يشكل موضوع الفساد في شركة فسفاط قفصة حديث الرأي العام بالجهة ، ذلك أن الفساد في هذه الشركة اتخذ طابعا هيكليا مكن المسؤولين طوال عقود من تبديد أموال طائلة ذهبت إلى جيوبهم أو إلى جيوب بطانتهم أو إلى تمويل الحزب المنحل وتمكين أتباعه و مسؤولية من امتيازات لا تحصى و لا تعد و الغريب أن يد المحاسبة لم تمتد لحد الآن إلى هذه الشركة رغم وجود دلائل و قرائن عديدة يمكن أن تشكل خيط البداية لمساءلة هؤلاء المسولين و محاسبتهم.
ونرغب في البداية أن نوضح بعض الحقائق القاعدية التي يجب أن تكون معلومة
ومبينة حتى يتسنى لنا و لكل المهتمين بهذا الملف، التحليل الموضوعي و استخلاص النتائج و المعطيات.
1) يعتبر قطاع الفسفاط قطاعا تنافسيا بامتياز و يشهد ثمن بيع الفسفاط تقلبات دورية نتيجة المتغيرات العالمية المؤثرة فيه كأثمان الطاقة ، و ركود الاقتصاد العالمي، و مبادئ العرض و الطلب
2) إن من مقاصد الهيكلة التي عاشتها الشركة تدعيم قدرتها التنافسية و الضغط على الكلفة إلا أن عند تطبيقها برزت عدة انحرافات و خروقات كان من أولى ضحاياها العمال المسرحون في إطارالتقاعد المبكر من خلال حرمانهم من منحة مكافئة نهاية الخدمة اسوة بإخوانهم في بقية المؤسسات الوطنية ، و ظهور المناولة للقيام بأنشطة تخلت عنها المؤسسة ، بدون أي مبررات اقتصادية ، كنقل الفسفاط (الخام و المبلل والبواقي أو الشوائب) و الحراسة و صيانة المباني الفترة الممتدة بين1991و 2001 أوعهد السيد رافع دخيل تعتبر هذه الفترة من أطول الفترات التي بقي فيها نفس الرئيس المدير العام على رأس شركة فسفاط قفصة إذ كان معدل عمر الإدارات العامة لا يتعدى الثلاث أو أربع سنوات إذا استثنينا بعض الحالات الشاذة التي لم يتعد عمرها السنة أو السنتين .ويعتبر هذا الرئيس المدير العام نفسه المنقذ للشركة و أنه عين من طرف الرئيس المخلوع لهذه المهمة، و كان سياسيا وتجمعيا استعمل كل الوسائل الممكنة و المتاحة ، الشرعية و الغير شرعية للتقرب من مصادر القرار بالدولة و المتمثلة في الرئيس المخلوع و أصهاره .
وعلى هذا الأساس ، عمل على التسييس المنظم للشركة التي لم يكن من تقاليدها هذا الأسلوب في العمل ، فوقع انتداب مجموعات من إطارات التجمع و أقربائهم و باختصاصات لا تمت لأنشطة الشركة بأي صلة .
وقد برز خلال هذه الفترة أيضا أحد مديري الأقاليم و المدعو عبد الحفيظ النصيري الذي تأقلم مع ميولات الرئيس المدير العام الجديد فأنقلب على مرؤوسيه السابقين الذين كان يقدسهم إلى درجة تسمية ابنه البكر باسم الرئيس المدير العام في تلك الفترة
وقد عمل هذا الثنائي بتناغم كبير و تنسيق شامل و أصبحت الفرصة سانحة أمام النصيري ليتبوأ بقرارات استثنائية مناصب هامة كتسميته مديرا للشراءات برتبة مدير عام ثم مديرا عاما مساعدا ليصل هذا التنسيق إلى ذروته لنهب ثروات الشركة و إهدار المال العام ,
وبعد رحيل رافع دخيل بقي عبد الحفيظ النصيري في إدارتي السيدين قيس الدالي من 2001 إلى 2006 و السيد رضا التويتي من 2006 إلى 2008 الذين بقيا بكل موضوعية بعيدين عن هذه الأجواء الموبوءة .
وبعد تسمية السيد رضا التويتي وزيرا للتجارة ، أصبحت الظروف سانحة للنصيري ليصبح رئيسا مديرا عاما لمدة خمسة أشهر فقط ليقيله الرئيس المخلوع بعد أحداث مدينة الرديف و موجة الاحتجاجات التي شهدها الحوض المنجمي في تلك الفترة نتيجة تزييف عملية الانتداب التي كان قام بها.
ولم يدع هذه الفرصة تمر إذ عمد إلى صرف 120 ألف دينار لحسابه كبديل لعطلاته الغير مستهلكة رغم أنه كان كبقية المهندسين يتمتع بعطله السنوية. الملفات الأساسية للفساد بشركة فسفاط قفصة
1)ملف مناولة نقل الفسفاط يتراوح المبلغ المرصود لهذا النشاط بين 23 و 25 مليون دينار سنويا تتوزع على شركات مناولة دخلت الميدان في هذه الحقبة و في إطار المناورات المتداولة في تلك الفترة و الزاعمة أن هذا النشاط ليس من المهام الأساسية للشركة و أن عدد الآليات اللازمة و أحجامها تفوق إمكانيات الشركة و يصعب السيطرة على أدائها.
و تعتبر الشركات التالية من أهم شركات المناولة
1 – شركة قوادرية 2- شركة عبد العزيز بن العربي 3- شركة لطفي علية 4- شركة أسطى علي 5- شركة لعماري
هذا بالإضافة إلى عدد من المناولين الصغار الذين كانوا ينشطون في مجال التحميل.
و تجدر الإشارة إلى أن جل هذه الشركات كانت تحت حماية رجال من السلطة من أقارب الرئيس المخلوع الذين كانوا يحمونها و يدافعون عن حظوظها بشركة فسفاط قفصة مثل قيس بن علي وأصهاره الذين كانوا يحمون مصالح شركة أخرى كان صاحبها عضوا في اللجنة المركزية للتجمع . و يرتكز مجال النهب في هذا النشاط ، على كيفية اقتسام المحاور و التلاعب بالأثمان المقدرة والمطبقة في العقود و التي تفوق دائما الإثمان الحقيقية مثل الصفقة التي ابرمها عبد الحفيظ النصيري مع لطفي علية و التي طبق فيها ثمن 25 مليم/كم/طن عوض عن 13 مليم/كم/طن عند اجراء عرض عام. ومن غرائب الأمور أن تكون كل هذه الممارسات بعلم متفقد الدولة المعين في تلك الفترة و المدعو البكاكري الذي وقع تمكينه من تنظيم الدروس التكوينية لإطارات شركة فسفاط في كيفية إعداد كراسات الشروط ، و إعداد عمليات الفرز في دورات متعاقبة تعد بصورة استعجالية و بتدخل مباشر من عبد الحفيظ النصيري . 2) مناولة الحراسة انطلق هذا النشاط في حدود سنة 1994 و كان الباعث و الحامي لهذا المشروع عمارة عباسي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل و بمساعدة أحد النقابيين القدامى ابراهيم هوشاتي يعتبر هذا المشرع هدية من الإدارة العامة لمن آزرها في عملية الهيكلة وتمرير عملية التقاعد المبكر دون منح نهاية الخدمة للعمال المسرحين .
ويسند هذا النشاط مباشرة لشركة الحراسة و الخدمات التي كان أجر العامل فيها أقل من الأجر الأدنى القانوني و لم يتغير إلا بعد تدخل السيد قيس الدالي بعد رجوعه على رأس الشركة في 2001 ، و تطور رقم معاملات شركة الحراسة و الخدمات ليصل إلى حدود 3 مليون دينار مع العلم أن البنية الأساسية و الاتصالات و نقل الأعوان واستهلاك الكهرباء كلها على حساب شركة فسفاط قفصة 3) ميزانية الشؤون الاجتماعية بشركة فسفاط قفصة شهدت هذه الميزانية نموا متواصلا لافتا في هذه الحقبة و يرجع السبب الأساسي في هذا النمو ، ليس إلى الرغبة في خدمة العمال و المنتسبين للشركة و محيطها الاجتماعي بقدر ما كانت مصدرا للنهب وتبديد المال العام و شراء الذمم.
وقد بلغت هذه الميزانية حوالي 5 ملايين دينار أول التسعينات لتصل إلى 8 ملايين دينار
وإذا اعتبرنا أن معدل هذه الميزانية هو 6 ملايين دينار سنويا، فان المبلغ المرصود لها خلال 18 سنة أي من 1991 إلى 2008 يكون بكل موضوعية في حدود 108 ملايين دينار كانت كلها تصرف بأمر من المدير العام المساعد.
و إذا سلمنا أن نصفها صرف على منتسبي الشركة ( أعوانا و متقاعدين و أرامل …) فان النصف الباقي و المقدر ب 54 مليون دينار كان عرضة للنهب و التلاعب دون رقابة و دون محاسبة.
ومن أهم الستفيدين من هذا القسط من الميزانية سنويا
– ا لا تحاد الجهوي للشغل 120 ألف دينار – جامعة خبايا الأرض 50 ألف دينا ر – التجمع الدستوري الديمقراطي بحدود 300 ألف دينار – الولاية 300 ألف دينار – المعتمديات في الحوض المنجمي والولاية 150 ألف دينار – الجمعيات الرياضية 1 مليون دينار
ومن الممارسات التي يعرفها الكثيرون، اعتماد المتصرف في هذه الميزانية على زبانية كانوا يساعدونه في إيجاد مبررات الصرف بالمطالب المزيفة و إعداد الفواتير التي تضفي على كل هذه العمليات الصبغة القانونية و الإجرائية,
ومن النوادر المتداولة بالمتلوي عن ممارسات النصيري أنه كان يصدر شيكات باسمه بمبالغ هامة كتبرعات بمناسبة المحطات الهامة للحزب الحاكم و المنظمات و اللجان و الشعب خدمة لأغراضه الشخصية و يسترجعها فيما بعد من أموال الشركة و بواسطة فواتير مزيفة لمواد يصعب متابعتها عن طريق الشراءات المباشرة. 4 ) لجنة البناءات من المهام الظاهرة لهذه اللجنة ، صيانة المباني الإدارية في مختلف المدن المنجمية و انجاز المشاريع الكبيرة نسبيا كقاعات الاجتماعات و نوادي الإطارات و الموظفين .
غير أنها في واقع الأمر مصدر آخر لنهب المال العام بما يمثله صعوبة مراقبة المواد و العناصر التي تتصرف فيها هاته اللجنة كالحديد و الاسمنت و الآجر و مواد الدهن و التبليط .
وكان يشرف عليها مباشرة و يدير اجتماعاتها الدورية المدير العام المساعد.
ولا يفوتنا في هذا المجال أن نذكر قصة فيلا المروج التي اتفق المدير العام المساعد بالتنسيق مع الكاتب العام لجامعة خبايا الأرض على تأجيرها لحساب الجامعة لغرض استعمالها كدار استراحة لعمال المناجم على غرار الدار الموجودة بصفا قس ( لاحظوا الغرض النبيل الذي يحجب النهب المنظم) و اتفقا على أن يكتما ملكيتها للنصيري.
و تشاء الصدف أن تكون هذه الفيلا غير مكتملة البناء و نظرا للحاجة الملحة و رغبة في » تلبية مطلب جامعة خبايا الأرض المستعجل و خدمة لأعوان الشركة » تدخل المدير العام المساعد لدى مصالح البناء بالشركة و أمرهم بإرسال فريق متكامل من عدة اختصاصات لانجاز الأعمال المتبقية على أساس اتفاق مبرم مع الوكيل العقاري .
و تشاء الصدف كذلك أن تطول مدة التدخل لهذا الفريق نظرا لأهمية الأشغال المنجزة و تتزامن مع آجال توزيع فواتير استهلاك الماء ليكتشف أحد العمال عند استلامه لهذه الفاتورة ، أن ملكية الفيلا تعود إلى المدير العام المساعد و سرعان ما انتشر الخبر بالحوض المنجمي و سرعان ما وقع الالتفاف على العملية و بتدخل مباشر من المرحوم رضا التويتي الرئيس المدير العام في نلك الفترة وقع التخلي عن هذه الفيلا لكن مالكها استفاد من كل الأعمال المنجزة بما فيها التأثيث الذي بلغ 50 ألف دينار و الذي لم يعرف مصيره بعد الحادثة
5) المساعدات المباشرة تسدى هذه المساعدات دوريا الى أشخاص معروفين كان يعتمد عليهم المدير العام المساعد في الدعاية له و تلميع صورته في الحوض المنجي و على صعيد الولاية . و من بين هؤلاء نذكر.
_ معتمدي الحوض المنجمي _الجامعات الترابية و المهنية _ العمد بمدينة المتلوي خاصة _ بلديات الحوض المنجمي لإسكاتهم و إبعادهم عن مطالب المتساكنين _ بعض الأعضاء من النقابات الأساسية بالحوض المنجمي _رجال دين و أئمة معروفون
وكان يستغيث بهم كلما ألم به خطر محدق و ذلك بإرسال برقيات تمجد خصاله و تساند بقاءه في هذا المنصب الخطير معلنين أنه » الرجل المناسب في المكان المناسب »
وكانت توجه إلى
– وزير الصناعة – وزير الداخلية – الرئيس الدير العام للشركة – والي قفصة – الكاتب العام للجنة تنسيق التجمع
و أحيانا عند الاقتضاء توجه أيضا إلى رئاسة الجمهورية 6)علاقة المدير العام المساعد بعائلة الرئيس المخلوع و أصهاره الأكيد في هذا المجال أنه قد ربط علاقة مع قيس بن علي الراعي لشؤون أحد المناولين العاملين في مجال نقل الفسفاط و أنه من خلال علاقة رافع دخيل بعائلة الطرابلسية ، استطاع أن يصل اليهم.
و أغدق عليهم الهدايا و الاقامات في أضخم النزل بالجهة و من القصص المعروفة استدعاؤه لوالدة ليل بن علي و استفاضتها بدار الضيافة بالمتلوي و بواحات الجريد . إن تقديمنا لهذا الملف يعتبر دعوة الى فتح ملف الفساد في شركة قفصة و دعوة في نفس الوقت إلى مزيد إحكام التصرف و تطوير أجهزة المراقبة و المحاسبة و تفعيل دورها بكل مهنية و شفافية حتى تقطع مع التواطؤ المعهود في إدارة التدقيق التي كان يشرف عليها السيد عمر جباري الذي لم يشر لا من قريب و لا من بعيد لهذه التجاوزات و كان يصادق بدون تحفظ على كل التقارير و المحاضر ، و من غرائب الأمور أن يعين بعد الثورة واليا على المهدية و يحرز على ثقة مناضليها و أحرارها.
وندعو الإدارة العامة لشركة فسفاط قفصة أن تعد خطة متكاملة بالتشاور مع مكونات المجتمع الفاعلة و ذوي الاختصاص للنهوض بالحوض المنجمي و بمدن ولاية قفصة لتمكينها من استحقاقاتها في عملية التنمية الوطنية ,.
<
بقلم : حياة بالشيخ
قبل المطالبة بالحرية والديمقراطية والعمل الشريف الذي سيضمن لقمة العيش اليومية ومفتاح الغد هناك ما هو أهم من ذلك قبل تسلم أي مسؤول مسؤولية السلطة عليه وبكل تلقائية الإجابة عن هذا السؤال وهو سؤال بسيط في قوله كبير في مغزاه » من أين لك هذا « ؟ تكون الإجابة شبه تأشيرة دخول وخروج إلى عالم السلطة شاسع الأطماع .
قبل تسلم أية سلطة تضعه فوق طاولة القانون ومستوى البشر على المعني بالأمر تقديم قائمة بما لديه وما عليه من ثروة ومال هو وذويه إجراء وقائي قبل الحكم وبعد الحكم ويكون ردّا شافيا ومقنعا على السؤال الشعبي الملح « من أين لك هذا » .
على الشعب أن يدافع عن ثروة بلده ومكاسبه قبل الدفاع عن ديمقراطية ستظل دوما مهددة بقوة السطوة والجبروت لا يجب أن يكون القانون قطعة مطاط بين مخالب (القطط السمان) لصوص الملايين والمليارات هؤلاء الذين لا يحاسبون على جرمهم بل تفتح لهم الأبواب على مصراعيها لمساعدتهم على الهرب بالثروات المنهوبة بينما اللص المبتدئ يحاسب على اختلاس رغيف ( يذكرنا ما يحدث بقصة فكتور هيجو) الرائعة » البؤساء ..والبطل ( جان قال جان) الذي لم يسلم من ملاحقة القدر له إلى آخر لحظة في حياته .
على الردع أن يكون في مستوى الجريمة لا أن يكون الجريمة فوق مقدرة الردع.
العدل فوق القانون أم القانون فوق العدل ؟ الرحمة قبل القانون أم القانون قبل الرحمة ؟
أسئلة يمكن التلاعب بها سياسيا وعاطفيا خاصة في دائرة الثراء السريع تجاوز كل القوانين وتلاعب بجميع القيم هذه القيم التي أمست خطيئة الشرفاء ومنارة الأثرياء.
إلى اليوم وبعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال لم يفهم المواطن العادي أهو يعيش قانون الدولة أم يسير مواكبة لدولة القانون ؟
كل ما استطاع هذا المواطن العادي أنه بعد أعوام الضنك والعهود العجاف والدول البوليسية المتلاحقة من الحبيب بورقيبة إلى زين العابدين كل ما استطاع هذا المواطن فهمه أنه يدور حول نفسه في حلقة مفرغة بها الكثير من الوعود وعود تتمخض عن مجهود إنساني وقهر سياسي وظلم في تفاقم مستمر وإن تململ السؤال كان الصمت المريح المعذب.
كان الاستعمار هو الشماعة المتلقية يوما للثياب المتسخة .
رحل الاستعمار المهادن ليبدأ المرتزقة في بناء جدار استعمار مذل ومشاكس في ظل مصادرة غير قابلة للتأويل.
تلك شماعة الأمس أما شماعة اليوم فهي إرهاب أو تدخل خارجي ألابد للحكام من شماعة يلقي فوقها بعجزه وميوعة قراراته .
جهله التام لما يدور حوله أم دوره الأخرس الذي يحميه من سطوة القراصنة الذين احتجزوا الإرادة والوعي والمبادرة أم هي بكل بساطة المشاركة الصامتة الرابحة الواعية؟
عند مفترق هذه الطرق يكون تغييب الذاكرة الشعبية والسمسرة العلنية بأمن المواطن والتلاعب بمستقبل جيل فقد الحرية والفرص بعد أن تمت المتاجرة بهذه الفرص.
بيع المستقبل باسم النهب ولفظ الحاضر أنفاسه وطأة تلك الطرفة المضحكة المسماة (بالخصخصة).
الخصخصة كما أفهمها هي إهدار للمال العام والاستيلاء للاستفادة من أملاك الشعب والبلد.
كي يستعيد الشعب كرامته وأمواله المهدرة عليه أن يكون رقيبا على الحاكم لا عبدا ذليلا للحاكم حتى لا يتم الاستيلاء على الموارد والثروات الشعبية رغم محاصرة القمع والاستعلاء مارس المرتزقة سياسة الاستعلاء والاستجداء والشعب تحت الأنقاض يئن وسطوة الدولة البوليسية تلجمه .
سياسة مزدوجة متناقضة استعلاء ومهانة للمواطن واستجلاء الدول الاستعمارية باسم هذا المواطن تلاعب حقير بمصير أمة تحلم بالغد وسلاسل الحاضر تقيدنا وتشل حركتنا لذا مع محاولة تغييب ذاكرة الشباب ودفعه عنوة لفقدان الذات والهوية كان السطو العلني على المال العام و(الخصخصة) من أجل المصلحة العامة إلى أن أصبحت هذه المصلحة العامة الخنجر الذي طعن الجميع من الخلف ازداد الأثرياء ثراء وازداد الفقراء فقرا والعملة الصعبة لم تعرف طريق البلد يوما إذ درّبت على السير في طريق معاكس لمصلحة هذا الشعب وأقصر طريق اتخذته الهرولة في اتجاه الحسابات السرية في الدول الأجنبية .
لذا كان على الشعب تجرّع مذلة الاستجداء بينما اللصوص يرقصون على نغمة العطاء والاحتكار.
لو جاء السؤال : من أين لك هذا ؟ في الإبان لما عاشر الشعب التونسي حقب القحط والجفاف لأكثر من خمسين سنة .
خمس وخمسون سنة والبلد في انقسام تام حكومات بوليسية لا قدرة لأحد على مواجهتها ومعارضة مختفية حينا ومسايرة حينا قوى الظلم في أغلب الأحيان. الأحزاب المعارضة وإن لم ترتكب الظلم فقد كانت شاهدة عليه والمشاهدة الصامتة أكبر ذنب في حق الشعوب التي مازالت في طور النمو وإن بلغت سن الشيخوخة ولم تعش يوما واحدا فرحة الصبا.
يبقى الإعلام المأجور المتناقض المسؤول الأول عن المعاناة الشعبية . الإعلام جعل المواطن التونسي يعيش الازدواجية في أحلك مراحلها. شرب الوهم دهرا كما ابتلع الأجانب الزيف والحقيقة والإعلام عبر الهباء يطمس أفضع جرائم العصر .
لذا أول من يستحق المحاكمة العاجلة هو هذا الإعلام المزوّر الذي كان منارة التزوير لا التنوير.وهو نقطة البدء لجنون الإعلام هوسا وجنونا والثاني كان النهب والتنكيل بالأبرياء مع المراوغة السياسية وهي من أعذب هواياته . فقد هذا الإعلام مصداقيته بعد أن جعل من الأول رب العالمين ومن الثاني المهدي المنتظر فما ذنبهما إن لم يجدا غير الظهور المحنية والرؤوس المنخفضة .
وقد غيّر هذا الإعلام جلده بسرعة فائقة لمواكبة الوثبة اليقظة وثبة شلها الإعلام لأكثر من نصف قرن فاختفت تحت غبار الترهات إلى أن جاءت أيدي الشباب لتزيح عتها غبار السنين وتقفز بها نحو الثورة المرتقبة .
نطق الخرس فما بقي للواقع غير الانحناء .
تهاوت الأصنام وتهدّم جدار الخوف فما يريد اليوم هذا المواطن الذي سجن نفسه دهرا في قمقم الظلم والنفور من الواقع الظالم واليوم جاء ابنه ليقدم له الحرية والأمان فلا عذر له اليوم إن لم يقتلع جذور الخوف ونسيان هاجس الفزع الموروث من الأزل .
أبناء ثورة » اللوتس « بمصر غيروا الدستور فلا رئاسة مدى الحياة . محاكمة لصوص الشعب أغلبهم اليوم في السجون فما يريد أبناء ثورة الياسمين ؟ ماذا ينتظرون وبأي واقع يحلمون؟
المساواة العدالة الاجتماعية استرداد الحقوق الضائعة ومحاكمة الجناة فمات الأمن حرية التعبير وديمقراطية الموقف قهر البطالة وتعقّب غطرسة المسؤولين و أشياء كثيرة لا تعد أولها العيش الكريم ومقارعة المهانة قبل وبعد أي أمر علينا ألا ننسى السؤال الأهم : من أين لك هذا ؟ هذا السؤال هو ترياق المحرومين والقنبلة الموقوتة المنتظرة لحظة الانفجار في وجه لصوص الثروات الوطنية .
غرس الشباب شجرة الثورة لكن المهم من سيجني ثمارها ؟
الحكومة المؤقتة وجلها عاصر عهود المحرومين دون أن يكون لها أي انتماء ولا موقف واضح أما الأحزاب المتناحرة في الخفاء والتي لم تعرف بعد وجهتها مع كثرة الأحلام والمطالب وعلى كل فهي للأسف تمثل انتهازية الخلف ولم تتعود بعد على السير في مستقبل ضبابي الأفق عليها ضبط خطواتها على إيقاع الساعة من أجل السير إلى الأمام .
لا أقصد بالقول جميع الأحزاب المعارضة بل البعض منها
مع القضاء على البطالة واقتسام الفرص المستقبلية فالحكم الذي يراود الجميع هو الحرية والديمقراطية هنا قال الزعيم عبد الناصر في الميثاق : الديمقراطية السياسية لا يمكن أن تنفصل عن الديمقراطية الاجتماعية.
إن المواطن لا تكون له حرية التصويت في الانتخابات إلا إذا توفرت له ضمانات ثلاثة .
– أن يتحرر من الاستغلال في جميع صوره – أن تكون له الفرصة المتكافئة في نصيب عادل من الثروة الوطنية – أن يتخلص من كل قلق يبدّد أمن المستقبل في حياته بهذه الضمانات الثلاثة يملك المواطن حريته السياسية ويقدر أن يشارك بصوته في تشكيل سلطة الدولة التي يرتضي حكمها.
أسئلة كثيرة أكبر من طموحاتنا ليتنا نستطيع الإجابة عنها حينها نكون قد انتصرنا على من هم قبل الثورة وبعدها وبإمكاننا العلو نحو الغد بلا خوف ولا مصادرة ولا تملّق سياسي.
(المصدر: صحيفة » الوطن » لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ( أسبوعية- تونس ) العدد 178بتاريخ 25 مارس 2011)
<
عندما سكت الشعب التونسي عن المطالبة بـحقوقه في الدولة اهتـضمها حاكم جائر استـغل أنينه وشقائه ليستبد بذلّه، وعندما نام عن تـعهد شؤون حياتـه ومصالـحه، تـعهدها انتهازيون يعرفون « من أين تؤكل الكتف »، أمّا عندما مسّت مشاعره كلمات: » من لم يعانـقه شوق الـحياة تبخر في جوها واندثر »،انتفض، وأخذ على عاتـقه عملية إزالة ما دخل على الـحياة التونسية من فساد، وإنـقاذ وطنـه من الظلم والقهر والاستـغلال، انفجرت انتفاضة أشـعلت ثورة شعبية أمتدّ لـهيبها لمعظم المناطق التونسية، ومنها لمعظم العواصم العربية.
وانطلاقاُ من قناعتنا الراسـخة بأن الشعب التونسي العريق في التـمدن والثقافة، سيبقى مشدوداً إلى حركة الواقع السياسي، الاجـتماعي والاقتصادي، ولن ينفك عن انـجاز انتفاضات ناعمة في قضاياه الـحياتية الأساسية، تعبّـر عن خصوصيته التي تنبع من صميم طبيعته ومواهبه في معالـجة تلك القضايا.
على هذا الأساس، أتقدم ببعض الأفكار إلى جـميع المـختصين في الأحزاب التونسية، والفعاليات المهنية في المـجتمع المدني، لعل وعسى أن تساعدهم في انتفاضاتـهم الناعمة المقبلة لصياغة تونس الغد، إنـما أود أن أعترف بأنني لست مـختصاً في العلوم، ولست متـعمقاً في القوانين العصرية المأمول اعتمادها في الانتفاضات الناعمة، وإني اكتفي من الأفكار المطروحة مضامينها العلميّة التي أعتقد بأنـها ستـحتل العناوين الأساسية في البـرامج الاجتماعية، الاقتصادية والوطنية في أية انتخابات نيابية، حزبية، بلدية ونقابية.
نأمل من المـختصين في الانتفاضة الاقتصادية الناعمة الاشتراك في وضع الدراسات والتقارير الوافية عن ثرواتنا الطبيعية في سائر أنـحاء وطننا، نوعها، وكيفية استثمارها بطرق عصرية تعيد إلى الوطن والمواطن الـخيـر والرفاهية.
على سبيل المثال لا الـحصر، نـحن نـعلم أن تضاريس تونس تتميّز بقلة الارتفاع، وباتساع السهول والمنخفضات، ومناخها يتأثر بالمؤثرات البحرية والصحراوية مـما يـجعل أرضها جافة وغيـر صالـحة للاستـغلال الزراعي، إلا في المناطق التي تتكاثر فيها الأمطار والتربة الـخصبة، أقترح على المختصين الزراعيين أن يـجدوا الطرق العلميّة العصرية للتحكم في الموارد المائية، وتوسيع الرقـعة المسقيّة عن طريق تشييد السدود، وإنشاء الزراعات الصناعية، والعمل على إحاطة الفلاحين بالرعاية الثقافية والصحية، وحـمايتهم من طغيان أصحاب الأراضي الشاسعة، وتثبيت حقوقهم بـمنحهم نصيبهم العادل في إنتاجهم.
أمّا على الصعيد الصناعي، فبلادنا غنية بالموارد الطبيعية، فهناك البترول والغاز، وهناك صناعة النسيج والـجلود والزيوت، وبسبب انعدام الوعي التقني فقدنا معظم هذه الموارد الأولية الـهامة، نستطيع عبـر إعادة تـجديد هذه الصناعات وإنشاء مؤسسات جديدة أن نقضي على البطالة، ونوقف نزيف هجرة الشباب إلى الـخارج.
وعلى الصعيد السياحي، تونس بلاد مسـحورة بالـجمال، شواطئ ذهبية على مرأى من أمواجها تـمتد جبال خضراء تعلو وتـهبط، على تلالـها منازل بيضاء ذات نوافذ زرقاء تـحيط بـها الورود، وتنبعث منها رائـحة الياسـمين، وهي غنية بالمواقع الأثرية التاريـخية، فـما علينا إلا أن نقنع متمولي بلادنا وأغنيائـها على أن يقلعوا عن دفن ثرواتـهم في المصارف الأجنبية، وإخراجها لاستثمارها في مشاريع سياحية جبارة، توفر عدة مناصب عمل للتونسيين، وتعود عليهم بالربـح الـهائل إذا ما عرفوا كيف يربطون هذه المواقع بشبكة مواصلات جوية، بـحرية وبرية حديثة.
وعلى الصعيد التجاري، الداخلي والـخارجي، علينا أن نعيد التفكيـر بسن قوانين جديدة لضبط الأسعار ومراقبة النوعية، وإيـجاد الشروط التي تكفل نـجاحها، وحفظ مركز الرأسـمال الوطني في جـميع المشاريع التجارية الداخلية، والاهتمام بالأسواق الـخارجية لتصدير منتجاتنا إليها، والاعتناء بـحركة التصدير، وعدم السـماح لرأسـمال أجنبي وحده باستثمار تـجاري في أية بقعة في وطننا.
أمّا على الصعيد المالي، قد يكون من المفيد جداً أن نتـعاون مع أكبـر المؤسسات العالمية من أجل استرجاع ثرواتنا المنهوبة، ونفكر في حجم إيـجاد أساس النقد الوطني وحـمايته من التلاعب المالي الـخارجي، وأن نتعلم من الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالعالم وما تبعها من انـهيار للأسواق العالمية. أن نقول كلمتنا في الإصلاح الإداري، ومـحاربة الرشوة، وتعيين عقوبات شديدة للمرتشين، وفي رفع مرتبات الموظفين لتحسين مستوى حياتـهم المعيشي، وسن قوانين للضمانات الاجـتماعية التي تـحل مشكلة الفقر العام، ومشكلة البطالة.
كذلك في الإصلاح الاجـتماعي علينا إنشاء مؤسسات تـهتم بالتربية الوطنية، وضبط مناهج التعليم الوطني، وجعله مـجانياً وإجبارياً، وإيـجاد تشريع جديد للزواج الذي يؤمن العائلة الراقية، وبناء مصحات تفي بـحاجة الشعب في جـميع المناطق.
وأيضاً، ضرورة الإقرار بالفصل التام بين القضاء والسياسة والـحكم، وإيـجاد نظام خاص للمـحاماة يزيل مفاسدها، ويصون حقوق أصحاب الدعاوى، وضـمان نزاهة القضاء واستـقلاله.
وأخيـراً ضرورة إيـجاد قانون في الإصلاح السياسي يضمن حرية الرأي والقول والاجتماع، ويـمنع المواطنين التونسيين من التـعاطي الغيـر مسؤول مع السفارات الأجنبية التي تتدخل في سياسة البلاد الداخلية.
كما نرجو من المـختصين الابتعاد قدر الإمكان عن أي تـعديل لبعض الاتفاقات والقوانين الإدارية التي لا يترتب عليها فائدة كبيـرة، وأن يكونوا من الشفافية بـمكان يستـطيع به الشعب التونسي تولي أموره الإصلاحية بنـفسه، يراقب الأحوال، ويدرس الأمور التي لـها علاقة بـحياته اليومية بدقة.
إن انتفاضاتنا الناعمة يـجب أن تستمر، لأنـها تؤمن لنا الأرض وخيـراتـها، وتؤمن لنا العدل الاجـتماعي بإعطائنا حقوقنا في العمل دون منّة من أحد، بل نريدها استـحقاقاً بعملنا، وأيضاً، لأنـها تؤمن لنا حقوقنا الوطنية كاملةً، وبـما أن قوة الإنسان التونسي المنتفض تكمن في عقله، وقلبه وساعده، فهلمّوا أيـها المتخصصون في العلوم العصرية، على اختلاف عقائدكم وتوجهاتكم السياسية، إلى القيام بانتفاضاتكم العلميّة الناعمة من أجل تـحسين أوضاع الوطن والمواطن، فأنتم الأمل في الإصلاح والتغييـر.
لعل أكثر كلمة متداولة هذه الأيام على ألسن التونسيين (الذين استعادوا ميزة النطق الهادف) هي كلمة « شعب » فالشعب يريد و الشعب يقرر و الشعب يطرد و الشعب يعيّن و الشعب مصدر السلطات إلى غير ذلك من الشعارات التي تتحقق هذه المرة واقعا ملموسا… « الشعب » هذه الكلمة الجميلة التي لم يفهم كنهها بعد العقيد معمر القدافي صاحب النظرية العالمية الثالثة (المزيفة طبعا) تحتاج منا إلى تدقيق حيث يتغافل البعض أو ينسى من هو بالتحديد الشعب ؟ الإجابة من الوهلة الأولى تبدو بديهية فالشعب هو كل التونسيين و التونسيات مهما إختلفت أعمارهم أو أشكالهم …إلا أننا حين النظر في هذا « الشعب التونسي » نجد أنفسنا نتحدث عن جانب و ننسى جانبا آخر أو نهمله..الشعب التونسي يشمل كل التونسيين المقيمين على أرض تونس و لكن أيضا القاطنين خارجها.. أنا هنا سأتحدث عن هؤلاء المغتربين أو التونسيين بالخارج (كما كان النظام النوفمبري يطلق .عليهم)… سأتحدث عنهم بكل أسى و حزن لأنهم خذلونا مرتين و تركونا نواجه مصيرنا لوحدنا رغم أننا جميعا أبناء هذا الوطن الواحد قد تبتعد عنه أجسادنا يوما أما قلوبنا فمحال.
المرة الأولى التي خذلنا فيها كانت في زمن الإستبداد يوم كان الظلم بكلاكله جاثما على صدورنا و حتى الأنفاس كانت معدودة علينا..يومها كان إخواننا في الخارج لا أقول في ظروف نفسية أفضل و لكن كان لهم هامش من الحرية يجعلهم أقدر على التعريف « بالقضية التونسية » (في مجال حقوق الإنسان) و مجال أوسع للتحرّك و أنا هنا أتحدث عن السياسيين و عن الحقوقيين الذين فروا من « الجحيم البنفسجي »..للأسف فقد كانت التحركّات محدودة بل جدّ محدودة و أستطيع أن أقول بلا تأثير يذكر..تشتّت شمل المهاجرين و تصدّعت صفوفهم و بحث كل واحد منهم عن خلاصه الفردي ( بإستثناء مبادرة السنة الفارطة بتكوين جمعية تلمّ مهجّرين تونسيين)..عوض أن يلتحم الأشقاء و يكوّنوا جسدا واحد يقف أمام أحد أعتى الأنظمة البوليسية فتتداعى أمامه نجدهم إما تراجعوا أو تخلوا عن المواجهة مع هذا النظام المتجبّر..فسح هذا « الإنسحاب » المجال أمام بن علي و زبانيته ليزدادوا طغيانا و ليصبح بيان السابع من نوفمبر مجرد ورقة مخطوطة بحبر أسود وهو اللون الذي صبغ زمن السابع من نوفمبر (أكثر من البنفسجي)..إنتهك نظام بن علي كل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان و داس كرامة التونسيين و خان العهد الذي قطعه على نفسه بإحترام الدستور و الحريات و صار التعذيب عملا منهجيا و فتحت السجون أبوابها لكل من نطق بلا في زمن كان الزعيم لا يريد أن يسمع فيه إلا نعم..في الأثناء لم نسمع صدى الآهات التي خرجت من صدورنا المكلومة تتردد عند إخواننا المغتربين..لم نقرأ إلا بيانات خجولة و لم نر إلا مواقف تثير الخجل…بل الأدهى من ذلك أن نرى بعضا ممن فرّ بالأمس من أجل مثل و مبادئ سامية يسعى في آخر عهد بن علي إلى العودة بطريقة لا أراها إلا مذلّة و إن جمّلها فاعلوها و إصطنعوا لها ألف عذر..أما بالنسبة للمغتربين لغير أسباب سياسية و هم يشكّلون النواة الأكبر من التونسيين بالخارج مثل رجال الأعمال و الأساتذة و العلماء في مختلف الميادين ( و قد كانوا يتظاهرون بعدم الاهتمام بالشأن العام) فقد غابوا عن الساحة زمن بن علي..أما رجال الأعمال فتعلّلوا بالخوف من تغلغل العائلة الحاكمة في الدواليب الإقتصادية حينها و إنعدام الشفافية و تفشي المحسوبية فآثروا السلامة و حفظ أموالهم و أما الأساتذة فقالوا أن التعليم التونسي أشبه بالتعليم « الببغائي » (متناسين أنهم تخرجوا من صلب هذه المنظومة التربوية نفسها على علاتها) و أما العلماء فغاصوا في المخابر أو إعتلوا المنابر و تركوا بلادهم ينهبها كل عابر.
كان هذا في زمن الإستبداد و الظلم ديدن أغلب التونسيين المغتربين الذين خذلونا مرة أولى إلا قلة منهم آثرت أن تواصل النضال و التضحية و أن تعيش بأجساد في الغربة و قلوب في الوطن فماذا عن زمن الثورة و ما بعد الثورة؟
أولا لنكون صادقين مع أنفسنا فالتونسيون بالخارج ساهموا هم أيضا في ثورة تونس من خلال التظاهرات التي عمت مختلف المدن الأوروبية (خاصة) و ساهمت في إبقاء شعلة الإنتفاضة مستمرة حتى رحيل بن علي و عائلته (و لا أقول نظامه فهو مازال قائما)..كان شعورا رهيبا أن ترى علم تونس يرفرف في باريس في مظاهرة مساندة لإحتجاجات الشباب الثائر في مختلف أرجاء الوطن وهو ما قوّى التلاحم و التواصل آنذاك بين مختلف أفراد الشعب.كان هذا زمن الثورة و خلالها فماذا بعدها؟
الحقيقة أن أملي قد خاب من جديد في مواطنينا بالمهجر بعد هروب بن علي فقد كنت أتصور أنهم سيعودون زرافات ووحدانا إلى تونس فبلادهم عادت إليهم و من واجبهم إذن أن يعودوا إليها..الأمر لم يكن كذلك..بعض السياسيين و الحقوقيين الذين إكتووا بنار الإستبداد نزلت أوروبا و أمريكا عليهم بردا و سلاما فما عادوا يطيقون فراقها..عاد بعضهم إلى تراب الوطن الأم في زيارة « سياحية » ثم حزم حقائبه و عاد من جديد إلى تراب الوطن الجديد أو المستقرّ..تعلّل بعضهم بمصالحه و إرتباطاته العائلية في المهجر..يا لسخرية الأقدار…هل أصبحت تونس عندكم في المقام الأخير بعد العائلة و التجارة و المسكن؟ أ لم تكونوا تقولون من قبل هذا أن حلمكم أن تزوروا تونس قبل أن يزوركم ملك الموت؟ لقد توفرّت لكم الآن ليس فقط فرصة الزيارة و لكن الإستقرار و أن تساهموا من جديد في بناء بلدكم فآثرتم رغد العيش؟ طبعا هي حياتكم و إختياراتكم و أنتم في الأخير أحرار في أن تنهجوا السبيل الذي تريدون و لكني ظننت لوهلة أنكم مثلي حياتكم هي تونس و مماتكم هي فراقها..
أما من عاد ليستقرّ في تونس فمنهم من بشّرنا بترشّحه للإنتخابات الرئاسية قبل أن يستقيم واقفا في المطار متصورا أنه المهدي المنتظر الذي نتشوّق إليه ليملأ الدنيا عدلا بعد أن ملأت جوار..أما الثاني فقال أنه لا ينوي الترشّح للإنتخابات الرئاسية ( قضيتهم المركزية على ما يبدو) و أتمنى أن لا تنطلق حملة مناشدات لمطالبته بالتراجع عن قراره فتلك و الله ستكون قاصمة الظهر…
خاب أملنا في الحقوقيين و في السياسيين فأدرنا وجوهنا قبل رجال الأعمال فما كانوا يخشونه ولى زمانه و هذا عهد جديد إنقشع ظلامه و أشرقت أنواره و تونس بحاجة إليهم و بحاجة إلى إستثماراتهم…للأسف مرة أخرى لم نر بوادر تبشّر بخير..شخصيا كنت أنتظر مؤتمرا لرجال الأعمال التونسيين بالخارج يعلنون فيه عودتهم لا كأجساد فقط و لكن كرؤوس أموال للإستثمار في تونس و القضاء على محور الشر الفقر و البطالة و الجهل..لم ينعقد المؤتمر و لم يتحرك رجال الأعمال المغتربون في زمن نحن في أشد الحاجة إليهم..لم يعد أيضا العلماء و لا الأساتذة ليملأوا العقول نورا من قبس علمهم و ليعيدوا لجامعات تونس مكانتها الريادية…
خذلنا إخواننا في المهجر..خذلنا شركاءنا في هذا الوطن و تركونا نواجه بمفردنا كابوس » الإستبداد ثم كابوس عدم الإستقرار.. »نحن » كما « هم » نمثل الشعب التونسي..أما « نحن فقد مضينا على درب تونس التي تعيش فينا بقدر ما نعيش فيها..أما « هم » فلا أدري و الله أ »مغتربون » عن أرض الوطن أم « غرباء » عنه.
كان جامع الزيتونة في تونس المنارة العلمية الوحيدة لنشر الثقافة الاسلامية منذ القرن الهجري الاول رغم ما اعتراه من وهن بسبب وقوف القوى الاستعمارية فى وجه محاولات رجال الاصلاح تحديثه وجعله يواكب التطورات الحديثة للمعالم العلمية التى تزيد من اشعاعه لاداء دوره فى تنمية المجتمع فى شتى مجالات الحياة وبناء الشخصية الاسلامية وتوطيدها على قضيتها المركزية لانقاذ البشرية بتشييد صروح المؤسسات والبدائل الاصلاحية التى يرتكز عليها المجتمع المدنى بآليات تمتزج فيها المصالح المرسلة بالعلوم الانسانية والشرعية ضمن منظومة الاخلاق والقيم التى تتحكم فى حركة المجتمع لتقطع الطريق على رعاة المشروع الافسادى وتحول دون بناء مؤسسات المنكر فى المحيط المجتمعى، عمل بورقيبة الحاكم التونسي الماسوني الذي استعمله الغرب عبر مسرحية سيئة الاخراج لتغيير لون الاستعمار الاستبدادى بعد ان مر بعملية الاعداد الاديلوجى واوكل اليه برنامج القضاء على الاسلام في تونس وتجفيف منابع فكره لفتح الباب امام عملية التغريب الامر الذي سيسهل الطريق امام تنفيذ المخططات التدميرية لمقومات الشعوب للسيطرة عليها واضعافها وسلب حريتها وابتزاز خيراتها وافساد مجتمعاتها تحت غطاء الاستقلال وما جاء به شعار التحديث، فبدأ باغلاق هذا المعلم بطريقة مريبة تحت شعار تحديث وتوحيد التعليم تنفيذا لمقررات مشروع الهيمنة الاستعمارية على الشعوب الاسلامية الذى أقرته هيئات التخطيط الاستراتيجي للمنظومة الماسونية التلمودية. المصانع الحربية للاسلحة السلمية
ووقع انشاء بديل له سموه بكلية الشريعة التابعة للجامعة الحكومية التي يقودها الليبيراليون والشيوعيون التى افرزتهم المصانع الحربية للاسلحة السلمية بالاختراق المعلوماتى عبر برامج التعليم والثقافة ليكونوا اداة تنفيذ للمخططات الغربية المدمرة لمكونات الشعوب وخاصة هويتها الاسلامية ومنهاجها الاخلاقى (انما الامم الاخلاق ما بقيت ،،، فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا) فكانوا كما خطط لهم بالاختراق ان يكونوا بتلقائية مناوءون لكل فكر ديني وافرغت عن طريقهم برامج التعليم في هذه الكلية من محتواها بحيث عدلت بطريقة تجعل الطالب الذي امضى 7 سنوات في التعليم الثانوي الخالي من أي فكر اسلامي فهو يتلقى في كل مراحل الثانوي ما يسمى بمادة الترية الدينية ساعة واحدة في كل اسبوع ببرامج خاوية وفى السنة النهائية من التعليم الثانوى جعل توقيت هذه المادة بين مادتي الرياضة والفلسفة الغربية الالحادية لماركس المنحدر من عائلة علماء التلمود رجع ابوه المحامى الى المسيحية عند صدور قانون فى المانيا يحرم مهنة المحاماة على اليهود ومعلم كارل ماركس الذي الهمه الافكار الثورية هو موريس هاس الماسونى المتصهين والملقب بالاب الروحى للصهيونية وفرويد صاحب الدرجة 31 فى السلم الاسكتلندى الماسونى والذي نسخ نظريته نسخا حرفيا عن القبالة التلمودية التى نشأت على قواعدها الماسونية وهى النظرية التى اسست على مفاهيمها العلوم الغربية الحديثة والتى تعزى كل التفاعلات الحاصلة فى الحياة وفى المجتمع الى قانون التطور التلقائى بعيدا عن دائرة الالوهية والفعل الالهى وهى القاعدة الاساسية التى ارتكز عليها ملاحدة الغرب لاحداث الفراغ الديني، ودروين وغيرهم وهى النظريات التى تفرغ الطالب من عقائده وقيمه الاخلاقية وتجعله يتنكر لدينه وبيئته ووطنه وتاريخه وحضارته وحتى لحقيقة وجوده. التوجيه القصري بخلفية الافساد
وتوجيه الطلبه الى كلية الشريعة لا يخضع لرغبتهم فهم غالبا ينأون بانفسهم عن اختيارها نتيجة ما شحنت به افكارهم من تهميش للدين والرمى به خارج حياة الناس وكذلك نتيجة انسداد الافق التوظيفي فى التعليم الديني الخالى من كل تحديث فغاية ما يصل اليه الطالب بعد انتهاء مرحلة التعليم العالى هو التدريس لمادة التربية الدينية فى المعاهد الثانوية كما أن حالات التوجيه الى كلية الشريعه قصرية ومرتبطة فى أكثر الحالات بسوء السلوك, حيث خُطط بان يقضي الطالب اربع سنوات يتخرج بعدها استاذا لمادة التربية الدينية وليس له دين ولااخلاق([1]) روى شاهد عدل ان احد هؤلاء الاساتذة بعد ان انتهى من تدريس مادة الصلاة المبوبة في البرنامج الدراسى قال لتلاميذه بالحرف الواحد « الصلاة رياضة روحية ورياضة بدنية فمالى وماللالتزام بها فاذا اردت الرياضة الروحية اشرب زجاجة من الخمر فانتشى واذا اردت الرياضة البدنية اقوم بالحركات الرياضية المطلوبة كل صباح انتهى كلامه » وبناءا على هذه التصريحات رفعت ضده قضية لدى المحاكم اتهم فيها بالفساد والافساد من طرف احد اولياء التلاميذ وحُفظت القضية رغم وجود كل ادلة الخيانة المهنية. وقد ارتبطت نفس الطريقة بفكرة تمخضت عنها عبقرية كبير فقهاء الحزب الدستورى الحاكم الذي نراه بعد الثورة يطل برأسه عبر الشاشات المخترقة ناصحاً امينا ظنا منه ان الشعب التونسي قد فقد ذاكرته تحت وطأة التعذيب الذي سلطه عليه بورقيبة وبن علي وكان من أوائل المنظرين له بان يقع تعيين البنات سيئات السلوك بكلية الشريعة بدعوى اصلاحهن وقد وصل في بعض السنوات الى 80 في المائة من جملة التعيينات وتتخرج البنت غير الملتزمة بعد ان تكون اثرت في سلوك اصدقائها وصديقاتها من الطلبة أستاذة للتربية الاسلامية وتاتي إلى تدريس مادة الدين كاسية عارية تلبس خيطين على صدرها وشبراً ونصف من القماش على نصفها الاسفل وهو ما عاينه الشاهد العدل ولا نعني التعميم فتجد من الطلبة والطالبات من لا يتاثر بهذه المخططات ويبقى على التزامه وفاعليته في العطاء والتألق الذي نماه بطريقة شخصية دون الاعتماد الكلي على برامج التعليم الخاوية والتى تتخللها انشطة افسادية لتمييع الالتزام والاستقامة ، نشرت مجلة المجتمع التونسية فى عددها الصادر بتاريخ 24/8/1993 الخبر التالى (اشرف وزير الشئون الدينية فى تونس على سباق فى مسبح كلية الشريعة وقد تبارت فى المسابقة طالبات كلية الشريعة وكن يرتدين البيكينى (بدون تعليق) وبعد اعطائه اشارة الانطلاق لطالبات الشريعة علق الوزير على ذلك مبتهجا بقوله « الان تخلصت الزيتونة من عقدتها » ) انتهى ، حيث اصبح الالتزام والجدية والاستقامة عقدة تنم عن التخلف وعدم مواكبة الحضارة هكذا خططوا لتونس وجعلوها حقل تجارب لمخططهم التدميري , يقول المستشرق الانجليزي جيب وهو من كبار المخططين الماسون « لقد اردنا ان نجعل من تونس مكانا لتجربة الحضارة الغربية لنرى لاي مدى يمكن لبلد إسلامي أن يسير في طريق الغرب حتى تكون التجربة صالحة لنقلها الى بلد إسلامي اخر »([2])، وامام تجفيف المنابع الفكرية للثقافة الاسلامية ببعديها الثقافى والانسانى وجدت الافكار الغربية التى ركبها اليهود فى عقول رواد الفكر الغربي بعد افراغه من العقائد الطريق ممهدا الى عقول الشباب التونسي الذى كرست عليه مخططات التغريب والتهميش وتفكيك الهوية فى ظل وضع سياسي مشحون بالقهر وخنق الحريات ووضع ثقافى يثير الفساد ويدمر الاخلاق والقيم ووضع اجتماعى مترد طغى عليه الظلم الطبقى والمحسوبية ووضع اقتصادى متسم بالتبعية الكاملة للغرب. الدفاع عن الهوية
وفى هذا الجو المفعم بالمتناقضات برز التيار الاسلامى للدفاع عن الهوية، فى غياب رعاية علمية راسخة الامر الذي جعله يتأثر بتوجهات المدارس الفكرية السلفية الشرقية التى غصت المكتبات بكتبها بِفعلِ فاعل محترف وقصته يطول شرحها وجزء من هذه الكتب تعطى مفاهيم رآها اصحابها فى المنهاج الاسلامى فى ظل ظروف وملابسات كانوا يعيشونها فى المشرق وربما لا تكون هذه الرؤى صائبة اذا خرجت من ظرف الزمان والمكان، كذلك شحنت معظم هذه الكتب بأفكار التطرف والتكفير نتيجة نجاح مخططات تشويه الاسلام التى نفذها الاعداء في عقول بعض العلماء بالاختراق الفكري والدعم المادي والادبي وهو المزلق الذى انزلق فيه التيار الاسلامى فى اول امره فى السبعينيات حيث لم يفرق بين الاسلام ونظريات المدارس الفكرية وسار فى الطريق ظنا منه انه يحمل الحق المطلق وغيره على باطل واضفى قدسية الاسلام على الافكار التى حملها وبهذا تعامل مع الجماهير التى كرست عليها مخططات رهيبة لتجهيلها بدينها وبمقوماته الحضارية فحتى المنابع الفكرية كجامع الزيتونه التى جُعلت بان تكون منارا يهتدى الناس به سواء السبيل فى خط الحياة العريض افرغت من محتواها ومنعت من مواكبة التطور الحضارى الذى اساسه تنوع العلوم المحكومة بالقواعد الاخلاقية وبالتالى فَقَد هذا الشباب المرجعية الوطنية والدينية فى تحركه الاسلامى للتغيير ومع مرور السنين تطور وعيه شيئا فشيئا حتى عاد الى الوسطية والاعتدال والرؤيا الشمولية للاصلاح وسوف تمنحه التجارب السياسية فى ظل الحريات فاعلية اكثر فى البرنامج العام للاصلاح فى تونس ومن علامات تطوره الفكرى هو نبذه للعنف الذى تعود مضاره على الناس ويساهم فى تشويه صورة الاسلام الذى يتحتم على كل مسلم اظهاره في شكله الاخلاقى الجميل الجذاب لكل من له عقل سليم تماشيا مع سبيل الدعوة الى الله لبناء المجتمع الحضارى الانسانى لاسعاد البشرية جمعاء رغم استدراج النظام الحاكم له لادخاله فى مستنقع التدمير بما سلط عليه من قهر استأصالى وبقيت الآن بعض الفصائل من التيار الاسلامى هى فى طريقها الى الاعتدال ولم الشمل والتوحد سيعينها فى ذلك مناخ الحريات الذي سيسمح لكل الفرقاء ان يجلسوا على طاولة الحوار التى ستفضى الى سحب الاحتقان واعتدال الافكار والتوافق على ما فيه مصلحة البلاد والعباد وهو التوافق المفروض على كل من هو على الركح السياسي بقطع النظر على انتماءاته الاسلامية وغيرها حيث ستصبح مصلحة البلاد فوق كل مصلحة حزبية او فئوية وسيتألق الاصلح فى اعادة بناء المجتمع التونسي الذي سينبذ بطبيعته الفاسدين والانتهازيين وربما سيصلحهم ليكونوا عناصر فاعلة فى عملية الاصلاح.
وليعلم الجميع ان تونس قبل الثورة كان وضعها هشاً وبعدها هو اشد هشاشة ولا يتحمل الفتن والمؤامرات فالمتربصون فى الخارج والداخل لهم مخططات تدميرية لمكاسب الثورة وللمجتمع التونسي الذي أربكت ثورته آلية التسلط والهيمنة وأطاحت برموزها وهو ما يجب ان يحسب له اصحاب الاديولوجيات الغربية وغيرها الف حساب ليخرجوا من دائرة الاختراق وينأوا بانفسهم عن ان يكونوا معاول هدم فى يد الاعداء لتنفيذ مخططاتهم من حيث يحسبون انهم يحسنون صنعا فيبادرون بمصالحة وطنية بين كل التونسيين مهما اختلفت الوانهم لحماية تونس من اعدائها الذين رعوا التطرف العلمانى والديني على حد سواء بل وأسسوا له مناهج وساعدوا على نموه لانه من اهم الاسلحة الهدامة التى يحتاجونها لايقاف المد الدعوي للاسلام عبر العالم بتشويه صورته النيرة وسد الطريق أمام دعوات الانعتاق من ربقتهم وضرب وحدة الصف لدى المسلمين وارهاب الانظمة الحاكمة وفصلهم عن شعوبهم ودفعهم الى مناهضة الفكر الاسلامي وتضيق الخناق عليه وتجفيف منابعه بدعوى القضاء على التطرف وهو التلبيس الذي خططوا لزرعه في أدمغة الحكام وغذوه برعاية هذا التطرف وتوجيهه كذلك بما أحدثوا به على الارض من مآسٍ وفتن أحرقت الاخضر واليابس عبر مخططات محكمة استعملوا فيها بطريقة غير مباشرة وبالاختراق المتطرفين كأداة تنفيذ فعالة وحققوا بهم ما كانوا يصبون اليه عبر مخططاتهم الموجهة ضد الاسلام والمسلمين والمنبثقة من توجهاتهم الدينية. كذلك حققوا الفساد المجتمعى الذي خططوا له فى البلدان المستهدفة والذي اصبح يهدد بانهيار المجتمعات الاسلامية فى مستنقع اللا اخلاقية الذي لامس شره كل قطاعات الحياة العامة والخاصة وخاصة الاجيال الصاعدة من الشباب. أرض المعركة
وجامع الزيتونة مثال من آلاف الامثلة لما يكرس من مخططات على العالم الاسلامى وقس على ذلك كل المنابع الفكرية الاسلامية التى لم تسلم من تدخلاتهم فالقضاء عليها هو من اهم الاهداف الاستراتيجية وقد احدث هذا التدخل مشكلة عويصة فى الفكر الاسلامى الشمولى النير حيث اتجه الناس الى تحصيل الثقافة الدينية بدون توجيه علمى عبر الكتب الغثة والسمينة والتى خطط الاعداء لاغراق السوق بجزء كبير منها وهذا الموضوع غنى عن زيادة التفاصيل ويكفى الانسان الاطلاع على وثائق وزارة المستعمرات البريطانية التى فقدت سريتها بعد مضى الوقت القانونى فسوف يجد ما يذهله ويذهب عقله. ولكن السؤال هنا؟ نحن نعلم علم اليقين ان اعداء الاسلام ومنذ زمن بعيد غيروا ارض المعركة وغيروا خططهم العسكرية واسلحتهم التقليدية وهوية جنودهم وطبيعتهم القتالية وغاب هذا التحول عن جل المسلمين الذين تركوا الارض الجديدة للمعركة خالية من أية مقاومة فوجد الاعداء انفسهم يحاربون فى ارض غاب عنها اهلها، يدمرون كل شىء اتوا عليه باسلحة سلمية صامتة وناعمة وذات دمار شامل فى كل مقومات الامة فى ساحة التعليم والاعلام والثقافة والسياسة والامن والاقتصاد والحياة الاجتماعية والساحة الدينية مستعملين جنودا من جلدة المسلمين اخترقوا كيانهم الذاتى وصنعوا عقولهم واذهانهم وبرمجوا فى ادمغتهم خططهم التدميرية وفسحوا لهم المجال ليعيثوا فى ارض المسلمين فسادا، الامر الذي ترتب عليه الدمار الحاصل فى كل مقومات المجتمع والذي ذاق الشعب التونسي ويلاته على مدى عقود من الزمن، وجاءت الثورة وخاضت حربا متلائمة مع طبيعة المعركة السلمية التي يقودها الاعداء([3]) عن طريق عملائهم وخدامهم وجنودهم الاوفياء الى ايديولوجياتهم وخططهم التى اخترقوهم بها وجعلوهم يعطونهم من النتائج اكثر ما هو مطلوب منهم بكل تلقائية وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا لبراعة تقنية الاختراق التى اسقطوهم بها من حيث لا يشعرون ضحايا فى ثكنات القوى الحربية الناعمة ليضعوهم فى صف المواجهة الاول. واطاح الثوار برأس الهرم فى مبادرة فريدة فى نوعها عبر التاريخ لم يتوقعها الاعداء الذين كانوا متيقنين من صلابة جدران السجن الموسع الذي سجنوا فيه الشعوب كذلك من القبضة الحديدية الباطشة لاعوان السجن ومديريهم، ومازال امام الثوار عقبة كؤود أعتى من رأس الاستبداد الهارب وأهم وهى القوة العسكرية السلمية الضاربة والمسئولية على مفاصل الحياة المجتمعية فى المناصب السيادية ومناصب التسيير والتوجيه للمؤسسات السياسية والتعليمية والاعلامية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، وحتى الملاذ الآمن الذي سيمكن الثورة من تأطير نفسها فيه لانه المجال الوحيد الذي سيعين على كسب رهان الثورة بطريقة حضارية والذي هو فضاء منظمات المجتمع المدنى استولى جنود الطابور الاستعماري على النصيب الاكبر من ساحته وهم الآن عبر فضائه يخططون الى الهيمنة على التوجهات المستقبلية للبلاد والعباد، ومن اعظم المفارقات والمصائب العاصفة بنتاج الثورة ان الايادى الخفية أعانتهم على التمركز الممنهج فى آلية التخطيط لعملية الاصلاح المجتمعى المستقبلى للبلاد والعباد نيابة عن الثورة وهم الذين سيضعون دستورها ومخططها السياسي والاقتصادى والاجتماعى والامنى والثقافى والتعليمي، والامر الغريب الذي يذهب العقل هو ان هذا الخطب الجلل والطامة الكبري والمؤامرة الفظيعة تقابل بصمت رهيب من رواد الدفاع عن الهوية ومن نخب الاحرار ومن الغيورين على حركة الانعتاق ومن عامة الشعب المسلم كيف يسمح لجنود الفكر الاستعماري الغربي بان يصنعوا مستقبل حياته، ان الاستسلام الى واقع الخزي المفروض من الاعداء هو اكبر خيانة للدين وللضمير وللثورة وللقيم وللبلاد وللعباد وللانسانية ولذلك يجب ان تتوحد كل الطاقات الفكرية الواعية لشرح هذه المسألة المعضلة الى عامة الشعب حتى يعي الثوار خطورتها وانها فاصلة فى انتصار الثورة وفى هزيمتها فيتحركوا سلميا بكل امكانياتهم للاطاحة بهذه الآلية لانه لا يمكن لمن كان معولا فى يد الاعداء من حيث يشعر او لا يشعر يدمرون به كل مقومات الشعب ان يقفز على ظهر الثورة ليصنع مصيرها فهؤلاء القلة القليلة هم فى قائمة من ارتكبوا افظع الجرائم فى حق تونس وأجيالها السابقة واللاحقة.
ان جريمة تجفيف منابع الفكر الاسلامى هى من اكبر الجرائم على الاطلاق فى حق الشعوب الاسلامية وهذه الجريمة هى التى تسببت فى الوضع المأسوي الذى تعانى منه الشعوب المقهورة وهى التى مكنت هذا الجيش الجرار المنفذ لمخططات الاعداء التدميرية من البروز لانه أُفْرِغَت له الساحة وسخرت له كل الامكانيات لتدمير كل مقومات الشعب التونسي. والناس فى تونس يتحدثون عن محاسبة الفساد والمفسدين وقد حصروا الفساد فى بن علي وعائلته وازلامه ورجال الاعمال الذين استفادوا ماديا ونهبوا ثروات الشعب او الذين قاموا بتجاوزات من رجال الامن تسببت فى القتل والاضرار البدنية للمعارضين هذه جرائم فى درجات دنيا أمام جرائم التدمير العام للمقومات الاساسية التى دارت وقائعها ومازالت دائرة فى ساحة التعليم والثقافة والاعلام والحياة الاقتصادية والاجتماعية وهى جرائم فظيعة فى حق الشعب برمته وفى حق الاجيال المتعاقبة فمتى تستفيق النخب الواعية والراشدة لتضع هذه الجرائم فى الواجهة الاولى للمحاسبة وتضع لها القوانين الصارمة والرادعة لارتباط هذه الجرائم بالامن القومى فى اعلى درجاته. الواقع المفروض
ونحن نهيب بعناصر هذا الجيش الجرار والمغرر بهم والمخترقين ان يتفهموا اللعبة الاستعمارية الاستبدادية البغيضة التى تحاك للانسانية جمعاء والتى حشروا فى منظومتها العسكرية السلمية واصبحوا جنودا اوفياء للتوجهات الفكرية التى نسخوها فى ادمغتهم ورتبوا خططها فى افكارهم ولبسوا عليهم الامر حسب تقنيات التوجيه عن بعد وهو ما يطلقون عليه فى لغتهم العسكرية السلمية بالتوجيه عبر الواقع المفروض وهو التخطيط لارساء ارضية فكرية ووضع عام يفرض خيارات ملفوفة فى اثواب التطور الحضاري والنمو التنموي فى اتجاه مصالحهم ومرامى استراتيجيتهم تقع برمجتها عن طريق التعليم والاعلام والثقافة والاقلام فى آلة الدماغ للمخترق مما يجعله يشعر ان الواقع الذي وضع فيه من حيث لا يشعر هو واقعه الطبيعي وهو ما يفرض عليه ان يتصرف بارادته طبقا لما يريده منه من صنعوا ذهنه وبرمجوا عقله دون اى املاء مباشر وهو ما يسمونه ذروة الانتصار للسيطرة على المجندين المنفذين لمخططاتهم من حيث لا يشعرون، ان اكبر هزيمة هى عدم احساس المنهزم بوقوعه فى الاسر تحت سيطرة عدوه الكاملة الامر الذي يجعله يبنى استراتيجة حياته على اوهام الحرية معتزا فى مواطن الذل بما يتوهم من تحقيقه لانجازات كبيرة (كموالى او معارض)، هى فى الحقيقة خيارات فرضها عدوه عليه ببراعة تضليلية فائقة جعلته يتوهم انها نابعة من اجتهاده الاصلاحى وهى كلها تصب فى مصلحة عدوه الماكر ولكل هذا وانطلاقا من حرصنا على قطع الطريق على اعداء انعتاق الشعوب وعلى ابطال مفعول الالتفاف الحاصل لثورة تونس النداء
وحرصا منا كذلك على انقاذ اخواننا وابناء جلدتنا ممن يجمعنا واياهم الانتماء الى الوطن الواحد والذين اسرهم اعداؤنا وجعلوا منهم جنودا لتنفيذ مخططاتهم من حيث لا يشعرون فانى اناديهم واناجيهم وأشد على ايديهم واتوجه اليهم بقلب ناصح وعقل حريص على مصالحهم ان يكسروا قيود الاديولوجيات ويتخلصوا من مواقع التحزب ويتحرروا من سجون الاعداء التى اسروهم فيها الى فضاء الحرية الحقيقية ليساهموا من مواقع خبراتهم فى نهضة تونس وجعلها نموذجا للتطور الحضاري يقتدى به العالم باكمله وانى اعنى بمواقع الخبرات هى الاختصاصات الفنية التى تحدث نتاجا فعليا ينتفع به المجتمع وليس الجدل الفكري المضيع للوقت الثمين الذي نراه الآن على الساحة والذي لا يجنى من وراءه الشعب الا الصداع لان واقع تونس سوف يتجه الى انتاج مسيرين مختصين ونوابغ فى تخصصات مناصبهم وسوف تلغى عملية اقتسام الكعكة والمحاصصة بين الاحزاب لارضائها على حساب مصلحة الشعب وسوف يكون للاحزاب دور الرقابة والتوجيه اما البرلمان فسيكون من ذوى الخبرة فى التخطيط والبرمجة التنموية والحضارية ومن الكوادر العليا التى ينتظر منها المساهمة العملية فى التقدم الاقتصادى والحضاري وهذا من اهم شروط المترشحين بعد الجانب الاخلاقى، الامر الذي سيجعل الشعب هو سيد الموقف وهو الذي سيرتب آلية الاستفتاء ليكون جاهزا للقول الفصل فى كل ما أشكل باعتباره المرجع العدل فى قضاياه المصيرية، وبما ان الثورة انطلقت على مبادئ حضارية بعيدة عن العنف المادي والفكري فليحتكم الآن كل الفرقاء على الساحة الى الشعب ليقول كلمته فى ما اختلفوا عليه وليتحدوا جميعا لانجاح ما تقرره الجماهير لصالح المشروع الاصلاحي لان الشعب اذا لم تحسم الآن مسائل الخلاف فسيحسمها في ما بعد فى ظروف ربما تكون فى غير صالح الفرقاء وقد تؤدي الى خسارات فادحة فى شعبيتهم ومواقعهم فالرهان واضح المعالم والنتائج، فزمن الالتفاف وتغيير الالوان قد ولي فلا تغتروا ايها الفرقاء بالاوضاع المؤقتة. د. عبد الآله المالكي Malki1001@hotmail.com www.abdelilahmalki.com