الحرية لسجين
العشريتين الدكتور الصادق شورو
وللصحافي توفيق بن بريك
ولضحايا قانون الإرهاب
حــرية و إنـصاف:الخبير الدولي الحقوقي خميس الشماري ممنوع من التنقل ويخضع للحصار
السبيل أونلاين:عاجل..رغم إنتهاء مدّة الحكم،وسام التستوري يبقى في السجن
حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس
النقابة العامة للتعليم الثانوي: بــيـــــان
محمد الحمروني:رغم توصيات المقرر الأممي معاناة ضحايا قانون الإرهاب لم تتغير
مواطن من تالة:نداء الى والي القصرين وكل من يهمه الامر
مراسلة خاصة بالمرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية
البديل عاجل:وثيقة: رسالة من السجن
حزب الإتحاد الديمقراطي الوحدوي بيان المكتب السياسي
مشاهد منافية للاخلاق في حصة تكوينية بقابس
عبد الحميد العداسي:”يحبّ يكسّر” الجزء الثاني والأخير
الوحدة:محمد بوعود: محطّات سريعة
“الإرادة”:قراءة في ميزانية سنة 2010
“الإرادة”:مؤشّرات عن الظرف الإقتصادي التونسي
webmanagercenter.com:تراجع الترتيب العالمي لتونس بشأن مؤشر دفع الضرائب لعام 2010
“الإرادة”:الاقتصاد التونسي يحتاج إلى مراجعة ولن ينعشه التفاؤل
منتدى التقدم حزب الوحدة الشعبية:لقاء مع الأستاذ عبد المجيد الشرفي حول الحداثة والهويّة
سليم الزواوي : الانتخابات البلدية والديمقراطية المحلية:نحو منظومة مجالية لامركزية
إسماعيل دبارة :لماذا لا يتفاعل المسؤولون مع الشباب على الإنترنت ؟
الإرادة :هل فات الأوان؟
الوحدة :طريقنا الإعلام…مرّة أخرى
الصّحبي الوهايبي:قطوف من بلاد الهاوهاو عصر “علي برمة”
عادل الحاج سالم:المحرقة النازية ضد اليهود في نشاط التعاون الثقافي الفرنسي مع تونس لا لنفي المحرقة اليهودية…وألف لا لتجاهل المحارق المتواصلة
مراد رقية:اكتشاف بلدية قصرهلال للشأن الثقافي بالصدفة من خلال اعتراض المعهد الوطني للتراث على مثال التهيئة العمرانية؟؟؟ *الفراق القاتل*
الاثنين 15 فيفرى هو أول يوم من شهر ربيع الأول 1431 هجري
محمد العروسي الهاني:الخلود للشهداء
للشيخ راشد الغنوشي:أولويات الحركة الإسلامية في ضوء فقه الأولويات للشيخ القرضاوي
أحمد منصور:نهاية العصر الذهبي لاسرائيل
ياسر الزعاترة :عن الإسلاميين ولوثة التجربة التركية
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows)To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس ديسمبر 2009
https://www.tunisnews.net/01fevrier10a.htm
الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 01 ربيع الأول 1431 الموافق ل 15 فيفري 2010
الخبير الدولي الحقوقي خميس الشماري ممنوع من التنقل ويخضع للحصار
تعرض الخبير الدولي والناشط الحقوقي خميس الشماري عضو هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات إلى جملة من المضايقات والاعتداءات مثل منعه حوالي الساعة الواحدة و45 دقيقة بعد ظهر يوم الأربعاء 10 فيفري 2010 من الدخول إلى مقر حركة التجديد، ومنعه حوالي الساعة الخامسة مساء يوم الخميس 11 فيفري 2010 من دخول مقر الحزب الديمقراطي التقدمي. كما تم منع أصدقائه من زيارته وهو يخضع منذ يوم الجمعة 12 فيفري 2010 لمراقبة لصيقة ومحاصرة لمنزله. وحرية وإنصاف: 1) تندد بالحصار المضروب على الناشط الحقوقي السيد خميس الشماري والمراقبة اللصيقة التي يتعرض لها من قبل أعوان البوليس السياسي والمنع من التنقل وزيارة الأصدقاء. 2) تطالب بوضع حد لمثل هذه الاعتداءات على حق المواطنين في التنقل داخل البلاد بكل حرية وفي الدخول إلى مقرات الأحزاب السياسية وفي التواصل مع الأصدقاء. 3) تدعو السلطة إلى رفع التضييقات والمحاصرة التي تتعرض لها مقرات الأحزاب المعارضة والجمعيات والمنظمات الحقوقية.
عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري
عاجل..رغم إنتهاء مدّة الحكم،وسام التستوري يبقى في السجن
السبيل أونلاين – تونس – عاجل إنتهت اليوم الإثنين 15 فيفري 2010 مدّة الحكم الصادر ضده وهي شهر سجن ، ورغم ذلك فإن إدارة سجن مرناق لم تخلي سبيل الناشط الحقوقي وسام التستوري لأن النيابة العمومية إستئنفت الحكم الإبتدائي . ويعد إستئناف النيابة العمومية أسلوبا جديدا يتخذ ضد المعارضين السياسيين للحيلولة دون إطلاق سراحهم . ومنذ سنوات يتعرض التستوري إلى هرسلة مستمرة من طرف البوليس بنابل ، وسجن سابقا في قضية كيدية . وأحيل التستوري بتهمة “الإعتداء على الأخلاق الحميدة بإستلفات النظر علنا إلى وجود فرصة لارتكاب فجور وذلك بكتابات أو تسجيلات أو إرساليات سمعية أو بصرية أو إلكترونية أو ضوئية” ، و أضافت النيابة العمومية يوم الإربعاء 10 فيفري 2010 إلى نص الإحالة :”تهمة السكر الواضح وإحداث تشويش وهرج في الطريق العام” على حسب الفصول 316 و317 من المجلة الجزائية . وقد قضت محكمة الناحية بنابل بسجن وسام التستوري شهر سجن نافذ من أجل الإعتداء على الأخلاق الحميدة وبعدم سماع الدعوى فيما عداها من التهم . نذكّر أن الدفاع بين خلال الجلسة الماضية وجود جملة من الخروقات شابت ملف القضية ، فمن حيث الشكل رأى لسان الدفاع أن أعوان الشرطة العدلية قد تجاوزوا أحكام الفصل 11 من مجلة الإجراءات الجزائية حين قاموا بالتفتيش والتحقيق وإستخراج محمل إلكتروني (فلاش ديسك) من جيب وسام التستوري دون إذن كتابي من وكيل الجمهورية ، وأن ما جاء من إتهام باطل بالسكر الواضح وبتلفظ عبارات غير أخلاقية لم يكن يهدف إلا إلى تبرير حالة التلبس وتبرير الخرق الإجرائي. أما من حيث الدفوعات الأصلية فقد جاءت التهم مجرّدة من القرائن المتضافرة والمتماسكة إذ أن شرط العلنية الذي تستوجبه تهمة “لفت النظر إلى الفجور … لا يمكن أن تستشف من مجرد حمل المتهم لـ(فلاش ديسك) في جيبه يحتوي مشاهد إباحية ، أما بخصوص السكر الواضح فقد جاءت التهمة فضفاضة لا شيء في ملف القضية ما يمكن أن يستدل به لتأكيدها ، وبالنسبة للإعتداء على الأخلاق الحميدة وإحداث الهرج والتشويش فإن العبارات النابية التى نسبت إلى المتهم وأنكرها ثبت في محضر باحث البداية أنه قد تفوه بها تجاه السيارات وليس تجاه الأشخاص مما ينتفي معه موجب توجيه هاته التهمة ضد وسام التستوري، وأمام غياب أية براهين أو أدلة أو شهادة الشهود ومع امتناع وسام عن امضاء محاضر الشرطة وانكار كل مانسب له أمام وكيل ، إنتهى الدفاع إلى اعتبار كل التهم واهية وباطلة وطلب الحكم بعدم سماع الدعوى . بالتعاون مع الأستاذة إيمان الطريقي – والناشط الحقوقي سيد المبروك – تونس (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 15 فيفري 2010 )
الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 01 ربيع الأول 1431 الموافق ل 15 فيفري 2010
أخبار الحريات في تونس
1) البوليس السياسي بنابل يعتقل الشاب وسام التومي: اعتقل أعوان البوليس السياسي بنابل صباح اليوم الاثنين 15 فيفري 2010 الطالب وسام التومي أصيل منطقة عين كميشة التي تبعد مسافة 3 كلم عن مدينة نابل، واقتادوه غلى جهة مجهولة، ولا تزال عائلته تجهل سبب ومكان اعتقاله. علما بأن الطالب وسام التومي اعتقل بعد إنزاله من الحافلة التي كانت تقله للالتحاق بالدراسة بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية بنابل. وحرية وإنصاف تندد باعتقال الطالب وسام التومي وتدعو السلطة إلى الإفراج الفوري عنه وعدم تعريض مستقبله الدراسي للخطر.
2) الطالب محمد مانيطة يتعرض للمضايقة واحتجاز حاسوبه وهاتفه الجوال: تم يوم السبت 13 فيفري 2010 اعتقال الطالب محمد مانيطة أصيل مدينة منزل عبد الرحمان والذي يدرس بالسنة الثانية رياضيات بكلية العلوم ببنزرت، وبعد ساعات من الاعتقال والاستجواب أفرج عنه ولكن بعد احتجاز حاسوبه الخاص وهاتفه الجوال، وعند مطالبته بهما سلموه بطاقة تعريفه ورفضوا تسليمه باقي المحجوز. وحرية وإنصاف تجدد مطالبتها للسلطة بوقف الاعتقالات العشوائية واستهداف الشبان بسبب انتمائهم الفكري والعقدي وتدعو إلى تمكين الطالب محمد مانيطة من حاسوبه وجواله وتوفير مناخ من الحوار واحترام حرية الانتماء والمعتقد.
3) منع الأستاذان محمد النوري وطارق النوري من الوصول إلى المقر المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي: منع عدد من أعوان البوليس السياسي مساء اليوم الاثنين 15 فيفري 2010 الأستاذان محمد النوري وطارق النوري من الوصول إلى المقر المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي أين تم الاحتفال مساء اليوم بتكريم الناشط الحقوقي والإعلامي السيد زهير مخلوف الذي أفرج عنه مؤخرا من السجن بعد قضاء ما يقرب من أربعة اشهر نتيجة محاكمة سياسية غير عادلة.
4) منع عائلة سجين الرأي محمد اللافي من الزيارة: منعت إدارة سجن المرناقية مساء اليوم الاثنين 15 فيفري 2010 عائلة سجين الرأي الطالب محمد اللافي من زيارته بدعوى انه يخضع لعقوبة بالسجن الانفرادي. وتجدر الإشارة إلى أن سجين الرأي الطالب محمد اللافي تعرض الأسبوع الماضي إلى اعتداء بالعنف الشديد من قبل أعوان السجن مما تسبب له في كسر أنفه، وهو ما دفع عديد سجناء الرأي إلى شن إضراب مفتوح عن الطعام للاحتجاج على هذا الاعتداء وعلى المعاملة السيئة التي يتعرضون لها.
5) النيابة تستأنف الحكم ووسام التستوري يبقى في السجن: استأنفت النيابة العمومية الحكم الابتدائي الصادر ضد الناشط الحقوقي وسام التستوري المعتقل حاليا بسجن مرناق والقاضي بسجنه مدة شهر واحد، علما بان اليوم الاثنين 15 فيفري 2010 هو آخر يوم لوسام التستوري بالسجن حسب الحكم الأول.
6) حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو عيدا آخر وراء القضبان: لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور.
عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري
تونس في 11 فيفري 2010 بــيـــــان
تتواصل محاكمات المناضلين في الرديف على خلفية محاكمات الحركة الاحتجاجية الاجتماعية السلمية في الحوض المنجمي. فرغم السراح الشرطي الذي أصبح يتمتع به أغلب قيادات هذه الحركة الجماهيرية، فإن عددا منهم مازالت تلاحقه المحاكمات إثرالأحكام الغيابية المسلطة عليهم ومنهم الصحفي الحر *الفاهم بوكدوس* والمناضل *حسن بن عبد الله*. كما يستمرّ حرمان المناضلين المتعين بالسراح الشرطي من العودة إلى سالف عملهم مثل الأخت زكية الضيفاوي والأخوة عادل جيار وعدنان الحاجي وبشير العبيدي والطيب بن عثمان وطارق حليمي وغيرهم. والنقابة العامة للتعليم الثانوي، تجدّد : 1- مساندتها للمطالب المشروعة لأهلنا في الحوض المنجمي ولحركتهم الاحتجاجية السلمية التي جوبهت بالقمع والمحاكمات الظالمة. 2-مطالبتها بالحكم بعدم سماع الدعوى لصالح المحكوم عليهم غيابيا لبطلان التهم المنسوبة إليهم وإسقاط جميع الأحكام على المناضلين الحاصلين على السراح الشرطي. 3- مطالبتها بإرجاع المطرودين إلى سالف عملهم والتفاوض مع الاتحاد العام التونسي للشغل حول ملفي التنمية والشغل في الحوض المنجمي وفي سائر المناطق المحرومة. عن النقابة العامة للتعليم الثانوي
الكاتب العام
رغم توصيات المقرر الأممي معاناة ضحايا قانون الإرهاب لم تتغير
بقلم: محمد الحمروني أم خالد .. أم ماهر .. أبو غيث .. عائلة الناصري.. شخصيات عرفت بأسماء أبنائها الذين سجنوا في إطار ما يسمى بـ”معاضدة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال”. أسماء وأشخاص من سجنان ورأس الجبل وقمّرت وأريانة وغيرها التقوا ليناضلوا من اجل دفع الظلم الذي تعرض له أبناؤهم، كما يقولون، فإذا بهم يقتحمون ساحات العمل الحقوقي ليشكلوا جزءا ولو بسيطا من ظاهرة جديدة في حياتنا السياسية لم تكن معهودة من قبل. وما بين مكاتب المحامين ومدارج وزارة العدل ومحكمة تونس، وما بين السجون ومقرّات المنظمات الحقوقية، دفعت غريزة الأمومة والأبوة هؤلاء ليقتحموا عوالم لم يكونوا يتوقعون يوما أن يكونوا فاعلين بارزين فيها. قبل ثلاث أو أربع سنوات وخلال ذروة الحملة على الشباب المتدين، استفاقت عدة مكونات للمجتمع المدني “التقليدية” على وجوه جديدة ونبرة حادة قاطعة لا تتلعثم وهي تبحث عن مفردات تليّن بها خطابها أو شقوق في ثنايا الكلمات تعبر من خلالها عما يجيش بخاطرها. في تلك الفترة صدمت كلمات أبو غيث الغزواني الحاضرين بإحدى الاجتماعات، حين قال وهو يصف ما أصابه بسبب اعتقال ابنه “….أنا لم أكن يوما إرهابيا ولا متطرفا .. ولكن من يمس شعرة من ابني سآكل لحمه الحي بأسناني”.. يومها أصابت هذه الكلمات الحاضرين بالصدمة ويومها انهالت دموع أبو غيث مثلما انهالت دموع الحاضرين الذين صفقوا طويلا للرجل. ومثل الغزواني الأب كان حال العم سعيد الناصري ذلك الشيخ الذي جاوز الـ 65 من العمر .. يقول العم سعيد ” بدأت معاناتنا مع بدء الحملة الأمريكية على العراق، .. وفي حدود سنة 2004 تحول احد أبنائي المسمى حسني إلى هناك وشارك إلى جانب المقاومة في المعارك التي دارت في الفلوجة قبل أن يعود إلى سوريا. بعدها أوقف حسني وأعيد إلى تونس وأطلق سراحه بعد التحقيق معه دون أن يسجن، ولكن الحملة ضده وضد العائلة لم تتوقف حتى دخل أربعة من أفراد العائلة إلى السجن منهم من خرج ومنهم من ينتظر. ولان ابنها نقل إلى سجن بعيد عن مقر إقامتها تنهض بيّة زوجة العم سعيد على الساعة الثالثة صباحا يوم الزيارة لتعد بعض الأكل لأبنائها، وعلى الساعة الخامسة صباحا يغادر الأب البيت قاصدا سجن “الهوارب” الواقع في ولاية القيروان. وتستغرق الرحلة نحو أربع ساعات إضافة إلى تعطيلات الزيارة وإجراءاتها.. ولا يعود العم سعيد إلى بيته إلا في حدود الساعة الخامسة بعد ان يمر في طريق عودته على عدد من مكاتب المنظمات الحقوقية والمحامين والصحف بالعاصمة. ويشكو العم سعيد من الاقتحامات المتكررة لمنزله ليلا ونهارا، وقد أثارت هذه الزيارات المتكررة لرجال الامن وما يترافق معها من حالة تأهب واستعراض للقوة خوف جيرانه. ولم تكن حال الأمهات أحسن من حال الآباء فقد عشن الخوف والجوع بل إن حياتهم انقلبت رأسا على عقب بسبب سجن أبنائهن. أم ماهر .. سجن ابنها سنة 2006 وينتظر أن تنقضي مدة حكمه في ديسمبر 2010 .. تقول هذه الأم “ماساتنا بدأت منذ إعلان استشهاد مروان اخو ماهر في حرب الفلوجة التي دارت سنة 2004، ومنذ ذلك الوقت لم تهدا المضايقات التى نتعرض لها والمداهمات لمنزلنا لا فرق في ذلك بين ليل أو نهار”. ومنذ ذلك التاريخ وضع ماهر تحت مجهر أعوان الأمن وبدأت المضايقات ضده وضد العائلة وحتى بعد إيقافه في 2006 لم تتوقف المضايقات ضدنا مما اضطر أختيه إلى ترك المعاهد العمومية للدراسة في معاهد حرة بعد أن بلغت المضايقة لهن بسبب حجابهن درجات لا تحتمل. وفي نفس السياق كشفت أم ماهر لـ”الموقف” أن السلطات الأمنية حرمتها وكافة أفراد عائلتها من حقها القانوني في الحصول على جواز السفر، وحتى لما أصيبت ابنتها صفاء (21 سنة) بسرطان القولون لم يسمح لها بالسفر للتداوي في الخارج حتى وافاها الأجل. … “كانت صفاء مخطوبة وكانت تستعد للزواج .. كانت كلها حيوية وحب للحياة ولكنهم سرقوا منها حياتها بعد أن حرموها من السفر للعلاج” تقول أمها. ولم يسلم من المضايقات الأمنية حتى الأصهار، فبعد زواج الأخت الثانية لماهر بأسبوع تم إيقاف زوجها وترك رهن الاعتقال لمدة 4 اشهر قبل أن يطلق سراحه دون محاكمة. من جانبها أكدت أم خالد الناطقة باسم أمهات وعائلات الشبان ضحايا قانون الإرهاب أن الأغلبية الساحقة من العائلات اشتكت من التجاوزات الأمنية الخطيرة بحقها. وتتمثل تلك التجاوزات إجمالا في الاقتحامات المتكررة وغير المبررة لقوات الأمن بالزي المدني والرسمي لمنازلهم ليلا أو نهارا دون اعتبار لأي حرمة ودون استئذان، بل إن تلك الاقتحامات عادة ما تتم عن طريق تسور الحائط الخارجي للمنزل وعادة ما تترافق مع حملة ترهيب كبيرة، كأن تنتشر الفرق الأمنية في الأنهج المحيطة بالمنزل المستهدف، ويأخذ بعض أعوان الفرق المختصة مواقعهم فوق أسطح المنزل وأسواره كأنما يقتحمون ثكنة مدججة بالسلاح أو كأنهم يطاردون واحدا من أعتي المجرمين. وعلاوة على حملات الترهيب والتنكيل بالموقوفين وعائلاتهم تصر السلطة على ممارسة سياسة التجويع تجاه تلك العائلات .. وفي هذا السياق أكدت أم خالد للموقف أن بعض الأمهات اضطررن إلى العمل كخادمات في المنازل لتوفير ثمن “القفة” لأبنائهن. وأضافت قائلة “لقد تم تجويعنا حتى أن بعض الأمهات بتن لا توقد لهن نيران في بيوتهن إلا مرة واحدة في الشهر بمناسبة إعداد القفة لأبنائهن .. وبلغ بنا شظف العيش حدّا جعل بعض العائلات تحرم من النور الكهربائي لمدة سنة أو أكثر لأنها كانت عاجزة عن ثمن الاستهلاك، ونفس الأمر بالنسبة للماء حيث تأكد لدينا أن بعض العائلات ظلت محرومة منه لمدد قد تبلغ أحيانا بعض الأشهر”. هذه جوانب من ظروف عيش بعض هذه العائلات، وهي لا تعكس إلا جزءا بسيطا من معاناة يومية جعلت حياة هذه العائلات تنقلب رأسا على عقب. وكانت أم خالد تردد كلما وجدت نفسها وجها لوجه مع رجال الأمن “لقد اخرجتموني من بيتي ومطبخي الذين كانا يمثلان عالمي الخاص”. وتعكس هذه الكلمات النقلة التي عاشها أولياء هؤلاء الشبان حتى أن البعض منهم ممن كانوا لا يولون للشأن العام أهمية تذكر باتوا منخرطين وفاعلين فيه. ورغم ذلك فان المأساة كما قالت أم ماهر مستمرة وهناك أناس يتألمون في صمت ولا يكاد أنينهم يُسمع بل منهم من قضى ورحل في صمت على غرار صفا التي تحدثنا عنها سابقا. (المصدر: “الموقف” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 532 بتاريخ 12 فيفري 2010)
نداء الى والي القصرين وكل من يهمه الامر
على اثر موجة البرد التي شهدتها عديد المدن بالشمال الغربي و الوسط الغربي قامت جمعية بسمة بتوزيع إعانات خصصت بالأساس للمعاقين و العائلات المعوزة في أول الأمر وبحضور والي القصرين و عديد المسؤولين من الجمعية كانت الامور على ما يرام و تم توزيع هذه الاعانات على مستحقيها و بنظام دون حدوث اي فوضى الا انه و بمغادرة الوالي و مرافقيه و ترك الامر في يد العمد انقلب الامر اصبح ميسورو الحال هم المنتفعون من هذه الاعانات فيما حرم ضعاف الحال و بما انهم لا يستطيعون الاتصال بالمسؤولين الذين غادروا المعهد مقر توزيع هذه الاعانات لرفع تشكياتهم من ظلم هؤلاء العمد اصبحت وسيلتهم للتعبير و الاحتجاج هي التكسير حيث تم كسر كثير من زجاج المعهد و بعض الطاولات هي دعوة اسوقها الى المسؤولين لمحاسبة هؤلاء العمد و امثالهم من الذين يسيئون التصرف فيمنعون ضعاف الحال من حقهم في الاعانات ليعطوها لاصدقائهم و احبابهم و لياخذو “القليل ” الى منازلهم ارجو من السيد الوالي محاسبة هؤلاء لانها ليست المرة الاولى مواطن من تالة
مراسلة خاصة بالمرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية
يوم دامي من الاعتداءات على المربين مدير يعتدي على الكاتب العام للنقابة الجهوية للتعليم الثانوي بالكاف
تعرض الاخ توفيق الصلعاوي الكاتب العام للنقابة الحهوية للتعليم الثانوي بالكاف الى العنف اللفظي الشديد من طرف مدير المدرسة الاعدادية الطموح بتاجروين من ولاية الكاف وذلك اليوم 15/02/2010 على الساعة العاشرة لما توجه الاخ توفيق الى هذه المؤسسة بغرض تقديم الاعلام الى الاساتذة خلال فترة الراحة واذا بالمدير المذكور يعترض سبيله ويمنعه من الدخول ويوجه له الشتائم والسباب ولكن الاخ توفيق تمكن من الافلات ودخول قاعة الاساتذة فالتحق به المدير وجعل يدفعه ويقول له الكلام البذيء مما حدا بالاساتذة الى الاسراع لحماية ممثلهم النقابي وقرروا الدخول في اضراب احتجاجي فوري بداية من الساعة العاشرة تحول في منتصف النهار الى اعتصام بالمدرسة المذكورة ولا زال الاعتصام متوصلا الى حد كتابة هذه الاسطر
نورالدين القاطري عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بالكاف اضراب ناجح في المدرسة الاعدادية بالعلاء – القيروان نفذ أساتذة المدرسة الإعدادية العلاء – القيروان إضرابا ناجحا اليوم الإثنين 15-02- 2010بداية من الساعة الثامنة صباحا والى حدود الساعة 11 احتجاجا على تعرض استاذة يوم السبت الفارط الى اعتداء من قبل تلميذ وتم تأطير الاضراب من النقابة الأساسية والنقابة الجهويةللتعليم الثانوي وقد تدارس الأساتذة المضربون ظاهرة العنف في الوسط المدرسي محملين سلطة الإشراف مسؤوليتها وتطرقوا إلى الوضع المتردي للمؤسسة وتم فك الإضراب على الساعة الحادية عشر بعد إمضاء جميع الأطراف محضر إتفاق… تعهد بموجبه مدير المدرسة المذكورة بتطبيق ما ورد بالمحضر وفي صورة الإخلال سنتخذ أشكالا نضالية أرقى وقفة احتجاجية في المدرسة الاعدادية بفندق الجديد – نابل** نفّذ أساتذة المدرسة الإعدادية بفندق الجديد(نابل) اليوم الإثنين 15/02/2010 وقفة احتجاجية مدّة ربع ساعة بداية من الساعة العاشرة رفضا لطريقة تعامل مدير المؤسسة مع الأساتذة ولاستقالة الإدارة أمام مظاهر التسيب التي بدأت تستشرى في المؤسسة اضراب في المعهد الثانوي حي الامل بفوشانة** أضرب اليوم 15 فيفري 2010 أساتذة المعهد الثانوي حي الأمل بفوشانة عن العمل لمدة 15دق احتجاجا على اعتداء تعرضت له أستاذة معوضة من طرف أحد التلاميذ قيم يعتدي على استاذ في المدرسة الاعدادية بني مهيرة تطاوين** تعرض استاذ يعمل في المدرسة الاعدادية بني مهيرة تطاوين الى اعتداء لفظي وشتم من طرف قيم ومن المنتظر ان يقوم الاساتذة يوم غد الثلاثاء 16 /02 / 2010 بحركة احتجاجية ردا على هذا التصرف المسيء للسلوك التربوي — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux
عاد الحديث بكثرة، في الأسابيع الأخيرة، عن ظروف الاعتقال المأساوية في سجون “العهد الجديد” (هكذا يسمّى عهد بن علي!!!). ويعود ذلك إلى الصرخات التي أطلقتها عائلات الصحفيين توفيق بن بريك وزهير مخلوف ونشطاء الحركة الطلابية السبعة عشر المعتقلين على خلفية نشاطهم النقابي بالجامعة ومئات الشباب الآخرين من ضحايا “قانون مكافحة الإرهاب” سيء السمعة. “أزواجنا… إخوتنا… أبناؤنا يموتون موتا بطيئا في معتقلاتهم… لا حق لهم في أيّ شيء عدا الضرب وسوء المعاملة والإبعاد والعزلة والحرمان من العلاج والغذاء اللائق ومن ظروف إقامة تتوفّر فيها الشروط الصحية والإنسانية الدنيا… ونحن ينكّل بنا… نلاحقهم من سجن إلى سجن… تارة نعثر عليهم وتارة يقال لنا: “زوجك… إبنك.. أخوك ليس موجودا عندنا”… نطرد ونهان وأحيانا يُعْتَدَى علينا كالبهائم من طرف أشخاص لا حسيب ولا رقيب عليهم…”. هذه هي الرسالة التي أرادت إبلاغها تلك العائلات. وهي رسالة منافية لكل التصريحات الرّسمية التي تحاول بصلف (cynisme) لا حدود له، تجميل معتقلات “العهد الجديد” والادعاء بأن الإقامة فيها “مطابقة للمعايير الدولية” دون أن تفسح المجال لأيّ منظّمة محلية أو إقليمية أو دولية مستقلّة وذات مصداقية، بزيارة هذه المعتقلات والتثبّت في ظروف حياة المساجين فيها. لقد ظلّت السجون طوال أكثر من نصف قرن من حكم الحزب (التجمع) الدستوري عالما مغلقا لا وسائل إعلام تتحدث عنه ولا منظّمات ولا هيئات حقوقية تدري ما فيه، وحتى المساجين أنفسهم يمنع عليهم إثارة ظروف اعتقالهم مع عائلاتهم. إنّ الزيارة تقطع حالما ينطق السجين بكلمة في الموضوع، وغالبا ما يقاد مباشرة إلى إحدى الزنزانات العقابية، حيث يضرب ويهان وربّما يقيّد حتى “لا يعود إلى صنيعه ثانية”. لقد عجزت السلطات في الآونة الأخيرة عن الردّ على أسئلة بسيطة وجّهتها إليها بصورة مباشرة أو غير مباشرة عائلات المساجين السياسيين والمحامون والمنظمات والهيئات الحقوقية وبعض وسائل الإعلام المحليّة والأجنبية. وهذه الأسئلة هي: لماذا تمنع إدارة السجون التابعة لـ”وزارة العدل وحقوق الإنسان” المحامين من زيارة توفيق بن بريك وزهير مخلوف رغم حصولهم على تراخيص قضائية؟ من يحكم من: القضاة أم أعوان السجون؟ لماذا تمنع عائلة زهير مخلوف من زيارته رغم أن القانون يخوّل لها ذلك؟ لماذا يقع إبعاد المساجين السياسيين عن مقرّات سكنى عائلاتهم رغم أنّ القانون ينصّ على أن السجين يوضع في أقرب سجن لعائلته؟ إذا لم يكن القصد من ذلك التنكيل بالسجين وبعائلته على حدّ السواء فبماذا تفسّر إذن وزارة العدل وحقوق الإنسان التي تشرف على السجون وضع السجين السياسي الذي يقطن أهله في جنوب البلاد، في شمالها والعكس بالعكس؟ مساهمة منّا في فضح واقع السجون التونسية في “العهد الجديد” ننشر ما يلي رسالة كان سرّبها الرفيق حمه الهمامي الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي إلى أحد أصدقائه في صائفة 1994. وقد أجابه فيها عن سؤال يتعلّق بظروف اعتقاله بسجن الناظور ببنزرت. ومن المعلوم أنّ حمّه الهمامي سُجن عديد المرّات في العهد البورقيبي كما في عهد بن علي وتنقل بين معظم سجون البلاد. وهو يكشف في هذه الرسالة التي أمدّنا بها، مشكورا، الصّديق الذي تلقاها، أوجها من ظروف الاعتقال في بعض السجون التونسية التي تؤكّد أنّ السجون في أي بلد من البلدان هي صورة للنظام السياسي القائم فيها، وهي في تونس صورة للنظام الدكتاتوري البوليسي الذي يحكمنا. صديقي العزيز، (…) أما في ما يخصّ ظروف اعتقالي، فمنذ نقلي، يوم 2 جويلية 1994، من السجن المدني بسوسة إلى سجن الناظور (برج الرومي سابقا) ببنزرت وأنا اقضي أيامي وليالي في عزلة تامة وفي صمت مطبق شبيه بصمت القبور، وسط زنزانة انفرادية هي واحدة من الزنزانات الخمس المكونة لجناح السجن المضيّق المخصص عادة للمساجين المعاقبين وللمحكومين بالإعدام. ولم تقدّم إدارة السجن أيّ تفسير أو تبرير لوضعي هذا، سوى أنه تطبيق لتعليمات صادرة عن الإدارة العامة للسجون، مع العلم أن قانون السجون الجاري به العمل، ينصّ صراحة على أن نظام الإقامة بالسجون التونسية هو نظام الحبس الجماعي بالليل والنهار، ولا يبيح العزلة إلاّ في حالتين استثنائيتين: أوّلا، إذا اقتضت ذلك مصلحة التحقيق، وفي هذه الحالة تكون العزلة بأمر من حاكم التحقيق. وتنتهي بمجرّد انتهاء البحث. ثانيا، إذا تعرّض السجين لعقوبة، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تتعدى العزلة عشرة أيام يعاد بعدها السجين إلى الحياة الجماعية. وينصّ القانون على ضرورة أن تتوفّر في “الغرفة المنفردة” أي الزنزانة التجهيزات الأساسية والصحية. وبطبيعة الحال فأنا كما تعلم، لست في مرحلة تحقيق بل صدر ضدّي حكم باتّ بثماني سنوات وسبعة أشهر سجنا، يضاف إليهما حكم سابق مؤجل التنفيذ بعامين و8 أشهر سجنا وهو حكم كان صدر عليّ بصفتي مديرا لجريدة “البديل” المحظورة الآن، كما أنني لست معاقبا، ومع ذلك فإنني أعيش في العزلة بقرار تعسّفي من الإدارة العامة للسجون التي تتصرّف في المساجين السياسيين تصرّفا أرعن، لا يخضع لأيّ قانون. ثمّ أن الزنزانة التي حشرت فيها منذ مجيئي إلى هذا السجن، الذي سبق لي أن قضّيت فيه عدّة سنوات في فترة السبعينات من هذا القرن (1974 – 1979)، لا تتوفّر فيه الضرورات الأساسية والصحية التي تسمح بأن تحافظ أعضاء السجين الحيوية، على الحالة التي كانت عليها يوم حشرها لأول مرّة في هذه الزنزانة. فالزنزانة رقم 4 التي أشغلها، ضيّقة للغاية، طولها لا يتجاوز الثلاثة أمتار وعرضها المترين، ويحتل الجزء الأكبر منها سريران من حديد مثبتان في الأرض، ومرحاض (عربي) غير معزول وهو ما يجعل حركتي صعبة داخل هذه الزنزانة، فأضطرّ إلى قضاء وقتي ممدّدا على فراشي الذي أكله الصدأ (“الصديد”) وعشش فيه البقّ. إنّ ما تبقى من مساحة فارغة لا يمكّنني إلاّ من القيام بخطوتين أو ثلاث خطوات ليوقفني بعدها الحائط!! فالجسم محكوم عليه في هذه الزنزانة التي تعرّت أرضيتها من قشرة الأسمنت التي كانت تكسوها، لتظهر أتربتها المخلطة بالرمل، محكوم عليه بالخمول والقعود. وما يميّز هذه الزنزانة أيضا أنها، رطبة صيفا وشتاء، ولذلك أسبابه، فالشمس لا تدخلها مطلقا والهواء لا يدور فيها إلاّ قليلا. زنزانتي، شأنها شأن بقية الزنزانات، ليست مجهّزة بنافذة يدخل منها الهواء أو تتسلل منها أشعّة الشمس. كل ما فيها فتحة مستطيلة الشكل لصق السقف، من ناحية الباب، وهذه “الفتحة” التي لا توفّر لا التهوئة ولا الإضاءة المطلوبين (زنزانتي مظلمة في عزّ الصيف !!) مشبّكة بأسلاك حديدية رقيقة تشبيكا مزدوجا فضلا عن القضبان الحديدية العادية، وقد وُضِعَت في ما بين شبكتي الحديد “لمبة” ضوء، تشغّلها الحراسة الليلية من قاعة الاستمرار وتظلّ تشتعل كامل الليل، منغّصة عليّ نومي لأنني لا أتحمّل الضوء أثناء الرقاد، ولأن الضوء المنبعث من هذه اللمبة خافت إلى حد كبير، فإنه لا يمكنني من القراءة إلاّ بجهد جهيد، وهو ما يسبب لي آلاما في عينيّ. وفي الحقيقة فإن هذه “اللمبة” مجعولة لا لتيسير حياة السجين داخل الزنزانة، بل لتمكين أعوان الحراسة من مراقبته من خلال شباك صغير(guichet) مشبك (grillagé) يتوسط هذه الزنزانة (8 صم على 5 صم) ولعلّ “الحكمة” من تثبيت الأسرّة في الأرض، تتمثل في إبقائها دائما في مجال رؤية الأعوان. ولا يوجد داخل الزنزانة ماء فأنا مضطرّ إلى أن أملأ يوميا، في الصباح وعند الظهر، وعاء من “البلاستيك” اشترته لي عائلتي من الحنفية الوحيدة الموجودة بساحة جناح السجن المضيق. ولعلمك فإن الماء لا ينساب من هذه الحنفية، المتحكم فيها من خارج الجناح، إلا دقائق معدودات خلال النهار. وإذا حصل وأن كنت وقتها داخل الزنزانة فإنني أضطر إلى ملئ وعاء البلاستيك عند خروجي للفسحة (“الآريا”) من (“باكية”) عفنة، أكلها الصدأ والخزّ… ولا زالت الإدارة تصرّ على إبقائها، رغم الاحتجاجات المستمرة لـ”متساكني” جناح السجن المضيق. وعليّ بعد ذلك أن أقسّط كمية الماء التي أحصل عليها لقضاء كافة شؤوني: اغتسال، غسل أواني الأكل، غسل الأدباش. وكذلك للاستحمام لأن أدواش السجن لا تعمل خلال الصيف، رغم حرارته هذه السنة، التي أشعر بها مضاعفة داخل زنزانتي، إلى حدّ الشعور بالاختناق في بعض الأحيان، ناهيك أن أعوان الحراسة الليلية يضطرون إلى تفقدنا خوفا من أن ينقطع نفس أحدنا، خاصة المعاقبين والمحكومين بالإعدام المشدودين بسلاسل إلى أسرتهم. أما بالنسبة إلى الشراب، فإنني وبإذن من الطبيب أصبحت أشتري عن طريق “القنوة” الماء المعدني علما وأن ماء الناظور به كمية كبيرة من “الكلكير”، والإصابة بأمراض الكلى، من الأمور الشائعة في هذا السجن. وتعود إصابتي شخصيا بمرض الكلى إلى الفترة الطويلة نسبيا التي قضيتها في هذا السجن خلال السبعينات. وبما أنني مضطر إلى شرب كميات كبيرة من الماء يوميا فإنني أتبول كثيرا أيضا وبالنظر إلى النقص في الماء لتطهير المرحاض كل مرة، تنبعث منه باستمرار روائح كريهة خاصة وأنه مفتوح، غير معزول. ولا ينفتح باب زنزانتي إلا لوقت قصير خلال اليوم، لا يتجاوز الساعة وفي أفضل الحالات الساعة والنصف أقضيها فيما يسمّى “الآريا” أو الفسحة داخل ساحة صغيرة مقابلة للزنزانات الخمس المكوّنة لجناح السجن المضيق. وتحيط بهذه الساحة جدران عالية من كافة الجهات أما فضاؤها فَمُسَقَّف بأعمدة وأسلاك حديدية وهو ما يجعل منها في الواقع قفصا كبيرا شبيها بتلك الأقفاص التي تحشر فيها الحيوانات الوحشية. وبطبيعة الحال فـ”الفسحة” أقوم بها منفردا تحت رقابة العون المكلف بالحراسة الذي يساعده في شؤونه “كبران” من مساجين الحق العام. ويمنع علي خلال الفسحة الإتصال بأيّ سجين آخر من “متساكني” الجناح. كما يقتصر كلامي مع العون و”مساعده” على قضاء بعض الشؤون مثل طلب الماء أو التسجيل لمقابلة الطبيب، إلخ. وفي ما عدا ذلك فالحديث معهما ممنوع، ويخضعان بدورهما لمراقبة أحد الوكلاء المكلف بالقطاع الذي يوجد به جناح السجن المضيّق. وهكذا فإنني أقضي حوالي 23 ساعة أو أقل بقليل منزويا لوحدي في زنزانتي الضيقة والرطبة وقليلة التهوية والمظلمة. وتشديدا لهذه العزلة حرمتني الإدارة العامة للسجون من مشاهدة البرامج التلفزية كسائر المساجين سواء كانوا مساجين حق عام أو مساجين سياسيين من “حركة النهضة”. وقد تذرّعت إدارة السجن لتبرير ذلك بكونها لا تملك جهازا زائدا “تمتعني به”. ولكن هذه الذريعة انكشفت حقيقتها لما رفضت الإدارة العامة السماح لعائلتي بأن تجلب لي جهازا على نفقتها، علما وأن أجهزة التلفزة في السجون التونسية يدفع ثمنها المساجين وعندما تتعطب تصلح من جيوبهم أيضا. ومن البديهي أن حرماني من مشاهدة البرامج التلفزية، شأنه شأن عزلتي، مناف لقانون السجون (الفصل 70) الذي لا يستثني من هذه المشاهدة سوى من هم عرضة لعقاب لفترة محددة بالطبع. ولكن من يراقب إدارة السجون في تطبيقها أو عدم تطبيقها للقانون!! فالسجون في تونس كما تعلم، عالم مغلق، والكشف عمّا يجري فيه من المحرّمات. ومن ناحية أخرى حرمتني الإدارة العامة للسجون من تلقي الكتب (كتب المطالعة والكتب الدراسية) وأدوات الكتابة خاصة الورق والكراريس وهو حق منصوص عليه صراحة بالفصل 14 – الفقرة 12 من قانون السجون. فقد تلقت الإدارة العامة للسجون القائمة الأولى في عناوين الكتب التي تريد عائلتي مدي بها، في شهر مارس 1994 أي بعد ايقافي بحوالي شهر والقائمة الثانية في شهر أفريل 1994، لكنها غضت الطرف ولم تردّ علما وأن العناوين المذكورة عادية جدا في معظمها أدبية باللغتين العربية والفرنسية. أمّا الورق فيمنع عني منعا باتا، تصوّر أن الملصقات الموضوعة على قوارير الماء المعدني والتي تحمل “ماركة” هذا الماء وتركيبته، تنزع من طرف الأعوان. المهم أن لا يقع بين يديّ الورق حتى أتمكن من الكتابة، كتابة أيّ شيء!! وهذه الحالة تذكرني بما حصل لي أثناء تعذيبي بمحلات وزارة الداخلية عند إيقافي في شهر فيفري الماضي. كان الجلادون يضربونني على كامل جسمي بوحشية لا توصف. وكان أحدهم يقول لهم: “اضربوه على رأسه، اضربوه على رأسه حتى لا ينتج مخّه الخامج مستقبلا أفكارا خامجة مثله…”. ففي السجن كما في محلات البوليس السياسي بوزارة الداخلية يريدون أن يقطعوا عن الإنسان التفكير حتى لا ينتج أو يعبّر عن فكرة أو رأي مخالف للسلطة!! وفي نفس السياق فإنهم، وإلى حدّ الآن يمانعون في السماح لي باستكمال أطروحتي الجامعية. ولا أتلقى، من الصحف، وذلك بعد مطالبة واحتجاج، سوى صحيفتين اثنتين هما “الرأي العام” و”لابراس” (La presse). ورغم أنهما يعكسان المواقف الرسمية فإنهما يخضعان لمراقبة مدير السجن يوميا. وتقصّ منهما مقالات وأحيانا صفحات كاملة حتى لا أطلع عليها. والواضح أن الأخبار والمقالات التي تحذف لها صلة بمعطيات سياسية محلية وجهويّة وعالمية، من شأنها أن تمكن سجينا في وضعي من تكوين فكرة ولو عامة جدا عن الوضع بالبلاد وبالمنطقة (الجزائر…). لذلك فإنه لا يبقى لي في آخر الأمر من الصحيفتين اللتين أدفع ثمنهما يوميا سوى أخبار “الكرة” والفنانين وإعلانات الأفراح والمآتم إضافة إلى بعض الأخبار التي لا تثير الإهتمام. ولعلمك فإنني ملزم يوميا بإرجاع الصحيفتين بعد قراءتهما وإلا فإنني لن أتسلم الصحيفتين القادمتين في اليوم الموالي. ولعلك تتساءل كيف يمكنني أن “أقتل” الوقت في مثل هذه الحال؟ إنني أستعين على ذلك باستعارة بعض الكتب من مكتبة السجن وهي عبارة على كتب ذات صبغة أدبية، غير ذات أهمية إذا استثنينا روايات نجيب محفوظ، وأنا مضطر إلى إعادة قراءة ما سبق لي أن قرأته من الروايات وأقاصيص أثناء دراستي الثانوية أو الجامعية. وفيما عدا ذلك فإنني أحاول النوم أكثر ما يمكن وإن كان هذا من الأمور الصعبة جدا في مثل صيف هذه السنة، كما أنني أخصص ساعات وساعات للتأمل ولو كان عندي ورق لحبّرت أوراقا كثيرة في مواضيع عدة. وبما أن الضوء لا يشعل إلا بعد السادسة والنصف أو السابعة، وبما أنه لا يمكنني قبل ذلك الاطلاع على الجريدة التي تسلّم لي في آخر النهار، لظلمة الزنزانة، فقد وجدت ما أتلهى به يوميا لفترة من الزمن. أستلقي على فراشي منذ دخولي من “الآريا” حوالي الخامسة والنصف وهي الساعة التي تغلق فيها أبواب الجناح (أنا آخر من يخرج إلى “الآريا”) وأظل مشدود العينين إلى “الفتحة” التي حدثتك عنها في البداية والتي توجد فيها “لمبة” الضوء. ولعلك تتساءل ما الذي يدعوني إلى فعل ذلك؟ ببساطة إنني أنتظر يوميا وفي ذلك الوقت بالذات خروج “وزغتين” كبيرتين من الحائط الواحدة تلوى الأخرى وأوّل حركة تقومان بها، حسب ما فهمتُ، هي تفقّد المكان للتثبّت من خلوّه من أيّ كائن غريب وذلك باسترقاق السّمع، فإذا ما تناهت إليهما أيّة حركة تقفلان راجعتين إلى جحريهما في السقف، وإذا لم تلاحظا أيّ شيء تهبّان جريا نحو بعضهما البعض وتتعانقان: يرتفع نصفاهما العلويان ويتحاكّان ويتشابك لساناهما ثمّ تنفصلان بعضهما عن بعض ويعود كلّ منهما إلى مكان انطلاقه ثمّ يعودان بعضهما إلى بعض ويتعانقان على طريقتهما من جديد لينفصلان مرّة أخرى ومن ثمّة تنهمكان في صيد ما يدور في فلكهما من حشرات صغيرة. وقد اكتشفت لأوّل مرة في حياتي أن “الوزغة” تصوّتُ وأن صوتها يشبه نقيق الضفادع! لقد أصبحت هاتان الوزغتان جزءا من عالمي في زنزانتي الانفرادية وأصبحت من دون أن أشعر أنتظر يوميا خروجهما. وبالمقابل فإنني ازددت نقمة على الذباب الكثير في المكان، لأنه ينهض مبكرا ويوقظني من نومي. وقد خسرت كل المعارك التي خضتها معه!! ولم يبق لي إلا أن أنتظر الشتاء عساه يقلّ، أو على الأقل لأتجنبه بوضع الغطاء على رأسي!! فوضع الغطاء الآن، في هذا القيظ الرهيب، يعني الاختناق. لم أحدثك إلى حدّ الآن عن تغذيتي، إنني أقتات في الأساس من المواد التي تمدّني بها راضية زوجتي في “القفة” بمعدل مرة أو مرتين بالخصوص من بعض الخضروات المسموح بها في هذا السجن (معظم السجون الأخرى يمنع فيها تلقي الخضروات) مثل الفلفل الأخضر والطماطم والخيار (البصل ممنوع)… فأغمس هذه الخضروات في شيء من الزيت وأتناولها مع الخبز، هذه وجبتي في أغلب الأيام. أما وجبتا السجن، واحدة في الغداء تقدم حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا والأخرى للعشاء حوالي الرابعة مساء (علما وأنه لا توجد في السجون التونسية وجبة لفطور الصباح) فإنني لا أتناولهما على العموم. تصوّر في مثل هذا الحر الشديد (أكثر من 40 درجة في بنزرت)، يقدم إلى السجناء كغداء “محمّصة” أو “مكرونة جارية وسخونة” والكل في إناء من البلاستيك يوفره السجين. إن مجرد رؤية ذلك تقطع شهية الأكل وتثير تصبّب العرق والعطش. وفي العشاء فإن الوجبة التي تكاد لا تتغيّر تتكوّن من قطع من البطاطا (إذا توفرت) والباذنجان والفلفل وحبّات من الحمص أو الجلبانة، والكل يعوم في بحر من المرق الذي تفوح منه رائحة “القروصيّة”، وإذا كان المساجين المتواجدون في الغرف الجماعية يتمكنون من إدخال تحسينات على هذه الوجبات أو حتى من إعداد وجبات خفيفة بدلا عنها (بيض، إلخ.) باستعمال “الفتايل”، وهي ممارسة موجودة رغم أنها محظورة، فإن متساكني جناح السجن المضيّق لا حيلة لهم بسبب الرقابة، إذ يمنع عليهم، عداي أنا، حتى امتلاك عود كبريت، وسأعود إلى أسباب ذلك لاحقا. لذا فهم مضطرون إلى أكل ما يقدم إليهم من وجبات كما هي أو الإلقاء بها في”صندوق” الفضلات. وأودّ أن ألاحظ لك أنني من وقت إلى آخر، ورغبة مني في “تبديل المطعم” كما يقال، أتناول البعض ممّا يقدّم إليّ، خصوصا في وجبة العشاء، لكنني سرعان ما أشعر بعد الأكل بمرارة في فمي، وقد كنت أظن أن الأمر لا يتعلق إلا بي لسبب من الأسباب غير أنني سمعت ذات يوم السجينين المحكومين بالإعدام، وهما الوحيدان اللذان يقومان بـ”الفسحة” (“الآريا”) مع بعضهما البعض، يشكوان من الطعم المرّ الذي تورثه وجبات السجن في الفم، دون أن يعرفا لذلك سببا. وعلى العموم فإن نوعية التغذية في السجون التونسية لم تتغير منذ سنة 1975 وهي السنة التي تم فيها تحسين طفيف لهذه التغذية بأن أصبح للسجين “الحق” مبدئيا في ثلاث وجبات في الأسبوع بها لحم، واحدة بالدجاج وأخرى باللحم البقري وثالثة بالحوت (سردينة ولا شيء غير السردينة) وقد ظل تطبيق ذلك في السجون مرتبطا بميزانياتها، إذ غالبا ما تعمد الإدارة إلى تعويض قطعة اللحم ببيضة لأنها تكلفها أقل، لذلك لا تزال القفة التي تجلبها العائلة للسجين أهم عنصر في غذائه، ولا يسمح بالقفة سوى ثلاث مرات في الأسبوع. وإنني لا أخفي عنك أن تغذيتي كانت في السبعينيات وفي هذا السجن بالذات أفضل ممّا هي عليه اليوم، ذلك أن الإدارة العامة للسجون، سمحت لنا وقتها بإعداد وجباتنا الغذائية بأنفسنا (كان مساجين السياسة لا يحشرون، كما هو الحال اليوم مع مساجين الحق العام). فكان لنا جهاز طبخ وجميع اللوازم الأخرى التي وفرتها لنا عائلاتنا بمالها الخاص، كما توفر لنا الخضروات والعجين واللحم، إلخ. وعليه فقد كنا نراعي، في الطبخ، بعض حالات المرض (قرح، سكري…). وعندما طالبت أخيرا بإمكانية الترخيص لي بإعداد وجباتي الغذائية بنفسي، مذكرا بما كان موجودا في السبعينيات، أثار ذلك دهشة مخاطبي من مدير وأعوان واعتبروه أمرا مستحيلا!! وازدادت دهشتهم عندما أعلمتهم بأن الإدارة وفرت لنا في آخر فترة من السجن “ثلاجة” للحفاظ على الأكل من الإتلاف والتعفن (1980). وليس هذا هو الجانب الوحيد الذي ساءت فيه ظروف اعتقالي الآن عمّا كانت عليه في السبعينيات. ظروف الزيارة تغيّرت أيضا، في اتجاه سلبي بالطبع. فلا يرخص لي بمقابلة عائلتي سوى مرة واحدة في الأسبوع. ومنذ أن نقلت إلى سجن الناظور تمّ فصل يوم الزيارة عن يوم “القفة” بهدف تشديد معاناة العائلة ماديا ومعنويا. كما عمدت الإدارة إلى تحديد ساعة الزيارة وهي منتصف النهار من كل خميس. وهذا الإجراء فريد من نوعه في السجون التونسية. إذ جرت العادة أن يعيّن يوم الزيارة فحسب على أن تتم خلال التوقيت الإداري ولا يخفى أن الهدف من هذا الإجراء هو حرماني من الزيارة أو التقليل منها إلى أقصى حدّ باعتبار أن من يعمل أو يدرّس من أفراد العائلة لا يمكنه أن يتنقل إلى بنزرت لتأدية الزيارة في مثل تلك الساعة. ولا تتجاوز مدة المقابلة عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة. وهي تجري بحضور عونين أو ثلاثة، البعض ينتصب إلى جانبي والبعض الآخر إلى جانب الزائر لمتابعة ما يدور من حديث بشكل دقيق، وفي بعض الأحيان يتولى عون تسجيل محتواه كتابيا. وإذا ما تمّ التعرّض لظروف الاعتقال يتدخل الحرّاس لتوقيف الزيارة. علما وأنها لا تتم بشكل مباشر في مكتب كما كان الحال في السبعينيات ولكن يفصلني عن عائلتي حاجز حديدي (شبكة grillage). وتعاني صغيرتاي، نادية وأسيمة، أيّما معاناة من هذا الوضع فهما تتساءلان باستمرار لماذا لا تقدران بل لماذا تحرمان من لمس أبيهما ومعانقته وتقبيله كما تعوّدتا على ذلك في الحياة العادية؟ أعلمتني راضية أنهما، كلما زارتاني إلا وعادتا إلى المنزل وهما تشعران بكبت كبير وحسرة عميقة لا يدرك كنهها إلا الأطفال، من جراء ذلك الفصل التعسفي بيني وبينهما. لا يكفي أنهما محرومتان من العيش بسلام مع أبيهما لأنه يحمل أو يعبّر عن قناعات مخالفة لقناعات السلطة القائمة وممارستها، فيسلط عليهما قمع إضافي بحرمانهما من مقابلته مباشرة! إن ظروف الزيارة في السجون التونسية هي من أتعس ما يمكن أن يوجد في سجون العالم. فهي حسب ما رأيت في سجن سوسة قبل نقلي، أو في سجن تونس، عند اعتقالي سنة 1992 لمدة شهر، لا تخفف الوطأة على السجين، بل تكدّره لأنها تجري من وراء حاجز لمدة دقائق معدودات ووسط ضجيج لا يوصف لكثرة عدد المساجين الذين يُزارون في الآن نفسه، ممّا يضطر الزائر والمُزار إلى الصياح عساهما يسمع بعضهما البعض! لذلك فإن كان السجين يريد أن يتحدث مع عائلته أو زوجته أو أطفاله على شأن ما، فإنه لا يقدر، فيعود إلى زنزانته مغموما، مهموما أكثر ممّا كان قبل الزيارة. عندما حضرت المحامية المصرية، الأستاذة تهاني الجبالي، إحدى جلسات محاكمتي بسوسة (استئناف) بتكليف من إتحاد المحامين العرب سألت زوجتي إن كان يرخص لها بمقابلتي مباشرة والبقاء معي أو بالأحرى الاختلاء بي في غرفة خاصة، فلما أجابتها بالنفي استغربت مضيفة أنه في مصر، يُمكّن حتى الإرهابيون من الجماعات التكفيرية من معاشرة زوجاتهم بالسجن في فترات معينة. وهذا الأمر معمول به في عدة بلدان من العالم، البلدان التي عرفت تشريعاتها السجنية تطورا مشهودا في تناسب مع تطوّر مفهوم حقوق الإنسان. إنني أجدّ ذلك أمرا مشروعا وتقدميا على غاية من الأهمية. ويكفي أن أطرح المسألة من زاوية فقط، أليس من حق الزوج (couple) أن يكون له أطفال، في صورة وقوع أحد الزوجين في السجن لمدة طويلة قد يصبح بعدها الإنجاب مستحيلا، لأسباب طبيعية مثلا؟ أليس تمكينهما من ذلك، في صورة رغبتهما، من العوامل التي تساعدهما على صيانة علاقتهما؟ ولا يعدّ سرا إذا قلت لك أنني وزوجتي كنا نفكر جديا في إنجاب طفل ثالث، لما هبطت عليّ عصى القمع من جديد. وأنني إذ أثير هذا الجانب من حياتي الشخصية فلتأكيد أن القمع، قمع الحريات في بلادنا، لا يحرم الإنسان من التمتع بالحريات العامة، وفي العيش في منأى عن الاضطهاد فقط، بل يحرمه في بعض الأحيان حتى من تحقيق بعض أحلامه وأمانيه البسيطة، والأكثر طبيعية، أن ينجب طفلا!! ولذلك فإن كسب معركة الديمقراطية لا يعود بالفائدة على أفراد الشعب في حياتهم العامة فقط بل أيضا في كل ما يتعلق بذواتهم، حياتهم العائلية، تربية أطفالهم، تحقيق أحلامهم وأمانيهم الصغيرة والكبيرة وفي شعورهم بالأمن والإطمئنان. ومن ناحية أخرى ومنذ أن نقلت إلى سجن الناظور، فإن رسائلي إلى أهلي وأقاربي وإلى صغيرتيّ وزوجتي، أصبحت لا تصل!! أقضي آخر الأسبوع في نهاية الأسبوع تسلّم إلي نصف ورقة صغيرة وقلم لكتابة الرسالة وتسليمها يوم الإثنين صباحا في تحبير الرسائل لأعلم لاحقا أنها لم تتجاوز عتبة السجن!! وليس في ذلك من غاية سوى تشديد العزلة عليّ. فلا رسائل تبعث ولا أخرى تُرد. والإدارة تبذل قصارى الجهد حتى لا تتسرب أية معلومة حول ظروف اعتقالي. ولولا زيارة المحامين لبقيت جلّ ظروفي سرّا بين حيطان السجن الأربعة. فمن حسن حظي أنني عقبت الأحكام الصادرة ضدي. ومن حسن حظي أيضا أن لي قضية قديمة (جانفي 1992) مازالت تجري وهو ما يمكن المحامين من زيارتي من وقت لآخر. وحتى بالنسبة إلى هذه الزيارة ما انفكت الإدارة تستنبط الطرق والأساليب للتضييق عليها، باستفزاز المحامين من قبل المدير نفسه: تركهم في الانتظار خارج السجن، تحديد وقت زيارتهم (ربع ساعة) ثم التجسس على ما يدور بيني وبينهم من حديث رغم أن قانون السجون ينص على سرية المقابلة بين المحامي ومنوبه!! فالمكتب الذي تتم فيه الزيارة صغير جدا فيكلف عون أو عونان بالانتصاب أمام الباب أو بجانبه قصد التنصّت. ووصل الأمر حتى إلى محاولة فرض كيفية الجلوس حول الطاولة أثناء الزيارة حتى أكون أنا من جهة الباب ليسمع الحارس ما أقوله. ولم تكف التضييقات رغم احتجاجاتي واحتجاجات المحامين المتكررة. أمرّ الآن إلى الحديث عن ظروفي الصحية. لم أتمكن إلى حد هذه الساعة إلا من مقابلة طبيب عام. وهو بالطبع لا يحل مشكلتي، فأنا في حاجة إلى أخصائي في مرض الكلى. إن أوجاع الكلى أصبحت تلازمني ومن حسن الحظ أنها لا تزال خفيفة، لا تمنعني من النوم، على عكس بعض الفترات الصعبة التي عشتها في سجن سوسة قبل إنزال حصاتين من كليتي اليمنى. إن الطبيب العام لا يقدر على إعطائي أكثر من مسكنات والقيام ببعض التحاليل (بول ودم) للتثبت من احتمالات التعفن في إحدى الكليتين أو في المجاري البولية. علاقتي بالطبيب الحالي عادية وعلى ما يبدو فإنه حديث العهد بالسجن أي أنه لم يصبح بعد “طبيبا سجنيا” بأتم معنى الكلمة وهو ما لا أتمناه له مطلقا. فما يميّز “الطبيب السجني” الحقيقي عن بقية الأطباء أنه يتحوّل مع مرّ الأيام، وبطول المدة من طبيب فقط إلى “طبيب سجان” أو “سجان طبيب”، لا يهم التقديم أو التأخير!! وما أن يكسب هذه الصفة الجديدة حتى تتغير علاقته بالسجين المريض. سوء النية يسبق من هناك فصاعدا حسن النية. فكل سجين مريض يصبح في رأيه أو حسب حاسته الجديدة متمارضا. وينجرّ عن ذلك أنه لا يكلف نفسه عناء فحصه بدقة، عدا بعض الحالات الخطيرة الواضحة، ويكتفي بإعطائه بعض الأدوية التي أصبحت مثل “زهم النعام”، تعطى لكل مريض!! وهذا السلوك يدخل أيضا في حساب علاقة الطبيب المعني بالإدارة التي تريد الحدّ أقصى ما يمكن من المصاريف ومن نقل المساجين إلى المستشفيات، لإجراء فحوص أو للإقامة قصد العلاج. لذلك فإن الطبيب الذي “يلقط في خبزة” يجب عليه مراعاة ذلك لتجديد عقده مع الإدارة!! وهكذا فإنني مضطر إلى تحمّل أوجاع الكلى. كما أنني مضطر إلى تحمّل الأوجاع التي أصبحت تنتابني بشكل مستمر شاملة كامل الشطر الأيسر من جسمي، من الرأس إلى أخمص الساق. إنها ناجمة عمّا تعرّضت له من تعذيب في السبعينيات لكنها خمدت وتحسنت حالتي بعد العلاج الذي تلقيته في فرنسا. ثم عادت تلك الأوجاع بحدة بعد الضرب الوحشي الذي سلطوه بالخصوص على رأسي لمدة ساعات بمحلات “سلامة أمن الدولة” بوزارة الداخلية في بداية إيقافي. تصوّر أنني أصبحت أفضل أن أبقى ممددا على فراشي لمدة ساعات، دون حركة، عسى أن تخف تلك الأوجاع ولو لفترة قليلة من الزمن. وعلى العموم فإنني أصبحت لا أنعم إلا بأوقات قصيرة تهدأ فيها تلك الأوجاع نسبيا وربما لو كان عندي مجال للقيام بأيّ نشاط رياضي في ساحة الجناح لعاد ذلك بالفائدة علي. إنني أكتفي بالقيام بحركات على السرير لتنشيط رجلي ويدي اليسرتين اللتين أشعر فيهما بشيء من الارتخاء. أمّا بالنسبة للقلب، فإنني أتناول مسكنا كلما شعرت بالإرهاق. وكما ترى فإن كل أتعابي الصحية مصدرها اعتقالي منذ السبعينيات. فمرض الكلى تأتّى لي من ماء “الناظور” غير الصحي. والإصابة في شطري الأيسر ناجمة عمّا تعرّضت له من تعذيب وحشي عندما اعتقلت سنة 1972 وفي سنة 1974 بالخصوص. وإنني لا أستبعد أن يكون أحد أسباب الإرهاق الذي أعاني منه في القلب، إضرابات الجوع العديدة التي خضتها مع رفاقي ومنفردا في السجون التونسية التي أصبحت أعرف معظمها، بل أن بعض الجهات لا أعرف منها إلا سجونها. وأخيرا وحتى تكون لك نظرة شاملة عن ظروف اعتقالي راهنا لا بد لي من أن أعرّج على “المحيط” الذي أعيش فيه داخل السجن المضيق. قلت لك إن هذا الجناح مكوّن من خمس زنزانات وإنني أشغل الزنزانة رقم 4، بقية الزنزانات الأربع يسكن إثنين منها (رقم 2 ورقم 3) محكومان بالإعدام وهما كهل يدعى خليفة ب. يتجاوز الخمسين (53 سنة) أصيل الرديّف وعامل بمنجمها، متهم بقتل زوجته الحامل التي “ضبطها” متلبسة مع “عشيقها”، والثاني شاب يدعى فؤاد ب. د. وسيم في مقتبل العمر (حوالي 27 سنة)، متوسط القامة، نحيف الجسم، متهم بقتل شخص من أجل حفنة من المال. وهذان السجينان ينتظران تنفيذ الحكم فيهما منذ مدة طويلة نسبيا بعد أن أيّدت محكمة التعقيب الحكمين الصادرين ضدّهما. ولعلمك فإن عدد المحكومين بالإعدام ما انفك يتكاثر. وهم موزعون على السجون الرئيسية: تونس والمهدية، الناظور1 والناظور2 ببنزرت وسجن القصرين. المحكوم بالإعدام في تونس يعزل، منذ يوم صدور الحكم عليه، عن بقية المساجين، في زنزانة انفرادية ويجرّد من كافة أدباشه التي كانت على ملكه ويفرض عليه لباس “كسوة الحاكم” حسب “لغة” المساجين، وهي عبارة عن بنطلون وقميص زرقاوين داكنين. كما تقطع كل علاقة له بالعالم الخارجي، فلا زيارة ولا “قفة” ولا رسائل ولا “ماندة”. وفي سجن الناظور كما في السجون الأخرى يعيش كل محكومٍ بالإعدام معزولا في زنزانته موثوقا، كامل الوقت الذي يقضيه فيها، إلى سريره بسلسلة حديدية، توضع، حسب اختياره، في يده أو رجله وتغلق بمغلاق “شرلية” ولا يفك من أغلاله إلاّ عندما تفتح الزنزانة للقيام بفسحته اليومية أو إذا أراد، خلال الأوقات الإدارية، قضاء بقية حاجاته البشرية. أمّا عندما يغلق جناح السجن المضيق أبوابه في الحادية عشرة والنصف صباحا إلى الثالثة والنصف بعد الزوال ومن الخامسة مساء إلى الثامنة والنصف أو التاسعة صباحا فالمحكوم مضطر إلى التبوّل في قارورة “بلاستيك” وإلى “مسك أعصابه” و”التحكم في نفسه” إذا أراد قضاء “الحاجة البشرية الأخرى” حتى ساعة فتح الأبواب. وإذا كان يعاني من إسهال مثلا فهو مضطر إلى أن “يعملها” فوق أرضية الزنزانة! ويمنع على المحكوم بالإعدام أيضا أن يحتفظ بأعواد ثقاب وبالسجائر بزنزانته. العون أو “الكبران” هو الذي يشعل له السجائر خلال التوقيت الإداري. وهو يتعرّض للمراقبة المستمرة ويخضع سريره من وقت لآخر لتفتيش دقيق، بحثا عن عود ثقاب (“وقيد”) أو سيجارة أو أيّ “ممنوع” بلغة السجن، قد يكون تسرّب إليه بطريقة ما. كل هذه الإجراءات ليس لها من غرض يا صديقي سوى “الحفاظ” على حياة السجين المحكوم عليه بالإعدام، نعم “الحفاظ على حياته” التي سيفقدها بعد مدة!! إن حياة المحكوم بالإعدام تصبح لها، في نظر الإدارة السجنية ومن ورائها الدولة، أهمية خاصة منذ الساعة التي يصدر فيها عليه ذلك الحكم! فتتخذ كافة الاحتياطات كي “لا يؤذي” السجين نفسه، وبالأخص كي لا ينتحر، كي لا يفكر مثلا في صنع حبل من غطائه، يشنق به نفسه، وذلك أهم مبرر لربط المحكوم بسلسلة في سريره، فمشنقة الدولة هي الوحيدة المؤهلة للالتواء على رقبته “في اليوم المحدد”. وقد يحظى المعني أيضا بـ”عناية” لم يظفر بها عندما كان موقوفا، قبل أن يقول قاضي الجنايات: “ولذلك حكمت المحكمة بإعدام المتهم شنقا”. فيعطونه “راسيون لحم أو صبة دوبل” ويزوره الممرض كي يسأله إن كان يحس بمرض، ويفتح “الكبران” والعون المكلف بالحراسة أعينهما كي لا يتسرّب إلى المحكوم طعام من خارج الجناح، حتى من عند “أهل الخير”، من عند بعض المساجين الذين يرومون “ربح حسنة” عسى “الخالق يراعيها فيخفف عنهم الحمل” كما يقولون. والإدارة تخشى أن يكون الطعام مسموما فيتسبّب في موت المحكوم بالإعدام قبل أن تمارس عليه الدولة حقها في إماتته. المهم أن يبقى المحكوم بالإعدام في “صحة جيدة”، أن لا يصاب بما يعجّل بموته قبل “اليوم المحدد”. ولا تعتقد أن الإدارة يهمها في شيء الحالة المعنوية للمحكوم، الذي يمكن أن يبقى سنوات، معزولا موثوقا إلى سريره أو إلى الحائط (كما هو الحال في سجن تونس الذي لا توجد أسرّة في جناحه المضيّق). ما يهمّها أوّلا وآخرا حالته الجسدية، أن تكون أعضاء جسده بخير. فمشنقة الدولة لا تريد أن تلتف على جسم معلول، على “نصف جسم”، على شخص نصف ميت، بل على جسم كامل الحياة، حتى يكون لعملية القتل التي سترتكبها باسم القانون، معنى، وهكذا ترى يا صديقي أيّ مفارقة تواجه الإنسان عندما يتعلق الأمر بمحكوم بالإعدام. فالمشنقة هي التي تكسي حياته، أهمية خاصة طوال فترة من الزمن بطبيعة الحال!! وهذا ليس سوى وجه ولكنه أساسي، من الوجوه الفظيعة للحكم بالإعدام الذي يمثل أبناء الطبقات والفئات الفقيرة ضحيته الأساسية، لأسباب كثيرة لا فائدة في ذكرها الآن. إن الشخصين المحكومين بالإعدام، في جناح السجن المضيّق بالناظور يقضيان ما تبقى لهما من أيام على النحو الذي ذكرته لك!! وكثيرا ما يحصل أن أسمع الشاب الذي يشغل الزنزانة المجاورة لي (رقم 3) يقرأ القرآن ليلا وعلى مدى ساعات طويلة. ثم يختم ذلك بسلسلة من الأدعية وفي بعض الأحيان يلجأ إلى ذلك خلال النهار، بعد غلق الأبواب على إثر الحصة الصباحية. وحدث أن استيقظت في الأيام الأخيرة مبكرا (حوالي الساعة الخامسة صباحا) فسمعته يتلو القرآن. وقد فهمت أنه يفعل ذلك لمقاومة الأرق أوّلا، ولا شك أنك تدرك أنه من الصعب على محكوم بالإعدام ينتظر في كل لحظة أن ينقل إلى تونس ليشنق، من الصعب عليه أن ينام بسهولة، وأن لا يشك في كل حركة خارج الأوقات الإدارية. فهو يشعر في كل “تدويرة مفتاح” في باب جناح السجن المضيق، أنه المقصود. كما يتشكك في كل سؤال يطرحه عليه “الكبران” أو العون أو الممرض ولو بصورة عفوية فيعتقد أن طارح السؤال يخفي عنه “خبرا”. إن حياة المحكوم عليه بالإعدام هي حياة ملأى بالأرق والعذاب النفسي. إنها عبارة عن موت بطيء. يكلل في النهاية بموتة حاسمة وفجئية ربّما هي أخف وطأة من الموتة الأولى البطيئة. ذات يوم وأنا أستمع إلى ساكن الزنزانة رقم 3 يردّد سلسلة من الأدعية، متضرعا، منتحبا، كاشفا عمّا يعانيه من عذاب نفسي، خطرت ببالي قولة لبطل رواية “الياطر”، لحنا مينا، زكريا المرسنلي. لقد قال وهو يتعذب في الغابة التي فرّ إليها بعد أن بعج صاحب الحانة اليوناني “زخريادس” بسكين فأرداه قتيلا في لحظة حنق وغضب، قال ما معناه “لو عاد المقتول إلى الحياة، ورأى العذاب الذي يعانيه قاتله لسامحه”. قلت لك إذن أن السبب الأول لتلاوة جاري القرآن وترتيل الأدعية هو محاربة الأرق والبحث عن شيء من الراحة يدفعه للنوم، أما السبب الثاني فهو البحث عن “المغفرة”. إعلم أنه ليس ثمة مكان ينغرس فيه مبدأ “كل شيء بمشيئة الله وقدرته” في نفوس البشر أكثر من السجن. فالسجين، وليس سجين الحق العام فقط بل حتى بعض أصناف السجناء السياسيين أيضا، يعتقد أن دخوله السجن “مقدّر من الله” وأن المدة التي حكم بها عليه، “مكتوب من الله” وأن أبواب السجن ستفتح أمامه بـ”مشيئة الله”. وتعمل الإدارات السجنية على غرس ذلك في نفسية السجين، خاصة المحكوم عليه بمدة طويلة أو بالإعدام، لـ”ترويضه” وإخضاعه، وصرفه عن إمكانية الاحتجاج أو وعي مسؤولية النظام الإجتماعي والسياسي والثقافي عن الحالة التي وصل إليها. إنّ العديد من الجرائم سببها الفقر. والعديد من الجرائم الأخرى سببها أنماط التربية والثقافة والعادات والتقاليد أو الكبت أو غياب الحريات، وانعدام قنوات الحوار والنقاش الديمقراطيين داخل المجتمع. والسجين العادي يفضل اللجوء إلى الغيب، عن أيّ سبيل آخر يعتبر أن فيه “تكسير راس”. فالله الذي “قدّر كل شيء” له من القوة أيضا ما يجعله يأمر بن علي في المنام أو في اليقظة بتحويل حكم الإعدام إلى مؤبد أو بالحط من العقاب وبإطلاق السراح!! وإنني أطلب منك وسع البال، لأروي لك حادثة جدت لي بسجن سوسة. سمعت سجين حق عام (هو في نفس الوقت “كبران الشمبري”) كان على أبواب المثول أمام محكمة الجنايات بتهمة مسك واستعمال وترويج المخدرات يتلو آية قرآنية ويرددها مرة أولى وثانية وثالثة (وكان يقطع تلاوة الآية بالصراخ وسبّ الجلالة لإسكات المساجين ومطالبتهم بالرقاد) وبما أنه كانت تربطني به علاقة طيبة، دفعني الفضول إلى سؤاله عن سبب تكرار هذه الآية بالذات وهي من سورة “يس”: “وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون” (سورة يس – آية 9) فأجابني أن في الأمر “سرا” لا يعرفه إلا “الكراكجية” الكبار، مضيفا أنه سيتلو هذه الآية في صدره عندما يكون في قفص الاتهام وهو ينظر في عيني رئيس المحكمة. فتلاوة هذه الآية كافية “إن شاء الله” أن تربكه وترهبه “من حيث لا يدري” فيأذن بالإفراج أو تأجيل القضية لوقت مناسب، لذلك عليه أن يحفظ الآية المذكورة “عن ظهر قلب”. ومثل هذا السجين أمام المحكمة وتلا آيته ولم يفرج الحاكم عنه. ومع ذلك لم ييأس، وقال لي بكل ثقة “ربما تخطف المرة الجاية”. وسمعت لاحقا أنها لم تخطف وحكم عليه بست سنوات سجنا!! رويت لك هذه الحادثة لتقف على عمق انغراس الشعور الغيبي في نفوس المساجين ولتعرف دواعي ترتيل جاري للقرآن وترديده للأدعية. وما ذلك السجين إلا صورة لمجتمعنا ككل. فالإنسان الذي لا يجد الحلول العقلانية للمشاكل والقضايا التي تواجهه في الأرض، يلجأ، نتيجة الوعي المتدني، إلى السماء! كما أنه من السهل على إنسان في مثل هذا الوضع أن يربط نفسه بقوة غيبية، يسخّر لها حياته، ويرهنها بين يديها لتفعل بها ما تشاء، من أن يربط نفسه بمبدأ عقلاني، واقعي، يستمد قوته ممّا يبذله الإنسان من أجله من تضحيات ويواجهه من صعوبات وتعقيدات يعصر مخه من أجل تحليلها وفهمها وحلها الحل الذي يقرّبه من ساعة الخلاص الحقيقي لا الوهمي. أعذرني يا صديقي عن هذه الاستطرادات فأنا في حاجة إلى الكلام. ولا شك أنك تفهم ذلك وها إنني أعود بك مجددا إلى عالم جناح السجن المضيق، لأواصل ما بدأت فيه من حديث عن “المحيط” الذي أعيش فيه في زنزانتي رقم 4. يسكن الزنزانتين المتبقيتين (رقم 1 ورقم 5) المساجين المعاقبون. والسجين في “الناظور” يعاقب لأتفه الأسباب. أحيانا لمجرّد خلاف مع عون أو الرقيب المكلف بالجناح أو لمجرد المطالبة بحق من حقوقه. وإذا كان الفصل 15 من قانون السجون ينص على ضرورة إلتآم مجلس تأديب متركب من مدير السجن بصفة رئيس وعضوية مساعد مدير السجن والمرشد الاجتماعي والعون المعاين للمخالفة وسجين “حسن السلوك” يقع اختياره من طرف مدير السجن من نفس الغرفة التي يقيم بها السجين المخالف، للنظر في المخالفة المرتكبة وتقرير عقوبة المناسبة، فإن الأمور تتم بسجن “الناظور” وغيره من السجون بصورة اعتباطية، دون مراعاة حتى لهذه الشكلية. فالسجين يوضع رأسا في جناح السجن المضيق دون أن يلتئم ذلك المجلس، بل بمجرد أمر من المدير أو من أحد مساعديه، وهو ما جعل المساجين يصفون إدارة سجن الناظور بأنها “عصابة في جبل” تحكم “بشرعها”. وإذا كان القانون ينص أيضا على أن يعزل السجين المعاقب في “غرفة انفرادية” تتوفر فيها التجهيزات الأساسية والصحية، فإن الأمور تتم في الواقع على غير تلك الصورة، بل بوحشية خليقة بالقرون الوسطى. فما أن يُؤتى بالسجين حتى يجرّد من كامل ملابسه ويفرض عليه ارتداء زيّ سجني على غاية من القذارة تبعث منه روائح كريهة لا تطاق، لأن الأزياء في جناح السجن المضيّق يتداولها المعاقبون دون أن تغسل. يستلقي السجين على ظهره فوق السرير الحديدي المثبّت في الأرض ثمّ يوثق به من إحدى رجليه ومن كلتا يديه (كلّ يد في جهة وكأنه في وضع صلب) بسلسلة حديدية. ويبقى هكذا ممددا على قطعة من “الموس” (mousse) ليلا نهارا. ولا تفك أغلاله إلا حين يؤتى له مرة في كل أربع وعشرون ساعة بـ”كسكروت” (قطعة من الخبز فيها مرق وبطاطا أو باذنجان) قد يمتنع البعض على مناولته لكلبه. فيستغل السجين هذه الفرصة لقضاء حاجته البشرية. وما أن ينتهي من الأكل حتى يعود إلى وضعه السابق. ومن أشنع ما رأيته في هذا السجن اضطرار المساجين المعاقبين إلى قضاء حاجتهم البشرية في ملابسهم، خاصة في الأوقات التي يغلق فيها الجناح، وفي بعض الأحيان يكون دفع السجين إلى تلك الحالة متعمّدا من بعض الأعوان، حتى في الفترات النهارية، بغاية إذلاله وتحويله إلى موضوع تندّر بين المساجين ولا تتصور أن في ما أقوله ذرّة من المبالغة. في الآونة الأخيرة تعالى صياح سجين بالزنزانة 5 المجاورة لي، طالبا حضور أعوان الحراسة بعد أن أغلق الجناح في الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا. ولما جاء أحد الأعوان وفتح عليه الباب قال له السجين “أعمل معروف، راني تغصرت قضيت حاجتي في دبشي، خليني نبدل الزيّ”. وكان السجين كهلا يتجاوز الخمسين من عمره، نهره العون وشتمه ثم أغلق عليه الباب قائلا “هذا علاش جبتني من السماء السابعة”، وانصرف. ولا يحق للسجناء المعاقبين أن يغتسلوا فهم يقضون فترة العقاب كالحيوانات، تنبعث منهم ومن زنزاناتهم روائح كريهة. فلا تغيير للزيّ الوسخ الذي يعطى لهم من أول يوم، ولا حق لهم في صابون أو منديل أو أيّ أداة من أدوات النظافة. ولا تعتقد أن الإدارة تحترم المدة المنصوص عليها في القانون، كمدة قصوى لا ينبغي بأيّ حال من الأحوال تجاوزها (10 أيام عزلة). فقد حضرت على سجناء بقوا معزولين، في الأوضاع التي ذكرتها، أكثر من 20 يوما (24 و27 يوما). فالأمر تحكمه أهواء المدير ومزاجه، لا غير. فهو الذي يعاقب، وهو الذي “يغفر ويسامح” متى عنّ له ذلك! ومن بين هؤلاء المعاقبين مثلا، سجين من تونس العاصمة يعمل بورشة السجن، وهو محكوم بالمؤبّد في قضية قتل. أصبح نجّارا ماهرا، يصنع بيوت نوم راقية تبيعها إدارة السجون بمئات الدنانير بينما هو لا يتقاضى شهريا أكثر من تسعة دنانير توضع على ذمّته في حسابه في “القنوة”. وقد عثر لديه على “صاشي نيسكافي” صغير يصلح لإحضار قهوة واحدة. وبما أنّ الإدارة هي المخوّلة وحدها لبيع القهوة للمساجين (“قهوة ماء”) وهو ما يمكّنها من جمع أرباح طائلة فإنه يمنع الحصول بأيّ طريقة كانت على القهوة أو الشاي. وقد تعرّض السجين المذكور للعقاب الأكبر من ثلاثة أسابيع. كان المدير يأتي يوميا ليجلده لمعرفة من زوّده بـ”صاشي النيسكافي”، وكان هو يرفض الوشاية، خوفا من الأضرار بالسجين أو العون الذي وفّره له. القانون يمنع كما تعلم، ممارسة كل أشكال التعذيب الجسدية والمعنوية ويعتبر ذلك من باب “تجاوز السلطة” ويعاقب عليه بالسجن. لكن ذلك لا يمنع من أن يكون التعذيب ممارسة شائعة وممنهجة في سجن الناظور خاصة وفي سجون تونس عامة، كما هو الشأن في محلات البوليس والحرس وبالخصوص في محلات البوليس السياسي. إن أتعس اللحظات بالنسبة إلى المساجين المعاقبين هي تلك التي “يزور” فيها المدير الجناح، وهو ملازم أول شاب متخرج من الأكادمية العسكرية يدعى هشام العوني. يأتي المدير عامة في زيّ «combat » مسلحا بـ”ماتراك” طويلة، مصحوبا ببعض مساعديه وينهال ضربا على ضحاياه سواء في زنزاناتهم وهم مقيدون أو في ساحة الجناح وهم مغلولو الأيدي. وتنطلق من حناجر هؤلاء الضحايا صرخات ألم وإستغاثة. ولا يتركهم المدير إلا وقد “طاب لحمهم” وازرورقت أعينهم وأصبحوا غير قادرين على المشي (فلقة). وبالطبع فأنا أتابع كل ذلك من زنزانتي كما يتابعه بقية “سكان” الجناح فتتوتر أعصابنا ويطير عنا النوم، خاصة وأن زيارات المدير تجري في أغلب الأحيان خارج أوقات العمل، بعد أن يكون كل السجناء عادوا إلى غرفهم أو زنزاناتهم. وقد احتججت أكثر من مرة على هذه الممارسات وتبادلت حتى السباب والشتم مع المدير أو بعض مساعديه دون جدوى، بل وقع تهديدي بالتعذيب. ولعلك تتساءل عن ردّة فعل السجناء إزاء تعسف المدير وإدارته؟ لتعلم أن سجن الناظور معروف بكونه “سجن المنسيين”. فهو في جبل خارج بنزرت كان ثكنة عسكرية في عهد الاستعمار الفرنسي والسجناء المعتقلون فيه، هم من أولائك المحكومين بمدد طويلة جدا (خصوصا بالمؤبد) كما أنهم عامة من أوساط فقيرة ومن جهات بعيدة. لذلك تصعب زيارتهم من أهاليهم. وهذا عامل يشجع الإدارة، التي يصفها السجين بـ”عصابة في جبل”، على التعسف عليهم. ثم إن السجين ليست له أية وسيلة جدية لإيصال احتجاجه خارج السجن. فحتى لو فكر في توجيه رسالة إلى رابطة حقوق الإنسان أو أيّ هيئة إنسانية أخرى فإنه يعرف أن هذه الرسالة لن تتجاوز أسوار السجن إضافة إلى أنه سيتعرض بسببها لـ”متاعب” جديدة. وهو لا يفكر مطلقا في تقديم شكوى للإدارة العامة لأنه يدرك جيدا أن ما تمارسه الإدارة المحلية ليس خافيا عليها باعتباره شائعا وممنهجا في السجون كافة. لذلك فمن أهم وسائل الاحتجاج التي يمارسها السجناء في الناظور كما هو الحال في السجون الأخرى (وحتى في مراكز الأمن) هو الاعتداء على ذواتهم وبالخصوص تعمّد قطع عروقهم و”تشريح” أجسادهم بشفرة حلاقة يتدبرونها أو بقطعة حديد يشحذونها، وتتحول إلى سلاح عندهم (“شيركو” بلغة السجن). كما يعمدون أيضا إلى “تفشيخ” رؤوسهم على السرير الحديدي أو على الحائط. وكلها وسائل لاجتناب التعرض للتعذيب المبرّح أو للمطالبة بالخروج من “السيلون” (الزنزانة) أو لإيصال مطلب من المطالب. ففي شهر جويلية/أوت 1994 مثلا جيء إلى الزنزانة 5 المجاورة لي بسجين مضرب عن الطعام (دام إضرابه 21 يوما) احتجاجا على حكم صادر ضده في قضية اغتصاب يؤكد أنه لم يرتكبها. في اليوم السادس من الإضراب زاره المدير وانهال عليه ضربا بـ”الماتراك” وهو مقيّد في سريره فلم يجد من وسيلة للإفلات من التعذيب سوى “تفشيخ” رأسه على حافة السرير الحديدي. وقتها كف المدير عن تعذيبه وانصرف. وأمكن لذلك السجين مواصلة إضرابه في وضع سجين معاقب رغم أن القانون لا يعتبر المضرب عن الطعام معاقبا، بل ينص فقط على عزله ووضعه تحت المراقبة الطبية، وتمكينه من مراسلة الجهة المعنية لشرح وضعيته. لكن القانون في واد والممارسة في واد آخر. وقد عُومِلْتُ شخصيا في ماي الماضي (1994) في سجن تونس كمعاقب عندما وقع نقلي إليه من سجن سوسة وأنا مُضرب عن الطعام. فأوثقوني من رجلي في الحائط ليلا نهارا، وألزموني بلباس “كسوة الحاكم” والبقاء حافيا والنوم على الإسمنت، ومنعوني من الاغتسال ومن الحركة. وكنت أضطر إلى التبول على عين المكان مع العلم أنّ القانون ينصّ على ضرورة معاملة حتى المعاقب “معاملة إنسانية” ويمنع تعذيبه أو إهانته، إلخ. فالعزلة مع الحرمان من زيارة الأهل وتلقي القفة مدة عشرة أيام، هي مضمون العقوبة المنصوص عليها في الفصل 15 من قانون السجون، لكن الإدارة لا تلتزم بذلك فنظام بن علي أصدر “قانون السجون” ووقّع على بعض الاتفاقات الدولية (اتفاقية مناهضة التعذيب…) إرضاء للرأي العام الخارجي وللظهور بمظهر النظام الديمقراطي بغرض الحصول على القروض والإعانات واستجلاب الاستثمارات. وما دمت أتحدث عن ردود فعل مساجين “الناظور”، عمّا يلحقهم من اضطهاد، لا بدّ أن أذكر لك ما حصل في شهر ماي الماضي أي قبل مجيئي إلى هذا السجن فقد سحبت الإدارة “القوامل” « les gamelles » الموضوعة على ذمة كل “غرفة” يستعملها المساجين لتسخين الأكل على “الفتيلة” وهو “امتياز” يتمتّع به مساجين هذا السجن لطول المدد المحكوم بها عليهم لذلك واحتجاجا على هذا التضييق عمد السجناء إلى الاعتصام “بغرفهم” وفي إحداها وجرّاء ما حصل لهم من توتر، عمد 8 مساجين إلى قطع “عروقهم” وجمعوا دماءهم النازفة في إناء “بلاستيك” وصبوها على وجه أحد مساعدي المدير المعروف بوحشيته ويدعى “بن عياد” وهو خرّيج جامعة! ولم يوضع حدّ لذلك الاحتجاج إلا بعد تدخل من الإدارة العامة والوعد بتحسين ظروف الإقامة. لكن عددا من السجناء لم يفلتوا من القمع، بعد أن هدأ الوضع. فنقلوا إلى سجون أخرى نقلا عقابية. وهكذا أكون قد حدثتك، يا صديقي، عن الظروف المحيطة بي في جناح السجن المضيق. فأنا أعيش كما ترى في عزلة تامة. وفي صمت مطبق يخرقه من وقت إلى آخر صراخ المساجين المعذبين وصياح المدير وشتائمه، إضافة إلى تلاوة جاري في الزنزانة رقم 3 بعض الآيات القرآنية وترديده سلسلة من الأدعية و”طنقنقة” جارتيّ “الوزغتين”. إن ظروف اعتقال السجناء السياسيين في السبعينيات كانت أفضل من الظروف الراهنة. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن كل التحسينات في السبعينات اكتسبت بالنضال. ولا يمكن أن يشذ الأمر عن ذلك الآن طالما أن الظروف السياسية العامة لم تتغير. لذلك فأنا عاقد العزم على مواصلة النضال من أجل تحسين أوضاعي السجنية فضلا عن المطالبة بإطلاق سراحي. ولن يثنيني أيّ شيء عن ذلك لا العزلة ولا القمع. لقد هددني المدير منذ الأيام الأولى لنقلتي بالتعذيب وبالإهانة و”التمرميد” إذا لم “أحترم نفسي” (معناه بلغة السجن الخنوع والخضوع). وقد أجبته: “إن حبل المشنقة ذاته ليس كافيا ليثنيني عن الدفاع عن حقوقي وعن كرامتي”. وما من شك أنك ستلاحظ من خلال ما وصفت لك من ظروف اعتقالي، تلك الهوة السحيقة التي تفصل بين الخطاب الرسمي والقوانين من جهة وبين الواقع من جهة أخرى. إن الخطب وبعض القوانين “الجميلة” ليست سوى وسيلة لتغطية الواقع المزري للحريات وحقوق الإنسان في بلادنا، أمام الرأي العام الداخلي وخصوصا الخارجي. إنك تعلم أنني عذبت تعذيبا وحشيا عند إيقافي بمحلات البوليس السياسي، رغم أن القانون يمنع التعذيب، ولفقت ضدي تهم باطلة بإيعاز من كبار المسؤولين في الداخلية والأمن وربما من بن علي نفسه، رغم كثرة الحديث عن “دولة القانون”. وحوكمت محاكمة جائرة لم يكن فيها للقضاء من دور سوى صبغ ما قررته السلطة التنفيذية لي من حبس، بصبغة قانونية، رغم كثرة الخطب حول “استقلالية القضاء”. ثم ها إنني كما ترى أعيش في سجن الناظور في ظروف لا إنسانية ولا قانونية، رغم ما يروج من كلام حول “إصلاح السجون” و”أنسنة” ظروف الإقامة فيها في “العهد الجديد”. إن السلطة ليس لها من غاية سوى السعي إلى تدميري جسديا ومعنويا حتى تخمد صوتي. ولكن هيهات أن تبلغ ذلك، بل قد تتمكن من تدمير جسدي طالما أن لها الوسائل المادية، لكنها لن تقدر على النيل من معنوياتي. لن أموت إلا واقفان ولن أطأطئ رأسي للظلم والقهر والاستغلال كلفني ذلك ما كلفني. إنني قادر على أن أتحمل في جسدي كل الأتعاب والويلات من أجل أن أبقى في سلام مع ضميري. فصوت الضمير بالنسبة لي أشدّ وأعتى مليون مرة من سوط الجلاد وهمجيته. ومهما يكن من أمر فالمستقبل للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وما الظروف الحالية التي تعيشها بلادنا و”يستأسد” فيها أعداء الحرية إلا ظروف عابرة، ستنتهي في يوم من الأيام. لذلك لنثق بالمستقبل ولنعمل من أجل أن يكون مشرقا. في رواية “أندري مالرو” الشهيرة condition humaine la (الشرط الإنساني) تقول إحدى الشخصيات « Il n’ya pas de dignité qui ne se fonde sur la douleur » (لا وجود لكرامة في هذا العالم ليست مبنية على الألم) وهذا القول صالح خاصة في بلد مثل بلدنا يكاد يحاسب فيه المواطن حتى صمته وليس على ما يقوله فحسب. في النهاية أشدّ على يديك وإلى الملتقى.
(المصدر: “البديـل عاجل” (قائمة مراسلة موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 14 فيفري 2010)
حزب الإتحاد الديمقراطي الوحدوي
بيان المكتب السياسي
اجتمع المكتب السياسي للاتحاد الديمقراطي الوحدوي يوم السبت 13 فيفري 2010 بالمقر المركزي للحزب بتونس و تدارس النقاط المدرجة في جدول أعماله ومنها الحملة المُمنهجة و المُغرضة التي يتعرض لها الحزب و أصدر البيان التالي: 1- في إطار الاستعداد للانتخابات البلدية التي ستجري في شهر ماي 2010 واعتبارا لما لهذه المحطة الانتخابية من أهمية في ترسيخ الديمقراطية و المشاركة الشعبية في الشأن العام و نظرا لما يوليه الحزب و كل هياكله ومناضليه من اهتمام بها لمزيد انتشار الحزب و ترسيخ مبادئه وبدائله المجتمعية قرر المكتب السياسي التحرك في كل الجهات استعداد لخوض هذه الانتخابات والترشّح في أكثر ما يمكن من القائمات الانتخابية في البلاد. 2- يثمّن التحرك الذي يقوم به شباب الحزب و خاصة الندوة الشبابية الجماهرية التي عقدت يوم السبت 13 فيفري 2010 بالمقر المركزي تحت عنوان: “إحياء الذاكرة الوطنية” ومن أجل تفعيل مبادرة الحزب لمطالبة فرنسا بالاعتذار وجبر الأضرار عن سنوات الاستعمار ويعلم عن تشكيل هيئة شبابية قيادية مؤقتة تشرف على النشاط الشبابي للحزب و تعد للمؤتمر التأسيسي لمنظمة الشباب الوحدوي. 3- يعبّر المكتب السياسي عن اعتزازه بعلاقة الاحترام الممتازة التي تربط الحزب وأمينه العام ومناضليه بكل الصحافيين التونسيين وبمختلف وسائل الإعلام الوطنية و الأجنبيّة ويستغرب الحملة المُمنهجة والمُغرضة التي يتعرض لها الحزب منذ مدة. 4- إن حزبنا يؤكد للرأي العام الوطني التزامه بحرية الصحافة والتعبير على قاعدة المصداقية والتمسك بالضوابط الأخلاقية للمهنة ودفاعه عن حق الاختلاف ودعوته الدائمة إلى المعالجة السياسية والفكرية لكل الاختلافات بين مكونات المجتمع ورفضه لتقييد حرية الصحافيين والمنظمات الوطنية أو التدخل في شؤونها. 5- إن حزبنا يحتفظ بحقه في الردّ على كل محاولات التشويه المفضوحة الأهداف والمرجعيات والمغالطة المقصودة للرأي العام التي يتعرض إليها حزبنا وأمينه العام. عن المكتب السياسي المكلف بالإعلام عبد الكريم عمر
مشاهد منافية للاخلاق في حصة تكوينية بقابس
دعي بعض معلمي جهة قابس يوم الجمعة الفارط 12 /02 / 2010 الى حصة تكوينية بالمركز الجهوي للتكوين المستمر بقابس نشطها متفقد فرنسية وهو المتفقد الجمني وكان موضوعها نشر الثقافة المسرحية وقد جلب المتفقد معه اثناء الحصة مخرجة شابة لمساعدته على انجاز الحصة من خلال عرض شريط من اخراجها بعنوان ” وراء البلايك ” وخلال العرض تبين ان هذا الشريط يحتوي على بعض المشاهد المنافية للاخلاق والسلوك التربوي وهو ما اثار غضب بعض المعلمين وجعلهم يغادرون القاعة كما اثار هذا التصرف استياء عديد رجال التعليم في جهة قابس فهل من وقفة امام هذا التصرف ؟ معلم – قابس
“يحبّ يكسّر”
الجزء الثاني والأخير
عبد الحميد العداسي
لا بدّ أن أعتذر في بداية هذا الجزء الثاني والأخير من مقال “يحبّ يكسّر” لأخواتي الحرائر التونسيات أصحاب الحقّ في حلق الوادي، أولئك المستهدفين من قِبل المتيّم بـ”التكسير” والهدم… فإنّ حرفي لم يرتق إلى حرفهم ولا كلماتي إلى كلماتهم… ولكنّي أردت بذل الوسع من أجل إنعاش التفاعل معهم، فلعلّ الخبر لم يحظ بما يجب أن يحظى به، ولعلّ ترديده يزيد من عدد السامعين والمهتمّين فيقع تثمين ما قامت بنشره “كلمة” مشكورة، فيُعمد إلى ثني الظالم عن ظلمه أو الشاذّ عن شذوذه؛ وقد رأيت حبّ الهدم والتكسير من أخطر أنواع الشذوذ!… وسوف أتوقّف اليوم عند بعض النّقاط، عسى من يهمّه الأمر أن يفحصها فيسمع أهلنا من خلالها فيسعى إلى إصلاح ما فسد ويسعى إلى عدم تكرار ما يُفسد!… راهو قهر كبير [لقد طفح الكيل، فالقهر كبير لا يُحتمل]: كلمات صريحة جريئة وصادقة اتّفق عليها كلّ الذين ظهروا في الشريط تصريحا كما في العنوان أعلاه أو تلميحا كما في الدموع الساخنة التي غلبت الرّجل الذي يقصّ قصّة ماسح بطون الحوامل – شلّ الله يديه -، مفادها أنّه لم يعد بالإمكان تحمّل الظلم المسلّط على النّاس!.. الفساد الذي ليس آخره تهديم البيوت على رؤوس أصحابها!.. مفادها أيضا أنّ النضج – الذي حكى عنه الرّئيس المستلم الحكم سنة 1987 – لدى المواطنين قد بات حقيقة لا منازعة فيها؛ فأخواتي قد ناقشوا في حديثهم الكثير من الشعارات المرفوعة منها على سبيل الذكر لا الحصر: “لا ظلم بعد اليوم”، “دولة القانون والمؤسّسات”، “قدسية القانون”، وهذا يعني أنّ النّاس قد بدأوا يحاسبون الخطيب ويسائلونه عمّا جاء في خطبه، فهُم منتبهون لكلّ كلمة ينطقها؛ وعليه إذن أن يتحوّط من الآن فصاعدا للسانه فلا يقول إلاّ ما يقدر على إنجازه وفعله.. ويعني كذلك أنّ استعمالات “دولة القانون” قد حرّضت النّاس على قراءة القانون وفقهه، وعليه فقد لا يسمح لشيء أن يحدث خارج القانون (نتمنّى ونسأل الله ذلك)، فقد قالت أختنا المتحدّثة الأولى أنّ لديها مكانا آخر للسكن ولكن على هذا المغرم بالهدم والتكسير أن يُريَها ما يسوّغ له ذلك الهدم؛ لاسيّما وهي تعلم أنّ السبب المعتمد للهدم سبب واهٍ وأنّ الحكم القضائي في قضية الهدم حكم مساند لها ولجيرانها!.. فمن أين جاء هذا المتيّم بالهدم وكيف له سَوْق “القوّة العامّة”؟!… وكيف لـ”قوّة عامّة” أن تكون عامّة إذا كانت مسخّرة لخدمة جهة خاصّة؟!…وكيف لـ”قوّة عامّة أو خاصّة أو استثنائية” أن تتجاوز القضاء؟!.. وهل يمكن – إذا تجاوزت هذه القوّة القضاء – لأيّ كان في البلاد مهما علا شأنه أن يتحدّث عن القضاء ناهيك باستقلاليته؟!… مانيشي مسلّمة لآخر دقيقة!… ما انسلّمش فيها ودمّي يجري فيها!…[سأظلّ صامدة حتّى آخر رمق من حياتي…. لن أتنازل عن داري ولو كلّفني ذلك حياتي!..]: الحديث هنا عن المنازل (الدّيار) التي يُراد هدمها و”تكسيرها”… والحديث لا بدّ أن يثمّنه كلّ غيور على أرضه وعرضه… ويثمّنه كلّ الذين أخذوا على عاتقهم الدّفاع عن الحرمات… ويثمّنه كلّ المؤمنين الذين يفقهون الحديث الصحيح القائل: “من قُتِل دون ماله فهو شهيد”، والبيت أو المنزل من أرفع أصناف الأموال: ففيه السكن وفيه تُحفظ العورات وتُصان الأعراض ويؤمَن الخوف ويُجتنب الحرُّ والقرُّ إلى غير ذلك من المنافع التي لا ينكرها أو يستغني عنها أحد… فلزاما على التونسيات والتونسيين نبذ الظلم والظُلاّم (بضمّ الظاء) و”أبناء الحرام” ومحاربته ومحاربتهم بكلّ ما يملكون… وإذا كانت إحدى أخواتي قد طالبت بما يثبت إقرار الهدم، فيما يشبه الاكتفاء به لتمريره، فإنّ واجب وليّ الأمر – فيما أرى – لا يمكن أن يتوقّف عند إصدار الهدم، بل يجب عليه – حتّى مع تأكّد المصلحة العامّة التي تستدعي الهدم – أن يتبع مراحل إجباريّة لا بدّ منها: لعلّ منها التوجّه بخطاب استرضاء لمن يهمّه الأمر مع بيان السبب والمصلحة العامّة المحتّمة للهدم (طريق عام لا يمكن أن يمرّ إلاّ من تلك النّاحية… وجود مصانع تبيّن إضرارها بالمواطنين القاطنين بجوارها… إقامة خطوط دفاعيّة أو مصالح استراتيجية لا يمكن أن تكون إلاّ في تلك المنطقة…إلخ). واقتراح المكان البديل أو الأصلح والأعدل دعوة المعني بالأمر إلى اختيار المكان البديل. وبناء مساكن مطابقة للتي يُراد هدمها أو أحسن منها. ثمّ الترحيل إلى المسكن الجاهز المجهّز. وأخيرا الهدم… فهذه مراحل ضرورية لكلّ من احترم نفسه واحترم مواطنيه وخاف ربّه!… أمّا أن يأتي الهدم مستبقا كلّ هذه المراحل وغيرها ممّا أغفلت؛ فهذا ما لا يقترفه إلاّ مستهتر بالدين والقيم والإنسان – وإن تبجّح بحبّ الوطن –، ظالم، لامسؤول، لاإنساني، غير حضاري!… تمزيق العلم تمزيق رمز البلاد هو أكبر دليل على أنّ الذي يريد الهدم “هدم منازل حيّ البراطل” لا ينتمي للتشكيلة التونسية… ومع ذلك فقد قام هو وأمثاله بالأمس واليوم وغدا (إن كان لليوم غد) بحشر الذين احتضنوا العَلم ودرّبوا على احترامه وعلى حبّه وعلى فدائه في قوائم طويلة للـ”مفسدين” الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر… ولقد رأيت التونسين والتونسيات قد انكمشوا ولم يخرجوا في الشوارع يطالبون باسترداد أبنائهم المخطوفين والمسجونين والمقتّلين فجرّؤوا بذلك عليهم “الوطنيين” حتّى طالوهم في بيوتهم بجرّافاتهم شقيقة الجرّافات الإسرائيلية تهدم بيوتهم كما تهدم تلك بغيظ وحمق شديدين بيوت المقدسيين والفلسطينيين العزّل!… الهدم والحجاب ما يلفت الانتباه في الشريطين اللذين تابعتهما، هو الحجاب!.. فكلّ النسوة إلاّ واحدة أو اثنتين متحجّبات!… فهل أنّ الهدم إذن هو للتنقيب عن الحجاب؟!… أم أنّه للثأر من “بوبرطلّة” (كناية عن المستعمر) لوجود شبهة في اسم الحيّ (البرطال)!… أيّ كان السبب الظاهر أو الخفيّ فإنّ منزلا فيه حجاب قد يهدم!… ولكن لن يهدم بإذن الله بلد ناصر أهله ربّا عزيزا حكيما شرع للمرأة فيه الحجاب، فقالت بثبات أسّسه الإيمان الصادق: لن أتنازل عن داري ولو كلّفني ذلك حياتي!…
محطّات سريعة
بقلم محمد بوعود المحطة1: اختفاء مريب تعتمد شركات النقل العمومية في تونس وفي سائر البلدان على عدة عناصر لإنجاح مهامها والقيام بدورها، ولعل من أهم هذه العناصر هو المراقب، أو ما اصطلح على تسميته بالكونترولير، الذي يصعد الى العربات العمومية بشكل مفاجئ ليراقب مدى التزام كل الحرفاء بقطع تذاكرهم… هذا الكونترولير الذي كثيرا ما يرعب اسمه جماعة المرسكين باستمرار، غاب هذه الأيام عن الطرقات والمحطات، سواء في الحافلات الصفراء أو في عربات المترو الخفيف… نحن لا نريد شماتة بالمرسكين ولا نريد رعبا لأبنائنا التلاميذ لكننا نتساءل بكل عفوية لماذا لم يعد عناك مراقبة في الحافلات والعربات؟؟ وهل أن غياب المراقب بداية يأتي صدفة أم هو سياسة ممنهجة ترسمها بعض الأطراف لتفليس الشركة وتعجيزها ماليا تمهيدا لبيعها بأبخس الأسعار إلى أحد الأثرياء الجدد المتربصين بالقطاع العام ينهشونه كما تنهش السباع فريسة مسكينة؟؟؟ خواطر بريئة سقناها بكل عفوية، لأن وجود الرافل في الحافلات أو منع التدخين في المحطات لا يضمن للشركة دخلا ماليا بقدر ما يضمنه المراقب. المحطة2: بأي ذنب..أُغتصبت؟؟؟ ما نشرته الصحف هذه الأيام عن الجريمة الفظيعة التي اهتزت لها ضمائر كل التونسيين، والتي تم خلالها استعباد واسترقاق إحدى الفتيات القاصرات التي لم تتجاوز بعد السابعة من عمرها، في إحدى الفيلات الفخمة في ضاحية قرطاج، حيث تعرضت المسكينة إلى الاغتصاب والمعاشرة والكي والجلد وكل صنوف التعذيب من قبل طبيب وزوجته وبمشاركة الجنائني الذي يعمل في حديقتهم… الحادثة مريعة، ولا يمكن السكوت عنها، لأنها ببساطة لم تكن طارئة ولا هي مجرد نزوة عابرة، بل هي سياسة ممنهجة، من طبقة من الأثرياء الجدد الذين يحملون في دواخل نفوسهم المريضة، عُقدا ورواسب يريدون تفريغها من خلال استعباد البشر وممارسة شذوذهم على القاصرات ممن رمى بهم الفقر والعوز وقلة ذات اليد، إضافة إلى سوء سلوك وعدم تقدير للعواقب من أهلهم، في براثن هذه الوحوش الآدمية التي لا ترحم… الحكم الابتدائي وفي الاستئناف أيضا، والذي يدين الجنائني بعشرين سنة سجن رغم أنه عجوز، ويكتفي بتخطئة الطبيب وزوجته بثلاثمائة دينار فقط لا غير، أثار استنكار كل من تابع أطوار هذه القضية المرعبة، وكل من استمع إلى الأهوال التي روتها الخادمة المسكينة، والتي تثبت أن الطبيب وزوجته لم يكونا مجرد مشغلين فقط بل كانا شريكين فاعلين ومحرضين بل ومتواطئين في الجريمة التي تعرضت لها هذه الطفلة البائسة…ولم ينس المتابعون أيضا أن يدينوا والدي الفتاة اللذين ألقيا بها إلى هذا الجحيم، طمعا في ملاليم تُرسل إليهم كل آخر شهر ملطخة بدم طفلتهما التي انتهكت براءتها وأستبيح عرضها وقُصفت طفولتها على أيدي هذه الأنواع من البشر التي لا تحمل من علامات الإنسانية الا حيوانيتها. المحطة3: الى الفاهم…كم كنت وحدك الفاهم بوكدوس، ذاك الشاب الذي لا تملك الا أن تحبه من أول ما تراه، هادئ، رصين، بوجه طفولي فيه من البراءة بقدر ما فيه من الحزم والجد، عرفته منذ زمن ليس بالقليل، يحمل هموم الوطن، ولا يكلّ من حملها أبدا.. الفاهم ليس من ذلك النوع الذي يركض نحو المشاكل، لكنه من النوع الذي تطارده المشاكل أينما حلّ، وحتى عندما لا يجدون ما يفعلوه، وتبور السلعة ويتوقف النشاط، فإنهم يتذكرون الفاهم، ويلفقون له تهمة… الفاهم يحاكم الآن، وحوكم من قبل، وعرف السجون وعرف المنافي والسرية أيضا، لكن ما لا يُمكن فهمه، أن الفاهم يحاكم على قضية، أطلق سراح المسجونين بسببها، ما عدى الفاهم طبعا… وكل من سُجن في القضية له دخل فيها، ما عدى الفاهم أيضا، فلا دخل له إلا أنه قام بتغطية صحفية لأحداث الحوض المنجمي لفائدة قناة تلفزية مرخص لها وتبث برامجها وفق القانون، ومع ذلك فهو يحاكم، والغريب هو السعي المحموم لسجن الفاهم مهما كانت براءته ظاهرة للعيان، فكل القضايا يمكن أن نجد لها تفسيرا إلا الإصرار على الانتقام والتشفي والحقد على هذا الشاب الذي يسعى فقط لأن يقول كلمته بكل حرية، وأن يعيش حياته بدون املاءات ولا أوامر، وأن يقوم بعمله الصحفي بدون خطوط حمراء ولا صفراء… إلى الفاهم، قلوبنا معك، وسيوفنا ليست عليك.. أنت تدفع ثمن الكلمة..والكلمة تنتصر في النهاية مهما طال الدرب والتوى… المحطة4: حي البراطل.. الذي حدث في حي البراطل بضاحية حلق الوادي، مأساة بأتم ما للكلمة من معنى، فرغم استصدار حكم قضائي بإيقاف التنفيذ، إلا أن الهجوم المباغت الذي فوجئ به المتساكنون، والذي لم يترك مجالا لثمانية عشر عائلة، كي تجمع أملاكها، ولا أن تخلي منازلها، ولا أن تحمل حتى ما ذكريات حياتها من داخل غرف عاشوا فيها أعمارهم… والشكل الذي تمت به العملية وما رافقها من استنفار أمني وإغلاق لمداخل ومخارج المنطقة ومحاصرة وترويع للنساء والأطفال، يدفع للتساؤل عن مدى قانونية هذه العملية، وما رافقها من عمليات هدم همجية، لم تراع حرمة مسكن ولا حياة مواطنين، ولا حقوق أناس يريدون فقط أن يبقوا في منازلهم ويعيشوا حياتهم في دعة وراحة بال، أمام شاطئهم الجميل الذي سجلت رماله جزءا ليس باليسير من تاريخ تونس القديم والمعاصر، أو يريدون تعويضا يكفيهم لاقتناء منازل جديدة تضمن لهم حياة كريمة. ما حدث في حي البراطل خرق فاضح للقانون، واعتداء صارخ على حقوق المتساكنين، ورمي عرض الحائط بحكم قضائي، لكن مع ذلك يمر مرور الكرام، ويقع التغاضي على رجل الاعمال الذي اقتنى البراطل، وعلى الجهات المسؤولة التي نفذت الهجمة على سكان البراطل، وهذا ما يدعو حقا الى وقفة تأمّل، فهل سيصير كل انتزاع يتم بهذه الطريقة؟ وهل يستوي الانتزاع للمصلحة العامة بالانتزاع لمصلحة رجل أعمال؟؟؟ (المصدر: جريدة الوحدة –أسبوعية سياسية ناطقة باسم حزب الوحدة الشعبية-العدد 677 بتاريخ 13 فيفري2010)
قراءة في ميزانية سنة 2010
سنحاول في هذا المقال استعراض أهم ملامح ميزانية الدولة لسنة 2010 والإجراءات الجبائية المتخذة ضمن قانون المالية الجديد والمشاريع الجبائية التي ستنجزها الدولة خلال الفترة المقبلة. I- سمات ميزانية سنة 2010- تبلغ ميزانية الدولة مواردا وإنفاقا 18235 مليون دينار (م.د) مسجلة بذلك زيادة بحوالي 1029 م.د (أو6%) مقارنة مع ميزانية سنة 2009.
1 – موارد الميزانية
تنقسم موارد الميزانية إلى صنفين اثنين
أ-موارد ذاتية وتبلغ 14166 م.د ب-موارد الاقتراض وهي القروض الداخلية والخارجية التي تلجأ لها الدولة لتغطية عجز الميزانية وتبلغ 4069 م.د. و فيما يلي الهيكلة العامة لموارد الميزانية
-أ- الموارد الذاتية للميزانية
تشمل هذه الموارد على موارد جبائية وهي تمثل المصدر الرئيسي لتمويل ميزانية الدولة إذ تمثل 83% من جملة الموارد الذاتية فيما تمثل الموارد غير الجبائية (وهي تشمل عائدات البترول والفوسفاط ومداخيل الخوصصة ومداخيل المنشآت العمومية إلخ ..) 17% من تلك الموارد. وبلغ حجم الموارد الجبائية 11602 م.د مسجلا بذلك زيادة بنسبة 10,3% مقارنة مع سنة 2009. أما الموارد غير الجبائية المتوقعة فإنها حددت بـ2564 م.د (بزيادة 8,9% مقارنة مع ميزانية السنة المنقضية).
I-الموارد الذاتية
|
النسبة
|
التقديرات (م.د)
|
1) المداخيل الجبائية الاعتيادية
|
|
59,85
|
10913
|
|
الأداءات المباشرة الاعتيادية
|
25,21
|
4596
|
|
الأداءات والمعاليم غير المباشرة
|
34,64
|
6317
|
2) المداخيل غير الجبائية الاعتيادية
|
|
10,6
|
1932,5
|
|
المداخيل المالية الاعتيادية
|
|
1391
|
|
مداخيل أملاك الدولة
|
|
541,5
|
3) المداخيل غير الاعتيادية
|
|
1,83
|
333
|
4) موارد صناديق الخزينة
|
|
5,42
|
987,5
|
جملة الموارد الداخلية
|
|
77,70
|
14166
|
II–موارد الاقتراض
موارد الاقتراض الداخلي
|
2951
|
موارد الاقتراض الخارجي
|
1118
|
جملة موراد الاقتراض
|
4069
|
جملة موارد الميزانية
|
18235
|
ما يجب أن نشير إليه في باب الأداءات المباشرة الاعتيادية هو أهمية مساهمة الضريبة على مرتبات وأجور الشغالين في حجمها الجملي. فالدولة ستقتطع من مداخيلهم ما لايقل عن 1980 م د بعنوان الضريبة على المرتبات والأجور في حين أن الأشخاص الطبيعيين الذين يمارسون مهنا صناعية وتجارية ومهنا حرة سوف يدفعون 157,5 م.د بعنوان أرباح مداخيلهم. أما الشركات البترولية وغير البترولية فإنها ستدفع 1518,5 م.د هذا يعني بكل بساطة أن محصول الضرائب المباشرة التي تستخلصها الدولة من الأجراء يفوق حجم الضرائب التي توظفها الدولة على مرابيح الأشخاص الطبيعيين والشركات مجتمعين والتي بلغ حجمها الجملي 1676 م.د. إن هذه الأرقام تؤكد مرة أخرى الحيف الذي يطال الأجراء وانعدام العدالة الجبائية. فالدولة تستخلص الجزء الأوفر من الضريبة الموظفة على أجور ومرتبات الأجراء مباشرة عن طريق الخصم المباشر وعلى قاعدة مداخيل معلومة ومظبوطة مما يصعب معه عليهم إن لم نقل يستحيل عليهم التهرب من القيام بالواجب الجبائي. لكن غيرهم الذي يستأثر بالجانب الأوفر من الثروة فإنه يتمكن، عبر اختيار النظام التقديري والغش والاعفاءات والتهرب الجبائي من الإفلات من دفع الضريبة على مرابيحه وعلى ثروته. هذا وما تجدر كذلك الاشارة إليه هو النسبة الهامة التي تحتلها الأداءات والمعاليم غير المباشرة في المداخيل الجبائية للدولة، فحجمها يبلغ 6317,7 م.د.
وهي تشمل بالخصوص:
· المعاليم الديوانية (515 م.د) ·الأداء على القيمة المضافة (3375 م.د) ·معلوم الاستهلاك ( 1540 م.د) وهو معلوم توظفه الدولة على البنزين والزيوت والتبغ والوقيد والمشروبات الكحولية وعلى منتوجات استهلاكية أخرى. ·معاليم التسجيل والمعاليم على النقل وغيرها (887 م.د) الأداء على القيمة المضافة يوظف على السلع والخدمات كالكهرباء والغاز والماء، والهاتف والتنقل وغيرها بنسب هامة تصل إلى حد 18% مما يتسبب في ارتفاع أسعار البضائع والخدمات وهو أمر يتضرر منه الشغالون وأصحاب الدخل المتواضع من جمهور المواطنين. هذا ونشير إلى تراجع مداخيل الدولة المتأتية من المعاليم الديوانية نتيجة انخراطها في منظمة التجارة العالمية وإبرام اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأروبي مما يدفعها حتما إلى سد النقص عبر توظيف نسب مشطة على معاليم الاستهلاك والأداء على القيمة المضافة. قد تسبب إلغاء العمل بالرسوم الجمركية إذن في تقلص مداخيل الدولة مما ساهم في استمرار عجز الميزانية الأمر الذي يستوجب من الدولة اللجوء إلى الإقتراض لخلق التوازن بين الموارد والدفوعات.
-ب- موارد الإقتراض
ستلجأ إذن الدولة إلى اقتراض 4069 م.د هذه السنة، من السوق المالية الداخلية في حدود 2951 م.د و1118 م.د من السوق المالية العالمية علما وأن شروط الإقراض في هذه السوق أصبحت مجحفة وقاسية مع احتداد الأزمة العالمية وتخييم شبح الإفلاس على عدد من الدول كإسبانيا واليونان والمجر وإمارة دبي إلخ…. لقد بينت العديد من الدراسات والبحوث أنه بإمكان تفادي عجز الميزانية وبالتالي عدم اللجوء إلى القروض الخارجية الجديدة لتسديد قروض خارجية قديمة، لو وقعت مراجعة سياسة الإعفاءات والإمتيازات الجبائية السخية المنتهجة حاليا ولو تصدت الدولة كذلك إلى ظاهرة التهرب الجبائي التي يمارسها أكثر الناس ثراء في هذه البلاد.
2) نفقات الميزانية : تبلغ نفقات الميزانية 18235 م.د وتنقسم إجمالا وأساسا إلى 3 أصناف :
|
النسبة
|
الحجم
|
أ) نفقات التصرف
وتشمل نفقات التأجير العمومي ووسائل المصالح ونفقات التدخل العمومي ونفقات التصرف الطارئة
|
55,36%
|
9950 م.د
|
ب) نفقات التنمية
|
24,68%
|
3657،5 م.د
|
ج) تسديد الدين العمومي
|
19,6%
|
3640 م.د
|
نود أن نسوق بعض الملاحظات السريعة حول نفقات الميزانية.
· تستأثر ميزانية وزارات السيادة (وزارة أولى – وزارة الداخلية، وزارة الدفاع ووزارة الخارجية) بـ2072,159 م.د أي بنسبة 11,36% من نفقات الميزانية منها 1017,644 م.د أسندت لوزارة الداخلية والتنمية المحلية وحدها. ·خصصت 2329,538 م.د (أو 12,78%) لنفقات تصرفها الوزارة المتدخلة في الميدان الاقتصادي والمالي. ·أسندت 250،5196 م.د لنفقات تصرّف وزارات التعليم والثقافة والشؤون الإجتماعيّة والشباب والرّياضة والمرأة والصحّة. ·بالنسبة للدين العمومي ستضطرّ الدّولة لإنفاق 1180 م د لتسديد الدّين الخارجي (موزعة بين 565 م.د لتسديد أصل الدّين و 615 م.د لتسديد الفوائض) و2400 م.د لتسديد الدين الدّاخلي. نلاحظ إذن أن القروض التي ستسعى الدّولة للحصول عليها تعادل حجم الدّين الخارجي الذي حلّ أجل تسديده من طرف الدّولة هذه السنة. ·وتبرز المعطيات الخاصّة بالدّين الخارجي عبء الفوائض الموظفة على الديون التي تتحصّل عليها الدّولة من السّوق العالميّة ·سيخصّص مبلغ 1500 م.د من الميزانيّة لنفقات الدّعم أي دعــم المحــروقات ( في حدود 550 م.د) ودعم المواد الأسايّة (730 م.د) ودعم النقل العمومي (220م.د) II – الإجراءات الجبائيّة التي تضمّنها قانون الماليّة انصرف اهتمام الدّولة كالعادة وبالدّرجة الأولى إلى إتخاذ إجراءات تحفيزيّة للإستثمار الخاص والتّصدير ودعم القدرة التنافسيّة للمؤسّسات وخاصّة منها المصدّرة ولم تخص الفئات الشعبيّة وخاصّة طبقة الأجراء بإجراءات جبائيّة من شأنها أن ترسي عدالة جبائية، واكتفت الدّولة بالترفيع في المبلغ الواجب خصمه من قاعدة الأداء على الدّخل بعنوان البنت أو الإبن الذي يزاول التعليم العالي من 300 إلى 600 د. كما رفعت في المبلغ المخصوص من قاعدة الأداء على الدّخل بعنوان الطفل المعوّق من 750 إلى 1000 د. إذن لم تصغ الدّولة إلى الأصوات المنادية بضرورة مراجعة سلّم الأداء على الأجور والمرتبات وبضرورة التّرفيع في قسط الدّخل غير الخاضع للأداء كالترفيع في المبالغ التي تخصم من قاعدة إحتساب الضريبة على دخل الأجراء. ولم يتضمّن قانون الماليّة كذلك إرساء الضريبة على الثّروة الذي أصبح مطلبا لدى فئات واسعة من الرّأي العام لأنه أقرب للعدالة الجبائيّة من الأداء على الدّخل. ولم يأت قانون الماليّة الجديد بإجراءات تجسد عزم الدّولة على مقاومة ظاهرة التّهرّب الجبائي التي تحرم الدّولة من مداخيل هامّة فضلا عن كونها تتسبب في تواصل إختلال التوازن في ميزانيّة الدّولة بين الموارد والدّفوعات بل في إستفحال هذا الإختلال. ليس هذا فقط بل إن الدّولة ماضية في الإهتمام أكثر فأكثر بالمستثمرين وذلك من خلال إنكبابها على إعداد نظام جديد للتحفيز على الإستثمار. III – نحو التخفيف من الضّغط الجبائي على المؤسّسات وأعلن وزير الماليّة أثناء مناقشة مشروع الميزانيّة عن شروع مصالح وزارته في إعداد تصور عام وعميق للإصلاح الجبائي ووضع نظام جديد لدفع الإستثمار وذلك من خلال صياغة نظام جبائي خاصّ بالمؤسّسات الصّغيرة والمتوسطة. ولم يكشف الوزير عن ملامح هذا الإصلاح مكتفيا بالتأكيد أن من أهدافه الأساسيّة التخفيف من العبء الجبائي الذي يثقل كاهل هذه المؤسّسات. كما أنه لم يذكر ما إذا كانت المؤسّسات المصدّرة هي التي ستتمتّع بجملة الحوافز الجبائيّة وغير الجبائيّة المزمع إقرارها أو أنها ستشمل جميع المؤسّسات مهما كان نوع نشاطها ونظامه. مع الملاحظ أن الدّولة التي لا تزال تعتبر أن قطاع التّصدير هو قاطرة الإقتصاد الوطني، دأبت على تمتيع المؤسّسات الموجه نشاطها للتصدير سواء كانت تونسيّة أو غير تونسيّة بالعديد من الحوافز الجبائيّة وغير الجبائيّة عن طريق الإعفاءات المتنوعة (إعفاء من دفع الضّريبة على المرابيح، إعفاء من أداء القيمة المضافة إعفاءات على التوريد ، إعفاء من دفع المساهمات الإجتماعيّة المحمولة على المؤجّر إلخ …) والتسهيلات الأخرى دون الإلتفات إلى المؤسّسات الصّغرى والمتوسّطة والتي توجه إنتاجها إلى السوق الدّاخليّة. هذه المؤسّسات لا تجد الحماية من المنافسة اللامشروعة التي يمارسها الناشطون في استيراد البضائع الأجنبيّة بطرق غير قانونيّة وغير شفافة وترويجها في السوق المحليّة الأمر الذي ساهم في انقراض العديد من المؤسّسات وإفلاس أصحابها والقضاء على آلاف مواطن الشغل ومصادر الرّزق. أن عدم الأخذ في الاعتبار مصالح هذه المؤسسات والعاملين بها سوف يقلص من موارد الدولة الجبائية ويساهم في تفاقم ظاهرة البطالة، ويزيد الاحتقان الاجتماعي حدّة. المراقــب
(المصدر: نشرية الإرادة لسان حال حزب العمل الوطني الديمقراطي (تونس)العدد 13 بتاريخ جانفي 2010)
مؤشّرات عن الظرف الإقتصادي التونسي
سيــاحة عقد وزير السياحة خليل العجيمي ندوة صحفية يوم 22/11/2009 إستعرض فيها النتائج التي سجّلها القطاع خلال الأحد عشر شهرا الأولى من عام 2009 أكّد حلالها أن السياحة التونسية سجّلت – تراجعا في عدد الليالي المقضاة بنسبة 8,7 % – تراجعا بـ 2,5% بالنسبة لعدد الوافدين – وارتفاعا بـ 2 % في العائدات خلال المدّة المذكورة مقارنة مع نفس المدّة من عام 2009 . أمّا السيد موريلو المدير العام المساعد لصندوق النقد الدّولي الذي زار تونس بداية الشهر الماضي فإنه أشار إلى أن السياحة كانت من أكثر القطاعات تضررا من الأزمة العالميّة. وبلغ عدد السّياح خلال التّسعة أشهر الأولى من عام 2009 532، 5 مليون سائحا وفد 56 % منهم من أوروبا وقد تراجع عددهم بـ 3 ، 9 %مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2000 وبلغ عدد السّياح الأوروبيين 3 ملايين سائحا ( منهم 1،1 مليون سائحا فرنسيا ) أمّا عدد السياح المغاربة فلقد بلغ 200، 2 مليون من بينهم 5، 1 مليون ليبي. قطاع السياحة يشغل 350 ألف أجير وهو ما يمثل 10 % من اليد العاملة النشيطة تساهم السياحة بـ 5، 6 % من الناتج الدّاخلي الخام · التمديد في العمل بالإجراءات الظرفية لمساندة المؤسّسات الاقتصادية قرر مجلس الوزراء المنعقد يوم 10/11 2009 التمديد لمدّة ستّة أشهر أخرى بداية من 01/01/2010 في العمل بالإجراءات الظرفية لدعم المؤسّسات الصناعيّة المصدرة التي تمر بصعوبات إقتصاديّة جرّاء تداعيات الأزمة الإقتصادية العالميّة وتتمثل هذه الإجراءات في تحمل الدّولة : 1) نصف المساهمات المحمولة على المؤجّر بعنوان الضمان الإجتماعي إذا ما قرّرت المؤسّسة خفض ساعات العمل وبكامل تلك المسهمات خلال مدّة إحالة الأجراء على البطالة الفنيّة . 2) بـ 50 % من جوائز التأمين على التصدير. 3) بنقطتين من نسبة الفائض التي توظفه البنوك على القروض المسندة للمؤسّسة. أما البنوك فإنها تعهد بإعادة جدولة ديون المؤسّسات التي يشهد إنتاجها إنخفاظا أو تعاني من صعوبات في إستخلاص ديونها. *حقل صدر بعل للغاز يدخل حيز الإنتاج: بدأ إنتاج الغاز في حقل ” صدر بعل ” المشغّل من قبل الشركة البريطانية بريتش غاز بالإشتراك مع المؤسّسة التونسية للأنشطة البتروليّة. سيوفّر هذا الحقل نصف حاجيات البلاد من هذه المادّة بحساب 300، 28 مليون متر مكعّب يوميا وسيوجّه جزء من الإنتاج نحو السوق المحليّة في حين سيباع النفط والمكثّفات وغاز البروبان في الأسواق العالمية. ومن المنتظر أن تحقق تونس فائضا من الغاز الطبيعي يقدّر بمليوني طن مكافىء نفط في بداية 2012. · تــوازن طاقــي: أدركت تونس تقريبا توازنا في ميدان الطّاقة حيث إرتفعت تغطية الصادرات للواردات نسبــة 99,8 % خلال العشرة أشهر الأولى من السنة الماضية . العجز لم يتجاوز 8، 3 آلاف دينارا في حين كان يبلغ 600 مليون دينارا خلال نفس الفترة من عام 2009 . · تضخّــــم: بلغت نسبة التضخّم خلال الأشهر الأولى من عام 2009 نسبة 3,6% . · العلاقات التونسيّة الألمانيّة: تضاعف التبادل التّجاري بين تونس وألمانيا 5 مرّات بين سنتي 1979 و 2008 إرتفع حجمه من 537 مليون أورو إلى 7، 2 مليار أورو. وتنتصب 265 مؤسّسة إقتصاديّة ألمانيّة بتونس تشغّل 43000 أجيرا. وثمن رئيس منظمة الأعراف الألمان الإجراءات والقرارات التي إتخذتها الحكومة التونسيّة تجاه المؤسّسات المصدّرة ومن بينها مؤسّسات ألمانيّة. · الدينار التونسي والعملات الأجنبيّة : سجّل سعر الصّرف للدينار التونسي تحسنا مقارنة مع الدّولار الأمريكي خلال العشرة أشهر الأولى من سنة 2009 لكنه سجّل تراجعا في نفس الفترة بالنسبة للأورو.
العملة الاجنبية
|
سعر هذه العملة /د ت في 1/1/2009
|
سعر العملة / دت
في 31/10/2009
|
التطور %
|
الدولار
|
1,372
|
1,303
|
5,02
|
اليورو
|
1,821
|
1,915
|
516
|
من إنعكاسات إرتفاع سعر الأورو إرتفاع ميزان العجز التجاري مع دول الإتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لتونس. · تصحّــــر: صرّح السيد محمد العيّاري الرّئيس المؤسّس للجمعيّة التونسية للإعلام الجغرافي لصحيفة الصباح الصّادرة يوم 17/12/2009 أن 83 % من الأراضي التونسيّة مهدّدة بالتصحّر. هل ستأخذ السلطة صيحة الفزع هذه مأخذ الجدّ ؟. · ” شركة أو توليف ” تحيل 650 عاملا على البطالة: قرّرت شركة أو توليف المختصّة في صناعة مكوّنات السيّارات (خاصّة مقاود السيّارات) غلق وحدتها المنتصبة بحمام الزريبة التي تشغّل 650 عاملا لتنقلها إلى تركيا. وعزت إدارة الشركة هذا القرار إلى التّداعيات السلبيّة اللازمة الإقتصاديّة على قطاع صناعة السيّارات ممّ يجبر المؤسّسة على تحسين تنافسيتها بإستمرار خاصة وأن قطاع صناعة السيّارات يشهد منافسة حامية بين الشركات الإحتكاريّة العالميّة. هذا التبرير يتناقض مع تصريحات سابقة لهذه الإدارة ومفادها أن شركة أو توليف إنتصبت في تونس لتبقى بها لمدّة طويلة لأن اليد العاملة في تونس تمتاز بالجودة . وبقدرتها على التّأقلم ومرونتها. القرار نزل كالصّاعقة على عمّال المؤسّسة وسكان الجهة وكان مفاجئا لهم خاصّة وأن “أو توليف” تمتّعت بدعم مالي هام من الدّولة التوزنسيّة في إطار الإجراءات الظرفيّة المتّخذة لمساندة المؤسّسات التي تمر بصعوبات. من جهة أخرى تبرز نتائج شركة أو توليف ( وهي شركة إحتكاريّة سويديّة تهمين على صناعة الوسائد الهوائيّة للسيارات وأحزمة الأمان في عدة بلدان ) أنها لا تمر بأزمة فمبيعتها ستزداد بنسبة 35 % حسب توقّعاتها وكما أنها سجّلت أرباحا هامّة خلال السنين الفارطة. · تراجع الإستثمار الخارجي خلال 2009: أعلن السيد محمد النوري الجويني وزير التنمية والتعاون الدّولي أمام مجلس النواب الذي عقد جلسة عامّة يوم 25/12/2009 بمناسبة النظر في مشروع قانون يتعلّق بالتمديد في مدّة العمل بالإجراءات الظرفيّة لمساندة المؤسّسات التي تأثّر نشاطها بتداعيات الأزمة الإقتصاديّة العالميّة أن الإستثمارات الأجنبيّة بتونس تراجعت منذ بداية عام 2009 بنسبة 35 % مقارنة مع سنة 2008 وذكر البنك المركزي في البيان الشهري الذي أصدره في بداية شهر نوفمبر 2009 أن حجم الإستثمار الأجنبي تراجع من 2، 8 مليار دينار إلى 1، 6 مليار دينار خلال الإحدى عشر شهر الأولى من عام 2009. · الصّادرات التونسيّة تتراجع هي بدورها: عرفت الصادرات التونسية خلال التّسعة أشهر الأولى من عام 2009 تراجــعا من حيث القيمة بـ 7، 21 % شأنها في ذلك شأن الواردات التي تقلّصت بـ 5، 19 % مقارنة مع نفس المدّة من عام 2008. وشمل هذا التراجع مختلف الصّادرات بنسب متفاوتة على النحو التالي حسبما أكّده وزير التنمية والتعاون الدّولي.
قطاع التصديــر
|
نسبــة التراجــع %
|
المواد المنجميّة والفسفاط
|
52,3
|
الطاقة
|
38,8
|
المواد والغذائيّــة
|
22,3
|
النسيج والملابس الجاهزة والجلد
|
12,6
|
الصناعات الميكانيكيّة
|
10,6
|
وتعود أسباب تقهقر الصادرات من مواد الطاقة والمنجم والفسفاط إلى تراجع أسعارها في السوق العالمية خاصّة وإلى تراجع الكميّات المصدّرة منها. * قطاع النسيج والملابس الجاهزة والجلد يواجه صعوبات حقيقية * يعاني هذا القطاع صعوبات حقيقية على مستوى الصادرات والتشغيل فمثلما أشرنا إليه أعلاه تراجعت قيمة الصادرات خلال العام الماضي 6، 12 % من حيث القيمة وذلك نتيجة تراجع الطلب الصادر عن السوق الأوروبية التي تستوعب 96 % من الصادرات هذا من جهة وتراجع أسعار السلع من جهة ثانية والمنافسة الشديدة التي تواجهها الصادرات التونسية من قبل المنتوجات الصينية بالخصوص. وأغلقت 51 مؤسّسة عاملة في هذا القطاع في السنة الماضية ممّا ترتب عنه فقدان 3092 موطن شغل وهو ما يعادل تقريبا عدد مواطن الشغل التي أحدثتها المؤسّسات الجديدة التـي إنبعثـــت (وعددها 86) خلال العام الماضي والذي بلغ 3754 موطن عمل. وخلاصة القول يمكن ” التأكيد أن الظرف الإقتصادي صعب وتجاوزه غير واضحة المعالم بالنسبة للحكومة والدّولة لا تفكّر في اللجوء إلى الأساليب الحمائية لإنقاذه مثلما صرّح بذلك الوزير أحمد النوري الجويني. (المصدر: نشرية الإرادة لسان حال حزب العمل الوطني الديمقراطي (تونس)العدد 13 بتاريخ جانفي 2010)
تراجع الترتيب العالمي لتونس بشأن مؤشر دفع الضرائب لعام 2010
احتلّت تونس المرتبة 14 عربيا و118 عالميا في مؤشر سهولة دفع الضرائب لسنة 2010 وفق مؤشر سهولة أداء دفع الضرائب لسنة 2010 الذي أصدرته (مؤخرا) مجموعة البنك العالمي. ويستعرض مؤشر دفع الضرائب، التغيرات والإصلاحات التي تشهدها كل دولة كما يسجّل الإشتراكات الإجبارية التي يتعيّن على المؤسسة الاقتصادية دفعها أو اقتطاعها في سنة ما، وكذلك الإجراءات التي تمثّل عبئا على هذه الشركة إداريا في سداد الضرائب والاشتراكات المفروضة عليها. ويهدف المؤشر إلى إعطاء بيانات قابلة للمقارنة بين الدول وتسهيل إنشاء مقياس موحّد للنظم الضريبية بين الاقتصاديات والمجموعات الجغرافية بما يؤدّي إلى رصد التغيرات. ورصد التقرير الخاص بهذا المؤشر عدد من الملاحظات من أبرزها أنّ الدول التي تفرض معدلات ضريبية منخفضة ليست بالضرورة أنموذجا يقتدى به خصوصا مع تفهم قطاعات الأعمال لمنطلق فرض الضريبة وإدراك الحكومات لمسؤولياتها في إنفاق عائدات الضريبة على مشاريع تنموية ملموسة، إلى جانب وجود دور كبير لنظم انهاء المعاملات الضريبية وخصوصا إدخال نظم المعاملات الإلكترونية في إصلاح النظم الضريبية. وبالنسبة إلى وضع الدول العربية في المؤشر العام الرئيسي لدفع الضرائب فقد حلّت 5 دول عربية ضمن قائمة أفضل 10 دول عالميا في سهولة دفع الضرائب وهي قطر (المركز الثاني عالميا)، الإمارات (المركز الرابع)، السعودية (المركز السابع)، سلطنة عمان (المركز الثامن)، الكويت (المركز التاسع). أمّا بقية الدول العربية فقد حلّت البحرين في المركز السادس عربيا و14 عالميا، والأردن في المركز السابع عربيا و22 عالميا، وفلسطين في المركز الثامن عربيا و26 عالميا، ولبنان التاسع عربيا و46 عالميا والعراق المرتبة العاشرة عربيا و50 عالميا. وفيما يتعلق بالتغيّر في وضع الدول العربية في المؤشر الفرعي الرئيس لدفع الضرائب ما بين 2009 و2010 فقد حافظت 4 دول عربية خليجية على ترتيبها في قائمة أفضل 10 دول عالميا في سهولة دفع الضرائب وهي قطر والإمارات والسعودية وسلطنة عمان، في حين خرجت الكويت من تلك القائمة بسبب تراجع ترتيبها من المركز التاسع إلى المركز الحادي عشر. وتراجع الترتيب العالمي لـ 18 دولة عربية إضافة إلى الكويت وهي الأردن وفلسطين والعراق وجيبوتي والسودان وسوريا وتونس والمغرب واليمن، مقابل 5 دول لم يتغير ترتيبها وهي: الجزائر إضافة الدول العربية الخليجية الأربع السابق ذكرها. وفيما يخصّ أهمّ مجالات الإصلاح على المستوى العالمي خلال الخمس سنوات الماضية فقد رصد تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 171 إصلاحا ضريبيا يؤثر على مؤشر دفع الضرائب في 104 اقتصاديات حول العالم وخلال سنتي 2008 و2009 فقط قامت 45 دولة بخفض الضرائب (20 دولة منها 2 عربية هما الجزائر والسودان) أو تسهيل الإجراءات المتعلقة بها (18 دولة منها 3 دول عربية: الأردن ولبنان وتونس) وبشأن تطبيق الأنظمة الالكترونية، تشير البيانات إلى أنه قد تمّ إدخال العمل بالأنظمة الضريبية الالكترونية في 56 دولة حول العالم وأن شريحة كبيرة من المؤسسات في تلك الدول دأبت على إعداد الضريبة وسدادها عبر تلك الأنظمة الجديدة. وعلى صعيد الدول العربية، قدّمت الحكومة التونسية للشركات التي تعدّ الملف الضريبي الكترونيا، خدمة إمكانية طباعة رقم إيصال يمكن بموجبه سداد الضريبة المستحقة من خلال أحد مكاتب تحصيل الضرائب. كما اعتمد الأردن الأسلوب الالكتروني في تقديم المستندات والسداد. م. م (المصدر: موقع webmanagercenter.com (إخباري اقتصادي – تونس) بتاريخ 15 فيفري 2010) الرابط: http://ar.webmanagercenter.com
الاقتصاد التونسي يحتاج إلى مراجعة ولن ينعشه التفاؤل
ككل نهاية سنة عرضت الحكومة خلال شهر ديسمبر 2009 على مجلس النواب والمستشارين مشروع الميزانية لمناقشته وللمصادقة عليه. مجلس النواب في تركيبته الجديدة المنبثقة عن انتخابات أكتوبر 2009 خصص 5 أيام فقط لمناقشة بيان الحكومة العام الذي قدمه الوزير الأول محمد الغنوشي قبل أن ” يناقش “أبواب الميزانية” ويحاور أعضاء الحكومة بوتيرة غير معهودة لينتهي للمصادقة عليها بكامل أعضائه تقريبا ما عدا نائبي حركة التجديد/ المبادرة الوطنية من أجل التقدم و الديمقراطية. واتسمت النقاشات بسطحيتها عموما وذلك يعود للحيز الزمني الضيق المخصص لها من جهة وإلى مستوى الإلمام الذي ما انفك يتحسر من انتخابات إلى أخرى حسب الملاحظين المتتبعين للنشاط البرلماني. وأكد الوزير الأول أن ميزانية عام 2010 أعدت إعتمادا على المقدمات الأساسية التالية: 1) تطور الناتج الاجمالي الداخلي ينسبة 4,4 % 2) تطور نسبة الموارد الجبائية بنسبة 10 % مقارنة بتقديرات قانون المالية التكميلي لعام 2009 3) تطور نفقات التصرف العادية دون نفقات الدعم بنسبة 7,9 % مقارنة بقانون المالة التكميلي لعام 2009 4) تطور نفقات التنمية بـ17 % مقارنة مع نفقات التنمية العام الماضي. 5) حصر العجز الجاري في حدود 3,6 % من الناتج المحلي الاجمالي وتوقع نمو للصادرات بـ8,2 %والواردات بـ8,9 % . 6) التخفيض من أعباء المديونية الخارجية وذلك بحصر نسبة التداين في حدود 39,5 % من الدخل المتاح وبابقاء نسبة خدمة الدين العمومي مستقرة في حدود 9,6 %من المقابيض الجارية. 7) حصر عجز الميزانية في حدود 3,6 % من الناتج الاجمالي 8) الارتقاء بنسبة حجم الاستثمار ليبلغ 26,5 بالمائة من الناتج المحلي 9) جلب 2400 مليون دينارا من الاستثمارات الخارجية خلال 2010 10) إحداث 70.000 موطن شغل جديد خلال هذا العام. صاغت الحكومة هذه الميزانية إذن ويحدوها تفاؤل كبير بخصوص نسبة نمو الناتج الداخلي خلال السنة الجديدة الذي لم يتجاوز 3 بالمائة خلال عام 2009 والحال أن توجهات المخطط الحادي عشر للتنمية (2007-2011) انبنى على نسبة نمو للآنتاج المحلي الإجمالي بـ6،3 بالمائة كمعدل خلال العشرية الممتدة من سنة 2007 إلى نهاية 2016. توقعات الدولة تبدو متفائلة جدا قياسا مع العديد من المؤشرات والحقائق . تأمل الدولة في أن تستعيد الصادرات حيويتها ويزداد حجم التصدير بـ8,2 % هذه السنة ( مقابل انخفاض 6,5 % تقريبا عام 2009) حتى يتمكن قطاع التصدير من تأمين 1,4 نقطة من نسبة نمو الناتج المحلي فيما يؤمن الطلب الداخلي إلى 2,6 نقطة المتبقية. لكن ضعف الطلب الداخلي الأروبي لا يزال مستمرا في اقتصاديات فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا وبلجيكا التي تمثل أهم شريك اقتصادي لبلادنا. لذا يبدو لنا أنه ليس من السهل تحقيق نسبة النمو المرتقبة. وكان من المفروض أن تتسم توقعات الحكومة بأكثر واقعية حتى تتجنب مراحعتها المتتالية مثلما حصل في السنة الماضية إذ وقع التخفيض من نسبة النمو من 6,5 % إلى 3,5 % لتستقر في النهاية على 3 %. هذا وأكد الوزير الأول عند تقديمه في 30/11/2009 بيان الحكومةأمام مجلس النواب حول الميزان الاقتصادي ومشروع ميزانية الدولة أن حكومته تمكنت من : أولا: الحد من تدعيات الأزمة الاقتصادية العالمية والحفاظ على مسار إيجابي للتنمية ببلوغ نمو إيجابي بـ3 % خلال 2009 التي تعد أسوأ سنة اقتصادية في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وقد نسنى ذلك بفضل الاجراءات التي أقرتها الدولة منها ماله طابع ظرفي ومنها ماله طابع هيكلي. والاجراءات المندرجة في الصنف الأول هي تلك التي انتفعت بها المؤسسات الاقتصادية الموجه نشاطها نحو التصدير وتتمثل في تكفل الدولة جزئيا أو كليا بالاعباء الاجتماعية التي يتحملها عادة المؤجر و إعادة جدولة قروضها ومساعدتها على تأمين الصادرات والحط من نسبة مخاطر الصرف. أما الاجراءات الهيكلية فتتمثل في دفع الاستثمار العمومي من خلال الترفيع بـ19 % من اعتمادات ميزانية الدولة للتنمية. ثانيا : انقاذ 55000 موطن شغل وخلق 57000 أخرى . ثالثا: الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى للدولة وحصر عجز الميزانية في حدود 3,6 بالمائة من الناتج الاجمالي المحلي. رابعا: تقلص نسبة الدين الخارجي إلى 41,3 % عام 2009 مقابل 42,6 % عام 2008. خامسا : تقليص معدل تطور الآسعار إلى 3،5 % مقابل 5 % عام 2008. لكن بيان الحكومة اكتفى بتسجيل ما تحقق خلال عام 2009 من ” إنجازات” رغم صعوبة الظرف الاقتصادي دون مقارنة النتائج المسجلة في تلك السنة مع توقعات المخطط الحادي عشر للتنمية (2007-2011) دون الإشارة إلى مالم يتحقق مقارنة مع الأهداف التي وضعتها الدولة نفسها. فالدولة التزمت مثلا في هذا المخطط بتحقيق نسبة نمو متوسطة بـ6,3 % سنويا وبخلق 85000 موطن شغل كل عام، وبتقليص نسبة البطالة من 14,1 % (عام 2007) إلى 13,1 % سنة 2011 وبالتخفيض من نسبة البطالة المتفشية في صفوف حاملي الشهادات العيا من 19 % (سنة 2007) إلى 14,1 % سنة 2011. لكن الاقتصاد التونسي لم يستطع إحداث سوى 57000 موطن شغل خلال 2009 مسجلا بذلك تراجعا بـ20.000 موطن شغل مقارنة مع العامين الماضيين. أما خلال سنة 2010 فسيحدث 70000 موطن شغل جديد أي بنقص يقدر بـ15000 موطن شغل مقارنة مع أهداف المخطط الحادي عشر للتنمية. والدولة تبدو متفائلة جدا لانها تتوقع انخفاض نسبة البطالة بنقطة ونصف في موفى 2014 رغم أن نسبة النمو كانت بـ3 % في السنة الماضية وسوف لن تتجاوز 4 % خلال عام 2010. نشير إلى أن نسبة 3 % تحققت بفضل سنة فلاحية طيبة ومنتوج فلاحي مرضي خاصة في قطاعي الزراعات الكبرى والاشجار المثمرة وأما هذه السنة فيبدو أن الموسم الفلاحي سيكون صعبا لأن المعطيات المناخية لهذه السنة تبدو سلبية وهي تؤشر لتراجع الانتاج الفلاحي خلال هذا العام مما سيؤثر حتما على الاقتصاد الوطني وعلى نسبة نموه. من جهته أكد السيد موريلو المدير العام المساعد لصندوق النقد الدولي خلال ندوة صحفية عقدها يوم 11/12/2009 بعد زيارة لتونس أن اقتصادنا مطالب بتحقيق نسبة نمو تقدر بـ10 % حتى يستطيع استيعاب الطلب الاضافي لليد العاملة البالغ 85000 طلب سنويا. لا يمكن تحقيق هذه النسبة حسب اعتقادنا عندما تصر الدولة على التمسك بمنوال التنمية الذي تنتهجه منذ أواسط الثمانينات أي منذ تطبيق ما يسمى ببرنامج إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي بتوصيات من صندوق النقد الدولي وهي الخطوة الأولى التي سبقت إبرام اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأروبي وهو اتفاق دعم هشاشته وعمق انحزام توازناته وحرم الدولة من مداخيل جبائية وغير جبائية ذات بال. إن مواجهة التحديات التي فرضتها الأزمة الاقتصادية العاليمة على تونس لا يتم بالتسلح بالتفاؤل المفرط أو بالاعتماد على مؤشرات طفيفة توحي بأن البلدان الشريكة الرئيسية لتونس بدأت تخرج من أزمتها. فعدم قدرة اقتصاد تونس على مواجهة أزمة البطالة وتوفير الشغل لطالبيه ليس السبب فيها بالاساس الأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت باقتصاديات أغلب دول العالم وفي مقدمتها البلدان الرأسمالية الكبرى , إن عجز اقتصادنا هيكلي ودائم ولن تستطيع الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة منذ جويلية 2008 إخراجه من هذا الواقع. المطلوب إذن هو تقويم نموذج التنمية المنتهج إلى حد الآن وصياغة سياسة تنموية بديلة تحمي اقتصاد البلاد وتقيه الهزات وتراعي بالاساس مصلحة تونس وبناتها وأبنائها وتدفع الاستثمار بصورة جدية لخلق أكبر عدد ممكن من مواطن الشغل. نحن نطالب الدولة بأن ترفع حجم الانفاق والاستثمار العموميين في مشاريع الأشغال الكبرى والبنية التحتية وفي المرافق العمومية (التعليم – الصحة – النقل – الثقافة إلخ…) وكذلك في القطاعات المنتجة مما سيمكن من ضمان مداخيل قارة للدولة وتنمية الثروة الوطينة علاوة على خلق مواطن الشغل. إن الرفع من وثيرة الاستثمار والإنفاق العموميين يتطلبان من السلطة عدم التقيد بضوابط اصطناعية جد قاسية وقسرية منها مثلا حصر الدين العمومي في حدود معينة وعجز الميزانية في نسبة 3,6 %. إن سياسة تنموية إرادية وشجاعة تعتمد بالاساس على دفع الطلب الداخلي والرفع من نسق تراكم الثورة الوطنية تتطلب من السلطة تعبئة الموارد الحقيقية للبلاد وهي موجودة فعلا ولم لا تكثيف اللجوء إلى الإقتراض العام الداخلي قصد تمويل المشاريع التنموية خاصة في الجهات المحرومة على كامل الشريط الغربي للبلاد وخلق مواطن الشغل في كافة القطاعات . إن إعادة الاعتبار لدور الدولة في العملية التنموية يحب أن يترافق مع دفع الاستثمار الخاص المحلي إلى مزيد من المبادرة في مخططات التنمية ومراعاة مصلحة وحقوق كل المشاركين في خلق الثروة ومنهم الأجراء وحماية الوطن من النهب مهما كان مأتاه. وستساهم الشفافية في المعاملات ومقاومة الرشوة والمحسوبية وحياد الإدارة واستقلال القضاء وتفعيل مبدأ مساواة كل المواطنين في الحقوق والواجبات وإرساء العدالة الجبائية ومقاومة التهرب الجبائي في إشاعة مناخ سليم من الثقة بين الدولة والمستثمرين الخواص وتدفع بهؤلاء إلى المنافسة النزيهة فيما بينهم وتحفزهم على الاستثمار المحلي الذي يخلق الثروة ومواطن الشغل وتدفع بهم إلى العزوف عن تهريب ثراوتهم أو إلى تجميد أموالهم في البنوك أو في المضاربات العقارية . أبو يوسف (المصدر: نشرية الإرادة لسان حال حزب العمل الوطني الديمقراطي (تونس)العدد 13 بتاريخ جانفي 2010)
منتدى التقدم حزب الوحدة الشعبية
لقاء مع الأستاذ عبد المجيد الشرفي حول الحداثة والهويّة
يستضيف منتدى التقدم لحزب الوحدة الشعبية الأستاذ عبد المجيد الشرفي في لقاء فكري حول الحداثة والهويّة، وذلك يوم الجمعة 19 فيفري 2010 على الساعة الرابعة مساء بمقر جريدة ” الوحدة “. الدعوة إلى الحضور مفتوحة للجميع.
عن منتدى التقدم عادل القادري
الانتخابات البلدية والديمقراطية المحلية: نحو منظومة مجالية لامركزية
بقلم : سليم الزواوي تشكل الانتخابات البلدية المقرر تنظيمها في شهر ماي المقبل مناسبة هامة وفرصة مواتية لطرح الواقع المجالي القائم ف بلادنا من أجل إعادة النظر في الطرائق المعمول بها على صعيد توزيع السلطة والنفوذ الإداريين على نحو يدعم التمشي اللامركزي الذي يتواءم مع مقتضيات الديمقراطية المحلية حتى لا تبقى هذه الأخيرة مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي من دون أن يجد على أرض الواقع ما يترجمه إلى مؤسسات وقوانين وموارد فعلية تؤهل العمل البلدي لإحداث النقلة النوعية المنشودة. لقد أصبحت الديمقراطية المحلية عنوانا عريضا لإعادة ترتيب العلاقة بين المركز والمحيط على نحو ينتهي معه تاريخ مديد من الاستئثار الحكومي بإدارة الشأن العام في كل تفاصيله وملفاته بطريقة بيروقراطية معطلة وبشكل لا يراعي حق الجهات والبلديات في التدبير المستقل عن المخططات الفوقية الجاهزة والأوامر العلوية المسقطة. إنهاء المركزية المشطة مطمح ديمقراطي تتدرج في تحقيقها الدولة ببطئ شديد، فشواهد الحال تؤكد بأن البلديات فضلا عن الولايات لا تتمتع كلاهما بسلطات واسعة تمكنها من التصرف المستقل والمبادرة الحرة فيما تحت أيديها من موارد مادية وبشرية بل إن كثيرا من الخدمات حتى البسيطة منها لا يحد مسارها نحو الإنجاز الأبعد أن تعبر مسالك إدارية معقدة واختصاصات متداخلة تربطها خيوط كثيرة بالإدارة المركزية في العاصمة. لا أحد ينكر أن للسلطات المركزية دورها المؤكد في تدبير المجالات الكبرى للدولة ، ولا ينبغي منازعتها في ذلك غير أن المطلوب إفساح المجال واسعا للسلطات الجهوية في أن تأخذ بزمام التصرف في شؤونها المحلية بما في ذلك حقها في تطوير مخططات تنموية محلية تراعي حاجيات الجهد وخصوصياتها. يعلم الجميع أن الولاة في بلادنا هم في الحقيقة امتداد للسلطة المركزية كما أن البلديات لا تعمل بمعزل عن نفوذ الوالي وتدخلاته، هذا علاوة على الإشراف السلطوي المباشر الذي يحكم عمل المجلس الجهوي على نحو يضعف قدرته على المبادرة الذاتية ويحرمه من فرص صناعة القرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بالجهة. استنادا إلى هذه المعطيات لا بد أن نلاحظ الصعوبات الماثلة أمام تجسيد الديمقراطية المحلية في ظل استمرار العلاقة العمودية بين المركز والجهات بما في ذلك البلديات الأمر الذي يتطلب إصلاحات قانونية ودستورية تعيد تقسيم الأدوار التكاملية في النسيج الإداري وحتى في الهندسة المجالية خصوصا وأن تغييرات الثقل السكاني وتطورات حركة الهجرة الداخلية وديناميات الاستثمار والتنمية تدفع الكثيرين إلى التفكير في تقسيم إداري جديد من شأنه أن يخفف الضغط على العاصمة ويفسح المجال في الوقت نفسه لانبثاق مناطق جذب واستقطاب جديدة ومنافسة على غرار ما يحدث في العديد من البلدان المتقدمة. هذا الاستشراف ليس بعيدا عن التحقق إذا ما أخذنا بكل أبعاد الديمقراطية المحلية التي لا ينبغي أن تختزل في حدود العمل البلدي المتحرر من تقاليد التبعية لوصاية السلطة المركزية ، وذلك أن الديمقراطية مشروع متحرك وإذا ما انطلق قطاره فلن يتوقف مطلق حتى يأتي على كل مواقع التمحور السلطوي ومواضع الاحتكار الإداري والسياسي والتنموي. انطلاقا من هذا الأفق الديمقراطي الرحب يمكن أن تكون الانتخابات البلدية القادمة خطوة على طريق الانتقال الديمقراطي الذي يكفل تدريجيا مشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم خصوصا إذا ما تعمق وعيهم أثناء الممارسة الانتخابية وبفضلها تحقيقه مفادها أن تحرير العمل البلدي من تقاليد المركزية المشطة هو مؤشر على قدرتهم على تحرير البلاد بأسرها من أوهام الحاكمين بإمكانية العودة بالبلاد إلى عهود الاستبداد والتسلط أو الإجهاز على ما تحقق في الحياة العامة من مساحات للمشاركة وهوامش للحرية.
سليم الزواوي (المصدر: جريدة الوحدة –أسبوعية سياسية ناطقة باسم حزب الوحدة الشعبية-العدد 677 بتاريخ 13 فيفري2010)
لماذا لا يتفاعل المسؤولون مع الشباب على الإنترنت ؟
إسماعيل دبارة يقبل السياسيون في مختلف أنحاء العالم على استعمال الفضاء الالكترونيّ لمزيد التواصل مع قواعدهم و أنصارهم ، وازداد إقبال رجال السياسة والشخصيات العامة على هذا الفضاء مع ظهور شبكات اجتماعية واسعة الاستعمال و الانتشار كـ”فايسبوك” و”تويتر” وغيرهما. ويخاطب سياسيو الدول الديمقراطية في الغرب الشباب والمواطنين عبر هذه الوسائط الحديثة ، و يستمعون إليهم ويجيبون عن استفساراتهم . و تشهد صفحات بعض الشخصيات المعروفة إقبالا مكثفا لفئة الشباب التي تسائل حكامها بقسوة دون خوف أو وجل . منذ أسبوعين دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المعجبين به ومناصريه أن يشركوه في تساؤلاتهم ومشاغلهم، وجاء النداء من خلال عنوان الرئيس الفرنسيّ على الموقع الاجتماعي “فيسبوك”، وذلك قبل حلوله ضيفا على الإعلامية لورنس فيراري في نشرة الأخبار المسائية في القناة الفرنسية الأولى. وخاطب ساركوزي أنصاره مباشرة قائلا: “لا تترددوا في إحاطتي علما بأسئلتكم وبالموضوعات التي ترون أن من المهم التطرق إليها، وأنا أشكركم على دعمكم لي، هذه السنة، وسنعمل جاهدين لخدمة مصالح فرنسا”. وقبل ساركوزي خاطبت سيغولان روايال التي ترشحت للرئاسة المواطنين عبر “الفايسبوك” ، وفي المملكة العربية السعودية التي ليس لها تقاليد ديمقراطية عريقة، أنشأ وزيران هما وزير العدل محمد العيسى ووزير الإعلام عبد العزيز خوجة ، صفحات عبر فايسبوك لتقبل آراء و تساؤلات مستعملي الانترنت. والمثير أن الوزير بنفسه يجيب على تلك التساؤلات و يستفيد من خدمة التفاعلية التي تتيحها الشبكات الاجتماعية الافتراضيّة. تفاعُل السياسيين و الوزراء و الشخصيات العامة في الولايات المتحدة وفرنسا و هولندا وحتى في بعض الدول العربية كالسعودية و المغرب، مع الشباب قد يشير إلى إرادة سياسية في الاستماع إلى هواجس المواطنين و الناخبين و القواعد وهو الأمر الذي لا يزال مستبعدا للغاية في تونس. إذ أن الوزراء في الحكومة السابقة والحالية لم يستفيدوا بتاتا من التفاعلية العالية التي تتيحها الشبكات الاجتماعية على غرار “فايسبوك “التي تجمّع أكثر مليون تونسيّ في مكان واحد (وهو ما لم يحصل في أي فضاء آخر). ولم يخاطب أي وزير تونسيّ مستعملي الشبكة بشكل مباشر كما يحصل في الدول المتقدمة و بعض الدول العربية ، بالرغم من تعدد الاستفسارات التي تطرح بشكل عفويّ بين الفينة و الأخرى خصوصا مشاكل الشباب و استفساراتهم في ما يخصّ الحياة الطلابية والتشغيل والخدمة العسكرية وغيرها. فباستثناء الصفحة الخاصة للرئيس بن علي التي تشرف عليها مجموعة من كوادر الحزب الحاكم ، لا وجود لصفحات شخصية لوزراء أو مسؤولين حكوميين. وحتى صفحة الرئيس بن علي على شبكة “فايسبوك” لم تجعل للتفاعل وطرح الاستفسارات و النقاش، فبالرغم من كثرة “الأنصار” الذين تجاوزوا أكثر من 120 ألف نصير ، فإن الصفحة تخصصت بالكامل في تغطية النشاط الرئاسي وخطب رئيس الجمهورية والدعاية الحزبية للتجمع الدستوريّ الديمقراطي. ولا يتجرأ مستعملو الانترنت على إبداء الرأي و النقد عبر تلك الصفحة ، وحتى إن تجرأ بعض الشباب على التعليق على خبر ما ولم يكن متناغما مع الدعاية الحزبية ، يقوم المشرفون على الصفحة بشطبه على الفور. وواضح أن التفاعلية التي خلقتها وسائل الاتصال الحديثة و التي لم يحلم بها السياسيون سابقا ، تعتبر من أهمّ الوسائط اليوم لمخاطبة مستعملي الانترنت والتفاعل مع ما يطرحونه من ملاحظات وانتقادات. ويظلّ النقاش والجدل عبر الشبكات الاجتماعية تعبيرا راقيا عن السلوك الديمقراطي المفقود. فمتى يدرك المسؤولون في الحكومة ذلك ؟ (المصدر: “الموقف” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 532 بتاريخ 12 فيفري 2010)
الافتتاحيّة الإرادة هل فات الأوان؟
اليوم وبعد انقضاء فترة من الوقت على انتخابات أكتوبر 2009 من حقّنا أن نتأمّل المشهد السياسي ونستنتج ما آلت إليه أوضاع البلاد. إنّ أوّل استنتاج سياسي أثبتته تجربة هذه الانتخابات يتمثل في أن منهج المعارضة الجدّية ومنهج المشاركة النضالية النشيطة كان الخيار السياسي الصائب وهو الخيار الذي دافع عنه حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ ونفّذه مع حلفائه في المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدم، ورغم العراقيل والصعوبات العديدة، فإنّ أهداف هذا التمشي الذي حدّد الرهان الأساسي في التوجه للشعب وخوض تجربة افتكاك حقّ الاختيار الحرّ وتكريس معنى المواطنة والاحتكام للإرادة الشعبية وممارسة كل ذلك مع الناس قبل وأثناء وبعد الحملة الانتخابية، كان خيارا مجديا التفت حوله جماهير غفيرة من أبناء شعبنا، وكرّسته فعليا أثناء الانتخابات في مختلف مراحلها سواء بتجاوبها مع الدعاية المباشرة المكتوبة من خلال بياني الانتخابات الرئاسية والتشريعية أو المسموعة والمرئية رغم التضييقات العديدة، أو من خلال حضورها المباشر لأنشطة المبادرة الوطنية واجتماعاتها التي كسرت أجواء الحصار والأحادية وبرهنت بالملموس لدى آلاف الناس أن سياسات أخرى بديلة في مختلف المجالات ممكنة، سياسات تحقق العدل الاجتماعي وتنتصر للقضايا الوطنية العادلة وتواجه الأزمة الاقتصادية وتعالج مظاهر البطالة والفقر وتدني الخدمات وتطوّر التعليم وتنهض بحياة الناس المادية والروحية ممكنة كذلك، وأنّ المدخل لكل ذلك هو دمقرطة الحياة السياسية بما يسمح للمواطنين أن يختاروا من يحكمهم وبالبرنامج الذي يخدم مصالحهم. لم يكن من الممكن أن يلمس الناس أهمية ذلك بدون تلك المشاركة النضالية، من دون استغلال ذلك الهامش -رغم كل العراقيل- الذي فتحته الحملة الانتخابية، بل إن العراقيل والتجاوزات التي واجهها المناضلون والمعارضون الجدّيون بالتصدي لها والتنديد بها، والاعتراض عليها هي التي أعطت لمعركة الانتخابات طابعها السياسي المعارض بامتياز، وهي التي بعثت في الناس الأمل بأن الحقوق يمكن أن تفتك إذا ما وجدت نساء ورجالا أوفياء للشعب ومستعدين للتضحية، لا يتعالون على الشعب ولا يحتقرون إمكانية لذلك، يراهنون عليه ويسيرون معه لا بعيدا عنه، لا يتقدمون عنه أو يتخلفون، بل يلتحمون به ويتصدرون معاركه المدروسة الممكنة والمجدية بكل واقعية وبكل ثبات وجرأة كذلك. وقد تجلى ذلك في خطاب المبادرة الوطنية وخطتها العملية أثناء خوض هذه الانتخابات التي عوّلت فيها بالكامل على القوى الذاتية وقطعت مع أوهام الاعتماد على القوى الخارجية ذات المنازع الهيمنية، كما تصدت لأي انحراف يسقط في الإسفاف أو التشخيص المبتذل وبينت أن هناك معارضة لا تساوم في مطالب الشعب الحقيقية وفي الدفاع عن حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا تسكت عن مظاهر الحيف أو الظلم ولا تجاري الخطأ بل تصدع بالحق دون افتعال أو تشنج. وقد يعترض من ينظر إلى النتيجة النهائية المتمثلة في الحصاد الانتخابي للاستحقاق، وهو حصاد لم يجسّد حيوية المشهد السياسي وثراءه بل تمادى في تكريس المشهد القديم وفاقمه، ويمكن من هذه الزاوية أن نرى أن الانتخابات قد كانت فرصة مهدورة إذ كان يمكن أن تسمح بتجاوز الحالة السابقة وتحقق تقدما ملموسا على طريق الديمقراطية الحقيقية. ولكن هل فات الأوان؟ وهل أن الفرصة المهدورة بات من المتعذر تعويضها؟ نحن نقول لا . نعم نحن نقول إن فرصة تدارك الأوضاع مازالت ممكنة، وفرصة تطوير الحياة السياسية للبلاد نحو انفتاح حقيقي مازالت واردة بل لعلها اليوم أكثر إلحاحا وتأكدا. نحن نعتبر أن الخطوة الانفراجية المتمثلة في إطلاق سراح مساجين الحوض المنجمي أمر إيجابي ولكن يجب أن تستكمل هذه الخطوة بطي صفحة هذا الملف نهائيا والانتقال من وضع السراح الشرطي إلى فسخ تام للعقوبة في إطار عفو عام وتمكين هؤلاء المواطنين من كافة حقوقهم المترتبة على ذلك وفي طليعتها حقهم في العودة لمواقع عملهم، والانكباب على المعالجة الجذرية لملف التشغيل والتنمية في هذه الجهة وسائر الجهات المحرومة من وطننا، بكل عمق، وبتشريك كل الطاقات والكفاءات المعنية. ·كما أننا نرى أن الوقائع أثبتت أن الحاجة باتت ماسة لتقنين القوى السياسية المدنية الفاعلة على الأرض والاعتراف بحقها في العمل القانوني الذي يمكنها من النهوض بواجبها الوطني والتقدمي في تأطير المواطنين والإسهام في بلورة الحلول الممكنة والضرورية لمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتأمين الحياة الكريمة لأبناء الشعب. ·كما أن إصلاح المجلة الانتخابية ومجمل القوانين المتعلقة بتنظيم السياسية وتفعيلها باتت متأكدة. ·كما أن الحاجة باتت ملحة لمراجعة وضع الإعلام في اتجاه إطلاق حرية التعبير واستغلال سائر فضاءات التواصل والإبداع، بما يحفز المشاركة الايجابية ويرفع القيود عن الاجتهادات البناءة حتى وإن اختلفت أو تعارضت مع رؤى الحزب الحاكم، إن معارضة مسؤولة وجدّية جديرة بأن يفسح لها المجال للعب دورها كاملا في التعبير والتأطير والإثراء للحياة السياسية في البلاد بما تقترحه من مقاربات وحلول ضمن تعددية فعلية وديمقراطية حقيقية وهذا يستدعي كف الحزب الحاكم عن سلوك الاستفراد بالشأن العام، وفرض هيمنته على دواليب الإدارة، وتهميش كل معارضيه ونعتهم بالتهافت وانعدام المصداقية والقدح في وطنيتهم. ·إن إصلاحا سياسيا جديا يأخذ في الاعتبار ما نحن مقبلون عليه من استحقاقات في الفترة القادمة، وما نحن ملزمون بمواجهته من صعوبات سواء على مستوى السياسي بما يخدم تكريس ديمقراطية حقيقية وتعددية فعلية تمكن الناس من اختيار من يحكمهم ضمن نظام سياسي مدني جمهوري يحتكم فيه فعلا للاقتراع العام الحر والنزيه. ·أو على مستوى مواجهة مشاكل التنمية، والانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية، وتوفير مواطن الشغل وظروف العيش الكريم لكل أبناء تونس وتحقيق تطلعاتهم وتحصينهم ضد نوازع اليأس أو التعصب. ولن يتحقق ذلك في ظل تواصل إقصاء أو تهميش القوى السياسية المدنية الفاعلة التي تمثل المعارضة الجدية والمسؤولة. بل إن سياسة الهروب إلى الأمام وتجاهل متطلبات الإصلاح واتباع منهج الأرض المحروقة التي تحشر الجميع إما في معسكر الولاء أو معسكر التخوين هو الذي يفتح الباب واسعا نحو التدخل الأجنبي الامبريالي في شؤون البلاد الداخلية. إننا إذا لم نسر نحو إصلاح أوضاعنا بثقة وثبات ودون تفريط أو تهاون في سيادتنا الوطنية ودون إقصاء لأي طرف وطني تحدوه روح بناءة، سنسير نحو تهيئة الظروف لتدخل القوى الهيمنية التي تريد فرض أجنداتها علينا بما يخدم مخططاتها ويفرض بدائلها ويؤبد مشاكلنا ويعرقل تطورنا الوطني والديمقراطي الذي بتنا في أمس الحاجة لتجسيمه ورفع وتيرته لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة التي يجب مواجهتها بتبصر ومسؤولية. أبو خالد (المصدر: نشرية “الإرادة ” لسان حال حزب العمل الوطني الديمقراطي (تونس)العدد 13 بتاريخ جانفي 2010)
افتتاحية جريدة الوحدة
لا نعتقد أن موضوعا يتعلق بالشأن العام الوطني قد أثار من النقاش وأسال من الحبر وشغل مكانة مستمرة في الخطاب السياسي لمختلف الأحزاب والقوى، مثل موضوع تطوير المشهد الإعلامي في تونس. فالجميع في السلطة بمستوياتها كما في المعارضة بأشكالها، وفي الشارع بفئاته مجمعون على أن الإعلام في تونس لم يرق إلى المستوى المقبول، وأنه في حاجة إلى تطور ودفع كي يكون في مستوى الخطاب السياسي الذي لا يختلف فيه إثنان من حيث تبني قيم المواطنة والتعددية وحقوق الإنسان وقبول الاختلاف.. على أن الاختلاف قد يقع في مستوى تحميل المسؤولية عن الوضع الراهن. هل هي مجلة الصحافة وما تحتويه من فصول زجرية؟ أم هي في الرقابة الذاتية لدى الصحفيين كما يقول بعض أهل السلطة؟ أم هي في غياب ثقافة الاختلاف لدى المسؤولين، بمن فيهم مسؤولون في المعارضة ،والخلط بين ما هو شخصي وما هو موضوعي؟ أم هي في أصحاب الصحف ومديريها وخوفهم على مصالحهم المرتبطة بمن هم في مواقع القرار؟ الواضح أن كل طرف يلقي بالتبعات على الآخرين ، وأن تطور الإعلام يبقي الضحية الباحثة عن جلادها، بين الباكين عليها، لا تفرز من بكى ممن تباكى. والخطاب الأخير الذي ألقاه رئيس الدولة لم يكن الأول الذي يثير مسألة الإعلام وحق المواطن في إعلام شفاف، وفيما انشغلت الصحف في تحليل الخطاب واستقرائه وتأويل دلالاتها واستطلاع الآراء حوله، لم تبذل – في الغالب- مجهودا يذكر للمرور من الحديث عن تطور الإعلام، إلى إنجاز التطور، والفرق شاسع، فهاهو المواطن التونسي يسمع أصداء عن أحداث وقعت في جبنيانة وأحداث أخرى في السخيرة ، وفي بوسالم… دون أن يرى في صحافته الوطنية المكتوب منها والمسموع والمرئي خبرا ولا تعليقا ولا حوارا.. فهل يلام المواطن إذا بحث عن مصادر أخرى تروي غليله؟ وهاهو المواطن التونسي يسمع يوميا عن أحداث عنف تتم في الفضاء المدرسي، وتكتفي صحف قليلة بالإخبار عنها، دون أن تكلف التلفزة الوطنية نفسها عناء فتح ملف هام كهذا يدلي فيه المربون والإداريون والسياسيون ولم لا التلاميذ بآرائهم.. فيكون ذلك إعلاما هادفا.. لا مجال بمقارنته ببعض المشاكل الفردية والناتج بعضها عن سلوكات شاذة والتي تحتفي بها تلفزتنا لتستدر بها الدموع أكثر من أن تفتح بها العقول؟ هل الحديث عن خطاب الرئيس هو من باب الواجب الذي نقوم به ثم نعود إلى ما كنّا فيه؟ وهل حرية الإعلام وتطوير المشهد الإعلامي شعارات نرددها ثم نعود إلى مكاتبنا في الصحف وفي الإذاعات والقنوات التلفزية لنمارس ما هو ضدها؟ إن الوضع الإعلامي الوطني يحتاج إلى أكثر من تحليل الخطابات، ويحتاج أعمق من تشكيل لجان، خاصة إذا كان في عضوية بعض هذه اللجان بعض من أسهموا في تكريس الوضع الراهن وإذا كان تكوين اللجان المعنية بتقييم المشهد الإعلامي وتقديم التصورات حول دعم التعددية، يتم بإقصاء ممثلين عن بعض صحف المعارضة. إن تطوير المشهد الإعلام لا يتم في حلقات مغلقة مهما كانت النوايا طيبة، ولا في لجان تفكير مهما كانت العقول نيرة، فإلى متى نظل متهربين من الحوار الوطني العمومي في أمهات المسائل؟ (المصدر: جريدة الوحدة –أسبوعية سياسية ناطقة باسم حزب الوحدة الشعبية-العدد 677 بتاريخ 13 فيفري2010)
قطوف من بلاد الهاوهاو عصر “علي برمة”
يكتبها: الصّحبي الوهايبي هل سمعتم بحكاية “علي برمة”؟ رجل، عاش ومات في بلاد الهاوهاو ولم يسمع باستقلال بلاده وعَتقها من نير الاستعمار الفرنسي إلاّ سنة 1964، أي ثمانية أعوام بعد الحدث المبارك الجلل. وقد رسمت الصّحفيّة التي نقلت الخبر نقطة تعجّب على العنوان. ممّ تتعجّب؟ يقال : “إذا عُرف السّبب زال العجب”. وهل مازال هناك ما يثير العجب وقد رأينا العجب العجاب ولم نَعجب؟ أكاد أجزم، بل أجزم أنّ الرّجل عاش ومات في الفلاة سعيدا، بعيدا عن المدن وصخبها وناسها وضوئها وظلمتها. عزاؤه في ذلك كلّه، أنّه عاش دون أن يكمّم صوته أحد أو يطمس ناظريه أحد أو يسدّ أذنيه أحد أو يقيّد رجليه أحد. من منكم يقدر أن يعيش مثله؟ كان ذلك عصرَ “علي برمة”. والآن، هذا عصر الهاوهاو. وما أدراك ما عصر الهاوهاو؟ قال لي صديق : “أليس أحسن لو قرأت اسم هذا البلد من اليسار إلى اليمين فيصير بلاد “الواه واه”؟ ولفظة وَاهَ تدلّ في ما تدلّ على التلهّف. واهًا على ما فات. وتستعمل للتّعبير عن التّفجّع، كأن نقول واهَ وواهًا على فقدِ ذاك الفتى. فيا صديقي، يكفي تّلهّفا وتّفجّعا ودعنا نضحك ملء أشداقنا من هذا الزّمن وعلى هذا الزّمن… وهل سمعتم بحكاية المرأة التي نصّ مضمون ولادتها على وفاتها وهي حيّة تُرزق؟ الحمد لله، لم يكن هناك تدليس وغاية ما في الأمر، سهو إداريّ تداركته البلديّة وطوت الملفّ. نفخت البلديّة من جديد في روح المرأة بجرّة قلم فإذا هي حيّة تسعى وسبحان الذي يحيي العظام وهي رميم. نصيحة لوجه الله، أسوقها للمرأة الحيّة الميّتة الحيّة أن تتثبّتَ في قائمات النّاخبين قبل أن يدفنوها حيّة فلا تخرج بعدها من قبرها إلاّ لتصوّت وتنتخب ثمّ تعود إلى مثواها. الثّابت أنّ ذلك السّهو الإداري قد طال خلقا كثيرا وهم لا يعلمون. ذلك أنّي أرى أمواتا كُثرا يسيرون بين النّاس، لا توقظهم السّلطة من سباتهم إلاّ أيّاما معدودات قبل الانتخابات لتركنهم بعدها إلى نومتهم وتركن إلى نومتها… ونوم السّلطة مثل سبات الشّتاء أو البيات الشّتوي أو الإشتاء، كما يقول أهل الاختصاص عن الحيوانات التي تقضي الشتاء في حالة خدر أو سكون فلا تعمل ولا تسعى ولا تفكّر. وتظلّ تعيش على ما كدّسته في أجسامها من مخزون غذائي. لكنّ علماء الفيزيولوجيا يضعون تحديداً أكثر دقّة لهذه الحالة، إذ يخصّون بها، الحيوانات التي تتناقص درجة حرارة الجسم لديها كثيراً، وتقلُّ معدّلات استقلابها (أيضها) وتنفّسها ودقّات قلوبها شتاءً إلى حدّ كبير. وقد تدوم هذه الحالة لدى بعضها أسابيع وربّما شهورا بأكملها. غير أنّ إشتاء السّلطة يدوم أكثر. فهو يغطّي دائما أربع سنوات وربّما خمسا، أي من الانتخابات إلى الانتخابات… تقول الحكاية : جمعت العاصفة ثلاثة صيّادين، أمريكي وصومالي وهاوهاوي في كهف فأخذتهم سِنة من نوم طالت وطالت ثمّ طالت فلمّا استيقظوا بعد ثلاثمائة سنة شغّلوا المذياع فإذا هو يشتغل ويا للعجب! لم تنفد شحنة البطارية، رغم أنّها من صنع محلّي فاسد مغشوش. وسمعوا المذيع الصّومالي يقول : “أعلنت الصّومال أنّها لن تتنازل أبدا عن حقّها الشّرعي في ولاية نيوجرسي”. ثمّ حوّلوا موجة البثّ على أمريكا فإذا المذيع يزعق : “سنقاتل حتّى آخر طلقة! سنقاوم حتّى آخر جنديّ”. وحوّلوا الموجة على عاصمة الهاوهاو فإذا المذيع يردّد : “إجماع شعبي منقطع النّظير… يثمّنون وينوّهون ويباركون وهاوهاوهاو…” بالكاد تكلّم الرّجل الذي يحتضر، مخاطبا زوجته وقد جلست إلى جانبه، على حافّة السّرير في ذلك المستشفى الذي يشبه المشافي التي تنتصب في الخلاء أيّام الكوارث والزّلازل : “عندما أطردوني من العمل، كنت إلى جانبي. وعندما أفلست، كنت إلى جانبي. وعندما دهستني تلك السّيّارة المجنونة، كنت إلى جانبي. وعندما بتروا ساقيّ، كنت إلى جانبي. وها أنت اليوم، وأنا أسلم الرّوح إلى باريها، تجلسين إلى جانبي. ثمّة إحساس غريب، يا عزيزتي، يقول لي إنّك كنت… شؤما عليّ طول حياتي وإنّك وجه نحس”. كانت حكومة الهاوهاو إلى جانبكم عندما أكلت الفتنة رفاق الأمس. وكانت إلى جانبكم عندما جرفت فيضانات 1969 و 1988 و2006 و2009 حرثكم وزرعكم ونسلكم. وكانت إلى جانبكم عندما خرجتم من مسابقات كأس العالم وعندما انسحبتم من كأس أفريقيا لبطولة الأمم لكرة القدم. وكانت إلى جانبكم أيّام انتفاضة الخبز عام 1984 وقبلها عام 1978. وكانت إلى جانبكم عندما أطردوا بعضكم من العمل لأسباب فنّيّة واقتصاديّة، عالميّة وإقليميّة ومحلّيّة. وكانت إلى جانبكم عندما سقطت مشاريع القرن العملاقة في ماء البحيرة. وكانت إلى جانبكم عندما وقفتم في طابور العاطلين عن العمل. وهي إلى جانبكم كلّما طاش لكم سهم أو خاب أمل أو تبخّر حلم. (المصدر: “الموقف” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 532 بتاريخ 12 فيفري 2010)
المحرقة النازية ضد اليهود في نشاط التعاون الثقافي الفرنسي مع تونس لا لنفي المحرقة اليهودية…وألف لا لتجاهل المحارق المتواصلة
عادل الحاج سالم لا شك أن الأسلوب الذي أقيمت به دولة إسرائيل اعتمادا على خرافات وأساطير من الأرض الموعودة إلى شعب الله المختار الى شعب بلا أرض في أرض بلا شعب، ثم السلوك العدائي لهذه الدولة تجاه دول الجوار واعتمادها التوسع المطرد وترحيل المواطنين وتنظيم المجازر ضد قرى بأكملها.. إضافة إلى الابتزاز الممنهج الذي مارسه قادة هذه الدولة تجاه أوروبا وألمانيا تحديدا في ما يخص المحرقة النازية، والذي أدى، لا إلى الحصول على تعويضات مالية خيالية فحسب، بل إلى اعتبار دولة إسرائيل فوق النقد، واعتبار من يشكك في الأرقام عن المحرقة معاديا للسامية، لا شك أن ذلك كله – وغيره – قد أسهم في الخلط بين الصهيونية وهي العقيدة العنصرية البغيضة، وبين اليهودية، وهي الدين الذي لا يخلو كسائر الأديان من معاني الرحمة والإنسانية… إن نفي المحرقة أو التشكيك فيها، أو التشكيك في أرقامها، ليس اختصاصا عربيا ولا إسلاميا، وأشهر نفاة المحرقة والمشككين في أرقامها ينتمون فكريا وحضاريا وجغرافيا إلى الغرب…وان كان جمهورهم الأوسع بين العرب والمسلمين، ومنطلقات هؤلاء غير منطلقات أولئك، وان التقوا في النتيجة. أزعم أن المحرقة النازية ضد اليهود حقيقة تاريخية ثابتة، لا يمكن الطعن فيها بنفس المقدار الذي لا يمكن فيه إنكار التصفية العرقية البغيضة التي مارسها الأوروبيون والأسبان تحديدا، ضد الشعوب الأصلية للقارة التي صار اسمها أمريكا، وإنكار المحرقة النازية لليهود في رأيي إنكار الخراب والدمار التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي عموما وفي الجزائر خصوصا، ومثل إنكار الهمجية الأمريكية في العراق، ومثل إنكار المحرقة المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني منذ 1948. فما فعله النازي باليهود فظاعة واعتداء على الإنسانية، مهما كان العدد الحقيقي لضحاياه، وما يرتكبه الصهاينة في فلسطين لا يقل فظاعة، بل انه يفوقها من بعيد: لأننا في عصر حقوق الإنسان، وعصر الأمم المتحدة التي تبيح قوانينها التدخل حتى بقوة السلاح في حال حدوث جرائم ضد الإنسانية، وفي عصر وضعت فيه دول الغرب – أو عدد منها – نفسها في موضع حامي الإنسانية وقيمها، لتشن حروبا عسكرية وسياسية وإعلامية واقتصادية ضد من لا يحترم تلك الحقوق، لكن نفس الأطراف تغض النظر عما يقع في أراضي فلسطين والعراق وأفغانستان، إن لم تكن هي الطرف الأساسي فيه. اليونسكو…والخيارات الضبابية ما جرنا إلى هذا الحديث هو مشروع علاء الدين الذي تبنته منظمة اليونسكو منذ سنة تقريبا، أي بعد محرقة غزة الأخيرة، ويتلخص في مكافحة الفكر الذي ينفي محرقة اليهود على أيدي النازيين، وتخص اليونسكو بالاهتمام في مشروعها هذا العالمي العربي والإسلامي، ومن هنا اللجوء إلى هذا الاسم العربي ذي الوقع الخاص والمذكر بعوالم ألف ليلة وليلة.. وكأن هذا البرنامج سيكون قنديل علاء الدين ذا المفعول السحري في تأليف القلوب بين أهالي الديانتين… لا نشك في الخلفية الإنسانية للمشروع، ولا في حاجتنا – عربا ويهودا – إلى أن تنتشر ثقافة التسامح بين صفوفنا، وأن يتراجع التطرف الديني عندنا وعندهم، خاصة وأن دولة إسرائيل على عكس أغلبية الدول العربية قائمة على الدين أساسا، وعلى التطرف والمغالاة.. ولكننا نعتقد أن هناك أخطاء منهجية لا بد من التنبه إليها:- -أن انتشار فكرة نفي المحرقة النازية لا يمكن الحدّ منه ما دمنا نرى المحارق الدائمة التي تنظمها الدولة المتلحفة بالدين اليهودي في حق العرب في فلسطين وغير فلسطين… -أن هذا البرنامج اعور لا يرى إلا بعين واحدة، وكأن اليهود دائما هم الضحية، وأن العرب والمسلمين فقط في حاجة إلى التسامح، وهذا يناقض ما نراه من حركات تطرف أصولية يهودية لا في إسرائيل بل – وربما أكثر – في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وانجلترا… -أن هذا البرنامج له أهداف “نبيلة” لا تتماشى والاستفزاز لماذا نتحدث عن استفزاز؟ الاستفزاز يتمثل – من بين ما يتمثل – في اختيار تونس بالذات كأول بلد عربي تقام على أرضه أنشطة في إطار هذا البرنامج، والملفت أن المنظمين ليسوا من التونسيين، بل إدارة المعهد الفرنسي للتعاون، وكأن هذه الإدارة تجهل أننا لا نحتاج في بلادنا إلى دروس ولا إلى توعية في مجال التسامح مع اليهود على مر التاريخ، وأننا نتشرف بمواطنينا التونسيين ذوي الديانة اليهودية ونقدر كثيرا وقوفهم إلى جانب القضية الفلسطينية.. ويكفي أن اذكر أن أوضح المواقف بين المناضلين التونسيين ضد الطابع المتطرف والعنيف لدولة الاحتلال الصهيوني كانت للمرحوم المناضل جورج عدة… كما أن هذه الإدارة تتجاهل أن تونس، هذا البلد الصغير، كان له الشرف وهو تحت الاحتلال الألماني برفض معاملة المواطنين اليهود التونسيين بإذلال، كما رفض ترحيلهم أو تعذيبهم، أو إلزامهم بحمل شارات خاصة.. كان ذلك موقفا للحركة الوطنية التونسية، وكان الموقف الذي عبّر عنه المغفور له الملك المنصف باي..ولم يشفع له لدى قوات الحلفاء بعد انتصارها، وضحت به وتركت حكومة فرنسا الحرة تذله وتعزله وتنفيه… الاستفزاز الثاني هو في نوعية المدعوين إلى هذه الندوة، خاصة الصهيوني الشهير، سارج كلارسفيلد، المعروف بدفاعه عن السياسة العدوانية للكيان الصهيوني، والذي كان ابنه آرنو ضمن جيش الاحتلال وبالذات ضمن حرس الحدود وهو اللواء الذي فاحت روائحه بتوليه أعمال القنص ضد أطفال الحجارة زمن الانتفاضة الأولى… ما يمكن استنتاجه في الأخير هو أننا نحن العرب – وكعادتنا – مقصّرون وقليلو التأثير في المنظمات الدولية: فأين كان ممثلو دولنا العشرين عندما أقرت اليونسكو هذا المشروع؟ ولماذا لم يتدخلوا لتعديله ليكون مشروعا متوازنا يرى بعينين ويكيل بمكيال واحد؟ ولماذا يحضر ممثلون عن دولنا في الاحتفالية التي صاحبت انطلاقه في باريس منذ حوالي سنة؟ أما اختيار المعهد الفرنسي للتعاون بتونس لهذا النشاط بالذات على أرضنا، فيذكرني بالقناة الفرنسية الثانية التي تعود إلى بث أفلام وأشرطة وثائقية وبرامج حوارية حول المحرقة النازية لليهود…كلما ارتفعت الحرائق في أرض فلسطين ولبنان..ولا أقول لمسؤوليه ولمسؤولي السفارة الفرنسية من ورائهم: ما هكذا نخدم التعاون الثقافي بين بلدينا، وما هكذا نتجاوز مخلفات استعماركم لبلادنا… (المصدر: جريدة الوحدة –أسبوعية سياسية ناطقة باسم حزب الوحدة الشعبية-العدد 677 بتاريخ 13 فيفري2010)
اكتشاف بلدية قصرهلال للشأن الثقافي بالصدفة من خلال اعتراض المعهد الوطني للتراث على مثال التهيئة العمرانية؟؟؟ *الفراق القاتل*
تعيش مدينة قصرهلال المنارة الثقافية ذات المخزون الحضاري المتميز ومنذ حوالي العشر سنين الآن أي تحديدا منذ أن أقدم أحد معتمدي قصرهلال السابقين والذي لم يعمّر في خطته طويلا بعد ذلك لارتكابه هفوات قاتلة لعل أبرزها وليس أقلها اقدامه،وفي مكتبه على تجديد تركيبة اللجنة الثقافية المحلية في اطار عملية تصفية حسابات غير مباشرة بين كاتب عام جامعة التجمع(حليفه الموضوعي)،وكاتب عام اللجنة وهو يتولى الآن مهمة ثلاثية استراتيجية(امام ورئيس شعبة ومدير مدرسة اعدادية)،فأذكر بأنني كاتبت أنذاك وزير الثقافة الأستاذ عبد الباقي الهرماسي الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للاتصال طالبا منه التدخل العاجل والحازم لوقف المهزلة غير المبررة ،فكان في الموعد وطلب من المندوب السامي الثقافي لمدينة المنستير العاصمة الثقافية الوحيدة بالولاية وقف المسارمما أدى الى تجميد عمل اللجنة. وبعد تجديد جامعة التجمع الدستوري بقصرهلال تدخلت وبقوة في الملف الثقافي الذي حجرت عليه،والى غاية الآن عبر فرض تشكيلة من المدينين لها بالفضل،محتقرة للشأن الثقافي،حرصت على التجديد لها لثلاث دورات متتالية،مقتصرة كل ما حل أوان التجديد على توظيب هذه الهيئة بنقل المسؤوليات بين أعضائها دون اعتراض من وزارة الثقافة،ومن مندوبيتها السامية بالمنستير،فتحولت هذه الهيئة وبحرص أكيد ،وبدعم من المعتمدين السابقين الذين كانوا مجرد رهائن لدى جامعة التجمع الى مجرد”شعبة ثقافية”تتخذ من مقصورة خلفية بدار التجمع مقرا سياديا لها؟؟؟ وقد عايشت مدينة قصرهلال وطيلة هذه الدورات الثلاث القاتلة”نكبة ثقافية”حقيقية رفعت لوائها وحرصت على تأبيدها جامعة التجمع،والبلديات التجمعية غير المنتخبة،ولم ينجح لا مهرجان النسيج المهجر الى فضاء الملعب البلدي،ولا الصالون الثقافي في دورتيه المدعومتين من وزارة الداخلية(ولاية المنستير) في اخراج المدينة التي تفتقر الى مركب ثقافي،والى مسرح هواء طلق،ومتحف للعادات والتقاليد والنسيج(برغم أنها مسقط رأس العالم الأثري،متولي كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان)من غيبوبتها الثقافية وهي محضنة المبدعين المتألقين محليا،ووطنيا،ودوليا في أكثر من مجال،وكنت قد وجهت رسالة مضمونة الوصول الى وزير الثقافة والمحافظة على التراث بتاريخ23 ديسمبر2009في ذات الموضوع فلم يحمّل نفسه مسؤولية ومتعة الجواب عليها ضاربا عرض الحائط بتوجيهات وتعليمات رئيسه المباشر رئيس الجمهورية في مناسبتين رسميتين في الفترة الأخيرة مقيما الدليل بمفرده بأن الادارة لا تخدم،ولن تخدم المواطن دافع الضرائب الوطنية والمحلية؟؟؟ وعندما التقيت ببعض الأخوة في اطار الاعداد للقائمة المستقلة لاستحقاق ماي2010 البلدي يوم الخميس الفارط وقع اعلامي بحضورهم لمهرجان شعري بمدينة المكنين،وعبروا لي عن اعجابهم وتقديرهم للحركية الثقافية التي تعيشها المدينة المجاورة والتي تحولت الى قطب ثقافي حقيقي في حين فرض على مدينتنا مدينة الابداع وقطب الاصلاح منذ مرحلة الحماية بأن تكون قطبا للبؤس والعوز الثقافي المفروض بكل اصرار ورباطة جأش،ومع سابق الاصرار من قبل السلطات الوطنية والجهوية والمحلية المكرسة لمحاصرة قصرهلال في كل المجالات وأبرزها المجال الثقافي قاطرة التغيير وسند العمل الجمعياتي المستقل عن الهياكل التجمعية المسؤولة عن انحدار مدينتنا والرجوع بها الى عصور ما قبل التاريخ؟؟؟ لقد حضرت الجلسة التمهيدية الأخيرة لبلدية قصرهلال الرافعة لشعارطلائعي يبشر بكل شر وهو شعار”البرّاني على برّى”،وعلمت عبر الحوصلة التي قدمها رئيس البلدية في مفتتح الجلسة بأن وزارة الثقافة أنعمت ومنّت على مدينتنا أخيرا بثمانمئة ألف دينار لبناء مركّب ثقافي لكن المفارقة العجيبة الغريبة،ومدينتنا مدينة المفارقات والعجائب أن الهيئة البلدية وبرغم توفر الفضاءات بوسط المدينة وهي فضاء مدرسة بوزويتة المنتزع من وزارة التربية،والفضاء القائم خلف دار التجمع ،وخلف دار الشباب لم تعثر على المساحة اللازمة،فاتجهت مجددا الى وزارة التربية التي كانت انتزعت منها مدرسة بوزويتة أول مدرسة للفتيات لعلها تسعفها وتتكرّم عليها بقطعة من فضاء معهد2مارس1934 فرفضت ذلك مشكورة؟؟؟ ان أعوان بلدية قصرهلال السابقين كما بيّن ذلك أحد المتدخلين في الجلسة التمهيدية أقدموا في مرحلة مظلمة وحبلى بجرائم التحايل،وهي مرحلة التعاضد،وبدعم من رؤساء البلديات على الاستيلاء على عديد قطع الأرض للحساب الخاص،وبدون وجه حق،واستولت البلدية الحالية على مدرسة بوزويتة التي يعتقد برغبتها في تحويلها الى مركّب تجاري من منطلق دور البلديات التجمعية المتعاقبة كباعث عقاري لا باعث خدمات ومرافق مما فوّت على مدينتنا تركيز المرافق ذات الصبغة الثقافية والاجتماعية والتي تعتبرها هيئات بلدياتنا المتلاحقة مشاريع غير ذات جدوى،وغير ذات أولوية في مدينة لا تهتم الا بالنشاطين الصناعي والتجاري؟؟؟وقد اعتبر أحد الأخوة بأن الثقافة رافد من روافد التغيير ومحاربة الرداءة الفكرية المسيطرة حاليالذلك فهي لا تدرج ضمن أولويات البلديات التجمعية وحلفائها داعمي مهرجان القصدير في الهواء الطلق،ومهرجان النسيج المحوّل الى اشراف وزارة الشباب والرياضة والتربية البدنية؟؟؟ ولعل من المفارقات المباركة هذه المرّة ،ومن المضحكات المبكيات أن الهيئات البلدية التجمعية التي لم تحرّك ساكنا في الملف الثقافي تسمح لنفسها بالاحتجاج على المعهد الوطني للتراث الراجع بالنظر لوزارة الثقافة،والذي تجرأ وتطاول فلم يوافق على مثال التهيئة العمرانية الجديد،وقد ابتهجت الحقيقة لذلك لاقدام البلديات على هدم الجامع الكبير،وهدم مدرسة بوزويتة،وتعمد اهمال حظيرة ترميم جامع القصر،لذلك فاني أرجو الأستاذ فتحي البجاوي مدير المعهد بأن لا يتنازل وبأن لا يقبل بمطالب الهيئة البلدية التي دأبت على احتقار الملف الثقافي،وعلى اهمال تراث مدينتني بكل برودة،ولعل هذا الموقف يكون أحسن مكافئة على الخدمات المقدمة من بلدياتنا التجمعية للشأن الثقافي والتي لا تدخل تحت حصر،هذا الشأن الذي اعتدت عليه اعتداءا ثابتا،منتظما دون خوف،أو وجل بدعم مباشر من السلط الوطنية والجهوية الصامتة الشامتة والتي حولت الثقافة الى مجرد مقصورة ملحقة بدار التجمع والتي يرجع الفضل في تمويلها لوزارة الثقافة الا أن أحد الكتاب العامين السابقين أبى الا أن يقدمها قربانا حصولا على صك التوبة…الابدي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مراد رقية
الاثنين 15 فيفرى هو أول يوم من شهر ربيع الأول 1431 هجري
تونس – وات – جاء في بلاغ صادر عن مفتي الجمهورية التونسية أن يوم الاثنين 15 فيفرى 2010 هو أول يوم من شهر ربيع الأول 1431 هجري. (المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (وات – حكومية) بتاريخ 15 فيفري 2010)
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أفضل المرسلين
تونس في: 08/02/2010 والصلاة والسلام على أفضل المرسلين بقلم محمد العروسي الهاني مناضل و كاتب في الشأن الوطني و العربي و الإسلاميالرسالة 737 على موقع الأنترنات
الخلود للشهداء
إن الذاكرة الوطنية التونسية و الجزائرية لن تنسى أحداث ساقية سيدي يوسف يوم 8/2/1958 و الدماء التي جرت وامتزجت فى الساقية الخالدة.. وامتزج الدم التونسي الدم الجزائري في يوم السوق الأسبوعية بمدينة ساقية سيدي يوسف الحدودية.. وجاء الاعتداء الغاشم من طرف الاحتلال الفرنسي بضربة قوية همجية.. حيث خططت فرنسا الاستعمارية بطريقة إجرامية الاعتداء بسرب من الطائرات العسكرية عددها 25 طائره .. واختارت يوم السوق الأسبوعية حتى يكون العدد غفيرا و الخسائر اكبر فى الأرواح والجرحى والبناءات.. و فعلا كان هجوما عدائيا قويا.. و استعملت قوات الاحتلال الفرنسي القنابل المحرقة المحرمة في القوانين الدولية مثل ما تفعل إسرائيل اليوم في غزة ولبنان.. والاستعمار والاحتلال وجه واحد.. وقد أسفرت هذه الهجمة الإجرامية على استشهاد حوالي 137 مواطن من المدنين التونسيين والجزائريين و عدد هام من الجرحى يفوق 400 .. ولم تسلم المدرسة الابتدائية.. ومقر السيادة المعتمدية.. و المساكن التي يسكنها حوالى200 منزلا لأبناء الساقية.. وجاءت هذه الهجمة الشرسة العدائية انتقاما و تحذيرا جديدا للحكومة و النظام التونسي الذي فتح الحدود والأبواب والدعم المادي و المعنوي للثورة الجزائرية.. وجعل الشغل أولوية لإخواننا الجزائريين.. وقد كان رجال الثورة والجيش الجزائري يفوق 15 ألف مع القادة الكبار للثورة منهم الرئيس هواري بومدين رحمه الله.. وعدد الجنود الفرنسيين المرابطين بالحدود حوالي 10 ألاف جندي.. وتضاعف العدد بعد قصف الساقية 3 أضعاف على الحدود التونسية الجزائرية.. و لم تخش تونس المستقلة من كثرة الجيوش والعتاد و السلاح والتهديدات المستمرة والاعتداءات المتكررة على الحدود مند عام 1956 بعد دمار عين دراهم و في واقعة يوم واحد 31/5/1957 أدت إلى استشهاد 10 جنود وحرس تونسيين… و في هده الحادثة جرح السيد خميس الحجري الأمين العام لوزارة الخارجية الذي استشهد بعد ذلك.. و كان في زيارة للحدود صحبة السيد الباجى قائد السبسى.. وفى غارة للطائرات الفرنسية عن ساقية سيدي يوسف يوم 8/2/1958 أوفد الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله السيدان الباهى الادغم كاتب الدولة للرئاسة و الدفاع الوطني و الطيب المهيرى وزير الداخلية رحمهما لله الى مدينة الساقية الشهيدة.. للاطلاع على الحالة العامة و الأضرار الحاصلة للاعتداء الغاشم و الحقد الدفين و الغل الاستعماري على تونس المستقلة التي وقفت وقفة الأحرار البواسل جنبا لجنب مع الثورة الجزائرية.. و الأبطال الاحرار ابناء الجزائر .. وقادة جبهة التحرير الجزائرية.. ومدت تونس قيادة و حكومة وشعبا يد المعونة والدعم المادي و المعنوي لإخواننا المجاهدين و المناضلين.. من اجل استرجاع كرامتهم و عزتهم وسيادتهم و أرضهم المحتلة.. و كان العون من الله والنصر حليفهم في معركة الكرامة و الشرف.. وهذا الدعم الواضح و التشجيع المعنوي و المادي من لدن الزعيم الحبيب بورقيبة الذي اعتبر القضية الجزائرية قضية وطنية تونسية. و قد ضحى بكل غال ونفيس من اجل استقلال تونس ودعم المطالبة لتحرير الأرض الشقيقة وإنهاء الاحتلال الفرنسي وجلاء القوات الاستعمارية على الارض الجزائرية و التعجيل باستقلال الجزائر.. منذ أن كان الزعيم في مصر عام 1945 قد كان حريصا على تكوين مكتب المغرب العربي مع رفاقه من المغرب و الجزائر. وواصل الزعيم دعمه من 1945 إلى سنة 1961 .. و وصل به الأمر أن اقترح على الجنرال ديغول عام 1958 وبعدها أن يؤجل طلب الجلاء عن قاعدة ببنزرت لأعوام أخرى مقابل الاعتراف باستقلال الجزائر ولكن ديغول رفض طلب بورقيبة و في عام 1961 . وفى زيارة الرئيس الحبيب بورقيبة في 25 فيفرى 1961 تقابل مع ديغول من اجل المطالب بالتفاوض المباشر مع قادة الثورة المباركة الجزائرية للحصول على الاستقلال. فى يوم 26/2/1961 قطع الزعيم بورقيبة زيارته إلى فرنسا و سافر إلى المغرب لحضور تشييع جنازة المرحوم الملك محمد الخامس رحمه الله في الرباط .. و حمل بورقيبة الجثمان.. رغم الأجواء التي كانت سائدة على اثر اعتراف تونس باستقلال موريتانيا الشقيقة ودعم الرئيس محمد المختار ولد داده .. وفى يوم 28/2/1961 انعقدت قمة مغاربية ضمت الرئيس الحبيب بورقيبة و الملك الحسن الثاني وفرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة قصد التنسيق لاستقلال الجزائر و دعمها ماديا و سياسيا. و قد حصلت الجزائر على استقلا لها عام 1962 .. و بقيت الشقيقة الجارة الوفية تعترف لتونس قيادة وحكومة وشعبا على دعمها طيلة الكفاح التحريري لأشقائنا في الجزائر.. و العرفان بالجميل من شيم إخواننا في الجزائر.. وما أحوجنا اليوم في الشرق.. و على وجه التحديد في مصر.. إلى العودة إلى التاريخ حتى تتذكر مواقف تونس الشجاعة رغم انتقام فرنسا الاستعمارية.. وقصفها لساقية سيدي يوسف.. و كذلك عين دراهم و عديد المناطق الحدودية التونسية.. و لم تفكر تونس يوما ان تتنازل عن الجزائر .. و كان قد استقلت تونس حديثا ومازالت هشة.. لم تخش و لم تخف من تهديد فرنسا وقصفها .. و لم تبادر تونس بغلق حدودها.. بل العكس هذه الاعتداءات الهمجية زادت القيادة التونسية رئيسا و حكومة و شعبا إصرارا على مواصلة الدعم و المساندة و المساعدة لإخواننا المجاهدين في الجزائر حتى النصر.. لماذا اليوم مصر العربية و الحكومة والرئيس المصري بالخصوص يبادر بغلق الحدود على إخواننا في غزة.. ويمنع دخول المؤونة و الدعم و الغذاء.. و يزيد في تصعيب الموقف ببناء جدار من الاسمنت و الحديد.. لمزيد حصر الشعب الفلسطيني و التضييق عليه و محاولة تجويعه حتى الموت.. لماذا.. فهل تهديد إسرائيل و أمريكيا اليوم للنظام المصري أقوى و أعظم و أكثر من تهديد و ضرب و قصف الأراضي التونسية عام 1957 و 1958 و قتل الأبرياء و الأطفال يوم السوق الأسبوعية.. أم أن القائد التونسي العملاق له شجاعة نادرة سجلها له التاريخ بأحرف ذهبية.. و حتى الخصوم اعترفوا بشجاعة هذا القائد الفذ.. و الزعيم الصامد.. و العملاق الخالد.. و الرئيس الرائد.. الذي نال اعجاب العالم بحنكته.. و بعد نظره.. و تعلقه بالحرية و السلم.. وستبقى ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف عنوانا للشجاعة و البطولة و الكرامة في المغرب العربي الكبير.. ينسج على منوالها اخواننا في مصر و الاردن و البلدان المجاورة لفلسطين.. بنفس الشجاعة و الجرأة التي عالجة بها تونس قضية الجزائر.. و اصبحت مواقف تونس مضرب الامثال في العالم العربي .. وان ساقية سيدى يوسف ستبقى رمزا خالدا للشموخ و العزة و الكرامة و الفدى . . وعنوانا للتضامن و الأخوة الخالصة .. بين القائدين زين العابدين بن علي و أخيه عبد العزيز بوتفليقة .. يستلهمان من معاني الذكرى الخالدة كل أسباب القوة و المناعة و الازدهار والتعاون المثمر بين البلدين.. و التضامن بين الشعبين التونسي و الجزائري.. لمزيد التألق و النجاح في مسيرة النماء المشترك.. و دعم ما بناه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة زعيم المغرب العربي كما سماه الرئيس بوتفليقة سنة 2000 .. عندما زار تونس بمناسبة توديع الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله. و ما أحوج الأمة العربية اليوم إلى نشر مبادئ و ثوابت البورقيبية حتى تزداد الأمة تلاحما و تضامنا و قوة لمجابهة أعداء الأمة العربية و الإسلامية في كل مكان. و ختاما نأسف لبعض الخطب و التصريحات و الذكريات الوطنية لإحياء ذكريات وطنية خالدة .. يتحاشى أصحابها ذكر الزعيم العملاق الحبيب بورقيبة.. مثل ما حصل في اجتماع تازركة يوم 29 جانفي لإحياء الذكرى الخالدة بإشراف السيد وزير الشؤون الدينية الدكتور ابوبكر الاخزوري.. اصيل بني خداش .. فقد تغافل عن ذكر الزعيم القائد و المحرر .. و كان السيد وزير الشؤون الدينية اشرف على أحداث تازركة التاريخية.. و بعد يومين نشرت بعض الصحف فحوى خطابه فكان جافا.. و خاليا من كل مراحل الكفاح البورقيبي الوطني.. أن هذا الخطاب لا يعطي صورة حقيقية على وقائع و أحداث وطنية.. وهو خطاب لا يمثل محطة تاريخية هامة يستفيد منها الشباب.. و نأ سف كثيرا.. لماذا هذا الهروب إلى الأمام.. و ان جل أبناء بني خداش من أكبر المناضلين الأوفياء للزعماء و في طليعتهم الزعيم الحبيب بورقيبة.. لماذا أخونا أبوبكر تجنب الحديث عن ذكر محطة تاريخية هامة أم أن الصحف غيرت خطاب الوزير.. كما حصل في اجتماع الصمعة يوم 28/01/2010 بإشراف الدكتور الصحبي يوسف عضو مجلس النواب.. هو الآخر نشرت جريدة الحرية خطابه.. و لم اقرأ كلمة واحدة عن الزعيم الخالد.. لماذا هذا الهروب من ذكر الماضي المجيد.. فهل جريدة الحرية تغافلت عن ذكر الزعيم.. ام ان النائب تجاهل ذكره.. و هو زعيم بلا منازع حب من حب و أبى من أبى.. كما استغربت من التصريحات و استجواب السيد العقيد المتقاعد أبو بكر كريم من طرف محرر بجريدة الصريح حول أحداث ساقية سيدي يوسف يوم 08/02/1958 .. حيث تحدث بإطناب على كل المراحل و المعارك بدقة و بأسلوب برقي هام.. و كان ملما بالأحداث الوطنية و مراحلها باليوم و الشهر و السنة.. إلا انه لم يذكر كلمة واحدة على من كان سببا في إرساله ضمن بعثة إلى سان سير بفرنسا للتدريب و التكوين العسكري سنة 1956 .. و عمره آن ذاك 18 سنة.. أي مازال في سن الرشد و في مرحلة التعليم الثانوي.. و ذلك من اجل تكوين ضباط و قادة في مستوى المسؤولية.. حتى يعودوا ضباطا كبارا و قادة مسيرين لجيشنا التونسي لتكوين جيش الغد.. و فعلا حصل ما طمحت إليه حكومة الاستقلال و السيادة بدعم و تشجيع من القائد الأعلى للجيش رئيس الجمهورية الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله.. و من باب العرفان بالجميل و الوفاء لصاحب الفضل أن يذكر السيد أبو بكر كريم بالفم المليان خصال الزعيم بورقيبة.. و دعمه للثورة الجزائرية.. اعتقد ان السيد العقيد تجاهل او تغافل أم كانت له قصة اخرى لا اعرفها.. لكن مهما كان فان العرفان بالجميل يفرض عليه ذكر الزعيم بكل تقدير.. ولو كانت له قضية شخصية.. كلمة خاصة الى السيد بسام بونني.. الأبن البار و نجل المناضل الدستوري أصيل منزل تميم يسعدني.. ان أتقدم اليه بجزيل الشكر و الثناء على اهتمامه بتاريخنا الوطني.. و كفاحنا التحريري.. و مواقف زعيمنا الحبيب بورقيبة رحمه الله .. و قد أعطاني الأخ بسام معلومات جديدة أعتبرها شحنة قوية تضاف الى سجل كفاحنا الوطني و محطات تاريخنا المجيد .. من ذلك أنه روى لي واقعة حصلت في شهر ماي 1943 .. عندما أطلقت سلطات ايطاليا سراح الزعيم الحبيب بورقيبة في منطقة البحيرة بمعتمدية منزل تميم.. بقي الزعيم مختفيا في مدينة النضال و الوفاء منزل تميم.. و في سنة 1985 عندما زار الرئيس بورقيبة منزل تميم أبى أهاليها إلا أن يخلدوا ذكرى نزول الزعيم في منطقة البحيرة.. وقررت البلدية اقامة تمثال يخلد الذكرى .. و مع الأسف في السنوات الأخيرة فوتت البلدية في قطعة الأرض الى مواطن.. و شرع في بناء الجدار.. و ربما أزال التمثال .. و شتان بين سنوات الوفاء و سنوات التنكر.. و لا حول و لا قوة الا بالله .. ملاحظة/ (شاب في مقتبل العمر وفيا للنضال و شيخ كبير لا يفكر الا في المصالح الحينية و يتجاهل التاريخ) ويتغافل عن ذكر الزعيم الراحل صاحب الفضل عليه وعلى تونس جمعاء قال الله تعالى لمثل هذا فليعمل العاملون *صدق الله العظيم* محمد العروسي الهاني مناضل و كاتب في الشأن الوطني و العربي و الإسلامي 22.022.354
أولويات الحركة الإسلامية في ضوء فقه الأولويات للشيخ القرضاوي
مداخلة للشيخ راشد الغنوشي في ندوة أصول القرضاوي.الدوحة17صفر1431 مدخل:
ليس من قبيل مبالغة طالب في الإعجاب بشيخه، وصف الشيخ يوسف القرضاوي بشيخ الإسلام ، بإعتباره أهم شخصية علمية وحركية تحظى بأوسع القبول في عالم الإسلام اليوم، سواء أكان ذلك من حيث إنتاجه العلمي الغزير والأصيل الذي كاد يغطي كل المجالات الثقافية الإسلامية في سياق منهج أصولي وسطي تكاد تلتقي عنده وتجد نفسها لديه أهم التيارات الإسلامية أو في الأقل لا تتباين معه كليا، أم كان من جهة مواقفه الحركية السياسية التي جعلت منه من أهم إن لم يكن الأهم على الإطلاق من بين رموز الإسلام الفقهي والحركي في التعبير عن ضمير أمة تعيش حالة من اليتم في غياب مشروعية اسلامية عليا ذات مصداق في النطق باسم أمة الإسلام. ولذلك لم يكن عجبا أن يفضي انتاجه الفقهي وممارسته في حقل الدعوة والحركة الى تطوير فقه أصولي، وهو الأمر الطبيعي المنطقي في تطور العلوم أن تتراكم في مجال معين من مجالات العلوم جملة من المنتوجات، وفي مرحلة تالية من نضجها وتراكمها يسلّط عليها العقل الجامع المتأمل أضواءه فيستخرج منها جملة من القواعد الناظمة لتلك المنتوجات، وهكذا جاءت علوم اللغة كالنحو والصرف والعروض والبلاغة تالية لمنتوجات أدبية تراكمت في تلك الحقول، والشأن ذاته في علم المنطق فقد جاء تاليا لتطور العلوم العقلية والأمر نفسه يصدق على علم الأصول الذي ولد في أعقاب تراكم منتوج فقهي وفير.
– وفي ضوء ذلك كان مفهوما إذن أن يتطور فكر العلاّمة خلال العقدين الأخيرين، فيشهد الى جانب تواصل عطائه المبدع في مجال الفقه الجزئي خصوصا في مجال الفقه الحركي تقويما لمسار الحركة الإسلامية مثل “الصحوة الاسلامية بين الجحود والتطرف”..وفي مجال الفقه السياسي السياسة الشرعية وفقه الأقليات وفقه الدولة الإسلامية والخطاب الإسلامي في عصر العولمة والدين والسياسة وفقه الجهاد. فكان مفهوما أن يشهد عطاؤه أواخر الثمانينيات إبداعات في مجال الفقه الكلي، كما تجلت في كتابه “أولويات الحركة الإسلامية” إلا أنه في أواسط التسعينيات من القرن الماضي تكامل هذا التوجه الأصولي فظهر في كتاب مستقل “في فقه الأولويات” وفي مقاصد الشريعة . ولم يكن هذا المفهوم غائبا بل كان حاضرا في كل أعمال الفقيه السابقة كما كانت حاضرة لدى أسلافه من الفقهاء الكبار الذين نوه بسابقتهم في هذا المجال وخصوصا ممن أفاضوا في فقه المصالح وبيان قيام الدّين على تحصيلها ودرء ما يناقضها من المفاسد والموازنة بينها عند اجتماعها، مثل الشاطبي وابن تيمية والغزالي والعز . ولكنّها لم تكتمل في منظور أصولي شامل إلا في مرحلة متأخرة. إذن لم يكن عجبا أن يسبق كتاب أولوية الحركة الإسلامية كتاب فقه الأولويات، فقد كان الأول تمهيدا للثّاني إلا أن الأول مع نظرته الكلية كان ينتمي الى مجال الفقه الجزئي بينما الثاني ينتمي الى الفقه الكلي. ولأن العملية الإنتاجية في تراكم ومحصولها بين أيدينا، بارك الله في عمر الشيخ، فإننا سنؤسس حديثنا عن أولويات الحركة الإسلامية لدى القرضاوي موطئين لها بحديث مجمل لفقه الأولويات عنده محاولين الوقوف على مدى مطابقة النظرية للواقع. هل أولويات الإسلام كما استقرأها وعبر عنها القرضاوي في فقه الأوليات هي فعلا أولويات الحركة الإسلامية التي سبق وأن اقترحها العلامة ؟ أم أن هناك قدرا من التباين؟وما تفسيره إن وجد؟ أولا: رؤية مجملة لفقه الأولويات: يعتبر المؤلف موضوع كتابه “في غاية الأهمية، لأنه يعالج قضية إختلال النسب واضطراب الموازين من الوجهة الشرعية في تقدير الأمور والأفكار والاعمال وتقديم بعضها على بعض وأيهما يجب أن يقدم وأيها يجب أن يؤخر( وذلك في ضوء) مجموعة من الأولويات التي جاء بها الشرع عسى أن تقوم بدورها في تقويم الفكر وتسديد المنهج يهتدي بها العاملون في الساحة الإسلامية فيحرصوا على تمييز ما قدمه الشرع وما أخره وما شدّد فيه وما يسّر لعل في هذا ما يحد من غلو الغالين وما يقابله من تفريط المفرطين وما يقرب وجهات النظر بين العاملين المخلصين”(1) واضح من هذا النص أن هدف المؤلف ليس مجرد الحصول على متعة معرفية او الإنتصار في مجادلة كلامية وإنما معالجة أمراض تعيشها أمة ممزقة بين ضروب من التطرف بعضها في اتجاه التّشدد باسم الدين وبعضها في اتجاه التّحلل منه على أساس فتاوى مضللة بما ينتهي الى دفعها الى المزيد من التمزق والجدل العقيم في وقت هي أحوج ما تكون الى وحدة صف لا يمكن استعادتها مع استمرار فشو تيارات التشدد والتحلل بسبب غياب فقه أصولي وسطي جامع، نذر الشيخ حياته لتأسيسه وإشاعته دينا للمسلمين وهو يرى حياة الأمة “في جوانبها المختلفة مادية كانت أم معنوية فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ميزان الاولويات فيها مختلة كل الإختلال”(2/13)لا يقتصر هذا الإختلال على جماهير النّاس بل يشمل حتى أهل الدين، حيث تجد الكثير من المحسنين مستعدين للإنفاق السّخي لبناء مسجد يضاف الى مساجد كثيرة في نفس المدينة ويحرصون على تكرار الحج عشرات المرات بينما يحجمون عن البذل لنشر الدعوة أو دعم الجهاد لتحرير بلد اسلامي محتل، في ذهول عن فقه مراتب الأعمال الذي أفصح عنه مثل هذا النص المحكم “أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟ لا يستوون عند الله، والله لا يهدي القوم الظالمين.الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون”/التوبة19-21/ ولقد كان هذا الإختلال المتشعب في حياة المسلمين من أجلى معاني الإنحطاط وأسبابه ونتائجه، إذ أهملوا فروض الكفاية المتعلقة بمجموع الأمة كالتّفوق العلمي والصّناعي والإجتهاد في الفقه وإقامة حكم الشورى، كما أهملوا فروضا عينية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واهتموا ببعض الأركان كالصوم اكثر من غيرها كالصّلاة والزّكاة واهتموا بالنّوافل كالأذكار واهملوا فرائض اجتماعية مثل بر الوالدين ومقاومة الظلم الإجتماعي والسياسي، واهتموا بالعبادات كالصّلاة اكثر من اهتمامهم بالعبادات الإجتماعية كالجهاد والفقه وحقوق الإنسان، وكذا اشتغل الكثير بمحاربة المكروهات والصغائر او الشبهات المختلف فيها كالتصوير والغناء والنقاب مهملين القضايا المصيرية والموبقات دينية كانت كالسحر والإستعانة بالمقبورين، ام اجتماعية وسياسية مثل نهب الثروات. إنه الإختلال العام في المعايير والأولويات، يصغّر الكبير فيؤخر ويكبّر الصغير فيقدم، وتحتدم المعارك حول المختلف فيه، ويسدل الستار على المتفق عليه، فتتبدد جهود الأمة في غير محلها وتضيع مصالحها العليا بسبب هذه الإختلالات الخطرة في سلّم الأولويات. من هنا كان لزاما إعادة النظر في مستويات وعينا الديني والإجتماعي في ضوء نصوص الدّين ومقاصده، وفي ضوء ضرورات الأمة ومصالحها العليا من أجل إعادة برمجة حياة المسلمين الدينية والإجتماعية وفق خريطة تتوازن فيها مطالب الدّين مرتبة وفق سلّم أولويات واضحة تستجيب لضرورات الأمة وحاجاتها. وتتحدد معالم خريطة الأولويات التي توصل اليها المؤلف من خلال عملية استقراء دقيقة وعميقة لفيض من نصوص الكتاب والسنّة تدل على تبحره فيهما مستفيدا من تراث أسلافه من الأئمة الأعلام، كل ذلك وعينه الثاقبة لا تغادر أوضاع أمة مهموم بها يبحث ناصبا عن أدواء لعللها المستعصية، يملأه يقين أن المهمة على مشقتها وعسرها ممكنة الإنجاز. تتحدد معالم هذه الخريطة التي يريد وضعها بين يدي أمته وخصوصا المنشغلين بمهام النهوض بها، تتحدد وفق المعايير التالية: 1- اولوية الكيف على الكم:
لقد ذم القرآن الأكثرية غير العاقلة او الجاهلة او غير المؤمنة او غير الشاكرة، ومدح المؤمنين العاملين الشاكرين ولو كانوا قلة ووعدهم بالنصر وحثهم على الإحسان في كل شيء، غير أن الإسلام ولئن وجه عنايته الى النّوع فخصّه بالأولوية على الكم، إذا وجب الخيار، إلا أن ذلك لا يزهّد في الكم والكثرة فكثرة الخير خير، ولذلك منّ الله على المومنين إذ كثّرهم وأعزهم بعد استضعاف وقلة، كما افتخر خاتم الأنبياء بأنه أكثر الأنبياء تابعا، وهو ما أكده شيخ الإسلام القرضاوي في غير هذا الموطن مرارا كثيرة، وما ينبغي له غيره وهوثائر لا يفتر محرض على الظلم والظالمين نافخا روح التغيير، ولا ثورة دون جماهير. 2- وفي مجال العلم والفكر الأولويات هي: أ- أولوية العلم على العمل: “العلم إمام والعمل تابعه” كما رواه ابن عبد البر في حديث معاذ. وفقه الأولويات ذاته مبناه على العلم. ولقد حذر صاحب الرّسالة عليه السّلام من ظهور طائفة لا يجاوز القرآن حناجرهم، لا تفقهه قلوبهم رغم كثرة صلاتهم وصيامهم، ولذلك كان العلم شرطا في كل عمل قيادي في الأمة، الى حد اشتراط التحقق بدرجة الإجتهاد في بعض الخطط مثل الولاية العامة والقضاء، وللأسف بلغ الإنحطاط في الامة أن يسود فيها الأجهل. كما يشترط في من يفتي الناس ان يكون متمكنا في علمه وفي الداعية أن يدعو الى الله على بصيرة. ب- أولوية الفهم على الحفظ ، بمعنى أولوية علم الدّراية على علم الرّواية ، فقد انتدبنا الإسلام للتفقه في الدين لا مجرد روايته، وعلى أهمية الحفظ والذاكرة، فليس مقصودا لذاته. وكان من السّمات الثقافية لعصور الإنحطاط أن ساد الحفظ والتقليد والترديد وتضاءل الفهم والإبداع والتجديد ولا تزال الجوائز السخية كما لاحظ المؤلف تسند لحفاظ القرآن ولا يكاد يقدم شيء للمتفوقين في علوم الشريعة. ج – أولوية المقاصد على الظواهر: ذلك أن استقراء نصوص الشريعة من قبل العلماء المحقيين أكد أن للشارع الحكيم العليم الرّحيم حكما ومقاصد ومصالح لعباده في كل ما أمر ونهى، إلا أن المسلمين كثيرا ما شغلتهم القشور والظواهر عن الحكم والمقاصد. د- أولوية الإجتهاد على التقليد: فقد أبدأ القرآن الكريم وأعاد في ذم تقديس الآباء واتباعهم دون بينة والجمود على الموروث “ولا تقف ما ليس لك به علم” / / وتوعد بالعذاب من عطل ملكة العقل والحواس”وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير” / /. وهكذا تعرف عصور التقدم والنهوض بكثرة المجتهدين وعصور التخلف بسادة التقليد وندرة التجديد 3- أولوية الدراسة والتخطيط لأمور الدنيا:
“وهذا من مقتضيات أسبقية العلم على العمل، واعتماد أدق البيانات الإحصائية في كل خطة يراد انجازها، وذلك بدل الإرتجال واعتماد الرؤى وسوابق الأحكام والثقة المطلقة في الزعيم.
4- وفي مجال الآراء الفقهية:
ضرورة التمييز بين القطعي والظني بين ما ثبت بالنص وبين ما ثبت بالإجتهاد والامور الإجتهادية لا ينكر فيها عالم على آخر، وبين ما ثبت بنص قطعي الثبوت والدلالة وبين غيره. وظنية الثبوت تشمل معظم السنة باعتبار التواتر فيها عزيز، وظنية الدّلالة تشمل القرآن والسنّة، ولكن كما يؤكد العلامة “أن القضايا الكبرى مثل الألوهية والنّبوة والجزاء وأصول العبادات وأمهات الأخلاق والأحكام الاساسية للأسرة والميراث والحدود والقصاص ونحو ذلك قد بينتها آيات محكمات تقطع النزاع وتجمع الكل على كلمة سواء”(3/66) 5- الأولويات في مجال الفتوى والدّعوة: أ- أولوية التخفيف والتيسير على التشديد والتعسير: “قال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” / البقرة 185 / .وقالت عائشة ما خيّر النّبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما”. ويتأكد ذلك بظهور الحاجة اليه وخصوصا في عصرنا. وكان النّبي عليه السّلام اشدّ ما يكون إنكارا للتشدّد إذا ظهرت بوادر تدل على بداية تحوله منهجا. ب- ومن التيسير الإعتراف بالضرورات والإقرار بمبدإ تغيير الفتوى بتغير الزمان والمكان: وضرب المؤلف مثلا لذلك مسألة الجهاد الهجومي، جهاد الطلب الذي اقتضته ضرورات تبليغ دعوة الإسلام ولم يكن من طريق غير إزاحة عقبة الأباطرة. اما وقد أطاحت الثورات التحررية بالعروش الطاغوتية فقد انفتح العالم قي وجه دعوة الإسلام فعاد الأمر الى أصل السّلم إلاّ دفعا لصائل . ج مراعاة سنة التدرج: فلقد نزل القرآن منجما وجاءت تشريعاته متدرجة مثل مسالة تحريم الخمر. د –تصحيح ثقافة المسلم من طريق اعادة النّظر في المناهج وبالخصوص مناهج التعليم الديني فلا تضيّع اعمار الطلبة في استيعاب جدليات كلامية معقدة لا حاجة اليها بدل التفقه في الدين وفي ثقافة العصر وفلسفاته، والميزان الذي لا يخطئ في ذلك هو كتاب الله فتعطى المسائل من العناية على قدر ما حظيت به في الكتاب العزيز مثل الالوهية والنبوة والجزاء واصول العبادات والفضائل 6- الأولويات في مجال العمل: أ- اولوية العمل الدائم على المنقطع ب أولوية العمل المتعدي على العمل القاصر: فالعمل الأوسع نفعا مرجح على غيره ولهذا “كان جنس عمل الجهاد مرجحا على جنس عمل الحج” ومن هنا قرر الفقهاء ان المتفرغ للعبادة لا يعطى من مال الزّكاة بخلاف المتفرغ للعلم. وروى الطبراني ان النبي عليه السّلام قال :”يوم من أيام امام عادل أفضل من عبادة ستين سنة” ج- أولوية العمل الأطول نفعا والأبقى أثرا: من هنا كان فضل الصّدقة الجارية د- أولوية العمل في زمن الفتن: ومن ذلك “أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” ه- أولوية عمل القلب على عمل الجوارح: بناء على الأصل الكبير”إنما الأعمال بالنيات” وصلاح القلب واخلاص النيات والتحقق بتقوى الله في كل حال ومحبة الله ورسوله اكثر مما سواهما والتهيئ للقاء الله هو المقصد الأسنى للتربية الإسلامية، ولذلك المؤلف “يعجب من تركيز بعض المتدينين والدّعاة على بعض الأعمال والآداب المتعلقة بالظّاهر أكثر من الباطن مثل تقصير الثوب وإعفاء اللّحية وصورة حجاب المرأة الى غير ذلك من الأمور المتعلقة بالشكل أكثر من الجوهر والرّوح”(4/99) و- اختلاف الأفضل باختلاف الزمان والمكان والحال: فأفضل الأعمال الدنيوية كالزّراعة والصّناعة والتّجارة تتحدد وفق حاجة المجتمع “وأحوج ما تحتاج اليه أمتنا في عصرنا التكنولوجيا المتطورة فلا تستطيع الأمة النهوض برسالة الإسلام وهي عالة على غيرها في أدوات العصر وأسلحته، ولا بد أن تتطور مناهجها بما يحقق هذه الغاية.إن تحصيل التكنولوجيا المتقدمة والتّفوق فيها وفي العلوم الموصلة اليها أصبح فريضة وضرورة وهي في مقدمة الأولويات”(5/101و102) ن-أما أفضل العبادات فالأمر يختلف من شخص الى آخر ومن وقت الى آخر ومن حال الى آخر، افضل العبادة مرضاة الرّب في كل وقت وحين وفي وقت الجهاد العبادة الافضل هو الجهاد ووقت حضور الضيف افضل العبادة القيام بحقه . 7- الأولويات في مجال المأمورات: أ- تقديم الأصول وما يتصل بالله وتوحيده وملائكته ورسله واليوم الآخرعلى الفروع ب- تقديم الفرائض والتشدّد فيها ولا ضير في التساهل في السنن والمستحبات .وام الفرائض الصّلاة والزكاة . وإن من الخطأ الإشتغال بالسّنن عن الفرائض مثل من يقوم الليل أو يصوم متطوعا ثم يذهب الى عمله الذي يتقاضى عليه أجرا متعبا كليلا، ومثله حج التّطوع وفي المسلمين من يهلك جوعا، وآخرون يتعرضون للإبادة ، لو فقهوا فقه الأولويات لقدموا انقاذ اخوانهم على استمتاعهم بالحج والعمرة” (6/117و118) ج_أولوية فرض العين على فرض الكفاية: مثل تقديم بر الوالدين على الجهاد عندما يكون فرض كفاية ، وهو جهاد الطّلب لا جهاد الدفع” (الملاحظ أن العلاّمة هنا يجري على معتاد اصطلاح الفقهاء في التمييز بين الجهاد الدفاعي والجهاد الهجومي بينما هو اتجه في عمله الضخم /فقه الجهاد/الى ما يشبه إسقاط هذا الأخير لانعدام الحاجة اليه بل هو في كتابه هذا ذاته يؤكد انعدام الحاجة اليه (صً78) ويلاحظ أن فروض الكفايات تتفاوت، بين فروض قام بها بعض النّاس وأخرى لم يقم بها أحد، فيكون الإشتغال به أولى، وقد يتعين فرض الكفاية على أحد لأنّه وحده المؤهل له كالمفتي والمعلم والطبيب والعسكري د- أولوية حقوق العباد على حق الله المجرد: قال العلماء إن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحة ولذا قدم قضاء الدين على الحج. ه- أولوية حقوق الجماعة على حقوق الأفراد: لأنه لا بقاء للفرد إلا بالجماعة، فإذا كان الجهاد فرض عين كما اذا غزا الأعداء دارا للإسلام ففرض على أهلها ان يهبوا للدّفاع عن بلدهم ولا عبرة بمعارضة بعض الآباء، فحق الأمة مقدم على حق الفرد، ومن ذلك مسألة التترس، ومن ذلك جواز فرض ضرائب على القادرين لتمويل الجهاد اذا اقتضى الأمر ذلك و-أولوية الولاء للجماعة والأمة على القبيلة والفرد: فيد الله مع الجماعة ورابطة العقيدة مقدمة على رابطة الدم “إنما المومنون أخوة” / الحجرات 10 /
8- الأولويات في مجال المنهيات:
وكما تتفاوت المأمورات بين مستحب وواجب وفرض عين وفرض كفاية تتفاوت المنهيات أعلاها الكفر بالله تعالى وأدناها المكروه تنزيها. والكفر ذاته درجات، فهناك كفر الإلحاد وكفر الشرك وهو انواع. ودون كفر الإلحاد كفر أهل الكتاب لتكذيبهم بالرّسول الخاتم ورسالته عليه السّلام، ومع ذلك فإن لهم وضعا خاصا بوصفهم أهل كتاب سماوي فأجاز القرآن مؤاكلتهم ومصاهرتهم، بما يجعلهم أقرب من الملاحدة والوثنيين ما لم تكن هناك عوامل خاصة تجعلهم الأشد عداوة. والكفار منهم المسالمون ومنهم المحاربون. وهناك كفر أهل الردّة وهم شرّ انواع الكفر وهي الخروج من الإسلام بعد ان هداه الله. ويعظم خطر الردّة ووجوب مقاومتها اذا تحولت عملا جماعيا منظما مهددا لهوية المجتمع واسسه. وهناك كفر النفاق، وهو من أغلظ أنواع الكفر، ولقد عظم خطرهم على الإسلام في عصرنا. ومن المهم التفريق بين الأكبر والأصغرمن الكفر والشرك والنفاق ، الكفر الأكبر هو الكفر بالله تعالى وبرسالاته والكفر الأصغر المعاصي مثل تارك الصّلاة كسلا . والشرك الأكبر ان يتخذ من دون الله ندا والأصغر كالحلف بغير الله، ويسير الرياء. والنّفاق الأكبر هو ان يبطن الكفر ويظهر الإسلام واما النّفاق الأصغر فهو نفاق العمل كالتخلق باخلاق المنافقين. وادنى من الكفر المعاصي وهي كبائر وصغائر. فالكبائر أظهرها التي شرعت لها حدود او توعد الله عليها بالنار -9- الأولويات في مجال الإصلاح: أ- تغيير الأنفس قبل تغيير الأنظمة، إذ البدء بالفرد أساس البناء ، ولهذا كانت الأولوية لكل جهد تربوي يبذل لتكوين الإنسان المسلم، وبدأ ببناء شخصيته بغرس الإيمان الصحيح في قلبه بما يصحح نظرته للأكوان ولخالقها ونظرته لنفسه ولرسالته في الحياة، وذلك ضمن مشروع متكامل للحضارة تربي عليه الأمة ابناءها للعمل وفقه تتعاون على ذلك كل مؤسساتها، هذه التربية شغلت الجزء الأكبر من حياة النّبي عليه السّلام وصحبه وكان لا بد ان تسبق التمكين والجهاد، إذ جهاد العدو ليس إلا الثمرة لجهاد النفس والشيطان. ولا قيمة للجهاد إذا لم ينطلق من نيات خالصة لله عز وجل ب- أولوية المعركة الفكرية :الأساس المكين لكل إصلاح ينطلق من تقويم الفكر وتصحيح المفاهيم والتصورات، وهو ضرب من الجهاد . من هنا كانت المعركة الفكرية جديرة بالتقديم على غيرها. وساحاتها متعددة : معركة خارج السّاحة الإسلامية مع الملحدين وغلاة العلمانية ، ومعركة داخل السّاحة الإسلامية لترشيد مسيرة الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية ، تصديا للتيّار الخرافي وللتيّار الحرفي ولتيار الرفض والعنف ، وذلك بالدعوة الى تيار الوسطية بخصائصه المعروفة بفقهه للدين فقها يتميز بالشّمول والإتزان والعمق وفقهه للواقع دون تهويل ولا تهوين وفقهه لمقاصد الشريعة وفقهه للأولويات وجمعه بين السلفية والتجديد وإيمانه بأن التغيير الفكري والنفسي والخلقي أساس كل تغيير وتقديمه الإسلام مشروعا حضاريا متكاملا واعتماده منهج التفسير في الفتوى والتبشير في الدعوة ، وإبرازه القيم الإجتماعية والسياسية في الإسلام مثل الحرية والكرامة والشورى والعدالة الإجتماعية، واتخاذ الجهاد للدفاع عن حرمات المسلمين (7/190و191) ج- أولوية تجميع صف العاملين للاسلام: وإن من أوكد واجبات تيار الوسطية العمل بصدق لتجميع الصف الإسلامي على الأصول التي ما ينبغي الخلاف عليها أي على أركان العقيدة الستة الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وعلى الأركان العملية الخمسة الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وعلى أصول الفضائل واجتناب أصول الرذائل والمحرمات، وبحسبنا اللقاء الإجمالي على هذه الكليات ولا بأس أن نختلف في الفروع والمواقف، ولا مانع من أن تتعدد الجماعات تعدد تنوع لا تعدد تضارب. لا بد من جهد فكري وجهد عملي لتجميع العاملين لخدمة الإسلام وتقريب الشقة وغرس روح التسامح، فهذا العمل من الأولويات المهمة والمقدمة اليوم وإلا سيؤكل الجميع تيارا بعد تيار ومجموعة بعد مجموعة. د-أولوية التربية والإعلام على التطبيق القانوني للشريعة: ومع أن الجانب القانوني من الشريعة مثل الحدود والتعازير جزء من الإسلام لا يجوز الإعراض عنه إلا أن المبالغة في ذلك الى حد اعتباره رأس الأمر كان له آثار سيئة على التفكير الإسلامي والعمل الإسلامي وتقديم صورة مختلة عن الإسلام ومشروعه الحضاري استغلها خصوم الإسلام لتشويه صورة الإسلام وللتخويف من مشروعه الحضاري، فالواجب ان لا تعطى هذه القضية اكثر من حجمها من الفكر لتتجه الجهود نحو إعداد والمطالبة بتربية اسلامية متكاملة معاصرة تتابع الطفل من سن الحضانة وتستمر معه حتى يتخرج من الجامعة مستخدمة المناهج الملائمة والتكنولوجيا المتطورة بما يؤكد ضرورة الدين للحياة وكمال الإسلام وعدالة أحكامه وإعجاز كتابه وعظمة رسوله وتوازن حضارته، وهي تربية ليست مطلوبة في دروس الدين بل هي مطلوبة في كل المواد دون افتعال. كما يجب ان تعطى مساحات مناسبة لقضية الإعلام والثقافة لما لهما من اثر فعال في صناعة العقول والميول والإتجاهات، فما ينبغي أن تترك في أيدي من لا يؤمنون بالإسلام مرجعا أعلى، وذلك بإعداد إعلاميين في كل مجالات الثقافة والفنون مع تذليل العقبات الشرعية، وبمحاولة كسب ما هو موجود من إعلاميين وفنانين. 10- فقه الأولويات في تراثنا:
لهذا الفقه آثار متناثرة في تراث الأمة، من ذلك سؤال أحدهم ابن عمر عن دم البعوض فلما علم انه من العراق قال انظروا الى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله عليه السّلام، ناقدا اتجاها سائدا، التدقيق في الأمور الصغيرة ويضيعون الامور الكبار. ومن ذلك بحث العلماء مسألة ايّهما أولى زمان الفتن وانتشار الفساد الإختلاط بالمجتمع لإصلاحه ام العزلة والنجاة بالنفس؟ ذهبت الصوفية المذهب الثاني وسلك العلماء الربّانيون الأول. كما اختلفوا في مسألة الدنيا أيهما اولى الدخول في معمعتها والإستمتاع بطيباتها في حدود الشرع ام الإنصراف عنها، فذهب جمهور المتصوفة الى الثاني وذهب العلماء الربّانيون الى الأول، ومن ذلك بحثهم أيهما أولى ترك المناهي أم فعل الأوامر؟ وحاصل المبحث أن اجتناب المحرمات وإن قلت أفضل من الإكثار من الطاعات. ومن ذلك اختلافهم في مسألة أيّهما أفضل الغنى مع الشكر؟ ام الفقر مع الصبر؟ والذي يترجح أن الغنى مع الشكر هو الأولى .قال تعالى: ” وقليل من عبادي الشكور ” / / لصعوبة الأمر. 11- فقه الأولويات في دعوات المصلحين في العصر الحديث: أهم ما يميز مصلحا اسلاميا من آخر الأولوية الإصلاحية التي استهدفها وأدار حياته وعمله حولها بناء على فهمه للإسلام ورؤيته للواقع، فكان إصلاح العقائد مدار عمل ابن عبد الوهاب، وكان جهاد المحتلين عمل الإمام المهدي، وكانت أولوية الأفغاني نفخ روح النهوض في أمة غافية غلب عليها أعداؤها، بينما اهتم الإمام محمد عبده بتحرير العقل المسلم من أسر التقليد وربطه بالمنابع الإسلامية الصافية وفهم الدين على طريقة السلف وبيان أن الحكومة الإسلامية حكومة مدنية من كل وجه حاكمها بشر يخطئ وتغلب عليه شهوات لا يرده عن طغيانه غير النّصح بالقول والفعل. أما حسن البنّا فقد عني بتصحيح المفاهيم عن الإسلام وأنه عقيدة وشريعة ودين ودولة و وجه جهوده لتكوين جيل ربّاني يفهم الإسلام فهما دقيقا ويؤمن به ايمانا عميقا ويترابط عليه ترابطا وثيقا ويهبه حياته ويجمع ما تناثر من صفوف أمته على كليات الإسلام والعمل به والعمل له بمنآى عن الإختلاف الفقهي والمذهبي. وكانت قضية المودودي الأساسية إعادة النّاس الى حاكمية الله تعالى في مواجهة الجاهلية الحديثة التي تمثلها مدنية الغرب وكانت العقيدة قبل جزئيات الأنظمة أولويته لتحقيق حاكمية الله في الأرض ومن ذلك رفضه الجاهلية المعاصرة في كل مجالاتها واعتبار كل المجتمعات القائمة اليوم جاهلية لا تحتكم لشرع الله في كل مناهج حياتها. إن المنكر الأكبر الذي تنبع منه كل المنكرات هو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة . والى هذا المنكر الأكبر ينبغي ان تتجه كل الجهود قبل الدخول في المنكرات الجزئية. 12- تعقيب: هذا كتاب صغير في حجمه كبير بمعناه جديد في مضمونه ، وما يدرى هل سيحتل مكانه ضمن علم أصول الفقه لأنه يتحرك في مجاله ؟ أم هو مندرج ضمن مقاصد الشريعة باعتباره يتحرك ضمن ما تأسست عليه من فكرة وجود تراتب بين أعمال الإسلام وشرائعه، من ضروريات هي بنفسها مرتبة ترتيبا تفاضليا وحاجيات وتحسينيات؟ أم هو أقرب الى علوم السياسة الشرعية باعتباره منصبا في قسمه الأكبر على تقويم مناهج الحركات الإسلامية في الإصلاح المناهج الفكرية والتربوية والحركية ،وعلى مسعاه الدؤوب للإنتصار لمنهج الوسطية الذي ما يفتأ يجلي ملامحه في محاولة لجمع الأمة عليه فقد كان انتصاره واضحا للمنهج الوسطي كما صاغه وأسسه الإمام البنّا والسؤال ما هي أولوية الإصلاح عند القرضاوي هل هي الفكر أم التربية أم السياسة ؟ يتضح ذلك من خلال كتابه “أولويات الحركة الإسلامية” الذي صدر في نهاية الثمانينيات أي بعد بضع سنوات من كتابه فقه الأولويات. 1-بعد أن يحدد القرضاوي بدقة ما يعنيه بالحركة الإسلامية – على عادته في ضبط موضوعات بحثه- باعتبارها العمل الشعبي الجماعي المنظم للعودة بالإسلام الى قيادة المجتمع وتوجيه الحياة كل الحياة، يعتبر مهمتها تجديد الإسلام بما يعيده الى قيادة الحياة ، ويتجسد هذا التجديد في ثلاثة أمور: الأول تكوين طليعة اسلامية قادرة على قيادة المجتمع تجمع بين الإيمان العميق والفقه الدقيق والترابط الوثيق. والثاني تكوين رأي عام اسلامي يشد أزرها. والثالث تهيئة مناخ عالمي يتقبل وجود الأمة الإسلامية حين يتفهم حقيقة الرّسالة الإسلامية ويتحرر من العقد الخبيثة، رأي عام يفسح صدره لظهور القوة الإسلامية بجوار القوى العالمية الأخرى أولويات الحركة الإسلامية :ولأن مجالات العمل أمامها رحبة: تربوية وسياسية واجتماعية واقتصادية وجهادية واعلامية وفكرية علمية، وكلها مطلوبة وجب عليها حسن توزيع قواها فيكون تركيزها على: 1-تجلية المفاهيم الأساسية 2-التركيز على شرائح اجتماعية معينة .3- التركيز على الكيف لإعداد القيادات المستقبلية المرجوة، ولا سيما الإعداد الإيماني الفكري. 1- يقول: “إن المجال الأول في رأيي هو مجال الفكر فهو أساس البناء الدعوي والبناء التربوي والذي يبدو لي أن ازمتنا الأولى أزمة فكرية .هناك خلل واضح في فهم كثيرين للإسلام ولتعاليمه ومراتبها. هناك عجز في المعرفة بالحاضر المعيش وجهل بالآخرين مع أن الآخرين يعرفون عنا كل شيئ وقد كشفونا حتى النخاع. (!) هناك جهل بأنفسنا وكثيرا ما نضخم الشيئ الهين وما نهون الشيئ العظيم وهو ما يجعلنا في أشدّ الحاجة الى فقه جديد. ولا نعني المعرفة بالأحكام الشرعية الجزئية من أدلتها التفصيلية بل الفقه هو الفقه في آيات الله وسننه في الكون والحياة والمجتمع. ومن أنواع هذا الفقه المنشود والمفقود فقه الموازنات وفقه الأولويات. وتقرير المبدأ هنا سهل ولكن ممارسته أمر صعب، فالمودودي رغم إنكاره ولاية المرأة فقد وجد ولاية فاطمة جناح أقل ضررا من ولاية أيوب خان. إن غياب فقه الموازنات والأولويات في منهج الحركة الإسلامية جعلها تهتم بفقه الفروع قبل الأصول وتقصّر في التخطيط لعملها وتوزيع جهودها ومواردها بحسب مطالب الوقت، وسد في وجهها كثيرا من أبواب السعة والرّحمة وشجع تيارات الرفض والتشدّد المجال الثاني :الدّعوة والتّثقيف العام من أجل الإمتداد بأشعة الدّعوة الى كل شرائح المجتمع بعمل دعوي وإعلامي مخطط يقوم عليه متخصصون. ومن أهم الشرائح التي يجب التغلغل فيها شريحة المثقفين دون إهمال للجماهير باعتبار الحركة الإسلامية حركة شعبية تنجح يوم تتغلغل في صفوف شعبها وتلتحم بهومه فيستجيب إذ تناديه، ويقتضي ذلك قيامها بتصحيح ما بالأنفس من مفاهيم مغلوطة. وعلى أهمية الطبقات العاملة في التغيير فإن الشيخ يلاحظ بألم وحيرة عدم نفوذ الحركة الإسلامية الى هذه الجبهة مع أن الإسلام أعظم دين يكرم العمل وينصف العمّال. أهو تقصير الحركة في تبني قضايا العمال والوقوف بجانب مطالبهم العادلة ؟ أم هو فضل نشاط الفئات اليسارية؟ تعليق:لا يبدو أن الحال قد تغير بعد عقدين. ما السّبب؟ هل هو تراجع الفكر الإجتماعي والسّياسي الحامل لهموم الجماهير وما تعانيه من ضنك معيشي واستبداد سياسي والثّائر ضد القوى المحلية والدولية القائمة عليهما، أم هو زحف تيارات الفكر السلفي العقدي التكفيري موغلا في الجزئيات الفقهية والخلافات العقدية ؟ – يجب على الحركة الإسلامية أن تغزو مجال التجار ورجال المال والأعمال ففي أيديهم قسم كبير من ثروة الأمة والتحكم في حاجات النّاس – ومن المجالات التي لا يزال اثر الحركة الإسلامية فيها محدودا المجال النّسائي فرغم مرور ستّين سنة على الحركة الإسلامية فلم تظهر قيادات إسلامية نسائية قادرة على مواجهة التيارات العلمانية الماركسية بكفاية وذلك لأن الرجال يحاولون دائما ان يسيطروا على على توجيه النساء ولا يدعون لهن الفرصة الكافية. إن العمل النسائي قد تسرّبت اليه أفكار متشددة غدت هي التي تحكم العلاقة بين الرّجال والنّساء تأخذ بأشدّ الأقوال تضييقا في هذه المسألة. ومن ذلك حمل الآية الآمرة بالقرار في البيوت على كل النّساء مع أن سياقها واضح في أنها خطاب مباشر لنساء النّبي لما لهن من خصوصية. تعليق: هل تطور الحال بعد عقدين؟ هل تراجعت تيارات التشدّد أم توسعت؟ ما دلالة تمدد النّقاب في مساحات جديدة؟ المجال الثالث:مجال التربية والتكوين. وفيه تكوين الطلائع المؤمنة باعتبار التربية الإيمانية هي الأساس ولا بد في هذا المجال من قدر من التربية الصّوفية السليمة لمعالجة أمراض القلوب وسد مداخل الشيطان بإخلاص النية لله تعالى ودوام مراقبته والتوكل عليه ومحاسبة النفس، وذلك الى جانب ضرورة التربية الفكرية لقيادات المستقبل. وما ينبغي للقيادات التّاريخية ان تقف عقبة أمام الدماء الجديدة فتحول دون بروز القيادات الشّابة ولا بد من اطراح فكرة ان القيادة تختار مدى الحياة فالسّوابق التّاريخية لا تعد شرعا ملزما الى يوم القيام . واقترح انشاء معهد لتخريج قادة المستقبل يضم مجموعة من النوابغ المخلصين وأن توضع له مناهج تجمع بين الأصالة والمعاصرة – ومن معالم الفكر المنشود الى جانب التربية الإيمانية لقيادات المستقبل أنه: -فكر علمي لا يقبل الاّ بدليل يحترم التخصص لا مجال فيه للتفسير التآمري للأحداث – فكر واقعي يوازن بين الطّموح والإمكانات – فكر يهيل التراب على مشكلات تاريخية بددت طاقات المسلمين كالجدل حول الذّات والصّفات وحول ما يسمى بآية السيف – فكر سلفي تجديدي: إن اخشى ما أخشاه على الحركة الإسلامية أن تضيق بالمفكرين الأحرار من أبنائها وان تغلق النّوافذ في وجه التجديد والإجتهاد وتقف عند لون واحد لا يقبل وجهة نظر أخرى فتحرم من العقول الكبيرة. – فكر وسطي : بين التزمت والتنطع من ناحية والتسيب والتحلل من ناحية اخرى . والوسطية ملازمة للتيسير فيجب على الحركة الإسلامية أن تتبنى في مجال الآراء الفقهية خط التيسير لا التعسير لأن ذلك طبيعة الشريعة الإسلامية وبسبب حاجة النّاس فالأصل في المعاملات الإباحة. وفي قوانين العقوبات ينبغي الأخذ بالأقوال الميسّرة كالقول الذي يرى أن التوبة تسقط الحد. – فكرمستقبلي لا ينحبس في الماضي ولا في الحاضر متفائل واثق من ان هذا الواقع سيزول وان الإسلام هو البديل وما على المومنين الا ان يثابروا ويصبروا ، ,ان المستقبل المنشود يتحقق وفق سنن الله . وتمثل هجرة النبي عليه السلام درسا في التخطيط والتوكل. – المجال الرّابع:المجال السّياسي: أ- نحو فقه سياسي رشيد يتجاوز فكر المحنة وفكر التشدد والحرفية نحو فقه السّنن وفقه المقاصد ، ذلك أن الخلل في الحركة الإسلامية أوضح ما يكون في الفقه السياسي الذي لم يأخذ حقه من البحث والتعمق قديما كما أخذ فقه العبادات والمعاملات والأنكحة ،ولا يزال اليوم يشوبه كثير من الغبش والتباس المفاهيم ، فهناك من يعتبر الشورى معلمة ومن يرى أن المرأة لا مكان لها في سياسة الأمة. مكانها البيت، ومن يرى أن التعددية أمر مرفوض وأن دخول المجلس النيابي ينافي التوحيد (القول السديد في أن دخول المجلس النيابي مناف للتوحيد).ومرد الخلل اعتبار السّوابق التاريخية ملزمة مع أنها إنما تدل على مجرد الجواز بما في ذلك افعاله عليه السّلام. تعليق: بعد عقدين الى أين اتجه تطور الفكر السياسي الإسلامي؟ ب- الحركة الإسلامية وتحرير دارالإسلام: عليها أن تكون مجندة لنصرة كل قضية اسلامية وبالخصوص قضية فلسطين. – الحركة الاسلامية وقضايا التحرر العالمي :عليها أن تساند كل قضايا التحرر من الإستبداد والظلم في العالم باعتبار الإسلام دعوة تحريرية كبرى للإنسان “إنّ النّاس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده” – الحركة الاسلامية والأقليات المسلمة:على الحركة الإسلامية أن تقوم مقام القيادة المركزية المفقودة للأمة المسلمة وأن تستعين بشيوخ الإسلام حتى يبرز من بينهم شيخ الإسلام الحق الذي يدين له العلماء بالفضل الذي يمكنه أن ينادي الأمة الإسلامية الكبرى في الشدائد والملمات فتلبي النداء . تعليق: هل أفرزت الحركة الإسلامية شيخ الإسلام هذا أم لا تزال تنتظر فلا استعادت خلافة ولا مشيخة؟ ج- الحركة الإسلامية وقضايا الديمقراطية: الواجب على الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة أن تقف أبدا في وجه الحكم الفردي الدكتاتوري وأن تكون دائما في صف الحرية السّياسية المتمثلة في الدّيمقراطية الصّحيحة وأن تقول بملء فيها للطّغاة لا ثم لا ولا تسير في ركاب دكتاتور متسلط وإن أظهر وده لمصلحة موقوتة ولمرحلة تطول كما هو مجرب. – وبتتبع الحركة الإسلامية والصحوة الإسلامية يتبين بجلاء أنها لا تتفتح أزهارها ولا تنبت بذورها وتمتد فروعها إلا في جو الحرية ولا تذوى إلا في مناخ القهر، لذلك لا أتصور أن يكون موقف الحركة الإسلامية إلا مع الحرية والديمقراطية ، ولكن لا يزال بعض الاسلاميين يتحفظ على الديمقراطية ويتخوف حتى من ذكر اسمها. إن الأدوات التي توصلت اليها الديمقراطية (في كبح جماح الإستبداد) أقرب ما تكون الى تحقيق المبادئ التي جاء بها الإسلام في الحكم لا سيما اذا تم التنصيص دستوريا على مادة تعتبر كل تشريع يخالف الإسلام باطلا. إن الخطر الأكبر على الأمة وعلى الحركة الإسلامية هو حكم الفراعنة. تعليق:هل حصل تطور في الموقف الإسلامي في اتجاه مزيد الإلتحام بقضايا الحرية والتحرر ومناهضة المستبدين المحليين والتحالف مع كل ضحاياهم بصرف النظر عن ملته؟ وكيف يفسر الطفح المتزايد للصراعات الطائفية في أمتنا؟ د- الحركة الإسلامية والأقليات العرقية والدينية: لا تمثل الأقليات العرقية للإسلام مشكلا أصلا. أما الأقليات الدينية فلا تعارض بين حق الأكثرية المسلمة وحق الأقليات غيرالمسلمة إذ الإسلام لا يجبر أحدا على ترك دينه أو ترك أمر يراه واجبا في دينه أو في فعل ما يراه حراما – الحركة الإسلامية والإنفتاح على الآخرين: الأولى بالحركة الإسلامية وقد بلغت أشدها أن توجه خطابها الى المخالفين لها في الفكر فاتحة صدرها للحوار وخصوصا مع عقلاء العلمانيين وهم مسلمون في الأصل ولم تتح لهم الفرص لمعرفة الإسلام معرفة صحيحة. وما أدعو اليه هو الحواربالحسنى وليس المناظرة. تعقيب:ينبغي أن يتجاوزهدف الإنفتاح على الآخرين مجرد الحوار معهم لتعريفهم بالإسلام وإنما التعاون على تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة من مثل التصدي لقوى الإحتلال والتدخلات الخارجية، ومقاومة الإستبداد والفساد. والملاحظ أن قدرات الحركة الإسلامية على مثل هذا الحوار فضلا عن إقامة التحالفات والجبهات الوطنية من مثل ما فعل النّبي عليه الس!لام من التحالف مع قبائل كافرة للتصدي لأخرى أظلم منها. – ومن ذلك الحوار مع عقلاء الحكّام وطمأنتهم على كراسيهم مقابل ترك الحرية لدعوة الإسلام لتنهض برسالتها في تربية الشباب، مع التحذير من ان يؤدي ذلك الى الممالأة لهم، وفرق بين المهادنة والمداهنة.علام أسفرت تجارب المشاركة في حكم أنظمة مستبدة؟ – وكذا الحوار مع عقلاء الغرب دينيين ومستشرقين وسياسيين حتى يتحرروا من الأحكام السلبية المستقرة حول ديننا ويقفوا على طبيعة وأهداف دعوتنا وما تحمله من رحمة للعالمين – ومن ذلك تفادي الصدام مع المؤسسة الدينية الرسمية سعيا لإصلاحها والإفادة للدعوة من امكاناتها ومن باب أولى الحوار مع فصائل الصّحوة فالإسلام أكبر من أي جماعة وما يمكن لجماعة واحدة ان تنهض برسالته منفردة بما يوجب على كل الجماعات أن تتحاور وتتعاون وتتضامن. تعليق: ما دلالة ما تبديه الجماعات الإسلامية من عجز عن إدارة اختلافاتها سلميا بله عن التعاون في المتفق عليه؟ مقترحات :ضرورة تفريغ الكفاءات لواجبات الحركة – إعداد المختصين في شتى المجالات -مركز للمعلومات والبحوث. الخلاصة: كما أن البناء الإسلامي بناء مرتب ترتيب منطقي بحسب كليات وجزئيات وأصول وفروع تتفاوت مراتبها وأولوياتها، كذا ينبغي أن يكون عمل العاملين على إقامة هذا البناء أو إصلاحه عملا منطلقا من خطة تأخذ بعين الإعتبار أولويات البناء الإسلامي من جهة الحكم التكليفي كما لا يفوتها رعاية الحكم الوضعي في تنزيل تلك الأولويات، بما ينتهي ضرورة الى وجود أهداف مشتركة بين العاملين للإسلام تمليها أولويات الإسلام المشترك كما يمليها قدر من التشابه بين أحوال الأمة في زمن محدد، إلا أن الخطط والأولويات لن تتطابق بين العاملين للإسلام على امتداد المعمور ،وذلك بسبب اختلاف الأوضاع الإسلامية فالإسلام في بعض بلاده حاكم وفي أخرى مشارك وفي أوضاع تدور عليه رحى الحكم فأنى لأولويات العاملين له أن تتشابه خاصة في غياب عقل ناظم ورأس موجه للأمة بما يجعها في حالة من اليتم. ومع ذلك تبقى الصورة الهندسية الجميلة المتناسقة التي استقراها شيخ الإسلام للإسلام من نصوصه ومن تراث أئمته العظام تبقى مهمة جدا لكل فرد مسلم حتى يرتب كل إمكاناته بحسبها وهي ذات أهمية أكبر للعمل الجماعي الإسلامي في أي صيغة ترتيبا يولي أهمية كبرى للتخطيط وتوزيع الموارد لقد بدا القرضاوي شديد الحرص على إيلاء التربية الإيمانية التربيوية الأولوية الأكبر ولكنه عندما يتناول مسائل الفكر يعتبر الخلل هناك، ويفعل الأمر ذاته عندما يصل الى مجالات السياسة فلا يتردد في التأكيد في الإعلان أن الخلل في الحركة الإسلامية أوضح ما يكون في الفقه السياسي الذي لم يأخذ حقه من البحث والتعمق قديما كما أخذ فقه العبادات، ولا يخفي ثورته على الإستبداد والطغيان وتحريضه الدائم عليه حتى أنه لم يتردد في الإعلان أن الحرية تسبق تطبيق الشريعة. فكيف يفسر ذلك؟ هل تتساوى لديه هذه الأولوليات ؟ أم انها على أهميتها جميعا تتفاوت بحسب الوضع، ففي غياب الحرية يغدو الجهاد من أجل استعادتها على رأس الأولويات من قبيل مالا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب. ولذلك يلاحظ أن شجرة الإسلام تزدهي وتثمر في مناخات الحرية وتذوي في أجواء القمع. وهكذا لئن بدت في المثال قيم الإيمان والتربية في صدارة أولويات الإسلام والحركة الإسلامية فبالنظر الى الواقع وتشخيصه التشخيص الدقيق وهو ما يجب أن تنطلق منه الحركة الإسلامية – وغالبا ما تقصر في ذلك- قد تختلف الأولوية هل هي نهوض فكري تجديدي في حالة سيادة الجمود والتقليد كما فعل عبده، أم نفخة ثورية في حال غلبة الإستبداد وخطر الإحتلال كما فعل الأفغاني أم تربية إيمانية صوفية إذ تفشو تيارات التحلل والفساد. ولأن أوضاع الأمة وبخاصة في القلب العربي تبدو الأزمة فيها ممتدة على كل تلك السوح فقد بدا العلامة المهموم بأدوائها وكأنه يؤذن للنهضة بكل تلك الحقول التي تشكو أعطابا هائلة مع ما تحمله من بشائر بالفجر الموعود، وذلك سيرا متطورا على طريق أسلافه من المصلحين الكبار خصوصا السيد رشيد رضا والإمام الشهيد البنّا . مقترحات: *بما أن الخلل الأكبر في البناء الإسلامي هو في الجانب السياسي، مطلوب إيلاؤه قدرا أكبر من الإهتمام والدراسة ، من مثل إنشاء مركز لدراسة السياسة الشرعية وتطويرها. *اعتبار أن ما كان قد نادى به القرضاوي منذ عقدين من ضرورة العمل على إبراز شيخ الإسلام الحق الذي يدين له العلماء بالفضل بما يمكنه أن ينادي الأمة الإسلامية الكبرى في الشدائد والملمات فتلبي النداء، قد تحقق في شخص العلامة القرضاوي. وجاء الوقت لإعلانه شيخ الإسلام في العصر. – *إنشاء وقف لتطوير ورعاية فكر الوسطية ومن ذلك تأسيس معهد لتخريج قادة المستقبل على نهج الوسطية الإسلامية. والله الموفق الى سواء السبيل.
نهاية العصر الذهبي لاسرائيل
أحمد منصور – الجزيرة توك
صناعة التاريخ حرفة ، لا يتقنها إلا القليل من الحكام ، فهناك من يقضي فى الحكم عشرات السنين ولا يترك خلفه إلا الفقر والظلم والاستبداد والجهل والتخلف ، وهناك من يقضي شهورا أو أعواما قليلة ولا يترك خلفه إلا التقدم والرقي والعزة لأمته ، تولى حزب العدالة والتنمية السلطة فى تركيا فى العام 2003 ، وخلال سنوات معدودة تمكن من أن يخرج تركيا من التبعية الكاملة للولايات المتحدة فى القرار السياسي والعسكري إلى الاستقلالية والسيادة ، وكان قرار حكومة العدالة والتنمية برفض استخدام أراضي تركيا من قبل القوات الأمريكية فى حربها على العراق فى مارس من العام 2003 أول القرارات الصادمة من قبل دولة هي عضو فى حلف الأطلسي ،للدولة الرئيسة فيه ..لكن رجال العدالة والتنمية الذين جاؤوا بإرادة شعبية استخدموا إرادة الشعب فى تحقيق ما يريدون وإجبار الولايات المتحدة على احترام وتنفيذ قرارهم ، وكان هذا بداية المفاصلة بين التبعية المطلقة والقرار المستقل ، جاء هذا في وقت خرجت فيه الطائرات الأمريكية من قواعد فى دول عربية لتنهي نظام حكم عربي وإن كان فى أدائه لا يقل سوءا عن البقية ، لكن التاريخ دائما له تفسيراته الخاصة للأحداث! فى المقابل جاء الرئيس حسني مبارك إلى السلطة عام 1981 خلفا للرئيس السادات الذي كان يرى أن 99% من أوراق الشرق الأوسط بيد الولايات المتحدة غير أن مبارك ربما أعطى الواحد في المائة الباقية ليعري مصر من قرارها السيادي ، ويحول السيادة عبر خطاب من يتولون الوظائف حوله إلى مهازل وأهازيج دفعت مصر بمسئولياتها التاريخة والجغرافية إلى الوراء وتقهقرت على الصعيد الداخلي والعربي والدولي بشكل غير مسبوق فى التاريخ ، أما ما حققه أردوغان لشعبه وأمته خلال ست سنوات وما حققه مبارك لشعبه وأمته خلال تسعة وعشرين عاما فهذه قصة أخرى تحتاج إلى كتب ولكن لننظر إلى المشهد خلال الأسابيع القليلة الماضية بين أنقره والقاهرة! فخلال الأسابيع القليلة الماضية بدا المشهد بين أنقره والقاهرة فى صناعة تاريخ المنطقة فريدا إلى حد بعيد ، ففي الوقت الذي يتهم فيه النظام المصري من قبل منظمات المجتمع المدني العربية والدولية بأنه يشارك فى حصار مليون ونصف المليون فلسطيني فى قطاع غزة ويقوم ببناء سور فولاذي بتمويل وصناعة أمريكية كاملة وفق اتفاق إسرائيلي أمريكي أكدته مصادر عديدة ، كان الأتراك يقومون بدعم قافلة شريان الحياة 4 التى كانت تحمل مساعدات إنسانية لسكان غزة ويتفاوضون مع الحكومة المصرية ويتوسطون لديها من أجل أن تسمح بوصول القافلة إلى المحاصرين فى غزة …. غزة التى أصبح الطابور الخامس من الكتاب المرتزقة في بعض وسائل الأعلام المصرية يصورها على أنها العدو ويحرض الرأي العام المصري ويتلاعب به وكأن الخطر الدائم الذي يهدد مصر هو من غزة وليس من إسرائيل ، غزة التى هي جزء من العمق الأستراتيجي لمصر أصبح فى مصر من الكتاب و الأعلاميين من يحرض الشعب المصري عليها ويعتبرها العدو بينما يروج هؤلاء لأسرائيل علي أنها الحليف الذي لم يسبب أي ضرر لمصر منذ توقيع اتفاقات السلام ، مثل هذه الكتابات لا تأتي من فراغ وإنما هي جزء من حملة تمولها الولايات المتحدة منذ عدة سنوات من أجل تغيير الرأي العام المصري تجاه القضية الفلسطينية ، وقد نجحت الولايات المتحدة فى حملتها عبر الرحلات التى قام بها كثير من هؤلاء إلي الولايات المتحدة عبر برامج مختلفة تستمر بين شهر أو أكثر كل حسب البرنامج المعد له . لكن الدرس التاريخي الأكبر كان فى صناعة الكرامة الوطنية وتعليم إسرائيل كيف تتعامل من الكبار وذلك حينما أنذر الرئيس التركي عبد الله جول إسرائيل بأن تقدم اعتذارا رسميا مكتوبا عن الأهانة التى وجهها مساعد وزير الخارجية الأسرائيلي إلي السفير التركي حينما استدعاه ووبخه حول مسلسل ” وادي الذئاب ” الذي نجح فى استقطاب غالبية الشعب التركي ” 75 مليون ” لمشاهدته ، وهو يصور بشكل واضح جرائم إسرائيل ضد النساء والأطفال . يوم الأربعاء 13 يناير 2010 سيكون يوما غير عادي فى التاريخ ففي هذا اليوم هدد الرئيس التركي بسحب السفير من إسرائيل ما لم تقدم اعتذارا رسميا وقال ” ما لم يتم حل المسألة هذا المساء فسيعود سفيرنا علي أول طائرة يوم الخميس ” وكانت إسرائيل قد حاولت التحايل حينما قام مساعد وزير الخارجية الأسرائيلي بتقديم اعتذار ضمني غير أن أنقرة طلبت اعتذارا رسميا واضحا محددا ، ركضت إسرائيل لتقديم الأعتذار ، بل إنها أرسلت مسودة الأعتذار للرئيس التركي عبد الله جول ليطلع عليها ويجري عليها ما يشاء من تعديلات تتناسب والكرامة التركية ويقرها قبل إصدارها ، ووقف الأتراك جميعا بكل أطيافهم وراء الرئيس الذي دافع عن كرامتهم ، وصدر الأعتذار الذي وصفته الصحف التركية بأنه النصر الدبيلوماسي الذي طوي العصر الذهبي لأسرائيل ، فإسرائيل أضعف مما يمكن أن يتصور وهي لا تستمد قوتها إلا من الحكام العرب المتواطئين معها ، وسوف نرى فى الفترة القادمة تأثير هذه السياسة التى تنتهجها تركيا علي تغيرات كثيرة فى المنطقة ومن أهمها من يتعلق بالحصار الذي تفرضه إسرائيل علي قطاع غزة فإسرائيل بحاجة ماسة إلي تركيا كما هي بجاجة ماسة إلي مصر أكثر من حاجة أي منهما من إسرائيل ، لكن ساسة تركيا يعرفون كيف يصنعون التاريخ ويظهرون بمظهر رجال الدول حينما يخرجون ويتحدثون ويفرضون علي الدنيا ما يريدون . لنا أن نتخيل أن مبارك بدلا من القبلات والعناق الذي يستقبل به قادة إسرائيل الملوثة أيديهم بدماء المصريين والفلسطينيين يتعامل مع إسرائيل بنفس الطريقة التى يتعامل بها عبد الله جول وأردوغان وأحمد داوود أوغلو مع زعماء إسرائيل وهي سياسة التركيع لأسرائيل وصناعة العزة والكرامة ، ما الذي يمكن أن تصبح عليه مصير إسرائيل ومستقبلها وهي بين فكي كماشة تركيا ومصر ؟ إنها صناعة التاريخ لا يتقنها إلا من يعرفها!
عن الإسلاميين ولوثة التجربة التركية
ياسر الزعاترة بقليل من المنطق في بعض الأحيان، وبكثير من الخفة في أكثرها، يتحدث بعض الإسلاميين العرب عن التجربة التركية، أعني تجربة حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، وذلك في معرض الحديث عن الإصلاحات التي ينبغي أن تقوم بها تلك الحركات لكي تحظى بالقبول من جهة، أو لكي تجد لها طريقا نحو السلطة والنجاح من جهة أخرى. ” فشل حركات التغيير في تحقيق أهدافها يفتح بابا لتراجعات يحلو للبعض أن يسميها مراجعات، بينما يتحرك كثير منها تحت وطأة الواقع والفشل واليأس، وأحيانا تقدم السن وزيادة أعباء ” قبل الدخول في حيثيات القضية والفوارق الكبيرة بين الحالة التركية ونظيراتها في العالم العربي، لا بد من القول إن فشل حركات التغيير في تحقيق أهدافها يفتح بابا لتراجعات يحلو للبعض أن يسميها مراجعات، بينما يتحرك كثير منها تحت وطأة الواقع والفشل واليأس، وأحيانا تقدم السن وزيادة أعباء الحياة بالنسبة لرموز القيادة وتراجع القابلية للتضحية وتقديم النموذج، ومن ثم الركون للدنيا بأشكال مختلفة، وهو جانب ينبغي أخذه بنظر الاعتبار في قراءة تحولات الجماعات والحركات، من دون أن يعني ذلك حسما بشأن الموقف الجديد أو القديم، إذ ثمة جماعات كانت لها برامج بائسة تستحق التغيير، مع أن أكثرها قد ذهب في اتجاه برامج أخرى ليست أفضل من سابقتها، وإن تخلت عن العنف (مثال ذلك تحول بعض الجماعات من العنف الأعمى إلى اعتبار الحكام الحاليين ولاة أمر واجبي الطاعة ما داموا يأذنون بالصلاة، فضلا عن قبول استخدامها من قبل الأنظمة في تقليم أظافر جماعات إسلامية أخرى تستغل بالعمل السياسي المعارض). في الواقع العملي لا يوجد الكثير من أوجه الشبه بين التجربة التركية وبين الحالات المشابهة في العالم العربي، اللهم سوى انتماء قادتها (السابق) لجماعات إسلامية تنادي بإعادة المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع. نعم لا وجه للشبه، لا من حيث طبيعة النظام، ولا من حيث طبيعة المجتمع الذي تعرض لعلمنة قسرية خلال عقود طويلة، مع العلم أن التجربة المذكورة لم تنته فصولها بعد، ويمكن أن تواجه بمفاجآت يصعب الجزم بماهيتها في المستقبل القريب أو المتوسط، مع أننا ندعو الله أن تمضي في الاتجاه الإيجابي لما فيه مصلحة تركيا والإسلام والمسلمين. لعل السؤال الأهم الذي يطرح نفسه ابتداءً هو: هل ثمة دولة عربية واحدة لديها نظام سياسي وانتخابي (رئاسي وبرلماني) مثل ذلك الذي يتوفر في تركيا؟ أعني هل ثمة دولة عربية تسمح لحزب معارض أيا كانت هويته أن يفوز في الانتخابات ويتسلم السلطة بمضمونها الحقيقي، وليس على طريقة حكومة إسماعيل هنية في ظل فتح ومحمود عباس (حكومة بلا مال ولا أمن ولا إعلام، مع وزارات يسيطر عليها الطرف الخاسر في الانتخابات)، ولا على الطريقة المغربية في بعض تجلياتها (حكومة بواجهة معارضة يسيطر “المخزن” على أهم مفاصلها)؟! الجواب لا كبيرة، لأن الديمقراطية في العالم العربي هي في حقيقتها ديمقراطية ديكور لا أكثر، ليس فيها من الديمقراطية إلا الأشكال والهياكل الخارجية، والقصة هنا لا صلة لها بأيديولوجيا المعارضة، أكانت إسلامية أم يسارية أم علمانية، بل هي ذات صلة بهيمنة فئات معينة على السلطة والثروة وتصميمها على الحيلولة دون اقتراب أحد منها أيا كانت هويته. وإلا هل كان أيمن نور في مصر إسلاميا أم يساريا أم قوميا متشددا؟ ألم يكن مجرد شخص حاول منافسة الحزب الحاكم في ذات المربع (العلمانية وإرضاء الولايات المتحدة والغرب)، فكان الذي تعلمون من حرب شعواء عليه لم تنته فصولا بعد؟! والحال أنه لو قدمت الحركات الإسلامية اليوم تنازلات للغرب لكي تحوز رضاه (بعض الإسلاميين يطالبون بذلك)، لصارت أكثر خطرا في عرف الأنظمة. ألا ترى كيف تصاب هذه الأخيرة بالهستيريا كلما بلغها خبر لقاء بين قادة إسلاميين ودبلوماسيين أميركيين أو أوروبيين، وبالطبع لأن الدعم الغربي للأنظمة يمنحها قوة كبيرة في مواجهة المعارضة، ولنتذكر أن صفقة بوش في ولايته الثانية، والتي كرسها أوباما رغم دعاواه الديمقراطية هي سكوت واشنطن على قضية الإصلاح (وفي مصر التوريث) مقابل الحصول على تنازلات في الملفات الخارجية التي تعني الدولة العبرية والولايات المتحدة. ” رضا الغرب عن الإسلاميين لن يتحقق إلا بتنازلهم عن أهم ثوابتهم، وفي مقدمتها تطبيق الشريعة أيا كانت حيثياتها ومستوى انفتاحها، ثم عليهم بعد ذلك أن يقبلوا بالدولة العبرية وبالتبعية للغرب ” من هنا، فإن أي تنازلات يمكن أن تقدمها الحركات الإسلامية لكي تحذو حذو العدالة والتنمية التركي لن تزيدها من السلطة إلا بعدا، ولن تزيد موقف الأنظمة منها إلا سوءا، لأن تمسكها بالمنهجية الإسلامية هو الذي يوفر للأنظمة فرصة التحريض عليها (تحريض الغرب، وتحريض غير المسلمين من الأقليات والفئات العلمانية والطبقات الثرية خوفا على أموالها واستثماراتها). أردوغان قال بالفم الملآن إنه ليس إسلاميا لا ظاهرا ولا باطنا، وأكد ذلك في سياساته الاقتصادية (الرأسمالية بطبعتها الغربية)، والاجتماعية (الحرية الفردية بمفهومها الغربي)، والسياسية (التحالف مع الغرب والعلاقة الجيدة مع الدولة العبرية (على تفاوت بين مرحلة وأخرى)، فهل يريد الإسلاميون العرب تكرار تجربته على هذه الأصعدة؟! والواقع أن رضا الغرب عن الإسلاميين لن يتحقق إلا بتنازلهم عن أهم ثوابتهم، وفي مقدمتها تطبيق الشريعة أيا كانت حيثياتها ومستوى انفتاحها (دولة مدنية بمرجعية إسلامية)، ثم عليهم بعد ذلك أن يقبلوا بالدولة العبرية وبالتبعية للغرب والحفاظ على مصالحه، ثم القبول الكامل بالدولة القطرية ونسيان قصة الوحدة والمشروع الحضاري للأمة، مع العلم أن ذلك لن يقربهم من السلطة، بل سيزيد موقف الأنظمة منهم سوءا على سوئه. والخلاصة أن عليهم لكي يحصلوا على دعم الغرب لهم في مواجهة الأنظمة أن يثبتوا له أنهم أفضل منها لتحقيق مصالحه في المنطقة والعالم. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك هو هل تغدو الحركات المذكورة هي ذاتها، أم أنها ستكون شيئا آخر (كمن نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا)، مما يعني انفضاض الجماهير من حولها بشكل تلقائي، لا سيما أن هذه الأخيرة لا تمنح أحدا شيكا على بياض، وإنما تنحاز لهذه الجهة أو تلك بناء على فكرة، فإذا تركتها فستبحث عن جهة أخرى أكثر تعبيرا عنها، وقد تصاب بالإحباط إذا لم تعثر على من يمثلها. سيشير البعض إلى مواقف سياسية جيدة لأردوغان وحزبه خلال المرحلة الماضية، الأمر الذي يعود إلى حقيقة أن تركيا دولة كبيرة ويمكنها أن تفعل ذلك (إيران تتحدى الغرب أكثر بكثير)، فضلا عن حقيقة رغبة الشارع في تلك التوجهات، مع العلم أنها تتحرك جميعا ضمن سقف معين ينظر إليه باحترام لأنه يقاس بالوضع السابق وبمواقف بعض الدول العربية البائسة أكثر من أي شيء آخر. من الطبيعي أن يخرج عليك البعض بسؤال البديل، وهو سؤال ينطوي على تسخيف لكل الحركات الإسلامية، لكأنه يقول إنها كانت في متاهة، ولم تحقق أيا من أهدافها قبل أردوغان، مع أن ذلك ليس صحيحا بحال، وما حصل عليه هذا الأخير هو بناء على ما سبق من تضحيات قدمها آخرون قبله في سياق العمل الإسلامي، وهذه الصحوة الإسلامية لم تبن من فراغ، وإنما كانت نتاج عمل وتضحيات كبيرة. ” الجماهير في بلادنا لا تمنح البيعة إلا لمن يواجه الظلم والفساد في الداخل، مع مواجهة الغطرسة الخارجية, وقد رأينا كيف انفضت من حول برامج تغيير (معارضة) لم تلبث أن منحت المزيد من الشرعية للأوضاع القائمة ” المشهد السوداوي الذي رسمناه يتعلق بمسار إصلاح الأنظمة على نحو يمكّن المعارضة الإسلامية من الوصول إلى السلطة وتطبيق برامجها في ظل ميزان القوى الراهن داخليا وخارجيا، لكن ذلك لا يعني انغلاق الأفق بالكامل، إذ بوسع تلك الحركات أن تشتغل على فكرة التغيير الشامل لتلك الأنظمة من خلال النضال السلمي كما وقع في أوروبا الشرقية، في ذات الوقت الذي تدعم فيه مقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق وأفغانستان التي تساهم في تحجيم الهيمنة الأميركية على المنطقة، ومن ثم خلق وضع دولي متعدد الأقطاب يمكن للمستضعفين استغلاله في إحداث التغيير. خلاصة القول هي أن أي برنامج تغيير لا يأخذ في الاعتبار توجهات الجماهير هو برنامج بائس، ولنتذكر أن الجماهير في بلادنا لا تمنح البيعة إلا لمن يواجه الظلم والفساد في الداخل، مع مواجهة الغطرسة الخارجية. وقد رأينا كيف انفضت من حول برامج تغيير (معارضة) لم تلبث أن منحت المزيد من الشرعية للأوضاع القائمة.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 15 فيفري 2010)