لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته “الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين”
حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:
قائمة “تونس نيوز” تتعرض لعملية قرصنة
نعلم السادة والسيدات القراء المحترمين والمشتركين أن قائمة مراسلات “تونس نيوز” على مجموعات ياهو قد تعرضت في وقت متأخر من مساء السبت 19 أوت 2006 إلى عملية قرصنة جبانة أدخلت بعض الإضطراب على سير عملها.
ونحن إذ نعتذر للجميع عن أي إزعاج قد يكون نجم عن هذا العمل الإجرامي والمتخلف والجبان، نعد إخواننا وأصدقائنا وقراءنا بالإستمرار في هذا الجهد اليومي الإعلامي الوطني المقاوم إلى أن تنبلج شمس الحرية والإنعتاق في ربوع الخضراء العزيزة.
فريق تونس نيوز
20 أوت 2006
بيان للرأي العام الوطني
عن التنسيقية الوطنية المنسق العام سالم العياري
و قد تركزت أغلب محاور التحقيق حول:
– طرق برمجة التحركات. – معرفة مكان إقامة و هواتف الرفاق أعضاء الإتحاد. – معرفة التوجهات السياسية التي من الممكن أن يحملها الإتحاد. – علاقة إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل ببقية اللجان و الهيئات ذات نفس الأهداف المعلنة. – أخذ إرشادات أمنية عامة و مفصلة عن الرفيق و عائلته. و إزاء سياسة الهرسلة التي يمارسها البوليس على أعضاء الإتحاد، و على الرفيق مسلم الفرجاني، و ما سبقها من محاولة للتهديد بالسجن على خلفية عدم قانونية منظمتنا، فإن أعضاء التنسيقية الوطنية لاتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل يؤكدون: – مساندتهم المطلقة للرفيق مسلم الفرجاني و كل المناضلين صلب الاتحاد. – تمسكهم باتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل كمنظمة شرعية و قانونية. – مواصلتهم النضال رغم كل المحاولات لإخماد صوت المعطلين. – رفضهم للسياسة الأمنية المتسلطة التي تنتهجها السلطة ضد أعضاء الإتحاد و عموم المناضلين. هذا، و يعبر أعضاء الإتحاد عن إكبارهم لمجهودات كل المنظمات و الهيئات و الأفراد من أجل إطلاق سراح الرفيق. ختاما، يهيب إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل بكل اللجان الجهوية و القوى السياسية و الحقوقية الوقوف إلى جانبه من أجل الدفاع عن حق الشغل قبل كل الحقوق. عن التنسيقية الوطنية لإتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل المكلف بالإعلام الحسن رحيمي
مأساة مساجين الرأي في تونس
التضييقات والعقوبات
* شهادة السجين صادق شورو
:في صائفة 1993 فاجأنا الملازم نبيل العيداني و نحن نصلي صلاة المغرب جماعة في الغرفة 2 بالجناح المضيق بسجن تونس, فكانت العقوبة شديدة, حيث عنفنا بشدة و بواسطة الفلقة…
* شهادة السجين جمال شعيرات
:سنة 1994 عوقب الأخ عمر الميغري بالنقل في الغرفة B4 في سجن برج الرومي و حرمانه من الفراش بسبب قيامه للتسحر ليلا.
الحبيب مباركي – سويسرا
الله أكبر الله أكبر إنا لله وإنا إليه راجعون
إنتقل إلى جوار ربه جد الأخ الكيلاني منتصر
بقلوب حزينة باكية ولكنها راضية بقضاء الله وقدره نتقدم بتعازينا الحره لأخينا السجين السياسي السابق الكيلاني منتصر. وقد انتقل الفقيد العزيز إلى رحمة الله تعالى يوم السبت 19 أوت ليلا .
و بهذه المناسبة الأليمة، نحتسب عند الله فقيدنا المغفور له ونرفع خالص التعازي إلى أخينا المجاهد والمصابر الكيلاني منتصر وإلى كل العائلة الكريمة راجين من الله العلي القدير أن يرزقهم جميل الصبر والسلوان وأن لا يفتنهم وإيانا بعده وأن يتقبله القبول الحسن بواسع الرحمة والمغفرة و يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
“يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” الفجر (30،29،28،27)
للاتصال بالاخ لتقديم التعازي: 0021620317313
الحبيب مباركي – سويسرا
“ام بى اى” تنشأ صندوقاً سياحياً فى تونس برأسمال 65 مليون دينار
تونس : أعلنت شركة “ام بي اي انترناشيونال هولدينج” الكويتية أحداث صندوق للاستثمارات السياحية برأسمال بلغت قيمته 65 مليون دينار لتجديد وحدات فندقية بهدف إعادة تشغيلها. وتثير تونس ـ الشريك التقليدي للإتحاد الأوروبي ـ اهتماماً لا سابق له لدى المستثمرين الخليجيين الذين تضاعفت استثماراتهم في السنوات الأخيرة في قطاعات الخدمات والسياحة والمصارف في تونس. وطبقاً لما أوردته صحيفة الوطن الكويتية، فقد ذكرت الوكالة التونسية للنهوض بالاستثمارات، إن حجم رؤوس الأموال الخليجية التي تدفقت على تونس تجاوز مئتي مليون دينار تونسي في 2005 مقابل 97 مليون دينارفي 2001، بزيادة نسبتها53%. كما فاقت المشاركة العربية في الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الخدمات وبشكل كبير العام الماضي مشاركة الإتحاد الأوروبي وبلغت 144 مليون دينار مقابل 5.87 ملايين دينار للاستثمارات الأوروبية. وذكرت منجية الخميري المديرة العامة للوكالة التونسية للنهوض بالاستثمارات إن:” دول الخليج تملك الكثير من رؤوس الأموال التي تريد استثمارها وقد بدأت المجموعات الكبرى تهتم بتونس للاستثمار في قطاعات واعدة مثل الإتصالات والخدمات المالية والسياحة”. تاريخ التحديث : 8/19/2006 2:13:36 PM
الاستعداد للعودة المدرسية بولاية تونس
الدول المغاربية أهم بوابات الهجرة نحو أوروبا اجتماع جزائري إيطالي مرتقب حول الهجرة السرية
تعليق على المشاركة في مسيرة 24 جويلية:
الحدود التي تفصل الحركة الديمقراطية عن الدكتاتورية لا ينبغي أن تمحى بسهولة مهما كان الظرف ومهما كانت القضية
أثارت المشاركة في مسيرة يوم الاثنين 24 جويلية 2006 التي دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل للاحتجاج على العدوان الصهيوني على لبنان وكذلك على غزة والضفة الفلسطينيتين، جدلا واسعا في الأوساط الديمقراطية، الحزبية والجمعياتية، بسبب مشاركة الحزب الحاكم فيها.
ولئن خيّر معظم الأحزاب (حزب العمال، التكتل الديمقراطي، المؤتمر من أجل الجمهورية، التيار القومي الوحدوي الناصري…) والجمعيات والهيئات المستقلة (الهيئة الوطنية للمحامين، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نقابة الصحفيين التونسيين، المجلس الوطني للحريات، الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب…) وعدد من النقابات (النقابات العامة للتعليم الأساسي والتعليم الثانوي، جامعة الصحة…) عدم المشاركة في هذه المسيرة وتنظيم تجمع مستقل في نفس اليوم وفي نفس الساعة أمام مقر الاتحاد بساحة محمد علي بالعاصمة، فقد قررت أطراف أخرى (الحزب الديمقراطي التقدمي، حركة التجديد، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بعض رموز “حركة النهضة” وعدد من المستقلين..) المشاركة.
وقد بررت موقفها بأن الأمر يتعلق بمسألة (العدوان على لبنان) ليست “محل خلاف” مع نظام بن علي وبأن المطلوب في مثل هذه الحالات ترك “الخلافات الداخلية” جانبا وتوجيه “رسالة تضامنية موحدة” من “الشعب التونسي إلى الشعب اللبناني”، بالإضافة إلى رسالة أخرى إلى “المجتمع الدولي” الذي يتفرج على العدوان ولا يفعل شيئا.
وقد اعتبر حزب العمال، هذا الموقف خاطئا، لا مبرر له لسبب بسيط وهو أن الموقف من العدوان على لبنان وكذلك على غزة والضفة ليس موضوع “اتفاق” بين المعارضة الديمقراطية من جهة ونظام الحكم من جهة ثانية حتى يتحركا معا، علما وأنه حتى في حالة “الاتفاق” فليس مطروحا وجوبا على الحركة الديمقراطية أن تصطف وراء الدكتاتوريـة وتمتنع عن التعبير عن مواقفها بصورة مستقلة فما بالك إذا كان الطرفان مختلفين. وإذا كان نظام الحكم يحرم الشعب وقواه الحية من حرية التعبير والتظاهر.
إن نظام بن علي وبالتالي الحزب الحاكم لا يعارض حقيقة العدوان الصهيوني على لبنان. فالجميع يعلم أنه لم يندد بهذا العدوان وأن موقفه منذ الانطلاق لا يختلف جوهريا عن الموقف المصري السعودي الأردني الذي يحمل مسؤولية ما يجري إلى المقاومة اللبنانية ويتهمها بـ”استفزاز” الكيان الصهيوني و”تعريض” لبنان للدمار. وقد عبّر عن هذا الموقف وزير الخارجية التونسي عبد الوهاب عبد الله في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب المنعقد بالقاهرة والذي لم تصدر عنه لا إدانة للعدوان ولا مساندة للشعب والمقاومة اللبنانيين وهو ما هلّل له قادة الكيان الصهيوني واعتبروه تشجيعا عربيا لهم على مواصلة حربهم القذرة. ورغم فظاعة المجازر المرتكبة والدمار الذي خلفه القصف وضغط الرأي العام في تونس وفي الوطن العربي والعالم فإن نظام بن علي لم يتزحزح عن موقفه ولم يجرؤ على التنديد اسميا بالمعتدي، وهو الكيان الصهيوني وبمن يدعمه ويطلب منه جهرا مواصلة العدوان وهو الامبريالية الأمريكية، بل إن كل ما فعله هو محاولة للتضليل وتحويل العدوان من مسألة سياسية إلى مجرد “مسألة إنسانية” لا تستدعي غير الحداد وجمع المساعدات ومناشدة “المجتمع الدولي” لـ”وقف فوري لإطلاق النار” لاجتناب كارثة إنسانية. وهو نفس الموقف الذي اضطر إلى اتخاذه محور الرجعية العربية المصري-السعودي الأردني الذي كان يظن في البداية أن الكيان الصهيوني سيسحق المقاومة اللبنانية في ساعات ويريحه كما يريح نفسه منها ويخلق أجواء مناسبة لفرض حالة من الاستسلام التام على الشعوب العربية. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي سفن مبارك وعبد الله وآل سعود.
بن علي متواطئ مع الامبريالية والصهيونية
وليس موقف نظام بن علي من العدوان على لبنان معزولا عن موقفه العام الموالي للامبريالية الأمريكية وسياستها الهيمنية في المنطقة واللاهث وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني. فهذا النظام أيد العدوان الأمريكي البريطاني على العراق عام 2003. وهو لا يزال إلى اليوم يؤيد الاحتلال والحكومة التي أقامها. كما أنه طبّع علاقاته بالكيان الصهيوني منذ منتصف التسعينات وفعل ذلك في إطار الكتمان ولم يستشر حتى برلمانه الصوري وفرض على الصحافة عدم الحديث في الموضوع. وحتى عندما اضطر في عام 2000 إثر انطلاق الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) إلى غلق المكتب الإسرائيلي بتونس، فإن مظاهر التطبيع استمرت بأشكال عدة. ولم يتورع بن علي في العام الماضي عن دعوة أرييل شارون لزيارة تونس بمناسبة القمة العالمية لمجتمع المعلومات وقمع بشكل وحشي احتجاجات التونسيات والتونسيين على ذلك. واستقبل في نهاية الأمر “سيلفان شالوم” وزير الخارجية بدلا من شارون وحطت طائرة الوزير بجربة وفوقها العلمان الإسرائيلي والتونسي، وحظي باستقبال رسمي بقابس، مسقط رأسه، وقمعت كل المحاولات الاحتجاجية. يضاف إلى ذلك مشاركة نظام بن علي في مناورات عسكرية غربية جنبا إلى جنب معع الكيان الصهيوني. كل هذه المعطيات يعرفها القاصي والداني وشكلت مادة لنشاط القوى الديمقراطية وتنديدها بنظام بن علي.
بن علي يقمع الشعب
وبالإضافة إلى الموقف المتواطئ مع العدوان على لبنان فإن نظام بن علي سلط، كعادته، قمعا وحشيا على المناضلات والمناضلين من مختلف التيارات الفكرية والسياسية الذين أرادوا الخروج إلى الشارع للاحتجاج والتعبير عن المساندة. كما ضرب بوليسه حصارا على كل المدن التونسية تحسبا لأي تحركات شعبية مناهضة للكيان الصهيوني وللامبريالية الأمريكية. وقد تعرض النقابيون يوم الاثنين 17 جويلية 2006 بساحة محمد علي بالعاصمة لاعتداء وحشي عند محاولتهم الخروج في مسيرة مما أدى إلى نقل 4 منهم إلى المستشفى احتفظ باثنين منهم تحت المراقبة الطبية. ولم يتورع أحد أعوان البوليس السياسي بهذه المناسبة عن الصعود فوق سيارة رابضة بالمكان والقيام بحركة لا أخلاقية تجاه النقابيات والنقابيين وذلك على مرأى ومسمع من أعرافه. كما توجه عدد من الأعوان بأقذع العبارات إلى النساء اللواتي أطللن من شرفات منازلهن وزغردن انتصارا للشعب اللبناني ووصفوهن بـ”العاهرات” و”المومسات” وأمروهن بالدخول إلى منازلهن. وقد كان موقف السلطة ولا يزال هو نفسه من كل محاولات التجمع أو التظاهر التي عرفتها البلاد من شمالها إلى جنوبها وهو القمع الوحشي ولا شيء غير ذلك.
ترخيص للسطو والاحتواء
إن ترخيص السلطة لمسيرة 24 جويلية لم يكن نابعا من معارضة جدية للعدوان على لبنان ولا لاحترام حق الشعب التونسي في التعبير والتظاهر بل إنها وافقت عليها لامتصاص غضب التونسيات والتونسيين وخصوصا غضب النقابيين بعد اعتداءات 17 جويلية التي خلفت بعض الجرحى، وكذلك لاحتوائها والسطو عليها وإجبار الأطراف الأخرى على الاصطفاف وراءها وإفراغها من محتواها السياسي. وفي هذا الإطار اشترطت على الاتحاد عدم تشريك الأحزاب والجمعيات والهيئات “غير المعترف بها”. كما جعلت، ضمنيا، من مشاركة الحزب الحاكم شرطا لإجراء المسيرة. وحدد سيرها في شارع محمد الخامس بعيدا عن الناس وحيث يمكن للبوليس السياسي تأطيرها. ولم تكتف السلطة بذلك فبعد أن أقصت الأحزاب والجمعيات والهيئات “غير المعترف بها” من المشاركة، أقصت عددا من الأحزاب والجمعيات والهيئات المعترف بها من الإعداد التنظيمي للمسيرة (اجتماع الولاية-السبت 22 جويلية). وفي يوم المسيرة حضر البوليس والميليشيات بأعداد كثيفة وطوقوا المشاركين من كل الجهات بعد أن منعوا من لم يكن وراء لافتة حزب أو جمعية “معترف بها” من المشاركة، وراقبوا الشعارات المرفوعة ولم يتورعوا عن الاعتداء على بعض رموز الاتحاد من بينهم عضو من المكتب التنفيذي. وفوق ذلك تصدرت لافتات التجمع الدستوري وصور بن علي المسيرة وأزيحت لافتات الاتحاد إلى الخلف. وكانت الشعارات المرفوعة فارغة من كل محتوى، بل إنها لم ترتق إلى مستوى شعارات “دعاة السلام الإسرائيليين” الذين أدانوا حكومة أولمرت.
وفي المساء جاء دور الإعلام ليستكمل عملية السطو. فقد بدأت النشرة أخبار الثامنة بالقول:” بدعوة من التجمع الدستوري الديمقراطي انتظمت عشية اليوم…”. وراحت التلفزة تقدم لافتات التجمع وصور بن علي وتنوه بـ”السياسة الخارجية الرشيدة للرئيس بن علي…”، مع العلم أن وكالة تونس إفريقيا للأنباء نشرت منذ الساعات الأولى ليوم المسيرة بلاغا يشير إلى أن التجمع الدستوري هو الذي دعا إلى هذه المسيرة… وليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها السلطة بفعلة كهذه. فهي تقمع التحركات في مرحلة أولى وعندما يشتد الضغط عليها تسمح بمسيرة حسب شروط محددة ثم تسطو عليها وتحتويها.
الحركة الديمقراطية في حاجة إلى تعميق الهوة بين الشعب والدكتاتورية
هذه هي إذن المعطيات. فلا نظام بن علي براء من التواطؤ مع الامبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني في العدوان على لبنان. ولا هو محترم لحق الشعب التونسي في التعبير والتظاهر. وهذه الحقيقة ماثلة إلى الأعين حتى اليوم. فالبوليس السياسي يلاحق المناضلات والمناضلين ويمنعهم من التحرك للاحتجاج والمساندة. وقد رفضت السلطات الترخيص للاتحادات الجهوية للشغل مثلا التي طلبت تنظيم مسيرات احتجاجية. وما هذا إلا قطر من فيض، فالحركة الديمقراطية لا يفصلها عن الدكتاتورية النوفمبرية العميلة والفاسدة الموقف من القضايا العربية العادلة فحسب، بل كذلك الموقف من كل القضايا الوطنية، الاجتماعية والسياسية والثقافية. فبالأمس القريب فقط منع البوليس السياسي بوحشية لا توصف انعقاد مؤتمر الرابطة. كما اعتدى على المحامين، وعلى مناضلات الأحزاب والجمعيات والهيئات الديمقراطية، في كل مرة أرادوا فيها التعبير عن موقف حر ومستقل. وهو يشن عليهم باستمرار حملات تشويه تخونهم وتنتهك أعراضهم. وهو ما يجعل من المشاركة معه في مسيرة خطأ سياسيا فادحا لأنه يسهم في مغالطة الرأي العام في خصوص موقفه من القضايا العربية ولأن فيه انصياعا لإرادتها الرافضة لأي تحرك خارج عن مراقبته وتفريقا للصف الديمقراطي والوطني.
إن الحركة الديمقراطية لها مصلحة في فضح سياسة بن علي ونظامه وفي تعميق الهوة بينه وبين الشعب التونسي. ولا يمكن أن يكون ضعف قدرة الحركة على التعبئة بسبب القمع الرهيب المسلط على الشعب التونسي مدعاة للسير وراء الحزب الحاكم، بل لا بد من مواصلة العمل الجاد من أجل كسر القيود التي تكبل الشعب التونسي وتحرير طاقاته.
ومهما يكن من أمر فإن الحدود التي تفصل الحركة الديمقراطية عن الدكتاتورية لا ينبغي أن تمحى بمثل هذه السرعة وبمثل هذه السهولة، مهما كانت القضية المطروحة. وأملنا كل أملنا أن يستخلص الجميع الدرس من هذه التجربة ويستمر في النضال المشترك من أجل الحرية والديمقراطية. ومن أجل دعم قضايا العرب والإنسانية العادلة.
(المصدر: “صوت الشعب”، العدد 248 خاص بالعدوان على لبنان – 19 أوت 2006)
التحالف الامبريالي، الصهيوني، الرجعي العربي: العدو اللدود للشعوب العربية
لم يحصل خلال نصف القرن الأخير أن تشابكت مصالح التحالف الصهيوني الامبريالي الرجعي العربي على النحو الذي تتشابك به اليوم على إثر العدوان على لبنان وكذلك على غزة والضفة الفلسطينيتين. ولم يسبق أيضا أن عبّر هذا التحالف عن تشابك مصالحه على النحو الذي يعبر به اليوم. فقد اعتاد الرأي العام العربي والدولي على سيناريو معين وهو أن الكيان الصهيوني يعتدي والحكام العرب يصدرون بيانات إدانة، حتى وإن كان بعضهم أو كلهم متواطئا في الحفاء، والإدارة الأمريكية، تدعو إلى “التهدئة” ووقف الحرب حتى وإن كانت تدعم الكيان الصهيوني عسكريا وسياسيا.
ولكن هذه المرة أصبح كل شيء بالمكشوف. فالرجعية العربية ولأول مرة في تاريخها لا تتورع على لسان محورها الرئيسي المصري السعودي الأردني عن تشريع العدوان الصهيوني على لبنان وعلى غزة والضفة وتحميل مسؤولية ما يجري للمقاومة في البلدين. ولأول مرة أيضا يلتئم اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب التابع للجامعة العربية ولا يصدر بيان إدانة أو احتجاج ولا يتخذ حتى خطوة شكلية بالدعوة إلى “قمة عربية طارئة”!!
هذه الخيانة الموصوفة صفق لها قادة الكيان الصهيوني الذين لم يخفوا مفاجأتهم، بل ذهولهم حسب عبارة مجرم الحرب “أولمرت” من هذا الموقف العربي الرسمي الذي يدعم حربهم على لبنان ويؤيد ضرب المقاومة الوطنية في هذا البلد واجتثاثها. وهو ما يجعلهم يستمرون في العدوان والقتل والتدمير بل وارتكاب جرائم معادية للإنسانية بمظلة عربية رسمية.
أما الإدارة الأمريكية فقد نزعت ورقة التوت بالتمام والكمال، وتدخلت كطرف مباشر في العدوان ليس بتقديم الدعم العسكري وتوفير المظلة الديبلوماسية للمعتدين، وهو أمر مألوف، بل بمطالبتهم علنا بالاستمرار في العدوان والاعتراض على أي وقف لإطلاق النار وتشريع ما يرتكب من مجازر فظيعة على حساب أطفال لبنان ونسائه وشيوخه.
وقد حذا الجرو الانجليزي، بلير، حذو سيده، شاغل البيت الأبيض. وكذلك فعل حكام هولاندا وألمانيا وغيرهما من الدول الامبريالية العربية. وحتى الفرنسي شيراك الذي يشده إلى لبنان ماضي فرنسا الامبراطوري لم يختلف مع بوش وأولمرت إلا في بعض التفاصيل. وكذلك الشأن بالنسبة إلى “بوتين” روسيا. ولازمت الحكومة الصينية صمتا مشبوها. ولم يشذ عن القطيع سوى حكومات إسبانيا وسويسرا وإيطاليا بدرجة أقل التي لم تخفِ معارضتها لتدمير لبنان وارتكاب مجازر فيه.
إن هذا التحالف الصهيوني الامبريالي الرجعي العربي الذي عبر عن نفسه هذه المرة بشكل سافر له ما يفسره في واقع الأمور. فإذا كان الكيان الصهيوني يبحث عن بسط هيمنة إقليمية مطلقة وقبر القضية الفلسطينية من وراء حربه على لبنان والشعب الفلسطيني في غزة والضفة، فإن الامبريالية الأمريكية معنية مباشرة بنتائج هذه الحرب باعتبار أن أي انتصار للكيان الصهيوني يساعدها أولا على إضعاف المقاومة في العراق وثانيا على تيسير هيمنتها على المنطقة وبالتالي على منابع النفط وهو ما يمكنها من هيمنتها على العالم.
أما الامبرياليات الغربية الأخرى فهي رغم خلافاتها المصلحية مع الامبريالية الأمريكية فهي معنية مثلها بالنتائج العامة للصراع في الشرق الأوسط الذي هي في حاجة إلى نفطه وسوقه، حتى ولو تذيلت للامبريالية الأمريكية. وقد عبّرت صحيفة “دير شبيغل” الألمانية بوضوح عن هذا الأمر حين قالت أياما بعد انطلاق العدوان، إن إسرائيل لا تخوض هذه الحرب دفاعا عن نفسها فقط بل عن العالم الغربي (أي الحكومات الامبريالية الغربية) وعن الحضارة الغربية (أي الحضارة البورجوازية الرأسمالية) بأسرها.
ولا يمكن لبوتين أن يعارض العدوان على لبنان بشكل صريح وحاسم لا لأنه في حاجة إلى الدعم المالي الغربي فحسب بل كذلك لأنه يبحث عن تشريع للمجازر التي يرتكبها في الشيشان وإلحاقها بخانة “الحرب على الإرهاب”.
ولا تقل الرجعية العربية اهتماما بنتائج العدوان على لبنان من الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية ذاتيهما. فهذه الرجعية وخاصة فصيلها المتقدم (مصر، السعودية، الأردن) تعيش أزمة عميقة وهي مهددة في وجودها، وبالتالي فهي تخشى أي حركة مقاومة في لبنان أو فلسطين أو العراق، تغذي الآمال وتحفز الهمم وتعطي المثال، لذلك فهي شأنها شأن الكيان الصهيوني والامبريالية الأمريكية لها مصلحة في القضاء على بؤر المقاومة في الوطن العربي حتى يتسنى لها البقاء.
ولكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن بوش وأولمرت ومبارك وعبد الله وغيرهما من الطغاة العرب. فالبربرية الصهيونية والامبريالية وخيانة الأنظمة العربية لم ترهب الشعوب العربية بل زادتها نقمة على هذا الثالوث المجرم وأبرزت لها أنه عدوها اللدود الذي لا مساومة معه. كما أن المقاومة وما تحرزه من انتصارات غذت لديها الأمل في الانتصار وفتحت لها آفاقا جديدة وأعادت إليها الثقة بنفسها.
هذه هي المعادلة الجديدة الهامة التي ستكون لها انعكاسات كبرى في المستقبل، لا في الوطن العربي فحسب بل في العالم أيضا. ذلك أن ما يجري في لبنان شأنه شأن ما يجري في العراق وفلسطين له بعد عالمي. إن أي هزيمة تلحق بالصهاينة وبالامبرياليين الأمريكيين، رأس حربة الرجعية الدولية، ستفتح آفاقا جديدة لشعوب العالم وتحفزها على المقاومة والنضال.
لذلك فإن أهمية الرهان المطروح في الصراع اللبناني الصهيوني مثله مثل الرهان المطروح في الصراع الفلسطيني الصهيوني والعراقي الامبريالي الأمريكي، يقتضي من كل القوى الثورية والتقدمية في تونس وفي الوطن العربي والعالم أن تقف بقوة إلى جانب المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق لأن انتصارها انتصار لهذه القوى ولشعوب العالم قاطبة.
(المصدر: “صوت الشعب”، العدد 248 خاص بالعدوان على لبنان – 19 أوت 2006)
الاعتداء على المقدّسات الإسلاميّة في تونس حقيقة أم افتراء ؟؟؟
نورالدّين الخميري – الوسط التّونسيّة
تابعت ما نشر في عدّة مواقع الكترونيّة (انظر بالخصوص موقع ميدل إيست أون لاين بتاريخ 5 أوت 2006 على الرابط التالي: http://www.middle-east-online.com/tunisia/?id=40190) لنصّ بيان منسوب إلى مجموعة من الأساتذة التّونسيّين يتناول تكذيبا لمجمل الإعتداءات التي تتمّ على المقدّسات الإسلاميّة بتونس .
ونظرا لما احتواه البيان من مغالطات سأكتفي هنا بالردّ على بعض ما جاء فيه دون التطرّق لمجمل الإنتهاكات والإعتداءات التي قامت السّلطة بتقنين العديد منها كمنشور 108 الذي يمنع المرأة المسلمة من ارتداء لباسها الشّرعي الذي أمر اللّه به وبيّنه النّبيّ صلى اللّه عليه وسلّم لأمّته أو منشور 29 الذي يقضي بتغليق كافة المصلّيات والمساجد التي كانت موجودة داخل المؤسّسات الخاصّة والعموميّة ناهيك عن العديد من التّصريحات والأقوال المعاديّة للشّرع لبعض الشّخصيّات والمسؤولين بالدّولة وقد كفانا الشّيخ محمّد الهادي الزّمزمي بالحجّة والدّليل في كتابه : تونس الجريح مشقّة البحث والتّوثيق لمجموع الإعتداءات على المقدّسات الإسلاميّة بتونس.
أمّا المغالطة الأولىالواردة في نصّ البيان فتتعلّق بتدنيس القرِآن الكريم الذي أنكره السّادة الأساتذة بالرّغم من تصريح كلّ من السيّد علي بن سالم رئيس فرع الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان ببنزرت والسيّد لطفي حجّي اللذان أكّدا تدنيس القرآن الكريم بسجن برج الرّومي من طرف مدير السّجن نفسه اعتمادا على شهادة السّجين أيمن الدريدي الذي أكّد بدوره عمليّة الإعتداء على كتاب اللّه .
وممّا يؤكّد صحّة هذه الأفعال عدم قيام السّلطة بأيّ تحقيق جدّي في هذا الغرض وإعلام الرّأي العام بنتائجه ناهيك عن المصداقيّة التي يتمتّع بها كل من السّادة علي بن سالم ولطفي حجّي في نقل المعلومة والتأكّد من صحّتها .
وللإشارة كذلك فقد تناقلت عدّة مواقع الكترونيّة خلال السّنوات الفارطة شهادات العديد من المساجين السّياسيّين تفيد بعمليّات تدنيس مماثلة للقرآن الكريم بالسّجون التّونسيّة ممّا يعطي انطباعا بأنّ هناك سياسة ممنهجة من طرف السّلطة التّونسيّة معاديّة للدّين .
ونظرا لفداحة الجريمة فإنّنا نطالب الإخوة الأساتذة إذا كان تحرّكهم هذا خال من أيّ حسابات سياسيّة وغير مدفوعة من أيّ جهة بتوجيه نداء عاجل لرئيس الدّولة ومناشدته لفتح تحقيق فوري وعاجل في الغرض ومعاقبة مرتكبيها.
أمّا ما يتعلّق بمنشور 108 الذي اعتبرته السّلطة زيّا طائفيّا منافيا لروح العصر والتطوّر السّليم فقد تكون بهذا الموقف الخطير قد كشفت على حقيقتها الإستئصاليّة المعاديّة لشعائر الدّين وإلاّ بماذا تفسّر السّلطة رغم كونها دولة عربيّة ودينها الإسلام كما ينصّ بذلك صراحة دستور البلاد مسلكها هذا المنافي للشّرع في مسألة اللّباس؟؟
ولماذا شذّت تونس عن جملة البلدان العربيّة والإسلاميّة في تعاطيها مع مسألة الحجاب ؟؟
وما الذي يمنعها من مراجعة علماء الأمّة ومشائخها للتّعرّف على الحكم الشّرعي في مسألة اللّباس الإسلامي قبل صياغة أيّ قانون ؟؟
وأيّ معنى سياسي وأيّ جريمة يحملها اللّباس الشّرعي ؟؟ أم أنّه مسعى لمحو كلّ مظاهر التّديّن وهتك للسّتر؟؟
لعلّنا بتعرّضنا لحقيقة المحنة التي يعانيها الإسلام في تونس قد أيقضنا في قلوب أساتذتنا الأفاضل واعز الغيرة على دينهم لتصحيح المسار و تقويم الإنحراف والتصدّي لتعدّيات السّلطة على حدود اللّه وعدم الإنخراط في تسويق مشاريع معاديّة للدّين.
(المصدر: مجلة “الوسط التونسية” بتاريخ 20 أوت 2006)
بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
تونس في 18/08/2006
بقلم محمد العروسي الهاني
كاتب عام جمعية الوفاء للمحافظة على التراث البورقيبي مناضل دستوري
التحويرات التي تجرى سنويا هي تأكيدا قاطعا على أنّ لكل مرحلة رجال و برامج و طريقة عمل صالحة للفترة القادمة
أشرت في مقالي الصادر في موقع الأنترنات تونس نيوز يوم 20 أوت 2005 إثر التحوير الذي أدخله رئيس التجمع الديمقراطي و رئيس الدولة على الأمانة العامة للتجمع و تم خلال هذا التحوير تعيين الدكتور الهادي مهني أمينا عاما للتجمع خلفا للاستاذ علي الشاوش الذي شغل الخطة أكثر من أربعة أعوام و نصف و قد ذكرت في مقالي المشار إليه أنّ التحوير جاء في وقته و إستبشر به المناضلين و كل الهياكل التجمعية خاصة و الأخ الهادي مهني معروف بتواضعه و أخلاقه و أسلوب عمله و تفائل كل المناضلين خيرا بهذا التعيين و أشرت في مقالي أنّ المرحلة حاسمة و دقيقة و تتطلب خطة جديدة و نفسا متجددا و اسلوبا جديدا في منابر الحوار و طريقة جديدة لمزيد الإحاطة الشاملة لهياكل التجمع وطنيا و جهويا و محليا و قاعديا و في المهجر الخارج، و تقدمت بعدة إقترحات عملية ما زالت لحد الآن لم ترى النور كما واصلت الكتابة بشجاعة المناضلين الأوفياء للثوابت و المبادىء و القيم الوطنية و النضالية التي غرسها فينا المرحوم
الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله منذ الصغر و بحب مفعم لبلادي و شعبي و نضالات الأوائل من الزعماء و الأبطال و الشجعان و الشهداء الأبرار و القدامى من رجالات الحزب الذين كانوا سندا قويا و جنودا أوفياء للذود عن الوطن و الدفاع عن الكرامة و الشرف حتى النصر المبين و الاستقلال التام يوم 20 مارس 1956 بفضل القيادة الحكيمة و النظرة المتبصرة و الإخلاص و النضال المستميت للزعماء و في طلعيتهم المجاهد الأكبر الزعيم الراحل بورقيبة
قلت بفضل تلك الروح الوطنية العالية واصلت الرسالة النبيلة و الكلمة الهادفة ووجهت بتربية عالية رسالة مفتوحة للتاريخ لرئيس التجمع و الدولة بتاريخ 26 ديسمبر 2005 و قد وقع نشرها كاملة بموقع الأنترنات تونس نيوز و هي أول رسالة مفتوحة تنشر على موقع الأنترنات و توّجه لرئيس الدولة و التجمع و تحتوي على مقترحات عملية هامة و هادفة لدعم هياكل التجمع مركزيا و جهويا و محليا و قاعديا مع مزيد أحكام الإحاطة الشاملة و توسيع الحوار الديمقراطي و إدخال مزيد الديمقراطية داخل هياكل التجمع خاصة وطنيا و جهويا و تعميم طريقة
الإنتخاب و طنيا و جهويا
و خاصة أن نسبة 40 بالمائة من أعضاء اللجنة المركزية بالتعيين وأنّ الحلقة الهامة لجان التنسيق بالجهات هذا الهيكل الجهوي الفاعل لم يعد بالإنتخاب منذ عام 1988 و قد فقد دوره الفاعل الأساسي الديمقراطي و كنا منذ عام 1963 في أول موعد للإنتخابات في لجان التنسيق تجربة هامة بترشيح المناضلين الراغبين في عضوية لجنة التنسيق و بعد إنتخابهم من طرف هيآة الشعب الدستورية يعين الكاتب العام من طرف الديوان السياسي من ضمن الناجحين في الإنتخابات .. و اليوم نحن في حاجة ماسة للعودة إلى طريقة الإنتخابات الجهوية على غرار الإنتخابات على الصعيدين المحلي للجامعات و الشعب الدستورية حتى نضمن الشفافية للهياكل الجهوية و حتى يكون دورها حاسم و العمل متكامل و لا يمكن للمعين أن يعطي الأوامر للمنتخب … هذا و في هذا المجال قد أكد سيادة الرئيس مرارا على تعميم الإنتخابات في كل المستويات الحزبية دون استثناء بعد الفترة الإنتقالية عام 1988 و في هذا الإطار أكد رئيس التجمع مرارا على أنّ التجمع لا يضيق صدره من أي رأي من طرف المناضلين و هو مفتوح لتقبل كل الآراء و الافكار بصراحة ووضوح و شجاعة أدبية و نضالية و بروح وطنية عالية و نرجو أن تصل أفكارنا و اقتراحاتنا لرئيس الدولة و نتمنى أنّ رسالتي المشار إليها و التي نشرت بموقع الأنترنات يوم 26/12/2006 و الرسائل الموالية التي أشرت إليها في مقالي يوم 16/08/2006 و عددها 8 عدد أبواب الجنة و حمالة العرش أن تجد طريقها إلى مكتب الرئيس و أعتقد أن تصل بأمانة و طنية عالية لأنّ المسؤول الأمين هو الذي يبلغ كل شيىء للرئيس و لا يخفى عليه شاردة و لا واردة خاصة إذا تعلق الأمر بمواضيع هامة تهم البلاد و الوطن … ختاما أنّ التحويرات مهما كان نوعها هي متنفس للشعب و كما يقولون تبديل السروج فيها راحة وأنّ التحوير فيه حكمة أي أنه يعطي نفسا جديدا و لكل مرحلة رجال و برامج و طريقة عمل…
وأنّ التحوير في وسائل الإعلام هام خاصة في صحافة التجمع حتى يأتي بالرجل المناسب في المكان المناسب و التحري من أوكد الواجبات و حساس في مجال الصحافة الحزبية و حان الوقت للحدّ من التشفي و تصفية الحسابات من طرف بعضهم … قال الله تعالى و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلوا أخباركم صدق الله العظيم
هذا مع الملاحظ أنّ بعض المسؤولين على الصعيد الجهوي في مجال العمل السياسي يثنون الركبة و يعملون بإستمرار و هناك أشخاص آخرون لا يعملون إلا في مناسبات خاصة و عندما يحين وقت المناسبة الكبيرة أو التضاهرة المميزة بإشراف مسؤول وطني يعد لها إعدادا كاملا و يهيأ لها كل اسباب النجاح و يوفر لها الإمكانيات المادية اللازمة فيظهر في نظر المسؤول الوطني بأنه رجل عملي و مناضل من صنف كبير وهي غاية في نفس يعقوب … وقد يكون الذي ينشط كامل العام لا يسعفه الحظ عند إمتحانات التحوير السنوية و الذي لا ينشط إلا في مناسبة كما اشرت ينجح في الامتحان و يبقى في منصبه إلى أن تاتي مناسبة أخرى فيعد الكرة لها كما أسلفت هذا من ناحية المسؤول الجهوي على صعيد التجمع، أما في ما يخص المسؤول عن صحافة التجمع فإنه يبقى سنة كاملة دون أن يساهم بإفتتاحية أو يكتب رسالة في الصحافة و في المناسبات الوطنية البارزة كعيد الجمهورية أو 7 نوفمبر 1987 يبرز هذا المسؤول و يكتب إفتتاحية شاملة و ضافية حتى يظهر أمام المسؤولين بأنه مواكب للأحداث الوطنية و مخلص إخلاصا كبيرا للمسؤولين الكبار كما فعل صاحبنا و غايته البروز و الحصول على الثقة المتجددة التي تأهله إلى مناصب أكبر وقد قلت سنة 1998 في إعداد لجان مؤتمر الإمتياز أمام السيد عبد العزيز بن ضياء الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي آنذاك في لجنة السياسة العامة و الشؤون الخارجية و بحضور السيد الصادق فيالة كاتب الدولة للشؤون الخارجية آنذاك انه علمتنا التجارب في فترة عهد الزعيم الحبيب بورقيبة أنّ المسؤول الناجح في الداخل هو الذي يقع تتويجه لتحمل مسؤولية ديبلوماسية في الخارج لأنه تتويج للمناضل الناجح و لأنّ خطة سفير أو قنصل عام هي المرآة التي تنعكس عليها صورة تونس في الخارج هذا ما قلته بصراحة الدستوري أمام السيد عبد العزيز بن ضياء قد يكون تدخلي هذا مسجل في دار التجمع وأعيد هذا للتاريخ وأقول اللهم إني قد بلغت هذا مع العلم أن مراكز السفارات والقنصليات العامة بالدول الكبلرى مثل فرنسا لا تسند إلا لشخصيات ذات إسعاع وطني كبير ومن الذهب ذوق 24 وبالإشارة المعنى واضحة .
ملاحظة هامة : إنّ رسالة 20 أوت 2005 ستطفي شمعتها الأولى بعد يومين دون إجابة و لا ردّ و لا تعليق عليها سلبا أو إيجابا … بينما سيادة الرئيس قال إنّ التجمع لا يضيق صدره من أي رأي مهما كان نوعه لماذا هذا السمط
2- قلت مرة للأخ الكاتب العام للجنة تنسيق صفاقس في مؤتمر جامعة الحنشة يوم 18 أوت 2001 منذ 5 أعوام يوما بيوم في مثل هذا اليوم إنّ المهندس المختص في التربة و تحليل المياه يصلح لهذا الميدان … أما تحليل الدستوريين فهو من إختصاصات المناضلين الذين تربوا و ترعرعوا في مدرسة الحزب و ناضلوا في صفوفه و هم أولى لهذه المهمة التي لا تعرف معناها إلا المناضل الدستوري.
قال الله تعالى : و لنصبرنّ على ما آذيتمونا و على الله فليتوكل المتوكلون صدق الله العظيم
محمد العروسي الهاني
كاتب عام جمعية الوفاء للمحافظة على التراث البورقيبي مناضل دستوري
الحرب العربية الاسرائيلية السادسة عبر لأولي الألباب(4)
الحلقة الرابعة والاخيرة
إسراء أمة… ومعراج حضارة
هوية الشرق الأوسط الجديد
المنطق لا ينسجم مع منح من غادر الحزب منذ سنوات وخاض تجارب سياسية أخرى حق إبداء الرأي في شؤون حزبنا
حديـث عـن التيـار القومـي العروبـي.. والبعـثي
الحرب الأخيرة بين الليبراليين والقوميين الإسلاميين
نحو معادلة عسكرية جديدة فى الشرق الأوسط ؟
الحركة الإسلامية في تطوراتها … وهل تعيد تعريف نفسها؟
إبراهيم غرايبة (*)
حدثت في البيئة المحيطة بالدول والمجتمعات والحركات تحولات كبرى جذرية منذ نهاية الثمانينات، وما زالت تداعياتها تتحرك بقوة وعمق، عصفت بالدول (الاتحاد السوفياتي والبلقان، والعراق وأفغانستان، وأفريقيا وإندونيسيا، وأميركا اللاتينية) والمجتمعات والأفكار والموارد والأحزاب والجماعات، وقد غيرت هذه التحولات كل شيء تقريباً في أمن الدول والمجتمعات وعلاقاتها وتحدياتها ومواردها، وبالطبع فقد ساهمت هذه التحولات في إعادة تشكيل وصياغة الحركة الإسلامية في الأردن وفي العالم.
لم يعد أمن الدولة قائماً على مواجهة أخطار خارجية من الاحتلال والتهديد العسكري والأحلاف الاستراتيجية الكبرى ولا الحركات الثورية التي استهدفت الأنظمة السياسية والدول ولا الانقلابات العسكرية، ولكنه تحول إلى أمن اجتماعي وإنساني قائم على التنمية الإنسانية والتماسك والحريات، وبالطبع فلم تكن الديموقراطية كافية لاستيعاب هذه التحولات، ولذلك فقد شهد العالم منذ مطلع التسعينات موجة من الفوضى الجديدة المتمثلة بالحروب والصراعات الداخلية والأهلية والإرهاب المستمد من أيديولوجيا دينية تقسم المجتمعات تقسيماً طولياً، وبدا واضحاً أن المجتمعات والدول تحتاج إلى عقد اجتماعي جديد ينظم التنافس على الموارد والفرص والسلطات والعلاقات والأفكار بين الناس والمجتمعات والحكومات والشركات أيضاً والتي أصبحت الجزء الأكثر أهمية في إدارة شؤون الناس وخدماتهم.
وقد وجدت الحركة الإسلامية نفسها أمام هذه التحولات الكبرى والتي تغير من علاقاتها ودورها، ولكنها في تفاعلها مع هذه التحولات والتداعيات كانت تستجيب على نحو ذاتي ويومي لا يستحضر الإدراك المسبق والمنظم لهذه الاستجابات وأبعادها ومقتضياتها، وإن كان يتضمن قدراً كبيراً من الاستشعار والتكيف، ويجب أن يقال إنها كانت أيضاً أزمة الحكومات والمجتمعات والأحزاب والمؤسسات جميعها، فقد كانت وما زالت في حالة من الحيرة والتيه والارتباك، ويمكن على سبيل المثال ملاحظة وتذكر مجموعة من المشروعات والاستجابات والتحولات الكبرى، مثل الخصخصة، والرعاية الصحية والاجتماعية، والتغيرات الكبرى في المؤسسات التعليمية والصحية، وأنظمة التقاعد والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وسوق العمل والمهن الجديدة، والاقتصاد الجديد وتحولاته، وتأثير العولمة والاتصالات والمعلوماتية.
فالأزمة الحقيقية ناشئة عن حالة العجز والفشل وعدم الجدية في العمل والإصلاح وفقدان الإرادة السياسية لدى الحكومات ولدى الحركة الإسلامية أيضاً والنقابات ومؤسسات المجتمع في ملامسة القضايا والتحديات الرئيسة والملحة.
وهي أزمة عميقة لا تستثني أحداً من عناصر ومكونات المجتمع والدولة، وتتصل بإعادة صياغة وتنظيم المجتمعات وفق التحولات والتغيرات الكبرى الجارية والمحيطة، فالتحولات الكبرى الجارية في الموارد والمهن والأعمال، والتحديات الخطيرة الناشئة عن وصول إدارة وتنظيم الموارد إلى طريق مسدود، والضرائب المستحقة بسبب تدمير البيئة والغابات والبادية والمراعي ومصادر المياه، وضياع أنماط الحياة والاستهلاك الملائمة لتفعيل وتنظيم الموارد والاحتياجات، وتوجه التعليم في مسارات من العبث والفشل وعدم الجدوى، وتحويل الموارد والعمليات الاقتصادية إلى بورصة للأسهم والعقارات لا يستفيد منها بالفعل سوى أقلية ضئيلة من الناس، ونشوء فجوة عميقة بين الفئات الاجتماعية، واحتكار العملية السياسية والإدارية من نخبة مغلقة تماماً، وتأميم الإعلام والثقافة وخصخصة الخدمات والرعاية والموارد على نحو لا تقدر على الانتفاع به فئة واسعة من المواطنين، وهكذا فإن ثمة متوالية غير منتهية من الأولويات الجديدة وضياع الأولويات التي لا تتعامل معها سوى حفنة من رجال الأعمال وحلفائهم في السلطة في الوقت الذي يشتغل الجسم الرئيس للمجتمع والدولة والمؤسسات الإعلامية والسياسية الرسمية والمجتمعية بقضايا أخرى لا تسمن ولا تغني من جوع.
وكانت الحركة الإسلامية في الأردن والمنطقة بعامة باعتبارها الجماعة السياسية والاجتماعية الصاعدة والأكثر حضوراً وأهمية بطبيعة الحال هي الأكثر تفاعلاً مع التحولات الجارية سواء في علاقتها السياسية والاجتماعية أو في استجاباتها التنظيمية والفكرية الداخلية، ويمكن ملاحظة مجموعة من هذه المؤشرات، مثل الصعود السياسي للحركة الإسلامية ومشاركتها السياسية في عدد كبير من الدول العربية والإسلامية، وتشكيلها للحكومة في بلدان عدة، مثل السودان، وأفغانستان، وتركيا والعراق، وأخيراً فلسطين.
وأجرت الحركة الإسلامية مراجعة شاملة لمواقفها الفكرية والسياسية ورؤيتها لقضايا سياسية واجتماعية مثل الديموقراطية والتعددية السياسية والمرأة والأقليات وتطبيق الشريعة والحريات الشخصية.
وقد تعرضت الحركة الإسلامية لتحولات داخلية وحراك في الأجيال والأفكار يجعل رد السياسات والبرامج إلى مخططات حكومية تحليلاً غير كاف وإن كان صحيحاً، فقد كانت الحركة شأن جميع المؤسسات والمجتمعات عرضة للانفتاح العالمي الكبير والهائل في المعلومات والاتصالات، واقتضى ذلك بالطبع أن تجري الحركة تحولات كبيرة في أفكارها وطريقة عملها.
وقد يكون هذا المدخل في استشراف اتجاه إعادة الحركة الإسلامية لإنتاج نفسها أكثر منطقية وصحة، وربما تكون المجتمعات والتيارات السياسية والاجتماعية تعول على حراك جماعة الإخوان المسلمين وتفاعلاتها التنظيمية أكثر مما هي تعول عليها، فالحركة الإسلامية تبدو وكأنها لم تكتشف بعد ذاتها، وكأنها ما زالت تعيش وتعمل حتى منتصف الثمانينات.
ولكن الحركة الإسلامية وجدت نفسها منذ أواخر الثمانينات في مرحلة بعيدة مختلفة تماماً، وفجأة وجدت نفسها بين اتجاهين، أحدهما غالب وقائم على ثقة كبيرة بمكاسب الحركة الإسلامية وآفاق العمل أمامها، وكانت تطرح أفكاراً ومشروعات كبيرة وواسعة تتفق مع انطلاقة العمل السياسي والعام والآمال الواسعة التي تشكلت مع المرحلة الديموقراطية والانتخابات النيابية والتي انطلقت في دول عربية وإسلامية عدة.
ولكن الحركة الإسلامية بعامة تشكل نفسها وفق هذه المرحلة، فلا هي تقدمت إلى الحياة السياسية بالمدخلات الجديدة المتاحة ولا بقيت حركة دعوية اجتماعية كما كانت من قبل، وتنازعتها الاتجاهات والأجيال والمصالح والمؤثرات الخارجية.
وسلكت مجموعات وتيارات فيها سلوكاً متطرفاً، وغالباً ما يكون التطرف ملجأ تحتمي به المجموعات والمجتمعات أكثر مما هو مكون بنيوي أصيل، وما زالت مؤسسات الحركة وآليات العمل فيها، على رغم رسوخها وأهميتها، لا تتفق مع متطلبات مرحلة العلانية والانتشار وضرورات التنافس الداخلي، الذي يجب التعامل معه باعتباره حقيقة واقعية تؤشر على الحيوية والتنوع، وما زالت ظروف السرية والعلنية والعضوية وقوانين الانتخاب والترشيح لا تحقق معياراً مؤسسياً كافياً لجماعة سياسية واجتماعية ينظر إليها المجتمع والإعلام على أنها الحركة السياسية والاجتماعية المرشحة لتشكيل الحكومات والتأثير في سياسة المنطقة واتجاهاتها وعلاقاتها الدولية والإقليمية وخريطتها الاجتماعية والثقافية المقبلة.
وباختصار بسيط، فإن الحركة الإسلامية بحاجة في هذه المرحلة أن تبحث عن تعريف لنفسها يختلف عما كانت عليه طوال العقود الماضية، وهو تعريف يجب أن يكون مستمداً من رؤية لدورها وما تسعى إليه بالفعل، وقد يكون ذلك في استعادة دورها الاجتماعي والدعوي الإصلاحي لتقود المجتمعات والطبقات الوسطى نحو إعادة تنظيم نفسها باتجاه مصالحها الجديدة والمهددة أيضاً.
(*) كاتب أردني
(المصدر: ملحق “تراث” بصحيفة الحياة الصادرة يوم 19 أوت 2006)
مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة
بقلم: معتز الخطيب (*)
على مدى 3 أيام (8-10/8/2006) اجتمع العديد من الباحثين والمختصين في الفقه وأصوله، في الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الحادي والعشرين، والتي حملت عنوانًا دالاً هو “مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة”، نظمها قسم الفقه وأصول الفقه بالتعاون مع المعهد العالمي لوحدة الأمة الإسلامية في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. قُدِّم في الندوة التي حضرها باحثون من دول عديدة، 57 بحثًا باللغة العربية، و36 بحثًا باللغتين الإنجليزية والمالاوية.
وكان هناك حضور جيد من تونس البلد الذي أعيد فيه اكتشاف المقاصد من جديد حيث صدرت فيه الطبعة الأولى من كتاب الموافقات للشاطبي سنة 1884م، وبتعليق ثلاثة من علماء الزيتونة.
وكذلك من المغرب الأقصى البلد الذي شهد في العقدين الأخيرين من السنين نهضة في البحوث المقاصدية، وفيه ظهرت ثلاثة كتب من أبرز الدراسات المقاصدية: للعبيدي والريسوني والحسني. غير أن الندوة شهدت مساهمة للأخير فقط الذي اكتفى بإرسال بحثه دون الحضور.
توزعت محاور الندوة على ثلاثة عشر محورًا، يمكن حصرها -عمليًّا – في أربعة، الأول حول القضايا النظرية والمنهجية في دراسة المقاصد، والثاني حول قضايا الإصلاح والتجديد والوحدة والحضارة في ضوء المقاصد الشرعية، والثالث حول مقاصد الشريعة والقرآن والسنة، وإن كانت البحوث فيه تقتصر على ثلاثة (اثنان في الحديث، أحدهما لا علاقة له بالمقاصد!، وواحد في القرآن)، وكان هذا المحور يستحق من الاهتمام أكثر من ذلك بكثير. والرابع حول المقاصد والقضايا التطبيقية (المالية، والسياسية، والجنائية، والأسرة وغيرها).
ولأن الخوض في المسائل التطبيقية يطول، فضلاً عن أنه لا يمكن استيفاء كل هذه المحاور في هذه العجالة، فسنقتصر على معالجة أبرز أفكار المحور الأول وهو محور تأسيسي أبستمولوجي، مع إيراد بعض المناقشات التي تمت.
أولاً: جدل المقاصد والواقع
1- التفاعل مع الواقع:
بحث إسماعيل الحسني مسألة التمايز والتفاعل مع الواقع في الفكر المقاصدي، منطلقًا من سؤال مركزي حول الجفاء الذي يحكم العلاقة بين أحكام الفقه وما تجري عليه حياة معظم المسلمين من الاحتكام لقوانين وضعية، والتساؤل الذي طرحه تركز على كيفية الخروج من ذلك الجفاء؟ وفي الإجابة يرى أن التفاعل الإيجابي مقصد شرعي، وأصل من الأصول النقدية في الإسلام، الواجب توفرها في المستخلف، وعليه فإن المقصد المطلوب دائمًا هو أن نقبل على الاندماج في واقعنا والتفاعل مع معطياته على رغم ما فيه من انحرافات وتناقضات.
واستلهام التفاعل الإيجابي لا يتحقق، ولا يمكن تشغيله بالنسبة لواقعنا الراهن دون ممارسة اجتهاد متحرر، والتحرر من الجفاء لا يتأتى فحسب بمنطق الفعل السياسي وحده، ولا بمنطق الوعظ الإرشادي، بل لا بد أن يُسند كلُّ ذلك باجتهاد فكري وفقهي يعتمد آليات ثلاثة: آلية الاحتكام إلى مقاصد الشريعة، وآلية الوعي المنهجي بالتمايز، وآلية الجمع بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وكلها آليات متساندة ومتلازمة.
فالمقاصد هنا تعني المعاني والدلالات المقصودة من خطاب الشريعة، والغايات المصلحية المقصودة من تشريع أحكامها. ومن أبرز المقاصد التي نحتاج لاستلهامها في معالجة واقع الجفاء بالإضافة إلى مقصد التفاعل الإيجابي: مقصد التحرر من الفلسفة العملية التي تنطوي عليها الترسانة القانونية الوضعية، أما الوعي بالتمايز فيستلزم الجمع المتآلف بين ما ينبغي أن تجري عليه حياة الناس حتى تتسق مع الشريعة، وبين ما تجري عليه حياتهم المعاصرة من الاحتكام إلى قوانين وضعية.
ومراعاة الواقع هي منشأ الوعي بالتمايز، وذلك في صورتين: التمايز في الأمكنة والأزمنة كما يبدو في مباحث المكي والمدني من القرآن وأسباب النزول وغيرها، والتمايز في أساليب البيان، كما يبدو في مباحث الدلالات المقصودة من الخطاب الشرعي. وعلى أساس هذا الوعي ندرك مغزى نزول أحكام القرآن منجمة في زمن الرسالة. ومن شأن الوعي بالتمايز أن يمكّن الفقيه من أن يضع أي تطبيق للأحكام الشرعية الضابطة للسلوك المجتمعي في حجمه الحقيقي وإطاره الموضوعي.
وبناء على هذا الوعي -بحسب الحسني- يمكن إدراك حدود ما اصطُلح عليه بتطبيق الشريعة، ويعنون به تطبيق الجانب القانوني منها. فهذا الجانب لا يمثل كل الشريعة وليس عمودها وذروة سنامها. بل إن الإلحاح عليه في السياق الدولي المعاصر يرجع على صورة المجتمع والفكر الإسلامي في الآن والمآل بكثير من المفاسد الراجحة أضعاف ما يثمره من المصالح الممكنة. وليس في هذا تعطيل للأحكام الشرعية؛ لأنه لو لوحظ أن تطبيق الحدود الأربعة أصبح متعذرًا في زمان ومكان، فمن الواجب تطبيق عقوبة أخرى. والجانب الجنائي بطبيعته الإجرائية ثمرة سابقة للإعداد الأخلاقي، فهو مسبوق بأخلاقيات الشورى والتضامن واحترام العلم والعلماء والكفاءات.
أحمد بوعود (المغرب) حاول التنبيه إلى سبيل الانتقال بمقاصد الشريعة من كونها أداة اجتهادية يمتلكها العلماء إلى سلوك يطبع تصرفات كل متدين يصبو نحو غايتين: تمتين الصلة بالخالق عز وجل (غاية إحسانية) والمشاركة الجماعية في البناء الاستخلافي الذي نُدب إليه الإنسان بتكليف الشرع (غاية عدلية). وقريب من هذا تأكيد محمد رفيع (المغرب) على أن صياغة التكاليف الشرعية وفق كليتي الإحسان والاستخلاف يمكننا من تقديم الشريعة في صيغة مشروع تربوي حضاري إنساني يستجيب لحاجات الفرد ومتطلبات الأمة.
2- أثر الواقع في استقراء المقاصد
أما جاسر عودة (مصر) فقد ركز في ورقته على تحليل أثر تصورات الفقيه المقاصدي على استقرائه للمقاصد ونحته لمصطلحاتها، وهو بهذا يعبر عن تفاعل بين نصوص الشريعة ورؤيته هو للواقع، فمثلاً فيما يتعلق بمقصد حفظ المال، تكلم عليه العامري (381هـ) تحت مسمى (مزجرة أخذ المال) التي شُرع لها حدّا السرقة والحرابة، وتحدث إمام الحرمين عن (عصمة الأموال) وتحدث الغزالي والشاطبي عن (حفظ المال). أما في العصر الحديث مع نشأة ما سمي بالاقتصاد الإسلامي فقد حدث تطور نوعي لهذا المقصد فاتسع مع هادي خسروشاهي إلى ما يُلزم الدولة بتحقيق التكافل والتعادل والتقريب بين الطبقات، ووسّعه المرزوقي ليعني تحقيق شروط المكافأة العادلة التي هي شرط من شروط الازدهار الاقتصادي. بينما اعتبر سيف الدين عبد الفتاح المقاصد الكلية ليست إلا صياغة لمفهوم متكامل للتنمية من منظور حضاري.
ثانيًا: المنحى الأبستمولوجي:
والحديث فيما سبق كان حول العلاقة بين الواقع والمقاصد، انطلاقًا من الواقع إلى المقاصد، وبالعكس، أما على مستوى التحليل الأبستمولوجي للمشروع المقاصدي، فإن نشأته تحيل إلى وجود مآزق منهجية أو قصور في علم أصول الفقه عن أداء وظيفته ودوره من طلب اليقين وتضييق الخلاف، بحيث تحول إلى علم أصول مذهبي يشرح أسباب الاختلاف بين الفقهاء، وطرق تركيب أدلة كل فريق.
1- الحاجة المنهجية:
وهنا تحدث معتز الخطيب (سوريا) عن أسباب المشروعية التأسيسية للوظيفة المقاصدية والتي حصرها في أربعة: جمود الفقه الإسلامي مع تعاظم التحديات والانحطاط السياسي والاجتماعي؛ وهو ما أدى إلى قصور آلية القياس الفقهي الجزئي الذي لم يفِ بمتطلبات ذلك التطور، والتحديات الماثلة، ومن هنا شكلت الفكرة المقاصدية -برأيه- تجاوزًا لفكرة فرض الكفاية الفقهي إلى بناء مسائل الشأن العام بناءً تأسيسيًّا، لا يتم اختزاله في حدود رفع الإثم كما هو في التصور الفقهي. والسبب الثالث: هو العلاقة بين المقاصد وعلم الأصول من حيث وظيفة كل منهما. والرابع هو البحث عن اليقين وتضييق الخلاف الذي لم يحققه علم الأصول.
إلا أن محمد علي التسخيري (إيران) قال لي: إن المقاصد والأصول كلاهما لم يحققا اليقين والقطع. وقد اتفقت معه في هذا، بخلاف قوله: إنه لم يكن الهدف من أصول الفقه تحقيق اليقين. وإن الأصول إنما نشأ في أحضان الفقه. وذلك أنهما سعيا لذلك أصلاً، وكان هدف الأصول من لحظته التأسيسية مع الشافعي ضبط فهم النص خوفًا من تشظي الفهم حرصًا على ضبطه من الاستغلال والاختلاف، وهو بهذا سابق على الفقه، لدى مدرسة الشافعي التي اصطُلح عليها فيما بعد بمدرسة المتكلمين، بخلاف مدرسة الفقهاء (الحنفية) التي تأخرت فيها نشأة الأصول عن الفقه.
2- المقاصد والأصول:
والعلاقة بين الأصول والمقاصد، مسألة جوهرية في مشروعية القول بالمقاصد، وقد بحث نعمان جغيم (ماليزيا) واقع وآفاق تلك العلاقة، وعرض لاتجاهات ثلاثة: الأول يقول بجعلها قسمًا من أقسام الأصول، ورأى فيه طه عبد الرحمن خللاً منهجيًّا؛ لأن ما تناوله علم المقاصد هو جملة ما يختص بالنظر فيه علم الأصول بحسب وضعه الاصطلاحي، وهذا الخيار يُبقي على فقر الأصول إلى البعد القيمي والخلقي. الثاني: إعادة صياغة علم الأصول ليستوعب المقاصد بوصفها جزءًا من نسيجه. الثالث: فصل المقاصد عن الأصول، بوصفها علمًا مستقلاً، وأول من صرح بهذا ابن عاشور، وإن كان عبد المجيد الصغير نسبه للجويني قبلاً.
ومع هذا فلا يمكن أن يكون علم المقاصد بديلاً عن علمي الفقه والأصول؛ فوظيفة الأصول تزويد الفقيه بطرق تركيب الأدلة الفقهية، ووظيفة المقاصد التفقه في الدين والفصل بين الفقهاء في اختلافاتهم والتقريب بين أنظارهم.
غالية بوهدة عرضت لإمكانات استقلال المقاصد عن الأصول في ضوء عدد من الاعتبارات، لتخلص إلى أن كلا العلمين صنوان لا يفترقان في المنهجية الاجتهادية على المستويين: النظري المفاهيمي، والتطبيقي التنزيلي.
3- المنهجية المقاصدية:
لكن إلى أي مدى يمكن اعتبار المنهجية المقاصدية منهجية تستطيع أن تنقذ الاجتهاد الأصولي وتطبيقاته في المجتمع الإسلامي المعاصر؟ هذا ما بحثه بدران بن الحسن (الجزائر) من خلال نظرية الشاطبي، وخلص إلى أن تشكل المقاصد يكمن في عامل التطور الداخلي للفكر الأصولي، والعامل الاجتماعي الذي شكل محفزًا من خلال المشكلات التي طرحها في وجه المنهج الأصولي، واضطره للبحث عن آليات جديدة. وهذا ما يقضي بضرورة ومشروعية تطوير كثير من المناهج والأدوات التي نستعملها لفهم خطاب الوحي والواقع.
تاريخية الفكر المقاصدي تقضي -في رأيه- بالقول إنها مشروع معرفي جزئي مرتبط بإشكاليات ظهرت في مرحلة معينة قد تكون غير مستمرة؛ لهذا فإن اعتبارها منهجية كلية عامة يمكن العمل بها في العلوم الأخرى فيه نوع من المغالطة.
لكن قد ألح عدد من أعضاء لجنة صياغة توصيات الندوة (وقد كنت أحد أعضائها) على ضرورة ربط المقاصد بالمعارف المختلفة، وكان محمد بن نصر (تونس) حريصًا على عدم قصرها على العلوم الإسلامية وكليات الشريعة والعلوم الإسلامية في نص التوصيات، وهذا ما كان.
وقد اقترح عبد المجيد النجار (تونس) إدراج توصية تفيد بضرورة تحديد أننا نحذر من استعمال المقاصد؛ بهدف إلغاء كليات الشريعة وثوابتها. فعلقت عليه بأن هذا الخوف كان سببًا في تهميش المقاصد تاريخيًّا وحديثًا؛ بحجة الخوف من الخروج على النصوص، فضلاً عن أنه كلام يوقع في تناقض؛ إذ كيف نقول: إن المقاصد وظيفتها صيانة كليات الشريعة، ونحذر من استعمالها لهدم تلك الكليات؟!.
إلا أن الذي استقر عليه الأمر صياغة العبارة بشكل إيجابي، من حيث توجيه الاهتمام لدراسة المقاصد بما يؤدي إلى حفظ كليات الشريعة وثوابتها. ولا بد من القول: إن ذلك الخوف والهاجس سكن عقول الكثيرين حتى المنادين بالمقاصد نفسها، وهو من الأهداف المدونة لمركز مقاصد الشريعة الذي تم تأسيسه في لندن، وقدمت رقية العلواني بحثًا للرد على التوظيف العلماني للمقاصد.
وقد ذكرتُ في بحثي أنه وقعت بعض المحاولات في هذا السياق كمحاولة بورقيبة قديمًا حينما اعتبر أن الكفاح القومي ضد التخلف الاقتصادي هو “جهاد في سبيل الله” يستتبع الإعفاء من الصوم؛ إذا وجد المسلم أن الصوم يقلل من طاقته؛ استنادًا إلى مبدأ المصالح، وقد صرّح رشيد رضا بأن الذين فروا من تقرير أصل (لا ضرر ولا ضرار) خوفًا من اتخاذ أئمة الجور إياه حجة لاتباع أهوائهم وإرضاء استبدادهم.
ومع علمي بهذا كله وإيرادي له، فلست من أنصار ذلك التخوف، لأن الفعل المعرفي يفترق عن الفعل الأيديولوجي، والمشكلة الجوهرية تكمن في توهم التناقض بين النصوص والمقاصد وتصور العلاقة بينهما علاقة تهديد من أحدهما للآخر، وقد استراب النصوصيون منذ البداية من دعوة المقاصد؛ لأنهم رأوا فيها سبيلاً للتملص من النصوص، وفي هذا السياق يأتي قول البعض: إن البحث في المقاصد يحيل إلى الانقسامات بين الحرفية والغائية، فهذا يدعم التباس العلاقة بين المقاصد والنصوص، ولا تزال حادثة عمر وإيقاف حد السرقة عام الرمادة موضع جدل ونقاش لأجل هذا. وحينما قلت: إن الحرفية تُلصق -عادة- بالتوجه الظاهري تاريخيًّا، وبالتوجه السلفي الكلاسيكي حاليًّا، قال عبد المجيد النجار: إن التوجه الظاهري يقول بالمقاصد، إلا أنه يعتبر أن المقصد هو الالتزام بالنص نفسه.
وقد طرح محمد بن نصر تساؤلاً مهمًّا وهو ما الحدود التي تفصل مقاصد الشريعة الكلية عن مبادئ الفكر الإنساني العامة، بمعنى كيف نميز ما هو من كليات الشريعة عما هو من مبادئ الفكر الإنساني، حتى لا نقع في جعل فكرة المقاصد الشرعية: أرضية للتماهي مع ما هو سائد في الفكر الإنساني. ومن ثم حاول في ورقته تحرير الفكرة المقاصدية من ملابساتها الأيديولوجية.
ثالثًا: تفعيل مقاصد الشريعة
ولئن وقع الاهتمام بالمقاصد علمًا نظريًّا فقد نادى بعض المعاصرين بضرورة تفعيلها في النظر الفقهي؛ لأن حضورها في النظر الفقهي خفيف، وفعلها في الاجتهاد ضعيف، وحول تفعيل مقاصد الشريعة قدم عبد المجيد النجار ورقته، ورأى أن هذا التفعيل فعل مركب لا يتحقق إلا بجملة من العناصر، وذلك لأن النظر الفقهي لكي يكون نظرًا مقاصديًّا ينبغي أن يُبنى على العلم بمقاصد الشريعة وأنواعها ومراتبها بصفة نظرية، وعلى العلم بأولوياتها بحسب ما تتطلبه مقتضيات الواقع وملابساته، وعلى التحقيق في درجات المقاصد ليحدد لكل حكم مقصده المناسب له في القوة أو في العموم أو في الكلية، ويميز بين ما هو مقصد حقيقي وما قد يكون موهومًا، وعلى العلم بمآلات المقاصد فيما إذا كانت تتحقق من الأحكام الموضوعة لها أو تحول ظروف وملابسات واقعية دون ذلك.
وعلى هذا عرض النجار لعنصرين أساسيين رأى أنهما من أهم العناصر التي يتوقف تفعيل المقاصد عليها، وهما: التحقيق في ذات المقاصد لتُعلم درجاتها وأولوياتها، وثانيهما التحقيق في مآلات المقاصد ليُعلم تحققها في الواقع من عدمه عند تطبيق أحكامها. وهذا التحقيق بفرعيه يتبين به للفقيه الحكم الشرعي المناسب لمعالجة ما يتصدى له بالنظر، فيقرره بحيث يكون محققًا لمقصده المراد منه.
وليس هذا التفعيل على هذا الوصف، بمقصور على النُّظار من الفقهاء المجتهدين، وإنما هو عامّ في المسلمين على قدر طاقاتهم فيه؛ فكل مسلم مطلوب منه أن يكون تصرفه في الحياة تفكيرًا نظريًّا، وسلوكًا عمليًّا موافقًا لأحكام الشريعة محققًا لمقاصدها التي يجب أن تكون حاضرة في ذهنه عند ذلك التصرف ليكيفه بحسبها في حدود قدرته.
وحين تداولنا في لجنة صياغة التوصيات توجيه العناية للبحث المقاصدي قال وائل حلاق: إنه خرج بأهمية عمل سيمينار في جامعة ميغل (كندة) عن المقاصد للطلبة.
كلمة أخيرة
إن هذا المؤتمر حول المقاصد يحيل إلى إشكالية مركزية، وهي تحديد مصطلح المقاصد نفسه والذي يكمن حوله كثير من الخلاف، ومن خلاله يمكن حسم العديد من الخلافات الناشئة. وحين قلت هذا، علق وائل حلاق بالقول: إن مفهوم المقاصد وحده يستحق عقد ندوة خاصة لبحثه.
واتفقنا في لجنة الصياغة على الربط بين أحداث العراق ولبنان وفكرة مقاصد الشريعة التي جاءت لصيانة الضرورات الخمس وأولها حفظ النفس، ومن ثم دعم المقاومة التي تستهدف الدفاع عن تلك الضرورات في وجه العدوان.
صحيح أن المقاصد تشهد اهتمامًا كبيرًا في العقدين الأخيرين إلا أن وجه الاهتمام بها ما عاد قاصرًا على المنحى الفقهي، بل تعداه إلى أن فكرة المقاصد تمد الجميع -تقليديين وإصلاحيين- بمادة جيدة لمنافسة الغرب في امتلاك نظرية عامة، وكذلك في الرد على الشبهات حول الفقه وأحكامه، من حيث إنها تزودهم بتعليلات وحكم تفيد بأن تلك الأحكام باقية ومستمرة.
(*) كاتب سوري، محرر صفحة الإسلام وقضايا العصر
(المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 20 أوت 2006)
نظرات في دراسة الشيخ يوسف القرضاوي في شأن دية المرأة
وصفي عاشور أبو زيد (*)
نشرت جريدة «الراية» القطرية دراسة فقهية لفضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي على حلقتين بتاريخ 24/5/2005م، عن موضوع دية المرأة ومساواتها لدية الرجل، ونشرتها أيضاً جريدة الأسرة العربية المصرية على حلقات ثلاث في أعدادها: 2553، 2554، 2555 بتاريخ: 20و27/6 و4/7/2005م بعنوان: «دية المرأة في الشريعة الإسلامية تعادل دية الرجل تماماً».
وتعتبر هذه الدراسة اجتهاداً جديداً لم ينشر للشيخ من قبل، على رغم أنه تناول هذه القضية في كتابه عن الشيخ الغزالي الذي رفض تنصيف الدية، ودافع عنه الشيخ القرضاوي في كتابه الماتع عن الشيخ، غير أنه هنا أفرد للمسألة مساحة من البحث والنظر تليق بها.
وعلى رغم أن الشيخ – حفظه الله – مسبوق بهذا الرأي من علماء غيره مثل الشيخ أبي زهرة والشيخ شلتوت والشيخ الغزالي، وغيرهم، فقد جاء اجتهاده ورأيه في هذه المسألة – كما عهدناه – مؤصلاً مستوعباً جامعاً جديراً بالتأمل والنظر فيه بما لا يمنع من التعقيب عليه، والنقد له، والتحليل فيه، والاستفادة منه، باعتباره صادراً عن رجل في وزن الشيخ القرضاوي، والنقد لا يعني الرفض أو الهدم، إنما هو تحليل ونظرات فقهية في اجتهاد الشيخ الجليل، والتي أذكرها في ما يلي:
أولا: وضع المسألة في نطاقها قبل الحديث عنها:
وأول ما يتميز به هذا الاجتهاد الجديد أن الشيخ حدد الموضع والنطاق الصحيح الذي تنتمي إليه المسألة – محل الاجتهاد – مبيناً أن في الفقه الإسلامي دائرتين: دائرة لا تقبل الاجتهاد ولا التجديد؛ لأنها دائرة مغلفة بما احتوت عليه من نصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة معاً، وهي قليلة جداً ومهمة جداً؛ لأنها تحفظ على الأمة شخصيتها ووحدتها وقوتها. والدائرة الثانية هي دائرة مفتوحة تقبل الاجتهاد لما احتوت عليه من نصوص ظنية الثبوت وظنية الدلالة، وتتغير الفتوى فيها بتغير الزمان والمكان والحال والعوائد، ووضع الشيخ قضية دية المرأة في هذه الدائرة.
والذي دعا الشيخ لذلك هو ذلك الإجماع المدعى على أن دية المرأة نصف دية الرجل، والذي نقله غير واحد من فقهاء الأمة على رأسهم ابن قدامة صاحب المغني، ولا شك أن في الإجماع على مسألة ما يوجب الحذر والتدقيق؛ لأن الإجماع إذا نقل في تراثنا الفقهي فمن العسير مخالفته إلا بأدلة قطعية وواضحة.
كما وضع الشيخ المسألة في نوعها الصحيح من أنواع الأحكام قبل الإسلام التي جاء الإسلام وكان له موقف منها، وتمثلت في ثلاثة أنواع: نوع يقره، ونوع يرفضه، ونوع يعدله يضيف إليه ويحذف منه، ووضع الشيخ المسألة في النوع الثالث؛ حيث أقر الإسلام دية المرأة لكنه أضاف إلى هذا النوع ضوابط تحدد نطاقه وتحفظ حدوده.
والحق أن وضع المسألة في نطاقها الصحيح في البداية له أهمية خاصة لدى الفقيه؛ إذ إنه يعتبر الخطوة الأولى التي ينبني عليها غيرها، فإن كانت صوابا انطلق اجتهاده في طريق الصواب، وإلا فما بني على خطأ فهو خطأ، وهو أيضاً نوع من وضع النقاط فوق الحروف حتى يتجرد الاجتهاد صحيحاً، وينطلق انطلاقاً واضحاً منضبطاً.
ثانياً: تناول المسألة من أدلة الأصول تفصيلاً:
ومن ميزات هذا الاجتهاد الجديد أن الشيخ تناول الأدلة الأصولية بالترتيب والتفصيل المستوعب، المستقرئ للتاريخ، المتتبع لأعلامه بالترتيب والاستيعاب أيضاً، فبدأ بالقرآن – الدليل الأول – ولم يجد فيه إلا آية سورة النساء التي تتحدث عن الدية، وهي آية محكمة بينة واضحة الدلالة؛ حيث لم تفرق بين رجل وامرأة في الدية، بل فرقت بين من يعيش في دار الإسلام من المسلمين، ومن يعيش منهم في غير ديارهم.
ثم عرج على السنة النبوية – الدليل الثاني – والذي جاء من خلاله استنباط الفقهاء لتنصيف دية المرأة قياساً بالرجل، ومن هنا قال الشيخ: «ومن ثم وجب على الفقيه المعاصر الذي يريد تجديد اجتهاد في هذا الحكم الذي انتشر واشتهر العمل به قروناً طويلة… أن ينظر نظرة مستوعبة مستقلة في هذه الأحاديث: هل هي صحيحة الثبوت، لا يطعن في سندها، وهل هي صريحة الدلالة لا احتمال في دلالتها على الحكم؟».
وهو ما فعله الشيخ مع هذا الدليل؛ حيث استعرض صحيحي البخاري ومسلم فلم يجد فيهما نصاً في هذه المسألة مرفوعاً ولا موقوفاً، لا مسنداً ولا معلقاً، لا من أحاديث الأصول ولا من التوابع، وعرج على السنن الأربع – أبي داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي ـ فلم يجد فيها أيضاً نصاً يميز في دية الرجل عن المرأة، واستعرض الأئمة المحدثين من بعدهم مثل: أبي يعلى، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن حبان، والطبراني، والدارقطني، والحاكم، وذكر أنه لم يرو واحد من هؤلاء حديثاً في هذه المسألة، ثم ذكر رواية عند البيهقي في سننه الكبرى وهي رواية حديث معاذ – رضي الله عنه – التي تقضي بالتنصيف، لكن الشيخ بين مِن ضعف الحديث خاصة السند ورجاله ما لا يقوم به حجة ولا تنبني عليه أحكام؛ ذلك أن الحديث إن لم يكن صحيحاً فلا يجوز أن يستدل به في الأحكام الشرعية.
وبعد ذلك تناول الدليل الثالث – الإجماع – وذكر كلاماً أصولياً في حجيته وإمكان وقوعه عن الإمام المجتهد الشوكاني في «إرشاده»، وابن حزم في «إحكامه»، وأكد أن الإجماع لا بد من أن يكون مستنداً إلى دليل شرعي وإلا فهو قابل للأخذ والرد والمعارضة، إضافة إلى أن هناك من رفض التنصيف مثل ابن علية والأصم.
وتناول الشيخ الدليل الرابع وهو القياس، وأكد أن لا وجه لقياس بعض الفقهاء مسألة الدية على الميراث والشهادة؛ إذ إنه قياس مع الفارق، ومع ذلك بين السبب والعلة في تنصيف المرأة في الشهادة والميراث.
وأخيرا نظر نظرة في أقوال الصحابة وفي الحكمة والمصلحة وبين أن الآثار التي وردت عن الصحابة في هذا الصدد ضعيفة لا يحتج بها في الأحكام لو كان مرفوعاً، فكيف والآثار موقوفة، وأنها يعارض بعضها بعضاً، وأن أقربها إلى القبول رواية عثمان التي لم تخلُ من مطعن في سندها؟ وأكد الشيخ – عند حديثه عن المصلحة – أنه لا يصح أن نفسر التنصيف بأن فقْد المرأة أقل خطباً من فقد الرجل، والمنفعة التي تفوت بموت الرجل أعظم من المرأة؛ لأن الرجل هو الكادح والكاسب والعائل، وبين الشيخ أن هذا كلام غير مُسلَّم؛ لأن دية الطفل الصغير مثل الكبير، ودية الرجل القادر على الكسب مثل العاجز، والكناس الأمي في الجامعة مثل الأستاذ فيها، وماذا لو كانت المرأة هي العائلة والعاملة؟ وقد قال (صلى الله عليه وسلّم): «المسلمون تتكافأ دماؤهم».
وهو استقراء يدل على تمكن الشيخ من الأدلة الأصولية واستيعابه للمسألة استيعاباً قوياً مما يمكنه من الوصول للحكم الشرعي الصحيح من خلال استقراء هذه الأدلة بهذه الطريقة.
ثالثاً: الجرأة العلمية والشجاعة الأدبية:
كثير من العلماء والباحثين يتهيبون القرب من مواضع الإجماع حتى لو كان إجماعا مدعى، ويتعبدون بالمذاهب الفقهية وآراء الأئمة إلى درجة التقديس والتفريط، وكثير منهم أيضاً يتجرأ في سوء أدب على الأئمة الأعلام ويتناولهم تناولاً لا علم فيه ولا أدب إلى درجة السخرية والإفراط.
وهذا مرفوض كما أن ذاك مرفوض أيضاً، والوسط دائماً بين الإفراط والتفريط، نحترم العلماء ونقدر آراءهم ونضعها موضع الاعتبار في الوقت الذي لا نضعهم فيه مواضع العصمة، وهم الذين لم يدعوا لأنفسهم ذلك، بل خالفوا أئمة قبلهم بكل أدب وتقدير، فليس بمستنكر أن يخالفهم مَنْ بعدهم، في تقدير لا تقديس معه، وشتان ما بين التقدير والتقديس.
بيد أن في مسألتنا هذه أمراً له خطره، وهو ذلك الإجماع الذي نقله العلماء عبر القرون، مما يفرض على الفقيه المجدد ضغوطاً نفسية في محاولة البحث من جديد في هذه المسألة التي انعقد عليها الإجماع، وهو يوجب ـ بلا شك ـ الحيطة والحذر، كما يحجم جرأته في النظر إليها من جديد.
وبالرغم من كل هذه القيود، فإن الشيخ القرضاوي لم يتهيب الخوض فيها مع تقديره واحترامه للعلماء الذين تناولوا هذه المسألة، ولم يمنعه الإجماع عليها من النظر فيها ما توفرت له الأدلة الشرعية التي تقضي بتغيير الحكم في مثل هذه المسألة، وقد قال الشيخ في مقدمة بحثه في إشارة إلى أن مخالفته للإجماع ليس تنقصاً من شأن الفقهاء، قال: «وليس من مسلكي الفكري قط في أي فترة من حياتي: التنقص من جهود أسلافنا, أو التقليل من قيمة تراثنا, فهذا أبعد شيء عن منهجي الفكري, ومسلكي الخلقي. فأنا أقدر كل القدر, وأكن كل الاحترام للعلماء في سائر عصورها, وأتتلمذ عليهم, وأقتبس منهم, وأثني عليهم, وأدعو لهم بحسن المثوبة من الله تعالى, ولكنني لا أضفي عليهم العصمة في ما انتهوا إليه من آراء, فإنما هم بشر مجتهدون, يصيبون ويخطئون وإن كان الخطأ هو الأقل, والصواب هو الأكثر, ولهم الحجة, وبحسب المجتهد أن يكون خطأه مغموراً في بحر صوابه». ا.هـ.
ومخالفة الإجماع بدليل معتبر ـ كما هو معروف ـ ليست مسألة جديدة، فقد حدثت في تاريخنا الفقهي كثيراً، ومنها ما قام به الإمام ابن تيمية ومدرسته في ما يخص قضايا الأسرة.
رابعاً: الجمع بين الفقه والحديث:
وفي الواقع أن هناك أزمة في واقعنا الفقهي المعاصر نعاني منها، وهي القطيعة الموجودة والسد الحاجز بين الفقه والحديث، فالفقيه لا رواية له في الحديث، والمحدث لا دراية له بالفقه، ومن هنا يبني الفقيه أحكامه على الأحاديث الضعيفة في كثير من الأحيان، ولا يستطيع المحدث أن يقيم حكماً شرعياً لضعفه في الفقه والنظر في أدلته التفصيلية، وهذه مشكلة موجودة منذ القدم، وما زالت تطل برأسها في واقعنا.
والشيخ القرضاوي في اجتهاده هنا استطاع أن يزيل هذه الفجوة ويحطم هذا السد القائم بين عمل الفقيه وعمل المحدث، فجانب الفقه عنده أبرز من أن يشار إليه، وجانب الحديث هنا واضح خاصة عند حديثه عن دليل السنة، وأقوال الصحابة؛ حيث يظهر بوضوح تمكنه من مصطلح الحديث، وعلم الجرح والتعديل الذي أثبت به ضعف الأحاديث والآثار الواردة في المسألة، خاصة عند حديثه عن ابن علية هل هو الابن أم الأب، على رغم أن إماماً ومحدثاً كبيراً مثل النووي قال إنه الابن، والصحيح أنه الأب، ومن ثم لا يقوم بالأحاديث والآثار الضعيفة حكم شرعي في دين الله.
والحق أننا في حاجة إلى دراسة هذه المسألة – مسألة الوصل بين مدرسة أهل الرأي والنظر ومدرسة أهل الحديث والأثر – حتى تزول السدود والفواصل بينها؛ لكي يبني الفقيه حكمه بناء صحيحاً، وينظر المحدث في الأدلة نظراً صائباً.
خامساً: المزج بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية:
وهي مشكلة ثانية نعاني منها في واقعنا الفقهي المعاصر؛ ذلك أن هناك مدرسة كليلة النظر إلى فقه الواقع وفقه الأولويات، ومراعاة مقاصد الشريعة ومصالح الناس، وهي المدرسة التي سماها الشيخ في بعض كتبه «الظاهرية الجديدة»، في إشارة إلى مدرسة ابن حزم القديمة والتي تلتزم حرفيا بظاهر النص حتى لو خالف ذلك مقصدا من مقاصد الشريعة.
والشيخ القرضاوي من فقهاء العصر الذين لا يتكلمون في مسألة فقهية أو فتوى شرعية إلا مع ذكر المقاصد بجوار النصوص، وبيان العلة التي يقوم عليها الحكم وتوضيح الحِكَم من وراء هذا الحُكْم.
وفي هذه المسألة الساخنة طرق عليها الشيخ القرضاوي بالأدلة والنصوص حتى لانت في يده، وبين مقاصد الشرع في تنصيف الشهادة والميراث، كما بين المقصد من عدم تنصيفها في مسألتنا هنا، والشريعة – في مجملها – معللة واضحة المقاصد جلية الحِكَم حتى في كثير من أحكامها الفرعية العملية، وهذا أمر له أهميته بخاصة في هذا العصر الذي بات الاقتناع فيه والانقياد للحكم الشرعي متوقفاً – في كثير من الأحيان – على إبراز الحكمة والمقصد من الحكم الشرعي.
سادساً: ذكر آراء العلماء المعاصرين:
وهو نوع من الأمانة العلمية التي يجب أن يتميز بها الباحث والعالم، فمن بركة العلم نسبته إلى أهله، فذكر أن هذا هو رأي المشايخ: رشيد رضا في تفسيره، ومحمود شلتوت في «الإسلام عقيدة وشريعة»، وأبو زهرة في «العقوبة في الفقه الإسلامي»، والغزالي في: «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث». غير أنهم لم يتناولوها كما تناولها هو بالتفصيل.
وإضافة إلى أن من الأمانة العلمية فإن له بعداً آخر له أهميته في هذا الصدد، وهو أن الشيخ بعدما ذكر أن المسألة جديرة بإعادة النظر، وأكد أن القلب يطمئن إلى هذا الحكم من خلال استعراضه المستوعب والعميق للأدلة الشرعية التي تناولها، أراد أن يؤكد كلامه ويؤيده بكلام علماء لهم شأنهم ووزنهم أمثال أبي زهرة وشلتوت والغزالي، وهو بذلك يريد أن يَطمئنَّ القلب إلى هذا الحكم تمام الاطمئنان ـ والحق لا يُعرف بالرجال ـ غير أن ذلك يزيد المؤمن يقينا بهذا الحكم ويطمئن قلبه من الشك إن كان قد بقي شك بعد الحديث عن الأدلة الأصولية كما تناولها الشيخ.
سابعاً: تسويغه لاجتهاده الجديد:
وهي مسألة مهمة وسؤال في محله عندما قال الشيخ: لماذا لم يظهر اجتهاد جديد خلال القرون الماضية حول دية المرأة؟ بخاصة أنه لا يوجد نص من قرآن أو سنة، أو قياس صحيح أو مصلحة معتبرة تقضي بالتنصيف، وهو سؤال مهم تُسوِّغ الإجابةُ عنه الاجتهادَ الجديد وبخاصة إن كان هناك إجماع.
وقد رأى الشيخ أن السبب في ذلك هو اختلاف العصر؛ ذلك أن الدية تجب في حالتين: حالة القتل الخطأ، وهي مجمع عليها، وحالة مختلف فيها وهي شبه العمد، وحالة القتل الخطأ بالنسبة للمرأة قديماً كانت نادرة الوقوع، فربما تمر السنون ولا تقتل امرأة خطأ لعدم وجود ظروف وأسباب تعرضها لذلك، بخلاف عصرنا الذي كثرت فيه الحوادث، وإنما يحفز المجتهد على الاجتهاد كثرة وقوع الأمر، كما حدث مع الإمام ابن تيمية في كثرة وقوع الطلاق الذي حفزه على عدم إيقاع الطلقات الثلاث إلا طلقة واحدة.
ثامناً: دراسة مهمة لم يتنبه لها الشيخ:
وعلى رغم أن الشيخ ذكر آراء الفقهاء المعاصرين له من بـاب الأمانة العلمية، فقد فاته أن يشير الى دراسة قيمة منشورة منذ أكثر من خمس عشرة سنة حول هذا الموضوع، وهي لأستاذنا الجليل الدكتور عبداللطيف محمد عامر، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، بعنوان: «أحكام المرأة في القصاص والدية»، (ضمن منشورات مكتبة وهبة بالقاهرة). تناول فيها مسألة تنصيف دية المرأة في الإسلام، وناقشها مناقشة هادئة، وأورد كل الأدلة والدعاوى المثارة في هذا الصدد من قياسها على الشهادة أو الميراث وغير ذلك، كما أفرد حديثاً لكتاب عمرو بن حزم الذي ورد فيه التنصيف، وذكر أموراً أخرى يحسن الرجوع إليها في هذا الكتاب القيم.
وبقدر ما أسعدني الاجتهاد الجديد للشيخ القرضاوي في مسألة دية المرأة، واطمأن قلبي إلى ما وصل إليه، فقد اشتد تعجبي من عدم تنبهه لهذه الدراسة المهمة – رغم قدمها، وعلو شأن صاحبها – الدكتور عبداللطيف عامر – في الدراسات الشرعية، فهو – بحق – ليس فقيهاً فحسب، بل من فلاسفة الفقه المتحررين، لا يقف عند النصوص بل يغوص في أعماقها ويستكنه أسرارها ويبين الحكم من ورائها، ولا يقف عند الظاهر بل ينفذ إلى المقصد والمبتغى من الحكم الشرعي، وهو وإن لم يكن مشهوراً إعلامياً فإنه معروف بين أهل العلم بفقهه الواسع وتواضعه الجم وخلقه الكريم. وهو لمن لا يعرفه من مواليد محافظة الشرقية عام 1931، تخرج في دار العلوم بالقاهرة، وحصل على الدكتوراه منها، وتولى عمادة كلية الشريعة – الجامعة الإسلامية العالمية – إسلام آباد – باكستان، ويعمل الآن أستاذاً للشريعة بحقوق الزقازيق.
وعذر الشيخ هنا في عدم تنبهه الى هذه الدراسة الذي لا يجوز أن نذهب إلى غيره هو أنه لم يطلع عليها أو يسمع بها، وهذا ليس عذراً علمياً للشيخ، فالباحث – فضلاً عن العالم الفقيه – مطالب بالبحث عمن سبقه والاطلاع على ما قيل في ما يتحدث بشأنه، وأرجو أن يستدرك ذلك بالاطلاع عليها والنظر فيها.
وهذه الدراسة التي مثلت اجتهاداً جديداً للشيخ جديرة بالتأمل أكثر من هذا، وبأن نضعها بين أيدي الباحثين والعلماء للنظر فيها والإفادة منها ومن منهجها، بارك الله في عمر الشيخ وعمله، ومتعه بالصحة والعافية.
(*) باحث شرعي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة
(المصدر: ملحق “تراث” بصحيفة الحياة الصادرة يوم 19 أوت 2006)
صلى بالطائرة فاعتبروه تهديدا للأمن
بسيوني الوكيل – إسلام أون لاين.نت
لم يكن يدرك الطبيب المسلم الكندي الجنسية أحمد فاروق أن مجرد تأديته للصلاة على متن طائرة تابعة لشركة طيران أمريكية ستكون سببًا في إلقاء القبض عليه ومنعه من السفر على متن تلك الرحلة بعد اعتباره تهديدًا للأمن.
فقد منعت السلطات الأمريكية في مطار مدينة دينفر في ولاية كولورادو الطبيب فاروق واثنين من مرافقيه من مواصلة رحلتهم بعد أن أدى صلاة المغرب على متن طائرة تابعة للشركة رغم أدائه الصلاة وهو جالس في مقعده، وهو ما أدانه بشدة واعتبره سلوكًا ينطوي على “تفرقة عنصرية مؤسساتية”.
كما عبّر الطبيب المسلم عن شعوره بالإحباط والحزن الشديدين إزاء تعرضه لهذه “المعاملة التمييزية؛ بسبب شكله وملامحه غير الغربية”، مؤكدًا أنه سيطالب شركة يونايتد إيرلاينز بتقديم اعتذار رسمي وتعويضه عن الإساءة التي لحقت به.
وعبّر فاروق عن استيائه من الموقف بقوله: “الموقف كله محبط بشكل حقيقي.. هذا يجعلك قلقًا؛ لأنك لا بد أن تراقب وتشاهد كل شيء تقوله وتفعله هذا سيئ بالنسبة لمن يُعَدّون كأقليات”، بحسب ما نقلته عنه شبكة “سي بي سي” الإخبارية الكندية السبت 19-8-2006.
وأشار فاروق (27 عامًا) المقيم في مدينة وينيبيج في مقاطعة مانيتوبا الكندية والذي كان عائدًا إلى كندا، بعد حضوره مؤتمرًا علميًّا في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية إلى أن الشخص الذي اشتبه به “بدا أنه مخمور”، وأنه تعرض لتهديد في وقت سابق خلال الرحلة.
وأوضح أن المسئولين في إدارة أمن المطار أدركوا بعد وقت قصير أن تصرف طاقم الطائرة كان مبالغا فيه معهم غير أن هذا لم يمنحهم الفرصة لأن يدركوا الطائرة قبل انطلاقها في مطار دينفر هذه الليلة، وأخذوا طائرة أخرى في اليوم التالي على نفقتهم الخاصة.
وقال فاروق: “ليس هناك أحد نتحدث إليه.. ليس هناك وسيلة حقيقية للتحدث لأحد للحصول على سبب لما حدث. ضباط الشرطة الذين تحدثوا إليّ والمسئولين من بعدهم خلال أول 3 أو 5 دقائق، كانوا يتحدثون بنفس الكلمات (الطاقم ارتكب خطأ.. نحن نعتذر لك.. إنهم تصرفوا بحدة)”.
ومن جانبه، طالب عضو البرلمان بات مارتن عن مدينة وينيبيج الكندية وزير الأمن العام الفيدرالي ستوكويل داي برفع الأمر إلى نظرائه الأمريكيين.
“من واجبنا التحقيق”
وتعليقًا على الحادث قال أحد المسئولين في شركة “يونايتد إيرلاينز”: إن الشركة ملزمة بأن تتخذ أي تهديدات مزعومة لأمن المسافرين بشكل جدي، وخاصة في أعقاب الكشف عن مؤامرة لتفجير عدة طائرات في رحلات بين بريطانيا والولايات المتحدة قبل نحو 10 أيام.
وأضاف المسئول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: “في حال وجود أي نوع من هذه الادعاءات فمن واجبنا التحقيق فيها.. أطقم رحلاتنا مدربون على توفير الأمان بدرجة أولى”.
ومنذ هجمات 11 سبتمبر وتتخذ الولايات المتحدة إجراءات أمنية مشددة في المطارات وعلى المسافرين، الأمر الذي يتسبب في مضايقات شديدة للمسافرين.
وانتقلت عدوى الإجراءات الأمنية المشددة إلى عدد من الدول الغربية على رأسها بريطانيا، حيث يقوم خبراء أمريكيون في الوقت الحالي بتدريب ضباط الأمن البريطانيين على مراقبة سلوك المسافرين في المطارات في أعقاب إعلان وزارة الداخلية البريطانية الخميس 10-8-2006 عن إحباط “خطة إرهابية” كبيرة لتفجير طائرات في الجو بين بريطانيا والولايات المتحدة.
وأوضحت صحيفة التايمز البريطانية الأحد 20-8-2006 أن من المقرر أن تقوم فرقة تُدعى فرقة “مراقبة التصرفات” بمراقبة المحادثات وملامح الوجه للمسافرين، وكذلك من تبدو عليهم ملامح القلق والخوف.
وقالت: إن الأشخاص الذين سيبدو عليهم أعمال مشبوهة سيتم أخذهم للتحقيق معهم ومنعهم من السفر في حال إذا فشلوا في تفسير تصرفاتهم.
وأثار الإعلان البريطاني عن إحباط الهجوم موجة من الذعر والاضطراب اجتاحت عددًا من الدول وشركات الطيران في العالم.
(المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 20 أوت 2006)