الأربعاء، 10 مايو 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2179 du 10.05.2006

 archives : www.tunisnews.net


حزب العمال الشيوعي التونسي; الدكتاتورية النوفمبرية تمنع الاحتفال باليوم الوطني لمناهضة التعذيب البديل الأسبوعي: المحامون يدخلون في اعتصام مفتوح الشروق: مجلس النواب يُصادق على قانون إحداث معهد أعلى للمحاماة الجزيرة.نت: باكستان تعلن اعتقال تونسي على صلة بالقاعدة الجزيرة.نت: عشر سنوات سجنا لمتهمين على صلة بتفجير معبد بتونس الصباح: انتخاب تونس عضوا في مجلس حقـوق الانسان لمنظمة الأمم المتحدة وكالة تونس افريقيا للأنباء: انتخاب تونس عضوا بمجلس حقوق الانسان للامم المتحدة :برهان ثقة كبيرة من المجموعة الدولية الشرق الأوسط: تونس تخصص 1.57 مليار دولار من عائدات اتصالات تونس لتسديد ديون خارجية ابراهيم عبد الصمد: حصار مضروب حول ذكرى اغتيال نبيل بركاتي. محمد الهادي الزمزمي: الشيخ الحبيب اللوز من مقاول بناء الجدران إلى داعية لبناء الإنسان (الحلقة 2) فتحي بيداني: العودة خيار مرحلي في اطار المشروع العربي القاسمي: شتّان ما بين عادت وعاد  البديل الأسبوعي: ماذا يجري في الاتحاد العام التونسي للشغل؟ما هكذا يكون الاحتفال بغرة ماي! البديل الأسبوعي: المنتدى الاجتماعي التونسي: التأسيس ثم بعد! محمد العروسي الهاني: لمسة وفاء لروح المناضل الكبير الحسين الحاج خالد المقاوم رقم 1 والسجين الأصغر في الكفاح القدس العربي: باولو كويلهو في تونس بمناسبة المعرض الدولي للكتاب:أملنا كبير في قدرتنا ككتّاب علي إيجاد حوار فقده السّاسة وعجزوا عنه من زمان! رويترز: طارق البشري: السلطة القضائية في مصر تواجه امتحانا عسيرا المصري اليوم: أبوالفتوح: الوهابية أشاعت مناخ التطرف بجلابية قصيرة ومظاهر كاذبة
العربية.نت: سعودية تتعرض للضرب لرفضها خلع الحجاب علنا في مطار ألماني توفيق المديني: جدل غربي حول الأزمة النووية الإيرانية د. توفيق قريرة: في ليالي الصيف برهان بسيس : وكالة «قالــوا» للأنبــاء محمد ماضي: هل انفرد الإسلاميون بساحة المعارضة؟ فهمي هويدي: ليسوا هواة انتحار أو دعاة موت
علي طه النوباني: لماذا يغذي الغربُ منابع الارهاب والتطرف؟


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 
 
اضراب جوع  
اليوم الأربعاء 10 ماي  2006  دخل جملة من المساجين السياسسين – حركة النهضة- اضرابا عن الطعام بالسجن المدني 9 أفريل وبرج الرومي …
 , احتجاجا على حرمانهم من حقهم في اتصال القضاء , حيث أنهم حوكموا أكثر من مرة علىنفس التهمة .
الهاشمي بكير.. محمد بو عزة ..خالد الدريسي .. نبيل النوري .. ماهر سلمان .. دانيال زروق .. فرج الجامي .. حسين الغضبان .. عادل بن عمر .. علي الغضبان .. الشاذلي محفوظ .. لطفي السنوسي .. صادق العكاري .. حمادي العبيدي .. عبد الرؤوف البدوي ..    علما وأن قائمة المكررة أحكامهم و الذين حرموا من حقهم في اتصال القضاء تجاوزت حد الآن 32 اسما …….
 
(المصدر: مراسلة بتاريح 10 ماي 2006)

بمناسبة الذكرى 19 لاغتيال الرفيق نبيل بركاتي:

الدكتاتورية النوفمبرية تمنع الاحتفال باليوم الوطني لمناهضة التعذيب

 

منعت الدكتاتورية النوفمبرية يوم الأحد 7 ماي 2006 الاحتفال باليوم الوطني لمناهضة التعذيب الذي يوافق الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد المناضل نبيل بركاتي، عضو حزب العمال الشيوعي التونسي، الذي عُذب حتى الموت بمركز شرطة قعفور في ما بين 29 أفريل و8 ماي 1987 على إثر

توزيع منشور للحزب حول الوضع العام بالبلاد. وكان وقتها الجنرال زين العابدين بن علي وزيرا للداخلية في حكومة بورقيبة.

وهذه أول مرة يمنع فيها الاحتفال بذكرى استشهاد نبيل بركاتي التي تحولت منذ 1994 وباقتراح من الدكتور منصف المرزوقي، الرئيس الأسبق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إلى يوم وطني لمناهضة التعذيب. فعلى مدى التسع عشرة سنة المنقضية كان مناضلات ومناضلو الحرية من مختلف التيارات الفكرية والسياسية يتوافدون على مدينة قعفور من مختلف أنحاء البلاد. ورغم كل العراقيل الأمنية التي كانوا يجدونها في الطريق (التثبت في الهوية، احتجاز أوراق السيارات، استفزازات…) كان معظمهم يتمكن في نهاية الأمر من الوصول إلى مقبرة « البراكتة ». وهناك يضعون إكليلا من الزهور على قبر الشهيد ويتعاهدون على مواصلة المعركة من أجل الحرية والديمقراطية ومن أجل اجتثاث ممارسة التعذيب من تونس ومحاسبة المسؤولين عنها أمرا وتنفيذا

.

ولكن هذه السنة منعت الدكتاتورية إقامة الذكرى منعا باتا. فقد انتصبت منذ فجر الأحد 7 ماي أعداد غفيرة من أعوان البوليس السياسي معززة بأعوان من البوليس بالزي والحرس بمنافذ المدن الرئيسية للبلاد ومنعت بالقوة المناضلات والمناضلين من مغادرة تلك المدن (بنزرت، تونس

، جندوبة، باجة، سليانة، نابل، القيروان، سوسة، المنستير، صفاقس، جبنيانة، قفصة إلخ..).

وحتى القلة القليلة من المناضلات والمناضلين الذين تمكنوا من الإفلات من مراقبة البوليس وبلوغ مدينة قعفور رُدوا على أعقابهم مباشرة. وقد أوقف البوليس السياسي يوم الأحد على الساعة السادسة صباحا 7 طلبة اقتطعوا تذاكرهم وكانوا يهمون بامتطاء القطار المتوجه إلى قعفور للمشاركة في الذكرى واُحتـُجزوا بمركز الشرطة شارع شارل ديغول حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. كما أوقف على الساعة الثامنة صباحا عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس (مؤتمر التصحيح) كمال عمروسية واحتجز بنفس المركز. وقد حصلت في أكثر من مدينة مشادات بين

البوليس السياسي وبين جموع المناضلات والمناضلين الذين منعوا من التحول إلى قعفور التي عاشت حالة حصار لمدة يوم كامل.

ويمثل المناضلات والمناضلون الذين شملهم المنع مختلف القوى السياسية والمدنية بالبلاد: حزب العمال الشيوعي التونسي، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الحزب الديمقراطي التقدمي، التيار الناصري الوحدوي، حزب العمل الوطني الديمقراطي، التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، الاتحاد العام لطلبة تونس (مؤتمر التصحيح)، اتحاد الشباب الشيوعي التونسي. بالإضافة إلى عدد كبير من المناضلات والمناضلين المستقلين الذين ينتمون إلى قطاعات عدة، إعلامية ونقابية وثقافية

.

وقد أعادت صورة المدن والطرقات التي يحاصرها البوليس والتثبت في الهويات والمنع من التنقل والمراقبة اللصيقة، أعادت يوم الأحد 7 ماي إلى الأذهان صورة المدن الفلسطينية وخصوصا في غزة والضفة الغربية وهي تـُحاصر من قبل الجنود الصهاينة ومواطنوها يفتشون في الحواجز ويمنعون من المرور. كما أعادت إلى الأذهان صور المدن الجنوب إفريقية أيام نظام الميز العنصري وهي تخضع للمراقبة والحصار. وليس في هذه المقارنة مبالغة. فرغم الفارق في كثافة الظاهرة واتساع ضحاياها بالنسبة إلى فلسطين وجنوب إفريقيا، فإن طبيعة الممارسة واحدة وهي منع حرية التنقل. ومن الملاحظ أن ظاهرة محاصرة المدن ومنع حرية التنقل ما انفكت تتفاقم في تونس. فكم من مرة حوصرت العاصمة وسُدّت منافذها لمنع تجمع أو مسيرة دعت إليها المعارضة الديمقراطية. وكم من مرة حوصرت القيروان أو جندوبة أو قفصة أو قصيبة المديوني أو بنزرت أو الكاف أو قعفور وغيرها من المدن ومُنع الدخول إليها على مناضلات ومناضلي الحرية. وكم من مرة أيضا « اُحتجز » مناضلات ومناضلو فروع الرابطة في جهاتهم ومنعوا من التنقل إلى العاصمة لحضور اجتماع أو مجلس وطني دعت إليه الهيئة المديرة

.

ويأتي منع إحياء اليوم الوطني لمناهضة التعذيب والاحتفال بالذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الرفيق نبيل بركاتي في سياق اشتداد القبضة الأمنية للدكتاتورية النوفمبرية على البلاد وعلى الحياة العامة. فقبل يوم واحد من الذكرى حاصر البوليس السياسي مقر الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات التي أقامت يوما تضامنيا مع الرابطة ومنع بعض رموز المجتمع المدني من دخول المقر. وقبل ذلك بيومين أي يوم الجمعة 5 ماي حاصرت قوات أمنية كثيرة مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالعاصمة ومنعت مناضلاتها ومناضليها من الاحتفال بالذكرى الـ29 لتأسيسها واعتدت بالعنف الشديد على بعض مسؤولي الفروع. وفي يوم 3 ماي سدت أعداد كبيرة من البوليس السياسي كل المنافذ المؤدية إلى مقر الإذاعة والتلفزة بشارع الحرية بالعاصمة ومنعت تجمعا دعت إليه هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة واعتدت على عدد من المناضلات والمناضلين

.

ولا تزال الاعتداءات مستمرة إلى حد كتابة هذه الأسطر. ففي صبيحة يوم الثلاثاء 9 ماي حاصر البوليس السياسي مدعوما بفرق مختلفة من قوات الأمن قصر العدالة بتونس واعتدى بالعنف الشديد على المحاميات والمحامين بمن فيهم العميد وأعضاء الهيئة الوطنية الذين كانوا معتصمين احتجاجا على القانون الخاص بمعهد المحاماة الذي تسعى السلطة إلى تمريره دون استشارة القطاع. وقد واجه المحامون هذا الاعتداء بشجاعة وجرأة وقرروا الدخول في اعتصام مفتوح بدار المحامي

.

وبطبيعة الحال فما ذكرناه ليس سوى عينات مما جد خلال الأسبوع الأخير وهي عينات من وضع عام تعيشه البلاد منذ سنوات وخصوصا منذ مهزلة أكتوبر 2004 الرئاسية والتشريعية. فالقمع تفاقم بشكل ملحوظ عاكسا سعي الدكتاتورية النوفمبرية المحموم إلى تشديد قبضتها الأمنية على المجتمع الذي بدأت عديد القطاعات منه تنهض لتحتج وتطالب. وإذا كان للتصعيد الفاشستي الذي نعيشه منذ مدة من معنى فهو أن الدكتاتورية النوفمبرية لم يعد لها من رد على مطالب المجتمع الاجتماعية والسياسية سوى لغة العصا. وهو ما يؤكد أزمتها المتفاقمة. وإذا كان بن علي وطغمته الفاشستية يعتقدان أن تشديد وتيرة القمع سيرهب الشعب وقواه الحية فإنهما على خطإ كبير، إذ أن ما يمارسانه من قمع سيعجل، على عكس ما يتوقعان، بسقوطهما. فالإضرابات تتواتر (11 ماي إضراب التعليم الأساسي، 18 ماي إضراب التعليم الثانوي إلخ…)، والاحتجاجات تزداد يوما بعد يوم (المحامون، القضاة، الصحفيون، العاطلون عن العمل من أصحاب الشهادات العليا…) والقوى السياسية والمدنية تتوحد باطراد (هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات). ومن المؤكد أن بؤر الاحتجاج الاجتماعية والسياسية والحقوقية والثقافية والشبابية والنسائية المتفرقة

والمحدودة اليوم ستتسع غدا مع تطور الوعي وتتحول إلى تيار جارف يكنس الدكتاتورية بما تعنيه من قمع واستغلال وفساد ونهب وعمالة.

إن حزب العمال يستغل هذه المناسبة ليهيب مجددا بكل القوى التي لها مصلحة في الحرية السياسية وفي الديمقراطية أن تدرك خطورة الوضع الذي تمر به البلاد حتى تنبذ خلافاتها وتكتل جهودها وتساعد الشعب التونسي على تنظيم صفوفه لتسريع ساعة خلاصه

.

 

تونس في 9 ماي 2006

 

حزب العمال الشيوعي التونسي

 

(المصدر: « البديل الأسبوعي »، عــدد 10 بتاريخ 9 ماي 2006  يصدر عن قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي)

 


 

إنا لله وإنا إليه راجعون

 

الأخ الفاضل عزالدين بن نصر – الجوالي – في ذمة الله

 

 بمزيد من الحزن والأسى، وبقلوب حزينة وبعيون باكية، ولكنها راضية بقضاء الله وقدره. تنعى حركة النهضة أحد أبنائها الأخ الفاضل عزالدين بن نصر – الجوالي – القاطن بحي الجواولة بقابس من مواليد 1955. والأخ المرحوم عزالدين سجين سياسي وعامل بالمركب الصناعي بقابس سابقا. وهو أب لـ 4 أبناء أكبرهم طالب بالجامعة التونسية. وقد وافت المنية الأخ عزالدين على اثر جلطة دماغية صبيحة يوم الأثنين 8 ماي 2006. وقد عاش المرحوم ظروفا قاسية داخل السجن ولم تنته بخروجه منه بل تواصلت معه والتي أثرت عليه وكانت سبب وفاته.

 

وبهذه المناسبة الأليمة تتقدم حركة النهضة بأخلص التعازي إلى أهل الفقيد وزوجته وأبنائه وإخوانه راجين من الله العلي القدير أن يرزقهم ويرزقنا جميعا الصبر والسلوان وأن لا يفتننا بعده وأن يتقبل الله أخانا في عليين مع الشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا. وأن يجعل معاناته ذخرا له في ميزان حسناته تبلغه مرتبا عليا في عليين. وأن يجعله ممن يحق فيهم قول الله تعالي:

 

من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

 

الشيخ راشد الغنوشي

حركة النهضة بتونس

 

(المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 10 ماي 2006)


المحامون يدخلون في اعتصام مفتوح

 

دخل المحامون التونسيون بداية من يوم الثلاثاء 9 ماي في اعتصام مفتوح بدار المحامي بالعاصمة احتجاجا على القانون الخاص بالمعهد الأعلى للمحاماة الذي مررته السلطة في نفس اليوم عبر مجلس النواب. وهو قانون يعتبر المحامون أنه يضرب استقلالية مهنتهم وينزع عن الهيئة الوطنية للمحامين سلطة الإشراف على القطاع بما يمنحه لوزارة العدل ووزارة التعليم العالي من دور حاسم في تسيير ذلك المعهد والإشراف عليه

.

وقد بدأ المحامون اعتصامهم في الصباح بقصر العدالة بالعاصمة ولكن أعدادا غفيرة من البوليس السياسي المعزز بفرق أمنية أخرى داهمتهم واعتدت عليهم بمن فيهم العميد الأستاذ عبد الستار بن موسى وأعضاء الهيئة الوطنية. ولكن مئات المحامين المتواجدين بالمكان خرجوا إلى شارع باب بنات واعتصموا به لمدة تقارب الساعة رافعين شعارات التنديد والاحتجاج: محاماة حرة حرة والبوليس على برّة، يا نظام يا جبان المحامي لا يهان، بالروح بالدم نفديك يا حرية، لا عاش في تونس من خانها

وقد تحول عميد المحامين مصحوبا بأعضاء الهياكل إلى مقر مجلس النواب بباردو لتبليغ موقف المحامين من القانون إلى النواب الذين كانوا بصدد النظر فيه ولكن البوليس السياسي أرجعهم على أعقابهم. وعلى إثر ذلك اجتمع العميد بالمحامين بدار المحامي وأبلغهم قرار مواصلة الاعتصام الذي انطلق منذ الصباح

.

وتجدر الملاحظة أن العميد وأعضاء الهياكل حاولوا في الصباح مقابلة الوزير ولكن البوليس السياسي حال دون وصولهم إلى الوزارة مستعملا معهم العنف

.

 

عاشت المحاماة حرة مستقلة

 

(المصدر: « البديل الأسبوعي »، عــدد 10 بتاريخ 9 ماي 2006  يصدر عن قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي)

 


 

مجلس النواب يُصادق على قانون إحداث معهد أعلى للمحاماة

 

* باردو ـ الشروق :

 

شهد مجلس النواب مساء أمس سجالا حول مشروع تنقيح القانون المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة والذي يتضمن اضافة لفصول قانونية تشرّع لبعث معهد أعلى للمحاماة.

وقد انتهى المجلس بعد نقاش مستفيض الى المصادقة بالأغلبية على نص المشروع المقترح من الحكومة علما وان المصادقة قد شهدت اعتراضا لـ12 نائبا منتمين لعدد من أحزاب المعارضة واحتفاظ آخرين في حين شهدت المصادقة على الفصول هي الأخرى جملة من الاعتراضات يمكن ضبطها على النحو الآتي: (الفصل 2 : اعتراض 1 واحتفاظ 8) و(الفصل 1 : 6 احتفاظ و7 اعتراض) والفصل 3 (13 احتفاظات) والفصل 4 : 6 احتفاظات واعتراض وحيد.

وأتى النواب في نقاشهم على أهمية القرار الرئاسي بإحداث معهد أعلى للمحاماة الذي كان مطلبا من اهل المهنة منذ سنوات سابقة وتراوح كلام النواب بين القبول بنص المشروع المفتوح والمطالبة بمزيد من التريث وارجاء النظر فيه لفترة أخرى بما يُسهّل توفير المزيد من الوقت لتقريب وجهات النظر بين وزارة العدل وحقوق الانسان وتجاوز ما اعتقد البعض أنه اختلاف أو سوء تأويل وعدم اتفاق حول بعض فقرات الفصول القانونية المعروضة، ودعا عدد من النواب الى ضرورة ترسيخ الحوار وتبادل الآراء والحرص على الابتعاد عن كل مظاهر التشنج او القطيعة.

وفي الجهة المقابلة اعتبر بعض النواب ان معارضة نص المشروع المقترح تقوم على اعتبارات سياسوية ضيّقة ومصالح بغاية السيطرة على تسيير هذه المؤسسة الوطنية وبالتالي خدمة بعض الأهداف المحدودة وغير المهيئة مما يجعل من الضجة حول المشروع ضجة مفتعلة.

 

* ردود وتوضيحات

وفي رده على النواب أشار السيد بشير التكاري وزير العدل وحقوق الانسان الى المكانة الهامة التي يوليها رئيس الدولة لمهنة المحاماة والتي كرّستها عدة اجراءات وقرارات وقال الوزير انه لا يحق لأحد مهما كان ان يؤوّّل الارادة السياسية للدولة على اعتبار ان كل القوانين تعرض على المجالس الدستورية.

وأشار الوزير الى ايمان الوزارة بالحوار وتقديرها للمحاماة وبخصوص القوانين المتعلقة بهم فقد تكونت لجنتان الاولى لتدارس ملف بعث معهد أعلى للمحاماة والثانية لبحث ملف التغطية الصحية للمحامين. وأفاد الوزير، ان اللجنة الاولى قد عقدت ما بين 6 او 7 جلسات وأعدت التصورات وقد تم اعتماد عدد هام من هذه التصورات التي تم تقديمها في الصياغة النهائية للنص مثل اقتراح مبدإ الدخول الى المعهد عن طريق مناظرة وضرورة ان يكون المجلس العلمي ذي تمثيلية ثلاثية.

وأكد الوزير على ان الحوار كان معمّقا وثريا ومتواصلا وان الاختلاف الذي نشأ نجم عن خلط في المفاهيم بين التكوين والترسيم في المحاماة.

وأشار الوزير الى ان مهمة المعهد هي اعطاء تكوين علمي يؤهل لمهنة المحاماة وان الوزارة لا دخل لها في الترسيم الذي يبقى من مشمولات الهيئة الوطنية للمحامين.

وقال الوزير ان من دواعي بعث هذا المعهد هو ما تمت ملاحظته من نقائص على مستوى شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة في كليات الحقوق فتم الاقرار بتعويض هذا النظام بمعهد عال للمحاماة الدخول اليه يكون عبر مناظرة وطنية.

وأفاد الوزير ان المعهد هو مؤسسة عمومية ادارية ولا يمكن ان يكون الا كذلك لأن حتى صيغة مؤسسة ذات نفع خاص لا يمكن اعتمادها وليست مجدية لأنها ستحوّل المعهد الى القطاع الخاص. أما عن اشراف الهيئة على المعهد فذلك غير ممكن وخاصة من حيث الكلفة المالية وقال الوزير ان المعهد يتطلب مصاريف تقارب المليار سنويا وهو ما يجعل من المعهد مسؤولية مباشرة للدولة.

وأكد الوزير على أهمية مبدإ المساواة بين الراغبين في الدخول الى مهنة المحاماة دون اي اعتبار سياسي او انتخابي.

وقال الوزير ان من أهداف بعث المعهد هو وضع حدّ للدخول العشوائي لهذه المهنة وايجاد محامين قادرين على المنافسة حتى خارح تونس.

وأكد الوزير في خاتمة مداخلته على ان الوزارة لم ترفض الحوار وانها ستبقى مستعدة لمواصلته بخصوص النصوص الترتيبية.

 

* خالد الحدّاد

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 10 ماي 2006)

 


 

بعد أيام من اتهامات أميركية لها بالقصور

باكستان تعلن اعتقال تونسي على صلة بالقاعدة

 

أعلنت مصادر حكومية باكستانية أن عناصر من الاستخبارات الباكستانية أغارت على مخبأ في منطقة وزيرستان القبلية واعتقلت تونسيا ومسلحين إسلاميين اثنين على صلة بتنظيم القاعدة.

 

وذكر مسؤول أمني في مدينة بيشاور رفض الإفصاح عن هويته أن التونسي ويدعى عبد الرحمن ورفيقيه اعتقلا في شمال وزيرستان الواقعة على الحدود بين أفغانستان وباكستان.

 

وأضاف المصدر أن البحث عن المسؤول التونسي في القاعدة بدأ قبل عدة أيام مشددا على أن الموقوف مسؤول مهم في القاعدة.

 

وأثنى مسؤول أمني في إسلام آباد على المعلومات حول اعتقال التونسي رافضا إعطاء مزيد من التفاصيل حول هويته.

 

وتأتي عملية الاعتقال بعد أيام قليلة من اتهامات أميركية لباكستان بأنها لا تفعل بما يتوجب عليها في ملاحقة الجماعات الإرهابية على أراضيها خاصة المنطقة الحدودية مع أفغانستان وهو ما نفته إسلام آباد بغضب واعتبرته تنكرا لجهود في محاربة الإرهاب.

 

(المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 10 ماي 2006 نقلا عن وكالة أسوشياتد برس)


 

عشر سنوات سجنا لمتهمين على صلة بتفجير معبد بتونس

 

 قضت محكمة إسبانية بالسجن خمس سنوات على باكستاني وإسباني أدينا بالتورط في هجوم انتحاري على معبد يهودي بجزيرة جربة جنوبي تونس في أبريل/نيسان 2002.

 

وحكمت المحكمة على كل من الباكستاني أحمد روخسار (41 عاما) الذي يعيش بإسبانيا والإسباني إنريكي ثيردا إيبانيز (43 عاما) بعد إدانتهما بتهمة التعاون مع « منظمة إرهابية » هي « الجيش الإسلامي لتحرير الأراضي المقدسة ».

 

وقد قاد حينها أحد أفراد التنظيم الموصول بالقاعدة هو نزار نوار عربة مشحونة بالغاز داخل المعبد قبل أن يفجرها حسب وثائق المحكمة.

 

وأدى الانفجار الذي نسف أقدم معبد يهودي بشمال أفريقيا إلى مقتل 14 سائحا ألمانيا وخمسة تونسيين وفرنسيين اثنين.

 

وكانت محكمة تونسية قبلت السبت الماضي طلب الدفاع بأن تؤجل لأسبوع من محاكمة عم نزار الذي اعتقل بعد التفجير مباشرة.

 

ويواجه نزار -الذي أجلت محاكمته مرة أولى في أبريل/نيسان الماضي- تهم التوطؤ لشن عملية إرهابية, وقد يحكم عليه بالإعدام في حالة إدانته.  

 

(المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 10 ماي 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

 


 

انتخاب تونس عضوا في مجلس حقـوق الانسان لمنظمة الأمم المتحدة

 

نيويورك(وات) – تم امس الثلاثاء في نيويورك وخلال جلسة عامة انتخاب تونس عضوا في مجلس حقوق الانسان لمنظمة الامم المتحدة الذي يتركب من 47 دولة يقع انتخابها لمدة ثلاث سنوات. وقد فازت تونس بأرفع نسبة من الاصوات لانتخاب هذا المجلس.

 

ويعد هذا النجاح الباهر لتونس تقديرا للنظرة الشمولية لحقوق الانسان للرئيس زين العابدين بن علي وايمانه بتكامل أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وبضرورة نشر ثقافتها في جميع المستويات.

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 10 ماي 2006)

 


انتخاب تونس عضوا بمجلس حقوق الانسان للامم المتحدة :

برهان ثقة كبيرة من المجموعة الدولية

 

تونس 10 ماي 2006 (وات) – انتخبت تونس بتالق عضوا في مجلس حقوق الانسان لمنظمة الامم المتحدة بجنيف يوم 9 ماي باحرازها عددا مرتفعا من الاصوات بلغ 171 من 191 صوتا.

 

وجاء في بلاغ صادر عن وزارة الشوءون الخارجية ان تونس تعرب عن الارتياح لبرهان الثقة الكبيرة التى اكدتها المجموعة الدولية والتى تترجم ايضا اقرار امم العالم بجهود تونس المثابرة لفائدة حماية حقوق الانسان والنهوض بها وفق مقاربة متوازنة تشمل الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية

 

وقد عملت تونس بلد التسامح والحوار على الدوام على الدفاع عن القيم الكونية وقضايا الحرية العادلة والكرامة الانسانية

 

وتجسم التزام تونس الثابت والنابع من اعتقاد راسخ في الانسان من خلال مسار متواصل من الاصلاحات على الصعيد الوطني اقرها الرئيس زين العابدين بن على! وعزز بها دعائم مجتمع يقوم على العدالة والتضامن

 

وتدعم العمل التنموي القائم في تونس على تعزيز الثقافة الديمقراطية والتعددية السياسية! بفضل تكريس دولة القانون والمشاركة الفاعلة لمجتمع مدنى نشيط ومسوءول

 

كما تميزت تونس بدور قوامه الاعتدال في العلاقات الدولية الى جانب مبادرات رائدة توجت كلها بالنجاح على غرار الدعوة الى انشاء صندوق عالمي للتضامن لمكافحة الفقر والتهميش فى العالم وتنظيم قمة عالمية حول مجتمع المعلومات بهدف وضع المعلومة والمعرفة في متناول كافة الشعوب وكل المواطنين

 

وتعبر تونس عن ابتهاجها بهذا التتويج العالمي لنظرتها التقدمية لحقوق الانسان وتجدد استعدادها للعمل بالتعاون مع سائر الامم وكل النوايا الحسنة للارتقاء بحقوق كافة مواطني العالم في العيش الكريم واللائق ولاعلاء القيم الاصيلة كالحرية والتضامن والسلم والتقدم الاقتصادي والاجتماعي في عالم تزول منه مظاهر الظلم والتعصب والتطرف .

 

(المصدر: موقع وكالة تونس افريقيا للأنباء بتاريخ 10 ماي 2006)

 


تونس تخصص 1.57 مليار دولار من عائدات اتصالات تونس لتسديد ديون خارجية

 

تونس ـ رويترز: قالت الحكومة التونسية أمس ان ثلثي عائدات أكبر عملية خصخصة في البلاد لشركة اتصالات تونس المقدرة بنحو 2.34 مليار دولار سيخصص لتسديد جزء من ديون تونس الخارجية.

وبلغت ديون تونس الخارجية حتى نهاية 2005 قرابة 14.026 مليار دينار (10.7 مليار دولار).

 

واشترت شركة تيكوم ديج الاماراتية نهاية مارس (اذار) الماضي حصة 35 بالمائة من شركة اتصالات تونس في صفقة قيمتها 3.052 مليار دينار (2.34 مليار دولار).

 

وأضافت المصادر قولها إن «إن الثلث المتبقي والذي يقدر بنحو 1.01 مليار دينار (780 مليون دولار) سيوظف للمساهمة في انجاز المشاريع الكبرى للبنية الاساسية بما يعزز مقومات التنمية المتوازنة». وتجاوزت عائدات هذه الصفقة قيمة خصخصة مؤسسات حكومية طيلة 20 سنة كاملة والتي لم تتجاوز 2.5 مليار دينار.

 

وكان البنك الدولي قد نصح الحكومة التونسية باستثمار عائدات خصخصة اتصالات في تسديد جزء من ديونها الخارجية.

 

ولدى شركة الاتصالات التونسية أكبر شركة من حيث الايرادات والارباح في تونس نحو 4.8 مليون عميل للخطوط الجوالة والثابتة حسب آخر الارقام في بلد يبلغ تعداده عشرة ملايين نسمة ويسيطر على حصة 72 بالمائة من سوق الهاتف الجوال.

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 10 ماي 2006)

 


حصار مضروب حول ذكرى اغتيال نبيل بركاتي.

 

ابراهيم عبد الصمد

 

في كامل تراب الجمهورية اجتهدت  قوات الامن الداخلى بجميع اصنافها في عرقلة وصول عشرات المواطنين  الى الطرق المؤدية الى بلدة قعفور  في شمال وسط البلاد حيث مرقد الشهيد نبيل بركاتي

الذي  تمت تصفيته من طرف عناصر من الامن منذ 19 سنة.

 

وقد تعددت اشكال العرقلة وايقاف السيارات  قبل انطلاقها  وذلك بتعلات  واهية وعن طريق فرق المرور التي تتخفى وراءها شرطة امن الدولة حتى   تطهر المخالفات وكانها مخالفات مرور لا اكثر وان لا طابع سياسي  للتدخل..الا ان تعدد المواجهات  وتوقيتها الواحد وفي اماكن مختلفة من تراب الجمهورية ويوم الاحد 7 ماي بالذات جعل المهزلة واضحة وهي ان الاجهزة الحاكمة او السلطة لم تعد تحتمل  حتى مجرد الذهاب لمقبرة للترحم على  الاموات…التعبئة عامة من تونس العاصمة الى بنزرت الى القيروان الى صفاقس الى جبنيانة الى قفصة. التعليمات واحدة والامر خطير جدا..كل السيارات  المشتبه فيها بتهمة عشق قعفور اصبحت محل تفتيش واصحابها اصبحوا يمارسون نقل المسافرين بمقابل والاحزمة اصبحت فجاة ضرورية

والسياقة اصبحت مضيقة واضواء السيارات تفحص في النهار الى اخر ذلك من الترهات والاساليب البالية.

 

اعوان        امن برتب  عالية جدا كان من الاجدر ان يكونوا في مواقع عملهم للتخطيط وتنفيذ الحملات الضرورية   للقضاء على الجريمة المنظمة وجرائم العنف والاغتصاب والسرقة والحرقان الى شواطئ الموت…هذا دور الكوادر التي درست في الجامعات ودفع الشعب  الملايين في ذلك حتى يقع القضاء على الجريمة والعنف وامراض المجتمع المختلفة..ولكن عوضا عن ذلك يقع  تعبئتهم  من اجل اعتراض سيارة خاصة قاصدة قعفور للترحم على  الاموات.وذلك منذ الساعات الاولى للفجر.

 

.وطبعا هناك  وراء الصورة سيارات  بيع الخمور تسير امام الجميع ويحييها البعض رغم ما تشكله من اخطار حتى على حركة المرور  حيث تكون في 99 في المائة من الحالات  بدون وثائق وبدون تامين وسواقها بدون جوازات وفي حالة سكر مطبق…هذا ليس خطيرا اطلاقا وخروج سيارة  في حالة حسنة جدا بسائق  يدرس في الجامعة متوجه الى  قعفور وهي تابعة للتراب التونسي للترحم على فقيد عزيز..هذا هو الخطر  بعينه…

 

انا لله  وانا اليه  ديمي تور…ما دام الحياء قد انقطع…

.وعلى كل  فالقبور   ليس فيها شيء اطلاقا..وعشق الشهداء في القلب..


 

الشيخ الحبيب اللوز من مقاول بناء الجدران إلى داعية لبناء الإنسان

(الحلقة 2)

محمد الهادي الزمزمي

ما كاد الشيخ الحبيب اللوز يحطّ رحاله بباريس في تلك الغرفة المتداعية للسقوط بحي (كورونCouronnes ) بباريس حتى هبط ميدان الدعوة في عزم واجتهاد؛ فأخذ في زيارة المساجد والجوامع في مختلف الأحياء والجهات والنواحي للإلقاء الدروس والمواعظ والاتصال بأفراد الجالية الإسلامية والتعرف عليهم، واستطلاع أحوالهم. كان بعد إطلاعه على أوضاع العمال المهاجرين قد حمل همهم واستشعر واجب مؤازرتهم والعناية بهم والمساعدة في حل مشكلاتهم.

ظل على تلك الحال متنقلا بين المساجد والحلقات في مختلف الأماكن والمجامع يرشد ويوجه ويحض الناس على طاعة الله وحسن عبادته والتأسي بهدي نبيه محمد صلى عليه وسلم. كان الشيخ اللوز يرى العناية بالجالية التونسية بالخارج واجبا شرعيا محمولا على عاتق الحركة الإسلامية، لا سبيل إلى التفريط فيه أو التهاون بشأنه. وهو ما جعله يحرص على حضور مختلف الملتقيات والمناشط والمناسبات التي تجمع أفراد الجالية.

كانت غربته بفرنسا قسرية بحكم المحنة التي استهدفت رجال الحركة الإسلامية سنة 1981؛ ومع ذلك لم يكن يأبه لمرارة الغربة وشدة وطأتها عليه وعلى أهله. بل رأى في تلك المحنة منحة إلهية هيأها الله له لنشر الدعوة الإسلامية في بلاد الغرب. إذ كان يرى أن قدره في هذه الدنيا الدعوة إلى الله؛ شعاره في ذلك قوله تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت : 33].

ظل الشيخ اللوز على العهد مرابطا في ميدان الدعوة حتى آذن الله بالرجوع إلى تونس في أواخر عام 1984. عاد الشيخ اللوز إلى مسقط رأسه بصفاقس ليستأنف نشاطه الدعوي والتربوي. كانت عودته تلك فاتحة عهد جديد في انتشار الدعوة إلى الله في ربوع صفاقس وملحقاتها، فلم تمض إلا بضع سنوات حتى استحالت صفاقس أكبر معاقل الصحوة والحركة الإسلامية بالبلاد التونسية بعد منطقة تونس العاصمة.

ورغم انشغاله بالمهمة الدعوية بالجهة؛ فقد تولى المسئولية على مكتب الدعوة في قيادة الحركة ثم انتخب عضوا بمجلس الشورى؛ ومع انخراطه في مؤسسات الحركة التنظيمية كرئاسة مجلس شورى بالحركة ما بين سنتي 1988 – 1991 فقد ظلّ مرابطا على ثغر العمل الإسلامي حيث كانت الدعوة إلى الله دينه وديدنه. وكانت ملازمتُه لبعض مشايخ صفاقس وخصوصا الشيخ الطرابلسي – رحمه الله – قد تركت أثرا صالحا تبدّى واضحا فيما كان عليه من سَمْتٍ إسلامي طبع سلوكه وسيرته ومواقفه وآراءه.

لم يكد زرعُ الدعوة الإسلامية بأرض تونس يستوي على سوقه حتى جاءت محنة 1987 التي أوقد نارها وأجّج أوارها الطاغية الحالي (بن علي) يوم كان وزيرا للداخلية، حيث أدار رحى حرب على الإسلام وأهله أتت على الأخضر واليابس.

عمّت هذه المحنة القطرَ التونسي كلَّه حيث شنت الحكومة حملة اعتقالات واسعة استهدفت كافة المنتسبين للإتجاه الإسلامي – رجالا ونساء – فلم يسلم من هذه المحنة حتى المتعاطفون.

شملت الاعتقالات معظم قيادات الحركة ووجوهها وأعضائها وكان الشيخ اللوز من بين المطلوبين للإعتقال. ورغم اشتداد الطلب عليه وسعي السلطات البوليسية في اعتقاله بأيّ ثمن لمعرفتهم بمكانته في الحركة وموقعه من نفوس أهل صفاقس، وإدراكهم لعظيم دوره في نشر الصحوة الإسلامية في صفوف الأجيال الجديدة. فلم يظفروا من سعيهم ذاك بطائل.

بذلت أجهزة الأمن على اختلاف فِرَقها وتنوع اختصاصاتها جميع إمكانياتها للقبض عليه، ولكنّ الله سلّم إذ حمته العناية الالهية من شرّهم وصرفت عنه كيدهم:

وَإِذَا العِنَايَةُ لَحَظَتْكَ عُيُونُهَا فَنَمْ فَالْمَخَاوِفُ كُلُّهُنَّ أَمَانُ

هكذا تمكّن الشيخ اللوز من الإفلات من حبائل البوليس المنصوبة له في كل مكان بالقطر التونسي وطفق يباشر مهمته الدعوية والتوجيهية من موضع الاختفاء.

(يتبع إن شاء الله…)

فقير ربه محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي

(المصدر: موقع الحوار نت بتاريخ 10 ماي 2006)


صبرا جميلا فإنكم عائدون ولو بعد حين

العودة خيار مرحلي في إطار المشروع

** سؤال للأخ هادي بريك

 

بقلم: فتحي بيداني – سويسرا

Alfathi_4@hotmail.com

 

كان لي رغبة في اثراء الحوار بشان موضوع العودة , واعني بالعودة عودة تكون في اطار المشروع وبقرار جماعي  وليس شانا فرديا. لكني رايت ان هناك عودات وليس عودة واحدة  . فامسكت عن الكتابة حتى لا احسب على اي جهة من اصحاب هذه  العودات , خاصة بعد سماعي ان هناك من ارسلهم النظام التونسي الى باريس بشان تسوية ملفات من يرغب في العودة الى تونس ,  وقرأت كلاما غريبا وعجيبا على صفحات الأنترنيت . ثم بعد ذلك الأخ نور الدين ختروش يعود من جديدي لتفعيل مبادرة قافلة العودة وغير ذلك من المقالات في الغرض نفسه , ثم استوقفني مقال للأخ هادي بريك  الذي طرح الموضوع من زاوية تحليلية وبعيدا عن التجريح , فاردت ان ادفع الحوار الى نهايته حتى تتضح الصورة ويصل كل منا الى شاطئ الصواب او ما نظنه صوابا .

 

السؤال: من خلال بعض المفاهيم التي ذكرتها في مقالك اخي الهادي  » لم تسكن تلك العواطف الجياشة سوى حنينا لأمل ظل يبثه القائد العظيم المعلم عليه السلام في ان كل خطوة من خطوات الهجرة تنسج حبلا من حبال سفينة العودة .  » وقولك  » فلما عاد مظفرا  » وقولك  » خطط اذا عليه السلام للعودة فعاد منتصرا فاتحا « .

اذن من خلال هذه الأقوال وغيرها ارى ان مقال الأخ الهادي  يدور حول هذه المقدمات التي من خلالها وصل الى تلك الإستنتاجات . لأنه عندما يعتبر اننا في هجرة تساوي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام فلا غرابة ان توصله هذه المقدمات الى تلك الإستنتاجات,  والتي مفادها ان عودتنا يجب ان تكون كعودة الرسول صلى الله عليه وسلم . في حين ان هجرة الرسول كما يقول ابن عاشور  » وقد اتفق العلماء على ان حكم الأية  إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً انقضى يوم فتح مكة لأن الهجرة كانت واجبة لمفارقة اهل الشرك واعداء الدين , ولتمكن من عبادة الله دون حائلا يحول عن ذلك ولما صارت مكة دار اسلام ساوت غيرها . ويؤيدها حديث لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فكان المؤمنون يبقون في اوطانهم الا المهاجرين يحرم عليهم الرجوع الى مكة . وفي الحديث اللهم امضي لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم قاله بعد ان فتحت مكة  » انتهى كلام ابن عاشور .

 

وذكر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ستة أقوال قايس فيها العلماء وجوب الخروج من البلد الذي يفتن فيه المؤمن في دينه:

1.     ان يكون المؤمن في بلد يفتن فيه في ايمانه يُرغم على الكفر وهو يستطيع الخروج

2.     ان يكون ببلد الكفر.

3.     ان يكون ببلد غلب عليه غير المسلمين.

4.     ان يتغلب الكفار على بلد أهله مسلمون. يقول الشيخ « اذا هاجر فريق منهم فلم يعب المهاجر على القاطن ولا القاطن على المهاجر ».

5.    ان يكون لغير المسلمين نفوذ وسلطان على بعض بلاد المسلمين مع بقاء ملوك الإسلام فيها : يقول الشيخ:  » وهو ما يسمى بالحماية والإحتلال والإنتداب , يقول وهذه لا شبهة في عدم وجوب الهجرة منها.

6.     البلد الذي كثر فيه المناكر والبدع. يقول الشيخ روي عن مالك وجوب الخروج منها واستدرك قائلا غير ان ذلك قد حدث في القيروان ايام بني عبيد فلم يحفظ ان أحدا من فقهائها الصالحين دعا الناس الى الهجرة ويقول وحسبك بإقامة ابي زيد القيرواني – وحدث في مصر مدة الفاطميين فلم يغادر احد من علمائها الصالحين .

 

ويقول الشيخ : » ان بقاء المسلمين في أوطانهم اذا لم يفتنوا في دينهم مصلحة كبرى ».

 

ولمزيد الفائدة العودة للمرجع المجلد الثالث الجزء الخامس صفحة 173/181.

 

وكما ورد في كتب الأصول ان تعريف القياس  » هو الحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص بحكمها , في الحكم الذي ورد به النص لتساوي الواقعتين في علة هذا الحكم , فإذا دل نص في واقعة وعرفت علة هذا الحكم بطريقة من الطرق التي تعرف بها علل الأحكام ثم وجدت واقعة اخرى تساويها واقعة النص في علة تحقق علة الحكم فيها فإنها تسوى بواقعة النص في حكمها بناء على تساويها في علتها , لأن الحكم يوجد حيث توجد علته  » – ص 52 عبدالوهاب خلاف – فالسؤال هو اين وجه التشابه بين هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم والهجرة التي تحدث عنها الأخ الهادي ؟

وهل اصحاب الدعوات كانوا دائما بمنجئ ومنعة من الإبتلاء والمحن ؟ الأنبياء ارسلوا الى اقوامهم ليرشدوهم للإيمان بالله الواحد الأحد فتعرضوا للقتل والأيذاء , ما صدهم ذلك عن ابلاغ رسالاتهم ,  ولم يتركوا اقوامهم, فسيدنا يونس عليه السلام عندما خرج  دون إذن من الله رايت ماذا جرى له . والرسول صلى الله عليه وسلم خرج بإذن الله , ولكن خروجه لم يكن من بلاد العرب الى بلاد فارس او بلاد الروم ,  بل انتقل من مكة الى المدينة وهو دائما في الدائرة نفسها وهي جزيرة العرب , – كالمسافة التي بين بنزرت ومدنين- . فحديث لا هجرة بعد الفتح وانما جهاد ونية يجب ان يكون هذا الحديث ضابطا واطارا لأداءنا لوضع البرامج والخطط .

 

صحيح ان طرح موضوع العودة بمعنى المشروع قد تاخر طرحه كثيرا من طرف بعض الأقلام , وظني ان  بعض الذين يطلقون مصطلح العودة يقصدون بذلك عودة المشروع الذي انخرطوا فيه املا في النهوض بالحالة التونسية قيميا واقتصاديا وسياسيا  , اذ ان المشروع هو حاجة تونسية ,  لذلك كانت الأهداف والسياسات والوسائل واللأليات والهياكل استجابة للواقع الذي نشأت فيه .

اما الحالة المهجرية فهي حالة استثنائية فرضتها علينا احداث 91 والتي غاب تقديرنا فيها للمصلحة او اخطانا فيها تقدير المصلحة . لا يعني ذلك ان النظام كان على حق ونحن على باطل ,  بل النظام هو الذي اخطأ عندما منعنا من حقنا المشاركة كغيرنا في الحياة السياسية .  فلا يجب ان يتحول الإستثناء الى اصل , عندها سوف تنقلب المفاهيم-/ نحن الآن في حالة هجرة كما يقول الأخ الهادي  /  -ويختلط الأمر ونضل الطريق لا قدر الله تعالى . فالمهجر بالنسبة لنا لا يتجاوز اكثر من استراحة مقاتل او استراحة مسافر . لإن كنا قد اخطانا عندما خرجنا من ساحات المكابدة والمغالبة  فيجب ان لا نخطئ ثانية ونحول المهجر الى دار اقامة أي نحول المشروع الإسلامي من هناك الى ديار الغرب.

كما يجب علينا الا نترخص و ونتساهل ونطلق على كل من يغادر البلاد تحت اي مسمى – زواج – طلب الرزق – انه مهاجر, والا كلما تعرض احد المسلمين والدعاة الى التضييق والإبتلاء أو المحاكمة  يحزم امتعته ويولي وجهه نحو بلاد الغرب طلبا للجوء السياسي والأمان –    وهو بذلك مأجور على هجرته .

اعتقد ان هذا الفهم آن الأوان ان يراجع ويصحح  . اذا ما قيمة دور حركات الإصلاح ان لم تكن في ارضها وكذا الأحزاب والجمعيات .

ماذا سيُعد ويقدم  هذا المهاجر الجديد في مهجره ؟ هل سيستقطب رجالا من البيض من فرنسيين وسويديين والمان ….. ويجمع حوله 10 ملايين ويزحف بهم صوب تونس ؟ فيفزع معسكر الظلم كما باغة الرسول صلى الله عليه وسلم قريش بعشرة الاف مقاتل فاستسلموا له ؟؟؟.

اظن لا احد يعتقد ذلك ولكن ذكرت ذلك من باب دفع المثال للأقصى .

لقد كنا في ليبيا 92/93  كنا نقول للإخوة الذين لم تتجاوز احكامهم السنة والسنتين وننصحهم ان يعودوا الى تونس فذلك افضل لكم من البقاء في بلاد الغرب فاستجاب عدد من  الإخوة ورجع للبلاد وقضى  مدته في السجن .

لقد كنا نقول لو ان السلطات لا تحقق معنا فإننا على استعداد ان نقضي 5 سنوات داخل السجن , ولكن احكامنا كانت قاسية  جدا والتحقيق اشد من كل ذلك . اذ ان البقاء داخل البلاد كان قناعة ثابتة وحتى عندما خرجنا الى بلاد السودان كان ظننا ان الإقامة لن تطول كثيرا …..فكنا مجموعة من الإخوة مسكونين دائما بموضوع العودة ومجندين له في كل وقت وحين ولكن مشاء الله فعل . ايضا في البلاد الأوروبية كان هاجس العودة يراودننا باستمرار,  ولقد اتصلت مرة بالأخ رضا ادريس عند خروج الإخوة من السجن سنة 99 وقلت : ليكن لكم خطة مستفيدين من هذا الحدث , وكان قصدي في ذلك كسر الحاجز المضروب على الحركة الإسلامية والناس داخل البلاد .لأن المصالحة الوطنية الحقيقية لا يمكن لها ان تتحقق الا بوجود الحركة الإسلامية ,  ومشاركتها في الشان التونسي كغيرها من الأحزاب , وان اي انفراج في هذا المسعى هو بداية المصالحة الوطنية وعكس ذلك اي الإستمرار في اقصاء الحركة الإسلامية سيؤثر سلبا على كل مكونات المجتمع المدني وعلى المجتمع التونسي برمته .

والحال ان الأزمة لم تصل الى حل حتى الان الا ما كان بعامل الزمن لا بمجهوداتنا .

كان علينا وعلينا الآن ان نعطي انفسنا برهة من الزمن كمحطة نقف فيها ونعمق البحث وننظر فيه الى ماضينا  وحاضرنا  , ونحدد بعد ذلك موقفا يتناسب والمرحلة التي نحن مقبلون عليها ,  وان تكون لنا رؤية نستشرف فيها المستقبل القريب والمتوسط وفق التحولات الدولية والإقليمية والداخلية . ونتخفف قليلا من بعض الأشكال القديمة في النشاط , لأن في الحقيقة وبطريقة غير مقصودة منا حولنا النهضة التونسية الى نهضة اوروبية ,  والتي ليست هي بالأوروبية ولن تكون اوروبية لأن الأولى هي استجابة لواقعها واما الثانية فهي نشاة في غير منشئها , فنبقى نحن والمشروع الذي نحمله غرباء في بلاد الغرب . وبالتالي يمر الزمن والسنون ونبقى نراوح مكاننا  فلا نستفيد من الوقت كما ينبغي ان نستفيد منه . وكأن المشروع وانطلاقه من جديد في بلاد الخضراء يكون بقرار من هنا او هناك او ضربة حظ .

وأقول للإخوة الذين يربطون عودة المشروع بعودتهم الشخصية ,  اقول: ليس هذا المقصود , انما المقصود قبول الخصم بمبدا عودة المشروع , وهذا ليس مرتبطا بعودة الأشخاص وان كان لبعض القيادات ان تعود مع عودة المشروع  . ولا نقبل اي استثناء لأي شخص من طرف الخصم .

لذلك اقول ان لنا دورا في بلاد الغرب كما قلت في مقالة سابقة 21/10/05.

 

ومازال في النفس الكثير مما لا يسعه هذا الفضاء. 

 


العربي القاسمي:

شتّان ما بين عادت وعاد 

وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ

الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ

وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً

.  صدق الله العطيم

 

إلى أخي جلال المسروحي زوج الفقيدة….

إلى الأخت فائزة، شقيقة الفقيدة….

إلى روح الرّاحلة ثريّا طيّب الله ثراها….

و إلى كلّ مغترب تحدّثه نفسه بالعودة بشكل أو بآخر….

 

وعادت ثريا فنعم المَعاد

فشتّان ما بين عاد ت وعاد

وعادت بملء السماء ثوابا

وخاب الذي عاد من غير زاد

وعادت ثريا بكل شموخ

 تحيِّي العباد وتُحي البلاد

وعاد الذي عاد منكسرا

بطرف خفي يراعي العباد

وعادت ثريا وظل جلال

وياسين في محنة وشداد

 وعادت ثريا بلا موعد

وحلت بتلك الربوع البعاد

رغبت ثرية عن جمعنا

لنيل الجنان وكسب المراد

وحلّقت عالية في السماء

وفوق البحار وفوق البواد

وحطّت رحالك حيث اشتهيت

وحيث غرامك والشوق زاد

غنمت ثرية بعد صراع

مرير مع مرض وشداد

وصبر جميل  و شكر وحمد

وحسن احتساب وست شداد

و رمت الفراق و ظلّ جلال

صبورا رضيا كليم الفؤاد

رأينا الكرامات قبل الرّحيل

فبشرى ثريا بخير مَعاد

لئن غبت يا أخت من بيننا

ووارى الثرى الجسم دون وساد

فذكرك يغمر كل القلوب

وطيفك باق هنا يتهاد

فطوبى ثريا طواك الثرى

على العهد دون الذي كان عاد

لئن ضمّ طيب الثرى طيبك

فذكرك باق ليوم الميعاد

هنيئا ثريا مقام الشهادة

وصبرا جلال بغير نفاد

تصبّر جلال كما قد عهدنا

ولا تجعل العيش حزنا نكاد

تذكر مصيبتنا في الحبيب

محمد زعيم التّقى والجهاد

 وأمض على الدّرب لا، لا تبدل

كما بدّل الخائن حين عاد

 

 

وعادت ثريا بدون جواز

جوازها صبر وحق يراد

فطوبى ثريا بذاك المعاد

وشتّان ما بين عاد ت وعاد

 

ملاحظة : إنّي لا ألمز أحدا بهذه الخواطر، و من ظنّ ذلك فليراجع نفسة.

 

العربي القاسمي سويسرا  10.05.2006 à 19H38

 


ماذا يجري في الاتحاد العام التونسي للشغل؟

ما هكذا يكون الاحتفال بغرة ماي

!

 

أحيت قيادة الاتحاد احتفالات عيد الشغالين هذه السنة بمدينة توزر في أقصى الجنوب التونسي. وكان ذلك، عكس ما توقعته وخططت له، مناسبة لأحداث كادت تفسد الاحتفال. فكما فسر الكثير من متتبعي الحياة النقابية كان قرار إحياء هذه الذكرى بعيدا عن العاصمة محاولة من قيادة المنظمة النقابية للهروب بالاحتفال بعيدا عن مركز الحركة ليكون احتفالا رسميا وشكليا لا تحصل فيه احتجاجات أو ضغوطا أو نقدا مناوئا لها وللسلطة

.

وبعيدا عن عقلية التجريم وسوء النية كان من الممكن أن تبرمج القيادة النقابية الاحتفالات المركزية بعيد الشغالين بإحدى الولايات الأخرى غير تونس العاصمة عملا بمنطق « لا مركزية النشاط والاحتفال » وهو أمر معقول بل ومطلوب إذ من شأنه أن يعزز العمل النقابي في الجهات ولكن ما يؤكد أن نية القيادة لم تكن فعلا تطوير العمل النقابي بجهة توزر والجنوب عامة هو أن قرارها ترحيل الاحتفالات إلى هناك صاحبه إبطال الاحتفال بالعاصمة وغلق دور الاتحاد لا في تونس فقط بل وكذلك في معظم الجهات. وحتى القول بأن القيادة تركت للاتحادات الجهوية، بما في ذلك الاتحاد الجهوي بتونس، « حرية تنظيم » احتفالات، قول لا يستقيم ولا يمكن أن ينطلي على النقابيين. والسؤال المطروح هو بأي حق يحرم العمال والنقابيون من الاحتفال بواحد من أعز المناسبات عليهم علما وأن مركز ثقل الطبقة العاملة والنقابيين هو بالعاصمة؟ ثم هل يُعوض معرض يتيم أقيم قبل يوم من غرة ماي بالعاصمة وعرض فيلم هاو وإقامة ندوة إطارات بضاحية بن عروس الاحتفالات التي كان ينبغي أن ينظمها العمال والنقابيون في العاصمة؟

!

والحقيقة أن العمال والنقابيين التونسيين حرموا منذ مدة طويلة من هذه الاحتفالات جريا على السنة السيئة التي أرساها السحباني وواصلها خلفة منذ مطلع التسعينات. فمنذ ذلك التاريخ غابت الاحتفالات العمالية الجماهيرية الحاشدة وغابت الاستعراضات في الشوارع والحفلات وحتى التجمعات الكبيرة التي كانت تحتضنها قاعة بورصة الشغل وتحولت الاحتفالات إلى مجرد « حَجّة » إلى قصر قرطاج يليها تجمع شكلي ببطحاء محمد علي يلقي فيه الأمين العام كلمة تمجيدية لنفسه ولقيادته ولـ »سيادة الرئيس » وكفى! بل والأدهى من ذلك عادت عادة الهروب بالاحتفالات إلى إحدى المناطق النائية لتلافي الحضور الجماهيري والشعارات المعبرة عن النقد والغضب حتى لا تبدو القيادة في أعين المتتبعين للشأن النقابي وللسلطة على النحو الذي تخشاه

.

وبطبيعة الحال فإن مثل هذه القرارات تثير الغضب والنقمة ويمكن أن تجلب للبيروقراطية النقابية ومن حيث لا تتوقع المتاعب والنقود والاحتجاج. ورغم أن الذين حاولوا التعبير عن موقف مناهض للقيادة في احتفالات توزر لم يكونوا كلهم عمالا ونقابيين ورغم أن ما قاموا به لم يكن احتجاجا لا عماليا ولا نقابيا صادقا بل عملا استفزازيا تشتم منه رائحة تدخّل أو على الأقل تحريض خفي من السلطة ومن بعض أذنابها، رغم كل ذلك فإن القرار الخاطئ بإحياء ذكرى غرة ماي على النحو الذي اتبعته القيادة هذه السنة هو في حد ذاته أمر مدان ولا يمكن إلا أن يسبب مثل هذه الأعمال ويخلق لها مبررا

.

لماذا يمكن أن تكون السلطة وراء الأحداث؟

من الواضح أن الوضع النقابي يشهد اليوم حركية غير اعتيادية. فشهر أفريل الفارط شهد عدة أحداث نقابية بارزة تمثلت في المجلس الوطني وعقد الجلسة التأسيسية للمنتدى الاجتماعي التونسي ومؤتمر النقابة العامة للمتقاعدين وكذلك سلسلة من الإضرابات في الصناديق الاجتماعية (ألغيت في آخر لحظة). ومن المنتظر أن يشهد شهر ماي الجاري تحركات نقابية هامة في التعليم الأساسي والثانوي وفي « الستاغ » و »الصوناد » ويمكن أن تتلوها إضرابات أخرى في الصحة والمناجم. هذه الأحداث وما جد فيها وما عبر عنه النقابيون من مواقف أغضب ويغضب السلطة التي لا تحتمل أي « توتير » لحالة « السلم » و »الاستقرار » الاجتماعيين التي تتباهى بهما. ومعلوم أن النظام كان دوما يغطي على سياسته القمعية وعلى خياراته الاجتماعية والاقتصادية الرجعية بالسلم الاجتماعية الشكلية التي فرضها بالقمع على جماهير الشعب وخصوصا على العمال بتواطئ من قيادة المنظمة النقابية منذ ما يزيد عن 15 سنة. وأن تنهض الحركة الإضرابية احتجاجا على تدهور المقدرة الشرائية رغم الزيادات الشكلية في الأجور وعلى تعنت ومماطلة وزراء حكومته أمر يفسد عليه مسعاه لتلجيم الأفواه وتمرير خياراته. ويذهب في ظن السلطة أن هذه النهضة الإضرابية هي مجرد عملية تحريضية من قيادة الاتحاد أو بعض عناصرها أو على الأقل ناجمة عن تساهل منها مع القواعد النقابية. لذلك باتت تنظر إلى القيادة بشيء من الغضب وهو ما يدفعها إلى تحريض بعض أدواتها للتحرك ضد القيادة لتذكيرها بما ينتظرها إذا أمعنت في التساهل مع الإضرابات والنضالات

.

لقد فات الحكومة أن موجة الإضرابات تستمد مبرراتها من تدهور المقدرة الشرائية ومن تفاقم ظاهرة غلق المؤسسات وما ينجم عنه من طرد جماعي ومن تفشّي البطالة والتهميش ومن التضييقات على الحريات النقابية ومن تصلب السلطة أثناء المفاوضات حول المطالب الخصوصية لرجال التعليم الأساسي والثانوي وحول الزيادة في الأجور في المؤسسات العمومية (الصناديق والستاغ والصوناد وغيرها…) وأن القيادة النقابية مهما تواطأت معها لا يمكنها أن تتحكم بصورة مطلقة في إرادة النضال لدى العمال والموظفين الذين ضاقوا ذرعا بأوضاعهم ونفذ صبرهم على المفاوضات الماراطونية والمماطلات التي لا تنتهي

.

وعلاوة على ذلك فإن قيادة الاتحاد التي خرجت للتو من نقاشات المجلس الوطني الحامية حول مجمل الأوضاع لا يمكنها البتة تجاهل محطة المؤتمر الوطني القادم والذي لم يعد يفصلها عنه سوى بضعة أشهر، فكيف ستواجه نوابه إذا منعت عليهم اليوم وبصورة فجة أبسط أشكال التنفيس عبر الإضرابات التي نشهدها اليوم والتي لا يختلف اثنان في مشروعيتها وفي صحة مبعثها؟

حل ذو نتائج عكسية

تفيد الأخبار المتوفرة على الساحة النقابية أن المكتب التنفيذي للاتحاد قرر في اجتماعه الأخير تشكيل لجنة من 4 من أعضائه (علي رمضان والسحيمي والهادي الغضباني ورضا بوزريبة) والكاتب العام للاتحاد الجهوي بتوزر لتقصي الحقائق والتثبت في من نظم وقاد محاولة إفساد احتفالات غرة ماي بتوزر. ولا يستبعد أن تنتهي أعمال لجنة تقصي الحقائق هذه إلى اتخاذ إجراءات طرد أو تجميد في حق بعض المسؤولين النقابيين. ويبدو الآن أن عملية التحقيق هذه سيستغلها بعض أعضاء لجنة التحقيق وغيرهم من المحرضين على مزيد توتير الأوضاع لـ »تلبيس » هذه الأحداث لبعض النقابيين الذين يختلفون معهم في الرأي أو الذين يؤلفون حلفا أو أحلافا مناوئة لهم. وعلى قاعدة ذلك لا يستبعد أن يكون التحقيق مناسبة لتصفية حسابات نقابية ومزايدة باسم « الغيرة على المنظمة ». وفي هذا السياق فإن المتلهفين على التصفية ودعاة الإقصاء سيجدون في هذا الملف الفرصة المواتية لتجسيم نزعتهم التي قدموا شهادات حية عليها بمناسبة الحملات الانتخابية التي شهدتها عدة قطاعات وجهات في المدة الماضية

.

والواضح أن القبول بهذا المسعى أو السكوت عليه سيسمح مجددا بعودة مسلسلات التصفيات بالمبررات التقليدية التي تم اعتمادها من قبل في حملات التجريد والطرد التي ذهب ضحيتها عديد النقابيين خلال الثمانينات وفي عهد السحباني. لذلك فإن النقابيين مطالبون بالوقوف بكل حزم ضد مثل هذه الإجراءات دون أن يعني ذلك القبول أو السكوت على أعمال العنف التي مورست ضد النقابيين وضد عمال وموظفي الاتحاد في توزر يوم غرة ماي

.

إن مصلحة الاتحاد والحركة النقابية تقتضي اليوم معالجة الأسباب التي أدت وستؤدي إلى مثل هذه الانفلاتات من أجل منع العناصر المشبوهة من استغلال غضب ونقمة وبؤس عمال وعاملات صفاقس وغيرهم الذين جاؤوا إلى توزر كي يشتكوا أوضاعهم وكي يحتجوا على أداء الاتحاد في الجهة ومركزيا بخصوص أوضاعهم البائسة. ومن جهة أخرى فإن التعلق بالاتحاد وبحركة نقابية موحدة ومناضلة بحق في وجه المآسي التي يعاني منها العمال وسيعانون منها أكثر في قادم الأيام يقتضي أيضا التعامل برحابة صدر مع تعبيرات الغضب والاحتجاج وفرز الشرعي فيها من الذي تحركه أيادي خفية لا تبطن للاتحاد إلا الحقد ونوايا التهميش والتقسيم والشخصنة. وبقدر ما ينبغي إدانة التجاوزات والوقوف ضدها بقدر ما يجب التفاعل مع الاحتجاجات القاعدية المشروعة وبذات القدر يجب الوقوف بجدية لمنع استغلال تلك التجاوزات وتلك الاحتجاجات لتصفية الحسابات خدمة لأغراض زعاماتية إقصائية ولأهداف انتخابية بحتة

.

 

(المصدر: « البديل الأسبوعي »، عــدد 10 بتاريخ 9 ماي 2006  يصدر عن قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي)


المنتدى الاجتماعي التونسي: التأسيس ثم بعد

!

 

انعقدت يومي 22 و23 أفريل المنصرم الجلسة التأسيسية للمنتدى الاجتماعي التونسي تحت إشراف اللجنة التحضيرية الوقتية وبحضور عدد من ممثلي المنتديات الاجتماعية العالمية والإقليمية كضيوف وبحضور عدد كبير من المناضلات والمناضلين والشخصيات السياسية والديمقراطية والنقابية والفنانين والمثقفين والأدباء والشعراء والصحافيين. وكانت اللجنة التحضيرية ألقت كلمة لخصت فيها مختلف المراحل والمسارات التي عرفتها مرحلة الإعداد والتحضير وكذلك جملة الأهداف والغايات المرجوة من وراء بعث المنتدى الاجتماعي في تونس

.

وفي ضوء المحاور العامة التي تضمنتها كلمة الافتتاح انعقدت خلال اليوم الثاني، أي الأحد 23/07/2006 خمس ورشات عمل خصصت لإعداد مخططات نقاش حول المحاور الكبرى التي تشغل بال ناشطي المنتدى الاجتماعي التونسي. وتتمحور هذه الورشات حول انعكاسات العولمة وحركات الاحتجاج

الاجتماعي وقضايا المرأة والشباب والديمقراطية والحريات وقضايا التحرر في الوطن العربي وفي العالم والتضامن مع حركات المقاومة. وقد تميزت نقاشات هذه الورشات بدرجة هامة من الثراء والعمق رغم ما شاب بعضها من محاولة للانحراف بالنقاش إلى منازع الصراع السياسي الذي لا ينسجم مع روح الوفاق الذي يميز المنتدى الاجتماعي. وهي وللحقيقة محاولات معزولة لم تجد صداها بين الحضور ولم تؤثر سلبا في مجريات الأعمال التي تليت ملخصاتها ضمن فعاليات الجلسة الختامية عشية يوم الأحد 23 أفريل.

إلا أن ما شد الانتباه هو سوء التنظيم الذي ميز أعمال اليوم الافتتاحي وخاصة حصة السهرة الفنية التي برمجت وكان من المفروض أن يتداول خلالها عدد من الشعراء (أولاد أحمد ويسرى فراوس) على المصدح وكذلك عدد من الفرق الفنية الملتزمة. ومن مظاهر سوء التنظيم أيضا الخلط الذي ساد بين الجلسة التأسيسية وبين المنتدى ذاته مما دفع بعدد من المناضلات والمناضلين إلى الاحتجاج على عدم دعوتهم

.

ومن المآخذ التي يمكن أن تسجل حول هذه الجلسة التأسيسية هي الطريقة التي تم اعتمادها في اختتام الأشغال النهائية حيث أن عددا من المسائل العملية والتنظيمية المستقبلية لم يقع حسمها حضوريا (مثل هيئة التسيير وموعد الدورة الأولى للمنتدى والمجلس الموسع المزمع تشكيله

). ولعل الضوضاء التي أثارها البعض بنية افتكاك مواقع ضمن اللجنة التسييرية والطريقة التي اعتمدوها في النقاش هي التي عجلت برفع جلسة الاختتام على تلك الصورة.

وما يمكن قوله إن الجلسة التأسيسية للمنتدى الاجتماعي كرست مستوى هاما من التفاهم والوفاق داخل الهيئة التحضيرية التي تشكلت أساسا من ممثلين عن اتحاد الشغل والرابطة وجمعيات النساء الديمقراطيات ونساء من أجل التنمية وحركة الشباب. وقد ترجمت ورشات النقاش أيضا عن بلوغ مختلف الأطراف والحساسيات المشاركة درجة هامة من التفاعل الهادئ والجدل والصراع الديمقراطي

.

وإذا كان ذلك من المكاسب التي ينبغي تثمينها ومزيد تطويرها فإن المطلوب أكثر اليوم هو أن يكون المنتدى الاجتماعي التونسي وازعا لظهور وتطور حركات اجتماعية حقيقية مثل حركة أصحاب الشهائد العاطلين عن العمل واللجان التي كونوها والتي بدأت تكتسح الساحة. فالمطلوب أن يكون المنتدى دافعا لظهور حركات المقاومة في صفوف العمال والنساء والشباب بكل أصنافه والمهتمين بقضايا البيئة والفئات المهمشة (المعوقين وغيرهم) حتى لا يظل المنتدى الاجتماعي عبارة عن تنسيق جمعياتي فقط

.

إن الطابع المفتوح والديمقراطي للمنتدى الاجتماعي يوفر إطارا فريدا من نوعه لتبادل الآراء والتجارب بين فعاليات حركة المقاومة والاحتجاج على مآسي العولمة وآثارها المدمرة، وبمقدوره أن يعزز مشاعر الثقة بين هذه الفعاليات ويبدد مشاعر الخوف من هيمنة هذا الطرف أو ذاك

وهذه المنظمة أو تلك. كما أن طابعه الواسع والأفقي من شأنه أن يوفر فرصة لجميع الحساسيات للمساهمة بما يساعد على الحد من نزعة الخوف والريبة من « السياسة » و »المسيسين » والأحزاب السياسية.

والمنتدى الاجتماعي كفضاء نضالي فرصة لكل الطاقات للعطاء والإبداع والتعبير له، مقوماته وخصائصه التي قد تجعل منه الإضافة التي يحتاجها واقع النضال الاجتماعي في بلادنا

.

 

(المصدر: « البديل الأسبوعي »، عــدد 10 بتاريخ 9 ماي 2006  يصدر عن قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي)


 

بسم الله الرحمان الرحيم

و الصلاة والسلام على اشرف المرسلين

 

تونس في 9 / 5 / 2006

 

لمسة وفاء لروح المناضل الكبير الحسين الحاج خالد المقاوم رقم 1 والسجين الأصغر في الكفاح

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري – تونس

 

تمرّ الذكرى التاسع عشرة لوفاة المناضل الحسين الحاج خالد الذي وافاه الأجل المحتوم يوم 12 ماي 1987 عن سن تناهز 53 سنة. ولد المرحوم عام 1934 ببلدة الحنشة ولاية صفاقس وتربى على الكفاح الوطني حيث كان أبوه المناضل الحاج خالد السلامي رحمه الله رجلا وطنيا أصيلا ومستقيما وتحمل رئاسة شعبة الحنشة في الأربعينات وعندما تحصل نجله الحسين على شهادة الابتدائية عام 1947 انتقل الى صفاقس لمواصلة الدراسة وبحكم تشبعه بالروح الوطنية شرع الشبل في التحرك الميداني والنشاط المدرسي الوطني وكان من أنشط أفراد الشبيبة المدرسية الوطنية بجهة صفاقس. وركز نشاطه على العمل الدعائي وتوزيع المناشير الحزبية والرسائل والصحف التي كان يصدرها الحزب. وفي عام 1949 شارك في مظاهرة تلمذية بصفاقس وفي عام 1951 عند زيارة الزعيم الحبيب بورقيبة إلى صفاقس لتهيئة المعركة التحريرية كان الشاب الحسين الحاج خالد في سن السابعة عشرة وألقى أمام الزعيم بورقيبة قصيدة بالعربية تمجد أبطال الحركة الوطنية ورموزها وتبرز جهود المناضلين الأوفياء وصدقهم وتفضح مناورات الاستعمار الفرنسي وقد تأثر الزعيم بورقيبة بهذه القصيدة مما جعله يركز خطابه عليها وفي عام 1952 عند اندلاع شرارة الثورة المباركة في 18 جانفي 1952 على اثر اعتقال الزعيم بورقيبة وقامت مظاهرة صاخبة في أنحاء البلاد وفي صفاقس وتم إلقاء القبض على عدد من المناضلين ومن بينهم الشاب الحسين الحاج خالد .

 

سجين في سن الثامنة عشر اصغر شاب دستوري دخل السجن

 

وبقي في السجن إلى عام 1954 وقام خلال تلك الفترة بمحاولة للهرب عن طريق ثقب السجن وخرج مع مجموعة من السجناء الآخرين فارين وتفطنت السلط الاستعمارية وقامت بإلقاء القبض على الفارين واعادتهم الى السجن المدني بالعاصمة أين تم التنكيل بهم وتعذيبهم بشتى ألوان وأشكال التعذيب . وبقى المناضل الحسين الحاج خالد  في السجن إلى عام 1956 أي بعد إحراز تونس على الاستقلال التام في 20 مارس 1956 وانظم بمجرد خروجه من السجن إلى المسيرة النضالية وانتخب رئيسا لشعبة الحنشة المركزية وفي عام 1975 شرع في تركيز عديد الشعب في جهة الحنشة وجبنيانة والشابة وفي عام 1958 انتخب كاتبا عاما لجامعة جبنيانة الدستورية حسب قرار الديوان السياسي الذي قسم البلاد إلى 32 جامعة . وشرع المناضل الحسين الحاج خالد ورفاقه اذكر من بينهم بالخصوص المرحوم مفتاح السميري رئيس الجامعة و المرحوم محمد الوحيشي و المرحوم منصور امبية و محمد عاشور الزناتي رحمه الله ..شرعوا في حملة واسعة لتجسيم قرار الحزب ورئيسه بتشييد المدارس الابتدائية في كل الأرياف والقرى والدشر و المدن إيمانا من الزعيم الراحل بان أهم شيء يجب القيام بعه  هو رفع الجهل والأمية وتنوير العقول بالعلم وكان رهانا عظيما ومكسبا وطنيا للشعب وهيب من المكاسب الهامة التي خلدها التاريخ لذكرى الزعيم الراحل ، ونجح الاخ الحسين الحاج خالد نجاحا باهرا في هذا العمل وسهر على تنفيذ تعليما الحزب وكسب الرهان وانتخب المناضل الحسين الحاج خالد عضوا بلجنة التنسيق بصفاقس من 1959 الى 1970 بدون انقطاع وانتخب عضوا بالمجلس الملي اللجنة المركزية حاليا 3 مرات عام 1961 و 1962 و 1963 على الصعيد الجهوي وناضل الحسين الحاج خالد في صلب لجنة التنسيق نضالا كبيرا وكان وجها من الوجوه البارزة وطنيا وجهويا ونجح في كل المهام التي أوكلها له الحزب الحاكم دون ان يطمح يوما ما الى منصب سياسي او اداري وكان من السهل ان يصبح معتمدا او واليا لو اراد ولكنه كان دوما يقترح غيره الى مثل تلك المناصب . تلك هي همة هذا المناضل الدستوري العظيم بأخلاقه وتواضعه و عاد الأخ المناضل للنشاط الوطني عام 1978 و بقى عضوا بلجنة التنسيق حتى عام 1987 تاريخ الوفاة وهو أول مناضل أسندت له بطاقة المناضلين رقم واحد في الجمهورية .

 

و عند مرضه عام 1985 الذي أقعده علا النشاط زاره الأخ الهادي البكوش مدير الحزب آنذاك للاطمئنان على صحته وذلك رفقة المناضل احمد بالأسود الكاتب العام للجنة التنسيق بصفاقس رحمه الله . وبعد ان استعرض مع المناضل الحاج خالد رحمه الله أهم مراحل وفترات النضال الوطني ودعه الوداع الأخير وبعد اقل من يوم وحسب تعليمات الأخ مدير الحزب الهادي البكوش للأخ الأمين العام للجنة التنسيق بصفاقس أوفد الأخ احمد بالأسود عضوين من مساعديه الطاهر حموده ورجب الحنشي لزيارة المناضل الحسين الحاج خالد وتسليمه صكا به مبلغ هام وكمية من الادوية .

 

الكرامة قبل الخبز

 

لكن شهامة وكرامة المناضل الحسين الحاج خالد رحمه الله كانت أسمى وارفع ورفض الصك المالي وقبل الأدوية وقال لهم أنا لا أناضل من اجل الجزاء المادي هذا هو المناضل الحسين الحاج خالد الذي عاش كريما عزيزا وفي فترة من حياته تعب ماديا دامت 8 أعوام من 1969 الى 1978 اعتمد على الله وفكر حتى في تعاطي التجارة لكسب الرزق بعرق الجبين وشرف المهنة ولم يقل للحكومة او للحزب الحاكم ان فلانا يجب ان يأخذ الجزاء اليوم . هذا هو المناضل من النوع الرفيع من الذهب الخاص ذوق 24 كما يقولون . ويجب اليوم ان  نتذكر هذه اللحظات و الخصال و الصفة التى كانت سمة من سماته وقديما قيل : واذا كانت النفوس كبار تعبت في مرادها الاجسام . و اليوم تنوي الجامعة الدستورية  احياء ذكرى وفاته التاسعة عشر وعليها ان تبادر بدعوة السادة الذين واكبوا المناضل في مختلف مراحل حياته للمساهمة بانطباعاتهم على خصال المرحوم واقترح دعوة الهادي البكوش وقاسم بوسنية ومحرز بالأمين وزكرياء بن مصطفى و الطاهر سريب الولاة الذين تحملوا الأمانة في ولاية صفاقس عسى ان يدلوا بدلوهم حول حياة ومسيرة الرجل مع ضرورة حضور أصدقائه الذين عاشروه وهم المكي خديم الله- الحاج العجمي العروسي التومي- رمضان الحاج العكرمي- وعبد الله شفرود و الشيخ الحبيب الشهلاوي الترودي- حمدة بن عمر عضو مجلس النواب سابقا و صاحب القلم والوفاء لعل هؤلاء ما زالت لديهم ذكريات على المرحوم الكبير بعزة نفسه و نظافة مسيرته اما المقترحات الاخرى فأجدد التذكير بها :

 

1 – تسمية انهج شارع الحنشة باسمه تخليدا لذكراه

2 – العمل على المستوى الوطني و الجهوي على إمكانية ابدال اسم الحنشة القديم باسم منزل المناضل الحسين الحاج خالد .

3 – تتويج نجله الأكبر بشرف أمانة المسؤولية في البرلمان التونسي الذي كان والده المناضل له اسهامات كبيرة في انجازه .

4 – لفتة سامية لجهة الحنشة التي حرمت لوقت بعيد من تمسية في أسلاك الدولة المعتمدين والولاة وهناك شاب بقى 15 عاما كاتبا عاما للجامعة الدستورية بالجهة وهو مدير معهد ثانوي وأفنى عمره في خدمة البلاد وتجاوز عمره ال58 سنة ولم يتوج بينما في جهات أخرى هناك 8 معتمدين من جهة واحدة فالعدل السياسي مطلوب وضروري في حزب يجمع كل أبنائه دون ميزة لجهة على أخرى .

5 – ضرورة تتويج الجهة بإعادة الاعتبار لمكانتها النضالية وضرورة إحداث لجنة تنسيق وولاية جديدة تظم الجهات التالية الحنشة العامرة جبينانة منزل شاكر وملولش وربما الشابة لإعادة الاعتبار لتاريخ الجهة عام 1958 عندما احتضنت مقر الجامعة الدستورية كما أشرت.

هذه بعض المقترحات   و الملاحظات أسوقها في ذكرى وفاة المناضل الحسين الحاج خالد عسى أن تجد الدعم والتشجيع وفاءا لروح المناضل الكبير الحسين الحاج خالد رحمه الله .

 

الله اكبر و العزة للوطن والمجد للنضال الوطني والخلود للشهداء

 

قال تعالى: « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا » – صدق الله العظيم

 

محمد العروسي الهاني

ابن الجهة الوفي


 

باولو كويلهو في تونس بمناسبة المعرض الدولي للكتاب:

أملنا كبير في قدرتنا ككتّاب علي إيجاد حوار فقده السّاسة وعجزوا عنه من زمان!

حوار: شمس الدين العوني

 

ببشاشة الأطفال المعهودة لديهم وبلكنة خاصة في نطق الفرنسية، وقف السيد باولو كويلهو يحضنني قائلا مرحبا… صديقي الشاعر .. كنا علي موعد في هذا الربيع التونسي وبعيدا عن الصخب الجميل لمعرض تونس الدولي للكتاب.. بعد حصة الصور والكتب أخذ أنفاسا من سيجارة برازيلية لينطلق في حديثه…

استذكر لقاءه بالمعرض حيث قدّمه الدكتور بوبكر بن فرج مديرالمعرض قائلا:

إنه قريب منا ومن أجوائنا في الحياة وفي الكتابة .

الخيميائي، احدي عشرة دقيقة، فيرونيكا تقرر أن تموت، الشيطان والاَنسة بريم، علي نهر بييدرا هناك جلست فبكيت، الجبل الخامس، حاج كومبوستلا والزهير….. مؤلفات صنعت مجد هذا الكاتب ولمستها في هيئة جلوسه وحديثه وفي نظراته المفعمة بما هو باطني وروحي…

الكــتابة هاجس وكفي وهو لا يكـــف عن تمـــجيد أفعالها المختلفة في جغــرافيا الكـــون ديدنه الحب الإنســـاني الخـــالص قتلا للخراب…

مضينا في رحلة موجوعة بايقاع ما يحدث، بين الكتابة والنقد والذات الإنسانية والحضارة والحرب وفي الحقيقة الحديث يتسع لأمور أخري ولكن حميمية اللحظات أخذتنا إلي هوامش وجوانب أخري بعيدا عن المألوف بشأن ما يمكن أن يتعاطي به المأخوذون مع أدب كويلهو…

شكرا…. قالها بانتهاء اللقاء. تركته وفي قلبه شيء من الشرق والشعر والحب وكثير من المواقف والنصوص التي كثيرا ما تصدّت لما هو اعاقي ودمار تجاه الذات الإنسانية…

باولوكويلهو، كشف مرة أخري عن أهمية دور المبدع في كون مربك، وإليكم هذا اللقاء الحواري:

 

عرفت مؤلفاتك جمهورا عريضا من القراء في العالم العربي الإسلامي ففي أي سياق تضع ذلك؟

أولا نحن إخوة بصرف النظر عن كل مساعي بعث الفوارق بيننا من قبل المؤسسات والاَخرين. إنني أعمل جاهدا لأجل التقارب وهو شأن الكتّاب العرب الكلاسيكيين الذين عرفت كتاباتهم في البرازيل… إننا نتقاسم ذات القيم ونفس الرعب والأسئلة التي قد نختلف علي أجوبتها ولكننا نجتمع في أهيمتها وأري أن هذه الأشياء المشتركة تجعلني علي أمل كبير في أننا قادرون من منطلق التاريخ ومنجز الشعراء والموسيقيين والروائيين والفنانين بصفة عامة علي ايجاد حوار فقده الساسة وعجزوا عنه من زمان…

اختلف النقاد بشأنك فهناك من يري ثراء وأهمية ما تكتبه وهناك من يري العكس فكيف تري الأمر؟

أكتب لنفسي أولا وفيما بعد أري أن الجميع أحرار والنقد حر في حبه للنصوص أو تركها، أنا كتبت ليفهمني الاَخر بطريقة جيدة… ولا أنتظر شيئا من النقد سواء الذي يمدحني أو ذاك الذي يذمني. هذه ليست أمنياتي وأهدافي، ما أرمي إليه هو أن أكون قادرا علي أن أفهم كإنسان وهذا مهم بالنسبة لي في سياق تجربتي في الكتابة.

الكتابة كفعل حضاري في هذا الكون؟

فعلا كما قلت لك نحن لن نقدم أجوبة علي أسئلة الكون، فالأجوبة الحقيقية كامنة في كل قلب ولكن علي الأقل نستطيع تقاسم الهواجس والقضايا والاسئلة باعتبارنا مشتركين في الإنسانية التي تعيش. والاَن فإن رجال الأدب والفنانين بصفة عامة مسؤولون أمام هذه المعاني والمشتركة.

الأمكنة…الكتابة .. وباولو كويلهو؟

أنا هنا بعيون الطفل وليس بتجربتي كإنسان ولكنني أخذت بالأشياء وبالتفاصيل الصغيرة لاننا نشعر أكثر بذواتنا في مثل هذه التفاصيل. زرت في السابق مدنا بالعالم العربي وفي اول مرة حين زرت طنجة المغربية سنة 1982 أحببت هذه العوالم الساحرة التي كانت تسكنني منذ طفولتي لأني كنت متواصلا مع العالم العربي الإسلامي من خلال الادب بما هو سفر، اكتشفت ما هو خيالي وعجيب كان يسكنني قبل الحلول بالمكان ولكن فيما بعد رأيت الواقع في علاقته بما هو متخيل ولمست حقيقة ما كان في علمي وما حدّثت عنه. لديكم ثقافة استثنائية استفاد منها العالم والانسانية كثيرا وأنا ممنون لكم بكل هذا ولعله من اسباب درجة انتشاري وقراءتي من قبل الكثيرين وهذا يحسب لكم في سياق الثقافة والحضارة….

الترجمة والتواصل؟

صحيح هناك مشلكة تواصل أكثر تتمثل في غياب الترجمات وندرتها وهذا حاصل لدينا كبرازيليين وهو أمر صعب علي الأدب والثقافة فأنا لم أتخيل يوما أن أترجم إلي اللغة العربية لأن الأمر لم يكن من تقاليدنا. هناك معضلة لدي الأدباء البرازيليين في الترجمة لو استثنينا تلك الترجمات إلي البرتغالية والاسبانية مثلا…

هذا أمرصعب رغم أنني ترجمت إلي اكثر من ستين لغة وانتشرت في حوالي 160 بلدا وهذا شأن القارئ الذي اهتم بكتبي وقرأني بل وتطوع لفعل ذلك، و لذلك بلغت كتبي بلدانا عديدة مثل الصين والإمارات العربية المتحدة وتونس…هكذا كان الأمر، فألف ليلة وليلة قد سافرت إلي أنحاء العالم عبر الانبهار بقراءتها ووجود الرغبة الإنسانية المشتركة في عالمها الأدبي الساحر.

الكتابة وسط هذه الفواجع والكوارث؟

العالم كان دائما مأخوذا بالحروب وبالدمار منذ أزمنة قديمة والاَن بشكل مختلف ويبدو أن الإنسانية كانت في هذا السياق من الصراع والمواجهة وعلي الفنان أن يبحث عن أبعاد أخري لإعطاء المعاني النبيلة للحياة. نحن لا نستطيع إيقاف الحروب.

ورسالتك إلي امبراطور الحرب ….. بوش؟

قبل حرب العراق كتبت عديد النصوص التي انتشرت في العام وعارضت غزو العراق والحرب رغم ما حدث من مدّ عالمي ضد الحرب وما شاهدناه من احتجاجات في الشوارع فإن قرار الحرب كان من قبل سياسي رأي ضرورة ذلك وهذا لا يقلل من القوي المعارضة للحرب بل هو دافع للأمل من قبل معارضي الحرب.

هناك جانب عريض من الامريكيين عارضوا الحرب ولكن السياسيين عديمي الرؤية المستقبلية هم الذين قرروا الامر وهذا سخيف ولذلك نراهم الاَن يتخبطون ولا يعرفون مخرجا ملائما من الورطة.

إن أمثالنا من الناس الواعين بالأهمية الثقافية والإنسانية والساسة بالمعني الكلاسيكي والإغريقي، كانوا دائماً في خانة مضادة للخراب والحروب.

نحن في مفترق صعب يتطلب منا الكثير من الجهد والشجاعة لمعارضة ذلك حتي لا نفقد الامل باعتبارنا من كائنات هذا العالم.

هل هذا دور الكاتب ؟

هو دور الجميع وهذا ما أراه جميلا في حضارتكم فكل الناس أمام هذا الأمر ونستطيع إيجاد نخبة ولكن الأمرمطروح علي الجميع ومن ضمنهم الأدباء….

شعراء العالم أطلقوا بيانا من موقعهم من أجل دور اَخر جديد وحيوي في هذا العالم؟

هو ككل دور فاعل ينضاف إلي جملة أدوارالقوي الحية عبرالصراع من أجل ترسيخ قيم سامية، وهذا ديدن المبدع في هذا العالم. وكل مانــيفستو في النهاية ضرب أسطوري يهدف إلي نحت التواصل مع الاَخر…

شاعر قريب من باولو؟

هو برازيلي ويدعي مانويل بانديرا، أنا أحبه كثيرا.

حضورك بتونس كضيف معرض الكتاب الدولي؟

هي زيارتي الاولي وقد أعجبتني بالإضافة لما وفرته لي من لقاء جمعني بقرّائي. المعرض ممتلئ بجمهور الكتاب وأتمني احترام وتقدير الأدب، أقدر عاليا شراء الكتب المختلفة لقرائتها وهذا ما شاهدته….

رسالتك قبل غزو العراق والمليار قارئ؟

هذه الرسالة كتبتها قبل غزو العراق وقرأها حوالي مليار قارئ. تكمن أهميتها في هذا الدور الذي تقوم به ككتاب وأدباء وشعوب وهي ضد هذه النزعة المعادية للإنسانية التي تضع العالم بأسره في خطر وقد كان هذا موقفي ليس كبرازيلي فحسب بل لفائدة الامريكيين الذين صاروا الاَن أكثر فأكثر معارضة للحرب.

كويلهو … نوبل…. ما الأمر؟

(يضحك) …. هي أعلي من قدراتي، و لأن الأمر يتجاوزني ويخصهم هم (جماعة نوبل).

وأخيرا

يجب أن نتسلح بالشجاعة عند كل صباح…

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 10 ماي 2006)

 


 

طارق البشري: السلطة القضائية في مصر تواجه امتحانا عسيرا

 

القاهرة (رويترز) – في حين يساءل قاضيان بارزان لمطالبتهما باستقلال السلطة القضائية عن الحكومة واشراف قضائي كامل على الانتخابات النيابية والرئاسية يعتبر المستشار طارق البشري الازمة الحالية أحد دلائل انسداد المنافذ أمام النظام الحاكم.

 

كما يحذر من افراغ العمل القضائي من محتواه مشيرا الى أن السلطة القضائية في مصر تواجه امتحانا عسيرا.

 

ووصف هذا الامتحان بأنه فتنة حيث يواجه القضاة ما يشبه العقيدة السياسية التي تجعل الحكومة والبرلمان والحزب الحاكم « ثلاثة في واحد. ثلاثة أشكال ومظاهر لسلطة واحدة ذات ادارة ومشيئة واحدة. هم ثلاثة في الشكل وواحد في الجوهر. »

 

وقال ان القاضي يقبض على استقلاله كالقابض على الجمر وان القضاة قادرون على ذلك لكن القدرة شيء والتمكن شيء اخر لان التمكن مرتبط بعوامل خارج استطاعتهم فالقاضي في الانتخابات يواجه مؤسسات لا أفرادا « يواجه الحكومة وحزبها الذي يهدف الى التغلب برجاله. »

 

وأضاف في كتابه (القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء) أن القاضي في مثل هذه المواجهة لابد أن يتحصن في الهيئة القضائية فليس باستطاعة فرد أن يواجه تكوينا مؤسسيا لا يواجه الا بتكوين مؤسسي اخر.

 

ويقع الكتاب في 96 صفحة كبيرة القطع ويصدر يوم الاربعاء في القاهرة عن (مكتبة الشروق الدولية).

 

وألقت الازمة بين السلطة المصرية والقضاة بظلالها على بعض وجوه العمل السياسي حيث ألقت قوات الامن القبض على عشرات النشطاء خلال الاسبوعين الماضيين وقال بعضهم انهم تعرضوا للضرب لتنظيمهم مظاهرات مؤيدة للقاضيين محمود مكي وهشام البسطاويسي حيث يساءلان أمام محكمة تأديبية تنظر في صلاحيتهما لولاية القضاء.

 

ويقول القاضيان ان محاكمتهما نوع من العقاب على مطالبتهما مع مئات القضاة باستقلال كامل للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية واشراف قضائي كامل على الانتخابات النيابية والرئاسية.

 

وقال البشري الذي كان نائبا أول لمجلس الدولة ان الاشراف القضائي على الانتخابات يقتضي أن يكون القائمون به أعضاء في الهيئات القضائية وهي المحاكم ومجلس الدولة فقط مستبعدا مشاركة أعضاء النيابة العامة حيث ينص قانون السلطة القضائية صراحة على تبعيتهم لوزير العدل.

 

وأوضح أن وزير العدل ليس من الهيئة القضائية فهو « يقينا من أفراد السلطة التنفيذية وهو غير مستقل لخضوعه لرئاسة الوزراء ولمجلس الوزراء وهو يشغل وظيفة سياسية مما يمتنع على القضاة الاشتغال بها مهما بقوا قضاة عاملين وهو لا يتمتع بضمانة من ضمانات الاستقلال في قراراته وليس من حصانة له من عدم العزل » حيث ينص الدستور على أن القضاة غير قابلين للعزل.

 

وربط بين الاصلاح القضائي والاصلاح الديمقراطي قائلا ان النظم السياسية حين تكون في ضائقة وتنسد عليها المنافذ تعمد الى اقتلاع أعمدة من البنية الاساسية للدولة وتضرب بها الاخرين كما حدث في عامي 1951 و1952 في نهاية حكم الملك فاروق وعامي 1968 و1969 « بعد انكسار ثورة يوليو وهو ما يحدث الان على مدى السنوات الاخيرة. »

 

وقال ان العمل على افراغ العمل القضائي من محتواه هو مسلك سياسي ربما ينتفع به على المدى القصير ولكنه يهدم الكثير من نظام الحكم ذاته مشبها ذلك بتاجر يسيء استغلال الاسم التجاري بوضعه بضاعة فاسدة أو من يبيع أثاث بيته ليعيش في رغد فترة قصيرة ثم يجيء الطوفان على حد وصفه.

 

وأضاف أن السلطة التنفيذية في مصر تنشيء حزبا تخوض به الانتخابات التي تشرف عليها وتسيرها السلطة التنفيذية بأدواتها الامنية والاقتصادية والاعلامية ومن هنا تنشأ المؤسستان التشريعيتان وهما مجلسا الشعب والشورى « عن طريق حزب الحكومة بما يضمن سيطرتها عليهما. »

 

ونشأ المؤلف في بيت قضاء فهو ابن المستشار عبد الفتاح البشري الذي شغل منصب رئيس محكمة الاستئناف في الاربعينيات.

 

ويعد البشري من بين أبرز المؤرخين المصريين ومن دراساته (المسلمون والاقباط في اطار الجماعة الوطنية) و(الديمقراطية ونظام 23 يوليو) و(الحركة السياسية في مصر.. 1945 – 1952).

 

وقال البشري ان المحكمة الدستورية حكمت بعدم شرعية المجالس النيابية في مصر لاربعة انتخابات في أعوام 1984 و1987 و1990 و1995 وترتب على ذلك بطلان تشكيل المجالس النيابية على مدى 16 عاما متصلة بين عامي 1984 و2000 كانت مصر خلالها « خارج اطار الشرعية الدستورية. »

 

وشدد على أن مطالب القضاة التي ثارت في الاونة الاخيرة ليست مطالب خاصة بهم ولكنها مطالب مؤسسية تتعلق برسالة القضاء في مصر مشيرا الى أهمية دور نادي القضاة في حراسة أداء الرسالة القضائية فهو ليس مجرد نقابة أو ناد اجتماعي لكنه التشكيل المؤسسي الوحيد الذي يجمع القضاة ويحرس أداءهم ومهنتهم السامية كما يدافع عن موجبات استقلال القضاة بوصفهم سلطة دستورية.

 

وقال ان السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل منذ الاربعينيات تسعى للاحاطة بالهيئات القضائية والهيمنة عليها وكان نادي القضاة هو المؤسسة التي تمثل قطبا يجذب أعضاءه استقلالا عن وزارة العدل والوزير الذي يشغل منصبا سياسيا حزبيا ويمثل السلطة التنفيذية.

 

وأضاف أن كبار رجال وزارة العدل هم من كبار رجال القضاء ندبا من المحاكم مشيرا الى أن الوضع الوظيفي المؤسسي يتغلب في النهاية على الاوضاع الذاتية لشاغلي الوظائف المؤسسية. وأبدى دهشته من قيام وزارة العدل الان بادارة القضاء « ننتدب من كبار رجال القضاء من يديرون القضاء من خارج القضاء » مفضلا أن يدار القضاء من داخله بعيدا عن أي تبعية بين سلطتين تقف احداهما وهي القضائية رقيبا للمشروعية على الاخرى التنفيذية.

 

وأضاف أن قرارات نادي القضاة العام الماضي بوجوب الاشراف الكامل والحقيقي على الانتخابات لا يعتبر اشتغالا بالسياسة « واذا اعتبرت هذه المطالب اشتغالا بالسياسة فلابد من اعتبار عملية الاشراف على الانتخابات التي أوجبتها عليهم المادة 88 من الدستور اشتغالا بالسياسة لان هذا الاشراف هو أصل المطالبة. »

 

ويقود رئيس نادي القضاة المستشار زكريا عبد العزيز وأعضاء مجلس ادارته حملة المطالبة باستقلال القضاء ونزاهة الانتخابات.

 

وجرت العادة في مصر على تعيين بعض القضاة كمحافظين.

 

ويرى البشري صونا لاستقلال القضاء ألا يعين قاض بوظيفة أخرى الا بعد تركه القضاء بثلاث سنوات وألا يتقرر لقاض معاش استثنائي عند تركه القضاء الا بعد عرض الامر على جهات القضاء لوضع الضوابط المناسبة.

 

ويضيف أن نظم الحكم عندما تكون قوية وتستند الى شرعية فانها تتعامل بثقة وشجاعة لكنها حين تفقد القوة « تكون على درجة عظيمة من الاحتياج لان تستر سياساتها وممارساتها وأفعالها ». وأشار الى أن تمسك القضاة باستقلالهم هو رفض لاستغلال ظاهر حيادهم الوظيفي لتحقيق أهداف منحازة للقابضين على نظام الحكم.

 

من سعد القرش

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 10 ماي 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


أكد أن لا عقاب في الدين على « عدم التحجب »

أبوالفتوح: الوهابية أشاعت مناخ التطرف بجلابية قصيرة ومظاهر كاذبة.

 

شن عبدالمنعم أبوالفتوح عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان هجوما حادا علي الفكر الوهابي، واصفا إياه بالإسلام البدوي الذي أشاع مناخ التطرف والإرهاب.

 

وقال خلال ندوة «مفهوم الحكومة المدنية لدي جماعة الإخوان المسلمين» أمس الأول بجمعية النداء الجديد: الإسلام القادم من بلاد البدو والذي وفد إلي مصر بعد تغييب الإخوان في السجون والمعتقلات جاء بأفكار وآراء غريبة تخالف روح الإسلام الباحث عن العدالة والحرية والمساواة، فلخص الإسلام في مظاهر كاذبة وخاض حربا من أجل جلابية قصيرة وقصص لا قيمة لها وتناسي قضايا كبري.

 

وأضاف: إسلام الشرق الإسلامي وبلاد البدو ليس إسلاما فهو الذي ربي النفاق وهو ما رأيته بعيني عندما كنت متوجها من جدة إلي باريس حيث كانت السيدات المسافرات مرتديات الحجاب وقبل وصول الطائرة بدقائق لباريس لم أجد أي محجبة بل سيدات سافرات يرتدين ملابس كالأوروبيين تماما، في حين أن الإخوان يمثلون الإسلام المصري المعتدل.

 

ونوه إلي أن الإسلام يجيء من القلب وليس المظاهر، فالذي يحمي الإسلام هو فكره المعتدل، والإخوان ليسوا أصحاب الإسلام، ولكنهم فكرة إصلاحية وليست انقلابية أو استئصالية، فهم يرغبون في إصلاح الوضع القائم وليس الانقلاب عليه لأن به عطباً يحتاج للإصلاح، ومن ثم فهم لا يريدون تغييره بل إصلاحه.

 

وأشار إلي أن أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس قال له ذات مرة: «أنتم الإخوان لا تمارسون العنف، ولكنكم تمارسون القسر علي النساء بإرغامهن علي ارتداء الحجاب، فعندما أدخل أي وزارة أو مؤسسة أجد ثلاثة أرباع السيدات يرتدين الحجاب، أليس ذلك قسرا منكم»؟

وأضاف: الحجاب في الإسلام ليس يونيفورم، ولا نجبر أحداً علي ارتدائه فلا توجد عقوبة في الإسلام خاصة بشأنه ولكن الإسلام قادر علي إقناع السيدات به بالفكر والقدوة.

 

وفاجأ أبوالفتوح الحضور بقوله: «من قال إن الموسيقي حرام، فالموسيقي من المباحات، واللي عايز يسمع مزيكا يسمع كما يشاء ولكنها مثل أي مباحات، حرامها حرام، وحلالها حلال، باستثناء إذا كنت متخصصا كموسيقار أو خلافه، مشيراً إلي أن هناك خلطاً بين الجماعات الدينية المتطرفة والإخوان، وهو ما أدي إلي إلصاق مثل هذه الأفكار المتشددة بالإخوان.

 

وحول التشكك من وصول الإخوان إلي الحكم قال: هذا طعن في نية الإخوان، فهذه الأسئلة المستقبلية تبعدنا عن ضرورة الخلاص من البلاء المبين القائم حاليا، والضمان لعدم تسلط أي تيار لدي وصوله للحكم هو وجود مجتمع مدني قوي ودستوري قوي وقضاء مستقل، وأقدم دليلاً علي أن الإخوان يقبلون بتداول السلطة، ففي انتنخابات نقابة البيطريين منذ سنوات كانت قائمة الإخوان تنافس قائمة الدكتور يوسف والي وزير الزراعة، وكان الإخوان هم المشرفين علي هذه الانتخابات، وانتهت الانتخابات إلي فوز قائمة يوسف والي، ووقتها قام الإخوان بتسليم النقابة للقائمة الفائزة، وسألني أحد الفائزين مستغربا: لماذا لم يرفض الإخوان تسليم النقابة، واقتنعوا بالنتائج بسلاسة ويسر دون اللجوء إلي اتهامات التزوير؟!

 

وقال أبوالفتوح: الإخوان يقبلون بالمرأة قاضية وسياسية ولكن لا يقبلونها كسلعة كما نري في الفيديو كليب وخلافه، فالمرأة من حقها أن تشارك وهو ما أكدنا عليه في برنامجنا فلا يجوز وضع حدود للمرأة، فمن حقها الخروج للمجتمع كإنسان ومواطن وليس كأنثي، فنحن ضد أن تتحول إلي سلعة، مضيفا: إن الإخوان ليسوا ضد الإبداع وهو ما بدا في زيارتي لنجيب محفوظ، ونري أن مواجهة الإبداع تكون بإبداع آخر، ولكن هذا لا ينفي أننا نرفض حرية التعبير المطلقة كما حدث في الرسوم الدنماركية، فحينما يخرج إنسان من إطار الإبداع إلي الإساءة والانحطاط فالوسيلة التي نجابه بها ذلك هي اللجوء للقضاء وليس القرارات الإدارية التي تتخذها السلطة التنفيذية كذريعة لضبط أهل الفكر، وهو ما قد يحدث مع كتب الإخوان بادعاء أنها تروج للإرهاب ويستطيعون بسهولة أن يحصلوا علي تقرير من الأزهر بذلك. وأشار في شرحه عن مفهوم الإخوان للدولة المدنية إلي أن الجماعة ترفض أن تتحدث أي جهة شعبية أو رسمية باسم الإسلام، فلا يمكن لأي شخص أن يحتكر الإسلام، وقال: «نحن كإخوان لدينا فهم بشري للدين الذي يضع قواعد عامة من أجل سعادة الناس».

 

وقال: لا توجد دولة دينية بالمفهوم الصحيح العلمي، فحتي إيران ليست دولة دينية رغم عصمة مرشدها وعلمائها، لأن الدولة الدينية هي حكم لرجال الدين بالحق الإلهي وهذا المفهوم لم يأت في التاريخ إلا في العصور الوسطي حيث كان الحاكم في أوروبا يعتبر ابن الله وهادي الناس إلي سبيل الرشاد، وتلك الدولة لا يقبلها الإخوان ولا يرضون بها، لأنه لا مجال في ظل هذه الدولة للخلاف والاختلاف والأساس هو الانصياع والطاعة وغير ذلك يعتبر كفراً بواحاً، وهو ما حدث في العصور الوسطي، حيث دفعت هذه الظروف إلي الثورات في أمريكا وأوروبا، فأعيدت المسيحية إلي الكنيسة، وأصبح مال الله لله ومال قيصر لقيصر.

 

وأضاف: البعض يريد أن يستدعي هذه الحالة ليطبقها علينا كما يحدث عندما نقول إن الإسلام هو الحل، علما بأن الحكم بالإسلام والشريعة طبق قبل العصور الوسطي، والدولة الإسلامية موجودة حاليا في كثير من دول العالم ولكن لحق بها عطب وظلم واستبداد وتحتاج إلي معالجة كما في مصر.

 

وقال أبوالفتوح: الدولة الدينية غير مطروحة لدي الإخوان فالدولة في الإسلام مدنية وهو ما سطره الرسول صلي الله عليه وسلم في وثيقة المدينة بعد إخائه بين المهاجرين والأنصار وأضاف أشارت الوثيقة إلي حقوق المواطنة حيث ساوت في الحقوق بين المسلمين واليهود والنصاري، فأعلت من قيم المواطنة، التي يتحدثون عنها وكأنها شيء جديد.

 

وأضاف: الإسلام لم يعرف في تاريخه الدولة الدينية بأن يحكم شخص باسم الإله، فالدولة الإسلامية مدنية بالدرجة الأولي فهي تقوم علي أن الأمة مصدر السلطات وسيادة القانون والحرية فضلا عن دستور يضعه الناس بإرادتهم، وهذه هي رؤية الإخوان والبعض عندما يسمع بأن القرآن دستورنا يحتج ويغضب وأقول لهم إن القرآن أغلي وأثمن من أن يكون دستورا وضعيا فهو مرجعية عليا وعصب ثقافة الأمة الإسلامية والذي وضعه الرسول في وثيقة المدينة كان شكل من أشكال الدساتير الوضعية.

 

 

وقال: مفهوم الدولة المدنية عند الإخوان هو أن الأمة مصدر السلطات من خلال برلمان منتخب يضع التشريعات في إطار دستوري وهذا الدستور لابد أن يتفق عليه الشعب في إطار ثقافته ومرجعياته، والإخوان ليسوا بدعا من الناس فهم يريدون الفصل بين السلطات فصلا محترما وليس خداعيا كما يحدث في النظام الحالي، الذي أصبحت فيه السلطة التنفيذية غولا أكل السلطة التشريعية واعتدي علي القضاة وهو مالم يحدث في تاريخ مصر.

 

وأشار أبوالفتوح إلي أن الدولة لدي الإخوان تقوم علي دعائم أربعة عبر عنها الشيخ القرضاوي والمستشار طارق البشري والدكتور محمد سليم العوا في كتاباتهم وهي: الحرية والعدالة والمساواة والشوري، وقيم العدالة تتضح مثلا في الجارية التي رفضت أن تتزوج من رسول الله وعاشت في بيت النبوة.

 

ونفي أن يكون لدي الإخوان النية لإقامة حد الردة في المجتمع، وقال: هذا المفهوم غير صحيح فالمقصود بالمرتد هو الشخص الذي ينقلب علي النظام العام وليس المرتد عقائديا وهو ما يتضح في قوله تعالي: «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» كما أن قتال المرتدين بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم كان ضد الخارجين علي النظام العام.

 

وعن نظام العقوبات لدي الإخوان قال: العقوبات تعبير عن حالة اجتماعية فلا محل ولا مجال لنقض العقوبات المطبقة علي المسلمين فهذه مسألة نعتز بها ونقدرها ولكن لا يمكن تطبيق مثل هذه العقوبات كحد السرقة والقتل دون إرادة من الشعب. وأضاف: «اللي مش عايز تتقطع إيده ما يسرقش» فالحكم في تطبيق أي نظام عقوبات هو الشعب فهناك دول مثل الصين كانت تطبق عقوبة الإعدام علي المختلس.

 

وأشار إلي أن فرض أي نظام سياسي سواء كان مصدره إسلاميا أو أرضيا يفرز شعبا من المنافقين كما كان موجودا في حقبة الاشتراكية وقال: الإخوان لن يحولوا أبوزعبل الاشتراكي إلي أبوزعبل الإسلامي وأي نظام سيطبق يجب أن يقبله الشعب من خلال إرادته الحرة، فالحرية في التعبير والاعتقاد والتنظيم مكفولة في دين الله تعالي.

 

وحول فكرة الخلافة قال: الخلافة تعبير عن وحدة إسلامية ونحن أولي كعرب ومسلمين أن نتوحد سياسيا أو اقتصاديا فالخليفة هو الرئيس الأعلي للدولة الإسلامية كما في الولايات المتحدة.

 

وأشار إلي أن الإخوان يقبلون بالديمقراطية التعددية وقال: من حق أي مجموعة من المواطنين أن ينشئوا حزبا وسنواجه من يختلفون منا بالفكر والرأي، فالإخوان ليس لديهم خطابان كما يشاع فضلا عن أنهم تنظيم بشري لديه مزايا وعيوب.

 

وهاجم أبوالفتوح النظام بقوله: نحن في حالة غير طبيعية سببها استبداد النظام وهذا النظام لايمكن أن يتنازل عن استبداده دون مقاومة أو نضال وهو ما بدا في العامين الأخيرين حيث بدأ الشعب يعبر عن نفسه لمناهضة الاستبداد والفساد دعامتي النظام الحالي، والحالة البائسة الحالية نتاج للنظام القائم منذ ١٩٥٢ فرغم رحيل عبدالناصر والسادات ومجيء مبارك مازال النظام سلطويا مستبدا لا يقبل المشاركة وحزبه الحقيقي هو جهاز الأمن الذي يواجه به معارضيه السياسيين.

 

(المصدر: صحيفة « المصري اليوم » بتاريخ 10 ماي 2006)

 


رغم حرصها على التعاون مع المسؤولين

سعودية تتعرض للضرب لرفضها خلع الحجاب علنا في مطار ألماني

 

تعرضت سيدة سعودية للإهانة والضرب من قبل موظفين في مطار ميونيخ الألماني بعد رحلة علاجية لرفضها خلع الحجاب أمام الناس بحجة التفتيش الأمني.

وقالت السيدة السعودية إنها توقفت ومعها ابنتها الصغرى أمام حاجز للتفتيش في مطار ميونخ استعدادا لركوب الطائرة وسألت الموظفة عدة مرات ما إذا كان عليها خلع معطفها أم لا فلم ترد عليها بل ردت موظفة أخرى بحدة بضرورة خلعه.

وأضافت « عندما عبرت جهاز التفتيش اقتربت مني موظفة أخرى وطلبت مني خلع حجابي فرفضت وطلبت منها أن تستخدم الجهاز اليدوي وتمرره على رأسي، فرفضت وصرخت في وجهي بأعلى صوتها حتى أثارت انتباه الجميع وأمام إصرارها على خلع الحجاب طلبت منها أن يتم ذلك في غرفة منعزلة أو خلف ستار فاستشاطت غضبا وبدأ سيل الشتائم ينهمر وأشارت بإصبعها إلى غرفة قريبة جدا، وبالفعل دخلت للغرفة وأصرت على أن أنزع كل جزء من حجابي حتى الجزء اللاصق على شعري وهي تسب وتلعن المسلمين وتقول(أين تظنين نفسك هذه ألمانيا أيتها الغبية الحمقاء ستنزعين حجابك رغما عنك أيها الرعاع) ».

ومضت تقول لصحيفة « الوطن » السعودية الأربعاء 10-5-2006 « أمام ذهولي لم أعرف بماذا أرد كلما استطعت أن أقوله لها وأنا أغالب دموعي أسلوبها لا ينم عن أي احترام ولا يعكس الديمقراطية التي تتكلمون عنها، وخرجت لألحق بالطائرة بينما اتجهت الموظفة نحو زميل لها آخر وبدأت تكلمه ».

وأضافت « فجأة بدون أية مقدمات اقترب مني الرجل الذي كانت تكلمه الموظفة وبدأ هو الآخر يصرخ في وجهي بحدة وجنون وضربني على كتفي وهو يسب ويصرخ..هذه ألمانيا ».

واستطردت « عندها بدأت أبكي بحرقة شديدة فيما كان بقية الموظفين يضحكون حتى حضر أحد المسؤولين وأبعد الرجل عني وشرحت له ما حدث وقلت له إنني احترمت الدواعي الأمنية واستجبت للتفتيش رغم أن الأسلوب الذي عوملت به لم يكن إنسانيا على الإطلاق ولا أعتقد أنكم تطلبون من الراهبات نزع أغطية رؤوسهن لتفتيشهن ».

وقالت إن المسؤول استدعى الموظف، وحاول إجباره على تقديم اعتذار لها ولكنه رفض بل أخذ يصرخ بأعلى صوته دون تقدير لكبر سنها ومرضها وكل ذلك بسبب حجابها.

 

(المصدر: موقع العربية.نت بتاريخ 10 ماي 2006)


 

جدل غربي حول الأزمة النووية الإيرانية

توفيق المديني (*)

 

يعتقد المحللون الاستراتيجيون في أوروبا ، أن هذه الأخيرة تحبس نفسها في مسألة  مغلوطة، معتقدة أ نها تمتلك الجواب  على السؤال التالي:كيف يمكن منع إيران من  امتلاك السلاح النووي؟ و إذا كانت إيران سعت في الشهور الأخيرة لإظهار تمردها على المجتمع الدولي ، كأنما صار من الفضائل، حين أعلنت عن نفسها باعتبارها من أعضاء النادي النووي، ورفضت  الاستجابة لنداءات الأمم المتحدة بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم،  فهل يكون على المجتمع الدولي أن يتوقف عن التفاوض مع إيران، ويمضي باتجاه العقوبات، أو باتجاه الخيار العسكري ـ حسبما ربما يفكر الأميركيون؟ ـ أو تبقى هناك إمكانية لإعادة إيران من جديد الى طاولة الحوار؟

 

يوماً فيوماً تصبح لغة العقل غير مسموعة في التعاطي مع الأزمة النووية الإيرانية، التي ستكون إسقاطاتها المدمرة لاحصر لها ، في ظل انعدام الصيغة المناسبة لمواجهتها.و فيما أبدت روسيا مرونة غير متوقعة حيال مشروع قرار قدمته أميركا وبريطانيا وفرنسا إلى مجلس الأمن تحت البند السابع (عقوبات) يطالب إيران بالوقف الفوري لبرامج تخصيب اليورانيوم، فإن الدول الأوروبية – الأميركية  تسعى الى قرار يوسع الخيارات أمامها في التعاطي مع الأزمة النووية الإيرانية ،ويكون إما مساعداً على التفاوض مع طهران وصولاً الى حل بالطرق الديبلوماسية لمسألة امتلاكها الطاقة النووية، وإما منطلقاً، لاحقاً، لفرض عقوبات ولتحضير الأجواء للخيار العسكري في التعاطي مع أهداف طهران في المدى الأبعد…

 

 فالتوافق الأميركي الأوروبي ما زال عند حدود خيار التفاوض والحلول الديبلوماسية على قاعدة التشدد مع الجانب الايراني ولم يصل الى حد البحث في الخيارات العسكرية، التي ليست بالتأكيدمحل توافق أوروبي –أمريكي.و هذا ما  أعلنه رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دوفيلبان خلال مؤتمره الصحافي الشهري ، حين قال :أن شن ضربة عسكرية ضد إيران  » ليس الحل ». مضيفا « انني على قناعة بأن التدخل العسكري ليس بالتأكيد الحل.. سبق أن عرفنا سيناريو من هذا النوع ونعلم أن هذا لا يحل أي شيء، بل أحياناً يزيد المخاطر، وقد لمسنا ذلك بوضوح تام في العراق ».

 

وتعود رغبة طهران  في امتلاك الطاقة النووية السلمية إلى أعوام السبعينيات من القرن الماضي. في ذلك الحين أعدت إيران برنامجا نوويا بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريمكية وبلدان أوروبية مختلفة. وقد اقترحت إدارة الرئيس فورد عام 1974المساهمة في البرنامج ، الذي كان يتضمن شقا عسكريا، لكن لم يكن أحدا يعترض في ذلك الوقت ، بما أن الأمر يتعلق بمحاصرة الاتحاد السوفياتي السابق.فإيران كانت حليفة « لإسرائيل  » ، التي سمحت لها واشنطن بامتلاك السلاح النووي. و كانت فرنسا و ألمانيا تتعاونان مع إيران من دون الإهتمام بأهداف برنامجها النووي.

 

 ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، قرر الإمام الخميني التخلي عن البرنامج النووي، لكن  في عام 1981 ، قررت الحكومة الجديدة المضي  في إعادة تفعيل البرنامج . و في عام 1982 أعلنت عن إنشاء مفاعلها النووي في إصفهان.ثمة عوامل إقليمية مهمة جعلت طهران تعاود إطلاق برنامجها النووي، منها : الحرب الضروس مع العراق ، الذي تمكنت قواته من اجتياح الأراضي الإيرانية و البقاء فيها لمدة سنتين مع بداية عقد الثنينيات ، و الحرب الأمريكية  ضد العراق في عام 1991.

 

الشيء المؤكد اليوم ، أن إيران تبحث  عن امتلاك القدرة  على تخصيب اليورانيوم مع البقاء في الوقت عينه تحت « العتبة » على غرار اليابان .و عندما يقول المحللون  إن طوكيو ماضية في برنامجها في تخصيب  اليورانيوم ، يرد المعلقون الأمريكيون بالقول : » إيران ليست اليابان، اليابان اعترفت يجيرانها، أما إيران فلم تعترف بإسرائيل ». ومتى كان حق امتلاك تكنولوجيا نووية  مشروطا بالإعتراف « بإسرائيل »؟أي الإعتراف بدولة ، ترفض التوقيع  على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، و تهدد بضرب إيران.

 

ويعتقد المتشددون الغربيون أنه لا يجوز لإيران امتلاك التكنولوجيا النووية بحجة أن تلك التكنولوجيا (يمكنها) أن تستخدم لصناعة قنابل نووية  مخالفة لروح  اتفاقية حظر نشر الأسلحة النووية التي وقعت عليها إيران في عام 1968. و يذهب هؤلاء المتشددون إلى القول أنه إذا امتلكت إيران القنبلة النووية على غرار الهند و باكستان ، فإن هذا سيشكل تهديدا إسلاميا ثوريا، ستكون « إسرائيل  » هدفه المباشر. بيد أن هذا التحليل لا يقارب الحقيقة، فإيران  تخلت عن اسطورة الثورة الإسلامية و عملية تصديرها للعالم العربي لكي تتمركزاستراتيجيتها حول خدمة مصالح الدولة القومية الإيرانية في بعدها الإقليمي. و فضلا عن ذلك ، لا تمتلك طهران برنامجا لتحرير فلسطين أو استراتيجية سياسية عسكرية لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، بدلالة تقاطع مصالحها موضوعيا  مع مصالح أمريكا في كل من أفغانستان و العراق.و الفكرة التي يروجها البعض من أن إيران مستعدة لتدمير دولتها خدمة لقضية عربية حتى لوكانت فلسطين هي غريبة الأطوار.

 

بينما يرى المتعاطفون  الغربيون مع طهران ، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تريد صيانة حرمة الأراضي الوطنية  حسب منطق النظرية الفرنسية للردع.و هي تريد تأكيد مركزها كقوة في محيط إقليمي نووي، مادامت محاطة بقوى نووية مثل، »إسرائيل  » ،و الهند ،وباكستان. وحتى إن أخفت إيران بعض الوقائع عن الوكالة الدولية ، فإن المتشددين الغربيين لا يتمتعون بالصدقية للتنديد بذلك: فأكاذيبهم الخاصة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية،و الكوارث الناجمة عن خيارهم العسكري ضد العراق في عام 2003، يدحضان صحة رأي وشرعية الحرب الاستباقية.

 

لقد تحولت المسألة النووية  في إيران إلى مسألة قومية ، إذ باتت الشعوب الإيرانية ترى في امتلاك التكنولوجيا النووية ضرورة قومية.

 

(*) كاتب وباحث تونسي، دمشق.

 

(المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية الصادرة يوم 10 ماي 2006)


 

في ليالي الصيف

د. توفيق قريرة (*)

 

في ليالي الصيف وحين تضيق البيوت الكرتونيّة بأنفاسنا كنّا نصعد إلي السطوح نطلب النسيم وشيئا من ضوء القمر؛ كنّا نجلس في مجموعات ولكن في صمت؛ عيوننا وحدها كانت تتكلّم ، وأجسامنا وتنهّداتنا. وحين نري أجساما في بؤرة ما من بؤر النور القليلة، نرسل إليها عيوننا كالسّهام تقتل شبحها حتّي تعود إلي ظلمة الليل ونعود لنصطاد شبحا جديدا.. وحين تمرّ كتلة من النور طائرة في السّماء تطاردها عيوننا حتّي تغيب ، كنّا نمارس علي السّطوح الجوسسة ومن سطوح الجيران البعيدة أو القريبة يمارس الآخرون علينا الجوسسة كانت السطوح مراصد ويا ويح من لا يصعد في الصيف إلي السطوح كانت العيونُ الحارّة تُرْسَلُ عليه مُمَدّدا في بيته أو مع زوجه؛ ويصبح لكلّ حركة معني رمزيّا شهوانيّا أو استفزازيّا؛ فكلّ الأجسام المتمدّدة أجسامنا وكلّ السجائر المشتعلة تتنفّسها نساؤنا وكلّ القصاع والجفنات والموائد لنا نأكل منها بالعين ما تأكل منها أفواه أصحابها وتشرب. وحين تكلّ عيوننا ولا يأتي شيء مهمّ يداعب جفوننا النعاس فتسارع النسوة إلي الأسفل لتنام ونبقي نحن الرجال عيونا عليهنّ وعلي غيرهنّ، فننام بنصف عين ونطمع أن تري الأخري من المحرّم ما لم تره أوّل الليل.

في تلك الليلة نام الرجال الذين يقاسمونني السطح بملء عيونهم كانوا متعبين من الحصاد ولم أكن متعبا لأني أرسلت في اليوم نفسه إلي القرية المجاورة في مهمّة خفيفة فلم ينلني من تعب اليوم ما نالهم. لذلك لم أنم وبقيت أحدّق في السّماء أرعي النّجوم أجمّعها فِرَقًا فِرَقًا ثمّ أضع عليها سيّدا وبعدها أسوقها باتّجاه القمر. كان كلُّ شيء يمُرّ علي ما يُرام حتّي تصل النجوم إلي أوّل البُهْرَة القمريّة، وعندها يَنْفَرِطُ عقدُهَا وتجْري في كلّ اتّجاه؛ فأعيد الكرّة وأنَصِّب سادة جددا فيحدث معهم ما يحدث مع غيرهم تفرّ النّجوم من النور وتأبي أن تنصهر في بهر القمر كأنّما تعوّدت علي أن تكتفي ببعض أسلاكه ، تأتي إليها من بعيد. تركت النجوم تنفرط وعدت أتملّي هذا البهر القاتل غارت عيناي في لُجَّته حتّي لفّ النور كامل جسدي ارتعشتُ من الخوف واشتقت الظلمة ولمّا أردت أن أحوّل بصري إلي عتمة دارنا أُسِرَتْ عيناي وانجذبتا إلي محيط من النور شاسع. شعرت من فرط النّور المنبعث من دائرة القمر أنّ عيني سلبتا نورهما.. وفجأة انفتحت فجوة في دائرة الضوء الكبري ورأيت وجها مُفارقًا للوجوه البشريّة المألوفة. ابتسم لي وقال: تَمَنَّ..يَتَحَقَّقْ… قلتُ ومِنْ غيْر مَا تَفْكِيرٍ: برميلا من النفط. وما هي إلاّ لحظة وانقضاؤها حتّي صرت أنا بلحمي ودمي برميلا من النفط : جسمي صار قصديرا معلّبا في هيأة برميل ودمي صار نفطا رائحته مألوفة لديّ ولونه أسود وأنا بوعيي القديم وبروحي القديمة، وبأشياء أخري كلّها تكوّرت وصارت في برميل.. لم يفهم ذلك الجان القمريّ ما طلبته منه: طلبت منه أن يَهَبَنِي برميل نفط أبيعه كي أشري كسوة وقطعة جبن دنماركيّ ولكنّه جعلني أنا بلحمي ودمي برميل النفط.. من سيبيعني ومن سيقبض ثمني تمنّيت أن تبيعني أمّي علي الأقلّ أو أبي ليشتروا ما يرومون .. ما لي أنا والنفط والبراميل لم أفكّر فيها في يقظتي فكيف حدث حتّي أطلب ما طلبت.. ربّما كانت تلك آخر عبارات سمعتها في أخبار اليوم.. أيقظتني ساق دحْرَجَتْنِي علي ناقلة ظللت أتكوّر وأدور حتّي وجدت مكاني بين أشقّائي البراميل … شعرت بشيء من الطمأنينة لأنني كنت متحرّجا من هيأتي المفردة، فإذا أنا برميل بين آلاف البراميل.. لَكَزْتُ برميلا إلي جانبي وسألته: من أيّ البلاد جاؤوا بك فلم يجبني ..التفتّ إلي الجهة المقابلة وأعدت السّؤال فلم يجبني أحدٌ. كانت كلّ البراميل النفطيّة صمّاءَ بكماءَ إلاّ أنا أتكلّم .. خامرني شكّ في أن تكون البراميل تتكلّم لغات أخري غير لغتي سألتها بلسان حفظته في المدارس فلم تجبني.. لقد حُكِم عليّ بأن أعيش أخرس بين الخُرْس علي الرغم من هذا اللسان الذي لي . اللعنة علي هذا اللسان هو الذي جلب عليّ هذا الوبال عشت بين جماعتي أخرس فلمّا نطقت مسخني لساني فصرت برميلا لا يقف إلاّ ليُدَحْرَجَ.. لست أدري كم من الوقت مرّ من عُمُرِ البَرَامِيل حتّي وصلنا إلي مكان ما.. جاء العمّال فحملونا بكثير من اللطف الذي لم أعرفه وأنا كائنٌ بين البشر.. كان جسمي في كثير من أحواله البشريّة يُدفع ويُركل ويُضغط ويُعصر ويُلوي في الحافلات وطوابير الجمعيّات في الشّارع وفي البيت ..

أمّا الآن فالرفقَ الرفقَ.. انتبهتُ إلي العيون تنظر إليّ بكثير من إعجاب وتقدير لم أحْظَ به في هيأتي البشريّة… لم أكن أمرّ إلاّ لأتبع بالنظرات الشّاكّة والمرتابة واللاّعنة والسّاخطة والكارهة والقاذفة والمتوعّدة والمتربّصة..

أمّا الآن فالعيون علي قشرتي تلج إلي ما في بطني الحامل نفطا تدغدغه وتربّت بنعومة عليه فتنزل علي النفط بردا وسلاما..أين زمن احتراق دمي في مرحلتي الآدميّة؟ حرقت دمي تلميذا وطالبا حرقت دمي عازقا للتربة، فلاّحا في أرض لا تبخل إلاّ علي من يحرثها ويرعاها ويحنو عليها…حرقت دمي علي الرجال أصطفيهم وبقلبي أشتريهم فيبيعوني في كلّ سوق بأزهد ثمن.. حرقت دمي عليَّ كيف أعبدُ ما لا يعبدون… والآن حين صار دمي نفطا صار كلّ شيء هادئا ومرتخيا ومريحا…

ساقوني بكلّ الاحترام إلي السّوق اشتروني بالمزاد وباعوني بالمزاد؛ ودون أن يقلّبوني أو يتأكّدوا من لوني ومن عيوني .. وشوشت في أذن سيّدي الأشقر الجديد أني لست كالبراميل الباقية: لي لُغَةٌ ؛ قَهـْقَـه وقال: أنت لا تحتاج أن تتكلّم بل يُتكلّم عنك.. قلتُ: لي رُوحٌ ، قال والابتسامة لم تغادر مُحيّاه: أنت روح العصر..قلت: لي بلد بعيد أرجعوني إليه: قال ليس قبل أن يدفع أجرك…

تركوني في مكان ما بين البراميل الأرستقراطيّة تحرسنا العيون من شيء ما قد يأتي ويسرق رونقنا أو رائحتنا ..علي الرغم من أنّي شعرت بالكبر فجأة فإنّ رغبتي في مشاركة الأهل النظر من السطوح ما فارقتني ..خامرني شعور أنّه لو انشقّ القمر وجاء ذلك الوجه لتمنيت منه أن يجعلني سيّدا للبرميل عندها أكون مالك أمري وسيّد قراري وأعود إلي أرضي الأولي.. سهرت وأنا بين البراميل أرقب القمر أن يجود عليّ بذلك الوجه ..كدت آيَسُ ولكنّ عزمي وصبري جَاءَا بذلك الوجه وأطلّ عليّ من جديد وقال: تحقَّقْ … وتمنَّ .. قلت: سَيِّدَ البراميل …..قال بصوت مزمجر: خسئت ..عليك اللعنة ..كيف يطمع مثلك في مراتب الألوهيّة ..عليك أن تستغفر وإلاّ رجمتك الآلهة ..قلت: لم يحدثني أحد في الأساطير عن آلهة النفط .. قال: سوف تعلم حين تُمسَخُ وتُردُّ إلي أقبح صورة..لم يُنِهِ كلامه حتّي انقلبت إلي هيأة قَمَعٍ مُلوّث برائحة البترول.. التفتّ حولي فرأيت مكانا أعرفه ..إنّه سطح دارنا..

وأنا ملقي في ركن من أركان السطح وإلي جانبي وعاء تنبعث منه رائحة البترول… لم أفهم كيف صار الفصل علي سطوحنا شتاء …البرد يشوي جلدتي والريح تدفعني في جميع الاتّجاهات..

ما أدري كم من الوقت مرّ حتّي شعرت بدفء يد آدميّة تحملني …إنّها أمي..هي نفسها أمّي صرخت بأعلي صوتي:أمي أنا ولدك..أحضنيني ..لم تسمعني .. ولكنّها وضعتني في فم سخّان بتروليّ لا عهد لي به في دارنا.. أدركت أني غبت طويلا عن دارنا.. وأنّ أمّي تناستني …كيف لها أن تفخر برجل من رجالها وقد صار برميلا ثمّ ردّ إلي هذه الشكل الذي لا يكتم شيئا ممّا يحوي…هذا الشكل اللولبيّ المقعّر من الرأس حتّي المؤخّرة… ساورتني وأنا أتفكّر في شكلي السّاذج والمفرغ أن لا قوم بدوري صبَّابا للبترول وناقلا له عبر فؤادي المقعّر … كانت أميّ تسكب البترول من الوعاء فأراوغ المَصَبَّ فيضيع البترول.. حاولت أمي مرارا حتّي اندلق نصف السّائل الأسود المتوسّط… رمتني جانبا .. وحاولت سكب النفط من غير قمع .. ثمّ نزلت.. حاولت بعد ذلك مرّات مرّات فأعدت مراوغاتي حتّي يئست أمي من وظيفتي فأهملتني.. وفي يوم قررت أمّي أن تغسلني فلمّا تطهَّرتُ من ريح النفط وجَفَّت سيوله مني، سكبتْ مني زيتا من زيتونتنا العظيمة عند أوّل حقلنا .. شعرت بعبق الأرض فانصعت .. في يومها صار لي رونقٌ ونورٌ يزداد شيئا فشيئا كلّما اقترب الصيف.. صرت أطلّ بنوري علي الخارج المظلم وعادت عيني تري ما كنت أراه رجلا غير أنّي الآن عين من غير مُبْصِر …

أنا هناك يا سادتي.. ناشدتكم بالله إذا ما زرتم أمّي وحملتكم إلي السّطوح أن تخبروها أنّ القمع الذي تصبّ منه الزيت هو ولدها كان ذات يوم برميلا من النفط فمسخته آلهته فتقمّع…

(*) أستاذ جامعي من تونس

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 10 ماي 2006)

 


وكالــــة «قالـــوا» للأنبـــاء

بقلم: برهان بسيس

 

هي ابرز وكالة انباء ناشطة في حقل الاتصال الجماهيري، لم ترتق اي مؤسسة اعلامية الى مستوى منافستها في حجم الانتشار والنجاعة والحيوية، تكاد تستقل بحضورها الدائم في مختلف الميادين ومواظبتها المستمرة على الانتاج الجديد والترويج السريع الذي لا يتأثر بالفصول او المناخ او الاحداث.

 

الوكالة مثل غيرها من المؤسسات الاستراتيجية تخرج لجمهورها من خلال منتوجها اما موظفوها فهم سرّيون لا يعرفون بشيء عدى عبقريتهم في تحويل كل فرد من افراد الجمهور الذي يتعامل مع بضاعتهم الى موظف في الوكالة ينشر اخبارها بحماس منقطع النظير واندفاع مقاتل في تأكيد صدق البضاعة وجديتها. وكالة «قالوا» للانباء ككل الوكالات المهيكلة بشكل حديث وعصري تضم داخلها اقساما ودوائر متخصصة: القسم الرياضي، القسم الفني، القسم الاجتماعي والدائرة السياسية.

 

اما كوادر الوكالة واطاراتها فالبرغم من الطابع السري المسيطر على هوياتهم وحرصهم الشديد على البقاء خارج دائرة الاضواء فان عملهم يستند بالاساس على فريق واسع من موظفي الوكالة في هياكلها الوسطى والقاعدية الذين تناط بعهدتهم المهمة العملية الدقيقة وهي ترويج ونشر المنتوج الذي يتعب كودار الوكالة واطاراتها العليا في صنعه.

 

لا تشتغل الوكالة بشكل فوضوي اذ ان قسم التخطيط والاستشراف داخلها يضم خبراء ومحللين من طراز رفيع مختصين في دراسة المضمون وربطه بخصوصية المرحلة وتحديد التوقيت المناسب لاطلاق الخبر اليقين.

 

مآثر الوكالة عديدة والحقيقة فان اقسامها المختلفة قد لعبت دورا مهما في تخليد هذه المآثر وطبعها في الاذهان ولعلنا جميعا نذكر للقسم الفني للوكالة مثلا تأكيده منذ حوالي ثماني سنوات على طلوع المرحوم نجيب الخطاب على شاشة احدى الفضائيات بعد وفاته ليدعو الناس من مكان مقفر يشبه جبال تورابورا وقد نبتت على وجهه لحية سوداء كثة الى الرجوع الى طريق الله وترك معاصي الدنيا وبهرجها. وهو ما نسج على منواله القسم الاجتماعي للوكالة الصائفة الفارطة حين اكد ايضا طلوع احد المسؤولين الماليين التونسيين على شاشة نفس الفضائية (التي يحلو للعامة ان تنطق اسمها بوحي من اخبار الوكالة فتقول: «رأيناه على «الززيرة») وهو يقهقه بملئ فمه مستلقيا تحت مظلة فارهة على ساحل احدى شواطئ جزر الهاواي محاطا بحوريتين جميلتين ممسكا بيد سيجارا كوبيا فاخرا ملوحا بالاخرى في قلب الشاشة وهو يخبر مشاهديه بأن الحقيبة التي ترقد بجانبه هي التي تحوي كل مليارات المساكين التي هرب بها فرحا مسرورا!!!

 

والحقيقة فان القسم الفني او الرياضي او الاجتماعي يشتغل بكثافة على اخبار الحوادث والموت والسجن والنهب والهرب بناءا على قراءة عميقة للذة باطنة في روح الشعب المسكونة بالرغبة في تصديق خيال مغامر تتجاوز اثارته بكثير روتينية الواقع وملله.

 

لكن اكثر اقسام الوكالة وجاهة ووقارا هو بالتأكيد الدائرة السياسية ليس فقط لاختصاصها المتصل بأم المغريات: السياسة وانما ايضا بالنظر الى خصوصية الكوادر المشتغلة في هذه الدائرة اذ يمثلون زبدة اطارات الوكالة ونخبة خبراءها الاكفاء يتم انتدابهم في العادة بين صفوف سياسيين متفرغين عادة ما نالوا تفرغهم بعد تقاعد مبكر او نشطاء مباشرين لنشاطهم في الاحزاب والجمعيات والصالونات والنزل والمطاعم تتدرج مراتبهم من عضو عامل ناقل للخبر الى رئيس مجموعة منتج للمعلومة.

 

رؤساء المجموعات في الدائرة السياسية عادة ما يتمتعون بحظوة بارزة ضمن التراتبية الادارية للوكالة فهم الذين يملكون السبق الدائم في تحديد اتجاه التحوير الوزاري القادم ولا يكلوا او يملوا من المواظبة على القاء تفاصيل التشكيلة الحكومية القادمة الى السوق العمومية بنسق يتراوح بين الشهري والاسبوعي واحيانا اليومي حسب الظرف والمناسبة.

 

يملكون قدرات استكشاف نادرة تنبهر لها الالباب، يروون تفاصيل الوضع الحرج لاحد الوزراء، وراحة وغبطة آخر، يستبقون كشف الخطأ القاتل للوزير الفلاني ويقدمون كشفا كاملا عن تجاوزاته بل وايضا المنصب الذي سيشغله بعد خروجه القادم من الحكومة.

 

المام كامل بتفاصيل مواكب زواج وختان وطلاق وتأبين وصفقات وتجارة ودراسة ونجاح وسياحة وخصومة وتراضي كل عائلات المسؤولين وابناءهم واحفادهم. وهنا بالذات علينا ان نعترف لمديري الدائرة السياسية للوكالة بالذات بعبقريتهم في هذا المجال التي لا تضاهيها سوى قدرات الملائكة في التواجد السري اللامرئي في كل الاماكن والازمنة حاملة معها دفتر تسجيل الاحوال دون ان يشعر بها احد.

 

في اخر دراسة تم انجازها حول وكالة «قالوا» للانباء اكدت جملة يتيمة ملقية خلف سطر منسي في فقرة متعبة حول مصادر تمويل الوكالة: ان اهم بنكين ممولين لانشطة الوكالة هما: الشركة العامة للفراغ والبنك القومي للاعلام الصامت.

 

صدفة غريبة!! أليس كذلك؟!

 

(المصدر: ركن « البعد الآخر » بجريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 10 ماي 2006)


هل انفرد الإسلاميون بساحة المعارضة؟

swissinfo  9 أيار/مايو 2006 – آخر تحديث 12:58     أفرزت كل الانتخابات التي أجريت في الدول العربية خلال العام الماضي نجاحا ملحوظا للحركات الإسلامية، وفرضت نفسها كبديل بلا منافس لنظم الحكم العربية. فما الذي حدث فعلا في المسرح السياسي العربي لينفرد الإسلاميون بساحة المعارضة في معظم الدول العربية؟ مع أن الظاهر يشير إلى أن ظاهرة انفراد الإسلاميين بساحة المعارضة يبدو واضحا في الحالة الفلسطينية بفوز حركة حماس بالانتخابات البرلمانية وقيامها بتشكيل الحكومة، وفي العراق بتعزيز مكانة الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية على حد سواء، وفي مصر بوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى 88 مقعدا في مجلس الشعب المصري، فإن الدكتور عمرو حمزاوي، كبير الخبراء بمؤسسة كارينجي للسلام العالمي والمتخصص في دراسة التحول الديمقراطي في العالم العربي يرى أن الظاهرة لا تقتصر على هذه النماذج الثلاثة، وإنما ستكون في العام القادم على الأرجح متجسدة في فوز حزب حركة العدالة والتنمية الإسلامي بالانتخابات التشريعية في المغرب، وبروز الإسلاميين كقوة المعارضة الأساسية في كل من اليمن والكويت وغيرها من الدول العربية. ثلاثة تفسيرات رئيسية وقدم الدكتور عمرو حمزاوي ثلاثة تفسيرات رئيسية لهذه الظاهرة في ندوة نظمها مركز الحوار العربي في واشنطن: أولا، عملية الأسلمة: وتعني أن المجتمعات العربية منذ السبعينيات من القرن الماضي مرّت بعملية إعادة تعريف لهويتها وإعادة تعريف لتوجهاتها ولعلاقات القوى بين الأطراف السياسية المختلفة لمصلحة التيارات الدينية الإسلامية داخل هذه المجتمعات. وسرعان ما انعكست البنية الاجتماعية بهيمنة التيارات الدينية الإسلامية عليها في العملية السياسية من خلال نتائج الانتخابات التي أجريت في العام الماضي بنفس هذه التوازنات. ثانيا، ظاهرة التصويت الاحتجاجي: وتعني أن نجاح الحركات الإسلامية في صناديق الانتخابات يعكس حقيقة أن من شارك من الناخبين العرب في تلك الانتخابات، سواء بنسبة مشاركة عالية جدا كما حدث في العراق أو بنسب منخفضة تقل عن 20%، كما في الحالة المصرية سجل بصورة ما تصويته الاحتجاجي على النخب الحاكمة وعلى فسادها وفشلها في تحقيق طموحات المواطن على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولكن، لماذا ذهب التصويت الاحتجاجي إلى التيارات الدينية الإسلامية ولم يذهب إلى البدائل الأخرى من الأحزاب العلمانية واليسارية التي شاركت في العملية الانتخابية؟ يجيب الدكتور عمرو حمزاوي فيقول: « لقد شعر الناخب العربي بأن التيارات والحركات الإسلامية أصبحت في وجدانه تشكل البديل الوحيد المقنع، لأن القوى الليبرالية والقوى اليسارية أصبحت ضعيفة وغير موجودة في الشارع السياسي العربي ». ثالثا، انحسار تأثير القوى العلمانية في المجتمعات العربية: فقد ضعف تأثير هذه القوى في العقود الثلاثة الماضية بحكم فشل النظم العربية التي تبنت مفاهيم علمانية وقومية، فأفقدت هذه الأيدلوجيات مصداقيتها عند المواطن العربي، كما أن نظما عربية بعينها مثل المغرب ومصر واليمن اتبعت نظما تعددية سياسية مقيدة، فسمحت بوجود أحزاب سياسية ورقية لا وجود لها في الشارع العربي، لأن النظم العربية الحاكمة لم تسمح لها بهامش من الحركة يتيح لها المشاركة الفعلية في الحياة السياسية، بل واستخدمت النظم العربية الحاكمة الحركات الإسلامية في بعض الأحيان كوسيلة لضرب اليسار أو القوميين العرب. وهناك أسباب فرعية أخرى من بينها أن الناخب العربي الذي يشعر بالغضب من السياسات الأمريكية في العالم العربي، يشعر بأن الحركات الإسلامية هي الرافض الحقيقي للنفوذ والسيناريو الأمريكي في المنطقة العربية، لذلك صوت لصالح تلك الحركات الإسلامية التي ينظر إليها كطليعة وحيدة في جبهة المقاومة العربية للهيمنة الأمريكية. تداعيات صعود الإسلاميين ويرى الدكتور عمرو حمزاوي أن هناك انعكاسات لظاهرة انفراد الحركات الإسلامية بساحة المعارضة في العديد من الدول العربية على عملية التحول نحو الديمقراطية التي أصبحت أولوية لطموحات المواطنين العرب على مستويين: أولا، آليات الديمقراطية المتبعة: صعود التيارات الدينية لا يعبر عن تهديد للتحول الديمقراطي، بل هو نتاج لممارسة إجراءات الديمقراطية من ترشيح وتصويت وتوافق بين التيارات السياسية بهدف تحقيق التوازن بين السلطات وضمان تداول السلطة. والعنصر الذي لم يتم اختباره هو مسألة تداول السلطة، فليس بوسع أحد أن يجزم من الآن بأن حركة حماس مثلا إذا ما خسرت الانتخابات القادمة، فإنها لن تتخلى عن مقاعد السلطة، لكن الجميع يوقنون بأن النخب العربية الحاكمة حاليا هي التي لا تتخلى عن مقاعد السلطة، بل إن الهدف الأسمى لكل نظام هو كيفية الاحتفاظ بالسلطة إلى أجل غير مسمى. ولكن المبشر في حالة الحركات الإسلامية أنها حينما اختبرت في انتخابات النقابات والاتحادات المهنية، احترمت تداول السلطة عندما خسرت الانتخابات. وفيما يتعلق بالرقابة المتبادلة بين فروع الحكم الثلاثة، تبدو الحركات الدينية الإسلامية أكثر حرصا على تلك الرقابة من النخب السلطوية الحاكمة التي تقوم على إلغاء استقلالية السلطات القضائية والتشريعية وعلى هيمنة السلطة التنفيذية. ثانيا، القيم الديمقراطية: وهي التعددية التي تسمح بوجود قوى سياسية مختلفة تعبر في برامجها وسياساتها عن فكرة أنها لا تحتكر الحقيقة المطلقة لأنه لو اعتقدت إحدى القوى السياسية أنها تحتكر الحقيقة المطلقة، فلماذا تتخلى عنها للآخرين؟ والقيمة الثانية هي التسامح وإدارة الاختلاف بطريقة سلمية، وهي قيمة تكتسب أهمية خاصة في حالة التحول الديمقراطي في المجتمعات العربية المتسمة بتنوع تراكيبها الدينية والعرقية. « مساحات رمادية » وهنا تبرز مشاكل عديدة يمكن أن تتسبب فيها عملية صعود الحركات الإسلامية في ساحة الممارسة والمعارضة السياسية، وذلك بسبب وجود العديد من المساحات الرمادية التي تنطوي على غموض في مواقف تلك الحركات من القيم الديمقراطية بسبب عدد من مفاهيم هذه الحركات: 1- المرجعية الإسلامية: وتضع تلك المرجعية العديد من علامات الاستفهام على مدى التزام التيارات الإسلامية بمسألة التعددية السياسية، لأن تلك التيارات تعبر عن احترامها للتعددية السياسية في إطار ما تسميه المرجعية الإسلامية دون أن تحدد المقصود بتلك المرجعية. فتارة تفسر المرجعية الإسلامية بالالتزام بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويفسرها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر بأنها تنطوي على أن تلحق بكل وزارة لجنة مختصة بمراجعة القوانين والإجراءات المتبعة، ومدى اتساقها وتوافقها مع تعاليم الإسلام. فيما يطالب حزب العدالة والتنمية في المغرب بالالتزام بما يسميه الوعاء الحضاري والثقافي للأمة وهو تعبير هلامي. 2- العلاقة بين الأغلبية والأقليات: المشكلة في موقف التيارات الإسلامية فيما يتعلق بهذه المسألة أنها تنطوي على ما يمكن تسميته بالتصور الاستعلائي وهو ما يعني أنه إذا كان المسلمون يشكلون الأغلبية في المجتمع، فبوسع من انتخبوهم أن يديروا المجتمع وفقا لما تشاء تلك الأغلبية، وليس للأقليات أن تتدخل لأنها في نهاية المطاف مهزومة عدديا، وفي هذا مجافاة لمعنى الديمقراطية التي تعني أن الرابطة بين السلطة وبين الأفراد هي صفة المواطنة، وليس رابطة الانتماء الديني أو الولاءات العرقية أو الدينية. 3- مسألة استخدام العنف أو عسكرة التنظيم السياسي للحركة الدينية مثل حركتي حماس وحزب الله. فمع التسليم بوجود فارق رئيسي بين استخدام العنف للإرهاب واستخدام السلاح للمقاومة المشروعة، فإنه من ناحية تحول الحركة الإسلامية إلى العمل السياسي من خلال نظام ديمقراطي يتيح التعددية والانتخابات الحرة، وأولوية العمل السلمي لا يستقيم جمع الحركة بين العمل السياسي والتنظيم العسكري. 4- مسألة الحريات المدنية والفردية: وتتلخص في موضوع حرية العقيدة وحق الفرد في اختيار دينه، وهو موقف تتفق على رفضه الحركات الدينية الإسلامية. أثر صعود الإسلاميين على التحول الديمقراطي يفرق الدكتور عمرو حمزاوي بين مستويين من مستويات التحول الديمقراطي: آليات العملية الديمقراطية، وقيم الديمقراطية. ويرى أنه فيما يتعلق بآليات العملية الديمقراطية، فإن صعود الإسلاميين بدرجات مختلفة إلى حلبة العمل السياسي بدلا من مواصلة استئثار النخب الحاكمة بالساحة السياسية في العالم العربي على مدى الخمسين عاما الماضية، يحوّل الساحات السياسية إلى ساحات ثنائية القطبين، مما يوفر من الناحية العملية ضمانا لعدم مواصلة احتكار السلطة. وفيما يتعلق بقيم الديمقراطية، يعتقد الدكتور حمزاوي أن صعود الإسلاميين إلى مستوى الانفراد بالمعارضة الحقيقية في العالم العربي ينطوي على إيجابيات وسلبيات، فربما شكلت مشاركة الحركات الدينية في العملية السياسية من ناحية التعددية السياسية فرصة لعملية فرز داخل تلك الحركات ما بين متشددين وإصلاحيين بحكم الممارسة السياسية، وبروز التناقض ما بين الأيديولوجية وبين براغماتية إدارة السياسة وملفات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. أما النقطة المفصلية التي ستمكن الحركات الإسلامية السياسية من تخطي المساحات الرمادية هي أن يحدث تنوع وتعدد في داخل تلك الحركات الإسلامية، لأنه كلما تعددت الرؤى وتنوع الطرح، كلما كان ذلك يصب في مصلحة عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي، لأن ذلك ينفي في نهاية المطاف إدعاء أي من تلك الحركات احتكار الإسلام، وبالتالي، ينهي فكرة احتكار الحقيقة المطلقة. مخاوف ولكن الدكتور عمرو حمزاوي سجل بعض المخاوف من التأثيرات السلبية لصعود الإسلاميين كمعارضة سياسية رئيسية في العالم العربي على عملية التحول نحو الديمقراطية. ويشرح تلك المخاوف بقوله: « أنا أعتقد أنه من الخطورة بمكان أن تسيطر تيارات إسلامية تنطوي برامجها ومواقفها على المساحات الرمادية الراهنة على الحياة السياسية في المجتمعات العربية، خاصة في الحالات التي تتوفر في تلك المجتمعات تعددية في التركيبة العرقية أو الدينية، إذ يلزم في هذه الحالة الأخذ بعملية تحول ديمقراطي بضمانات دستورية، بحيث يتم توافق بين قوى سياسية رئيسية في الحكم والمعارضة على إنجاز إصلاحات سياسية وتعديلات دستورية تركز على مجموعة من قواعد اللعبة الديمقراطية، مثل تداول السلطة، وعدم الاستئثار، وعدم هيمنة المنطق الاستعلائي في علاقة الأغلبية بالأقليات ورابطة المواطنة وليس بعلاقة الدين ». ويرى أنه حتى لو توفرت تلك الضمانات في شكل تعديلات دستورية، فإن المواطن العربي يحتفظ للدساتير العربية بسمعة سيئة، حيث أنها لا تحترم أصلا ولا يتم تنفيذ ما نصت عليه. ولذلك، فلابد من توفر سلطة أو مجموعة من المؤسسات العامة التي تتسم بالحياد وتستطيع ضبط حركة المجال السياسي، بحيث لا تتخطى قواعد اللعبة الديمقراطية مثل قيام المؤسسة العسكرية التركية بمهمة الضامن، وإن كانت المؤسسات العسكرية العربية في حالات الجمهوريات العربية هي الأخرى سيئة السمعة بالنسبة للممارسة الديمقراطية. ولكن قد يمكن في حالات الأنظمة الملكية العربية أن يقوم الملك في الأردن أو في المغرب على سبيل المثال بدور المرجع النهائي لضبط قواعد اللعبة الديمقراطية، وقد يكون الضامن هو القضاء. ففي الحالة المصرية، تكاد تكون المؤسسة الوحيدة المؤهلة للقيام بدور الضامن للالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية هي المؤسسة القضائية. أما الضمانة المهمة الأخرى، فهي ضمانة التوافق بحيث تتفق القوى السياسية الرئيسية بصورة توافقية على قواعد للعبة الديمقراطية ليلتزم بها الجميع. ويلزم لتحقيق التوافق والتوازن، تعزيز الدور المفقود للتيارات العلمانية العربية، حيث أنه لو لم تتمكن التيارات العلمانية في دول مثل مصر والمغرب واليمن وغيرها من استعادة دورها المفقود في الحياة السياسية العربية، وبحيث تكون لها قواعد شعبية يمكن أن تشارك في العملية الانتخابية، فلن يكون التوافق والتعددية أمرا فعالا في إطار التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي. وتبقى ضمانة أخرى مهمة هي ضمانة الرأي العام العربي، حيث لم يكن المواطنون العرب أقرب من مسألة الإيمان بالديمقراطية كآليات وكقيم في أي لحظة أكثر من اللحظة الحالية. فهناك إجماع حاليا بين الرأي العام العربي على أهمية التحول نحو الديمقراطية، كمخرج وحيد من آفات نظم الحكم العربية الحالية ومن الفساد والبطالة وتدهور معدلات التنمية الاقتصادية والبشرية. ولكن المشكلة الحقيقية في الرأي العام العربي، أنه يهتم بقضية الديمقراطية، ولكنه لا يشارك. ولذلك، فإن الخطورة تكمُـن في حقيقة أن التيارات الإسلامية هي التيارات السياسية الوحيدة القادرة حاليا على الدفع بمؤيديها إلى صناديق الاقتراع، وتبقى الأغلبية الصامتة لا تتحرك فعليا للتعبير عن آرائها. محمد ماضي – واشنطن (المصدر: موقع سويس انفو بتاريخ 9 ماي 2006 )

 

ليسوا هواة انتحار أو دعاة موت

فهمي هويدي (*)

 

في زمن الانحسار الذي نعيشه، احتل خطاب الاستسلام موقعا ملحوظا في الإعلام العربي، حتى اصبحت رسائله جزءا من ثقافة المرحلة، وهو ما تجلى في العديد من الدعوات والحملات التي استهدفت مختلف القيم النبيلة ومصادر العافية في مجتمعاتنا، في المقدمة منها قيم الوحدة والانتماء العربي والإسلامي، وصولا إلى المقاومة والجهاد والاستشهاد.

 

ما دفعني إلى التطرق إلى هذا الموضوع هو علو نبرة تسفيه تلك القيم في بعض المنابر الإعلامية، وبوجه أخص مسألة الاستشهاد التي يحلو للبعض أن يصفها بأنها مجرد «انتحار»، الأمر الذي يضعنا ازاء مفارقة بائسة، إذ نجد نفرا من خيرة شباب الأمة يضحون بحياتهم ودمائهم وأحلامهم من أجل الدفاع عن أمتهم وأحلامهم، في حين يضن عليهم نفر آخر من المثقفين بكلمة حق تنصفهم وتحفظ لهم كرامتهم في الدنيا، فيصفونهم بأنهم انتحاريون، ازدراء لهم وتهوينا من شأنهم. ليس ذلك فحسب، وإنما ذهب البعض في تسفيههم لأولئك الشباب المجاهدين إلى حد اتهامهم بقصور الفهم وقصر النظر، والإدعاء عليهم بأنهم حينما ضحوا بحياتهم، إنما أرادوا فقط تسجيل موقف، دون أن تكون لهم غاية أو هدف يريدون بلوغه، الأمر الذي صورهم بحسبانهم قطعانا فاقدة العقل، جعلت من الانتحار هواية تمارسها حينا بعد حين، في تنافس عبثي على الموت لأجل الموت!

 

وحتى لا يلتبس الأمر على أحد، فإن ما أعنيه وأدافع عنه هو العملية الاستشهادية الموجهة ضد أعداء الأمة الذين اغتصبوا أرضها في فلسطين أو احتلوها كما في العراق. أما الذين يفجرون أنفسهم في عمليات تتم ضد أبناء وطنهم أو مرافقه، أو ضد الأبرياء العزل في أي مكان فهؤلاء يرتكبون أعمالا إرهابية لا أدافع عنها، وإنما أدينها بكل ما أملك من قوة، ومن الخطأ الجسيم أن يوضع الجميع في سلة واحدة، بحيث يساوي بين الذين يدافعون عن كرامة أمتهم بغيرهم ممن يروعون مواطنيهم أو يشيعون في البلاد الخراب والدمار.

 

قرأت على هذه الصفحة في الأسبوع الماضي نموذجا لذلك الخليط. أقحم الفلسطينيين في زمرة دعاة الترويع والإرهاب، ومن ثم أخذ على الفلسطينيين ما أخذه على غيرهم من انفصام العلاقة بين الهدف والوسيلة حتى صارت الوسيلة هدفا في حد ذاتها. وهو ما اعتبرته ظلما فادحا للنضال الفلسطيني وتشويها جسيما له، ينبغي أن يتنزه عنه أي باحث منصف، ولا أقول أي مثقف ملتزم. وحفزني ذلك إلى محاولة تحرير المسألة في ذلك الجانب، خشية أن يصدق البعض الكلام، فتتحول العمليات الاستشهادية إلى قيمة سلبية وعملا عبثيا يظن أنه لا طائل من ورائه، في حين أنها في اللحظة الراهنة بمثابة ورقة الضغط الأخيرة التي يملكها الفلسطينيون، بل لا أزيد في القول بأنها صارت ورقة التوت الوحيدة التي تستر عورة الأمة العربية، وتحول بينها وبين الانكشاف والفضيحة.

 

لقد اعتاد الإعلام الغربي ـ وبعض مثقفينا المنسوبين إلى «المارينز» ـ أن يقيموا الدنيا ولا يقعدوها إذا ما سالت دماء مواطن إسرائيلي، أما موت الفلسطيني فقد غدا أمرا عاديا، أو كأنه من تقاليد الحياة المستقرة في الأرض المحتلة، وهو ما تجدد مع عملية تل أبيب الأخيرة التي استشهد فيها أحد شباب الجهاد الفلسطيني بعدما فجر نفسه وقتل تسعة إسرائيليين، وجاء ذلك بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية 28 فلسطينيا في الفترة من أول إبريل الى 18 إبريل الماضي، لم يتحرك شيء حين تتابع قتل الفلسطينيين خلال تلك الفترة. عند الحد الأقصى نشرت الصحف أخبارا متناثرة عن قتل الفلسطينيين، كما لو كانت متابعة لمسلسل تلفزيوني، أما حين حدث الرد وسال الدم الإسرائيلي فأن الخبر تحول إلى قضية، وتعين على الجميع أن يسجلوا شهادتهم بخصوصها.

 

أكرر ما قلته من قبل من أنني لست بحاجة إلى إدانة القتل وإراقة الدماء من حيث المبدأ كما أن احدا لا يستطيع أن يزايد علينا في ثقافة رفض قتل النفس، الذي اعتبره الإسلام بنص القرآن قتلا للبشرية كلها، حتى وأن استهدف إنسانا واحدا بغير حق، بالتالي فنحن لا نتحدث عن المبدأ مجردا، ولكننا نتحدث حصريا على حالة توافرت لها أركان ثلاثة هي:

 

* احتلال اغتصب الأرض وتشبث بها، ومارس عليها توسعاته ومستوطناته، وسوره الذي أراد به أن يلتهم نصف الضفة الغربية.

 

* سلوك عدواني راهن على السحق والقمع، ولم يتوقف يوما عن قتل المدنيين الفلسطينيين وقصف تجمعاتهم وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم وذلك فضلا عن احتجاز عشرة آلاف فلسطيني في السجون الإسرائيلية، واعتبارهم رهائن في ممارسات الإذلال، وضغوط المساومة.

 

* انسداد أفق المراهنة على أي تسوية سلمية عادلة، والتيقن من أن تلويحات السلام التي طرحت استخدمت أستارا وأقنعة لاخفاء التمكين للاحتلال وتغيير خرائط الواقع، ومن ثم لإجهاض أحلام المستقبل واحدا تلو الآخر، من الاستقلال إلى العودة.

 

بوسع أي باحث منصف، حتى وأن كان من «المارينز»، أن يراجع صفحات التاريخ ليتثبت من أن العمليات الاستشهادية لم تظهر في الأفق الفلسطيني إلا بعد أن توافرت تلك العوامل الثلاثة، بوسعه أيضا أن يراجع خطاب المقاومة الفلسطينية الذي عرض إيقاف العمليات الاستشهادية في مقابل وقف الغارات والاجتياحات الإسرائيلية، كما عرض هدنة تبادلية يطلق فيها الأسرى والمعتقلون، لكن ذلك كله رفض في الجانب الإسرائيلي الذي أصر على الاحتكام إلى لغة الدم، وكان الرد الفلسطيني هو «لن يتم ذلك بالمجان وليكن الدم بالدم»!

 

هل أصبحت العمليات الاستشهادية في الحالة الفلسطينية هدفا لا وسيلة وهل حقا انصب الحرص الفلسطيني على تسجيل المواقف دون تحقيق الأهداف؟ هذا هو الإدعاء الذي أدهشني، من حيث أنني وجدت فيه ظلما بينا وتسفيها غير مبرر، وتهوينا من شأن التضحيات الغالية التي يقدم عليها المجاهدون الفلسطينيون بجسارة نادرة.

 

إن أي باحث عادي في العلوم الاجتماعية يعرف أن الأهداف درجات، منها ما هو مرحلي ومنها ما هو نهائي، فتحرير الأرض المحتلة في فلسطين هدف نهائي، لكن إقلاق راحة العدو وإقناعه بأن بقاءه في الأرض المحتلة يحمله كلفة باهظة لا قبل له بها، وكذلك مقاطعته وإشعاره بأنه مرفوض ومنبوذ طالما استمر في احتلاله، مثل هذه الأساليب أو الوسائل تحقق أهدافا مرحلية، من شأن استمرارها أن يقرب الخطى نحو الهدف النهائي، بعضه أو كله، أو قل إنه بغيرها يتعذر الوصول إلى الهدف النهائي.

 

إذا اتفقنا على ذلك المعيار، وحاولنا تنزيله على أرض الواقع فسنجد أن العمليات الاستشهادية وليس المفاوضات حققت ما يلي:

 

* ضربت نظرية الأمن الإسرائيلي من حيث إنها أوصلت إلى كافة الإسرائيليين رسالة أبلغتهم فيها أنهم لن يستطيعوا أن ينعموا بالأمان طالما ظل الفلسطينيون تحت الاحتلال وهذه هي الحجة التي استخدمها بنيامين نتنياهو في مناظرته الشهيرة مع شمعون بيريز حين نافسه على رئاسة الحكومة بعد مقتل رابين إذ تحدث بيريز عن الاختراقات الإسرائيلية الدبلوماسية للعديد من عواصم العالم العربي والإسلامي، فرد عليه نتنياهو قائلا: ما قيمة ذلك كله إذا ظل المواطن الإسرائيلي مفتقدا للأمان في بلاده، وكانت تلك هي الضربة القاضية التي أجهزت على بيريز وأخرجته من السباق.

 

* أوقفت تطلعات دعاة إقامة إسرائيل الكبرى، وأجبرت القيادة الإسرائيلية على التراجع النسبي، بعد أن دأبت على مواصلة التوسع بعد عام 67 وما الانسحاب أحادي الجانب من غزة وإخلاء مستوطناتها وطرح الانسحاب الجزئي من الضفة إلا دليل على ذلك.

 

* اضطرت إسرائيل إلى محاولة التحصين وراء الجدار العازل لتوقف هجمات المقاومة ورغم أن الجدار استخدم لابتلاع مزيد من الأرض ومن ثم زاد من معاناة الفلسطينيين، إلا أن ذلك لا ينفي عنصر الخوف الإسرائيلي في مشروعه.

 

* أن شارون حين أعلن وهو على رأس الحكومة الإسرائيلية أن حرب 48 لم تنته، فأنه كان يعبر عن إدراك الإسرائيليين بأن الشعور بالاستقرار والأمن لم يتوافر لهم بعد، رغم إقامة الدولة ورغم كل أسباب القوة والاستعلاء التي تستعرضها أمام الملأ بين الحين والآخر.

 

ان الاستشهاديين في فلسطين ليسوا هواة انتحار ولا دعاة موت كما يصورهم خطاب الاستسلام والهزيمة ولكنهم يقدمون أرواحهم كي تظل هذه الأمة مرتفعة الرأس، وكي يبقى حلمها في الحياة الكريمة متجددا ومتوهجا، ومن المشين والمخزي حقا أن نطالع أصواتا تسفه تضحياتهم النبيلة، متضامنة في ذلك مع الساعين إلى إجهاض الحلم ومن ثم كسر إرادة الأمة وتركيعها.

 

(*) كاتب ومفكر من مصر

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 10 ماي 2006)

 

 

لماذا يغذي الغربُ منابع الارهاب والتطرف؟

علي طه النوباني (*)

 

قبل عامين تقريبا كنت عائداً في سيارتي من اربد الي جرش (مدينتان في شمال الأردن)، وأثناء مسيري أشار لي سائح أجنبي، فتوقفت عارضاً المساعدة، وبعد الترحيب التقليدي سألته: من أي البلاد هو؟ فأجاب: من ألمانيا، وبينما كانت الطريق تخترق غابة صغيرة قرب جرش، كان يستفسر مني عن موقف الحافلات التي يمكن أن تقله الي العاصمة عمان.

كنت بين الفينة والأخري أختلس النظر الي عينيه الزرقاوين وقوامه الآري المشع، ولمع في ذهني ما عرفته عن الحربين العالميتين، وعن هتلر وحتي عما قيل ويقال عن الهولوكوست، ولكني قطعت صمتي وأكدت له بأني سأقوم بتوصيله الي موقف الحافلات، بل وعرضت عليه أن يحتسي الشاي في بيتي فاعتذر بلطف ذاكراً لي بأن برنــامجه لا يحتمل.

وعندما خرجنا من الغابة الصغيرة التي تسمي ثغرة عصفور وأطلّت علينا العجوز القديمة جرش وهي جالسة في حضن الجبال الشاهقة، صاح الألماني

wonderful Magnificent فأصابني الذهول ليس من شيء سوي رغبتي في معرفة سبب دهشته، وقلت له: ما هو الرائع فيما تري؟ قال: منظر مدينتكم رائع جداً…

نظرت الي المدينة بطريقة مختلفة: كانت جبال عجلون تهبط علي جرش من العلياء وكأنما هي عالقة بأشعة الشمس …قلت له: أيا كان الأمر، فان وراء هذه الجبال شيئاً مرعباً لا يسمح لنا بتذوق هذا الجمال الذي تتحدث عنه، فسألني باستغراب: عمّ تتحدث؟ قلت له: وراء هذه الجبال دولة تسمي اسرائيل تمتلك مائتي رأس نووي والكثير الكثير من الأسلحة، وقد سبق لها أن ارتكبت الكثير من الفظائع والمذابح بحق الناس البسطاء .. وهي تشكل مصدر تهديد دائم لهذه المدن الوادعة!

امتقع وجه الرجل وتمتم بكلام فهمت منه استنكاره لطرح مثل هذه الفكرة، بل وعدم رغبته في مناقشتها … وكنا قد وصلنا الي موقف الحافلات فتوادعنا مبتسمين.

لقد تذكرت هذه الحادثة ضمن محاولتي لفهم الخطوط العريضة لملف ايران النووي، ففي الوقت الذي اكتفي فيه العرب بالنظر تحت أقدامهم طوال العقود السابقة أرادت ايران أن تنظر الي الأمام قليلاً، وهي مسألة تحتاج الي الجرأة أكثر مما تحتاج الي الذكاء والعبقرية، فالطاقة هي أساس النمو والتحضر في عصــــرنا هذا، والنفط مصدر ناضب لا محالة، ما معناه أن سكان هذه المنطقة سيرجعون الي عصور ما قبــــل التاريخ عند انــــــتهاء عصر النفط اذا لم يعدّوا البديل من الآن، هذا الي علمنا الأكيد بأن هذه المرحلة ليست بعيدة بل انها قد بدأت بالفعل مع التصاعد الجنوني في أسعار النفط وتزايد الطلب عليه، وتضاؤل مخزونه العالمي.

انها معادلة سهلة ومعروفة لكل ذي بصر .. فاذا كان العالم المتحضر معنياً بالتنمية في منطقتنا فلماذا لا يساعدنا في توفير مصادر الطاقة البديلة، ولا يسمح لنا بأن نطورها بأنفسنا، وفي الوقت نفسه يغضّ الطرف عن اســرائيل التي تمتلك ما يزيد علي مئتي رأس نووي عدا عن المفاعلات النووية.

جري هذا علي مستوي التنمية الاقتصادية تماما كما جري علي مستوي التنمية السياسية، حيث تعامل الغرب مع الدكتاتوريات العربية، ودعم استمرارها مع معرفته التامة بمدي تعطش الشعوب العربية للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بل ورأي أصوات الخير والعدالة والسلام وهي تداس تحت أقدام الارهاب والتسلط والسفالة ولم يحرك ساكنا.

ان كل عاقل في منطقتنا وفي العالم يحلم بعالم خالٍ من السلاح النووي علي أن يتم العمل علي ذلك دون تمييز أو محاباة، ولكننا نحلم أيضا مثل غيرنا من الشعوب بأن نمتلك الطاقة الرخيصة التي تسمح لنا بأن نلحق بركب الحضارة وأن نعيش مثل غيرنا من البشر.

هل يعرف الغرب بأن هذا التمييز المكشوف لصالح اسرائيل يخلق حالة من التردي الثقافي في منطقتنا، ويتيح الفرصة للقوي المتطرفة المسكونة بنرجسية الأحادية المغلقة وخرافات العداء الأزلي المقيتة للتغوّل علي قوي السلام والتسامح؟ بل ويجعل من قوي السلام والتسامح طرفاً ضعيفاً أمام قوي التطرف والعدوان تلك التي تحلم فعلاً بامتلاك كل أدوات الدمار بما فيها الأسلحة النووية ليس فقط لمحاربة من يرونهم أعداءً وانما أيضا لمحاربة الحياة نفسها.

هل يعرف الغرب أن ملايين الأطفال في منطقتنا شربوا خرافات العداء الأبدي ليس فقط لاسرائيل وانما للغرب بقضّه وقضيضه أيضاً بسبب حالة الرعب التي صنعتها اسرائيل في المنطقة؟ وهل يحتمل عالم اليوم المثخن بالجراح والمآسي تخريج هذا العدد الهائل من المهووسين بالعنف والرغبة بالانتقام؟

لقد رأيت في عيني الألماني حَرَجاً من الخوض في خطورة السلاح النووي الاسرائيلي، فالحضارة الغربية التي صنعت كل ما نعرفه من منجزات بُنيت كلّها علي المنطق تنقلب الي حالة دوغمائية عجيبة عندما نتحدث عن اسرائيل هذه الدولة المستثناة دائماً، والتي يحق لها ما لا يحق لغيرها. فهي تنعم بالطاقة الكهربائية الرخيصة من مفاعلاتها النووية ولا يستفيد جيرانها سوي مخاطر التسرب وربما دفن الفضلات النووية، وهي تمارس أسوأ أنواع التمييز وتقدم نفسها كدولة دينية في زمن العلمانية والديمقراطية، ثمّ يتذرع الغرب بديمقراطيتها الفريدة ليتمادي في دعمها ويعيب علي ايران النوع نفسه من الديمقراطية الدينية.

ويبقي السؤال قائماً: لماذا يغذي الغرب منابع الارهاب والتطرف؟! وما هي مصلحته في تغوّل التطرف علي الاعتدال، والعداء علي التسامح، علي الرغم من كل دعاوي مكافحة الارهاب التي يرفعها، ألم يبلغ الوقت لكي يتنادي أحرار العالم ليعلنوا للغرب أن كفي تغذيةً وتحفيزاً للتطرف والاجرام وذبحاً لقـــــوي الخير والمحـــــبة، فان عالمنا يعاني ما يكفيه من مرارة الكوارث والمجاعات والفقر ومخاطر الطبيعة التي صنعها جشع الانسان وسوء ادارته.

 

عضو رابطة الكتاب الأردنيين


Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

27 octobre 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 7 ème année, N° 2349 du 27.10.2006  archives : www.tunisnews.net AISPP: Communiqué Imad Daimi, Chokri

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.