Home – Accueil – الرئيسية
TUNISNEWS
8 ème année, N° 2607 du 13.07.2007
بلاغ إعلامي حول السجين السياسي كريم الهاروني منظمة العفو الدولية:المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان: الحظر على التعذيب مطلق وعالمي حزب تونس الخضراء:لكي نحافظ على ثروتنا الغابية والحيوية رويترز:ارتفاع واردات تونس من القمح 19 بالمئة في الربع الاول مدونة الصحفي محمد الفوراتي :المخابرات تسطو على مدونة صديقة الحوار.نت: الجزء الرابع والأخير من الحوار مع الشيخ العكروت:الرئيس الأسبق لحركة النهضة التونسية والسجين السياسي السابق محمد الهادي حمدة: قراءة في تقرير الاتحاد حول أزمة الصناديق الاجتماعية د. محمد الهاشمي الحامدي: مواقف عمرية محمد المنصف قاره :دخول فرنسا كان استعمارا ودخول ابن النصير كان خيرا صحيفة “مواطنون” : الإضراب: التاريخ والدلالات والرهانات صحيفة “مواطنون”: إلى هادي دانيال – رُدَّها علينا إن استطعت! صحيفة “مواطنون” : يوميّات فلّاح الهادي بريك ;الإمام القرضاوي آخر مجدد لآخر مائة:( الجزء الثاني ). أ. مصطفى عبدالله الونيسي :كيف نشأت الدولة الإسلامية ؟ ياسين الحاج صالح: ٍهل العلمانية ممكنة في بلد واحد؟ الصباح: المنصف ذويب يروي خلافه مع لمين النهدي من 1995 إلى 2007 برهان بسيّس: المسجد الأحمر!! د. بشير موسي نافع: من إعادة إنتاج العقل الخارجي إلى العبث المأساوي يحيي أبوزكريا: الغرب يكرّم سلمان رشدي ويسجن المؤرّخ ديفيد إيرفينغ د. عبدالوهاب الأفندي: السودانيون في إسرائيل: مأساة أمة
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
بلاغ إعلامي حول السجين السياسي
المهندس كريم الهاروني الأمين العام الأسبق للإتحاد العام التونسي للطلبة
يشن السجين السياسي كريم الهاروني ( 45 عاما ) إضرابا عن الطعام منذ التاسع من هذا الشهر يوليو تموز 07 بسجن المرناقية بتونس مطالبا بإطلاق سراحه ( سجين منذ 1991 ومحاكم بالمؤبد من قبل المحكمة العسكرية وهي محكمة إستثنائية لا دستورية بتهمة الإنتماء إلى جمعية غير مرخص فيها ) أو على الأقل تحسين وضعه المعيشي في السجن سيما أنه يعاني من أمراض خطيرة وكثيرة بسبب رداءة الأكلة وعدوان بعض الإعوان على ما تجلبه له عائلته بحسب إحتياجاته الصحية ( العسل مثلا ممنوع من الدخول إلى السجن ) فضلا عن الإكتظاظ وتفشي الأمراض المعدية والحرمان من الحق في عيادة الطبيب والقيام بالفحوصات اللازمة وهي الأمور التي أفضت إلى موت عشرات من المساجين على إمتداد العشرية المنصرمة. وبهذه المناسبة فإن عائلته تطلق صيحة فزع خوفا على مصير إبنها السجين مطالبة المنظمات الحقوقية والشخصيات الوطنية والأحرار في العالم أينما كانوا والمواقع الإعلامية التدخل لدى السلطات التونسية لوضع حد لهذه المأساة الفظيعة. عن العائلة : هند الهاروني ـ شقيقة السجين كريم الهاروني. الهاتف : 21694582959 العنوان الإلكتروني : brikhedi@yahoo.de
منظمة العفو الدولية
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان: الحظر على التعذيب مطلق وعالمي
تُحذِّر منظمة العفو الدولية، ومركز آيري، واللجنة الدولية للقضاة المحلفين، منظمة إنتريت، ومنظمة ريدرس، من أنه قد طُلب من الغرفة الكبرى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إعادة النظر في جلسة استماع اليوم بالحظر المطلق المفروض على التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. فإضعاف الحظر المطلق المقر عالمياً على التعذيب وسواه من ضروب سوء المعاملة ليس خطأً فحسب، وإنما يعرضنا جميعاً للخطر بتقويضه أحد أهم القِيم التي يقوم عليها النظام الأوروبي. ويدعي نسيم سعدي، في قضية سعدي ضد إيطاليا، التي تُنظر اليوم، بين جملة أشياء، أن الأمر بترحيله من إيطاليا إلى تونس بمقتضى قانون بسانو يشكل انتهاكاً لواجبات الحكومة الإيطالية بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في منع التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة وفي الحماية منه، نظراً لأن من شأن إعادته إلى تونس أن تُعرضه لخطر حقيقي في أن يُخضع للتعذيب أو لغيره من صنوف سوء المعاملة. وقد تدخلت حكومة المملكة المتحدة، إلى جانب حفنة من الحكومات الأخرى، في القضية لدعم الترحيل على الرغم من خطر التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. وتطلب حكومة المملكة المتحدة من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تغيير قانون أصول المحاكمات المعتمد لديها حالياً، والذي يتماشى مع الحظر المطلق المعترف به دولياً على التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة. وتحاجج المملكة المتحدة بأنه لا ينبغي لتحريم التعذيب وسوء المعاملة أن يكون مطلقاً بالنسبة لمواطني الدول الأجنبية الذين تعتزم الدول ترحيلهم وترى فيهم تهديداً لأمنها القومي. إن قانون حقوق الإنسان الراهن واضح في هذا الشأن. فالحظر المطلق على التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة يعني أن الدول ملزمة بضمان أن لا يشارك ممثلوها في التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة مهما كانت الظروف. ويتعين عليها أن تُقدِّم إلى العدالة المسؤولين عن هذه الأفعال وضمان الإنصاف للضحايا. ويعني الحظر كذلك أنه لا يجوز للدول أن تُعرِّض الأشخاص لمخاطر التعذيب أو سواه من ضروب سوء المعاملة في بلدان أخرى. وبذا، فهي لا تستطيع على نحو قانوني إرسال شخص ما إلى أي مكان يمكن أن يواجه فيه خطر حقيقي بأن يعذَّب أو يتعرض لأي ضرب من ضروب سوء المعاملة. وهذه القواعد تظل راسخة بغض النظر عن الظروف، بما في ذلك عندما يكون الشخص المعني من المشتبه بتورطهم في الإرهاب. وتحريم التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة مطلق لسبب جيد. فالتعذيب انتهاك جسيم للكرامة الإنسانية وللسلامة البدنية. وأثره يفضي إلى تآكل سيادة القانون والسلطة المعنوية للدولة نفسها. ولهذه، ولغيرها من الأسباب، فإن ممارسة التعذيب قد واجهت الإدانة مراراً وتكراراً من جانب المحاكم الدولية والوطنية. والحظر المطلق المفروض عليه قد حقق أعلى المراتب في القانون الدولي، وهو أساسي وقطعي ولا رجعة عنه. إن المجتمع الدولي قد أصدر تعليقات قانونية وإعلانات عامة متكررة بأنه يتعين على ما تتخذه الدول من تدابير لحمايتنا جميعاً من الإرهاب أن تكون متماشية مع القانون الدولي، بما في ذلك مع الحظر المطلق على التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة. بيد أن وسائل الإعلام وتقارير منظمات حقوق الإنسان وتقارير هيئات الخبراء التابعة للأمم المتحدة ومجلس أوروبا تعج بالأمثلة على تدابير اتخذتها الدول الساعية إلى الالتفاف على الحظر المطلق. وما إرسال الأشخاص إلى أماكن يمكن أن يتعرضوا فيها لخطر التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة استناداً إلى “التأكيدات الدبلوماسية”، كما تسعى إيطاليا في قضية سعدي، ليس سوى مثالاً واحداً على هذه الظاهرة التي تثير بواعث القلق في أوروبا على نحو خاص. فهذه “التأكيدات الدبلوماسية” ليست سوى “اتفاق جنتلمان” غير قابل للتطبيق مع الدولة المستقبلة بأن تستثني من “ممارستها المعتادة” لتعذيب المعتقلين الشخص المطلوب حمايته من مثل هذه المعاملة. خلفيـة قضية سعدي ضد إيطاليا قيد النظر حالياً من جانب الغرفة الكبرى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومنذ 11 يوليو/حزيران 2007. ويدعي نسيم سعدي في هذه القضية، بين جملة أمور، أن أمر ترحيله من إيطاليا إلى تونس، بمقتضى قانون بيسانو، يشكل خرقاً لواجبات الحكومة الإيطالية بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وقد أدين نسيم سعدي، وهو مواطن تونسي يقيم بصورة مشروعة في إيطاليا، في مايو/أيار 2005 وحكم عليه بالسجن لأربع سنوات وستة أشهر بتهمة التآمر الجنائي والتزوير. وفي المحاكمة نفسها، لم يتبين أنه مذنب بالارتباط بالإرهاب الدولي. ولا تزال طلبات استئناف الحكم من جانب نسيم سعدي والادعاء قيد النظر في المحاكم الإيطالية. بيد أنه وفي أغسطس/آب 2006، وبينما كان الاستئناف قيد النظر، أمر وزير الداخلية بترحيل نسيم سعدي إلى تونس بموجب قانون بيسناو. وطبقاً لهذا القانون، يجوز إبعاد الشخص الذي تشتبه السلطات بتورطه في أنشطة تتصل بالإرهاب بناء على أوامر من وزير داخلية مقاطعة ما دون توجيه تهمة إليه أو محاكمته. ولا توقف طلبات استئناف مثل هذه الأوامر تنفيذ القرار. وقضية سعدي واحدة من عدد من القضايا التي تنظر الاعتراضات التي قُدمت على تطبيق هذا القانون، والذي تقوم إيطاليا حالياً بمراجعة مدى دستوريته. ويدعي نسيم سعدي في قضيته المرفوعة أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بين جملة أمور، أنه يواجه خطراً حقيقياً في أن يتعرض للتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة ولانتهاكات أخرى لحقوقه الإنسانية في تونس، وبذا فمن غير الممكن قانونياً إعادته إلى هناك. ولدى منظماتنا تقارير بأن الأشخاص الذين أُعيدوا إلى تونس من الخارج، بما في ذلك من إيطاليا، قد اعتقلوا بمعزل عن العالم الخارجي وأُخضعوا للتعذيب أو لغيره من أشكال سوء المعاملة أثناء احتجازهم. وذكر رجل تونسي آخر طُرد من إيطاليا إلى تونس بموجب قانون بيسانو في أوائل 2007 أنه أُخضع لسوء المعاملة خلال فترة الاعتقال هناك، وفق ما ورد. وفي مايو/أيار 2005، جرت محاكمة نسيم سعدي غيابياً من قبل محكمة عسكرية في تونس وحكم عليه بالسجن 20 عاماً بتهمة عضوية منظمة إرهابية تعمل خارج البلاد، والتحريض على الإرهاب، وذلك استناداً إلى سلوكه في إيطاليا، حسبما ذُكر. وعلى الرغم من احتمال إعادة محاكمته في تونس، فإن مثل هذه المحاكمة ستعقد أمام محكمة عسكرية. وتشير أبحاث منظماتنا إلى أن المحاكمات أمام المحاكم العسكرية في تونس تشكل انتهاكاً للمعايير الدولية للنـزاهة. فرئيس هيئة المحكمة هو المدني الوحيد الذي ينظر القضية بين عسكريين، وثمة حظر على علنية مثل هذه المحاكمات، التي تعقد في المجمعات العسكرية. وقد أعربت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ظروف أخرى عن اعتقادها بأن مثل هذه المحاكمات تشكل خرقاً للحق في المحاكمة العادلة. وأبلغ مدنيون حوكموا من قِبل محاكم من هذا النوع في تونس عن تعرضهم لانتهاكات لحقهم في الدفاع، تفاوتت بين عدم إخطارهم بحقهم في الاستعانة بمحام، وبين فرض قيود على وصول محامييهم إلى ملف القضية والحصول على معلومات أساسية من قبيل مواعيد جلسات الاستماع. ولا تنظر في طلبات الاستئناف لأحكام هذه المحاكم سوى محكمة التمييز العسكرية، وليس ثمة مراجعة لها من جانب محكمة مدنية. إن قضية سعدي ضد إيطاليا واحدة من سلسلة من ثلاث قضايا تنظرها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وتسعى المملكة المتحدة وحفنة من الحكومات الأوروبية من خلالها إلى تغيير قانون أصول المحاكمات لإلغاء الحظر المطلق المفروض على إرسال الأشخاص إلى مكان يواجهون فيه خطراً حقيقياً بأن يتعرضوا للتعذيب أو لغيره من صنوف سوء المعاملة، واستبدال هذا الحظر باختبار يتم بموجبه الموازنة ما بين الخطر الذي سيتعرض له الفرد وخطره على الأمن القومي. وإحدى القضايا الأخرى التي تذرعت فيها حكومة المملكة المتحدة بهذه الحجة أمام المحكمة هي قضية رامزي ضد هولندا، التي تنظرها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أيضاً. وما زال أمام المحكمة عقد جلسات الاستماع في قضية رامزي. بيد أن المحكمة قد وافقت على طلب المملكة المتحدة بأن تتوجه إلى المحكمة أثناء نظر قضية سعدي، وستُضمن في ملف قضية سعدي ضد إيطاليا الحجج التي ضمتها سابقاً إلى ملف قضية رامزي. غير أن المحكمة، للأسف، لم توافق على تضمين ملف قضية سعدي المداخلات المكتوبة الموازِنة لمداخلات المملكة المتحدة التي تقدمت بها ثلاث مجموعات من المنظمات غير الحكومية، بما فيها منظمة العفو الدولية، ومركز آيري، واللجنة الدولية للقضاة المحلفين، والحقوق العالمية، والإنصاف، الأمر الذي تأسف له هذه المنظمات. المصدر :http/ara.amnesty.org/library/Index/ARAIOR300162007
حزب تونس الخضراء لكي نحافظ على ثروتنا الغابية والحيوية
امتازت السنوات الأخيرة بنمو الوعي البيئي إلى جانب تزايد الوعي الاجتماعي وبرزت تحركات جديدة للمواطنين في الأحياء والمدن والقرى تدل على مشاركة واعية واهتمام كبير بمشاكل البيئة التي أصبحت من أكبر مشاكل العصر. إن هذا الوعي المعاصر يتجلى كذلك في تحركات المواطنين للدفاع عن المخزون الغابي الحيوي بعد أن عمد بعض المقاولون قطع الأشجار في العديد من الجهات، معتمدين على رخص رسمية. وكما تبين لنا أثناء العديد من تدخلات مناضلي حزب تونس الخضراء وأصدقاء البيئة، لدى هذه الشركات فإن الرخص لا تتعدى (كتابيا) إزالة الفروع الميتة وتقليم الأشجار لمساعدتها على النمو وكذلك للاقتصاد في استهلاك المياه في الصيف. غير أن هذه الشركات التي تعمل بدون مراقبة المصالح البلدية والغابية تقوم فعلا بقطع الأشجار كاملة لفائدة شركات تصدر الجذوع المقطوعة إلى الخارج ( كما أعلنت بعض الصحف اليومية). لقد كانت تدخلات حزبنا البيئي من أجل الدفاع عن الشجرة منذ التأسيس وهي متعددة ونبهنا السلط المحلية والجهوية لهذه التعديّات البيئية وحاولنا تحسيس المواطنين رغم إمكانياتنا الاتصالية المحدودة !! * يوم 21 مارس 2005 تحوّل وفد من حزبنا إلى أم ذويل ( القرية) بعد أن تم الاتصال بالمنسق العام من طرف متساكني هذه القرية أين عمد أحد المقاولون قطع الأشجار والتي منها ما أشرف عن القرن وتم اجتماع بأكثر من 150 مواطن بعد الاتصال بالسلطة الجهوية والمحلية تمت ايقاف عملية قطع الأشجار مع العلم أنه كانت توجد غابة غناء في منطقة أو ذويل تم اتلافها منذ سنة 1974. * 11/04/2006 تحول وفد من حزب تونس الخضراء لمعاينة قطع الأشجار من طرف مقاول في باجة ونفزة وشاهدنا حسرة المواطنين في قرية شرشاره خاصة وأنهم محرومين من الاستفادة من منتوجات هذه الغابة التي يعيشون فيها كجمع الثمار الغابية والأعشاب الطبية التي تباع بالجملة والمزاد العلني للشركات !! توجد بعض الجمعيات القروية التنموية النموذجية وهي مسيرة من طرف جمعيات في أغلبها غير تونسية !! * 16/07/2006 : حملة جديدة لقطع الأشجار ، منها ما فات 50 سنة من الحياة وذلك في ساحة الاستقلال بسليمان . ولقد قمنا بعملية تحسيس لمخاطر قطع الأشجار، كما أحدثت هذه العملية استياء كبيرا واستنكار الأهالي . * ماي 2007 : يتم قطع الأشجار في تجمع سكني بحي المنار ( تونس) بعد تدخل مناضلي “تونس الخضراء” وأصدقاء البيئة ، تحول أعوان الوكالة الوطنية لحماية البيئة وأوقفوا العملية بعد التثبت في الرخصة. ولقد سجل أعوان الوكالة كل التجاوزات وقطع الأشجار في هذا الحي السكني في محضر ودعي المقاول من بعد … للمصالحة !! * جوان 2007 : في حي الحدائق بمرناق يقع قطع أشجار السرول في أنهج هذا الحي وبعد الاتصال بمناضلي حزب تونس الخضراء وجّه السكان لائحة احتجاج إلى السيد المعتمد بتاريخ 02 جوان 2007 وأخرى لرئيسة البلدية بتاريخ 7 جوان 2007 ورسائل أخرى لمن يهمه الأمر . كل هذه اللوائح والرسائل مسجلة لدى المصالح المعنية !! لكن سبق السيف… وقطعت الأشجار * في الأسبوع الأول من شهر جويلية 2007 شب حريق في غابة منوبة أتلف 24 هكتار من الأشجار والغطاء النباتي !! ومنذ 1956 إلى حدود 2002 (حسب الأرقام الرسمية شب 3568 حريق أتلف 64588 هكتار من الغابات ، أي بمعدل 89 حريق في السنة وتم ضياع 1400 هكتار سنويا من الغابات !! . إننا إذ نؤكد على أهمية الأشجار والغطاء النباتي ، فنحن نعلم أن الغازات السامة الكربونية المتسببة في أزمة الانحباس الحراري والتي تقدر بأكثر من 15 مليون طن في السنة يقع امتصاصها من طرف الغطاء النباتي وخاصة غابات الزيتون بمعدل 5,5 مليون طن سنويا أي امتصاص الثلث !! من المسئول عن هذه الحرائق ، لماذا لا تعزز فرق الإطفاء واليقظة خاصة في الصيف في المناطق الغابية ؟ ! إن بلادنا التي بلغت نسبة التصحر فيها 76% من الأراضي التونسية مدعوة إلى يقظة وطنية ومدنية للمحافظة على ثروتنا الغابية، خاصة كما نعلم أن البرنامج الوطني لمقاومة التصحر الذي انطلق منذ سنة 1996 لم يتعد إلى يومنا هذا مرحلة الدراسات والندوات بجميع أنواعها – والمشاريع النموذجية بمساعدة فنية أجنبية !!. عبد القادر الزيتوني المنسق العام تونس في 13 جويلة 2007
ارتفاع واردات تونس من القمح 19 بالمئة في الربع الاول
Fri Jul 13, 2007 6:50 PM GMT
تونس (رويترز) – أظهرت بيانات رسمية أن تونس رفعت حجم وارداتها من القمح بنسبة 19 بالمئة في الربع الاول من العام لتصل الى 478700 طن حيث قامت بشراء كميات أكبر من القمح الصلب لاعادة تصديرها في صورة معكرونة. وتونس من أكبر مستوردي الحبوب في شمال افريقيا. وقال المعهد الطني للاحصاء يوم الجمعة ان واردات القمح اللين سجلت 271700 طن نزولا من 275900 طن في الفترة نفسها من العام الماضي. لكن واردات القمح الصلب صعدت الى 207 الاف طن من 126300 طن. ونما اجمالي قيمة مشتريات القمح بنسبة 74 في المئة الى 152.5 مليون دينار تونسي (119.32 مليون دولار). وقال مسؤولون ان منتجي المواد الغذائية المحليين عززوا مشتريات القمح الصلب لاعادة تصديره في صورة معكرونة ومنتجات أخرى الى بعض البلدان الافريقية. (الدولار يساوي 1.278 دينار تونسي)
تونس تمنح شل ترخيصا للتنقيب عن النفط
تونس – قال مسؤولون حكوميون اليوم الجمعة ان تونس منحت ترخيصا للتنقيب عن النفط والغاز الى وحدة شل تونس التابعة لشركة رويال داتش شل الانجليزية الهولندية. وبموجب اتفاق تقاسم الانتاج تستثمر شل تونس بالاشتراك مع المؤسسة التونسية للانشطة البترولية ثلاثة ملايين دولار في أعمال التنقيب والحفر. ويخص الاتفاق الذي مدته عامان قطاعا مساحته 5140 كيلومترا مربعا في منطقة قابس الجنوبية. وتعمل أكثر من 30 شركة نفط أجنبية في تونس التي تستورد معظم احتياجاتها من الوقود مع تراجع انتاجها النفطي بشكل حاد في السنوات العشر الاخيرة جراء تقادم الحقول. (رويترز)
المخابرات تسطو على مدونة صديقة
محمد فوراتي فوجئت كما فوجئ غيري من المدونين بعملية السطو الجبانة على مدونة الصديق سليم بوخذير القلم الحر، وفي البداية عندما قرأت الخبر ، أصابني الشك، وظننتها مزحة فذهبت مسرعا إلى جهازي لأفتح المدونة، وكانت المفاجأة أن وجدت المدونة ممسوحة تماما ووضعت فيها فقط جمجمة ترمز ربما للموت والقرصنة مع بقاء صورة الصحفي سليم بوخذير، ووجود تعليقين غريبين أحدهما ربما لعون مخابرات غبي وجاهل. لقد تعودنا على ممارسات أجهزة المخابرات التي تعذب وتقتل وتسرق وتتجسس على الهواتف وعلى البريد الألكتروني، ولكنها ممارسة جديدة تبشر بكل خير، لان المدونة أخيرا أصبحت تقلق هؤلاء وتزعجهم فيلجأون إلى طمسها وقتلها وتعذيبها وخنقها. ولكن هؤلاء لم يدركوا أن حربهم خاسرة لأن المدونات هي صناعة شبابية نضالية متحركة ولينة لا يمكن ان تدخل تحت مظلة الدكتاتورية ولن تستتسلم لهذه الممارسات البائسة.. للتضامن مع المدونة المسروقة من قبل المخابرات يمكنكم التعليق بعد الدخول والتأكد بأنفسكم من أفعال البوليس التونسي المصدر: مدونة الصحفي محمد الفوراتي بتاريخ 11 جويلية 2007 http://alkalamhor.maktoobblog.com/
الجزء الرابع والأخير من الحوار مع الشيخ العكروت
الرئيس الأسبق لحركة النهضة التونسية والسجين السياسي السابق.
الحوار.نت : هل ما زال الشيخ العكروت ذلك الشاب الممتلئ طموحا كما عرفه الناس على نحو أنه ظل مصرا رغم مطالب العمل التنظيمي داخل الحركة في مواقع قيادية متقدمة جدا على طلب العلم حتى نال شهادة الباكالوريا بعيد خروجه من السجن عام 1988 وعمره يومها يناهز الخامسة والثلاثين ؟ أم أن الأعباء العائلية والأعباء الأمنية بعد الخروج من السجن إضافة إلى الحرمان من الشغل وحرية التنقل أقعدت الشيخ العكروت؟ الشيخ العكروت : الطموح حياة وإنعدامه موت. الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قال ” طلب العلم فريضة على كل مسلم ” وأنا لا أدعي أني شاب ولكني مازلت مصرا على مواصلة دراستي إن أتيحت لي الفرصة وحتى إذا لم أجد موقعا في الجامعة بسبب التعقيدات الإدارية والأمنية لأن وجودي في الجامعة يخيفهم فسأواصل دراستي عبر الوسائل الحديثة ولهذا إذا وجد من له إمكانية لإعانتي على الدراسة بإحدى الجامعات في المهجر بالمراسلة فإني أكون له من الشاكرين وله من الله جزيل الثواب. وطبعا دائما أفضل مواصلة دراستي باللغة العربية على اللغة الفرنسية أو الإنجليزية أما الإختصاص فهو حسب الترتيب التالي : شريعة ـ علم إجتماع ـ علم نفس ـ تاريخ وجغرافيا. عقد الشهادة العلمية : أنا لا أدرس من أجل شهادة تسهل لي الإرتزاق فالحمد لله قد وهبني الله القدرة على التجارة ولو كنت من طلاب الدنيا لكنت من أثرياء القوم ولكن فضل الله علي كبير لم أسلك هذا الطريق. فالمال رغم أهميته في نشر الدعوة وتقوية شوكة الحركة الإسلامية فهو كما يقولون قوام الأعمال ولكن من زاوية أخرى فحلاله حساب وحرامه عذاب وفتنة كبيرة وليس كل من رزقه الله مالا نجا من فتنة. ولكن أدرس وسأدرس لأن الشهادة تفتح لصاحبها آفاقا علمية لا يمكن ولوجها بغير الشهادة والشهادة لها سلطانها على نفوس الناس. فالفكرة مهما كانت بساطتها وسذاجتها عندما يقولها صاحب شهادة عليا يتلقاها الناس بالقبول الحسن والتصديق ويتناقلونها ومهما كانت الفكرة عبقرية عندما يقولها من حرم الشهادة أو المركز والذي لا يملك صفة فإنها تقابل بعدم الإكتراث والزهد وقد يقلص منها الموقع الحزبي أو السياسي ولكن في كل الحالات فالشهادة لها تأثيرها الخاص ورغم أمنيتي في إستعمال الوسائل العصرية فأنا قياسا بمن هم في سني أو خرجوا قبلي من السجن هناك أقدار مقبولة في التعامل مع الهاتف الجوال ومع الكمبيوتر وذلك بسبب حرصي على التعلم وربما ما يميزني عن غيري أني لا أستحي من جهلي أو ربما بمعنى آخر حيائي من جهلي يدفعني إلى التعلم وأتعلم حتى ممن هم أصغر مني عمرا أو أقل علما و شهادة وأحاول العمل بحديث النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام : ” الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها “. الحوار.نت : بلغنا يا شيخ محمد بأن السلطة بعيد مدة من إعتقالك في عام 1991 بادرت إلى تنظيم رحلة عبر شوارع العاصمة وأحوازها على متن سيارة فارهة تجوب بك منجزات العهد الجديد لتثني عزمك على معارضتها والتنصل من قيادة الحركة. إذا كان ذلك أو بعض منه صحيحا فهل تفصل الحادثة وما سبقها وتلاها لقرائنا؟ الشيخ العكروت : النيل من المعنويات : لا أستطيع الجزم بأنها رحلة منظمة بنوايا مبيتة ولكن الذي وقع أني أقتدت أكثر من مرة إلى الداخلية ومسلك الذهاب دائما غير مسلك الرجوع وتكرر الحديث في الطريق حول منجزات العهد الجديد خاصة فيما له علاقة بالطرقات والبنايات وما حصل من تغيير في البنايات وحتى في بعض سلوكيات الناس خاصة مظاهر العري. وربما الذي قد يؤكد النوابا المبيتة ما يحاول مسؤولو الداخلية إبلاغه من : أن الحركة إنتهت وأننا إنتصرنا عليكم وأننا على الحق وأنتم على الباطل وإلا لما نصرنا الله عليكم وأن الجماعة ” البره شايخين : فلوس وكراهب ونساء ومشاريع ” ( أي أن من فر إلى أوروبا من أبناء الحركة غنموا أيما غنم بالمال والسيارات والنساء والمشاريع ) وأنتم في ” التمرميد ” أنتم وعائلاتكم ( ضنك العيش ). كان الحديث متكررا ومطولا يعسر الإلمام به في هذه العجالة ولكن إليكم بعض العينات : أسهب كبير الجلادين في الحديث عن الأخ علي لعريض ( فيما عرف بحادثة الشريط البصري الذي صنعته أجهزة الداخلية وميليشياتها بقصد إظهار الأخ علي لعريض في عام 1991 بينما كان معتقلا منذ عام تقريبا في صورة يمارس فيها اللواط وخطب في ذلك ـ تأييدا لإفك الداخلية ـ أئمة جمعة من فوق منابرهم وكان ذلك موضوع بعض حلقات البرنامج الأسبوعي ليوم الجمعة في قناة تونس التلفزية عام 1991 ” الدين والحياة ” الذي يقدم بعد صلاة الجمعة مباشرة ). وبعد أن أفرغ جعبته قلت له : إذا كنت تريد أن تشككني في الأخ علي لعريض فهذا يعني أنك تريد أن تشككني في نفسي بل يمكن أن أشك في نفسي ولا يمكن البتة أن أشك في الأخ علي لعريض ولا في غيره من قيادات الحركة ولا في أي عضو من أعضائها وأعلم أنها دعاية مكشوفة خسارتها لكم أكثر مما لنا فالناس يعرفوننا جيدا ويعرفون أمانتنا وصدقنا ولو فسح لي المجال لأكملت ولكنه غضب وقاطعني متظاهرا بالنصح والموضوعية. كنت سأقول له : يمكن أن تشكك بعض الناس بأننا عنيفون أو حتى إرهابيون نتيجة اللبس الحاصل في أذهان كثير من الناس بسبب ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من آيات وأحاديث حاثة على الجهاد في سبيل الله وعلى مقاتلة الكفار لعدم إدراكهم لأسباب نزول هذه الآيات التي كانت تتعلق بوقائع معينة وفي ظرفية زمانية ومكانية وأن تنزيل هذه الآيات على واقعنا اليومي المعاصر يحتاج إلى علماء أفذاذ لهم علم بالشرع ومعرفة بالواقع المعيش أي ما يسمى بفقه التنزيل. ومن أكبر الأخطاء التي كثيرا ما يقع فيها بعض الشباب أن تؤخذ الآية أو الحديث مجردا من سياقه التشريعي والواقعي ويحاول تطبيقه. كما يمكن أن يجهل الناس رؤيتنا في التغيير بأننا إخترنا المنهج السلمي وأننا إخترنا الجهاد بالقلم وبالنضال السياسي ولم نختر العمل المسلح ولسنا ننكر النصوص القرآنية الحاثة على القتال والجهاد بالسيف ـ حاشا لله ـ فهذا كفر لا نرضاه لأنفسنا ولكن فهما منا بأن تلك النصوص لا تعالج مشكلاتنا ولا تتنزل على واقعنا ولا تخدم في هذه الظرفية مصلحة الإسلام والمسلمين وتنزيلها في هذا الواقع يؤدي حتما إلى فتنة لا تبقي ولا تذر وأن الرابح فيها خسران بل تخدم تجار السلام وأعداء الأمة في الداخل والخارج وتضر بالإسلام والمسلمين لأنها تؤدي إلى التقاتل داخل العائلة الواحدة وإلى التقاتل بين المسلمين لأن التنزيل لا يمكن حصوله الآن. قال تعالى : ” ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما “. كما كان ردي عليهم وعلى غيرهم ممن تحدثوا عن ثراء الإخوة المهجرين وترفهم : هل مكتوب علينا جميعا أن نعيش في ” الميزيرية ” والفقر فهؤلاء المهجرون من أبناء الحركة أغلبهم كانوا في وظائف محترمة ولهم مستويات علمية تؤهلهم إلى العيش الكريم في بلادهم وخارجها ولو إكتفوا في المهجر بمنحة اللجوء السياسي لأصبحوا بعد سنوات طوال في وضع مادي حسن فما بالك إذا أضافوا إليه ما يمكن أن يتحصلوا عليه بالتجارة والكتابة والنشر والعمل في أي مهنة فحتى المهاجرون بطرق غير قانونية سرعان ما يملكون الرفاه فما بالك بالمهجرين ثم إن صح ما تقولون فالحمد لله على ذلك فقوتهم المالية هي قوة للحركة مع تأكدي من تألمهم لأوضاع إخوانهم المسجونين وعائلاتهم فهم في سجن أكثر منا يعيشون الفتنة بكل أنواعها مع ما يعترضهم من عراقيل للنهوض بالحركة من جديد فنحن في السجن قد تفرغنا للعبادة والقرآن وبعضنا للعلم والكتابة مع شعورنا بأننا غير مكلفين ساقط علينا فرض الجهاد وفرض العمل للإسلام بينما المهجرون يتألمون لما هم عليه من الحرية أو المحسوبة حرية ولكن لم يقدروا على فعل الكثير دون أن أغمط الجهود الجبارة التي قام بها العديد من الإخوة للتعريف بالحركة ونشر الإسلام وبناء العديد من المؤسسات ولو نقوم بإحصاء عدد الذين دخلوا إلى الإسلام أو الذين عادوا إلى إسلامهم ” تطبيقا ” بسبب الإخوة المهجرين أو نمو عدد المساجد لكان خير كثيرا. زواج الشيخ راشد بأربع نساء : كان أكثر تركيزهم على الشيخ راشد لتشويهه لما يمثله من رمزية . قال لي أحدهم : بأنه تزوج ـ أي الشيخ راشد ـ أخت حسن الترابي وقال آخر : بأنه تزوج كاتبته الشقراء الخ … فجن جنونهم لما قلت لهم : لا يعيبه ذلك ما دام في الحلال فالإسلام قد أباح الزواج بأربع فضلا عن أني أعرف موقف الشيخ راشد من التعدد بالنسبة له شخصيا حيث ذكر لما سئل عن هذا الموضوع بأنه لن يتزوج على فاطمة التي لاقت الأمرين بسببه وهو في السجن وخارج السجن فهل جزاؤها أن يتزوج عليها بثانية . ثم هل يمكن لمن في ورع الشيخ راشد مع علمه وحفظه للقرآن الكريم وحفظه للحديث ومكانته السياسية في العالم مع مسؤوليته أمام إخوانه أن يهتم بهذه التوافه وجدلا حتى لو كان شخصا آخر غير الشيخ راشد فلا يجوز عقلا أن يضحي بمصداقيته ومكانته في العالم فما بالك بمن يرقب الله ويخشاه قبل أن يخشى غيره ولا أزكي على الله أحد. فالتشكيك في الحركة وقياداتها وفي زوجات المساجين أولئك النسوة المناضلات الطاهرات العفيفات والضرب على المعنويات ليس خاصا بأعوان أمن الدولة إنما هو لغة مشتركة حتى في المؤسسات السجنية بما يؤكد أن المسألة مبيتة ومخطط لها على مستوى عال. الحوار.نت : هل من كلمة أخيرة يوجهها الشيخ العكروت إلى المنظمات الحقوقية والشخصيات الوطنية والدولية التي دافعت عنه وعن حق حركته في الوجود على مدى عقدين كاملين تقريبا وإلى السلطة إن شاء وإلى المعارضة وهيئة 18 أكتوبر وإلى المساجين الذين خلفهم وراءه خلف القضبان وإلى إخوانه المسرحين في السجن الكبير وإلى المنفيين وراء المتوسط وإلى فعاليات الصحوة الجديدة وإلى شعبه وإلى أي طرف آخر في آخر هذا الحوار؟ الشيخ العكروت : كلمة أخيرة : أوجه سلامي وتحياتي وأشواقي إلى إخواني الذين بقوا في السجن وبالخصوص إلى عائلاتهم المناضلة الصابرة المحتسبة وإني أعتذر لهم شديد الإعتذار لأني لم أقدر على القيام بما علي من واجب تجاههم وتجاه عائلاتهم فحقهم علي كبير ولكن كما يقولون ” العين بصيرة واليد قصيرة ” فإلى الآن لم أجد توازني فعقارب الساعة تدور بسرعة مذهلة فما إن يؤذن المؤذن إلى صلاة الصبح حتي يعود إليه من جديد توشك أن تقول لعله نسي فأعاد الأذان لفرط أن اليوم قد مر ولم تفعل فيه شيء يستحق الذكر أو بتعبير آخر قد مر اليوم وما أنجزته من أعمال لا يساوي شيئا قياسا إلى ما لم تنجز فضلا عن أن حالي كما أخبر القرآن عن رجل فيه شركاء متشاكسون. فالخارج من السجن الكل يطالبه. فالواجبات أكثر من الأوقات ولا أمل لي غير تعويلي على حسن تفهم إخواني وعائلاتهم. ولعل إخواني المسرحين أو إخوني المعتقلين وراء المتوسط يعيشون مثلي في حيرة من أمرهم في عدم التوافق بين الواجبات والأوقات مع قلة الإمكانيات. فإلى هؤلاء جميعا أبلغ سلامي الحار وأشواقي وإلى كل العاملين في الحقل الإسلامي في كل مكان إليهم جميعا أوجه شكري على ما يبذلونه من جهد وأخص بالذكر الشيخ راشد الغنوشي وأذكرهم وأذكر نفسي بضرورة التحلي بالحكمة والصبر وأدعو إلى الإكثار من الدعاء والإستغفار حتى يبارك الله لنا في أعمالنا وأوقاتنا فمن أسوإ ما يمكن أن يصاب به المؤمن أن تنتزع البركة من وقته فالوقت كما قال الشيخ حسن البنا رحمه الله هو الحياة فما مضى منه لن يعود ” وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ” ولن يتركم الله أعمالكم ولا تنشغلوا بالدنيا فإنها فانية وخذوا منها على قدر بقائكم فيها وإياكم والحسرة على ما فاتكم منها فذلكم الخسران المبين فذلكم الخسران المبين فذلكم الخسران المبين. ولا تقارنوا أنفسكم بمن نالوا منها حظا فبنوا وشيدوا وزخرفوا فإن ما بنيتم وشيدتم أعظم إن كنتم تؤمنون بالحياة الدائمة حق الإيمان وإبتعدوا عن الجدل وقلة العمل فقد ورد في الحديث الشريف ” ما ضل قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدل “. وما إختلف قوم وتفرقوا إلا أذلهم عدوهم وضرب بعضم ببعض وأحذروا التسويف والإستكانة والبهتة فإن العمر قصير والأمانة كبيرة ويا ويح من رضي بالصغار والدون وقبل بالجبن بعد التأسد ولقد جربتم السجون والمنفى ورغم ما فيهما من سوء وشر ولكنها أهون من الإستكانة وضياع الأمانة فأنتم أمل الله كنتم قمة في أعين الناس ولا زلتم فلا تهونوا من أنفسكم ولا تحقروا من شأنكم فيستخف بكم عدوكم ويحبط من كان قد علق عليكم آماله. اللهم لا تشمت بنا عدوا ولا حاسدا ولا تحبط أعمالنا وإجعلها خالصة لوجهك الكريم ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ووحد كلمتنا ووحد صفوفنا. كما أوجه شكري وإمتناني إلى كل من وقف معي ومعنا وساندنا في محنتنا من الشخصيات الوطنية والدولية والمنظمات الإنسانية والحقوقية والأحزاب والحكومات التي دافعت ولا تزال عن حقنا في الوجودا كأفراد وكحزب سياسي وإلى كل من آوى قياداتنا وإخواننا ووفر لهم الأمن والأمان والعيش الكريم وإلى كل من ساندنا بالكلمة والمال وإلى كل جنود الخفاء وإلى كل من أخر سهم الظلم والقهر فلم يقدروا إلا على رفع أيديهم إلى الخالق سبحانه كي يقيل عثرتنا ويبعد عنا ظلم الظالمين فوقفوا معنا بقلوبهم وخلجات صدورهم فأفرحهم مايفرحنا وأحزنهم ما أحزننا. كما أوجه عتابي ولومي إلى كل من تنكر إلينا في محنتنا وسره ما نحن فيه وأقول لهم حالكم كحال الثور الأسود الذي قال : أكلت يوم أكل الثور الأبيض وليست من الرجولة في شيء أن تتمعش من محنة الأخرين ويا أسفاه على زمان كان الرجل لا يقدر على الوقوف إلى جانب عدو عدوه إذا كان مضطهدا فذلك في عرف الرجال سبة وعارا فضلا عن التزلف إلى أعدائه بشتم المضطهدين من أجل قضية وطنية عادلة. كما أوجه خطابي إلى السلطة الحاكمة في بلادي وإلى كل من نهج نهجا قريبا منها من الحكام وأقول قريب لأني لا أتصور أن هناك من فعل مثلما فعل حكام تونس مع من خالفهم الرأي .. أقول لهم قد إنقلب السحر على الساحر وحاق بكم مكركم فكل مشاريعكم باءت بالفشل فلم تجففوا المنابع لأنها لا تجف فمنبعها الله والله لا تجف منابعه فلم تجنوا غير مزيد من نقمة الشعب عليكم ويأسه منكم وفقدان ثقته في خطابكم وأسألوا نتائج الإنتخابات غير المعلنة تخبركم رغم عدم وجود المنافس المعتبر قوموا بعملية موازنة قوموا بعملية نقد ذاتي شجاع فذلك يرفعكم في عين الصديق والعدو فكروا في مصلحتكم ومصلحة كراسيكم قبل مصلحة شعبكم وأمتكم فإن مصلحة كراسيكم تقتضي شيئا من التنفيس وإبعاد الإحتقان لأن الكبت يؤدي حتما إلى الإنفجار مدوا أيديكم إلى الأيدي المبسوطة إليكم فذلك دلالة قوة عند الراشدين وليس ضعفا عالجوا المشكلات السياسية مهما كانت حدتها بالحسنى والتبصر فذلك خير وأدوم لمناعتكم فإن المعالجات الأمنية لا تأتي بخير ونتائجها عكسية فالمنافس المعلن الواضح خير لكم من المنافس المستتر لا تجعلوا من منافسيكم أعداء ولا تجبروهم على العمل السري فالذي لا تسمح له بالسير في الطريق المعبد فسيسلك الطرق الوعرة ذلك ما علمنا التاريخ ولا تنحدعوا بتزلف المتزلفين فالمتزلف المتملق لا يريد غير المزيد من تضليلكم بينما المعارض الجاد يزيدكم قوة ومناعة لأنه يبصركم بعيوبكم ويلفت إنتباهكم إلى أخطائكم وإلى نقاط ضعفكم . قال الفاروق عمر عليه الرضوان : أحب الناس إلي من أهدى إلي عيوبي. ختاما أعلق وسام شرف وعز على جبين زوجاتنا المناضلات الطاهرات وإحتسبن أجركن عند الله تعالى فقد نالكم الأذى أكثر مما نالنا وكذلك على جبين أبنائنا الذين شرفونا في هذه المحنة ورفعوا رؤوسنا فكانوا خير خلف لخير سلف فلم يزدهم غيابنا إلا قوة ومناعة وإلى أمهاتنا وآبائنا وأهالينا وقد يعتب علي بعض الأمهات لتقديمي الزوجات على الأمهات وأقول لهن إن الأم بفطرتها وغريزتها تضحي من أجل أبنائها فضلا على أن ما نحن عليه من الجهاد والنضال من أجل الدين والخير والعدل وصلاح البلاد والعباد إلا ثمرة تربيتكن لنا. وأخيرا أوجه شكري وأبارك جهود قيادة الحركة على نضالها وجهادها وعلى صبرها على أذى إخوانها وأبنائها قبل أذى أعدائها وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند فقد حملوها فوق طاقتها ولا يعني هذا أني أنزهها من العيوب والأخطاء والتقصير فذلك له مقام غير هذا. والسلام. محمد العكروت ـ تونس. (المصدر: المنتدى الكتابي لموقع “الحوار.نت” (ألمانيا) بتاريخ 13 جويلية 2007)
قراءة في تقرير الاتحاد حول أزمة الصناديق الاجتماعية
صدر بالعدد 920 من جريدة الشعب لسان حال الاتحاد العام التونسي للشغل ليوم السبت 02 ـ 06 ـ 07 التقرير الذي قدمه الأخ رضا بوزريبة الأمين العام المساعد للاتحاد المسؤول عن التغطية الاجتماعية و الصحة و السلامة المهنية للهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل, و نحن في هذا السياق نشكر جريدة الشعب على نشر التقرير أولا و نشكر بدورنا كل من ساهم في إنجازه و في مقدمتهم الأخ رضا بوزريبة ثانيا كما ننوه بالدعوة الكريمة الواردة بالتقرير لكل الاخوة لتقديم الاقتراحات و الملاحظات التي قد تساعد على التقدم في المزيد من تملك مقومات هذا الملف الذي يستأثر باهتمام كل مكونات المجتمع المدني و الحركة الديمقراطية و الحقوقية . وتفاعلا مع فحوى التقرير و الاستنتاجات التي خلصت إليها الدراسة التي أنجزها الاتحاد و التي ورد ذكرها في التقرير فإننا نود التقدم بالملاحظات التالية : 1 ـ مع تسليمنا بدقة التشخيص الذي ميز مقاربة المنظمة الشغيلة لهذا الملف فإننا نلاحظ أنه لم يول اهتماما يذكر ( أي التشخيص ) لطبيعة الإطار القانوني الذي ينظم ولاية الطرف الحكومي على الصناديق الاجتماعية و لم يطرح التساؤل المشروع حول مشروعية استئثاره بضبط التوجهات العامة ووظيفة الصناديق الاجتماعية وطرق و تراتيب التصرف الإداري و المالي فضلا عن المسؤولية في العديد من مكامن الخلل ( نسق دفع مساهمة الدولة للصندوق الوطني للتقاعد و الحيطة الاجتماعية /المسؤولية عن قصر مدة حق التتبع في مادة استرجاع الديون المتخلدة بذمة القطاع الخاص للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي / توظيف الصناديق الاجتماعية للزبونية السياسية ـ الاجتماعية / طبيعة سياسات توظيف المدخرات / توظيف إمكانيات الصناديق الاجتماعية في تهيئة عدة مؤسسات للتخصيص الخ ….) و الحال أن الدولة لا تمول نظام أنظمة الضمان الاجتماعي بل إن الصناديق الاجتماعية تساهم في تمويل ميزانية الدولة حيث بلغت دفوعات و مساهمات صناديق الضمان الاجتماعي 77500000د ( انظر قانون المالية لسنة 2007 الرائد الرسمي عدد 103 بتاريخ 26 ـ 12 ـ 2006 ) و ينحصر دورها الفعلي في الاستخلاص و التحويل و الإدارة بما لا يؤسس للتمتع بامتياز الولاية القانونية , مما خفف من درجة المسؤولية المباشرة للطرف الحكومي فضلا عن إضفائه على المسألة طابعا تقنيا ( بل قل تقنويا ) سيؤثر لاحقا على الأفق العام لاجتراح الحلول و بلورة الاقتراحات و يحصره ضمن المربع الحالي ووفق توازناته المعروفة لدى النقابيين المهتمين بالملف و المطلعين على خفاياه . 2 ـ لقد حال تجاهل مشروعية الولاية القانونية و طبيعتها التشريعية بما تنطوي عليه من ملابسات حال دون ربط الاتحاد العام التونسي للشغل توجهات إصلاح نظام التأمين على المرض بإصلاح نظام أنظمة الضمان الاجتماعي في نطاق المقاربة التضامنية ما حدا به إلى التركيز عند معالجة ملف التأمين على المرض على ضرورة إعادة النظر في الخارطة الصحية للبلاد و الحال أنه ما من نقابي عاقل كي لا نقول خبير مدقق يعتقد في إمكانية تحويل مضامين و محتويات أحكام قانون التأمين على المرض ـ و الذي نثمن عاليا دور الاتحاد في الدفع بالاتجاه الإيجابي الذي انتحاه ـ إلى مكاسب في حياة الشغيلة التونسية في أوضاع قانونية و مالية و ترتيبية كالتي يعيشها نظام أنظمة الضمان الاجتماعي ببلادنا من تفاقم في عجز الموازنة من خلال استمرار اتساع الفجوة بين المداخيل و المصاريف في ضوء المؤشرات الاقتصادية و المالية و النقدية التي يشهدها الاقتصاد التونسي فضلا عن الطبيعة المحافظة للمعالجة الحكومية لمصاعب و معضلات المسألة الاجتماعية و في مقدمتها أزمة الصناديق الاجتماعية يليها التعارض الحاد بين هياكل التكوين و منظومة التشغيل ثم تدني مستوى الخدمات الاجتماعية و ابتعادها عن الطموحات الوطنية و أخيرا حدة التباينات المجالية و الاجتماعية المتجهة صوب المزيد من التفاقم . 3 ـ يعزو التقرير أسباب الأزمة التي تعيشها الصناديق الاجتماعية إلى الانعكاسات السلبية للاختيارات الاقتصادية الليبرالية للدولة و ما نتج عنها من تراجع كبير في قدرة الاقتصاد الوطني على إحداث مواطن شغل جديدة وهو تفسير ينعقد حوله حاليا إجماع وطني في معظم المقاربات لدى أهل الاختصاص من الأكاديميين من رجال الاقتصاد ( باستثناء الأصوات المحلية للبنك الدولي و منظمة التجارة العالمية) و لدى مختلف تيارات اليسار التونسي إلا أن المفارقة أن مجمل التوجهات التي تميز الاختيارات الموغلة في الليبرالية التي تبنتها السلطة من خلال برنامج الإصلاح الهيكلي جويلية 1986 و الذي ما كان بإمكانها الشروع في تطبيقه إلا بتفكيك و إعادة تركيب الاتحاد العام التونسي للشغل و عودة الدر إلى معدنه على حد تعبير الرئيس السابق يوم خطابه المشهود ببطحاء محمد علي هذه التوجهات القائمة على التخصيص ( بدوافع إيديولوجية و سياسية و لا علاقة لها بالضرورة الاقتصادية المحلية ) و الاعتماد على التصدير( و في الحقيقة تصدير عصارة اليد العاملة التونسية كامتياز نسبي ) و تجاهل الطلب الداخلي في ضوء مجهرية المؤسسة الاقتصادية التونسية ( ما يناهز 80 في المائة منها تشغل أقل من 10 عمال ) و تجميد الأجور( بواسطة عقال المفاوضات الاجتماعية الثلاثية ) و مرونة التشغيل ( الفصل 4/6 ) و غض الطرف عمليا عن كل مظاهر هشاشة التشغيل ( بمقدار إدانة المناولة في البيانات بمقدار تجاهل الأمر في الممارسة ) لم نجد لها في واقعنا التونسي مركزية نقابية تناهضها عبر تنظيم الندوات و الأيام الدراسية كمقدمات لصياغة محاور أولويات العمل النقابي و بناء المواقف النقابية و تطوير الأشكال النضالية المناسبة في علاقة بالسلطة و الأعراف على أساس استخلاصاتها على قاعدة مصالح الشغالين و إنما ما لمسناه توافق بين المركزية و الحكم على مجمل السياسات الاقتصادية و الاجتماعية القائمة منذ سنة 1989 ..إن مناهضة التوجهات الاقتصادية و الاجتماعية للحكم من زاوية التمسك بمصالح العمال التونسيين لا يعد في أعراف الحركة النقابية العالمية و المحلية دخولا في دائرة العمل السياسي لأن دوافع المناهضة وآفاقها لا تندرج ضمن التطلع للوصول للسلطة بقدر إصرارها على الذود عن المكاسب الاجتماعية للطبقة العاملة التونسية فضلا عن خلو ذمة العمال من المسؤولية على نتائج الاختيارات المتبعة باعتبار عدم مشاركتهم في صياغتها أو تطبيقها و إن موقف الإدانة لمظاهر و نتائج الأزمة في الصناديق الاجتماعية الذي ورد بالتقرير على إيجابيته يجب أن لا يحجب مسؤولية المنظمة في تزكية الأسباب أو على الأقل عدم الاحتجاج عليها لا الاحتجاج على من انتقدها خاصة خلال عقد التسعينات . في معاني الحل : تجدر الإشارة و نحن في معرض تناول معاني الحل إلى أن ملف الصناديق الاجتماعية و أزمة نظام أنظمة الضمان الاجتماعي ببلادنا تنتمي إلى الحقل العام سواء كان في مستوى العوامل أو المظاهر أو النتائج و بالتالي فإن من حق أحزاب المعارضة المستقلة و الجمعيات العاملة في الحقل الاجتماعي و الكفاءات الوطنية المطالبة بحوار وطني معمق حول مستقبل الضمان الاجتماعي و كسر احتكار السلطة و تفرّدها بهذا الملف خاصة و أنها المسؤولة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا عما آلت إليه أوضاع الصناديق الاجتماعية من تدهور و عجز و مخاطر تبدّد المدّخرات . كما نود التأكيد على أن خطورة الأوضاع التي تمر بها الصناديق الاجتماعية تستلزم التحلي بأقصى درجات المسؤولية الوطنية و الجرأة في الإصداع بالرأي و تحديد المسؤوليات في تردي الأوضاع . تحميل الأزمة للمتسببين فيها : من البديهي أن تقف سياسة الالتزام باملاءات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي التي تعهدت بها الحكومة التونسية منذ أواسط الثمانينات و القاضية بتخصيص المؤسسات العمومية مع ما ينجم عن ذلك من تكلفة باهضة في تحميل الصناديق الاجتماعية تكاليف ” تطهير المؤسسات العمومية المعدة للتخصيص ” من حيث توجيه قسم من المدخرات لتمويل التطهير أولا و حرمان الصندوق الوطني للتقاعد و الحيطة الاجتماعية من منخرطين جدد بالتخفيض في الانتدابات و الترفيع في عدد الجرايات باللجوء للتقاعد قبل السن القانونية ثانيا , من البديهي إذن أن تنشط عوامل العجز في الموازنة من خلال التخفيض في الموارد و الترفيع في المصاريف , كما أنه من البديهي أن تؤثر الزبونية السياسية ـ الاجتماعية عبر تمكين الطلبة و المفارقة المحرومة من النفقة و العجّز و كل ذوي الحاجيات الخاصة من مساعدة مالية على حساب الصناديق الاجتماعية في مقابل كسب الولاء السياسي للحكم و إظهاره بمظهر الداعم لهذه الفئات من البديهي أن تثقل كاهل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بتوسيع دائرة إنفاقه دون مراعاة لتراجع الموارد , كما أنه من البديهي أن لا تنكشف هذه السياسة و ذلك نظرا لاحتكار الحكم للحياة السياسية و خاصة الإعلام العمومي و الخاص و غياب القضاء المستقل كي يكفل حقوق و حريات كل من ينقد هذه السياسات و ينشرها أمام الرأي العام الوطني , كما أن تجاهل معركة الحريات الفردية و العامة رغم معاينة الانتهاكات و استشراء الفساد قد ساهم بدوره في مزيد تدهور أوضاع الصناديق الاجتماعية , و بذلك فإن المعنى الأول للحل يتمثل في كشف الأسباب الحقيقية التي أوصلت الصناديق الاجتماعية إلى حافة الإفلاس من حيث تسلط الجهاز الحكومي على الصناديق و استفراده بالتصرف في الموارد و المصاريف منذ أواسط الثمانينات على الأقل وهو تاريخ بداية بروز اتجاهات الانخرام و العجز في الموازنة و تحميل المسؤولية السياسية للمتسببين فيها وهو ما يؤسس لشرعية المطالبة بسن قانون يحد من تسلط الجهاز الحكومي على الصناديق و يكفل لمجالس إداراتها الممثلة تمثيلا حقيقيا الشروط الضرورية القانونية و الترتيبية و المالية للتسيير الرشيد فضلا عن إلزام الحكومة بتخصيص منحة سنوية من عائدات مداخيل الضريبة على القيمة المضافة للصناديق الاجتماعية إلا أن الظرفية السياسية الحالية المتميزة بالانغلاق و الجمود السياسي لا تمكن الحركة النقابية و الديمقراطية و الحقوقية من فرض هذه الإصلاحات ما يتطلب قدرا كبيرا من التقارب و العمل المشترك و تنشيط عوامل و عناصر التجميع و تبادل الرأي و التشاور حيال واقع و آفاق أنظمة الضمان الاجتماعي ببلادنا , و إن القيادة النقابية التي توصلت اليوم لتشخيص متقدم نسبيا لمدعوة لتعميق نظرتها و تخطي جدار الفصل بين النقابي و السياسي حيث لا مندوحة من الاعتراف بأن أزمة نظام أنظمة الضمان الاجتماعي ببلادنا هي وجه من وجوه أزمة النموذج الاجتماعي التونسي سليل دولة الاستقلال الذي فقد القدرة على ضمان الأمن الاجتماعي لكل طبقات الشعب التونسي في إطار الخيارات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية القائمة و إن توفر الشروط الاقتصادية و المالية لإصلاح حقيقي لمنظومة الضمان الاجتماعي ( ارتفاع وتيرة الاستثمار العمومي و الخاص ) أصبح مرتهنا بالضرورة بالإصلاح السياسي و الحكم الرشيد و عبثا يحاول البعض ايهام الرأي العام بإمكانية الإصلاح الحقيقي للضمان الاجتماعي في ظل القالب السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الراهن . محمد الهادي حمدة
نفطة
شواطئنا تفتقر إلى المرافق الصّحّية
بارتفاع درجة الحرارة و هبوب ريح الشهيلي كان توافد المواطنين على الشواطئ مبكرا هذه السنة حيث شاهدنا الشواطئ عامرة منذ النصف الثاني من شهر جوان و تمتدّ هذه الشواطئ على مسافة 1300 كلم منها 450 كلم شواطئ رملية ويبدو أن غالب الشواطئ الرملية صالحة للسباحة في حين أن بعض النقاط من بقية الشواطئ تمثل خطرا على صحّة المواطن حيث أثبتت بها لافتات تمنع المصطافين من السباحة بها و هذا عمل يبارك لكنه يمثل لبسا لأنه نوعيّة التلوّث و مداه غير مذكورين على اللافتة و المواطن قد يبتعد عن موضع اللافتة و يستحمّ و إذا تكاثر عدد المواطنين بالمكان يصبح الاستحمام بالأماكن المحظورة جائزا… الظاهرة الثانية هي عدم اهتمام البلديات بتركيز دورات مياه تجنب العائلات مشقّة البحث عن محلّ عمومي قد يرفض تأدية هذه الخدمة.
زاد…..ما زادش….
جدل كبير يقوم في هذه الفترة بين تاجر المواد الغذائية و الحريف حول زيادة أثمان بعض المواد الغذائية كالسكر و الدقيق و البسكويت و أصبح المواطن لا يعرف ما ارتفع من الأثمان و ما لم يرتفع هذا التعتيم قد يستغله بعض الصائدين … لابتزاز المواطن الكريم فهل تفطنت الدوائر المسؤولة إلى ذلك و أين جمعية الدفاع عن المستهلك؟
صور من الحياة
وزارة الفلاحة تفتح أبواب التعتيم… بلغنا أنّ آفة الفطريات و القشريات أهلكت صابة البطاطا و الفراولو و الطماطم و العنب… فغادرت العاصمة باتجاه مدينة قربة التي كانت من أكثر المنطق تضرّرا و كنت أنوي إنارة المواطن و توعية الفلاح بضرورة الاتصال بخلايا الإرشاد الفلاحي و إبراز دور الهياكل المحليّة و الجهويّة و الوطنيّة في مقاومة آفات الزراعة التي تعدّدت هذه السنة نتيجة التقلبات المناخيّة… بلغت خليّة الإرشاد الفلاحي فإذا هي خالية إلا من حارس استوقفني خائفا مرتابا… و عدت بعد سويعات آملا أن ألتقي المسؤول الأول عن الخلية فينير سبيلي و سبيل المواطن فلم أجده و قبلني مهندس بكل احتراز و رغم أنه نجيب امتنع أن يمدني بأبسط معلومة عن الحدث… اتصلت بالمسؤول الأول عن هذه الخليّة هاتفيّا فعبّر لي عن عدم استعداده لقبولي ووجّهني إلى مسؤول جهويّ، و هذا الجهويّ أكد لي أنه لا يستطيع خدمتي و عليّ أن أعود من حيث أتيت وأتصل بالوزارة… نعم أتصل بالوزارة فلعلّ الفطر أصاب مكاتبها و لم يصب المزارع في مدينة قربة… تعتيم كبير و استهتار بمصالح المواطن لا بدّ أن له مبرراته من التقصير و سوء التصرّف موضوع سنتابعه مع الفلاّحين.
(المصدر: صحيفة “مواطنون” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 26 بتاريخ 4 جويلية 2007)
زيارة و حوار
أدى صبيحة أمس الثلاثاء 03 جويلية 2007، والجريدة تحت الطبع، أدى سعادة سفير الولايات المتحدة الأمريكية بتونس السيد روبارت قوداك مصحوبا بالسيدة ترينا . د. ساها مسؤولة العلاقات السياسية بالسفارة زيارة إلى مقر التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والتقاه السيد مصطفى بن جعفر الأمين العام صحبة الإخوة مولدي الرياحي وعبد اللطيف عبيد وخليل زاوية أعضاء المكتب السياسي. وتركز الحوار، الذي دام قرابة ساعتين، على أوضاع التكتل الديمقراطي وبرنامجه وأوضاع المعارضة بالبلاد وظروف عملها ونشاطها وعلاقة المعارضة بالسلطة، كما تطرّق الحوار مطوّلا على أوضاع القضية الفلسطينية والأوضاع بالعراق وعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالشعوب العربية والمسلمة.
(المصدر: صحيفة “مواطنون” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 26 بتاريخ 4 جويلية 2007)
دعوة
تمثل خمسينية الإعلان عن الجمهورية مناسبة متميزة أمام النخب السياسية و المدنية للوقوف على حالة الجمود التي يتميز بها النظام السياسي التونسي في محيط تشهد فيه جل نظم المعمورة تحولات سياسية عميقة في اتجاه الخلاص الديمقراطي. وهي تمثل فرصة للتقدم إلى الشعب و إلى الرأي العام بإعلان يتضمن أفكارها و مقترحاتها في الإصلاح و التغيير، إعلان يحدد ملامح الجمهورية التي يطمح إليها التونسيون و مازالوا يفتقدون إليها بعد نصف قرن، من أجل العيش في حرية و كرامة.
و لجمع كلمتنا و رفع صوتنا بهذه المناسبة يتشرف الحزبان، الديمقراطي التقدمي و التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات بدعوتكم للمشاركة في:
“الندوة الوطنية من أجل الجمهورية”
التي يعقدانها يوم السبت 7 جويلية 2007 بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي 10 نهج آف نوال تونس بداية من الساعة العاشرة صباحا.
الصندوق الديمقراطي
لو وقع انتخاب عميد “تجمعي” للمحامين لن تكون البلاد في حزن كبير. هل ثمة صندوق انتخابي نضيف آخر؟ أذكر أن صناديق الانتخابات داخل الجامعة خلال انتخابات المجالس العلمية كانت كذلك، هذا ما شهدت.
و من المعلوم أن الحملة الانتخابية غير ديمقراطية، بمنطق تساوي الفرص، حيث تدعم السلطة مرشحيها بشكل كبير و توفر لهم كل الإمكانيات، و تضيق بالمقابل على المرشحين المستقلين عنها. و لكن لحظة الحسم “نظيفة” محمية بإرث و تقاليد، و رجال لا يمكن التشكيك في نزاهتهم داخل قطاعهم.
“الصندوق الديمقراطي” كان يقول افعلوا ما شئتم خارج حدودي، و أنا أجسد إرادة ما يريد أهلي، أنا حامل السر أبوح به في غفلة من المؤامرات، حدودي بلا زيف. و أنا ناقل لما في الصدور.
**
إن تجربة المحامين تكشف بلا لبس أن الحزب الحاكم مهما أنفق من مال عام و مهما جند أبواق دعايته، و مهما شوه و مهما صرخ، يمكن أن ينهزم إذا ما كان الصندوق نظيفا، و كان للناخبين بعض الحصانة و بعض الحماية، و مساحة من الحرية.
إن رسالة المحامين، بانتخابهم الأستاذ البشير الصيد عميدا للمحامين، لها دلالة كبيرة فقد نابوا الأغلبية الرافضة للحزب الحاكم، و عبروا بالنيابة عن الاحتجاج.
فهل تكون هذه الرسالة بمثابة الإنذار للحزب الحاكم، فيعمل على كسر كل صندوق نضيف يمكن أن يشكِّل خطرا على مصالحه، بعد أن عبر “الصندوق الديمقراطي” للمحامين أن اللوثات اللئيمة لم تدخل فضاءه.
**
انتخابات المحامين قطاعية في كل الأحوال، و لكن هذا القطاع يعتبر محددا لأهميته كمكون من مكونات المجتمع المدني و لأنه لسان دفاع حقيقي كلما تعرض بعض أبناء الشعب لأي نوع من الانتهاكات التي تمس حقوقهم.
**
ما يلفت الانتباه في نتائج الدور الثاني من انتخابات العمادة أن “الشباب” أي المتربصين هم الذين حسموا الأمر لفائدة المرشح المستقل عن السلطة، و لهذا المر دلالات أهمها:
– أن الوضع الاجتماعي و المهني للمحامين الشبان يشكو عديد المشاكل.
– أن صعود مرشحي الحزب الحاكم لمكتب جمعية المحامين الشبان لم يضف لهم شيئا، و أنهم فشلوا في مهمة تحسين ظروف المحامين الشبان و الإحاطة بهم.
– أن مستقبل هياكل المهنة سيكون خارجا عن أيادي الحزب الحاكم.
– الحزب الحاكم في مأزق استراتيجي، فإن عملت السلطة على تحقيق مطالب المحامين بنية ترجيح الكفة لصالحها قد تكون النتيجة عكسية فتزيد في ثقة المحامين في المستقلين، و إن هي عاقبت المحامين ستزيد درجة احتجاجهم، و سيكونون ضدها أكثر، و الحال أنها تحاول إجبارهم على الرضوخ.. فيعاقبونها من خلال “الصندوق الديمقراطي”.
– سمير بوعزيز
(المصدر: صحيفة “مواطنون” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 26 بتاريخ 4 جويلية 2007)
الإضراب: التاريخ والدلالات والرهانات
بقلم مصباح الشيباني
أستاذ وباحث اجتماعي
إن التراث الحضاري للإنسانية ثري بالحقوق والحريات التي ناضلت من أجلها الشعوب على امتداد التاريخ الإنساني ضد الظلم والقهر وكل ممارسات الاستعباد والاستغلال. وأصبحت هذه الحقوق والحريات موضوع التشريعات القانونية للدول والمنظمات الإقليمية والدولية. كما أصبحت قضايا حقوق الإنسان في قلب الصراع الأيديولوجي والضغط السياسي للمنظمات والأحزاب السياسية على الصعيدين الوطني والدولي منذ القرن الثامن عشر في أوروبا كما انتشرت ظاهرة التشريع القانوني لحقوق الإنسان لتشمل بقية دول العالم الثالث مع منتصف القرن العشرين. فبدأت الأفكار المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية تقتحم مختلف مجالات حياة شعوب هذه الدول، وأصبحت المادة الأساسية، ولا تزال، للشعارات والخطب والبرامج الانتخابية لمختلف أنظمتها السياسية والاقتصادية.
ولا يمكن فهم حق الإضراب دون ربطه بمتغيرين آخرين وهما حق العمل والحق النقابي. ففي الأساس يتم اللجوء إلى الإضراب كحركة احتجاجية ومطلبية –مهنية، عندما يتهدد العامل في التمتع بظروف العمل اللائقة مثل: غياب الشروط الإنسانية المادية أو المعنوية المناسبة في الشغل. أو عندما يصبح الحق النقابي ممنوعا بالمؤسسات المشغلة وعاجزا عن تحقيق مطالب العمال وتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. ففي هذه الوضعية العامة يصبح الإضراب سلاحا رئيسا للدفاع عن المكاسب الشغليّة ووسيلة لإدارة الصراع في المؤسسة.
1- التاريخ والدلالات
قد يظن البعض أن تاريخ الفعل الاحتجاجي في حقل الشغل كان وليد المرحلة الرأسمالية الليبرالية الحديثة في أوروبا، وبالتالي وليد الثورة الصناعية الغربية. لكن عندما نعود إلى التاريخ القديم، نجد أن هناك أنواعا من الحركات الاحتجاجية التي عرفتها أغلب الحضارات الإنسانية، رغم أنها لم تكن منتشرة بشكل كبير كما أنها لم تكن ناضجة مثلما أصبحت عليها اليوم.
فقد ذكرت الكاتبة الفرنسية هيلان سيناي Sinay( Hélène ) في مقال لها بعنوان “إضراب” إن تاريخ هذا الفعل أو الحركة المطلبية يعود إلى العمال المصريين القدامى في ظل الإمبراطورية الفرعونية، وخاصة تحت نظام حكم رمسيس الثالث. فقد توقف العمال عن العمل عندما كانوا بصدد بناء قبر الفرعون، وقد تم هذا الإضراب، مثلما يقول الكاتب، ضد عدم انتظام الأجور، وضد المعاملة غير اللائقة للعمال باعتبارهم يمثلون ضحايا الاضطهاد. وقد حمل هذا الفعل معاني ودلالات ثرية، نظرا لأنه صدر عن صنف من العمال المتخصصين في ذلك الوقت ولهم حظوة وامتياز في المجتمع المصري القديم. الخ. كما عرف المجتمع الإغريقي حركات احتجاجية ومطلبية شديدة. أما روما فقد أفرزت وضعيات صراعية لافتة خاصة في الميادين الحيوية مثل إضراب الخبازة والزوارق التي تحمل الحبوب وعمال مواكب الدفن..الخ .
ومع القرون الوسطى، في أوروبا، اشتد القمع مما أدى إلى ظهور بعض التوترات لدى الطوائف الرئيسة في المجتمع ونذكر منها الإضراب المشهور للمطبعيّين في فرنسا سنة 1539، وكذلك عمال المجلدات سنة 1744 في باريس مما دفع ببعض القطاعات التشغيلية الأخرى إلى الثورة على تردي الأوضاع العامة في البلاد مثل المحامين والمفكرين.
وترى نفس الكاتبة، أن فضاء الصراعات الكبرى قد بدأ أساسا مع ثورة عمال النسيج في نوفمبر 1831، وخاصة عمال الحرير، الذين يعيشون وضعية احتقار داخل الجمهور العمالي عموما. فقد كانت مدة العمل اليومية 18 ساعة. ولم تكن نتائج هذا الإضراب مطلبية أو احتجاجية فقط، بل إن ثورة عمال النسيج أعطت نتائج بعيدة المدى، تمثلت أساسا في ميلاد الوعي لدى العمال بالمشاعر الجماعية (المجموعية) حول أهدافهم الحقيقية والمشتركة التي يناضلون من أجلها.
ومنذ ذلك التاريخ، لم يعد الإضراب أداة مطلبية وذا أهداف نهائية، بل أصبح فعلا اجتماعيا للتدريب والتمرين والخلق، وبالتالي يحمل في ذاته قيمه الخاصة. وأهمها تحوله إلى مصدر للقوة العمالية في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها الإنسانية في الحضارات القديمة – المصرية والرومانية… كما تطورت أشكاله ومجالاته الاقتصادية والاجتماعية.
فلئن اقتصر في البداية بالميدان الاقتصادي نتيجة خصوصية أهدافه المطلبية – الحق في الأجور– فانه أصبح ظاهرة موقف أو رأي بهدف التأثير على الجمهور العريض، خاصة مع تصاعد كوادره الفكرية وتوسع قاعدة المشاركين الجدد فيه مثل: المحامون والمهندسون والأطباء ورجال العلم والثقافة عموما…الخ.
ويعد الإضراب من الظواهر الاجتماعية التي تحمل في ذاتها مفارقة: فهو من ناحية فعل احتجاجي ومصدر لقوة الشغالين، وهو من ناحية ثانية أداة للمنازعات الحقوقية. أي منذ ظهوره تاريخيا، مثلّ ظاهرة للقوة ووسيلة للضغط اعتمدها العمال الذين يرغبون في ضمان الأمن لأنفسهم ،والتدريب على المطالبة بحقوقهم ، وهي الحقوق التي تطورت تدريجيا وأصبحت اليوم تضمنها القوانين والدساتير.
ومن ناحية أخرى يحمل الإضراب فعلا ايجابيا وسلبيا في الوقت نفسه: فهو فعل سلبي لأنه يمثل إيقافا إراديا للعمل بصفة مؤقتة. ولكنه فعل ايجابي لأنه يستهدف تحقيق الأهداف( المطالب) التي فشلت المفاوضات الاجتماعية في تحقيقها، ولأنه موجه نحو المستقبل. وهو في النهاية ممارسة ثقافية له عدة أشكال ورهانات في ميدان الشغل.
يمكن القول إن الهدف العام للإضراب هو تغيير وضعيات (ظروف) التشغيل في المجتمع، وأغلب أشكاله التي شهدها منذ القديم تطمح إلى تحقيق ما عجز العمال عن تحقيقه عبر القوانين. وفي بعض الأحيان، يعتمد الإضراب لتحسيس الجمهور الرئيسي– في قطاع معين– أو الرأي العام. ويطمح إلى جعل العموم متأثرا بمشاكل العمال وضمان مساندته له في مطالبه الكبرى.
ومنذ أن أصبح العمل المأجور أساس الاقتصاد الصناعي والرأسمالي في الغرب، تحول الإضراب من مرحلة التعاقد الاجتماعي بين العمال ورؤساء المؤسسات، إلى مرحلة الحق في إطار القوانين والدساتير الرسمية لهذه الدول. فقد أدرجت بعض الدول حق الإضراب في دساتيرها مثل ايطاليا وبلجيكيا…كما تم التنصيص على هذا الحق من خلال بعض المعاهدات الإقليمية والدولية. ولم تعد الإضرابات تتوقف على القطاع الخاص، بل أصبحت ملازمة أيضا لقطاع الوظيفة العمومية.
2- الإضراب والرهانات النقابية في تونس
إن الصراع داخل حقل الشغل له منطقه الخاص في كل مجتمع، ولايمكن تفسير خصائصه دون معرفة الخصائص السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الذي توجد فيه. أي لابد من تحليل أنساق الصراعات والمفاوضات، سواء تعلق الأمر بمستوياتها ومراكز اتخاذ القرار فيها، أو من حيث استقلالية الأطراف الاجتماعية– النقابات– عن السلطات العمومية والأحزاب السياسية الأخرى.
من أهم الحقوق التي ضمنها الدستور التونسي، الحق النقابي، وهو اعتراف صريح بحق العامل في الدفاع عن مصالحه عندما تتعرض إلى الانتهاك مهما كان المصدر الذي يهدده. وهذا الحق مرتبط بحق الإضراب، ولو أن التشريع ينص على الأول صراحة في حين يقيد الثاني. وصادقت تونس على جل المواثيق والاتفاقيات أو المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. من أهم هذه الاتفاقيات الدولية الضامنة للحقوق الاجتماعية في ميدان الشغل نذكر:
*- الاتفاقية رقم98 التي تقر حق التنظيم النقابي وحق المفاوضة الجماعية التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 1 جويلية1949 وصادقت عليها تونس في 25 أفريل1957.
*- الاتفاقية الدولية رقم87 المتعلقة بالحرية النقابية، وبحق التنظيم النقابي التي اعتمدها المؤتمر العام للمنظمة نفسها في 9 جويلية 1948، وصادقت عليها تونس في 11 جوان 1957….الخ
ثم صدرت مجلة الشغل في 30 أفريل1966 فتضمنت عدة أحكام قانونية تحمي العامل من الاستغلال وتلزمه بواجباته في العمل. كما صادقت تونس على جل المواثيق والاتفاقيات أو المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. من أهم هذه الاتفاقيات الدولية الضامنة للحقوق الاجتماعية في ميدان الشغل نذكر بعضها:
*- الاتفاقية رقم98 التي تقر حق التنظيم النقابي وحق المفاوضة الجماعية التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في 1 جويلية1949 وصادقت عليها تونس في 25 أفريل1957.
*- الاتفاقية الدولية رقم87 المتعلقة بالحرية النقابية، وبحق التنظيم النقابي التي اعتمدها المؤتمر العام للمنظمة نفسها في 9 جويلية 1948، وصادقت عليها تونس في 11 جوان 1957….الخ
ثم صدرت مجلة الشغل في 30 أفريل1966 فتضمنت عدة أحكام تنظيمية تحمي العامل من الاستغلال وتلزمة بواجباته في العمل. وأكد قانون الوظيفة العمومية لسنة 1983، على حق الموظف في الانخراط بالنقابات وحقه في الإضرابات.
إلا أن ممارسة هذا الحق في الحياة العملية يبدو ذا وجهين متناقضين. فهو من ناحية حق، لكن من ناحية ثانية، الاعتراف بمشروعيته تتم في ظروف محددة بل مقيدة بالقانون. بل يرى البعض أن الإضراب أهم وسيلة من وسائل ممارسة الحق النقابي غير أنه ليس هناك أحكام قانونية صريحة تخص الاعتراف به في مختلف القطاعات وخاصة في الوظيفة العمومية. ففي أغلب الحالات تقوم الإدارة بحجز مرتبات أجور المضربين بل واتخاذ إجراءات تأديبية ضد بعض الموظفين في حالات معينة.
لتحديد مدى فاعلية الحركة النقابية في المجتمع، لابد من التساؤل حول سلطتها التوجيهية والتأطيرية والدفاعية، وحول ديناميتها الداخلية. فالدور المثال لهذه الحركة الاجتماعية والذي تأسست من أجله مثلما ينص الفصل الثاني من قانونها الأساسي، يتمثل في الدفاع عن حقوق العمال بالفكر والساعد والدفاع عن مكاسبهم المادية والمعنوية التي قد تتعرض إلى الانتهاك والتنكر من قبل المؤسسات المشغلة في الدولة. إلا إن وجود روابط إدارية بين النقابات والأحزاب، والمزج بين الوظائف المهنية والسياسية لدى نفس الأطراف (الأشخاص) القيادية، أصبحت اليوم أهم خاصية ثقافية–هيكلية نشهدها في مستوى التفاعل بين العلاقات النقابية والعلاقات السياسية داخل فضاء الشغل في تونس. وهذه الخاصية الثقافية المحددة لإدارة الصراعات الاجتماعية داخل الجهاز القانوني–الإداري للدولة، أدت إلى الاختلاف بين هذه الأطراف حول مبادئ التفاوض ومست أسس قانونية الفعل الاحتجاجي وشرعيته.
رغم اعتماد بلادنا نظاما إداريا لا مركزيا، فان من الخصائص الثقافية الأخرى التي تعيق نسق التفاوض والتواصل بين ممثلي المهنيين و المسؤولين الإداريين في تونس ، هي أن أصحاب الأهلية في اتخاذ القرارات لا يملكون سلطة القرار الفعلية، وأن إدارة المؤسسة لا تستطيع –أو لا تريد– أن تتحمل المسؤولية حول المطالب حتى يتم إرسالها إلى السلطة العليا في الدولة لأنها تسير وفق نظام الوصاية والتبعية.
كما إن غياب استقلالية العمل النقابي عن الدولة –الحزب الحاكم– وعن بقية الأحزاب الأخرى مثّل منذ الاستقلال، عامل تهميش لأنشطة هذه الحركة المطلبية وممارساتها الاحتجاجية. وتمكنت الدولة –رغم كثرة الإضرابات – من الانقضاض على أغلب المطالب العمالية وسحب البساط من تحت النقابة من أجل تشويه صورتها لدى المخيال العمالي. وظهرت الدولة كأنها النصير الحقيقي لحقوق الشغالين، من خلال بعض الاتفاقيات– الفتات، التي لم تتجاوز مستوى المماطلة والوعود المنمقة، خاصة في غياب الآليات الحقيقية لتنفيذها على أرض الواقع والأمثلة كثيرة في مختلف القطاعات مثل التعليم والصحة…الخ.
لعل أهم رهان لهذه الحركة – اليوم– هو كيف تحافظ على استقلالية قراراتها في صراعها مع مختلف الأطراف الاجتماعية والسياسية المكونة لها. فقد كان هذا المطمح أهم قضية شغلت بال النقابيين الشرفاء منذ الاستقلال، نتيجة استفحال نزعة الهيمنة الحزبية الرسمية على أنشطة هذه المنظمة، وعرقلة كل فعل احتجاجي ونضالي لها. بل هناك سعي متواصل إلى إقصائها وتهميش دورها الدفاعي و التوعوي في المجتمع، خاصة مع تراجع القوى الاجتماعية والسياسية الأخرى – قوى المجتمع المدني – في بناء أسس المواطنة الحقيقية في جوانبها الحقوقية والإنسانية في الوقت الراهن.
ومهما يكن من أمر، فان مسألة السلم الاجتماعية لا يمكن تحقيقها في المجتمع دون فعل نقابي حقيقي وقوي، لأنه كلما كانت النقابة قوية- مسؤولة ومستقلة في قراراتها– كلما كانت فرص التفاوض كبيرة وفاعلة. وكلما كانت الحركة النقابية مقسمة، كلما تم تجاهلها الطرف المقابل، واشتدت داخلها الصراعات دون تحقيق حلول فعلية للشغالين.
(المصدر: صحيفة “مواطنون” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 26 بتاريخ 4 جويلية 2007)
إلى هادي دانيال
رُدَّها علينا إن استطعت!
-1-
نشرت جريدة “الصريح” في عددها الصادر يوم الأحد 1 جويلية 2007 نصا لـ”هادي دانيال” يفترض أنه رد على ما جاء في إجابات الأستاذة رجاء بن سلامة من خلال حوار كنا أجريناه معها و نشر في عددنا الصادر يوم 9 ماي 2007.
و لقد وصلنا هذا النص –كما أشار إلى ذلك كاتبه- منذ أسابيع و رفضنا نشره بتهمة البذاءة و سوء السلوك و المزايدة و التجني على جريدتنا، ذلك أنه كان يجدر بـ”دانيال” أن يرد برأي على صاحبة الرأي لا أن يُسخِّر قلمه للتهجم على جريدة مناضلة –وهذه صفة مسحوبة عنه- و يتهمها بتسويق خطاب ضد المقاومة.
و يبدو أنه لم يصله من مدوَّنة نصوصنا المنشورة على صفحات خمس و عشرين عددا غير هذا النص، و ذلك من خلال أياد “أمينة” و “مؤتمنة” تعرف كيف تصرِّّف “التكاليف” و تعرف كيف تأخذ و كيف تعطى.
-2-
إن نص “دانيال” المشار إليه لم يتوجه إلى صاحبة الرأي لينتقد أو يلوم أو يعارض أو يختلف، و نسأل: هل أنَّ جريدة تُجرى حوارا مع أحدٍ علمانيا كان أو إسلاميا أو عروبيا أو دكتاتورا أو ثوريا أو عميلا أو مومسا أو رئيس جمعية كرة قدم أو يائسا أو بائع ذمة، أنها تتبنى بالضرورة موقفه و تسوِّق لخطابه.
على أنه من الممكن أن تلتقي، هذه المؤسسة أو تلك، مع موقف من تقدم آراءهم.
-3-
“مواطنون”، و إن كان يصدرها التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات (الذي تعاني قيادته من أجل توفير مصاريف طباعتها، و أشهد أن منهم من يدفع مساهماته من خبز أبنائه)، فهي لقاء لمناضلين تختلف توجهاتهم و منهم من ينتمي إلى أحزاب أخرى.
من أسرة “مواطنون” من لا يمكن لـ”دانيال” أن يزايد على نضاله العروبي و القومي، و ليس منا من لا يدافع على ثقافة المقاومة و الممانعة، و ليس فينا موال للإمبريالية و الأمركة.
لكننا بالمقابل لا نرفض تقديم أي رأي مخالف، أو إجراء حوار مع من نختلف معهم قليلا أو كثيرا شرط أن يكون لما يقدم مضمون و ألا يكون فيه تهجم على أشخاص أو ذوات، و ألا يكون لغرض تصفية الحسابات، و ألا يكون “مسبق الدفع” لفائدة أي جهة كانت.
-4-
يقول “دانيال”: “… تحذلقت “مواطنون” على لسان واحدة من مواطناتها”، و الغرض أن ينسب قول الأستاذة رجاء بن سلامة إلى الجريدة، و هدفه أن يجد المدخل لمهاجمة الجريدة لأن هذا ما طُلب منه. وهو هنا يستغبي القارئ الذي يفرق، دون شك، بين إجابات من يُسأل و ما تكتبه أسرة التحرير، على أننا لم نكن لنرفض نصا لرجاء بن سلامة لو كانت قدمته كرأي.
… و ليعلم أن لنا كامل الشرف أن تكون هذه السيدة مواطنة من “مواطنون”، مهما كانت درجة اختلافنا معها، لأنها امرأة جريئة عبرت عن رأيها و دافعت عنه، و نحن ندافع عن حقها في ذلك.
… و ليعلم أني شخصيا تربطني علاقات صداقة بمناضلين من حزب الله اللبناني، و أنهم يعتبرونني صديقا لحزبهم، و هم يعرفون جيدا أنني أتبنى الفكر الاشتراكي، و لا أتبنى مشروعهم للدولة و المجتمع، و لكنني التقى معهم مواطنا يؤمن بالدفاع عن الأرض ضد كل قوى الهيمنة و الاستعمار و مدافعا عن الانتصارات التي نحققها و مُثمنا لها.
-5-
عنون “دانيال” نصه بـ “المقاومة حق إنساني، شرعي و أخلاقي”، و كأنه يريد أن يوهم أننا ضد هذا الموقف في إطار تهجمه الفشل علينا. و أصر مع كل نقطة أن يذكر:” الخطاب الذي تُسوِّقه مواطنون”…” وهو إنما ينتقد، بسوء نية لا سوء فهم، ما جاء على لسان الأستاذة رجاء بن سلامة لا على لسان قلم المحرر.
و ذكر: “الخطاب الأحمق الذي تروجه مواطنون”، و إن كان الخطاب المنتقد هو خطاب الأستاذة بن سلامة، و ليس خطاب “مواطنون”، التي اكتفت بالسؤال، فإن ما يهمنا هو “بذاءة” دانيال الذي احتضنته تونس لاجئا، منذ سنين، حتى كانت “وزارة المغتربين” التي أمر بإحداثها السيد بشار الأسد، و تمت تسوية الخلاف بينه و السلطة في بلاده و أصبح مراسلا لوكالتها للأنباء (سانا) من تونس.
“دانيال”، نسي قليلا، ثم نسي أكثر، ثم فقد الذاكرة تماما. إنه الآن موال للأنظمة لا مع الشعب الذي يناضل من أجل الحرية و الكرامة و ضد الاستعمار الهيمنة.
“دانيال” خولت له نفسه أن يتهجم بألفاظه السوقية الكريهة و بخطابه المدَّعى نضالية و شرفا على جريدة وطنية تناضل و تشقى من أجل حرية الرأي.
و يدعى “دانيال” أننا إذ لم ننشر ردَّه، و قفنا ضد حرية التعبير، هذا نصه نشرته “الصريح” و سنعطى الحق –دون شك- في عدم نشره.
-6-
نتوجه باللوم إلى جريدة “الصريح” لأنها قبلت أن تهاجم جريدة وطنية تونسية على أعمدتها، و أن توجه إليها “بذاءة” و محاولة تشويه.
و لو كان الأمر في سياق الجدل و الاختلاف لاعتبرنا الأمر ايجابيا، و لكنه لم يكن كذلك على الإطلاق. و القائمون على جريدة “الصريح” يعلمون جيدا أن حق الرد لا يعنى التهجم و شتم الآخرين، و المغالطات و الزيف.
و نسألهم: أتسمحون لنا بنشر ردود على ما تنشرون مهما كان محتواها بداعي أن من كتبها ملزم بنصه؟
لن ننتظر إجابتكم، و نقول أننا لن نسمح لأنفسنا لأننا نحرص على التعامل مع الآخرين بمسؤولية و لا نسمح بالتهجم على أحد… و هذا فضلنا عليكم.
-7-
الأستاذة رجاء بن سلامة لم تساهم في “مواطنون” إلا من خلال إجاباتها على ما طرحنا عليها من أسئلة. و إن كلامها يلزمها، و يلزمنا أن ندافع عن حقها في تقديم رأيها كما يلزمنا أن نحفظ لمن يختلف معها حق الرد، و لكننا لا نقبل خطابا بذيئا.
“دانيال” بَلِّغ رسالتنا إلى من كلَّفوك بهذه المهمة القذرة و قل لهم إن أهل “مواطنون” متماسكون جدا، و واثقون، و لا يأبهون كثيرا بالاستفزازات.
قل لمن كلفوك إن “مواطنون” صامدون.. و قل أنك فشلت. و قل لهم ألاَّ يحرجوك ثانية.
و اعلم –كما يعلم كل قرائنا- (و أنت قارئ نص وحيد) أننا مع المقاومة و ضد الامبريالية و الصهيونية، لكننا أيضا ضد العملاء و الانتهازيين و بائعي الذمة.
(المصدر: صحيفة “مواطنون” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 26 بتاريخ 4 جويلية 2007)
يوميّات فلّاح
لقيته ليتني ما كنت ألقاه
قابعا وقد هدّ القمع مسعاه
…………………….
لقيته قابعا يتأمل أرضه
وقد لوّث التراب جسمه
من هامته إلى شقوق قدميه
كان يعاتب أرضه و يذكر
أيام زمان…
قال: السوق أتعبني و أرّقني
إن قلّ إنتاجي أغرقوه
بالمستورد وان توفّر
الإنتاج ولّّوا ظهورهم عنّي
و تركوني أستجدي…
…………………….
أبنائي هجروني و تركوا الأرض
هجروها و حقّروها و نبذوها
قالوا أنها تنكّرت لهم
تشرّبت عرقهم ثمّ بدأت
تتشرّب دماءهم …
…………………….
لقيته يشكو نقمة الطبيعة
التي بادلت فصولها
فأصبحت تغرقه بغيثها
في فصل الحرّ وتحرقه
بشمسها في فصل المطر
وتلفح زرعه برياحها
في كلّ الفصول …
……………………
لقيته يشكو غلاء الماء
و الوقود و السماد و المبيد
غلاء خرم جيبه و تركه
أعزل أمام أرضه إلا
من محراثه ومعوله …
…………………..
لقيته يحلم بحبّ يزرعه
فينبت و ينمو ثمّ ينضج
و يأخذ مكانه في الكيس من
دون أن يصيبه فطر
كان يحلم و يأمل …
…………………….
لقيته يتمنى أن تثمر
أشجاره فيجد من يجمع
غلالها فيبيع محصوله
بثمن يسدّ رمقه ويشدّه
إلى أشجاره وأرضه …
…………………….
لقيته و قد احدودب
ظهره و شاخ
يواري وجهه من مصرف أقرضه
ومصنع قايضه
و سوق تراوده…
………………….
لقيته مكدودا مهدودا
يائسا بائسا
ثابتا على أرضه كأشجاره
يأبى أن يهجرها
لا سند له غير صبره وحبه لمهنته
……………………..
لقيته فحدّثني عن الفطريات
و القشريات التي ظهرت
في هذا العام نتيجة
الرطوبة و ارتفاع الحرارة
فأتلفت محصوله وفتحت
أمامه باب الإفلاس
و السجن…
……………………..
كان الله في عونك أيها الفلاح
ورزقك من ييسّر لك سبل النجاح
سي يوسف
(المصدر: صحيفة “مواطنون” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 26 بتاريخ 4 جويلية 2007)
بسم الله الرحمن الرحيم
مواقف عمرية (7)
إهداء خاص إلى الأستاذ البشير الصيد، مع التهنئة الخالصة له بمناسبة انتخابه عميدا للمحامين، والتهنئة لكل المحامين التونسيين، بمختلف اتجاهاتهم الحزبية، بمناسبة أدائهم الديمقراطي الرائع. د. محمد الهاشمي الحامدي في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبقيادته ورؤيته الحكيمة الفذة، تم تحرير العراق من الهيمنة الفارسية. وعندما بعث أمير جيش القادسية سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه خمس الغنائم لأمير المؤمنين في المدينة المنورة، وجد الخليفة من ضمنها سيف كسرى، ومنطقته، وزبرجده. شعر الخليفة بالسعادة والفخر لأن الفاتحين لم يسرقوا، ولم يخونوا أخلاقهم الإسلامية العالية، ولم يخفوا هذه الملابس والجواهر والتحف، رغم أن السياق سياق حرب. ـ قال عمر بن الخطاب: إن قوما أدوا هذا هذه لذوو أمانة. فرد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه معلقا ومفسرا: ـ إنك عففت فعفت الرعية، ولو رتعت لرتعت. ثم نظر الخليفة في الناس من حوله، فرأي أجسمهم وأبدنهم قامة سراقة بن مالك بن خثعم، الرجل الذي جاء في بعض روايات السيرة النبوية أنه طارد المصطفى صلى الله عليه وسلم في رحلة هجرته وكاد ينال منه لولا أن الله حفظ نبيه فغارت قدما فرس سراقة في الرمال. وتذكر بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده بسواري كسرى يوما ما!! ـ قال الخليفة: يا سراقة قم فالبس. ـ قال سراقة: فطمعت فيه، فقمت، فلبست. فقال: أدبر، فأدبرت. ثم قال أقبل، فقبلت. ـ وعلق أمير المؤمنين، محرر العراق، فقال: بخ بخ، أعرابي من مدلج، عليه قباء كسرى، وسراويله، وسيفه، ومنطقته، وتاجه، وخفّاه!! رب يوم يا سراقة بن مالك لو كان عليك فيه هذا من متاع كسرى، وآل كسرى، كان شرفا لك ولقومك. انزع. فنزع سراقة بن مالك ما لبس من متاع كسرى. ـ قال الخليفة عندئذ مناجيا ربه، والناس يسمعون: اللهم إنك منعت هذا رسولك ونبيك، وكان أحب إليك مني وأكرم عليك مني. ومنعته أبا بكر، وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك مني. وأعطيتنيه: فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي. ثم بكى الخليفة حتى رحمه من كان عنده. ثم قال لعبد الرحمن بن عوف: أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل أن تمسي. قرأت القصة، فقلت في خاطري: هل يجوز لقائد مسلم يطلع على مثل هذا الموقف أن يستسلم بعده للكبر والغرور؟ كم قائدا يستطيع أن يكتب في سيرته الذاتية أنه فاتح العراق ومحرره؟ ها هو فاتح العراق حقا، ومحرره حقا، تأتيه أخبار النصر، والغنائم الكثيرة، فيلجأ للدعاء، يخشى أن يقوده النصر للبطر والطغيان، ويحتمي بسلطان الحافظ المنّان. تلك قصة أخرى معبرة من قصص هذا التلميذ النجيب من تلاميذ مدرسة صاحب الخلق العظيم، نبي الرحمة والهدى ومكارم الأخلاق، وداعية العدل والمساواة الحرية، سيدنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
دخول فرنسا كان استعمارا ودخول ابن النصير كان خيرا
بسم الله الرحمن الرحيم دخول فرنسا إلى شمال إفريقيا كان إستعمارا أما دخول موسى بن نصير إليها فقد كان خيرا عظيما إن أغلب الدولة ذات النفوذ والسيادة في العالم تعمل على نشر عقيدتها وجعلها سائدة أو تعمل على إحتلال من ترى فيه ضعفا وذلك لسلب خيراته وإستعباد أهله … فدخول الدول الإستعمارية إلى شمال إفريقية وتونس تحديدا بدأ منذ عصور مضت وإن اختلفت الأساليب والغاية فلقد تذوق أهل البلد من البربر العذاب والويلات من جل من دخل هاته الأرض وكان آخر من وطأ هاته الأرض من القوى الإستعمارية هي دولة فرنسا تحت إسم الحماية ويالها من حماية، حماية الذئب لقطيع الغنم وذلك بعد أن أحست الدول الإستعمارية بضعف الدولة العثمانية وهي الدولة الإسلامية في ذلك الوقت فتقاسموا الكعكة فيما بينهم، ونسيت الجميل الذي قدمته الدولة العثمانية [ لفرنسا قبل نحو أربعمائة وثمانين سنة فهو أن فرنسا تلك الأيام قد أُسِر مليكها فرانسوا الأول في بعض حروبها في أوروبا {معركة بافيا} وشعرت فرنسا أنها أهينت بأسر مليكها، ولَم يكن بمقدور جيشها أن ينقذ مليكها المأسور، فلجأت إلى دولة الخـلافة الإسلامية، الدولة العثمانية آنذاك، وأرسلت رسولاً باسم ملك فرنسا في 06 12 1525م يستغيث بالدولة الإسلامية، فقابل الرسولُ الخليفةَ العثماني سليمان القانوني، فأجاب الخليفة استغاثته، وأرسل إليه مع الرسول كتاباً جاء فيه (… وصلنا رسولكم بكتابكم الذي تقولون فيه إن عدوكم استولى على بلادكم وإنكم الآن محبوسون وتستدعون منا مدد العناية بخصوص خلاصكم، لقد أجبنا طلبك، فكن منشرح الصدر، ولا تكن مشغول الخاطر …)، وهكذا كان، فقد استعملت دولة الخـلافة ثقلها الدولي، وقوتها العسكرية في إغاثة ملك فرنسا والمساهمة الفاعلة في فك أسره. لقد قام خليفة المسلمين بإغاثة فرنسا دون مقابل. فلم يحتل جزءاً من فرنسا، أو يستعمر منطقةً في فرنسا بدل ذلك، بل كان فعله من باب عمل الخير وصنع الجميل. ليس ذلك فحسب بل أعطى فرنسا امتيازاتٍ في الدولة الإسلامية لَم يعطها لدولة أخرى، حيث عقدت اتفاقية الآستانة في الشهر الثاني من عام 1536م بين خليفة المسلمين السلطان سليمان القانوني وبين ملك فرنسا فرانسوا الأول ]. أما دخول المسلمين لشمال إفريقيا وغيرها فهو يختلف عن ذلك في الأصل والفروع ولعل دخول أغلب أهل تلك البلدان إلى الإسلام من دون إكراه له أكبر مثال على ذلك وأنهم هم من يعملون لنشر الإسلام في البلاد التي تليها بعد تسلمهم لواء الخير والعدل. وطارق بن زياد البربري خير مثال على ذلك. وإذا رجعنا إلى الدول الإستعمارية القديمة والحديثة فلا نجد مثلا واحدا لقبول أهل البلد بذلك المستعمر ومن الأمثلة القريبة لأذهاننا قتال الهنود الحمر لغزاتهم وعدم قبولهم لهم. فلماذا رحبت أغلب الشعوب بالمسلمين الدعاة الفاتحين ولم ترحب بغيرهم؟ إن المسلمين لم يدخلوا قط بلادا لسلب ونهب خيراتها ولاستعباد أهلها ولقتل نساءها وشيوخها وأطفالها. لم يدخلوا بلدا قط لفرض عقيدتهم على الناس بالقوة وبالتالي إرغامهم على ترك ما يدينون به. أما الدول المستعمرة فالشواهد الحية إلى اليوم من قتلها وتشريدها وسلبها وإرهابها للشعوب وفتنتها لهم من جهة وتصدي الشعوب لها من جهة أخرى لتثبت نفور الشعوب منها وعدم القبول بها وعلى أنها حقا دول إستعمارية. كتبه محمد المنصف قاره 28 جمادى الثانية 1428 هـ الموافق لـ13 07 2007 م ——– [ ] مصدر وثق الحادثة تاريخيا
الإمام القرضاوي آخر مجدد لآخر مائة.
( الجزء الثاني ).
الإمام القرضاوي : آخر مجدد لآخر مائة :
قال عليه الصلاة والسلام : ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. ذكر الإمام في بعض كتبه أولئك المجددين بحسب ما تواضعت عليه كلمة من سبقه من أهل الذكر في الموضوع. كما جدد بما لم يسبق إليه من قبل في تأويل الحديث بقوله بأن التجديد في الدين قد يقوم به فرد وقد تقوم به جماعة مستندا إلى دلالة العموم في كلمة ” من ” التي تطلق على الفرد وعلى الجماعة سواءا بسواء. تجديد في معنى التجديد. ماهي مستنداتي التي أبني عليها دعوتي لإعتبار الإمام القرضاوي آخر مجدد لآخر مائة :
1 ـ الجمع بين الإجتهاد وبين الجهاد أو بين الفقه وبين الدعوة والمقاومة : ذلك هو المنهج الإسلامي في الصلاح والإصلاح وعماده الذي تكرر عشرات المرات في القرآن الكريم :
” الذين آمنوا وعملوا الصالحات ” أما سورته الخاصة به فهي : ” والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتوصوا بالصبر “ ولعل أجمع وأجمل ( من الإجمال لا من الجمال ) فيه هو ما ورد في آخر الحج :
” يا أيها الذين آمنوا إركعوا وإسجدوا وإعبدوا ربكم وإفعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده “. لم يكن العلماء دوما كذلك ـ برغم وضوح فريضة الجمع بين العلم والعمل ـ بل ربما أوشكت الأمة في بعض فترات ركودها ـ لولا حفظ الرحمان الموعود ـ أن تحيد عن ذلك. لا يتسع المجال هنا لبيان أواصر تلك العلاقة فدعنا نرصد تلازم الجمع بين الإجتهاد وبين الجهاد أو بين الفقه وبين الدعوة والمقامة في تجربة الإمام القرضاوي : أـ ألف الإمام أكثر من مائة كتاب كثير منها لم يسبق إليه في مجاله أو يضيف إلى من سبقه إجتهادات معاصرة أصيلة من مثل : فقه الزكاة ـ الحلال والحرام الذي ترجم إلى عشرات اللغات ولقي قبولا عالميا واسعا لفرط أخذه باليسر ـ مبنى التشريع الإسلامي ـ وسهولة اللفظ ـ 3 مجلدات ضخمة في الفتاوى المعاصرة ـ مؤلفات كثيرة في موضوع الإجتهاد والعلاقة بين النص والمقصد والواقع وهو موضوع مطروح بإلحاح ـ مؤلفات أخرى في موضوع أخر مطروح بشدة وهو موضوع الدولة والحريات والسياسة ( من فقه الدولة ـ الإسلام والسياسة ) ـ مشروع العلمانية وهو مشروع متكامل يأتي الحديث عنه لاحقا بإذنه سبحانه ـ منهج التعامل مع القرآن والسنة ـ كتب تكاد لا تحصى في أكبر ما تمحض له الإمام أي ترشيد الصحوة الإسلامية المعاصرة ـ وفضلا عن ذلك : آلاف من المحاضرات والخطب والدروس والمقالات. ما شاء الله ورب الكعبة حقا : لم يكن في خطتي أن أذكر أنني ـ رغم ولعي بطلب العلم عامة وبما يكتب الإمام القرضاوي خاصة منذ ربع قرن كامل ـ كلما تقدم بي الزمن شعرت بأن ملاحقتي لما يكتب أضنتني فلا أكاد أفرغ من دراسة كتاب جديد له حتى أفاجأ بالذي يليه فأشغل نفسي أسابيع بحثا عنه. لم يكن ذلك شأنه في بداية المشوار. كل من يتابعه يطرح على نفسه سؤالا محيرا : متى يكتب هذا الرجل : أبعد الفراغ من رحلة إلى مؤتمر أو لقاء أو قبل إعداد خطبة جمعة أو محاضرة أو درس أو في أثناء قيامه على أمره الخاص؟ تبارك الله وما شاء الله. ب ـ القيام على فريضة الجهاد والمقاومة جنبا إلى جنب مع فريضة العلم والفقه : ويكفي أن أذكر القارئ ببعض مظاهر ذلك ومنها :
<> ـ تأسيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ليكون مرجعا فقهيا وفكريا لخمسين مليونا من المسلمين في أوروبا يستقبلون صحوة دينية تعمر عواصمهم الكبرى لا تخطئها عين وحركة إعتناق للإسلام حثيثة وفي المقابل تحاول كوارث نيويورك ومدريد ولندن دك ما بنوا من إسهامات معتبرة في جدار الدعوة الإسلامية المعاصرة.
<> ـ تأسيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين وقد ربا عدد المؤسسين عن أربعمائة عالم وهو المجمع العلمي الوحيد ـ على حد علمي ـ الذي يجمع العلماء ـ فعلا لا أماني ـ على أساس العلم والتنوع المذهبي والفكري لا على أساس التحيز المذهبي.
<> ـ المساهمة في تأسيس الهيئة العالمية الخيرية في الكويت منذ سنوات طويلة لإغاثة المنكوبين في إفريقيا وآسيا من المسلمين وغيرهم إما تحت طحن التنصير أو طرق الحروب والمجاعات. كما أنه معلوم أن الإمام أسس منذ سنوات إئتلاف الخير الذي يضم مئات من الجمعيات الإغاثية في مختلف بلدان العالم العربي والإسلامي والغربي.
<> ـ المساهمة في تأسيس أكبر موقع إلكتروني عربي بشهادة المحرار الدولي لذلك ـ آلكس ـ من بين مليون موقع في الدنيا ” إسلام أون لاين “.
<> ـ المساهمة في تأسيس الكلية الأروبية للعلوم الإنسانية سيما بوضع البرنامج العلمي.
<> ـ المساهمة في حل أزمات دولية كبيرة من مثل مشكلة طالبان بصفة عامة ومع تفجيرها للآثار بصفة خاصة ومن مثل مشكلة دارفور عبر زيارات ميدانية مباشرة وإرسال وفود.
<> ـ المساهمة في حل المشكل المذهبي سيما بين السنة والشيعة في إثر إعدام صدام حسين عليه رحمة الله ( زيارات إلى إيران ومقابلات الخ …).
<> ـ تأسيس برنامج ” الشريعة والحياة ” في أكبر فضائية عربية ” الجزيرة ” منذ نشأتها والتصدي لحل مشكلات الناس بالفتوى والنصيحة والتوجيه مباشرة فضلا عن برامج بصرية وسمعية أخرى كثيرة في قنوات أخرى في قطر وغيرها.
<> ـ إذاعة فضائية قطر لخطبة الجمعة مباشرة من مسجد الفاروق عمر وتناول الإمام لأخطر القضايا التي تشغل بال المسلمين من مثل فلسطين والعراق وغير ذلك والإصداع بما يراه حقا وصوابا دون خوف لومة لائم ( فتوى الإستشهاد في فلسطين تحريرا للأرض ـ فتوى تحريم خطف الطائرات والعدوان على الأبرياء وإن كان أصل هذه الفتوى قديم قبل نشوء الفضائيات).
<> ـ التنقل للمساهمة في المؤتمرات والملتقيات سواءا كانت حوارا إسلاميا مسيحيا كما حدث منذ سنوات طويلة في ألمانيا وإيطاليا بصحبة رفيق دربه وشيخه المرحوم الغزالي أو كانت مؤتمرات سنوية صيفية في أمريكا منذ عقود طويلة وأروبا وكانت تلك المناسبات تؤدي دورا إعلاميا كبيرا قبل نشوء الفضائيات أو كانت للقاء شخصيات إسلامية كبيرة بمثل ما وقع مع إمام الأزهر ـ الشيخ الطنطاوي ـ في قضية الربا. ذكر الإمام تفاصيل الأمر في بعض كتبه على نحو كانت ستكون المقابلة مناظرة بين الرجلين في شأن حرمة أو إباحة ربا الفائدة البنكية ولما وصل الإمام القرضاوي إلى القاهرة ألغى شيخ الأزهر اللقاء جملة وتفصيلا فرجع الإمام القرضاوي إلى الدوحة وألف كتابا خاصا في المسألة سماه : فوائد البنوك هو الربا المحرم.
<> ـ إتخاذه من لدن عشرات من البنوك الإسلامية ـ رغم حداثة التجربة ـ مستشارا شرعيا.
<> ـ قيامه بوساطة سياسية في عدد من مواضع الخلاف بمثل ما وقع بين العقيد القذافي ومساجين الإخوان المسلمين هناك ومواطن أخرى كثيرة ليس أشهرها بين الفلسطينيين ولا أولها بين الجزائريين ومن قبل ذلك كله تأتي جولات المصالحة المطولة مع ” الإخوة الأعداء ” من مجاهدي أفغانستان بعد دحر الإحتلال الشيوعي ومن قبل ذلك وساطة بين السودانيين الخ…
<> ـ مساهمته في حفظ اللغة العربية من خلال عضويته بإحدى مجامعها الكبرى في مصر ومن خلال رفعه لشأنها ومكانتها في كل مناسبة وبالمناسبة فإن الإمام القرضاوي من القلائل جدا من بين العلماء والفقهاء والمصلحين المشهورين الذين تكاد لا تسمع منهم كلمة عامية واحدة وهو أمر محمود جدا لا يشعر به حق الشعور الإخوة المصريون الذين يشتركون مع الإمام في اللهجة. لقد أصبح ممجوجا حقا أن تكاد تكون اللهجة المحلية ـ خاصة المصرية ـ هي الغالبة على حلقات العلم والوعظ والتوجيه لدى العلماء والوعاظ على مسرح الفضائيات العابرة للمخادر والمخادع. إذا كان هو العجز فإن الإسلام لا يحفظ بإهمال لغته الأم وكل لغة إنسانية هي للإسلام لغة وإذا كان أمرا آخر فيا خيبة المسعى. وبالخلاصة فإن ما يميز الإمام القرضاوي عن غيره من العلماء وحتى الفقهاء وما أكثر هؤلاء وأولئك هو نذره لحياته العلمية وإجتهاداته الفقهية لصالح الدعوة الإسلامية المعاصرة فهو يجمع بين دقة الفقيه في تحريراته وإرصاداته وبين حرارة الداعية في مقاومة الفساد بلا هوادة. قد يعزي بعض الناس ذلك لأصله الإخواني ولكن الأمر أدق من ذلك وأوسع ولو ضربت الأمثلة المضادة ـ كما يقول أهل الرياضة العقلية ـ لأنقدح في ذهنك من ذلك ما كنت تبغي. عندما أعير إلى جامعة الجزائر مثلا لم يقتصر دوره على أستاذ جامعي أو مدير جامعة علمية بل زاول التبشير بدعوته فأختلط بالطلبة والناس ( حتى أن بعض العلمانيين من تونس مثلا : أنس الشابي في برنامج ” الإتجاه المعاكس ” بالجزيرة عام 1998 قال بأن القرضاوي والغزالي خربا الجزائر بالفكر الرجعي وكتبت يومها مقالا يرد عليه نشر في المجتمع الكويتية عنوانه : رويبضة من تونس يجرم أشد أعلام الإسلام إعتدالا ) وكذلك الأمر في قطر الذي دعي إليها مديرا لمدرسة دينية فما لبث أن أنشأ جامعة للشريعة ترأسها حتى تقاعد كما أنشأ هناك مكتبا لدراسات السنة النبوية ولو تتبعت ما أنشأه من مؤسسات لم تشتهر كثيرا سيما عند غير المهتمين والمتابعين لأضناك الملل وتسلل إليك الكلل. إن الذي جعل بعض مؤلفات الإمام القرضاوي تمنع في فرنسا مثلا منذ سنوات طويلة من مثل كتابه ” الحلال والحرام ” كما منع كتاب الفيلسوف الإسلامي الرئيس المرحوم علي عزة بيكوفيتش ” الإسلام والغرب ” ( ربما لم يعد اليوم هذا المنع قائما سيما بعد الثورة الإعلامية الهادرة ) .. هو جمعه بين كونه فقيها أصيلا معاصرا وبين كونه مجاهدا مقاوما للظلم والطغيان محليا ودوليا. الدليل على ذلك أن الأمة تزخر بمن يفوق القرضاوي علما ـ لا فقها ـ فلا تأبه أمريكا والصهاينة لواحد منهم حتى لو ملأ الأرض وعنان السماء مؤلفات وكتبا. وهو الأمر ذاته الذي جعل الحملة الصهيونية تشتد عليه في أنكلترا منذ سنوات فكان من بركاتها مساندة عمدة لندن للإمام القرضاوي ثم منع من دخول أمريكا. إن تجربة التاريخ تؤكد لنا بأن الرواحل الذين يغيرون وجه التاريخ هم أولئك الذين يجمعون بين الإجتهاد وبين الجهاد أما من يجتهد دون جهاد أو يجاهد دون إجتهاد فحسبه ربما أجر الآخرة أما أجر الدنيا والآخرة فهو لمن سار على درب المصلحين ” وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين “. حاكيا عن إبراهيم عليه السلام. ولعل آخر كلمة في هذا المستند الأول هي : الإمام القرضاوي سجن وعذب من أجل دعوته وفكره لما كان شابا ضمن حركة الإخوان المسلمين ولمن شاء توسعا فليراجع مذكراته. دون أن ننسى أنه إفتتح كلمته يوم تكريمه بمناسبة بلوغه سن الثمانين قبل عام بدعوة الناس أجمعين إلى سؤال الشهادة له ختام مسك لحياته. اللهم أرزقهها وإياي.
2 ــ قيام مشروع الإمام القرضاوي على التجميع والتوحيد : ذلك معلم ثابت من معالم الإسلام في حركته حتى أنه أورد عذر هارون عليه السلام بين يدي أخيه موسى عليه السلام مورد الرضى حين قال : ” إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي “. أوصاه أخاه قبل الذهاب لملاقاة ربه بحفظ وحدة بني إسرائيل وأغلبهم كفرة بموسى عليه السلام فلما زاد شركهم حبة بل حبات بإتخاذ العجل تميز رسولهم غضبا على أخيه فأخذ يجره من لحيته ورأسه فذكره بوصيته فنعم الموصي ونعم الحافظ. أين رقي المسلمين اليوم إلى ذلك المصف العالي؟ يكاد يكون صفرا على صفر عن يمين وشمال. ليس هذا موضوعنا الآن.
فدعنا نرصد حرص الإمام القرضاوي على فقه التجميع والتوحيد رصا لصف الأمة الواحدة : <> ـ التجميع بين السلفية والصوفية وهو نداء كرره عشرات المرات ووطأ له بالفقه مبينا أن تعويل السلفية على الحركة الميكانيكية لإستقامة الظاهر لا تغني عن التركيز على ما إعتبره العلماء أوجر عند الله وأذخر أي حياة القلوب وأن تعويل الصوفية على هذه لا يغني عن الإستقامة لهيئات الشريعة بما جاءت به صحيحا من مكاييل وموازين ومعدودات وصور وأشكال.
<> ـ التجميع بين السنة والشيعة بإعتبارهما أكبر مذهبين إسلاميين اليوم سيما بعد قيام الثورة الإيرانية وظهور حزب الله وإنتصاراته الكبيرة مقاومة للعدوان الصهيوني في لبنان وقيام ما يشبه الإستقطاب الثنائي سيما في طرفي الخليج ـ ربما رسميا ثم شعبيا وعلميا ـ . وضع الإمام لذلك التقريب والتجميع أسسا كبيرة قديمة ثم ساهمت الفضائيات ووسائل الإتصال الحديثة في الكشف عنها وذلك رغم نشوء كيانات كثيرة من قبله تقوم في الأصل على ذلك التقريب بين المذاهب ولكن لم يسمع لها ركز ليس بسبب عدم إخلاص أهلها ولكن للسبب نفسه الذي ذكرته هنا وأذكره دوما وهو : الإمام القرضاوي حين يتفقه ويتحرك إنما يفعل ذلك بحرارة اللديغ لا برغد الموسر. كان الإمام واضحا وصريحا في العدل بين أتباع المذهبين رصا للصفوف ونزعا لفتائل الفتنة الداخلية فلم ينح باللائمة على هؤلاء دون أولئك فكما دعا إلى الكف عن سب الصحابة والنيل من مقاماتهم الكريمة التي أشاد بها القرآن الكريم صحيحا صريحا دعا في المقابل إلى الكف عن إطلاق صفة الرافضة عن الشيعة فضلا عن ترهات التفسيق والتبديع والتشبيه ( نسبة إلى الشبهة ) والتكفير والإخراج من الملة سيما بالجملة.
<> ـ التجميع بين السلف والخلف سيما في الصفات الخبرية وقد يسأل سائل عن جدوى ذلك التجميع بعد موت السلف. ذاك أمر يذكرني بما فعله الفاروق عليه الرضوان يوم نظر إلى القرآن الكريم نظرة شمولية عامة كأنما يضع المصحف كله في صفحة واحدة على راحة يده ـ كأنما زوي له كما زويت الأرض لمحمد عليه الصلاة والسلام ـ فجمع بين آية تقسيم الغنائم في الأنفال وبين آية تكافل الأجيال في الحشر فكان تقسيمه لأرض السواد بالعراق على ما يعلم الناس أجمعون. ذلك هو مفهوم الأمة عند الإمام القرضاوي : واحدة وسطية متكافلة متكاملة بمقياس عمودي يجمع أولها مع آخرها في الزمان وأفقي يجمع طوائفها ومللها ونحلها من كل صوب وحدب تحت لواء شهادة النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام ” ويكون الرسول شهيدا عليكم “.
<> ـ التجميع بين الحكام وشعوبهم ويبرز ذلك من خلال الثبات على المنهج السلمي الديمقراطي للحركة الإسلامية بوصفها رأس عربة التغيير في الوطن الإسلامي الكبير ووضع لذلك الإمام فقه التغيير وبناه على ركائز ثلاث هي : رعاية الضرورات ورعاية سنة التدرج ورعاية عدم إفضاء المنكر المراد تغييره إلى منكر مثله أو أشد منه. وفي مقابل ذلك شدد الإمام على تجديد فقه الكبائر في الإسلام بتطعيمه بالكبائر السياسية معتبرا أن تزوير الإنتخابات من أكبر الكبائر ومؤصلا لعملية الإنتخابات في كل حقل بالشهادة الواردة في القرآن الكريم أداء وكتمانا فضلا عن الكذب فيها. لذلك ما برح الإمام يتخذ الموقف الإسلامي الوسط بين الحكام ومعارضيهم سيما من الإسلاميين مشددا على حرمة العنف الأعمى من الجانبين تعذيبا وإكراها من جانب الحكام ومنهجا للتغيير من جانب الإسلاميين يقوم على العنف. إن الثبات على ذلك ليس يسيرا لا من جانب النظر إلى واقع التعذيب الذي يمارسه الحكام بلا حدود ولا قيود فضلا عن فسوقهم في الأغلب عن محكمات الإسلام إضطرارا بحسب زعم بعضهم أو إختيارا ولا من جانب الضغط الذي تمارسه الصحوة الإسلامية سيما الجديدة منها التي يغلب عليها الغلو والتشدد حتى آل قسم غير يسير منها إلى التكفير والتفجير.
<> ـ التجميع بين الإسلاميين والعلمانيين على أساس رسم برنامج عملي لمشروع التحرر من قبضة الإستبداد الداخلي المحلي ومن قبضة الصلف الصهيوني المعزر بالعولمة المتأمركة. لقد ظل الإمام واضحا أشد الوضوح في مثل هذه القضايا فلم تزل قدمه بعد ثبوت قيد أنملة فتراه يجالد العلمانيين بالقلم والحوار دون هوادة ولكنه يمد يده إليهم تعاونا على البر والتقوى ومن البر والتقوى في فقهه تحرير الإنسان من كل الطواغيب بدءا بالطاغوت الذي يفتك به من داخله كما قال الإمام الغزالي حجة الإسلام ” في كل واحد منا فرعون كامن في صدره ينادي أنا ربكم الأعلى ” ومرورا بالطاغوت السياسي والمالي وإنتهاء ـ وإن كانت معركة التحرر لا تعرف نهايةـ بالطاغوت الدولي سيما بعد إحتلال فلسطين والعراق وأفغانستان ودول أخرى مهددة حقا بالإحتلال العسكري المباشر بعد حزمة من المواثيق الحقوقية الإنسانية الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ذلك وضوح يفتقده كثير من المصلحين. ومعلوم أن الإمام من مؤسسي المؤتمر القومي الإسلامي ببيروت قبل سنوات طويلة.كما كان الإمام أحرص على توحيد صف القوميين أو العروبيين مع الإسلاميين حرص أولوية بطبيعة الحال ضمن فقه الأولويات لما بينهما من مواطن إشتراك أوسع.
<> ـ التجميع بين المسلمين والمسيحيين على ذات الأساس ومن ذلك مشاركته لكثير من الملتقيات الحوارية الخاصة بذلك كما أشرت سالفا ومن ذلك أيضا إشادة الإمام بعدد من المسيحيين الوطنيين المساندين ـ بل المقاومين ـ لقضية فلسطين والعراق ولقضايا الأمة عامة وسماهم الأمام : المسيحيون ديانة والمسلمون حضارة وتاريخا. كما أشاد بأن بعضهم يعلم أبناءه القرآن الكريم حرصا على طلاقة اللسان وسبحان من خلق الإنسان فعلمه القرآن والبيان معا. فالقرآن والبيان صنوان متلازمان لا يفترقان. ولكن الإمام رفض المشاركة في كل الملتقيات الحوارية مع اليهود حتى لو كان أولئك اليهود غير محاربين رفعا لكل إلتباس وتحريرا للقضية المركزية الإسلامية الأولى في هذا العصر من كل مضغ من لدن ألسنة النفاق أو خائري الهمة. ومن مظاهر تجلي هذا البعد من أبعاد التجميع في مشروع الإمام القرضاوي بين المسيحيين والمسلمين : نداءاته المتكررة ـ فضلا عن مقابلاته المباشرة وأعماله ـ لرجال الدين المسيحي بكل طوائفهم من أجل التوحد ضد إفرازات الحضارة الغربية الكارثية من مثل ما وقع في مؤتمر القاهرة ثم بيكين في أواسط التسعينيات من القرن الميلادي المنصرم من إباحة للزواج المثلي وغير ذلك من فظاعات وبشاعات الشذوذ الجنسي الذي لم يدر بخلد قوم لوط من قبل. وبمثل ذلك وقعت نداءات كثيرة متكررة إلى الفاتيكان تصديا للإلحاد الكافر تنفيذا لقوله سبحانه ” قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم “.
<> ـ التجميع بين أبناء الأمة الواحدة على أساس منهج وسطي معقول واقعي ولعل أبرز مثال على ذلك ما يثار في كل عام عند إختلاف الناس حول مطالع القمر لتحديد بدايات شهر رمضان وشوال. ما يثير إعجابك هنا عند الإمام هو أنه لا يؤسس رأيه في كل مسألة تقريبا ـ إلا فيما لم يكن فيه إجتهاد سابق قط ـ إلا على رأي سابق. في هذه القضية مثلا ظل الإمام ينقل لنا من العالم محمود شاكر وغيره متحريا تعامل الأمة على تبدل عصورها وأمصارها مع هذه القضية حتى آلت به الفتوى إلى إعتبار أن أفضل صوم وأفضل عيد لكل مسلم هو مع صوم أهله وجيرانه وبيئته ومحاله القريبة الأدنى فالأدنى وكذا فطره وعيده. بينما ظل يتخبط آخرون كثر في أقوال بعضها كوني وبعضها شرعي والشرعي هنا يتراوح بين الرؤية والحساب ( يسمى تقديرا ) فلا هم حرروا الفتوى تحريرا شرعيا كافيا ولا هم جمعوا كلمة المسلمين التي تؤول يوما بعد يوم إلى الإندثار والإضمحلال تحت مطارق شديدة من بعيد ومن قريب على حد سواء. ألا يذكرك ذلك بإجتهاد هارون عليه السلام رغم تأنيب أخيه موسى عليه السلام له وهو في سورة الغضب قبل سكوته. لا يكاد يخلو كتاب تقريبا من التأكيد على أن الإختلاف سنة إلهية ماضية مطردة لم يخل منها حتى مجتمع النبوة الأكرم فهذا إبن عمر وذاك إبن عباس عليهما الرضوان جميعا يرضعان من حلمة واحدة وصدر واحد وينهلان من حجر واحد ولكن إختلفت إجتهاداتهما إختلافا كبيرا تحت كنف محكمات الإسلام القطعية وهذا إبن عوف وذاك أبو ذر عليهما الرضوان جميعا تختلف أنظارهما حيال المال والدنيا ويضرب أمثلة كثيرة ليؤكد أن الدنيا مبناها قدرا مقدورا : الوحدة مع التنوع. وحدة فطرية تنبجس من وحدة المصدر ووحدة الرسالة ووحدة المصير ووحدة سننية سببية ووحدة تشريعية عظمى تجلت في كل الرسالات السماوية وتنوع من كل لون وضرب ونوع هو مقبول أبدا مرحب به كلما كان تحت ذلك السقف وذاك الكنف. لقد ظل الإمام يذكر الناس دوما بأن ميزة الخلافة العثمانية التي أطاح بها ” خالد الترك ” كما وقع في البداية في ذهن أمير الشعراء شوقي هي قبل كل شيء حفظ الوحدة السياسية العامة للأمة مرددا أننا بحاجة إلى مرجعية ترفع الخلاف عملا لا حقيقة كما هو مبين في السياسة الشرعية قائلا بأنه إذا كان للمسيحيين ـ سيما الكاتوليك منهم وهم الأغلبية ـ بابا فنحن ” لا بابا لنا ولا ماما”. لئن ورد ذلك على سبيل النكتة ربما عند بعضنا فهو يعكس حاجة الأمة اليوم وفي كل يوم إلى قيادة سياسية واحدة ليس بالضرورة أن يكون إسمها خلافة ولكن العبرة بحراستها للدين وبسياسة الدنيا به كما قال أساطين السياسة الشرعية من قبل. ما يميز الإمام القرضاوي هو ذاته ما ميز الإمام الشاطبي من قبله : الشاطبي هو أكثر فقهاء المقاصد حرصا على فقه المآل ضمن فقه الواقع ذلك الحلقة الثالثة الأساسية ضمن فقه الحياة القائمة على النص والمقصد والواقع والقرضاوي هو أكثر فقهاء عصره حرصا على تنزيل إجتهاده ـ في قضية الوحدة والإختلاف مثلا ـ على أرض الواقع.
إلى اللقاء في الجزء الثالث من هذه الرسالة.
الهادي بريك ـ ألمانيا.
بسم الله الرّحمان الرّحيم
البحث الأول: نظام الحكم في الإسلام :نشأة و صيرورة
أ. مصطفى عبدالله الونيسي /باريس/فرنسا الفصل الأول:محمد بن عبدالله(ص) مؤسس الدولة الأسلامية:
الحلقة الثالثة: كيف نشأت الدولة الإسلامية ؟
لقد كانت الهجرة النبوية أول خطوة رسمية نحو تأسيس دولة إسلامية. فالرسول صلى الله عليه و سلم أدرك مبكرا أنّ مكة لا تصلح لقيام الدولة الإسلامية ،وأنّ واديها الذي تحاصره الجبال ،و كعبتها التي تعج بالأوثان ،لا يمكن أن تكون الوطن الذّي تقام عليه دولة الإسلام ،ومن ثمّ بدأ الرسول الكريم (ص) يجاهد من أجل هجرة لله تمنح المسلمين دولة ووطنا ،و تحيط إيمانهم الغض بسياج من امكانيات معنوية و مادية(1) و هجرته صلى الله عليه و سلم بدأت منذ اليوم الذّي اقتنع فيه بعقله ،المؤيد و الموصول بالوحي المعصوم ، أنّ مكة بظروفها الموضوعية القائمة أنذاك في زمانه صلى الله عليه و سلم لا تصلح إطلاقا أن تكون الوطن الذي يوفر الأمان للدعوة و يحميها و يعترف بها. والهجرة ولئن كانت حدثا ضخما من أحداث الإسلام، فتاريخها الحقيقي لم يبدأ حيث بدأت حدثا و إنّما نشأت مع البعثة نفسها لأنّ الرسول (ص) حينما رافق زوجته خديجة رضي الله تعالى عنها إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى،وكان ابن عم لخديجة، وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية، و كان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل إلى العبرية ما شاء الله أن يكتب،وكان شيخا كبيرا قد عمي, فقالت له خديجة:يا ابن عم ،اسمع من ابن أخيك،وهي كلمة قيلت في هذا المقام للتقدير و الإحترام، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى،فقال له ورقة: هذا الناموس(و يقصد بذلك جبريل أو الوحي) الذي نزل على موسى ياليتني فيها جذعا(شابا قويا) ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:أومخرجي هم؟ قال: نعم،لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلاّ عودي ،و إن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم يلبث ورقة أن توفي . و يعلق الشيخ محمد الشعراوي بقوله : (…فالهجرة نشأت مع البعثة،و كأنّ الرسول صلى الله عليه و سلم قد استقبل خبر الهجرة في الوقت الذي استقبل تصديق أنّه مبعوث ) (2) فهجرته (ص) ،كانت قد بدأت في حقيقتها، كتفكير و عزم ، يوم بدأ يتحرك فيه للخروج من مكة إلى مكان جديد يصلح لصياغة الطاقات الجديدة و حفظها في كنف دولة تأخذ على عاتقها الإصرار و المثابرة على نشر الدعوة و الدفاع عنها و التعريف بالإسلام كدين شامل جمع، بين خيري الدنيا و الآخرة ،و بين بعدي الدّين الصحيح و السياسة الشرعية الراشدة والعادلة. فكيف بدأت الدعوة ؟ و كيف تطورت و توسعت؟ الدعوة الجديدة و سنة التدرج: 1) الدعوة سرّا: بدأ الرسول صلى الله عليه و سلم أول ما بدأ يبلغ الدعوة الجديدة بتكليف من رب العالمين سرا ثلاث سنوات و ما أسلم معه إلاّ قليل. و كان من أوائل من دخل الإسلام خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، و كان لإيمانها أثر عميق في قلب النبي (ص) و سندا معنويا كبيرا. و كان علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أول من آمن من الذكور و هو لم يتجاوز بعد العاشرة من عمره. و كان زيد بن حارثة ثالث من أسلم. أما رابع من أسلم من الرجال فهو أبوبكر ، الذي ما إن أسلم حتى انطلق يدعو من يثق فيهم إلى دين الله وحده لا شريك له ،وبجهوده و كفاءته و دماثة أخلاقه و صبره و إخلاصه أسلم أهم قادة الدعوة الجديدة و رواد الحركة الإسلامية الأولى على يديه من أمثال عثمان بن عفان ،الزبير بن العوام،عبدالرحمان بن عوف،سعد ابن أبي و قاص، طلحة بن عبيدالله،و تبع هؤلاء النفر التسعة مجموعة أخرى مهمة من المسلمين الأوائل و على رأسهم الأرقم بن أبي الأرقم الذي اتخذ الرسول من داره الواقعة على الصفا مخبأ سريا للدعوة و مدرسة للتعليم و التربية العقائدية. وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمر أصحابه بالتزام الحيطة و الحذر و التخفي و عدم الإعلان عن الإسلام إلى أن يأذن الله بالفرج و يقضي أمرا كان مفعولا. فكان هؤلاء يلتقون بالنبي (ص) سرّا ، وكان أحدهم إذا أراد ممارسة عبادة من العبادات ذهب إلى شعاب مكة حتى لا يراه أحد من كفار قريش. و كانت حصيلة الدعوة في هذه الفترة ما يقارب أربعين رجلا و امرأة ممن دخلوا الإسلام ،و كان عامتهم من الفقراء و الأرقاء ممن لا شأن له ولا مكانة بين قريش(3) . لا ريب ، أنّ تكتم النبي (ص) في هذه الفترة لم يكن بسبب الخوف على نفسه،و لكن الله سبحانه ألهمه ، و الإلهام للرسول نوع من الوحي ،أن يبدأ الدعوة في فترتها الأولى بسرّية و تكتم ،وأن لا يعرضها إلاّ على من يغلب على ظنه أنه سيؤمن بها و ينطاع إليها عن اختيار و طواعية. و من هنا ندرك ،أيضا، أنّ دعوته في هذه الفترة كانت من قبيل السياسية الشرعية بوصف كونه إماما، وليس من أعماله التبليغية عن الله بوصف كونه نبيا.(4) . و ما ينبغي الإنتباه إليه ،أنّ سرية الدعوة في هذه الفترة ،و تواصي المسلمين فيما بينهم بالحيطة و تلافي الإصطدام المباشر مع المشركين ،لا يعني أنّ المجابهة الفكرية و العقائدية بين الدين الجديد والمشركين كانت منعدمة ،بل إنّنا نجدها على أعنف ما تكون،وقد عكس القرآن الكريم لنا ذلك ،ففي سورة العلق يقود القرآن حملة عنيفة على أبي لهب،وهو أحد زعماء قريش،وعلى زوجـته،في وقت لم يكن النبي (ص) قد آمن بدعوته ـ بعد ـ سوى نفر قليل(5) 2)الجهر بالدعوة: استمرت الدعوة في المرحلة السرية و الفردية ثلاث سنوات،ثم ما لبث الوقت أن حان لإعلان الدعوة، و أصدر الله أمره إلى رسوله (ص) أن يصدع بما أنزل عليه من الحق ،متجاوزا المرحلة السرية إلى مرحلة ثانية هي مرحلة الدعوة الجهرية، تنفيذا لأمر الله تعالى : (وأنذر عشيرتك الأقربين)الشعراء آية 214 وفيما يخص هذه الآية ،فقد ذكر المحدثون و الرواة عدة روايات بشأنها، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( لمّا نزلت هذه الآية ، دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشا،فاجتمعوا فعم و خص فقال: يا بني كعب بن لؤى،أنقذوا أنفسكم من النّار…، يا بني مرة بن كعب ، أنقذوا أنفسكم من النار…..،يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النّار…..،يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النّار……، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار..،يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم شيئا غير أنّ لكم من الله رحما سأبلها ببلاها)(6) و في لفظ للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لما نزلت [و أنذر عشيرتك الأقربين]صعد النبي صلى الله عليه و سلم على الصفا، فجعل ينادي : يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل أذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب و قريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي. قالوا :نعم ….ما جربنا عليك إلا صدقا…قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ،ألهذا جمعتنا؟ فنزلت 🙁 تبت يد ا أبي لهب و تب ، ما أغنى عنه ماله و ما كسب ) العلق. يقول الله تعالى : (فأصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين )الحجر آية94 ، و استجابة لأمر الله بدأ الرسول دعوته العلنية بإنذار عشيرته الأقربين لأن البدء بالعشيرة قد يعين النبي (ص) على تحقيق النصر و الحماية لدعوته ،كما أن القيام بالدعوة في مكة أولا لا بد أن يكون له أثر خاص لما لهذا الحي من مركز ديني خطير ،وجلبه إلى حظيرة الإسلام لا بد و أن يكون له وقع كبير على بقية القبائل ، مع أن هذا لا يعني أطلاقا أن رسالة الإسلام كانت محدودة في أدوارها الأولى في قريش، لأن الإسلام كما يتجلى من القرآن ، إنّما اتخذ من الدعوة في قريش و انطلاقا من مكة خطوة أولى لتحقيق رسالته العالمية (7). فالرسول بدأ دعوته بالأقربين من بني هاشم و بني عبدالمطلب . ثم جاءت المرحلة الثانية ، فدعا قريشا كلها ، و بعدها توجه بالدعوة إلى النّاس جميعا لا فرق بين أبيض و أحمر ولا بين رجل و امرأة ، يقول الله ( قل يا أيها النّاس إني رسول الله إليكم جميعا)الأعراف 158. يقول ابن القيم في فصل ترتيب الدعوة و مراتبها:( المرتبة الأولى:النبوة .الثانية: إنذار عشيرته الأقربين. الثالثة: إنذار قومه. الرابعة:إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله و هم العرب قاطبة. و الخامسة :إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن و الإنس إلى آخر الدهر…)(8) مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه ، يظهر دين الله و يدعو إليه لا تأخذه في الله لومة لائم،في الطرقات،في الأسواق ،في رحاب الكعبة ،في الساحات العمومية ، في المجالس العامة و مع الأفراد و في كل مكان كلما سنحت له الفرصة ، بينما ظل بعض كبار الصحابة كأبي بكر و سعيد بن زيد و عثمان على سريتهم و كتمانهم، زيادة في الحيطة ، أمّا حمزة و أبو عبيدة و عمر ـ فيما بعد ـ فقد راحوا يجهرون. وكان رد فعل قريش على هذه الدعوة عنيفا و شاملا ،و اتخذ ت ردود الأفعال ،هذه، اشكالا و صورا مختلفة ،فما هي هذه الصور؟ و ما هي ملامحها؟ المراجع:
1)د.كامل سلامة الدقس: دولة الرسول من التكوين إلى التمكين ص240 2)الشيخ محمد متولي الشعراوي:الهجرة النبوية ص 19ـ 20 3)د. عماد الدين خليل: دراسة في السيرة ص54 4)د. محمد سعيد البوطي:فقه السيرة النبوية ص69 5)د. عماد الدين خليل: دراسة في السيرة ص 53 6)متفق عليه و اللفظ لمسلم 7)د. عماد الدين خليل. دراسة في السيرة ص55 8)زاد المعاد 1ــــ34 9)البلاذري: أنساب ….1ــــــ132
ٍهل العلمانية ممكنة في بلد واحد؟
ياسين الحاج صالح
يستذكر تساؤل العنوان نظيرا له عن الاشتراكية، جرى تداوله على نطاق واسع أيام الثورة الروسية عام 1917: هل يمكن بناء الاشتراكية في بلد واحد؟ بدا لبعض الوقت أن لينين الذي دافع عن رد إيجابي على السؤال كان محقا، لكن مزيدا من الوقت أظهر أنه على خطأ. واليوم يبدو السؤال منفصلا عن أية ديناميات نظرية وسياسية واقعية، ومن ثم فاقدا للمعقولية والمعنى؛ لقد غدا تراثا. فكأنما التاريخ لا يعيد طرح السؤال نفسه مرتين. وراء السؤال الاشتراكي كان ثمة افتراض يخص وحدة العالم، الرأسمالي منه على الأقل؛ وافتراض آخر يقضي بأن للتاريخ وجهة محددة هي الاشتراكية؛ وافتراض ثالث بأن التحول إلى الاشتراكية ممكن وضروري وراهن في آن معا. وثمة ما يبيح الاستناد إلى هذه الافتراضات لمقارنة المسألة العلمانية الإسلامية بالمسألة الاشتراكية الرأسمالية. فلدينا أولا منظومة سياسية ثقافية متبادلة التأثير تشكل نظاما دوليا فرعيا، بما يسوغ التساؤل عن احتمال انفراد بلد واحد منها بتغير أساسي في تنظيماته السياسية والثقافية والرمزية. وبينما قد نتشكك اليوم في اتجاه محدد للتاريخ، محلي أو عالمي، إلا أن اضطراب أحوال العالم الإسلامي وافتقاره إلى الاستقرار، وسط عالم تنحو تنظيماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية إلى التقارب من وراء تعدد الثقافات، يشير إلى حاجته (العالم الإسلامي) إلى نظام سياسي وثقافي مبتكر وأصيل، يمكّنه من ضمان المساواة والحرية والاستقرار في دياره والتفاعل الإيجابي مع العالم من حوله. ليست هذه التطلعات غاية التاريخ، لكنها أفق لا بديل عن التوجه نحوه كي يكتسب تاريخنا المعاصر معقولية وتماسكا. والاختلاجات العنيفة والمؤلمة جدا التي يعاني منها العالم الإسلامي (استخدم التعبير بمعنى وصفي أو إشاري، لا بمعنى معياري ولا بمعنى ماهوي) قد تشير إلى الحاجة إلى أن تناقضات تفاعل مجتمعاتنا مع عالم اليوم لا مجال لحلها إلا في تاريخ جديد، مختلف كليا عن ما ألفنا خلال القرنين الماضيين. ونعتقد في هذا السياق أن الطرح العلماني الشائع لا يفي بالحاجة النظرية والعملية إلى استيعاب التمخضات الراهنة والمتوقعة، السياسية والروحية والنفسية والأخلاقية والمتصلة بقضايا الهوية..، ولعل مصدر قصوره هو تصوره أن الفصل بين الدين والدولة مسألة عملية فحسب، سياسية أو قانونية أو حتى إجرائية. سنقول في مقال آخر إن العلمانية دون إصلاح ديني هي بمثابة وضع العربة أمام الحصان، أما هنا فسنتطرق إلى بعد مهمل من النقاش في مسألة الدين والدولة، البعد الجيوثقافي، أو إن شئت الجيوديني: هل يمكن قيام نظام علماني في بلد واحد؟ الإسلام نظام دولي جوابنا المبدئي أقرب إلى التحفظ والنفي. ونقدر أنه إما أن يتقلقل أو حتى ينهار النظام بسرعة بتأثير حصار داخلي وخارجي، من محيطه المتآلف دينيا وثقافيا ومن مجتمعه ذاته؛ أو أنه سيحيط نفسه بأسوار أمنية داخلية، وربما بارتباطات حضارية وأمنية لا تتوافق مع مقتضيات الحرية الدينية والمساواة الحقوقية والسياسية بين مواطنيه، فضلا عن تفاعله الإيجابي مع العالم. فإما دولة بوليسية، أو دولة تجنح إلى علمنة كيانها وليس نظامها السياسي وحده كما هو حال تركيا المعاصرة. وفي الحالين ليست هذه هي العلمانية كما عرفت في أوروبا. هذا لأن الإسلام المعاصر واقعة دولية وإقليمية، وليست شأنا إيمانيا فحسب. وكان إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي بمبادرة سعودية عام 1969 على شكليتها، و”الجهاد الإسلامي” الأممي ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وتكون منظمة القاعدة كوريثة لذلك الجهاد وكنموذج لأممية إسلامية محاربة، وموجة “الجهاد” الحالية في العراق،.. كانت مؤشرات على تدويل الإسلام، أو تكوّن نظام دولي إسلامي متفاعل، يتعذر أن تستقل إحدى دولها بنفسها وتختط نهجا مستقلا كثيرا. ولهذا النظام “فروع” في مختلف بلدان العالم تحاكي بصورة ما الأممية الشيوعية. بلى، حصل مثلا أن انفرد اليمن الجنوبي عن محيطه في نظامه السياسي والإيديولوجي والرمزي، لكنه احتاج من أجل ذلك إلى الالتصاق بالاتحاد السوفياتي وخططه. وتنفرد تونس عن محيطها بنظام علماني أكثر من غيره، لكن فيما عدا أن هذا النظام تأسس مبكرا، وكان مؤسسه هو ذاته قائد حركة الاستقلال التونسي عن الفرنسيين، ولعله أضحى مكونا أصيلا للوطنية التونسية، فإن نظام تونس السياسي يعرض غير قليل من سمات الدولة البوليسية، ويظهر تحسبا شديدا حيال تعبيرات التدين الرمزية وليس السياسية فقط. إسلام غير قابل للانفصال عن الدولة .. والإسلام الذي “أفرزته” هياكل الأممية الإسلامية تلك سياسي ومحارب وعلى عداء جذري للعلمانية. وتاريخ تكونه يختزن عداوة عنيفة لحركات التحديث الاجتماعي والثقافي والسياسي في العالم الإسلامي. ومعلوم أن السعودية كانت مركز الأممية الإسلامية حتى عام 2001، وأن الإسلام المتشدد هذا كان من أدوات سياستها الخارجية ضد كل من القومية العربية والشيوعية. على أن العائق ضد العلمانية ليس هذا الإسلام الأممي المحارب فقط، وإنما كذلك حال التفكير والتدين الإسلامي النزاعة إلى المحافظة والتشدد، وغير المؤهلة لاتخاذ مبادرات فكرية وسياسية كبرى وانعطافية. هذا يتصل على الأرجح بالأوضاع المتردية للعالم الإسلامي على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والاستراتيجية، الأوضاع التي تدفع نحو تغذية التشدد والاعتصام بالدين فيبدو التجديد مروقا والانفتاح تفريطا. والعلمانية كفرا. في حاله اليوم، “الإسلام” لا يقبل الانفصال عن الدولة. وفصله عنها بالقوة وحدها سيكون علاجا مؤقتا ومضادا للمقصد العلماني ذاته، أي كفالة الحريات الدينية والمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن عقائدهم. هل يمكن تطوير إسلام قابل للانفصال عن الدولة؟ نفترض أن هذا غير ممتنع. وهو ما ينتظر أن تتولى القيام به حركة إصلاح الإسلام. وكنا أشرنا في مكان آخر إلى أن المضمون الجوهري للإصلاح الإسلامي هو أن “لا إكراه في الدين”، وقلنا إنه يقتضي تقوية شخصية الدين والسلطة الدينية كي تستقل بنفسها وتعمل هي بالذات على الانفصال عن الدولة. وليس حال التفكير والتدين الإسلامي المنكفئين شأنا عقليا يواجه بالحجج والبراهين المقنعة. ويمكن أن تتمادى المناقشة الراهنة حول ضرورة العلمانية ونقد الإسلامية المعاصرة حتى يوم القيامة دون أن تتمخض عن شيء مثمر. وأخمن أننا بحاجة إلى تجربة تأسيسية كبرى لتدشين تاريخ جديدة تنتظم فيه العلاقة بين الدين والدولة على أسس مختلفة. ولا تبرأ التأسيسات الكبرى في التاريخ من عنف ومآسي وكوارث، ولعلها تقتضيها. بيد أن تجارب كهذه ليست عقلانية (إنها مؤسسة للعقل)، ولا مجال لقول شيئا بصددها. شروط انعطاف ديني سياسي نرتب على ما سبق أنه في الشأن العلماني (وفي شؤون أخرى كثيرة في الواقع) لا تصلح الدول القائمة وحدات تحليل، ولا حتى وحدات عمل نهائية. سيادة الدولة لا تسري على شؤون العلمانية والديمقراطية والإسلامية، إن كانت تسري على أي شيء. سورية أو العراق أو غيرهما ليست الأطر السياسية التي يكتفى بطرح قضية العلمانية فيها. ويبدو لنا أن نفتقر إلى شيئين كبيرين من أجل تحقيق انعطاف في تفكير الشأن السياسي الديني والنشاط بشأنه: الأول تيار فكري عريض يتماسك حول نواة صلبة من معرفة متطورة، فلسفية وتاريخية وسوسيولوجية، غير اختزالية وغير تلفيقية، حول قضايا الدين الإسلامي والدولة والمساواة والحرية؛ معرفة متسقة ذاتيا وبريئة من الاعتباط، لا تفسر جانبا من الواقع بإغفال جانب آخر منه، كما لا ينحاز التيار المتكون حولها إلى قيمة (المساواة مثلا) مقابل الدوس على قيمة أخرى، الحرية مثلا؛ ولا إلى الحرية مقابل إهمال العلم والتفحص العلمي والنقدي للعقائد وتاريخ الدين. هذا غير متاح. ما نحن على اطلاع عليه من أدبيات علمانية لا تستجيب لهذا المقياس كمعرفة ولا تبدو قادرة على تشكيل تيار فكري واسع ونشط. ولن تسهم الوصفات المختزلة والكتابات النضالية في حل أية مشكلة. ستكون فقط جزءا من المشكلة. الشيء الثاني هو حركة اجتماعية قوية، حاملة لنظام جديد للسياسة والدين، وتكسب معركتها بأن تتكون حولها أكثرية أو “أمة” جديدة. أي بلغة غرامشي، وإن بمعنى مختلف بعض الشيء، حركة مهيمنة. نعني في الواقع حركة يكون حل المشكلة الدينية السياسية نابعا من تكوينها وتعريفها. فهي بهذا المعنى، وبه فقط، مهيمنة. ومن نافل القول إنه ليس ثمة قوى مهيمنة في مجتمعاتنا. بل إن ما نسميها “أزمة الهيمنة” هي ما تفسر في آن وفرة العنف في حياتنا العامة، والطابع التبشيري والمجرد لدعاوينا الفكرية. فبتعريفها تحل الحركة المهيمنة مشكلة العنف لكون نموذجها المتفوق يحوز على رضا واسع وتتكون حوله أكثرية كبيرة بفعل تفوقه وحده؛ وهي كذلك تحل مشكلة التبشير المضني بأفكار وتيارات ومذاهب، نعلم من خبرتنا في القرن العشرين أنه عملية شاقة وعقيمة ولا تعطي ثمارا مهما طال الزمن. والحال إن العنف والتبشير هما ما يتقاسمان العمل العام في بلادنا. وهما معا وجه واحد لأزمة الهيمنة. لكن كيف يمكن أن تتكون حركة اجتماعية مهيمنة وأصيلة؟ وكم من الاستثمارات المادية والفكرية والسياسية، ومن الزمن، لقيام حركة اجتماعية قوية، لا يقف في وجهها خصوم ذوو شأن؟ وما هي الشروط النفسية والمعرفية والتاريخية لنشوء تيار فكري عريض يستقطب أنبه العقول، ويبدع حلولا طريفة ومبتكرة لمشكلتنا الدينية السياسية العويصة؟ أيا يكن، لا نتخيل أن فكرا أصيلا حول السلطة والإسلام يمكن أن يلتزم حدود البلدان والدول. فمن طبيعة الفكر أنه متحرك، ومن طبيعة الفكر الأصيل أنه تركيب، وإن يكن تركيبا تم تمثله وإنضاجه على مهل. ويبدو أن الحلول المبتكرة لمشكلة العلاقة بين الإسلام والدولة لما تولد بعد، تحتاج إلى وقت وصبر. فإن ولدت يوما فالأرجح أنها ستكون ثمرة تفاعل بين أفكار مثقفين مسلمين من شتى البلدان التي يعيش فيها مسلمون. لما تولدْ أيضا حركة اجتماعية تاريخية يتضمن تكوينها ذاته مقاربة أصيلة للمشكلات المعنية وتتكون حولها تلقائيا أكثرية كبيرة. هذا أيضا يحتاج إلى وقت. عدونا اليوم هو التعجل، وهو العدو الذي لا نستسلم إلى غيره من فرط جزعنا. نحن متأخرون كثيرا منذ الآن، فلنتأخر أكثر قليلا. أين المشكلة؟ هل سيكون الحل الذي قد نبلوره يوما هو علمانية الفصل بين الدين والدولة؟ هل ثمة قيمة لذلك؟ هناك قيمة كبيرة للاسم فقط لأن المسمى يفوتنا. إن أحرزناه يوما فسيولد اسمه معه. لا داعي للقلق. ولا للاستعجال. ولعل من شأن التدرب على التفكير من وجهة نظر المستقبل، أن يخفف عنا وطأة الجزع الذي لا يفتأ يعمق انغرازنا في حاضر مقيت. ولا تصلح حتى التشنجات والتفجرات التي تتناوش بلداننا المشرقية اليوم برهانا على نفع الجزع ووجوب الاستعجال. ستأخذ الأمور مسارها، وقد يكون تحلل تركيبات عقلية واجتماعية وسياسية شرطا للحل، أي لنشوء تركيبات جديدة أكثر اتساقا وأجدر بالحياة. وقد تتولى القياد حكمة التاريخ حيث لا تفيد الحكمة البشرية. وقد يأخذ التحلل شكلا عنيفا. ولعله يأخذه اليوم. ومن المناسب، في هذا الخصوص، أن نعمل على تحرير أذهاننا من موقف تحريمي حيال العنف، قد يكون انبثق من شعور بالإثم تولد عن إخفاق الشيوعية والقومية العربية، وقد شكلتا وعي أكثر المثقفين من جيلنا، وكانتا لا تهابان العنف. ليس فقط لن نحقق شيئا ونحن نستبطن موقفا كهذا من العنف، بل الأرجح أننا لن نفهم شيئا كذلك. هذه ليست دعوة للعنف أو ثناء عليه، إنها رفض للسذاجة ودفاع عن الحق في الفهم. أما الغرض من التركيز على دور الفكر فهو “الاتساق”، صوغ تصور منظم حول المشكلة الدينية السياسية، يتيح للثقافة استيعابها وتملكها وتطويرها. والغرض من الحركة الاجتماعية المهيمنة إنجاز شيء مماثل على الصعيد السياسي والاجتماعي العملي. فلطالما كان تاريخنا غنيا بالقوة المتفجرة نشاطا وعزما وعنفا، وفقيرا بالأشكال الفكرية والسياسية المنظمة. ولطالما وقعت عقولنا ضحية اعتباط لا مخرج منه، وسياستنا أسيرة عنف لا ضوابط له. علمانية إسلامية؟! هل يمكن الكلام على علمانية إسلامية؟ صيغة إسلامية للعلمانية؟ السؤال مهم لأن المطلوب أن يكون ثمة علمانية في بلادنا لا أن تكون بلادنا في العلمانية. أعني أن تتعلمن دولنا كنظم سياسية أو مؤسسات حكم، وليس بالضرورة ككيانات سياسية تاريخية. أي دون المجازفة بقطيعة شاملة مع تاريخنا القديم، تبدو نظيراتها في بلدان أخرى مقترنة بالاستبداد لا بالحرية. سيجيب بالسلب على السؤال طرفان، يتشاركان الاعتقاد بأن العلمانية ودين الإسلام متناقضان بالمطلق، الآن وفي كل آن: الإسلاميون القائلون إن الإسلام دين ودولة، وإن فصل الإسلام عن الدولة يبتره كدين؛ وعلمانيون يرون أن هناك علمانية واحدة متماثلة مع ذاتها في كل آن وحيثما كان. يبدو لنا الموقفان غير سليمين على حد سواء. فالإسلام دين، وارتباطه بالدولة تاريخي وجائز، ولا ينبع من مفهومه بالذات. وانفصاله عن الدولة لا يمس تكامله، بل بالعكس يفتح باب تحرره من الأسر السلطاني الذي منعه من التنفس المستقل طوال تاريخه تقريبا. ستكون هناك صعوبات دون استقلال الإسلام وانتصابه على قدميه لأن الإسلام كان مستتبعا للسلطات في أغلب تاريخه مقابل جزية ولاء رمزي تدفعها هذه له، لكن الخوف من الاستقلال سيبقيه مصابا بالكساح مثل طفل لا يتعرض للشمس. ومن جهة أخرى، ليست العلمانية متماثلة في كل مكان وكل وقت. إنها تختزن تاريخا خاصا وصراعات مختلفة وتسويات متفردة في كل بلد، وهي بنت تاريخ ميلادها النوعي أكثر مما هي بنت مفهومها المجرد. بيد أنه لا غنى عن انفتاح على الكوني، وهذا لا يتأسس على غير النواة الصلبة لمفهوم العلمانية، أي استقلال الدولة عن الدين وقيامها بالنصاب السياسي كشأن بشري ودنيوي وغير مقدس. والأساس الواضح الذي تقوم عليه العلمانية في كل مكان هو أن السيادة والقيادة ليست للدين أو لأهله، إنها للأمة أو للشعب أو للدولة، وهو ما لا يمس استقلال الدين الذاتي التام. على أن استدامة الفعل التمزيقي للحركات الجهادية الإسلامية سنوات أو حتى عقودا قادمة، وهذا أمر غير مستبعد، وبالتضافر مع جمود ومحافظة التيارات الإسلامية الأخرى وعجزها عن التجديد الفكري والرمزي والفقهي، قد يثير رد فعل عنيف ضد الإسلام ذاته لدى قطاعات واسعة من مجتمعاتنا. وبالخصوص الطبقات الوسطى والمتعلمة. وهذا أيضا ليس أمرا مستبعدا. فالموجة الإسلامية الراهنة تاريخية، وستخمد دونما شك كما شبت. وإخفاقها في فتح آفاق ثقافية وسياسية أرقى أمام مجتمعاتنا لن يزداد إلا وضوحا. وقد يولد هذا وضعا أتاتوركيا، يدفع نحو علمنة كيان الدولة وليس نظامها وحده. هل هذا تطور مرغوب؟ قد يكون محتوما. ويغدو مرغوبا حين لا مناص منه. هنا أيضا يتعين أن نفكر من وجهة نظر المستقبل. وقد يثبت في النهاية أن علمانية في بلادنا غير ممكنة إلا كحصيلة لعلمنة بلادنا ذاتها، أي قطيعة واعية مع تاريخها السياسي الديني السابق. إصلاح ديني؟ دون استقرار مجتمعاتنا على أسس ثقافية وسياسية واجتماعية ذاتية الإصلاح الكثير الكثير من الجهود الشاقة والأوقات العصيبة. ونقدر أن أبرز عناوين هذا الكثير هو الإصلاح الديني. فإذا كانت العلمانية متعذرة في بلد واحد فليس فقط لأن الإسلام نظام دولي، وإنما كذلك لأن تصور الإسلام والثقافة الإسلامية لما يستوعبا عملية إعادة هيكلة للإسلام حول الحرية الدينية ونفي الإكراه ووعي الدين في التاريخ. وقد يلزم مزيج من إخفاق الإسلاميين وجهد فكري تجديدي، ديني وسياسي، من أجل تطوير إسلام قابل للاستقلال عن الدولة والقانون. ولا يمكن لحركة الإصلاح الإسلامي التي يفترض أن تستجيب لتلك التطلعات أن تكون محلية أو تبقى محلية إن كتب لها أن تنجح. فإن قامت يوما، ولا بد لها أن تقوم، فستكون قد حلت مشكلة العلمانية مبدئيا. ووقتها سيكون الحكم الديني هو ما يستدعي العنف كي يقوم أو يبقى. (المصدر: موقع الأوان تصفح يوم 13 جويلية 2007)
المنصف ذويب يروي خلافه مع لمين النهدي من 1995 إلى 2007
الخلاف ليس «عراكا» شخصيا بل هو صدام بين عقليتين مختلفتين
تونس ـ الصباح «ما كنت أتمنى أن اكون على خلاف مع لمين النهدي او غيره من المبدعين لكن وقد حصل ذلك لا بد من الدفاع عن مبادئي وحقوقي وان طال الزمن».. هكذا بدأ المخرج المنصف ذويب حديثه معنا عندما زارنا صباح امس ليقدم لنا المزيد من التفاصيل حول خلافه مع الممثل لمين النهدي والذي امتد على طول خمس سنوات قبل ان تصدر المحكمة حكمها في هذا الخلاف لفائدة المنصف ذويب الذي اضاف انه وجد نفسه مضطرا لمثل هذا الذي قام به دفاعا عن حقوقه. أصل الحكاية وبعد ان عرض نسخة من اصل الحكم في خلافه مع لمين النهدي حول مسرحية «في هاك السرودك نريشو» انطلق المنصف ذويب في سرد مختلف مراحل هذا الخلاف: قال المنصف ذويب: ـ لو عدنا الى أصل الخلاف لوجدنا ان عدم جاهزية لمين النهدي في التعامل مع النجاح والشهرة والمال من اسباب هذا الخلاف. فقد سبق ان كتبت اول نص مسرحي من نوع (الوان مان شو) وهو (المكي وزكية) وانطلقت مع لمين النهدي في اعداده بشكل طبيعي وبكل جدية على اعتبار عمق الصداقة التي تربط بيننا علما وانه سبق ان كتبت له ايضا (ولد الناس) و(وكر النسور) لتأتي مسرحية (المكي وزكية) عام 1993 كأول مسرحية (وان مان شو).. هذا العمل الكوميدي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا وقد استبشر الجميع بميلاد ثنائي ابداعي الكاتب والمخرج المنصف ذويب والممثل لمين المهدي.. وهذا التكامل حقق النجاح والشهرة والمال. صمت المنصف ذويب لحظات قبل ان يواصل: ـ «… وفجأة انقلب طرف على الآخر.. انقلب لمين النهدي على المسرحية ماليا بعدم دفع مناب المؤلف والمخرج مستحوذا على كل المداخيل لنفسه وانقلب فنيا على المسرحية من ذلك انه بعد ان كانت تتوفر على 94 مؤثرا صوتيا وضوئيا تم النزول به الى 8 فقط.. وبعد تحولت الـ50 شخصية مختلفة المعالم والراقية التي كتبتها الى شخصيات ريفية «شعبوية» امام هذا الانقلاب الفني والمالي اجبرت على استصدار حكم استعجالي عام 1995 لمنع مسرحية «المكي وزكية» من التداول بين العموم وكان هذا الحكم الاول من نوعه في ميدان الملكية الادبية والفنية وحماية حقوق التأليف.. لكن ايقاف المسرحية كان هو المعضلة التي قادت الى القضية الثانية: كيف ذلك؟ أجاب المنصف ذويب: «حين توقفت المسرحية وجدنا انفسنا امام خبز من «البلاستيك» لا يؤكل كان السؤال: كيف ومن أين سيدفع لمين النهدي المبالغ التي حكمت بها المحكمة والحال ان مورد الرزق وهو المسرحية تم ايقافه.. هنا جاء عقد الصلح المعروف الذي ينص على الآتي: ـ «أنا المنصف ذويب المؤلف والمخرج أتنازل عن منابي من مداخيل المسرحية التي سبقت صدور الحكم». وامضيت عقد عمل جديد مدته سنتين يجبر ويلزم لمين النهدي بتقديم 100 عرض لـ«المكي وزكية» وبعد العامين والمائة عرض اعتبر نفسي قد تحصلت على كل مستحقاتي وعادت حقوقي الادبية وأبوتي للنص وتمت هذه العملية وهكذا استرجعت نصيبا لا بأس به من أموالي. وتم ـ والحديث للمنصف ذويب ـ في عقد المصالحة اضافة بند الزامي يقول في صورة ان «المكي وزكية» التي استغلت كثيرا لم تعد قادرة على الايفاء بـ100 عرض يلتزم لمين النهدي بالتمثيل في مسرحية جديدة من تأليفي واخراجي عنوانها «فلوس الشعب» وتم امضاء عقد منفصل في هذه المسألة. ونجحت «المكي وزكية» في الايفاء بما وقع الالتزام بع واكثر.. وتلبية لرغبة الجميع دون استثناء من اصدقاء ومبدعين تحولت صحبة لمين النهدي الى مرسى القنطاوي لاعداد المسرحية الجديدة «فلوس الشعب».. أنا المؤلف والمخرج كما نص العقد.. ولمين النهدي الممثل الوحيد وابنه محمد علي موظب النور الذي لازلت احتفظ بعقد عمله معي. لمين النهدي ينقلب مرة أخرى … لكن كما اشار الى ذلك المنصف ذويب انقلب لمين النهدي مرة اخرى فقام بتسجيل النص باسمه يوم 31 جانفي 2001 لدى المؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين بعنوان جديد «في هاك السردوك نريشو» مستحوذا على هذا العمل نصا واخراجا. وظهرت المعلقات الاشهارية لمسرحية «في هاك السردوك نريشو» تأليف لمين النهدي اخراج محمد علي النهدي كما ظهر على الصورة هو وابنه وذلك في صائفة 2002 وفي هذه المرة اجبرت على العودة مرة اخرى الى العدالة وتم ذلك بعد الاتصال بادارة المسرح ولجنة التوجيه المسرحي وجمعية حقوق المؤلفين وقد طلبت منهم التدخل لتطويق الخلاف وايجاد حل داخلي قبل اللجوء الى العدالة فكان جوابهم بتقديم تأشيرة العرض الى لمين النهدي وبرمجة المسرحية في مهرجاني قرطاج والحمامات بمعدل عرضين لكل مهرجان وقالوا لي ايضا: نحن لا نتدخل في هذا الشأن سنبقى على حياد واذا كان لديك حق فاطلبه من العدالة. الحكم بعد 5 سنوات وواصل المنصف ذويب حديثه الينا: «رفعت امري الى القضاء. ودامت القضية 5 سنوات من 2002 حتى 2007 استوفت فيها المحكمة كل الاجراءات القانونية وجميع التحريات اعطت المدعي والمدعى عليه الفرص لتبيان حقوقه بما في ذلك الاستماع الى الشهود الذين اقترحهم لمين النهدي وصدر في عام 2005 حكم تحضيري عينت فيه المحكمة خبيرا محاسبا للاطلاع على مداخيل المسرحية في المهرجانات ودور العرض لتحديد مناب المؤلف الذي يعتبر المالك الشرعي للمصنّف محل النزاع ثم اصدرت يوم 19 مارس 2007 الحكم التالي: «قضت المحكمة ابتدائيا باعتبار المصنّف موضوع النزاع ملكا للمدعي والاذن للمؤسسة التونسية لحماية حقوق المؤلفين بالتشطيب على تسجيله لفائدة المدعى عليه تحت تسمية «في هاك السردوك انريشو» بتاريخ 31/01/2001 والزام المدعى عليه بان يؤدي للمدعي المبالغ المالية التالية: ـ ثلاثمائة واربعين الفا وثلاثمائة واربعة وثلاثين دينارا و800 مليما (800ر334ر340د) لقاء منابه من مداخيل استغلال المصنف. ـ ألف دينارا (000،000،1د) لقاء أجرة الاختبار المأذون به. ـ مائتين وخمسين دينارا (000،250د) لقاء اتعاب تقاضي واجرة محاماة معدلة. وحمل المصاريف القانونية عليه بما في ذلك اجرة رقيم الاستدعاء البالغة ثمانية وسبعين دينارا و910 مليم (910،78د) ورفض الدعوى فيما زاد على ذلك وقبول دعوى المعارضة شكلا ورفضها اصلا». ما بعد الحكم الآن وقد صدر الحكم لفائدته ماذا يقول المنصف ذويب؟ ـ «أقول ان للخصم كل حقوق الاستئناف واللجوء الى كل ما يسمح به القانون في البلاد واؤكد انني لا اعارض عرض مسرحية «في هاك السردوك نريشو» بل أشجع المهرجانات على برمجتها وأشد على يد لمين النهدي للعمل والمثابرة لانه خلافا للمكي وزكية التي تم ايقافها فالمحكمة تضمن منابي عند عرض «في هاك السردوك نريشو» وأدعوه ان يطلب المعذرة من جمهورة كل ليلة يصعد فيها على الركح. … وبعد ان صمت لحظات واصل المنصف ذويب: «أؤكد ان خلافي ليس (عراكا) بين شخصين.. هو صدام بين عقليتين مختلفتين عقلية تنتصر للقانون والمبادئ وحقوق التأيف وعقلية ترى انها اعلى من كل هذا. «المكي وزكية» و«فلوس الشعب» في كتابين وختم المنصف ذويب هذا اللقاء معه بالاشارة انه سيصدر خلال الايام القليلة القادمة نص «المكي وزكية» ونص «فلوس الشعب» في كتابين منفصلين الى جانب كتيب آخر يوثق لخلافه مع لمين النهدي من خلال الصحافة الوطنية.
( المصدر صحيفة” الصباح ” (يومية تونسية) بتاريخ 13 جويلية 2007 )
المسجد الأحمر!!
بقلم: برهان بسيّس انتهت أزمة المسجد الأحمر في باكستان بمجزرة هادئة راح ضحيتها أكثر من خمسين قتيلا في مشهد طغى عليه تقاطع الرصاص بالدّم والأفكار السوداء ضمن عيّنة بسيطة ممّا يمكن أن نتخيّله في حالات التسامح أو القبول باللّعب مع التيارات الأصوليّة المتشدّدة. مسجد يتحوّل إلى مدرسة ثمّ إلى ثكنة ثمّ إلى معسكر طلاب يتأبّطون الرشّاشات والبنادق وصومعة المسجد تطلق صراخ الأئمّة وهم يدعون طلاّبهم إلى الانتحار، مع احترامي لباكستان وخصوصية مجتمعها ولكني كلما عاينت صورا آتية من هذا البلد بجامعاته ومساجده ومظاهراته الغاضبة وجماعاته الإسلامية إلاّ وتملّكني شعور بالخوف من هذا النموذج والاطمئنان لنجاتنا بالتموقع بعيدا عنه بدءا بالجغرافيا وصولا إلى طبائع المجتمع والبشر. لا أكاد أفهم كيف تصل الأمور إلى هذا المستوى من الاختراق الظلامي لمجتمع فشل في أن يحمي هويّته الإسلامية التي قامت عليها شرعية الدولة الناشئة بالانفصال عن الشطر الهندي من الوقوع في قبضة جماعات أصولية ظلامية من كل لون وفصيل؟! تشابك الأسباب في الوصول إلى هذا المآل الذي انتهى إليه بلد علي بوتو بدءا بالنشأة المعقّدة مرورا بلعبة تحالفات المؤسسة العسكرية وامتداداتها الداخلية والإقليمية وصولا إلى مناورات التوظيف الدولي الموجّهة أمريكيّا منذ حقبة الحرب الباردة لجعل باكستان خطّ الرقابة الأمريكي للتمدّد الشيوعي الأحمر ثم لاحقا محطة التجنيد والتعبئة والعبور للمواجهة العسكرية المحمومة ضد الوجود السوفياتي في أفغانستان، كل ذلك وغيره ساهم في نحت الصورة الحالية المضطربة لما يبدو أنه العاصمة المركزيّة غير معلنة أو المصنع الرئيسي للصناعة الثقيلة للإسلام الأصولي المتشدّد. من رأى مشهد طالبات المسجد الأحمر المتوشحات بالسّواد من أعلى الرأس إلى أسفل القدم مدّججات بالعصي والحجارة من فوق السطوح وكأنهنّ سرب من الغربان السود ثم من استمع إلى نداءات الصومعة للقيام بعمليات انتحارية يقف بدهشة على حجم الكارثة التي تواجه عالمنا العربي والإسلامي أمام المدّ المُرعب لتيّار الموت والانتحار المُوزّع على كينونات بشرية مقسّمة بين انتحاريين معلنين أو انتحاريين كمشروع للمستقبل. يبدو أن أمر التفكير في هذه الكارثة لم يعد يحتمل المعالجات التبسيطيّة الجاهزة في شكل قوالب معدّة سلفا لتقديم كل الإجابات على كل الاسئلة. نردّ على الظلاميّة بالحريّة، نردّ على الخطر الأصولي بالتنمية، نردّ على تيار الموت بالقبضة الأمنية الموجعة، المعادلات متنوّعة ولكنّها تسقط دوما في فخّ تبسيطيّتها واختزاليّتها حين تقدم نفسها كوصفات جاهزة في جيب السياسي أو المثقّف. في مُواجهة الخصوبة القصوى لتيار الموت وبشارة الانتحار لا بُدّ من التفكير، لأن سياسة لا تُفكّر وثقافة لا تفكّر غير قادرتين أبدا على الصمود أمام الطوفان الذي يهدّد بجعل مجتمعاتنا بأكملها مسجدًا أحمر!!! (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 12 جويلية 2007)
من إعادة إنتاج العقل الخارجي إلى العبث المأساوي
د. بشير موسي نافع (*) لا أحد يعرف علي وجه اليقين ما إن كانت للقاعدة علاقة مباشرة بمحاولات التفجير التي شهدتها بريطانيا قبل أسبوعين. مسؤولية القاعدة المباشرة أو عدمها ستتضح عند نهاية التحقيقات. ولكن العقلية التي يبدو وقوفها خلف تلك المحاولات هي ذات العقلية القاعدية، والسلوك لا يختلف كثيراً. تأكدت المسؤولية المباشرة أو لم تتأكد، فهناك مسؤولية من نوع آخر، مسؤولية نشر هذه الثقافة العدمية والتشجيع عليها. أما لرؤية المسؤولية المباشرة للقاعدة، فليس من الضروري الذهاب في البحث بعيداً. إذ بينما فشلت عمليات التفجير في بريطانيا، نجحت أخري في موقع مأرب اليمني، مودية بحياة عدد من السائحين الأسبان ومواطن يمني. وفي العراق، تخوض الوحدات التابعة للقاعدة منذ زمن حرباً ضد عموم الشعب العراقي، شيعة وسنة، علماءً وعشائر. وقد تطورت هذه الحرب مؤخراً إلي مواجهة استئصالية مع كافة قوي المقاومة الرئيسية الأخري. مرتبطون بالقاعدة يرتهنون مخيم نهر البارد في الشمال اللبناني، وفي صراع دموي بينهم وبين الجيش، يتحول المخيم إلي ركام. وفي فلسطين، تقوم عناصر مماثلة أخري باختطاف صحافي بريطاني، عرف بتقاريره الأكثر إنسانية عن الحياة الفلسطينية، لشهور طوال. وفي الوقت نفسه يطلع الزعيم الثاني في القاعدة، السيد أيمن الظواهري، في شريط طويل من توجيهاته المتكررة، ينتقد حركة حماس الفلسطينية ويتهمها بالتخلي عن الشريعة الإسلامية، ويحث الشباب المسلم علي إطاحة أنظمة بلادهم، ويدعو إلي ضرب المصالح الغربية في العالم الإسلامي. هذه بالتأكيد مؤشرات علي وضع مأساوي، يقتل فيه البشر من كافة الخلفيات الدينية، بلا حساب؛ يخطفون فيه بلا مسوغ ولا مبرر ولا معني؛ يطاح فيه بأمن وسلامة واستقرار أقليات إسلامية تقدر بعشرات الملايين؛ تؤجج فيه الانقسامات الطائفية بلا نظر إلي العواقب والمآلات؛ ويقوض فيه حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي. ولكن هذه أيضاً مؤشرات علي مستوي العبث الذي انحدرت إليه العقلية المؤسسة لهذا الوضع. كما النموذج الخارجي في القرون الإسلامية الأولي، ما بدأ راديكالية سياسية، واستدعاءً تبسيطياً للنصوص الإسلامية، ينتهي إلي حالة من العبث المأساوي، فكراً وسياسة. لم يكن الخوارج في أصلهم حفنة من الأشرار، كما قد يوحي الاسم الذي اختاره لهم عموم الأمة؛ كانوا ربما من أكثر المجموعات تمسكاً وحرصاً علي ما تصوروه ديناً. وقد بدأ خلافهم مع الإمام علي (عليه السلام)، كما هو معروف، حول مسألة التحكيم، التي عارضوها، معلنين أن صاحب الحق لا يجب أن يقبل عرض هذا الحق علي التحكيم. ويعتقد أن تقواهم هذه سبق وجعلتهم من الكارهين لقتال ضد معاوية وجيشه، وربما كان هذا التململ في صفوف الخليفة الراشد الرابع هو ما دفعه لقبول عرض التحكيم. في النهاية، خرجت المجموعات الرافضة للتحكيم عن صف علي، واكتسبت بذلك اسمها الشهير: الخوارج. تصور الخوارج أن النص القرآني نص مصمت، يفهم علي ظاهره، بدون النظر في السياق الذي يحكمه، في الدلالات اللغوية المركبة للعربية، في مقارنة الآيات المختلفة التي تتناول قضية واحدة أو قضايا متشابهة؛ وبدون النظر في سنة صاحب الرسالة وفهمه هو للنص القرآني، عندما يكون هذا الفهم متوفراً. قال الخوارج أن الحكم لله، وكأن الحكم الإلهي لم يتنزل علي بشر، وأن هذا الحكم لا يتأتي إلا من خلال الفهم البشري للأمر الإلهي. وتوصلوا، بالتالي، إلي الحكم بكفر كل من لا يحكم شرع الله، بغض النظر عما إن كان الأمر يتعلق بما هو مشروع من خلاف بين الناس، وما إن كان أمر الحكم يتعلق بصغير القضايا أو كبيرها. وقد بدأ ظهور الخوارج بتكفير من خالفهم من المسلمين، لا سيما معسكري الإمام علي ومعاوية، وقرارهم قتل الاثنين. وكان أن قام أحدهم بارتكاب جريمة اغتيال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، في واحدة من أبشع حلقات الفتنة الكبري. بيد أن تطرف العقل والسياسة لا سقف له؛ وسرعان ما اتسع نطاق تكفير علي ومعاوية ليطال من يقف مع أيهما، ومن يؤيد أياً منهما، ثم من لا يقوم بتكفيرهما، ومعهما الخليفة الثالث عثمان، الذي اعتقد الخوارج أن عهده كان المسبب لانقسام الأمة. وقد انطلق الرعب الخارجي الإيماني المسلح، ناشراً مناخ التمرد، ومستبيحاً دماء المؤمنين وممتلكاتهم، ومشيعاً الخوف والقلق وعدم الاستقرار في أنحاء بلاد الإسلام طوال ما تبقي من القرن الهجري الأول ومعظم الثاني. ولكن ما بدأ وكأنه رد فعل ضميري، تطهري علي حدث الفتنة الكبري الجلل، وقراءة متطرفة للنص الإسلامي المؤسس، بكل ما جاء به رد الفعل والقراءة من قتل ودماء، انتهي إلي حالة عبثية من الموت والاعتداء والاقتتال الداخلي. بين تفسير وتفسير، أخذت المجموعات الخارجية تنقسم علي نفسها، حيث التطرف يولد ما هو أكثر تطرفاً والاعتدال ينتج ما هو أقل اعتدالاً. ولم يكن غريباً أن يصبح التكفير سلاحاً للتعامل مع التباينات داخل المجموعات الخارجية، صغيرها وكبيرها، وأن يصبح الاقتتال وسيلة شرعية لحسم الجدل والاختلاف بين وجهات النظر. وسرعان ما دفع التشظي وخيبة الأمل المجموعات الخارجية إلي الابتعاد نحو الهوامش البعيدة والعسيرة لبلاد المسلمين، حيث ما كادت تنجح هذه المجموعة أو تلك في بناء يوتوبياها الخاصة حتي تندلع الخلافات المسلحة في صفوفها. ولعل الأثر الوحيد الباقي لهذه الحركة المدوية هو ذلك الذي تداخلت فيه الجغرافيا بالعصبية القبلية، والذي نجح في التخلص من الكثير مما وضع المجموعات الخارجية خارج جسم الأمة المسلمة. إن من السذاجة، بالطبع، تشبيه تيار العنف الإسلامي المعاصر بالخوارج. فبالرغم من بعض التماثل في المقولات والسلوك، فإن السياق والدوافع والأهداف والبنية الأيديولوجية للخوارج تختلف اختلافاً جوهرياً عن تيار العنف العابر للحدود. ليس ثمة مفهوم سياسي ـ أيديولوجي يمكن إعادة توليده كما هو في زمان آخر. ولكن التشابه بين النهايات في الحالتين قد لا يكون مبالغاً فيه، بأي حال من الأحوال. أخطأ الخوارج في قراءة الوضع السياسي الذي واجهوه، أخطأوا في فهم النص، وأخطأوا في قراءة حرص الأمة الجمعي علي الوحدة، حتي إن كان الثمن التضحية ببعض العدل. وعندما تراكم أمامهم الفشل مضوا إلي حالة من التدمير العبثي الوبائي. والعالم، والمسلمون فيه علي وجه الخصوص، يشهد الآن حالة مشابهة إلي حد كبير. كيف يمكن لشخصية إسلامية لم يعرف عنها الدراية بالشأن الفلسطيني، لم تنتهج نهجاً منذ عرفت في ساحة العمل الإسلامي إلا وخلص إلي الإخفاق، أن تنصب نفسها وصية علي القضية الفلسطينية، تقرر الأولويات كيف تشاء، تشجب هذا الطرف وتدين الآخر، ولا تري صواباً سوي اعتقادها هي؟ هذه واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في التاريخ الإنساني الحديث، وهذا صراع متصل منذ أكثر من قرن من الزمان، يمر الآن بواحد من أكثر منعطفاته حرجاً واشتباكاً. ولكن السيد الظواهري لا يري بأساً في أن يدلي فيه بدلوه، متطوعاً لفرقائه بنصائحه الثمينة. وفي الوقت نفسه، تعمل عناصر القاعدة، واصلة الليل بالنهار، من أجل اختراق الساحة الفلسطينية، وإضافة مزيد من الفوضي والتشرذم، حتي نجحت بالفعل في مسعاها. فهل ساهم المرتبطون بالقاعدة في المقاومة الفلسطينية، هل مدوا يد العون إلي مئات الألوف ممن يعانون الحصار؟ الإنجاز الرئيسي الأول للعناصر المرتبطة بالقاعدة في الساحة الفلسطينية كان خطف مراسل أجنبي، يقوم بعمله كعشرات المراسلين الآخرين في الضفة والقطاع، وربما أفضل من الكثيرين بينهم. ولا يختلف العبث التي تقوم به المجموعات المرتبطة بالقاعدة في فلسطين عن ذلك الذي تقوم به في مخيم نهر البارد في الشمال اللبناني. فما أن سمح أهالي المخيم لـ لمجاهدين البواسل بالإقامة بين ظهرانيهم، ما أن اطمأنوا لهم، حتي سارعوا إلي إطلاق حملة من نهب البنوك والاعتداء علي الجيش اللبناني، ومن ثم تحويل المخيم إلي ساحة حرب، جعلت منازل آلاف من أفقر اللاجئين الفلسطينيين في العالم حطاماً. في العراق، بدأت مجموعات القاعدة بطولاتها بشن حرب لا هوادة فيها علي عموم العراقيين، زارعين السيارات المتفجرة في الأسواق، في الأحياء السكنية، وأحياناُ في طريق تلاميذ المدارس. ومنذ أعلنت دولة القاعدة الإسلامية في عدد من المحافظات العراقية، التي لم تخف نية لتكريس انقسام البلاد، حتي أخذت في استهداف العشائر العربية وشيوخها وأبنائها، في فرض أهوج ومجنون لسلطة الدولة الوهم واستحواذها علي مقدرات الأهالي وممتلكاتهم. وبانقلاب العشائر ضد التعسف “الجهادي المزعوم، استدار أمراء القاعدة إلي قوي المقاومة الأخري لإخضاعها لسيطرتهم. وفي الحالتين، حالة الصدام مع العشائر وحالة الصدام مع المقاومة، كان الثمن باهظاً، ليس علي مستوي استباحة الحرمات وهدر الأرواح وحسب، بل وشق الصف الوطني العراقي أيضاً. بيد أن ليس ثمة مؤشر علي العبث ـ المأساوي الذي انحدرت إليه عقلية العنف العالمي كذلك الذي شهدته بريطانيا مؤخراً، حيث تجاوزت المجموعات القاعدية خطاً أحمراً آخراً في علاقتها بالمسلمين والعالم. خلال الفترة التالية لهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، مثل تجنيد شبان من أبناء الأقليات الإسلامية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة للقيام بأعمال إرهابية التجاوز الأول. وبتجنيد أطباء مسلمين، أبناء المهنة الأكثر دلالة علي الإنسانية والمشترك الإنساني، يكون الخط الثاني قد تم تجاوزه. لم يعد المسلمون محل شك وحسب، بل حتي أصبح الأكثر إنسانية بينهم محل شك أيضاً. وكما أصبح من العبث مجادلة دعاة العنف العالمي بلا جدوي الاعتداءات الهمجية علي المدنيين، مسلمين وغير مسلمين، للتعبير عن الغضب تجاه نظام حكم ما أو سياسة ما، فإن العبث وحده ما يمكن استدعاؤه لتفسير هذا الانتهاك لصورة وكرامة ومصير الأقليات الإسلامية في العالم الغربي. لقد باتت هذه العقلية وباء مدمراً لا ينبغي السكوت عليه. كما خرج المغاربة في مظاهرات حاشدة لإدانة الاعتداءات التي تعرضت لها الدار البيضاء علي أيدي هذه المجموعات، فقد بات من الضروري للمسلمين العاديين في المدن الغربية أن يخرجوا لإسماع صوتهم ضد هذا النهج المميت ومن يرتبطون به. هذه العقلية العبثية ليست خطراً علي المدن البريطانية وأرواح سكانها وحسب، بل هي خطر أيضاً علي كل أسرة مسلمة، علي عقل الأبناء، وعلي ثقافتهم، وعلي مستقبلهم، كما علي حياتهم. (*) باحث عربي في التاريخ الحديث (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 12 جويلية 2007)
الغرب يكرّم سلمان رشدي ويسجن المؤرّخ ديفيد إيرفينغ
يحيي أبوزكريا أصبحت الجوائز الأدبية والثقافية في الغرب خاضعة جملة وتفصيلا للأبعاد الإيديولوجية للكتلة الغربية القائمة علي أساس إستعداء الحضارة العربية والإسلامية والتي يري فيها المنظرّون الغربيون أهمّ منافس شرس للحضارة الغربية وأبعادها، ومن هذا المنطلق يثمنّ الغرب كل الغرب أي رواية أو مسرحية أو قصة أو قصيدة شعرية أو لوحة تشكيلية سوريالية كانت أم طبيعية علي أساس قربها من منطلقات الأنماط الفكرية الغربية. ومنذ بداية المحافل الثقافية الغربية بتوزيع جوائزها الدسمة أحيانا لم ينل هذه الجائزة كتّاب عرب ومسلمون يحملون عنوان المواطنة الغربية ولديهم موقف مسبق من الحضارة الغربية أو الحركة الإستعمارية الغربية الراهنة والماضية، رغم أنّ هناك جيلا من الكتاب الغربيين من أصول مسلمة يعيشون في الغرب ويكتبون الروائع لكن لم يحظوا بأي جائزة بسبب إبرازهم لهموم عربية أو إسلامية في منتوجهم الفكري، وعلي عكس هؤلاء فإنّ الذين كتبوا في الغرب منتقصين من شأن الحضارة الإسلامية وتناولوا الرموز الإسلامية بكثير من التطاول باتوا بين عشية وضحاها من حملة الأوسمة والنياشين والشهادات التقديرية والدكتوراه الفخرية.. بل إنّ الغرب لم يحرم الحريصين علي إبراز هويتهم وإنتمائهم الحضاري في أدبهم المكتوب باللغة الغربية وبإبداع شديد، بل لاحق حتي الغربيين الذين إختلفوا مع المسلكية الحضارية لهذا الغرب، فبريطانيا التي أعطت وسام الفارس للكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي صاحب رواية آيات شيطانية لاحقت المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ الذي حكمت عليه محكمة نمساوية بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب موقفه من المحرقة اليهودية الهولوكست وقد تعاونت بريطانيا والنمسا في إصدار هذا الحكم علي قاعدة القانون الأوروبي الموحّد القاضي بتعقّب كل مفكر وكاتب يشكك في المحرقة ويدعو إلي مراجعة التاريخ بهذا الخصوص. والعجيب أن ديفيد أرفينغ وعندما أحضر إلي المحكمة النمساوية بالقوة جيء به وهو مقيّد اليدين علي غير عادة المحاكم الأوروبية وللإشارة فإنّ أحكاما قد صدرت في حقّ إيرفينغ سابقا في بريطانيا وألمانيا ومُنِع من الإقامة في نيوزيلندا. وكان إيرفينغ قد ألف عدة كتب مثيرة للجدل أهمها ما تعلق بموضوع الهولوكوست الذي صدر في عام 1977 بعنوان حرب هتلر . وبالتأكيد فإنّ أرفينغ لو تهجمّ علي حركة حماس وعلي رسول الإسلام والحضارة الإسلامية في المطلق لكان مجاورا للمكلة اليزابيث التي منحت وسام فارس لسلمان رشدي والذي وبإعتراف النقّاد البريطانيين لا يرقي أدبه إلي مستوي كبار الأدباء البريطانيين بل إنّ الرفعة التي حصل عليها في الغرب تعود لموقفه من الإسلام ومن رسول الإسلام علي وجه التحديد، لأنّه وبعد روايته آيات شيطانية باتت المؤسسات الثقافية والإعلامية في الغرب تتهكم من الإسلام وتدعّي أنّ رجلا من أصول مسلمة وهو سلمان رشدي هو الذي دلّ الغربيين علي المثالب في الرسالة الإسلامية وصاحبها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وهو الذي أتخذ في وقت لاحق غطاء لكل المؤسسات التي إنبرت للإنقاص من شأن الحضارة الإسلامية وتسفيهها، وكثيرا ما يختفي الغربيون خلف الكتاب من أصول مسلمة ويدفعونهم للإدلاء بمواقف وتصريحات ضدّ الإسلام وقد لجأوا إلي هذه الإستراتيجية في معظم العواصم الأوروبية وقامت وسائل الإعلام بتسليط الضوء عليهم لإظهار مسألة تبرؤ المسلمين من إسلامهم في الغرب وبالتالي يحققون هدفين أولهما حمل المسلمين علي ترك إسلامهم مصدر قوتهم في العالم الإسلامي ودفع الغربيين لعدم الإهتمام بدين يهدد حريتهم وديمقراطيتهم كما يقول أبناء الملة الإسلامية أنفسهم، والغرض من ذلك وقف ظاهرة الأسلمة وسط الإنتليجانسيا الغربية وهي الظاهرة التي باتت تؤرّق حتي الأجهزة الأمنية في الغرب. وفي الوقت الذي كرمّت فيه السويد الكاتبة البنغالية مؤلفّة كتاب العار تسليمة نسرين والتي جاءت إلي السويد وحملت علي كل ما يمت بصلة إلي الإسلام والمسلمين بدءا بالشريعة الإسلامية ووضع المرأة المسلمة وخرافية العقل الإسلامي فإنّها سجنت مدير إذاعة الإسلام المغربي أحمد رامي بسبب إذاعته لما قيل أنّه معادي للسامية في السويد والغرب.. أما في سويسرا فقد أصدرت محكمة سويسرية أحكاما بالسجن علي الكاتب السويسري اللاجئ في موسكو يورغان غراف الذي أثارت مؤلفاته جدلا كبيرا في الغرب، وأتهمّ غير مرة من قبل حكومات غربية بمعاداة السامية، وحدث له أسوأ مما حدث للكاتب الفرنسي روجيه غارودي، وبعد أن وضع سلسلة كتب عن الهولوكست حكمت عليه محكمة سويسرية بالسجن لمدة سنتين فرّ علي إثرها إلي روسيا وطلب هناك اللجوء السياسي. و في الوقت ذاته إحتضنت سويسرا طارق رمضان الذي يطالب بإلغاء الشريعة الإسلام وعلمنة الإسلام بطريقة ترضي المزاج الغربي. وفي فرنسا ما زال القضاء الفرنسي يلاحق روجيه غارودي رغم مرضه العضال وروبرت فوريسون بسبب دعوتهما للمراجعة التاريخية ووضع حدّ لتحكّم اللوبي الصهيوني في مسار التاريخ الأوروبي المعاصر، وفي الوقت ذاته تكرّم الكاتبة آسيا جبار التي تبرأت التي تكتب وفق النكهة الفرنسية الفرانكفونية وتكرم محمد أركون الذي يقوم في موقعه في السوربون بإجراء عملية خلق إسلام أوروبي جديد ترضي عنه العقلية الغربية ذات الأساس الإستعماري….. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 13 جويلية 2007)
السودانيون في إسرائيل: مأساة أمة
د. عبدالوهاب الأفندي (1) في الجدال الدائر حالياً حول استيعاب مئات اللاجئين السودانيين الذين أخذوا يتسللون إلي فلسطين المحتلة، كتب صحافي إسرائيلي من أصل اثيوبي يؤيد موقف الحكومة من رفض استيعاب اللاجئين السودانيين، متعللاً في ذلك بما زعمه من أن بعض السودانيين أساءوا معاملته هو وبقية اللاجئين اليهود أثناء إقامتهم في السودان. ولا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل ما إذا كانت هذه الإدعاءات من كاتب يميني متعصب يقطر حقداً صحيحة، ولكن ما استوقفني هو الجملة التي ختم بها مقاله، حيث قال إنه لن يرد علي أي لاجئ سوداني بإساءة معاملة مماثلة، ولكنني سأقول له شيئاً واحداً: لقد تبدل الحال الآن، وقد أصبحت لاجئاً وأنا سيد . (2) هذا الاستعلاء والإزدراء، والقرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية بطرد كل اللاجئين السودانيين، يجسد المحنة المزدوجة لهؤلاء الذين اختاروا هذا المسلك الوعر. ذلك إنهم لم يستطيعوا التملص من هويتهم السودانية إذ بحثوا عن الأمان من الشقيق عند العدو. لقد كان خيار طلب اللجوء عند عدو يعرفون أنه لا يضمر خيراً لهم ولا لإخوانهم في الوطنية أو الدين إشكالياً في حد ذاته. ولكن أن ينتهي هذا التخطي لكل الحواجز الأخلاقية، ثم يتعرض طالبو اللجوء إلي سوء معاملة وإذلال يبدأ بالسجن، مروراً بالاستفزاز وتشبيه اللاجئين بمومسات أوروبا الشرقية كما فعل صاحب المقال المشار إليه أعلاه، ثم الطرد، فهذا أمر فيه الكثير من العبرة لمن يظن أن حقد العدو علي بعض إخوانه في الوطن قد يتحول عطفاً عليه. (3) تعامل بعض السودانيين مع العدو الإسرائيلي ليس جديداً للأسف، حيث قامت إسرائيل في أواخر الستينات بتقديم دعم نشط للتمرد في جنوب السودان، تمثل في التسليح، وفي تدريب الكوادر، حيث كان زعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان السابق جون قرنق من أبرز من استفاد من هذه التدريبات كما أخبرني زعيم حركة التمرد في ذلك الوقت اللواء جوزيف لاغو. ولكن اختيار سودانيين مدنيين اللجوء إلي إسرائيل يعتبر خطوة متقدمة علي ذلك. فالحركات العسكرية وحتي الحكومات قد تلجأ إلي أي مصدر للدعم، ولكن أن يصل الأمر بمواطن عربي مسلم أن يشعر بأن أرض العدو هي أكثر أماناً من وطنه ومن دولة شقيقة مثل مصر، فهذا يشير إلي زلزال يقوض ثوابت الهوية ومسلمات العقيدة، وتجسد منتهي اليأس والإحباط. (4) بداية هذا الإشكال هو تحول الأوطان إلي جحيم يصبح الهروب منها حلماً وأمنية. فحب الأوطان ليس من الإيمان كما في المقولة الشائعة، بل هو من الفطرة. فالإنسان يتعلق بمراتع طفولته ومرابع صباه، وتقوم بينه وبينها رابطة روحية لا تنفصم، بحيث لا يفضل عليها مكاناً آخر. ولهذا نجد الكثيرين يتمسكون بمقامهم في صحاري قاحلة أو أدغال موحشة ألفوها وأصبحت جزءاً من هويتهم وكيانهم. وحينما تصبح بعض الأماكن مسرحاً لهجرة جماعية متصلة كما حدث في السودان خلال العقدين الماضيين، فإن هذه علامة خلل كبير مبعثه في هذه الحالة سياسات حكومية قتلت الأمل في نفوس الناس، وأغلقت أبواب العيش الكريم في وجوههم. (5) هناك درس قديم جديد في هذه المحنة، وهو درس مزدوج، شكل الحداثة العربية الإسلامية. فمن جهة نجد أن الاستبداد وإساءة معاملة الرعايا قد يغري هؤلاء بالتعامل مع العدو طلباً للإنقاذ. حدث هذا في الثورة العربية الكبري، حين استعان بعض قادة العرب بالإنكليز ضد استبداد الأتراك، وحين استعان بعض السودانيين بالإنجليز أيضاً ضد حكم المهدية، ويحدث ذلك في العراق اليوم. العدو يستخدم هذا الوضع للدعاية لنفسه، ليقول إنني لست شريراً كما تدعون، بدليل أنكم تلجأون إلي طلباً لمعونتي. ولكن سرعان ما يكتشف الجميع الحقيقة. (6) إسرائيل لم تدخر جهداً في استغلال لجوء المواطنين السودانيين إليها، وقد تغني الإعلام الإسرائيلي زماناً بهذه الوقائع، وتضافرت اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في إظهار التعاطف مع ضحايا الاستهداف في دارفور. ولكن حين جد الجد، عاد كل إلي مربعه الأول، ورأي حكام إسرائيل ألا مكان في إسرائيل لضحايا محرقة دارفور، ففلسطين المغتصبة لا تتسع إلا لأهل المحرقة الواحدة الوحيدة. ولم يتطوع الإسرائيليون حتي بمساعد اللاجئين في العبور إلي بلد ثالث كما كان هدف معظمهم أصلاً. (7) ما يظهر من كل هذه التجارب أن العدو يظل عدواً مهما تظاهر بغير ذلك، وأن طلب العون منه ندامة. ولكن المأساة الحقيقية هي حين يصبح اللجوء إلي العدو خياراً في الأساس. وعندي أن من يحولون الأوطان إلي جحيم يضطر المواطن للاستجارة من رمضائه بنار العدو هم العدو حقاً، وجريرتهم في ذلك أعظم بكثير من جريرة من استعان بالعدو.
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 13 جويلية 2007)
Home – Accueil – الرئيسية