الأربعاء، 8 فبراير 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2088 du 08.02.2006

 archives : www.tunisnews.net


رويترز: تونس تشدد الإجراءات الأمنية تحسبا لاحتجاجات مناوئة للدنمرك أخبار تونس: وفد أمريكي يزور مجلس المستشارين : » تونس هي معجزة إفريقيا مثلما هي سنغافورة معجزة آسيا » الصباح : 60% من حاملي الشهائد العليا يعانون من البطالة الصباح : منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا تتكبد أعلى مستوى بطالة في العالم إلى 2،13% القدس العربي: ضغوط دبلوماسية ـ امنية امريكية قوية علي دول المغرب العربي لمساعدة واشنطن في مآزقها الحياة: مدير الـ «أف بي إي» في الجزائر بعد المغرب يناقش مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة سليم بوخذير: بين المنصف بن علي ، على قناة   » نيو .تي .في »  اللبنانية.. . و بن علي في تونس خالد بن مبارك: افتتاحية مجلة الجرأة الشيخ راشد الغنوشي: التحالف مع الاسلاميين: مطلب المرحلة أم سير ضد الطبيعة؟ عمر صحابو: قضية الرسوم الكاريكاتورية: خـطـآن…. فاطمة بن عبد الله الكراي: «الفخ» في صراع الحضارات الحياة : القوانين وحدها تمنع تكرار العمل الشنيع الشروق: استراتيجية الاعلام الغربي تجاه أمّة تنهى عن المنكر وتأمر بالمعروف فهمي هويدي: من دروس الحملة الأوروبية على نبي الإسلام توفيق المديني: الجريمة السياسية في المغرب العربي الهادي بريك:  وإنتصر الاسلام … إقبال الغربي: لماذا تفضل نساء المسلمين عمرو خالد على ابن رشد وفولتير؟


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

تونس تشدد الإجراءات الأمنية تحسبا لاحتجاجات مناوئة للدنمرك

تونس (رويترز) – شددت الحكومة التونسية يوم الاربعاء من اجراءاتها الامنية تحسبا لاحتمال مهاجمة مصالح دنمركية أو رعايا دنمركيين ولمواجهة أي مظاهرات احتجاج على رسوم مسيئة للنبي محمد نشرتها صحيفة دنمركية وأعادت صحف غربية اخرى نشرها. وتونس التي تحتفظ بعلاقات سياسية واقتصادية جيدة مع البلدان الغربية احدى الدول الاسلامية القليلة التي لم تشهد أي تظاهرات مناوئة للدنمرك او احتجاجات شعبية على الرسوم التي نشرتها صحيفة يولاندس بوستن الدنمركية. ويصور احد الرسوم النبي محمد يرتدي عمامة على هيئة قنبلة. وانتشرت قوات الشرطة التونسية بكثافة غير معهودة في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة. وضربت طوقا امنيا حول عدد من الجامعات التونسية خوفا من اندلاع مظاهرات تصحبها اعمال شغب. كما كثفت قوات الشرطة من تواجدها امام مقر القنصلية الدنمركية يوم الاربعاء وطوقتها بالعشرات من افرادها بعد تلقي انباء عن وجود تهديدات ضد البعثة الديبلوماسية في تونس. وتتزامن هذه التعزيزات الامنية مع دعوة الاوروبيين الدول العربية والاسلامية لضمان امن دبلوماسييها ورعاياها بعد حرق القنصليتين الدنمركية والنرويجية في سوريا ولبنان وتحول الغضب الشعبي الواسع الى اعمال عنف في بعض البلدان. وقال مصدر بالقنصلية الدنمركية لرويترز « البعثة الدنمركية ليس لديها شعور بالخوف في تونس رغم هذه التعزيزات الامنية.. لكن من يدري قد يحصل حدث عرضي من شخص غير مسؤول او مجنون. » ولا يتجاوز عدد السياح الدنمركيين الذين يأتون الى تونس كل عام 20 الف سائح. ولم تعلن الحكومة التونسية اي موقف رسمي علني تجاه الرسوم التي فجرت غضبا واسعا في ارجاء العالم الاسلامي. لكنها منعت توزيع العدد الاخير من صحيفة فرانس سوار الفرنسية التي اعادت نشر الرسوم. (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 8 فيفري 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

وفد أمريكي يزور مجلس المستشارين

 » تونس هي معجزة إفريقيا مثلما هي سنغافورة معجزة آسيا »

 

 » تونس هي معجزة إفريقيا مثلما هي سنغافورة معجزة آسيا »، هذا ما أكده أعضاء الوفد الأمريكي الذي يمثل «مجالس الشؤون العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية» مشيدين بالنقلة النوعية التنموية والحضارية التي حققتها تونس على مدى ثمانية عشرة سنة بفضل القيادة المتبصرة والحكيمة للرئيس زين العابدين بن علي وذلك رغم ثرواتها الطبيعية المحدودة وتعويلها فقط على كفاءة مواردها البشرية .

 

كما أعرب أعضاء الوفد الأمريكي الذي يضم عشر شخصيات لدى زيارتهم صباح اليوم مجلس المستشارين حيث كان السيد عبد الله القلال رئيس المجلس في استقبالهم عن إعجابهم بالزخم الهام من المكاسب والانجازات الرائدة التي حققتها تونس في كل القطاعات الاقتصادية ولفائدة كل الفئات الاجتماعية دون استثناء مؤكدين أن ذلك يترجم الإرادة السياسة للرئيس زين العابدين بن علي في جعل تونس نموذجا يحتذى بين الدول العربية والإفريقية والارتقاء بها إلى مصاف الدول المتقدمة .

 

وبينوا خلال اجتماع انعقد بالمناسبة برئاسة السيد عبد الله القلال وحضور نائبي رئيس المجلس وعدد من المستشارين ان زيارتهم إلى تونس التي تتواصل من 5 إلى 12 فيفرى الجاري تندرج في إطار الحرص على مزيد التعرف على التجربة التنموية في تونس والاطلاع على مقاربتها الإصلاحية في مختلف المجالات مؤكدين على ضرورة مزيد تطوير علاقات التعاون وتوسيع مجالاته بين البلدين الصديقين بما يخدم مصلحتهما المشتركة .

 

وكان رئيس مجلس المستشارين قد استعرض قبل ذلك ابرز النتائج والمؤشرات التنموية التي توفقت تونس الى تحقيقها رغم الوضع الدولي المتقلب والتي شملت بالخصوص مجالات التعليم والصحة والنهوض بأوضاع المرأة والارتقاء بمستوى عيش المواطنين وذلك في ظل مناخ سياسي يرتكز على قيم الديمقراطية والتعددية السياسة وسلم اجتماعية تسنى إرساؤها بفضل تكريس مبادئ التضامن والمساواة والعدالة الاجتماعية كما أشار إلى التحديات التي تحرص تونس على رفعها والمتمثلة بالخصوص في مزيد دفع قطاع التشغيل وتعزيز مكانة البلاد في مجال تكنولوجيات الاتصال الحديثة سيما اثر نجاحها في احتضان المرحلة الثانية من القمة العالمية حول مجتمع المعلومات فضلا عن إيجاد السبل الكفيلة بكسب رهان الاندماج الفاعل في مسار العولمة .

 

وأشار إلى دور مجلس المستشارين في إثراء الحياة السياسية للبلاد ودعم العمل التشريعي تكريسا للمسار الديمقراطي التعددي وجدير بالذكر أن «مجالس الشؤون العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية» يعد من أهم المنظمات الأمريكية غير الحكومية المهتمة بالشؤون الدولية وهي تضم قرابة نصف مليون عضو ولها فروع في سائر الولايات المتحدة الأمريكية وفي عدد من بلدان العالم وتعمل على التفتح على دول العالم والتعرف على خصوصياتها.

 

(المصدر: موقع « أخبار تونس الرسمي » بتاريخ 8 فيفري 2006)

 

 

في دراسة أممية حول وضع الشغل في تونس، الجزائر والمغرب:

60% من حاملي الشهائد العليا يعانون من البطالة

تونس – الصباح

شهدت كل من تونس والمغرب والجزائر خلال السنوات الاخيرة عديد التغيرات في سوق التشغيل أهمها ارتفاع طالبي الشغل من الشباب وتفاقم عمليات الطرد الناتجة عن الاصلاحات الاقتصادية خاصة في القطاع العمومي وقد ساهمت هذه التغيرات في ارتفاع نسبة البطالة وتطور الاقتصاد الموازي وظهور أصناف جديدة من الشغل ونتج عن تفاقم البطالة في الشباب وحديثا في حاملي الشهائد العليا خسائر اقتصادية تتمثل في عدم استغلال القدرات الانتاجية لطالبي الشغل وإخلال بالتوازن الاجتماعي.

 

وأمام هذه العوامل عملت كل من تونس والمغرب والجزائر على وضع وتطوير آليات تدخل الدولة في سوق الشغل وتتمثل هذه الآليات أساسا في إعداد برامج للنهوض بالتشغيل في شكل نشاطات مدعمة من قبل الدولة أو التشجيع على التكوين المهني. وذلك حسب ما جاء في تقرير لمكتب التشغيل الدولي التابع للأمم المتحدة حول الوساطة في سوق الشغل بالمغرب العربي.

 

ومما يميز سوق الشغل في الدول المغاربية الثلاث هو عدم التكافؤ بين الطلب والعرض حيث لا تمكن عروض الشغل من امتصاص طلبات الشغل المتدفقة على السوق.

 

وتتقارب أسواق الشغل في كل من تونس والمغرب والجزائر من حيث الهيكل حيث تحتوي الاسواق الثلاثة على نسب بطالة تتراوح ما بين 30 و40% بالنسبة لليد العاملة الشابة وخاصة منها الملتحقة حديثا بسوق الشغل.

 

كما لوحظ حسب ذات التقرير ارتفاع نسبة البطالة في الشباب حاملي الشهائد العليا والتي بلغت معدل 60%.

 

مع الإشارة إلى أن نسبة بطالة حاملي الشهائد العليا في تونس تبلغ قرابة نصف ماهو عليه في كل من المغرب والجزائر ويعود ذلك إلى تنوع أكثر في النشاط الاقتصادي بتونس مما يسمح باستيعاب أكبر لليد العاملة المؤهلة.

 

في المقابل وعلى عكس ماهو جار بالدول المتقدمة يلاحظ بأن آمال طالبي الشغل من الشباب للحصول على عمل تتقلص كلما ارتفع المستوى الدراسي.

 

وللتذكير فإن نسبة التأطير في تونس بلغت 11% ويجري العمل على الرفع من هذه النسبة لتتضاعف ويتحصل 70% من حاملي الشهائد العليا على وظيفة في السنة الأولى من دخولهم سوق الشغل حسب أرقام رسمية.

 

ويلاحظ مكتب التشغيل الدولي بأن مدة البطالة في الدول المغاربية الثلاث كبيرة حيث بلغت نسبة طالبي الشغل الذين دامت مدة بطالتهم أكثر من سنة 13،61% بالجزائر (سنة 2003) و3،69% بالمغرب (سنة 2001) فيما يمثل طالبي الشغل الذين تدوم مدة بحثهم عن عمل أكثر من 5 سنوات 71،18% في الجزائر و8،26% في المغرب وذلك مع غياب أرقام رسمية عن تونس.

 

التوزيع القطاعي للعمل

 

يستأثر قطاع الخدمات بقرابة نصف اليد العاملة النشيطة في الجزائر وبنسبة أقل بتونس مقابل هيمنة القطاع الفلاحي على سوق الشغل في المغرب حيث يوفر 45% من فرص العمل، هذه النسبة هي ضعف ماهي عليه في تونس والجزائر ويستنتج من ذلك ارتباط سوق الشغل في الجزائر بقطاع الخدمات مقابل ارتباط سوق الشغل بالمغرب بالقطاع الفلاحي وتوازن أكثر بين الانشطة القطاعية في تونس.

 

وسجلت سوق الشغل في كل من تونس والجزائر خلال السنوات الاخيرة تراجعا في نسبة الاجراء لحساب العمل المستقل ففي الفترة المتراوحة بين سنة 1994 و2003 انخفضت نسبة الاجراء من اليد العاملة النشيطة في تونس من 1،71% إلى 3،64% وارتفاع نسبة العمل المستقل من 6،22% إلى 8،26%.

 

وارتفعت نسبة العمل المستقل من 20% سنة 1992 إلى 7،26% سنة 2000 بالجزائر مقابل تراجع نسبة الاجراء من 7،74% إلى 4،68% خلال نفس الفترة. في المقابل ونظرا لهيمنة القطاع الفلاحي على سوق الشغل في المغرب ينشط 4،30% من اليد العاملة داخل أعمال اقتصادية عائلية (خاصة الفلاحية) مقابل 38% من اليد العاملة النشيطة هم من الاجراء و9،27% أعمال مستقلة وذلك سنة 2001.

 

نبيل الغربي

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 8 فيفري 2006)

 

حسب أحــــدث تقرير لمكتـــب التشغيـــل الدولـــي للأمـــم المتحدة:

منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا تتكبد أعلى مستوى بطالة في العالم إلى 2،13%

 

تونس – الصباح

 

تفاقم معدل نسبة البطالة لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا سنة 2005 بـ1،0 من النقاط مقارنة بسنة 2004 لتبلغ 2،13% وهي أعلى نسبة بطالة في العالم حسب التقرير الصادر مؤخرا عن مكتب التشغيل الدولي التابع للأمم المتحدة.

 

واستقر حسب ذات التقرير معدل البطالة العالمي حول نسبة 3،6% سنة 2005 مقارنة بسنة 2004 حيث يوجد في العالم إلى موفـــــــــى سنة 2005 نحو 8،191 مليــــــون عاطــــــل عن العمل وقد ارتفــع هذا العدد بـ 2،2 مليون عاطل عن العمل خلال سنة 2005.

 

وقد أكد ذات التقرير فشل معظم دول العالم في تحويل النمو الاقتصادي إلى خلق فرص عمل أو الرفع من مستوى الأجور رغم أن نمو الناتج المحلي الاجمالي بمعدل 3،4% عالميا فإن 5،14 مليون عامل فقير من بين 500 مليون عامل استطاعوا تجاوز معدل الدخل اليومي 1 دولار.

 

وقد صرح «خوان سومافيا» المدير العام لمكتب التشغيل الدولي أن «تقرير السنة الحالية يبرهن مرة أخرى على عجز النمو الاقتصادي على تقليص نسبة البطالة لوحده… ونحن نواجه حاليا أزمة عامة للتشغيل… وأصبح من الضروري البحث عن سياسات وآليـــــــات جديدة للحد من ظاهرة البطالـــــــة» وذلك من خــــــلال بيان صحفـي صادر عن المكتب.

 

وتمثل نسبة الشبان العاطلين عن العمل الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة قرابة نصف العاطلين عن العمل في العالم.

 

واستنتج المكتب الدولي للتشغيل ارتفاع نسبة مساهمة قطاع الخدمات في توفير فرص العمل على مدى العشر سنوات الاخيرة ما عدا منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ويتكهن المكتب بأنه في حال استمرار قطاع الخدمات في هذا المنحى فإنه سيتجاوز قطاع الفلاحة الذي يعد المصدر الاول في العالم في توفير فرص العمل ويستأثر هذا الاخير بنحو 40% من اليد العاملة في العالم (سنة 2005) بتوفير نحو 1،1 مليار فرصة عمل.

 

في تونس

 

على الصعيد الوطني دعا البنك العالمي في تقرير سابق حول الاقتصاد التونسي إلى الرفع من نسق النمو الاقتصادي ليبلغ معدل 6% سنويا على الاقـل الوصول إلى امتصاص اليد العاملة المتدفقة حديثا على سوق الشغـــــــل والتقليـــــص في نسبة البطالة والتي قدرت سنة 2005 بـ9،13% حسب الحكومة التونسية.

 

ويمكن تحقيق هذا الهدف عبر الرفع في نسق نمو قطاع الصنـــــــاعات المعملية إلى 5،7% في السنـة (9،1% سنة 2005) ونمـــــــــو قطاع الخدمات إلى 5،11% مقــــــابل 9،8% سنة 2005.

 

وتعرف هيكلة الطلبات الاضافية على عروض الشغل في تونس نقلة نوعية تتمثل في تزايد عدد حاملي الشهادات العليا حيث يتوقع البنك العالمي نمو هذه الفئة لتبلغ نسبة 23% من اليد العاملـة النشيطة في حدود سنة 2016 مقابـــــل 3،8% حاليا وتراجع نسبة اليد العاملــــــة ذات مستوى التعليــــــم الابتدائي من 61% حاليا إلى 40% سنة 2016.

 

نبيل الغربي

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 8 فيفري 2006)

 


 

مدير الـ «أف بي إي» في الجزائر بعد المغرب يناقش مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة

الجزائر، الرباط – الحياة    

 

بدأ رئيس مكتب التحقيقات الفيديرالية الأميركية (اف. بي. اي) روبرت مولر، مساء أمس (الثلاثاء 7 فيفري، التحرير)، زيارة رسمية للجزائر هدفها تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، عشية الزيارة المقررة لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الاثنين المقبل.

 

وذكرت مصادر متطابقة ان المسؤول الأميركي سيلتقي مسؤولين في جهاز الاستعلامات والأمن الجزائري (الاستخبارات العسكرية) والمدير العام للأمن الوطني العقيد علي التونسي لمناقشة التعاون في الجوانب الأمنية بما في ذلك مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

 

ووصل مولر الى الجزائر آتياً من الرباط حيث استقبله أمس العاهل المغربي الملك محمد السادس في حضور وزير الداخلية المغربي مصطفى الساهل ومدير الاستخبارات المدنية عبداللطيف الحموش ومدير الأمن الجنرال حميدو العنيقري.

 

وذكرت مصادر مطلعة ان المحادثات تناولت مجالات التعاون الأمني بين البلدين. وكان مولر وصل الى المغرب أول أمس وأجرى محادثات مع مسؤولين مغاربة يُعتقد انها طاولت نتائج التحقيقات التي أُجريت مع خلايا يُشتبه في ارتباط افرادها بتنظيم «القاعدة» (حاول بعضهم الانضمام الى «المقاومة» في العراق).

 

وفد أميركي يزور نواكشوط

 

رحب وزير الخارجية الموريتاني أحمد ولد سيد أحمد بما وصفه بـ «الانطلاقة الجديدة» لعلاقات بلاده بالولايات المتحدة. وقال في تصريح إن العلاقات أصبحت متميزة بين البلدين و «الاتصالات بيننا مستمرة». وكان الوزير الموريتاني يعلق على الزيارة الأولى لوفد أميركي رسمي لموريتانيا ويضم ممثلين عن وزارتي الخارجية والدفاع والأمن القومي.

 

وتُعتبر زيارة الوفد الذي يرأسه بوبي بيتمان، أحد مساعدي وزيرة الخارجية الأميركية، ويضم مسؤولاً عن حقوق الانسان وممثلين لوزارة الدفاع والأمن القومي ووكالة المساعدات الأميركية، الزيارة الأرفع مستوى لمسؤولين أميركيين الى موريتانيا منذ التغيير الذي اطاح الرئيس السابق معاوية ولد الطايع في صيف العام الماضي.

 

ويلتقي الوفد الأميركي الرئيس اعلي ولد محمد فال ورئيس الوزراء سيدي محمد ولد بوبكر إضافة الى وزير الخارجية أحمد ولد سيد أحمد، كما سيلتقي بزعماء الأحزاب السياسية ورموز المجتمع المدني.

 

وينتظر ان تقدم الأحزاب السياسية دفاعها عن التغيير الذي افضى الى الانقلاب على معاوية ولد الطايع الذي ظل الأميركيون يعتبرونه أحد أهم حلفائهم في المنطقة وشريكهم في الحرب على «الإرهاب». لكن محمد ولد مولود وهو أحد زعماء الاحزاب التي ستلتقي الوفد الأميركي قال انه يتوقع ان يحاول الأميركيون تقديم مساعدة حقيقية على انجاح الفترة الانتقالية ليختار الموريتانيون ممثليهم. واضاف: «سنقول للأمريكيين لقد ساعدتم في الماضي نظاماً معادياً لمصلحة الشعب، ونريد منكم اليوم ان تكفّروا سيئاتكم وتساعدوننا على انجاح التجربة الحالية». وتابع: «لن نختلف معهم في الحرب على الارهاب لكننا نريد ان نتفق على ما هو الارهاب، إذ تنتهج حركات الاسلام السياسي عندنا الوسطية، كما ان النزوع الى العنف منبوذ من الجميع».

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 8 فيفري 2006)

 


 

رامسفيلد يحل بعواصمها قبل انتهاء زيارة مولر

ضغوط دبلوماسية ـ امنية امريكية قوية علي دول المغرب العربي لمساعدة واشنطن في مآزقها

الرباط ـ القدس العربي – محمود معروف

 

تتعرض منطقة المغرب العربي في هذه الايام الي هجمة دبلوماسية ـ امنية امريكية هي الاولي من نوعها في عهد الرئيس جورج بوش الابن، رغم ان دول المنطقة حاولت طوال السنوات الماضية ان تشعر واشنطن باهميتها والدور الذي يمكن ان تلعبه في التخفيف من المآزق التي وضعت فيها الادارة نفسها منذ هجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001.

 

وقبل اختتام روبرت مولر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الامريكي جولته المغاربية يصل وزير الدفاع الامريكي دونالد وامسفليد للمنطقة في جولة مماثلة، وان كانت تحت عنوان مختلف لكن الهدفين ينسجمان في منظومة السياسة الامريكية التي تميزت بالهجوم العسكري والحصار السياسي والاقتصادي علي كل من تعتقد واشنطن انه معاد لها او الضغط الاقتصادي والسياسي علي الاخرين للمساهمة في حروبها ضد اعدائها دون تعويض او مقابل، بعد ان اوصلتهم الي قناعة ان تلك المساهمة واجب وعدمهما يعني الوقوف الي جانب العداء انطلاقا من مقولة الرئيس جورج بوش الابن اما مع او اما ضد.

 

وعنوان جولة روبرت مولر المغاربية هو المزيد من التنسيق في مكافحة الارهاب وتكثيف حملة مكافحة الارهاب محليا والمساهمة الفعالة في ملاحقة الارهابيين اقليميا ودوليا. وهو ما تتحاشي التيارات والقوي المغربية المعارضة للسياسة الامريكية ان تقف ضده، لان محاربة الارهاب بالنسبة لهذه القوي او بالنسبة لحكومات دول المنطقة معركة داخلية وللحفاظ علي الامن الوطني.

 

وتحت شعار مكافحة الارهاب لحماية الامن الوطني شهدت العلاقات الامنية الامريكية المغاربية تعاونا كبيرا لدرجة انزعاج الاوساط السياسية الفرنسية، الحليف الامني الطبيعي لدول المنطقة. اذ اضافة الي تبادل المعلومات والتنسيق وتعديل القوانين بما ينسجم مع الحملة الامريكية شهد التعاون عمليات امنية مشتركة وحضر محققون امريكيون جلسات التحقيق مع عدد من المعتقلين الاصوليين البارزين الذين وجهت لهم اتهامات بالارهاب وذهبت دول مغاربية بعيدا في اختلاق حروب ومعارك وهجمات كانت ستتعرض لها لاشعار واشنطن بوحدة المعركة ضد العدو المشترك وتحدثت اوساط حقوقية وامنية عن توقف السجون الطائرة التابعة للمخابرات المركزية الامريكية وتحمل معتقلين اصوليين في مطارات مغاربية وان كانت اوساط حكومية نفت ذلك.

 

اما عنوان جولة دونالد رامسفيلد فهي المساهمة المغاربية في تخفيف المأزق الامريكي في العراق واستبدال الجزء من القوات الامريكية المقرر انسحابها من العراق بقوات من دول عربية والدول المغاربية منها، وهو ما يشكل احراجا لهذه الدول وحكوماتها التي لم تستطع رغم كل الضغوط الامريكية التي مورست عليها من ان ترسل سفراء لها الي بغداد.

 

واذا كانت استظلت بقرارات جامعة الدول العربية للاعتراف بما افرزه الاحتلال الامريكي من هيئات وحكومات، فانها نأت بنفسها عن علاقات حميمية وتعاون مع هذه الهيئات والحكومات ليس فقط لان جميع دول المغرب العربي ارتبطت بعلاقات وثيقة مع عراق ما قبل الاحتلال الامريكي بل ايضا لان سمة العراق المحتل هي الطائفية التي لا تعرفها المنطقة وايضا هيمنة الشيعية السياسية والمغرب العربي يحرص دائما علي ابراز ليس فقط مذهبه السني بل ايضا مالكيته.

 

وتعرف منطقة المغرب العربي تأييدا شعبيا للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الامريكي ولم تنجح عملية اغتيال دبلوماسيين جزائريين واختطاف عاملين بالسفارة المغربية في بغداد الذي ندد به واستنكر شعبيا، من تقليص هذا التأييد لفك ارتباط عمليات الاختطاف بالمقاومة العراقية ضد الاحتلال الامريكي.

 

والمشاركة المغاربية في مشروع الاحتلال الامريكي للعراق مسألة ملحة امريكيا ليس فقط للتخفيف من المأزق الامريكي بل ايضا لحاجة واشنطن لغطاء عسكري عربي لاحتلالها ولتواجد قواتها في قواعد عسكرية دائمة كما تخطط.

 

وتدرك الحكومات المغاربية ان الاستجابة للطلب الامريكي يخفف مأزق واشنطن لكنه يعمق ازمتها ويفتح عليها ابواب مواجهات هي في غني عنها في ظل ازمات اقتصادية واجتماعية قابلة للانفجار وتشكل ارضا خصبة لتجنيد الحركات الاصولية المتشددة والعنفية لشباب يفقد الامل في حياة كريمة في بلاده وسدت في وجهه كل البدائل بعد التشديد الاوروبي علي الهجرة الشرعية والسرية. ويمكن لاي مراقب ان يربط بين الاندفاع الجزائري المغربي للتعاون الامني مع الولايات المتحدة الامريكية بنزاع الصحراء الغربية الذي ما زالت تسويته السلمية تخرج من مأزق لتدخل بآخر دون ظهور بارقة امل بحل قريب. واذا كانت واشنطن جورج بوش الابن لا تقدم مكافآت علي التعاون الامني معها، فان كل من الجزائر والمغرب بقيت تأمل من واشنطن موقفا اكثر قربا من رؤيتها من نزاع لا زالت الامم المتحدة حائرة في كيفية التعاطي مع اطرافه في الوقت الذي تقوم فيه واشنطن منذ اندلاعه 1975 بالامساك بكل خيوط اللعبة توحي لهذا الطرف تبني رؤيته وتؤكد للطرف الاخر عدم معاداتها لرؤيته.

 

جولة روبرت مولر ودونالد رامسفليد لن يكشف عن تفاصيل ما اسفرت عنه، لان ملفات مباحثات كل منهما مع المسؤولين هنا او هناك، ليست مبادئ عامة او خطوط عريضة بل تفصيلات في قضايا تشكل محور السياسة الامريكية عربيا واسلاميا، سياسة الحرب علي الارهاب الاسم الكودي للتيارات الاصولية المتشددة التي خاضت حربا دموية ضد الدولة في الجزائر منذ 1992 تحت سمع وبصر ويقال ايضا دعم واشنطن واعلنت منذ 2003 حربها في المغرب وما زالت اثار هذه الحروب بادية ومحكمة في سياسات البلدين وسيكون من ضمن النقاط التي سيبحثها مولر ورامسفيلد في الرباط والجزائر خلق اطار للتنسيق بين الشقيقين اللدودين لان في ذلك مصلحة لحكومة كل منهما واساسا مصلحة لواشنطن دون ان يهم ما بين البلدين من ازمات واختلافات.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 8 فيفري 2006)

 


 

بين المنصف بن علي ، على قناة   » نيو .تي .في »  اللبنانية.. . و بن علي في تونس

سليم بوخذير:  

فيما يسارع واحد مثل برهان بسيس الى اعلامنا عبر صفحات تونيس نيوز بموعد أي حلقة من حلقات ذلك البرنامج الذي لا يهم ّ أحد ا و الذي اشترت السلطات التونسية مساحة بثه على قناة  » ا . ن .بي  » اللبنانية الخاصة من مالنا العام ، حتّى تسمعنا رأيها و ….. رأيها غير الاخر ، لا يسارع أحد الى اعلام أحد بموعد بث حلقة هامة من برنامج عنوانه » حدا يسمعنا  » على قناة  » نيو .تي. في  » اللبنانية الخاصة أيضا ، شاهت بالصدفة اعادتها في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء ،

وتعميما للفائدة هذا عرض بعض ما ورد في الحلقة .

فقد ناقشت الحلقة من خلال عدد من الكتاب و الصحافيين العرب الذين استضافتهم موضوع   » أي علاقة لنا العرب بأمريكا  » ، و كان من ضمن ضيوف الحلقة زميل صحفي تونسي ربطتني به وشائج ودّ وطيدة في سنوات 1999 و 2000 و2001 ، ثمّ انقطعت عني أخباره فجأة و لم أسمع عنه شيئا الى أن رمتني الصدفة في  » أحضان  » شاشة  » نيو. تي. في . » مساء الثلاثاء ، لأجده مشاركا بارعا  في البرنامج حيث علمت من تقديم المذيعة له أنه هاجر منذ سنوات للاستقرار في لبنان و انضم الى الأسرة الصحفية لجريدة لبنانية .

 الزميل الذي أعنيه هو محمد المنصف بن علي الذي اشتهر بأنه من غير السعداء بالتشابه الذي بين اسمه و اسم شخص عرفتمونه جميعا ….

 و حتى لا أطيل عليكم ، أفيدكم بأن تدخّل الزميل محمد المنصف في الحلقة كان رشيقا للغاية في مناسبات عدة ، و من أهم ما يستحق الذكر أن لبنان لم تنس صديقي ، قضايا بلده ،  و أهمها قضية الحريات  السليبة في تونس ، فانتهزمحمد المنصف  فرصة البرنامج ، ليسمع كل العالم تفاصيل المظلمة المتشاكلة الألوان التي اقترفها نظام بن على في حق فارس الحرية محمد عبو ،  كما أنصف المنصف في أكثر من تدخل قضية قمع الصحافيين في تونس و هرسلة الحقوقيين و منحها حقها من الضوء .

 لكن المثير أكثر في مشاركة محمد المنصف في البرنامج ، هو تقديمه لوثيقة هامة على حدّ  علمي تذاع لأول مرة ، فيها يعترف قائد أمني سام في وزارة الداخلية الايطالية في معرض حديثه عن علاقته بالراحل  » كراكسي  »  ، بأنه توجّه معه الى تونس قبل 7-11-1987 لينسّقا مع الجنرال بن علي مباشرة عملية الانقلاب على بورقيبة و أضاف في الوثيقة أن قرار ذلك الانقلاب لم يتّخذه بن علي كما قد يحسب البعض و انّما أجهزة مخابرات غربية عدة و بالاتفاق ، منها مخابرات بلده ايطاليا و أيضا المخابرات الأمريكية . و قال ذات المتحدث في الوثيقة ذاتها انّ أجهزة مخابرات هذه البلدان انّما أقدمت على مساعدة بن علي في الانقلاب الشهير لا نكالة في نظام بوقيبة أو اختلافا معه و انما لعلمها بنهايته وضرورة أن تتدخل لتحميه من النهاية التي لا تناسب تحالفها معه  ، و ذلك من خلال تنصيب فرد من أفراد نفس النظام يكون له نفس المنهج في تنفيذ الاملاءات الغربية عليه ، و الوثيقة ، بقدر ما أنها لم تأت بجديد كبير باعتبار أن هذا الكلام تردّد ما يشيهه سابقا في عديد الأوساط ، الاّ أنها تستمدّ  أهميتها من كونها أول وثيقة تضمّن هكذا تصريحا رسميا لمسؤول ايطالي بهذا الحجم يقرّ فيه بكلام خلناه سابقا من غير دليل ، كان راج عن علاقة وطيدة لدكتاتورنا الكريم بمخابرات الامبريالية العالمية قبل حتّى صعوده على رؤوسنا منذ 7-11-1987 . حتّى لا تأتي صحافته المأجورة الان بعد 19 عاما من فرضه علينا بسلاح الحديد و النار ، لتزايد على شرفاء تونسيين و تتّهمهم بما تسميه ب  » الاستقواء بالاجنبي  » و كل ذنبهم أنهم أوصلوا قضية الحريات في تونس الى  منظمات  دولية حقوقية تتبع الأمم المتحدة و لا تتبع مخابرات زيد أو عمر كالتي أتت لنا بالدكتاتور….

 و للحديث بقية .

 سليم بوخذير – صحفي  

bechedlihassen@yahoo.fr   


افتتاحية مجلة الجرأة (تصدر منذ عام 1994 بباريس) لشهر فيفري 2006

بقلم: خالد بن مبارك إن شتاء تونس لفي ركود سياسي. فبعد قمّة مجتمع المعلومات والحركيّة الرائعة الّتي سبقته و لحقته عادت بلادنا لتقع في الجمود. وحده الحزب الحاكم وحلفاؤه يخوضون على السّاحة. الأوّل يصرّف الشؤون الجارية بالكذب والفساد و »التّعديل » المحموم لكلفة المعيشة وبثّ الخوف. وحلفاؤه يبحثون عن أحسن السّبل ليعاضدوه ،خاصّة بإعلانهم المتبجّح عن قيام تحالفهم الدّيمقراطي التّقدّمي المزعوم والذي هدفه الوحيد هو إفشال مسار تقويم المعارضة التونسيّة الّذي نشأ عن حركة 18 أكتوبر.
تلك الحركة تحوّلت إلى « لجنة 18 أكتوبر من اجل الحقوق والحرّيّات » و هذه تسمية تبدو وكأنّها تؤشّر ألى أنّ واضعيها لم يجرءوا على الذّهاب بالحركيّة الّتي نشأت عن إضراب الجوع إلي مداها. ونقصد بذلك تأسيس هيكل سياسيّ من أجل معركة سيّاسيّة.
إنّ الحقوق والحرّيّات هي ولا شكّ مفاهيم سيّاسيّة إلاّ أنّنا لا يمكننا  بلوغها إلا بالسّعي لتغيير هيئة الحكم. ذلك أنّ نظاما قائما على التّعذيب (تورسيوقراطي) هو استبدادي و معاد للشّعب منذ تكوينه الرّحمي.
 لذلك فأنّه يتوجّب علينا أوّلا تحقيق التّناوب على السّلطة وألاّ فأنّه ليس فقط لن يتحقّق أيّ تقدّم بل أنّ الهيكل الجديد سيكون ضرره أكثر من نفعه, على اعتبار أنّ السّلطة سوف تستعمله شاهدا لها رغم أنفه, إذ هي تعي أنّه أن لم يضرّها فهو يفيدها لمجرّد وجوده.
أمّا إذا عنّ لهذا التّنظيم أن ينشط أكثر من ذلك فإنه سيواجه مصيرا من قبيل ذلك الّذي خصّ به لدى سعيه لمجرّد عقد اجتماع بسيط…
 ولكن ما الّذي يؤول بالتّونسيّين إلي تشذيب طموحاتهم المشروعة إلى حدّ العدم ؟
 هل هي انقساماتهم و تخوّفاتهم ؟
هل هو سعي أعوان السّلطة المحموم لإضعافهم والقضاء عليهم والقضاء على مؤهّلاتهم الخلاّقة ؟
أم هو خوفهم من أن لا يروق اتّحادهم لبعض الأوساط « الصّديقة » أو أن تنتهز السّلطة ذلك لتندّد بتحالفهم المزعوم مع الإسلاميين الّذين ترفعهم إلى درجة الشّرّ المستطير لهذه الغاية بالذّات؟
لعلّها كلّ هذه العوامل  مجتمعة. ومع ذلك فإنه على ناشطيّ أكتوبر 2005 إن يبحثوا بلا كلل عن سبيل تجمّعهم باتّجاه تحقيق الأهداف الأولى لحركتهم.
إن إنشاء جبهة واسعة للمعارضة التّونسيّة سواء كان معترفا بها أم لا هو السّبيل الوحيد الّذي يمكّنها من اكتساب الشّرعيّة والمصداقيّة الذين تحتاجهما. لقد كان ذلك ممكنا في معركة ذات طابع مطلبي محدود مثل إضراب الجوع ولا شيء يمنع من معاودة المعركة ولكن هذه المرّة على قاعدة برنامج سياسي يستهدف شرعيّة حزب الدّولة و ضرورة التّداول السّلمي على السّلطة.
إنّ ذلك هو السّبيل الوحيد لإعادة الأمل للرّأي العام التّونسي وخاصّة إلى الشّباب الّذي ينزع أكثر فأكثر إلى المغادرة (الحرقان) أو إلى الاستقالة أو إلى التّورّط مع ما هو كائن أو إلى العنف.
انّه مع وجود هيكل سياسي ذا مصداقيّة سوف يكون من المتاح إقامة بديل للسّلطة القائمة وحتّى لو تأخّر التّغيير الكبير فانّ مجرّد وجود معارضة قويّة سيدفع السّلطة الى تليين قبضتها على البلاد ولو لمما.
فلم يا ترى يقبل مناضلون من أمثال مصطفى بن جعفر ولطفي حجّي و حمّه الهمّامي و منصف المرزوقي وسهام بن سدرين و عبد السّتّار بن موسى ومحمد النوري وسنا بن عاشور و خديجة الشريف وزياد الدولاتلي وهالة عبد الجواد, حتّى نكتفي بهذه الأمثلة, لماذا يقبل هؤلاء إذن تفرّقهم كقدر مقدور؟ أيّ عمى سياسي يشيح بهم عن السبيل الوحيد للنّجاة:الوحدة بدون إقصاء ؟ 
على تلك السبيل يمكن لربيع تونس أن يكون واعدا. فالجمعيّة التونسية للمحامين الشّبان تعقد مؤتمرها في شهر فيفري سنتين بعد أن وقعت في قبضة السلطة (هنالك من يتحدّث عن أنّها سلّمت) بمناسبة انتخابات لم تحسن إدارتها. انه لسوف يتحتم على المحامين التونسيين شبابا كانوا أو شيوخا تحمل المهمة الشاقة المتمثلة باسترداد ذلك المعلم المجيد من معالم المجتمع المدني. انه سوف يكون عليهم بخاصة أن يحتاطوا لأولئك الديمقراطيين المزيفين من أمثال فوزي بن مراد و محمد جمور وسواهما من أذناب التجديد أو ربيب حكم الجلادين « الترسيوقراطيي »ن المبتدئ بمحمد الكيلاني.
إن نصرا مشهودا في هذا المضمار سوف يأتي بعنفوان متجدد الى الحركية التي تواصلها مجمل القوى المعارضة والمستقلة مثل رابطة حقوق الإنسان (ولو أننا لا نفهم ما يمكن أن ترجوه لدى عون السّلطة زكرياء بن مصطفى) ومجلس الحرّيات و راد/أتاك ونقابة الصحافيين وجمعية القضاة…
إن الظرف الحالي ملائم تماما للتشاور والعمل المشترك الذي هو الشرط الأول لكل طموح ديمقراطي. إن قضيّتنا واحدة و عدوّنا غير ذي عهد. يكفي أن تبادر مجموعة قليلة من الأحزاب و الشخصيات إلى إطلاق العملية حتى نشهد اشتغالها بقوتها الذاتية.
فلم يمكن أن يكون أهل جورجيا أو أوكرانيا أكثر عزة أو ذكاء أو إقداما من التونسيين؟

التحالف مع الاسلاميين: مطلب المرحلة أم سير ضد الطبيعة؟

بقلم الشيخ راشد الغنوشي

 

لا يزال مبدأ العمل المشترك بين التيار الاسلامي وبين التيارات الديمقراطية الاخرى، ان على الصعيد القطري او على الصعيد العربي  أوالاسلامي، أو العالمي، مبعث اثارة واعتراض شديدين يصدران من جهات مختلفة بعضها رسمي مثل النظام المصري والنظام التونسي والكيان الصهيوني الذين عملوا وسعهم لزرع العداوة والبغضاء وتوسيع الشقة ومنع اللقاء بين الطرفين بأي ثمن.. وبعضها جهات فكرية وسياسية غير رسمية، على رأسها أصوليون اسلاميون وأصوليون علمانيون يجمعهم اعتبارهم ذلك اللقاء والتعاون عملا مضادا للطبيعة: طبيعة الدين بالنسبة للاولين الذين  يفرض الاسلام على اتباعه – بزعمهم-  اعلان حرب لا هوادة فيها ضد مخالفيه لحملهم اما على الدخول فيه او في الاقل الاذعان لحكمه، بينما متشددو العلمنة وبخاصة وفق النموذج الفرنسي أو الماركسي لا يرون في مخالفيهم وبالخصوص من يستلهم مرجعية دينية غير قوى رجعية هي بالضرورة ومهما ادعت خلاف ذلك حليفة للقوى الامبريالية عدوة الشعوب تشد حركة التاريخ الى الوراء وعائقا في طريق التقدم حتى لو رأوها في الصف الاول تقاتل المشاريع الامبريالية في فلسطين والعراق… المهم ان تصدق النظرية ولو سقط الواقع. بالامس تمحور خطابهم الديني الى جانب ذلك على اعتباره افيونا للشعوب يصرفها عن مواجهة اعدائها الحقيقيين وقضاياها الراهنة الى عوالم خيالية. واليوم يتمحور نقدهم حول اعتباره عدوا للديمقراطية، تلك المسكينة التي طالما أوسعوها في الماضي جلدا ووصموها بالبرجوازية واليوم وبقفزة واحدة آووا الى ركنها الشديد واتخذوها درعا للهجوم على الاسلاميين دون تمييز، على غرار نظرائهم في المعسكر المقابل الذين لا يميزون بين علماني ديمقراطي وعلماني استئصالي. وليس متشددو الاسلاميين واستئصاليوهم اوفر حظا من الصواب من اخوانهم في الغي متشددي العلمنة: هولاء جمدوا على نصوص غربية انتزعوها من سياقها التاريخي حيث استخدم الدين ورجاله  في مواجهة تيارات التقدم العلمي وثورات الشعوب انتزعوها من سياقاتها ليسحبوها الى سياق تاريخي مخالف انطلق مساره من لحظة نزول الوحي، آمرا بالتعلم محرضا على نبذ الظلم داعيا الى العدل والتحرر. أما الآخرون فقد استظهروا بنصوص من الدين أنزلوها في غير موقعها مثل نصوص الجهاد، ضاربين بها نصوصا اخرى، قد تواترت دعوة الى الحرية ونهيا صريحا عن كل سبيل للاكراه (اكثر من 150 آية) بينما الاصل إعمال كل النصوص وليس ضرب بعضها ببعض، كما ان الاصل في الاحكام الاباحة أي الحرية حتى يأتي النص المقيد. والاصل كذلك ان الحرية شرط في التكليف. والجهاد لم يات لمصادرة الحرية وانما لخدمتها (ليحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينه) « وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ».الكهف

 

شهادة التاريخ

 

ولأن الاسلام ليس مجرد نصوص يمكن للتأويلات ان تتلاعب بمعانيها لتستخرج منها احكاما متناقضة وانما هو ايضا تجربة تاريخية اشرف على وضع اسسها  صاحب الدعوة ذاته عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه (رض) صنعت على مدى اكثر من ألف سنة نماذج حضارية مستلهمة من الاسلام، فان الاعتبار بتلك التجربة امر مهم جدا فيما نحن بصدد الحديث عنه اي علاقة المسلمين مع مخالفيهم داخل المجتمعات الاسلامية وخارجها. لقد كان مجتمع المدينة هو المجتمع الاسلامي الاول الذي اسسه صاحب الدعوة عليه السلام وفق دستور تعددي (الصحيفة)  ضمن حقوق المواطنة لكل المكونات الدينية والعرقية الموجودة في مجتمع يثرب يومئذ، لم يقص واحدة منها. وحتى عندما قاتل اليهود فلم يكن بسبب دينهم وانما بسبب ارتكابهم جريمة سياسية هي الخيانة العظمى. ورغم أن النموذج النبوي والراشدي قد انحدر بأثر المواريث المتخلفة السائدة في العالم يومئذ، إلا أن أثره التحرري المساواتي التعددي قد امتد شرقا وغربا مستوعبا داخله حضارات واعراقا وديانات ومذاهب تعايشت كلها في سلام وأسهمت في تشييد صرح الحضارة الاسلامية،  حتى الوثني منها مثل الصابئة واليزيديين الموجودين حتى اليوم في العراق: المسرح الذي شهد اعظم دولة في تاريخ الاسلام ونشأت فيه اهم مدارس الفقه والادب والفلسفة وسائر العلوم، وما حدث يوما أن افتى امام معتبر بشن حرب استئصال على فئة دينية او عرقية مما زخرت وما تزال به تلك البئة بل تمتعت كلها بالرعاية وصبّت اسهامها في المجرى العام لهذه الحضارة، ولذلك  لم يتلطخ تاريخ هذه الحضارة بما تلطخ به تاريخ حضارات اخرى من حروب تطهير ديني او عرقي بعضها لا تزال بقاياها قائمة (ايرلندا، البوسنة).

 

صيغة الذمة اجتهاد ليس ملزما:ورغم ان صيغة (الذمة) قد تعرضت لحملات من النقد الظالم – مع انها اجتهاد ملائم لزمنه بل متقدم عنه، اذ معناها ان جنسية الدولة المسلمة تخول لغير المسلم أيضا » ولو كان عابد وثن » حسب تعبير الفقيه الكبير ابن عبد البر.

 

ان الاسلام يرحب بكل كسب حضاري يوفر مناخا من التعايش بين المختلفين ويحل لغة الحوار والتعاون بينهم محل لغة الحرب والتنافي والعدوان « وان جنحوا للسلم فاجنح لها » (الانفال)، فأجواء السلم هي الاحرى بالتعرف على دعوة الاسلام والاجتذاب اليها كما حصل في صلح الحديبية وكما يحصل الآن في البلاد الغربية، وليست الذمة صيغة ثابتة ملزمة بل هي مجرد اجتهاد متقدم في زمنه. إنها- غالبا ما تكون- مجرد مرحلة انتقالية تنتقل فيها العلاقة مع غير المسلم من حالة الحرب والعداوة الى حالة السلم والتعايش حيث يتم في اجواء هادئة التعرف على الاسلام بما يرجح الدخول فيه، الا انها ليست ملزمة للاسلام اذا توفرت صيغة ارقى منها مثل صيغة المواطنة.. وواضح من الدراسة المتانية للوثيقة التاريخية « الصحيفة » التي تأسست عليها أول دولة اسلامية بقيادة صاحب الدعوة ذاته عليه السلام أنها قد اعترفت بحقوق المواطنة لكل سكان المدينة دونما اقصاء، بما فتح ويفتح مجتمعات الاسلام لاستيعاب كل تعدد واختلاف في إطار قيم الاسلام مستفيدة من أي صيغة تنظيمية أفصحت عنها أي خبرة حضارية.

 

التجربة الاسلامية في التعدد في سياق تطور العلاقات الدولية:

 

ولقد حفلت تجربة التطبيق الاسلامي في عهد النبوة خاصة بنماذج جديدة للتعاون مع غير المسلمين حتى مع أشد الناس عداوة للذين آمنوا( معظم يهود المدينة) . ولقد بلغ التعاون  حد العمل العسكري المشترك حتى مع الذين توعدهم الله بأشد العقاب وعدم المغفرة (المشركين)، فعقد النبي عليه السلام معهم الاحلاف الحربية مع قبيلة خزاعة ضد عدو مشترك هو قريش وغطفان. ولقد وفّى النبي عليه السلام مع خزاعة عندما اعتدت عليها غطفان وكان ذلك سبب فتح مكة.

 

والحديث اليوم عن الجماعات العلمانية او الاحزاب التي لا تنتسب الى الحركات الاسلامية وبعضها يرفض ان ينسب الى العلمانية مثل الحزب الدجيموقراطي التقدمي بتونس، هو أهون بكثير من الجماعات التي تعامل معها تاريخ الاسلام واستوعبتها الحضارة الاسلامية، فهذه الجماعات حديثة العهد في السياق التاريخي والثقافي للامة، فهي لمّا تستقر بعد على حال عقدي محدد للحكم عليها باعتبارها طائفة أو مذهبا..، حتى أنه مع نمو التيار الاسلامي وانتشاره في المجتمع لم يتردد الامين العام للحزب الشيوعي التونسي في ارتداء جبة لحضور مناسبة دينية بجامع الزيتونة، واهتزت الارض من تحت أقدامه يوم هدد إمام جامع عقبة بإصدار فتوى تمنع الشيوعيين من أن يدفنوا في مقابر المسلمين.

 

ثم إن هذه الاحزاب العلمانية  قد قبلت العمل في اطار الدساتير القائمة في دول الاسلام وهي كلها تنص مقدماتها على تعريف نفسها بالانتساب للاسلام بما يجعلها على نحو او آخر اسلامية، وذلك من باب الاولى، قياسا على الجماعات غير المسلمة التي اعتبرها دستور المدينة (مع المؤمنين امة من دون الناس) أمة السياسة أو الحضارة. والامر لا يحتاج الا لجهد يرفع الشبهات التي خلفتها عهود الاحتلال وآثار غزوه الفكري المدمر. وكثير من هؤلاء يؤتون من جهة قلة اطلاعهم على الفكر الاسلامي ومعاشرة دعاة الاسلام، حتى انه كلما اتيحت لهم فرصة من ذلك- في حوار هادئ بعيد عن المشاجرة- حتى في غياهب السجون للتعرف على الاسلام والاسلاميين إلا وتحاتت كثير من الجهالات والعداوات وحل محلها التفهم سبيلا للتفاهم وبالخصوص زمن صعود صحوة الاسلام وريادته في حمل قضايا الامة: مقارعة للاحتلال والامبريالية ودفاعا عن الفقراء والمقهورين وتصديا للدكتاتورية والفساد لصالح حكم ديمقراطي رشيد. ودعك من غلاة الاستئصال الذين تمتلئ قلوبهم كرها للاسلام وعداوة لاهله مدفوعين الى ذلك بجهل وهوس، قد يعززه انتهاز.. وهؤلاء على كل حال قلة حتى وان علا ضجيجها، يقابلها على الطرف الآخر غلاة الاسلاميين وهم لا يقلون عن هؤلاء حقدا على اهل الوسطية الاسلامية، قد يبلغ حد استباحة الدماء متقفّين خطى اسلافهم من الخوارج. وما ارتكبوه في الجزائر وفي العراق اليوم من جرائم ضد عامة المسلمين ومخالفيهم من المذاهب الاخرى وحتى من التيار الوسطي لا يقل شناعة عما اقترفه غلاة العلمنة او الطائفية في الدولة ومؤيديها الاستئصاليين، بما يجعل الغلو والتشدد ونفي الآخر مسلما كان ام غير مسلم الى حد تسويغ استئصاله قاسما مشتركا بين المتشددين على كل الجبهات وخطرا يهدد وحدة اوطاننا وامتنا، اذ كلها في المحصّلة مشاريع حروب اهلية مهما كان مأتاها ومرجعيتها، فلا تجمع شمل الوطن والأمة على مشروع للتغيير والنهضة غير مناهج الوسطية والاعتدال، ومن ابرز معالمها القبول بالآخر على اساس المواطنة اي الامتلاك لحقوق متساوية في الوطن تتأسس عليها مشاريع للتغيير والنهوض المستقبلي

 

 ان تجربة الاسلام الحضارية في التعامل مع التعدد الديني واستيعابه تستحق ان تكون موضع فخر المسلمين، مع أنها  لا تضع عقبات كؤودا في طريق اقتباس كل ما ثبت نفعه في أي تجربة حضارية اخرى. لقد وسع المجتمع الاسلامي كل اختلاف عرقي او عقدي او سياسي ما لم يتوسل اصحابه بالوسائل غير المشروعة كالعنف لفرضها مثلما فعل المرتدون زمن الخليفة الاول اذ امتنعوا عن دفع الزكاة في تمرد مسلح سافرعلى  سلطة الدولة الشرعية فقوتلوا كما تفعل كل دولة مع امثالهم.

 

 اما العلاقة مع القوى خارج المجتمع الاسلامي: فقد تراوحت  بين حالات حرب وحالات سلم وتبادل، وذلك ان قانون الحرب والغزو والعدوان كان هو السائد في العلاقات الدولية خلافا لما عليه الامر اليوم بعد ان غدت العلاقات بين الدول محكومة بقانون دولي يقضي بتبادل الاعتراف وعقد الاتفاقات ومنع العدوان، وذلك رغم وجود حالات كثيرة لخرق تلك القوانين، ولكن فرق واضح بين وجود قوانين حتى وان اخترقت احيانا وبين عدم وجودها اصلا. والاسلام باعتباره دينا عالميا موجها للناس كافة وباعتباره رفض قطعيا مبدأ الاكراه  » لا إكراه في الدين » ومن باب أولى في غيره كالسياسة، فإنه لا يمكن له الا ان يرحب بالقوانين الدولية العادلة التي تضمن تبادل الاعتراف وعدم العدوان وتحث على التعاون،إذ السلم هو الاصل في تصور الاسلام للعلاقات الدولية « وان جنحوا للسلم فاجنح لها » (الانفال)، »ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا »الممتحنة، فليس انفع لدعوة عالمية تعتبر نفسها فطرة الانسان من توفر مناخات السلم والحوار وضمان حقوق للانسان ثابتة مثل حقه في الاعتقاد والدعوة والسير في الارض، وهي اليوم الحالة الاصلية في العلاقات الدولية.

 

« دار الاسلام » ودولة الحق والقانون : إن  العالم المتمدن حيث تسود دولة القانون ويعترف للانسان بحقوق ثابتة متساوية منها حرية الاعتقاد وممارسته والدعوة اليه ، (عالم مفتوح) من وجهة نظر القانون الدولي الاسلامي، حيث تكاد تنطبق عليه – على نحو ما – المواصفات الشرعية ل »دار الاسلام » التي عرفها فقهاء كبار مثل الامام النووي بانها (كل بلد يمكن فيه للمسلم ان يستعلن بشعائر دينه آمنا، كأن يقيم الصلاة جماعة ويؤدي سائر شعائر دينه) بما يجعل دار الاسلام عند التحقيق هي دار الأمان، دار الحرية، باعتبار الحرية المقصد الاعظم للجهاد بعد مقصد دفع الصائل عن اوطان المسلمين وهو ما يجعل الحديث عن (فتح) مثل هذه البلاد غير المسلمة التي تسود فيها دولة الحق والقانون ويعترف فيها للانسان ولو كان مسلما بحقوق ثابتة – حتى وان تعرضت احيانا الى اختراقات – ليس له من معنى اسلامي مقبول اللهم غير الفتح الدعوي والفكري ومشاركة المسلمين في تلك البلاد مواطنيهم في مقتضيات المواطنة حقوقا وواجبات، ومنها حقهم في الاحتفاظ بهويتهم الاسلامية وخصوصياتهم الثقافية وفق ما تسمح به القوانين المرعية على غرار الاقليات الاخرى. وذلك  ما يجعل الحديث اليوم عن « فتوحات » او »غزوات » باتجاه البلاد التي تسود فيها دولة القانون والحريات وذلك من خلال غزوات جاهلة غشيمة بل كارثية مثل ما سموه غزوة منهاتن وغزوة لندن وغزوة مدريد الى اخره، حديثا غير ذي موضوع وفتحا لابواب  مفتوحة، وعملا لا سند له من شرع ولا عقل ولا مصلحة بل خدمة مجانية لاشد الناس عداوة للايمان واهله، فالمومنون في تلك البلاد مواطنون او مقيمون تحكمهم عهود مع تلك الدولة لا يحل لهم الاسلام إلا الوفاء بها، إذ « لا يحل في ديننا الغدر » كما أكد صاحب الدعوة عليه الاسلام.

 

ومن مقتضيات عقد المواطنة التعاون مع القوى الخيرية في تلك البلاد على الدفاع عن الحقوق والحريات والتصدي للتعصب والعدوان ونزوعات الهيمنة ايا كان مأتاها في الداخل والخارج. ومن أمثلة ذلك ما حصل من تعاون بين الرابطة الاسلامية في بريطانيا وعشرات الجمعيات والاحزاب المناهضة للعولمة والمضادة للحرب على العراق والعدوان على فلسطين، فتم تحريك مسيرات مليونية مشتركة. ومن امثلة التعاون ايضا ما حصل في مؤتمرات السكان التي تعقدها الامم المتحدة من تعاون وثيق بين المؤسسات الاسلامية وبين الكنيسة الكاثوليكية دفاعا عن الاسرة والتصدي لما يسمى بالاسرة المثلية والعبث بسنن الله في الزواج الشرعي، الذي يدفع اليه دعاة الالحاد والفساد.

 

وعلى الصعيد العربي والاسلامي:لم يخل التاريخ القديم والحديث من وقائع تعاون بين أطراف اسلامية وأخرى غير اسلامية إن على الصعيد المدني أو الحربي. ،ومن أمثلته ما كان يجري من تحالفات حربية بين دول اسلامية ودول غير اسلامية ضد طرف ثالث غير مسلم. ومنها ما يجري اليوم من تعاون بين ايران من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية لاكتساب التقنيات المتقدمة.

 

وعلى صعيد الجماعات لا تزال تجارب العمل المشترك بين حركات اسلامية واخرى علمانية وليست معادية للدين بالضرورة تتنامى، ففي تركيا تشكلت اكثر من حكومة ائتلافية بين الحركة الاسلامية والحركة العلمانية بعضها كانت برئاسة علمانيين وبعضها برئاسة اسلاميين. واندونيسيا اكبر بلد اسلامي محكومة اليوم بائتلاف بين احزاب علمانية وحزب اسلامي هو حزب العدالة والرفاهية الذي تحالف حتى مع جماعات مسيحية في مناطق نفوذها، وكذلك فعلت حركة حماس إذ تحالفت مع شخصيات مسيحية ودعمتها كما فعل إخوان مصر في الانتخابات الاخيرة دعموا عددا من الاقباط. وفي اليمن تشكلت اكثر من حكومة بين حزب المؤتمر الوطني وبين حركة الاخوان. واليوم تقود المعارضة اليمنية جبهة واسعة تتشكل من احزاب اسلامية: حزب الاصلاح والحق واحزاب علمانية: الحزب الناصري والحزب الاشتراكي الشيوعي سابقا الذي كان يحكم اليمن الجنوبي حيث دارت بينه وبين الدولة – متحالفة مع الاسلاميين – حرب طاحنة. وما كان احد يتوقع ان ينتهي التطور الى عمل جبهوي مشترك بين اعداء الامس.انها الحكمة اليمنية.

 

أما البلد المجاور الكبير الجزائر فقد عرف خلال العشرية المنصرمة حكومات ائتلافية بين حركة مجتمع السلم وبين جبهة التحرير وتطور الامر في السنوات الاخيرة الى تحالف رئاسي بين احزاب ثلاثة. وفي مصر اكبر قطر عربي انتهى تطور المعارضة فيه الى تشكل جبهة وطنية للاصلاح جمعت مختلف الطيف السياسي المصري في مواجهة الحزب الوطني. ولولا التطرف العلماني الذ حكم تصرفات زعيم حزب التجمع ذي الاصول الماركسية والذي قاد حزبه والمعارضة الى كارثة انتخابية من خلاله استهدافه المرضي للاسلاميين لخاضت المعارضة الانتخابات موحدة. وللاسف فان نظراءه في تونس ينتهجون نفس السياسة ولم يتعظوا بانتخابات 1989التي فشل فيها الحزب الشيوعي حتى في مجرد الترشح فسقط قبل الانخراط في المعركة

 

أما البلد الحبيب تونس: فرغم ما عرفه ويعرفه من الوان تطرف علماني استئصالي ان في مستوى السلطة الغاشمة اوفي مستوى المعارضة لم يخل تاريخه من تجارب عمل مشترك بدأت مع بدايات التجربة الديمقراطية نهايات السبعينيات واستمرت حتى انقلاب 7 نوفمبر حيث تعرضت البلاد لموجة عارمة من القمع ومن التصحر السياسي وضروب ماكرة من الترهيب والتضليل وضرب المعارضة بعضها ببعض، غير ان البلاد شهدت السنوات الاخيرة ارهاصات استئناف للحياة السياسية في شكل ندوات مشتركة وحوارات افضت الى انبعاث حركة 18 اكتوبر التي مثلت منذ الاستقلال اول محاولة جادة للخروج بالمعارضة من حالة البؤس والتآكل التي آلت اليها في العهد النوفمبري التعيس عهد البطش وشراء الذمم وتشجيع نزوعات الانتهاز والتخويف مما يحمله الاسلاميون- حتى وإن كانوا يحتضرون- من اخطار ماحقة على مكاسب الحداثة. وهل من حديث جاد عن حداثة في مجتمعات القهر والرعب والنهب !

 

لم تكن حركة 18 اكتوبر بما مثلته من امل في عودة الحياة الى السياسة المتوقفة والمصداقية المفقودة للمعارضة واستعادة التوازن المفقود بينها وبين السلطة من خلال عمل معارض واسع ضم ممثلي الاحزاب الاساسية: التجمع التقدمي، العمال الشيوعي، المؤتمر من اجل الجمهورية، النهضة، ، كما ضم ممثلي مؤسسات حقوقية: هيئة الصحافة، جمعية الدفاع عن المحامين والقضاة، الرابطة، المجلس، جمعية الدفاع عن المساجين، البديل التنموي… آلخ. لم تكن هذه الحركة الواسعة المفعمة بالآمال بلا سوابق كما ذكرنا، فلقد كانت تونس سباقة الى تجربة عمل مشترك تبلورت منذ نهايات السبعينات في لجنة التنسيق بين قوى المعارضة: حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، حركة الوحدة الشعبية، حزب الوحدة الشعبية، التجمع الديمقراطي التقدمي، الحزب الشيوعي، الاتجاه الاسلامي، وذلك على ارضية تشكل الحرية مقومها الاساسي على غرار حركة 18 اكتوبر، التي تعتبر امتدادا متطورا لتلك. ولقد اثمر ذلك التعاون اعمالا مشتركة حيث صدرت بيانات دفاعا عن الحركة النيابية والحريات والتصدي لكل تعسفات السلطة. ولقد بلغ التعاون في الدفاع عن الحريات  ان وقّعت كل تلك الهيئات على بيان يدافع عن حرية المساجد وحرية المرأة في اختيار لباسها رفضا للمنشور 180، وتم توقيعه في مقر حزب الوحدة الشعبية، كما عقدت ندوات صحافية مشتركة بعضها تم في مقر الديمقراطيين الاشتراكيين وبعضها في مقر الحزب الشيوعي. وبلغ العمل المشترك القيام بمسيرة احتجاجا على العدوان الامريكي على الجماهيرية الليبية سنة 86 حيث انطلقت من مقر الديمقراطيين الاشتراكيين يتقدمها زعماء احزاب المعارضة الستة. وأذكر ان الايدي كانت متشابكة في الصف الاول بين الشابي والشماري والغنوشي، حتى اذا بلغت المسيرة نهج الحبيب بورقيبة اطلقوا عليها كلاب القمع فنال كل حظه، وتم في النهاية اقتياد الجميع الى  مركز قريب للشرطة، وبعد التحقيقات اطلق سراح الجميع عدا السيد احمد المستيري الذي عرض على المحكمة. كما ان جريدة الرأي سنة 1983 قادت حملة واسعة جدا من اجل العفو التشريعي العام، وحظي اضطهاد الاسلاميين بتضامن وطني واسع حتى من قبل الحركة النقابية. وعندما خرج الغنوشي من السجن لم يكد يتخلف احد من زعماء المعارضة والنقابات عن زيارة بيته للتعبير عن الفرح والتهنئة والتضامن.

 

الهجمة الوحشية على الحركة الاسلامية بعثرت قوى المجتمع وشلّت الى حين آليات دفاعاته، فتدعّم الاستئصال الرسمي باستئصال معارض على أكثر من جبهة،إلا أنه رغم اتساع الهجمة على الحركة الاسلامية بقصد السيطرة نهائيا على المجتمع ورغم المشاركة الواسعة فيها بالصمت في الاقل إلا أن الساحة لم تخل من أصوات معارضة كان على راسها الدكتور منصف المرزوقي الذي تعرض للاضظهاد بسبب رفضه توظيف الرابطة لصالح مشروع القمع كما رفضت رموز اخرى الاشتراك في تلك الجريمة منهم الدكتور مصطفى ابن جعفر والاستاذ نجيب الشابي.. الى جانب اصوات أخرى محدودة مثلت ضميرا للشعب وسط التواطؤ الواسع

 

ومقابل ذلك ومما سهل مهمة الرافضين لقمع النهضة أن هذه الاخيرة رفضت سياسة الاستدراج الى حمأة العنف ، مع أن حجم العنف الذ ي وجه اليها كان كفيلا بإزالة جبل الشعانبي لو وجه اليه، وكان كفيلا بتقديم المبرر للرد العنيف ، إلا أنها تحاملت على نفسها تضمد جراحاتها رافضة سياسات الثار والانتقام أو نفض اليد من المعارضة، بل ظلت توالي نداءاتها الى الجميع للحوار ، مهتبلة كل مناسبة للتعبير عن تضامنها مع الذين أخذت دورة العنف تطالهم، فتضامنت مع السيد حمة الهمامي والمناضلة الاستاذة نصرواوي، ومع السيدة بنت سدرين والسيدة رجيبة ومع الرابطة والمجلس ومع الصحفي ابن بريك، وارتفع مستوى تضامنها معه الى حد دخول قيادتها في اضراب تضامني مدة خمسة ايام ..وسخرت ما امتلكته من وسائل اعلام لهذا الغرض..وبالتأكيد فان ذلك  أسهم في تسريح قنوات التواصل المنسدة بين النهضة واطراف واسعة في المعارضة . كما ان سياسة الاضطهاد الاعمى التي التزمت بها السلطة ازاء كل راس يرتفع نمّت قوة الوعي بالحكمة القديمة:أكلت يوم أكل الثور الابيض ، فالحرية قيمة لا تتجزأ إما أن تكون للجميع أو لن تكون لأحد ، وأن مواصلة نهج التآكل والخصام والبحث الناصب عن ثغرات وعيوب في البيت المجاور، باختصار سياسة « معارضة المعارضة » بدل توجّه الجميع صفا واحدا للوقوف في وجه غول  الاستبداد الذي يطحن الجميع،فتداولوا جميعا – ليس السلطة- وانما الاضطهاد، ولو أن التعاون على دفع الاستبداد كان وجهتهم لوجدوا أن ما يجمعهم كثير، ليس أقله أنهم جميعا ضحايا القمع في صورة من صوره، فما الذي يبرر للضحايا استمرارهم في التآكل والوعي بان لا أحد بمفرده قادرأن يكون بديلا عن الجميع في تشكيل قوة موازية ومضادة للسلطة هي شرط ضروري للتحول الديمقراطي؟

 

الحجج المضادة:

 

يحاج الاستئصال لرفض العمل المشترك مع الاسلاميين لدرجة اعتباره شذوذا عن قوانين الطبيعة، وعبّر عن رفضه السافر، من خلال مقاطعته في الاول  لحركة 18 أكتوبر ثم مسارعته الى تقديم بديل عنها، ليس له من اساس غير العداوة والاستهداف للاسلاميين بذريعة أن هولاء يمثلون خطرا على منجزات الحداثة بالبلاد والعالم. ومن المهم بهذا الصدد التنبيه الى المسائل التالية:

 

الأولى:لماذا فشلت كل المحاولات السابقة لبعث عمل معارض مشترك وجاد بين القوى التي تصف نفسها بالتقدمية او الديمقراطية وذلك في غياب الاسلاميين؟أين القطب الثالث الذي طالما صدّعوا الآذان بجعجعته، ولا طحن؟

 

–         لماذا الآن فقط نشّطت هذه القوى المحتكرة للتقدم  والديمقراطية والحداثة حديثها المكرور دعوة الى القطب الثالث التقدمي ، وذلك في إثر النجاح الباهر والصدى الواسع الذي  لقيته حركة 18 أكتوبر التي لم تقص احدا والتي أعادت قدرا من الاعتبار للمعارضة داخل البلاد وخارجها

 

–         إذا كان العمل مع الاسلاميين خلافا لقوانين الطبيعة فكيف أسهموا فيه بالامس ؟هل كانوا يومها رجعيين واليوم اكتشفوا سر التقدم ؟ أم أن اسلاميي الامس كانوا ديمقراطيين تقدميين وتحولوا اليوم الى ارهابيين رجعيين، بينما هم بالامس واليوم أشد تمسكا بمبادئهم وانفتاحا على كل تطور ايجابي ومصلحة للوطن والامة والانسانية

 

–         إن سياسة التخويف من الاسلاميين – ودون تمييز- على ما دعوه مكاسب للحداثة في بلادنا والعالم- لا يمكن تفسيره في المحصلة إلا أنه استمرار في دعم سياسات التواطؤ مع السلطة في قمع الاسلاميين واستدامة سيطرتها على المجتمع كله، أي أنه اشتراك موضوعي في استمرار سياسات القمع وتداوله وحكم على المعارضة بالضعف الابدي والتشرذم بما يترك فراغا لا يمكن ان يملأه في ظل تردي أوضاع السلطة غير 7نوفمبر2. وتوريث البلاد للمافيا وأجهوة الامن حارسا. إنه  تكريس لسلطة القمع على انها الملجأ للاحتماء بسوطها من الخطر الاسلامي المتخيل! والانصراف عن مواجهة خطر جاثم بكلكله على صدور الجميع  منذ نصف قرن ،إنه استمرار في  التواطؤ الموضوعي مع السلطة على استمرار اضطهاد الاسلاميين – حتى مع التصريح من طرف اللسان انهم ضد ذلك- ولكن دون الانفكاك على تقديمهم انهم خطر على الحداثة والديمقراطية- إن ذلك ليس من شأنه إلا أن يدفع بعض الاسلاميين مدفوعين بمنزع استئصالي أو بقصور نطر أو بانتهاز – ولا سيما اذا أخذوا بعين الاعتبار ما يدعو اليه الاسئصاليون العلمانيون من ضرورة تخليص الدولة مما تبقى فيها من بقايا رموز دينية في الراية الوطنية وفي توطئة الدستور – الى احضان سلطة القمع باعتبارها أهون الشرين في مسألة هوية البلاد رغم باسها الشديد على الاسلام وتراثه ورجاله منذ  انتصابها، وكأن ذلك جوهررسالتها المقدسة وثمن تسليمها السلطة.هل من عجب إذن ان تنبعث معارضة اسلامية تطالب بالتحالف مع السلطة لمواجهة تطرف علماني اشد واستبقاء لما تبقى في الدولة من فتات اسلامي . وكل ذلك ليس مستفيدا منه غير سلطة القمع والمافيا والمصالح الدولية. إن صورة الوضع تتجلى اذن كما يلي :

 

*حداثيون يحتمون من الاسلاميين بدولة القمع، محافظة على مكاسب حداثية في الدولة

 

*واسلاميون يحتمون بدولة القمع استبقاء على ما ترك السبع من الاسلام في الدولة.

 

فأي وضع للمعارضة أشد بؤسا من هذا السيناريو لو انه حصل، محصّلة ضرورية للأصوليتين الاستئصالية العلمانية والاسلامية؟ ولتنعم اذن سلطة القمع بطول بقاء

 

– يطلبون من الاسلاميين وحدهم تطمينات:إن الاسلاميين لم يفتؤوا منذ أول وثيقة سياسية مثلت شهادة ميلادهم السياسية:البيان التاسيسي لحركة الاتجاه الاسلامي ، يعملون على تطوير فكرهم والاسهام الفاعل في تطوير الفكر الاسلامي الديمقراطي عامة رفضا للعنف سبيلا لفض المنازعات على صعيد الوطن والامة اللاهم إلا دفعا للاحتلال، كا أكدوا انهم ليسوا في وارد المس بما غدا يمثل في الثقافة الوطنية التونسية مكاسب حداثية مثل الحرية والمساواة بين الجنسين ونظام الاسرة، واعتماد مبدا المواطنة اساسا للحقوق، والديمقراطية نظاما في ادارة الشان العام

 

– إن الاسلاميين قدموا ما يكفي من التطمينات على التزامهم بمقتصيات دولة ديمقراطية حديثة. ولم يكتفوا بمجرد الاعلان والتصريح بل قدموا رؤية اسلامية تؤصّل لتلك القناعات في منظومتهم الفكرية العقدية الاسلامية، ولمّا يأت الحديثوا عهد بالديمقراطية تنظيرا مماثلا ومراجعة لتراث متأصل في الفكر الشمولي ودكتاتورية البروليتاريا. ونحن لم نطالبهم بذلك، ففي ظل الدكتاتورية يغدو ترفا الانشغال بغير مواجهتها ، على قاعدة مطالب الحد الادنى الضروري من الحريات. 

 

        غير أن اطرفا من مواطنينا  العلمانيين ما يفتؤون يمارسون عقيدة التشكيك في نوايا الاسلاميين واطروحاتهم وكأن أهل الاستئصال العلماني قديسون ديمقراطيون ورثوا الديمقراطية كابرا عن كابر، ولم يكلّفوا أنفسهم حتى عناء الصبر علينا لنستوعب  هذا الارث التليد!، هذا مع أن أحدا منهم – وقد قفز في لمح البصر فغير جلده من لون الى لون ولغته من قاموس الى قموس آخر يحتكر لغة الديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني مما ناصبوه العداوة طويلا باعتباره ارثا برجوازيا …واذن اذا كان ولا بد من حديث عن تطمينات فليس طرف معفيا منها .ليس الاسلاميون وحدهم مطالبين بتقديم شهادات براءة من العنف واحتمالات الاستبداد، إلا أن يكون الاسلاميون محكوما عليهم بحكم بات أنهم أعداء بالطبيعة للديمقراطية وحقوق الانسان أما غيرهم فقد ورثوها كابرا عن كابروتغلغلت في أعماق كياناتهم . والحق الموضوعي بمنآى من كل دعاوى وجدل ومماحكات: أن لا أحد يملك مشروعا مجتمعيا كاملا وانه مطلوب من الجميع التعاون فرادى وجماعات على التوصل  الى صياغة المشروع المجتمعي المستقبلي  الذي  لا يختلف التيار النخبوي والشعبي حول معالمه الكبرى.

 

والى أن تتم  صياغة المشروع الوطني الاجماعي يكفي رواد التغيير الجادين مهما اختلفت مرجعياتهم ان يلتفوا حول مطالب الحد الادنى التي  تأسست عليها حركة 18أكتوبر، ويمكن أن يضاف اليها مطلب العدل الاجتماعي: حربا على الفساد والفقروالعولمة المتوحشة، وكذا مطلب التعديلات الدستورية الضرورية لرفع كل القيود المكبلة للحريات، وتوزيع السلطات التي التهمتها الرئاسة، على بقية مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والسلطات المحلية، بما يحيل منصب الرئاسة منصبا رمزيا ويحول البلاد الى نظام برلماني موسع تنهض كل مؤسساته على قاعدة الانتخاب بمنآى من كل تمركز للسلطة. وما الخشية من توزيع السلطات على أوسع نطاق في بلاد يتحقق فيها مستوى عال من التوحد وغير مهددة بأي انشقاق؟ وإنما مصيبتها الاعظم الاستبداد بمعنى تمركز السلطة في الرئاسة بما سيجعل أي رئيس ولو كان قديسا يحكم البلاد بالدستور الحالي دكتاتورا ولا بد.

 

إنه على مثل هذه الاسس والاصلاحات يمكن أن ينهض مؤتمر للمعارضة لاقرارها، بما يحسم الجدل الايدولوجي أو يؤجله الى حين سقوط الدكتاتورية وتوفر أرضية حرة آمنة تستوعب الجميع مؤهلة للحوار الايدولوجي المثمر بمنآى من كل ترهيب . والله الهادي الى سواء السبيل لا رب غيره.

 

مـنـى، في 8 ذي الحجة 1426

الموافق لـ 8 جانفي 2006

 

(المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 8 فيفري 2006)


قضية الرسوم الكاريكاتورية

 

خـطـآن….

 

 

عمر صحابو

 

كمسلم  يغار على دينه اعترى و جداني  فيض من المشاعر الرهيبة عند اكتشافي للرسوم الكاركاتورية  المشخصة للذات المحمدية الشريفة في مواقف و مقامات  تقطر بسوء النية و خبث الطوية…

فضاق صدري و حار أمري…

 

ثم عد ت بعناء الى هدوئي لأحاول التركيز و الفهم و الغوص  في ما هو أبعد من الظاهر و المتصل بأغوار الأشياء…

 

وكالعادة ألزمت نفسي قبل الوقوف على موقف يروّضها التقمص بالقميص الثقافي وحتى الذهني  للطرف المقابل أي للرسامين الدنمارك حتى أرى كما يرون و أتعامل مع ألأحداث من منطلق مرجعياتهم الحضارية لعلي ألتمس لهم ضروفا تخفيفية…  فإذا بي أسبح في بعد أخلاقي آخر و في دين آخر إسمه  » الحرية التعبيرية المطلقة »  سواء أكانت بالكلمة أو بالصورة أو بالرسم…

فأصبحت متقطعا بين الثورة و الهيجان من جهة و التروي و التبصّر من جهة أخرى… و دار نقاش حاد و مضني في كياني حول معادلة صعبة الإستقامة بين الحرية و المسؤولية و بين الحق و الواجب و بين المطلق و النسبي و تأرجحت بتردد و شيئ من الخوف   بين مناصرة هذا على حساب ذلك والتضحية بذلك فداءا لهذا…

 

الى ان دفعني السجال الباطنى إلى النظر للقضية من زاوية شموليتها الكونية…عند ئذ بدا لي الخطإ الأم جليا وا ضحا لا تشوبه شائبة!! أيّ معنى للحرية إذا أضفت ممارستها إلى احتداد التباغض وإثارة نوازع الكراهية بين  االأديان و الأمم؟ هل أجازوا الرسامين الدنمرك لإنفسهم حرية حتى مجرد التشكيك في  » الهلوكوست » الذي أهدر أرواح ملايين من أتباع موسى عليه السلام؟ أو ليست قضية الهلوكست من المقدسات التي يمتنع المتدينين بدين الحرية  ألإستهزاء منها  بأي طريقة من الطرق؟ وقد يطرد  من جميع حقول الحرية من أقدم على ذلك!! فجدلية الحرية و المسؤولية تضبطها الغاية الأخلاقية أو الحضارية التي تنتهي إليها و في قضية الحال أنتهت  بسبب غفلة أو تغافل  الرسامين الدنمارك إلى كارثة شقت الأرض شقاّّ!! كان عليهم أن يبسطوا قبل ممارسة حقهم المشروع نظريا في حرية الرسم سؤالا سهلا و ممتنعا : هل ستساهم هذه الرسوم و العالم على ما هو عليه من تعمق الهوة بين العالمين  الغربي و الإسلامي   ومن خلط خطير بين المفاهيم و المصطلاحات المحددة للأركان القيمية للحضارات  في دفع التقارب و التصالح و التخاطب و التحاور أم العكس؟

 

هنا حسب رأيي يكمن الخطا الأم!

 

على أن هذا الخطا الجسيم  لا يمكن بأي شكل من الأشكال و بأي تعلة من العلل أن يبرر تلك المشاهد المخجلة و المحزنة حقا التي حملتها لنا الفضائيات و التي تابعنا  من خلالها  مرة أخرى و بمرارة   تدفق حشود من المسلمين في حالات استثنائية, لا أدري نسبة ما هو روحاني مما هونفساني فيها, تزحف على بنايات هي قبل كل  شيئ  رموزا لشعوب تستحق أن تكون للشعوب الآسلامية قدوة في كثير من المجالات و تدكها دكا!! مما أدى حتى  بالمثقف الإسلامي طارق رمضان إلى اعتبار ردود فعل المسلمين  مشطة و متفاوتة  بالنسبة لإصل القضية…

 

و اما التوظيف اللامسؤول للغضب الجماهيري  من قبل فصائل قرّرت   عقائديا و ايديولوحيا  أن تصنع من الكراهية و المعاداة للغرب بضاعة تمعن في تسويقها للجزّ بعقول المسلمين في انماط فكرية عبثية لن تجني منها شيئا سوى  تجذير ما هو رجعي و  سطحي , أي ظلامي , فحدث و لا حرج!  ليس هو بخطإ بل إجراماّ! نعم إجراما!  حتى و لو اقتصرنا فقط على مسؤولية  تنمية مشاعر الريبة من الإسلام و المسلمين التي تولدت عنها بين بقية شعوب الأرض!

 

يا للعار!

 

فإذا كان خطأ الرسامين كامن في تغافلهم على أن دين الحرية ليس مطلقا و لا هو شائع  بين كافة شعوب المعمورة و أن ما هو مقدس عندهم قد يكون غير مقدس عند غيرهم فخطأ من أقاموا الدنيا و أقعدوها وأعطوا مرة أخرى صورة  دنيئة للإسلام و المسلمين  يكمن في تنكرهم كمسلمين لروح الإسلام و أدبياته السامية العليّة  و تغافلهم عن ما أوصاهم الله عز و جل في محكم تنزيله إذ قال و قوله الحق  » و جادل بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم »

 

كان يكفي أن تنشر قضية عدلية ضد  الرسامين  يشكل حكمها النهائي مرجعا فكريا و قانونيا  يثري فقه القضاء الدولي في هذه القضية الدقيقة المتصلة بجدلية الحرية و المسؤولية في الشان الديني.

و كفى بالله وكيلا!

 

رحمك الله يا أمير الشعراء يا شوقي يا أحمد أنت الشاعر المسلم الذي أبدع في هذه الأبيات التي  تصالح المسلم مع دينه و دنياه و مع ذاته و مولاه :

 

ما كان مختلف الأديان داعية           إلى إختلاف البرايا و تعاديها

الكتب و الرسل و الأديان قاطبة       خزائن الرحمة الكبرى لواعيها

تسامح النفس معنى في مروؤتـــــــــها بل المروؤة في أسمى معانيها

  

 

كنت قد التزمت في مساهمة سابقة على صفحات تونس نيوز الغراء بالإعلان على  المرحلة الجديدة في مسيرتي السياسية. سأعلن عنها بحول الله و عونه في يوم 27 افريل المقبل.

 

القوانين وحدها تمنع تكرار العمل الشنيع

تونس – المبروك بن عبدالعزيز     

 

منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر تكررت الاساءات المتعمدة لمقدسات المسلمين، كالقرآن الكريم، بل هناك حتى من اقترح قصف مكة. علينا أخذ العبرة من هذه الإساءة البالغة لديننا الحنيف حتى نمنع تكرارها، فالمقاطعة الاقتصادية والتجارية لا تكفي، ونصف الدول العربية تقريباً تعتمد على السياحة في اقتصاداتها وستتضرر من عدم قدوم السياح الغربيين اليها وإن كانت تخفي ذلك حتى الآن. ولو لم تكن دول الخليج تستورد منتجات الحليب الدنماركية لما نجحت المقاطعة الحالية. لا بد اذاً من طرح السؤال الآتي: ماذا لو صدر هذا الاستفزاز من بلد ليست لنا معه علاقات تجارية كبيرة او من بلد نحتاج اليه اكثر مما يحتاج الينا؟ هل سيتغلب السياسي على رجل الدين ليقنعه بأن بلاده لا تستطيع ان تستغني عن خدمات الدولة الأخرى فتخمد المسألة؟

 

إن المقاطعة الاقتصادية يتضرر منها الشعب الدنماركي بكامله، وقد يكون فيه مسلمون وأبرياء، ولن تنقص من شعبية الكاتب او الجريدة، كما ان رئيس الوزراء ليس من مهامه ان يتدخل في عمل الصحافة او القضاء، مثلما يحدث في الدول العربية المتخلفة التي لا تفرق بين الشرطي والقاضي، وحيث تحاكم الشرطة بنفسها المقالات قبل ان تصدر.

 

لنتعلم من غيرنا، هل بإمكان احد ان يكتب مقالاً في الصحيفة نفسها يذكر فيه ان الهولوكوست اسطورة؟ كلنا نتذكر الجزاء القاسي الذي ناله الفيلسوف روجيه غارودي في فرنسا. لا بد اذاً من اللجوء الى القضاء من طرف المسلمين كي ينال المتسببون جزاءهم العادل وحتى يكونوا عبرة لغيرهم. وللمقارنة عندما شكك الرئيس الايراني أحمدي نجاد في الهولوكوست، على رغم ان الهولوكوست لا يرقى الى قدسية الأديان بل هو حدث تاريخي حديث العهد، تجاوب مجلس الأمن بسرعة ودان اقوال نجاد، وفكرت ألمانيا المسيحية في منعه من دخول اراضيها، لكنها رفضت مقترح منع الفريق الايراني من اللعب في المونديال القادم بدعوى عدم عقاب الشعب الايراني. كما استطاعت اسرائيل ان ترغم العالم، بما فيه من دول اسلامية، على الاحتفال بذكرى الهولوكوست سنوياً عبر الأمم المتحدة. يجب على المسلمين ان يسعوا الى استصدار قرارات وقوانين دولية تمنع تكرار مثل هذا العمل الشنيع.

 

(المصدر: بريد القراء بصحيفة الحياة الصادرة يوم 8 فيفري 2006)


«الفخ» في صراع الحضارات

فاطمة بن عبد الله الكراي

 

في حركة لولبية ومتصاعدة، اتخذت مسألة نشر الصحف الأوروبية لصور ورسوم تسيء للنبي ص، منعرجا خطيرا، ليس أقلّه أن هناك من يدفع باتجاه تأجيج صراع مفتعل وفخّ مهيإ سلفا، من دعاة صراع الحضارات، أسوة بما كان «بشّر» به جزافا المفكر الامريكي «صموئيل هنتنغتون» في كتابه «صراع الحضارات»، الذي نشره منذ عشرية ونصف.

وعندما نتفحّص في نسق العملية، عملية النشر التي تردّ تباعا من عاصمة أوروبية الى أخرى تحت تعلّة حرية التعبير، نعي تماما ان في الأمر حثّا نحو مخطط أو فخ، أفصح عنه وحذّر منه وزير الخارجية الاسباني، ميغل موراتينوس، حين دعا أمس الأول العالم الغربي الى عدم الوقوع في فخّ من أسماهم دعاة حرب الحضارات.

لكن عندما نستعرض وسائل الاعلام التي نشرت ولا تزال تعيد النشر، والبلدان التي تنتمي اليها، نجد طرفا حاضرا غائبا في المشهد، وهو الطرف الامريكي.

اذ أن التعلة التي تتخذها العواصم الغربية وصحفها الكبرى التي نشرت او هي اعادت نشر الرسوم المشار اليها، هي حرية التعبير. في حين أن الصحافة الأمريكية لم تنخرط الى حدّ هذه اللحظة في هذا الجدل، الذي أريد له أن يكون في ميدان العرب والمسلمين، وبوسائل الغرب من الأوروبيين.

هنا يطرح سؤال الحيرة نفسه: من هو الطرف أو الأطراف التي لها مصلحة، كي تشتعل النار بين الشرق والغرب، وتحديدا بين أوروبا والعالم الاسلامي المتاخم لها جغرافيا، والساكن بين ظهرانيها من خلال ملايين المسلمين الذين يعيشون في قلب أوروبا.

لقد تسارعت الأحداث بدرجة لم يعد معها ممكن التحاور بالفكرة، والفعل أضحى فيه الكثير من الاستفزاز وردّ الفعل صار مغمورا بالمشاعر والأحاسيس، وهنا لبّ المشكل. اذ أن التاريخ علّمنا، أن مسّ مقدسات أو محرّمات مجموعة بشرية ما، من شأنه أن يؤجج المشاعر ويجعل المجموعة في حلّ من أي حوار.

الملفت في كل هذا الذي حدث من ردّة فعل شعبية غاضبة، أنها لا تعني مفهوم الصراع في شيء وهي كذلك لا تعني مفهوم الحوار في شيء أيضا.

عندما نتفحص جيدا هذه الاحداث المستجدة على الساحتين الأوروبية والعربية الاسلامية، لابد أيضا وأن نتساءل عن معاني عدة منها: ما معنى هذا التوقيت وما علاقة تلك الرسوم المشينة والمسيئة لمشاعر المسلمين، بأحداث العالم اليوم، من حروب واحتلال وهيمنة، وهي أحداث تجعل من العربي والمسلم يقع عليه فعلها في حين من أصدرت صحفه ووسائل اعلامه تلك الرسوم، هي الاطراف التي تتحرك وتقوم بتلك الأفعال منها الاستعمار والسيطرة على مقدرات الغير…

ما أشار اليه الوزير الاسباني، كفيل بأن يفتّح أعين الكثيرين ممن اتخذوا من المسألة مجرّد ردّ فعل متخلف من أمة كفّ عطاؤها للحضارة الانسانية منذ زمن.

إنه الفخّ الذي سارع عدد من الغربيين الوقوع فيه، في حين أن المسألة تتجاوز كونها حرية رأي تمسّ حرية المعتقد وقدسية المقدس للمسلمين قاطبة، وكما شدد وزير الخارجية الاسبانية، فالوضع العالمي لا يحتمل صراعا حضاريا، وأنه على الغرب ان يعمل على خفض التوتر… لان الوضع كما نعلم جميعا متوتر لأسباب يعرف الغربيون جيدا أنها خارجة عن نطاق الاعتداء بالصورة او بالكلمة ضد العرب والمسلمين، لتتعداها الى مشهد مشحون بالغضب جراء الهيمنة الاقتصادية والغزو العسكري وسفك دماء الاستقلال الوطني.

ما هو مطلوب من الغرب اليوم، هو التعامل بمسؤولية تجاه أحداث فيها فخاخ للجميع… فلا العرب والمسلمون طلاّب صراع حضاري، ولا هم أيضا جادلوا الغرب في مقدّساته وحريته الفكرية وحرية التعبير في بلدانهم…

إنّ تحذير موراتينوس جاء في وقته، لأن الغضب والاستفزاز بدآ يسريان كالنار في الهشيم، في حين ان التريّث والانتباه الى ما يحمله فخّ صراع الحضارات من كوارث على البشر أجمعين، من شأنه أن يجنّب البشرية شرّ البليّة.

 

(المصدر: افتتاحية صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 8 فيفري 2006)

 

من دروس الحملة الأوروبية على نبي الإسلام

فهمي هويدي (*)

 

لا أستطيع أن أخفي عدم ارتياحي للعنف الذي استخدم ضد بعض السفارات الدنماركية والنرويجية في الخارج، لكن غضبي لكرامة نبي الإسلام الذي أهين في البلدين أكبر، فضلا عن أنني أزعم أن موقف حكومة الدنمارك بوجه أخص يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية عن الذي جرى لسفاراتها، ولأنني أحسب أنني لست بحاجة لأن أشرح لماذا كان الغضب كبيراً لكرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي وعند غيري، فإنني سأتوقف قليلاً أمام النقطتين الأخريين.

ذاك أنني على ثقة من أن مهاجمة السفارات الدنماركية والنرويجية لم تخدم قضيتنا، وربما أساءت إليها، ولن أستغرب إذا تجاهل الإعلام الغربي خلفيات الموضوع، وركز على ما جرى للسفارات، وأعتبره من دلائل همجية المسلمين وتخلفهم، وربما كانت النتيجة أفضل كثيراً لو أن الجماهير توجهت إلى مقار السفارتين في عواصم العالم الإسلامي، حاملة لافتات التنديد والاحتجاج، وقدم مسؤولون عنها رسائل مكتوبة إلى الدبلوماسيين في البلدين، عبروا فيها عن مشاعر الاستياء والغضب، وطالبوا بالاعتذار الصريح للمسلمين عما جرى، ثم انصرفوا بعد ذلك في هدوء.

 

ذلك لم يحدث للأسف، الأمر الذي ينبهنا إلى ان الثقافة السائدة لم تستوعب لا فقه انكار المنكر كما تعلمناه في الإسلام، ولا أساليب النضال المدني وفنونه التي تقدمت كثيراً في عالمنا المعاصر، فقد تعلمنا أن للانكار درجات، كما أن له أصولاً وقواعد، منها مثلا أن يؤدي الانكار إلى تحقيق المراد، وأنه لا يتسبب في وقوع منكر أشد منه وأكبر، وهو ما لم يحدث في الحالة التي نحن بصددها، حيث تناقلت وسائل الإعلام العالمية صور السفارات الدنماركية وهي تحترق، في حين تجاهلت الصور التي أهانت نبي الإسلام وأثارت ثورة المسلمين.

 

من ناحية أخرى، فإن جوهر النضال المدني يقوم على فكرة استخدام الأساليب السلمية التي تحترم القانون في إيصال رسالة الاحتجاج والغضب، وقد أشرت تواً إلى مسألة التظاهر السلمي، التي هي أبسط تلك الأساليب، التي سبقتنا إليها الممارسة في الديمقراطيات الحديثة، لكننا تخلفنا في هذا الباب، لأنه ليست لدينا ديمقراطيات تفرزها!

 

أما لماذا قلت إن حكومة الدنمارك تتحمل جانباً من المسؤولية عن العنف الذي حدث ضد بعض سفاراتها، فردي على ذلك إن انفعال الجماهير وغضبها، ومن ثم هجومها على السفارات، ذلك كله لم يحدث إلا بعد أكثر من أربعة أشهر على نشر الرسوم البذيئة، وخلال تلك الأشهر لم تحاول الحكومة الدنماركية احتواء الموضوع، والحيلولة دون ارتفاع وتيرة الغضب وانفلات الأعصاب، ولكن تلك الجهود كلها ذهبت سدى، أكثر من ذلك فإن رئيس وزراء الدنمارك رفض مجرد مقابلة وفد الدبلوماسيين العرب والمسلمين في كوبنهاجن، وهو موقف افتقد إلى اللياقة والحس السليم، لأن الرجل لم يقبل بمجرد الاستماع إلى وجهة نظر أولئك الدبلوماسيين، وكان ذلك الرفض معبراً عن الاستهانة والازدراء، فضلا عن أنه كان مشجعاً لمسؤولي صحيفة «يولاندر بوسطن» على أن يتعنتوا في موقفهم، ويتعاملوا مع المشاعر الإسلامية بذات القدر من الاستهانة والازدراء.

 

إزاء الفشل الذي منيت به جهود الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور أكمل الدين احسان أوغلو، في تغيير موقف الحكومة الدنماركية، ورغم أن السعودية استدعت سفيرها في كوبنهاجن للتشاور، في إشارة لا تخفى دلالتها، وليبيا أغلقت سفارتها، وكذلك سوريا، رغم هذه الجهود كلها، ظل الموقف الدنماركي جامداً ورافضاً أي تجاوب يحل المشكلة سياسياً ودبلوماسياً، ومن ثم يمتص غضب الشارع الإسلامي ويداوي جرحه، وخلال الأشهر الأربعة التي خلت كان الغضب يتراكم، وازدادت وتيرته بعد إعادة نشر الرسوم المهينة في أكثر من عاصمة أوروبية، في إصرار مستغرب على إيذاء مشاعر المسلمين واستفزازهم.

 

في هذه الأثناء أطلقت الدعوة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية، وهي الدعوة التي حققت نجاحاً نسبياً في العالم العربي على الأقل، الأمر الذي أزعج السلطات في كوبنهاجن، التي تعرضت لضغوط قوية من المؤسسات الاقتصادية صاحبة المصالح الكبرى في المنطقة، فنشرت الصحيفة التي أثارت الفتنة اعتذاراً خجولاً باللغة العربية على إحدى صفحاتها، في حين تمسكت بموقفها الذي زعمت أنه يمارس «حرية التعبير»، فيما نشرته باللغة الدنماركية في نفس العدد، وفي الوقت ذاته صدرت عن المسؤولين في الحكومة الدنماركية تصريحات تحدثت بشكل عام عن أهمية احترام أديان الآخرين، ولم تتضمن أي حديث صريح عن الاعتذار للمسلمين عما أقدمت عليه الصحيفة، التي وفرت لها الحكومة الغطاء الأدبي والسياسي.

 

هذه الجهود التي تواصلت خلال الأشهر الأربعة الماضية، لم تسفر عن شيء يرعى مشاعر المسلمين ويحفظ بعضاً من كرامة نبيهم، ولم يكن مستغرباً بعد ذلك أن تنفجر مشاعر البعض، بحيث يندفعون إلى بعض السفارات الدنماركية محطمين واجهاتها ومشعلين فيها الحرائق.

 

بطبيعة الحال، لست هنا في موقف الدفاع عن سلوك الجماهير الغاضبة، الذي أكرر أنني لا أقره من حيث المبدأ، ولكنني فقط أنبه إلى ملابسات ما جرى، متمنياً أن نستخلص من ذلك الذي جرى درساً خلاصته أنه في أحيان كثيرة، فإن العنف لا يظهر على السطح إلا حين تنسد أبواب الحلول وأساليب التغيير السلمية، وهي الفكرة التي عبر عنها بعض أهل الفقه حين قالوا بأن أفضل وأنجع وسيلة لتحريم الحرام وقطع دابره، هو أن يفتح الباب واسعاً لممارسة الحلال، بالتالي فلو أن حكومة الدنمارك تجاوبت بصورة واضحة ومقنعة مع مشاعر ملايين المسلمين الغاضبين، بحيث قدمت اعتذاراً صريحاً لهم عما جرى، لاختلف الأمر كثيراً، ولما حدث ذلك العنف الذي تعرضت له سفاراتها، وهو ما يؤيد ادعائي بأنها تتحمل جانباً من المسؤولية عن تردي الموقف على النحو الذي شهدناه.

 

لا أحد يستطيع أن يتكهن بمصير هذه المواجهة، التي تتسع دائرتها في أوروبا، ربما تعبيراً عن التضأمن مع الصحيفة الدنماركية، وربما كان ذلك أيضاً إحياء لمشاعر بغض كأمنة، رسختها ثقافة ما بعد الحروب الصليبية، التي ما زالت بصماتها قائمة في مناهج التعليم والمرجعيات الثقافية المختلفة، لكن الذي لا شك فيه أن من شأن ما جرى تعميق هوة الجفاء والحساسية بين المسلمين والأوروبين، الأمر الذي لا يخدم بأي حال دعوات الحوار والتعايش، ناهيك عن احترام الآخر، وهو ما دفع البعض إلى القول بأن ثمة أصابع صهيونية وأميركية ماكرة في المشهد أرادت أن تشعل نار الفتنة والوقيعة بين المسلمين والأوروبيين، لتخفيف حدة العداء للأميركيين، ولإشغال المسلمين بـ»معركتهم« مع أوروبا، وصرف انتباههم عن الممارسات الأميركية في العراق.

 

بقيت بعد ذلك عدة ملاحظات على المشهد ألخصها فيما يلي:

 

* إن سلاح المقاطعة الشعبية أثبت جدارته، باعتباره يمس المصالح الغربية في اقتصادها (الذي هو أعز ما تملك)، وهو سلاح ينبغي الاحتفاظ بفعاليته، لأهميته البالغة من ناحية، ولأنه يعد من أقوى أساليب النضال المدني تأثيراً، ويحسب لأزمة الرسوم الكاريكاتورية أنها دفعت البعض إلى التنادي لاستحضار ذلك السلاح المعطل، الذي نحن أشد ما نكون حاجة لاستخدامه على جبهات أخرى، خصوصاً في مواجهتنا للضغوط ومظاهر العدوان الغربي الكثيرة على أمتنا.

 

* إن الموقف الشعبي من الأزمة أسبق وأقوى كثيراً من الموقف الرسمي في العالم العربي والإسلامي، وإذ نقدر الجهود والمواقف التي عبرت عنها منظمة المؤتمر الإسلامي وعدد من الحكومات العربية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا أننا يجب أن نعترف بأن النتائج ستصبح أفضل كثيراً لو تضأمنت أغلب أو كل الحكومات الإسلامية في اتخاذ موقف حازم من حكومة الدنمارك، وهو الحد الأدنى، لو أن وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في العالم العربي على الأقل، عقدوا اجتماعاً طارئاً وأصدروا بياناً مشتركاً أعلنوا فيه موقفهم الرافض لإهانة نبي المسلمين، وهم الذين لم يقصروا ـ فرادى ومجتمعين ـ بل وتنافسوا في الحملة ضد الإرهاب وأهله.

 

* إن موقف شيخ الأزهر كان بكثير دون المستوى المطلوب، إذ في حين تصورنا أنه سيكون في مقدمة الغاضبين لكرامة نبي الإسلام، فإننا وجدنا تعبيره عن الاحتجاج فاتراً للغاية، حين كان اعتراضه على ما جرى مبنياً على أن النبي عليه الصلاة والسلام ميت ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، وهي حجة لا تخطر على بال أي مسلم عادي، يعيش النبي في قلبه ووجدانه طول الوقت، ويصلي عليه ويسلم ثلاثين مرة على الأقل في اليوم الواحد، ثم أنه اعتبر الموضوع منتهياً بعدما استقبل سفير الدنمارك في القاهرة، الذي نقل إليه مضمون الاعتذار الغامض والخجول الذي أشار إليه بيان رئيس وزراء الدنمارك في مستهل العام الجديد، وكان حرياً بشيخ الأزهر أن يتحفظ في هذا الصدد، على الأقل حتى يتحقق من أن الاعتذار المفترض يحقق مراده في الحفاظ على كرامة نبي الإسلام، وهو الأمر الذي أتصور أنه يحتل أهمية خاصة لدى مشيخة الأزهر التي عهدناها ـ فيما مضى ـ منارة يهتدي بها المسلمون في كل مكان، ورأس الحربة في الدفاع عن كرامة الإسلام والمسلمين.

 

إن أهم حقيقة أسفرت عنها المواجهة التي نحن بصددها هي أننا نملك الكثير من الأوراق الفاعلة لكسب أي معركة، بالتالي فنحن لسنا مفلسين أو عديمي الحيلة كما يصور البعض، لكننا فقط مغلولو اليد ومهزومون: سياسياً وحضارياً!

 

(*) كاتب ومفكر من مصر

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 8 فيفري 2006) 


الجريمة السياسية في المغرب العربي

توفيق المديني (*)

 

لا يمكن أن نفصل ظاهرة الجريمة السياسية التي سادت في الوطن العربي ، منذ انعتاق قوى حركة التحرر الوطني العربية في مقاومة الإستعمار وو صولا إلى تشكل الدول الوطنية ، عن ظاهرة  العنف السياسي ، التي يجب رؤيتها في سياق الصراعات الإجتماعية و السياسية  التي تضرب جذورها في البناء الإجتماعي و التكوين الثقافي للمجتمعات العربية.

 

ويعرف أغلب الباحثين و الدارسين العنف السياسي  أنه استخدام القوة المادية أو التهديد باستخدامها لتحقيق أهداف سياسية. و على سبيل المثال، فإن بول ويلكنسون عرف العنف السياسي  أنه : » استخدام  القوة أو التهديد  باستخدامها لإلحاق الأذى و الضرر بالآخرين لتحقيق أهداف سياسية ». و عرف شانغ سياهن أنه: » استخدام القوة المادية لتحقيق أهداف سياسية ». و حدده باحث آخرب »أنه كافة أعمال الشغب و الأذى و التدمير التي يقصد منها تحقيق أهداف سياسية ».

 

وتندرج الجريمة السياسية في الوطن العربي عادة ضمن سياق العنف الذي يمارسه هذا النظام  أوذاك ضد جماعات سياسية  و شخصيات معينة ، وذلك لضمان إستمراره في السلطة ، وتحجيم دور المعارضة و المناوئة له. و يمارس النظام العنف لإرتكاب الجريمة السياسية بوساطة الإغتيالات السياسية ، و من خلال أجهزته القهرية كالجيش و البوليس و المخابرات والقوانين الإستثنائية…الخ ويعرف العنف في هذه الحالة باسم العنف الرسمي أو الحكومي.

 

و لما كان موضوع هذا الملف  دراسة  الجريمة السياسية كأحد مظاهر العلاقة  بين النظم العربية الحاكمة و المعارضات السياسية، و آليات هذه العلاقة و توتراتها، فإني سأركز على الجريمة السياسية التي حصلت في بلدان المغرب العربي بعيد نيل إستقلالها ، و نشأة الدول الوطنية فيها ،  التي تزامنت مع  تصاعد في الممارسات  الإستبدادية و استعمال متزايد للعنف السياسي ضد الجماعات السياسية المعارضة. حتى  أن بعض المحللين طرحوا السؤال التالي: ماجدوى التحرر من نظام كولونيالي استبدادي إذا كان الهدف تركيز نظام استبدادي آخر؟

 

 1- إغتيال صالح بن يوسف على أرضية الإختلاف في حل المسألة الوطنية التونسية

 

عندما عاد الزعيم صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الدستوري الجديد إلى تونس قادما من القاهرة في 3 أيلول / سبتمبر 1955، كانت له مواقف متناقضة كليا  رئيس الحزب آنذاك الحبيب بورقيبة بشأن إتفاقيات 3 حزيران /يزنيو 1955 . فهذه الإتفاقيات تعتبر أول تسوية سياسية بين الجناح المعتدل من الحركة الوطنية التونسية  القريب إيديولوجيا وسياسيا من الغرب  و بين الإستعمار الفرنسي ، و هي بدون شك محطة  مهمة في  تاريخ تونس المعاصرة.

 

وبينما اعتبرها الحبيب بورقيبة  أنها « خطوة إلى الأمام » تفتح الطريق أمام الإستقلال السياسي التام ، اعتبر ها صالح بن يوسف « خطوة إلى الوراء » تثبت وضعا إستعماريا قائما و نتسد الأبواب في وجه التحرر و الإنعتاق.

 

وتتكون إتفاقيات 3حزيران 1955 من إتفاقية عامة و6 أتفاقيات خاصة تتعلق بالمجالات التالية:الإتفاقية الخاصة بالأشخاص، الإتفاقسة الخاصة بالأمن العام، إتفاقية التعاون الفني و الإداري،الإتفاقية الاقتصادية و المالية. الإتفاقية القضائية. الإتفاقية الثقافية.

 

لقد أقرت هذه الإتفاقيات  إتفاقيات باردو التي فرضت الحماية الفرنسية على تونس في 12 ايار/مايو 1881، و التي لم تنل من السيادة التونسية إلا الشؤون الخارجية و الدفاع (بصفة مؤقتة،ولكنها ألغت البند الأول من إتفاقية المرسى المبرمة في 8حزيران /يونيو 1883، و التي تحولت بموجبها تونس إلى مستعمرة فرنسية لا تختلف في الواقع عن شقيقتها الجزائر، و تحول المقيم العام الفرنس  إلى ديكتاتورحاكم بأمره يتمتع بسلطات مطلقة.

 

تعترف إتفاقيات  1955بإستقلال تونس الداخلي، إضافة إلى إبقاء الدبلوماسية و الدفاع من مشمولات فرنسا. فلن تتحول مصالح الأمن إلى التونسيين إلا تدريجيا بعد إنقضاء مدة 20 سنة، و تبقى المحاكم الخاصة بالفرنسيين و الأجانب، و المحاكم المختلطة التي تشمل التونسيين و الفرنسيين، و لن يغطي القضاء التونسي  كل القاطنين بالقطر إلا بعد مرور15 سنة. و تنص الإتفاقية الاقتصادية و المالية على بقاء الوحدة الجمركية، و بقاء تونس تابعة لمنطقة الفرنك الفرنسي،ومحافظة « البنك الجزائري التونسي  »  على إمتياز إصدار العملة.ووفق هذه افتفاقيات لا تعتبر اللغة الفرنسية لغة أجنبية في تونس ويتم تعليمها في جميع المستويات.

 

شكلت اتفاقيات الحكم الذاتي ، التي تم توقيعها في تونس في 3 حزيران 1955 ، والتي مُنحت تونس بموجبها استقلالاً داخلياً ، منعرجاً سياسياً وتاريخياً كبيراً في تاريخ الحركة الوطنية التونسية ، التي كان يقودها الحزب الدستوري الجديد بزعامة الحبيب بورقيبة .  وعاشت تونس فترة مخاض عسيرة بين 3 حزيران 1955 و 20 آذار/مارس  1956، تاريخ استقلال تونس ، حيث تفجرت كل التناقضات الأيديولوجية و السياسية والشخصية ، التي كانت الحركة الوطنية قد طمستها خلال مرحلة تأطيرها وتجنيدها لكل القوى الحية من أجل خوض معركة التحرر الوطني ، والظفر بالاستقلال .

 

أنفجر الصراع بين جناحي الحزب الحر الدستوري الجديد في عام 1955 ، بسبب اتفاقيات 3 حزيران من العام ذاته – يقول أحد اساتذة التاريخ الفرنسيين التقدميين في تحليل الأحداث التي عقبت التوقيع على اتفاقية   » الاستقلال الداخلي « لتونس عام 1955، والتي قاومها الشعب التونسي بكل فئاته وفصائله : » وطلب بورقيبة مساندة القوات الفرنسية له من أجل قمع سريع وبدون رحمة فقبلت الحكومة ( الحكومة الانتقالية ) فوراً ، وتحصلت القيادة العسكرية على الامكانيات التي حرمت منها من قبل كي تقضي على عصابات » الفلاقة «  ( رجال حرب العصابات في تونس إبان الاحتلال الفرنسي ) المتمركزة بالجبال التونسية وشنت الجيوش التونسية والفرنسية التي يدعمها الطيران بقيادة الجنرال » غيوبون « حملة ربيع سريعة .  فتم سحق الانتفاضة في ستة أسابيع بينما أسدلت الصحافة الصمت على الحوادث .

 

لقد أدرك بورقيبة أن التسوية السياسية مع الاستعمار الفرنسي هي مفتاح الحل للمسألة الوطنية التونسية ، لذلك ضحى بالمقاومة المسلحة وعمل على تجريدها من السلاح، لأنه يعلم أن استمرار المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي ، يعني أن مركز الثقل السياسي سيميل بكل تأكيد لمصلحة الحركة اليوسفية التي تقود هذا الكفاح المسلح ، والمتحالفة عضوياً مع الثورة الجزائرية .

 

وعلى الرغم أن صالح بن يوسف حاول أن يحسم الصراع مع بورقيبة على أرضية سياسية ، من خلال انعقاد مؤتمر تاريخي للحزب ليحسم الشعب الخلاف حول الاتفاقات ، إلا أن بورقبة بتحالفه مع الاستعمار الفرنسي ولجوئه إلـى القوة لحسم الخلاف مع خصمه ، جعل بن يوسف يحتاج إلـى اسلوب المواجهة العسكرية أمام بورقيبة التي هزمته شعارات العروبة والاسلام المتجذرة في أعماق نفوس الشعب التونسي .  آنذاك استقطبت الحركة اليوسفية قيادات حركة المقاومة المسلحة في تونس ، ومن بينها الطاهر الأسود باعتباره القائد العام لجيش التحرير التونسي ، ومجموعات فدائية تتألف من عناصر تونسية وجزائرية مشتركة ومن أبرزها مجموعات رضا بن عمار بالعاصمة ، عبد اللطيف زهير بالساحل التونسي ، مصباح النيفر بالجنوب الشرقي ، عبد الرحمن جابا الله في الجنوب الغربي ، الطيب زلاق بالشمال الغربي . أما عن تقدير أعدادهم فيتراوح ما بين 600 و 1500 رجل .

 

وأمام هذه التعبئة للمقاومة المسلحة من جانب الحركة اليوسفية ، والتحام هذه الأخيرة بالثورة المسلحة الجزائرية ، وتحالفها مع حركة القومية العربية الصاعدة في المشرق العربي ، عمل بورقيبة رئيس » الديوان السياسي « للحزب الدستوري الجديد على بعث » لجان اليقظة « وهي ميليشيات حزبية تتألف من مجموعات مسلحة يقودها رجال مثل محجوب بن علي ، وحسين بوزيان ، وساسي لسود ، وحسن الصيادي ، وعمر شاشية، وغيرهم ، حيث كان يكمن دروها في تصفية الحركة اليوسفية  ,  وقد تحالفت هذه اللجان مع القوات النظامية التونسية والجيش الفرنسي للقيام بهذه المهمة .  فقد أقلع سلاح الجو الفرنسي من تونس بين 27 كانون ثاني و 2 شباط 1956  62 مرة في مهام استطلاعية أو لحماية القوافل العسكرية.  وقد أدى التدخل المكثف للطيران الفرنسي إلـى إحداث مذبحة في منطقتي مدنين ومطماطة ، بعد انضمام قبائل الجنوب إلـى الحركة اليوسفية ، حيث كان الشعور بالحضور العسكري الفرنسي حاداً .  وقد أسفر هذا التدخل عن أكثر من 400 قتيل بين كانون ثاني وحزيران 1956.  وقامت الشرطة من جهتها باعتقال 2372 من اليوسفيين حسب المصادر الرسمية .  هذا البطش أدى إلـى استسلام تدريجي لأهم القبائل في الجنوب ، تلاها استسلام المجموعات المسلحة . وابرزها استسلام الطاهر الأسود في 3 تموز 1956 .  وقد بلغ عدد المقاومين الذين استسلموا للسلطات التونسية 600 رجل بين شباط و تموز 1956 .

 

ونظراً إلـى ما كان للحركة اليوسفية من حضور شعبي مسلح في الجنوب التونسي ومن خطر ماحق كان يهدد الاستعمار الفرنسي على صعيد تونس والجزائر معاً ، بسبب التحالف والتمازج بين رجال المقاومة المسلحة على طول الشريط الحدودي للبلدين ، وتخوف بورقيبة من امتداد الثورة الجزائرية إلـى تونس ، لجأت فرنسا إلـى الدخول في » لعبة الاستقلال « .  وهو ما أفصح عنه الآن سافاري وزير الشؤون المغربية والتونسية آنذاك ، حين صرح أمام البرلمان الفرنسي في حزيران 1956 قائلاً :  » لقد وقعت فرنسا اتفاقية 20 مارس ( آذار ) 1956 ( وثيقة استقلال تونس ) كي توقف الثورة التي تنخر تونس ، وكي تقطع محاولات الالتحام مع حركة الثورة في الجزائر ، وتمنع تونس من الاشتراك في الجامعة العربية وكي تساند أخيراً حزب بورقيبة صديق فرنسا الذي يعمل على ايقاف المد القومي العربي تجاه افريقيا الشمالية   «.

 

وفيما كان بورقيبة يرى حل المسألة الوطنية التونسية في باريس عن طريق الارتماء في أحضان الغرب ، ويرسم مستقبل تونس ضمن الدائرة الغربية المتوسطية ، كان صالح بن يوسف يرى أن حل المسألة الوطنية التونسية يكمن في تعزيز التلاحم الكفاحي مع الثورة الجزائرية المسلحة من أجل تحرير كل المغرب العربي ، وفي توطيد العلاقة مع القاهرة ، حيث أصبح فيها عبد الناصر في تلك الفترة العدو اللدود للاستعمار عامة والفرنسي بوجه خاص ، بسبب دعمه المادي والمعنوي للثورة الجزائرية ، وفي رسم مستقبل تونس ضمن دائرة الانتماء للهوية العربية الإسلامية .

 

وهكذا ، فرضت فرنسا تسوية سياسية غير عادلة لحل المسألة الوطنية التونسية ، لأن الحكومة الفرنسية تعتبر الحبيب بورقيبة جزءاً منها ، ووجوده على رأس السلطة ضرورياً ، ولأنه ينتمي  إلـى القيادات العربية الاستسلامية ، التي تخدم الأهداف الغربية .  ولما كان الحبيب بورقيبة لا يُمثل إرادة الشعب التونسي ، ولا يدافع عن قضيته ، ولا يحترم إرادته ،  فقد أعلن ، أنه يتبرأ من » الجامعة العربية « ، مضيفاً بقوله » إني لست منها ولا هي مني وإني لا أبالي لا بنداءاتها ولا بشتائمها .  على انه يوجد تضامن تاريخي يرتكز على ذكريات تاريخية «.  وقد استنكر يوسف الرويسي بشدة  »  كيف يعلن الحبيب بورقيبة متحدياً شعور الشعب ، أن ما يربطنا بالعرب ليس إلا من قبيل الذكريات التاريخية.  وأن مصالح تونس ترتبط بالعرب وبفرنسا خاصة ، وأن مرسيليا أقرب إلـى تونس من دمشق أو القاهرة «.

 

لقد نزلت الامبريالية الفرنسية بكل ثقلها في المغرب العربي ، لتعديل ميزان القوى لمصلحة بورقيبة ، ولتحسم معركة حل المسألة الوطنية التونسية على أرضية الخط الذي يبقي تونس تدور في فلك الاستعمار الجديد .    ولم تستطع الحركة اليوسفية المدعومة عربياً أن تصمد كثيراً في هذه المعركة غير المتكافئة .  وكانت من نتيجة هذه المعركة بين التيار التغريبي الذي يقوده بورقيبة ، والتيار الوطني العروبي الذي يقوده صالح بن يوسف، لأن أدار نظام بورقيبة الجديد بظهره إلـى المشرق العربي ، وعمق قطيعته مع الأمة العربية ، وبلغ به الأمر إلـى حد قطع العلاقات مع  » الجمهورية العربية المتحدة  » بسبب لجوء صالح بن يوسف إلـى القاهرة وتدبيره من هناك محاولات لاغتيال الحبيب بورقيبة.  وقد اصبح النظام التونسي يعيش عزلة رهيبة ، خاصة بعد وصول الجزائر إلـى الاستقلال ، مما دفع بورقيبة الى افتعال معركة بنزرت في تموز عام 1961، التي وجد فيها بورقيبة فرصة يغتنمها لإخماد نضالات الجماهير ، . . للتخلص من العناصر اليوسفية المتحالفة مع جبهة التحرير الوطني في الجزائر ، حيث أصبح تطور النضال المسلح هناك يهدده ، ويهدد الامبريالية الفرنسية .  وفي هذه المعركة أمتنع بورقيبة عن تسليم السلاح لغير أعضاء الحزب الحر الدستوري مما دفع بأبناء الشعب العزل إلـى أن يستقبلوا بصدورهم قنابل الطائرات الفرنسية وسقط منهم 1500 شهيداً .

 

ولكن معركة بنزرت التي تكبد فيها الشعب التونسي خسائر جسيمة على كافة المستويات ، أرادها نظام بورقيبة أن تكون مدخلاً لكسر الطوق العربي المتضامن مع الحركة اليوسفية ، ولاستبعاد تهمة التعاون مع الاستعمار الفرنسي ، كما أردها أيضا أن تكون نافذة ليطرد منها القوات الفرنسية ، ويفتح بعد ذلك الباب أمام القوات الأميركية ، حيث تم إبرام اتفاقيات سرية ، منحت الولايات المتحدة الأميركية بمقتضاها قاعدتين عسكريتين : الأولى في الجنوب ، و الثانية في الشمال .  كما تم إيجار ميناء حلق الوادي للاسطول السادس الأميركي .

 

ومع هزيمة المعارضة اليوسفية ، دخلت تونس مرحلة جديدة اتسمت بهمينة نظام الحزب الواحد ، والفكر الواحد ، والرأي الواحد . فألغى نظام بورقيبة المظاهر الديمقراطية، التي حاول أن يتظاهر بها في البداية ، ومنع تواجد الأحزاب ، وقمع حرية الصحافة ، وأغلق صحف المعارضة ، والتجأ إلـى استخدام الإغراءات ، والى اعتماد أساليب الإرهاب والمطاردة والتصفية الجسدية ، التي كان الزعيم صالح بن يوسف أولى ضحاياها ، حيث تم اغتياله على يد المحترف البشير زرق العيون ، وذلك في مدينة فرانكفورت بألمانيا الغربية عام 1962 .

 

وبعد أن قام النظام البورقيبي بتصفية صالح بن يوسف اغتيالاً في ألمانيا الغربية ، حدثت في تونس في نهاية عام 1962 محاولة انقلابية ذات طبيعة برجوازية صغيرة وطنية غير ملتحمة بالجماهير ، شارك فيها عدد من العسكريين والمدنيين المنتمين إلـى المعارضة اليوسفية .  فكانت فرصة جديدة بالنسبة للنظام البورقيبي الذي أراد أن يبرهن من خلال استغلالها على » قوته وجديته « .  وكان حصاد هذه المحاولة إعدام أغلب العناصر المشاركة فيها .

 

2- اغتيال بوضياف على خلفية الصدام مع مافيا الفساد في الجزائر

 

هناك تساؤل ألقى بثقله على الساحة السياسية الجزائرية ، منذ انتصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البلدية في حزيران،يونيو 1990، و يتمثل في ما هو الأفضل بالنسبة إلى الجزائر أن تبقى على حالة الديمقراطية و المضي في عملية الانتخابات الاشتراعية إلى النهاية ، التي ستقود حتما و بالقدرة الفعلية إلى وصول الإسلاميين إلى السلطة ، أم أن الأمر على العكس منذ ذلك يتطلب تدخل العسكر بدعوى وضع الخطوط الحمراء في اللعبة السياسية عن طريق إجهاض الفوز الانتخابي للإسلاميين بحجة حماية المسار الديمقراطي ، و المثل الديمقراطية ؟ و في سؤال جامع ، هل حالة الديمقراطية حالة شر تام أم حالة خير بالنسبة إلى الجزائر ؟

 

          بالنسبة إلى العسكر الأمر محسوم منذ ان تم الغاء الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في كانون الثاني/يناير من العام 1992. وقد كان هذا الاجراء ليس من الديموقراطية في شيء لأن الفائز المتوقع في تلك الانتخابات كانت « الجبهة الاسلامية للانقاذ » التي اتخذت مواقف عدائية عنيفة من واشنطن بعد حرب الخليج في العام 1991.. ودعمت  واشنطن رسميا أعلان الجيش   حالة الطوارئ ، حيث استلم مقاليد السلطة الفعلية في الجزائر ، و قام بتأجيل الانتخابات الاشتراعية .

 

 و منذ ذلك الوقت أفلت زمام المبادرة من يد الرئيس الشاذلي جديد ، الذي أصبح رهينة حقيقية في مخطط قادة الانقلاب الفعليين الذي أجبروه على الاستقالة ، باعتبار أن فشل حزب جبهة التحرير الوطني  في الانتخابات الاشتراعية هو بمنزلة فشل للرئيس نفسه ن و للمؤسسة العسكرية . و بعد أن تبين لهم أن الرئيس بن جديد سعى إلى إقامة حكومة التعايش بينه و بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، مع حصولها على الأكثرية المطلقة في البرلمان ، على غرار حكم التعايش الذي أقامه الرئيس ميتران مع رئيس حكومته جاك شيراك في العام 1986 .

 

          و الجميع يعلم أن العسكر باعتباره القائد الفعلي للانقلاب العسكري ، أعلن صراحة بأنه يرفض استمرار انجاز شرعية صناديق الاقتراع حتى نهايتها ، وأنه لن يقبل أن يضع الإسلاميون أرجلهم  في حرم الدولة الجزائرية ، كما أنه قاد الانقلاب تحت شعار  » الجزائر ليست إيران  » ، و لا للجمهورية الإسلامية في الجزائر . و من المعلوم ان الرئيس بن جديد كان قد أقدم على خطوة حل البرلمان ، الأمر الذي أحدث فراغا سياسيا و دستوريا في البلاد ، ذلك أن الدستور الجزائري ينص على انه في حال غياب رئيس الجمهورية بالاستقالة أو الوفاة يخلفه رئيس البرلمان ، و في حالة غياب هذا الأخير يخلفه رئيس المجلس الدستوري ، على أن تجري في كل الحالات انتخابات رئاسية خلال الأربعين يوما من تحقيق الغياب النهائي لرئيس الجمهورية ، و قد كانت جميع هذه الحالات تعني بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية العودة السريعة إلى شرعية صناديق الاقتراع ، و هو الأمر الذي دخل في تلك الفترة مجالات الممنوعات أو دائرة ما لا يريده العسكريون .

 

          و هكذا جاء قرار حل البرلمان لمنع رئيسه عبد العزيز بلخادم القريب من الإسلاميين من تولي رئاسة الدولة مؤقتا ، و جرى الضغط على رئيس المجلس الدستوري بن حبيلس و هو رجل علم و قانون و زاهد في المناصب لكي يرفض الرئاسة المؤقتة .

 

          أيا كان منبع الانقلاب في الجزائر ، دستوريا او عسكريا ، فإن مواجهته لمسؤولية السلطة و قيادة المجتمع نحو تثبيت الاستقرار في الحياة السياسية أمر مشكوك في صدقيته ، ليس لن الانقلاب العسكري و الديمقراطية يقفان على طرفي نقيض فقط ، حيث يشترط وجود الواحد انتفاء الآخر ، و غنما أيضا بسبب الإسقاطات السلبية للتطورات المتسارعة في الجزائر ، التي وضعت هذا البلد العربي على حافة مواجهة أهلية بين العسكريين و الإسلاميين .

 

          و كان قادة الانقلاب يسعون إلى تحقيق الأهداف التالية :

 

1-تحجيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ من خلال الانقضاض عليها عسكريا ، و الزج بقياداتها في الصف الأول و الثاني بالسجن ، لعزل رأسها عن باقي جسمها ، و فيما بعد حظر نشاطها نهائيا.

 

2-ضرب الرئيس السابق الشاذلي بن جديد حين بدا لهم أنه يضحي بمصالح المؤسسة العسكرية ، و بخاصة النواة المتنفذة فيها ، التي أسهمت إسهاما حقيقيا في إيصاله إلى السلطة .

 

3-ضرب قيادة جبهة التحرير الوطني باعتبارها قيادة معارضة لحكم العسكر .

 

          و أمام سد الأبواب أمام الشرعية الدستورية ، قامت المؤسسة العسكرية بتشكيل المجلس العلى للدولة من خمسة أشخاص مستقوية في ذلك بالورقة الوطنية ،عبر استقدام السيد بوضياف من المغرب لترؤسه باعتباره يشكل فرعا من الشرعية التاريخية التي لم يحتفظ بها غير مستهلكة ، كواحد من الرجال التسعة المؤسسين لجبهة التحرير الوطني ، و واحد من بين زعماء الثورة الجزائرية الخمسة .

 

          كان محمد بوضياف متميزا باختلافه مع نهج بن بلا ، منذ إعلان الاستقلال و حتى الحكم عليه بالإعدام ، إذ إن وعيه المبكر يدل على رؤيته الثاقبة ، حين قال  » عن الذين يتحدثون بخفة عن الإصلاح الزراعي و التصنيع ، و الحزب الأوحد و المشاريع المدهشة ليسوا سوى ديماغوجيين و جهلة …إن الحديث عن الاشتراكية يتطلب مواجهة كل أخطار الطغيان و كل أنواع العسكرة و كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تشويش العقول ، إن تحييد الجماهير هو إعداد لإقامة نظام ديكتاتوري .    

 

          إذا كانت هذه الرؤية الحاضرة في وعي بوضياف في تقييمه للنظام الجزائري فكيف قبل تولي رئاسة الدولة بعد الانقلاب العسكري الذي قاده فعليا و عمليا رجل الجزائر القوي الجنرال خالد نزار وزير الدفاع آنذاك ، الذي مهما أسبغ عليه من مبررات ، يظل معاديا للعملية الديمقراطية ، و إلغاء المشاركة الشعبية في رسم المستقبل السياسي للجزائر ، و استبعاد دور الشعب السياسي في  صنع القرارات .

 

          ربما كان يهدف بوضياف عبر توليه رئاسة المجلس العلى للدولة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الجزائر ، خصوصا ان العسكر يخوض حربا ضد الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، ظهر ذلك من خلال الاعتقالات في صفوف قيادة كوادر الاسلاميين ، من بينهم مرشحين و منتخبين في الدورة الأولى ، و حظر النشاط السياسي في المساجد ، و منع انتشار المصلين في الساحات و الشوارع العامة ، و حظر نشاط الجبهة الإسلامية للانقاذ ، عامة .

 

 فبوضياف لا يثق بالطبقة السياسية الحاكمة في الجزائر ، و لا حتى بالمؤسسة العسكرية الذي أثار نصر الجبهة الإسلامية للانقاذ مخاوفها على امتيازاتها الطبقية من الضياع .و لهذا انصب جهده على خوض الحرب ضد الفساد السائد في مؤسسات الدولة ، و تنظيف الإدارة ، وتوطيد ديمقراطية الدولة . إلا أن سياسته الهادفة إلى النضال ضد التطرف الإسلامي و المافيا السياسية الرأسمالية في وقت واحد ، كان محكوما عليها بالفشل .و على رغم أن بوضياف يمثل السلطة الشرعية علينا أن نتذكر أنها شرعية مشكوك فيها .لأن السلطة الحقيقة لا تزال تتمثل في الجيش ، و كان هامش مناوراته ضيقا إلى حد كبير .و عندما وجه جهوده نحو تنظيف الحياة العامة لا شك أن الكثيرين من تابعيه الذين خشوا على امتيازاتهم قرروا التخلص منه . ترى من الذي كان وراء عملية الاغتيال ؟ هل كان بين حراسه الشخصيين متعاطفون مع الإسلاميين ؟ وهو الرأي الرسمي حول الحادث الذي لم تصدقه الجماهير ، فعملية الاغتيال كانت تحمل بصمات بعض أركان السلطة و مخابراتها الموازية الرهيبة « .

 

          من الواضح أن هناك ارتياحا رسميا عربيا و إفريقيا و بخاصة غربيا من الإجراءات التي تم اتخاذها من جانب العسكر في الجزائر ، أي من جانب الانقلاب العسكري ، فهناك مصالح مشتركة بين الحكومات الغربية و الدولة التسلطية العربية ، تتمثل في إجهاض التجربة الديمقراطية الوليدة في الجزائر ، كي لا تكون جسر العبور للجبهة الإسلامية للإنقاذ لكي تصل إلى السلطة . و يعلل الغرب موقفه المؤيد للانقلاب العسكري خوفه من  » التهديد الإسلامي الأصولي  » فالغرب يدافع عن الديمقراطية في ساحة تيان آن مين ، و في الاتحاد السوفياتي سابقا اثر الانقلاب الفاشل ،  لكنه اعتبر العملية الديمقراطية في الجزائر مصيبة من نوع خاص . لذا يتطلب الواقع الجيوستراتيجي في منطقة البحر الأبيض المتوسط ، و مصلحة النظام الدولي الجديد بزعامة الولايات المتحدة  ، التضحية بهذه الديمقراطية كما تريد ذلك باريس و واشنطن . و التقى موضوعيا مع الغرب و مع العسكر في خوض الحرب ضد الديمقراطية الأقلية العلمانية المتغربة ، و الماركسيون ، و الراديكاليون من البربر الذين يمثلون  » التجمع من اجل الثقافة و الديمقراطية  » بزعامة الدكتور سعيد سعدي ، تحت شعار انه لا يجب أن يتمتع الأعداء بالحرية .

 

          إن اختيار السلطة الحسم العسكري و المحافظة على تحكم الجيش بالسلطة كان علاجا أسوأ من المرض .لأن إشعال العسكر الحرب الأهلية و الاستقواء بالأحزاب العلمانية الصغيرة لملء الفراغ السياسي ، حيث فقدت الأفكار اليسارية صدقيتها في عيون الجماهير الشعبية بعد أن فقد العسكر الطريق الوحيدة إلى الشرعية – طريق صناديق الاقتراع – أظهر عجز الدولة التسلطية الجزائرية و تقزم الصفوة من العلمانيين التي دافعت عنها ،عن القيام بعملية جراحية في عقول قطاعات واسعة من الشعب الجزائري . الذي أعلن رفضه للأفكار الأجنبية ، و أصبح يرى في الإسلام ملاذه في الظروف الراهنة . و هذا واقع لا يجوز تجاهله ، أو المرور عليه مرور الكرام من دون فهمه .

 

          ثم إن ذبح الديمقراطية من جانب العسكر في الجزائر بحجة الخوف من التهديد المحتمل للأصولية الإسلامية ، و بغض النظر عن معنى الأصولية و حقيقتها و أبعادها ، و يؤكد لنا أن الدولة التسلطية في البلاد العربية ليست مستعدة بالمجازفة بالخيار الديمقراطي ، و بالتالي بالمشاركة الديمقراطية . و هي على أهبة الاستعداد للاستنجاد بالعسكر في أول فرصة انتخابية لحماية  » الديمقراطية  » ، من أجل حظر مجال السلطة على أي أكثرية برلمانية سواء كانت إسلامية أو ديمقراطية . فالتجربة الديمقراطية في الجزائر ، التي أحرزت انتصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ ن و خانتها الصفوة العلمانية من المثقفين بوصفها رديفا تصفق للنخبة السياسية الحاكمة ذات المصالح الضخمة ، التي ترفض أن ترضخ لإرادة الشعب الحرة ، لا يشكل التهديد الإسلامي خطرا عليها ، لأن التهديد الحقيقي و الفعلي للديمقراطية في الجزائر ينبع من سياسة الدولة التسلطية التي لا ترتكز على إرادة شعبية ، أو تفتقد إلى ثقة الشعب بها . و كل كلام العسكر عن حماية الديمقراطية ، ممن يتربصون بها ، لا قيمة له ، لأنه هو الذي اغتصب السلطة ، و أساء إلى الديمقراطية . 

 

3-إغتيال بن  بركة على خلفية الصراع بين المشروع الوطني و المخزن

 

لم يتسن للشهيد مهدي بن بركة الذي خاض الكفاح التحرري ضد المستعمر الفرنسي في المغرب أن يكون رجل دولة في بلاده المستقلة , على نقيض الجنرال محمد أو فقير الذي كان في تلك الفترة جنديا في الجيش الفرنسي يحارب في الهند الصينية وغيرها , وأسندت إليه وزارة الداخلية سنة 1962 , قبل أن يصبح الرجل الثاني القوي في الدولة المغربية بل ويفكر في التحول إلى الرجل الأول , عندما تبين أنه وراء محاولتين انقلابيتين استهدفتا القصر الملكي في 1971 و1972   .

 

   وعندما تولى الملك الراحل الحسن الثاني العرش على اثر وفاة والده ملك الاستقلال محمد الخامس في أذار/  مارس 1961 , شيّد القمع المسلط على القوى الوطنية والديمقراطية المغربية خصوصاً في فترة 1963- 1965,  بسبب ما يسمى آنذاك بـ « مؤامرة  » الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (تموز 1963 ) واندلاع حرب الحدود بين الجزائر والمغرب في العام عينه , وعمليات التزوير التي شهدتها الانتخابات التشريعية في أيار/مايو  1963 . وكان المهدي بن بركة المعارض العنيد لنظام الحسن الثاني , و  » دينامو  » اليسار المغربي يعيش في المنفى منذ عام 1963,  بعد أن حكم عيه بالإعدام مرتين في المملكة المغربية , وأصبح  » وكيل ثورة متجول  » حسب تعبير جون لاكواتير.  إنه يتنقل بين كل العواصم التقدمية في العالم الثالث , من الجزائر إلى القاهرة , مروراً بهافانا . ويروي الضابط السابق أحمد البخاري الذي كان يعمل في المقسم التليفوني في جهاز مخابرات سري , كيف أن جهاز الاستخبارات  » الكاب 1  » هو المسؤول عن تصفية المعارض المهدي بن بركة عندما تم اختطاف هذا الأخير أمام  » براسيري ليب  » الكائنة في جادة سان جرمان في باريس ، من قبل عميلين سريين من المخابرات الفرنسية هما  » روجيه فويتوت , ولويس سوشون  » , اللذين يعملان في شرطة مكافحة المخدرات , ويعملان أيضاً في أجهزة المخابرات المغربية السرية من أجل اختطاف المعارض بن بركة .

   غير أنه في هذه المرة , عندما صعد مهدي بن بركة بمحض إرادته في سيارة بيجو 403 التابعة لقسم الشرطة , مثبت إلى الخلف بين  » فويتوت  » ومجرم أخر محكوم عليه سابقاً واسمه  » جوليان ليني  » , أحد المجرمين الأربعة الذين شاركوا في الاختطاف أيضاً , يبحر بن بركة في آخر رحلة له . فـ  » المهمة منجزة  » , والطرد جاهز للشحن , هذه هي المدونة باختصار , التي أملاها رئيس قسم مكافحة التخريب محمد عشعاشي إلى مرؤوسيه في الرباط , الجنرال أوفقير , والرائد أحمد الدليمي . فالأول هو الذراع الأيمن للملك , ووزير داخليته , ومدير الأمن الوطني , ورئيس أجهزة المخابرات الخاصة  » الكاب 1  » , أما الثاني فهو نائب الجنرال أوفقير . وبالنسبة لرؤساء  » الكاب 1″ كما لكل فريقهم , تخص الرسالة المقتضبة القادمة من باريس العملية الأكثر طموحاً التي تحققت إلى حد الآن , إنه نصر كبير بعد سبعة أشهر من تتبع تحركات المهدي بن بركة عبر العالم .

    وكان قرار الاختطاف قد اتخذ من قبل الملك الراحل الحسن الثاني في اجتماع خاص ضم رؤساء أجهزة المخابرات في القصر يوم 25 آذار / مارس  1965 , ثالث وآخر يوم من الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في الدار البيضاء في 23 آذار/مارس  , وذهب ضحيتها المئات من القتلى . ومن بين الذين شاركوا في الاختطاف عميلان مغربيان هما محمد حليم وحسن بن يوسف امتطيا نفس الطائرة مع بن بركة من جنيف إلى باريس يوم  29 أكتوبر 1965, وثلاثة عملاء مغاربة سريين كانوا في قاعة الانتظار بمطار أورلي هم : محمد بتسين , وعبد القادر درفوفي , ورجل ثالث اسمه  » الشتوكي  » وهو اسم مستعار للضابط ميلود التونسي . وقد وصل المختطف بن بركة إلى ضاحية باريس الجنوبية  » فونتيناي لوفيكومت  » , واستقر في فيلا يملكها جورج بوشيسيش , وهو رئيس عصابة المجرمين ومعروف عنه أنه كان يعمل لمصلحة الغيستابو الفرنسي , وأسهم بعد التحرير في إنشاء جهاز المخابرات الفرنسي لمكافحة التجسس , وأصبح يعيش لاحقاً في شيخوخة ملؤها النعيم في المغرب . وفي هذه الفيلا , اكتشف بن بركة أربعة وجوه لأشخاص يعملون في جهاز  » الكاب 1″ , هم : محمد عشعاشي وأخوه الكبير عبد الحق , وعبد القادر الصاك الذي روى البخاري أنه من كشف له ملابسات استنطاق بن بركة ومقتله في باريس , ومحمد مسناوي , وكذلك الممرض الحسوني الذي حقنه بجرعة قوية قد تكون أدت إلى وفاته . وقد عذب بن بركة تعذيباً وحشياً على أيدي الجنرال الراحل محمد أوفقير ومساعده الرائد أحمد الدليمي , اللذين جاءا خصيصاً إلى باريس على متن طائرة خاصة . ويقول أحمد البخاري أن جثة بن بركة نقلت في طائرة عسكرية من باريس إلى دار المقري في الرباط , حيث ذوبت هناك في حوض من الأسيد , وهو أمر قال سياسيون مغاربة وفرنسيون أنه يتطلب بالضرورة تواطؤ مسؤولين فرنسيين سمحوا بالطائرة بالإقلاع من باريس . وفي نطاق هذا التواطؤ بين أجهزة المخابرات المغربية والفرنسية , إن لم نقل بين رجال السياسة على أعلى مستوى في كلا الدولتين الفرنسية والمغربية , تم عقد الاتفاق السري في   » قضية بن بركة  » , لأن جريمة الدولة التي اقترفها المغرب على الأراضي الفرنسية أصبحت جريمة دول بالمعنى الجماعي , تورطت فيها فرنسا وحتى الولايات المتحدة الأميركية . و في ظل المناخ السياسي الدولي الراهن تعتبر تلك الجريمة ضد الزعيم بن بركة بمنزلة عمل إرهابي يعاقب عليه القاون الدولي.

    وأول أجنبي يعلم أن جثة بن بركة ستنقل إلى المغرب هو العقيد  » مارتان  » هو اسم مستعار , وهو ضابط أميركي يعمل في وكالة الاستخبارات المركزية , يوم 30أكتوبر 1965 , أي بعد ساعات قليلة من وفاة بن بركة تحت التعذيب . وكان العقيد  » مارتان  » وزميلاه  » سكوت  » و  » وستيف  » من وكالة الاستخبارات المركزية يعملون في مهمة بناء جهاز المخابرات المغربية منذ عام 1960 . وقد أشرف رجال استخبارات أميركيين على تشكيل جهاز  » الكاب 1  » وتنظيمه , الذي كان يحتل مبنى في شمال العاصمة الرباط غير بعيد من صومعة حسان , وتحول في وقت لاحق إلى مبنى يتبع وزارة العدل المغربية . وفي بداية السبعينات أعلن رسمياً في الرباط قيام جهازين للاستخبارات , أحدهما مكلف بالاستخبارات الخارجية والأخر بالاستخبارات الداخلية . وعين الملك الراحل الحسن الثاني مسؤولين رفيعي المستوى للاشراف على الجهازين . ووضع الملك بذلك حداً نهائياً لنشاط جهاز  » الكاب 1  » الذي كان يرأسه الجنرال عبد الحق عشعاشي بإشراف الجنرالين محمد أوفقير وأحمد الدليمي , وكان مهمته تكمن في التصدي لأي محاولة لقلب النظام , خاصة بعد أحداث 1963 التي حوكم فيها قياديون كانوا ينتسبون إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .

   وتعتبر  » دار المقري  » معتقلاً رهيباً , إذ يوجد فيه حوض للأسيد منذ نهاية عام 1961 , وتم تذويب عشرات المعتقلين فيه . ويقول البخاري بأن العقيد الأميركي  » مارتان  » هو الذي كلفه بصناعة هذا الحوض , إذ شرح له بأن  » مغطسة الموت  » هذه كانت تستخدم في ايران في الخمسينات , عندما كان هذا العميل الأميركي الأنف الذكر يعمل في طهران . وتقول صحيفة لوموند الفرنسية في عددها الصادر 1-2 تموز 2001 , بأن أحمد الدليمي سلّم الملك الراحل الحسن الثاني نسخة من الفيلم الذي صور فيه طريقة القاء جثة المهدي بن بركة الموضوعة في كيس من البلاستيك في حوض الأسيد بحضور كل من أحمد الدليمي نائب رئيس  » الكاب 1  » , وميلود التونسي , والياس  » الشتوكي  » , ومحمد نويني , والممرضان بو بكر الحسوني وهميده .

   وتضيف لوموند أن الفرنسيين الأربعة الذين ينتمون إلى عالم الإجرام , وشاركوا في اختطاف بن بركة لجأوا إلى المغرب مباشرة بعد مقتل بن بركة من قبل مسؤولين مغاربة , وهم : جورج بوشيسيش الذي غادر باريس يوم 1 نوفمبر 1965 , وجان باليس , وبياردوباي , وجوليان ليني , وقالت إن هؤلاء المتهمين الرئيسيين كانوا يديرون محلات لبيع الخمور وفنادق للسياحة في المغرب .غير أن عميلاً فرنسياً آخر هو ابن عائلة جورج فيغون المنظر للعصابة , توفي في ظروف غامضة في باريس – وقالت الرواية الفرنسية الرسمية أنه  » انتحر  » – على اثر اعطائه لمجلة الإكسبريس الفرنسية الصادرة بتاريخ 10 كانون الثاني 1966 , معلومات خطيرة يتهم فيها الجنرال أوفقير بقتل المهدي بن بركة , خصوصاً وأنه أفشى بقائمة الأسئلة المحددة التي يعتقد انه طرحت على المهدي بن بركة بعد اقتياده إلى فيلا في ضواحي باريس , إذ أنها تعتبر شاهداً على الجريمة .

     وقد اعتقلت المخابرات المغربية كلا من بوشيسيش , ودوباي , وليني , في بداية أذار/مارس  1971 في دار المقري , حيث اختفوا نهائياً في نيسان 1974 , لكي يعودوا موتى إلى فرنسا , بوشيسيش في 29 أكتوبر 1976 تاريخ ذكرى اختطاف بن بركة , ليني يوم 14 نوفمبر , ودوباي يوم 16 نوفمبر من العام عينه . أما المجرم الرابع جون باليس فقد توفي في فرنسا في آذار/مارس  1976 . وعلى الرغم من قتل هؤلاء الفرنسيين الثلاثة في المغرب ,. والذين شاركوا في عملية اختطاف بن بركة , إلا أن السلطات الفرنسية لم تحرك ساكناً حول هذا الموضوع .

 ويجمع المحللون السياسيون للشؤون المغربية أن هؤلاء المجرمين الفرنسيين دفعوا ثمن الصعود القوي للعقيد أحمد الدليمي على حساب الجنرال أوفقير.  فبعد فشل محاولة الانقلاب في عام 1972 , قام الرجل الثاني في المملكة المغربية العقيد أحمد الدليمي بالتخلص نهائياً من الشهادات المربكة لعملية قتل بن بركة , ثم قام لاحقاً بحل جهاز  » الكاب 1  » في عام 1973 .

   لقد أسهمت اعترافات أحمد البخاري عميل المخابرات المغربية , وورود اسم الضابط الأميركي مارتان في كشف  » جريمة قتل  » , وضيقت الخناق أكثر فأكثر على كل من الرباط من جهة , وباريس وواشنطن من جهة أخرى , لأن المعارض بن بركة كان بصدد إعداد مؤتمر دولي مناهض للولايات المتحدة في هافانا , وكان ينظر إليه بوصفه  » مشاكساً  » من وجهة نظر واشنطن , خصوصاً في ضوء علاقاته مع الرئيس المصري الراحل عبد الناصر.

   وهكذا عاد شبح بن بركة يطارد الجميع في المغرب , إذ بدأت عملية نشطة بحثاً عن الحقيقة . فقدم المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي متزعم الائتلاف الحكومي في المغرب شكوى إلى قاضي التحقيق في محكمة الاستئناف بالرباط وذلك على ضوء المعطيات الجديدة التي كشفها العميل البخاري . وإذا كانت جثة بن بركة قد أذيبت في حامض الأسيد , فإن الحقيقة لا يمكن أن تذوب أو تموت بتقادم الزمن , ولا مسؤولية الذين كانوا وراء قتل بن بركة , واختفاء 600 عضو من المعارضة اليسارية واتحادات العمال منذ بداية الستينات.

 

إن الكشف عن الحقيقة يتطلب اشتراك فرنسا في التحقيق , وإلا فإن قضية بن بركة لن تخرج من النفق المظلم.  وهذا ما جعل بشير نجل بن بركة يقول في عام 2001، إن احترام الديمقراطية يفرض على فرنسا رفع السرية عن ملف والدي .

 

واتهم نجل السياسي المغربي الراحل المهدي بن بركة فرنسا والولايات المتحدة، بعرقلة سير التحقيقات في حادث اختطاف وقتل والده عام 1965.وقال بشير بن بركة إن فرنسا كشفت مؤخراً عن عدد من الوثائق ذات القيمة الثانوية المتعلقة باختطاف والده، وطالبها بالكشف عن كل الوثائق الموجودة لدى أجهزة مخابراتها.وأكد أن الولايات المتحدة رفضت الإفراج عن ثلاثة آلاف وثيقة متعلقة بالحادث بزعم أنها تمس الأمن الوطني الأميركي.

 

ووجه بشير اتهامات مماثلة إلى الدولة الصهيونية ، وقال إنها من بين الدول التي تعمل على الحيلولة دون الوصول إلى الحقيقة بسبب صلات والده بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وما عرف عنه بتصديه للصهاينة بالمحافل الدولية.

 

كما اتهم بن بركة السلطات المغربية بعدم التعاون مع القاضي الفرنسي الذي يحقق في هذه القضية.

 

وقال بشير إن تحرك القاضي الفرنسي جاء في إطار إنابة قضائية دولية هي الخامسة في سلسلة إنابات حركتها عائلة بن بركة بدءاً من عام 1999. قد واجه قاضي التحقيق الفرنسي باتريك رامييل صعوبات وعراقيل أثناء أداء مهمته . فعندما طالب باتريك الإستماع للشهود المغاربة ، قال له قاضي التحقيق المغربي جمال سرحان، أن  ليس له علم بعناوينهم  ، إضافة إلى أنه يجهل مكان المعتقل الملقب (المركز الثابت رقم ثلاثة) الموجود في إحدى ضواحي العاصمة الرباطK والذي من المفترض ان يكون هو المعتقل السري الذي دفنت فيه جثة ابن بركة.

 

وقد تضمنت  الإنابة القضائية الأخيرة أسماء شخصيات مغربية تتهمها عائلة بن بركة بأنها على علاقة بعملية الاغتيال بحكم مواقعهم السابقة، وهم رئيس الدرك الملكي وقت حادث الاختطاف حسين بن سليمان والجنرال القادري الرئيس السابق للمخابرات والملحق العسكري لدى السفارة المغربية بفرنسا منذ 40 عاماً وميلود التونسي وهو الاسم الحقيقي لشخص تولى مسؤولية كبيرة بعملية الاختطاف واسمه المستعار إشتوكي. وشدد على أن هؤلاء الأشخاص مقيمون داخل المغرب حالياً.

 

وأبدى بن بركة الابن عزمه على الشروع في إجراءات جديدة لإنابة قضائية سادسة، بعد ما أخفق القاضي الفرنسي باتريك رامايل في مهمته بالمغرب للتحقيق في الإنابة الخامسة وعاد في الرابع من الشهر الحالي دون التوصل إلى شيء،  مشيرا إلى أن عائلته ستواصل مساعيها قضائياً وسياسياً للوصول إلىالحقيقة.

 

يُذكر بهذا الصدد أن وزير الاتصال والمتحدث باسم الحكومة المغربية نبيل بن عبد الله شن هجوماً مباشراً على القاضي باتريك رامايل متهماً إياه بأن لديه نزعة استعمارية.

 

وقد حاول وزير العدل الفرنسي باسكال كليمان خلال مؤتمر صحفي عقده مؤخراً بالعاصمة المغربية مع نظيره المغربي محمد بو زوبع، التقليل من شأن الجدل الدائر حول القضية داعياً إلى عدم تضخيمها.

 

(*) كاتب تونسي مقيم بدمشق

 

(ملاحظة: نشرت هذه الدراسة عن الجريمة السياسية في المغرب العربي، ضمن ملف كبير عن الجريمة السياسية في الوطن العربي ، قامت بإعداده مجلة « حوار العرب » التي تصدر شهريا عن مؤسسة الفكر العربي ببيروت.)

 

(المصدر: مجلة « حوار العرب »، العدد 15، فيفري 2006)

 


الهادي بريك: وإنتصر الاسلام …

لا يختلف إثنان فيما أحسب من أولى النهى من مسلمين وغير مسلمين بأن دورة حضارية جديدة بدأت تشد رحالها إلى الارض خطوة بعد خطوة في تأن وأناة وتريث وذلك على وجه التقريب منذ النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم .

لو بحثت عن عنوان مناسب لتلك الدورة الحضارية الجديدة لما ترددت في إختيار عنوان التحرر أو الاسلام وهما عندي وفي هذا المستوى بالذات وجهان لعملة نقدية واحدة ما بدا لك هنا ضامرا هو في الخلف مستعلن وما كان هناك هادئا يخر خرير الماء الدافق هو هنا حثيثا راملا يغذ السير لا تكاد تتعقب له خطى لفرط سعيه .

حكاية الاسلام مع الناس معروفة لا يجحدها جاحد ولا يغمطها غامط : دين تنزل قبل خمسة عشر قرنا على قوم ليس لهم من قيم التحضر سوى خلتين : الكرم إلى حد الاسراف الفاحش والشجاعة إلى حد الجود بالنفس تلو النفس في سخاء لا يعرف حيلة ولا جبنا ولا هلعا ولا فزعا .

دين بسط نفوذه في سنوات معدودات على أكبر إمبراطوريتين تتقاسمان النفوذ الدولي يومها ببرهان العقل وسلطان الخلق العظيم جلب إليه اليهود والنصاري والوثنيين من كل بيئة وعرق رغم إعترافه بما سبقه من رسل وديانات وكتب فلم يزد على تقديم نفسه كونه  » متمما لمكارم الاخلاق  » و كونه  » لبنة  » أخيرة في صرح حضاري تليد إلهي المصدر بشري التنزيل .

دين لم ينهزم في مناظرة عقلية أبدا رغم نفوره من خطاب التناظر وإيثاره لخطاب التحاور.

دين لئن تصرمت حبال مؤسساته السياسية ـ رمز وحدة أمته ـ مرات كثيرة فإن عقيدته وعبادته وخلقه ومعاملاته وحضارته وثقافته ظلت قوية فتية تصارع الامواج العاتية وتنتصر عليها .

دين سجل عجيبة من عجائب الدهر وغريبة من غرائب الانسان يوم إعتنق الفاتح المنتصر المدجج بسلطان قواته وجبروته دين المغلوب المقهور مستباح العرض والمال والارض إستباحة ضجت منها دجلة التي أضحى ماؤها مدادا أسود وماء الفرات دما قانيا : المغول في بغداد.

دين عجيب من طينة عجيبة لا تزيده الضربات إلا قوة وبحسب قوة الضربة يستعيد قوته .

دين يستيقظ هابا هادرا كأنما نشط من عقال في فجر ذات اليوم الذي يحتفل فيه أعداؤه بدفنه.

تلك هي حكاية الاسلام بإختصار شديد .

كيف ينتصر الاسلام اليوم وعلى من  ؟

قبل الحديث في ذلك لا بد من الرجوع إلى الخلف قرنا كاملا تقريبا .

سقطت الاندلس في أروبا وطرد الاسلام منها شر طردة ولكن كعادته دوما يغري عدوه بدفنه والتخلص منه لفرط تماوته وسرعان ما تولد الحياة فيه من ذات الموت الذي غيبه .

وبعد ذلك بأربعة قرون فحسب سقطت خلافته العثمانية فهوت القنطرة التركية التي تصل الشرق بالغرب وفي الاثناء لم ينج بلد إسلامي واحد تقريبا من الاحتلال العسكري ثم جلا هذا ليترك الباب مفتوحا أمام غزو ثقافي كان هو الاخطر والانكى على الامة منذ يوم  » إقرأ بإسم ربك « .

 

هل تظن أن الاسلام بتلك المعطيات في وضع حرج ؟ كلا وذلك هو السر الذي دوخ كل مراقب سواء كان منصفا أو محشوا بهتانا لا بل حير الصديق والعدو في آن .

أول إنتصارات الاسلام اليوم : مقاومة الاحتلال على سائر إمتداد البلاد الاسلامية :

لا يصلح هنا إيراد الامثلة لان الاحتلال العسكري الاروبي خاصة بسط نفوذه على كل المعمورة الاسلامية مترامية الاطراف من جاكارتا حتى طنجة في كل النجاد والوهاد سوى الحجاز تقريبا وظلت تلك الحال ما يقارب قرنا كاملا ونصف قرن حتى إطمأن كل عدو للاسلام على موته ودفنه وفي ربيع ذلك الاطمئنان نشبت المقاومة فكانت إسلامية حقة قحة بأسرها بل إن جل من أسسوا كتائبها منتسبين إلى العلم الاسلامي بوجه عملا ودعوة فلم تبال بآلاف مؤلفة من الشهداء في سفوح الجبال وإذا خانها من حين لاخر هنا أو هناك اللجوء إلى بعض المناورات السياسية فلا يغمط كل ذلك حقها الاسلامي نشأة وتسييرا كما لا يغمط حقها أن قطفت ثمار دمائها نخب إما نشبت فيها سموم التغريب والعلمنة أو كانت أردأ من أن تتولى الحكم فقها لادارته . لا يكاد يخلو بلد إسلامي اليوم لا يذكر برجل أو رجال من أولئك ولكن ألتزم التلخيص هنا خوفا من الاسهاب.

ثاني إنتصارات الاسلام اليوم : مقاومة الغزو الفكري الغربي على سائر إمتداد البلاد الاسلامية:

شأن كل مغلوب كما يقرر العلامة المرحوم إبن خلدون يولع ولو مؤقتا أو جزئيا بتقليد غالبه فضلا عن دهاء الاحتلال الاروبي في تبديل رحى الهجوم من عسكري إلى ثقافي … خضع العالم الاسلامي بأسره تقريبا إلى حملة ثقافية وحرب فكرية شرسة لم تكن أمينة ولا أخلاقية في إدارتها للصراع لكونها غالبة ماديا ومتفوقة عسكريا فهي إلى الفتنة والاكراه أقرب . إرتكزت تلك الحرب الضارية على البنية الادارية أيام الاحتلال وعلى ميوعة تلك النخب التي تولت السلطة بعد نجاح المقاومة فكانت أشد وأقسى مليون مرة من كل حرب سابقة ولاحقة . فلم يك بدا للاسلام من النهوض رغم جراحات المقاومة للمقاومة من جديد فنشبت الجمعيات والمؤسسات والمنظمات والاحزاب والحركات والتنظيمات التي تقود حربا ثقافية دفاعية مضادة وسرعان ما إلتحم حولها الطلاب والمثقفون ورجال الاصلاح عموما فأطفأت كثيرا من النيران المستعرة وأخمدت حرائق أخرى أكبر وأخطر وغالبت وضارعت وصمدت ومانعت تماما كما يمانع الليث الهصور كسيرا على باب عرينه . ومهما هونت من إنتصار الاسلام هنا في هذه الجبهة فلا مناص لك من الاعتراف لتلك المقاومة الثقافية ـ مهما كنت شحيحا معها ـ بأنها لم تخسر حتى لو لم تفز ولم تتراجع ولم تضح بميراث دينها حتى لو لم تنتصر . ولا يكاد يخلو بلد من لفيف من رجال المقاومة الفكرية الذين حفظوا للاسلام تألقه رغم ضراوة النكبة ولنمر بسرعة .

ثالث إنتصارات الاسلام اليوم : تجدد الصحوة الاسلامية على إمتداد البلاد الاسلامية :

أبرز فرق كبير بين الصحوتين القديمة التي صاولت الغزو الفكري في أعقاب دحر المقاومة للاحتلال والصحوة الجديدة هو كون الاولى كانت دفاعية بالدرجة الاولى بينما كانت الثانية أي التي نحن بصددها اليوم هجومية بالاساس . الدفاع والهجوم هنا ليس عيبا في تلك ولا فخرا في هذه ولكن المقام التاريخي هو من يفرض ذا وذاك فلا يتأتى هجوم ناجح حتى يقوم على دفاع مستميت وأظن أنه حتى في مجال كرة القدم كذلك ـ والله أعلم ـ .

أبرز ما يميز الصحوة الاسلامية المعاصرة هو إنتقالها من مرحلة الدفاع عن الفكرة الاسلامية إلى مرحلة مهاجمة النظام القيمي السائد سيما الغربي منه بحكم كونه موجها عاما لما دونه غلبة.

وأبرز مظاهر تلك المرحلة هو إقتحامها للمجال السياسي عملا وأداء شعبيا ونخبويا ثم مغالبتها بذلك عبر الانتخابات المحلية والبرلمانية في أعلى مراكز القرار والنفوذ . ذلك يعني أن الاسلام الذي تستند إليه تلك الصحوة بحركاتها وأحزابها وتياراتها ليس دين الشعب في مساجده وإجتماعياته فحسب  بل هو دين الدولة في سياساتها العسكرية والدولية والامنية والاقتصادية والتربوية والصحية والسكنية والعلمية . لا فائدة الان من التذكير بالنجاحات الكبيرة جدا التي حققتها الصحوة الاسلامية في العقود الماضية القليلة في ذلك المستوى لانه لم تتح فرصة مماثلة حتى إنتصر فيها الاسلام في أكثر البلدان الاسلامية التي تفوق الخمسين .

ربما كانت البداية بالجزائر ثم بتونس وأخيرا في مصر وفلسطين وبين ذلك توصل الاسلام عبر صحوته إلى الحكم في تركيا بالكلية والسودان وأفغانستان  وفي بلاد أخرى بالاشتراك سيما حيث بقية من حرية من مثل الكويت ولبنان وماليزيا وأندونيسيا والمغرب وغير ذلك لا يحصى .

لقد وصل الامر حدا أربك بجد تخطيطات أعرق وأضخم مراكز الدراسات الاستراتيجية والامنية في أمريكا وأروبا لا بل وصل الامر حدا وضع لاول مرة في التاريخ الغربي الحديث ـ تاريخ ما بعد ما يمسى عصر التنوير والنهضة ـ قيم الديمقراطية وحقوق الانسان في ميزان الريب بسبب إضطرار الغرب ـ سيما أمريكا وأوروبا ـ إلى الالتفاف على تلك القيم بغرض ملاءمتها لخدمة الفلسفة الغربية المادية ـ يونانية الاصل ـ دون أن يستفيد من ذلك الاسلام الذي صرحت ذات تلك الدوائر ممثلة في أمين عام حلف الناتو قبل عقد من الزمان بأنه العدو المقبل بعد حركة البروسترويكا والقلاسنوست التي أجهضت حلم ماركس ولينين وستالين وإنجلز فضلا عن فرويد ودوركائم وأذيال عربية  » مسلمة  » أخرى كثيرة حزها اليتم حزا في النحور .

رابع إنتصارات الاسلام اليوم : إقتلاع وشيك لسرطان الصهيونية في فلسطين والشرق:

لو قلبت الامر من كل جوانبه لالفيت عجبا عجابا لا ينقطع فالسرطان الصهيوني في فلسطين مغروز بقوة الحديد والنار ومفروض بالقانون الدولي وتجبى إليه إستحقاقات الهولوكوست بدون حساب حتى إن المدفوع للكيان المغتصب اللقيط سنويا من أروبا وحدها يفوق ميزانية قارة بأسرها تضم عشرات من الدول والحكومات وعشرات الملايين من البشر . كيان تخدمه عشرات من المنظمات الدولية بدء بمنظمة الامم المتحدة ومجلس الامن وبخس الفيتو وتؤمن له التفوق العسكري وحق إمتلاك الاسلحة النووية المدمرة الفتاكة دون غيره وترهب كل دول العالم التي تناهز مائتين وحكوماتها لفرض الاحترام له وعقد التمثيلات الدبلوماسية والصفقات الاقتصادية الرابحة على مقاسه هو وحده وهواه هو وحده وخدمة مصالحه هو وحده . كيان لايزيد عدد مواطنية الفعليين عن بضع عشرات من مئات الالاف ولا يزيد معتنقي ديانته عن ذلك وهو مركوز في قلب الامة جغرافيا وحضاريا وإقتصاديا منذ نصف قرن لم يجرؤ أشد الحكام العرب بأسا وبطولة على مجرد تهديده فضلا عن حربه حتى أضطروا جميعا ليس لمجرد القبول به بل على الاعتراف بمشروعه الاستيطاني التوسعي لا بل لحماية حدوده من كل الجوانب فكانت معاهدة إسطبلات داوود ثم وادي عربة واليوم توشك سوريا بعدما فرطت في الجولان أن تزهق روحها لصنع إسطبل ثالث فيها ولولا حزب الله لاضحى لبنان بأسره مزرعة آمنة لشارون .

تدبر ذلك مليا وأحشد له كل المعطيات الاخرى بكل تفاصيلها التي لم ترد هنا لتدرك معنى نجاح المقاومة الفلسطينية المسلحة في دحر توسع ذلك الاحتلال وتكبيده خسائر رهيبة بحجارة يلتقطها صبي من الارض ليس أكثر وفي غضون عمر صغير قصير لتلك المقاومة لا يزيد عن عمر ذات الصبي اليافع : عقدا ونصف فحسب . إضطرت الادارة الامريكية في ذلك العمر القصير إلى المناورة عبر أكثر من ثلاث مخططات لتجنب إندحار الاحتلال بالكلية كان آخرها خارطة الطريق وتم كل ذلك في وقت تخلت فيه أو تكاد تقريبا أعرق منظمة فلسطينية تأسست لغرض المقاومة المسلحة على يد المرحوم أبي عمار عن المقاومة  لا بل لم تكتف بالتخلي بل تحول قادتها الامنيون إلى ضباط مخابرات عند العدو الصهيوني . تدبر الواقع العربي المحيط بها لتلفى تكأكأ عجيبا ضدها من مصر التي تحمي حدود الصهاينة أن يتسلل إليها مجاهد مصري إلى الاردن الذي سهر ملكه نديما لشارون في ضيعته الخاصة حتى قبيل إغتيال سيد شهداء العصر الامام يسن فجرا وصولا إلى البحر المتوسط المدجج بالبوارج الامريكية والاروبية تؤمن السلامة لاسرائيل .

أليست معجزة أن يخرج العدو من غزة صاغرا بعدما أنهكه أهلها هناك بالحجارة والاجسام الادمية المفخخة ليس إلا ؟

إسرائيل بعد شارون ووحل أمريكا في مستنقع العراق وأفغانستان وتحلق ألف سؤال إستنكاري حول خطتها في محاربة  » الارهاب والتطرف  » من لدن حلفائها الاروبيين وغيرهم وبعد تحرير غزة والتخلي عن حلفائها في الجهاز الامني الفلسطيني لفتح ـ أو كثير من قادته على الاقل ـ بحكم فوز حماس وعوامل أخرى كثيرة … بدأ نجمها في الافول بل توشك أن تقتلع من أرض فلسطين ولو بعد سنوات أخرى غير طويلة .

بودي لو أني أستمع ـ ورب الكعبة ـ إلى تحليل مخالف تماما تماما كما أود إلى الاستماع إلى أن ذلك ليس من باب المعجزات الرحمانية ولكن على منهج القرآن الكريم  » ونري فرعون وهامان وجنودهما ـ منهم ـ ما كانوا يحذرون  » . معجزات بإذن رحماني وصنع بشري .

خامس إنتصارات الاسلام اليوم : للرسول رب يحميه بذات ما حمى به كعبته يوما :

إندلعت شرارة الانتفاضة الاسلامية الراهنة في الارض بأسرها ضد إهانة محمد عليه السلام من خلال الرسوم الساخرة في الدانمارك أساسا وما كان يتوقع أحد منهم ولا منا تقريبا بأن تسجل ذلك الانتصار المدوي لامة الاسلام .

إنتصار مدو بكل المقاييس من مظاهره تجند عدد غير يسير من الدول والحكومات العربية من أجل فرض قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة المعتدية وإعلان المقاطعة الاقتصادية لوارداتها رسميا وشعبيا وغير ذلك من الاجراءات الاخرى المشروعة دفاعا عن النفس التي لا تحيا دون قيم ومثل تختارها مريدة حرة .

إنتصار مدو بكل المقاييس من أبرز نتائجه حالة تخبط شنيعة في مؤسسات الحكم الدانماركي لم يستطع أن يؤجل الاعتذار الرسمي ويلتف عليه سوى لايام معدودات تحت مرجل الانتفاضة الاسلامية العارمة لم تفرق بينها مسافات لغة ولا مذهب ولا طائفة ولا ملة ولا غنى ولا فقر ولا حكم ولا معارضة ولا إختلاف هنا أو حرب هناك .

إنتصار مدو سجلت فيه موازين الاقتصاد الدانماركي خسائر مهولة تقدر بالمليارات يوميا وهو ما دفعهم يهبون مذعورين كالفئران عندما يداهمها السيل يذهب بما جمعت من محاصيل وإدخرت .

إنتصار مدو جعل بقية الحكومات الغربية والاروبية تحسب ألف ألف حساب لكل مغامرة جديدة يبوء بإثمها صحافي مغمور هنا أو هناك

إنتصار مدو جعل الادارة الامريكية وكثيرا من حكومات  ودول العالم الغربي والاروبي فضلا عن مؤسسات دولية كبيرة معتبرة تنحاز إلى جانب المسلمين ومقدساتهم حتى والحرب مندلعة ضدهم فوق كل شبر أرض تقريبا .

إنتصار مدو جعل الفكر الغربي يعدل من غلوائه ويطامن من كبريائه وهو يتباهى بحرية التعبير وكان يحسب من قبل أن طرد القيم ودوس الاديان والاستخفاف بالغيب يمكن أن يبرر بتلك الحرية .

إنتصار مدو ستدوي جنباته بعد حين عندما يدخل الناس من قلب أروبا بإذنه سبحانه في دين الله أفواجا والسبب حماقات غربية وأروبية إعتدت بقوتها فعدت وظلمت فحاق بها قانون الله الغلاب.

إنتصار مدو لانه جمع كلمة المسلمين من كل طائفة ومذهب ولغة وموقع حول ثوابتهم المقدسة في زمن هم في أشد الحاجة إلى التوحد حول تلك المقدسات .

إنتصار مدو جاء رافدا لفرحة المسلمين بفرحتهم بنجاح حماس ومن قبلها إخوان مصر وقبل ذلك الاندحار عن غزة وثبات المقاومة العسكرية في فلسطين وفي العراق وأفغانستان .

إنتصار مدو يبت في روعنا جميعا درسا واحدا كبيرا : الامة لا تخسر معاركها الرابحة أبدا مهما كان تفوق عدوها عددا وعدة . درس عنوانه : ليس علينا سوى إختيار المعارك الرابحة أما تجييش الجيوش لربحها وحسمها بأقل الخسائر فليس من مشمولاتنا .

درس كبير يقول : المقدسات المقدسة من شأنه هو وحده سبحانه ينصرها بمن شاء وكيفما شاء ووقتما شاء فما علينا سوى إختيار تلك المعارك بحكمة ودقة وقوة وحرية .

درس يقول : من حمى كعبته العزلاء من جيش أبرهة بعدما صاح عبد المطلب في الناس : للبيت رب يحميه … من حمى بيته الاعزل من جيش من الفيلة يضع كل واحد منهم حجرا واحدا في خرطومه من أحجار الكعبة فإذا بها يباب وخراب وقفار كأن لم تكن …

من حمى ذلك بجيش من الطير الابابيل … بسلاح لم يكن ليخطر على أخطر الناس ذكاء وقادا ..

من فعل ذلك هو ذاته من يحمي نبيه الكريم عليه السلام من سخرية الدانمارك والناس أجمعين .

لم يتغير في النصر سوى السلاح أما الناصر فهو هو حي لا يموت وقدير لا يعجزه شئ

لم يتغير سوى السلاح : كان لحماية البيت الشريف معجزة من السماء واليوم لحماية النبي الكريم عليه السلام معجزة من الارض . معجزة إسمها الانسان المسلم وليس سوى الانسان المسلم .

تلك هي تباشير دورة حضارية إسلامية جديدة

وتلك هي بعض مظاهرها وبعض إنتصاراتها في الارض وفي العقل

أفليس جديرا بنا أجمعين بعد كل ذلك بأن نقول : إنتصر الاسلام تماما كما إنتصر بالامس البعيد والقريب . إنتصاره ليس رهين وجود نبي بعدما ورث الانسان كتاب النبي ممن إصطفي .

إنتصاره ليس رهين جهاد سابق بالخيرات بل بالفاجر ينتصر الاسلام وبالظالم لنفسه لا بل بالظالم لربه ولغيره .

تلك هي معطيات اليوم أما غدا فلا زالت به الايام حبلى ولكنها ستنبجس حتما من آيتين هما :

 » سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق  »

 » ولتعلمن نبأه بعد حين  »

إنتصر الاسلام وسيظل منتصرا حتى في يم هزيمته النكراء حين يصلي عليه عدوه صلاة الجنازة بطريقته الخاصة متهيئا لدفنه يفاجئه كعادته دوما بإنتفاضة مدوية يفر لهولها مذعورا لا يلوي على شئ .

على من ينتصر الاسلام اليوم وغدا ؟.:

إنتصر الاسلام ولكن على من : على الجهل به أولا ثم على السحر الغربي الذي يتدثر بحرية الاعلام والتعبير ثانيا

إنتصر الاسلام وينتصر على الظلم أما الكفر فهو لا يبالي به أصلا

من أراد من أعداء الاسلام أن ينتصر به الاسلام دون رغبة منه فما عليه سوى قمعه

هل سأل أحد عن فرعون الذي نضحى ونمسي على بدنه بيننا اليوم في معطيات الثورة الاعلامية الهادرة ؟ هل سأل أحد عن قصة هذا الرجل الذي نجى ببدنه ؟ ماهي حكايته ؟

هل سأل أحد عن الرجل الذي بسببه يعيش بيننا اليوم فرعون بدنا محنطا كانه الان يحتضر ؟

هل سأل أحد عن موسى عليه السلام أين هو ؟

هل سأل أحد اليوم عن عدد أتباع وأنصار فرعون وعدد وأنصار موسى عليه السلام ؟

أنصار موسى اليوم ـ عليه السلام ـ مليار ونصف من المسلمين وكثير من غيرهم فكم هم أنصار فرعون ؟

وإنتصر الاسلام …

الهادي بريك / ألمانيا

 


 

لماذا تفضل نساء المسلمين عمرو خالد على ابن رشد وفولتير؟

إقبال الغربي   إن المتأمل في المشهد الإعلامي يلاحظ أن «ظاهرة الدعاة الجدد»  ليست جديدة في حد ذاتها وأنها ليست وليدة السنوات الأخيرة. لكنها بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، مع تزايد أعداد الجمهور، وانتشار الصالونات الإسلامية، ودروس المساجد، ثم القنوات الفضائية، هذا الوسيط الإعلامي والواسع الانتشار. ومما يلفت الانتباه علاقة الدعاة الجدد بالفنانات المعتزلات ورجال الأعمال المتدينين. وتتجاوز هذه العلاقة الأطر الشخصية والذاتية لتنسج علاقات موضوعية، وصلات تبادل، ودعم، بين مراكز تجمع دينية جديدة تختلف عن الجماعات الراديكالية، وتختلف أيضا عن المؤسسة الدينية التقليدية، وبين فئات اجتماعية تملك الرأسمال الرمزي (الشهرة) أو الرأسمال المادي (الثروة) ولكنها تفتقد إلى المشروعية الدينية.   و تعتبر ظاهرة عمرو خالد ظاهرة طريفة. ويُعد عمرو خالد أول داعية إسلامي يستخدم القنوات التلفزية وشبكات الانترنت في عمله الدعائي. ويناقض عمرو خالد الشاب النموذج المعتاد للخطيب الإسلامي بابتسامته وصغر سنه وزيه الغربي الأنيق. بل وتعدّت شعبيته لدى فئتي الشباب والنساء شعبية الفنانين والمغنيين المشهورين وحاز موقعه على الشبكة على زوار أكثر من مواقعهم. بل إن الارتباط بعمرو خالد واستضافته المكلفة هو نوع من الوجاهة الاجتماعية التي تحرص عليها الأسر المصرية الثرية.   و سنحاول في هذا المقال فهم أسباب تعلق نساء المسلمين بشخصية عمرو خالد وافتتانهن به، وهو ما حوله إلى معبود للجماهير النسائية. ومن المعروف أن فهم أي ظاهرة اجتماعية يستدعي إلقاء نظرة متأنية و عميقة لسبر أغوارها.   النساء اللواتي يتعاطفن مع الخطاب الأصولي المعادي لهن استبطنّ عبوديتهن ودونيتهن. فهم ضحية العنف الرمزي. هذا العنف الهادئ اللاورائي واللامحسوس حتى بالنسبة لضحاياه. ويتمثل العنف الرمزي في مشاركة الضحية في تصورات جلاديها عن نفسها وعن المجتمع و عن العالم واعتبارها هياكل الهيمنة والاستغلال من المسلمات و الثوابت. فالعنف الرمزي هو الذي يجعلنا نعتبر دونية المرأة لا كواقعة تاريخية وثقافية بل كظاهرة فطرية طبيعية لا تحتمل المسائلة والتشكيك وعكسها هو العجب!   السؤال المطروح الآن هو من المسئول عن هذا الوضع وما هو المخرج منه؟ توجد عدة عوامل موضوعية و ذاتية معقدة و متداخلة تجعل المرأة المسلمة تتشرب الخطاب الأصولي. نذكر منها     العزلة الاجتماعية:   تؤكد « آنا ارندت » في وصفها الدقيق للنظم الشمولية أن ما يتميز به رجل الحشد ليس البربرية أو التخلف الذهني بل العزلة التي يعاني منها وافتقاره لعلاقات اجتماعية صحية مع الآخرين.   تشكو المرأة في بلاد المسلمين من العزلة الاجتماعية. إذ تتميز المجتمعات الحديثة بتآكل النسيج الاجتماعي وبسيادة الفردانية خاصة في المدن. فالتمييز « الجندري » الذي تعاني منه المرأة في مجتمعاتنا يفرض عليها الاعتزال والتهميش ويتنكر لحقوقها ويجعلها غريبة ومشردة في المدينة لا حق لها في الشارع أو في الفضاءات العامة إلا لمدة سويعات قليلة. وهذه الظاهرة تعكس قمعا ذكوريا صارخا ما زلنا نشهد بعض فصوله حتى اليوم في كل مكان من العالم العربي الإسلامي: فنحن لا نزال نعتبر المرأة كائنا هشا ينبغي إخفاؤه. بل إننا إلى اليوم نعتقد وعيا أو لاوعيا أنها الضامنة لشرف الأمة والمجتمع وهي المؤتمنة على رأسمال العائلة الرمزي. والمفارقة أن شرف العائلة لا يتلوث بسلوكيات العائلة وتصرفاتها  و أخلاقياتها بل يتلوث فقط بعلاقة حقيقية أو توهمية بين المرأة ورجل أجنبي. و من هنا يصير تقييدها أو تحجيبها ضرورة. فأي حركة منها بالاتجاه الآخر سوف يعتبر تهديدا لقيم الأجداد والأسلاف. فالمجتمع العربي يفرض قيوداً اجتماعية متنوعة على النساء. وهذه القيود تبقي النساء محاصرات ضمن حدود ضيقة يقررها ويديرها الرجال.   وغالبية الرجال دائما يسلبون المرأة حقوقها المعنوية والإنسانية من منطلق أن المرأة كائن أنساني مخلوق لتأدية وظيفة الحمل والولادة وتربية الأولاد ورعاية شؤون الزوج… ولو حسبنا ساعات عملها في المنزل نجدها أنها تعمل أكثر من ثمانية ساعات يوميا وحيدة في البيت تهتم بشؤون الأسرة وتدبير المنزل. وهي تكرر نفس الأعمال الرتيبة ذاتها طوال أيام حياتها دون أي مقابل إذ لا يحسب هذا عمل مأجور. كما تحتقر هذه المهام النسائية وتعتبر المرأة غير منتجة وعالة على الزوج.   و تجدر الإشارة إلى أن بعض الآراء في الأمم المتحدة تقر بوجوب اعتبار إدارة البيت والحمل والولادة وتربية الأطفال وظيفة اجتماعية مدفوعة الأجر كي لا يستحوذ الرجل على عمل المرأة وهو مقتنع أنها تعمل ضمن وظيفتها البيولوجية لا غير. والجدير بالذكر انه حتى في حالة خروج المرأة إلى العمل فشغلها يعتبر جائزا عند الضرورة. فيبقى عملا مغتربا مختزلا في بعده المادي لا غير.   وفي هذا السياق تلعب الأعراف الاجتماعية دوراً كبيرا في فرض هذه القيود ولا تترك مجالات كثيرة لحراك المرأة. و من هنا يظل البيت الفضاء النسائي بامتياز. وهو ما يفسر تسمر المرأة أمام التلفزة التي تصبح نافذتها الوحيدة على العالم.   وهو ما يفسر مع عوامل أخرى: التماهي والفتنة التي يمارسها عليها الدعاة الجدد.    التصورات الدينية:   كل شيء في تصوراتنا التقليدية يناضل لتنمية عداء المرأة واحتقارها. والمشروع الأصولي الاسلاموي هو التعبير المكتمل لتقليدية وتخلف مجتمعاتنا العربية الإسلامية. المشروع الأصولي الاسلاموي يطمح إلى شطب المرأة دورا وجسدا وصوتا،  ويتعاضد مع التصورات الشعبية السائدة التي تحتقر المرأة و تحقد عليها.   شعور المرأة العميق بدونيتها والمعاناة الناتجةعن ذلك ينقلت بحيلة لا شعورية معروفة إلى نقيضه، إلى شعور بالتعالي وبالتعاظم الديني والأخلاقي الذي يعطيها وهم التفوق على الآخرين. الخطاب الأصولي يتكفل بالتلاعب باحباطات المرأة ويمنحها تبريرات طبيعية وبيولوجية ودينية وأخلاقية لوضعيتها. هذا الخطاب التعويضي والتضليلي يضمد جرحها النرجسي ويوحي لها ويوهمها أن دورها طبيعي وأن الخروج عنه شذوذ وكفر. كما أن عبوديتها هي « مهمته المقدسة » وأمر صادر عن الله لخيرها وخير عائلتها وخير مجتمعها.     البحث عن هوية:   نعلم أن الانتماء إلى مجموعة يستخدم لتحديد مكانة الفرد ولإشباع حاجته بالانتساب والاعتراف به ولتحديد هويته الاجتماعية.   حينئذ تصبح جمهور الداعية جماعة مرجعية تقدم للمرأة التي شكت في نفسها وتبحث عن هويتها منظومة تفسيرية لفهم العالم والتحرك فيه. فهي توجه وتنظم التصرفات والاتصالات الاجتماعية.وتسودها الامتثالية، أي قبول الفرد لوجهة نظر الأغلبية وتوفيق آرائه مع آراء الجماعة توفيقا معلنا أو ضمنيا. ويمكن لهذا الفرد تحت ضغط الجماعة المرجعية أن يتبنى أحكاماً غريبة تتعارض مع البداهة الإدراكية والواقع الموضوعي، كما بين ذلك عالم النفس لاش في تجربته الشهيرة عام 1951. فتفرض هذه المجموعة سلطتها وعقائدها وتستبعد الرافضين والمعارضين وتتجه لتأسيس كتلة متجانسة ملتحمة متعصبة ومكتفية ذاتيا.   الانترنيت والهاتف يمثلان الوسيلة المثالية للتواصل المعقم والمنفصل عن الآخر داخل هذه المجموعة والمتناغم مع بنيتنا الاجتماعية الحالية. فهذا النمط من التواصل الافتراضي يسمح بعلاقة مع الآخر دون لقائه، أي دون معاناة أخطار التواصل الحقيقي واللقاء الفعلي والاحتكاك الجسدي. وطبعا، يتلاءم هذا النوع من التواصل الذي يرفض خوض تجربة الغيري،,مع التزمت ألعلائقي التقليدي الذي يفرض موانع و حواجز لا حصر لها بين الأفراد. لكنه في المقابل يفتقر إلى مقومات التواصل الأصيل والصراع المعرفي الذي يتيح مساءلة النفس والنقد الذاتي وتجاوز المركزية الذاتية والجمود الذهني. فالتواصل الحقيقي يتغذى من التفكير المعمق والتحليل والتمعن الدقيق والتشريح وتخمر المقولات والأطروحات.      نقائص المنظومة التعليمية   الاستخدام الأداتي للعقل الذي سلطت عليه الضوء « مدرسة فرنكفورت » وسيادة العقلانية الآلية والنفعية والكمية في كبتها للانفعالات في احتقارها للأبعاد الكيفية والذاتية تثير نوعا من الصدمة المرتدة أي عودة المكبوت الانفعالي في شكل تدفقات روحانية وهوس صوفي. استبعاد قيم الشرف والضيافة والتضحية والحب واختزال الحياة الإنسانية في بعدين وضيعين:  إنتاج همجي  واستهلاك حيواني هو الذي يؤدي إلى رفض متشنج للحداثة وإلى البحث عن ملذّات لاعقلانية تعطي معنى قيمياً للحياة..   السياسات التعليمية التي تثمن الاختصاصات العلمية والتقنية وتمجدها على حساب التربية والأفكار والفن وتطمح إلى إلحاق المدارس بالمؤسسات الصناعية تصنع تكوينا سطحيا وغير متماسك،  نفعي و غير نافع، ينتج عنه شعور بالفراغ يمكن له أن يُملأ بسهولة بأية فكرة هوامية. وهذا ما يفسر تماهي بعض النساء المثقفات بالداعية الاسلاموي. التفكك الذي ينخر النسيج الاجتماعي وافتقاد المعالم الهادية تفاقم الصراع بين الأجيال والتوتر الذي تعيشه المرأة الحائرة في البيت من جراء تزعزع الأدوار العائلية التقليدية، تدفعها دفعا إلى البحث عن أب اجتماعي يحميها من غوائل مجتمع يتفكك ويجعلها تطلب الاحتماء من تبعات الواقع ومهامه الصعبة بخطاب ماضوي، تبسيطي ومثالي يعطيها حلولا جاهزة لكل تناقضاتها الحياتية. بينما المطلوب اليوم لمواجهة هذه الظاهرة تخصيص حصة من الوقت لدراسة العلاقات بين العلوم ولطرح القضايا الكبرى والرهانات الشاملة ولإعطاء معنى للحياة: من نحن، ما هو العقل، ما هو المجتمع، الحياة، الكون…الخ. التكوين المتعدد الاختصاصات هو الوحيد اليوم القادر على الرد على الأسئلة التي يعجز العلم بمفرده على الإجابة عنها.    التهميش السياسي : ناضلت المرأة واستشهدت واعتقلت في سبيل الوطن إلا أنها لا زالت تهمش على الساحة السياسية. فالمرأة الجزائرية مثلا ناضلت ضد الاحتلال الفرنسي ولعبت دورا هاما في نجاح الثورة الجزائرية إلا أنها أقصيت من إدارة الشأن العام بعد الاستقلال. والمرأة الإيرانية المغدورة، ناضلت ضد الدكتاتورية وساهمت في إسقاط حكم السفاك السيئ الذكر واعتقلت وعذبت وقتلت وكان جزاءها بعد نجاح الخميني الرجم والعقوبات البدنية البربرية. و تاريخ لبنان المعاصر يشهد على الأدوار النضالية المتعددة للمرأة إلا أن المواقع السياسية لا تزال حكرا على فئات محددة إما قريبات ساسة سابقين أو مقربات من ساسة حاليين. وهذا ما يطرح إشكالية المشاركة السياسية للمرأة في العالم الإسلامي.   صحيح أن العديد من الحكومات منحت المرأة العديد من الحقوق القانونية وأهدتها معظم المطالب التي كانت تناضل من اجلها الحركات النسوية التي ظهرت في بدايات القرن الماضي من حق التعليم والعمل والتحكم في الإنجاب وتعديل القوانين الأسرية. ولكنها في المقابل اغتصبت من هذه الحركات الواعدة استقلاليتها السياسية وسلبتها حسها النقدي. فقد قامت الحكومات باحتواء الحركة النسوية ووقع إفراغها من محتواها التحرري والمساواتي وذلك بإلحاق المنضمات النسوية بالأنظمة وبالأحزاب الحاكمة وبتشكيل جمعيات نسائية صورية ومعقمة تردد شعارات جوفاء تسودها الرتابة والرقابة ولا تقنع المرأة بالانخراط فيها.   و قد حالت هذه الوضعية دوّن تشكل بؤر نسائية قادرة على الاضطلاع بنشاطات مطلبية مستقلة، وصياغة خطاب حقوقي نسائي يجعلهن أقدر على التعبير عن أنفسهن بدرجة واضحة.   و قد أدت هذه السياسات الشمولية إلى تضييق الفضاء العام أمام النساء وإلى إضعاف قدراتهن النضالية مما حوّلهنّ إلى لقمة سهلة للخطابات وللشعارات الاسلاموية وفريسة سائغة لدعاتها.       ahikbal@yahoo.fr  

المصدر موقع شفاف الشرق الأوسط بتاريخ 7 فيفري 2006

 

 بإمكانكم الإطلاع على كتابات أخرى للدكتورة إقبال الغربي على النفس الموقع بإتباع الوصلة التالية:

 

http://www.metransparent.com/authors/arabic/ikbal_al_gharbi.htm


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

16 février 2004

Accueil TUNISNEWS   4 ème année, N° 1367 du 16.02.2004  archives : www.tunisnews.net المؤتمر من أجل الجمهورية: بيان حركة النهضة بتونس:

En savoir plus +

20 juillet 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 7 ème année, N° 2250 du 20.07.2006  archives : www.tunisnews.net El Maoukef : Derrière les

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.