الأحد، 15 يوليو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2609 du 15.07.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


 

الشرق الأوسط:8 برلمانيون أمريكيون بارزون يُعربون لوزيرة خارجيتهم عن انشغالهم لمصير معتقليْن تونسييْن سابقين في غوانتانامو البديـل عاجل: تجمع للمعلمين في تونس بسبب إحالة أعضاء من نقابتهم على لجنة التأديب النقابي الشبكة العربية لحرية الصحافة: صندوق التبرعات للسجناء السياسين معا; في رسالة للرئيس “أبو مازن”: الرئيس التونسي يؤكد دعمه للشرعية الفلسطينية صحيفة الشروق الجزائرية:حدث في الجمعة 13: قلادة ‘الماسونية’ تحولت أمس من جزائري إلى تونسي موقع باب :نقل أبقار (مسروقة) بسيارة إسعاف عبدالوهاب عمري: الدكتاتورية و اغتيال الكلمة صابر:السجناء السياسيين بتونس .. ظروف قاسية من الإعتقال إلى السجن محمد الهادي حمدة:الحق النقابي بين القانون و الممارسة أ.د. أحمد بوعزّي: الحكومة تنقصها الشجاعة للحديث في مسألة اللغة الفاهم الجريدي:عبّاس يفقد صوابه محمد الصالح فليس: السجن… وعقوبة الإعدام منصف المرزوقي: بخصوص انقراض البشر عموما والعرب خصوصا مصطفى عبدالله الونيسي: تعدد الصور و الأشكال لمحاربة الدعوة الجديدة د. محمد الهاشمي الحامدي:مواقف عمرية (8) الهادي بريك: الإمام القرضاوي : آخر مجدد لآخر مائة باسط بن حسن  :العمليّات الانتحاريّة.. الآلهة الجديدة التي تقتل الأحياء والموتى  محمد الحدّاد: نكبة «الفضاء العام» العربي و… فضائياته مرسل الكسيبي: على الشاشة التونسية : فجأة أصبح الكل ساراكوزيا! نهلة الشهال: ساركوزي يبدأ بالاصطدام بالأميركان و… باكتشاف تعقيد العالم! نهلة الشهال: الاتحاد المتوسطي مشروع خلاق زهير توفيق: النهضة والتقدم في فكر جمال الدين الأفغاني (1839–1897)


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


 

قناة المستقلة: ندوات حوارية دورية بين النخب التونسية

تعلن قناة المستقلة أنها ستشرع قريبا في بث عدد من الندوات الحوارية بين النخب التونسية.  ويأتي ذلك تجاوبا مع طلبات واقتراحات العديد من المشاهدين التونسيين. وستكون الإنطلاقة قريبا عبر بث عدد من الندوات عن اللائكية، والديمقراطية، والهوية، والمرأة، والتسامح، وموقع الدين في الحياة العامة. وتتجه النية لدعوة السيدات والسادة: د. رجاء بن سلامة، د. عبد الرزاق الحمامي، د. سلوى الشرفي، والدكتور أبو يعرب المرزوقي، لتدشين هذه الندوات الحوارية الجديدة. هذا وترحب قناة المستقلة بملاحظات مشاهديها في تونس واقتراحاتهم، على البريد الالكتروني: Views@almustakillah.com


 

8 برلمانيون أمريكيون بارزون يُعربون لوزيرة خارجيتهم عن انشغالهم لمصير معتقليْن تونسييْن سابقين في غوانتانامو أعيدا مؤخرا إلى السلطات التونسية والسادة أعضاء مجلسي النواب والمستشارين في تونس (التي أصبحت جمهورية منذ 50 عاما) نائمون في العسل!!!!!!!!

غوانتانامو: اشتراط عدم التعذيب يعقد مساعي إغلاق المعتقل مشرعون أميركيون بارزون يستوضحون مصير معتقلين أعيدا إلى تونس
 
واشنطن: منير الماوري بعث ستة أعضاء ديمقراطيون بارزون في مجلس الشيوخ الأميركي، رسالة إلى وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، أعربوا فيها عن قلقهم البالغ من خطط إعادة معتقلين في غوانتانامو إلى بلدان لها «سجل سيئ في حقوق الإنسان» مثل ليبيا وتونس. وقال الأعضاء في رسالتهم (انظر نص الرسالة والمزيد من التفاصيل في الجزء الفرنسي والإنكليزي من النشرة – التحرير) لوزيرة خارجية بلادهم: «إنه أمر حيوي للولايات المتحدة أن تفي بالتزاماتها القانونية، بعدم تسليم معتقلين إلى بلدان من المحتمل أن يتعرضوا فيها للتعذيب». وحذرت الرسالة من أن النتائج المترتبة على ذلك ستكون أكثر سوءا في نظر العالم، من وجود المعتقل ذاته. وركز الأعضاء على تونس، بعد ظهور مزاعم عن أن أحد المعتقلين المفرج عنه من غوانتانامو، ويدعى عبد الله بن عمر، تعرض للتعذيب في تونس بعد إعادته إليها الشهر الماضي، وفقا لما قاله محاميه. وكان المعتقل قد أبلغ محاميه أنه تعرض للضرب والتهديد بالاغتصاب بمجرد وصوله إلى تونس، مع معتقل آخر هو لطفي بن سوي لاغا. وقال المحامي سمير بن عمر في إفادة خطية بعث بها إلى منظمة مراقبة حقوق الإنسان، «هيومان رايتس ووتش» إن أحد ضباط أمن الدولة باشر موكله بالصفع، وهدده بأنه سيتعرض للاغتصاب، كما هدده بإحضار زوجته واغتصابها أمامه، واستمر في شتمه وإيذائه. ووقع الرسالة، التي كشفت عنها أمس صحيفة «واشنطن بوست»، كل من السيناتور ريتشارد دوبلين، والسيناتور باراك أوباما (مرشح الرئاسة المحتمل عن الحزب الديمقراطي)، وإدوارد كينيدي، وباتريك ليهي، وروسيل فينغولد، وشيلدون وايتهاوس. كما تلقت رايس الاسبوع الماضي رسالة أخرى من عضوي مجلس النواب إدوارد ماركي وجان سشاكوسكي استوضحا فيها عن مصير المعتقلين الاثنين اللذين أعيدا إلى تونس. وقال سشاكوسكي في رسالته لرايس: «في الوقت الذي أعتقد فيه أن الولايات المتحدة يجب أن تغلق معتقل غوانتانامو، أعتقد أيضا أن المسؤولية تقع علينا، للتأكد من أن المعتقلين الذين نعيدهم إلى بلدانهم لن تنتهك حقوقهم الإنسانية. وجاءت الرسالة في وقت تسعى فيه الإدارة الأميركية إلى إغلاق المعتقل الذي اساء إلى سمعة الولايات المتحدة في الخارج، فحملت تحذيرا ألقى ظلالا من الشك حول إمكانية إغلاق المعتقل في وقت قريب. يشار إلى أن معتقل غوانتانامو في كوبا يستضيف حاليا 375 معتقلا، بينهم 80 ترغب الولايات المتحدة في إعادتهم إلى أوطانهم الأصلية، إذا حصلت على ضمانات من تلك البلدان بعدم إساءة معاملتهم. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن وضع هذه الضمانات بعين الاعتبار ساهم في تعقيد مساعي إغلاق المعتقل، علاوة على ظهور مشاكل جديدة تتعلق بكيفية تقديم من يتبقى من المعتقلين للمحاكمة داخل الأراضي الأميركية، وهل يجب إبقاؤهم رهن الاعتقال أو إطلاق سراحهم وفقا لما تقرره المحاكم الأميركية. واقترحت جينفر داسكال كبيرة مستشاري مكافحة الإرهاب في منظمة هيومان رايتس ووتش، استحداث جهة مستقلة للإشراف على إجراءات وزارة الخارجية الأميركية لتسليم المعتقلين إلى بلدانهم، وإيجاد وسيلة لضمان تنفيذ الالتزامات الدبلوماسية تجاه من تتم إعادتهم إلى أوطانهم. وقالت في هذا السياق: «من المهم جدا ألا يرسل المعتقلون إلى أماكن يمكن أن يواجهوا فيها وضعا أكثر سوءا من غوانتانامو، لمجرد إخلاء المعتقل من نزلائه». (المصدر: صحيفة “الشرق الأوسط” (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 جويلية 2007)


 
الشبكة العربية لحرية الصحافة  

حرية الصحافة: صندوق التبرعات للسجناء السياسين

 
يقدم صندوق التبرعات للسجناء السياسين ومنح الإغاثة، المساعدة للأشخاص وذويهم الذين تعرضوا للملاحقات بسبب مبادئهم شريطة أن لا يكونوا قد لجؤوا إلى إستعمال العنف أوحثوا عليه. ينبغي على كل المستفيدين من هذا الصندوق أن يكونوا قد قاموا بعمل انطلاقا من مبادئهم وضمائرهم  قد أدى إلى ملاحقتهم. تقدم المنح لأهداف المساعدة وإعادة التأهيل بما في ذلك الغذاء والأثاث والتجهيز وتغطية تكاليف السفر والعلاج. كما تعطى من أجل تغطية تكاليف أعلى، كجمع شمل العائلة وإعادة الإستقرار وتوفير الحماية الدولية بالتعاون مع ألوية السلام الدولية إضافة إلى تكاليف إعادة التأهيل من أجل مساعدة المهنيين اللاجئين على تحويل مؤهلاتهم في المنفى. على الطالبين أن تتم تزكيتهم من لدن طرف ثالث في شكل وكالة تزكية في المملكة المتحدة أو في الخارج. من بين هذه الوكالات لجنة الكتاب المسجونين التابعة للقلم البريطاني ومنظمة العفو الدولية ومراسلون بلا حدود. تقضي القاعدة أن لا تقدم المنح بشكل رجعي. ينظر حسب الحالات في طلبات الإغاثة بشكل عام التي تصل المبالغ فيها إلى 500 جنيه إسترليني وفي الطلبات التي تخص مبالغ أعلى. للمزيد من المعلومات، اتصلوا بالعنوان التالي: المسؤول عن المنح صندوق التبرعات للسجناء السياسين ص.ب. 36789 لندن SW9 XF الهاتف: +44 (0) 20 7738 7511 الفاكس: + (0) 20 7733 7592 The Grants Officer Prisoners of Conscience Appeal Fund  PO Box 36789  Londres SW9 9XF Telephone : +44 (0) 20 7738 7511 Fax : +44 (0) 20 7733 7592 E-mail : info@prisonersofconscience.org (المصدر: موقع الشبكة العربية لحرية الصحافة بتاريخ 13 جويلية 2007) الرابط: http://www.arabpressnetwork.org/articles.php?id=1269&lang=ar


 

 في رسالة للرئيس “أبو مازن”: الرئيس التونسي يؤكد دعمه للشرعية الفلسطينية

بيت لحم- معا- أكد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الاحد على موقف تونس الداعم للشرعية الفلسطينية ممثله الرئيس محمود عباس، ورفض سياسة الأمر الواقع، وتجزئة أرض فلسطين، وإحداث أي قسمة بين ابناء الشعب الفلسطيني الواحد. وذكرت وكالة “وفا” أن الرئيس بن علي أعرب في رسالة بعث بها إلى الرئيس محمود عباس، عن ثقته بحكمة سيادته في العمل على التهدئة الشاملة واستعادة وحدة الصف الفلسطيني، والحفاظ على وحدة الأرض والشعب، حتى لا تضيع المسيرة النضالية الفلسطينية. وأكد الرئيس التونسي، على استعداد بلاده للتشاور، وتبادل الرأي مع الرئيس حول تطورات الأوضاع على الساحة الفلسطينية. (المصدر: وكالة “معا” (فلسطينية خاصة) بتاريخ 15 جويلية 2007) الرابط: http://www.maannews.net/ar/index.php?opr=ShowDetails&ID=74611


تجمع للمعلمين في تونس بسبب إحالة أعضاء من نقابتهم على لجنة التأديب النقابي

 
على إثر دعوة كلاّ من السيد محمد حليم الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الأساسي والسيد سليم غريس عضو هذه النقابة للمثول أمام لجنة النظام الوطنية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل يوم 9 جويلية الجاري تجمع صباح ذات اليوم عدد كبير من المعلمين والنقابيين ببطحاء محمد علي الحامي بتونس احتجاجا على هذا القرار. وكان مكتب النقابة العامة للتعليم الأساسي قد اجتمع في وقت سابق من ذلك قرر فيه رفض مثول عضويه أمام لجنة النظام ومد هذه اللجنة بتقرير توضيحي في أسباب الرفض وهو ما تم صبيحة يوم الاثنين 9 جويلية قبيل التجمع بقليل. أما في التجمع فقد تداول على الكلمة عدد كبير من أعضاء والكتاب العامين للنقابات الجهوية للتعليم الأساسي الذين جاؤوا من مختلف الجهات (سليانة، قفصة، صفاقس، القصرين، بنزرت، وغيرها) وكذلك عدد من النقابيين من قطاعات أخرى، من التعليم الثانوي والبنوك والفلاحة وغيرها، أكدوا جميعهم على تضامنهم مع نقابيي التعليم الأساسي ورفضهم لمثل هذا التعامل مع هيكل نقابي يعاني من تعسّف وزارة الإشراف واستهتارها بمطالب القواعد وبالاتحاد والنقابيين عامة. وطالبوا القيادة النقابية بحفظ هذا الملف وصرف جهودها للضغط على الوزارة من أجل التفاعل الجدي والإيجابي مع مطالب المعلمين عوض هرسلة النقابة العامة وهياكلها القاعدية والجهوية. وكان السيد خالد الدلهومي عضو الاتحاد الجهوي بالقصرين الذي تمّ الاعتداء عليه من طرف البوليس مخلفا له أثارا بالغة بجمجمة رأسه بيّن للحاضرين ملابسات الحادثة مؤكدا على ضرورة أن يتكاتف النقابيون أكثر لمواجهة الهجمة المنظمة ضد المعلمين والنقابيين والاتحاد. وفي إطار طرح القضايا العامة التي تشغل بال النقابيين والملفات الحساسة المطروحة والتي لم تلق العناية والحلول اللازمة أشار بعض المتدخلين لملفات الشركة التونسية لصناعة الإطارات المطاطية وملف الاتحاد الجهوي بسليانة كما أكد أحد المتدخلين على أن كل هذه الإجراءات المتتالية ضد نقابيي التعليم الأساسي إنما تندرج ضمن مسعى معروف لمراجعة قرار الدورتين الذي يشكل الخلفية الحقيقية لكل ما يميز حياة المنظمة الداخلية اليوم. وعلى إثر التدخلات تلي على الحاضرين بيان تمت صياغته أثناء التجمع، في ما يلي نصه:
 
بيان
 
تونس، في 9 جويلية 2007 نحن نقابيي ومناضلي الاتحاد العام التونسي للشغل المجتمعين اليوم 9 جويلية 2007 ببطحاء محمد علي تنديدا واستنكارا واحتجاجا لما يتعرض له نقابيّو التعليم الأساسي في شخص الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الأساس محمد حليم وكاتبها العام المساعد الأخ سليم غريس ودعوتهما للمثول أمام لجنة النظام الوطنية على خلفية الأحداث التي جدت بجهة القصرين وقفصة وما نُشِر من مقالات صحفية متعلقة بمطالب القطاع بالتوازي مع إعداد ملفات تأديبية من طرف وزارة الإشراف نعبر عن: 1 – رفضنا لإحالتهما على لجنة النظام 2 – تمسكهما بحرية التعبير (المصدر:البديـل عاجل – قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسيبتاريخ 15  جويلية 2007)
 

حدث في الجمعة 13: قلادة ‘الماسونية’ تحولت أمس من جزائري إلى تونسي

 
تاريخ المقال 13/07/2007 لم يكن يوم أمس الجمعة 13 جويلية نحسا على الماسونيين وأعضاء نادي الروتاري العالمي، مثلما يخشى الكثير من الغربيين سيما المسيحيين منهم، كون هذا اليوم يذكر بقصة “صلب المسيح عيسى عليه السلام” في حضور حوارييه الاثني عشر، ففي يوم أمس جرى حفل تسليم قلادة حكم مقاطعة المغرب العربي لنادي الروتاري “الماسوني” من طرف الجزائري علي رجاح إلى التونسي رضا السنوسي، حيث سيستمر في هذا المنصب لمدة عام واحد من 2007 إلى 2008 . وخلال هذه المدة سيتم تنظيم ملتقى كبير في منطقة الحمامات التونسية من 15 إلى 18 ماي 2008 قبل أن يسلم الحاكم الجديد قلادة الحكم الخاصة بمقاطعة المغرب العربي لنادي الروتاري الذي يحمل رمز 9010 مثلما تنص القوانين الداخلية لهذا النادي، إلى حاكم من المغرب الأقصى. الجدير بالذكر أن نادي الروتاري هو كما تعرفه الموسوعات العالمية عبارة عن جمعية ماسونية يهودية تنشط في الظاهر ضمن الأعمال الخيرية والإنسانية وتشجيع مقاومة الأمراض الفتاكة والخطيرة، ورغم تأكيد مسؤولي نادي الروتاري العالمي على أنهم جمعية غير سياسية إلا أن الأهداف الحقيقية لمثل هذه التكتلات العنكبوتية المعقدة تبقى غامضة ومشبوهة، مع التذكير أن البلدان العربية التي تكثر فيها نوادي الروتاري “عددها في العالم 32 ألف” هي مصر، فلسطين والجزائر. رشيد فيلالي المصدر :صحيفة الشروق الجزائرية بتاريخ 14 جويلية  2007 الرابط:http://www.ech-chorouk.com/modules.php?name=News&file=article&sid=9410


نقل أبقار (مسروقة) بسيارة إسعاف

 
 
تونس – وكالات لم يجد لصان تونسيان طريقة أسلم وأضمن من سيارة إسعاف لنقل بقرتين مسروقتين لبيعهما في سوق أسبوعية للمواشي ! فقد قام اللصان بسرقة سيارة إسعاف من مستشفي مدينة (قليبية) – الواقعة شمال شرق العاصمة تونس – ونقلوا داخلها البقرتين المسروقتين ، واتجهوا بها إلى السوق التي تبعد 120 كلم من المدينة المذكورة . وقالت صحيفة (الأنوار) التونسية : ” إن اللصين لم يجدوا طريقة أفضل لنقل المسروقات إلي السوق البعيدة سوى حملهما علي متن سيارة الإسعاف .. التي لا يمكن لأفراد الأمن إيقافها أو تفتيشها ” . وأضافت : ” إن اللصين شغلوا بوق سيارة الإسعاف ؛ ما جعل السيارات وشرطة المرور يفسحون لهم الطريق ، وعند بلوغهم سوق الدواب ركنوا السيارة وأنزلوا منها البقرتين وعرضاها للبيع ” . وتابعت الصحيفة : ” إن المستشفي أبلغ الشرطة بسرقة سيارة الإسعاف ؛ فأصدرت فيها برقية تفتيش .. ليتم العثور عليها رابضة بسوق دواب علي بعد 120 كلم ، فتم حجزها مع البقرتين واعتقال اللصين ” . (المصدر:موقع باب بتاريخ 15 جويلية 2007)
 


الدكتاتورية و اغتيال الكلمة

 
قابس في 14-07-2007 أبت الدكتاتورية إلا أن تكشف عن وجها الحقيقي، فأسقطت قناعها الزائف، و تخلت عن أصباغها و مساحيقها لتظهر عارية كما خلقت. فبدت كمومس رحل عنها حتى خريف العمر و قد استيقظت للتو من نوم تلا ليلة امتدت حتى الغسق. الدكتاتورية مومس يتحرج منها حتى المستفيدين بخدماتها أو المتمعشين منها. و هي شمطاء إذ عاصرت أول حيوان أحاط ببوله حيّزا و قال ” هذا لي”. تجرأت جامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي و دخلت حيزا يبدو أنه من نوع ” هذا لي” حيث بعثت موقعا للانترنيت خاص بها آواه موزع تونسي حسب القوانين-الأصباغ و التراتيب-المساحيق الجاري بها العمل في البلاد. لم يصدق أغلب مناضلي جامعتنا ما رأوه : حاكم جند جيشا من أصحاب الخبرات التقنية العالية لملاحقة مواقع المعارضة، و كل المواقع و المدونات التي تسمي الأشياء بأسمائها، لحجبها و قرصنتها رغم وجودها وراء الحدود، هذا الحاكم يسمح لموقع معارض بالتواجد داخل البلاد !؟ شيء لا يستساغ (ما يركبْش على بعْضه). غفلت عنا الدكتاتورية ثلاثة أشهر تقريبا. ثم استفاقت لإعادة الأشياء إلى نصابها فتوارت خلف مضيف موقعنا الذي هاتفني أمس الجمعة 13/07/2002 ليخبرني بوجود مشكل في النادل(problème de serveur) لديهم يمنعهم من مواصلة إيواء الموقع و لما اعترضت عن ذلك موضحا له وجود مشكل أمني طال موقعنا و موقع الحزب في تونس ( نفس الشركة المضيّفة) رجاني، و كان الإحراج واضحا في صوته، أن لا أحشره في السياسة ( لم أذكر له هذه الكلمة إذ لا أعتبر أن ما حدث يمكن وضعه في خانة السياسة) وأن أتصل بالمصلحة التجارية لاسترداد المستحقات المالية. هكذا أغلق موقعنا و سجلت الدكتاتورية هدفا ثالثا في مرمى معارضيها ( غلق موقنا و موقع الحزب في تونس و قرصنة مدونة سليم بوخذير ) معوّضة بذلك خسارتها في انتخابات عمادة المحامين التي تذكرها بمآلها لو توفر حد أدنى من الديمقراطية. عبدالوهاب عمري مدير الموقع المغتال : www.gabespdp.org كاتب عام جامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي


السجناء السياسيين بتونس .. ظروف قاسية من الإعتقال إلى السجن

 
يعتبر السجن أسوء مكان إقامة على الإطلاق حتى وإن كان في نزل بدرجة خمسة نجوم , ناهيك إذا كان في مكان تنعدم فيه أبسط الظروف المادية والمعنوية للحياة الكريمة وتغيب فيه المعاملة الإنسانية للسجين من طرف سجانه , بل لعل المعاملة المهينة والقاسية هي القاعدة في تعامل السجان مع المعتقل خاصة في سجون النظام التونسي الذى تفنن في إستنباط أساليب مبتكرة للنيل من السجين السياسي والسعي إلى كسر إرادته وتحطيم معنوياته والتحقير من قضيته التى يعنونها بقضية صبغة خاصة وليست سياسية , وإعتماد سياسة التشفي والإنتقام منه لأنه فكّر في معارضة النظام القائم ونقده وعبّرعن عدم الرضى عن سياساته وإدارته لشؤون البلاد والعباد إذا كان الإيقاف أو الإعتقال هو بداية محنة السجين السياسي , فإن السجن هو الوجه الآخر لتلك المحنة , وهو بداية حياة أخرى ليس من اليسير على أكثر الناس التأقلم معها سريعا ذلك أن الحياة السجنية تحشر الإنسان في وسط غير متعود عليه يمثل عالما في حد ذاته غير مألوف وغريب على النزيل الجديد وخاصة من لم يسبق له أن دخل السجن قبل ذلك بعد أن يقضى المعتقل فترة الإيقاف داخل زنازين وزارة الداخلية التونسية والتى وصلت للبعض قريبا من عام , يخضع فيها لصنوف من التحقيقات القاسية والتعذيب الوحشي والبقاء في زنازين ضيقة ومتعفنة ومكتضة  ,  بعد هذه المرحلة التى تطول وتقصر بحسب الأشخاص يقع نقل الموقوف إلى السجن , وهناك يجد إستقبالا من نوع خاص جدا على أيدى أعوان السجن وفرقة تعرف بـ ” فرقة الطلائع ”  وهي فرقة مكلفة بمهمات مختلفة تجاه السجن والسجناء منها حراسة السجن ونقل الموقوفين إلى جلسات المحكمة والقيام بتفتيش دوري لغرف السجن وغيرها من المهمات الموكولة لهذه الفرقة التى يتميز أفرادها بالقسوة والشدة وهو ما يعبر عنه حتى لباسهم الرمادي والأحزمة التى تمنطق البدلة التى يحملونها والأحذية العسكرية التى يلبسونها  , فبمجرد رأيتهم توحى لك أشكالهم أنهم من طينة أخرى لا تعرفهم في الشارع التونسي ولعلك تكون محقا حين تنكر أنهم من أبناء جلدتك لو أنهم صمتوا عن الكلام  , وحديثهم إليك يعكس ثقافة أخرى غريبة ومنحرفة وصادمة للشعور لمن أخذته الأقدار من بين أحضان عائلته الوديعة ومحيطه الأسري المنضبط إلى هذا الجو المشحون بالأفاظ القذرة والشتائم المقززة وعبارات غاية في الفحش والكفر بالله  , ولدى هذه الفرقة جيش إحتياط من الكلاب البوليسية المدربة على باب السجن تكون محاطا بأعداد غفيرة من هؤلاء الرهط الذين يشعروك بأنك في حضرة شياطين ليس لهم من هم إلا أن يمارسوا عليك الإرهاب والتخويف والإذلال , وإذا عبّرت عن تململ و بأنك غير راض على هذا الوضع المشحون بالإرهاب والتهديد والإذلال , عندها سيكون نصيبك أضعاف ماهو مقرر لك . الأساليب المعتمدة في تنفيذ هذا البروتوكول قد لا يصل الإنسان إلى أن يصفها كلها لأن فيها من الأساليب ما يعف اللسان عن ذكرها لأنها فعلا مشينة ولا تنم إلا على خسة السجان , ومن بين تلك الأساليب أن يتعرى النزيل الجديد بإرادته أو بدونها من كل ثيابه حتى مما يستر عورته أمام الجميع ولا فرق في ذلك بين شاب ومسن , كما يفتش تفتيشا حتى ليفتش في عورته ويصاحب ذلك سب وشتم السجين وأفراد عائلته وسب الجلالة بعبارات مقذعة , والتفوه بالكلام البذيء الذى لا أعرف أنني شخصيا سمعته إلا أثناء التحقيق وفي السجن . هذا الإستقبال لا ينتهي بسرعة كما هو مفترض ولكن يأخذ وقتا يكون القادم الجديد أثناء إنتظاره عرضة للإعتداءات اللفظية والمادية من قبل كل من يمر به من أعوان السجن أو أعوان الطلائع وكأنهم في تبار بينهم من يكون الأكثر قدرة على مزيد إهانته . في أثاء كل ذلك يتلقى السجين الجديد الدروس والتحذيرات والتهديدات حول تصرفاته داخل السجن وضرورة إنضباطه والقبول بما هو موجود دون أن يرفع رأسه بل وجب عليه الخضوع لإرادة السجان وقوانين السجن التى تأسست على قاعدة وحيدة هي الظلم وعدم الإنسانية . هذه الأساليب هي رسالة إلى السجين الجديد يراد منها السيطرة عليه منذ الوهلة الأولى لقدومه إلى السجن  نعود أدراجنا إلى الإيقاف قبل المضي قدما والدخول إلى عالم السجون . طرائق الإيقاف مختلفة ولكن الأغلبية منها تتم بالمداهمات الليلية أوالنهارية ومنها ما يتم بالمطاردات وغير ذلك من الظروف التى قد تكون سلسة , وغالبا ما يستخدم العنف في عملية الإيقاف حتى من غير موجب . قد يبدأ التحقيق مع المعتقل حال المسك به وهناك سيارات خاصة مجهزة تمتلكها الداخلية التونسية وهي عبارة على قمرة تعذيب ينطلق منها سلخ المعتقل بالتعذيب والتحقيق معه إلى أن يصلوا به إلى المقر الأمنى المقصود وهناك يبدأ التحقيق معه رسميا بعد أن وقع إفتتاحه أثناء الطريق , وهناك حالات أخرى قد يبدأ التحقيق معها عند الوصول إلى المركز الأمنى وهنا وجب الإشارة إلى بعض الجهات الأمنية التى لاتحصى في تونس ومنها الشرطة والحرس والمختصة والأبحاث والتفتيش والإرشاد وكل الجهات الأمنية هذه تعتمد التعذيب الوحشي أثناء التحقيق مسرح العمليات هو مقر الجهاز الأمنى الذى يصل إليه المعتقل , فكل المكاتب هي عبارة على غرف تحقيق وتعذيب , وقد ينقل إلى أماكن أخرى وقتية  تمارس عليه  فيها أشكال التعذيب والتحقيق , ومن الأساليب الشائعة في التعذيب هي  ” الروتى ”  أي وضع الضحية عاريا كوضع الدجاجة  , حيث يجلس القرفصاء وتمرر عصى في أعلى طية ركبتيه ويمسك ساقيه بكلتا يديه ويقع شدهم بحبل ثم تؤخذ العصى من طرفيها وتوضع على طاولتين متقابلتين فيغدو رأس الضحية في الأسفل ورجلاه إلى الأعلى واثناء هذه الوضعية يقع ضربه بالسياط والعصى وصب الماء عليه وغير ذلك من ممارسات التعذيب , وقد يبقى على هذا الوضع أيام بلياليها , الصعود  والنزول من على السلّم ( دروج ) مع حمل كرسي في اليدين وليس بيد واحدة فقط , الجلوس على كرسى تحت أشعة ضوء قوية ولفترات طويلة مع عدم النوم , الركل والرفس دون مراعاة أي مكان حساس في البدن , إدخال عصى في دبره أو إجباره على الجلوس على عنق قارورة بلورية , الضرب على الذكر , الضرب على الظهر بالعصي والسياط بعد إجبار الضحية على التمدد فوق طاولة , وضع المعتقل على الأرض وجلوس عدد من الجلادين حوله وإجباره على إختلاق النكاة لهم كي يتسلّوا , ومحاولات السخرية منه الإستهزاء به وغيرها من ممارسات الضغط والتعذيب النفسي ,الصعقات الكهربائية  … إلخ ,  وغيرها من الأساليب التى لاتنتهى . بالرغم كل هذا التعذيب القاسي والشديد فإن الكثير من محاضر البحث يقع تلفيق الجزء الأكبر منها ولا يجد أغلب المعتقلين إن لم يكن كلهم من خيار سوى التوقيع على تلك المحاضر للتخلص من الظروف القاسية للإيقاف لأن ظروف السجن أهون من الإيقاف وفي كل معاناة الدخول إلى السجن هو الدخول إلى عالم جديد وغريب في كل تفاصيله على نزيل قادم لتوه من مسلخ بشرى تبدو عليه علامات النحافة الشديدة والشحوب المروع وعدم نظافة الهندام والبدن وكأنه خارج لتوه من عصور عفى عليها الزمن , قادم إلى عالم السجن وهو مرهق بدنيا ونفسيا , متوجس من وسط لا يعرفه , مثقل بالأسئلة لإنقطاعه عن العالم وأخبار الأهل فترة طويلة  , عالم آخر في نظامه العمرانى , في نزلائه , في القوانين التى تحكمه والمفردات التى يستعملها قاطنوه  … كل شيىء فيه يخبرك بأنك ستخوض تجربة صعة ومريرة , والواقع الجديد لا يعطيك المجال لإكتشافه  شيئا فشيئا لأن قوانين الحياة السجنية مختلفة  . عزاء المرء على الرغم من أنه في السجن هو أنه تخلص من مرحلة الإيقاف وإلتقى بزملاء ومعارف وزملاء قضية واحدة , يجد بعض العزاء في إستقبال وإهتمام إخوانه به فيمنحونه حرارة لقاء الصحبة أو حتى القربى التى تذكره بأيام خلت إنقطعت بالإعتقال , أو حتى لتأسيس علاقات حميمية جديدة  . وليس للمساجين السياسيين غرف خاصة بهم وإنما هم في غرف مشتركة مع مساجين الحق العام وهذا يسبب لهم مشاكل مقصودة من طرف النظام  يوضع السجين الجديد في غرفة مكتضة تنعدم فيها أدنى الظروف الصحية وقد يجد نفسه ينام في ” الممشى ”  ( أي في الممر بين الأََسِرّة ), أو ينام ” في الثلاثة ” ( أي النوم مع سجينين آخرين هو ثالثهما على سريرين متلاصقين ) . ومع أن الكثير من سجناء الحق العام من المدخنين وبيوت الخلاء داخل الغرف فإن التهوئة منعدمة تماما والإستحمام غير متوفر إلا مرة في الأسبوع وقد يصل في بعض السجون إلى شهر وأكثر وحتى الفسحة في باحة السجن تكون قصيرة وفي بعض الفترات يفرض على المساجين الإنتظام في صفوف للقيام بالدوران في الباحة ويُعادوا على عجل إلى الغرفة التى لا تعرف التهوية إلا خلال ذلك الوقت القصير خلال 24 ساعة كاملة وهذا ما ينعكس على صحة السجناء ويسبب لهم أمراض كثيرة كالحساسية وضيق التنفس . أما ” الصُبة” ( بضم الصاد وفتح الباء ) وهي وجبة الغذاء الذى تقدم إلى السجين فهي كريهة الرائحة خالية من أي قيمة غذائية و تقدم  مرتين في اليوم عند الزوال وفي المساء أما فطور الصباح فلا يوجد أصلا , كما لا يقدم أي نوع من أنواع الغلال . أما الرعاية الصحية فهي شكلية للغاية  الزيارة العائلية للسجين السياسي ليست كتلك التى يتمتع بها سجين الحق العام فهناك تمييز بينهما من طرف إدارة السجن , هذه الزيارة قد لا تستغرق في بعض الأحيان عشر دقائق أو ربع الساعة وتدور في ظروف صعبة حيث يحول بين السجين وزائره بسواتر حديدية (قرياج ) وممر بينهما يرابط فيه بعض أعوان السجن لتسجيل محضر الزيارة كما تتم الزيارة لأكثر من سجين في نفس الوقت مما يحدث تشويشا في المكان , ومتاعب الزيارة ليست للسجين فقط وإنما لأسرته التى تتنقل لمسافات بعيدة وتنتظر أمام السجن وقت طويل لإتمام الزيارة والتى بالرغم من كل تلك المتاعب قد لا تتم في بعض الأحيان ويقع إلغاءها كعقوبة للسجين . أما الزيارة من أجل إيصال الأكل وبعض مستلزمات السجين (القفة ) فهي تتم فى أغلب الفترات في يوم آخر غير يوم الزيارة وهناك قائمة في الأغراض الممنوعة تجدد في كل مرة ويحظر على السجين التمتع بها ومن بين تلك الممنوعات القلم والكراس وحتى إذا سمح بها لفترة وجيزة تصادر في أول تفتيش (  فووي)  يقع للسجن   يتعرض السجين السياسي داخل السجن ولأتفه الأسباب إلى مختلف المعاملات المهينة والتعديات من طرف إدارة السجن , و التى تعمد إلى التضييق عليه وتعنيفه وإخضاعه إلى عقوبات العزل في زنزانات ضيقة وكريهة ( سيلونات ) وحرمانه من أبسط الحقوق حتى في التواصل مع مساجين آخرين ومشاركتهم في وجبات الأكل أو الصلاة أو الحديث , وهناك أوامر صارمة تصدر من قبل إدارة السجن تحضر الصلاة في جماعة بل في بعض الأحيان تمنع الصلاة في أوقات في الليل وفي الصباح الباكر , كما تمنع الأكل في جماعة أيضا وتضع على ذلك عناصر من سجناء الحق العام يراقبون السجناء في الإلتزام بتلك الأوامر التى تلقى في أغلب الأحيان عدم الإستجابة    جملة الظروف التى يعيشها السجين السياسي داخل السجون التونسية هي ظروف غير إنسانية تنتفي فيها أدنى الظروف الصحية والكرامة والمعاملة الإنسانيتين , ومن الصعب في هذا الإيجاز الوقوف على كل تفاصيل هذا الموضوع ولكن الآثار الصحية والإجتماعية الخطيرة التى تنجم عن ظروف الإعتقال والسجن تعكس مدى المعاناة التى يخضع لها السجين السياسي بتونس والتى تفقده عافيته وحتى حياته ومنهم ما يزال إلى حد الآن يقبع داخل السجون في مثل تلك الظروف الصعبة لأكثر من عقد ونصف . لقد تعرض إلى هذه الظروف القاسية الآلاف من أبناء شعبنا على أيدى النظام التونسي وما تزال آلة القمع تدور لتلتهم كل يوم ضحايا جددا … فمتى تنتهي دوامة الظلم والإستبداد ؟؟؟ صـــابر : سويســرا

الحق النقابي بين القانون و الممارسة

 
تقديم بواعث الاهتمام بالحق النقابي ـ منطلق تقييمي / تاريخي ينهض على معاينة المفارقة النقابية التونسية القائمة على تواضع المكاسب الاستراتيجية للحركة النقابية و العمالية التونسية و في مقدمتها عدم تقنين الحق النقابي في ضوء العمر المديد للعمل النقابي ببلادنا ( ما يفوق 80 عاما ) حيث بخلت دولة الاستقلال عن الحركة النقابية و حالت دون توفر الضمانات التشريعية اللازمة لممارسة الحق النقابي قياسا بالمساهمة النوعية للحركة النقابية في معركة التحرر من الاستعمار البغيض حيث أزعم شخصيا أنه لو لم يتأسس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 لتأخر استقلال البلاد لسنوات بعد سنة 1956 . ـ منطلق نضالي يثمن تحفز الحركة النقابية التونسية لخوض معركة تقنين الحق النقابي حيث نص البلاغ الذي أطلق جولة المفاوضات الاجتماعية للدورة 2005 ـ 2007 و الذي صدر في 17 جوان 2005 نص على ” مواصلة النظر في الإجراءات العملية لممارسة الحق النقابي في قطاع الوظيفة العمومية صلب اللجنة الفنية ” إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل  كما أكدت اللائحة العامة الصادرة عن المجلس الوطني للاتحاد العام  المنعقد بمدينة طبرقة و المؤتمر الوطني المنعقد بالمنستير و كافة لوائح القطاعات الأبرز داخل الاتحاد ( التعليم الأساسي و الثانوي ) على الأولوية التي تسندها الحركة النقابية لمطلب الحق النقابي ـ منطلق منهجي يتعلق بالمقاربة الديناميكية للعلاقة بين الصراع الاجتماعي ( الصراع الطبقي ) و بنية النظام السياسي في علاقته بالحركة النقابية ضمن السياق الخصوصي التونسي على قاعدة التراجع التدريجي لقدرة الدولة خلال النصف الثاني من القرن العشرين على تحقيق عملية التراكم الرأسمالي أي تحويل الفائض الاقتصادي إلى رأس مال من خلال تعمق أزمة الدين العمومي وتعمق حالة الاستقطاب الاقتصادي و الاجتماعي و تراجع مكانة قطاعات الإنتاج في الاستراتيجيات الاستثمارية للفاعلين الاقتصاديين ( العمومي و الخاص / المحلي و الأجنبي ) أولا  و عجزها عن تجديد قوة العمل من خلال انسحابها التدريجي من الدائرة السلعية لسلة الطبقة العاملة ( التراجع في سياسات التعويض عبر تخفيض اعتمادات الصندوق العام للتعويض و الضغط على الأجور باعتبار تبني استراتيجية تجاهل الطلب الداخلي و الاعتماد على التصدير و التخصيص من أجل التصرف الحر في قوة العمل ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي ) وانسحابها التدريجي كذلك من الدائرة غير السلعية لسلة الطبقة العاملة ( الخدمات بشتى أصنافها : التعليم و التكوين و الصحة و الثقافة و النقل ) ما رفع من درجة الضغط على الأجر و نشط حركية الساحة النقابية حيث مثلت معركة الاستقلالية تبعا لذلك ولا تزال إشكالية الحركة النقابية و العمالية التونسية إلى اليوم و نحن في هذا السياق بصدد العمل على استخلاص النموذج الدوري لتوتر العلاقة بين الاتحاد و الحكومة أواسط كل عشرية , ما يحيل على انتظامية خصوصية للعلاقة بين المركبين و يدفع للتساؤل حول عوامل التأزم في العلاقة بالاقتران مع وصول السياسات الاقتصادية و الاجتماعية للنظام إلى طريق مسدود ( 1965 ـ 1978 / 1981 ـ 1985 /1989 ـ2000 تغيير الأمين العام و تبني ” التصحيح ” / تنامي تيار الاستقلالية بشكل لافت للنظر) . لكل هذه الاعتبارات مجتمعة نطرق إشكالية الحق النقابي مؤكدين بداية أن القانون لا يؤسس الحق و ينشؤه و إنما الوظيفة الأصلية للقانون باعتباره مكونا رئيسيا للبنية السياسية للنظام ضمان ممارسة الحق و كفالة التمتع به و حمايته بالشرعية من الأذى الذي يمكن أن تلحقه به السلطة التنفيذية . 1 ـ عناصر الحق النقابي : إن ما يثير دهشة المتفحص للخطاب النقابي التونسي و الراصد لتطوره هو غياب الإحاطة ذات المنظار الشمولي ( بالمعنى المنهجي طبعا ) للحق النقابي بمختلف عناصره حيث لا تتوفر الحركة النقابية التونسية إلى يوم الناس هذا على تعريف جامع و مكتمل للحق النقابي يمكن من المرور لمرحلة المفاوضة بعد استكمال مرحلة التعبئة و التحشيد حيث يقتصر الأمر في الأغلب الأعم على تصور ضبابي يعتمد حق الاجتماع و الإضراب و الإعلام النقابي وهو مضمون تجزيئي و قاصر عن ضبط المسار النضالي من المنبع إلى المصب وعاجز عن الإلمام بمختلف مراحل و تفرعات العملية النضالية في ضوء عدم التكافىء في عناصر القوة التي يتمتع بها الطرف الإداري( الأجهزة الأمنية و السياسية  و المال و الإعلام و الاتصال )  و في سياق التفاوت الكبير في مهارة إدارة المعارك و القدرة على المناورة و فن التراجع التكتيكي قصد الانحناء أمام العاصفة و تنجم عن هذه الإحاطة المنقوصة نتائج وخيمة في لحظة التقنين لذلك فإننا نقترح و طبقا لتدرج المسار النضالي العمالي اتباع المنهجية التالية مرجعنا في ذلك المراحل الفرعية التي يمر عبرها المسار النضالي العمالي من لحظة إقرار المطلب النقابي إلى لحظة اندراجه ضمن حصيلة مكاسب الشغيلة في تحديد مفاصل الحق النقابي : 1 ـ 1 : الحق في الاجتماع بالمؤسسة مع الاكتفاء بإعلام الطرف الإداري علما و أن هذا الحق معطل منذ أواسط الثمانينات بموجب المنشور 40 سيئ الصيت و الذي تتمسك به الحكومة إلى اليوم و هو استمرار لمظهر من مظاهر العدوان على الاتحاد و العمل النقابي و علينا كنقابيين المطالبة بإزالة آثار العدوان . 1 ـ2 : الحق في الإعلام النقابي في المؤسسة و في الإعلام العمومي و الخاص المرئي و المسموع و المكتوب ( مع الأسف الشديد ثارت ثائرة بعض النقابيين في الفترة الأخيرة لما عادت لغة تشويه نضالات الشغالين عموما و إضرابات قطاعات التعليم خصوصا وهو مظهر صارخ من مظاهر تجاهل معركة الحريات التي تخوضها اليوم بجرأة و بسالة الحركة الديمقراطية و المجتمع المدني) خارج المؤسسة . 1 ـ3 : الحق في الإضراب و رفع امتياز شرعيته و الاستئثار بالموافقة عليه عن المركزية النقابية و تمكين النقابة القطاعية من حقها المطلق في استخدامه من عدمه  حيث ينص الفصل 376 مكرر من مجلة الشغل على أن كل قرار بالإضراب في ميدان الوظيفة العمومية يجب أن تقع المصادقة عليه من قبل المركزية النقابية للشغل كما يجب إعلام الإدارة به قبل عشرة أيام على الأقل من تاريخ شنه و لماذا 10 أيام و لم لا 5 فقط مثلما ينص القانون الفرنسي مثلا ؟ و يؤكد الفصل 49 من القانون الأساسي للاتحاد العام التونسي للشغل على مرجعية المركزية النقابية في شرعية الإضراب حتى في صورة إقراره من قبل النقابة القطاعية وهو ما يعكس مظهرا من مظاهر تحكم البيروقراطية النقابية في المسارات النضالية للحركة النقابية . 1 ـ4 : حماية المسؤول النقابي : خلال فترات القمع السافر يتعرض المسؤولون النقابيون إلى العديد من المخاطر التي تهدد أوضاعهم المهنية و الشخصية ما يستلزم توسيع دائرة عناصر الحق النقابي في القطاع العمومي لتشمل الحق في حماية المسؤول النقابي مما يمكن أن يسلط عليه من تجاوزات علما و أن الدولة صادقت خلال الفترة الأخيرة و بعد لأي عن الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية المسؤول النقابي أو ما تعرف بالاتفاقية رقم 135 و بالمناسبة فإن هذه الاتفاقية تخص المسؤولين النقابيين بالقطاع الخاص و يتطلب الأمر كي تدخل حيز التطبيق تكييف التشريعات الشغلية المحلية لمتطلباتها و نقابيو القطاع العام مدعوون إلى استلهام مضمون هذه الاتفاقية و النضال من أجل سحبها على شغيلة القطاع العمومي من منشآت و دواوين و وظيفة عمومية . 1 ـ5 : الحق في المفاوضة الاجتماعية : بالرغم من أن الحكومة التونسية قد أقرت مبكرا بحق الشغالين التونسيين في المفاوضة الاجتماعية و ذلك من خلال المصادقة على الاتفاقية الدولية عدد 87 المعتمدة في 9 جويلية 1948 و المعروفة باسم اتفاقية الحرية النقابية و حماية حق التنظيم النقابي و التي صادقت عليها الدولة منذ 11 جوان 1957 و كذلك الشأن بالنسبة لاتفاقية العمل الدولية عدد 98 المعتمدة في جويلية 1949 من قبل نفس المنظمة و المسماة اتفاقية حق التنظيم و المفاوضة الجماعية بالرغم من كل ذلك فإن المفاوضات الاجتماعية ببلادنا لا تزال في دائرة المزاج و الرغبة وتحت تصرف الإرادة المطلقة للحكم توقيتا و مقاييسا و حدودا و بعبارة أدق تخضع المفاوضات الاجتماعية لمربع السلطة و ليس للطرف النقابي أي تأثير نوعي مطلقا على مجرياتها رغم محاولة القيادة النقابية التقليل من صدقية هذه الحقيقة و الملفت للانتباه أن الاتفاقيات التي تبرم بين الاتحاد و الحكومة ليس لها أي إلزام قانوني سوى إرادة السلطة في الظهور بمظهر الراعي للحوار الاجتماعي و المطور لمداخيل الشغالين و المحقق للمكاسب الاجتماعية و ما القبول الدوري للقيادة النقابية بنتائج كل الجولات التفاوضية انطلاقا من 1990 إلا دليل على ذلك  , ففي العلوم السياسية ينهض أي تفاوض جاد مهما كان الحقل التفاوضي ( اجتماعي ـ سياسي ـ عسكري ـ الخ … )  على ثلاثة ركائز هي على التوالي كفاءة الفريق المفاوض من حيث دقة إلمامه بملف التفاوض و معطياته التفصيلية و درجة إلتزامه بأعلى سقف ممكن من المكاسب المنجرة عن التفاوض أولا و أوراق الضغط التفاوضي و التي يفترض في تفعيلها حمل الخصم على التنازل ( الإضرابات و الاعتصامات و المظاهرات و التلويح بالإضراب العام الخ …) و دفعه  للاعتبار من  التقدير الصحيح لميزان القوى واشعاره بالخشية من مغبة حصول الأسوأ ثانيا و أخيرا ظرفية التفاوض التي غالبا ما تنعكس مفاعيلها السلبية على الطرف المهيمن باعتبار تنوع التزاماته و ضغوط تعهداته المحلية و الخارجية , فهل تستجيب المفاوضات الاجتماعية ببلادنا طيلة السنوات الأخيرة إلى هذه المعايير الموضوعية ؟ طبعا لا . 1 ـ 6 : الحق في التمتع بآلية تعقب تعطيل أو التراجع في تطبيق اتفاقية نقابية :  يحفل تاريخ الحركة النقابية التونسية المعاصر بالعديد من الأمثلة في التراجع في الاتفاقيات المبرمة أو تعطيلها بحجة و بدونها أحيانا و لعل أبرز الأمثلة على ذلك التلكؤ الحكومي في تطبيق قانون التأمين على المرض و اتفاقية معلم التطبيق التي تراجعت عنها الحكومة خلال الأزمة التي حشر ضمنها الاتحاد أواسط الثمانينات و تراجع الحكومة في الاتفاقية التي أمضتها مع النقابة العامة للتعليم الثانوي و المتعلقة بمعلمي و أساتذة التربية البدنية  , و تطرح هذه المسألة على النقابيين ضرورة اعتماد حزمة من الخيارات منها اعتماد اللجوء للقضاء الإداري فضلا عن ضرورة تطوير مهارات و تقنيات المصادقة على الاتفاقيات عبر التنصيص على الآجال و الجداول الزمنية و غرامات التعطيل أو التراجع و تبلغ المأساة ذروتها حينما عاش قطاع التعليم الأساسي لحظة التراجع في نسبة الارتقاء لخطة معلم تطبيق بتأويل عبارة ” في حدود ” الواردة في نص الاتفاقية لتنزل النسبة من 40 في المائة إلى 22 في المائة . 2 ـ مدونة ممارسة الحق النقابي : تطلع نقابي مشروع إن ممارسة الحق النقابي ببلادنا تشهد من الناحية القانونية و الترتيبية تشتتا أفضى في نهاية المطاف إلى فقدانها صفة التقنين فإذا كانت نصوص الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة تنص و بوضوح على الحق النقابي  و رغم إقرار الحق في تأسيس النقابات منذ 1884 و الذي كان حكرا على العنصر الفرنسي في نطاق ترغيبه في الانتصاب ببلادنا و رغم صدور الأمر العلي بتاريخ 16 نوفمبر 1932 الذي أقر للتونسيين حقهم في تأسيس النقابات بل قل رغم أن تأسيس النقابات ببلادنا لا يقوم على نظام الترخيص المسبق مثلما هو الشأن للأحزاب و الجمعيات و الصحافة  بالرغم من كل ذلك فإن العمومية و الضبابية و غياب الضبط التشريعي يفترض سن مسطرة قانونية تقطع نهائيا مع الحالة الراهنة و تكفل للشغالين حقهم الطبيعي في ممارسة العمل النقابي  و ذلك للاعتبارات التالية : ـ  أن التحولات العميقة التي شهدها عالم الشغل و في مقدمتها تعمق ظاهرة إعادة توزيع الأدوار بين القطاعين العام و الخاص مع ما أفرزه ذلك من انتشار  مظاهر هشاشة الشغل و سيادة المناخ الملائم للتراجع في الحقوق و المكاسب الاجتماعية و استفحال فقدان الإدارة لحياديتها و تفاقم تحزبها  كل ذلك يتطلب ضرورة حماية و صيانة الحق في ممارسة العمل النقابي بسلطة القانون .  ـ إن استفحال الأزمة الاجتماعية التي تعيشها البلاد و تخلخل ركائز النموذج الاجتماعي سليل دولة الاستقلال من خلال التعارض بين منظومة التكوين و منظومة التشغيل و تراجع قدرة الدولة على توفير خدمات اجتماعية في مستوى الطموحات الوطنية و تفاقم أزمة نظام أنظمة الضمان الاجتماعي عبر التباعدات المسجلة في مستوى العلاقة بين حجم التدخل و تدفق الموارد إنما يستتبع تحصين المنجز النقابي بإصدار مجلة ممارسة الحق النقابي .  ـ إن التراجع المطرد لموارد الدولة و إكراهات التداين و تركز مقابيض المالية العمومية على الموارد الجبائية ( أنظر قانون المالية لسنة 2007 مثلا ) لا يبعث على التفاؤل في المدى المنظور ما يتطلب التفكير بعمق في مصير العمل النقابي و توفير شروط استمراره . 2 ـ 1 : الأطر القانونية لممارسة الحق النقابي :  فضلا عن الاتفاقيتين المذكورتين ( اتفاقية الحرية النقابية و حماية حق التنظيم النقابي و اتفاقية حق التنظيم و المفاوضة الجماعية ) وكذلك الاتفاقية عدد 135 الخاصة بحماية المسؤول النقابي في القطاع الخاص و بالإضافة لمصادقة الدولة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية  حيث أكد العهدان على ضمان الحق النقابي فقد  تعرض الدستور التونسي في فصله الثامن لمسألة الحق النقابي مؤكدا على ضمانه إلا أنه لم يلزم نفسه بإصدار قانون ينظم ممارسة الحق النقابي مثل ما ألزم نفسه بإصدار قوانين تنظم عمل الأحزاب و الجمعيات و الانتخاب و الإعلام الخ … حيث غالبا ما ترد عبارة حسبما يضبطه القانون لتحيل لوجود قانون أساسي أو عادي يتولى تنظيم ممارسة ذلك الحق من زاوية الجهة التي أصدرت القانون , كما أقر قانون الشغل الحق في تأسيس النقابة و ممارسة حق الإضراب إلا أنه اشترط شرعيته بموافقة المركزية النقابية عليه , كما اعترف الفصل 4 من القانون عدد 112 لسنة 1983 وهو القانون العام للوظيفة العمومية بالحق النقابي , أخيرا وبعد إمضاء محضر الجلسة بين الاتحاد و وزارة التربية تم التوصل إلى ضبط بعض الترتيبات الخاصة بممارسة العمل النقابي في مؤسسات التعليم الابتدائي و الثانوي في أفريل 1999 , إلا أن كل هذه ” الترسانة ” القانونية الدولية و المحلية لم تشعر الحركة النقابية التونسية بالاطمئنان على الحق النقابي باعتباره السلاح الوحيد المتاح للطبقة العاملة كي تتمكن من خلال ممارسته مجابهة رأس المال المدجج بألف قوة و قوة أي أن هذه المنظومة القانونية أخفقت في تقديم الضمانات الضرورية لممارسة الحق النقابي و الأدلة على ذلك توجد في مختلف الأزمات التي تصدّرها السلطة للاتحاد حال دخول سياستها الاقتصادية و الاجتماعية في طريق مسدود 2 ـ 2 : بماذا نفسر هذه الظاهرة / المفارقة ؟ لا شك أن هناك عدة عوامل متفاعلة تقف خلف هذه الظاهرة الغريبة لعل أبرزها طبيعة النظام الدستوري و التشريعي و السياسي السائد ببلادنا و الذي يفتقد إلى مبدأ التفريق بين السلط كأرضية دستورية و تشريعية لانبثاق سيادة القانون كما يشكل عدم ارتقاء البلاد حتى اللحظة لوضع دولة الحق و القانون الذي يقوم على تقييد السلطة بالشرعية و القانون عاملا آخر لاستمرار الظاهرة كما أن غياب نص قانوني خاص بممارسة الحق النقابي يهدف أساسا إلى حماية هذا الحق و كفالة ممارسته بدون انقطاع و بصرف النظر عن توجهات و مطبات السلطة التنفيذية لعب و يلعب دورا في تواصل هذه الظاهرة و ما من شك كذلك أن هيمنة البيروقراطية النقابية بما هي فئة اجتماعية تنتمي لمكونات الرأسمالية التابعة و المهيمنة على التكوين الاجتماعي التونسي و تؤدي وظيفة الاطفائي ما من شك في مسؤوليتها في انبثاق العقلية الشرعوية الجامدة و المتمسكة بخيوط مصالحها الاجتماعية في ربط الشغالين بعجلة رأس المال المحلي و الأجنبي , كما يتحمل تيار الاستقلالية النقابية جزءا من المسؤولية بصرف النظر عن المحاصرة و التضييق التي غالبا ما كان ضحية لها . 2 ـ 3 : ملامح المدونة المنشودة : يفترض أن تتضمن المجلة أو المدونة المكرسة لضمان ممارسة الحق النقابي التأكيد على المبادئ التالية : ـ التنصيص على كل عناصر الحق النقابي ـ التنصيص على الحق المطلق في التعقب القضائي لانتهاك عنصر من عناصر الحق النقابي ـ التنصيص على حق العمال وممثليهم في المصادقة و التنقيح و التعديل لمواد المدونة قبل و بعد صدورها ـ التنصيص على أولوية أحكام المدونة على بقية النصوص القانونية ذات العلاقة و خاصة ما كان يتعارض مع مبادئ المدونة . خاتمة : هذه في رأينا خلاصة موجزة نرجو أن تشكل إسهاما متواضعا في فتح حوار وطني معمق حول الحق النقابي صلب حركتنا النقابية و شكرا لكم على المتابعة . محمد الهادي حمدة نفطة في 23 ـ 04 ـ 2007

 

الحكومة تنقصها الشجاعة للحديث في مسألة اللغة

 
أ.د. أحمد بوعزّي عندما كنت مراهقا كنت خائفا على اللغة العربية من الاضمحلال، ولما كبرت فهمت أنها لغة لن تموت بل ستنتشر لأنها لغة الدين الإسلامي. عندما أتحدّث عن اللغة العربية اليوم فأني لا انظر إليها إلا من جانب كونها وسيلة تخاطب واتصال تسمح لنا بالتواصل مع مئات الملايين من البشر لكونها من بين اللغات التي يتعلمها الناس في جميع أنحاء العالم، كما أهتم بها لأن لها دورا عظيما في نمو شعبنا الاقتصادي والفكري والاجتماعي والثقافي. اللغة هي المكوّن الأساسي للثقافة، فهي تسبق المعتقد. يكفي أن ننظر إلى الإنتاج الثقافي باللغة العربية لغير المسلمين فسنجد أن العرب من المسيحيين والغنوصيين والملحدين أعطوا للثقافة العربية مثلهم مثل المسلمين. اللغة هي أيضا الإسمنت القومي لدى الشعوب، انظروا إلى الصين كيف تحافظ على لغتها وانظروا إلى ألمانيا وإيطاليا اللتين أنجزتا وحدتهما في القرن التاسع عشر على أساس اللغة لا غير. تقنيًّا، اللغة هي الوسيلة التي بواسطتها نفهم العلوم بأنواعها، بل يمكن القول أن اللغة هي أساس مجتمع المعرفة. في تونس نخاف الحديث في اللغة، لم أر في حياتي ملفّا تلفزيا واحدا حول اللغة. لغة التدريس تتبدّل في تونس دون تبرير ودون نقاش لعدّة أسباب. أولا لأن الحديث في اللغة لا يكون إلا عاطفيا فالناس يتناقشون فيها بجوارحهم وعواطفهم أكثر مما يتناقشون فيها بعقولهم. ثم أن الذين يريدون تعريب تدريس العلوم في الثانوي معارضون للحكومة ومغلوب على أمرهم والذين يريدون فرنسته أي إبقاءه على حالته هم المسيطرون على الحكومة ولكنهم يخجلون بأفكارهم لأنهم يعرفون أن سياستهم غير شعبية. لم يحدث نقاش واحد في مسألة اللغة يُستعمل فيه العقل. حاولت أن أعرف دوافع المدافعين عن التعريب والمعرضين له، وهذا ما وجدت. الذين يعتقدون أن اللغة الفرنسية سوف تجعلنا نتطوّر يقدمون الحجج التالية: 1- يرون أن الكتب العصرية والدوريات المكتوبة باللغة الفرنسية هي أكثر بكثير من الكتب والدوريات المكتوبة باللغة العربية، وهذا صحيح، لأن 300 مليون عربي يترجمون إلى العربية سنويا أقل من 11 مليون يوناني إلى اليونانية. 2- يرون أن استعمال اللغة الفرنسية سوف يقرّبنا من أوروبا التي هي متقدمة ويبعدنا عن العالم العربي الذي يقع في موقع علمي وصناعي متخلف. وهذا خطأ، لأن أوروبا ترفضنا حتى لو خرجنا من جلدنا وسنبقى عربا رغم أنوفنا وأنوفهم. 3- يرون أن اللغة العربية هي لغة قديمة لا يمكن لها أن تعبّر عن التكنولوجيا الحديثة. هذا خطأ، لأن اللغة الكورية أصعب في الكتابة، ولم تكن اللغة العالمية لتدريس العلوم مثل ما كانت العربية طيلة 4 قرون، ورغم ذلك فالعلوم في الكوريتين تدرّس بالكورية، وتايوان نفس الشيء وتايلندا وإيران وسلوفاكيا والأمثلة متعدّدة. 4- ينطلقون في بعض الأحيان من حالتهم الشخصية أي جهلهم للغة العربية وحذقهم للغة الفرنسية ويختارون الحل التي يضعهم في موقف قوة اجتماعيا واقتصاديا. 5- يعتقدون أن اللغة الفرنسية تضمن العلمانية في البلاد وهي بالتالي لغة الحرية. وهذا خطأ، هناك عديد الدول في العالم نظامها علماني رغم استعمال أهلها للغتهم الوطنية، والأمثلة متعدّدة. أما الذين يعتقدون أن استعمال اللغة الوطنية أكثر واقعية وأكثر فعالية فهم ينطلقون من المعطيات التالية: 1- يرون أن اللغة الوحيدة التي يعرفها كل التونسيين ويفهمونك إذا تكلّمتها أو كتبتها هي اللغة العربية، واستعمال لغة أخرى غيرها لتدريس العلوم وللتبسيط العلمي ولنشر الثقافة سوف يحرم الأغلبية الساحقة من معلومات هامة يستحقونها لتوسيع ثقافتهم التكنولوجية وبالتالي يُقصيهم، فاستعمال اللغة الوطنية قرار ديمقراطي وفعّال. 2- يرون أن اقتصار نشر المعلومات العلمية على الذين يحسنون اللغة الفرنسية وحدهم سوف يقسم الشعب التونسي إلى قسمين قسم قليل مثقف تكنولوجيا وقسم كبير جاهل، وهي حالة لا تسمح بتطور المجتمع ككل. 3- يرون أن الفرنسة سوف تعقّم الإنتاج العلمي المكتوب من طرف التونسيين سواء على مستوى الكتب أو على مستوى الدوريات. لأن الذين يحسنون الفرنسية لا يجيدونها بشكل يسمح لهم بتأليف الكتب القيّمة، وحتى وإن نشروا كتبا باللغة الفرنسية فإن قرّاءها التونسيين قليلو العدد بحيث لا يمكن بيعها بعدد كاف في تونس، ولا تباع البتة في فرنسا أو في البلدان الفرنكفونية لأن الفرنسيين يخيّرون شراء الكتب الفرنسية المؤلفة من الفرنسيين ولأن دور النشر التونسية ودور التوزيع لا تملك القوة التي تسمح لها بمزاحمة دور النشر الفرنسية … حتى في تونس. 4- يرون أن استعمال الفرنسية في تدريس التكنولوجيا يخلق مركّب نقص للتونسي ويجعله يعتقد لاشعوريا أن “إنتاج التكنولوجيا هو حكر على الفرنسيين وحدهم ويقتصر دور التونسيين على استهلاكها”. وينتج عن ذلك اشتراؤه للسلع الفرنسية دون غيرها حتى وإن كانت أقل جودة وأغلى سعرا، وهذا ما جعل فرنسا تدافع على انتشار لغتها بيننا. 5- يرون أنه يصعب علينا مزاحمة الفرنسيين في السوق الفرنكفونية بينما تضيع علينا السوق العربية لجهلنا المفردات التكنولوجية باللغة العربية. 6- يلاحظون أن العربية هي لغة العرب مهما كانت ديانتهم ويمكن للإنسان أن يتكلم ويستعمل العربية دون أن يكون مسلما وهو الحال لعشرات الملايين من العرب غير المسلمين، وأنه لا علاقة بين اللغة والتطرف الديني، فهناك إسلاميون متطرّفون يجهلون العربية تماما. 7- يعتبرون أن اللغة العربية هي أساس ثقافتنا الوطنية وهي التي تعرّف بهويتنا العربية الإسلامية وهي التي تربط بيننا وبين بقية العرب. 8- وبطبيعة الحال لا ننسى الذي ينطلق من عدم حذقه للغة موليار ويرى أن استعمال اللغة العربية يخرجه من موقف ضعف اصطناعي لم يكن يجد نفسه فيه لو وقع استعمال اللغة الوطنية. عندما ننظر إلى كل هذه الحجج نرى أن الغلبة الموضوعية هي للمعرّبين، ولكن هل سننجح في رفع مستوى تعليمنا لو عرّبنا ؟ الأمثلة التاريخية تجعلنا نجيب بنعم. كلما قرّرت الحكومة فتح التعليم في وجه الشباب التونسي وتمكينه من النجاح إلا وعرّبت لغة التدريس لأن البيداغوجيا تفرض نفسها. في السبعينات لما وقع تعريب تدريس الحساب في الابتدائي ارتفعت نسبة النجاح في مناظرة السيزيام من 25 إلى 50 بالمائة. وفي التسعينات لما عرّبت الحكومة تدريس العلوم في المرحلة الإعدادية ارتفعت نسبة النجاح في شهادة الختم إلى قرابة 80 بالمائة. وفي ميدان آخر لا علاقة له بالتعليم، عندما عرّبت الحكومة قصاصات البروموسبور في أواخر الثمانينات ارتفعت المشاركة دفعة واحدة من حوالي 30 ألف دينار أسبوعيا إلى أكثر من 300 ألف دينار أسبوعيا. التعريب يفتح الإمكانيات لكل الناس ويجعل الأشياء أكثر ديمقراطية. جميع الدول العربية الأخرى عرّبت تعليمها الثانوي ما عدى لبنان، والتعليم التونسي ليس الأرقى بين هذه الدول والمناظرات الدولية في الرياضيات والفيزياء تدل على ذلك. واليوم تونس تتراجع عن التدريس باللغة العربية في الإعدادي للتلاميذ المتفوقين. تجربتي في التعليم العالي تمكنني من الجزم بأن التعريب لا يخفّض من المستوى المعرفي للطلبة، فقد درّست في التسعينات الطلبة المغاربة والموريتانيين في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس ولم ألاحظ أي تخلّف لديهم مقارنة بالطلبة التونسيين، بل كانوا متفوقين في بعض الحالات، والآن أدرّس الطلبة الذين تابعوا دراستهم الإعدادية باللغة العربية ولم ألاحظ فرقا بينهم وبين سابقيهم من أي ناحية رغم أني أدرّس باللغة الفرنسية صافية ولا أستعمل حروف ومفردات الربط العربية في كلامي. أصبح التلاميذ لا يحاولون فهم الأستاذ عندما يفسّر لهم الدرس وإنما يحاولون أن يحفظوا عن ظهر قلب تعابير لا يفهمونها ولكنها تضمن لهم العدد في الامتحان، وهذا مردّه إلى عدم إتقان الفرنسية التي تدرّس بها المواد العلمية. ضعف الطلبة التونسيين في اللغة الفرنسية له أسبابه، أولا لأن اللغة الفرنسية لغة صعبة، ثم أن تدريسها لا يستعمل الترجمة التي هي أساس التمكّن من اللغات الأجنبية، وقد ورثنا غياب الترجمة في مدرستنا لأن الفرنسيين الذين كانوا يدرّسون اللغة الفرنسية في تونس كانوا يجهلون العربية، وورث عنهم الأساتذة التونسيون هذا الجهل، وحتى عندما أُدخلت الترجمة إلى البرامج بخجل عُهد بها إلى … أساتذة العربية. نتيجة احتقار العربية في التعليم من طرف السلطة وعدم استعمال الترجمة في تدريس الفرنسية جعل عديد الشباب التونسي غير قادر على تركيب جملة مفيدة بأي لغة كانت؛ والتفكير يتأثر باللغة، فعديد الشباب لا يحسنون التفكير الصحيح ويتصرفون تصرفا خاطئا نتيجة لذلك، وعندما يعجز الشاب عن التعبير فهو يستعمل العنف والكلام البذيء ليعوّض عجزه. ولا أريد أن أتحدّث عن الإذاعات الخاصة التي تجهل اللغة العربية وتكرهها بل تتقيؤها لتعوضها بمالطية ركيكة، ولا عن المؤامرات التي تريد أن تقطع الشعب التونسي عن التواصل مع الشعوب العربية الأخرى لأن ذلك يدخل في ميدان آخر. أنتظرُ فقط ملفّا تلفزيا حول تعريب لغة التدريس، لكن نظرا لاحتكار التلفزة الوطنية من طرف الحكومة فإن انتظاري سيطول. (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة “الموقف” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 414 بتاريخ 13 جويلية 2007)


عبّاس يفقد صوابه

 
هو عنوان رواية للأديب التّونسي حسن بن عثمان، و هذا المقال ليس تقديما لهذه الرّواية و لا تعليقا عليها بل هو حديث عن شخصية تحمل إسم عبّاس، و المقصود طبعا ليس محمود عبّاس رئيس السلطة الفلسطينية الذي يبدو بدوره قريبا من فقدان صوابه هذه الأيّام في صراعه المفتوح مع حماس، بل هي شخصية تونسية طريفة دأبت على إمضاء مقالات تكتبها حصريا على جريدة الموقف التّونسية باسم “عبّاس الجلّولي”. و لا أعلم فيما هو معلن من أسماء القيادات التّونسية أو الصحفيين بالدّاخل أو بالخارج من يحمل هذا الإسم، و الحال أنّ مقالات السيّد عباس الجلّولي تعبّر عن مواقف سياسية من قضايا مختلفة و تغطّي أحداثا وطنية دقيقة لعلّ من أبرزها فيما أذكر المؤتمر الأخير للحزب الدّيمقراطي التقدّمي ـ الذي يوليه السيّد عبّاس عناية موصولة و عطفا خاصّا ـ و الحوار الذي دار مؤخرا بالقاهرة حول حركة 18 أكتوبر، و تحركات هيئة 18 أكتوبر في باريس و أخيرا انتخابات المحامين. من خلال متابعة مجمل خواطر السيّد عبّاس الجلّولي أروم تسجيل الملاحظات التّالية تفاعلا مع هذه الشخصية الحوارية الطريفة ذات الإهتمام السياسي الواسع التي يبدو أنّه لا تفوتها شاردة و لا واردة: أوّلا هل أنّ شخصية السيّد عبّاس هي شخصية حقيقة تتخفّى وراء إسم مستعار أم هي أحد الأرواح المثقفة التي لم تتأقلم مع الفضاءات الواسعة التي تتيحها لها الشبكة العنكبوتية ـ شبكة الأنترنات ـ بما تحمله من إمكانيات واسعة للتحليق و التخفّي، و اختارت في المقابل ملجأ لها أحد الصحف الجادّة و هي جريدة الموقف التي نعرف جيّدا أنّ مقص رئيس تحريرها و رقابة هيئتها على بعض المقالات و بعض الشخصيات لا تسمح بتنفّذ شخصية “شبح” إلى أسرة تحريرها. على كلّ، فإن كان السيّد عبّاس يوجد دما و لحما فإنّه و الله من الغبن أن لا تكون له الشهرة اللاّزمة و أن لا يحتلّ الموقع الذي يليق به في كوكبة المعارضة التّونسية سيما و أنّه يستجيب لجميع شروطها وهي : القلم الرشيق، العبارات الرّنانة، رصانة التحليل، سلامة التمشي، مقابل الإرتجالية في إصدار المواقف، العجز عن إستخلاص الدروس و غياب الرؤية الثاقبة، و هي لعمري أهم خصائص السواد الأعظم من حكمائنا و ساستنا و سبب فشلهم لأربعة عقود كاملة. أمّا إن كان عبّاس الجلّولي إسما مستعارا لشخصية كاريزماتية تونسية تتوهّم تزعّم المعارضة فأعتقد أنّه من غير المفيد أن تعبّر عن مواقفها من وراء الحجاب.
ثانيا، أنا أغبط شخصية السيّد عبّاس على إطلاعها الدقيق على خفايا الحراك السياسي التّونسي  و على قربها من الدوائر المتنفّذة في معارضتنا الموقّرة و ليتني أعرف السبل التي سلكها السيد الجلّولي ليطّلع على ما يدور في كواليس معارضتنا في الدّاخل و الخارج بما يضمن له هذا الكمّ الهائل من المعطيات حولها و الإلمام بتفاصيل تحرّكاتها.
ثالثا، بعد الحزب الديمقارطي التقدّمي، يولي السيّد عبّاس الجلولي عطفا خاصا و عناية موصولة بحركة 18 أكتوبر و لا أخفيكم سرّا حين أقول أنّ أحلامي تكبر بمستقبل هذه الحركة كلّما قرأت مقالا للسيّد عبّاس بل و تصبح هذه الأحلام في بعض المقاطع يقينا جازما بقرب الخلاص و زوال الإستبداد. و الطريف في متابعات السيّد عبّاس هو الإنتقال المفاجئ من التحليل الرصين و الرّصد الموضوعي للأحداث التي نقلها من تونس إلى باريس مرورا بالقاهرة، إلى شطحات و تخميرات سياسية يتوّجها بفقدان صوابه من خلال تصوير المعارضة على أبواب قصر قرطاج و الشعب يتهف بحياتها و حياة قادتها. لكن سرعان ما تصطدم أحلامي بصخرة إسمها الواقع بمجرّد أن أخلع نظاراتي “العبّاسية” و أطّلع على ما يجري من حولي لأرى واقعا ذو ثلاث أبعاد مخالفا تماما لما صوّره لي عبّاس: نظام أمني قويّ و مستبدّ لا يرض لنفسه بديلا و لا معه شريكا، مقابل معارضة خارجة عن سياق التاريخ و الجغرافيا تتخمّر على دخلة سيدي بن عروس حينا و تشطح على نوبة السيّدة المنّوبية أحيانا، و السّاق الثالثة لهذه المعادلة هي المواطن المستقيل. 
رابعا، الغريب في كلّ ذلك هو أنّ مواقف السيّد عبّاس على طرافتها و اشتباكها مع مواقف عديد على السّاحة التّونسية لم أسجّل فيما أعلم أي تعليق عليها أو تفاعل معها على صفحات الموقف أو غيرها، فهل يعود ذلك لقوّة برهانها و حجّتها و شدّة إقناعها أم لضراوة صاحبها و سلاطة قلمه و بطشه الشديد داخل الهياكل و خارجها، أم ربّما، و هي الفرضية الأقرب لواقع حالنا، فإنّ نخبنا المعارضة تحترم أحلام بعضها البعض و تتفهّم كلّ منها تخميرات غيرها.
خامسا، شخصية السيّد عبّاس الجلّولي و مقالاته المثيرة حيّرت أمري و أذهبت نومي و هي حريّة بالمتابعة و التعليق، و آمل أن يكون هذا الإستفزاز بداية حوار هادئ معها يعيد لها رشدها و يخلّصني من شبحها الذي أكاد أتبيّن ملامحه في نومي بين اليقين و ضدّه: هل هو أحد قادة المعارضة الذين خرجوا من الباب و يريدون العودة من الشبّاك، أم أنّه أحد أشباح الأنترنات الذين تسرّبوا بقدرة قادر إلى جريدة الموقف. هل هو ذاك الذي أوهمنا بأنّه قد فسح المجال لغيره ثمّ يراح يجرّ هذا “الغير” من أذنه نحو أجندته الشخصية و الخاصة، أم أنّه ذلك المناضل الذي أنكر ذاته في سبيل خلاص الأمّه. هل هو أصلع، نحيف و طويل أم غزير الشعر قصير القامة و مكتنز البطن. هل هو ذاك الأنيق صاحب البدلة السوداء و ربطة العنق الحمراء أم ذلك الذي يرتدي جبّة تونسية قمراية…. لقد اختلطت عليّ الأمور و يبدو أنّها أضغاث أحلام.   على كلّ، أملي أن يجد ما كتبته طريقه للسيّد عبّاس الجلّولي إن وجد، و أن يكون مناسبة أتعرّف من خلالها على شخصه الكريم، أو أن يتطوّع أحد قرّاء تونس نيوز أو بعضهم على مساعدتي على التعرّف على شخص السيّد عبّاس و مساعدتي على إثابته لرشده. أسوة بالسيّد عبّاس و تقرّبا من عالم الأشباح الذي يقطنه انتقيت من الأسماء: الفاهم الجريدي للتواصل fahemjeridi@yahoo.fr

 

السجن… وعقوبة الإعدام

 
محمد الصالح فليس في الوقت الذي تقوم فيه منظمة العفو الدولية بحملة عالمية حثيثة للتصدي لعقوبة الاعدام وللدفع باتجاه انخراط مزيد من الدول في إلغائها، أمضى أكثر من ثلاثمائة سجين إيطالي يقضون عقوبة مؤبدة بسجون مختلفة في ايطاليا عريضة يطالبون فيها سلطات بلادهم بالتراجع في الغاء عقوبة الإعدام وتمتيعهم بفضائلها ! وقد علل هؤلاء المعتقلون مطالبتهم في عريضتهم  معتبرين أن الحكم مدى الحياة هو موتٌ يومي بطيء وأنه بهذا المعنى مدعاة  للألم والتعب والارهاق، وأنهم يفضلون الموت دفعة واحدة حتى ينعموا براحة معنوية تدرأ عنهم غبن السجن وفظاعته ! فالسجن في منطلق بداياته كانت وظائفه تتمثل أساسا في اعتقال المرضى عقليا بما يضمن عزلهم عن المجتمع، ولم  يفت المفكرين الذين اهتموا بالسجن كظاهرة اجتماعية، ولاسيما ميشال فوكو في كتابه «المراقبة والعقاب» الذي أبدع في مواكبة تطور المؤسسة السجنية من حيث وظائفها وانتهى الى نتيجة أن نجاعة المؤسسة في بعدها العقابي لم تأت بثمارها. وطور جيل شانتران من ناحية بفضل منظور علم الاجتماع للتجربة السجنية بأن اعتبر الفضاء الإعتقالي من زاوية تخصصه في سلب حرية غير المرغوب فيهم اجتماعيا، والفقراء والثائرين. ولئن اختلت المؤسسة القضائية في الغالب في المتطور الحديث بحق ايداع الاشخاص في السجون، فان حالات أخرى للحرمان من الحرية بإمكانها حسب   البلدان  أن تحدث على أيدي  سلطات أخرى مثل قوى الأمن والجيش والديوانة… وأهم ما انتفع به الفضاء الاعتقالي هو هذه الأنوار التي أضفتها الحركة الحقوقية على هذه المؤسسة بما ساهم في «أنسنة» مجالات ظروف الاعتقال الى حدود اختلفت لامحالة من بلد الى آخر، ولكنها مع ذلك بصدد الأسهام في  تطوير هذه الظروف نحو الافضل. وتعمل جمعيات مستقلة مثل جمعية مراقبة السجون الدولية على مواكبة مختلف أوجه  تطبيق الاحكام في علاقة بالحاجيات والحقوق الانسانية التي لا مناص منها. كما عمد مفكرون وباحثون من أمثال مارتين هارزوق إفانز أوريك بيشون وجان بول سيري علي بناء منظومة حقوقية سجنية تضمن مراقبة كاملة لظروف الاعتقال كما تتضمن تفكيرا نقديا بمعنى العقاب. ولعله من الأهمية   استحضار ما قاله المفكر الفرنسي الحرّ ألبار كامو: «إن الحكم على مجتمع يرتكز على أساس حالة سجونه» وكذلك قولته:»إن دولة القانون لا ينبغي أن تتوقف عند باب السجون».   وفي أواخر سبعينات القرن الماضي تكوّن في فرنسا على أيدي مثقفين من قبيل ميشال فوكو وبيار فيدال ناكي «نجمع الاعلام حول السجون» GIP وانطلاقا من هناك  كوّن السجناء القدامى والمعتقلون « لجنة العمل للسجناء» C A P» بهدف الدفاع عن أفضل الظروف الانسانية للاعتقال والتنديد بأقبح الممارسات التي لا تخلو منها المؤسسات الاعتقالية الفرنسية. وتأسيسا على ما تقدم فرغم كل التحسينات التي شهدتها المؤسسات الاعتقالية على اختلاف درجاتها في هذا البلد أو ذاك، في هذه المرحلة أو تلك فإن السجن باعتدائه على حريات انسانية أولية، وباعتباره وسيلة لتحطيم الارادة الانسانية باستفزازيته المقيتة وآعتداءاته التي لا تعد ولا تحصى، يبقى مؤسسة وحشية مختلفة. ورغم كل ما تختزنه المفاهيم السجنية من غُبن وتطاول على انسانية الانسانية، فإن عقوبة الاعدام تظل مفهوما حاملا لمنطق الشماتة والتشفي والاقتصاص بما هي مفاهيم تاريخيا وليدة ظروف بنى فكرية لا علاقة لها بهذا الزمن وبما كرسه الجهد الانساني من مكتسبات حضارية ومضامين فكرية تقوم فيما تقوم عليه : أن مبدأ الحياة بما هي حقّ طبيعي جوهري ليس من صلوحيات أي كان أن يطالها اعتداء ونفيا وإنكارا ، لأن حكم الاعدام  هو عقوبة قاسية، لا إنسانية ومحطة للذات البشرية، وهي فوق هذا كله عقوبة نهائية وباتة، وغير قابلة للتراجع والتعديل ما دامت تودي بالحياة بصفة قطعية وقاطعة. وقد عاش تاريخ القضاء الانساني في أكثر من بلد وأكثر من عصر نماذج غير قليلةمن الاخطاء القانونية التي نتجت عنها احكام بالاعدام تم تنفيذها في  اصحابها بدون وجه قانون وشرعي ، ولما سطعت شمس الحقيقة لم يبق من مجال للتدارك والتقويم ! ودفع الابرياء حياتهم كلها ثمنا للخطأ القضائي البشري.  وفي مادة الاحكام ذات الصبغة السياسية بالتحديد يكتسي حكم الاعدام خطورة اخلاقية وقانونية ترقي الى صف  الجريمة النكراء، ذلك أن الخلافات السياسية، أيا كانت حدّتها، لا تبرّر بأي وجه تصفية الخصوم السياسيين بدعاوى تغلفها اليافطات السخيفة من قبيل التآمر على أمن الدولة وتعكير صفو الأمن العام وما شابه من الحكايات التي تتخفى وراء كلمات في ظاهرها الشرعية وفي باطنها الحقد وارادة التصفية  السياسية بوسائل غير سياسية. وبقدر ما مثلت تصفية عبّان رمضان والمهدي بن بركة وصالح بن يوسف أخطاء سياسية شنيعة أتاها مدبروها على خلفية ضيق صدورهم وخوفهم من أن تنقلب مقولات خصومهم ضد سلطتهم، بقدر ما كانت تبريرات القاتلين سطحية وواهية وغير ذات معنى. وهو ما زاد في  تأكيد حقيقة أن موت هؤلاء المناضلين وغيرهم كثر مثلت بلا منازع خسارة سياسية ونضالية لا جدال فيها، وقتلا مقيتا لعلامات اعتبارية ورمزية في أوطانهم. وأيا كانت اعتبارات الحاكمين لتبرير نفيهم لحياة خصومهم بجرّة قلم بسيطة فإنها لا تستطيع ان ترقى الى اقناع الآخرين ذاتهم، فضلا عن أنها لا تجدُ بعد بضع سنوات من وقوعها من يملك الجرأة والشجاعة للدفاع عنها وتحملها سياسيا واخلاقيا! وكم حكم مارس هذه العادة القبيحة، ولاذ وراء الصمت تكتما وجبنا لانه لا يسنطيع ان يواجه الناس عاري الوجه ناصع المنظر، فهو يعرف ان ما أتاه ليس أقل من جريمة بما في الكلمة من معنى ومن قبح ! كم هو شاسع البون  الحضاري بيننا وبين المفكر الفرنسي فولتيرفي قولته العظيمة : «إني أخالفك الرأي، ولكني على استعداد للموت من أجل أن تنعم بحقك في الإصداع برأيك»!. (المصدر: جريدة “الشعب” (أسبوعية نقابية – تونس) الصادرة يوم 14 جويلية 2007) الرابط: http://www.echaab.info.tn/rubrique.asp?Rub_ID=626&Date=20070714

بخصوص انقراض البشر عموما والعرب خصوصا

منصف المرزوقي (*) “الحركة من أجل الانقراض الطوعي للجنس البشري” حركة مناضلة جديدة أسسها في أميركا سنة 1996 شخص يدعى لس كنايت، وهي ليست جمعية يمكن طرق بابها للانخراط فيها، وإنما هي جمهور مبهم يلتزم أو يتعاطف مع مشروع، قطب الرحى فيه وضع حد للجنس البشري. يخطئ من يتصور أننا أمام ظاهرة فلكلورية، بل على العكس نحن أمام مجموعة تعمل بنشاط وتواصل في الحقل الفكري والدعوي، وقد لفتت في السنوات الأخيرة انتباه الرأي العام الأميركي، وخصصت لها الإذاعات والتلفزيونات المشهورة حصصا، كما أن لها موقعا يزوره الآلاف يوميا من كل العالم وهو (ww.vhemt.org) إضافة إلى هذا فإن الحركة جزء من شبكة واسعة من الجمعيات والمواقع التي تصب في نفس الاتجاه.   سبب “الدعوة” حسب النبي الجديد معطيات لا جدال فيها. وهي أن تكاثرنا السرطاني، إضافة إلى ما نفرزه من بلاستيك ومعادن وزيوت وإشعاعات وغازات يؤدي إلى كارثتين.   الأولى نشر الغصن الذي نجلس فوقه بإرهاق الطبيعة واستنفاد الموارد، مما يعني تفاقم المجاعات والأوبئة والحروب، وإضافة مآس لإنسانية شبعت من المآسي.   والثانية أننا نتسبب في انقراض متسارع لما لا يحصى من الأجناس الحية، وأن وجودنا يهدد وجود أغلبيتها، وبانقراضنا إذن نرتاح ونريح. نتخلص من ألم الوجود ونفسح المجال لزخم الحياة وتواصلها على الكوكب.   كيف يكون ذلك؟ هنا يلاحظ كنايت أنه حتى لو ضربت القوى الذرية بعضها البعض بكل القنابل الموجودة، فإنه سيبقى في بعض الأدغال البرازيلية أو الأحراش الأفريقية بعض المتوحشين القادرين على إعادة المسلسل. ونفس الشيء يكون لو اخترع عالم أخطر فيروس، حيث لن يقضي إلا على 99% من البشر ليتوالد 1% الناجي بعد اكتساب مناعة جديدة تزيد من خطرهم.   لكل هذه الأسباب لا يبقى إلا التوجه إلى ضمير الأجيال الشابة. والمطلوب منهم فقط هو الكف عن التوالد عملا بمقولة المعري: هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد (وعلى العالم).   لنؤكد أن الحركة تنبذ الإكراه ولا تدعو إلى اختطاف الرضع ولا تعقيم التلميذات في المدارس بالقوة ولا إلى صب الأدوية المانعة للخصوبة في مياه الشرب.   كلا، فالالتحاق بالبرنامج اختياري محض، حيث يعول مفكرو الحركة على الحس الأخلاقي الرفيع للشباب ورفضه تعريض أبرياء لما تعرضوا هم له، ناهيك عن التوجه إلى شعورهم بالمسؤولية تجاه الحيوانات والنباتات.   وعندما يتناقص البشر تدريجيا فإن الضغط على الموارد سيقل، فتتحسن معيشة الجميع وتختفي ظاهرة أطفال الشوارع وسخرتهم. كما يصبح العدل ممكنا والتنافس الشرس بين الأمم بلا معنى، فتتراجع الحروب وآفاتها. هكذا سينعم الباقون بآخر سنواتهم، والآدمية تنطفئ كالنار التي توقف رمي الحطب عليها.   القاعدة أن الأفكار الغريبة لا تبرز في مجتمع بالصدفة، وإنما كمؤشر على تغييرات جذرية على الصعيد الفكري والمعنوي، بحيث تبدأ في جيوب هامشية لتتوسع بسرعة متفاوتة.   من الناحية الفكرية، يشكل ظهور المجموعة انقلابا كاملا على ثلاثة مفاهيم مركزية شكلت أهم أسس الفكر الغربي في شقه العلماني وهو المهيمن منذ النهضة.   1- مقولة الفيلسوف اليوناني بروطاقوراس “الإنسان مقياس كل شيء” التي أشاع أنه لا خطاب عن العالم ولا مشروع فيه إلا والإنسان مصدره ومركزه. تقابلها في فكرنا مقولة “الإنسان خليفة الله” على الأرض. بما للخليفة من شرعية التصرف المطلق في ما استخلفه الله فيه.   2- مقولة التقدم (الذي سيرفع تدريجيا وحتميا من قدرات الآدمي العلمية والتكنولوجية والأخلاقية، ليجعل منه إنسانا مكتمل الأوصاف)، كما نظر لها في العلم بايكن، وفي التربية والأخلاق والسياسة كوندورس وروسو وفولتير وهيغل وماركس.   ومن نافلة القول إن كل تاريخنا المعاصر تكذيب صارخ للمفهوم، حيث ظهرت كل الجوانب السلبية للعلم والتكنولوجيا التي لم يحسب لها حساب. أما عن التقدم الأخلاقي والسياسي بالعلم والتربية والديمقراطية، فانظر نشرة الأخبار أو كتب التاريخ، خاصة الحقبة التي تبعت ظهور هذه النظرية الوردية.   3- مقولة النشوء و”الارتقاء”: لا توجد نظرية علمية أسيء فهمها قدر نظرية داروين، حيث كان هم الرجل فهم الآليات التي تمكن الأجناس الحية من التأقلم مع محيط متقلب عبر التغير المستمر. لكنه لم يقصد أبدا –وهو الخلط الذي عاش عليه الفكر الغربي– أن تغير الأجناس يعني “الارتقاء” أو أن أرقى الأجناس هو الجنس الآدمي. وسوء الفهم ناجم عن تسمية النظرية بنظرية “التطور”، الذي زايدت عليه الترجمة العربية عندما سمتها النشوء و”الارتقاء”. لأنه من وجهة نظر الطبيعة، قمة “الارتقاء” ليست ظهور الفكر والقيم والفن، وإنما القدرة على البقاء.   ومن هذا المنظور، يحق للانقراضيين القول إن كل الأجناس التي قاومت وتأقلمت، أجناس راقية بنفس الكيفية، بل إن العصافير أرقى من الإنسان، لأنها موجودة قبله بملايين السنين، أو أن النمل هو سيد الارتقاء، حيث تشير الدلائل إلى أنه الجنس الحي الذي سيخلف خليفة الله، لأنه الأقدر على تحمل التلوث الحالي.   زد على هذا، اكتشاف علم البيولوجيا المعاصرة للتعقيد الهائل لأبسط الكائنات، وأنها معجزات طورت في مختلف الاتجاهات طاقات وقدرات لا توجد عند الإنسان. انتهت إذن أفضلية مزعومة اعتمدت على العلم، بعد انتهاء صلاحية الأفضلية المزعومة دينيا.   بجانب هذا التحول الفكري الهائل، يعكس ظهور تلك الحركة تحولا جذريا في الروح المعنوية. وهل ثمة يأس أعمق من الذي تنضح به هذه الحركة؟   لكن الغريب هو أن يظهر هذا اليأس في أكثر الأمم تمتعا بمنافع العلم والتكنولوجيا والديمقراطية وأكثرها –حتى زمن قريب- تفاؤلا وإيمانا بالمستقبل.   إن كان لأمة أن تنشأ فيها جماعة مثل هذه، فهي أمتنا. وهي كغصن جاف يحمل شوكا وثمارا مرة، على شجرة لها أكثر من غصن وارف.   نعم كيف لم يتحول مزاجنا نحن العرب إلى المطالبة بانقراضنا والسعي الحثيث إليه رحمة بأنفسنا وبأطفالنا، ونحن لا نعد لهم إلا مكانة دنيا بين الأمم؟ ونحن لا ننتج علما ولا فنا ولا فكرا يضيف شيئا للتراث الثقافي البشري الذي نريد التميز به عن بقية الكائنات، ونحن نتوجس خيفة من المرور من استبداد الحليقين إلى استبداد الملتحين، ومن دكتاتورية العصابات إلى دكتاتورية الجماعات؟   تقولون كشفنا أمرك: تريد فتح فرع للمنظمة المشبوهة في عالمنا العربي الإسلامي المجاهد، متسائلين هل وراءها يهود وكم دفعوا لك. خطأ. ما أدعو له هو بالعكس بعث “حركة مناهضة لانقراض البشر عموما وانقراض العرب تحديدا” تاركا زعامتها لمن يريد. ذلك لإيماني بأن حركة الانقراضيين مبنية على أسس فكرية خاطئة.   ثمة من احتج عليهم بأسفاره وآياته المقدسة وأن إله آبائه وأجداده وأن الله خلق آدم على شاكلته وولاه الأرض ومن عليها، ومن ثمة لا شرعية حركتهم بل وكفرها المبين.   وآخرون احتجوا بغريزة البقاء وحب الأطفال ومن ثمة استحالة ما يدعون له. وبالطبع يهز الانقراضيون أكتافهم أمام هذه الحجج باعتبارها دليلا آخر على صغر عقل الآدميين وهوسهم.   لا ننسى أننا أمام بشر يفكرون كالفرنسيين الشرفاء الذين وقفوا إبان حرب الجزائر مع الوطنيين ضد سياسة بلدهم، أو كالإسرائيليين المنادين بالسلام العادل مع الفلسطينيين، أو كالأميركان المجندين ضد حرب العراق. ذلك لوضعهم انتمائهم للبشرية فوق وفائهم لحكومة ووطن. كذلك الانقراضيون الذين يتحدثون من منظومة أن مصلحة الحياة التي نهددها فوق مصلحة الإنسانية. يكون النقاش معهم من داخل هذا الخيار وإلا كان حوار طرش.   من حسن الحظ إمكانية إفحامهم بحجة اكتشفتها صدفة في كتاب (العالم بدوننا) للصحفي الأميركي آلان فايسمان. إذ يمكن تلخيص بحثه في عواقب اختفاء الإنسان بين عشية وضحاها كالآتي: إذا كان وجود البشر على سطح الأرض مصيبة، فانقراضهم مصيبة أعظم.   مثال بسيط. هناك اليوم على سطح الأرض 441 محطة نووية، وكلها قائمة على الصيانة المتواصلة التي بغيابها يتبخر الماء المبرد للمفاعل الذري، مما يؤدي إلى انفجاره ولكارثة مثل تشرنوبيل. تصوروا أكثر من أربعمائة تشرنوبيل تنفث سحبا متواصلة من الإشعاعات السامة لقرون عديدة، واسألوا الانقراضيين عن مصير الأجناس الحية العزيزة عليهم.   وبالمناسبة ذكروهم بأن وضعهم -هم الآدميون إلى إشعار آخر- مصلحة العدد فوق مصلحة الواحد، وإيمانهم بأن الأجناس متساوية في الإعجاز وفي الحقوق دليل ساطع على أن البشر ليسوا بالبشاعة التي تستأهل انقراضهم، حتى ولو كانوا بعيدين كل البعد عن الصور المنمقة التي نسجوها لأنفسهم على مر العصور، وبالتالي فإن لهم حقوقا منها الوجود.   تقولون، أو بعضكم المصابون مثلي بالحزن والغضب أمام ما يحدث في بغداد وبيروت وغزة، “لكن نحن العرب لا مفاعلات نووية لنا. وبالتالي يمكننا الانقراض مما سيخفف العبء على الأرض دون أن يهدد ذلك وجود الكائنات أو البشرية”.   خطأ -فللأسف أو لحسن الحظ- لنا حقول شاسعة من الغاز والبترول هي الأخرى بحاجة إلى نفس الصيانة. وبدونها ستستعر حرائق هائلة لقرون طويلة تهدد الحياة بكيفية لا تقل خطورة عن تهديد الإشعاعات.   الخلاصة هي ضرورة بقاء الجنس البشري وحتى بقاء العرب، رغم صعوبة قبول الفكرة على الأقل هذه الأيام، لا لشيء إلا لمنع كوارث الاختفاء ومحاولة تدارك كوارث البقاء. كيف؟   ويكون ذلك برفض متابعة الرقاص من الإيمان بمركزية الإنسان العربي ومكانته الخاصة عند الله وتقدمه الحتمي بفضل رجوعه للإسلام “الحقيقي”. إلى اليأس منه نهائيا وهجرتنا كلنا إلى ضواحي أوروبا وأميركا حيث لا زعماء مزمنين ولا عصابات فساد ولا مخبرين ولا جلادين.   ثمة بالضرورة نقطة توازن نصل إليها، هي حالة ذهنية نرسخها في عقولنا وفي قلوبنا، وخاصة في عقول أطفالنا وقلوبهم. أن علينا المساهمة مع كل الأمم في إصلاح ما أفسدناه جميعا. أن مهمتنا هي تعهد حديقة الله لا استنزافها. أن لنا واجبات تجاه الإنسانية التي هي أم الأمم وتجاه الكوكب الذي هو وطن الأوطان. أن علينا الخروج من الأطر الفكرية التي حبسنا فيها أنفسنا ببغاوات تقلد نفسها منذ أربعة عشر قرنا وتقلد الآخرين منذ أكثر من قرن. أن علينا وضع نظام سياسي سليم لأنه للمجتمع كالجهاز العصبي للجسم. أن علينا إطلاق قوى الخلق والإبداع المكبوتة داخلنا، لا لنثأر لعقدنا وإنما لشرف المساهمة في مغامرة البشرية. أن هذا سيكون عندما نجعل الحرية أولى القيم والشعور بالمسؤولية ثانيها.   نعم ما رأيكم –بجانب تكثيف النضال على السطح ضد الاستبداد القديم والاستعمار الجديد وعودة حروب داحس والغبراء– في الانخراط في حركة صامتة سرية غير مؤطرة بزعيم ولا مكتب سياسي، مداها عشرات، وحتى مئات السنين المقبلة، يكون اسمها المحفور في قلوبنا وعقولنا جيلا بعد جيل “حركة تواصل البشرية عموما، وأمتنا الجريحة على وجه التحديد”؟ (*) كاتب تونسي (المصدر: ركن “المعرفة” بموقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ12 جويلية 2007)
 
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم

مواقف عمرية (8)

 
د. محمد الهاشمي الحامدي إهداء إلى جميع الناجحين في امتحانات الباكالوريا هذا العام، وبوجه خاص، لجميع الذين ينوون دراسة القانون والعلوم السياسية في الجامعات التونسية. بايع الناس عمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفة للمسلمين بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وما أدراك ما أبو بكر الصديق: أول الرجال البالغين إسلاما في التاريخ، وصديق النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه وصاحبه في الغار، اختصه الله بتأكيد معيته له مع النبي عليه الصلاة والسلام في قرآن كريم يتلى إلى يوم القيامة. صعد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب إلى المنبر في المسجد النبوي الشريف، والناس مجتمعون منصتون، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “بلغني أن الناس هابوا شدتي، وخافوا غلظتي، وقالوا: قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه؟ ألا من قال هذا فقد صدق. فإني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبده وخادمه، وكان عليه السلام من لا يبلغ أحد صفته من اللين والرحمة، وكان كما قال الله تعالى: “بالمؤمنين رؤوف رحيم”. فكنت بين يديه سيفا مسلولا حتى يغمدني أو يدعني فأمضي. فلم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راض والحمد للله على ذلك كثيرا وأنا به أسعد. ثم ولي أمر المسلمين أبو بكر، فكان من لا تنكرون دعته وكرمه ولينه، فكنت خادمه وعونه، أخلط شدتي بلينه، فأكون سيفا مسلولا حتى يغمدني أو يدعني فأمضي. فلم أزل معه كذلك حتى قبضه الله عز وجل وهو عني راض والحمد لله كثيرا وأنا به أسعد. ثم إني قد ولّيت أموركم أيها الناس. فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين. وأما أهل السلامة والقصد فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض. ولست أدع أحدا يظلم أحدا ويتعدى عليه حتى أضع خده على الأرض حتى يذعن للحق. وإني بعد شدتي تلك، أضع خدي على الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف. ولكم عليّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها: لكم عليّ أن لا أجتبي شيئا من خراجكم، ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه. ولكم عليّ إذا وقع في يدي لا يخرج إلا في حقه. ولكم عليّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى. وأسدّ ثغوركم. ولكم عليّ ألا ألقي بكم في المهالك، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم. فاتقوا الله عباد الله، وأعينوني على أنفسكم بكفها عني. وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم”. كان هذا أيها السادة والسيدات بيان البيعة والحكم من ثاني الخلفاء الراشدين، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، متضمنا الخطوط العريضة والرئيسة لأسلوبه في  إدارة الدولة الإسلامية. وقد شهد له التاريخ أنه أوفى بما وعد، وضرب المثل الصالح، حتى أرهق كل حاكم بعده، في بلاد المسلمين وفي غير بلاد المسلمين. جاء في كتب التاريخ أنه كان إذا أصدر توجيهات أو أوامر لعموم الناس، جمع أهله وخطب فيهم: “إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا. وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني. فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر”.

 

                                         بسم الله الرحمان الرحيم

البحث الأول:نظام الحكم في الإسلام:نشأة و صيرورة

                                                      مصطفى عبدالله الونيسي/باريس/فرنسا

الفصل الأول:محمد بن عبدالله(ص)المؤسس الأول للدولة الإسلامية:

الحلقة الخامسة: تعدد الصور و الأشكال لمحاربة الدعوة الجديدة:

 

3)الحرب النفسية والتهديد بالقتل:                                                          لمّا أيقنت قريش أنّ محمدا صلى الله عليه و سلم لا يمكن أن  يحيد   عن الدعوة التي جاء بها،  و أن مغريات الدنيا كلها مجتمعة لا يمكن أن تؤثر فيه أو تفل في عضده ، فهو رسول  و نبي مرسل اصطفاه الله و اختاره لتبليغ ما نُزّل إليه من ربه ، كلفه ذلك ما كلفه ، عمدت (أي قريش) إلى أساليب أخرى في محاربته أكثر شراسة و عنفا.  واعتمدوا من هذه الأساليب الحرب النفسية و تكثيف الدعاية  المضادة للدعوة الجديدة و التهديد بالتصفية الجسدية  لشخص الرسول (ص) و أصحابه الكرام رضي الله عنهم جميعا .  لقد قالوا أنّه ساحر،و شاعر، و كاذب، و مريض ،و مجنون ……إلى غير ذلك من الصفات التي تنفي عن الرسول (ص) استواء الشخصية و توازنها  . كما أنّ قريشا اعتمدت ،أيضا ، في محاربة الدعوة الجديدة أساليب الإحراج و طرح  الأسئلة التعجيزية  للنيل من معنوياته (ص)، و يعكس لنا القرآن هذا الأسلوب في سورة الإسراء: ( و قالوا لن نؤمن لك  حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ، أو تكون لك جنّة من نخيل و عنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ،أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا ،أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ، و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ،قل سبحان ربي هل كنت إلاّ بشرا رسولا.).      و بتأيد من الله سبحانه لم يكن النبي ليستجيب لاستفزازاتهم،و إنّما كان يقول لهم (ص): (ما بهذا بعثت إليكم ، إنّما جئتكم من الله بما بعثني ، و قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم ،فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا و الآخرة ، و إن تردوه عليّ ، أصبر لأمر الله تعالى  حتى يحكم الله بيني و بينكم ). و يأتي القرآن الكريم ليؤكد هذا الخيار الصائب الذي ترعاه العناية الربانية  في مواطن متكررة ومن ذلك أنّ أبا جهل بن هشام جابه  الرسول صلى الله عليه و سلم وواجهه قائلا : (والله يا محمد لتتركن سبّ آلهتنا أو لنسُبّن إلهك الذي تعبد)، فتجيء تعليمات القرآن  مُوجهة الفعل النبوي في الإتجاه الصحيح و القويم(ولا تسُبُّوا الذّين يدعون من دون الله فيسُبُّوا الله عدوا من غير علم ) الأنعام آية108

  4) الإيذاء الشامل :

ومن الحرب النفسية و التهديد بالقتل، مرت قريش إلى مرحلة الإيذاء المباشر و الفعلي ، و من ذلك قول أبي جهل لزعماء قريش 🙁 يا معشر قريش إنّ محمدا قد أبى إلاّ ما ترون من عيب ديننا ، و شتم آبائنا،و تسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتنا ، و إني أعاهد الله لأجلسنّ له غدا بحجر ما أطيق حمله،فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو مناف ما بدا لهم!!

قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبدا، فامض  لما تريد!!

فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف ، ثم جلس لرسول الله ينتظره ، و غدا رسول الله (ص)كما كان يغدو ، و كان بمكة ،و كانت القبلة إلى بيت المقدس بالشام،فكان إذا صلى ، صلى بين الركنين البرّاني و الأسود،و جعل الكعبة بينه و بين الشام….، فقام يصلي ، و قد غدت قريش، فجلسوا في أنديتهم  ينتظرون  ما أبو جهل فاعل ، فلما سجد رسول الله (ص) احتمل أبو جهل الحجر ،ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا ،قد يبست يداه على حجره ….و قامت إليه رجال قريش فقالوا له :  ما لك  يا أبا الحكم ؟قال : قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة  ، فلمّا دنوت منه  عرض لي فحل من الإبل  لا و الله ما رأيت مثل هامته،….و لا أنيابه ….، فهمّ   بي أن  يأكلني!! 

قال بن اسحاق: فذُكر لي أن رسول الله قال: ( ذلك جبريل عليه السلام ، لو دنا لأخذه )(1)  و من ذلك أنّ زعماء الكفر من   قريش ،كانوا يجتمعون قريبا من الكعبة   حتى  إذا طاف بها الرسول  غمزوه   بكثير من القول البذيء و الباطل   ،و كان يرد عليهم   : ( أتسمعون يا معشر قريش ؟ أ مّا و الذي نفسي بيده لقد جئتكم  بالذبح(أي بالهلاك إن لم تؤمنوا ) ) . و كانوا كثيرا ما يأخذون بمجامع  ثيابه قائلين له أنت الذّي تقول  كذا و كذا   في عيب آلهتنا  و آبائنا ، و كان يجيبهم دائما بكل صراحة وبلا خوف أو لف و دوران : ( نعم أنا الذّي يقول ذلك ). ومن ذلك ما رواه  عبدالله بن عمرو                                                                                                              

بن العاص أنه قال : (بينما النبي (ص) يصلي في حجر إسماعيل إذ أقبل عقبه أبي معيط  فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبوبكر حتى أخذ بمنكبه ، و دفعه عن النبي (ص) و قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله )(2). و منه ما رواه الطبري و ابن اسحاق أنّ بعضهم عمد إلى قبضة من التراب فنثرها على رأسه و هو يسير في بعض سكك (طرق) مكة ، و عاد إلى بيته و التراب على رأسه ، فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب و هي تبكي و رسول الله يقول لها :يا بنية لا تبكي ، فإنّ الله مانع أباك )(3) . و أمّا أصحابه (ص) فقد تجرعوا من العذاب ألوانا ، حتى استشهد منهم من استشهد، و عمي منهم من عمي ….، و لم يثنهم  ذلك عن دين الله شيئا ، و نذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما رواه الإمام البخاري عن خبّاب بن الأرتّ أنّه قال : ( أتيت النبي (ص) و هو متوسد بردة و هو في ظل الكعبة ، و قد لقينا من المشركين شدة ، فقلت يا رسول الله :ألا تدعو لنا ؟فقعد وهو محمر الوجه ، فقال : لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه  من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه. و ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت   لا يخاف إلاّ الله )(4) و في رواية أخرى : ( لا يخاف إلاّ الله و الذئب  على غنمه و لكنكم تستعجلون )

5) الحصار الإقتصادي  و التهميش الإجتماعي:

و رد بأسانيد مختلفة ، أنّ كفار قريش أجمعوا أمرهم على قتل الرسول (ص) هذه المرة ، و كلموا في ذلك بني هاشم و بني عبدالمطلب،إلاّ أنّ هؤلاء رفضوا رفضا مطلقا تسليمه (ص) إليهم، و لو لم يكن  هذا الأخير على دينهم . يذكر البلاذري 

أنّ قريشا توعدت بقتل الرسول (ص) ، سرّا و علانية، و قالت :لا صلح بيننا و بين بني هاشم بني المطلب و لا رحم ولا حرمة إلاّ على قتل هذا الرجل الكذاب السفيه. و عمد أبو طالب إلى الشعب بابن أخيه و بني هاشم و بني المطلب ،و كان أمرهم واحدا، و قال :نموت من عند آخرنا قبل أن يوصل إلى رسول الله (ص).  و دخل في الشعب من كان من هؤلاء مؤمنا أو كافرا (5)، رفضا للظلم ،أو حمية ، أو إيمانا .

 وعرفت قريش ،أنّه لا قبل لها اليوم بقتل النبي محمد و قد وقف إلى جانبه بنوهاشم ،مؤمنهم و كافرهم، و بنو عبدامطلب، كافرهم ومؤمنهم،كالبنيان المرصوص،فلجأت إلى ظلم آخر دون القتل و لكنه قد يكون أشد مرارة و أخطر سلاحا في مستوى النتائج و النهايات المنتظرة. جاء في كتاب (الرحيق المختوم) : (وقعت أربع حوادث  ضخمة  ــ بالنسبة للمشركين ــ  خلال أربعة أسابيع ، أو في أقل مدة ، منها:أسلم حمزة ،ثم أسلم عمر ، ثم رفض محمد (ص) مساومتهم، ثم تواثق بنو عبدالمطلب ، و بنو هاشم كلهم مسلمهم و كافرهم على حماية محمد (ص) و منعه ، و حار المشركون ،و حُق لهم أن يحيروا ، إذ عرفوا و تيقنوا ، أنهم لو قاموا بقتل محمد (ص) يسيل وادي مكة دونه بدمائهم، بل ربما يفضي إلى استئصالهم….عرفوا ذلك، فانحرفوا إلى ظلم آخر دون القتل،لكن أشد مضاضة عما فعلوا به)(6). و لمّا عجزت قريش عن قتل النبي صلى الله عليه و سلم ، أجمع زعماءها على منابذة النبي و مقاطعته و مقاطعة من معه من المسلمين ومن يحميه من بني هاشم و بني عبدالمطلب ، وكتبوا في ذلك صحيفة تعاهدوا على تنفيذ بنودها بكل صرامة وعلقوها في جوف الكعبة ،ليضفوا عليها نوعا من القداسة ، و قد جاء فيها 🙁 باسمك اللهم . على بني هاشم و بني المطلب على ألاّ ينكحوا إليهم و لا ينكحوهم ،ولا يبيعوهم شيئا  و لا يبتاعوا منهم، و لا يعاملوهم حتى يدفعوا إليهم محمدا فيقتلوه)(7). استمرت هذه المقاطعة الظالمة سنتين و عدة أشهر ،و قيل سنتين فقط  . و تفيد رواية موسى بن عقبة أنّ ذلك كان قبل أمر الرسول أصحابه بالهجرة  إلى الحبشة ، وإنّما أمرهم بها أثناء الحصار . أمّا رواية ابن اسحاق فتدل على أن كتابة الصحيفة كانت بعد هجرة أصحابه إلى الحبشة و بعد إسلام عمر. و كان لا يصل إلى المسلمين و من معهم ، أثناء هذه المقاطعة ،شيء إلاّ سرّا ممن أراد مساعدتهم من قريش بدافع من عصبية أو نخوة أو عطف. و لاقى المسلمون و نبيهم و حلفاءهم عذابا شديدا و آلاما قاسية من الجوع والخوف و العزلة و الحرب النفسية(8) . جاء في الصحيح، أنهم جُهدوا جهدا شديدا في هذه الأعوام حتى أنهم كانوا يأكلون الخبط وورق الشجر . و ذكر السهيلي أنهم كانوا إذا قدمت العير مكة ، يأتي  أحد أصحاب محمد إلى السوق ليشتري شيئا من الطعام  لأهله ، فيقوم أبولهب مناديا : يا معشر التجار غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم ، فيزيدون عليهم في السلعة أضعافا، حتى يرجع إلى أطفاله و هم يتضاغون من الجوع و ليس في يده شيئ يطفيء جوعتهم. فلمّا كان على رأس ثلاث سنوات أو سنتين ،بحسب الرواية المعتمدة،من بدء الحصار ، تلاوم قوم من بني قصي ، فأجمعوا أمرهم على نقض الصحيفة ،وكان الله قد أرسل على صحيفتهم هذه الأرَضة، وهم لا يعلمون ،فأتت على مُعظم ما فيها من ميثاق و عهد ، و لم يسلم من ذلك إلاّ الكلمات التي فيها ذكر الله عز و جل. و قد أخبر رسول الله عمه بذلك، و هذا من آيات نبوته، فقال له عمه أبو طالب : ( أربك أخبرك بذلك ؟قال :نعم ، فمضى في عصابة من قومه إلى قريش ، فطلب منهم أن يأتوه بالصحيفة مُوهما إياهم أنه قد ينزل عند شروطهم ، فجاؤوه  بها و هي مطوية ، فقال : لهم إنّ ابن أخي قد أخبرني ، و لم   يكذبني قط، أنّ الله تعالى قد سلط على صحيفتكم الأرضَة فأتت على كل ما كان فيها من جور و قطيعة رحم ،فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا و ارجعوا عن سوء رأيكم ، فوالله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا ، و إن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا ففعلتم به ما تشاؤون. فقالوا: قد رضينا بما تقول. ففتحوا الصحيفة  فوجدوا الأمر كما أخبر الصادق  المصدوق صلى الله عليه و سلم. و لكنّ القوم أصروا على الكفر و استكبروا استكبار كما هو شأن الطواغيت دائما و قالوا :هذا سحر ابن أخيك!)…. و ما زادهم ذلك إلاّ بغيا و نفورا .  ولكنّ الله عز و جل ، لمّا أذن بالفرج ، قيّض رجالا من ذوي المروءات و الحسب من قريش تفجرت الرحمة من قلوبهم كما تتفجر الأنهار   من بعض الأحجار الصمّاء ، فتعاهدوا على نقض هذه الصحيفة الظالمة و هذا الحصار الآثم. و هؤلاء الرجال هم خمسة من رؤساء المشركين من قريش ،كما تذكر كتب السيرة، : هشام بن عمرو بن الحارث، وزهير بن أمية ،و المطعم بن عدي،و أبو البختري بن هشام، و زمعة بن الأسود. وكان أول من سعى إلى نقضها بصريح الدعوة هو زهير بن أمية حينما أقبل على النّاس عند الكعبة و قال 🙁 يا أهل مكة ، أنأكل الطعام ن و نلبس الثياب و بنو هاشم و المطلب هلكى لا يُباعون و لا يُبتاع منهم؟….و الله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة). و قال بقية الخمسة نحوا من هذا الكلام،ثم قام المطعم بن عدي إلى الصحيفة فمزقها ، ثم انطلق هؤلاء الخمسة ،ومعهم جماعة ،إلى بني هاشم و بني المطلب و من معهم من المسلمين فأمروهم بالخروج من الشعب إلى مساكنهم.  و هكذا تشاء  إرادة الله تعالى أن تكون هذه المقاطعة الجائرة سببا لتعاطف النّاس مع أصحاب هذه الدعوة الجديدة  ، و كان ذلك التحدي، من طرف القلة المؤمنة الصابرة المظلومة للكثرة من أهل الطغيان الذين يملكون الجاه والسلطان والثروات الكثيرة  ،سببا آخر في دخول أُناسيَّ كثيرين في الإسلام من مكة و خارجها و حولها ، إذ صار خبر المقاطعة الظالمة حديث الركبان ،وكان ذلك الإجراء القُرشي ،العُدواني و الجائر، خير دعوة و دعاية و إعلان للدعوة و لحاملي لواءها. و   حماية للدعوة الصاعدة  و صيانة لها من ناحية ، واستثمارا لتضاعف عدد المسلمين و توسع  دائرتهم، ماذا عسى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يفعل لتحقيق كل ذلك؟

و كيف سيدير معركته صلى الله عليه مع المشركين  ،الذين لا يريدون إلا القضاء عليه و على دعوته بكل الوسائل و في أسرع وقت ممكن، في المراحل القادمة ؟

 

 

                                 مصطفى عبدالله الونيسي/باريس/فرنسا  

 

ا لمراجع:1)السيرة النبوية لابن  هشام1/299       2)رواه البخاري

3)الطبري:2/344، سيرة ابن هشام1/158          4)السيرة النبوية لابن هشام

5)أنساب الأشراف :1/ 230                            6)الرحيق المختوم

 

)محمد حميد الله: الوثائق ص44                    8)السيرة لابن هشام/تاريخ الطبري2/136 /البلاذري:أنساب1/344


الإمام القرضاوي : آخر مجدد لآخر مائة.

( الجزء الرابع ).

 
جبهة الثقافة الإسلامية المعاصرة : لقد ورثت الأمة في القرون الأخيرة فصاما نكدا بين الفقه والثقافة زاد من مأزق الخصام بين الثقافة القولية والثقافية العملية في عصور الإنحطاط تلك. أي إنفصالا بين الفقيه أو عالم الدين بصفة عامة وبين معالجة الثقافة والفكر سواء كان موروثا أو وافدا بتعبير المستشار طارق البشري. ومعلوم أن ذلك من أثر ما حذرنا منه الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام في نبوءته ” تنقض عرى الإسلام عروة عروة كلما إنتقضت عروة تمسك الناس بالتي تليها : أولها الحكم وآخرها الصلاة “. كان عام 40 هجرية آخر عام للجماعة حتى لو سمي عام الجماعة بعد إلتآم شمل إذ بعده ورثتنا الكسروية أو الملك العضوض وذلك هو إنتقاض العروة الأولى : عروة الحكم الإسلامي الراشد. حاول أن تجمع في ذاكرتك عدد أولئك الذين يطلق عليهم الناس علماء دين أو حتى فقهاء و لهم إجتهادات في مشاكل عصرهم ثم كانت لهم إسهامات ـ مهما تكن محدودة ـ في قضايا الثقافة ودنيا الفكر. هل وجدت عددا قصر دون عدد أصابع يديك؟ كان الإمام القرضاوي بحق جامعا بين الفقه وبين الفكر بسبب إنتهاجه للمنهج الوسطي الجامع بين الماضي والحاضر وبين النص والمقصد والمآل وبين القطعي والظني وبين الكلي والجزئي وبين الدنيا والآخرة أو ما عبر عنه القرآن الكريم في ثلاثة مواضع : بين الكتاب وبين الميزان. لذلك تجد اليوم ـ أجل لحد اليوم علامة غالبة أو شبه غالبة ـ علماء دين وربما فقهاء ـ ولو تجوزا ـ مستقلين بعالمهم وإهتماماتهم ولهم جمهورهم إلى جانب مفكرين ومثقفين من الإسلاميين وغير الإسلاميين لهم هم أيضا عالمهم وجمهورهم فترى هؤلاء يتحرشون بالفقه ـ بل أحيانا بالإسلام نفسه ـ يتبرمون من ” ضيقه ” عن إستيعاب المعاصرة وترى أولئك يكادون يسطون بإجتهادات بعض المفكرين ناسبين إليها الجهل بالدين. إذا كان الوضع الإسلامي كذلك أو قريبا منه فأعلم علم اليقين أن خللا كبيرا خطيرا يعطبنا سواء شعرنا بذلك أم لم نشعر. هل يمكن لك أن تقول أن الفاروق عمر كان فقيها ولم يكن مفكرا أو مثقفا يوم أقدم على إصلاحات عقلية جمعا بين النص ومقصده ومآله فيما عرف بأولياته الشهيرة؟ طبعا لا إلا إذا غشيتك غاشية من أولئك مفادها أن الفقه غير الفكر وأن الإنسان يمكن أن يكون مثقفا ولكن بمنطلق نصف إسلامي فيما يشبه الخصومة. لما حاول بعض الناس تبرير ذلك جعلوا يوفرون علاقة ما بين الفقه وبين الفكر فهذا ينظر في الكون وذاك في الدين فزادوا الطين بلة كما يقولون. يمكن لداء العلمانية أن تكون على شكل إرجاء عقدي قديم على نحو تصيب الإسلاميين إصابات عقلية خفيفة أو مخففة تتسلل إليهم وتدب فيهم دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الملساء. كان الإمام القرضاوي مثالا بديعا في الإهتمام بعصره وزمانه ومكانه وتحديات أمته والبشرية. كما كان ذا عقلية نقدية حادة ولكنها جادة ولذلك توفق في الجمع بين الفقه وبين الفكر. تسلح الإمام بأدوات لا بد منها لخوض غمار الفكر والثقافة العصريين من منطلق إسلامي أبيض ناصع منها : 1 ـ التوحيدية وهي على معنيين : معنى حسن فقه التوحيد الإلهي الخالص نفيا لكل خاطرة شرك حتى في قضايا الفكر والثقافة ومعنى الحفاظ دوما ـ حتى في أثناء العمليات التحليلية والتشريحية ـ على وحدة الكائن البشري رغم إزدواج تكوينه. 2 ـ الشمول وهو كذلك على معاني كثيرة منها : الشمول الزماني والشمول المكاني والشمول الإنساني أي الجنس البشري والشمول الأفقي والشمول العمودي أي إمتلاك النظرة الجامعة التي تؤطر كل قضية فكرية أو ثقافية ضمن أرضها المناسبة ومنهجها الملائم قبل بدء عملية التفكيك والتحليل والتشريح فإذا تم ذلك بنجاح في ذهن الفقيه المفكر أو المصلح المثقف كانت عملية إعادة البناء والتركيب سلسة فلا يكون المولود الجديد بعد العملية الجراحية مشوها. 3 ـ المقاصدية ولعله بلغ شغاف بلاغة العبارة عندما قال مئات المرات : حسن فقه النص الجزئي ضمن مقصده الكلي ومراعاة مآله المناسب لمصلحة المكلف. المقاصدية نزعة بشرية تكاد تكون فطرة أو هي كذلك وليست آلية في الدين الإسلامي تيسر حسن فقهه وتنزيله فحسب. هنا لا بد من ملاحظة كررتها مرارا وهي أن : نظام الدين هو ذاته نظام الدنيا في الترغيب والترهيب والجزاء والعقاب وغير ذلك من الأنساق العملية المعروفة وذلك لسبب واحد بسيط جدا وهو أن : النظامين ينبجسان عن مشكاة واحدة وذلك هو معنى الوحدة المصدرية. فكل من أقبل على النظام الديني ـ الإسلام ـ يحسن فقهه على أنه قرين النظام الدنيوي من حيث الأصل والرسالة والمآل في العلاقة مع  الإنسان ضمن لنفسه شطر النجاح وطرد عنه شطر الغلو والتشدد. 4 ـ النقدية أي إخضاع كل شيء مطلقا طرا للنقد العقلي الذي أهل له الإنسان. أجل. أقول في البداية كل شيء بما في ذلك الوجود الإلهي وقطعيات الدين الكبرى وإن كانت كلها مرتبطة بذلك الأصل التوحيدي الأكبر فإن هداه الله سبحانه بعقله لا بوهمه أو بميراثه أو بتقليده إلى خير الهدى في ذلك توحيدا صافيا خالصا تحرر بالكلية وليس عليه بعد ذلك سوى أن يدخل الدار بعد القبول بها موطنا والقبول بمقتضى ذلك بقانونها الداخلي سواء توصل إلى فهم كل جزئياته أو فهم بعضها وعجز عن فهم البقية. ألم أقل منذ قليل بأن النظام الديني هو ذاته النظام الدنيوي مع وجود الفارق الذي يجده كل متدين في عقله وربما تعجز عنه الكلمات. وما أصدق الإمام الغزالي القائل بأن الدين أس أي أصل والسلطان حارس فما لا أس له فمهدوم وما لا حارس له فضائع وهو أيضا القائل بأن العقل يكشف عن دينه ( أو يعرف ربه بربه ) ثم يستقيل أي هو مسؤول في البداية حرا مريدا لما زود به من طاقات عقلية هائلة وملكات فطرية كبيرة تهديه حتما إلى ربه بربه ثم بتجربته في داره تلك التي رضيها تزداد مسؤولية عقله ولكنها مسؤولية من ضرب آخر. 5 ـ السننية والسببية أي حسن فقه أن الكون محكوم بأسباب وسنن في خلقه المادي والمعنوي والإنساني أي الكوني والخلقي والإجتماعي وكون الكون محكوم بتلك الأسباب والسنن ليس معناها أنها تحولت إلى آلهة أو أرباب تصرف الكون بحسب هواها ولكن معنى ذلك أن الله سبحانه تكريما للإنسان علمه أن الكون محكوم منه وحده سبحانه بتلك السنن فهي مخلوقة مملوكة مصنوعة عابدة كرها والإنسان ليس سوى قدر من أقدار الرحمان سبحانه عند التحقيق الإسلامي النقدي الشامل التوحيدي العميق ولكنه قدر حر بخلاف الأقدار المكرهة كالمرض والجهل والظلم والإنسان هو أيضا سنة وسبب ولكنه كذلك سنة حرة وسبب حر. الناس حيال ذلك مؤمنون لم يكسبوا من إيمانهم خيرا أي المرجئة وكافرون كسبوا من دنياهم رغدا خيرا كبيرا وكثيرا ولكن حسبهم من ذلك ما جنت الأوابد في البرية والبهائم في الزريبة. ينطلق الإمام القرضاوي في جهاده على جبهة الثقافة الإسلامية المعاصرة من منطلقات فكرية وتاريخية محددة منها : 1 ـ أن الإسلام إنما جاء ليحكم الدنيا وهو في ذلك في حركة تدافع مع الأديان التي سبقته فهيمنته عليها حكم قدري ماض مطرد ولكن معناه في دنيا البشر أن ينفذوا ذلك وبما هو كذلك فإنه جاء بالكتاب وبالميزان جبنا إلى جنب فكل من مسك ( بتضعيف السين المهملة ) بالكتاب وأهمل الميزان فهو أحول حتى لو ظن أنه يبصر بعينين ومن مسك بالميزان وأهمل الكتاب فهو أعور كذلك فالبصير من جمع بينهما لأنهما كفيلان بتحقيق القسط مراد الله في كونه وأرضه وبنائه الإنساني المكرم ولإنهما كذلك كفيلان بتحقيق القوة عيشا رغيدا وإرهابا لمن يدبر المكر ضد المستضعفين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. ذلك هو الفهم الصحيح السليم للإسلام الذي إعتمده الإمام وهو يكافح على جبهة الثقافة الإسلامية المعاصرة. 2 ـ أن التنوع سنة قاهرة في الكون والخلق والإجتماع ولكنه تنوع إنما جعل وخلق وفق ناموس الإزدواج أقوى سنة كونية خدمة لأكبر قضية كونية وخلقية وبشرية أي التوحيد الخالص الصافي وخدمة لقوانين التدافع والتفاضل والتسخير والحركة ومن كل ذلك تنشأ الحياة المادية و المعنوية للكائنات وتتم إرادة ربك سبحانه حقا وعدلا وصدقا. ومن أثر ذلك التنوع يمكن القول بإطمئنان كبير بأن الإقتباس من الآخر سيظل دوما عامل صحة بين الثقافات المختلفة والحضارات المتنوعة شريطة أن يكون المقتبس ممتلئا ثقة بشخصيته الجمعية عارفا حدود الثبات وحدود التبدل أريبا يقتبس الصالح ويؤثر في غيره ليقتبس منه في علاقة تبادلية. 3 ـ أن ثاني أعظم ثابت في دنيا الثوابت السننية السببية الفطرية هو : كرامة الإنسان التي أعلنها الوحي صريحة صحيحة بكل معاني التأكيد وأدوات الحشد القوي. هي كرامة ممنونة منه سبحانه ممدودة لكل مخلوق إنسي فلا يتبجح بها مخلوق على آخر ولا يسلبها ملك عن مملوك ولا يمن بها سيد عن عبد أو شريف عن وضيع. 4 ـ أن مخ رسالة الإنسان في الأرض كما قال الراغب في خلاصة مركزة مختصرة نبضا إنبجس من جوامع  الكلم : العبادة والعمارة والخلافة. فالعبادة وحدها لا تكفي حتى لو صار بها الإنسان شبه ملاك والعمارة وحدها لا تكفي حتى لو سخر بها الإنسان ملكوت السماوات والمجرات وأصبح يطير من الأرض إلى الشمس المتوهجة كما تطير الفراشة بيسر من زهرة لأخرى والخلافة إنما هي مجموع العبادة الخالصة والعمارة الخيرة. 5 ـ أن الإجتهاد الفكري والإنتاج الثقافي فريضة كتبت على الإنسان الذي زود بها وأهل لها بعقله المعلم وأن نصيب كل جيل من ذلك في كل عصر ومصر هو بحسب ما يصل الأصل الديني العام الثابت القطعي بتحديات الناس ومشاكلهم الطاحنة أما الترف الفكري الذي لا تدعو إليه حاجة أو يسحر الناس فيحولهم عن مخ رسالتهم أو ينفصل بهم عن الأصل المنيع أو عن الحاجة المعاصرة لهم أو عن داعيات الفطرة المحكمة والسنن الغلابة .. كل ذلك الترف لهو أطفال لا يبني حضارة ولا يقيم علما ولا ينشئ فكرا ولا يصلح حال إنسان ولا يعمر بالخير دنيا. كان كثيرا ما يقول : أنا أفكر إذن أنا موجود. أي أن ثمن الإنسان في سوق القيم الإجتماعية والحضارية هو ثمن فكره وإنتاجه العقلي وثروته الحضارية فهو يجمع بين المدنية وبين الحضارة أي بين حضارة المادة وحضارة الروح. 6 ـ أن الإسلام برغم قوته وجماله وجلاله وكماله وعظمته فإنه ـ حتى مع وعد الرحمان له بالحفظ ـ معرض لما لا تحمد عقباه ولكن ذلك يكون على معنى أن الإنسان هو المعرض لذلك الخسران الذي لا تحمد عقباه إذ الإسلام مقدس مبرأ محفوظ ولكن كثيرا ما يعبر الناس بالإسلام عن المسلمين أو بالعكس ولا مشاحة في المصطلحات والتعبيرات كما قرر العلماء من قديم كلما كان المعنى ظاهرا جليا واضحا. المقصود من ذلك هو أن : الإسلام إنما يحفظ بالدعوة إليه شأنه في ذلك في الحقيقة شأن كل موجود فليس ثمة تعارض بين الوعد الرحماني الصادق بحفظه وبين فرضية الدعوة إليه إذ الدعوة إليه سبب من أسباب حفظه قيض لها الرحمان سبحانه عبادا له يفقهونه حق الفقه ويعملون به حق العمل ويدعون إليه حق الدعوة وبذلك ينحفظ بهم إرادة من الله سبحانه. كل ما يسوق الإمام في مشروعه التجديدي المعاصر الكبير على إمتداد كل ما أخطه هنا وما قيل عنه وما لم يقل هو : أولوية الدعوة الإسلامية المعاصرة. لعل أروع ما أعبر به عن الإمام القرضاوي هو : كونه جعل الدعوة إلى الإسلام داخليا وخارجيا وما يقتضي ذلك من أقوال وأفعال هي السائق لمشروعه وهي الحاكم عليه وهي الموجه له وهي الهم الأول والأكبر. حتى الفقه يوظفه للدعوة بل به يبدأ. لا يكتفي بحركة وصل بين الفقه وبين الدعوة بل يوظف الفقه لصالح الدعوة. أليس جديرا بأن يكون بحق : فقيه الدعاة وداعية الفقهاء. 7 ـ أن سقوط الخلافة العثمانية على ما فيها من هنات وأمراض كان بآثاره المدمرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. يقارن القرضاوي دوما بين تلك السقطة وبين سقطة بغداد عاصمة الإسلام ومبعث حضارته التي غزت الشرق والغرب ليلفى أن السقطة الأولى كانت خنجرا في خاصرة مازالت عوامل الحياة فيها كثيرة أما السقطة الثانية فإنها كانت الضربة شبه القاضية لأمة عاجلتها النكبات منذ البداية من الداخل والخارج ولعل ذلك ضريبة لكونها خير أمة أخرجت للناس فالخيرية إنما تولد من رحم المحنة والهمة لا تولد إلا من بطن الأزمة كما يقولون. عندما ينطلق الإمام من ذلك المعطى التاريخي فإنه يرسم على جانبيه المعطيات التي لازمته بسبق طفيف أو لحقته ومنها خاصة : الغزو الفكري الذي يؤكد دوما على أنه كان الأخطر من الغزو العسكري على الأمة إذ الغزو الفكري جلب العلمانية التي تشكلت في حركات يسارية وتيارات ” تلبرلت ” حينا و ” تشركت ” حينا آخر أو ” تقومت ” ولكنها ظلت دوما ذات مضمون علماني يخاصم الإسلام إن كثيرا أو قليلا من قريب أو من بعيد. كما أن العلمانية هي التي جلبت الإستبداد لمنطقتنا العربية الإسلامية إذ هي قرينة قهر الشعوب التي لا بد أن تقاوم فإذا قاومت إصطدمت بالحكام فتخلخلت أركان الوحدة الوطنية. 8 ـ أن زرع الكيان الصهيوني الغادر في قلب جسم الأمة جغرافيا وتاريخيا وقيميا بإحتلاله أولى القبلتين وثالث الحرمين كان ثالثة الأثافي التي فقدت بها الأمة توازنها الحضاري لولا أن الرحمان سبحانه وعد بحفظها وكان حفظها هنا بالمقاومة. نكبتان كبيرتان جدا إستهدفا الأمة : سقطت الخلافة فسقطت معها الوحدة السياسية رمز السيادة والجماعة والوحدة في الأمة ثم غرز السرطان الصهيوني الخبيث في قلبنا وسبق ذلك ولحق به غزو فكري عنيف دمدم علينا بالآلة العسكرية والسحر الفكري العلماني حتى لو تدثر بالقومية العربية ذات المضمون العلماني فتمزقت الأمة سياسيا وثقافيا وإجتماعيا شر ممزق وأصبح الإسلام لأول مرة في تاريخ الأمة في الميزان لا بل إستبعد عن مواطن التوجيه والريادة والحكم وظل يحاصر حتى كان لا يحتل أكثر من برنامج لمدة ساعة في إذاعة أو نصف صفحة في جريدة أسبوعية أو في زاوية مسجد علته أتربة التقليد والطروقيات والتزود من حواشي الحواشي وحواشي المتون المستغلقة. إذا أضفت إلى كل ذلك حلقة الإنحطاط الذي هيمن على الأمة منذ قرون طويلة إلا ومضات سرعان ما طواها التيار التقليدي الهادر من إبن تيمية والشاطبي وإبن حزم وعدد آخر قليل جدا من المصلحين المجددين .. إذا أضفت ذلك إلى تينك النكبتين ثم إلى نكبة الغزو الفكري عرفت لماذا وقعت نكبة 1967 . فإذا سرحت البصر ميلا واحدا إلى الأمام عرفت لم نشأت الصحوة. تلك هي بعض المنطلقات التي يستخدمها الإمام في كفاحه على جبهة الثقافة الإسلامية المعاصرة. ولكن ما هي التحديات التي شغلت الإمام؟ أفضل من يجيبك على ذلك هو : أن تسأل نفسك ما هي التحديات التي تطحن المسلمين اليوم؟ ميزة القرضاوي أنه ينحت الحلول التي يقترحها من صخرة المشاكل التي تطحن الناس لذلك كان واقعيا بشكل جعله متساوقا مع المنهج القرآني الذي ظل يتنزل على مدى ربع قرن كامل تقريبا فيما سماه العلماء التنجيم مراعاة لحسن الفقه وحسن الإستيعاب والفهم وحسن التنزيل وتحسن الإسلام كما يعبر عنه قديما يوما بعد يوم ولو نزل دفعة واحدة لفر الناس منه ولكن بمراعاته لواقع الحادثات يعالجها واحدة بعد الأخرى أيقظ الهمم وفتح القلوب وخارت قوى الإستئصال التي تحاربه حتى دخلت فيه مختارة إن مسلمة أو مؤمنة ومن أسلم اليوم آمن غدا فحسن إيمانه إلا قليلا جدا ومن آمن اليوم أسلم غدا وتمت كلمة ربك سبحانه إظهارا للدين على الدين كله. يمكن إجمال تلك التحديات التي واجهت الثقافة الإسلامية المعاصرة فيما يلي : 1 ـ التحدي العلماني. 2 ـ التحدي السياسي. 3 ـ التحدي التقليدي. 4 ـ تحديات أخرى فرعية.

إلى اللقاء في الجزء الخامس من هذه الرسالة.

الهادي بريك ـ ألمانيا.


 

العمليّات الانتحاريّة.. الآلهة الجديدة التي تقتل الأحياء والموتى

  

 
باسط بن حسن    1. يحدث هناك في العراق وأقرب إلينا ممّا نتصوّر. انتحاريّون يستهدفون جنائز أناس هم بدورهم كانوا ضحايا عمليّات انتحاريّة سابقة. بحركة وحيدة وبإصرار نادر يفجّرون أجسادهم في الأجساد الحيّة وفي الأجساد الميّتة. إنّهم لا يستهدفون بهذه العمليّات مناطق الحياة، بل يستهدفون أيضا المنطقة الفاصلة بين الحياة وما بعدها، فترة الموت والحداد. لقد جمعوا في هذا الصّنف من الانتحار بين قتل الحياة وقتل الموت. إنّهم يعبثون بتصوّراتنا الأخلاقيّة عن الحياة والموت ويفتحون أبواب زمن “جديد” هو زمن عدم تتحوّل فيه العمليّات الانتحاريّة إلى مسار مطلق ومتواصل ومنقطع عن غائيّات التّاريخ، ويصبح فيه قتل الإنسان بعنف بارد ومنظّم هدفا في حدّ ذاته. إنّ قتل الحياة والموت في العمليّات الانتحاريّة التي تستهدف الجنائز ظاهرة مرعبة ومربكة للفكر، وهي تستدعي في هذه اللّحظة التّاريخيّة انتباها فكريّا وأخلاقيّا خارقا. انتباها يستعيد الأسئلة الكبرى ويحيّنها بعيدا عن نزعة التّبرير والتهرّب من المسؤوليّة الأخلاقيّة. 2. هل تستحقّ الحياة أن تعاش؟ هل الغاية من الحياة هي انبعاث حيوات مختلفة ومتجدّدة، إضافة إلى تحقيق نوع من السّعادة الجماعيّة في عالم الإنسان، أم أنّ قدر الإنسان تدمير الإنسانيّة من خلال تدمير ذاته وتدمير الآخر؟ وما هو موقع الموت في مسار الوعي بأهمّية الحياة؟ هذه الأسئلة القيميّة الأساسيّة التي سعت فلسفات عديدة قديمة وجديدة إلى أن تفكّر في السّياسيّ من خلالها تفنّن مثقّفونا في تناسيها وتهميشها. لقد أصرّوا في أحاديثهم الرّكيكة والرّتيبة عن العمليّات الانتحاريّة، أصرّوا على الالتجاء إلى منطق التّبرير المتواصل والتّسامح مع ما لا يمكن التّسامح معه. إنّهم يستندون حينا إلى مفهوم مطلق لـ” المقاومة” بدون تعميق النّظر في تعدّد هذا المفهوم وتاريخيّته، ويستندون حينا آخر إلى غياب تعريف واضح ومتّفق عليه دوليّا للإرهاب يمكن أن يشرّع تدمير الآخر. فكأنّما غياب تعريف أيّ ظاهرة يمكن أن يسمح بفتح أبواب اللامعنى الأخلاقيّ. فتعريف التّعذيب مثلا قد تبلور في “الاتّفاقيّة الدّوليّة لمناهضة التّعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاّإنسانيّة أو المهينة” التي اعتمدتها الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة سنة 1984. هذا التّعريف جاء متأخّرا قياسا بقدم ظاهرة التّعذيب، إلاّ أنّ غياب التّعريف القانونيّ لا يعني غياب الوعي الأخلاقيّ بقذارة هذه الممارسة ولا إنسانيّتها. بل إنّ الوعي الأخلاقيّ بضرورة تجريم هذه الظّاهرة ومنعها ومحاسبة من يمارسها أفرادا كانوا أم مؤسّسات هو الذي ساهم في التّوصّل إلى تعريف دوليّ لها وبلورة قواعد قانونيّة مشتركة من أجل محاربتها. وفي كلّ المغامرات الإنسانيّة لتطوير حقّ من حقوق الإنسان يسعى إلى حماية الحياة المشتركة كانت هناك حوارات ومفاوضات أخلاقيّة لتطوير الظّرف التّاريخيّ. ينطبق هذا على أمثلة عديدة مثل حريّة الرّأي والتّعبير، وحقوق النّساء، والمحاكمة العادلة، ووضعيّة المساجين، والإعدام، والحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة، وحقوق الشّعوب. ولا يعني غياب التّمتّع بحقّ من الحقوق تجاهل هذا الصّراع الأخلاقيّ وتهميشه. إذ هو الأفق الوحيد المتبقّي لمواجهة نزعات تدمير الذّات والمجموعة. 3. إنّ المثقّفين العرب الذين دافعوا عن العمليّات الانتحاريّة، بشكل صريح أو من خلال بلاغة ماكرة ومراوغة، بوصفها حقّا مطلقا يهدف إلى تحقيق غايات السّياسة، لم يساهموا فقط في تبرير جرائم تدمير الذّوات بل ساهموا أيضا في منع طرح معنيي الحياة والموت في مجتمعاتنا. إنّ تبرير المثقّفين للعمليّات الانتحاريّة بوصفهم سلطة، ومن خلال سلطة اللّغة والإعلام، قد فتح باب رعب لن يوصد قبل أن يحمل مجتمعاتنا إلى تجربة معاني العدم والفناء في شكلها المطلق. فالكلّ يمكن أن يقتل وأن يقتل: الانتحاريّ «المقاوم” الذي انتقل من قتل العدوّ إلى قتل الجميع، والسّياسيّ المتطرّف الذي انتقل من محاربة المختلف سياسيّا إلى قتل المجتمع المختلف، والأفراد الذين يقتلون الأفراد في سعيهم المحموم إلى مواجهة مآسي الحياة وضيق السّبل، والدّولة التي غابت عنها الرّقابة فأسّست نظاما لمحاصرة الجميع واغتيالهم في مؤسّسات الرّقابة على الحياة اليوميّة. لقد أفلت مارد العدم من قمقمه وأصبح كلّ شيء ممكنا. فالجسد البشريّ الذي كانت تحكمه ذاكرة بيولوجيّة تحدّد مسار الانتقال من الولادة إلى الموت وذاكرة أخلاقيّة تحدّد معاني تجربته في الوجود قد أصبح في عراء مطلق. أصبح الجسد بلا ذاكرة، أصبح مكتفيا بذاته، لا لمصارعة هيمنة الذّاكرة وخوض غمار الحياة بل لتدمير ذاته وتدمير الآخرين. لقد أصبح التدّمير هو حياة الجسد واللاّمعنى الذي ينفي معاني الحياة والموت. واليوم نرى أنّ العمليّات الانتحاريّة التي تصوّر مثقّفونا أنّها وسيلة ظرفيّة لتحقيق منفعة سياسيّة، نراها قد تحوّلت إلى مؤسّسة قائمة بذاتها لها منطقها الخاصّ الذي هو موت كلّ منطق. لقد ارتفع عدد هذه العمليّات في عدد من بلداننا وتنوّعت أشكالها وأساليبها. رجال ونساء يلقون بأجسادهم المتفجّرة على الجيوش المدجّجة بآخر إنجازات تكنولوجيا أسلحة الدّمار. أطفال وشباب يقودهم كبار إلى حيث ينحرون أنفسهم وينحرون الآخرين. تفجيرات انتحاريّة لا متوقّعة تضرب المقاهي والفنادق والمطاعم وحفلات الأعراس والمؤسّسات الحكوميّة ووسائل الإعلام والمساجد والكنائس ووسائل النّقل. وها هي العمليّات بضربها الجنازات ترتاد الآن مناطق خلنا بسذاجة أنّها ممتنعة عن الإدراك، فهي حصن المقدّس وواجهته ومجال احتكار التمثّلات حول مصير الحياة الدّنيا والحياة الآخرة. لقد كسر بعض من أبناء مجتمعاتنا كلّ الحدود وكتبوا بمداد جثثهم كتاب العدم المريع. 4. أنتج جنون الهويّات المنغلقة والمتطرّفة في مجتمعاتنا جيلا من النّرجسييّن الجدد. نرجسيّتهم لا تشبه في شيء النّرجسيّة المتعارف عليها والتي تسمح في فترة معيّنة من الحياة ببناء الشّخصيّة عن طريق تأمّل الذّات ثمّ مواجهة صورة الذّات بالصّور التي يكوّنها عنّا الآخرون. إنّنا أمام نرجسيّة مرضيّة محبوسة في هذيان الذّات التي لم تعد تتلقّى أيّ صورة من خارج محبسها تمكّنها من عقلنة ذاتها في علاقة بالآخر. لقد تحوّل الآخر عند هذه الذّوات المعذّبة إلى عدم عميق يضاف إلى عدم انعدام الإحساس بالذّات في تاريخيّتها. إنّ تشييء الذّات والآخر ونزع البشريّة عن الذّوات هو الذي يسمح بكلّ الجرائم مهما كانت فظاعتها وعبثيّتها. لقد تحوّل المنتحرون في عمليّة التّشييء الكبرى إلى آلهة جديدة لها مطلق الحكم على الحياة والموت. هذه الآلهة السّوداء التي فقدت صلتها بالتّاريخ تقرّر من خلال قتل جسدها الذي لم يعد يعني لها شيئا متى تنتهي حياة الآخرين وكيف تنتهي. إنّنا لم نعد في مجرّد مواجهة مع متطرّفين تحرّكهم أهداف سياسيّة ودينيّة بل دخلنا مرحلة تجاوز فيها المنتحرون النرجسيّون تمثّلات الدّين الإسلاميّ للحياة كتكليف ومسؤوليّة وتمثّلاته للموت، بطقوسه وحرمته وبكلّ التّصوّرات الأخرويّة المحيطة به. إنّ ظاهرة العمليّات الانتحاريّة المتزايدة وجموع المنتحرين المتكاثرين باستمرار هي بمثابة الورطة التاريخيّة التي تطرح سؤالا أخطر حول مدى تعاملنا الأخلاقيّ والمسؤول مع أسئلة الحياة والموت في مجتمعاتنا. 5. أمام ظاهرة القتل والعنف المطلق الذي يجتاح مجتمعاتنا ما زال البعض يردّد أنّ هناك حدودا للعدم المحيط بنا وأنّ رغبتنا في البقاء ستنتج وبشكل آليّ موانع توقف الضّياع والإنهيار. فسيطلع ضمير مطلق من غياهب واقعنا ليقول يكفى من هذا الجنون المدمّر ويعيد للمجتمع رغبته في الحياة ورؤيته حول الموت وحرمته. هذه الرّؤية القدريّة السّاذجة هي في حقيقة الأمر مجرّد وسيلة لإدامة ما يمكن أن أسمّيه “الكسل الأخلاقيّ”. إنّه العزوف عن تحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة التي تتطلّب منّا الإنصات إلى ما يعتمل في أعماق العدم وفتح حوارات كبرى حول علاقتنا في لحظتنا الرّاهنة بالحياة والموت. فنزعة الدّمار التي أوصلتنا إليها العمليّات الانتحاريّة وهذا الشّعور الغامض بغياب الأمن هو مظهر من مظاهر أخرى تعشّش في أقبية مجتمعاتنا ولكنّها لا تقلّ رعبا. فمن حين لآخر تطلع علينا أخبار المحكومين بالإعدام الذين ينتظرون تنفيذ الحكم في أروقة الموت منذ سنوات، ويمنعون من زيارة أهلهم ثمّ يقبرون في حفر مجهولة. وذاك المريض الذي مات في مستشفى حكوميّ في إحدى البلدان العربيّة وقد نبت في لحمه الدّود نتيجة غياب الرّعاية الصحّية. والأخبار عن مواجهة الدّولة رعاياها بمطلق القسوة فتقتل وتذبّح المدنييّن دفاعا عن رؤيتها للأمن ومحاربة الإرهاب. والأخبار عن ارتماء الشّباب في أحضان العدم وهم يحاولون عبور ضفاف المتوسّط. والأخبار عن بيع النّاس دمهم وأعضاءهم من أجل حفنة من النّقود. والأخبار عن ختن البنات وقتل النّساء باسم الدّفاع عن الشّرف. هذه المظاهر وغيرها هي مجرّد مداخل لقلق أكبر يستوطن ما نعتبره حياتنا. قلق من المصير الغامض وقلق لعجزنا عن تحديد القوى التي تتحكّم في مصائرنا وتقرّر حياتنا وموتنا. تتمثّل بداية الخروج من النّفق في مواجهة الكسل الأخلاقيّ المعمّم وفتح حوارات كبرى حول معنيي الحياة والموت في مجتمعاتنا وحول الظّروف التي تسمح بانحطاط الوعي بالذّات وتشييئها وقتلها إلى حدّ يؤدّي إلى ولادة كائنات مسخ تتحوّل أجسادها، التي لم تعد أجسادها في الحقيقة، إلى معبر لبلوغ العدم الجماعيّ.
 
(المصدر: بموقع الأوان  بتاريخ 15 جويلية 2007)

 

نكبة «الفضاء العام» العربي و… فضائياته

 
محمد الحدّاد (*) خاب ظنّ الكثيرين من أن تكون طفرة الفضائيات التي شهدتها المنطقة العربيّة حديثا فرصة لتطوير الرأي العام. ويقول هؤلاء، وهم محقّون ومصيبون، إنّ الرأي العام هو غير الرأي السائد. الرأي العام ينشأ في مجتمعات تنشد العقلنة ويتطوّر في فضاءات اجتماعية تغلّب الاستدلال والبرهنة على الظنون والأفكار المسبقة. هذا طموح قديم كما هو معلوم بدأ مع عصر الأنوار عندما عزم فلاسفته أن يجعلوا كلّ إنسان قادرا على اتخاذ العقل دليلا ومرشدا وعلى الاستناد إلى قوّة البرهان بدل الاطمئنان إلى السائد. وقد كتب ديدرو وزملاؤه من التنويريين «الموسوعة» كي ييسروا على الجميع الاغتراف من المعارف الحديثة. ومنذ ذلك الزمان إلى الآن أضيفت إلى تلك الموسوعة مئات أخرى وأصبحت المعرفة متاحة للجميع في شتّى الميادين والاختصاصات وبكثافة لم يكن يتوقّعها فلاسفة الأنوار أنفسهم. لكنّ ذلك لم يؤدّ إلى تحوّل البشر إلى كائنات عقلانيّة ولا إلى انتهاء العنف والحروب والتطرّف، أو لنقل، إذا كنّا متفائلين جدّا، إنّ تطوّر ذاك لم يتمّ على نفس الوتيرة من تطوّر هذا. ولسوف يصاب فلاسفة الأنوار بالأرق لو قدّر لهم أن يشهدوا الواقع اليوم. وطفرة الفضائيات العربيّة وغير العربيّة هي جزء من الخيبة العامة من أن يضمن التقدّم التقني تقدّم الرأي العام البرهاني والعقلاني. فالتكنولوجيا تطلب تمويلاً ضخماً والتمويل يستدعي تشجيع الاستهلاك لاسترجاع المصاريف وتحقيق الأرباح، أو أنّه يرتبط باستراتيجيات سياسيّة مخصوصة ليس همها تطوير الرأي العام بل التلاعب بالعقول لترويج مشاريعها. هكذا نرى المشهد الإعلامي العربي قد تميّز في العشريّتين الأخيرتين ببروز الكثير من القنوات الفضائيّة دون أن يعني ذلك تطوّر الرأي العام وتقدّم الإعلام الموضوعي الرصين. فالطاغي هو تكرار الرأي السائد وتحريك العواطف وتهييج الغرائز، سواء في البرامج الإخباريّة أو التحليلية، في مواضيع السياسة أو الفنّ أوالدين. والأدهى من ذلك أنّ هذا الوضع يدعّم لدى الآلاف الوهم بأنّهم يحصّلون معارف موثوقاً بها بفضل المواظبة، بل قل الإدمان، على فرجات الأخبار والحوار المشاكس، فلا يقومون بجهد زائد على ذلك وهم متأكدون من أنهم يحملون الرأي الصحيح والنظرة الصائبة. ويكفي أن نتابع بعض البرامج السياسية أو الدينية على بعض الفضائيات العربيّة كي ندرك جديّة الخطر على العقول، وعقول الشباب تحديدا، المترتب على تكرار الممجوج بواسطة الوسائل التكنولوجية الحديثة والتقنيات الفرجوية الأكثر حداثة. أمّا التعقّل فلم يعد له مكان في ثقافة التهييج وإلهاب الغرائز وتكثيف الصراخ والنعيق. لئن ساد الشعور بالخيبة للأسباب التي ذكرنا فإنّ السؤال الذي يطلب جوابا هو التالي: هل هذا الوضع خاصية عربية؟ كيف نجح النظام العربي السياسي والثقافي والإعلامي في استرجاع المبادرة والتكيف مع التكنولوجيات الجديدة وطفرة الاتصالات المعولمة ليمارس السيطرة على عقول كانت تبدو منذ سنوات قليلة قد فقدت ثقتها به؟ قد نكون مبالغين في تقدير كفاءة النظام العربي في الاستمرارية، لأنّ الحقيقة أنّ الظاهرة تنخرط في منطق تاريخي يتجاوز الفضاء العربي. ولقد حاول يورغن هابرماس منذ 1962 أن يعرض على أنظارنا آليات السيطرة والاستحواذ على «الفضاء العمومي» في كتاب يحمل هذا العنوان. هابرماس كان يتابع التطورات المتلاحقة في مجتمعه الأوروبي، ونحن إنما نواجه بعد نصف قرن ما كانت واجهته قبلنا تلك المجتمعات. وقد بيّن هابرماس في كتابه المذكور أنّ مواصلة طموح عصر الأنوار يرتطم بعائق جديد لم يتوقعه فلاسفة ذاك العصر ومنظروه، عائق من الحداثة وليس من القديم. هؤلاء كانوا يرون أنّ العدوّ هو المؤسسات التقليدية التي تحافظ على وجودها بالسيطرة على العقول وخنق الرأي الحرّ، واليوم أصبح العدوّ مؤسسات حديثة تعمل على توسيع وجودها ونشر سيطرتها بواسطة ما أسماه «المأسسة الحديثة للفضاء العام» والسيطرة على المجتمع المدني بالوسائل التي كان يفترض أن تكون أدوات تحريره، ويترتب على ذلك تفتيت اهتمامات الفرد ومعارفه وسيطرة الإشهار والدعاية (البروباغندا) على حساب التوعية والإعلام والتعليم. ولم يكتف هابرماس الفيلسوف الوفيّ للأنوار بذكرى صراعات القرن الثامن عشر وحسب، لكنّه مضى يحلّل دون كلل وسائل الاستلاب في الحاضر، وهي مرتبطة في رأيه بالعقلانية العلمية التقنية أو الاستعمال «الأداتي» للعقل. لقد عبّر هابرماس منذ الستينات عن الخيبة ذاتها وعبّر عنها بلغة فلسفيّة وبتحليل العلوم الاجتماعيّة وكشف أنّ الفترة الحديثة قد خلقت استلابها الخاص وأجبرت المجتمع المدني على أن يكون فاعلا قليل التأثير بعد أن كان يُنتظر منه أن يكون محرّك المجتمع نحو التقدّم والعقلانيّة. إذا عدنا إلى الفضاء العام العربي وجدناه يتميّز عن الوضع الذي حلّله هابرماس بميزتين. أولاهما أنّ الفارق ليس واضحا بين المؤسسات القديمة والمؤسسات الجديدة، فكأنّ القديمة هي التي تتطوّر تقنيا لا لتمارس على الأفراد نوعا جديدا من السيطرة ولكن لتواصل عليهم سيطرتها القديمة بوسائل جديدة. وثانيتهما أن الفكر العربي لم ينجح في توفير قاعدة تنويرية صلبة يمكن أن تتخذ مستندا لاستمرارية الفعل النقدي والعقلاني في المجتمع وتمكنّ المثقف من أن يواجه بها أيديولوجيات الاستلاب بمختلف أنواعها. ثمة إذاً فارق يزيد من ثقل العوائق ويبرّر عمق الخيبة. فنكبة الفضاء العام العربي أكبر من مأزق الفضاء العام «البورجوازي» كما حلّله هابرماس: فهو يشترك معه في مسبباته التقنية ويضيف إليه رواسب الماضي-الحاضر، من النزاعات القبلية إلى الحروب الدينيّة بين الفرق إلى البنية الأبويّة للمجتمع. وليس غريبا والوضع ذاك أن يكون الكثير من الفضائيات العربيّة وسيلة أخرى من وسائل الاستلاب. فتلك الفضائيات بضاعة من بضائع الاستهلاك الرائجة تعرض على المواطن المستهلك فيقبل عليها بنهم، بفضل طاقتها الإشهاريّة وليس بدافع العلاقة بين ما تقدّمه وما هو بحاجة إليه. وهو يشعر عبرها بتحقيق حاجياته مع أنّها تعمّق سوء فهمه وتقديره لما يحيط به من أحداث ووقائع. (*) كاتب وجامعي من تونس (المصدر: ملحق “تيارات” بصحيفة الحياة (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 جويلية 2007)

على الشاشة التونسية : فجأة أصبح الكل ساراكوزيا !

 
مرسل الكسيبي (*) عندما تتبعت مساء هذا اليوم برنامج منتدى العالم على القناة الفضائية تونس 7 , هالتني الرؤية التبشيرية التي تعاطى بها السادة الأساتذة المازري حداد ود.علي فنطر وعلي الفريوي مع موضوع الانضمام الى الاتحاد المتوسطي الذي جاء الرئيس الفرنسي المنتخب في زيارة رسمية لكل من الجزائر وتونس من أجل الدعوة اليه كفكرة رسمية برغم عدم اتضاح معالم مشروعه بصفة نهائية . عموميات كلامية احتفت بفكرة الانضمام الى الاتحاد المتوسطي دون ادراك حجم المطلوب من البلدان المغاربية … امال في التعاون الاقتصادي بين ضفتي شمال وجنوب المتوسط , ودعوة دمثة وأخلاقية الى وجود شراكة حقيقية تأخذ بعين الاعتبار التطلعات التنموية لبلدان جنوبي هذا الحوض … ادراك لارتكاز الشراكة الدولية على البعد المصالحي دون تحليل دقيق وعميق الى الدواعي التي جعلت الرئيس الفرنسي يسارع بتطبيق حلمه الانتخابي مباشرة بعد أسابيع قليلة من توليه لمنصب رئاسة الدولة الفرنسية … كلام لم يخرج عن الديبلوماسية والتبشيرية المعهودة في موضوع سياسي أبدت فيه الدولة التونسية حماسة غير طبيعية كما سبق أن أبدت من ذي قبل حماسة مماثلة لموضوع الامضاء على اتفاقية برشلونة … اليوم تحدث بعض ضيوف برنامج منتدى العالم على القناة التونسية الرسمية عن فشل اتفاقية برشلونة ! , وعن ضرورة التنادي الى الترحيب بالحلف المتوسطي الجديد , الذي لخصوا أجندته في التعاون في مجال الطاقة وموضوع الهجرة والتعاون الأمني دون الخوض بدقة في تفاصيل أخرى قد تكون هي جوهر الموضوع ! رؤية تبسيطية لموضوع يهم الرأي العام الوطني والمغاربي والعربي والدولي , حيث سارعت قبل أيام دولة بحجم ألمانيا الى طلب توضيحات فيما يخص علاقة هذا المشروع الناشئ باتفاقية برشلونة ,فقد سبق أن  أدلى وزير خارجيتها السيد فرانك شتاينماير بتصريحات عبرت عن بعض القلق تجاه غموض يعتري بعض ملامح الاتحاد المتوسطي . فحين سئل شتاينماير في برلين عن أساس هذا المشروع  أجاب “علينا ان نحاذر الا يدخل أحدنا في منافسة مع الاخر في سياسة الجوار”. وأضاف شتاينماير “اذا ارادت الوحدة المتوسطية مثلا الوصول الى القنوات المالية نفسها لعملية برشلونة فهذا الامر سيكون طبعا مصدر خلافات”. وتشكل عملية برشلونة احد جوانب سياسة التجاور لدى الاتحاد الاوروبي وتسند بموجبها مساعدات مالية لدول جنوب المتوسط. وكان مؤتمر أوروبي متوسطي عقد عام 1995 في برشلونة لتطوير التعاون بين ضفتي المتوسط لكن نتائجه اعتبرت مخيبة للامال. وفي سياق اخر عبر الرئيس الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم الثلاثاء الماضي حين زيارة نظيره الفرنسي ساراكوزي عن انشغاله العميق تجاه مستقبل الاتحاد المتوسطي في حال نفاذ الغاز الجزائري في أفق زمني لن يتجاوز حتما العقود المعدودة … تساؤلات لابد أن يطرحها رجال السياسة والاقتصاد والاعلام وغيرهم من المعنيين بالشأن العام تجاه موضوع استراتيجي لايمكن تقديمه بشكل كاريكاتوري للمشاهد أو المتابع دون تفكيك محاور اهتمام هذا الاتحاد المتوسطي وافاقه الزمنية والدول المعنية به بشكل محدد , مع الخوض في موقف القائمين عليه من قضايا الديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة وموضوعات حقوق الانسان , وموضوع العلاقة مع حقوق الشعب الفلسطيني والأوضاع المترنحة في لبنان وغير ذلك من موضوعات تهم الشأن السياسي الداخلي للدول المرشحة لعضوية هذا الاتحاد … موضوع علاقة هذا الاتحاد باسقاط طموحات العضوية التامة لتركيا من الاتحاد الأوروبي , ومدى قابلية هذا المشروع للتعايش مع اتحاد مغاربي حقيقي لابد أن يتحقق عاجلا أم اجلا , هذا علاوة على مدى قابلية دول عظمى أخرى لها ارتباطات استراتيجية وأمنية بالمنطقة بمثل هذا المشروع ونخص على وجه الذكر لا الحصر الولايات المتحدة الأمريكية , يضاف الى ذلك مدى قابلية ساراكوزي والفريق الجديد للاليسيه بانخراط ليبيا في هذا المشروع … موضوعات كثيرة لابد أن نطرحها على النفس من باب معرفة مدى صلوحية كذا مشاريع بالنسبة لدول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط , والتي من المعلوم بأن جلها ينتمي الى الخاصرة العربية والاسلامية وهو مايعني على الأقل بلورة موقف عربي واسلامي مشترك تجاهه من قبل منظمتي الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي , بما يأخذ بعين الاعتبار الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة في دولة مستقلة عاصمتها القدس وحدود لها لاتقل عن حدود سنة 1967  . كانت هذه عموما بعض الملاحظات الهامة على حوار سياسي واقتصادي واعلامي أطلقته زيارة الرئيس ساركوزي للجمهورية التونسية على قناة تونس 7 , وامل أن تلقى مثل هذه الملاحظات الكثير من الدراسة والنظر بعيدا عن الحزازيات التي ينظر بها الى أي نفس نقدي يلقى طريقه الى النشر والاعلام . (*) رئيس تحرير صحيفة “الوسط التونسية” (المصدر: صحيفة “الوسط التونسية” (أليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 14 جويلية 2007)
 

ساركوزي يبدأ بالاصطدام بالأميركان و… باكتشاف تعقيد العالم!

 
نهلة الشهال (*) قبل أن تنتصف الأيام المئة الأولى التي بات الاحتفال بمرورها على الحكام تقليداً أو يكاد، فتح الرئيس نيقولا ساركوزي أربعة ملفات – على الأقل – تثير حساسية الإدارة الأميركية، إن لم يكن غضبها. بدأ الأمر بموقفه من كوسوفو الذي أعلنه في قمة الثماني مفاجئاً الجميع، «متفهماً» وجهة نظر الرئيس الروسي بوتين، بعد جلسة ثنائية يبدو أن الفودكا الوفيرة كانت فيها ثالثهما، على ما أظهر شريط تلفزيوني انتشر على يوتيوب قبل أن يُسمح للمحطات الفرنسية ببثه. ولم تكن الإدارة الأميركية وحدها المعنية، بل تجاوز مقترح ساركوزي القائم على إعطاء فرصة إضافية قبل تقرير استقلال كوسوفو، الاتحاد الأوروبي نفسه الذي كان مفوضه للسياسة الخارجية قد انتهى من وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل مشروع… مختلف. في ذلك المؤتمر الصحافي الشهير، نعت السيد ساركوزي مراراً الرئيس بوتين بالمنفتح معتبراً انه يمثل ديموقراطية شابة بأمارة قوله أن الديموقراطيات «الأكثر قدماً» ليست في موضع إعطاء الدروس في مجال حقوق الإنسان بسبب ارتكاباتها العديدة. وهو كله ما يكاد يكون رداً مباشراً على الرئيس بوش الذي شن قبل ذلك بوقت قليل حملة عنوانها عدم ديموقراطية الحكم في روسيا وسجله المشين في مجال حقوق الإنسان! ثم واصل الرئيس الفرنسي تطوير موقفه، فاقترح اجتماعاً في باريس للجنة تعاون عسكرية روسية – فرنسية مشتركة، تبحث عن حل لمسألة موضعة الدرع الصاروخي! ذاك الذي تتصارع الإدارة الأميركية مع الرئيس بوتين بصدده. ثم انتقل في المؤتمر نفسه للإجابة عن سؤال يتعلق بالسودان، فأشاد أولاً بالتأثير الايجابي للنفوذ الصيني على ذاك البلد، مما يمكن اعتباره ديبلوماسية فائقة، وأعلن تردده الصريح حيال عقوبات تفرض عليه بسبب الوضع في دارفور، معتبراً أنها آخر الحلول، معلقاً آمالاً شديدة على ما سيخرج به المؤتمر الموشك على الانعقاد للبحث في موضوع دارفور… في باريس. ولعل تلك الطلعات لم تثر الانتباه الكافي وقتها، لأسباب عديدة منها ما يتعلق بجدّة الرئيس الفرنسي الذي كان يشارك في أول اجتماع عالمي له، ومنها ما يتعلق بالحدود الكلامية التي كانت تتوقف عندها هذه المواقف. ولكن السيد ساركوزي أمعن، مما يسمح باعتبار التكرار قانوناً، حسب تعريف الفيزياء. بل هو طال مواضيع تقع في نقطة القلب من الاهتمام الأميركي، منتقلاً من إعلان المواقف إلى بنائها. هناك أولاً الأزمة اللبنانية التي استحقتْ من الرئاسة الفرنسية موفداً مشهوداً له بالقدرة الفائقة والمعرفة الدقيقة بالمنطقة والموقف المقبل إيجابياً على إشكالاتها، يجول فيها منذ أسابيع عديدة، متنقلاً بين عواصمها وصولاً إلى طهران في زيارات متكررة، مقبلاً على زيارة إلى دمشق جرت شائعات تقول إنها كانت مقررة بعد يوم من اليوم الذي وقع فيه اغتيال النائب وليد عيدو، مما دفع البعض إلى الربط بين الواقعتين. وهي، الزيارة، وإن تكن لم تجر، إلغاءً أو عدم تعيين من الأصل، إلا أن مجرد «الشائعة» التي أطلقتها، كانت على ما يبدو من بين الأسباب التي حثت على عقد «اجتماع قمة» عاجل في باريس، بين رئيس الوزراء اللبناني السيد فؤاد السنيورة والرئيس الفرنسي، بحضور السيدة رايس، لعل وظيفته طمأنة الأول، وإشراك الولايات المتحدة في تعيين الإطار الذي تتحرك ضمنه «المبادرة الفرنسية» كما باتت تعرف، سيما بعد أن واجهت منذ ساعاتها الأولى نيران هجوم السفير الأميركي في بيروت، نقداً وتسخيفاً، مما أوحى بأن مصيرها هو الوأد. لكن اجتماع «الحوار اللبناني» ينعقد في ضاحية باريس هذه الأيام، وقد تمكّن من الجمع علناً – بخلاف الاجتماع الخاطف المشابه الذي عقد في سويسرا في نيسان (إبريل) الفائت – بين فرقاء تبادلوا في الأشهر الأخيرة أقذع التهم. وقد أبدى الفرنسيون ذكاء إذ اعتبروا الاجتماع سيرورة وليس غاية نهائية بحد ذاتها، فلا يفترضون صدور نتائج، ويعتبرون أن مجرد انعقاده أمر ايجابي، يهيئ الأرضية لسياق يليه من التفاهم الضروري بين مكونات المجتمع اللبناني. وقد يمكن قول الكثير، مما هو محق، حول التعريف المعتمد لهذه المكونات، لكن ذلك لا يهز الاختراق الفرنسي للمسرح الموضب أميركياً. بل يعزز من دلالات هذا الاختراق حادث توصيف حزب الله الذي سبق انعقاد لقاء «سان كلو» والذي كاد ينسفه، إذ اضطرت الاليزيه إلى تصحيح «الشائعات» حول نعت حزب الله بالإرهاب، وقالت انه ليس موقفها، ولا تعمل على اعتماد مثل هذا التصنيف، وان حزب الله مكوّن سياسي أساسي من مكونات المجتمع اللبناني! ولا بد أن السيد بوش قد التهم قبعته غضباً تجاه هذا المقدار من الفصاحة، بعد أن كان التحرك الفرنسي حول الأزمة اللبنانية قد أثار حفيظته أصلاً، وأشعره بحجم طموح باريس للعب دور دولي قد يتميز، في أدائه على الأقل، عما يهندس هو. وقد يصح قول الأمر ذاته في ما يخص زيارة الرئيس الفرنسي منذ أيام للجزائر وتونس. فهو عرض خلالها فكرة «الاتحاد المتوسطي» الذي يفترض أن يتوسع بما يتجاوز بلدان الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، فيشمل أيضاً مصر وتركيا والأردن، ويقال إسرائيل… وقد تكلم الرئيس الفرنسي باسم بلدان أوروبا «اللاتينية»، مما أثار تساؤلات محقة حول مقدار التنسيق المسبق مع هذه الأخيرة، ومقدار التزامها بالمشروع الفرنسي. ولكن ساركوزي المتعجل للإحاطة بالعالم ربما فعل ذلك تمييزاً لمشروعه عن الشراكة الأورو-متوسطية التي أطلقتها دورة برشلونة عام 1995، والتي انتهت إلى خواء إذ وصمتها شهية البلدان الشمالية الغنية إلى الاستثمار المربح في بلدان الجنوب، حين يكون هذا الاستثمار متحرراً من أي كلفة حيالها، ثم طغت عليها تماماً الاهتمامات الأمنية، بشقي منع الهجرة والتنسيق حول «الإرهاب». لا شك أن ساركوزي ارتكب في زيارته هذه كل الأخطاء الممكنة، فعدا أنه بدا مطلقاً لأحلام أكثر مما لمشروع مُفكَّر، وسم الزيارة التوتر منذ بداياتها فتأجل استقبال المغرب له، على قاعدة اعتبارات التنافس مع الجزائر على المكانة، وأخرى تتعلق بالموقف الفرنسي المبهم من ملف الصحراء، ثم صدم الجزائريين إذ كنس بحركة من يده قضية الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي للجزائر – وهي مسألة في غاية الأهمية والحساسية. لكن تلك ليست نقاطنا اليوم، بل ما قاله تصريحاً حول الضرورة التي تجد فرنسا نفسها حيالها، لجهة العمل على الحد من النفوذ الأميركي – والصيني – المتعاظم في بلدان منطقة نفوذها السابق، أي شمال إفريقيا، بل وجزء كبير من عمق القارة السمراء! وكتتمة للمشهد، دفع السيد ساركوزي بترشيح السيد ستراوس كان – الشخصية القيادية الاشتراكية الأكثر ليبرالية – إلى رئاسة صندوق النقد الدولي، وريثاً لرئيس فرنسي، وتعزيزاً لأحقية باريس بهذا الموقع. بل هو حصل على التزام أوروبي إجماعي بمرشحه! ها هو يصطدم بغيظ أميركي علني، مما يمنح عمليته بعداً يتجاوز ما اعتُبر مجرد لعب داخل الساحة الفرنسية، هدفه تجويف الحزب الاشتراكي من قياداته وشخصياته، واستقطابها وفق نَفَس برغماتي إلى فريقه «العملي» و»الفعال» و»المنفتح». ها هو يصيب عدة عصافير بحركة واحدة. قد يعيد كل ذلك إلى الأذهان موقف رفض المشاركة في الحرب على العراق الذي اتخذه جاك شيراك، واستدرّ عليه نيران حقد الرئيس الأميركي. شيراك هذا الذي بنى الرئيس الفرنسي الحالي كاريزميته الخاصة على قاعدة القطيعة مع عهده، فإذا به يجد نفسه، في السياسة الخارجية على الأقل، مدفوعاً إلى التجديد على قاعدة مزيد من تعزيز «عظمة» فرنسا واستقلال قرارها وحركتها. وهو إذ يفعل، يصطدم بالتأكيد بالترتيبات الأميركية، وهي تفترض أن العالم سقط ناضجا في يدها كقطب أوحد. ساركوزي الأطلسي المعلن، صديق الإدارة الأميركية التي سارعت قبل الجميع إلى تهنئته بالفوز، بل الذي تمكن، وللعجب، من الإعجاب ببوش! قد لا تصل هذه التناقضات إلى مدى مقلقاً بصورة جدية للإدارة الأميركية، ولكنها هنا، تقول لبوش كما لساركوزي كم أن العالم معقد، وغير قابل للتوقع! (*) كاتبة وأكاديمية من لبنان مقيمة بفرنسا (المصدر: ملحق “تيارات” بصحيفة الحياة (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 جويلية 2007)

محمد السادس لساركوزي: الاتحاد المتوسطي مشروع خلاق

 
الرباط – محمد الأشهب     عبّر العاهل المغربي الملك محمد السادس عن دعمه لخطة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إقامة «اتحاد متوسطي». وقال في رسالة تهنئة الى الرئيس الفرنسي لمناسبة العيد الوطني لبلاده: «أعرب لكم مجدداً عن دعمي الكامل لمشروع الاتحاد المتوسطي» الذي وصفه بأنه «مشروع خلاق» كونه «يستجيب تطلعات شعوب المنطقة ويساهم في رفع التحديات الحقيقية المطروحة عليها». وأكد التزام العمل والرئيس الفرنسي لإعطاء العلاقات المغربية – الفرنسية دفعة قوية في إطار الشراكة الاستراتيجية، كما أعرب عن التزامه «دعم قيام الحوار الايجابي والشراكة المفعمة بروح التضامن، في نطاق الفضاء المتوسطي، ما يكفل الأمن والاستقرار لسائر دول حوض المتوسط». ووصف ساركوزي بأنه يتحلى بنظرة ثاقبة ويقود اصلاحات طموحة. وأعرب عن سروره لزيارة الدولة المقرر ان يقوم بها ساركوزي في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل للمغرب. وقال عنها انها «تشكل مناسبة للاحتفاء بعراقة الصداقة المغربية – الفرنسية وترسيخ عملنا المشترك لنصرة قيم السلم والحوار بين الثقافات». وكان المغرب طلب الى الرئيس الفرنسي إرجاء زيارة كانت مقررة الى المغرب الأسبوع الماضي في إطار جولة شملت الجزائر وتونس، وتمنى عليه القيام بزيارة رسمية للمغرب، في إشارة إلى تقاليد دأب عليها رؤساء فرنسيون سابقون، وفي مقدمهم جاك شيراك وفاليري جيسكار ديستان، لتخصيص الرباط بأول زيارة رسمية الى بلدان شمال افريقيا عقب انتخابهم. ونفت أوساط في الرباط وباريس أي تداعيات سلبية بسبب ذلك الاجراء الذي قال عنه المغرب إنه مرتبط بالأجندة الخاصة للعاهل المغربي الذي يزور المحافظات الشمالية للبلاد. وفي تونس (أ ف ب)، هنأ الرئيس التونسي زين العابدين بن علي نظيره الفرنسي ساركوزي بالعيد الوطني، وأعرب عن «ارتياحه للتطور الواعد الذي تشهده عرى الصداقة التونسية الفرنسية العريقة». وأكد ان «السنوات المقبلة ستفتح آفاقاً جديدة للعلاقات المتميزة بين تونس وفرنسا ولتنمية الشراكة الاوروبية – المتوسطية بما يساهم في مزيد من احلال السلم والرفاه في المنطقة المتوسطية والعالم». (المصدر: صحيفة الحياة (يومية – لندن) الصادرة يوم 15 جويلية 2007)

 

النهضة والتقدم في فكر جمال الدين الأفغاني (1839–1897)

 
زهير توفيق     يعتبر الأفغاني أهم رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر، ورائد الاتجاه السلفي العربي الحديث، تعددت مواهبه واهتماماته، ولكنها تركزت في النهاية حول رفع شأن المسلمين، وتوحيد كلمتهم للتصدي للأطماع الاستعمارية المحيقة بالدولة العثمانية، التي كانت تعاني الضعف والانحلال. وقد طاف البلاد الإسلامية في ذلك الوقت، فزار إيران ومصر وتركيا والهند والأفغان والحجاز، إضافة الى الدول الغربية، بريطانيا وفرنسا وروسيا، فتعرف الى أحوالها وأحوال المسلمين فيها، وطبيعة مشاكلهم، واكتسب ثقافة موسوعية إضافة الى ثقافته الدينية ومعرفته بالإنكليزية والفارسية والتركية، وكوّن في مصر حلقة من المريدين والأدباء ورواد النهضة العربية الذين التفوا حوله، وعملوا بآرائه، وطبقوا أفكاره فيما بعد، وأشهرهم محمد عبده، وأديب اسحق، وسعد زغلول، فأصدروا الصحف وشاركوا في الحراك الثقافي والاجتماعي، ما أوغر صدور الحساد الرجعيين والمحافظين عليه، ومع تصاعد المد الوطني في مصر، وتجذّر مطالب الحركة العرابية التي انتقلت من حركة عسكرية الى حركة وطنية شاملة مثلت مطالب وتطلعات المصريين، وارتباطها بتوجهات الأفغاني بادر الخديوي توفيق الى طرده من مصر، فسافر الى الهند، وبقي 3 سنوات، ثم الى باريس، والتقى هناك بمحمد عبده، وأنشأ جمعية العروة الوثقى، وصحيفتها الناطقة باسمها (العروة الوثقى)، لتكون منبراً للتحريض ضد الظلم والاستبداد، ودعوة والى التحرر والنهوض. ولم تسنح الفرصة لجمال الدين الأفغاني لإغناء أفكاره وتعميق منهجه الإصلاحي، فكان شديد الانشغال بأفكاره العملية (الجامعة الإسلامية)، وهي الرابطة اللازمة لحشد القوى رسمياً وشعبياً للتصدي للأطماع الغربية، فلم ينتج الكثير من الكتابة المنظمة والمعمقة. وكان سلفياً مثالياً، جسّد في أفكاره وطرائق تفكيره خصائص المصلح الديني السلفي، فأسباب الفشل وتدهور أحوال المسلمين والعالم الإسلامي تعود برأيه الى إهمال وترك ما كان سبباً للنهوض؛ أي ترك حكمة الدين القويم، وعدم العمل بها، وترتب على هذا العامل أسباب أخرى منها: انفصال الرتبة العلمية عن الخلافة؛ اي ابتعاد واستغناء الخلفاء والأمراء المسلمين عن الاجتهاد والتفقه والنظر الديني والعقلي، وترتب على هذا الموقف إغلاق باب الاجتهاد وانحساره من حياة المسلمين، وهيمنة التقليد الأعمى عند العلماء لمن سبقهم، والتقيد بأفكارهم على المستويات كلها، كما تمزقت الخلافة الإسلامية، وظهرت مراكز أخرى منافسة أضعفت الخلافة العباسية في بغداد، كمصر الفاطمية الشيعية، والخلافة الأموية في الأندلس. كما لاحظ ان الاكتفاء بالإيمان القلبي، والقول دون العمل كان سبباً للتفكك، وانقطاع أواصر التواصل بين المسلمين، وفقدانهم الشعور بالعمل الجماعي، ما أفسد الوحدة والتماسك، وتسلل هذا الشعور والى جمهور العلماء والرؤساء والحكماء، ورافق ذلك انتشار عقيدة الجبر الداعية الى التواكل والاستسلام للمصير بدلاً من القضاء والقدر، وهي الحقيقة الدينية التي تحض على العمل والنشاط. وأفرد مساحة لا بأس بها للعوامل المادية الأخرى، ومنها طبائع المجتمعات الإنسانية وتعرضها للضعف والانحلال بعد التقدم والقوة، او العكس، متأثراً بابن خلدون بعد نشر الشيخ رفاعة الطهطاوي مقدمته الشهيرة قبل الأفغاني بقليل. أما النهضة والتقدم، فلم يقتنع الأفغاني بمظاهر التقدم الخارجي الذي يتم بإيحاء من الإنكليز للخديوي عباس ومن بعده إسماعيل وتوفيق، بل شكك في جدواها على المسلمين، واعتبر المدارس والصحف المتحررة مدخلاً للتغريب والتفرنج، لهذا لا بد من إحياء مبدأ المبادئ لتحقيق النهضة والتقدم؛ اي الإسلام الذي رفع مكانة العرب، وجعلهم في مصافي الأمم، وبنوا بفضله حضارة عالمية زاهرة، يجب إعادة المسلمين الى جادة الصواب بالإسلام ضرورة موضوعية لاسترجاع أصالة الأمة واستنهاض عزيمتها، وإعادة تكوينها من جديد بالإسلام النقي الخالي من الخرافات والبدع والضلالات التي رافقت ظهور الفرق والخلاف والاختلاف، والتخلص من المحاكاة والتقليد، والمعايير الغربية، وتحقيق ما نسميه بلغتنا المعاصرة؛ تحقيق الاستقلال الذاتي للشخصية العربية. وهيمنت على عقليته آلية القياس في موازنة الأمور بين الماضي والحاضر، وبين العرب والغرب، ومقارنة أحوالهم قبل الإسلام في العصر الجاهلي بما بعده، واعتقد جازماً بقدرتهم على تخطي أحوالهم، والنهوض من جديد بفضل الدين، الذي أنقذهم سابقاً، وسينقذهم لاحقاً. الا انه تجاهل او أغفل الفروق التاريخية والحضارية بين عرب القرن التاسع عشر وعرب الجاهلية قبل ألف سنة الذين ارتفعوا واعتزوا بالإسلام، وبالتالي دفعه شعوره بنقص أدواته المنهجية والخطابية، ومثالية الحلول المتاحة الى اعتماد خططاً مبسطة لتحقيق أمر جلل ومعقد الى أبعد حد؛ وأقصد بذلك النهضة والتقدم، فدعا الى فتح باب الاجتهاد واستئناف النظر العقلي في القرآن، وفي هذا السياق تطلع الأفغاني الى النهضة العلمية والمدنية الأوروبية التي تردد صداها في المشرق العربي، وبخاصة الاكتشافات الفلكية؛ دوران الأرض وكرويتها، والاكتشافات البيولوجية؛ الخلية والتطور في الكائنات العضوية، وغيرها في الفيزياء والكيمياء، فدعا الى تأويل الآيات القرآنية التي تبدو ظاهريا مناقضة للعلم، لتطابق في حقيقتها الحقائق العلمية الجديدة، وانطلق كغيره من علماء السلفية من مقولتهم الأثيرة «لا تناقض بين العلم والإيمان»، وحتى تستقيم دعوته الدينية والإصلاحية دعا الى اعتماد المصادر الأساسية للتشريع، وبخاصة القرآن الكريم والسنة النبوية المثبتة، وتجاهل ما جاء به المفسرون والفقهاء في عصور الظلام، وعدم الأخذ بها الا على سبيل الاستئناس والمقارنة مع الجديد، فلا هي قاعدة نصية ولا مرجعية مقدسة توقفنا عن العمل والنظر، وبالتالي الوقوع بالتقليد والجمود . وفي سياق رده على الأطماع الاستعمارية بالدولة العثمانية، دعا الى وحدة العالم الإسلامي، وردم الهوة القائمة بين السنة والشيعة، واعتبر ان استمرار الخلاف – وقد عفى عليه الزمن- لا يعود الى أسباب عقائدية وفكرية؛ بل الى أسباب سياسية أهمها الأطماع والتنافس بين حكام الطرفين، فعمل جاهداً لتحقيق التعاون والتقارب بين الأفغان السنة، وجيرانهم إيران الشيعة. كما دعا الى التعاون بين الإيرانيين والعثمانيين الأتراك السنّة، ويقال انه توسط بين الشاه ناصر الدين، والسلطان العثماني لتسوية خلافاتهما لمصلحة المسلمين جميعاً، بحيث يستعيد الإيرانيون ما سلبه منهم الأتراك في نزاعاتهم المتكررة مقابل اعترافهم بسلطة الخليفة العثماني على المسلمين جميعاً. وقد سهلت معرفته العميقة بالفارسية والمذهب الشيعي والسياسة الإيرانية، وقربه من السلطان العثماني، والفلسفة الإسلامية الحية في المراكز الشيعية في العراق وإيران، القدرة على التوسط والتفهم أكثر من غيره. لذا اتهم فيما بعد بأنه فارسي شيعي، وماسوني كبير، وليس له علاقة بالأفغان ولا بالسنة، وقد آثر إخفاء هويته الحقيقية لتفعيل دوره وتقبله في محيط سني يمتد من تركيا الى مصر. وقياساً على حركة الإصلاح الديني الأوروبية، تطلع الأفغاني الى قيام حركة إصلاح ديني إسلامي لتحقق النهضة، وربما وجد في نفسه (لوثر) المنتظر لإصلاح أحوال المسلمين ومحاربة البدع والخرافات. لكنه تناسى ان حركة التقدم الأوروبي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تجاوزت سقف الإصلاح الديني، والبروتستانتية والمسيحية كلاً، بل لم تحقق ما حققته من إنجازات وفتوحات علمية ومادية الا بالنضال ضد المسيحية، التي وقفت ضد التطور والتنوير، ولكنه عاد بذكائه، فجادل وأثار إشكالية التأخر والتقدم بطريقة أخرى، فطرح السؤال المعهود؛ لماذا تقدمت الأمم الغربية المسيحية، وازدادت قوة على رغم ان المسيحية دين المسالمة والوداعة والتطلع الى مملكة السماء؟! ولماذا في المقابل تأخر العرب المسلمون ودينهم يأمرهم بالأخذ بأسباب القوة والسلطان؟ فأوضح ان المسيحية انتشرت في البلاد التي سيطر عليها الرومان، ودمغوها بطباعهم وعاداتهم، وهم الذين مجدوا القوة والحرب، وجروا وراء الحياة الدنيا وأمجادها، وبالتالي فلم تستطع المسيحية سلبهم هذه السمات والخصائص، فتغلب الطبع على التطبع، وعادت الشعوب الأوروبية الى سابق عهدها الروماني تتنافس بالقوة والمجد والتفوق المادي والعسكري. (المصدر: ملحق “تراث” بصحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 14 جويلية 2007)

 


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

27 juin 2011

Home – Accueil في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس Un effort

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.