TUNISNEWS
8 ème année, N°2945 du 15.06.2008
محمّد بن محمد بن عبد الرّحمان عمّار :إعلام بالدّخول في إضراب عن الطّعام
حــرية و إنـصاف:عاجل ملاحقة الكاتب العام لحرية و إنصاف و تهديده بالقتل
ايلاف : تونس: تصعيد بين حقوقيين و قوات الأمن
اللجنة الوطنية لمساندة اهالي الحوض المنجمي:أخبار الحوض المنجمي
بشير الحامدي : نقابيون مناضلون يتجمعون في بطحاء محمد علي ويطالبون بفك حالة الحصار على بلدة الرديف
اللجنة الجهوية بصفاقس لمساندة أهالي الحوض المنجمي:تجمع في صفاقس الأحد 15 جوان تضامنا مع أهالي الحوض المنجمي
عن مجموعة من المناضلين النقابيين بنفطة .* بيان نقابي * حول مستجدّات وضع الاتحاد المحلّي بنفطة
معز الجماعي : مشهد من مشاهد الإرهاب السياسي في تونس
الصباح : الإفراج عن أحد المتهمين في قضية المناطق المنجمية وتأخير البت إلى جلسة 3 جويلية القادم
المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية:التقرير النصف الشهري الأول (جوان 2008)
زيــاد الهانــي : بيــــــــــــــــــــــــــــــان توضيحـــــــــــــــــــــــــي
كمال بن يونس:أحمد المستيــــــــــــــــــــــري ورفـــــــــــــــــــــــاقه
يو بي أي:لجنة التنسيق بين القنوات الفضائية تتجاهل وثيقة ‘مبادئ تنظيم البث والإستقبال الفضائى
موقع حركة النهضة:حوار مع الشيخ راشد الغنوشي: بمناسبة الذكرى 27 لتأسيس حركة النهضة الجزء 2
الصباح: في مسح أجراه المعهد الوطني للإحصاء:عدد العاطلين عن العمل من التقنيين السامين يرتفع من سنة إلى أخرى
هدى العبدلي : الهجرة الســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرية في تونس
محمد شمام: المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح – الحلقة الأولى
فاضل البلدي : من أجل ميثاق وطنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي جديد
عبد السّلام بو شدّاخ، : كيف العمل من اجل التغيير في الخطاب الاسلامي بين ثقافة الانبطاح و ثقافة الاصلاح(الجزء الثاني)
محمود الذوادي : دورالأمير والمثقف في استمرار الاستعمار اللغوي والثقافي
عبد اللطيف فراتي : صفعة لساركــــــــــــــــــــــــــــــــوزي
د.هادي حسن حمودي : ين الأديان والإيديولوجيا: أسئلة معلقة ولكنْ ليست مغلقة (1 من 3)
خالد أبو بكر : عام من “حكم” حماس في عيون نخب عربية
د. أسامة عثمان:الحوار لتنفيس الاحتقان أم لتطويع حماس؟
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين تتواصل معاناتهم ومآسي عائلاتهم وأقربهم منذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاع. نسأل الله لهم وللصحفي سليم بوخذير وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات إيقافهم منذ أكثر العامين الماضيين فرجا قريبا عاجلا- آمين
21- الصادق العكاري
22- هشام بنور
23- منير غيث
24- بشير رمضان
25 – فتحي العلج
|
16- وحيد السرايري
17- بوراوي مخلوف
18- وصفي الزغلامي
19- عبدالباسط الصليعي
20- لطفي الداسي
|
11- كمال الغضبان
12- منير الحناشي
13- بشير اللواتي
14- محمد نجيب اللواتي
15- الشاذلي النقاش/.
|
6- منذر البجاوي
7- الياس بن رمضان
8- عبد النبي بن رابح
9- الهادي الغالي
10- حسين الغضبان
|
1- الصادق شورو
2- ابراهيم الدريدي
3- رضا البوكادي
4-نورالدين العرباوي
5- الكريم بعلوش
|
إعلام بالدّخول في إضراب عن الطّعام
إنّني المسمّى محمّد بن محمد بن عبد الرّحمان عمّار من مواليد 27/02/1956 وصاحب بطاقة التعريف الوطنية عدد 00738358 سجين سّياسي سّابق حوكمت سنة1992 بـ 35 سنة سجنا قضيت منها 14سنة من أجل الانتماء إلى جمعيّة غير مرخّص واطلق سراحي منذ سنتين أب لتلميذين ( ولد 16 سنة و بنت 18 سنة) أعلن عن الدّخول في إضراب مفتوح عن الطّعام من أجل وضع حدّ للوضعيّة المأساويّة التي أعيشها و عائلتي من جرّاء سياسة التّجويع التي أتعرّض لها منذ خروجي من السّجن و ذلك بحرماني من الحقّ في العمل و توفير العيش الكريم لأسرتي ذلك أنّ السّلطة لم تكتف بالسّنوات 14 التي اقتطفتها من عمري و بما عشته من انتهاكات في أقبية السّجون ، بل أصرّت على حرماني من الحقّ في العيش الكريم و منعي من العمل و التّضييق عليّ في الرّزق حتّى أصبح السّجن بكلّ قساواته أرحم من عيون أبنائي التي تسألني الرّغيف … ليتبيّن لي بعد هذه المدة من السّراح أنّ الحياة خارج أسوار السّجن صدمة لا يعرف هولها إلاّ من خذلته الظّروف عن تعويض أهله سنوات السّجن و عذاباتها و بدل أن يتحمّل مسؤوليّتهم يجد نفسه يجوع معهم حتّى الموت. لقد كنت أعمل سائق تاكسي و لي رخصة قانونيّة تسلمتها بتاريخ 28/06/1991ومن حقّي كأيّ مواطن يحمل هذه الرّخصة ممارسة هذه المهنة و لا مبرّر لإقصائي و تجويعي دون موجب قانوني ، علما و أنّني أسكن في منزل على وجه الكراء ليس لي اي دخل مادي وعاجز عن دفع اجرة المنزل وفواتير الكهرباء والماء ونفقات علاجي وعلاج زوجتي الحامل وحتى ابسط احتياجاتنا اليومية. أطالب بحقّي في ممارسة مهنتي كسائق سيّارة أجرة و بحقّي في أن أكون تونسيّا يتمتّع بكلّ الحقوق التي يفترض أن يتمتّع بها أيّ مواطن عاديّ و لأجل هذه الحقوق قرّرت الدّخول في إضراب مفتوح عن الطّعام بداية من اليوم الجمعة 13 جوان 2008 و ألتمس من كلّ الجمعيّات الحقوقيّة و النّشطاء الحقوقيين و الإعلاميين و الأحزاب الوطنيّة مساندتي و دعم حقّي في ممارسة مهنتي السّابقة كسائق تاكسي و السّلام تونس في 13/06/2008
أنقذوا حياة السجين السياسي المهندس رضا البوكادي أطلقوا سراح القلم الحر سليم بوخذير حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 14/06/2008 الموافق ل 10 جمادى الثانية 1429
عاجل ملاحقة الكاتب العام لحرية و إنصاف و تهديده بالقتل
تواصل قوات البوليس السّياسيّ ملاحقتها للكاتب العام لمنظّمة حرّيّة و انصاف السّيّد زهيّر مخلوف لليوم الثّالث على التّوالي و اشتدّ الحصار مساء هذا اليوم و هو ما حدى برئيس المنظّمة إلى اصطحابه إلى منزله الكائن بجهة أريانة، ضواحي مدينة تونس خاصّة بعدما علم أنّ البوليس السّياسيّ ما انفكّ يهدّده بالقتل و كانت 5 سيّارات مع درّاجات ناريّة تحاصرهما من الأمام و الخلف و كان أعوان البوليس السّياسي يتلفّضون تجاه الكاتب العام بعبارات بذيئة نابية و يواصلون تهديدهم له بالقتل و أمام منزله، عمدت قوات البوليس السّياسيّ إلى غلق المنفذ المؤدّي إلى النّهج الّذي توجد به داره فما كان من رئيس المنظّمة الّذي كان يصطحب السّيّد زهيّر مخلوف في سيّارته إلا أن أقفل راجعا إلى منزله مقترحا عليه البقاء معه بالمنزه أين توجد دار السّيّد محمّد النّوري و لكنّ قوات البوليس السّياسيّ تمادت في المحاصرة و التّهديد و أرادت فتح باب السّيّارة عنوة لإخراجه منها و هو ما دعّم فرضيّة إرادة الإعتداء عليه. و أمام منزل رئيس المنظّمة حاصره أعوان البوليس الّذين استبقوهما إليه و قد حاول السّيّد مراد الاطمئنان على والده السّيّد محمّد النّوري فاتّبعهما بسيّارته فما كان من أعوان البوليس إلا أن ضايقوه و عمدوا إلى الاصطدام بسيّارته محدثين لها أضرارا جسيمة و قد حاول السّيّد محمّد النّوري إعلام النّاشطين الحقوقيّين بما يحدث و بدأ هو و الكاتب العام يبحثان عن مكان آمن فدخلا بالسّيّارة إلى حديقة منزل عائلة الشّابّي الأمين العامّ السّابق للحزب الدّيمقراطي التّقدّمي لكن أعوان البوليس حاصروا المنزل المذكور و أخذوا يهدّدون من جديد الكاتب العامّ بالقتل أمام جموع غفيرة من المواطنين و كان من بينهم السّيّد عصام الشّابّي و السّيّدة فائزة الرّاهم و أيضا أنور الشّابّي. و حرية و إنصاف إذ تحيط الرّأي العام الوطني و الدّولي بهذه التّطوّرات الخطيرة الّتي بلغت فيها مضايقات البوليس السّياسيّ للنّشطاء الحقوقيّين حدّ التّهديد بالقتل فإنّها تندّد بشدّة بهذه الممارسات غير المسبوقة و الّتي لا علاقة لها بالقانون أو الأمن فضلا عن التّعامل المتحضّر، و تحمّل السّلطة مسؤوليّة ما يمكن أن ينجرّ عن هذه الممارسات من مكروه يلحق الكاتب العام للمنظّمة السّيّد زهيّر مخلوف أو أيّ أحد من النّشطاء الحقوقيّين و تدعو كلّ الأصوات الحرّة من شخصيّات و منظّمات و أحزاب للعمل من أجل وضع حدّ لمثل هذه الاعتداءات الخطيرة دفاعا عن الحرّيّات و حقوق الإنسان. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري
تونس: تصعيد بين حقوقيين و قوات الأمن
إسماعيل دبارة إسماعيل دبارة من تونس: علمت ‘إيلاف’ من شهود عيان إن عناصر من الأمن التونسي يحاصرون منذ صباح اليوم الأحد أعضاء المكتب التنفيذي لأبرز المنظمات الحقوقية في تونس. و علمت ‘إيلاف’ إن التصعيد الأخير بين المنظمة والسلطة قد اندلع منذ أن تعرض كاتبها العام زهير مخلوف إلى محاصرة لصيقة من قبل أعوان أمن بالزي المدني بسبب ‘نشاطه الحقوقي ‘ حسب ما ذكر لمراسل إيلاف. وذكر مسؤول العلاقات مع المنظمات الوطنية بحرية وإنصاف حمزة حمزة في اتصال هاتفي منذ قليل إن’عناصر الأمن تلاحق 9 أعضاء من المكتب التنفيذي منذ صباح اليوم ..حتى خروجنا من البيت لشراء بعض الحاجيات يكون مرفوقا بعدد كبير من الأعوان، يقبح حاليا أمام منزلي 3 سيارات أمنية و8 أعوان، هذه محاصرة لصيقة غير قانونية قد تنبأ بتصعيد أخطر’. وفي اتصال آخر بزهير مخلوف كاتب عام المنظمة قال: اشتدّ الحصار عليّ منذ مساء أمس ، ولقد هددني بعض الأعوان بالقتل و كانت 5 سيّارات مع درّاجات ناريّة تحاصرني من الأمام و الخلف و تلفّظ بعض من أعوان البوليس السّياسي تجاهي بعبارات بذيئة نابية وقاموا بغلق المنفذ المؤدّي إلى النّهج الّذي أسكن به..ولازلت إلى حدّ هذه اللحظة محاصرا من قبل 4 سيارات أمن و 10 أعوان.’ من جهة أخرى قال شهود عيان لإيلاف إن الكاتب العام للمنظمة ورئيسها المحامي محمد النوري تعرضوا للمطاردة أمس حتى دخلوا منزل المحامي أحمد نجيب الشابي المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. يذكر إن منظمة حرية وإنصاف تعتبر حديثة النشأة أسسها المحامي محمد النوري بمعية عدد من الحقوقيين المعروفين في تونس في السنة الماضية و تمارس نشاطها بصفة مكثفة عبر إصدار البيانات و توثيق الانتهاكات التي تحصل بين الفينة والأخرى. و تركّز المنظمة في بياناتها على المساجين السياسيين والتضييق على حرية التعبير و المحاكمات المتعلقة بالإرهاب. المصدر: موقع ايلاف بتاريخ 15 جوان 2008
اللجنة الوطنية لمساندة اهالي الحوض المنجمي 14 جوان 2008 أخبار الحوض المنجمي
– الرديف : تواصل الحصار الامني يتواصل الحضور الأمني المكثف في الرديف وتخضع العديد من الأحياء لحصار غير مسبوق ، من هذه الأحياء حي الطرابلسية وحي المغرب وحي النزلة وحي سيدي عبد القادر – العمايدة – وذلك للبحث عن نشطاء في التحركات الأخيرة، كما وقعت مداهمة منزل السيد بوبكر بن بوبكر دون لن تتمكن قوات الأمن من إلقاء القبض عليه. إلى ذلك تستعمل قوات الشرطة سيارات خاصة وسيارات كراء لملاحقة الشباب ومحاولة إلقاء القبض عليهم. بعد أكثر من أسبوع على الأحداث الأخيرة التي استعملت فيها قوات الأمن الرصاص لمواجهة المتظاهرين، لازالت مدينة الرديف تخضع لحصار امني خانق ولازال الشعور بعدم الاطمئنان يسيطر على الأهالي. إلا أن بعض الهدوء عاد لمدينة أم العرائس حيث تقلص الوجود الأمني – مع تواصل استدعاء بعض الشباب لمراكز الأمن للبحث ، نفس الهدوء النسبي سيطرفي مدينة المتلوي رغم تواصل الاستدعاءات لمخافر الشرطة وتواصل الدوريات في أرجاء المدينة. تجدد اللجنة مطلبها برفع الحصار الأمني المفروض على مدينة الرديف وعن بقية المدن وإيقاف كل أشكال المداهمات والتتبعات وإطلاق سراح المعتقلين وفتح تحقيق جدي في ظروف وفاة الشاب الحفناوي المغزاوي وجرح العشرات الذين مازال البعض منهم في المستشفيات. محاكمات : أحيل يومي الخميس والجمعة 12 و13 جوان مجموعتان من شباب مدينة المتلوي على المحاكمة بالمحكمة الابتدائية بقفصة على خلفية احتجاجات 30 و31 ماي وقد رافع في القضية 60 محاميا ، حاملين الشارة الحمراء ، احتجاجا على ظروف اعتقال موكليهم وسير المحاكمات . ورغم أن المحاكمة لم تكن سرية إلا أن الباب الخارجي للمحكمة قد أغلق في وجه المواطنين مما أثار احتجاج المحامين. اللجنة تعبر عن تقديرها للسادة المحامين الذين رافعوا في كل القضايا التي تخص الحوض المنجمي وفريانة ، والعدد الهام من المحامين الذي تحول من تونس خصيصا للغرض. كما تعبر عن تضامنها مع الذين منعوا منهم من الالتحاق بمدينة الرديف وتندد بالاعتداء السافر الذي تعرض له الأستاذ الصفراوي يوم الجمعة ، حيث وضع التراب في محرك سيارته. إلى ذلك تعبر اللجنة عن تضامنها مع السيد الفاهم بوكدوس ، مراسل قناة الحوار الذي تعرض للاعتداء من قبل قوات الأمن أمام المحكمة يوم الجمعة 13 جوان 2008 . ترى اللجنة أن استهداف مراسلي قناة الحوار وصحفييها – حيث منع أيمن الرزقي من الدخول لمقر حركة التجديد مساء نفس اليوم في تونس– يرجع للدور الهام الذي لعبته القناة خلال الأشهر الأخيرة من اجل رفع الحصار الإعلامي التي تحاول السلطة فرضه على منطقة الحوض المنجمي. – مقر التجديد في تونس:13 -06-2008 نظمت اللجنة الوطنية بالتنسيق مع حركة التجديد يوما تضامنيا حول الوضع في الحوض المنجمي في ضوء الأحداث الأخيرة. وقد حضر عدد هام الناشطين في المجال الحزبي والجمعياتي والنقابي. وتناول الكلمة إلى جانب الأمين العام لحركة التجديد ومنسق اللجنة الوطنية ، كل من ممثلة جمعية النساء الديمقراطيات، منسق اللجنة الجهوية للعاطلين عن العمل بقفصة، عضو المكتب السياسي لحركة التجديد بأم العرائس ، الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي، الناطق الرسمي باسم حزب العمل الوطني الديمقراطي وممثل الحزب الاشتراكي اليساري، إلى جانب عضوين من هيئة الدفاع في الأحداث الأخيرة، وهما الأستاذ محمد جمور والعميد عبد الستار بن موسى. النقاش تمحور حول الأوضاع الخطيرة في منطقة الحوض المنجمي ،بعد التصعيد الأمني الأخير، خاصة في منطقة الرديف وتفعيل سبل تضامن المجتمع المدني مع الأهالي هناك. عن اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي مسعود الرمضاني
نقابيون مناضلون يتجمعون في بطحاء محمد علي ويطالبون بفك حالة الحصار على بلدة الرديف وبتلبية مطالب مواطني الحوض المنجمي
بشير الحامدي
انتظم يوم 13 ـ جوان ـ 2008 في بطحاء محمد على أمام المقر المركزي للإتحاد العام التونسي للشغل تجمع ضمّ عشرات النقابيين المناضلين هياكل وقواعد من اللذين أخذوا على عاتقهم مهمة الدفع نحو إرساء مساندة فعالة لمواطني الحوض المنجمي وخرق جدار التعتيم واللامبالاة هذا الموقف الذي سيطر على الساحة النقابية في علاقة بانتفاضة الحوض المنجمي والذي فرضته قيادة الإتحاد على هياكل المنظمة هذه القيادة التي أدارت ظهرها لهذه الانتفاضة منذ يومها الأول لا بل اتخذت مواقف مناهضة ومعارضة لها ولم تكن مواقفها تختلف عن مواقف السلطة. في هذا التجمع تداول الحاضرون على الكلمة فبين المتدخلون أهمية ما يجرى في الحوض المنجمي من نضالات جذرية وما بلغه مواطنو الحوض المنجمي من وعي ترجمه إصرارهم على تحقيق مطالبهم رغم القمع والترهيب والمحاصرة والعسف والذي بلغ حدّ إطلاق قوات البوليس الرصاص الحي على المتظاهرين الأمر الذي خلف شهيدا هو السادس منذ انطلاقة الانتفاضة. كما أشار البعض ممن أخذوا الكلمة إلى أهمية مساندة هذه الانتفاضة والرقي بأشكال هذه المساندة لتتجاوز مجرد تحبير البيانات إلى مساندة نشيطة ميدانية تستطيع أن تعبئ الجماهير الشعبية في كامل أنحاء البلاد لتنخرط بدورها في حركة احتجاج لأن مطلبا الحق في الشغل وفي تنمية عادلة هما مطلبان لا يهمان منطقة المناجم فقط بل هما مطلبان يهمان كل الجماهير الشعبية في كل جهات البلاد. كذلك فقد تعرض البعض إلى موقف المعارضة الديمقراطية من أحزاب وجمعيات ومنظمات حقوقية والتي لم تتجاوز في مساندتها لانتفاضة المناجم مجرد إصدار البيانات وهو شكل لم يعد اليوم كافيا كما بين هؤلاء المتدخلون أن انتفاضة المناجم كانت عمليا على صعيد المطالب التي رفعتها أو على صعيد أشكال النضال التي ابتكرتها وانخرطت فيها الجماهير المنتفضة أو على صعيد قدرة هذه الجماهير على التنظم الذاتي كانت متقدمة أشواطا في مستوى نشاطها على جميع الأحزاب والمنضمات وخصوصا تلك التي تعتبر نفسها ممثلة للجماهير ومدافعة عنها ودعوا هذه الأحزاب والمنضمات إلى استقاء الدروس من هذه التجربة ورفع راية النضال الاجتماعي إلى جانب النضال الحقوقي والإنساني . كما دعا كل المتدخلين هياكل الإتحاد العام التونسي للشغل إلى تجاوز حالة السلبية ومسايرة بيروقراطية الجهاز والتعبير عن مساندتها لانتفاضة الحوض المنجمي وذلك بالدخول عمليا في تنظيم احتجاجات ميدانية تطالب بفك الحصار المضروب على البلدات المنجمية وبتلبية مطالب المنتفضين. تونس في 13 ـ 06 ـ 2008
اللجنة الجهوية بصفاقس لمساندة أهالي الحوض المنجمي co_sout_bassinm_sfax@yahoo.fr صفاقس في 15 جوان 2008
تجمع نقابي وعمالي وشبابي في صفاقس الأحد 15 جوان 2008 تضامنا مع أهالي الحوض المنجمي والبيروقراطية النقابية تتورط في تعنيف المناضلين النقابيين لمنع عملية المساندة والتضامن بينما أعوان البوليس يواصلون مضايقة المناضلين النقابيين
على إثر تصعيد السلطة لوتيرة القمع ضدّ الشباب والأهالي ببلدات الحوض المنجمي والإقدام على إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين العزل بمدينة الرديف يوم 6 جوان 2008 الذي نتج عنه سقوط الشهيد حفناوي بن رضا المغزاوي وجرح ما يقارب الـ 26 بجروح بليغة إضافة إلى القيام بمداهمة البيوت واعتقال الشباب وخلع الدكاكين ونهب محتوياتها وإحكام القبضة البوليسية على الأهالي وتلفيق التهم وتنظيم المحاكمات العاجلة والصورية وإصدار الأحكام الجائرة, وفي حركة ميدانية احتجاجية ونوعية للمساندة والتضامن مع أهالينا بالحوض المنجمي تجمع اليوم 15 جوان 2008 النقابيون والعمال من مختلف القطاعات العمالية مع جمع من الحقوقيين ومن الشباب المناضل بجهة صفاقس أمام مقر الإتحاد الجهوي للشغل بصفاقس. وقد رفع الحاضرون اللافتات وصورة الشهيد والجرحى وهتفوا الشعارات المساندة لحركة أهالي الحوض المنجمي وندّدوا بالممارسات الوحشية وبأجواء القمع وبانتهاك أبسط الحريات العامة والفردية. كما رفعوا شعارات تندّد بالنظام وبسياساته القمعية وبمصادرة الحريات. وجدّدوا التعبير عن تضامنهم مع المصابين من مدينة الرديف ومع كافة الجماهير المطالبة بالشغل والكرامة وعن وقوفهم إجلالا لشهداء انتفاضة الحوض المنجمي, وطالبوا بإطلاق سراح كافة الموقوفين وحفظ كلّ القضايا وفكّ الحصار المضروب عن الأهالي. وأكدوا على مشروعية تلك الحركة النضالية وضرورة توفير حق الشغل للشباب العاطل عن العمل ومستلزمات العيش الكريم. وقد تحول التجمع إلى قاعة الإجتماعات وسط تعاطف عمالي ونقابي كبيرين. غير أنّ المكتب التنفيذي للإتحاد الجهوي للشغل بصفاقس الذي صمت عن انتهاكات البوليس التي حصلت يوم 8 جوان 2008 بمستشفى الحبيب بورقيبة وعلى الإعتداءات التي طالت العديد من النقابيين وتلك التي لحقت بسكان الحوض المنجمي عمد إلى محاولة منع المحتجين من النقابيين والعمال من التعبير عن تضامنهم مع أهالي الحوض المنجمي وقام بتحريض البعض من الدخلاء والمندسين المعادين للعمل النقابي وبعض من موظفي الإتحاد ضدّ المناضلين والقيام بتعنيفهم بمرئى ومسمع من جميع الحاضرين والتبرّئ من حركة المساندة في مسعى مفضوح لإجهاض تلك الوقفة التضامنية. كما واصلت قوات البوليس مضايقتها للنقابيين خاصة بعد مغادرتهم مقرّ الإتحاد حيث قام عدد من الأعوان بمراقبة لصيقة لبعض المناضلين وعمدوا إلى اقتفاء اثرهم في محاولة يائسة لترهيبهم وثنيهم على التضامن مع سكان الحوض المنجمي. وفي هذا الصدد تعرّض الأخ حسن المسلمي عضو الهيئة الإدارية الجهوية للشغل بصفاقس وعضو اللجنة الجهوية بصفاقس لمساندة أهالي الحوض المنجمي إلى المضايقة عند عودته إلى مقرّ سكناه وقيام سيارة بوليس باتباعه ثم ضرب حصار بوليسي أمامه إلى حدّ ساعة كتابة هذا البيان. إن اللجنة الجهوية بصفاقس لمساندة أهالي الحوض المنجمي: – تتقدم بالشكر لكلّ العمال والنقابيين والرابطيين والشباب والطلبة الذي تجمعوا اليوم وعبروا عن وقوفهم صفا واحدا دفاعا عن الحقوق النقابية والسياسية وعن تعاطفهم ومساندتهم لأهالينا بالحوض المنجمي. – تجدّد تمسّكها بمواقفها المبدئية في مساندة أهالي الحوض المنجمي وكامل جماهير شعبنا من أجل الحق في الحياة الكريمة رغم القمع والمحاصرة المزدوجة وتعبّر عن استعدادها لمواصلة النضال. – تطالب السلطة برفع الحصار على بلدات الحوض المنجمي وإيقاف مداهمات البيوت واختطاف الشباب وإنهاء المحاكمات وحفظ القضايا والكف عن مضايقة النقابيين والنشطاء. – تحمل السلطة المسؤولية في مزيد الإحتقان والتوتر وتنبه من مغبة الإقدام على القيام بأي إجراء تصعيدي ضدّ مناضليها وكلّ النشطاء ومساندي سكان الحوض المنجمي وإلى خطورة ذلك. – تندّد بالعنف الذي سلط على المناضلين من قبل بعض المعادين للعمل النقابي بتحريض من المكتب التنفيذي الجهوي وبكلّ محاولات إفشال مساندة أهلنا الداخلية منها والخارجية وتدعو كلّ النقابيين إلى مزيد رصّ الصفوف والدفاع عن ثوابت الإتحاد وعن استقلاليته وإلى محاسبة المسؤولين عن ذلك. – تستهجن ذلك الموقف البيروقراطي المعادي لتطلعات النقابيين والعمال وكلّ مناضلي الحرية الذي يطرح موضع السؤال أية مصالح تكمن وراء ذلك وأي دور يسعى لإبرازه هؤلاء ؟ – تذكّر أنّ الإتحاد العام التونسي للشغل بني في خضم النضال ضد الإستعمار وأنّ موقعه الطبيعي اليوم إلى جانب جماهير شعبنا المناضل من أجل تحرّره وانعتاقه والدفاع عن جميع الكادحين والمسحوقين وكلّ المضطهدين مثلما ينص عليه قانونه الأساسي ونظامه الداخلي وتدعو إلى تطهيره من كلّ المندسين والمرتزقة والسماسرة حفاظا على تاريخه وإرثه النضالي وتضحيات مناضليه وشهدائه ومصداقيته. عاشت النضالات الجماهيرية لأهالي الحوض المنجمي عاشت الوقفة النضالية المساندة لها يسقط القمع المسلط على المناضلين وعلى الجماهير. عاش الإتحاد العام التونسي للشغل مستقلا ديمقراطيا ومناضلا ودرعا لكلّ المضطهدين والكادحين الخزي لكلّ أعداء شعبنا ولكلّ السماسرة والمرتزقة اللجنة الجهوية بصفاقس لمساندة أهالي الحوض المنجمي co_sout_bassinm_sfax@yahoo.fr المصدر : http://fr.groups.yahoo.com/group/contre_tajrid
* بيان نقابي * حول مستجدّات وضع الاتحاد المحلّي بنفطة
لم تعد تخفى على الجميع معضلة الاتحاد المحلّي للشغل بنفطة الذي حطّم رقما قياسيا في تعطيل إنجازمؤتمره لأسباب جوهرها الأساسي الاستبداد بالرأي و لو كان على حساب العمل النقابي و إشعاع الاتحاد العام التونسي للشغل و إرادة الاقصاء التي يمارسها الاتحاد الجهوي للشغل بتوزر ليس فقط تجاه مناضلين نقابيين بأعينهم و لكن تجاه الساحة النقابية الناشطة بنفطة على خلفيات انتخابوية ضيّقة غايتها إدامة حالة الشلل النقابي و التجاهل المقصود لقضايا الشغالين في الجهة حيث تراجع نسق الانتساب إلى النقابات و انقرضت تشكيلات نقابية برمتها(نقابة عملة الأرض ,نقابة المهن المختلفة ,نقابة معامل التمور,نقابة الغابات , نيابة المياه , نيابة البريد ،نيابة المقاهي و المطاعم , نيابة البنوك , نيابة التطهير) و تجلّى الخور في إفشال عديد المحطات النضالية لا سيّما في قطاعات السياحة ( نزل الأفق الجميل بنفطة و نزل بسمة بتوزر) و التعليم الأساسي و الثانوي (إفشال و إعاقة إضرابات و اعتصامات و شارات حمراء…) لقد كان لقيادة الاتحاد الجهويّ للشغل بتوزر أدوارا مريبة في إفشال كل تلك النضالات و عرقلتها و بلغت ذروة إمعانها في سياسة تجميد الاتحاد المحلي بنفطة عند إحالتها لمجموعة من النقابيين بها على لجنة النظام الوطنية عندما عبّروا في ذكرى تأسيس الاتحاد (20 جانفي 2004) عن ضرورة هيكلة اتحادهم و إيقاف المهزلة و إسناد إخوانهم عمّال نزل الأفق الجميل بنفطة . و لمّا كان النقابيون بنفطة مصممين على ضرورة إنقاذ اتحادهم المحلّي من النيّة المضمرة لتصفيته حيث استمروا في إثارة قضيّته بالعرائض و المراسلات و الاتصالات المباشرة بالقيادة النقابية الوطنية إلى أن بتّت لجنة النظام الوطنية في المسألة عبر مراسلة في ماي 2007 تدعو فيها المكتب التنفيذي الجهوي للاتحاد بتوزر إلى العمل على دعوة النقابيين بنفطة إلى تشكيل لجنة ممثلة لنقاباتهم الكبرى تتولى تهيئة الظروف إلى حين إنجاز مؤتمر الاتحاد المحلّي.. و رغم هذا الإجراء فإنّ القيادة النقابية الجهوية قد أمعنت في تجاهل الأمر غير عابئة بكل الدعوات (حتّى الوطنيّة منها) مستمرة في توخي نهج الاستبداد بالرأي و الاستخفاف بالقرارات الصادرة عن المركزية النقابية طيلة ثمانية أشهر إلى أن جاء يوم 20 جانفي 2008 موعد إحياء الذكرى 62 لتأسيس الاتحاد حيث قام ثلّة من المناضلين النقابيين بنفطة خلال الاجتماع العام الذي انتظم بدار الاتحاد الجهوي للشغل بتوزر و تحت إشراف الأخ حسين العبّاسي الأمين العام المساعد برفع لافتات تنادي بإرساء اللجنة الموصى بها لغاية تجديد الاتحاد المحلي للشغل بنفطة و تتساءل عن تأخر تنفيذ قرارات لجنة النظام و كانت حركة حضارية نالت إعجاب الحاضرين و ثمّنها الأخ حسين العبّاسي داعيا المحتجّين إلى الاجتماع به بعد الاحتفال لفضّ هذا الاشكال وهو ما وقع فعلا حيث حضر الإخوة المناضلون و معهم الكاتب العام للاتحاد الجهوي بتوزر و ممثل لجنة النظام الجهوية و مقرر لجنة النظام الوطنية إلى جانب الأخ حسين العباسي و قد أبدى الكاتب العام للاتحاد الجهوي محمد الهادفي استعداده التام لإرساء اللجنة في أقرب الآجال حسبما يختاره النقابيون بنفطة من خمسة نقابات كبرى عدّدها على الملأ وهي (التعليم الأساسي و التعليم الثانوي و الصحة و الإرشاد التربوي و السياحة ) . و انفض الاجتماع على ذلك الاتفاق . غير أن الطبع قد غلب التطبّع و انتهاجا لسياسة الالتفاف على أبسط قواعد الديمقراطية و حرية الاختيار فقد فبركت إرادة الإقصاء تخريجا غريبا عن أصول العمل النقابي يتمثل في : 1/ فرض منسّق للّجنة يتعارض تعيينه صراحة مع الفصل 68 /الفقرة (د) من النظام الدّاخلي. 2/ توزيع النيابات داخل هذه اللجنة حسب ولاء بعض النقابيين للكاتب العام الجهوي (خصّ التعليم الأساسي بنائبين خلافا لفحوى قرار لجنة النظام؟). 3/ إقصاء نقابيين لا يروقون للكاتب العام للاتحاد الجهوي( مثال نقابة الصحة وهي من كبرى النقابات و قد ذكرها الكاتب العام الجهوي في الاجتماع مع الأخ العباسي بتعيين أحد أعضاء النقابة دون رغبته بغاية إقصاء كاتبها العام المختار بالإجماع؟؟؟) . 4/انتهاج أسلوب مباغتة أعضاء النقابات و مغالطتهم بالإمضاء على أسماء لم يقع الاتفاق عليها في اجتماع نقابي و لم يسجّل في محضر جلسة و ذلك خارج مقرّ الاتحاد المحلّي (وهو ما حصل في نقابة التعليم الأساسي). 5/ إقصاء نيابة التأطير و الإرشاد التربوي لأسباب غير نقابيّة رغم أنّ نائبها الأوّل قد أرسل بترشيح زملائه له إلى الكاتب العام للاتحاد الجهوي بواسطة الفاكس و مباشرة عن طريق مكتب الضبط . إنّ هذه الأساليب ليست إلاّ تكرارا لما حفّ بعمليّة الإعداد لمؤتمر الاتحاد المحلّي المؤجّل سنة 2003 و لمن يتذكّر فإنّ تلك الممارسات قد فضحت و أدينت و هو ما يؤكّد أنّ من كان وراء ذلك بالأمس لا يزال وراء ما يحصل اليوم …و عليه و حرصا منّا على اتحادنا المحلّي و استقلاليّة قراره و سعيا منا إلى إرساء تقاليد ديمقراطية و عمل نقابي نضالي في جهتنا فإننا ننبّه إلى ما يلي : أ- عدم شرعيّة ما تقوم به اللجنة المنصّبة لتسيير الاتحاد المحلّي بنفطة انطلاقا من إقرار الأخ علي رمضان الأمين العام المساعد المكلّف بالنظام الداخلي سواء كتابيا عبر المراسلات التي بعث بها إلى الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بتوزر أو شفويا بما ذكره لبعض الإخوة النقابيين عند لقائه بهم ببطلان تلك اللجنة و عدم قانونيّة تركيبتها . ب- عدم جواز كل الممارسات التي تقوم بها تلك اللجنة و لعلّ آخرها عقدها يوم 30/05/2008 لمجلس محلّي بجدول أعمال يتيم يتمحور حول نقطة وحيدة هي مساندة عمّال البلديّة و كأن الشأن النقابي بنفطة خال من المواضيع التي تستحقّ الدّرس إذا سلّمنا بشرعيّة عقد ذلك المجلس دون تقليلنا من أهميّة مساندة أيّ قطاع يتعرّض إلى مظلمة بعيدا عن المزايدة . ت- التنبيه إلى أن كل ما يصدر عن تلك اللجنة من نضال ورقيّ(برقيات /عرائض/بيانات/مقالات ) ليس إلاّ بحثا محموما عن شرعيّة مفقودة أو تنفيذا حرفيا لتعليمات فوقيّة غايتها فرملة و احتواء نضالات الشغالين بنفطة . لذلك فإننا ندعو كل النقابيين الصادقين إلى عدم الانخراط في مشروع التصفية الذي يستهدف اتحادنا المحلّي و مقاطعة تلك اللجنة المنصّبة و الضغط بكلّ الأشكال المتاحة من أجل تصحيح الوضع النقابي بنفطة طبقا لتوصيات لجنة النظام الوطنيّة التي يمعن الكاتب العام للاتحاد الجهوي بتوزر في تجاهل قراراتها بما يكرّس رغبته في الهيمنة على الشأن النقابي بمدينتنا و ذلك تفاديا لمزيد تعكير الأوضاع و خدمة لمنظمتنا العتيدة التي نريدها على الدوام منارة للدفاع عن الحريات و الحقوق و المكاسب و هو ما يدعونا مجددا إلى مطالبة مركزيتنا النقابيّة عموما و قسم النظام الداخلي خصوصا بتنزيل محتوى مراسلة 01 أفريل 2008 حيّز التنفيذ في أقرب الآجال . عاش الاتحاد العام التونسي للشغل حرّا ,مستقلاّ و مناضلا عاش الاتحاد المحلّي للشغل بنفطة حرّا , صامدا و مستقلاّ عن مجموعة من المناضلين النقابيين بنفطة .
مشهد من مشاهد الإرهاب السياسي في تونس:
31 سيارة و 145 عون يلاحقون أعضاء منظمة “حرية و إنصاف”
معز الجماعي جندت مصالح وزارة الداخلية التونسية نهاية هذا الأسبوع أكثر من 145 عون تابعين للأمن السياسي لمراقبة أعضاء منظمة “حرية و إنصاف” مستعملين في ذلك 31 سيارة و 13 دراجة نارية لملاحقة أعضاء المنظمة من وسط العاصمة إلى أريانة إلى المنزة إلى…
-محمد النوري: 4 سيارات و 30 عون. -زهير مخلوف: 4 سيارات و 10 أعوان. -حاتم الفقيه: 3 سيارات و 8 أعوان. -عمر القرايدي : سيارة و 3 أعوان. -حمزة حمزة: 3 سيارات و 8 أعوان. -عبد الكريم الهاروني: 3 سيارات و 8 أعوان. -أم ماهر: سيارة و 3 أعوان. -أم خالد : سيارة و 3 أعوان. -مقر الجمعية: 3 سيارات و 20 عون. -منزل رئيس المنظمة: 3 سيارات و 20 عون. و تتواصل المطاردة البوليسية المتخلفة للأسماء المذكورة إلى حدود كتابة هذه الأسطر مع تشديد الحصار على منزل السيد “زهير مخلوف” كاتب عام المنظمة الذي ذكر لنا في إتصال هاتفي معه أن أعوان الأمن يهددونه علنا بالقتل أمام المواطنين ، و أضاف أن هذا الإستنفار الأمني يأتي على خلفية النشاط الحقوقي المتميز للجمعية و مساهمتها في فضح تجاوزات النظام التونسي و رصد إنتهاكاته لحقوق الإنسان ، و أكد “مخلوف” أن السلطة لم تهضم مضمون التقارير الأخيرة للمنظمة التي تضمنت أرقام مفزعة و دقيقة لضحايا القمع في الحوض المنجمي و استباحة الأمن لمدينة “الرديف”. مشهد آخر من مشاهد الإرهاب السياسي في تونسي أرادت من خلاله السلطة بعث رسالة واضحة لنشطاء حقوق الإنسان تعلن فيها أنها لا تقبل و لن تقبل بأي إصلاح سياسي في البلاد و أنها لن تتراجع عن مواصلة سياسة القمع التي تضمن لها البقاء في الحكم و تكريس الرئاسة مدى الحياة
الإفراج عن أحد المتهمين في قضية المناطق المنجمية وتأخير البت إلى جلسة 3 جويلية القادم
نظرت الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بقفصة يوم الجمعة 13 جوان في قضية تورط فيها سبعة متهمين من جهة المتلوي نسبت اليهم تهمة المشاركة في احداث الشغب التي شهدتها مدينة المتلوي ايام 30، 31 ماي و1 جوان الجاري.. وذلك بحرق وتهشيم مقرات ومؤسسات رسمية (مقر المعتمدية ـ دار الثقافة ـ فرع احد البنوك ـ مقر البلدية ـ فرع الجامعة الدستورية..) كما نسبت اليهم تهمة تعمد قطع الطرقات وذلك باضرام النار في العجلات المطاطية وغلق الطرق بحاويات الفضلات ورشق اعوان الامن بالحجارة.. ويضاف الى بعضهم اعداد زجاجات حارقة لاستعمالها في احداث الشغب.. وباستنطاق المتهمين في الجلسة تمسكوا بالانكار.. وباحالة الكلمة للسان الدفاع قدم طلبا ملحا بالافراج عن المتهمين نظرا ـ حسب قول الدفاع ـ للطبيعة الاجتماعية وللاحداث التي شهدتها المناطق المنجمية.. واستنادا الى انكارهم وتصريحاتهم المسجلة عليهم كما طلب عرض المتهمين على الفحص الطبي.. وتأجيل البت في القضية لمزيد الاطلاع فقررت المحكمة حجز القضية للنظر في مطالب الافراج والتأخير وبعد المفاوضة قررت المحكمة الافراج عن واحد من المتهمين وتأخير البت في القضية الى جلسة 3 جويلية القادم. رياض المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 15 جوان 2008
المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية البريد الالكتروني marced.nakabi@gmail.com: التقرير النصف الشهري الأول (جوان 2008)
& – نضالات – إضراب في بورصة الأوراق المالية : قرر أعوان بورصة الأوراق المالية الدخول في إضراب عن العمل طيلة يوم 19 جوان 2008 ويطالب الأعوان بإلغاء كل القرارات التي اتخذتها الإدارة من جانب واحد بخصوص الهيكل التنظيمي للعمل داخل المؤسسة. – وقفة احتجاجية لصحفيي الإذاعة والتلفزة : تجمع يوم 3 جوان 2008 قرابة 60 صحفيا من العاملين في مؤسسة الإذاعة والتلفزة في مقر نقابة الصحفيين احتجاجا على تردي أوضاعهم ( أجور بعضهم تقل عن 300دينار ) , وقد حضر هذه الوقفة الاحتجاجية ناجي البغوري رئيس نقابة الصحفيين الذي أكد أن النقابة تدرس إمكانية انجاز تحركات أخرى مساندة للزملاء. – متفقدي التعليم الثانوي يتحركون : وجهت النقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي برقية إنذار إلى سلطة الإشراف يشمل حمل شارة احتجاج على امتداد فترة إصلاح الامتحانات الوطنية ويأتي هذا التحرك على خلفية تجاهل وزارة الإشراف لمطالب المتفقدين المادية والمعنوية . – اعتداء على الحق النقابي في ديوان التونسيين بالخارج : يقوم بعض المسؤولين في ديوان التونسيين بالخارج بتمزيق البيانات النقابية ومنع تعليقها وهو ما يعتبر تعديا صارخا على ابسط الحقوق النقابية , وقد أثار هذا التصرف استياء موظفي الديوان . – صفاقس 1 : قرر عمال شركة سياك للخرسانة الدخول في إضراب ايام 16 و 17 و 18 جوان 2008 نظرا لمواصلة مؤجرهم سياسة التصلب والتعنت ومن أهم مطالب العمال الكف عن العقوبات العشوائية وارجاع العملة الموقوفين الى سالف عملهم وتمكين العمال من منح الإنتاج والمرابيح . – صفاقس 2 : قرر عملة المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بصفا قس الدخول في إضراب كامل يوم 18 جوان 2008 ومن أهم مطالبهم التغطية الاجتماعية لكافة العمال إضافة إلى الحصول على منحة التنقل والراحة السنوية وتسوية وضعية العمال الذين يفوق سنهم 45 سنة . & – انشغالات واستياء – صفاقس : صدر بيان جماعي عن قرابة 25 هيكل نقابي بين نقابة أساسية وحهوية وفرع جامعي واتحاد محلي بتاريخ 01 جوان 2008 عبروا فيه عن مساندتهم المطلقة لنضالات مناطق الحوض ألمنجمي وطالبوا برفع الحصار المضروب على هذه المنطقة كما طالبوا من الاتحاد اتخاذ موقف مساند تماشيا مع مسؤوليته التاريخية . – القيروان : أصدرت النقابة الجهوية للتعليم الاساسي بيانا بتاريخ 03 جوان2008 عبرت فيه عن تضامنها مع أهالي الحوض ألمنجمي وطالبت بفك الحصار الإعلامي المفروض على المنطقة كما جددت تضامنها مع الأستاذ مسعود الرمضاني . – باجة : أصدرت النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بباجة بيانا بتاريخ 11 جوان 2008 عبرت فيه عن مساندتها التامة لمطالب أهالي الحوض ألمنجمي وتحمل السلطة المسؤولية الكاملة عن تأزم الوضع الاجتماعي في ظل التهاب الأسعار وتفاقم البطالة وتعميق التفاوت الجهوي والاجتماعي . – جندوبة : اصدر الاتحاد الجهوي للشغل بيانا بتاريخ 12 جوان 2008 عبر فيه عن انشغاله واستيائه من تطورات الحوض ألمنجمي كما عبر عن مساندته الكاملة لمطالب الأهالي خاصة حقهم في الشغل ونصيبهم من التنمية , كما يدعوا البيان الاتحاد العام التونسي للشغل إلى اتخاذ موقف أكثر حزم تجاه ما يحدث بالحوض ألمنجمي. المرصد فضاء نقابي ديمقراطي مستقل مفتوح للجميع وهو ليس نقابة ولا مشروع نقابة ويمكن التواصل مع المرصد عبر : البريد الالكتروني marced.nakabi@gmail.com: الموقع على المدونة http://nakabi.blogspot.com : عن المرصد
المنسق : محمد العيادي
بيـــان توضيحـــي تونس في 14 جوان 2008
أصدر المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين يوم الجمعة 13 جوان 2008 بيانا عبّــر فيه عن رفضه لــــ: “سعي بعض الأطراف إلى تأسيس نقابة موازية لصحفيي الإذاعة والتلفزة”. وذلك رغم حصول اتفاق سابق داخل المكتب على عدم التسرع بإصدار أيّ بيـان. وباعتباري عضوا في المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ومن منطلق رفضي لافتعال تناحر داخليّ ولجرّ نقابتنا إلى مواجهة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أتقدّم بالتوضيح التالي: لقد سبق لي أن دعوت المكتب التنفيذي للنقابة خلال اجتماعه يوم الخميس 5 جوان 2008 إلى مراجعة السياسات المتسرعة التي ينتهجها والتي لا تتناسب مع حجمه ومع طبيعة المرحلة. والتصرف بحكمة ومسؤولية، ومراعاة مصالح الصحفييـن وعدم الانجرار إلى معارك خاسرة. مع تفهّـم دوافع زملائنا المتجنّـدين للدفاع عن مصالحهم المهنيّــة بعد أن تم استبعاد نقابتنا من المشاركة في المفاوضات الاجتماعية الجارية. ودعوت المكتب التنفيذي الذي وافق على ذلك، إلى التركيز على تحديد الأهداف الإستراتيجية للقطاع وضبط المسارات التفاوضية والتعاطي معها كحزمة مترابطة، والعمل على بناء هيكل قويّ يكون قادرا على مواجهة التحديات المستقبليّــة في ظلّ عالـم يتراجع فيه دور الحكومات مقابل تدعّــم سلطة القطاع الخاص. مع أخذ معطيات الواقع بعين الاعتبار وبناء شبكة من التحالفات التي تدعم مصالح الصحفيين وتقوّي نقابتهم واستقلاليتها. لأنه في غياب التنظيم القويّ تبقى الاستقلالية شعارا مجرّدا. ومن هذا المنطلق، يعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل عمقـا استراتيجيّــا للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، وسندا لهــا. والحديث عن الاتحاد في البيان المشار إليه بمصطلحات من قبيــل “بعض الأطراف” و “نقابة موازية” لا يستقيم في حق هذه المنظمة الوطنية العريقة. فالصحفيون التونسيون أبناء شرعيون للاتحاد العام التونسي للشغل. وإذا دفعتهم غيرتهم على استقلاليتهم إلى بناء تنظيمهم الخاص: النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، وعيا منهم بأن التنظيم المهني للصحفيين يجب أن يكون مستقلا عن كل الأطر ومراكز القوى سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية، وبأن طبيعة العمل الصحفي المتحررة تتعارض مع متطلبات المركزية والانضباط الهيكلي؛ فهذه الاستقلالية لا تتحقق إلاّ في إطار التواصل النضالي مع الاتحاد العام التونسي للشغل وليس في قطيعة معه. ومن هذا المنطلق أدعو إلى بناء علاقة شراكة بين النقابة الوطنية للصحفيين التونسييـن والاتحاد العام التونسي للشغل تستلهم نموذج الشراكة القائمة بين الاتحاد الدولي للصحفيين (الفيج) والاتحاد النقابي العالمي (السيزل سابقا). بحيث تحافظ نقابتنا على استقلاليتها التنظيمية، مع انضمامها إلى الاتحاد العام التونسي للشغل كعضو في هيئته الإدارية بصفة ملاحظ. والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين التي ورثت رصيدا نضاليّـا مشرّفـا لجمعية الصحفيين التونسيين في الدفاع عن مصالح الصحفيين وتتمثّــل تطلعاتهم، يحقّ لها أن تعتبر نفسها الممثل الشرعي للصحفيين التونسيين. مع احترام الحق في التعددية النقابية، وعدم السقوط في مستنقع التفسير التآمري والرّدود المتشنجة. والتمثيليّــة ليست مجرد شعار يُــرفع، بل هي عمل دؤوب على الالتحام بالصحفيين وتواصل معهم، وعدم إنكار للهياكل القانونية لنقابتهم من لجان وفروع ومكتب تنفيذي موسّـع والتشكيك فيها، والتعامل معها بمنطق الوصاية أو التجميد. وتفترض الشرعيّــة التزاما بالعمق التاريخي، برصيده النضالي وتوجهاته الأصيلة، وعدم التنكّــر له. والعلاقة النضالية المتميزة القائمة بين جمعية الصحفيين التونسيين والاتحاد العام التونسي للشغل تعتبر إحدى العناصر الأساسية لعمليّـة التوريث التي قامت على أساسها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. لـــذا، أدعو زملائي في المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى أن نقوم جميعا بوقفة تأمّــل ونقد ذاتي نراجع فيها أنفسنا عسانا ننجح في وقف عملية التدمير الذاتي وننقذ نقابتنا من الوضع الذي تردّت فيه. أدعو زملائي في المكتب التنفيذي للنقابة إلى تفهّــم دقّــة المرحلة والتعامل معها بوعي وحكمة. أدعو زملائي إلى أن يشدّ بعضنا أزر بعض، وأن نتجنّـب منطق التهديد في وقت لم نقدّم فيه لزملائنا ما يشجعهم على الالتزام معنا، بحيث تبقى نقابتنا حاضنة لكل أبنائها، تقوّيهم وتقوى بهم. أدعو زملائي أعضاء المكتب التنفيذي إلى إصدار مقررات ولـوائح المؤتمر الذي صعّـدهم إلى دفّـة القيادة، والالتزام بالعمل بها. هذه اللّـوائح التي لم تنشر لغاية اليوم ولم يتمّ حتى تعليقها، تتجاوز شرعيتها شرعية المكتب التنفيذي نفسه. فهذه اللّـوائح تمثل إرادة المؤتمرين العليا، والمكتب التنفيذي أداة لتنفيذهــا. أدعو كافة الزميلات والزملاء للالتفاف حول نقابتهم، والتعجيل بعقد اجتماعات الهياكل القانونية للنقابة بدءا بالمكتب التنفيذي الموسّـع ثم الجلسة العامة، لتصحيح المسار ووضع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين على سكة إنجاز مطالب الصحفيين. وتبقـى مصالح المهنة والصحفييــن فوق كلّ اعتبــار… عاشت نضالات الصحفيين التونسيين.. عاشت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، حرّة مستقلّــة، مناضلــة.. عاش الاتحاد العام التونسي للشغل قلعة شامخة للنضال الوطني، وظهيرا للأجـراء.. زيــاد الهانــي عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين
يكتبه: كمال بن يونس التظاهرة الثقافية العلمية التي تنظم منذ صباح أمس بأحد فنادق العاصمة في الذكرى الثلاثين لتأسيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين مبادرة طيبة.. تؤكد وفاء منظميها وكل من ساهم في جلساتها لجيل من الشخصيات الوطنية بنى قبل أكثر من ثلاثين عاما نواة أول حزب قانوني معارض للحزب الدستوري ولبعض سياسات الرئيس الراحل الزعيم الحبيب بورقيبة وحكوماته.. تداول أمس على المنبر عدد من المثقفين التونسيين والعرب.. وسبقهم الامين العام للتجمع الدستوري الدكتور الهادي مهني وممثلو عدد من أحزاب المعارضة البرلمانية.. وهذا ايجابي.. وفي قاعة الندوة كان بين الحضور شخصيات قيادية في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان التي لعبت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين دورا رئيسيا في تأسيسها وفي قيادتها الاولى.. بدعم مباشرمن رموز الحزب ومؤسسيه السادة أحمد المستيري ومحمد مواعدة واسماعيل بولحية وحمودة بن سلامة والهاشمي العياري والدالي الجازي(رحمهما الله )..ثم مصطفى بن جعفر وخميس الشماري والصحبي بودربالة والطيب المحسني وعبد الوهاب الباهي.. ورفاقهم.. احياء هذا الحدث يكرس الوفاء لجيل من المناضلين الديمقراطيين في السبعينات والثمانينات بزعامة أحمد المستيري وحسيب بن عمار والاف من مناضلي الكلمة الحرة.. سيما على أعمدة صحف الرأي والمستقبل والطريق الجديد و”ديمقراطية” و”لوفار” والموقف.. من بين مزايا مؤسسي تيار الديمقراطيين الاشتراكيين ـ ورفاق أحمد المستيري على تونس ـ أنهم أقنعوا الجميع منذ السبعينات بضرورة التخلي عن خيار الحزب الواحد والرأي الواحد.. ونشروا ثقافة سياسية معارضة لكنها معتدلة.. تؤمن بالمشاركة وتنبذ منطق “القطيعة” الذي كان سائدا وقتها في الجامعات وخارجها.. وبعد ثلاثين عاما.. يحق لمناضلي هذه الحركة وللديمقراطيين التونسيين أن يقيموا بصراحة.. وجرأة.. حصيلة ما أنجزته.. ايجابا وسلبا.. مع التطلع الى مستقبل المجتمع التونسي.. وفهم تحديات المرحلة القادمة ومشاغل الجديد ومشاكله الجيل الجديد.. المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 15 جوان 2008)
لجنة التنسيق بين القنوات الفضائية تتجاهل وثيقة ‘مبادئ تنظيم البث والإستقبال الفضائى
تونس / 15 يونيو-حزيران / يو بي أي: تجاهلت اللجنة العليا للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية الإشارة إلى كيفية تنفيذ وثيقة “مبادئ تنظيم البث والإستقبال الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية” المثيرة للجدل. واكتفت في بيان وزع اليوم الأحد في ختام إجتماعها الثالث عشر الذي عُقد في تونس على مدى اليومين الماضيين، بالقول إنه تم خلال هذا الإجتماع الإتفاق على تفاصيل عملية التنسيق بين مختلف الفضائيات العربية وآلية تنظيم البث الفضائي العربي ومستقبله والباقة العربية الموحدة لتغطية مناطق العالم. ودعت القنوات العربية إلى مواكبة المتغيرات والتطورات في المشهد الاعلامي والاتصالي الدولي،وإلى ضرورة إعتماد وإدخال نظام التلفزيون عالي الدقة في تجهيزاتها الجديدة حتى تكون مواكبة لمعطيات السوق الإعلامية العالمية. وكان مجلس وزراء الإعلام العرب قد إعتمد في إجتماعه الإستثنائي الذي عقده في الثاني عشر من فبراير/شباط الماضي وثيقة “مبادئ تنظيم البث والإستقبال الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية”. وقد أثارت الوثيقة في حينه تساؤلات بشأن ما إذا كانت توسع هوامش الحرية أم تفرض مزيدا من القيود على القنوات التلفزيونية والإذاعية في المنطقة،علما أن مجلس وزراء الاعلام العرب كلف اللجنة الدائمة للإعلام العربي إقتراح آلية تطبيق هذه المبادئ ، ثم رفع الآلية المقترحة إلى الدورة العادية 41 لمجلس وزراء الإعلام العرب المقرر عقدها خلال الشهر الجاري. يشار إلى أن الإجتماع الثالث عشر للجنة العليا للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية عُقد ضمن إطار إتحاد الإذاعات العربية بمشاركة وفود تمثل 19 فضائية عربية حكومية وخاصة و بعض المنظمات العربية المتخصصة والشركات العربية الناقلة للأقمار الصناعية العربية. و ناقش المشاركون في هذا الإجتماع آلية تطبيق مباديء تنظيم البث الفضائي،إلى جانب تقريرين الاول حول انطلاق تشغيل نظام الاتصال الجديد للاتحاد للتبادل متعدد الوسائط والخدمات على الساتل والثاني حول التلفزيون عالي الدقة. المصدر: وكالية يو بي أي (يونايتد برس إنترناشيونال) بتاريخ 15 جوان 2008
حوار مع الشيخ راشد الغنوشي: بمناسبة الذكرى 27 لتأسيس احركة النهضة الجزء 2
عهد ٧نوفمبر بين حلم الديمقراطية والمصالحة وواقع الاستئصال وتجفيف الينابيع والامعان في الطريق المسدود
جاء رجل ٧نوفمبر واقد بلغ الاختناق والتازم العام الاوج وبلغت القلوب الحناجر، فأطلق موجة من التفاؤل والارتياح في البلاد، من خلال ما بذل من وعود وتاكيدات أنه لا ظلم بعد اليوم وأن رئاسة مؤبدة لم تعد تليق بدولة حديثة، واعدا بالديمقراطية، وإعادة الاعتبار للعروبة والاسلام، مفرغا السجون من آلاف من ساكنيها من الاسلاميين. وفي الذكرى الاولى لعهده استقبل رئيس الحركة بعد سلسلة من المفاوضات، ليعده بالاعتراف بالحركة. ومهدت الحركة لذلك بالاقدام على تغيير اسمها حتى ينسجم مع قانون للاحزاب متعسف إلا أن ذلك لم يغير شيئا من توجهات العقل الامني الحاكم الراسخة. أ- وجاءت انتخابات 1989اول اختبار لوعود الرجل، وكان واضحا ترجح كفة الحركة الاسلامية فيها والظهور السافر لندوب الزمن والشيخوخة على الحزب الحاكم لمّا دخل لأول مرة في تاريخه في منافسة مفتوحة مع حركة شابة طاهرة تبشر بالمثل ، فما كان من جماعة 7/11 بعد تردد قليل إلا أن قررت إلغاء النتائج جملة، مانحة حزبها كل المقاعد، مصممة على قتل المنافس الرئيس، رغم اعترافها له بما يقرب من العشرين بالمئة من الاصوات، وهي نفس النسبة التي قرروا – بعد انقلابهم الثاني ، على إرادة الشعب، على النهضة، توزيعها رشاوى على أحزاب قزمية. ب- الهجمة الشاملة: ،كان واضحا أن حرمان النهضة من أي ثمرة لجهودها هو جزء من خطة الاستبعاد والاستئصال ، بما أطلق العنان للعقل الامني أن يحكم البلاد دون منازع محوّلا البلاد ساحات رعب وغارات بالليل والنهار على الآمنين، ومسالخ ومحاكم مصطنعة ، فاتحا الطريق أمام قطار الراسمالية الزاحفة ليمضي – بعد استبعاد اتحاد الشغل قبل النهضة بقليل – دون عائق، “متعاونا” مع مافيا اقتصادية سياسية تتكون من بضعة عوائل وثيقة الوشائج بدوائر الحكم . ورسمت لخطة الاقصاء والاستئصال للمنافس سيناريوات من المؤامرات والانقلابات، مع نسج شبكة من تحالفات الخاسرين في الانتخابات ، وخيضت الحرب على الاسلام والاسلاميين تحت شعارات الدفاع عن القيم، قيم الحرية والحداثة والمجتمع المدني وحقوق النساء!! ، فكانت شكلا من أشكال الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش وحملات الابادة ، لم تدخر فيها تقنية من تقنيات القمع والتنكيل والقتل الناجز أو بالتقسيط – بعد أن فشل نسيج العنكبوت الذي خاطوه سيناريوات تآمر من أجل تسويغ إصدار ما كان مرادا من إيقاع مجزرة في قيادات النهضة واستبعادها نهائيا، من طريق إصدر أحكام إعدام نافذة، لولا أن الله سلّم ، فلم يفلحوا في تقديم أدلة إثبات تشهد لقدر من الصدق لما ادعوا من مؤامرة قلب نظام الحكم، غير أكوام من الكتب والاوراق والاعترافات المنتزعة في مسالخ أمن الدولة حيث فاضت ارواح العشرات ، بينما مواقف آلاف المساجين رغم الاهوال المسلطة عليهم، كذا والمهجّرين، على كلمة سواء من اعتصامهم بمنهاج حركتهم المدني ورفضهم العنف فعلا أو رد فعل ، ولم تسجل عليهم رغم اهوال القمع التي سلطت عليهم والتي ترتقي الى مستوى حرب إبادة وجرائم حرب، غير حوادث معزولة محدودة نسبت الى شباب مختنق معزول عن قيادته، شجبتها الحركة ، وطعنت فيها لجنة للمحامين برئاسة عميدهم السابق الاستاذ محمد شقرون رحمه الله ، وهو ما قدم ارضية صلبة للدفاع عن الحركة وإفشال خطة السلطة نهاية في تجريمها وإدراجها في خانة الارهاب. حقا ، لقد نال قمع السلطة من جسم الحركة تدميرا وتشتيتا، ونجحت الى حين في التخلص من المنافس الأخطر لتنفرد بالبلاد والعباد تعيث فيهما فسادا ونهبا ،إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في النيل من روح الحركة من فكرها وصورتها ومعنويات حملة لوائها ،بما جند في الدفاع عنها قوى حقوقية وسياسية داخل البلاد وخارجها ،.بينما لا تزال شهادات الادانة تترى لسياسات السلطة من قبل مرجعيات حقوقية محلية ودولية محترمة. حتى حظيت تونس بأطول تقارير منظمة العفو الدولية- حسب تعبير حازم صاغية- وانتهى مسار التطورفي هذا الصراع بعد عقدين الى نتائجه الحتمية :أن تساقطت الاصباغ عن الوجه الكالح للسلطة وأوراق التوت عن عورات سلطة بوليسية مافيوزية، كما تفاقم سفور كارثية سياساتها على كل صعيد، حتى غدت البلاد مهددة بالمجاعات: قوارب الموت، النزوح عبر الحدود الى الجزائر،انتفاض مناطق الحوض المنجمي والعدوى تمتد الى ما خلّفت وراءها سياسات السلطة من هشيم وأحقاد ..حتى تنامت ظواهر العمف في أرجاء البلاد وانتشرت عصابات مختلفة الاصناف يجد الكثير منها الحماية من جهاز الدولة ، بل لم ينج البلاد من حوادث العنف السياسي المسلح، لتجد فيه أخطر منظمات الارهاب ساحة من سوح عملها، لدرجة اختطاف سواح والمساومة بهم على إطلاق سجناء ممن حوكموا في قضية مواجهة دامية معهم. وجملة سياسات السلطة خلال العقدين مضت وتمضي بها الى مزيد من اتساع الهوة بينها وبين جمهرة الشعب وبينها وبين النخبة..بما استهلكت وتستهلك معه ما تبقى لها من أرصدة شرعيتها القائمة على الوعد بالازدهار والديمقراطية، فيزداد تعويلها على القمع في الداخل ، تشهد على ذلك مضاعفة أجهزة الامن أعدادا وميزانيات، لا تقل عن ست مرات. مقابل ذلك عاد جسم النهضة الى الساحة يتعافى مستفيدا من ارصدته المعنوية العالية. ومد خيوط تواصله مع أهم قوى المعارضة في الساحة بينما عزلة السلطة في تفاقم. الثابت اليوم أن أمر النهضة الى ارتفاع يوما بعد يوم ،وأمر السلطة الى تراجع وتدهور..هل يخفى ذلك على ذي بصر وبصيرة. /. مسار التطورواضح متسارع. والفضل لله أولا وآخرا.” ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله”/فاطر/. ج- صمدت النهضة في مواجهة إعصار الارهاب: ورغم أن تطور الاحداث هبت ريحه في مطلع القرن الجديد -الى حين- لصالح السلطة، فعلا إثر كارثة 9/11 صوت واستراتيجية الحرب على الارهاب، بما أعطى نفسا جديدا لسلطة لا تعرف “سياسة” غيره، أن تستعيد بعض الانفاس، والامل نجاح سعيها الدؤوب للالقاء بالنهضة تحت بلدوزر الارهاب المتعالي هديره في العالم ، إلا أن الرحمن الرحيم الذي عصم النهضة من خطة الاستدراج الى مستنقع العنف في حمأة الهجوم الصاعق عليها، قد أحبط كيدهم ، حتى أنه ما من جهاز دولي متخصص في هذا الشان قد تجرأ على إدراجها ضمن قوائم الارهاب عنده، رغم المحاولات المتكررة من السلطة ، ومثّل ذلك خيبة مريرة لدولة البوليس رغم أتساع وقوة شبكة علائقها وتحالفاتها الأمنية مع شبكات الستخبارات ،كما مثّل مصدر ألم شديد وعتب مرير على الاصدقاء.، وتجلت وترسخت صورة النهضة المدنية الى درجة أن شهادة الانتماء موقعة من قبل رئيس الحركة لصالح اي عضو من أعضائها طالب لجوء لدى أي نظام ديمقراطي، تعتبر وثيقة أساسية في الاستجابة لطلبه. د- إسهام معتبر في تطوير الفكر: لقد كان اسهام ” النهضة” معتبرا في تطوير فكر الوسطية الاسلامية المعاصرة المعتدل وتأًصيلاته لعلاقات الود بين الاسلام والحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان ومشاركة المراة والحوار بين الحضارات ، ومثّل ذلك تيارا معروفا في أوساط الدارسين المتخصصين فيما يعرف بالاسلام السياسي ، وسندا قويا في مواجهة تيارات الاستئصال والتطرف العلماني مثل تيار الصهيومحافظين. وليس بعيدا منهم استئصاليو تونس المهيمنون على زمام الثقافة والسلطة والثروة ، وعلى الطرف الآخر مواجهة تيارات التطرف والتكفير والاستئصال التي تقودها جماعات التكفير والقتل تتزعمهم القاعدة. لقد كان فكر النهضة وسلوكها – بعد عون الله- الصخرة التي تحطم عليها مكر السلطة الرهيب والمستمر- في ظروف دولية مناسبة لها جدا- من أجل هدف محدد :تحطيم الصورة المعنوية للنهضة حركة اسلامية مدنية حديثة ، ربطا لها بالارهاب، بعد أن أنهك الجسم، وحسب أنه يسير به الى الفناء التدريجي” ومكروا مكرا كبّارا”/نوح/ ه- النهضة السجينة: درج في أدبيات المحنة نعت السجن بمدرسة يوسف عليه السلام التي دخلها غلاما مشريّا بدراهم معدودات وتخرج منه وقد ملئ حكمة وتأهل للقيادة في سيرة الانياء عليهم السلام وحوارييهم كانت السجون أداة من أدوات التهديد في يد الطغاة ، الى جانب التهديد بالقتل والنفي. قال تعالى”وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”/الأنفال29/ وكان فرعون عليه اللعنة صريحا في تهديده لموسى عليه السلام”لئن اتخذت الها غيري لأجعلنك من المسجونين”/الشعراء28 ،وهو نفس الوعيد الذي تلقاه يوسف من سيدة القصر الفرعوني:”ولئن لم يفعل ماآمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين”/يوسف31/ وجاء الجواب قاطعا صريحا ناطقا باسم كل الانبياء والدعاة ” رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه”؟يوسف32. دخل السجن عبدا وتخرج منه إماما للدين وللسياسة. وكذا ظلت السجون في تاريخ الدعوات أرضية كانت أم سماوية بوتقة صهر لمعادن الرجال وساحة اختبار لدرجة عمق قناعتهم بقضاياهم وعشقهم لها وإيثارها عن كل متاع آخر واسترخاص لكل بذل وتضحية في سبيلها ، ولطالما تساقطت على جانبي هذا الصراط شخصيات وجماعات، فزعا من أهواله. ولكم تحول الصبر على أهواله مصدرا لشرعية زعامات وحركات، ومنها الزعامة التي حكمت تونس، التي طالما تاهت عزا وفخارا بما عانت من سجون ومنافي، مع أن المقارنة العلمية المنصفة التي قام بها أكثر من دارس قد كشفت بلا أدنى لبس أنه لئن كانت سجون تونس، إن في زمن الاحتلال أو في عهد الاستقلال، لم تخل من سجناء رأي، بما جعل مدارس الفكر في هذه البلاد تتداول السجون أكثر مما تتداول الحكم ، إلا أن محنة الاسلاميين فاق ضحاياها كمّا ونوعا غيرها: وذلك على مستوى ساحات الاختبار الثلاثة :السجن والنفي والقتل، التي كان يستخدمها الطغاة أدوات تهديد للانبياء عليهم السلام -. . كل تيار فكري برز الى ساحة النضال ضد مظالم حكم قائم من أجل تغييرها قد تعرض لخطر أو أكثر من هذه الاخطار:السجن، القتل، النفي. ونصيب النهضة من كل ذلك كان الاوفى . والحمد لله أن ابتلانا في طريق دعوته. نساله سبحانه القبول، وإلا فكل بذل قليل في جنبه سبحانه. لقد كان صمود أبناء هذه الحركة وقياداتها بفضل الله رائعا، وذلك خلال ملاحم السجن الثلاث (18و87و92) وبالخصوص خلال الملحمة الاخيرة المتواصلة التي كان فيها العقل الامني في أشد حالاته استشراسا ووحشية وتصميما على الانتهاء مرة والى الابد من خصمه الالد النهضة ، وهو لئن أعوزته الحجة لإقناع الراي العام بما اعتزمه من سفك دماء منافسه الاخطر، حتى يخلو له وللمخططات الراسمالية الزاحفة مصادرة الحريات ونهب الثروات دون عائق، فقد صمم على المضي في مخطط تصفيتهم ، قتلا بالخنق والموت البطيئ المبرمج وكاتم الصوت ، دون ضجيج يلفت الأنظار، على نحو أنه لم يكد يغادر السجن ممن كتب له ان يغادره حيا من بين عشرات الآلاف ممن استضافهم ، إلا وهو يحمل بصمات في جسده وأوباء لا تمحى، مع حشره حشرا في طائفة جديدة استحدثها قمعه في تونس: طائفة المنبوذين ، منبوذين من كل حقوق المواطنة المادية والمعنوية حتى من حق التداوي والتنقل والشغل، بله الحقوق السياسية. إلا أن الآلاف من ابناء وقيادات هذه الحركة ممن اكتووا بنيران أحقاد ووحشيةعهد 9/11برهنوا بمدد من الرحمن أن العقيدة أقوى من السيف وأغلى من الحياة، ضاربين اروع صور الرجولة والبطولة والصمود والشموخ، التي ستظل على مر الزمان معالم تهدي الاجيال الجديدة الى الاسلام والحرية، بما اضافت لهما من مداميك وركائز ومراسي لا تاتي عليها عوادي الدهر، فإنما العقائد تحيي وتقتات من قلوب ودماء حملتها” كل عقيدة عاشت في التاريخ قد اقتات قلب انسان”، كما ألمع الى ذلك الشهيد سيد قطب . و- ورقة أساسية في ملف المستقبل فليس من عجب ولن يكون من قبيل الحلم والتمني توقّع بل تيقّن أن يكون لهذا الملف السجني الزاخر بصفحات البطولة والصبر والفداء التي سطرها أبناء تونس الاسلامية شان وأي شان في مستقبل البلاد، لا يغفل عنه سوى مغرورأعشى البصر والبصيرة بتاريخ الشعوب. صحيح ان السجن السياسي لم ينعم براحة منذ حل ركب الاحتلال المشؤوم في هذه البلاد. ومع صفقة “الاستقلال”بين الاحتلال وخلفائه على أن يواصلوا سياساته بشكل أفدح مقابل تمكينهم، فقد اشتد الدفع صوب السجون وتفاقمت الضحايا وتداولت عليها تيارات التحرر والمعارضة، حتى إذا قدم الاسلاميون كان التناقض أشد وزخم المعارضة أقوى وأوسع وشرعية الدولة أوهى، بما جعل تعويلها على القمع أكبر، فغدا العدّ لزوار مدرسة يوسف ليس بالآحاد ولا بالعشرات ولا بالمئين بل بالآلاف وعشرات الآلاف. وغدا السجن ليس مجرد عقوبة محدوة يرجى بعدها للمعاقب أن يندمج في المجتمع ويستانف حياته ربما أحيانا أفضل مما كان: سجناء الاحتلال حكموا، بل تملّكوا البلاد. وسجناء “الاستقلال” من النقابيين واليساريين أكثرهم في الحكم مشاركون. أما السجناء الاسلاميون فقد استهدفوا بخطة إبادة بالتقسيط ، وذلك بعد أن أعوزت عدوهم الحجة المقنعة لإعدامهم على الفور، فقرر مصمما شطبهم الى الابد، تجريما إيدولوجيا لهم بإلصاق وصمة الارهاب بهم، وإخضاعهم لخطط قتل بالتقسيط: تقتيرا في الغذاء والهواء والدواء والفضاء والماء،بل وحتى تعمّد صلبهم في بالوعات المجاري لتدمير أحشائهم وإطلاق الكلاب الحيوانية و”الآدمية”عليهم، ناهيك إمعانا في التنكيل، بمحاصرتهم بأجواء من الضيق والزج بهم وهم الأطهار في غرف الشذاذ أو المصابين بالجرب أوفرض العزلة التامة عليهم السنين العددا. وكلها جرائم إبادة منظمة، لتنفيذ أحكام إعدام مقررة، استحال إقناع الراي العام بها . ولأن طاقات الارواح وهي من عند الله غير محدودة لمن نهل من ينابيعها، فقد شمخ أبناء الاسلام واستطالوا باعناقهم حتى طاولت الثريا،فلم ينل منهم مكر الطغاة شيئا مذكورا” وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال”،/ابراهيم 45/ ، وعاند اللحم السكين وصمد الحق في مواجهة سافرة مع القوة، فما تزحزحوا قيد انملة أمام الكيد الرهيب ، إلا أن طاقة التراب مهما عظمت تبقى محدودة، فأخذت الاجساد تذوى وتخترقها الآفات، فلقي العشرات نحبهم شامخين محتسبين :الشيخ سحنون والشيخ الزرن والاستاذ العريبي والاستاذ اسماعيل خميرة والرائد المنصوري ..والكوكبة النيرة طويلة..ستظل مشاعل خالدة تهدي الأجيال الى صفحة أخرى ناصعة من صفحات كفاح الاسلام والحرية في هذه البلاد . أما الذين مد الله في أعمارهم فقد غادروا حفر السجون المظلمة لتستقبلهم سجون متنقلة في ارض الحصارلا تقل ظلمة ولا ظلما ولا نكالا ولا سفالة، محرومين حتى من أبسط حقوق الحيوان: السير في الارض وابتغاء الرزق” دخلت النار في هرة حبستها،لا هي أطعمتها ،ولا تركتها تاكل من خشاش الارض” لا تنقّل ولا شغل ولا حق في التداوي ولا مشاركة في شان عام، محرومين حتى من الدواء الذي كانوا يصلون الى بعضه قبل ذلك، في حين انهم أحوج ما يكونون اليه وقد تقدم بهم العمر وفعل المقت والسجون الطويلة فعلهما في استهلاك ما تبقى من الاجساد . بل إن بعضهم كأنما أخرج من السجن ليتنصل سجانوه من جريمة قتله، فودع أهله محتفظا بأجره كله لم ينفق منه شيئا ، ناقلا مظلمته الى عدالة السماء وقد عجزت عدالة الارض- الى حين- عن الانتصاف من المجرمين…ومع كل هذا الكيد الرهيب والنكال الكافر ظلت الارواح شامخة والعقول متوقدة والقلوب سليمة من كل أثر لحقد أوثأر والشفقة على البلاد وعلى العباد طافحة مستعلية عن كل حس ونزوة، ما هيأهم لقدر من الاندماج مجددا في ركب الحياة مادين أيديهم الى كل قوى الخير والتحرر في الوطن والعالم، فرآى الناس منهم نماذج عجيبة في الثبات والشجاعة والرصانة والحكمة مثل القاضي صالح ابن عبدالله والطبيب أحمد الابيض والمهندسين حمادي الجبالي وكريم الهاروني والفيلسوف العجمي الوريمي ..الخ. وآخرون لا يزالون في غياهب الحفر السجنية كادوا يختمون العشرية الثانية في عزلة تامة حتى كادوا يفقدون ملكة الكلام، إلا أن هاماتهم ظلت شامخة، مستعلية ارواحهم،مهمومين بهم الوطن والامة، حتى أنهم ليوصون قيادة حركتهم بأن لا تجعلهم همها الاكبر ولا تقبل تنازلا عن مطالبها الثابتة في حرية للجميع.. يتقدمهم أفذاذ أبطال مثل استاذ كلية الطب د.الصادق شورو وإخوانه الابرار. والتحق بهم السنين الاخيرة آلاف من أبنائهم من شباب الصحوة الثانية حرمهم الطغيان من حقهم في التلقي عن آبائهم كما حرم هؤلاء من أداء واجب الابوة ، فكان نبتا بريا تلقى الوحي من مناهل شتى ..لكنه لن يلبث حتى يمد اسبابه الى الارض الطيبة وما تأثّل فيها من تدين ، فتتواصل حلقات الاصلاح هذه الصحوة المباركة آية أخرى على ما منيت به خطتا الاستئصال وتجفيف الينابيع من فشل ذريع، تأكيدا لسنة “إن كيد الشيطان كان ضعيفا”.وتلك إحدى عاجلات بشائر المؤمن ، وجائزات بلاءات السجون ، والقادم أعظم “وما عند الله خير وأبقى”. لن يشطب حساب السجون من نصاب الشرعية فيما يستقبل من أيام تونس. فالتحية كل التحية والمجد كل المجد للشهداء ولأبطال السجون،لأمهاتهم ولآبائهم ولزوجاتهم ولذرياتهم . الحياة والعزة والشرف لشهداء السجون:ابن عثمان محمود وبودقة وبولبابة وبوصاع ..وكل الزمرة الخيرة النيرة التي عانقت ارواحها الطاهرة جنات الخلود إن شاء الله..الحياة والعزة والمجد لكل من صابر وتصبر واستعلى ، ممن لايزالون بعد ثماني عشرة سنة في غياهب الظلم ، يتقدمهم إمامهم الدكتور صادق شورو وإخوانه الابرار الابطال ، وكذا لكل من غادر تلك الحفر والمقابر المفتوحة مرفوع الراس موفور الكرامة حتى وهو يجرر بقايا جسم .. تتجشم عناء حمل الهمم العالية والعزائم الماضية والأرواحهم الطاهرة والعقائد الصادقة والانسانية الرفيعة . إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجسام فانطلقوا يؤدون الشهادة لله ولرسوله وللمومنين ..التحية لهم جميعا “منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”. وليس لمن لم يصلاه في تلك المسالخ جحيم الهولوكوست النوفمبري، إذ احتمى منه بهجرة أو بانسحاب، ولا تثريب عليه ، فكلّ أعرف بنفسه، ليس له أن يقوم في ضحايا الهولوكوست واعظا يعظهم في المصالحة والصفح ونسيان جراحاتهم العميقة، فتلك حقوق شخصية بحت، ليس لأحد أن يتصرف فيها نيابة عنه أو يحرضه- ودماؤه لا تزال تنزف -على جلد ذاته ، داعيا إياه الى التلطف مع الجلاد. ليس من العدل أن يفتي معافى في موطنه أو في مهجره لمبتلى . فضلا عن أن جرائم التعذيب والقتل حسب شرائع الارض والسماء جرائم حرابة، جرائم ضد الانسانية، لا تسقط بالتقادم ، وليس غير ضحاياها من يملك حق اسقاطها بعد ان تكون الجروح قد فتحت من أجل تنظيفها كما حصل في بلاد مماثلة، وليس بالضرورة من أجل الانتقام، فلتتوجه المواعظ إذا كان يرجى منها فائدة الى الجلاد ان يكف يده عن متابعة الجلد وأن يعيد الحقوق الى أهلها. وإذا لم يكن ذلك اليوم ممكنا ، فإن عقارب الساعة لم تتوقف والايام دول”وتلك الايام نداولها بين الناس”. التحية والمجد والعز والفخار لقلاعنا الصامدة زوجات وامهات واخوات .. فقد كنّ كما ذكر الشيخ الصحبي عتيق أبطال المرحلة بحق. والى حلقة أخرى في لقاء قادم ان شاء الله استودعكم الله المصدر موقع حركة النهضة التونسية بتاريخ 14. جوان 2008
في مسح أجراه المعهد الوطني للإحصاء: عدد العاطلين عن العمل من التقنيين السامين يرتفع من سنة إلى أخرى
تونس الصباح: كشف المسح الوطني حول السكان والتشغيل لسنة 2007 الذي أجراه المعهد الوطني للإحصاء وشمل عينة تتكون من 145 ألف أسرة ممثلة لكل جهات البلاد من مدن وقرى وأرياف أن عدد التقنيين السامين العاطلين عن العمل ما فتئ يتطور من سنة إلى أخرى.. ولا شك أن هذا الأمر يبعث على الانشغال.. فالسؤال الملح الذي يطرح نفسه هو كيف لا يجد التقنيون السامون مكانا لهم في سوق الشغل وقد تلقوا الوعود منذ نجاحهم في امتحان البكالوريا بأن اختصاصاتهم ستكون الأكثر تشغيلية في المستقبل؟ وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه وبعد أن كان عدد العاطلين منهم 18 ألفا و800 خلال سنة 2005 و26 ألفا و200 خلال سنة 2006 ارتفع ليبلغ 34 ألفا و500 عاطل خلال سنة 2007. وتفيد معطيات المعهد الوطني للإحصاء المتعلقة بالبطالة أن هيكلة البطالة في تونس حسب المستوى التعليمي في تغير ملحوظ مقارنة بنتائج مسح سنة 2006 حيث ارتفع عدد العاطلين عن العمل من مستوى التعليم العالي خلال فترة 2006ـ 2007 ليبلـغ 102 ألـف و300 سنة 2007 مقابل 86 ألفا و100 سنة 2006. وبذلك تسجل فئة الناشيطين من مستوى التعليم العالي أي الذين تجاوزوا بنجاح السنة الأولى من التعليم العالي أعلى نسبة بطالة وهي تقدر بنحو 19 بالمائة وتليها فئة الناشيطين من مستوى التعليم الثانوي 15 فاصل 4 بالمائة وفئة الناشيطين من مستوى التعليم الابتدائي 13 فاصل 5 بالمائة. ومن المفارقات التي كشف عنها المسح نجد أن نسبة البطالة في تراجع من بين الناشيطين من مستوى التعليم الابتدائي خلال فترة 2006ـ 2007 مقابل ارتفاع لنسبة البطالة من بين الناشطين من مستوى التعليم الثانوي والتعليم العالي. وتشير الإحصائيات المتعلقة بحاملي الشهادات العليا إلى أن عدد العاطلين عن العمل من هذه الفئة يقدر بنحو 88 ألفا و900 عاطل (مقابل 59 ألفا و200 عاطل سنة 2005 و73 ألفا و700 عاطل سنة 2006) ومن بين هؤلاء العاطلين المسجلين خلال سنة 2007 نجد في الصدارة وكما أسلفنا 34 ألف تقني سام و18 ألفا و700 مجاز في العلوم الاقتصادية والتصرف و15 ألفا و600 مجاز في العلوم الإنسانية وقرابة 6 آلاف و100 لديهم شهادات عليا أخرى أطباء صيادلة مهندسون أصحاب شهادات ماجستير أو دكتوراه.. ويتوزع هؤلاء إلى 36 ألفا و600 ذكور و52 ألفا و300 إناث. وبالنظر إلى سنة التخرج نلاحظ أنه من بين 88 ألف و900 عاطل عن العمل من بين حاملي الشهادات العليا نجد 5100 تخرجوا سنة 2007 و25 ألفا و800 تخرجوا سنة 2006 و17 ألفا و800 تخرجوا سنة 2005 و13 ألفا تخرجوا سنة 2004 و8300 تخرجوا سنة 2003 و5200 تخرجوا سنة 2002 و3400 تخرجوا سنة 2001 و3000 تخرجوا سنة 2000 و7300 تخرجوا سنة 1999 وما قبلها.. ولاحظ المسح أن فرص تشغيل حاملي الشهادات العليا تتقلص كلما طالت مدة البطالة بعد سنة التخرج حيث يتبين أنه بعد سنتين من التخرج (سنة 2005) تقلص عدد العاطلين عن العمل بقرابة 6 آلاف وبعد ثلاث أو أربع سنوات من التخرج انخفض عدد العاطلين عن العمل بقرابة 1700 كل سنة أما بعد خمس سنوات أو أكثر من التخرج فيتم إدماج قرابة 500 شخص سنويا.. مفارقات من المفارقات الأخرى التي كشف عنها المسح الوطني حول السكان والتشغيل لسنة 2007 وتحديدا ما يتعلق بنسبة البطالة من بين حاملات الشهادات العليا نجد أن نسبة البطالة في صفوف البنات أرفع بكثير مما هي عليه في صفوف الفتيان.. فرغم أن نسبة الفتيات في الجامعة هي في حدود 59 بالمائة فإن فرص تشغيل صاحبات الشهادات العليا تعد محدودة مقارنة بالفتيان. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن نسبة البطالة من بين حاملي الشهادات العليا هي في حدود 19 فاصل 3 بالمائة سنة 2007 (مقابل 17 فاصل 5 بالمائة سنة 2006 و15 فاصل 3 بالمائة سنة 2005) وهي تبلغ أقصاها لدى الإناث (28 فاصل 4 بالمائة سنة 2007 و26 فاصل 5 بالمائة سنة 2006 و22 فاصل 5 بالمائة سنة 2005) وفي المقابل نجد نسبة البطالة لدى الفتيان في حدود (13 فاصل 3 بالمائة سنة 2007 و11 فاصل 7 بالمائة سنة 2006 و10 فاصل 9 بالمائة سنة 2005).. وبذلك فإن نسبة البطالة في صفوف البنات تتجاوز ضعف نسبة البطالة في صفوف الفتيان.ويذكر أن هذه المفارقة لا تنسحب فقط على حاملات شهادات التعليم العالي فقد كشف المسح نفسه أن مجموع عدد العاطلين عن العمل في تونس من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق بلغ 508 ألاف ومائة عاطل في منتصف شهر ماي 2007 (مقابل 501 ألف و300 سنة 206 و486 ألفا و400 سنة 2005) وهم يتوزعون على 333 ألفا و500 من الرجال و174 ألفا و600 من النساء وتكون بذلك نسبة البطالة في حدود 14 فاصل واحد بالمائة.. وهي في حدود 12 فاصل 8 بالمائة بالنسبة للرجال و17 فاصل 8 بالمائة بالنسبة للنساء.. وكشف المسح أن نسبة الزيادة في عدد العاطلين عن العمل بين 2006 و 2007والتي بلغت 1 فاصل 35 بالمائة ناتجة عن نسبة زيادة عدد العاطلين عن العمل من النساء بنحو 5 فاصل 88 بالمائة بالرغم من تقلص عدد العاطلين عن العمل في صفوف الرجال بنسبة صفر فاصل 86 بالمائة. سعيدة بوهلا المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 15 جوان 2008)
فاضل البلدي
لعل من مقتضيات الواقعية أنّني عندما كتبت عن دفع التشابك وتحدثت عن بعض الشروط المحققة لذلك لم أكن أرجو أن يتحقق المقصد سريعا فأنهي عقدين من التشابك بجرة قلم و”طاح الكاف على ظلّو” كما يقال في العامية التونسية. ولكنني إنّما بدأت دعوة علنية فيها محاولات للتوصيف والتحليل والمبادرة. وأنا مطمئنّ إلى أنّ حديثي سيلقى آذانا صاغية وقلوبا واعية وعقولا راشدة- ولو بعد حين- وأنا لن أملّ من الطرق على الحديد ومن استفزاز الإرادات وشحذ الهمم وإشاعة الوعي والفهم. ولن أخيب أو أندم إن كان نصيبي من الأجر أجر واحد وهو ثواب غيرُ المصيب من المجتهدين. وذلك لأنّني : 1- أدرك صعوبة المهمّة وثقل المسؤولية فما جرى من تشابك وما بقي من آثار ليس باليسير معالجته، فهو يحتاج إلى وقت وجهد وإرادة. والزمن فاعل أساسيّ في ذلك. 2- أريد أن أؤكّد أنّ المحاولة خير من عدمها. وأنّ الفرجة لا تنفع في شيء كما أنّ سياسة التجاهل من جهة وسياسة فرض الواقع من الجهة الأخرى لا تعين على الحلّ وإن كانت نافعة ما دامت مضبوطة ومحسوبة. 3- أعتبر أنّ التدافع سنّة وقانون- والسنن لا تتخلف- ولكنّ السؤال وهو كيف يمكن أن يكون هذا التدافع عامل إثراء وإصلاح وتطوير ونموّ. وكيف يمكن أن تُستبعد أشكاله المغلّطة حتى لا يغدو سببا في إهدار الطاقات والإمكانات والأوقات، وهو الشكل الذي اهتدت إليه الديمقراطيات الغربية من خلال التنافس الحزبي الراقي وتدافع البرامج والخطط والاحتكام إلى صندوق الاقتراع وتزكية الشعوب والقبول بالهزيمة السياسية بروح رياضية تجعل المهزوم يتهم نفسه قبل أن يتهم خصومه ويعود باللائمة على أشخاصه (قيادات وكوادر وقواعد) وبرامجه فيتحفز للإصلاح والتأهيل والتطوير طلبا لفوز في دورة ومرحلة جديدتين. 4- أعتبر أنّ مسؤولية الحاكم أكبر من مسؤولية المحكوم أي أنّ السلطة أو النظام هي المدعوّة إلى تنقية المناخ السياسي والاجتماعي وتوفير كلّ أسباب الاطمئنان من العفو والصفح وإعادة الاعتبار وردّ المظالم والتعويض والإدماج في الحياة العامة واستبعاد منطق التشفي ثم التشريك والحوار. وليس ذلك بعزيز على السلطة ولا ينقص من شأنها أو سطوتها، بل هو سلوك الحكم الرشيد الذي يجلب للنظام الاحترام والتقدير ويطيّب نفوس المظلومين فيتغيّر سلوكهم ويتعدل منهاجهم وتضعف حجّة المكابرين وتقوى حجة دعاة الاعتدال والمصالحة وتُستبعد أسباب التوتر وتسود قيمة السلم الاجتماعي فيفرغ الناس جميعا للتنمية. 5- أشدد على مسؤولية الإسلاميين وخاصة كوادر الحركة الإسلامية في ترك المكابرة والتواضع للحق ولو كان في ذلك شدة على النفس وجرأة عليها لأنّ من مقتضيات المسؤولية الاعتراف بالخطأ والجرأة في تقييم التجربة برجالها ومناهجها ومناهجها وخططها. وليس الإسلاميون بمنجاة من العيوب التي تصيب الحركات والأحزاب السياسية أو التنظيمات الاجتماعية فهم بشر وعلى قدر فقههم وعلمهم والتزامهم بتعاليم دينهم وقدرتهم على تمثل ذلك في سلوكهم يكون تأثّرهم، وإذا كان شعارهم “إن أريد إلآّ الإصلاح ما استطعت” و”لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى” “وما أبرّئ نفسي إنّ النفس لأمّارة بالسوء” “كلّكم راد ومردود عليه إلاّ صاحب هذا القبر”… إذا كان ذلك شعارهم فهم مدعوّون للعدل مع الخصوم والعدل فيما بينهم إذ “الحق أحق أن يتبع”. وليس في التواضع للحق والاعتراف بالخطأ أو المسؤولية أو السعي الجاد والمباشر للمصالح والخروج من سلوك التنافر والتدابر إلى الحوار أوالتواصل دنيّة ومنقصة أو فقدان للهيبة والقيمة. وبعد هذا كلّه يجدر التوقف والتساؤل عن المخارج المساعدة على الانتقال من وضعية الفرجة والانتظار إلى المبادرة والفعل لأنّ الفرجة والانتظار لا تصلح وضعا ولا تجلب منفعة ولا تنهي تشابكا. كما أنّها دليل وشاهد على العجز أو هي استقالة وهروب من المسؤولية. ولا يقولنّ أحد إنّه يراهن على الوقت أو ينتظر معجزة أو تدخلا من فاعلين آخرين من “داخل أو خارج”. إنّ ممّا يساعد على الخروج من تلك الوضعية هو : أ- الاقتناع بضرورة المصالحة ومنفعتها ثم إشاعة مناخ المصالحة لتصبح مطلبا عاما يتواضع له النظام كما الإسلاميون كما الفرقاء السياسيون ويسعون له سعيا حثيثا دعوة وسلوكا وإجراءات وثقافة، يوجّه ذلك تواضع وإذعان وتغليب للمصلحة العامة. وسيكون المبادر مقدّما في شهادة التاريخ والناس. ب- دفع منطق التشابك وكل ما يساعد عليه من خطاب أو سلوك أو إجراءات. وقد فصّلت ذلك فيما سبق من حديث وأضيف إليه أنّ الكلمة الطيّبة والدفع بالتي هي أحسن والخطاب اللين الواضح “قُولا له قَولا ليّنا” وإجراءات التطمين والإدماج من جانب السلطة واستبعاد منطق سياسة فرض الأمر الواقع من جانب النشطين والجلوس على مائدة الحوار من الجميع. كل ذلك يساعد على تحقيق السلم الاجتماعي. ت-خروج الصامتين من المؤمنين بضرورة المصالحة من وضعية المتفرج إلى وضعية الفاعل الإيجابي. ويقيني أنّه لو تحرك هؤلاء الصامتون من مختلف المواقع لتغيّرت أوضاع كثيرة ولبطلت حجة المثبطين أو المشككين أو القاعدين. ث-السعي الجاد من الجميع سلطة وأحزابا ومنظمات وإسلاميين للتواضع على ميثاق وطني جديد تتحدد فيه معالم المرحلة الجديدة وشروط تحقيق التنمية والسلم والانتقال المتدرج الحكيم للحكم تحدو الجميع رغبة وإرادة جامحتان في توفير أسباب الاستقرار والأمن وإنهاء لوضعيّة الاحتقان واستبعادا للهزّات والمفاجآت وتفرغا للعمل في مختلف أبعاده ورفعا للتحديات الثقافية والمادية وحسن تأهيل للوطن ليكون رائدا إقليميا ودوليا وهو يملك كلّ ما يساعد على ذلك. ج- وقبل هذا إشاعة قيم الحوار والمشاركة وحسن النصيحة وحسن الاستماع والإصغاء وترك المكابرة وتقديم المصلحة العامة على الخاصة والانطلاق من قاعدة “رأيي صواب يحتمل الخطأ”. ويحسن أن يدرك الجميع أنّ الإرث ثقيل وأنّ ما شاع واستفحل من أمراض وآفات خلال عقود الاستقلال الخمسة الماضية وما تكوّن من منافع ومصالح وعصبيات حزبية ومالية وجهوية وعيرها لا يمكن أن تتعدل أو تتغيّر بسهولة. بل إنّها ستدافع عن امتيازاتها بكل قوة وشراسة خاصة إذا أدركنا ضآلة رصيد الدين والأخلاق في حياة الناس وضعف التطبّع بقيم الديمقراطية والمشاركة واحترام الرأي الآخر، وذلك رغم ادعاء الكثير صلتهم بقيم الحضارة الغربية استيعابا والتزاما وتنزيلا. فعملية الإصلاح لن تكون يسيرة ولكن المطلوب هو الإيمان والعمل الدؤوب والمثابرة ثم المثابرة ثم المثابرة تحقيقا لثورة ثقافية واعية تصلح ما فسد وتؤسس لمرحلة جديدة واعدة. (المصدر: موقع “الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 15 جوان 2008)
بسم الله الرحمان الرّحيم كيف العمل من اجل التغيير في الخطاب الاسلامي بين ثقافة الانبطاح و ثقافة الاصلاح كيف المحافظة على الحياة في ضلّ الهوية العربية الاسلامية ونعمة الحريات الشخصية الحكمة تقتضي ترك عقلية تبسيط الأمور و استعجال النتائج و الاستخفاف بالآخر لا تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية بدون ضمان الحقوقّ في الشغل وااتفكير والتعبيروالتنظّم (الجزء الثاني) “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداءا فألّف بين قلوبكم” (آل عمران 103) “قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله” (سورة يوسف 108) باريس في 15 جوان 2008 بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
من معاناة الاستاذ الدمني : لقد صرّح الاستاذ الدمني في حديث لحوارنت يوم 18 ماي 2008 جاء فيه : “فأنا ما زلت أحلم باليوم السعيد الذي أبلغ فيه مرتبة المواطن الذي يحصل على حقوقه كاملة مثلما يؤدي واجباته كاملة. واقع الحال أنني لم أغادر منزلة “المُساكِن” (cohabitant)، و إن شئت فقل: منزلة “دافع الضرائب” التي أُرغِمت عليها لأكثر من ربع قرن، أي منذ سنة 1981، تاريخ أول حكم صدر ضدي بالسجن بسبب نشاطي السياسي. ” فمنذ ذلك التاريخ، ظللتُ على مر الأيام و السنين ضحية للتهميش و الإقصاء و الحرمان من الحقوق المدنية و السياسية (و ليس أقلها الحق في مباشرة الشأن العام، و الحق في التنقل إلى الخارج – علما بأن آخر مطلب أودعته لدى مصالح الأمن للحصول على جواز سفر قد مر على تقديمه أكثر من عام، دون أن أتلقى أي جواب عليه إلى حد اللحظة-) علاوة على بقية الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية الأخرى (و أهمها الحق في العودة إلى شغلي الأصلي في ميدان التعليم العمومي). و يواصل الاستاذ الدمني “مع الإشارة إلى أن القضايا السياسية التي صدر فيها ضدي أحكام بالسجن ترجع كلها إلى العهد البورقيبي، أي أنه قد مضى على صدور تلك الأحكام أكثر من عشرين سنة؛ و كان من المفروض، فوق ذلك، أن أستفيد قانونيا من “العفو التشريعي” الذي تم سَنه بعد انتخابات عام 1989 الشهيرة. لكنك “تسمع جعجعة و لا ترى طِحنا”. و لا تمثل وضعيتي الشخصية إلا عينة من وضعيات كثيرة مشابهة، تعكس كلها ما آل إليه حال الحريات في تونس راهنا. “أنا لا أبرِّئ نفسي من أي تقصير عملي. و لكني مع ذلك لست من أنصار استراتيجية الصدام الدائم. و لقد ازددت اقتناعا، بعد المأزق الذي تردت فيه تجربة الإسلاميين و تجربة حركة الإصلاح عموما في تونس (و لست أعني أن نظام الحكم و حلفاءه ليسوا في مأزق)، بأن الحكمة باتت تقتضي ترك عقلية استسهال الأمور و استعجال النتائج و الاستخفاف بالآخرين؛ و الانخراط بدل ذلك في عمل مدني طويل المدى، دون الاستهانة بأيّ طاقة بشرية أو بأيّ جهد مهما بدا أوليا أو ضئيلا. “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره” و ” لا يحقرنّ أحدُكم شيئا من معروف”. لا سيما أننا إزاء واقع قد فعلت فيه قرون الانحطاط و الاستبداد ما نعلم، و أنه ليس من السهل على من يعيش داخل وطنه في الظروف الراهنة أن يمسك بطرفي معادلة الكد المضني من أجل البقاء، و السعي إلى الإصلاح، في ذات الوقت. لكن ما لا يُدرَك كله لا يُترك جله، كما يقال. ثم هل نحن بحاجة إلى التذكير بأن همّ السياسة لا ينبغي أن يشغل عن هموم الثقافة و الاجتماع؟ خصوصا بالنسبة إلى من أوصدت في وجهه أبواب العمل السياسي، بينما ظلت أبوابُ الفكر و باقي أعمال الخير مفتحة كثيرا أو قليلا. على أن السنوات الأخيرة لم تخل من دروس و عِبر أفدتُها: من ذلك، ليس على سبيل الحصر طبعا، أنه قد ترسّخ لديّ اقتناع قديم بأفضلية المنهج المدني القانوني و التدريجي في العمل الإسلامي. فقد أكدت الأحداث أن هذا المنهج المنسجم مع مبادئ الإسلام و مقاصده هو الذي يتساوق مع اتجاه التاريخ و مع خلاصة الخبرة البشرية المعاصرة: حيث نلحظ اليوم توجها كونيا عاما نحو صحوة الشعوب و نجاحها المضطرد في فرض إرادتها على حكوماتها بالوسائل المدنية التي لا تعوزها القوة و الفعالية (و التحولات التي تحصل في هذا الاتجاه في بلدان أوروبا الشرقية و أمريكا اللاتينية مثلا هي مادة ثرية للاعتبار)؛ لا بل إن “العنف الثوري” ليبدو أمام هذا المنهج مغامرة مراهقة. و لقد تابعت بكثير من الاهتمام و التقدير النجاحات التي حققتها عدة حركات إسلامية في العالم بانخراطها في المنتظم القانوني و التزامها معايير الديموقراطية و الأساليب المدنية في التغيير. و أنا لا أتحدث هنا عن نجاحات بالمعنى الحزبي المحدود، أي بحساب المقاعد و المواقع السياسية “المربوحة” فحسب- و إن كانت ذات اعتبار- و إنما أتحدث خصوصا عن نجاحات في التسيير و الأداء التنموي الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي، و ما رافق ذلك من وئام سياسي و انصراف إلى خدمة القضايا الحضارية الكبرى، على نحو ما هو حاصل في بلدان مثل ماليزيا و تركيا و إندونيسيا؛ و بدرجات أقل في المغرب و الكويت و بلدان أخرى تسير على ذات الدرب. و لست أشك في أن تلك النجاحات قد عادت بالفائدة على عموم المجتمعات التي تنتسب إليها تلك الحركات. و لا أخال الأنظمة التي أتاحت المجال لتلك التجارب إلا مرتاحة لنتائجها. و هذا ما كنت أتمنى حدوثه في بلدي منذ زمن، حيث كانت مناداة الإسلاميين بالديموقراطية مبكرة نسبيا، و ارتفعت أصواتهم للمطالبة بتعددية حزبية لا تستثني أحدا، و بضمان نزاهة الانتخابات، و باحترام أحكام صناديق الاقتراع، أيا كان الفائزون، منذ مطلع الثمانينات. لكن جرت الرياح بما لم يشته السفِن، و تم التفويت في أكثر من فرصة تاريخية كانت ستعود على المجتمع كله بنفع عميم. و في مقابل ما ذكرت من صور مشرقة، قدّمت تجارب إسلامية أخرى في العالم أكثر من دليل ميداني على فساد منهج العنف الذي أوقع أصحابه – بسبب تعجلهم و عدم واقعيتهم و خطآِ رؤاهم و اضطراب موازينهم، رغم صدق النوايا في الغالب – في مآزق و فتن تراوحت بين اشتباك شامل مع أنظمة محلية، و أحيانا مع تنظيمات شعبية ذات مصالح مناقضة، (و لا يخفى ما نتج عن ذلك الاشتباك في بعض البلدان من هرج و مرج و محن و عموم بلوى)؛ و بين حروب مفتوحة مع بعض القوى العظمى و أحيانا مع المجتمع الدولي بأسره، دون أن يحرز المشتبكون أي تقدم حقيقي على طريق التغيير، اللهم إلا تغييرا بخلاف القصد. وهذا مآل لا يسر صديقا و لا يغيظ عدوا. (و تُستثنى من المشهد الأخير، بكل تأكيد، حركات التحرر الوطني: فهذه لها أحكامها الخاصة، لأن المحتلّ الأجنبي إذا حل بأرض المسلمين تكون مقاومته، بكل الوسائل الممكنة، فريضة يمليها الدين، و واجبا وطنيا تحميه الشرائع و القوانين الدولية). يقول الاستاذ الدمني انني مقتنع بوجاهة كتابة تاريخ التجربة الجماعية و بضرورة تقويم مسارها العام. وفي سؤال آخر عن أي مشروع اسلامي يحتاجه الشأن التونسي يجيب الاستاذ الدمني :” من خلال التجربة الميدانية، و بالرجوع إلى معطيات التاريخ القريب، يتضح أن التحدي الأساسي الذي يواجه المشروع الإسلامي و عموم مشروع الإصلاح في تونس حاليا يكمن في قابلية المجتمع للاستبداد أكثر مما يكمن في الاستبداد ذاته. فأنا أمْيَل إلى الظن أن معضلة الأمة الراهنة لم تعد تكمن في قابليتها للاستعمار، كما كانت في السابق، على نحو ما صور ذلك بحق المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله، عندما حلل ظاهرة الاستعمار المباشر. فالشعوب الإسلامية – و لا أتحدث البتة عن بعض أنظمة الحكم أو النخب السياسية الهامشية – قد تطورت روحها التحررية كثيرا منذ ذلك العهد. و الشاهد على ذلك أنها لم تستقبل المستعمر العائد من بوابة المشرق إلى أرض أفغانستان (في نسختيه: السوفييتية ثم الأمرييكية-الأطلسية) و العراق و الصومال مثلا بالورود، كما كان يحلم، و لا هي استسلمت حاليا لما يرتكبه الصهاينة كل يوم من جرائم قتل و استيطان و حصار و تجويع في فلسطين، و لا انكسرت إرادتها أمام آلة الدمار الإسرائيلية في لبنان. فوقائع المقاومة في كل تلك الربوع في تصاعد مستمر، و نتائجها تبشر بكل خير.. لكن المعضلة الأكبر تبقى قائمة كلما تعلق الأمر بالإصلاح الداخلي، حيث ظلت شعوبنا على العموم قابلة للاستبداد نتيجة لعوامل تاريخية و مجتمعية مركبة رسخت في وعيها الجمعي ثقافة الاحتراز من الفتنة. و ذلك مثلا ما تعكسه عبارات متوارَثة جرت على ألسن العامة و حتى الخاصة مجرى الأمثال كقولهم: ” ملكٌ غشوم خير من فتنة تدوم” أو قولهم باللهجة التونسية: “شد مشومك لا يجيك ما أشوَم”… إن حال النظام عندنا لا يختلف نوعيا عن أحوال عموم الأنظمة العربية أو الإفريقية مثلا. لكن نلاحظ أن مستويات الانفتاح السياسي و درجات الانتقال الديموقراطي في ظل كثير من تلك الأنظمة هي أفضل مما هو موجود هنا. إذن، كيف نفسر الفارق إن لم يكن ذلك باختلاف الديناميات الاجتماعية و المدنية؟ أنا أميل إلى أننا في تونس أمام تحد مجتمعي مزدوج يكمن تحديدا في تظافر عاملين اثنين هما: التصالح الشعبي مع ثقافة الخضوع من جهة، و سوء أداء الهياكل المدنية و الجمعوية من جهة أخرى. و لكل ذلك عوامله الاجتماعية – الثقافية و حتى التاريخية: و من المفيد الاستذكار، في هذا الصدد، إلى أن تاريخ تونس الحديث في مجال المقاومة، حتى ضد الاستعمار، لم يكد يعرف ثورات شعبية تصاعدية مسترسلة، بقدر ما شهد انتفاضات متقطعة و محدودة في الزمان و في المكان، و أحيانا في الأثر: (انتفاضة علي بن غذاهم: 1864، انتفاضة الزلاج: 1911، أحداث الشهداء: 9 أفريل/نيسان 1938، الانتفاضة العمالية: 26 جانفي/يناير 1978، انتفاضة مدينة قفصة: 1980، انتفاضة الخبز: 4 جانفي/يناير 1984…). و المستفاد من ذلك أن تاريخ تونس الحديث لم يوفر عنصر التراكم في مجال المقاومة الشعبية في وجهيها: المسلح ضد المستعمر، و المدني ضد السلطة. فالاتحاد العام التونسي للشغل مثلا، و هو التنظيم النقابي العريق عربيا و إفريقياًّ، الذي كان له دور طليعي في التصدي للاستعمار الفرنسي، و قاد واحدة من أهم الانتفاضات في تاريخ تونس المستقلة (1978)، هو الآن أقل فعالية مما كان عليه في السبعينات. و الأمر قد يكون أكثر فداحة بالنسبة إلى جمعيات مهنية و حقوقية و أحزاب سياسية أبلت بلاء حسنا على الصعيد المدني منذ أكثر من ربع قرن، لكنها اليوم تعيش أوضاعا محزنة من التفكك و التراجع. و لا جدال في أن كل ذلك قد خلف رواسب سلبية في الوعي الجمعي. و الملحوظ أن تلك الرواسب قد تزامنت مع انتشار ثقافة الاستهلاك و ما اقترن بها من تنامي عامل الخوف على المستقبل و استفحال الهاجس الأمني في ظل غلاء المعيشة، و أجواء الإحباط و خيبات الأمل المتكررة الناجمة عن كثرة المحاكمات السياسية… مما أنشأ ظاهرةَ وَهَنٍ عام و عزوفٍ عن العمل الجماعي و عن المبادرة و التضحية في أوساط الطبقة الوسطى المتآكلة أصلا. مع العلم أن هذه الطبقة هي التي عليها المعوَّل في أي تغيير أو إصلاح. لكنها حاليا لا تجد مَن يعبر عن طموحاتها و يقود مطالبها الاجتماعية و السياسية بحكمة و شجاعة. فليس من قبيل المصادفة أن تكون ساحة النضال الاجتماعي اليوم خالية من قائد شعبي جامع من وزن الزعيم النقابي الراحل الحبيب عاشور. و كذا الحال بالنسبة إلى الساحة السياسية بعد اعتزال السيد أحمد المستيري إثر انتخابات 1989، و اختيار الشيخ راشد الغنوشي سبيل الهجرة في أواخر الثمانينات، ثم اضطراره إلى البقاء في المنفى. و أنا أزعم أن الساحة الدينية أيضا تشكو من ذات الفراغ: فأين علماء الدين حاليا من جهود الإصلاح، بعد وفاة أعلام فقهية وازنة من أمثال الشيخ مختار بن محمود و الشيخ محمد صالح النيفر و الشيخ محمد الحبيب المستاوي و الشيخ عبد الرحمان خليف و الشيخ محمد الأخوة رحمهم الله جميعا، و غيرهم ممن كان لهم مواقف و مبادرات مشرفة و شجاعة، سواء من داخل السلطة أو خارج دوائرها، و أحيانا ضدها… ؟ و حاصل القول: إن آليات المجتمع المدني باتت، فيما يبدو، فاقدة القدرة على صناعة القيادة، ليس بمعناها المشخص (على ما للأشخاص من قيمة)، و إنما بالمعني الذي يحيل خاصة إلى المؤسسة و إلى روح المبادرة و الإقدام النضالي، بصرف النظر عن الأفراد و الألقاب و المناصب.. و لعل هذا ما جعل كثيرا من الشباب (و بخاصة المتدينين منهم) يبحثون عن نماذج قيادية فوق- قطرية تحضن سَوْرتهم و تشحذ عنفوانهم و تمارس عليهم التوجيه عن بعد – و أيّ توجيه..!–. و لئن كانت السلطة في مختلف مراحلها غير بريئة فيما يتعلق بهذا المآل، فإن للمجتمع المدني مسؤوليته التي لا نزاع فيها. و لنا أن نراجع علماء الاجتماع السياسي لندرك ما يخلفه غياب المثال القيادي من آثار سلبية على حالة الوعي و السلوك و على بنية المجتمع. و نحن هنا أمام تحد يواجه الجميع بدون أيّ استثناء، مما يستدعي كثيرا من التفكير و الجهد لتدارك الأمر. إذ لا أمل في أي إصلاح اجتماعي أو سياسي بدون تمحض جهة تصوغه نظريا و تقوده عمليا، و تفدِم على ما يقتضيه الظرف من مبادرات شجاعة. و لئن كان سبيل العنف في هذا المضمار مرفوضا مبدئيا و عديم الجدوى من الناحية العملية، فإن الأيام قد بينت أن أسلوب “يا كريم متاع الله !” التسوّلي هو الآخر ليس أقل عقما… و لا حل إذن إلا بتصور نهجٍ مدني في العمل، و رسم سبيل إلى أن تكون قيادة هذا النهج مناضلة ليس للشعب فحسب، و إنما بالشعب أيضا؟ ذلك هو التحدي الاستراتيجي الذي إن لم يتم رفعه عمليا، فإن مناضلي الجماعات العاملة من أجل التغيير و الإصلاح سيكونون، لا سمح الله، “وقود مرحلة” ليس أكثر؛ و ستظل الجماهير العريضة، التي نهض هؤلاء المناضلون من أجلها في الأصل، ملازِمة مواقع التفرج و اللامبالاة. و ربما لن يزيد تضامنها مع ضحايا المرحلة في أحسن الأحوال على المواساة المحتشمة، أو المشي في جنائز الشهداء، بعد أن تكون صروف المحن و عفن السجون قد فتكت بأجسادهم. لست أسوق هذا الكلام تحقيرا للجهود و لا تثبيطا للعزائم و الهمم. فقدْرُ المناضلين و الشهداء يبقى بين الناس رفيعا، و أجرهم عند الله عظيما، ما في ذلك ريب أبدا. و إذا كان الله تعالى يأجر حتى على الشوكة ثصيب المؤمن في حياته، كما في الحديث النبوي، فما بالك بأجر المبتلين و الشهداء في سبيل الإصلاح؟ “إنا لا نضيع أجر المصلحين” (سورة الأعراف، الآية 170) ” و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله..” ( سورة آل عمران، الآية 169). لكن هذا لا يتعارض البتة مع ضرورة البحث عن سبل الصواب و الأخذ بأسباب النجاعة و النجاح وفق موازين الدنيا. و إلا فما معنى قول الرسول صلى الله عليه و سلم: “من اجتهد و أصاب فله أجران، و من اجتهد و لم يصب فله أجر واحد”؟ …أن الثقافة العلمانية، بوجهيها الليبرالي و اليساري، هي اليوم في حالة مد و ريادة تونسيا. بل الملاحَظ أنها في تراجع متزايد سواء على الصعيد الرسمي أو على صعيد الحضور المجتمعي أو في أوساط النخب الجديدة المتعلمة. و ذلك بفعل يقظة روح التدين الشعبي العارمة من جهة، و بفعل تعجل كثير من رموز العلمانية و أنصارها، خصوصا اليساريين منهم، تغيير مواقعهم و التحاقهم بالسلطة، لا سيما بعد 1987، من جهة أخرى. فهؤلاء لم يعودوا مؤهلين لأن ينفردوا بقيادة أي حركة للإصلاح الاجتماعي أو السياسي على المدى المنظور، بعد أن استهلكتهم البيروقراطية و أحرقوا قواربهم و فقدوا كثيرا من الإشعاع الشعبي. هذا لا يعني البتة التقليل من شأن هؤلاء و أولئك. فلعل تونس تنفرد في الوطن العربي بامتلاك أوسع نخبة علمانية و أكثرها عنادا، لأنها تتلمذت في المدرسة الفرنكوفونية المعروفة بتطرفها في هذا المضمار. لكن تلك النخبة لئن كسبت معركة المواقع، منذ العهد البورقيبي، إلا أنها لم تكسب معركة الثقافة و التاريخ. و للحركة الإسلامية دور مؤكد في ذلك. على أن المطلوب حاليا في نظري هو تخلي الجميع عن منطق الشقاق و الصدام الذي لا طائل من ورائه. فالمصلحة الوطنية العليا تقتضي التقارب بين الإسلاميين و غيرهم، و اجتناب أساليب الابتزاز السياسي و الملاحقة الفكرية عن أيّ طرف صدرت، و التركيز بدل ذلك على ما يجمع سياسيا لا على ما يفرّق أيديولوجيا، حتى تستقر لدى الجميع روح التسامح و الاعتدال و إرادة التطور، و ينصرف الكافة إلى رفع التحديات المصيرية التي تواجه الوطن و الأمة. و المدخل إلى ذلك هو الحوار الصريح، و العمل المشترك في حدود الممكن و على قاعدة الحفاظ على الهوية الوطنية، و الدفاع عن الحريات و الحقوق، و إرساء دولة المواطنة و العدالة و المساواة التي لا منجاة لأحد خارجها. و في جواب على سؤال آخر عن الصحوة الاسلامية و مستقبلها في البلاد قال الاستاذ الدمني :” هذه الظاهرة ليست خاصة بتونس. فبإمكانك ملاحظة مثيلاتها و أكثر منها اتساعا في كل بلدان العالم الإسلامي مشرقا و مغربا. و هي من هذا الوجه ظاهرة اجتماعية عامة ذات مضمون ثقافي حضاري، تعكس حالة أمةٍ تبحث عن قيمها المفقودة، و عن سبيل إلى التحرر من واقع الضياع التاريخي الذي تردت فيه منذ قرون. و قد عبرت الأمة في هذا الخضم عن كونها ما تخلت قط عن مراجع استدلالها الحضارية النابعة من إسلامها، و لا هي ضيّعت بوصلتها الاستراتيجية المستلهَمة من تاريخها التحرري، رغم آثار سنين الانحطاط ثم الاستعمار في الماضي، و رغم تسلط الدول الوطنية و تداول الأيديولوجيات، و هيمنة قيم العولمة، و محاولات فرض ثقافة الاستسلام بقوة القذائف الرهيبة المتساقطة على أرض فلسطين و أفغانستان و العراق و لبنان و باكستان و الصومال… في الحاضر. “يريدون أن يُطفئوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يُتِم نوره” (التوبة – 32) لا شك أن الحالة الدينية العامة في تونس قد شهدت تراجعا و انكماشا ملحوظين في عقد التسعينات، متأثرة بالأحداث التي وضعت السلطة و “حركة النهضة” وجها لوجه. لكن تلك الأوضاع لم تدم أكثر من سنوات معدودات، ما لبث أن عبّر المجتمع بعدها عن عراقة منبته في ثقافته الدينية، و أكد أن نزاعات السياسة ليست كفيلة بأن “تجفف ينابيع” الإيمان فيه أو بأن تجعل شعبه يوما بمعزل عن معاناة أمته الكبرى و عن توقها إلى الانعتاق و الكرامة؛ لا سيما بعد أن تفاقمت مظاهر استضعافها و تعددت محاولات السيطرة على مقدّراتها من قبل القوى الدولية العظمى، و غدا ذلك محسوسا أكثر فأكثرعلى المستوى الاقتصادي و الاجتماعي المحلي. فما كاد نظام الحكم يعلن “طي صفحة التطرف الديني” في تلك المرحلة، و ما كاد المثقف الفرنسي المولع بتونس فريديريك ميتيران(Frédérique Mitterrand) يفرغ من التبشير عبر الفضائية الفرنسية الخامسة (TV5) بأنه “لم يعد ثمة مِن خطر أصولي في تونس “،، حتى اكتضت المساجد بروادها أكثر من ذي قبل، و فاضت على أهل البلاد روحُ إيمانٍ غضٍّ لا يلوي أصحابه على شيء، و غدت العين لا تخطئ آثار ذلك حيثما نظرت. و قد ساعد على هذا التحول عوامل ثانوية منها: تطور المبتكرات الاتصالية و انتشار الفضائيات التي وفرت للجمهور العريض عِوضا عما افتقده في ساحة الثقافة و التوجيه الديني المحلي، خصوصا في ظل تطبيق قانون المساجد. فراح الجميع ينهلون المعارف حول دينهم و دنياهم و يتلقفون أخبار المسلمين في العالم، و حتى أخبار بلادهم، بلا واسطة و لا رقيب. فاستأنف الوعي صحوته بعد غفوة اضطرارية عارضة. تسألني: إن كان ذلك منتظرا… ؟ الجواب متوقف على مدى سعة اطلاع المتابعين و استقلال إرادتهم. فكل مَن قرأ التاريخ و فقه سننه و تعرّف إلى المجتمع التونسي عن قرب كان عليه أن يتوقع حصول شيء من ذلك. لكن يبدو أن النزعة الاستئصالية قد هيمنت على نفوس عدد من الساسة و المثقفين في مختلف المواقع، فتعطلت معارفهم و ما عادوا قادرين على النظر بعيدا. و قد تجلى هذا العجز الاستشرافي بالخصوص في كتابات عدد غير قليل من حَمَلة الأقلام التونسيين الذين اكتفوا بالوصف دون التحليل، و راحوا طوال التسعينات يشرحون للرأي العام “كيف هُزم الإسلاميون”، غافلين عما خلفه ضرب “النهضة” من تداعيات سلبية على أوضاع الحريات العامة و على الشأن الديني الخالص، و غير منتبهين لما سينشأ عن ذلك لاحقا من ظواهر و ردود أفعال اجتماعية و ثقافية و إذا كان مردّ هذا التوجه القاصر هو خوف كثير من المثقفين المستقلين و الإعلاميين الحِرَفيين من التعبير عن مواقف قابلة للتأويل و ربما للتوريط السياسي، فإن مردّه بالنسبة إلى بعض المؤدلجين و المنتمين حزبيا هو تقديرهم أن إقصاء تنظيم سياسي ذي خلفية دينية عن الشأن العام، بأسلوب أمني، هو كفيل بأن يريحهم من خصم عقائدي قوي و صعب المراس، و بأن يعفيهم إلى الأبد من معالجة إشكالية العلاقة بين الدين و الدولة، و من ثم بين الدين والمجتمع، وفق تصور ديموقراطي جاد. و قد توخى بعضهم في كتاباته أساليب السب الوضيع و حاولوا تقديم “حركة النهضةّّّ” على أنها أنموذج للإرهاب في العالم الإسلامي، على غرار ما فعل الكاتب القريب من السلطة عبد الله عمامي في كتاب له. فكان هذا الصنف الأخير من الكتّاب خادمين موضوعيين للحل الأمني. و لست أدري إن كانوا قد انتبهوا الآن إلى مخاطر المعالجة الأمنية للقضايا السياسية، و أدركوا أن الإشكالية الأصلية المتهرَّب من معالجتها لم تزل قائمة، و أن التطورات اللاحقة قد أعادتها إلى جدول الأعمال، و زادتها راهنية و تعقيدا. و يقول ايضا :” صحيح أن موجة التدين الحالية هي في ذاتها موجة ثقافية، كما أسلفت. لكننا نعلم أن الحدود بين الثقافة و السياسة ليست مقفلة. فمن حيث الإمكان النظري، قد تكون هذه الموجة رافعة لأكثر من ظاهرة سياسية. و الثابت أن أسلوب تعامل كل الفاعلين مع هذا الموضوع هو الذي سيحدد طبيعة ما سيتشكل مستقبلا من تداعيات متصلة بالصحوة، تزيد أو تقل نفعا للمجتمع. لذلك فليس من المصلحة أن ينظر الأطراف السياسيون إلى الصحوة بمنظار أيديولوجي أو حزبي ضيق، أو أن يجعلوها موضوع رهانات سياسية محدودة الأفق. فلا هي في الواقع “مكسب حزبي” للإسلاميين، و لا هي خطر على مستقبل نفوذ الحزب الحاكم، مطلقا. ذلك أنه بالاعتماد على المتابعة الدقيقة و المخالطة اليومية، يمكنني أن أجزم بأن أتباع الصحوة ليسوا متجانسين من حيث الوعي السياسي و لا حتى من حيث الانخراط الفعلي قي الشأن العام. بل المسيَّسون منهم يُعدّون قلة قليلة. أما المتمردون أو الذين استهوتهم النزعة المسماة ب “الجهادية” فهم قلة ضمن القلة. و لعل النبيه قد لاحظ أن “الجبة لا تستر شيخا” في كل الأحوال، كما يقال. بل إن ظواهر سلوكية و هندامية، جرت أحيانا مجرى الموضة، قد خالطت أوجها من هذه الموجة و جعلتها بالتالي في حاجة إلى تقويم و إلى معالجة دينية فقهية خالصة، بعيدا عن أساليب السياسة و عن الاعتقالات و المحاكمات الاستباقية التي قد تحرف صحوة التديّن عن جوهرها الخيّر و تدفع بأصحابها إلى الغلو و التشدد وعيا و سلوكا. و إذا كان حريّا بأهل الذكر في علم الاجتماع الديني و الفلسفة السياسية و بالفقهاء و علماء أصول الفقه و غيرهم من ذوي الاختصاصات المعرفية ذات الصلة، أن يجتهدوا في دراسة هذه الظاهرة و يقوموها باعتماد المفاهيم و المناهج العلمية الصحيحة، فإن المطلوب من الفاعلين السياسيين أن ينظروا إليها باعتبارها مكسبا لهوية البلاد الحضارية و دعما لتماسك نسيجها المجتمعي العام. و يسترسل الاستاذ الدمني قائلا: “و ليت السلطة تقتنع بأنه لا بديل عن ترشيد الصحوة و تشريك كل ذوي الكفاءة العلمية و الخُلُق الكريم في ذلك، دون الالتفات إلى انتمائهم الحزبي أو ولائهم السياسي. و لا يخفى ما للمسجد و للإعلام الحر من دور رائد في هذا المضمار. و حبذا لو أُتبِع قرارُ بث “إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم”، الذي كان خطوة في الاتجاه الصحيح، بخطوات أخرى على ذات الدرب، تكون كفيلة بإخراج مساجدنا من العطالة الحضارية، و تمكينها من أداء وظيفتها الاجتماعية على وجه أكمل، تحفيظا لكلام الله و تربيةً للأجيال و ترشيدا لعلاقتهم بدينهم و دنياهم. “فأن تكون لنا صحوة دينية راشدة و قائمة بالقسط، لا يتعارض لدي أبنائها الولاءُ لله مع الولاء للوطن، هو أفصل ألف مرة من أن يكون أبناء هذه الصحوة عصاميين لا دليل يهديهم، و شتاتا لا راية تجمعهم، فيظلون بذلك عرضة للاستقطاب من قِبل تنظيمات عالمية متربصة قد تزج بهم في أتون مغامرات عنيفة لا يعلم عقباها إلا الله” و يقول الأستاذ الدمني ” لا بد من التوضيح ابتداء أن البحث في علاقة الإسلام بالحداثة يحتاج إلى تدقيق لا بد منه: فلو استندنا إلى الحديث النبوي القائل: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” (أخرجه أبو داود في الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة)، و استأنسنا بمضمون الأثر الذي مفاده: “رحم الله امرئا عرف زمانه ثم استقام”، لقلنا جازمين إن صلاح الدين و الدنيا معا يتطلب الانخراط في حداثةٍ ما. (و لست أعني بالدين رسالة السماء – فهذه كاملة و خاتمة لما سبقها- و إنما أعني به تمثل تلك الرسالة من قِبل الناس في التاريخ، أو ما يمكن أن نسميه بالتدين). و هنا ينهي الاستاذ الدمني حديثه فيقول : “إلا أن الحداثة التي نقصد، من وجه آخر، ليست حالة جاهزة أعدها لنا الآخرون – أعني الغرب – على هيأة نهائية و مكتملة، بحيث لا يزيد دورنا إزاءها على استهلاك منتجاتها و أداء واجب الاحترام و التقديس لقيمها. فلو كان الأمر كذلك، لاقتصر دورنا في التاريخ على التأسي بالغرب و اتباع مسيرته الحضارية “شبرا بشبر و ذراعا بذراع” من غير إضافة و لا إبداع، و لوقعنا بالتالي في عكس مقتضى الحداثة ذاتها من أكثر من وجه.” كيف التوفيق بين نداء الداخل المهمش والدعوة للعودة : أما آخرين في المهجر فهم في ندائهم ينادون ” لن نتحدث في هذا النداء عن كارثة الاستبداد التي ابتليت بها بلادنا ولا عن المظالم التي سلطها على عموم أفراد الشعب، تكميما للأفواه وانتهاكا للأعراض وتضييقا للأرزاق ومصادرة للأملاك، فذلك أمر مفروغ منه لا يجادل فيه وطني صادق، ثم إن المجال لا يتسع إليه هنا. ما أردنا التنبيه إليه هو مسؤولية المهجرين أنفسهم عن طول محنتهم وعجزهم عن تحويلها قضية حقوقية وسياسية وطنية تزيد في فضح ممارسات النظام وادعاءاته الكاذبة في مجال الحريات واحترام حقوق الإنسان. سياسة مقصودة أم قعود آثم، احتمالان اثنان لا ثالث لهما. لقد أستقر لدى كثير منا أن ليس لنا من مخرج من بحر ظلمات المنفى سوى الركوع في انتظارالعفو من صاحب العفو. محمد شمام يعلن توبته إلى الله واعتذاره إلى كل المتضررين : و هكذا فقد بادرالأخ محمد شمام بالتوبة إلى الله من كل الذنوب والأخطاء التي بدرت منه أوارتكبها، ما علم منها وما لم يعلم، ما كان واعيا بها أو غافلا عنها ، خاصة ما تعلق منها بمحنة التسعينات. هذا بالإجمال ما هو مطلوب منه ومن غيره من زمان، وبالتفصيل ها هويقول : “اقتناعا مني بما تقدم ورغبة مني في أن أكون أول المبادرين وأول التائبين أعلن على الملإ أني أستغفر الله وأتوب إليه من كل ذنوبي ما علمت منها وما لم أعلم، وأعلن استعدادي لتصحيح أخطائي ما بان لي أنها كذلك، وأعتذر لكل من أخطأت في حقه أو تسببت له في ضرر أو ناله بسببي أذى ، وخاصة: “أولا: لأولئك المتضررين من العائلات وغيرهم الذين طالتهم هذه المعامع واكتووا بنار الصراع، من غير أن يكون لهم أي يد فيه ، غير أنهم كانوا أناسا طيبين في دوائرنا ولهم علاقات بنا، أو كانوا من أقاربنا وأهالينا وأصدقائنا، أو كانوا متدينين، أو أبت عليهم قيم الشهامة والرجولة إلا أن يؤدوا بعض ما عليهم… فنالهم بسبب ذلك ما نالهم. “ثانيا: ثم لإخواني بالمعنى الواسع البعيد منهم الآن والقريب الذين خضنا معا المحنة التونسية، أعتذر لهم بقدر ما وقع مني من أخطاء وأنا في المسؤولية أو خارجها. “ثالثا: ثم لكافة التونسيين بما في ذلك أصحاب خطة تجفيف ينابيع التدين سلطة ومعارضة، فلعل شيئا بدر مني وكان خاطئا في حقهم بميزان الحق والعدل الرباني. حتى يعلم المتضررون أن ما أصابهم لم يكن من أجل طلب دنيا” انتهى النقل. وإننا نسأل الله تعالى أن يكون ما أخلفنا الله أفضل مما أخذمنّا ونرجو أن يكون قد أخلفنا صفة الفقر إليه، والاستغناء به عما سواه والشعور بالاطمئنان إلى قضائه ورؤية تصريفه للأمور برعايته ورحمته انه بالاجابة قديرو لا حول ولا قوة الا بالله العزيز الحميد. إن المطلوب اليوم تجاوز الخلافات السياسية في طابعها العدائي من أجل تفعيل قيمة التضامن الوطني باتجاه الاستيعاب الناجع للمشاكل والتحكم الأكثر نجاعة وسيطرة على القضايا والمعضلات المزمنة والمستفحلة ايمانا منا بنبذ الصراع الطبقي وكذلك الصراع بين الاجيال اذ اننا نأمن بالتكامل والتكامل و التضامن بين جميع مكونات المجتمع فقيرها وغنيّها كبيرها وصغيرها القويّ فينا يحمي الضعيف والغني فينا يساعد الفقير والقويّ فينا يأخذ بيد الضعيف. فالمطلوب، الكف عن مصادرة حق الفئات الاجتماعية المتضررة من ديناميكيات التجويع العالمية بتعزيز السياسة الاجتماعية وتطوير آلياتها التضامنية وتوسيع مظلتها الحمائية وتنويع أشكالها بالقطع مع الخطاب الحزبوي لأنه لا يليق بشعب يحب الحياة ولنفتح المجال لخطاب تضامني يصالح بين المجتمع والدولة ويجمع الطاقات في مواجهة التحديات. أحداث الحوض المنجمي: إنّ الأحداث الأليمة التي حصلت بمدينة الرديف يوم الجمعة 6 جوان 2008 والتي عمدت فيها قوات الأمن الى إطلاق الرصاص على مجموعة من المتظاهرين ترتب عليه قتيل و عديد من الجرحى وإيقاف العديد من الشباب العاطلين . هذا وقد بدأت حركة الاحتجاج هذه منذ أشهر باعتصامات ومظاهرات متفرقة بالجهة التي تعرف بالحوض المنجمي لغناها بالفوسفات وتضم مدن الرديف وأم العرائس والمظيلة والمتلوي. واننا نغتنم هذه الفرصة الأليمة لكي نجدّد رفضنا لهذا الأسلوب في التعامل مع المحتجين الذين من حقّهم التعبيربالوسائل السلمية عن رفضهم لسياسة التهميش ولعدم اخذهم نصيبهم في توزيع الثروة. كما ندعو الجميع الى استبعاد التوظيف السياسي للحالة الاجتماعية الخانقة التي تمرّ بها البلاد. و نقدّم أحرّ تعازينا ومواساتاتنا لأهالي الضحايا و ندعو بالمناسبة السلطة العمومية الى ضبط النفس و حل مشاكل شباب الجهة بتوخي أسلوب الحوار وتشريك كافة طاقات البلاد دون تمييزاو استثناء.والى فتح تحقيق لتحديد المسؤوليات عن هذه الأحداث الأليمة كي لا تتجدّد. في مدينة الرديف شيّع أهاليها رجالا و نساء و أطفالا مساء يوم السبت 7 جوان 2008 جثمان الشاب الحفناوي بن رضا بن الحفناوي المغزاوي إلى مثواه الأخير في هدوء تام و في غياب كلي لقوات البوليس ، و كانت مجموعة من الجيش الوطني تراقب سير الجنازة عن بعد ، و قد ردد المشيعون شعارات ” لا إله إلا الله و الشهيد حبيب الله ” و ” يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح ” طيلة المسافة الفاصلة بين مدينة الرديف و المقبرة التي تبعد عنها نحو ثلاثة كيلومترات و قد شارك في هذه الجنازة زهاء الخمسة آلاف مواطن. و قد أكد الطبيب الشرعي الدكتور الزين سعد الذي عاين جثة القتيل الحفناوي بن رضا بن الحفناوي المغزاوي الذي قتل برصاص البوليس يوم الجمعة 6 جوان 2008 أن القتيل قد توفي نتيجة إصابته بالذخيرة الحية. وقد انتظمت مسيرة سلمية صباح يوم السبت 7 جوان 2008 تدخلت فيها مجموعة من عناصر الجيش الوطني توسطت بين الجموع الغفيرة و قوات البوليس التي انسحب نصفها خارج المدينة بينما اشتبك عدد صغير من الشبان على أطراف مدينة الرديف مع قوات البوليس و قد نتج عن ذلك إصابة الشاب ابراهيم بن الهادي الفجراوي برصاصة في لوحة كتفه من الخلف نقل على إثرها إلى المستشفى المحلي بمدينة الرديف. وقد اعرب “الاتحاد العام التونسي للشغل” والاحزاب المعارضة التونسية عن القلق ازاء اعمال العنف في منطقة المناجم في قفصة (350 كلم جنوب غرب العاصمة) التي شهدت مواجهات بين متظاهرين وقوات الامن اوقعت قتيلا والعديد من الجرحى الجمعة في مدينة الرديف. وأعرب اتحاد النقابات التونسية عن “بالغ قلقه” ازاء الظروف الاجتماعية في منطقة الحوض المنجمي ودعا الى “تساوي الفرص” امام العاطلين من اصحاب الشهادات العلمية. وأضاف ان “حل النزاعات الاجتماعية يجب ان يتم بدون اللجوء الى العنف وعبر الحوار وبمشاركة جميع الاطراف” في اشارة الى المواجهات على خلفية البطالة والمطالب الاجتماعية التي ادت الى تدخل الجيش لاعادة الهدوء الى الرديف. كما دعا الاتحاد العام التونسي للشغل الى الافراج عن الاشخاص الموقوفين بهدف اتاحة البدء في “حوار جدي ومسؤول حول العمل وسبل تقليص التوتر” الاجتماعي. من جانبها اكدت احزاب المعارضة البرلمانية رفضها العنف ودعت الى “تعزيز الاستقرار والامن والسلم الاجتماعي”. وندد “حزب الوحدة الشعبية” ب”كافة اشكال العنف” مؤكدا “اهمية الحوار لتهدئة التوتر”. وأعربت “حركة الديموقراطيين الاشتراكيين” عن “تفهمها لتطلعات سكان الرديف الى تحسين اوضاعهم الاجتماعية”، مؤكدة ضرورة “استبعاد كافة اشكال العنف”. من جانبه دعا “الحزب الاجتماعي الليبرالي” الى “المزيد من الديموقراطية في الجهات” مؤكدا ان “النقد والاحتجاج من الحقوق المدنية الاساسية”. واضاف ان “المطالب مهما كانت شرعيتها لا تجيز لاصحابها خرق القانون ولا تهديد السلم الاهلي”. أما المعارضة، فقد نددت باللجوء “غير المبرر للحلول الامنية” لحل القضايا الاجتماعية لمنطقة الحوض المنجمي ودعت الى اجراء تحقيق في اعمال العنف التي اوقعت قتيلا و28 جريحا، بحسب مصادر نقابية. وندد “حزب التجديد” (الشيوعي سابقا) وتشكيلان يساريان اخران غير معترف بهما “باللجوء غير المبرر للحلول الامنية”، داعيا السلطات الى معالجة “انعدام التوازن بين الجهات”. أما “الحزب الديموقراطي التقدمي” فقد طالب بملاحقة قضائية لمسؤولين عن “اللجوء الى العنف ضد مواطنين عزل” والى “حوار وطني” حول البطالة. وعاد الهدوء الى الرديف بعد انتشار قوات الجيش التونسي في هذه المدينة التي تشكل ابرز معاقل التوتر في منطقة الحوض المنجمي التي شهدت اضطرابات دورية على خلفية البطالة والاحتجاجات الاجتماعية. هذا و قد قال الامين العام السابق للحزب التقدمي الديمقراطي والمعارض السياسي الاستاذ احمد نجيب الشابي “إن على تونس أن تسارع لاتخاذ خطوات كي تجعل نظامها السياسي منفتحا اذا ما أرادت تجنب انتشار الاضطرابات الاجتماعية”. وقال ايضا “اذا لم يكن هناك اصلاح للنظام السياسي فستكون البلاد معرضة للمخاطر.” في اشارة لاعمال الشغب. وأضاف “انه انفجار اجتماعي يهدد بالانتشار الى مناطق أخرى.” والشابي هو السياسي الوحيد الذي أعلن نيته الترشح للرئاسة. ودعا للحوار بين السلطة والمجتمع المدني ولمزيد من التنوع للقوى السياسية ولفتح وسائل الاعلام التونسية. وقال الشابي بعد اجتماعه مع رئيس البرلمان الاوروبي في بروكسل “ان اصلاح النظام السياسي الخاص بالانتخابات مهم بالنسبة لتونس.” وأضاف “من دون تحرير الحياة السياسية ومن دون اصلاح الاطار القانوني فان تونس ستظل في حالة أزمة.” وتابع أن تونس “ستتخلف” اذا لم تجر الاصلاحات. وانه من الحكمة ومن الوعي والفكر السديد ومن إدراك هذه اللحظة التاريخية ومن عظم المسؤولية الملقاة علينا قبل غيرنا لأننا أصحاب رسالة واصحاب قضية وعلينا بالاحتساب الى الله العلي القدير والصبر والمصابرة والمرابطة. وصدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران: “يا ايها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلّكم تفلحون” (آل عمران – 200) ان استمرارهذه الحالة المتأزمة لا تخدم الا الاستئصاليين الذين يتمعّشون من دوام الازمة السياسية في البلاد. هؤلاء هم الذين وضعوا ايديهم على جهازي الدولة والحزب الحاكم . ونأسف ان يلتجئ البعض الى الاضراب على الطعام من اجل الحصول على جواز سفر الذي هو حقّ لكلّ مواطن بلا منّ واستجداء من احد و انا ممن يعانون من هذا الحرمانّ منذ 19ماي 1990 الا وهو حق السفر و التنقل داخل البلاد و خارجها و من الخارج إلى تونس.فالى متى يتواصل تجاهل حقوق الناس في المواطنة الكاملة الغير المنقوصة لا أكثر ولا أقلّ. نحن نأمن و ندعو على الدوام الى المصالحة والمصارحة وفكّ الاشتباك بين الجميع والحوار وبالحوار فقط يمكننا ان نتخطى الصعاب مهما كبرت وشعارنا “يسعى بذمتهم ادناهم وهم يدا على من سواهم”. و صدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران: “ولتكن منكم أمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون” (آل عمران 104) و قال تعالى “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (النحل:97). وللحديث بقية ان شاء الله و الله هو الهادي إلى سواء السبيل لا رب غيره و لا معبود سواه باريس في 15 جوان 2008 بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
عملت تونس في إطار مشروع الحد من الهجرة السرية على سن قوانين مشددة لكل من تسول له نفسه محاولة استغلال شبابنا للزج بهم في مغامرة غير مضمونة النتائج. وأقر القانون الأخير عقوبة 20 سنة مع غرامة مالية قدرت بمائة ألف دينار لكل صاحب باخرة تسبب في موت شخص غرقا و15 سنة إذا تسبب له بسقوط يساوي أو يفوق نسبته 20 بالمائة. فإلى أي مدى ساهم هذا القانون في الحد من ظاهرة الهجرة السرية ؟ استفاق أهالي المحمدية والكبارية في أواخر أيام شهر أفريل, على فاجعة كبرى تمثلت في غرق باخرة عرض البحر مودية بحياة العديد من شبابنا, مغرقة أهالي الضحايا في حزن وأسف عميقين. ومن ألطاف الله أن باخرة ثانية كانت معدة للغرض قد عدلت عن مهمتها القذرة وإلا لكانت المصيبة مضاعفة. هذه الهجرة السرية التي يتعامل معها المسؤولون كحركة خارجة عن القانون وخارقة لكل الترتيبات الأمنية والسياسية تعد في نظر عديد الباحثين ممارسة احتجاجية عفوية ضد عوامل الإقصاء والتهميش التي يعيشها شبابنا اليوم رغم الإجراءات الصارمة الموضوعة لمحاصرتها. ولم يعد يخفى على أحد التناقض الكبير بين ما تصرح به الحكومة من ازدهار اقتصادي وخيارات سياسية صائبة وبين الحالة المزرية التي يعيشها عموم المواطنين ومنهم على وجه الخصوص فئة الشباب ولم يعد سليما التسليم بنجاح أي خطة تنموية إلا بقدر انعكاساتها الايجابية على الفرد والمجموعة. هذا الوضع المتردي ولد نقمة عند الشاب الذي يرى الخيرات أمامه ولا يستفيد منها مما دفع به إلى أتون الهجرة السرية غير محسوبة النتائج وألقى به في مسالك محفوفة بالمخاطر حلما بحياة أفضل. ومما يغذي ظاهرة الهجرة السرية ويساعد على انتشارها ويضاعف من مآسيها على غرار ما عرفته مدينة المحمدية غياب أطر توعوية شاملة من شأنها أن تبصر الشباب بالأخطار المرتقبة من المغامرات الخطيرة وغير المجدية أضف إلى ذلك غياب فرص التشغيل الكافية. وحتى دول الاتحاد الأوربي التي تغلق حدودها في وجه طالبي العمل من المهاجرين غير الشرعيين ساهمت بهذا الأسلوب الأمني في تعريض الشباب إلى الاستغلال من قبل عصابات التهريب وإلى المطاردة المستمرة من قبل السلطات الأمنية والزج بهم في المعتقلات دون محاورتهم أو البحث في الأسباب الكامنة وراء رغباتهم الجامحة في ركوب الأخطار والهجرة إلى أي بلد أروبي يوفر الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم. يوم 4 أفريل الفارط تم عرض ملف تلفزي حول”الهجرة السرية” في قناة حنبعل تناول خلاله ضيوف البرنامج الموضوع بشكل سطحي ولم يبرزوا الأسباب الرئيسية وراء مغامرات الشباب في ركوب الأخطار والهجرة إلى المجهول. بل أكدوا على الحالة المادية الجيدة لهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النزول إلى الشارع وزيارة المقاهي لمعاينة حقيقة أوضاع شبابنا الشباب. إن الهجرة السرية ستبقى ظاهرة تؤرق التونسيين ما لم تغير الحكومة سياستها تجاه مواطنيها وما لن تطلق الحريات الداخلية وخاصة حرية الإعلام ليلعب دوره في عملية التوعية والإرشاد واحتواء مختلف الظواهر الاجتماعية السلبية. هدى العبدلي
بسم الله الرحمان الرحيم المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح – الحلقة الأولى الركائز الأساسية للمنهج
كان الاعتراض الرئيسي عما نشرته في الفترة الأخيرة أنه كان علنيا، في موضوعات الأصل فيها – حسب رأي إخواني المعترضين – أنها خاصة بحركة النهضة وأبنائها. وكان ردي دائما أن حركة النهضة تَحمّلت أمانة إحياء المشروع الإسلامي ، وهذه قضية عامة وليست خاصة ولا حزبية ، وتحويلها إلى قضية حزبية أو خاصة بفئة ، هو انحراف خطير على المشروع الإسلامي ، يتحول به من كونه هوغاية وجود الحركة ، وكون الحركة وسيلة لخدمته ، إلى كونه وسيلة لخدمة الحركة . وهذا ما انزلقت إليه حركة النهضة ، الأمر الذي أصبح يقتضي التوبة والتصحيح كما بينته في الحلقة الثامنة من حلقات “حتى لا يشوش على الواجب الشرعي” . إنه لم يعد لنا مناص بعد كل التطورات والمنزلقات الحاصلة إلا الرجوع إلى هذا الأصل (العمل في العلن ومع الجمهور المسلم التونسي). ورغم أن هذا هو في أصله بديهي ، ومن طبيعة الدعوة ورسالة الله إلى عباده ، فإن ما اعتراه من تلبيس خطير جعل الاعتراض على ما كتبته على الملأ شديدا من العديد من إخواننا ، الأمر الذي أصبح يفرض بيان هذه البديهية وتأصيلها من خلال قرآننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم . وسيكون ذلك في سلسلة من الحلقات – إن شاء الله – تحت عنوان “المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح”. وفيما يلي الحلقة الأولى التمهيدية من هذه السلسلة ، سنخصصها بإذن الله تعالى إلى بيان ركائز هذا المنهج الأساسية . تمهيد: قال تعالى : “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكــــر و تؤمنون بالله” (آل عمران 110)، أي أخرجكم الله على يدي رسوله صلى الله عليه وسلم بكل ما يعنيه من أنهما (أي الله ورسوله) كانا في تعامل مباشر معكم ، وتدرجا بكم خطوة خطوة، في تربيتكم و سياستكم و ترقيتكم و إصلاحكم، مبينان لكم وعلى الملأ دواخلكم السلبية و الإيجابية التي تناولاها تشريحا وتقويما وتهذيبا وتزكية وترقية… ومثل هذا التخريج كان شاملا حتى للرسول صلى الله عليه و سلم ، بل كانت أشد دروس التخريج تُجرَى عليه هو بذاته صلى الله عليه و سلم. وهذا التخريج كما كان بيانا وترقية و تربية وتزكية لتلك الفئة المؤمنة، كان أيضا تبليغا و بيانا و دعوة للناس جميعا ، و به تأهلت أمة الإسلام إلى الموقع الوسط وإلى دور الشهادة على الناس قال تعالى : “وكذلك جعلناكم امة و سطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ..”(البقرة 143) . وبهذا فليس مطلوبا منا فقط أن نكون دائما مع الحق، ولكن أن نحمله إلى الناس جميعا شاهدين له بأقوالنا وأفعالنا وأوضاعنا ، إلا أن الحياة بمختلف ظروفها – وهي ابتلاء – قد تزحزحنا عن ذلك بالانحراف والانصراف : – إلى الخطإ والمعصية، – أو إلى مضاعفات الابتلاء (مساجين – حقوق – ثأر-…)، – أو إلى الفروع والجزئيات ، – أو إلى المظاهر والشكليات ، – أو إلى الانكماش والانغلاق. وحتى نبقى مع الحق لابد من الانتباه لمثل هذه الانحرافات، والجد في تصحيحها باستمرار. إن للقرآن منهجه في قراءة الأحداث (نقدا وتقويما) ، واضحة روحه العامة ، وجليّ طابعه العام ، هذا للعائش العادي في أجواء القرآن وظلاله. وهذا المنهج القرآني في النقد والتقويم ليس منهجا نظريا بل هو منهج عملي موصول ومندمج مع منهج التوبة والتصحيح. وهذه الحلقة الأولى والتمهيدية للسلسلة سوف نخصصها لأهم ركائز المنهجين: منهج النقد والتقويم ومنهج التوبة والتصحيح، وذلك وفق الفقرات الخمس التالية : – الاجتهاد في التصحيح و الإنابة إلى الحق هو من البيان للحق. – الاجتهاد في الرجوع من مضاعفات الابتلاء الى القضية الأصل هو من البيان للحق. – وصل الفروع والجزئيات بالأصول والكليات هو من البيان للحق . – إعادة العمق الإسلامي لعملنا وسلوكنا ، ولقراءتنا للأحداث والأوضاع ، هو من البيان للحق . – الانفتاح المؤلف للناس جميعا والممحور لهم حول الحق هو من البيان إلى الحق. أولا : الاجتهاد في التصحيح والإنابة إلى الحق هو من البيان للحق : إن تخريج أمة الإسلام لم يقتصر على اتخاذ تلك الفئة المؤمنة – في ظواهرهم وخاصة في بواطنهم – صفحات لبيان الحق وطريقه والترقي فيه، بل وكذلك اتخِذ أهل الكفر المعاصرين لهم – خاصة القريبين منهم – واُتخِذت مسيرة البشرية منذ آدم ، وذلك كاتخاذ وجعل صفحات الكون معرضا للآيات المبينة للحق و طريق الحق . إن الله سبحانه جعل صفحات الكون آيات شاهدة على الحق لمن يحسن الاستنطاق والقراءة ، وكذلك جعل أمة الإسلام ، إلا أن البشر بما ميزه وكرمه على سائر المخلوقات مطلوب أن يحمل هذا الحق للناس جميعا وأن يشهد له بكل حياته “وكذلك جعلناكم أمة و سطا لتكونوا شهداء على الناس..”(آل عمران 110). إن المطلوب أن نجتهد أن تكون أقوالنا وأعمالنا بيانا للحق وطريق الحق ، وما يكون منا مخالفا لذلك ينبغي أن نصححه ، وذلك من البيان للحق وطريق الحق، وذلك بغض النظر عن كون ذلك في الدعوة أو السياسة أو الاقتصاد … ، وبغض النظر عن كون ذلك كان في ظرف المواجهة أو الهدنة أو السلم …، وبغض النظر عن الأطراف أو الأفراد الذين يتعلق بهم الأمر. إن محور الوجود و غايته هو ذاك “وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون” . وفيه وبه تتحقق المصلحة الحقيقية والدائمة في الدنيا والآخرة للجميع حتى لأهل الكفر، ولو بدا ظاهرا أن فيه ضرر. ان الدين حتى من أراده لدنيا فقط هو الأفضل لتحقيقها. إن الدين يستهدف أن يجمع الناس على مبادئ الحق لتحقيق مصلحة الجميع ، والمصلحة الأفضل دنيا و آخرة ، ومن حصر غايته في دنيا كان له ما أراد هو أيضا. إن الدين يريد أن ينقل البشرية من منطق الصراع والعداء إلى منطق إيجابي من بعضنا البعض: منطق التآلف والتعاون على الخير “يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم “. وهذا بعض ما أرسِل له الرسول صلى الله عليه وسلم من أجله : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” . ثانيا : الاجتهاد في الرجوع من مضاعفات الابتلاء إلى القضية الأصل هو من البيان للحق إن الدعوة إلى الله من الطبيعي أن تعترضها الصعوبات و المشاكل التي تستفـــز و تشتدّ حتى يمكن أن تطغى على الأصل فيُنسى، ويتحول التركيز والهم إلى تلك المشاكل . فأين الأصل في كل المعامع التي دخلتها حركة النهضة مثلا حتى وصلت إلى اختزال قضيتها في حقوق و مساجين …، وإذا وسّعنا الدائرة ففي جريدة و حزب سياسي مفصول عن الدعوة . لقد شِرْدت بعيدا، وأصبح همها أن تبين للناس أن أبناءها بريؤون مما ينسب لهم من تهم العنف والإرهاب وغيرها، وأن لهم حقوقا كمواطنين، و من ذلك حق التحزب والعمل السياسي و السعي للوصول إلى السلطة …، بما يرتبط بكل ذلك من مشاكــــــل وتعقيدات … و حتى يقدروا على تجاوز كل ذلك ولا يبقوا مع آلامهم وثاراتهم ويرهنوا كل شيء بها، لا بد من العفو والتجاوز وإعادة الاعتبار للمشروع الإسلامي وللدعوة إلى الحق والشهادة له وتبليغه . إن ما حصل لحركة النهضة هو ابتلاء و امتحان يخرج منه المبتلون على أصناف ثلاثة : صنف يتخلى/ وصنف يحقد ويريد أن يثأر/ و صنف يسمو ويتسامح . فالأول يتخلى عن قضيته (الدعوة) ، والثاني ينحرف عنها ويشتغل بغيرها ، والثالث يسمو ويصفح و يتجاوز ليبقى معها . هذا الأمر معروف يحصل حتى في الحوارات و النقاشات، خاصة عندما يحتد ويطول، حيث ينسحب البعض، وينساق و ينشدّ البعض الآخر إلى مسائل تنأى به عن القضية ، و البعض الثالث يتجاوز عن كل شيء و يبقى مع أصل القضية . وليس المطروح على حركة النهضة في الحقيقة التجاوز فقط بل والتنازل على بعض ما يسع الشرع التنازل عنه من أشياء شكلية وثانوية . إنه ليس من المعقول التمسك بها إذا كان ذلك يتجاوز إلى حل المشكل ، و يكون التمسك بها وقتها هو انسياق وراء عزة نفوسنا على حساب دعوة معطلة وإخوة يعذبون . ومثل هذا التجاوز هو الذي يمكّن من العودة إلى المهمة الأصلية ، وإلا فسيهمشها الصراع . لقد كانت سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ترتكز على الصبر والثبات وكف اليد وعدم رد الفعل ، حرصا على عدم التشويش و التلبيس على القضية وتهميشها، ولا أقل من بقائها ناصعة كما عبر عليه قوله صلى الله عليه و سلم : “و الله يا عم لو وضعوا الشمس في يمينـــي والقمر في يساري ما رجعت عن هذا الأمر أو أهلك دونه” . وأما في المدينة و عند صلح الحديبية فقد كان تنازل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بعض الأشياء الثانوية و الشكلية من أ جل الرجوع إلى القضية الأصل ، فكان في ذلك فتحا مبينا :”إنا فتحنا لك فتحا مبينا” . ثالثا : وصل الفروع والجزئيات بالأصول والكليات هو من البيان للحق إن وضعنا والوضع التونسي مشكله كبير، يمكن أن نقول فيه كلاما كثيرا، كما يمكن أن تتباين فيه الآراء إلى درجة التناقض. وحتى لا نتيه في ذلك التعقيد وركام الجزئيات والتفاصيل والتناقضات ، و خاصة في مثل الحالات التي تقتضي البحث عن توجهات جديدة وتأسيس جديد كما بالنسبة لحركة النهضة مثلا ، فانه يقتضي من الناحية المنهجية البحث و التركيز على التوجه العام، وعلى المحركات الأساسية للواقع ، بكل ما يعنيه من إسقاط ما دونها من الجزئيات والفرعيات التي تشدنا عادة و تأكل وقتنا وجهدنا . لقد طغت علينا تلك الجزئيات والفرعيات والمظاهر حتى داخلت بديهية التأثير والتغيير – المعبر عليها في قوله تعالى :”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” – إخلالات عديدة أثرت على قراءتنا للأوضاع والأحداث، وعلى رؤيتنا لمناهج التغيير والتأثير، حتى أصبحنا مشدودين إلى تغيير الخارج غافلين عن تغيير الداخل، وإلى تغيير الظاهر مهملين الباطن .” لقد ظللنا نهرب من التناولات المحورية ، ونتوخى – كما يقول د.أحمد القديدي الحلول الخطأ حين نغمض عيوننا عن خطايانا، وندين خطايا الآخرين ، ونسكت عن مآسينا التي صنعناها بأيدينا ، لنصرخ بالمآسي التي تسبب لنا فيها الأعداء والمتربصون بنا . وهنا يصبح منطق المؤامرة هو السائد، وهو منطق خطير يضطرك إلى تعليق المعضلات والمعوقات على الشماعة العادية، ومواصلة ارتكاب الأخطاء بلا وخز ضمير”. نعم هذا هو المنهج القرآني في معالجة الأشياء: أنفسنا أولا:” قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم”. وهو المنهج الرباني في إصلاح شأننا:” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. إنه التوجه إلى نقد الذات والانتباه إلى نقائصها ، و تبعا لذلك التركيز على تغيير الذات بدلا عن التوجه للآخر والمطالبة بالتغيير والنقد. ومثل هذا التوجه يفك الاشتباك و الصراع ، ويحول الأفراد والمكونات من السلبية إلى الإيجابية في تغير الذات ويدفع الأطراف الأخرى إلى مثل ذلك. رابعا: إعادة العمق الإسلامي لعملنا وسلوكنا ، ولقراءتنا للأحداث والأوضاع ، هو من البيان للحق لأن الله هو الفاعل الحق والحقيقي الذي لا يعدو معه فعل الفاعلين الآخرين إلا فعلا ظاهرا لا يتجاوز أداء أدوار يريدها منهم ، ليحق أمره وإرادته سبحانه، ففي الحديث القدسي: “عبدي إنك تريد وأنا أريد ولايكون إلا ما أريد “. هذه أم الحقائق وأصل الأصول ، وفاعلية الإنسان هي مستمدة من هذه الحقيقة، فبقدر أخذه من الحق وبقدر تمثله والتزامه به بقدر مايكون للمرء من فاعلية. ونحن إذ نذكر هذه الحقائق فإننا نريد أن نقول أن عدم إحضارها قولا وكتابة وفعلا ولو باعتبارها من البديهيات والمسلمات هو أمر قاتل للسياسة والعمل بالمفهوم الإسلامي ، ونريد أن نقول أيضا أن موقعنا هو مع الحق التزاما واندماجا وفعلا وفاعلية وتضحية . إن موقعنا معه ، فمن وجد في نفسه خللا عنه ينبغي أن يتدارك أمره سريعا. وبهذه المعية للحق نجعل الله معنا، ونتخلص من تسطيح المنطق السائد السببي والسياسي، ونعيد العمق الإسلامي لفهمنا للأحداث ولعملنا وسلوكنا وحياتنا. إن المطلوب أن نتعامل مع كل ذلك بمثل ذلك العمق ، ونتفاعل معها به، وننظر إلى الآفاق والمآلات به أيضا، ونحذر من التفريط فيه وتضييعه. إن هذا العمق هو الذي يجعل الله معنا ، مددا وعونا وتوفيقا وانفراجا ونصرا ، وبتضييعه يكلنا الله إلى ما توكلنا عليه . ولنحذر أيضا أن يخالط ويشوب هذا العمق طمع أو تعويل في قوى ذاتية، أو في جهات داخلية أو خارجية ، أو في اتساع دائرة المناصرين …إلخ، فهذا ينقض الاخلاص الذي يتبخر معه أي ثمرة حقيقية. إنه من المهم جدا أن ندرك هذه الحقائق وأن لا نبطل أعمالنا بمثل هذه الاخلالات. خامسا: الانفتاح المؤلف للناس جميعا والممحور لهم حول الحق هو من البيان إلى الحق إن التعارف هو منهجية لتبادل المصالح، والأهم هو للترقي في الحق والتمحور حوله. وبالنظر للتطورات والتفاعلات في الواقع الداخلي والخارجي فقد تضاعفت وتيرة التعارف، ويمكن أن أقول أن كل شيء يتطور الآن نحو الحق . إن هذه الحقيقة الهامة تدعو الحركة الإسلامية في تونس إلى أن تكون منفتحة كل الانفتاح ، وأن تتجه إلى الخطاب الهادئ غير المستفز وإلى الفطرة وإلى القاسم المشترك وإلى ما يجمع ولا يفرق . لتكن جماع حِكَمِ البشرية ” الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها ” وجماع خيرها وخاصة خير الأمة وبصفة أخص خير أهل بلدنا . ليرى منها الجميع أنها تلتقي مع السلفية ومع الشيعة ومع الصوفية … بل وأيضا مع العلمانيين ومع الغرب ومع الاشتراكيين والليبراليين ، كل فيما هو مصيب . ليسع خطابها في الدعوة – وفي السياسة أيضا – كل المجتمع ، من غير تمييع للحق ، ولا تلبيسه بالباطل . ونلاحظ هنا أن نشرية ” تونس نيوز ” الإلكترونية هي من التجارب الرائدة التي أخذت هذا المنحى التجديدي . لقد ألقت بنفسها في قلب المجتمع وفي قلب المجتمع الإعلامي، وأحسنت التعامل معه، فكسبت مصداقية عند الجميع رغم معرفتهم بإسلامية القائمين عليها . إن ما تقوم به هذه النشرية ليس فقط الجانب الإعلامي وهو هام، ولكن أيضا إزالة العوائق أمام التقاء التونسيين بمختلف ألوانهم ومشاربهم بما في ذلك من في السلطة والحزب الحاكم بشكل مباشر أو غير مباشر، أي أنها تقوم بدور التعارف بين التونسيين، وتذلل الصعوبات أمام تصالحهم . قد يقول قائل أن هذه النشرية لا علاقة لها بالدعوة، وهذا صحيح بالمعنى المباشر للدعوة ولكنها في الحقيقة هي قائمة بدور دعوي غير مباشر، ومع دوائر لا تصلها في الغالب كلمة الدعوة أصلا. بل أقول أكثر من ذلك أن أي عمل إيجابي ناجح يقوم به إسلامي، هو أفضل أسلوب في الدعوة المطلوب في هذه المرحلة، فما البال إذا كان معبرا على ذلك الانفتاح العادل المنتصر للحق ولو كان عند خصمه وعدوه. والنموذج الدعوي للحركة الإسلامية في هذا المنحى وفي غيره يمكن أن نراه فيما قام به الصحابي الجليل مصعب بن عمير في المدينة قبل الهجرة . فلماذا لا يتحول كل واحد منا إلى مصعب بن عمير وأن يستهدف إدخال الحق إلى كل عائلة وكل مكان ؟ خاتمــــة: وفي خاتمة هذه الحلقة نقول أن أنواع التصحيح الخمسة تبين لنا روح وحقيقة المنهج القرآني في النقد والتقويم والتوبة والتصحيح ، وهو منهج يريد أن يسمو بنا، و يريد أن يسمو بكل الناس من المصلحة الأنانية والحزبية والطائفية… إلى المصلحة الحقيقية للجميع، دنيا وآخرة وفي الحد الأدنى المصلحة الدنيوية. وينبغي أن نرابط هناك بأن لا نتحرج في نصرة الحق بتصحيح أنفسنا على الملإ ، وبأن نتخذ الموقف المحقق لمصلحة الجميع ، ونثبت عليه حتى يثوب إليه الآخرون أعداء وخصوما. إن مثل هذا الموقف المطلوب شرعا لم نقفه إلى حد الآن، وهو موقف يعبر على مدى الخلل الذي داخل تلك التصحيحات الخمس المطلوبة، في مفارقة واضحة مع الروح السائدة في القرآن والتي يعبق بها في كل مواقعه في العموم . ولهذا فإن التذكير بها لا يحتاج في أصله إلا إلى الإحالة على القرآن والعيش معه بتأني والنظر إليه من هذه الزاوية. وتيسيرا لإخواننا المرهقين والمثقلين كانت هذه السلسلة من الحلقات التي لا تعدو في عمومها إلا وقفات قرآنية مع أحداث وأعمال وعقول وقلوب كادحة، من خلال كتاب “في ظلال ا لقرآن” بشكل أساسي ، سنواصلها في مقبل الأيام إن شاء الله . محمد شمام للاتصال بي في موضوع هذه الحلقات أوغيرها : العنوان البريدي : mohacham@gawab.com الهاتف النقال : 0046736309986 وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله وهو الهادي إلى سواء السبيل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صفعة لساركوزي
عبد اللطيف فراتي القمة المصغرة التي انعقدت في طرابلس الغرب هذا الأسبوع، وانعقاد اجتماع الأحزاب المغاربية، انتهيا إلى ما يسمى في الصحافة الغربية باللاحدث، أي غياب الحدث. ولعل أكبر من أصابته خيبة الأمل بعد هذه القمة التي تغيبت عنها وجوه رئيسية مثل الرئيس المصري مبارك والملك المغربي محمد السادس، وإن كان انتقل إليها رئيس الوزراء، هو فرنسا والرئيس ساركوزي بالذات. فقد كان إنشاء اتحاد متوسطي، سرعان ما تحولت تسميته إلى اتحاد من أجل المتوسط، بعد شكوك الدول الأوروبية الشريكة لفرنسا في الاتحاد الأوروبي، إحدى النقاط الأساسية لبرنامج المرشح للرئاسة ساركوزي قبل أن يفوز بها، غير أن الشركاء المتوسطيين الأوروبيين لم يروا في المؤسسة الجديدة، أكثر من محاولة إحياء مسار برشلونة المتعثر، المؤسس في سنة 1995، بعد اتفاق أوسلو، دون توفير الظروف اللازمة للنجاح. فقد كان سبب سقوط مسار برشلونة أن ذلك المسار، تحلل بسبب بعده الاقتصادي المنفرد، دون أن يكون هناك أي تقدم على المسار السياسي لحل قضايا الشرق الأوسط، وخاصة عدم قيام الدولة الفلسطينية، ورأى الأوروبيون أن الاتحاد الجديد المقترح من الرئيس الفرنسي المنتخب ليس باستطاعته تقديم أي جديد، لحل القضايا السياسية التي تعرقل أي تعاون أوروبي شرق أوسطي، ما دامت القضايا الرئيسية بقيت عالقة. غير أن الرئيس الفرنسي ـ ربما لنقص خبرته في السياسة الخارجية، وعدم إدراكه لتعقيدات أوضاع المنطقة العربية ـ اعتقد عن خطأ أنه يمكن تجاوز الإشكالات القائمة، والقفز على الواقع، وجمع العرب كل العرب من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى رغم بقاء الوضع على حاله، من نكوص إسرائيلي عن كل مقومات اتفاق أوسلو وما جاء بعده من اتفاقات. ومن الجانب العربي فإن الإحساس كان شديدا بأن الهدف من الاتحاد من أجل المتوسط، ـ والتسمية فيها تنازل تحت إلحاح الأوروبيين، الذين رفضوا بالكامل التسمية المتمثلة في الاتحاد المتوسطي ـ ليس سوى محاولة تطبيع ملتوية مع الكيان الإسرائيلي باعتماد عراب جديد هو فرنسا ومعها الدول الأوروبية المتوسطية. وقد تحرك الرئيس الفرنسي كثيرا من أجل الدعوة لاتحاده،فزار كل بلدان المنطقة المغاربية، كما زار عددا من دول منطقة الشرق الأوسط، هذا فضلا عن تنقلاته بين دول أوروبا، داعيا لتأسيس هذا الاتحاد الذي كان يرى فيه أملا لبعث تعاون فوق الثنائي، ومتعدد الأطراف بين أوروبا والمنطقة المتوسطية، وعبر ذلك بين العرب والإسرائيليين. غير أن القمة التي انعقدت في طرابلس بمبادرة من العقيد القذافي، جاءت للرئيس الفرنسي بصفعة من حيث لم يكن ينتظر أو يحتسب. فرغم أن هناك عدداً من الدول المتوسطية العربية كانت تأمل من هذا الاتحاد كسب مغانم اقتصادية واجتماعية، فإن دولا متوسطية عربية أخرى لا تبدو وهي معتمدة على عائدات بترول لا ينضب، أنها في حاجة لمثل هذه المغانم، وفي مقدمتها ليبيا، ومن هنا فإن الرئيس حسني مبارك لم يتجشم مشقة السفر إلى طرابلس لحضور قمة لم يكن ينتظر منها شيئا، كما كان الأمر كذلك للملك محمد السادس . وإذ سيطرت خيبة أمل شديدة على رجال الحكم في فرنسا الذين يعتقدون أن حظوظ عقد القمة من أجل المتوسط قد تم إحباطها، وأن اجتماعاتها قبيل منتصف يوليو المقبل لن يكون له معنى في ظل مقاطعة عدد من الدول المتوسطية العربية إن لم يكن أغلبها، سواء عن اقتناع أم لا. وبدا في الأوساط السياسية الفرنسية، أن الجهد المبذول من الرئيس الفرنسي ساركوزي ودبلوماسيته قد ذهب سدى، وأن الاتحاد من أجل المتوسط قد ولد ميتا إن لم يكن أجهض مرة واحدة وهو مجرد جنين. وسواء في تعليقات نشرتها الصحف الفرنسية لصحفيين متابعين، للحدث، أو لرجال سياسة أو خاصة لقراء فيما تنشره بوابات الإنترنت، فإن اللهجة كانت شديدة جدا، ضد الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي اتهم بأنه بسط السجاد الأحمر للعقيد القذافي، وابتلع كل الثعابين باستقبال الزعيم الليبي في باريس، دون أن يجني ما كان يتمناه، أي موافقته على عقد القمة من أجل المتوسط، والمشاركة فيها. ومما يزيد من إحباطه أنه عقد صفقات سلاح متطور، وصفقة مفاعل نووي بدون مقابل سياسي، كان يظنه في متناول يديه. ووصلت في بعض هذه التعليقات شدة اللهجة، إلى الحد الذي قال بعضهم فيها، إنهم لا يعتبرون رئيسهم رئيسا للبلاد وأن هناك خطأ في الاختيار، ما دام “يعاشر” أشخاصا من أمثال الزعيم الليبي. ومهما يكن من أمر فإن مواقف العقيد القذافي قد أحرجت كل الأطراف، فقد وضعت الرئيس الفرنسي ساركوزي في التسلل، ودفعت إلى تساؤل محير: هل ستنعقد هذه القمة المتوسطية أم لا؟ وهل سيحضرها من المتوسطيين العرب في حالة عقدها من يتجرأ على مواجهة فيتو العقيد القذافي؟ وهل تأتي مصالح الدول المستقلة ذات السيادة قبل أو بعد التضامن العربي أو القرار العربي الموحد، علما أن قمة طرابلس لم تخرج بأي نص أو قرار أو لائحة مهما كانت، وبدأت وانتهت بالرفض القذافي الصريح والذي بدا وكأنه “قرار إجماعي” أو هكذا روجت ماكينة الدعاية القذافية له. وفي هذه الحال وإذا حضرت دول عربية معينة في قمة باريس بعد شهر، ألا يكون ذلك مؤذنا بخلافات عربية جديدة محورها العقيد القذافي؟ ولعل الاستنتاج الكبير أن الدول العربية بعكس كل دول العالم، تبقى مرتبطة في قرارها فيما بينها بصورة شديدة، وقرار كل منها مرتبط كما ليس الشأن عند الآخرين بقرار الأشقاء كما لا نجد في أي مجموعة من مجموعات العالم إلا تلك التي ترتبط بشكل من أشكال الوحدة العضوية. المصدر: جريدة الشرق ( يومية – قطر) بتاريخ 15 جوان 2008
دورالأمير والمثقف في استمرار الاستعمار اللغوي والثقافي
بقلم: محمود الذوادي (*) فقدان التعريب النفسي في عهد الاستقلال إن الباحث الاجتماعي في علاقة التونسيين بلغتهم الوطنية/اللغة العربية بعد أكثرمن نصف قرن من الاستقلال لايصعب عليه ملاحظة ما نسميه ظاهرة غياب التعريب النفسي بين أغلبية التونسيين. وتعني هذه الظاهرة عندنا أن اللغة العربية ليست لها المكانة الأولى بطريقة تلقائية وقوية ومتحمسة لافي قلوب ولافي عقول ولا في استعمالا ت معظم التونسيين اليوم. وبدون حضورالتعريب النفسي المتين بين كافة الفئات والطبقات الاجتماعية بالمجتمع التونسي لا يجوز انتظارنجاح سريع وكامل في مشروع التعريب.وهذا ما يفسر تعثر وتعطل سياسات التعريب منذ فجر الاستقلال. إذ ركزت تلك السياسات على التعريب الكتابي في الادارات والمؤسسات التونسية وأهملت إعطاء التعريب النفسي المكا نة الأولى في استراتيجية التعريب. وبالتأكيد فإن علم الاجتماع اللغوي ينظر إلى غياب التعريب النفسي على أنه حالة مرضية وفي أحسن الأحوال سلوك لغوي منحرف من طرف جل الفئات والطبقات الاجتماعية التونسية. فعلماء الاجتماع اللغويون يقرون بأن العلاقة بين أفراد المجتمع ولغتهم الوطنية هي في الظروف المجتمعية العادية تكون علاقة طبيعية.أي أن عامة الناس في المجتمع يستعملون، من جهة، لغتهم الوطنية في كل شؤونهم الحياتية، ومن جهة ثانية، تحتل لغتهم نفسيا المكانة الأولى عندهم بحيث يعتزون بها ويغارون ويدافعون عنها كلما وقع تهميشها أو تحقيرها والسخرية منها في مجتمعها ومن طرف أهلها. نطق الأرقام بالفرنسية فالأمثلة الميدانية الصغيرة والكبيرة لاتكاد تحصى التي تشير إلى عدم نجاح التونسيين في تطبيع علاقتهم مع اللغة العربية حتى في أبسط الأشياء. فعلى سبيل المثال فحسب، فأغلبية التونسيين لايكادون ينطقون الأرقام باللغة العربية سواء في تبادل أرقامهم الهاتفية أوفي الحديث عن خطوط شبكة المترو أو في الإشارة إلى أقسام منطقة الحي السكني للمنزه.فتسمعهم يقولون المنزه سنك(5) وليس المنزه خمسة والمترو كاتر(4) وليس المترو أربعة.أما تبادلهم لأرقام هواتفهم بالفرنسية فحدث ولاحرج.يضاف إلى ذلك بعض الذين، ومن النساء خاصة، لا يذكرون أسماء الأيام إلا بالفرنسية. فهذه لها موعد لومردي عوضا عن الثلاثاء أوهي سوف تزور أهلها لوسمدي بدلا من السبت. إن هيمنة استعمال اللغة الفرنسية لدى التونسيين في التعامل مع الأرقام ظاهرة طريفة شرحنا أسبابها النفسية والاجتماعية في كتبنا ومقالاتنا. وندعوالقارئ والقارئة لهذا المقال لكي يفكرا بطريقتهما في أسباب هذا الميل الكبير لنطق عالم الأرقام بلغة موليار. أما على المستوى الكتابي فعلاقة التونسيين مع اللغة الوطنية ليست أيضا بالعلاقة الطبيعية. فمعظم التونسيين يطبعون بطاقات عملهم cartes visites ويكتبون شيكاتهم ويمضون فيها وفي غيرها من الوثائق حتى العربية منها باللغة الفرنسية.ويذ كرنا هذا بحال زميلة تدرس اللغة الفرنسية في كلية 9 أفريل كانت تعتقد أن دفتر شيكاتها خال من الحروف العربية.فطلبت منها إخراج الدفتر،فإ ذا بها تكتشف لأول مرة أن الدفتر يحتوي فعلاعلى فضاء مكتوب بحروف عربية لمن يرغب في كتابة الشيك باللغة العربية.مما لاشك فيه ان غياب التعريب النفسي عند هذه الزميلة هو الذي يفسر جهلها لعقود لوجود الحروف العربية على شيكات دفاتيرها التي استعملتها عبر تلك العقود. معالم الاستعماراللغوي الثقافي في الشخصية القاعدية يرى فريق من علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع أن ثقافة المجتمع (لغته، عاداته، قيمه، تقاليده الدينية، الخ…) تؤثر تأثيرا كبيرا في تشكيل المعالم المميزة للشخصية القاعدية La Personnalité de Base لأفراد ذلك المجتمع. تساعد هذه الرؤية العلمية،مثلا، على تفسير اختلاف نماذج الشخصيات القاعدية لمجتمعات متجاورة جغرافيا. مما لاريب فيه أن السلوكات اللغوية التونسية الواردة في المؤشرات السالفة الذكر هي معلم بارز من معالم ثقافة المجتمع التونسي المعاصر. وهذا يعني أن الإرث اللغوي الثقافي الاستعماري لا يزال يمثل واقعا رئيسيا متجذرا في ثقافة الحياة اليومية للتونسيين وذلك بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال. وبعبارة أخرى، فإن ذلك الإرث اللغوي الثقافي الاستعماري الفرنسي أصبح عنصرا أساسيا في تشكيل الشخصية القاعدية التونسية لعهد الاستقلال، وذلك بسبب العلاقة الوثيقة بين الثقافي (اللغوي) والنفسي المشار إليها في مقولة علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع المعاصرين بخصوص تأثير العوامل الثقافية في بناء الشخصيات القاعدية للمجتمعات. ومن ثم، فاستمرار الإرث اللغوي الثقافي الاستعماري القوي يمثل أرضية صلبة لوجود واستمرار الحضور الواقعي الملموس لمعالم الاستعمار النفسي الخفي الذي لا تدركه أو لا تود الاعتراف بوجوده أغلبية التونسيين وذلك لسببين على الأقل: أولا،أن هذا النوع من الاستعمار أصبح جزءا مكينا من التركيبة النفسية لشخصية الأفراد. ومن ثم، لا يكاد هذا الوضع النفسي يسمح لهم بالنظر إليه عن بعد وبالتالي بكثير من الموضوعية. ثانيا،أن الاعتراف به عند القلة القليلة أمر مؤلم لمن يعايشه، إذ هو يحدث إحراجات وتوترات وصراعات وانفصامات في شخصية الأفراد بسبب إزاحة الستار عن الوجه الآخر للطبيعة الحقيقية للاستعمار اللغوي الثقافي/النفسي. يساعد هذان العاملان على فهم وتفسير أسباب استمرار صمت أغلبية التونسيين حتى على مجرد طرح موضوع الاستقلال/التحرر اللغوي الثقافي. بينما نادوا وتحصلوا على الجلاءات الثلاثة: العسكري والسياسي والفلاحي. إن تحليلنا في هذا المقال، يعين على إدراك أسباب تبني التونسيين لسياسة المكيالين في مشروع الاستقلال والتحرر من الاستعمار الفرنسي برؤوسه الأربعة، إنها سياسة تبقي حتما استقلال المجتمع التونسي منقوصا وذلك في أعز جوانب استقلال وتحرر الشعوب، ألاوهو التحرر اللغوي الثقافي. إن فقدان الاستقلال اللغوي الثقافي بالمجتمع التونسي بعد أكثر من خمسة عقود من نهاية الاحتلال الفرنسي تهتم بدراسته ما يسمى بدراسات ما بعد الاستعمار Post Colonial Studies..نحن نرى أن جذور مخلفات الاستعماراللغوي الثقافي جذور سياسية ثقافية في المقام الأول. وبعبارة أخرى، فالأمير والمثقف لعبا ويلعبان دورا رئيسيا وحاسما ليس في استمرار ثقل بقايا الاستعمار اللغوي الثقافي فحسب بل في إعطاء مشروعية قوية لوجوده وانغراسه في عقلية الناس وفي شخصيتهم القاعدية وفي عقلهم الباطني. دورالأمير والمثقف في غياب التحرر اللغوي الثقافي أشرنا في كتاباتنا السابقة أن القيادة السياسية في العهد البورقيبي لاتكاد تعترف بأن استمرار هيمنة اللغة الفرنسية وثقافتها في المجتمع التونسي بعد الاستقلال هو ضرب من الاستعمار.إذ اقتصر تصور تلك القيادة للاستعمار الفرنسي على الاحتلال العسكري والسياسي والفلاحي. وبالتالي نادت القيادة البورقيبة بالاستقلال السياسي والجلاء العسكري والفلاحي. أما المناداة بالاستقلال اللغوي الثقافي فغائبة بطريقة شبه كاملة بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال ليس بين النخب السياسية فقط بل أيضا بين المثقفين والمتعلمين وعامة الشعب. فمعالم استمرار ظواهر الاستعمار اللغوي الثقافي بالمجتمع التونسي لاتكاد تلقى اهتماما يذكر من طرف الباحثين الاجتماعيين منذ الاستقلال. فحالة الاغتراب مثلا بين أغلبية التونسيين المتعلمين والمثقفين ورجال ونساء العلم، من جهة، واللغة العربية /لغتهم الوطنية، من جهة ثا نية لا يتطرق لها عادة هؤلاء الباحثون.لقد أطلقنا على تلك الظاهرة ،كما بينا، مصطلح غياب التعريب النفسي عند التونسيين اليوم. ويتمثل هذا في ملاحظة متكررة تؤكد فقدانا واسعا وشديدا لعلاقة حميمية بين التونسيين ولغتهم الوطنية/اللغة العربية. وهذا ما يفسر ندرة أو غياب ظاهرة الدفاع والغيرة على اللغة العربية بين أغلبية التونسيين بعد أكثر من خمسة عقود من الاستقلال.. وكمثال ميداني آخر لما سبق ذكره نشير إلى صمت التونسيين على لافتات قسم الغلال المكتوبة بالفرنسية فقط في مغازات المونوبري. يعترف العاملون بالمونوبري بأنهم لايتذكرون احتجاج أي تونسي على هذا الأمر. فغياب مثل هذا السلوك شيء غريب في الظروف العادية بين المجتمع ولغته الوطنية. وبالتأكيد فلا ينتظر أن يصمت وأن لايحتج الفرنسيون والألمان والايطاليون… على المغازات التي لاتستعمل فقط أو في المقام الأول لغاتهم الوطنية. ما وراء الصمت على السيادة اللغوية والثقافية والسؤال العلمي المشروع هنا هو: لماذا يصمت الباحثون الاجتماعيون عن ظواهر الاستعمار اللغوي الثقافي المنتشرة كثيرا في المجتمع التونسي؟ يجوز تفسير الصمت الشائع بين الباحثين الاجتماعيين بخصوص دراسة قضايا الاستعمار اللغوي الثقافي في المجتمع التونسي بعاملين رئيسيين: 1ـ علاقتهم بالسلطة السياسية/ الأمير في الفترة البورقيبية على الخصوص والمعروف عنها معارضتهالفكرة التحرراللغوي الثقافي من المستعمرالفرنسي كماذكرنا.. 2ـ هناك مشروعية قوية للقول بأن صمت هؤلاء يعود أيضا في جانب كبير منه إلى تكوينهم اللغوي الثقافي الاستعماري/ الغربي على حساب تكوينهم في اللغة العربية وثقافتها الوطنيتين بحيث يحرمهم هذا التكوين حتى من مجرد الوعي بمخلفات الاستعمار اللغوي الثقافي واقتــران ذلــك بأزمـة الهوية ناهيك عن دراستها والتعمـق فيها وفــي انعكاساتهــا على هوية التونسيين ومجتمعهم. بذلك يعيد هؤلاء الباحثون أنفسهم لغويا وثقـافيا عبر أجيــال الاستقــلال. إنها عملية إعادة الانتــاج La Reproduction كما سماها عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو. اتجاهنا المعاكس في مسيرتنا البحثية إن تهميش هؤلاء لدراسة ما نسميه بالتخلف الآخر بالمجتمع التونسي لصالح التركيز على الجوانب الاقتصادية، مثلا، يعبر عن غياب انشغالهم بالأهم (الثقافة) في دراسة المجتمع التونسي. ومن جهتنا فإن مسيرة بحوثنا اتخذت وتتخذ اتجاها معاكسا يركز على ظواهر الاستعمار اللغوي الثقافي الأمر الذي سمح لنا بالتوصل إلى إنشاء منظومة من المفاهيم الجديدة مثل التخلف الآخر والتعريب النفسي والفرنكوأراب الأنثوية ثم ابتكار نظرية الرموز الثقافية. إن مقياس تأسيس علم اجتماع تونسي حق يعتمد على إنشاء مقولات معرفية ومفاهيم ونظريات فكرية منبتها هو تربة المجتمع التونسي. وبالتالي عند ما نسأل: هل توصلنا حقا إلى تأسيس علم اجتماع تونسي ذي هوية خاصة به في فترة الاستقلال؟ تكون الإجابة بنعم أولا وفقا للمقياس المذكور قبل قليل. وبتعبير ابن خلدون ” وإذا فعلنا ذلك كان ذلك لنا قانونا في تمييز الحق من الباطل في الأخبار والصدق من الكذب بوجه برهاني لامدخل للشك فيه”. خاتمة فكرية تتمثل مخاطر صمت الباحثين الاجتماعيين عندنا عن تلك المعالم من الاستعمار اللغوي الثقافي في معلمين رئيسيين: 1- تنكر لواقع لغوي ثقافي لايجوز جهله أو إخفاءه من طرف أي باحث يتصف بالموضوعية والحياد والالتزام في المقام الأول ببناء صرح المعرفة والعلم لاغير. 2- يمثل هذا التنكر لاستمرار الاستعماراللغوي الثقافي لدى الباحثين الاجتماعين صورة سوداء للمثقف كمنارة ريادية للتحرر والانعتاق من الاستعمار بكل أشكاله ومن سلطة الأمير الذي لايتحمس لاكمال مسيرة استقلال البلاد والعباد من أخطر أنواع الاستعمار، ألا وهو الاستعماراللغوي الثقافي. (المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 15 جوان 2008)
طارق البشري، الصادق المهدي، فهمي هويدي، خير الدين حسيب، المسفر، الغنوشي، جبور عام من “حكم” حماس في عيون نخب عربية
خالد أبو بكر نخبة من المفكرين العرب اتفقوا على حسن إدراة حماس للقطاع اتفق كوكبة من كبار المفكرين والسياسيين والكتاب العرب على أن مرور عام كامل من الحصار المحكم على قطاع غزة في أعقاب سيطرة حركة حماس عليه لم يكسر إرادة الشعب الفلسطيني ويدفعه لتقديم تنازلات على صعيد إيجاد تسوية القضية الفلسطينية. وفي تصريحات خاصة لـ”إسلام أون لاين.نت”، نوه في هذا السياق عدد من الكتاب أن سيطرة حماس على القطاع “أحرج تيارا داخل الصف الفلسطيني يؤيد إيجاد تسوية للقضية بأي ثمن، ومنعه من فرض إرادته”. وعن تقييمهم لإدارة حماس للقطاع جاءت آراء غالبية المفكرين والسياسيين لتذهب إلى أن الحركة أدارت “معركة صمود” في القطاع رغم الظروف الصعبة التي واجهتها، ونجحت في تحسين الأوضاع الأمنية والحد من مظاهر الفساد في هذا الجزء من فلسطين، وإن أخذ عليها البعض عدم تمكنها من تكوين “جبهة تحالف” مع باقي القوى الوطنية الفلسطينية. طالع: عام من الانقسام.. ووحدة الفلسطينيين “بعيدة المنال” وتباينت الآراء بشأن اعتبار أن سيطرة حماس على قطاع غزة كان حلقة في الصراع الدائر بين “محور الممانعة أو المقاومة” للمشروع الصهيو- أمريكي في المنطقة وبين “المحور الأمريكي / الصهيوني” المدعوم من بعض الدول العربية. فقسم كبير منهم أكد أن حماس بسيطرتها على قطاع غزة انتصرت لمحور “الممانعة”، بينما رأى البعض الآخر أن هذا الصراع بين هذين المحورين في فلسطين أساسه الاختلاف الأيديولوجي بين فتح وحماس. وأكد الجميع أهمية سرعة الخروج من هذا الوضع بالحوار المباشر غير المشروط من قبل الجانبين والسمو فوق خلافاتهما. وفيما يلي نص التصريحات: * المستشار طارق البشري (مفكر مصري) بداية أود التنويه إلى أنني في الخلاف الفلسطيني منحاز للموقف المقاوم للوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية والقطاع.. وبالتالي أرى أن ما قامت به حماس قبل عام كان لإنقاذ المشروع المقاوم؛ لأن ما جرى لا يمكن اختزاله بالصراع بين حركتي فتح وحماس، بل هو صراع بين مشروعين، أحدهما يقاوم المحتل، والثاني لا يقاوم بالشكل المطلوب، ويتعين على الجميع في هذا الصراع أن يوجه بوصلته في اتجاه دعم المشروع المقاوم. وأود التأكيد في هذا السياق على أن حماس هي السلطة الشرعية في الضفة والقطاع، وبالتالي فهي لم تقم بانقلاب كما يدعي البعض، بل بالعكس.. الانقلاب هو الذي كان يستهدفها من قبل القوى الأمنية التابعة لحركة فتح. ومن أهم ما أفرزته سيطرة حماس على قطاع غزة قبل عام هو الكشف بشكل جلي عن الصراع المحتدم في الشرق الأوسط بين مشروع الممانعة للسياسات الأمريكية والمشروع الأمريكي/ الصهيوني الذي تدعمه دول عربية، وفي هذا الصراع أعيد التأكيد على أهمية أن نوجه دعمنا لخدمة المشروع الذي يقاوم لتحرير الأرض العربية ضد المشروع الذي يريد فرض هيمنته على المنطقة، وأعني به المشروع الأمريكي. وفيما يتعلق بالكيفية التي أدارت بها حماس السلطة في قطاع غزة على مدار عام نقول: إنه لا يمكن الحكم على فشل أو نجاح حماس في ظل الحصار الرهيب الذي ضرب على القطاع، فهي أدارت الحوار في أوضاع استثنائية، وبالتالي لا مجال للحكم على طريقتها في إدارته. * فهمي هويدي (كاتب ومفكر إسلامي مصري) بداية أود أن أوضح أن ما حدث في غزة قبل عام أكبر من فتح وحماس، فهو أمر استهدف الاعتماد على شق الصف الفلسطيني وتفتيت القوى الفلسطينية لأجل إضعاف القضية الفلسطينية بشدة، لكن ما حدث أحرج في نفس الوقت المجموعة الداعية إلى التسوية مع المحتل الإسرائيلي بأي ثمن، فهم الآن لم يعودوا قادرين على تقديم تنازلات للمحتل على الأقل في العلن. ما حدث قبل عام في غزة كشف أيضا بكل الوضوح عن صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، فلم ينفع معه الحصار ولا التجويع ولا القتل لكسر إرادته، كما كشف ما جرى أيضا عن مواقف بعض الدول العربية، وفي هذا السياق أقول إن بعض هذه الدول ساهم في حصار شعب غزة. أما على صعيد الداخل الفلسطيني فأقول إن حماس لم تنجح في استيعاب القوى الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة وتكوين تحالف معها، بحيث تظهر للعالم أن المعركة ليست معركة حماس، بل معركة وطنية، حماس طرف فيها مع آخرين، وهذا ربما يعود إلى أن الحركات الإسلامية إدراكها السياسي محدود، أو أحيانا أخرى تهتم هذه الحركات بمشروعها بشكل أكبر من مشروع الوطن، فضلا عن أن الحركات الإسلامية لا تجيد إقامة التحالفات مع الغير، ويجب أن أقول إن الآخرين أيضا لم يساعدوا حماس على التحالف معهم. أرى المستقبل في فلسطين مرهونا بمستقبل المنطقة كلها؛ لأن القضية أكبر من فتح وحماس كما سبق وأشرت، وبالتالي التوافق الفلسطيني/ الفلسطيني مرهون بمدى استقلال المنطقة عن الهيمنة الإسرائيلية والأمريكية، ومرهون بالطريقة التي ستتعامل بها الإدارة الأمريكية الجديدة مع المنطقة، ومرهون بقدرة العرب على التكاتف والصمود ضد المشروع الأمريكي الذي يريد فرض هيمنته عليها. وهنا أود التأكيد على أن ما حصل في غزة كان كاشفا للصراع الدائر بين مشروع الممانعة والمقاومة من جهة وبين المشروع الأمريكي والدول التي تدعمه في المنطقة من جهة أخرى، وفي هذا السياق أؤكد على أن ما حدث في غزة العام الماضي من صدام بين المشروعين حصل في لبنان هذا العام. * الدكتور خير الدين حسيب (مفكر قومي لبناني) أستطيع بعد مرور عام على سيطرة حماس على قطاع غزة أن أقول إن حماس وفتح أدركتا أن أيا منهما بمفرده غير قادر على تحقيق شيء إيجابي للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، بل بالكاد في حال إعادة اللحمة بينهما عبر وحدة وطنية حقيقية كل ما يمكن أن يقدموه هو الصمود في وجه إسرائيل؛ لأن الوضع الحالي في المنطقة والعالم لا يبشر بإمكانية إحراز الفلسطينيين شيئا يذكر؛ فالإدارة الأمريكية الحالية إلى زوال، وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الملاحَق بالفساد أضعف من أن تقدم للسلطة الفلسطينية الحدود الدنيا التي تطالبها بها لإعلان دولة فلسطينية، أو تسوية أي ملف عالق كما في القدس أو اللاجئين. وبناء على ما سبق أقول: إن المصالحة بين فتح وحماس من شأنها أن تقود الشعب الفلسطيني للصمود ولا شيء أكثر منه، وذلك إلى أن تتغير وتتبدل موازين القوى في المنطقة، سواء بتغير هذه الإدارة الأمريكية، أو تغير مواقف الأنظمة العربية الحالية تجاه القضية الفلسطينية، فليس مقبولا ولا معقولا أن يترك العرب الشعب الفلسطيني يموت جوعا. وهنا أود التأكيد على مفارقة مهمة جدا، وهي أن ما يحوزه العرب في اللحظة الراهنة من نقاط قوة هو الأكبر لديهم.. أكبر من أي وقت مضى، وفي الوقت نفسه العرب لم يكونوا ضعفاء أكثر مما هم ضعفاء في نفس هذه اللحظة، وأهم نقاط القوة الموجودة لديهم الآن تتمثل في الفوائض المادية الكبيرة التي تحصلها الدول النفطية نتيجة ارتفاع أسعار النفط، والتي لو قررت هذه الدول على سبيل المثال تغيير تعاملها في أسواق النفط من (الدولار) إلى (اليورو) فستصاب الولايات المتحدة بصدمة اقتصادية لا مثيل لها، إذن هذه ورقة مهمة لو تم استخدامها لمصلحة فلسطين لتغير موقف أمريكا الداعم لإسرائيل، لكن لا توجد أي إرادة عربية للضغط على الولايات المتحدة. على أي حال أنا متفائل بالنسبة للوضع الفلسطيني الداخلي بعد البوادر الإيجابية التي واكبت دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للحوار مع حماس.. والرد الإيجابي من حماس عليها، وأتمنى من الإعلام العربي أن يركز على إيجابية هذه المبادرة، وأن يساعد الأشقاء في فلسطين على تجاوز الجرح الذي جرى قبل عام. * الصادق المهدي (رئيس وزراء السودان السابق) أستطيع القول إن العام الذي انفصلت فيه غزة عن الضفة مر بردا وسلاما على إسرائيل؛ لأنها استطاعت أن تحقق الانقسام الفلسطيني الذي كانت تبحث عنه وتعمل لأجله طوال الوقت، ولذلك أدعو الإخوة في فتح وحماس بعد مرور هذا العام الحزين على الشعب الفلسطيني أن يسارعوا فورا إلى الحوار الصادق دون أية شروط مسبقة لإنهاء حالة الانقسام البغيضة بين شطري الوطن الفلسطيني. وهنا أؤكد على أن حاجة الشعب الفلسطيني الآن للوحدة أكبر من أي وقت مضى بعد أن أصبح جليا للجميع أن الإسرائيليين غير جادين وغير قادرين على توقيع اتفاق سلام عادل معهم، فالوحدة هي الضمانة الوحيدة لاستمرار صمود هذا الشعب في وجه الاحتلال الوحشي الذي يمارس أبشع عمليات التنكيل ضده. وبخصوص إدارة حماس للقطاع طيلة العام المنقضي أقول إنها نجحت إلى حدود بعيدة في الحفاظ على صمود شعبنا الفلسطيني في غزة رغم الحصار والتجويع والقتل، إدارة حماس مرت بأصعب الظروف التي يمكن أن تمر بها أي سلطة تحكم شعبا، وفي ذات الوقت مطلوب منها توفير الاحتياجات الأساسية لهذا الشعب، لكنها بالفعل نجحت في الحفاظ على بقاء الشعب الفلسطيني صامدا. وإني أرى أن الحل يتمثل في مسارعة قادة فتح وحماس نحو تشكيل “حكومة تكنوقراط” فورا تشرف على انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، أملا في أن تفرز هذه الانتخابات سياسيين يكونون قادرين على التفاهم مع بعضهم البعض. وفي هذا السياق أود التنويه إلى أن بعض الأقلام تحاول التضخيم في الأمور فيقولون إن الصراع في فلسطين صراع بين مشروع للممانعة وآخر للاستسلام، فهذا غير صحيح.. الحاصل في لبنان خلاف أيديولوجي قديم بين مشروع علماني وآخر إسلامي، ولكل أجندته، والتباين في وجهات النظر ليس وليد اللحظة الراهنة، بل هو موجود على الدوام، لكن الفارق الوحيد هو أنه في الماضي كانت في فلسطين قيادات تاريخية تعرف كيف تدير هذه الخلافات بعقلانية، وأعتقد أنه ليس أمام الجميع في فلسطين الآن سوى إدارة خلافاتهم بهذه العقلانية بعد تجربة عام قاس من الانقسام. * الدكتور محمد صالح المسفر (كاتب ومحلل قطري) بعد عام كامل من سيطرة حماس على قطاع غزة أستطيع القول إنها استطاعت القضاء على العبث بالأمن الإنساني والأمن الوطني لسكان القطاع، فالجرائم قلت بشكل ملحوظ، وكذلك أصبح عدد المتعاونين مع الاحتلال فيه في أقل درجاته، هذا على صعيد الداخل. أما على صعيد الخارج فأقول -مع الأسف- إن الظروف العربية لم تسمح لحماس بأن تطبق تجربتها السياسية والاجتماعية، ففرض عليها حصار منذ أن فازت بالانتخابات التشريعية عام 2006، بالإضافة إلى الزيادة المطردة في هجمات إسرائيل على القطاع لتدمير بنيته التحتية ومؤسساته الإنسانية والاجتماعية، وكذلك استهداف قياداتها. ولكن إذا صحت التقارير التي تتحدث عن قيام حماس بتعيين أنصارها فقط في بعض المناصب ومنحهم امتيازات خاصة فأقول إن هذا عمل مدان، مع التذكير بأن فتح على مدار 40 عاما تتبع هذه السياسة. ومن الدلالات الإيجابية المهمة لسيطرة حماس على قطاع غزة -بالرغم من حالة الانقسام الفلسطيني التي ترتبت على ذلك- أنها دفعت أطرافا عديدة في حركة فتح للاحتجاج والانشقاق في أحيان أخرى عن المجموعة التي ترفض نهج المقاومة داخل الحركة، ففتح اليوم ليست فتح قبل 14 يونيو 2007، ما حدث لها في غزة جعل أقطابا عديدة فيها تعيد النظر في النهج الاستسلامي الذي كانت تؤمن به قبل هذا التاريخ. الأمر الثاني الذي تمخض عن سيطرة حماس على غزة هو أن فتح أدركت أنه لم يعد بمقدورها أن تستأثر بالقرار الفلسطيني منفردة دون بقية الفصائل كما كان يحدث في السابق، فالوضع قبل 14 يونيو 2007 يختلف عما قبله. وعلى صعيد المستقبل الفلسطيني في ظل انفصال غزة عن الضفة أرى أنه مرهون بعدة عوامل، أولها قيام الجانب المصري بفتح المعابر مع القطاع؛ لأن ذلك سيعود بالنفع على المواطن الفلسطيني في الأساس، كما أنه سيساعد الفلسطينيين في تفاوضهم مع إسرائيل، فهم يفاوضون الآن وهم محاصرون. ومستقبليا أرى أيضا أهمية ترتيب البيت الفلسطيني والقيادة الفلسطينية بين الضفة وغزة عبر الحوار بين فتح وحماس؛ لأن الوضع الراهن مشجع لإسرائيل وأعداء القضية الفلسطينية في العالم العربي على النيل من فلسطين وشعبها، فهناك أنظمة عربية لا تريد أن ترى حركة تحرر وطني تقود النضال في فلسطين، وهذه الأنظمة عدوة للقضية الفلسطينية بطبيعة الحال. * راشد الغنوشي (مفكر إسلامي تونسي) في العموم لا أحد له غيرة على القضية الفلسطينية يريد لحامليها أن يختلفوا، فلا أحد مسرور لما حدث في غزة قبل عام، الجميع منزعجون ويترجون كل الأطراف للعمل على إقفال الجرح الذي حصل بعودة الإخوة إلى الحوار. لكن ليس من العدل أن نسوّي بين الظالم والمظلوم، فحماس معتدى عليها، حماس كانت معرضة لخطة أمريكية / إسرائيلية معروفة باسم (خطة دايتون) شاركت فيها القوى الأمنية الفلسطينية لأجل إقصائها، ولذلك اضطرت للاستيلاء على قطاع غزة، وهو ما أعتبره انتصارا للمشروع المقاوم في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة المشروع الأمريكي / الصهيوني. ومن الأشياء التي تجدر الإشارة إليها أن القطاع بعد سيطرة حماس عليه أصبح أقل سوءا من الناحية الأمنية، فلا أحاديث عن اختطاف ولا تعذيب ولا تصفية، ولا حديث عن دخول قوات الاحتلال واعتقال ما شاءت من الشباب الفلسطيني كما يحصل في رام الله الآن بمباركة القوى الأمنية التابعة للسلطة. ولكن إذا صحت الأقوال التي تتحدث عن محاباة من جانب حماس لعناصرها والمقربين منها في الوظائف وما شابه فهي لا شك تكون مخطئة ومدانة؛ لأنها ليست ملاكا مبعوثا من السماء حتى تبرأ مسالكها من الخطأ، لكن مما لا شك فيه أن الأوضاع في غزة اليوم أفضل مما كانت عليه قبل استيلاء حماس عليها رغم الحصار المفروض. وأؤكد أن ارتهان القرار في حركة فتح للأجنبي أدى إلى إجهاض كافة المساعي العربية التي قامت بها مصر والسعودية وقطر واليمن لإعادة اللحمة بين أبناء الشعب الفلسطيني، وبالتالي متى تحررت فتح من التبعية للخارج زادت حظوظ عودة وحدة الصف الفلسطيني. لا أحد ينكر أن الانقسام الفلسطيني مضر بالقضية الفلسطينية لا شك، والحل في العودة السريعة للحوار بين فتح وحماس، واللافت في هذه الأحداث أنه على عكس كل حركات التحرر الوطني العربية التي تصارعت على السلطة بمجرد خروج المحتل نجد هذه الحركات في فلسطين تصارعت قبل حدوث هذا التحرر. * الدكتور جورج جبور (كاتب ومحلل سوري) كنت أتمنى ألا نتوقف عند الذكرى الأليمة للانقسام الفلسطيني بين سلطة فتح في الضفة وسلطة حماس في غزة، والتي أؤكد أن الطرفين في الأحداث التي أدت إلى هذا الانقسام تصرفا بشكل خاطئ أضر بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. لكن ما يعزينا في هذه الذكرى أن الطرفين (فتح وحماس) قبيل حلول الذكرى الأولى للانقسام أدركا مدى الضرر الواقع على شعبهما، وأعلنا الاستعداد للحوار، ونتمنى لهم النجاح، ومن الأمور التي يجب أن تحسب لحماس ولفتح أنه طوال العام وكلاهما يؤكد في كل مناسبة وحدة الشعب الفلسطيني، ويؤكد أن ما هو حادث الآن من انقسام إنما هو وضع استثنائي وغير قابل للاستمرار. ومن الأمور التي يجب ذكرها في سياق الانقسام الفلسطيني أن العرب لم يمنحوا حماس فرصة للعمل في الضفة وغزة، وتم ذلك بدعم أمريكي وإسرائيلي، فكيف تمارس سلطة شرعية منتخبة أدوارها في التشريع وقيادة البلاد وعدد كبير من أعضاء البرلمان وفيهم رئيسه في السجون الإسرائيلية؟! وهذا يوضح أن النية كانت مبيتة لإفشال حما (المصدر: موقع إسلام أونلاين نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 15 جوان 2008)
ين الأديان والإيديولوجيا: أسئلة معلقة ولكنْ ليست مغلقة (1 من 3)
د.هادي حسن حمودي (*) الفكر كلمات مسطرة على الورق أو متجلية في وعي المرء ولا وعيه. ومفاهيم هذه الكلمات لا تخرج إلى التطبيق العملي إلاّ بالإنسان. ليس من باب الترف الفكري أن ندعو الى الاجتهاد وإعمال الفكر وبذل الجهد فيما ينفع المواطن ومَن حوله في عصرنا هذا، ولعصور أخرى، إذا أدركنا أنّ الأساس الفكري الصالح للبناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي يتيح للناس فرصة التشييد فوق ذلك الأساس، بناء على مواضعات زمانهم ومكانهم. هل نجد في الأديان، وخاصة الاسلام، إجابات توصل لهذا الهدف؟ أم انّ الايديولوجيات المعاصرة – لوحدها – قادرة على صياغات تلك الإجابات؟ أعتقد أن المسألة ليست مسألة أديان ولا مسألة إيديولوجيات، بل مسألة الإنسان ذاته. فالفكر – أي فكر كان – كلمات مسطرة على الورق أو متجلية في وعي المرء ولا وعيه. ومفاهيم هذه الكلمات لا تخرج إلى التطبيق العملي إلاّ بالإنسان، بسلوكه ونوازعه والحقائق التي يتكشف عنها حين ممارسة مستلزمات ذلك الفكر على صعيد الواقع. لا أسهل من الاتجار بالإيديولوجيات. ولا أسهل ولا أربح من الاتّجار بالأديان. ذلك أن المؤمن يستجيب لدواعي الدين أكثر من استجابته لدواعي الايديولوجيا. هو مستعد أن يموت قاتلا ألف بريء وبريء لأنّ هناك مَن أفهمه أنّه إذا قتلهم فإنّ له الجنّة! ومن لا يحب الجنّة؟! وقد شهد التاريخ كثيرا من سطور الدماء يسجّلها ناسٌ اقتلعتهم الأوهام من حقائق الأمور، ليس بدءا بالقرامطة ولا انتهاء بأحداث هذا الزمن العائم على بحر من الشعارات والبكائيات والأحزمة الناسفة للقاتل والقتيل. وتلك هي قمة المأساة حين يفقد المرء إنسانيته فيغتسل بدماء الآخرين من الأبرياء رجالا ونساء وأطفالا صغارا ما زالوا يلثغون بحرف الراء. إن هذه الظاهرة الخطيرة، ونعنِي بها توظيف الأديان للمصالح الشخصية الإنّية الضيقة وخداع السذج بالشعارات الجوفاء، تحتاج منّا إلى إعادة صياغة علمية وحقيقية لخطاب الأديان كلّها كي لا تعود إلينا حركات الزنج والقرامطة والحروب الصليبية وما تفرّخ عنها. جميع الأديان لا تريد إلاّ تكوين امرئ ذي نفسية طيبة من أجل تكوين مجتمع طيب، فلا بدّ لأتباع كل دين أن يفهموا دينهم بالطريقة ذاتها التي فهمها أوائلهم وهم يتلقون الوحي من أنبيائهم مباشرة بلا وسيط من كهنة وسدنة وفئات جعلت نفسها وسيطة بين الخالق ومن خلق. وفيما يتعلّق بالاسلام، فإنّ هذا الفهم للإسلام يفرض علينا الخروج من صندوق الاقتصار على الكتابات المعتادة عن الاسلام وتوصيف كل شيء بصفة (الإسلامية) و(الاسلاموية). وهي الكتابات التي تقتصر على واحد من ثلاثة اتجاهات: 1- متابعة النسق الشائع في التأليف، كالحديث عن جانب من جوانب الاسلام، انطلاقا من مقولات الكتّاب القدامى، كالصلاة والصيام والحج. والتعامل معها كحركات وسكنات من غير بيان أبعادها السلوكية وما يجب أن تحدثه من أثر في نفوس المؤمنين. وإلا فإن اللّه غنِيّ عن العالمين. 2- أو الحديث عمّا سُمّي بالآيات العلميّة في القرآن الكريم، كعلوم الفلك والطب وغيرهما. وقد اضطر الذين نهجوا هذا النهج إلى الكذب والافتعال وكأنهم يتصورون أن القرآن بحاجة إلى تلك الأكاذيب والافتعالات حتى يؤمن به الناس. والأدلة على ذلك كثيرة، حتى وصل الحال ببعضهم إلى زعم أن رواد الفضاء حين وصلوا إلى القمر وجدوا شقا في وسطه وأن ذلك مصداق للآية الكريمة (اقتربت الساعة وانشقّ القمر) معتمدين على رواية في التفاسير تقول أن القمر انشقّ أيام النبي (ص) وشاهد المشركون ذلك! وتناسى هؤلاء أن الآية الكريمة تتحدث عن يوم القيامة وعلاماته! كما إن رواد الفضاء لم يذكروا – إطلاقا – أنّهم شاهدوا ذلك الشقّ أو الأخدود. 3- وتذهب تأليفات أخرى إلى الحديث عن تراث المسلمين، بعد توصيفه بالتراث الاسلامي، ما بين نقد له وما بين تسليم وإذعان! ثم انّها تنظيرية لا تمسّ الواقع التطبيقي للبناء والإعمار وليس لها أدنى علاقة بالمسلمين المعاصرين ولا باحتياجاتهم في هذا العصر الحديث. ويجدر بي أن أعترف أنّي لا أتقصّد الاختلاف عن تلك الدراسات قصدا، ولا أتعمّده تعمّدا، ولا أوجّه النصوص القرآنية الكريمة الوجهة التي تزكّي ذلك الاختلاف! بل إن تلك النصوص هي التي أخذت بيدي إلى هذا الموقف فوجدت أنّ عليّ أن أتركها تكشف عن نفسها ومعناها، من غير تدخّل منّي. فاذا التقتْ مع ما قاله كتّاب قدماء ومعاصرون، فذاك غاية المرام، وأمّا إذا اختلفتُ عمّا قالوه، أو غايرتُ المنهج الذي نهجوه، فانّ مردّ الأمر كلّه الى النصوص القرآنية الكريمة وما حولها، وإلى طريقة النظر والتحليل، ومدى القرب أو البُعد عن حاجات الأزمنة الحديثة. إن مسألة الاسلام تتمثّل في الحقيقة القائلة أنّه: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها) فالصّلاح متواصل القوانين والقواعد والسّنن. ولم يكن أوّل الأمّة إلا القرآن الكريم الذي فهمه المسلمون الأوائل فهما سهلا ميسورا. وقول النبيّ: (بدأ الاسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا). فكما أنكر المشركون السابقون مقولات القرآن ورفضوها وحاربوها لأنّها رفضت الأوضاع المتخلفة السّيّئة التي كان عليها النّاس، فكذلك يظهر اليوم من يريد مواصلة التخلف والسوء. فالاسلام – في الحالتين – غريب. وإذا كانت غربته سابقا بين المشركين، فغربته الحالية بين الزاعمين أنهم ينتسبون إليه. وأيّا كان عدد هؤلاء فإنّ الأفكار التي يحملونها تريد تجميد الناس في لحظة من لحظات الزمن القديم وكأنها تهدف إلى إعادة الناس إلى حرب البسوس وأيام داحس والغبراء. والفرق بين الحالتين أن تلك المعارك تمّت في ظلال الأصنام والأوثان وسدنتها وكهنتها، وهذه الغربة الحالية تتمّ باسم الدين الذي جاء ليقضي على التخلف الذي من أبرز ظواهره سفك الدماء ووأد البنات والسعي وراء الفتن، وغيرها من ظواهر. وهكذا صرنا نرى غربة الاسلام متجلّية، فعلا، في كثير مما نقرأ ونسمع ونرى (ونشاهد)، مما كُتب عن الاسلام، وفيه، وعليه! فمن أجل أن أصل الى حقيقة الأمر، وجدت أن عليّ أن أنظر الى الاسلام، بصورته التي جاء بها رسول الله متمثّلة بالتنزيل العزيز، وبما وافقه من المروي من الحديث النبوي الشريف. وأن أطيل النّظر فيهما، أعنِي القرآن الكريم وما وافقه من الحديث النبويّ الشريف، تحليلا واستيعابا ارتكازا على التركيب اللغوي للنّص، وما يحيط به أحيانا، ناظرا الى الجذور، ومتابعا لها في تأثيراتها الملحوظة، أو المتوقّعة، فرأيت أنّنا، وبحكم ظروف عصرنا هذا، بحاجة الى نوع آخر من الخطاب الدينِي والايديولوجي، نوع مختلف لا يهمّه أن تكون آيات القرآن ذات دلالات فلكيّة أو طبيّة أو فيزيائية، فتلك علوم تتغيّر نظريّاتها من آن لآن، وآيات القرآن ثابتة لا تتغيّر. كما لا يهمّه أن يتّفق مع هذا الرأي أو ذاك من آراء القدماء والمعاصرين، أم يختلف عنها جميعا، اختلافا منبثقا من فهم آيات القرآن العزيز فهما ذا طبيعة قرآنية صرفة، بمعنَى الاعتماد على المنهج القائل أن القرآن يفسّر بعضُه بعضاً. كما لا يهمّه الحديث عن أمجاد الأقدمين أو إنجازاتهم، إلا بمقدار ما فيه استثارة الهمم، على أساس من الواقع الموضوعي للناس اليوم. كما لا تهمّه اختلافات الأقدمين، فالأقدمون قد مضوا ومضت خلافاتهم معهم، والاسلام يريد منا أن نستفيد من التاريخ، لا أن نقف على شواهده وآثاره وبقاياه وأطلاله نذرف الدموع، ونختلف كما اختلف الأقدمون! بل يريدنا أن نبنِي كما بنَوا وأفضل مـمّا بنَوا، فالأزمان تتغيّر، ومتطلبات التطوّر تزداد وتتعقّد! فهذا النهج، إذن، يستدعي نوعا مختلفا من الخطاب الفكري العقيدي، لأنّه يريد أن يتبيّن دور الاسلام في الأزمنة الحديثة، ما الذي يستطيع أن يفعله؟ وما الذي نستطيع نحن أن نفعله بالانطلاق منه؟ وهل ثمّة علاقة بينه وبين مجريات حياتنا المعاصرة؟ هل يستطيع الاسلام أن يقدّم لنا ما يعيننا على صياغة حضارتنا.. على بناء حاضرنا ومستقبلنا؟ هل يستطيع الاسلام، وبعيدا عن الشعارات والعناوين البرّاقة، أن يساعدنا في التخلّص من التخلّف وظواهره المنبئة بوجوده؟ وماذا يرى الاسلام في العلاقات الدوليّة التي صارت تقليدا عالميا ذائعا ولها قوانينها وتقاليدها التي يُفترض على الجميع احترامها؟ وهل له نظرة خاصّة تجاه قضايا الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسياسة في العصر الحديث؟ وهل قنّن كلّ الأشياء، بجزئياتها وكلّيّاتها وحدودها، بحيث لم يعد لدى الانسان المسلم إلا تطبيق ذلك التقنين، جامدا عليه، متكلّسا عنده؟ ومن هو ذلك المؤهّل الذي أباح لنفسه أن يضع تلك القوانين والسنن وأن يجعلها صنو الوحي الذي لا يجوز الخروج عنه ولا عليه؟! أم انّ الاسلام وضع المبادئ العامّة والقواعد الكلّيّة وترك للناس فُسحة واسعة للاجتهاد والابداع، تأسيسا على تلك المبادئ والقواعد، وبالاستفادة من ظروف العصر الذي يجدون أنفسهم في خضمّ أحداثه؟ نريد من فهم الاسلام بهذه الطريقة وهذا المنهج أن يكون موضوعيا، علميا، أي منطلقا من الواقع وعائدا اليه. ينطلق منه بفهم تفاعلاته ووعي ظروفه وفروضه، ويعود اليه عملا وتطبيقا، فلا بدّ أن نحدّد مسارنا ومنهجنا، ولكنْ، من قبل ذلك نحن بحاجة الى أن نضع النقاط الملائمة فوق حروفها المناسبة لها، فنتساءل: ما هو الدين الموصوف بالاسلام؟ ما أصوله وما فروعه؟ ما طريقه أو طرقه؟! ما هدفه أو أهدافه؟! هل هو دين الخوف والرعب والتعصّب والارهاب، كما يفهمه بعض أهله، وكثيرون من غير أهله؟! أو قل انهم يتقصّدون الى أن يفهموه ذلك الفهم! فيريدون له أن يكون مخيفا مرعبا، يُرهب الناس ويبعدهم عنه! فثمّة فرق بين فهم سقيم لم يُتقصّد اليه قصدا، وبين تحميل الاسلام ما لا يحتمل! فالأول خطأ غير مقصود، والثاني خطيئة مقصودة! أم هو دين للتسامح والمحبّة والوئام بين بنِي البشر والحوار الهادئ المثمر فيما يختلف فيه الناس، كما يصفه الواعون من أهله، وبعضٌ من غير أهله؟! وهل يبلغ تسامحه الى طمس هويّة أتباعه وإلغاء قِيَمهم وما ارتضوه من سلوك نافع مفيد؟! وهل يبيح لهم أن يقلّدوا الآخرين تقليدا أعمى، صارفين النظر عمّا ينفعهم وعما يضرّهم؟! ثمّ هل هو حركة ثورية أم حركة انقلابيّة؟ أم لا هذا ولا ذاك، بل هو تربية للضمير، وإصلاح للفرد وصولا لتكوين مجتمع فاضل تسوده الروح الانسانية قبل أيّ شيء آخر؟! وهل في هذه الرؤية خيال أو طموح غير واقعي بتوهّم استحالة خلق مجتمع فاضل في دنيا الصراع على المصالح الذاتية الضيّقة التي يراها كثير من الناس سبب حياتهم وعلّة وجودهم؟! ثم ما هذه العبادات التي يؤديها المسلمون، ويراها غيرهم عبر شاشات التلفاز، كالصلاة والحج وغيرهما؟! هل تقتصر عباداته على حركات وسكنات وتمتمات؟! أم هي روح وجوهر، دلالات الطاعة والاذعان والتسليم والرحمة والمودة حتى إن اختلفت الهيئات وأشكال الحركات؟! هل يكتفي الاسلام من المسلم أن يقف ويقرأ ويركع ويسجد، وقلبه مليء بالأحقاد والغل والحسد والتربّص بالآخرين؟ ثمّ يسمّي ذلك صلاة؟! هل يكتفي الاسلام من المسلم أن يجوّع نفسه شهرا في السنة، باعتباره صياما، ثمّ هو لا يمتنع عن ظلم هذا والاعتداء على ذاك، وينهش لحوم الآخرين بالغيبة والنميمة، والسعي بين الناس بما يفرّق صفوفهم؟! هل يكتفي الاسلام من المسلم، أن يطوف حول الكعبة وأن يسعى بين الصفا والمروة، ويسمّي ذلك حجا أو اعتمارا، ثمّ هو يكفّر غيره من المسلمين، ويبيح أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، من غير كفر بوّاح منهم؟! وهل يتقبّل اللّه تلك (العبادات) مـمّن يؤدّيها، حتّى لو كان من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا وأحزابا.. وكان مـمّن ينطبق عليه قوله: (كلّ حزب بما لديهم فرحون)؟! بل هل تُعتبر تلك الحركات والسكنات والإيماءات من العبادات أصلا إذا أدّاها كسول متوان تراه منقطعا عن طلب علم نافع، ومتبطّل عن أداء عمل صالح؟! فأيّة عبادة هذه؟!! فكيف به إذا مارس القتل والإرهاب على الضد من أخلاق الاسلام وسائر الأديان؟! أسئلة معلّقة لكنها ليست مغلقة، لأنّ الأديان -كما قلنا – كلمات وجمل، وهي في القرآن آيات.. ففهمها بعيدا عن أثقال القرون وتأويلات السابقين واللاحقين، ورفض الجمود على قال وقيل.. والنظر الدقيق المنطلق من معاني الألفاظ والتركيب الأسلوبي.. من شأن ذلك كلّه أن يعيننا على تصوّر أفضل للاسلام وما يمكن أن نستفيد منه لصياغة حياتنا المعاصرة، وأن نؤسس لبناءات المستقبل.. مما سنواصل الحديث عنه في القسم اللاحق. —– (*) باحث وأستاذ جامعي – لندن المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 15 جوان 2008
الحوار لتنفيس الاحتقان أم لتطويع حماس؟
د. أسامة عثمان تأتي دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلي إجراء حوار وطني شامل في وقت تصل فيه المفاوضات مع إسرائيل إلي طريق مسدود، ووضع علي الأرض محرج؛ وقد بلغ استياء عباس والمفاوضين من السياسات الإسرائيلية الاستيطانية التوسعية درجة بالغة ـ علي الأقل في العلن ـ فما مدي جدية هذه الدعوة؟ وقد وعد رئيس السلطة بتحرك علي المستويين العربي والدولي لضمان الدعم والتأييد لهذا التوجه . ليست هذه المساعي الأولي في هذا الاتجاه؛ فقد كان آخرها المبادرة اليمنية التي لم تتعامل معها الأجنحة المتنفذة في السلطة بالجدية الكافية، وقد جرت عشية القمة العربية في دمشق، ثم ألقيت اللائمة في فشلها علي حماس. فهل غيرت السلطة من مواقفها، وتخلت عن شروطها المعلنة بضرورة تراجع حماس عن الانقلاب ؟ لم تتأخر الإجابة عن هذا السؤال فقد جاءت صريحة من مقربين من عباس بالنفي. فقد قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن تصريحات عباس التي أدلي بها بعد عام من سيطرة حماس علي قطاع غزة لا تشير إلي موقف جديد. وأشار إلي أن عباس دعا لتنفيذ مبادرة اليمن التي تنص علي ضرورة إنهاء سيطرة حماس علي القطاع. كما قال جمال زقوت، وهو من كبار مساعدي رئيس الوزراء سلام فياض: إن عباس ما زال يعتقد أن الحوار يتوقف علي تخلي حماس عن السيطرة علي غزة. ما زال الظن قائما أن هذه الدعوة لا تحمل تحولا جديا في موقف سلطة رام الله، وأنها تنفيس عن الاحتقان والإحباط الذي يسود أوساطا عديدة في الشعب الفلسطيني من جدوي التفاوض مع إسرائيل ومن فرص أي سلام معها، ويصل هذا الإحباط حتي كتاب الأعمدة في الصحف الفلسطينية المقربة من السلطة، أو الناطقة بمواقفها؛ فكيف هو الشعور إذن في الأوساط الشعبية غير المؤمنة أصلا في غالبيتها بإمكانية انتزاع شيء من الحقوق الفلسطينية من إسرائيل في ظل التشدد الإسرائيلي، والانحياز الأمريكي، ثم بعد أن أصبحت أيام بوش معدودة، وبدأت أطراف في الدبلوماسية الأمريكية، وعلي رأسهم وزيرة الخارجية رايس تتنصل من وعود طالما كررتها للتوصل إلي تسوية، وإقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية 2008؟ وتأتي هذه الدعوة أيضا في ظل حصار إسرائيلي خانق علي قطاع غزة بات يهدد بكارثة إنسانية، وقد طالب الرئيس الفلسطيني في خطابه الأسرة الدولية بالتدخل لوقف الحصار الظالم عن الأهل في قطاع غزة ودعا الأمة العربية إلي التحرك علي الصعيد الدولي لرفع هذا الحصار الذي يشكل جريمة حرب ضد الشعب الفلسطيني . ولا نبالغ إن قلنا إن الشيء الوحيد الذي ما زال يحفظ للسلطة بعض الرمق هو التزامها بالإنفاق الحكومي، ودفع الرواتب، عدا هذا فكل شيء متعثر: الصعيد السياسي، والأمني، والبناء الاقتصادي والاستثمار، كل ذلك يتعثر، ولا أفق أمامه. يمكن أن تفهم هذه المبادرات والجولات المتكررة من الحوار علي أنها محاولات لتطويع حركة حماس، واستدراجها بمواقف سياسية متقدمة، وقد كان آخرها الموافقة علي أية اتفاقية تبرمها السلطة مع إسرائيل بشرط عرضها علي الشعب الفلسطيني في استفتاء، وتعهدت حماس بالموافقة عليها، ولو خالفت قناعاتها، والخشية أن يستمر هذا التوجه في السلطة والدول العربية التي تبدو للأسف أقرب إلي الشروط الأمريكية و الإسرائيلية بانتزاع اعتراف صريح من حماس بالكيان الغاصب ونبذ العنف و الإرهاب ، وقد كان المأمول من السلطة علي الأقل أن ترجع رجوعا حقيقيا إلي الشعب، وأن تهدد بوقف المفاوضات مع إسرائيل لا أن ترتد إلي الشعب؛ لتنتزع منه بالابتزاز والضغوط والحصار مواقف متنازلة، وعروضا مجانية، لا يبدو أن الصهاينة يأبهون بها. السؤال الذي لا يكف عن الإلحاح: لماذا تستمر الضغوط علي الطرف الفلسطيني؟ أو حتي علي حماس؟ هل هي (حماس) فعلا من تعيق التوصل إلي سلام؟! وقد فوضت أبا مازن التفاوض، وتعهدت بعدم معارضة اتفاق يقبله الشعب الفلسطيني، وقبلت بدولة في حدود 67! لماذا يستمر الموقف العربي الرسمي والإعلام الموالي له في توجيه سهام النقد إلي الفلسطينيين، أو إلي فئة منهم، ولا يلتفتون إلي التواطؤ العربي مع الموقف الأمريكي، ولا سيما في الدول المحيطة بفلسطين، وهي الأكثر تضررا من المواقف الإسرائيلية المستخفة بالعرب، والمزدرية لهم؟! ألا يقوي الموقف العربي الرسمي والفلسطيني كذلك علي القول إن المشكلة ليست عندنا؟ إن السلطة تحاول الإيهام بأن المعضلة في حماس، وأنها التي تعيق التحام أجزاء الوطن، وإنهاء الانقسام الوطني للشعب الفلسطيني بين غزة والضفة، وأن الحل هو العودة عن الانقلاب والسؤال الذي يتكرر أيضا هنا: لماذا أُلجئت حماس إلي الحسم في غزة؟! هل حصل عنها الرضي الدولي والأمريكي قبل ذلك؟! ألم توضع شروط الرباعية المعروفة سببا لرفع الحصار؟! إن الحقيقة التي لا يجادل فيها أحد هي أن السلطة ليست هي الخصم، ولا هي تملك أن تقبل، أو ترفض أو تشترط، أو لا تشترط، ولذلك يرجح أن يستمر الدوران في هذه الحلقة المفرغة حتي حدوث أحد أمرين: إما تنازل واضح من حماس، وهذا مستبعد، أو تغيير في السياسة الأمريكية، وهذا مفتوح علي المستقبل، وعلي الرئيس الأمريكي الجديد وقدرته ـ فيما لو أراد ـ علي ممارسة ضغوط حقيقية علي إسرائيل. ہ كاتب فلسطيني (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم15 جوان 2008)