داخل البلاد وخارجها وأعلاما أكثر مصداقية لأعطى التاريخ حقه وإعطاء الزعيم حقه ورفاقه الذين ساندوه وآزروه ووقفوا إلى جانبه أيام الشدة والمحن ونختم هذه الخواطر بكلمة بليغة للتاريخ أننا نعاهد قائدنا وزعيمنا الذي هو بجوار ربه, نم أيها القائد هانئا فإن أخوانك وأبنائك الأوفياء وبناتك المناضلات على العهد دوما ثابتين وعلى الوعد صادقين وعلى المنهج مخلصين وعلى الثوابت متمسكين وعلى القيم والمبادئ باقين “إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين” وجزاكم الله خيرا على ما قدمتموه من أعمال وتضحيات جسام لا تمحى من الذاكرة الشعبية على الدوام.والله على ما نقول وكيل ،وجمعية الوفاء للمحافظة على تراثكم التاريخي الخالد ونضالكم الوطني العزيز لا يسعها إلا الاستمرار في نشر مبادئكم السامية عاملة وصامدة وفاعلة و حاضرة  دوما في الوجدان والإحساس والضمير وفي الشرايين تجري مجرى الدم لتغذية العقول والقلوب من معدن الوطنية الصادقة التي غرستموها في شعبكم الوفي ونرجو أن تجد الجمعية الدعم من طرف كل الأوفياء للزعيم الراحل والغيورين للثوابت الراسخة ويصدعوا بالحب دون تردد ولا ريبة وعلى كل القوى الحية الوطنية الا الدعم والمساعدة لأهداف الجمعية الوطنية التي تكونت في النصف الأول من العام الحالي 2005 وعسى أن تشارك في الاحتفالات العامة التي ستقام عام 2006 في الذكرى الخمسين لعيد الاستقلال 20 مارس 1956 –2006 .

ومن المعلوم أن الجمعية تقدمت بملف حول الحصول على التأشيرة القانونية يوم 13 جوان 2005 وذكرت برسالتين متتاليتين الأولى بتاريخ 21 جوان 2005 و7 جويلية 2005 ولحد الآن تنتظر الرد الايجابي والقبول النهائي مع الملاحظة إن الأجل القانوني للرد والإجابة القانونية لا يتجاوز 90 يوما وإذا اعتبرنا تاريخ 13 جوان 2005 فان يوم 13 سبتمبر 2005 يكون الأجل القانوني لنشاط الجمعية وتعتبر قانونيا جمعية ذات صلاحيات طبقا لما نص عليه قانون 7 نوفمبر 1959 كما وقع تنقيحه في 1988 وفي 1992 ولنا الثقة في شخص سيادة الرئيس زين العابدين بن علي الضامن للقانون والساهر على تطبيقه والعادل في تنفيذ كل القوانين المتعلقة بالحياة السياسية والاجتماعية لدعم المجتمع المدني وتطوير أداء رسالته وما القمة العالمية لمجتمع المعلومات المنعقدة بتونس إلا تأكيد لدور المجتمع المدني وترسيخ مفهوم العمل الجماعي في إطار الجمعيات والقوانين المشار إليها أعلاه.

و أعتقد أنه بعد انعقاد القمة العالمية لمجتمع المعلومات سوف تتلقى جمعية الوفاء للمحافظة على التراث الوطني للزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله التأشيرة القانونية من رئاسة الجمهورية , لأن الرسائل المشار اليها صحبة الملف , وجهت إلى رئاسة الجمهورية يوم 13 جوان 2005 مضمونة الوصول منذ قرابة خمسة أشهر و 07 أيام ولم تتلقى الجمعية أي رد طيلة هاته الفترة بينما القانون يحدد فترة الانتظار ب 90 يوما , و لا زلنا ننتظر الرد الإيجابي على مطلبنا الشرعي , بعد أن وجدنا أبواب أخرى موصدة لم تستجب لمطلبنا , فوقع الالتجاء إلى رمز الأمة الضامن للحريات و الساهر على تطبيق القانون و الراعي لشؤون الأمة طبقا للقوانين المشار اليها آنفا . و ما احيائنا للذكرى الخمسين لمؤتمر صفاقس إلا تأكيدا على روح الوفاء للزعيم الحبيب بورقيبة .

والله ولي التوفيق.

والســـلام./.

ملاحظة : هل يصدر منشور لكافة الشعب الدستورية لإحياء هذه الذكرى الخالدة

محمد العروسي الهاني

 مناضل دستوري

حمـام الشط تونــس


تونس: من تأسيس مقوّمات الديمقراطية.. إلى الممارسة

بقلم: محمد بوسنينة
التجربة التونسية تذكير بان التداول على الحكم هدف للديمقراطية وليس شرطا لها. ميدل ايست اونلاين

تبني الشعوب حضاراتها بتراكم تجاربها، وما تولده تلك التجارب من ثقافة تتوارثها الأجيال وتثريها بعبقرية قادة الفكر فيها. ذلك التراكم وتلك الإضافات الحضارية هي التي تشكل الفارق بين الشعوب، فبعضها يتميز بالديناميكية التاريخية لأنها تشارك في صنع التاريخ، وبعضها لا يعرف من التاريخ سوى أن يعيش الزمن الذي هو فيه، فيندثر إما لعوامل داخلية أو لأخرى خارجية لم يمتلك القوة لمواجهتها. وعندما يتابع المرء بموضوعية ما يعيشه الشعب التونسي في هذه الحقبة من تاريخه، ثم في هذه المرحلة بالتحديد، فلا يمكنه إلا أن يصنفه في خانة الشعوب الديناميكية التي تصنع التاريخ وتؤثر فيه، وتصنع لذاتها دوما موقعا في الحضارة الإنسانية. والحكم مثله مثل الفكر والعلم، هو من أهم الشواهد التي تبقى أثرا ممتدا عبر الزمن على مدى ما بلغه شعب ما في ممارسته للحكم والفعل فيه.
مقوّمات الحكم الديمقراطي وفكرة الحكم في الأصل تنبني على مبدأين هما: تأسس الحكم على سلطة الشعب ثم الممارسة الديمقراطية. والمبدآن هما في ذات الوقت منطلق وهدف فكرة الديمقراطية وكل ما يندرج في إطارها من مناهج سياسية وآليات فكرية وثقافية ومجتمعية. ولقد مثل الوضع القائم في المنطقة العربية والإسلامية إشكالية استراتيجية مع بعض القوى الغربية، تلك التي تعتقد أن أنماط الحكم القائمة في المنطقة لا تعبر عن مدّ ديمقراطي يؤدي بها إلى بلوغ ما تعتبره تلك القوى النمط الأمثل للممارسة الديمقراطية القائمة في الغرب. ومن هنا برزت رؤى وطروحات حول ما يعرف بالإصلاح في المنطقة، ولكن بمفهوم تلتقي عنده المصالح الإستراتيجية للقوى ذات النماذج المسقطة بمصالح الأنماط الجديدة للحكم التي تريدها منبثقة عن ذلك المفهوم للإصلاح وللديمقراطية. في هذا الوضع تحديدا، وفي مناخ مرافق أصبحت فيه الديمقراطية قرينة للتنمية ومرتبطة بها، تطرح حالة تونس بما يمكن أن تعتبر وفقه كأنموذج له خاصيات التفرد والاختلاف. فهذه الحالة تختزل المقومات الأساسية لمنهج الحكم الديمقراطي بركائز: سلطة الشعب، والإصلاح، والديمقراطية. وقد كان الاقتراع العام الذي جرى يوم 24 أكتوبر/تشرين أول 2004 حاملا لدلالات ذات أهمية خاصة في هذا المعنى، لا سيما وأن مدخلاته الأساسية، ثم مقدماته من الحملة الانتخابية التعددية قد هيأت، بما حملته من رموز سياسية في احترام القانون والمشاركة وحياد الإدارة، لأن يمثل الاقتراع العام لاحقا مخرجاته المنطقية كما يسميها رجال السياسة.
سلطة الشعب..إرث الأمس وواقع اليوم وبالنسبة لتونس، تاريخا وإرثا حضاريا، لا ينازع أحد في ثراء تجربتها من حيث ممارسة الشعب للسلطة. ففي عهد قرطاج مارس الشعب سلطته من خلال أول دستور عرفته البشرية وسبق دستور أسبرطة، ثم عبر المجالس التمثيلية الثلاث والتي كانت تشبه ما عرف حديثا باليسار واليمين وتمثيلية الجيش. وفي العصور الحديثة كانت تونس وبضغط شعبي شكل تعبيرا آخر عن سلطة الشعب، أول بلد عربي إسلامي يلغي الرق، ويقر حقوق الإنسان، ثم يقر أول دستور في كامل المنطقة سنة 1861. وقد انبثق أول دستور للجمهورية عام 1959 عن سلطة حقيقية للشعب. ذلك أن الشعب انتخب مباشرة في اقتراع عام حر ومباشر شاركت فيه كل القوى والفئات، بما فيها المرأة التي شهدت آنذاك أول مشاركة نسائية في العالم العربي الإسلامي، انتخب الهيئة التي عرفت باسم “المجلس القومي التأسيسي” عام 1955 التي ألغت نظام البايات وأقرت النظام الجمهوري الرئاسي بقرار سيادي مطلق، ثم أقرت الدستور. وبغض النظر عن أي اختلافات في وجهات النظر، فإن الشعب التونسي كان أكثر الشعوب تواصلا ودون انقطاع في ممارسة سلطته بواسطة الإنتخاب الحر والمباشر. ولأن انتخاب رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي هو أعلى تعبيرات سيادة الشعب، فقد كان هذا المبدأ أهم ما أعاده الرئيس زين العابدين بن علي للشعب التونسي بعد التحول السياسي سنة 1987. فأغلق بذلك القوس المؤقت الذي كان فتح في التاريخ السياسي التونسي والذي تعلق بالرئاسة مدى الحياة و الخلافة الآلية. وعاد الشعب فعلا ليمارس منذ سنة 1988 سلطته في القرار والاختيار عبر الاقتراع العام. وعاد النظام الجديد في تونس ليقرن الانتخابات الرئاسية بالتشريعية سنة 1989. فرغم أن الوضع السياسي والدستوري كان يسمح للرئيس بن علي أن يواصل ممارسة مهامه في السلطة حتى انتهاء فترة الخمس سنوات التي يسمح بها الدستور، إلا أنه فضل العودة للقرار الشعبي آنذاك طبقا للمبدأ الذي أعاد إقراره بنفسه من خلال أول تعديل للدستور سنة 1988 والقاضي بإلغاء الخلافة الآلية، واختار ممارسة السلطة طبقا لإرادة الشعب. وكان ذلك في حينه تعبيرا عن تجذر مفهوم ممارسة سلطة الشعب في الذاكرة وفي العقلية التونسية. ولكن سيادة الشعب التي تمارس من حيث المبدأ بالانتخاب المباشر لرأس السلطة التنفيذية، وللبرلمان، الذي يمارس سلطة الشعب لاحقا من خلال وظيفته التشريعية، تمارس أيضا من خلال الاستفتاء الذي هو أحد أبرز تعبيراتها. فالاستفتاء هو آلية دستورية تتيح للشعب التعبير عن إرادته ورأيه مباشرة ودون وساطة. وهذا ما تمكن منه الشعب التونسي بالفعل ولأول مرة في تاريخه السياسي سنة 2002 عندما صادق على التعديل الجوهري الذي أدخل في حينه على الدستور، وأقر ما أطلق عليه الرئيس بن علي جمهورية الغد، كمفهوم جديد في السياسة يحافظ على الإرث، ويستلهم روح المجتمع ثم يستشرف المستقبل ليحدد مناهج السير فيه. إذن فإن للشعب في تونس إرثا حضاريا متصلا في ممارسة سيادته والتعبير عن إرادته، وبالتالي ممارسته الحكم والسلطة.
الإصلاح معطى سياسي لكن وبالتوازي مع هذا التواصل السيادي في التعامل مع صيغ الحكم لم تنقطع مواكبته أيضا لمبدأ الإصلاح. ولئن كان الإصلاح المجتمعي والسياسي مرتبطا في تونس بفكر الرواد من قادة الفكر والثقافة من بدايات القرن التاسع عشر حتى أواسط القرن العشرين، فإن ميزة الفكر الإصلاحي الحديث في تونس أنه أصبح منذ نهاية الثمانينات معطى ثابتا في الفكر السياسي لنظام الرئيس بن علي. وتحولت السياسة ذاتها إلى دافع للمدّ الإصلاحي، فخرج المبدأ من حيز المطلبية الفكرية والثقافية إلى حيز الفعل المجتمعي المتراكم أيضا. وهذه خاصية تحسب للتطور المجتمعي في تونس، حتى أن الإصلاح السياسي ـ وهو أعلى ألوان الإصلاح لأنه الحافز لديمومته في المجتمع ـ أصبح ظاهرة تميز الحياة العامة منذ سنة 1987. ولعل من أهم ملامح الفكر الإصلاحي المتصل بالجذور في النظام السياسي التونسي اليوم ما يتصل بتحديث المجتمع علميا وتنمويا، وجعله يتأسس على قيم مشتركة، ويتضامن في تحقيق التنمية، ويتحمل مسؤولية تطوير نظام الحكم. وتلتقي عند هذه المقومات مختلف البرامج والإجراءات الإصلاحية في تواترها وتكاملها سواء ما تعلق منها بالتربية والتعليم أو المرأة والشباب، أو الاقتصاد والثقافة أو الحياة الاجتماعية وغيرها. ولكن تبقى الأبعاد السياسية ذات أثر أهم وأقوى في تجذير الفكر الإصلاحي وتحقيق أهدافه. ولعل الفكرة الديمقراطية والتعددية السياسية ومسائل الحريات هي أكثر ما يلفت الانتباه ويشد إليه الفكر لمحاولة الغوص إلى أبعاد الممارسة والتمشي الذي تعيشه تونس في هذه المجالات.
الاستقرار منطلق للتأسيس فالديمقراطية من حيث هي مفهوم سياسي تعني أساسا تأمين أوسع مشاركة ممكنة للشعب في الحكم، وضمان أن تكون بالفعل مشاركة حقيقية. ثم هي في مرحلة موالية تعني أن تؤدي إلى تجسيم مبدأ التداول على الحكم. وهذه في الواقع هي أبرز معانيها وأهدافها في نفس الوقت. وفي هذا المجال بالذات تبدو التجربة التونسية الحديثة تجربة ذات أهمية خاصة في المحيط العالمي اليوم، وخاصة في ما يتعلق بالبلدان النامية والصاعدة ذات التجارب الوليدة في مجال ممارسة السيادة من خلال محاولاتها الديمقراطية. فلقد كان الأساس بالنسبة للنظام السياسي الجديد في تونس سنة 1987 هو الانطلاق في تحقيق الإصلاحات التي يستوجبها التحول المجتمعي من جهة، وتوفير مقومات الاستقرار من جهة أخرى. وكان هذان العاملان حاسمين في تحقيق التحول الديمقراطي اللاحق. ذلك أن الاستقرار يشكل قضية محورية لأي نظام سياسي أو دولة أو حزب سياسي، وهو الركيزة التي تبنى عليها الحياة السياسية السليمة وتتضح من خلالها الرؤية، وتنظم بها الحقوق والحريات العامة. فهو شرط توفر الأمن، وشرط توفر المناخ الديمقراطي بآلياته ومناهجه. ذلك أن الديمقراطية والتعددية في حد ذاتها غير كافية، ولا هي سابقة، لتحقيق الأمن والاستقرار، ولا لتحقيق التنمية. في حين أن التنمية والديمقراطية، كهدفين استراتيجيين مترابطين لأي نظام سياسي، يتأسسان على شرط الأمن والاستقرار. من هذه المنطلقات تأخذ التجربة التونسية مداها وأنموذجيتها. فالرئيس بن علي أطلق تجربة ديمقراطية تعتمد مبدأ التأسيس. فقد أسس في البداية حالة الاستقرار السياسي والمجتمعي. ثم انطلق من طور بناء الاستقرار إلى طور بناء مؤسسات الدولة، وإرساء المفاهيم والقيم المرتبطة بفكرة الحكم والديمقراطية ونشرها كثقافة سياسية جديدة في المجتمع. وكان هذا التمشي مستندا إلى الإرث الحضاري لتونس، وإلى قدرة الشعب على الاستيعاب، وحاجته لأن يعيش في ظل دولة قوية ذات مؤسسات سياسية فاعلة ومرجعية. وكانت الخطوات في هذا المسار متوالية ومعززا بعضها للبعض الآخر السابق أو اللاحق لها. وقد انطلق بناء مؤسسات الدولة بالفعل منذ أول قرار اتخذ بعد التحول والذي تعلق بإنشاء أول مجلس دستوري في البلاد، ثم بالتعديلات الدستورية المتوالية التي ألغت الخلافة الآلية والرئاسة مدى الحياة، وأقرت من جديد سلطة الشعب، كما أقرت القوانين المنظمة للحياة السياسية والعامة كقانون الأحزاب وقانون الجمعيات، وتحديد مجال القانون. وكان آخر وأهم تلك الإجراءات ما جاء في التعديل الدستوري الواسع سنة 2002 والذي أقر دولة القانون لأول مرة في الدستور وعزز السلطة الشعبية والتشريعية والقضائية، وارتقى بصلاحيات المجلس الدستوري إلى طور الرقابة على الانتخابات العامة الرئاسية منها والتشريعية.
المنهج.. والتطوّر وبالتوازي مع ذلك كانت الحياة العامة شهدت تطورات ذات أهمية بالغة، سواء من حيث عمق واتساع المشاركة الشعبية، أو تطوير مشاركة الأحزاب والتنظيمات المجتمعية الأخرى في مجريات وتصورات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وشكل كل ذلك مؤشرات على تزايد النضج والوعي بقيمة المشاركة الفردية والعامة في الشأن العام. ولعل الأحزاب السياسية هي التي كانت الأكثر إفادة من هذا المنهج المتدرج في الممارسة الديمقراطية في الحياة العامة بتونس. فبموجب القانون أصبح بإمكان هذه الأحزاب الترشيح والترشح للبرلمان وللرئاسية، فضلا عن الهيئات الدستورية المنتخبة الأخرى. ولئن شاركت في الانتخابات البرلمانية سنة 1994 فقد تدرجت بالمشاركة في التنافس السياسي في الانتخابات الرئاسية سنتي 1999 و2004. وتدرج التنافس من ثلاثة مترشحين في الأولى إلى أربعة في الثانية. والمهم هنا ليس الفوز في حد ذاته بالنسبة للحياة السياسية ولكن المهم هو تطور هذه الحياة السياسية نفسها. وهو في الواقع تطور حقيقي وفعلي، ولكنه لم يسجل بحكم ضغط شعبي أو إرادة خارجية بإسقاط نماذج مستوردة، ولكنه سجل ويسجل بفكر سياسي عام مشترك بين النظام السياسي للرئيس بن علي وبين الرأي العام الشعبي الذي تمكن من استيعاب منظومة متكاملة لهذا التطور ليصبح أيضا دافعا لها. هذا الفكر الذي ارتقى بالممارسة إلى حالة لها خاصيات التفرد تجسم بتطويع الدستور والقانون الانتخابي من أجل تأسيس المشاركة ثم الارتقاء بها في الواقع السياسي. فانتقلت المعارضة السياسية من حالة عدم الوجود الفعلي والقانوني المؤثر في الحياة العامة، إلى حالة المشارك في صنع القرار اليوم. وبعد أن كان من غير المتيسر لها الترشح للانتخابات المحلية أصبحت في أول انتخابات برلمانية عامة بعد التحول قادرة على الترشح، ثم في الثانية سنة 1994 تحظى بتمثيل برلماني، تطور ليصبح بنسبة 20 بالمائة سنة 1999 بمقتضي مبدأ النسبية المعدلة في القانون الانتخابي، وبالتالي أصبح لأحزاب المعارضة في حينه أكثر من 20 نائبا برلمانيا، و37 نائبا في الانتخابات التي جرت عام 2004، مقابل تقلص وجوبي لنواب الحزب الحاكم إلى 80 بالمائة من النواب على أقصى حدّ. وقد كان عدد مرشحي المعارضة والمستقلين في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر 2004 يقارب ستة أضعاف عدد مرشحي الحزب الحاكم، إذ من بين حوالي ألف مترشح ضمت قائمات الحزب الحاكم 152 مترشحا فقط. محمد بوسنينة كاتب وصحافي تونسي
 
(المصدر: موقع ميدل ايست اونلاين بتاريخ 13 نوفمبر 2006)

 

حول الانتفاضة الجنسية في مصر

 

 اقبال الغربي    شهد أول أيام عيد الفطر المبارك في مصر أحداثاً سلوكية غريبة. إذ أصيبت مجموعات من الشبان في القاهرة بنوبة من “السعار الجنسي” او ثورة جنسية كما وصفها الكاتبان اشرف عبد القادر و نبيل شرف الدين في مجلة ايلاف. فقد أخذ ت هذه الحشود تهجم على أي سيدة أو فتاة تسير في الشارع، سواء كانت محجبة أو غير محجبة، منقبة أو كاشفة لوجهها، صغيرة أو كبيرة، ويتحرشون بها ويلمسون جسدها بطريقة استفزازية إلى أبعد حد، ووصل الأمر إلى خلع الملابس ومحاولات اغتصاب علنية. وأن الأمر لم يتوقف عند حدود واقعة وحيدة، بل تكرر على مدى يومين على الأقل، بنفس المجموعات الشبابية الرعناء التي لا يدري المرء إن كانت قد تشكلت عفوياً، أو أن هناك من هيأ لها الأمر، تمضي كالقطعان وسط القاهرة، وتهتف بعبارات قبيحة، وتتحرش بالإناث بوقاحة منقطعة النظير وسط سلبية رسمية وشعبية كأن شيئاً لم يقع. و قبل هذه الأحداث كان الشارع العربي يعيش صدمة قضية الاختطاف والاغتصاب الجماعي لفتاة القطيف، في المملكة السعودية التي تطبق الشريعة و تحترم تعاليمها، بعد أن عان العديد من صدمات قصة برجس وفتيات حي النهضة في هذا البلد. ولا بد من أن نذكر بالقضايا الجنسية والأخلاقية العجيبة التي تعج بها جرائدنا اليومية من المحيط إلى الخليج. إذ تتجاور صفحات صدى المحاكم مع الصفحات الدينية والوعظ الإسلامي. ومن المشروع أن نتساءل عن أسباب وعن علل هذه الظواهر التي أصبحت متفشية عندنا عنف وعدوانية اغتصاب نساء و اغتصاب رجال واعتداءات جنسية ضد الأطفال نحر وانتحار الخ.
وإذا كان التفسير العلمي الحديث يعتمد على السببية المتعددة العوامل أي أن كل ظاهرة هي مركبة ومعقدة ولها أسباب متعددة اقتصادية وسياسية ونفسية بالأساس فان الكبت الجنسي يلعب بلا شك دورا هاما في انتشار هذه الظواهر المرضية.  ويبدو أن تفاقم مظاهر التدين الشكلية من انتشار الحجاب و النقاب و تعميم الاستماع إلى القران الكريم في المحلات التجارية و سيارات الأجرة و الفوضى الجنسية المتفشية أصبحا اليوم نقيضان متلازمان و قطبان لوضع اجتماعي واحد يميزان المجتمعات العربية الإسلامية المتصدعة وأخلاقها المنافقة حتى التقزز.
لا بد لنا أن نقر أن مجتمعاتنا العربية الإسلامية تصنع من خلال لعبة القمع و المحظورات من كل الأنواع وأساليب الاستغلال والسيطرة المختلفة الكبت بأنواعه كما أنها لا تكف عن إنتاج الكدر الإنساني و رعايته و لا سيما هذا البؤس الجنسي الذي نشاهد تجلياته من خلال عودة المكبوت الانفعالي في شكل تدفقات عدوانية أو هوس ديني. هذا الهوس الديني الذي يمجد الألم و الخنوع و يحقر اللذة ومباهج الحياة ويعظم التضحية وغريزة الموت.
فلا شك أن قمع الجسد و التفنن في آليات تجريمه وتأثيم أفعاله و رغباته من خلال فتاوى رفض الفن الموسيقى و السينما و الاختلاط و التبرج و العطور الخ ينتج نماذج منحرفة و غير سوية فاحتقان الرغبة و البؤس الجنسي يلتقيان مع قمع الفكر وهدر الطاقات والكل يؤسس للتسلط و الهيمنة و الرقابة على الأرواح و الأجساد والأفكار. والأرضية التي تنتج هياكل الاستبداد وتعيد إنتاجها هي القمع جنسي الذي يتم في إطار تربية أسرية قائمة على التذنيب و التأثيم و عبادة الشخصية التي تكيف الطفل للعب دور المنفذ السلبي للأوامر الفوقية والإيديولوجيا غير عقلانية التي تنتج الخضوع المازوشي للرؤساء المدفوع حتى التضحية وبشكل ملازم له الموقف السادي تجاه من هم أدنى والمخالفين من كل الأنواع والذي يصل إلى حد الإبادة.
خيارنا الوحيد في هذا العصر الذي تجتاحه ثورة جنسية لا تصد ولا ترد هو إما تطور دون تهور أي تحرر عاطفي مدروس ومتوازن نسمح به نحن ونخطط له وننفذه بأيدينا عبر العائلة و المدرسة ووسائل إعلامنا وإما أن نستقيل بجبن أمام ديكتاتورية تجارة الجنس الخلاعي تاركين أطفالنا فريسة سهلة لمد خارجي أعمى يختلط فيه الحابل بالنابل. منطقيا ليس أمام مجتمعاتنا العربية الإسلامية إلا واحد من خيارين حاسمين إما التسلح بالشجاعة والسماح للشباب بإقامة علاقات صداقة و ود و انسجام عاطفي و فكري في وضح النهار بلا خوف و لا كبت و لا تأثيم و إما التسمر في الثوابت وانتهاج سياسات النعامة وترك فلذات أكبادنا لقمة سائغة لفضائيات الدعارة و للحركات الجهادية. و لعل إعادة الاعتبار لزواج المتعة المعتمد لدى إخواننا الشيعة والذي نصح به المصلح الديني الأستاذ جمال البنا حل لمشاكل شبابنا.
إن النضال ضد اللاعقلانية و الفوضى الجنسية المتفشية عندنا لن يكون نضالا سياسيا أو إيديولوجيا أو امنيا انه جهد حيوي من اجل أن يستعيد الإنسان حركة الحياة وفق مصادرها الثلاث الحب و العمل و المعرفة.
اليوم الاستراتيجيا الوحيدة و الكفيلة لمساعدة أطفالنا و تسليح وعي الاجيال الصاعدة بمخاطر الفوضى الجنسية الداهمة هي تبني نمط حياة عقلاني يعتمد على المبادئ التالية-
1)الغذاء المتوازن : لقد بينت ثورة البيوكيميا أن الإنسان وحدة بيولوجية –نفسية-اجتماعية متكاملة و متفاعلة إذا أصيب فيها بعد واحد تأثرت له سائر الأبعاد و تداعت له بالسهر و الحمى.عل سبيل المثال نقص الفيتامين ب1 يسبب تدهور الذكاء و نقص المانيوزيوم يولد الانهيار العصبي. 2) ممارسة الرياضة: تعزز الرياضة الصحة النفسية لأنها تخلص الجسم من المسممات المضرة و من العدوانية التي تدمر الفرد من الداخل. 3) لفظنة المشاعرالكضيمة: من الضروري أن يفسح المجال لكي يعبر المرء عما يقبله و عما يرفضه تحت رقابة الوعي. حرية التعبير هذه تساعد على اكتساب الثقة في النفس وعلى تأكيد الذات في وجه ما و من يريد نفيها.اللفظنة أي التواصل السليم مع الآخر تساعدنا أيضا على تجاوز الانطواء على الذات الذي يكرس المونولوج و الاجترار الذهني. انطلاق اللسان بما يتلجلج في الجنان خير ترياق ضد التوتر و الإرهاق النفسي لأنها تصعد الدوافع من اللاوعي إلى الوعي فيرتقي الفرد من الارتكاس العنيف إلى التروي العقلاني و من إنتاج الانفعالات و الهوامات إلى إنتاج الأفكار و التصورات. 4) الإشباع العاطفي و الجنسي: الاشباع العاطفي أي يحبنا الآخر و يقبلنا كما نحن لا كما يريدنا أن نكون -يكون لدينا مناعة عاطفية تعزز ثقتنا بأنفسنا و تشعرنا بالمن و الأمان. بينما إذا أعيقت تطلعات الليبدو إلى الإشباع تتحول هذه الأخيرة إلى سلوكيات عدوانية سادية فيتحول ضحية الحرمان العاطفي بما يسمى الطاعون العاطفي” فيصبح معاديا لكل من يخاف نظامه الأخلاقي الصارم مكفرا لكل من ذاته و يحميها من مصادرة الآخرين لها. 5) التسامي: لا يمكن للإنسان أن يحيا إلا إذا كان له سبب للحياة. و تمثل المعرفة و الثقافة عامل أساسي في تكوين سبب للحياة و الاحتفاظ به.
التسامي هو تحويل الطاقة الجنسية نحو هدف ثقافي و اجتماعي وهو هو مبادلة الهدف الجنسي الأصلي الذي التربية الأبوية بهدف اجتماعي بديل. لان كبت الدوافع أي عدم تحقيقها و عدم تصعيدها في نفس الوقت يقتضي بذل طاقة هائلة و مستمرة من زاوية الاقتصاد النفسي ترهق الفرد الذي يخوض حربا أهلية ضد ذاته – بينما يشكل التصعيد تحريرا هائلا للطاقة التي يقع توظيفها فيما بعد في نشاطات مختلفة و هذا هو التسامي.
اللجوء إلى التسامي هو مخرج يخلص الفرد من التوتر الناجم عن الاحتقان الشبقي. فهو ليس خيارا واعيا نلجأ إليه بل اضطرارا لاواعيا و لامناص منه. انه بديل عن السقوط في العصاب أو في الجنون لن الإفراط في كبت غرائز الحياة يفضي إلى العصاب وهو ما يجعل الحياة رتيبة مملة لا إبداع فيها و لا مغامرة و لا انتهاكات… كما أن رفع جميع الكوابح التي تعيق التحقيق المباشر و الفوري للدوافع يفضي إلى الجنون لان الجنون تعريفا هو تداخل مبدأ اللذة مع مبدأ الواقع حيث يصبح الواقع الموضوعي صدى للواقع النفسي للفانتازم.
باحثة تونسية / جامعة الزيتونة

(المصدر: موقع إيلاف بتاريخ 13 نوفمبر 2006)

 

مزق حجابها في تونس

عبد الله جدي (*)

 

القصيدة تقرأ من عنوانها

 

قبل البدء:

 

قرأت خبرا أوحى الي هذه القصيدة المرتجلة..

 

يذل المرء من ذل الذئاب

 

ومن للغرب تهرع كالكــــلاب

 

فشرع الله هان وما عرفتم

 

حقيق الشرع في زمن الدواب

 

جسومكم أما تدرون يومـــا

 

كما جاءت تعود الى التراب

 

تعاقبني عقابك ليس يجدي

 

فعند الله نجمــع للعقـــــاب

 

تمادى البغي في أرض تمادت

 

وسوف تصاب يوما بالمصاب

 

فلا( فرعون) صانع ما صنعتم

 

ولا من كان يقطع في الرقـــاب

 

سينتقم الحجاب إذا حجبتم

 

وتحجب عنكم أم الكتـــــــاب

 

فليس لديكم ما قد يقيكم

 

من النيران فهي من النصاب

 

لقد بعتم ضمائركم وعرضا

 

وحتى ما تبقى من ثيـــــاب

 

فأنتم طغمة لاخير فيكم

 

وكالطاعون يفتك بالشباب

 

********

 

يقول ابن الاصيل اليك صبرا

 

فان الدين يدرك بالصعاب

 

كمال الدين حكم الدين فينا

 

كمالك حين زين بالحجـــاب

 

لعل الله يهدي من أضلـت

 

تعود السافرات الى الصواب

 

ومن قد مات في دين وعرض

 

ففي الجنات يرزق بالثواب

 

(*) عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب

 

 (المصدر: بريد موقع الحوار نت بتاريخ 14 نوفمبر 2006)


 

واشنطن تمسك بورقة الزنوج لإعاقة حكم تسانده أوروبا …

خريطة الأحزاب والقوى في موريتانيا المقبلة على انتخابات

توفيق المديني (*)     

 

 هناك اجماع على أن موريتانيا تشهد واحداً من أزهى فصولها السياسية، بعد التزام أركان المجلس العسكري عدم الترشح للانتخابات المقبلة، وتعهدهم تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وأي جهة دولية ترغب في المساهمة أو المساعدة في عملية الإصلاح السياسي التي أعلن عنها غداة إطاحة نظام ولد الطايع في 3 آب (أغسطس) 2005.

 

بعد نجاح الاستفتاء على الدستور الموريتاني الجديد الذي طرحه»المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية» برئاسة الرئيس الحالي أعلي ولد محمد فال، على التصويت في 25 حزيران (يونيو) المنصرم، والذي أيده 96.97 في المئة من المقترعين، وتم إقراره، هاهي موريتانيا مقبلة على إجراء انتخابات أخرى على مدار الأشهر اللاحقة، تشريعية وبلدية في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، ثم انتخابات مجلس الشيوخ مطلع العام 2007، ويتم تتويج هذا البناء الديموقراطي الجديد بالانتخابات الرئاسية في آذار (مارس) 2007.

 

ويشارك في الانتخابات البلدية والنيابية 25 حزباً سياسياً من أصل 35 معترفاً بها رسمياً، وتتميز بما بات يعرف بلوائح المرشحين المستقلين التي تسببت في أزمة سياسية بين المجلس العسكري وأحزاب رأت في بروز اللوائح المستقلة بهذا الحجم الكبير إضعافاً لها، وفرصة للقبائل للاستحواذ على التجربة الديموقراطية.

 

ولما كانت الانتخابات هي المعيار الشرعي تحدد ملامح النظام المقبل، الذي سيخلف المجلس العسكري في السلطة، وفي المقابل ستكشف للمرة الأولى عن الحجم الحقيقي للأحزاب الموريتانية والقوى السياسية المختلفة. لهذا نحاول من خلال هذا المقال رسم خريطة أهم الأحزاب والقوى الموريتانية الفاعلة.

 

1-الحزب الجمهوري الديموقراطي الاجتماعي

 

يتزعم هذا الحزب الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطائع، و قد تأسس في 28/8/1991. وباعتباره كان حزب السلطة الحاكمة، فإن عناصره كانت من العاملين في مراكز الدولة، وهم المستفيدون من الحكم واستمراره. كما أن عدداً من رؤساء القبائل انضم إلى هذا الحزب، بعد أن أعاد اليهم رئيس الدولة مكانتنهم، خصوصاً قبيلة «الساسين» التي ينتمي ولد طايع اليها. والحزب الجمهوري عبارة عن خليط يضم أعضاء من اليمين المتطرف واليسار المتطرف، بدءاً من قدامى الماركسيين الماويين مروراً بالناصريين، إضافة إلى بعض القوى السياسية الأخرى كالبعثيين، خصوصاً الموالين لصدام حسين، إلى الأصوليين وزعماء القبائل وهم يمثلون الركيزة الأساسية للحزب، حيث يرون أن معارضة السلطة ستعرقل طموحاتهم في تقلد المناصب العامة.

 

2- حزب اتحاد القوى الديموقراطية (عهد جديد)

 

تأسس هذا الحزب في 12/10/1991 بموجب ترخيص من وزارة الداخلية، وهو أقوى الأحزاب الموريتانية شعبية ويعتبر في رأس الأحزاب المعارضة. وقد شكل من مجموعة من القوى والحركات والأحزاب التي كانت قائمة قبل ذلك وكانت تعمل في سرية وهذه القوى هي:

 

حركة (الحر) وهي الحركة التي تضم الحرمانيين الذين يراوح عددهم بين 8 و 10 في المئة من السكان، والحزب الشيوعي الموريتاني، وتنظيمات الزنوج على اختلافها، وقدامى البعثيين الذين أصبح جناحهم يعرف داخل الحزب بجناح الوسط الديموقراطي ويقوده محمد ولد باباه.

 

تتلخص أهداف الحزب في تحقيق الوحدة الوطنية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية بين فئات الشعب الموريتاني عرباً وغير عرب. ورئيسه هو السيد أحمد ولد داده، وهو من الشخصيات القيادية القديمة، يحمل شهادة عليا في الاقتصاد وتقلد مناصب إدارية منها محافظ البنك المركزي، ووزير سابق في عهد شقيقه المختار ولد داده .أما شعار الحزب فهو: وحدة، ديموقراطية، عدالة اجتماعية.

 

3 – الحركات القومية العربية

 

تشكلت طلائع هذه الحركات في الستينات في إطار حقبة المد القومي الناصري البعثي في الوطن العربي، في إطار واسع تعارف فيما بينه على التسمي بـ «حركة القوميين العرب». وهو إطار سياسي عام لا علاقة له بالتنظيم القومي لحركة القوميين العرب في المشرق العربي. وضم هذا الإطار الحساسيات القومية لمجتمع «البيضان» العربي. وكانت هذه الحساسيات منضوية في البداية في إطار «حزب النهضة» وريث «حزب الوفاق الوطني» في الخمسينات. ودعم هذا الحزب برنامج «حزب الشعب» واندمجت قيادته فيه عام 1966 على اساس تعزيز السياسة العربية لموريتانيا. وتمكن التيار القومي العربي هنا من ان ينتزع من مؤتمر حزب الشعب في عام 1966 سياسة شاملة بتعريب الإدارة والثقافة، ما أدى الى توتر دموي داخل حزب الشعب وخارجه مع ممثلي المجموعات الزنجية الإفريقية.

 

وشكلت الحركة الناصرية أحد أهم ألوان الطيف السياسي القومي العربي في موريتانيا، وإثر مؤتمر القوى الناصرية العربية عام 1973 الذي رعته القيادة الليبية في طرابلس، انقسمت الحركة إلى تيارين، الأول يرتبط على ما يبدو بالتنظيم الطليعي الذي كان يقوده فتحي الدبب، والثاني بالقيادة الليبية. إلا ان الانقسام لم يمنع التعاون لا سيما في الانتخابات البلدية عام 1978، إذ خاضت الحركة الانتخابات بقائمة واحدة تحت اسم «الاتحاد من أجل التقدم والأخوة».

 

وإثر صدور قانون الأحزاب وقرار التعددية السياسية عام 1991، تأطرت الحركة الناصرية تحت اسم «حزب التحالف الشعبي التقدمي». واستوعب الحزب حركة اللجان الثورية المرتبطة بليبيا ومجموعة قليلة من الزنوج والحرماتيين المستعربين. وتبنى الحزب الإيديولوجيا الناصرية، ورفع شعار «ديمقراطية عدالة – وحدة» كشعار موريتاني يجسد شعار الحركة الناصرية التاريخي حرية اشتراكية – وحدة، ويتميز بعلاقاته الوثيقة مع القيادة الليبية.

 

وانتشر تنظيم البعث في شكل خاص في السبعينات بين الطلاب في المرحلة الثانوية، والمثقفين، وفي المناطق الشمالية من البلاد، واصبح له حضور في الجيش وبعض الأجهزة الإدارية. وكان الضباط البعثيون طرفاً أساسياً في الانقلاب العسكري في 10 تموز (يوليو) 1978، وتم في آذار (مارس) 1979 تصفيتهم بيد اللجنة العسكري الحاكمة، ليتعرض البعثيون في عام 1982 إلى حملة قمع صارمة طاولت فيها جهازهم المدني والعسكري.

 

وإثر صدور قانون الأحزاب في عام 1991 أعلن البعث عن نفسه في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1991 تحت اسم «حزب الطليعة الوطنية» وتولى أمانته العامة حظري ولد جدو الذي درس الحقوق في بغداد، وهو من مدينة شنقيص التابعة إلى محافظة أدوار، وينتمي إلى قبيلة الأغلال. أما أمينه العام المساعد فهو الددّاه محمد أمين السالك. والحزب هو فرع قطري لحزب البعث العربي الاشتراكي (جناح العراق)، وقد عمل تحت اسم «حزب الطليعة الوطنية» لأن قانون الأحزاب الموريتاني لا يجيز تأسيس أحزاب موريتانية مرتبطة بأحزاب أخرى في الخارج وتبنى شعار وحدة – حرية – عدالة اجتماعية كترجمة موريتانية لشعار الحزب الأساسي (وحدة – حرية – اشتراكية).

 

4 – القوى القبلية

 

للقبائل تأثيرها الكبير في الولاءات السياسية للمواطنين، والقوى القبلية تغلّب الولاء للقبيلة على الولاء للنظام. ومن أبرز القبائل ذات التأثير في الشأن السياسي الداخلي الموريتاني قبيلة الترارزة في جنوب موريتانيا على الحدود مع السنغال، وقبيلة بوتلميت في الجنوب أيضاً، وهي قبيلة عرفت بعلاقاتها الوطيدة مع السنغال والإدارة الفرنسية.

 

5 – المعارضة الإسلامية

 

كانت التيارات الإسلامية الموريتانية تحظى باعتراف رسمي حتى وقت قريب، وكانت تنشط علانية من خلال «الجمعية الثقافية الإسلامية» وعدد آخر من النوادي ومراكز الدعوة وجمعيات البر. واستفادت التيارات الأصولية الإسلامية الموريتانية من تراجع الحركات السياسية القومية والشيوعية، كي تحقق وثبة إلى الأمام، يساعدها في ذلك الطابع المسالم للأصولية الإسلامية الموريتانية، والطابع التقليدي والمحافظ للمجتمع، الذي يؤمن بالعقيدة الإسلامية كدستور حياة.

 

غير أن التيارات الإسلامية الموريتانية ما إن اتخذت مواقف راديكالية من السلطة بسبب سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني، حتى تعرضت لحملة اعتقالات، شملت شخصيات إسلامية في الحزب الحاكم والمعارضة على حد سواء. وازداد التناقض بين الحكم الموريتاني والتيارات الإسلامية الأصولية حدة، بعد أحداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001، حين أكدت الحكومة الموريتانية التزامها محاربة ما يسمى «الإرهاب» الدولي، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تنوه بسياسة نظام معاوية ولد الطايع السابق.

 

6 – الأقلية الزنجية

 

ملف الزنوج هو أحد الملفات الشائكة في ظل حكم ولد الطايع السابق. والزنوج يشكلون نسبة تتراوح بين 20 و 30 في المئة من السكان. وخلال 21 سنة من حكم ولد الطايع، تم تهميش طائفة واسعة من هذا الشعب من خلال اغتيال الإرادة المدنية والعسكرية، وإبعاد 80 ألف شخص إلى السنغال ومالي، ودفع غالبية المجموعة الزنجية في موريتانيا إلى المهجر، ما أصاب الوحدة الوطنية بتصدع كبير. ويتناقض التيار الزنجي الانفصالي مع النظام الموريتاني الذي يحمله مسؤولية تكريس الهوية العربية على حساب الهوية الأفريقية، واللغة العربية على حساب الفرنسية.

 

وأصبحت الولايات المتحدة على قناعة بأنها خسرت مكانتها في موريتانيا لمصلحة الاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا، بعد سقوط الحليف القوي لواشنطن معاوية ولد الطايع الذي كان وافق على إقامة قواعد عسكرية أميركية في الصحراء الموريتانية لرصد تحركات العناصر الإرهابية والتنسيق بين جيوش دول غرب أفريقيا في مجال التعاون العسكري.

 

وتسعى اشنطن إلى تحريك ملف الزنوج الموريتانيين المبعدين إلى السنغال ومالي. ورأت نواكشوط أن هناك تشجيعاً غير بريء في هجرة الأفارقة إليها، مع ما نقل عن مصادر أميركية في مخيمات اللاجئين والقرى السنغالية الحدودية من أن «لهؤلاء السكان الحق في الثروة النفطية الموريتانية التي تفتح باب الثراء في الضفة اليمنى للنهر».

 

(*) كاتب تونسي.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 14 نوفمبر 2006)


 

أوروبا التي نحبّ … أوروبا التي نكره عندما نضيق ذرعاً بأنفسنا

احميدة النيفر (*)

 

تتوالى الإساءات الصادرة عن أوساط أوروبية صوب العالَمين العربي والإسلامي بصورة مثيرة. شمل هذا «التصدّي الأوروبي» مجالات سياسية واقتصادية لا تعتبر جديدة بالنظر إلى سوابق تاريخية عرفتها علاقات الجوار بين المسلمين والأوروبيين. أخطر ما في هذا «التصدّي» أنه أصبح يستهدف علانية جوانب ثقافية ودينية ورمزية لدى المسلمين وبوتيرة تصاعدية بدأت منذ عقدين من الزمن واستفحلت في السنوات الخمس الأخيرة. إضافة إلى هذا فإن ما يسترعي الاهتمام في هذه «الحملة» هو تأكيدها على أن الإسلام لا يمكن أن يكون إلاّ خطراً ماحقاً لأوروبا بعد إن غداً قابعاً داخلها يتربّص بها الدوائر.

 

يتأكد هذا التوجّه بانخراط جهات معروفة بجديّتها وابتعادها عن التهافت العنصري لأقصى اليمين ضمن هذا الخطاب. حين تنشر مثلاً صحيفة فرنسية من مستوى «الفيغارو» وإثر الضجة التي أثارتها محاضرة البابا في أيلول (سبتمبر) الماضي مقالاً هجائياً للإسلام لا فكر فيه ولا عمق كتبه أستاذ مغمور، حين يحصل هذا باسم حريّة التعبير من قبل صحيفة عريقة فإنه لا مفرّ من التوقّف لتدبّر الأمر. ثمّ بعد أقل من شهر وعلى إثر إيقاف عدد من المسلمين العاملين في مطار «رواسي» بباريس باسم تحفظ أمني لا تعرف حقيقته، واصلت ذاتُ الصحيفة نفس النسق ناشرة حواراً ثالباً لفيليب دو فيليي فيه عبارات تحقيرية جارحة للمسلمين و فيه مطالبة المسؤولين بالحزم الكامل في خصوص النساء المحجّبات اللواتي ينبغي «إرغامهن على نزع الحجاب في الشارع والأماكن العامّة لأنه رمز لاستعباد المرأة وتقصيتها عن قيم الجمهورية».

 

يضاف إلى هذا التصعيد صدور قانون للهجرة إلى فرنسا لا يبيحها إلا للمهاجرين «المتميّزين». لم يتردد واضعو القانون في الإعلان عن حاجتهم إلى الكفاءات المختارة الوافدة من «جنوب المتوسط» بينما تظلّ الأبواب موصدة في وجه أهاليهم ومن هم دونهم كفاءة.

 

يبدو الأمر جللاً وكأنّ المهاجرين على وشك اكتساح الأراضي الفرنسية بخاصة والأوروبية بعامّة. هذا في حين تثبت الأرقام الرسمية أن نسبتهم لا تزيد على 6 في المئة من جملة عدد سكان فرنسا وأن السلطات الأوروبية رفضت منذ ثلاثة عقود 83 في المئة من مطالب اللجوء إلى الفضاء الأوروبي (شنغن).

 

ما يكشفه رصد الأحداث أن خطاب «التصدّي للغزو والإرهاب» الوافدين خصوصاً من العالَمين العربي والإسلامي ليس حكراً على اليمين. إذا نظرنا إلى جهة اليسار الفرنسي فإن الإساءات لا تقلّ ضراوة. زد ما قيل وكُتب في تعليل معارضة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ففيه سُمّ ناقع وللنظر إلى دعم اليسار قانون تجريم منكري «إبادة الأتراك للشعب الأرمني» أوائل القرن العشرين. هذا القانون الجديد مذهل بكل المقاييس مع ذلك دافع عنه أقطاب من اليسار في المجلس النيابي على رغم موجة إنكار مفكرين ومؤرخين فرنسيين فضلاً عن الأتراك. مثار الرفض أنّ القانون يريد أن يحسم في شأن حادثة لا علاقة لفرنسا بها وفي اتجاه يعمِّق الفجوة بين شعبين لا يمتّان إلى فرنسا بصلة.

 

أخيراً وليس آخراً، يأتي إسناد جائزة الكتاب السياسي لسنة 2006 إلى «كارولين فوراست» اليسارية النسوية عن كتابها «الإغواء الظلامي» (La Tentation obscurantiste) المُذكي مخاوف الأوروبيين من «الغزو الإسلامي» لبلادهم وتهديد قيمهم ونمط حياتهم.

 

أما بريطانيا المعروفة بتسامحها مع المقيمين في أراضيها من العرب والمسلمين فقد انساقت في السبيل ذاته، سبيل التصدّي بالإساءة لخصوصيات ثقافية ورمزية بصورة فجّة وغير مسبوقة. كانت البداية مع مشاركة حكومتها في تأييد عنيد للولايات المتحّدة في الحرب على أفغانستان والعراق ثم انساقت الحكومة الآن ومعها قسم من الإعلام في إمكان مراجعة نظام حريّة الطوائف في خصوصياتها الثقافية والاجتماعية.

 

ألمانيا والدنمارك وهولندا وبلجيكا بل إيطاليا وإسبانيا انضمّت جميعها بدرجات متفاوتة إلى سياسة حمائية متيحة المجال لخطاب تحريضي قائم على الإثارة والتخويف.

 

لكن كل هذا لا يعدو أن يكون الوجه «الكريه» لأوروبا الذي لا ينبغي أن ينسينا وجهها الآخر ذاك الذي حرّك سواكن الطهطاوي وعبده وخير الدين. إنه الوجه ذاته المتألّق اليوم في نظر نخب العرب والمسلمين فضلاً عن عامّتهم. هي أوروبا الشابّة – على رغم دعوى الصلف بأنها غدت عجوزاً خرفة، بفضل خصال أربع : 1- سيادة القانون، 2- حقّ التنظّم والتعبير، 3- حقّ اكتساب المعرفة، 4- حرية التفكير والاعتقاد والإبداع.

 

من هذه الزاوية ليس من المبالغة القول إن معظم العرب والمسلمين اليوم مسكونون بقدر من الأقدار بالغرب الأوروبي في حداثته التي صاغ بها لنفسه موقعاً يتصدّر به التاريخ الإنساني الحديث والمعاصر.

 

أمّا نحن فنظراً الى ما نتخبط فيه من عجز نكاد نردّد في قراراتنا صوب أوروبا: «يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً». إنّ إحباطنا يتزايد عندما نقف على الحراك المجتمعي وهو يواجه بمؤسساته المدنية والشبابية العولمةَ المكتسحة بل إن تقديرنا يتضاعف عندما نرى معارضة صريحة يعلنها مسؤولون وقادة أوروبيون لسياسة الهيمنة الأميركية وغزوها العالمين العربي والإسلامي.

 

تلك بعض قسمات الوجه الذي نصبو إليه في الغرب الأوروبي.

 

السؤال الذي يفرض نفسه حين نريد تجاوز الوقوع في معاطب التشهير السهل أو الانبهار المشبوه هو: ما هي طبيعة العلاقة التي يمكن أن تستقرّ بين الفضاءين الأوروبي من جهة والعربي الإسلامي من جهة أخرى إن أدركنا أنهما مهدّدان بالتخلّي نهائياً عن مركزهم التاريخي في العالم لمصلحة غيرهم؟

 

إنّ الإقرار بوجود زاويتي نظر إلى المواقف الأوروبية وسياساتها إزاء العالمين العربي والإسلامي يهدف إلى إبراز ثلاثة معطيات حيوية نحتاج إلى تمثلّها في مواجهة فكر إطلاقي تبسيطي يضع، ببلادة أو خبث، الشرقَ في مواجهة الغرب و المسلمين في تناقض جوهري ّ مع الأوروبيين.

 

1- ليست أوروبا كتلة صماء بل هي مجال حيّ تعتمل فيه حركية ذاتية بصدد التشكّل للمساهمة في صوغ مستقبل التاريخ العالمي.

 

2- ما يعدّ عائقاً رئيساً في حركية أوروبا الفكرية والثقافية هي اعتبارها نفسها عينَ الإنساني بإطلاقٍ فهي لا ترى في الآخر المجاور والمختلف إنسانيته و قدرته على الإضافة والإثراء.

 

3- تختزل ظاهرة «الإسلاموفوبيا الأوروبية» في عدائها العلني للمسلمين اختزالاً مشوّها للإسلام لكنها في العمق تخفي معضلتين معاصرتين: أيّ هويّة لأوروبا وأيّ توجّه اجتماعي – اقتصادي لها؟

 

ما نريد أن نقدّمه جواباً عن السؤال الاستراتيجي السابق المنطلق من التكامل التاريخي والمستقبلي بين المسلمين والأوروبيين هو أنّ التصدّي الأوروبي للمسلمين مرتبط برفض أوروبا مراجعة فكرها المركزيّ المغلق، إنه تعبير مخاتل عن أوروبا التي تضيق ذرعاً بنفسها لأنها تأبى أن تقوم بمراجعات جذرية. ما لقيه مثلاً «سلمان رشدي» من دعم مشطّ وغير محدود من أوروبا الرسمية وغير الرسمية يضيء إعاقةَ المركزية الأوروبية في نظرتها إلى نفسها وإلى الآخر. بذلك الدفاع عبّرت الذات الأوروبية عن رؤيتها للعالَم الإسلامي وكيفية إصلاحه، فهي ترى في صاحب «الآيات الشيطانية» أحد العظام المخلِّصين للإسلام والمسلمين لأنها لا تشاهده إلاّ من منظورها الثقافي الخاص. ما توالى بعد ذلك من أمثلة وما تنوّع من حالات كان كلّه يؤكّد على أنّ المركزية الأوروبية لا ترى خلاصاً ممكناً للعالم العربي الإسلامي إلا عبر المقاربات المحاذية لتجربتها المعلمنة والقائلة بأفول الدين وبأن التحديث يفضي ضرورة إلى إقصاء الدين عن الحياة العامة.

 

الأدهى أن ظاهرة التمركز الثقافي ليست أقلّ حضوراً وفاعلية في فضاء العالمين العربي والإسلامي. هناك يقع الانسياق إلى اعتبار الهويّة الدينية حصن الخلاص وأن معناها قارّ ونهائي ومتعال عن التاريخ وأنها هي المرجعيّة الفاعلة والزاوية الوحيدة للنظر والحكم. لذلك فمن النادر أن يقال إنّ معتقداتنا الدينية تصلح أن تكون سبيلاً للوفاق كما يمكن أن تكون أداة للفرقة، وأن لمشاغل الواقع ودرجة الوعي أكبر الأثر في صوغ ثقافة دينية خاصة، كثيراً ما يقع الخلط بينها وبين الدين ذاته. لذلك يقع ادّعاءُ المطلَقِ متحققاً في الذات المسلمة المتمركزة والضائقة ذرعاً بواقعها ومتطلباته الموضوعية.

 

هكذا يبدو مشهد العلاقات بين أوروبا والمسلمين، مشهدٌ واعد على رغم عقبات كأداء، إنّه واعد على رأي أوروبي من أصدقاء العرب قال: ليس التفاؤل ثقةً في السعادة إنما هو الثقة في المشاكل.

 

(*) كاتب وجامعيّ من تونس

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 11 نوفمبر 2006)


  

افتتاح دورة العام الأربعين للمهرجان السينمائي المؤسس في العالم العربي …

«أيام قرطاج» … ماذا يبقى من تاريخ عريق اكتشف أقوى ما في سينما الجنوب؟

إبراهيم العريس    

 

ذات يوم كان المهرجان السينمائي التونسي الذي عرف باسم «أيام قرطاج السينمائية» قبلة أنظار السينمائيين العرب. كان فريد نوعه في السنوات الصاخبة التي عرفت دوراته الأولى. كان مهرجاناً يناضل من أجل السينما، ومن أجل تغييرات حقيقية في المجتمع من خلال السينما. طبعاً نعرف ان الشق الثاني من نضالاته لم يتحقق أبداً، أو لم يتحقق كما كان مأمولاً له أن يتحقق. لكن الشق الأول تحقق، وأحياناً الى مستويات غير متوقعة. فـ «الأيام» التي عقدت دورتها الأولى في العام 1966، ولا سيما بمبادرة من الراحل حمادي العيد، والناقد الطاهر الشريعة، سرعان ما أضحى مركز الثقل السينمائي، عربياً وافريقياً، وعالمثالثياً، يعرض فيه «السينمائيون الجدد» أعمالهم وتدور فيه النقاشات ويلتقي في ندواته وأماكن إقامة ضيوفه، عشرات المبدعين من المناطق العربية وأفريقيا، ناهيك بأصحاب النيات الطيبة من أوروبيين مناضلين، سياسياً وسينمائياً، كانوا يأتون للدعم، ثم حين يعودون الى بلدانهم يكتب كتابهم في كبريات الصحف والمجلات، مقالات الإشادة والتشجيع. ولما كانت تونس، والمغرب العربي المجاور، تضج حينها بجمعيات السينمائيين ونوادي السينما والنقاد، كان من الواضح أن «أيام قرطاج» في طريقها الى خلق دينامية ثقافية لا مثيل ولا سابق لها في أي بلد عربي.

 

اليوم، ها هي أربعون عاماً سريعة، تمضي منذ كانت لحظات التأسيس. أربعون عاماً، شهدت خلالها «أيام قرطاج» شتى أنواع الصعود والهبوط. كما حال النضالات والسينمات والمجتمعات العربية في شكل عام. أربعون عاماً تنامت فيها و «ازدهرت» عشرات المهرجانات السينمائية في عشرات المدن العربية، ناهيك بازدهار العروض العربية والافريقية في «العالم الخارجي» أيضاً. بعض ذلك أراد تقليد قرطاج، فنجح حيناً بحدود، وفشل أحياناً بغير حدود، وبعضها أراد منافسته بل حتى الالتفاف على جوهر فكرة تكوينه… ونجح للأسف. اليوم صارت المهرجانات السينمائية العربية، أكثر من الهم على القلب، كما يقول مثل لبناني، وتونسي أيضاً شائع. صار عدد المهرجانات أكثر من عدد الأفلام المنتجة… بكثير. فكيف بعدد الأفلام الجيدة المنتجة… والتي قد تصلح لمهرجان ذي قيمة من طينة «قرطاج»!؟ اليوم صار لكل مدينة عربية مهرجانها بل أكثر من مهرجان، بما فيها – بخاصة وهذا هو المضحك/ المبكي في الأمر – المدن التي ليس فيها أي انتاج سينمائي، بل أحياناً أية صالات للعروض التجارية. ومن ذلك مهرجانات «عالمية» تنفق عشرات ملايين الدولارات، في وقت لا تريد فيه أن تنفق ألوف الدولارات على انتاج فيلم واحد… غير ان هذه حكاية أخرى.

 

مهرجان التأسيس

 

حكايتنا هنا هي قرطاج. ذلك المهرجان المؤسس، الذي إذ يصر على أن تظل وتيرته مرة كل عامين، يكاد يبدو بين الدورة والدورة منسياً، ضائعاً في زحام المهرجانات وأخواتها. فهل تختلف حاله هذه عن حال الانتاجات العربية الجيدة نفسها؟ مهما يكن، في زحمة المناسبات السينمائية التي تكثر عادة – لسبب غير مفهوم – في هذا الفصل من العام، ها هو مهرجان قرطاج يعود ليذكرنا بوجوده. وأكثر من هذا: يعود فجأة ليذكرنا بتاريخه، إذ ان دورته لهذا العام تحمل الرقم المدور الذي يحتفل به عادة. أو على الأقل يحتفل ببلوغه عامه الأربعين. فهل عام الأربعين، في الحيز السينمائي عام لتجدد الشباب أم عام للكهولة؟

 

تبدأ الدورة الجديدة، دورة الذكرى الأربعين، غداً وتنتهي بعد عشرة أيام. من هنا، كاحتفال سيكون من الصعب الحكم عليها منذ الآن. علماً أن العامين الفاصلين بين الدورة الأخيرة والدورة الجديدة، شهدا صراعات ومناورات عدة من حول «أيام قرطاج» هي، على أية حال، من نفس تلك التي تشهدها أروقة الحياة السينمائية التونسية بين كل دورة ودورة. فالحياة السينمائية التونسية تظل حياة صاخبة، وفيها يختلط الفني بالإداري، والمنتج بالمخرج بالناقد، بحيث أن كل واحد، أو شلة أو فريق، يسعى الى أن تكون له في الدورة مكانة وكلمة… حتى وإن تبدى هذا دائماً غير ذي جدوى. مع ان «قرطاج» هو واحد من المهرجانات النادرة للسينما في العالم العربي التي لها جمهور حقيقي يتدافع لمشاهدة الأفلام ومتابعة العروض. إذاً، يصعب الحكم على مجريات هذه الدورة منذ الآن. ولكن، في المقابل يجوز التساؤل عما يبقى من هذا المهرجان العريق، على ضوء العروض التي يقدمها في دورته الجديدة. إذ، وفي اطلالة سريعة على أسماء الأفلام المعروضة في التظاهرات الأساسية المختلفة (المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة أو القصيرة، عروض البانوراما، التكريم…) سيتبين بسرعة ان الجديد قليل. معظم الأفلام المتبارية وغير المتبارية سبق أن عرض على مدار العامين الفائتين في عدد كبير من التظاهرات والمهرجانات وحتى في صالات العرض التجارية. ما يعني طبعاً، أن مهرجاناً ساهم في الماضي في اكتشاف بعض أجمل أعمال برهان علوية ويوسف شاهين ونوري بوزيد وإدريس واردوغو وسليمان سيسي ومفيدة تلاتلي وفريد بوغدير ومحمد ملص، عليه ان يكتفي هذا العام بعرض أفلام سبق لكثر ان اكتشفوها، وأمضوا في اكتشافها، قبل وصولها الى «قرطاج». نقول هذا ونفكر في «دنيا» جوسلين صعب و «بوسطة» فيليب عرقتنجي، و «أوقات فراغ» من مصر و «بلاد رقم واحد» للجزائري عامر زيميش و «أحلام» العراقي و «طرفاية» المغربي داود أولاد السيد، و «باماكو» الموريتاني… و «انتظار» الفلسطيني رشيد مشهراوي، وصولاً الى «علاقات عامة» للسوري سمير ذكرى. ما هو الجديد في هذه الأسماء كلها؟ أي منها لم يُلحظ في مهرجان كهذا من قبل؟ وهل حقاً من بينها ما لم يعرض تجارياً بعد؟

 

مصير مختلف

 

حسناً… قد تكون المبررات كثيرة… ومعظمها صحيح: شحة الانتاج العربي، الايقاع المزدوج هذه السنة لقرطاج، كون هذه الأفلام لم تعرض بعد في تونس… أجل، كل هذا صحيح ومنطقي، لكنه يفقد «قرطاج» ما كان أساسياً فيه، خلال العشرين سنة الأولى من حياته، ويجعله متساوياً مع تظاهرات أصغر منه شأناً، بل يضطر الى منافستها، خاسراً، للحصول على أفلام جديدة، أو لأن يبدو مقلداً لها.

 

وطبعاً، ليس هذا هو المصير الذي كنا نتوقعه للمهرجان الذي عرفناه أيام عزه…

 

وما يقال عن برنامج المسابقة الرسمية هنا، يمكن قوله عن برنامج مسابقة الأفلام القصيرة… وكذلك عن بانوراما العروض العالمية (معظم أفلام هذه التظاهرة شوهد منذ عامين وأحياناً أكثر) ناهيك بأفلام البانوراما العربية والافريقية (ومنها «كارمن» الجنوب أفريقي صاحب الدب الذهبي في برلين 2005، و «دوار النساء» للجزائري محمد شويخ، وطبعاً «ظلال الصمت» السعودي الأول للمخرج عبدالله المحيسن، و «ملك وكتابة» لكاملة أبو ذكرى من مصر، وكذلك «الأفارقة الفرنسيون» فيلم رشيد بوشارب صاحب الضجة الكبرى والمليوني مشاهد في فرنسا، منذ الصيف الفائت، وهو فيلم الافتتاح… عن جدارة لا شك فيها…).

 

ما الجديد الذي يبرر مهرجاناً إذاً؟ ثم أين هي المناسبة نفسها؟ ترى، أفلم يكن من الأفضل والأكثر منطقية، حتى بالإمكانات المتواضعة التي فهمنا انها خصصت لـ «قرطاج» هذا العام أن يتم اختيار لجنة تحكيم (للمسابقتين الأساسيتين) تتألف من سينمائيين حقيقيين (مثلاً، من أولئك الذين فازوا بجوائز قرطاج الكبرى طوال الأربعين سنة الفائتة) بدلاً من هذه اللجنة الهجينة، التي عبثاً نبحث بين أسماء أعضائها عمن له علاقة حقيقية بالسينما أو بتاريخ قرطاج؟

 

ثم، وفي مجال التكريم نفسه قد يثني المرء على اختيار نجيب محفوظ (السينمائي) لتكريمه لمناسبة رحيله المحزن، ولكن أي تكريم هذا الذي يقتصر على كلمة عاطفية من الفنان نور الشريف، الذي لا تتعدى علاقته السينمائية بنجيب محفوظ، بضعة أدوار لعبها في بعض أفلام اقتبست من أعماله؟

 

والمرء قد يثني على تكريم المخرج المصري يسري نصر الله. ومع هذا أولاً يبدو هذا التكريم لنصر الله مبكراً، زمنياً، بعض الشيء؟ فالرجل لا يزال في بداياته، على رغم سنه التي تتقدم بسرعة، ولا يزال يبحث عن طريقه وأسلوبه وسينماه، على رغم بدايات مميزة في «سرقات صيفية» و «مرسيدس»، ولا يزال حائراً بين سينما الذات وسينما النضال، وبين لغة السينما ولغة التلفزيون، وسينما المؤلف وسينما «القضايا الكبرى»… فما جدوى تكريمه وحيرته لم تنحسر بعد، خصوصاً إذا كنا نعرف ان كل تكريم انما هو تتويج لحياة مبدع وعمله – بصراحة: رمي في متحف النسيان – … هل يرى منظمو قرطاج ان يسري نصر الله صار جديراً بمثل هذا التكريم المتحفي؟ وهنا إذ نتحدث عن نصر الله، سيقفز في ذهننا على الفور اسم مجايل له، يستحق هو التكريم أكثر من صاحب «مرسيدس»، ليس لأنه أفضل منه، بل تحديداً، لأن القدر المحزن شاء له أن يتقاعد باكراً بسبب حادث شله. نتحدث هنا عن الطيب الوحيشي، التونسي المبدع، الذي كان أقعده حادث في دبي، وكنا نتوقع من دورة قرطاج لهذا العام أن تلتفت اليه في تحية تكريمية تعيد التذكير ببعض الجيد والأكثر جودة من أفلامه، أو تؤنسه في وحدته القاتلة، هو الذي نعرف انه رافق قرطاج منذ البداية وكان في شكل من الأشكال ابناً حقيقياً لهذا المهرجان الذي لطالما تبنى أفضل وأبرز وأبرّ السينمائيين العرب وساهم في إعطائهم مكانتهم.

 

طبعاً نحن لا نكتب هذه السطور مستبقين بها افتتاح دورة العام أربعين لأيام قرطاج لوضع العصيّ في الدواليب، إذ نحن نعرف ان الراغبين في وضع مثل هذه العصي، داخل تونس وخارجها كثر. وكانت تلك هي الحال دائماً في الماضي. حال كثيراً ما أقضت مضاجع أهل قرطاج الحقيقيين من حمادة الصيد الى القاهر الشريعة وصولاً الى عبداللطيف بن عمار وأحمد عطية وخميس خياطي وعشرات غيرهم. كل ما في الأمر اننا اعتبرنا ان لـ «قرطاج» فضلاً كبيراً علينا وعلى السينما العربية، فضلاً تواصل منذ ذلك العام المبكر 1966، ولا يزال يغمر كثراً من أهل السينما. وهذا بالتحديد ما يملي علينا أن نصارح «قرطاج» بملاحظات قد تبدو حادة وقد لا تكون أفضل هدية تقدم لمؤسس المهرجانات السينمائية العربية الحقيقية في عيده. ولكن، هل حقاً أن على الحقيقة ان تنتظر مناسبة أفضل لتقال؟

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 10 نوفمبر 2006)


 

مقاهي الحاضرة في النصف الأول من القرن العشرين (2): المقـــــــاهـــــي الأدبيـــــــة
بقلم: الأستاذ منير بطيخ شكلت المقاهي خلال الحقبة الأولى من القرن الماضي عامل ثراء مهم للحياة الفكرية والأدبية والاجتماعية التونسية في عمومها جاءت لتكون رافدا مهما من روافد الاستفاقة على الحداثة والبحث عن الخلاص في غياب المقرات والفضاءات الواسعة والمرخص لها لتكون قادرة على احتضان أنشطة رواد تلك الفترة المهمة في حياة بلادنا. فساهمت في أحيان كثيرة في تحويل هذه الفضاءات إلى منتديات لتجميع الأدباء والفنانين ومجالا لجمع شملهم ونشر إنتاجهم حيث يلتقي فيها الأدب النخبوي بالأدب الشعبي ليعكس كل هذا ملامح العصر وإفرازاته المختلفة. لقد دخلت الثقافة إلى حضيرة الشعب بدخولها إلى المقاهي وابتعدت عن برجها العاجي في قمقم قصور البايات والدايات. وأصبحت الثقافة بذلك ملكا مشاعا لجميع التونسيين حتى بالنسبة لأولئك الذين لم يكن لهم من التعليم إلاّ الزاد القليل وبالرغم من انتصاب الثقافة في المقاهي حيث الشعب إلاّ أنّ ما لا يجب الإغفال عنه هو أن الأغلبية من رواد الثقافة بما فيها من أدب وموسيقى ومسرح آنذاك لم يحملوا الهموم الواسعة للشارع الوطني ما عدا بعض الاستثناءات القليلة، في حين بقيت الأغلبية تتقوقع في ركاب الهامشية والحياة البوهيمية والارتماء بالكامل في أحضان المخدرات واللذة  حيثما كانت. وأنزوى لفيف آخر داخل محيط المقاهي وفي أجوائها الأفيونية الرقيقة التي انشغلوا بها وامتنعوا عن التعبير عن الوجدان الوطني للجماهير العريضة في حين كانت تونس تعيش – في فترة ما بين الحربين – حالة حراك نشيطة حيث تميزت الحالة كما يقول الهادي العبيدي «بالحركة في الميدان السياسي والميدان الاجتماعي والاقتصادي وكانت الشبيبة الجديدة تتصارع في هذه الميادين مع الرجعية والاستعمار(1). ومن بين المقاهي التي يمكن أن نذكرها تبعا لارتباطها بالأدب والأدباء في هذه الفترة «مقهى تحت الدربوز» وهي أقدم المقاهي الأدبية ببلادنا وتوجد أمام مقر وزارة الدفاع بباب منارة، وأثث المسامرات والمجالس التي كانت تعقد بها الأديب المرحوم شيخ الأدباء محمد العربي الكبادي في ما بين سنة 1928 و1929 وتسمى هذه المقهى كذلك «مقهى البانكة العريانة» حيث مثّل العربي الكبادي لوحده مدرسة حافلة بشتى أنواع الفنون والآداب بين شعر وأدب وقصة ونقد وروايات مختلفة .وفي هذا المقهى انعقدت أسمار يومية بين البشير الفورتي، ومحمد العربي الكبادي، ومحمد المرزوقي والهادي العبيدي، وعبد المجيــد بن جــدو، وأحمــد خير الدين، وسعيد الخلصي والطيب بسيس، ….وغيرهم(2). كما انضم إليهم في نفس تلك الفترة الطاهر الحداد وأبو القاسم الشابي ومحمود بيرم التونسي ثم اعتزلوا هاته الحلقة واختاروا منتدى «تحت السور» الذي سيأتي ذكره لاحقا. ولم يكتف شيخ الأدباء بالجلوس في هذا الفضاء فارتاد مقهى العياري بنهج المرّ بالقرب من حي باب الجديد وقد جرت فيه نقاشات أدبية وفكرية بين محمد العربي الكبادي وعلي الدوعاجي ومصطفى خريف ومحمود بورقيبة وغيرهم.  وبعد زهاء السنة ظهرت مقهى «تحت السور» التي استقطبت الأدباء والفنانين والرسامين والصحافيين والممثلين وغيرهم في فترة ما بين الحربين بعد أن انعزلت جماعة الدوعاجي ثم انسلخت من مقهى «تحت الدربوز». ومقهى «تحت السور» أو نادي المجانين كما كان يسميه علي الدوعاجي يقع في حي باب سويقة من مدينة تونس وعلى وجه التحديد في أول نهج علي البلهوان الذي كان يلقب بنهج الحلفاء وأول نهج حمام الرميمي، وأمام نهج المدق حيث يوجد مقهى العباسية والطاهر زنقة ومقهى «تحت السور» هدم في السبعينات أصبحت مكانه عمارة تحتوي على مكاتب ودكاكين تجارة . وقد لقب التونسيون القدامى ذلك المكان بـ«تحت «الصور بالصاد» لأن ذلك المقهى وقع بناؤه «تحت السور» الداخلي لمدينة تونس ومن باب الصدفة أن جل الذين كانت تجمعهم مقهى «تحت السور» كانت أسماؤهم أو ألقابهم تبدأ أو تحتوي على حرف العين ونذكر على سبيل المثال : علي الدوعاجي، عبد الرزاق كرباكة، محمد العريبي، علي الجندوبي، الهادي العبيدي، وحتى صاحب المقهى كان اسمه بالعين أيضا فهو علي بوسلامة. ومقهى «تحت السور»  شهد أوج الحياة الثقافية والفنية في الثلاثينات أو الأربعينات حيث كانت جلساتها تحتوي على الأدب والشعر والأزجال التي تنظم في المقهى ثمّ تنشر في الصحف والمجلات كما يحتدم بين روادها النقاش ثم يسود الوفاق ويعود الصفاء والودّ بين «أصحاب الغلبة» كما كان يحلو للبعض أن يسميهم . وقد تشابه جميعهم في (الفقر والطباع، وفي الرؤيا، وفي التحرر والرفض)(3). ويذكر الحبيب بن فضيلة في كتابه حول «العربي الكبادي حياته ونماذج من شعره»،  أن المنافسة كانت قائمة بين رواد مقهى تحت الدربوز ورواد مقهى تحت السور، حيث يذكر رشيد الذوادي أن محمد الفاضل بن عاشور في كتابه «الحركة الفكرية والأدبية بتونس»، تعمّد إغفال الحديث عن جماعة تحت السور كحركة أدبية لعلاقته الروحية والشخصية بالراوية محمد الــــعربي الكبادي عميد مجالس «تحت الدربوز». ومن المقاهي الأخرى التي عرفتها الـحــاضــرة «مقهى الديوان» وهو من المقاهي الأدبية العريقة بها. امتاز بموقعه الوسطي بين الديوان الشرعي القديم وقربه من طلبة جامع الزيتونة ومؤسسات القضاء والصحافة ويذكر رشيد الذوادي أن مجالس هذا المقهى حفلت «بالطلبة الزيتونيين حيث كان قريبا من مدارس سكناهم كــ: (مدرسة السيدة عجولة)، و(المدرسة الصــالحـــيـة)، و(الــمدرسـة الــعـنـقـيـة)، و(المدرسة الشماعية) وسواها. وفي هذا المقهى جلس أدباء عديدون، علي الجندوبي، وأحمد خير الدين، ومصطفى خريف، والأخضر السائحي، والهادي حمو، وعبد الحميد المنيف، وعبد العزيز فاخت، ومحمد المرزوقي(4). وشكل مقهى القشاشين بالقرب من جامع الزيتونة أحد المعالم الرائدة في مجال الاهتمام بالأدب والعلم « حيث كان يرتاده بعض الأعلام وطلاب الزيتونة والعديد من الأدباء والشعراء ومن بينهم: أمير شعراء تونس محمد الشاذلي خزنة دار (1881-1954) و البشير الفورتي: (1882-1954)، و المختار الوزير، وعبد الحميد المنيف، ومحمد العروسي المطوي وسواهم(5) أما الطاهر الحداد فإنه «كان يقضي معظم أوقاته في المقاهي الشعبية وخاصة في مقهى ساحة القصبة ومقهى الصباغ بالمركاض، ويمكن تعليل تردده الكثير على تلك المحلات بولعه بالفن الشرقي المتيسر سماعه هناك عن طريق الحاكي، وبرغبته في ملاحظة العمال والطبقات الشعبية عن كثب والتقاط صور حية من حياة ذلك المجتمع(6). كما كانت تعقد اللقاءات الادبية والفكرية خلال شهر رمضان بالمقاهي حيث لا تنقطع علاقات الود بين الادباء في هذا الشهر ومن بين المقاهي التي تشهد مثل هذه المجالس مقهى «البيت الذهبي»  بنهج هولندا والذي يرتاده محمد الحليوي ونخبة من رجال الادب والفكر. إضافة للمقاهي فإن النوادي الأدبية الخاصة أو المنظمة في إطار الجمعيات والمنظمات نهضت من خمولها إثر الحرب العالمية الأولى وساهمت في انتشار الأدب والفكر في ربوع بلادنا ويمكن أن نذكر من بين هذه النوادي نادي الشيخ محمد ماضور بالمدرسة الباشية الذي كان يحضره بانتظام شيخ الأدباء محمد العربي الكبادي، والعلامة الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور، وغيرهم، ونادي المدرسة اليوسفية الكائنة بنهج الصباغين ودكان بكار العنابي في محيط جامع الزيتونة. كما أفرد الأستاذ القاضي محمود شمام في كتابه «النوادي الأدبية بالبلاد التونسية»  حيزا هاما للحديث عن النوادي الأدبية بمدينة تونس من خلال مشاهداته ومعايناته لها ومساهماته في البعض منها فذكر على سبيل المثال نادي المدرسة القرآنية الأهلية والنادي التونسي بنهج الكومسيون ودكان الشيخ الستاري ودكان خميس القبايلي ودكان الشيخ الثميني ودكان العنابي بالقصبة والنادي الأدبي بمدرسة النخلة ونادي الشيخ معاوية التميمي ونادي جريدة الوزير ونادي الشيخ محمد الصالح النيفر ونادي باب بنات والنادي الأدبي لقدماء المدرسة الصادقية ونادي الرابطة الأدبية ونادي الخلدونية وغيرهم من النوادي التي غطت حتى بعض أحواز الحاضرة. الهوامش: 1) جريدة الصباح 19/1/1961 2) انظر كتاب «مقاهي الادباء في الوطن العربي» للدكتور رشيد الذوادي نشر الهيئة المصريـة العامة للكتاب فرع الصحافة 1999 ص72 و76 3) انظر كتاب رشيد الذوادي «مقاهي الادباء في الوطن العربي» ص77/78 4) المصدر السابق ص75 5) المصدر السابق ص 71 6) انظر كتاب أحمد خالد «أضواء من البيئة التونسية على الطــاهر الحــداد ونضــال جيــل» الــدار التــونسيــة للنشـــــر 1979 ص74/75 (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 14 نوفمبر 2006)

 


الفائز بنصف مليار في «دليلك ملك» لـ «الشروق»:

ابنتي ولدت وأنا في البرنامج…

* تونس ـ «الشروق»: راجت الكثير من المعطيات والأخبار عن الفلاح محمد بشير المتشاري الفائز بنصف مليار في برنامج «دليلك ملك» كان بعضها صحيحا واغلبها يفتقد الى الدقة المطلوبة «الشروق» اتصلت بسعيد الحظ الذي كان تلقائيا وبشوشا وهو يحدثنا عن حياته الشخصية وعلاقته بزوجته، والطرائف والصدف التي حدثت له اثناء المشاركة في البرنامج. * يبدو ان مشاركتك في البرنامج بنيت على عامل الصدفة بالأساس؟ ـ هذا صحيح، وأول هذه الصدف ان ابنتي الوحيدة دعاء (شهران ونصف) ولدت في اليوم الثاني لتواجدي بين فريق «دليلك ملك» وقد اخترت لها الاسم بمساعدة المشاركين في البرنامج واستقر رأينا في النهاية على اختيار اسم دعاء. * وكيف بدأت علاقتك بالبرنامج الذي كان وراء فوزك بأكبر مبلغ؟ نحن 12 فردا من عائلة واحدة فلاحية ومتماسكة وقد قررنا المشاركة جماعيا في البرنامج منذ العام المنقضي لكن صادفني الحظ هذه المرة وسأقوم ـ كما هو متفق عليه ـ بتقاسم المبلغ على 12 شخصا، وسأحصل شخصيا على منابين لي، ولزوجتي. * وكيف تقبلت زوجتك الخبر السعيد؟ ـ عندما كانت تحدثني في الهاتف كنت ابكي دائما فظنت زوجتي أنني اكذب عليها وأتظاهر امامها وغضبت مني الى درجة انها قضت ايام العيد في منزل والدها لكن بمجرد سماع خبر الفوز اجهش الجميع بالبكاء رغم انني حاولت ان اخفي عنها الخبر وادعيت انني فزت بكرة فحسب اعطاني اياها سامي الفهري. * وماهي مشاريعك بعد حصولك على مبلغ بهذا الحجم؟ ـ سأتقاسمه مع افراد عائلتي الموسعة لأنني لست انانيا وقررت الالتزام بما عاهدتهم عليه. وبما انني فلاح فسأقوم باستغلال ارضي بعد التخلص من الإشكال المتمثل في انها لا تزال مرهونة، وطبيعي جدا ان اواصل مسيرتي في العمل الفلاحي لأنني من عائلة فلاحية وابن فلاح. حاوره: أبو نزار (المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 14 نوفمبر 2006)  

معركة الحجاب تصل إلى المطارات المغربية

الرباط ـ قدس برس: طفت إلي السطح بشكل فاجأ المتتبعين معركة حول المظاهر الدينية داخل المطارات المغربية، حيث وصل غبارها إلي قبة البرلمان المغربي مما جعل بعض المراقبين يتساءلون عن العلاقة بين عودة معركة الحجاب في عدد من الدول العربية، وبين الإجراءات الأخيرة التي بدأت شركة الطيران المغربية اتخاذها في حق عدد من العاملات بها، حيث صدر قرار من داخل الشركة بمنع ارتداء الحجاب. كما تم إغلاق المساجد التي كان يؤدي فيها الموظفون الصــــلاة، ومنع الطيارون حتي من الصوم حسب بعض الشـكايات التي وصـــلت بها نوابا من حزب العدالة والتنمية الإسلامي. وبعد أن نشر عدد من الصحف المغربية المستجدات التي طــــرأت علي المطارات المغربية، نفي عبد الكريم غلاب، وزير التجهيز والنقل وجود قرار بمنع الحجاب أو بمنع الصلاة، خلال جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس النواب. وأكد غلاب أن الصلوات تقام بشكل عادي جدا، لكن شريطة أن تؤدي بالمساجد، وليس داخل مكاتب الشركة’ ، أما بخصوص الحجاب، فاعتبر وزير التجهيز والنقل أن الأمر لا يعدو كونه يتعلق بضرورة الإلتزام بقرار الشركة بتوحيد الزي . لكن جواب وزير النقل لم يقنع المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية التي نقلت المعركة من أرضية المطارات إلي قبة البرلمان، حيث ذكرت المجموعة في هذا الصدد بطلبها الرامي إلي تشكيل لجنة للقيام بمهمة استطلاعية مؤقتة للوقوف علي ما تواتر من قيام شركة الخطوط الملكية المغربية بإغلاق المسجد ومنع الموظفين من الصلاة طوال وقت العمل والموجه إلي لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب بتاريخ 22 أيلول (سبتمبر) الماضي. كما طالب نواب حزب العدالة والتنمية بعقد اجتماع لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية لمناقشة ما وصفوه بـ الضغوط التي يتعرض لها العاملون بشركة الخطوط الملكية المغربية والتي تؤدي إلي حرمانهم من بعض حقوقهم المشروعة . (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 14 نوفمبر 2006)  

ليبيا تنشئ منطقة حرة بالتعاون مع شركة “إعـمـار” (الإماراتية)

  

شهدت العاصمة الليبية طرابلس التوقيع على اتفاق لإنشاء منطقة حرة على بعد 110 كيلومترات غرب المدينة. وينص الاتفاق على تكوين شركة مشتركة بين إدارة المنطقة الحرة في ليبيا وشركة “إعمار” الإماراتية برأسمال قدره مليار دولار. وستقوم الشركة الوليدة بوضع مخططات تنفيذ المنطقة الحرة في المجالات الصناعية والثقافية والاقتصادية والسياحية, على أن يتم البدء في العمل فور الانتهاء من الدراسات المتعلقة بالمنطقة.  وقال الساعدي القذافي رئيس مجلس إدارة المنطقة الحرة الذي وقع الاتفاق مع رئيس مجلس إدارة “إعمار” محمد العبار إن من شأن المشروع أن يخفف من عبء الدولة من حيث الاعتماد على النفط كدخل رئيسي ويسهم في إيجاد بنية تحتية للترويج السياحي. وقال العبار إنه في ظل التغييرات التي يشهدها العالم تقوم الدول العربية بتعديل أسلوب العمل بما يعود بمرود إيجابي للشعوب، مشيرا إلى أن توقيع الاتفاقية بين ليبيا والإمارات خطوة من خطوات التعاون العربي. (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 14 نوفمبر 2006 نقلا عن “وكـالات”)  

رقصة القذافي وإبنه

ترجمة وتعـليق: مخضرم   تاريخ 20 أكتوبر الماضي نشرت وِحدة الدراسات التابعة لمجلّة الإقتصادي البريطانيّة الشهيرة تحليلا بعنوان (نقد سيف الإسلام الملتوي)،ضمن مسحها الدّوري لأوضاع بلدان العالم، تناولت فيه واقع التطوّرات السياسيّة الرّاهنة في قذّافيستان، إنطلاقا من الخطاب الذي تفوّه به سيف القذّافي في أغسطس الماضي. ووفقا لمتابعتنا المستمرّة لما نشرته وسائل الإعلام الأجنبيّة عن هموم الوطن وعبث الطّاغية المتحكّم مع أبنائه في مصيره، تبدّى لن هذا التحليل الأدقّ موضوعيّة وتعمّقا في تعرية ما يحيكه من مؤامرة وخداع،والأكثر صراحة في فهم لعبة الحكم المهيمن على ليبيا المنكوبة،وثمّة تقرير آخر يمسح الوضع الإقتصادي ويفسّر ما يعتريه من تخبّط وفوض وتردّي. ونرى أن نترك القاريء يقرأ هذا التحليل الذي سنلحقه بترجمة للوضع الإقتصادي، وكلا التقريرن سيتيحان الفرصة للتعقيب وتلمّس التداعيات. ((شنّ سيف الاسلام القذافي نجل الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي هجوما عنيفا على الجماهيريّة الليبيّة (أي جمهوريّة الجماهير). ففي خطاب ألقاه امام حشد من 15,000 من الناشطين الشباب في أغسطس الماضي أعلن أن ليبيا تديرها “مافيا” من “المحتالين والعملاء” الذين أثروا أنفسهم على حساب الشعب. واعتبر أن الليبيين حُرموا إضافة إلى ذلك من حريّة الصحافة في البلاد،وغياب نظام ديمقراطي حقيقي. وأعلن أن “العهد الثوري” قد ولّى الآن،والبلاد بحاجة إلى وضع إستراتيجية جديدة لمواجهة تحدّيات المستقبل. وتتضمّن رؤية السيّد القذّافي صياغة دستور جديد،وتتطلّب إقامة برلمان ووزارات ومؤسّسات دولة عاديّة،وذلك لتحلّ محلّ ما سمّاه المؤسّسات الثوريّة “الإنتقاليّة”. ومن خلال سلسلة من محاضراته طرح السيد القذافي مجموعة واسعة من الأفكار التي يمكن لليبيا بها أن تلتحق بركب البلدان المتقدّمه في الغرب. فالحاسوب ينبغي ان يوفّر لمليون من الأطفال الليبين،ونظام التعليم في البلاد يجب أن يطوّر بشكل شامل، واحتلّ موضوع الرعايه الصحيّة أيضا مكانا بارزا،حيث اقترح تحسين الخدمات الصحيّّة في البلاد بالعمل مع مستشفيات أجنبيّة، بغية الإستفادة من مجموعة النظم الإداريّه والتكنولوجيه الأكثر تقدّما. إن هجوم السيد القذافي لهو جدير بالملاحظة ليس فقط لأنه يتعارض مع الفلسفه الموضوعة في نظام والده ولكن أيضا لأن الرسالة الهدّامة المتجليّة فيها،جرى بثّها على الهواء مباشرة عبر التليفزيون الذي تديره الدولة. إن الإرباك الذي سببه هذا التناقض المتأصّل زاده سوءا الكلمة التي ألقاها العقيد القذّافي في الأوّل من سبتمبر ضمن خطابه المعتاد إلى الأمّة بمناسبة ذكرى الثورة الخضراء. فالعقيد ناقض تماما شكلا ومضمونا ما ورد في خطاب إبنه. إذ أنه ألقى أخبث خطاباته منذ سنوات عديدة في الدفاع عن الثورة. لقد أبان،كما فعل دائما،أن نظامه قد تولّد عن ثورة شعبيّة. وكأنه مجرّد فاعل غير متعمّد،أعلن أن الذين يحرّضون على التغيير السياسي في ليبيا،لابدّ أنهم يعتبرون الشعب الليبي “جاهلا وغير ناضج “. وأكّد أن “اعداء الثورة تمّ سحقهم داخل ليبيا”،وحضّ أنصاره،مشيرا إلى المعارضين السياسيين لنظامه، “على أن يكونوا على استعداد لقتلهم إن هم نهضوا من جديد” على الرّغم من أن هذه اللّغة لا يمكن إعتبارها غير معتادة،إلاّ أن هذا التحريض الواضح لتصفية المعارضين هو نادر هذه الأيّام،ويرجع القهقرى إلى لغة الأيّام الأولى لانقلابه. ومن المدهش أيضا ان نسمع هذا الإنذار،فقط بعد عشرة أيام من ترديد إبنه بصوت عال للمظالم التي قدّمتها المعارضة السياسيّة الليبيّة. ولقد أوضح العقيد القذّافي في خطابه أن الإصلاح السياسي،أو إنتقال السلطة،أمر خارج النقاش تماما،مؤكّدا أن السلطة قد مُنحت للشعب. على السطح يبدو تضارب تصريحات الأب والإبن وكأنه يشير إلى شقاق بين الإثنين،حيث تُظهر سيف الإسلام يتحدّى والده،رغبة في ترسيخ مطالبته بوراثة العرش. ولكن بتحليل أعمق يظهر لنا أن أداءهما السياسي هو أكثر من كونه فصلا متّفقا عليه على المسرح السياسي الليبي. وعلى الرّغم من أن خطاب سيف الإسلام يبدو موجّها للنظام،إلاّ أن غرضه الحقيقي هو،أولاّ وقبل كلّ شيء،تمكين السيد القذّافي من أخذ موضعه،عندما يحين وقت تسلّم السلطة. إن هذه الرّقصة المعدّة بإتقان تنكشف في ضوء حقيقة أن سيف الإسلام في استطاعته أن يوجّه النقد الصّاخب لنظام والده،بينما لاتُمنح هذه الحريّة للمواطنين الليبيين العاديين. وكما دلّلت أخيرا قضيّة ضيف الغزال،الصحفي المعارض الذي يُعتقد بشكل واسع أنه عُذّب وقُتل من قبل أجهزة الأمن،فالنظام ما يزال غير متسامح إطلاقا تجاه النّقد،وأنه سيتّخذ أقسى الإجراءات لمنعه. ومع ذلك فسيف الإسلام لم يُقابل فقط بالتسامح الرسمي،بل جرى الترويج له من قبل أجهزة الدولة الدعائيّة،ويظهر هنا أيضا تناقض بين الأقوال والأفعال. وما يبدو واضحا أن سيف الإسلام أعطي السلطة للجهر برأيه- وهو حقّ لا يُستهان به في ليبيا- ولكنّه لم يُمنح التفويض لتفعيل أقواله. والمنطق الجوهري الكامن وراء هذا التنافر المسموح به، هو مساعدة سيف الإسلام لبناء منصّة منيعة يستطيع منها توجيه إستحقاق الزعامة،بعد أن يتوقّف والده عن أن يكون زعيما. وبمنح سيف الإسلام فقط الصوت لنقد النظام،يبدو كلاهما يحاولان إحباط أي جهد مستقبلي تقوم به المعارضة الداخليّة من أجل بناء مجالها السياسي الخاص بها. وبإمعان النظر يبدو أن هذه هي الإستراتيجيّة التي استخدمها سيف الإسلام من خلال قيادته مؤسّسة القذّافي الخيريّة، والتي استطاع بها أن يعرض نفسه كالنصير الأوّل لحقوق الإنسان والأقليّات العرقيّة. وما تتيحه فُرَص التكوين الشخصي لمنظّمات المجتمع المدني الممنوعة على بقيّة الجمهور، فإن سيف الإسلام مدعوما من والده، استطاع في واقع الأمر بناء “مجتمعه المدني” الخاصّ به، ولو أنه قد صيغ من قبل النظام وليس من أجل المصلحة الشعبيّة. وما بين الوالد والابن، فإن أعمدة الدولة الأساسيّة: الحكومة، المعارضة والمجتمع المدني، جرى اختطافها خلسة.. )                                    (المصدر: “المغاربي”، إصدار يوم 13 نوفمبر 2006) الرابط: http://www.hebdo.amd-maghreb.org/index.php?option=com_content&task=view&id=151  

قبل أربعة أيام من الإنتخابات النيابية والبلدية في موريتانيا

الحكومة تنهي آخر مشاوراتها مع الأحزاب السياسية والصراع يشتد بين المترشحين من الأحزاب والمترشحين المستقلين

نواكشوط ـ القدس العربي : اشتد الصراع بين قطبي التنافس في الساحة السياسية الموريتانية قبل أربعة أيام من الإنتخابات البلدية والنيابية المتزامنة التي ستنظم في موريتانيا يوم الأحد المقبل. والقطبان المتصارعان في هذا الإستحقاق هما المترشحون من داخل الأحزاب السياسية والمترشحون من مواقع مستقلة يري البعض أنهم مدعومون من الحكومة الإنتقالية التي نفت ذلك. وتتنافس في الانتخابات النيابية المقررة يوم التاسع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري 436 قائمة بينها 122 قائمة مستقلة و314 قائمة حزبية فيما تتنافس في الإنتخابات البلدية 1222 قائمة بينها 333 قائمة مستقلة و889 قائمة حزبية. وتشهد مختلف المدن والقري الموريتانية هذه الأيام حملات سياسية قوية فيما تنعقد التحالفات والمعاهدات بين مختلف الأطراف تحضيرا للإقتراع المنتظر. وتميزت حملة التيار الاسلامي في موريتانيا بأسلوب خاص تمنع فيه الموسيقي والأغاني ويستعاض عنها بالإبتهالات الدينية وبترتيل القرآن الكريم. وفرض التيار الاسلامي الموريتاني الحجاب علي ناشطات التيار وأقر الفصل بين الرجال والنساء في المهرجانات والتجمعات السياسية. وأعرب السيد محمد جميل ولد منصور زعيم التيار الإسلامي في مؤتمر صحافي أمس عن ارتياحه لسير الحملة الانتخابية والأجواء التي تطبعها، داعيا المجلس العسكري الحاكم الي الاستمرار في نهجه الحالي من أجل مصلحة موريتانيا. وقال في مؤتمر صحافي أمس ان بعض الخروقات لا تزال قائمة ومن ذلك محاولة البعض جر أئمة المساجد الي أتون السياسية والصراع الداخلي وإفراغ مؤسسة المسجد من محتواها الأساسي وجعلها طرفا في الصراع. ويشارك التيار الإسلامي الموريتاني الذي منع من تأسيس حزب سياسي، لأول مرة بـ 64 لائحة في البلديات و16 لائحة في النيابيات. وبينما يجري التحضير لانتخاب النواب أعلنت وزارة الداخلية الموريتانية أمس ان انتخابات مجلس الشيوخ ستجري في الحادي والعشرين من كانون الثاني (يناير) القادم لتكون الإستحقاق الثالث في المسلسل الإنتخابي الجاري تنفيذه في موريتانيا منذ الثالث أغسطس 2005 والذي سينتهي في اذار (مارس) 2007 بانتخاب رئيس للجمهورية وتسليم السلطات لمؤسسات مدنية منتخبة. وأكدت الوزارة ان هيئة الناخبين المكونة من أعضاء المجالس البلدية مدعوة يوم 21 كانون الثاني (يناير) المقبل لانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 56 عضوا. وأنهت الحكومة الموريتانية أمس الإثنين مشاوراتها مع ممثلي الأحزاب السياسية حيث تم الاتفاق علي الآليات الكفيلة بانسياب عمليات التصويت في الـ 19 نوفمبر الجاري وضمان نجاحها. وأسفرت النقاشات عن وضع جملة من العناصر الضرورية لمساعدة المواطن الموريتاني علي أداء واجبه الانتخابي بحرية تامة، بعيدا عن تأثير أي كان ووضع ضوابط لصلاحية عملية التصويت وتحديد حالات إلغاء التصويت. وجددت اللجنة الوزارية المكلفة بالتشاور مع الاحزاب التأكيد علي ألا فرق بين المدنيين والعسكريين وان أي وحدة عسكرية انتقلت من منطقة تصويتها لا يحق لها التصويت في منطقة أخري وهو مطلب أساسي للأحزاب. وأكدت اللجنة علي أنه تم الحد بصورة كبيرة من السلطة التقديرية لرؤساء المكاتب ضمانا للشفافية. وأشاد مسؤولو الأحزاب السياسية بحياد الإدارة الموريتانية وبالتنافس المسؤول الذي أبداه المرشحون للانتخابات النيابية والبلدية خلال الحملة الانتخابية. وأشاد زعماء الأحزاب بتنظيم الإدارة وضبطها لنشاطات الحملة وحفظ الأمن بصورة أرضت الاطراف وطالبوا بالاستمرار في هذا النهج حتي نهاية الاقتراع. وشمل البحث جميع القضايا التفصيلية المتعلقة بحيثيات الاقتراع وسلوك القائمين علي مكاتب التصويت ودور المرشحين في هذا المجال. وفي إطار التهيئة للإستحقاقات المقررة أعلنت وزارة الداخلية الموريتانية ان اربعة ملايين من نسخ بطاقة التصويت الموحدة قد بدأ توزيعها أمس علي ألفين ومائتين وستة وثلاثين مكتب تصويت في عموم موريتانيا. وأكدت الوزارة ان بطاقة التصويت هذه قد تم طبعها في بريطانيا بطريقة تجعلها غير قابلة للتزوير بكلفة 700 ألف يورو.
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 14 نوفمبر 2006)

كتاب من تأليف عبد الغني بن عمارة وخليل تمار

“محمد.. الغرب يشهد” .. سباحة ضد التيار

سيد حمدي- باريس “محمد..الغرب يشهد” حصيلة شهادات تبعث على الاعتبار والدهشة لما يبديه أصحابها من تقدير عظيم للرسول صلى الله عليه وسلم, فهي من كتاب لا يدينون بالإسلام ولا هم من أصول عربية, بل مثقفون غربيون لهم مكانة مرموقة تركت بصمتها على الزمن الذي عاشوه. لقد درس هؤلاء -يقول الكتاب- شخصية النبي صلى الله عليه وسلم واعترفوا بعظم مكانته, وذهب بعضهم كتوماس كارليل إلى الإدلاء بشهادة مؤثرة حين قال “إن الأكاذيب التي تراكمت حول هذا الرجل (النبي صلى الله عليه وسلم) لا تمثل عارا على أحد سوانا”. ضد التيار ويثبت الكتاب وهو من تأليف عبد الغني بن عمارة وخليل تمار أن هذه الطائفة من المفكرين التي أكدت سمو دعوة الإسلام  تتمتع بقدر ملحوظ من الشجاعة لأنها وقفت ضد التيار وفكرته السلبية المسبقة عن الرسالة الإسلامية, وتبنت رأيا لا يتوافق مع ما ذهبت إليه الكنيسة, ولم تحظ من ثم على برضا المؤسسة الدينية في زمنهم. وعبر المؤلفان عن أسفهما لأن ما ذهب إليه مفكرو الأمس يتعارض مع ما يعتمده اليوم آخرون من مفاهيم ضيقة تعتمد “تعارض الثقافات” بدل الحض على “الاحترام المتبادل”, وأشارا في المقدمة لتيار منصف بين المفكرين المعاصرين في الغرب, واسترشدوا بجان بربيور بكتابه (محمد نبي الشرق والغرب) الذي قال فيه “منذ ثلاثة قرون يقر كل من هو حر وذكي بأوروبا بعظم مكانة نبي الإسلام وكذلك القيمة الفريدة والكونية في رسالته”. وشدد المؤلفان على أن الكتاب “يعكس رغبتنا في مشاركة القراء هذه الرؤى الغربية المتعلقة بهذه الشخصية ذات الأبعاد المتعددة التي طبعت التاريخ الإنساني بطريقة لا تمحى”. كم من فئة قليلة وكان مما ورد في الكتاب ما أورده على لسان الأديب الفرنسي فرانسوا فولتير  متحدثا عن النبي صلى الله عليه وسلم “إنه رجل عظيم جدا كون رجالا عظماء ولم يكن هناك وسط في المواقف بين الشهادة أو النصر وقد كان النصر على يد القلة في مواجهة الكثرة حليفا له على الدوام”.  وإلى الفيلسوف الألماني فولفغانغ غوته ينتقل الكتاب متحدثا عن أن النبي (ص) اجتذبه في شبابه المبكر جدا, فقد كانت شخصية النبوة نموذجا في عيون المفكر الألماني في رحلة البحث عن الحقيقة. الديوان الشرقي الغربي ويستعرض المؤلفان بعضا مما كتبه غوته في كتابه (الديوان الغربي والشرقي) كـ”حتى يومنا هذا لا يوجد رجل يمكن مقارنته بمحمد”, طارحا سؤالا بالغ الدلالة “إذا كان هذا هو الإسلام ألسنا كلنا مسلمين؟”. أما القائد الفرنسي نابليون بونابرت فينقل الكتاب قوله “لقد جمع محمد أتباعه حوله وفي سنوات قليلة فتح مسلموه نصف العالم”, كما نوه إلى حديثه عن النجاح الذي نشر به محمد (ص) وصحبه التوحيد في غضون 15 عاما”، وهو ما فعله أتباع موسي والمسيح في 15 قرنا”, مختتما بقوله “لقد كان محمد رجلاً عظيما”. وأشار المؤلفان إلى كتاب (أحاديث محمد) لصاحبه الأديب الروسي ليون تولستوي الذي ترجم العديد من الأحاديث النبوية للغة الروسية متبوعة بتعليقات على النصوص الواردة بالكتاب الذي يورد إجابة على حديث النبوة في حجة الوداع يقول فيها “قرأت بشغف خطبتك التي أعجبتني للغاية، وها أنا أتعجل الرد معلنا سعادتي الكبيرة بأن تكون لي علاقة مع شخص عظيم مثلك”.  (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 14 نوفمبر 2006)  

الإسلاميون برؤية أوروبية جديدة

محمد أبو رمان (*) بعنوان “النشاط الإسلامي والدمقرطة في الشرق الأوسط وشمال إفريقية” عُقدت ندوة موسعة في العاصمة الهولندية، أمستردام، يوم الأربعاء 8 نوفمبر 2006، حضرها عدد غفير من الدبلوماسيين الغربيين والعرب والباحثين والمهتمين في أوروبا بحقل الحركات الإسلامية. الندوة سطّرت في مضمونها ومختلف الآراء المطروحة فيها ملامح رؤية أوروبية جديدة تجاه الحركات الإسلامية، تتجاوز تلك الصورة النمطية التي كانت تسم الحركات الإسلامية جميعها، باللاعقلانية والتطرف والدوغمائية. اللافت بحق كان تعالي الأصوات من المشاركين والحضور بضرورة النقد الذاتي، وإعادة النظر في السياسة الأوروبية تجاه الحركات الإسلامية، والتي كانت تقوم سابقاً على دعم الحركات العلمانية والليبرالية فقط، والتي ثبت مع مرور الوقت أنها ضعيفة وغير قادرة على منافسة الإسلاميين. الندوة جاءت تتويجاً لجهد كبير ومميز قدّمه “المجلس العلمي للسياسة الحكومية” في هولندا، من خلال تقرير مطول بعنوان “ديناميكية النشاط الإسلامي”، يرصد التطورات الهائلة التي أصابت النشاط الإسلامي خلال السنوات الأخيرة، وأدت إلى بروز اتجاهات فكرية وحركية وقانونية داخل النسق الإسلامي تمتاز بقدر كبير من الانفتاح والاجتهاد والالتزام بروح الشريعة الإسلامية، والاقتراب الكبير بالقبول بالديموقراطية والبراغماتية والمواطنة. القيمة الحقيقية التي يريد التقرير ترسيخها لدى صانع القرار الهولندي بخاصة، والأوروبي بعامة، تتمثل بأنّ هنالك تنوعاً وتعددية داخل الفكر والحركات الإسلامية، وثمة شركاء إسلاميون يقدمون تفسيرات ورؤى متقدمة للإسلام وحيويته في العصر الحالي. في المحصلة يهدف التقرير إلى بناء منظور منهجي أوروبي جديد لفهم الحركات الإسلامية يتجاوز الصورة النمطية. ومن خلال استقراء مطول وتحليلي لتطور ديناميكية النشاط الإسلامي من خلال ثلاثة أبعاد: الفكر الإسلامي، الحركات الإسلامية، والقانون الإسلامي، ويصل التقرير إلى نتائج جوهرية أهمها: مطالبة الأوروبيين بإعادة الاعتبار للحركات الإسلامية والاعتراف بها والحوار معها، وعدم افتراض التصادم بينها وبين الديموقراطية مسبقاً، والقبول بها لاعباً مهماًَ في عملية الإصلاح السياسي والدمقرطة في العالم الإسلامي. في الندوة كان لي مشاركة رئيسة بعنوان “الإصلاح السياسي في الأردن ودور الحركة الإسلامية”، الجزء الأخير من الورقة كان عن الدور الأوروبي المطلوب في الإصلاح السياسي، تناولتُ، في هذا السياق، محاور رئيسة منها؛ أهمية أن تضع أوروبا رؤية إستراتيجية واضحة تتميز عن السياسة الأمريكية الحالية المنحازة، التي أتت بالويل والأزمات على المنطقة، فهنالك فرصة سانحة لأوروبا ودور ممكن معتدل لها يمكن أن تؤديه في العراق وفي الموقف من أزمة البرنامج النووي الإيراني والصراع العربي- الإسرائيلي، كما أنّ تسهيل عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والتعامل مع حكومة العدالة والتنمية في اسطنبول سيساهم في بناء جسور حضارية بين الشرق والغرب، ويمكن أن تؤدي تركيا دوراً محوريا كقنطرة عبور حضاري وتواصل ثقافي. فعلى أوروبا أن تختار مع أي وجه للإسلام تريد أن تتعامل: مع أردوغان وعبد الله غول وطارق رمضان أم مع الوجه المتطرف! بخصوص الحركات الإسلامية، فأوروبا بحاجة إلى كسر الجمود والمواقف المسبقة وفتح باب الحوار معها، ويمكن لأوروبا أن تساهم في دفع الإصلاح السياسي في المشرق العربي من خلال الضغط على الحكومات العربية باتجاه الإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان، بعدما تخلت أميركا عن دعوتها للإصلاح السياسي، كما يمكن لأوروبا مساعدة الحركات الإسلامية على تطوير خطابها بالحوار معها، ومع الأجيال الشابة فيها بدعوتهم لأوروبا، ولزيارة مراكز الدراسات هناك، واللقاء بالخبراء والسياسيين والأكاديميين وفتح آفاق جديدة لفهم أفضل من قبل الإسلاميين للغرب، ولفهم أوروبي أفضل للحركات الإسلامية بدلاً من الاعتماد على صورة نمطية مشوّهة بالغ في “شيطنتها” كل من الإعلام الغربي والحكومات العربية، وممارسات وخطاب متطرفين إسلاميين يعانون من نزق في الرؤية الفكرية وفي فهم الشريعة الإسلامية. أحد الأسئلة الجدلية، التي وجهها لي مسؤولون هولنديون؛ كيف يمكن تطبيق هذه الرؤية عملياً! فهؤلاء المسؤولون يعترفون بالتضارب بين مصالح أوروبا ورؤيتها الأمنية لمنطقة جنوب وشرق البحر المتوسط، التي تؤثر حيوياً على مصالح أوروبا وأمنها، وبين دواعي حقوق الإنسان والإصلاح السياسي في المنطقة، الجواب على ذلك هو القيام بعملية موازنة بين كلا الاعتبارين، مع عدم تأخير قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة إلى مرتبة متأخرة على الأجندة الأوروبية تجاه المنطقة. وإذا كانت الحكومات العربية – كما ذكر مسئولون – تعتبر مراقبة قضية حقوق الإنسان تدخلاً في الشؤون المحلية فيمكن أن تقوم بهذا الدور مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والإعلام، وجميعها تلعب دوراً كبيراً اليوم في الصراعات الداخلية العربية الراهنة. لكن في الوقت نفسه على الأوروبيين أن يعرفوا أن دعم الحكومات العربية والوقوف ضد قوى التغيير الصاعدة، إن كان يكفل الأمن على المدى القريب، فهو تهديد أمني على المدى البعيد؛ إذ إن الأوضاع السياسية والاقتصادية غير الصحية في العالم العربي هي أحد العوامل الرئيسة في صناعة الغضب الإسلامي، الذي سيكون عامل عدم استقرار وتهديد للأوضاع الراهنة المأزومة. فإذا أرادت أوروبا حماية أمنها على المدى البعيد عليها أن تدفع باتجاه الإصلاح السياسي في المنطقة، حتى لو أتى بحركات إسلامية للسلطة، وعليها أن تقبل بأنّ الإصلاح في قوة دفعه الحقيقية وفي صيغته وقيمه ينبع من النسق الحضاري والاجتماعي العربي، ولا يجب بالضرورة أن يلبس الإصلاح ثوباً غربياً. أثبتت هذه الندوة والتقرير الذي أصدره المجلس الهولندي أن هنالك اتجاها أوروبياً جديداً نحو الحركات الإسلامية، في موازاة تصاعد نزعة معاداة الإسلام أو “الإسلام فوبيا”. في المقابل على الحركات الإسلامية اليوم أن تنظر بجدية بالغة للتوجهات الأوروبية الجديدة وأن تبحث عن الشريك الأوروبي الذي يمكن أن يفهمها ويتواصل معها، ولكي تصل إلى هذه المرحلة على الحركات الإسلامية أن تعيد التفكير في الآخر وفي علاقتها بالغرب وأن تطور خطابها السياسي والفكري من خلال رصد الأبحاث والمشاريع والأفكار الجديدة ليس فقط في أوروبا بل في أمريكا أيضاً، ثمة تحولات وتطورات مثيرة، يمكن استثمارها لفتح أفاق جديدة في التفكير والحوار والضغط باتجاه الإصلاح السياسي، فهل الإسلاميون اليوم قادرون على قراءة هذه الموجة أم أن المياه ستمر من تحت أقدامهم! (*) باحث في الحركات الإسلامية (المصدر: البشير للأخبار بموقع “الإسلام اليوم” بتاريخ 13 نوفمبر 2006) الرابط: http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_content.cfm?id=72&catid=79&artid=8173

تحولات قواعد الإخوان

حسام تمام (*) كانت حركة التحولات التي شهدها الإخوان المسلمون جد جذرية خاصة في مصر معقل الإخوان ومشهد ولادتهم، ومثلما تغير المشروع الإخواني من الخلافة الإسلامية إلى الدولة الوطنية، وتغير إطاره التنظيمي من التنظيم الشامل إلى تنظيم يعكس الخصوصية الإخوانية تغيرت قواعد الإخوان المسلمين. لم يعد “المناضل” الإخواني هو نفس “المناضل” ذي التكوين الأيدلوجي المغلق أو ابن الثقافة الإخوانية “النقية”، لقد انفتحت هذه القواعد على مراجع ثقافية وفكرية بل وشرعية مختلفة بما يستدعي النظر في أسطورة “النقاء” الإخواني التي ظلت مهيمنة. في حقبة السبعينيات إلى نهاية الثمانينيات كانت تروج في القواعد الإخوانية مقولة الشهيد سيد قطب جيل قرآني فريد التي كانت عنوانا لأحد فصول كتابه “معالم في الطريق”. كان لهذه المقولة فعل السحر في سعي قيادات الجماعة وكوادرها إلى الوصول لنموذج الوحدة الفكرية التي تؤسس للقاعدة “النقية” في منطلقاتها الشرعية وتأسيسها الفكري وفي معاملاتها بل وفي صورتها وهيئتها أو ما كان يعرف بـ”الهدي الظاهر”. وكلها كانت تتحالف على بناء “مناضل” إخواني “نقي” و”مختلف” عن أقرانه وزملائه في بيئته. غير أن تحولات كثيرة – خاصة على  المستوى الاجتماعي والاقتصادي- جعلت هذه المقولة أقرب إلى أحلام الرومانسية أو- في أفضل الأحوال- إلى ذكرى جميلة من مرحلة “البراءة” التي يحن إليها المناضل الإخواني ويجترها في حديث الذكريات دون أن يلتزم بالسعي إلى تحقيقها. حلت بدلا منها مقولات أخرى تعكس الرغبة في الانفتاح وتنوع الأفكار والمراجع دون النظر إلى التمييز أو المفاصلة الفكرية والعقدية الحادة التي كانت تسم هذا المناضل، انفتح “الكادر” الإخواني على الدنيا بعد أن فتحت أبوابها أمامه، ولم تعد مقولات النقاوة والمفاصلة تناسبه، وربما حل بديلا عن مقولة قطب في الوعي الإخواني مقولات أخرى؛ دينية أيضا لكنها تعكس هذه الرغبة في الخروج من أسر “النقاوة” والكف عن رؤية العالم من ثقب الأيدلوجيا، فتوارت من خطابه ووعيه مقولة قطب لتفسح الطريق لآثار أخرى مثل:”اطلبوا العلم ولو في الصين” و”الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها”. الكادر الإخواني يقرأ في التراث الإسلامي أقل مما يقرأ في شؤون الحياة، وتزخر مكتبته بمجموعات ستيفن كوفي في علم الإدارة وروايات باولو كويلو.. ولا يشعر بحرج أن يقتبس في إحالاته إلى فلاسفة ومفكرين غربيين وغير مسلمين بل وربما رآها عنوانا للثقافة والتميز على خلاف ما كان عليه أسلافه في جيل السبعينيات، وهو ينفق جزءا لا باس من تفكيره في الإجابة عن سؤال: أين وكيف يقضي عطلة الصيف؟، يذهب إلى السينما ويتناقش في آخر ما شاهده من أفلامها، ويقتني الأطباق اللاقطة وإن سعى في بعض الأحيان لتشفير القنوات الإباحية، لكنه فيما عدا ما يجرح الأخلاق مقبل على المتعة والترفيه خاصة مباريات كرة القدم التي لم يعد يختلف “المناضل” الإخواني في حبها ومتابعتها والاهتمام بها عن بقية أفراد الشعب المصري الذي يذوب فيها عشقا. لقد كف “المناضلون” الإخوان عن التهكم على “الولع” المصري بكرة القدم ولم يعودوا يرونها مظهرا للخفة أو مضيعة للوقت أو وجها من وجوه الانصراف عن قضايا الأمة كما كانت نظرتهم من قبل. لقد أدان نواب الإخوان في البرلمان مثل غيرهم تشفير مباريات كاس الأمم الأفريقية الأخيرة وحرمان الشعب المصري من متعة مشاهدتها، وشاركوا غيرهم من السياسيين في نصب شاشات العرض في الساحات الكبرى لتشاهد الجماهير المصرية المباريات مجانا! وحين فاز المنتخب المصري بالبطولة سارع رئيس الكتلة الإخوانية في البرلمان إلى إصدار بيان تهنئة بالفوز ولم تمض عليه ساعات حتى اصدر المرشد العام – في سابقة هي الأولى- بيانا رسميا للتهنئة بالإنجاز القومي الذي حققه اللاعبون المصريون! انفتاح الكادر الإخواني ودخوله في تفصيلات الحياة ومعاركها جعله أقرب إلى “العادية”، وانتزعه أو انتزع منه روح الاستعلاء والتفرد والإحساس المبالغ فيه بالرسالية التي تجعله مختلفا بل ومميزا في سلوكه وأفكاره وطريقته في الحياة. فهو دخل في فضاء العمل العام وما يستدعيه من علاقات ومشاعر وعواطف وما استلزمه – بالضرورة – من الوقوع في الأخطاء مثل بعض وقائع الفساد المالي والإداري بل والأخلاقي التي نسبت لكوادر إخوانية خاصة في تجربة إدارة العمل النقابي، وهو ما رفع عنه هالة القداسة وقربه من غيره من كوادر الحركات السياسية والاجتماعية الأخرى. لقد بدأنا نرى ونسمع عن القيادي الإخواني الذي توجه إليه تهم التحرش بموظفات عنده (رغم عدم التيقن من صحتها وغلبة الظن بكونها جزءا من خصومات سياسية) وعن القيادي الإخواني البارز الذي يقع ابنه في حب فتاة عصرية في ملبسها ورؤيتها من خريجات الجامعة الأميركية ويتقدم لزواجها رغم أن والدها الفنان عادل إمام هو أكثر فناني مصر هجوما على التيار الإسلامي وسخرية منه في أعماله التي تزيد فيها جرعة الإثارة والجنس! ثم لا يمانع والده في ذلك بل يحشد للمناسبة قيادات الجماعة وعلى رأسها المرشد العام!. وزاد من تحولات الكادر الإخواني المنفتح نحو “العادية” طبيعة الخطاب الإخواني الذي غلب عليه الحرص على عدم الدخول في التفصيلات بما أدى إلى تعدد الخطابات والاتجاهات إلى حد التناقض تحت مظلة الجماعة الواحدة، فصرنا بإزاء جماعات الإخوان وليس جماعة واحدة مهما قيل عن الوحدة الفكرية الجامعة، فهناك رؤى إخوانية تتعدد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تتفاوت رؤيتها السياسية ما بين الاندراج في حزب سياسي قطري يدعم دولة عصرية وما بين أفكار مازالت تستدعي صورة غائمة لدولة الخلافة الإسلامية العالمية، كما تتجاور فيها مقولات أهل الذمة مع قاعدة المواطنة دون حسم أو تمييز. ويصعب دائما يصعب تحقيق الفرز وتنعدم الرغبة فيه مع استمرار تمسك الجماعة في خطابها بتقديم نفسها كعباءة تتسع لكل العاملين بالإسلام مع تحديد سقف واسع يحكم الجميع وهو مبدأ السمع والطاعة لقيادتها مع نبذ العنف منهجا. لذا نجد بين كوادر التنظيم أزهريين وأنصار سنة وجمعية شرعية وتيارا سلفيا وجهاديين سابقين وسياسيين بدأوا في أحزاب سياسية أخرى و. وقطاعات من العمال والفلاحين تنحصر علاقتها بالجماعة في كونها الإطار أو الصلة التي تربطها بالله! ثم جاءت التطورات التي أوجدت ظواهر جديدة في حقل التدين مثل المفكرين الإسلاميين المستقلين والدعاة الجدد لتنهي أي حديث عن النقاوة الأيدلوجية في القاعدة الإخوانية، فمع تراجع دور المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، صار تأثير الخارج ثقافيا وفكريا في الداخل الإخواني أكبر بكثير وذلك عبر ظاهرة الدعاة الجدد وقبلها المفكرون الإسلاميون المستقلون التي تعكس حجم تأثر الصف  الإخواني– بدلا من تأثيره- بمقولات وأفكار لم تنتجها الجماعة وإنما جاءت من مفكرين ودعاة من خارجها. (*) باحث مصري htammam@hotmail.com (المصدر: صحيفة “الغد” الأردنية الصادرة يوم 11 نوفمبر 2006)  

المثقف العربي بين عنف الأقلية الحاكمة والأقلية المعارضة

  

صالح السنوسي (*) في حالة غياب الفعل الجماعي تجد الجماعة نفسها بين أقليتين, تمارس كل منهما العنف باسم الجماعة المستقيلة, أولاهما هي الأقلية الفعالة المعارضة العنيفة التي أنابت نفسها عن الجماعة العاجزة, وثانيتهما هي الأقلية الحاكمة التي تقبض على السلطة وتدعي بدورها شرعية تمثيلها للمجتمع. فالسلطة العربية هي أقلية بحكم تكوينها الطائفي أو العشائري أو الأسروي أو الجهوي أو النخبوي ولكنها تعطي لنفسها حق تمثيل الجماعة انطلاقا من سيطرتها على مقدرات الدولة وتسخيرها لخدمة بقائها, ولهذا فهي تمارس العنف ضد معارضيها وتضربهم بسيف الدولة وباسم الجماعة العاجزة الفاقدة لروح الفعل الجماعي. في مثل هذا الوضع يجد المثقف نفسه مجردا من حماية المجتمع له وفي مواجهة أقليتين عنيفتين فيصبح الخيار بالنسبة له موقفا يتراوح بين الخطورة البالغة والحرج الشديد, لأن الوقوف ضد الأقلية العنيفة الحاكمة تحت ظروف الغياب الكلي لردة فعل المجتمع, هو أشبه بالوقوف أمام قطار مندفع بأقصى سرعته من أجل إزاحة السائق عن دفة القيادة وهذا التصرف إلى جانب عدم جدواه يندر أن تتحمله النفس البشرية. أما الوقوف في مواجهة الأقلية العنيفة المعارضة, فهو يعد عمليا وقوفا إلى جانب الأقلية الحاكمة, مهما حاول المثقف أن يسوق المبررات ويضع العلامات, التي تحدد المسافة بينه وبين الأقلية الحاكمة, لأن موقفه هذا يعتبر تجريما وإدانة للفعل الذي تقوم به الأقلية المعارضة مما يعني منطقيا شرعنة لكل ما يمكن أن تقوم به الأقلية الحاكمة من عنف ضد الأقلية العنيفة المعارضة, في الوقت الذي تبقى فيه الأقلية الحاكمة بمنأى عن أي عقاب على أفعالها المجرمة وسط مجتمع غالبيته عاجزة عن أي ردة فعل. ومما يزيد من موقف المثقف حرجا في هذه الحالة هو أن الأقلية الحاكمة لا ترمي من خلال ممارستها للعقاب إلى مكافحة فعل عنيف تقوم به عصابات وقطاع طرق بل تمارس العنف دفاعا عن سياسات وخيارات ترفضها الأغلبية الساحقة من الجماعة, فهي لا تدافع عن الدولة ومؤسساتها فقط بل تدافع في الوقت نفسه عن الرموز السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تمثل هيمنة الغرب على المنطقة والتي تمقتها وترفضها الأغلبية العظمى من الجماعة الوطنية. في ظل وضع كهذا تستشكل الأمور وتختلط الحدود بين الأشياء, فيبدو موقف المثقف, الذي يدين أفعال الأقلية العنيفة المعارضة أقرب إلى الدفاع عن التحالف بين الغرب والأقلية الحاكمة, منه إلى التعبير عن قضايا ومطالب وتطلعات الجماعة الوطنية. فالأقلية الحاكمة لا تكتفي من المثقف بإدانته فقط للفعل الذي تقوم به الأقلية العنيفة المعارضة, بل ينبغي عليه أيضا أن يمتنع عن التعبير عن وجهة نظره المؤيدة لبعض القضايا التي تتبناها الأقلية العنيفة وهي التي تكون في الغالب قضايا ومطالب الأغلبية. لقد أدى الصراع بين الأقليتين في ظل غياب الفعل الجماعي إلى انقسام المثقفين إلى فئتين كل منهما في وضع لا تحسد عليه. الفئة الأولى تمثل الأغلبية وهي التي انخرطت مع السلطة وراهنت على الأقلية الأقوى ورأت أنه منطقي وعقلاني وواقعي أن تتعامل مع سياسات الأقلية الحاكمة, باعتبارها الخيار الممكن في ظل واقع يفتقد للفعل الجماعي, وتتحكم فيه أقلية قوية حاكمة, تسد كل المنافذ ولا تنازعها أية قوة أخرى, ما عدا أقلية عنيفة ضعيفة ولذا فقد وجد هؤلاء أنفسهم في خندق الأقلية الحاكمة وجندا من جنودها في الحرب التي تشنها هي والغرب ضد الأقلية العنيفة المعارضة. ومما زاد في صعوبة موقفهم هو أنهم يستطيعون أن يعلنوا عن عدائهم القوي والصريح للأقلية العنيفة المعارضة وينددوا ويدينوا دون تحفظ بما تقوم به من أعمال, في الوقت الذي لا يمكنهم فيه الذهاب إلى ذلك الحد من الإدانة والتنديد بسياسات ومواقف الأقلية الحاكمة التي ترفضها الأغلبية وتتخذ منها الأقلية العنيفة المعارضة أسبابا وحججا مقنعة لتبرير أفعالها العنيفة. لقد وجدت هذه الفئة من المثقفين نفسها في عداء شديد وصريح مع الأقلية العنيفة المعارضة وبالتالي أصبح بعضهم مستهدفا بأفعالها, لأنها تعتبرهم سلاحا من أسلحة الأقلية الحاكمة التي تضربهم به وأداة من أدواتها التي تزين سياساتها ومواقفها, فأدى هذا الاستهداف ببعض هؤلاء إلى قبول حماية الأقلية الحاكمة لهم , فترتب على ذلك ازدياد تبعيتهم لها وضعف مواقفهم في مواجهتها, كما بدا هؤلاء وكأنهم يلوذون بحماية أقلية قوية تسيطر على الإقليم بالوسائل المادية والعنف اللاشرعي المنظم, وليس بسلطة أتت بها الإرادة العامة الحرة لأغلبية المجتمع. والفرق بين الحالتين ليس مجرد مسألة إجرائية, فثمن الحماية في الحالة الأولى يكون لمصلحة الأقلية الحاكمة وليس بالضرورة لمصلحة الوطن بينما في الحالة الثانية, أي السلطة التي انتخبتها أغلبية الجماعة بحرية فإن الحماية التي توفرها تعد من وظائفها وواجباتها التي فوضتها الجماعة للقيام بها دون مقابل تجاه كل المواطنين الأحرار. لعل الكثيرين من هؤلاء المثقفين, ما كانوا ليختاروا الوقوف في صف الأقلية الحاكمة, لو أن الجماعة ليست مستقيلة وفعلها الجماعي ليس غائبا, فهذا الوضع لم يترك خيارات أخرى في نظر هؤلاء, سوى التعامل مع الأقلية الحاكمة على ضوء عجز الجماعة وعدم فاعليتها بالتالي فقد تعاملوا مع السلطة أما من منطلق محاولة الإصلاح من الداخل أو من منطلق البحث عن المزايا والمكانة التي يمكن الحصول عليها مقابل الانخراط مع السلطة. الفئة الثانية وتمثل الأقلية الملتزمة من المثقفين التي رفضت الانخراط مع الأقلية العنيفة الحاكمة, فوجدت نفسها في ظل غياب الفعل الجماعي في موقف لا يخلو من غرابة ويتميز بكثير من الخطورة فانقسمت بدورها إلى طائفتين. الطائفة الأولى رفضت الانخراط والتزمت الصمت ورأت في موقفها الرافض والصامت هو أقصى ما يمكن القيام به في مواجهة سلطة غاشمة في وسط مجتمع يفتقد غالبية أفراده لروح الفعل الجماعي, فالمواجهة مع السلطة –في نظرهم– ليست مجدية ولا تضيف شيئا إلى وعي وإدراك الجماعة لمطالبها ولن تكون سوى إلقاء النفس إلى التهلكة. أما الطائفة الثانية فلم ترفض الانخراط مع الأقلية الحاكمة فقط, بل اختارت معارضتها علنا والتصدي لسياساتها على أرضية المطالب التي تحوز على اتفاق غالبية الجماعة. فوجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة عسف السلطة التي تعاملهم على أساس أنهم فصيل من الأقلية العنيفة أو حلفاء موضوعيون لها, لأنهم يثيرون الشغب, ويحرضون ضد السلطة ويدافعون عن قضايا معظمها تتبناها الأقلية العنيفة, وهكذا بدا موقف هؤلاء في غاية الغرابة. فهم من ناحية يدافعون عن قضايا الغالبية العظمى من الجماعة, وهذه الأغلبية تنظر إلى موقفهم بإعجاب دون أن تترجم ذلك إلى أفعال للدفاع عن تلك القضايا, ومن ناحية أخرى يصب موقفهم من السلطة في قناة الأقلية العنيفة, وليس في قناة الفعل الجماعي كما يأملون, ثم يجدون أنفسهم في مواجهة أقلية حاكمة عنيفة باطشة طليقة اليد لا تقيدها الخشية من احتمال أي رد فعل جماعي. لقد أدى فقدان روح الفعل الجماعي لدى غالبية أفراد الجماعة المدركين والواعين بمطالبهم إلى تغلغل روح اليأس في نفس المثقفين من جدوى دورهم في المجتمع مما اضطر أغلبيتهم إلى الاعتراف بالواقع الناتج عن غياب الفعل الجماعي وعن تحكم السلطة كحقيقة مطلقة وعن هيمنة الغرب كقانون لا يمكن تجاوزه. فكانت محصلة ذلك أن المثقفين المنخرطين مع الأقلية العنيفة الحاكمة المبررين لتصرفاتها المعقلنين للواقع الناتج عن تحالفها مع الغرب, أصبحوا هم الأكثرية مقارنة بالمثقفين المعارضين بينما أصبح المعارضون الصامتون هم الأكثرية مقارنة بالمعارضين المجاهرين. لقد راهنت الأكثرية من المثقفين على الأقلية الأقوى وهو رهان ربما ما كان ليقع أو ليكون واقعيا, لو أن الصراع كان بين الأقلية الحاكمة وأغلبية الجماعة لأن حركة المجتمع متمثلة في الأفعال الجماعية, التي تقوم بها الأغلبية في مواجهة السلطة لا يمكن وصفها بالإرهاب أو بعنف الأقلية, بل ستظهر السلطة كأقلية تمارس العنف والإرهاب ضد المجتمع. (*) كاتب ليبي (المصدر: ركن المعرفة بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 9 نوفمبر 2006)  

«المثقف الموظف» ضد المثقف الـحُـرّ

بقلم: خالد الحروب (كامبردج) khaled_hroub@yahoo.com هل وجود «المثقف الحر» حالة مستحيلة لا يمكن تحققها على أرض الواقع؟ هل كون المثقف، في المطاف الأخير، كائن بشري هو الآخر مثله مثل بقية الناس يواجه خيارات دائمة متعلقة بمعيشته، والضغوطات التي يواجهها في حياته، وما هو معروف وممل مما يفرض نفسه على أجندة أي فرد، هل ذلك كله يحبط قبل كل شيء آخر أمثولة «الحرية المطلقة» التي يرنو للوصول إليها أي مثقف معني بصياغة الرأي وصناعة الأفكار؟ يوماً ما قال ريجيس دوبريه: «ليس هناك مثقف حرّ بالتعريف»، وعزا ذلك إلى أن المثقف هو أبن مجتمعه وبيئته أولا وآخرا وأنه لا يعيش في فراغ. ويوما ما قال لي «اختلفت مع صديق أحترمه جدا أن يقنعني بأنني في حال عملت مع مؤسسة ما فإنني أستقيل من صفتي كمثقف وأتحول إلى موظف يسمع ويطيع، وهكذا فعلي أن أكف عن نقد المؤسسة التي أعمل بها، حتى لو كان نقدا أيجابيا»! المثقف قد يكون مرتبطاً بجامعة تمنحه ـ صورياً على الأقل ـ حق التفكير والإبداع الأكاديمي المطلق، وقد يكون مرتبطاً بصحيفة أو جهة إعلامية لها سقفها المعلن، أو بمؤسسة ثقافية أو فكرية أو حتى إقتصادية لها حدودها وأهدافها التي تضع على أنتاج من هو مرتبط بها إشتراطات وقيودا. وهو قد يكون مستقلاً مالياً ووظيفياً، لكنه يعيش بالطبع في بيئة لا تسمح له بالتحلل من إدراكاتها للأشياء، ومنظومة قيمها الحاكمة، وطريقة تقدير وتصنيف القضايا والأمور والأشخاص. كل الناس يقعون أسرى لشبكات من القيود الضاغطة وهي سمة طبيعية من سمات الإجتماع والتاريخ، لكن مقدار القبول والإستسلام لتلك الشبكات من قبل الأفراد، ومقدار تحديهم لها وطرح بدائل أكثر نجاعة عنها، هو ما يميز المثقف عن غيره. وفي كل الأحوال والمجتمعات والظروف هناك هوامش رغم الضغوط والمحاصرات. المثقف الذي ينحاز «للموظف» فيه لا يهمه إستثمار تلك الهوامش، وينساق مع مستلزمات الوظيفة، ويخادع نفسه والآخرين. المثقف الذي يظل يناور ويحاول إستغلال وتوسيع الهوامش الضيفة المتوفرة يظل أقرب إلى ضميره الفكري ويهزم سمة «الموظف» فيه. أسوأ أنواع المثقفين هم الذين يبيعون ضمائرهم كاملة تامة من أجل الوظيفة، ثم يزايدون على وضع الأسقف لهم، ويطربونه مدحاً، ثم يرقصون على أنغام النوتات الذي يضعها لهم صاحب الوظيفة وفق أجندته: إنهم المثقف المهرج بتنويعاته المختلفة. لكن يظل الحلم، ربما السرمدي، الذي يراود أغلب من داعبت مخيلته فكرة الإنطلاق بالفكر والنقد إلى الأمدية القصوى من دون حسابات يقوم على التفلت من  كل قيد، وإيلاء العقل والتفكير المهمة المقدسة في صنع الأفكار. والأفكار هنا لا تعنى الغرق في المجرد والنظري، بل الإنخراط في اليومي والسياسي الذي هو أعقد كثيرا مما هو نظري وذلك لجهة التحديات والعوائق ومراكز القوى التي يتم الإصطدام بها. في المجتمعات النامية والدكتاتورية، تختلف طبيعة البيئة الضاغطة على المثقف ونتائج ذلك الضغط مقارنة بنظيرتها الضاغطة على المثقف في المجتمعات الأكثر تقدماً والأقل دكتاتورية. في المجتمع النامي (المغلق) ينخفض سقف الحريات على أصعدة مختلفة: على أصعدة النظام السياسي، والنظام الإجتماعي، والنظام الثقافي والعقائدي، ويُحاصر المثقف من قبل الأسقف الواطئة والجدران الزاحفة عليه بما يخنق عنده منطق النقد الحر. في المجتمع المتقدم (المفتوح) هناك نمط آخر من الضغوطات والأسقف تواجه المثقف، وتحالفات قوى السياسة والإعلام ورأس المال بما يقطع الطريق على تحقق طوباوية المثقف الحر. لكن مع ذلك يظل المثقف هنا يتمتع بهامش كبير لممارسة النقد إجتماعياً، وثقافياً، وسياسياً، ودينياً. الإشكالية التي يواجهها المثقف في المجتمع المفتوح (الغربي تحديداً) تتمثل في نشر وترويج ما يكتب ويرى، وليس في قوله والإفصاح عنه. ويحدث في الكثير من الأحيان أن ينزع النقد العالم ثالثي لتجربة الحداثة الغربية على صعيد حرية التعبير لمماهاة عدم القدرة على نشر الرأي  والتعبير مع عدم القدرة على التعبير وعلى تبني الرأي أساساً. التحدي الذي تواجهه المجتمعات الغربية إزاء فكرة المثقف الحر يكمن في نضاله الدائم بنشر كل آرائه وليس في مجرد نطقه بها. في المجتمع المغلق يكون التحدي مزدوجاً: في الجرأة بتبني الرأي أولاً، ثم في محاولة نشره ثانياً. مثقف المجتمع المغلق غير مسموح له بأن يفكر بصوت عال ولا أن يتبنى الرأي والفكر الذي يعتقده فكريا وضميرياً إن تصادم مع مسلّمات المجتمع أو مصالح نخبته الحاكمة. ومن باب أولى، بالطبع، ألا يطمح في نشر أفكاره (الهدامة). رهانه شبه الوحيد هو الإشتغال في وعلى الهوامش ومحاولة توسيعها. في هكذا بيئة تتراجع صفة «المثقف» في المثقف نفسه، وتتقلص لمجرد كاتب وتنفي الصفة الأولى المرتبطة تعريفاً بإمتلاك وممارسة القدرة على النقد بأقصى حد ممكن من التفكير واللاحسابات. فدور المثقف اصلا وأساساً معرّف بإنتاج الأفكار ونقدها، لأن الإنتاج والنقد الدائم هو الآلية الوحيدة التي تتيح للأفكار أن تنضج جماعياً وتتبلور وتختبر وتشذب ثم تصبح حاملة للتغيير الإجتماعي. وعندما تتوقف هذه العملية الضرورية في أي مجمتع، أو تتحدد لها أسقف واطئة فعلينا أن نتوقع إمتداد حالات التكلس السياسي والإجتماعي والديني إلى آفاق زمنية بعيدة الأجل. لكن وأخذا بالإعتبار كل ما سبق، تظل مسؤولية المثقف، في القبول بالإنحدار من موقعه ذاك إلى موقع الموظف مساوماً على أفكاره وآرائه كبيرة، وأحياناً  تكون وتظل المسؤولية الأكبر. فتاريخياً ووجودياً كان ولا زال المثقف في صراع شبه مستديم مع مصادر السلطات التي تتحكم في المجتمعات. وعلى مدار القرون كان المثقف الحر أو شبه الحر هو الذي يقرع نواقيس التيقظ هنا وهناك، ويتحدث في اللامتحّدث فيه، ويفكر في اللامفكّر فيه. وعلى مدار التجارب الطويلة في البيئات والمجتمعات المختلفة كان المثقف الحر أو شبه الحر، أو على الأقل المثقف غير الموظف، هو الذي يقدم نموذج التحدي وينحاز لمستقبل مجتمعه ضد ما يغتال ذلك المستقبل من فكر وسياسة وإجتماع راهنين. (المصدر: صحيفة “الشروق” التونسية الصادرة يوم 14 نوفمبر 2006)


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

5 février 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 6 ème année, N° 2085 du 05.02.2006  archives : www.tunisnews.net L´Audace: Dix ans après –

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.