عباس الجلولي: ردا على مقال « عباس يفقد صوابه » للفاهم الجريدي محمد العروسي الهاني:عيد الجمهورية : 25 جويلية 1957عيد كل التونسيين والتونسيات مؤسسة التميمي:ورشة بحث عن الذاكرة الوطنية حول :أحداث 26 جانفي 1978 الأستاذ حامد المهيري: الوسطية والاعتدال فى الفتاوى التونسية برهان بسيس :الدّين … الهويّة والمجتمع
منوّر صمادح: تُـونـس تُـحـدث أبـنـاءهـا مصطفى عبدالله الونيسي: البحث عن قاعدة آمنة لحماية الدعوة الجديدة الهادي بريك: الإمام القرضاوي : آخر مجدد لآخر مائة. صحيفة « الحياة »:إرجاء محاكمة الشاطر و39 من الجماعة إلى 5 آب …
العربية.نت: مصر.. العثور على أدوات للتعذيب في مركز شرطة بالإسكندرية موقع » سويس إنفو » :هيئة حقوقية: وفاة مواطنيين اثنين محتجزين لدى قوات تابعة لحماس
صحيفة « الحياة »:فصائل فلسطينية تطالب «حماس» بالتوقف عن دهم منازل كوادر «فتح» واعتقالهم
صحيفة « القدس العربي »:سويسرا تطرد جزائريا حضّر لاعتداء علي طائرة لشركة العال في جنيف
توفيق المديني: عنــف الجماعـات الأصوليــة يوحــد استراتيجية الغــرب
فهمي هويدي: تساؤلات الوقت الحائرة
د. عوض السليمان: لو كان صدام يزأر يا «شريعتي» لما سمعنا صوتك
لقاء مكي: دراسات الوحدة العربية: من اجل حماية آخر خطوط الدفاع
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
البحرية التونسية تحبط محاولة جديدة للتسلل إلى ايطاليا
في مجلس وطني ساخن لحركة الديموقراطيين الاشتراكيين:
** المؤتمر في النّصف الأوّل من العام 2008.. وديسمبر آخر أجل لإتمام هيكلة الحركة ** مداولات ساخنة والوفاق هو الطّابع المهيمن على أشغال المجلس
القذافي تلقى رسالة من بن علي وتنسيق أمني بين تونس وسورية
خطة عربية لتطوير مناهج التربية
حتى لا تتحول الحداثة في تونس إلى آلـة للانتقام السياسي…
على اثر قرار السلطة إغلاق معهد « باستور »:
أخيرا ..سياسة المنع تطال التعليم
بعض الكلام فيما بين المعلّمين و وزارة التربية من خصام
ردا على مقال « عباس يفقد صوابه » للفاهم الجريدي
الصادر على موقع تونيسنيوز بتاريخ 16/7/2007
لا أفهم سبب خوفك وانزعاجك من عباس وهو العاجز عن استخلاص الدروس، القاصر عن إدراك الحقائق التائه في عالم الأحلام. لكن مما لا يتطرق إله شك أنك تكره السيد عباس الجلولي حد الأرق. ولأن الكراهية شعور يعمي القلوب ويصيب الآذان بالصمم فلا أرى أدنى فائدة ترجى من محاورتك وأنت الذي لم تثر موضوعا واحدا حريا بالنقاش فوجب تركك وعزرائيل تتوسل إليه عله يخلصك من عباس فلا يعود إليك من النافذة بعد ما خرج من الباب.
كلمتان فقط أسوقهما إليك:
الأولى، أنه إن كان لعباس الحق المطلق في أن يتخذ لنفسه من الأسماء المستعارة ما يتيح له التمييز بين أعماله الصحفية (ربوتاجات، ترجمات الخ..) وبين نشاطاته السياسية ضمن قيادات المعارضة فإنه لا سبب سوى الجبن الذي يجعلك تبيح لنفسك ما تنكره على غيرك فتمضي مقالك بغير اسمك.
والثانية، أن كل إناء بما فيه يرشح، فإن أنت استخلصت من مقالات عباس أنه قد يكون زعيما من زعماء المعارضة، طويل القامة نحيف الجسم أصلع الرأس صاحب بدلة سوداء وربطة عنق حمرا فلا تكون أنت، من خلال ما رشح من مقالك، سوى عينا خسيسة دسها الأمن في صفوف المعارضة أو مهزوما تحركه الغيرة على النظام والتزلف إليه بعدما سلبه الكرامة والإرادة وحب الوطن. فلله درك وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
عباس الجلولي
عيد الجمهورية : 25 جويلية 1957 عيد كل التونسيين والتونسيات الحلقـة الخامســة
ورشة بحث عن الذاكرة الوطنية حول : أحداث 26 جانفي 1978,
مع عدد من الفاعلين النقابيين وهم السادة : عبد العزيز بوراوي والصادق جمعة والطيب البكوش ومحمد عز الدين ومحمد بالحاج عمر وناجي الشعري ومحمد شقرون وآخرون يوم السبت 28 جويلية 2007
الوسطية والاعتدال فى الفتاوى التونسية
الدّين … الهويّة والمجتمع
تُـونـس تُـحـدث أبـنـاءهـا
للشاعر الراحل منوّر صمادح (*) ها أنا أرتقـب الفجـر بعيـن لا تنــام والدجى يغمـر آفـاقي مذ سبعيـن عــام من ترى لولاك يا نشء يواري ذا القتام؟ أنـت لي أحــلامي الغـر وآمـالي الجســام فلتكن نورا يشيـع الموت في قلـب الظـلام ها أنا أرتقـب الفجـر بعيـن لا تنــام كنـت قبـل اليـوم أعتـز وأفـدي المننا فـوق عـرش المجـد لا أعـرف ما معنى الفنا تملـك الدهــر يميــني ويســاري الزمنـا فـإذا العــزة شطــت وإذا الـذل دنـا وإذا ايــامي البيــض سـواد قـد رنـا كنـت قبـل اليـوم أعتـز وأفـدي المننا أيهـا الجيـل أناديـك أنـا تـونـس أمك أشتكي الفقـر فهلا أسبغ النعماء عزمك؟ أشتكي الجهــل فهلا ضاء في الآفاق علمك؟ أشتكي الإقطاع والحيـف فهـلا حـان يـومك أشتكي الأمراض أنقذني ففي ذيـاك سقمـك أيهـا الجيـل أناديـك أنـا تـونـس أمك غيروا الوضع وفكوا القيد إن كنتم أباة أي عـدل يقتل الشعب لكي يرضى الطغاة؟ بعضكـم يتـخم والبعض أمـانيـه الفتات فئـــة تـرفـــل في الخـــز وآلاف عـراة لست أرضى ما أتيتـم لا ولا تـرضى الحياة غيروا الوضع وفكوا القيد إن كنتم أباة (*) منوّر صمادح 1938-1998 شاعر الحرّيّة، تونسي من مواليد نفطة في قصيدة من ديوان « حرب علي الجوع » من سنة 1955
بسم الله الرحمان الرحيمان الرحيم
البحث الأول : نظام الحكم في الإسلام :نشأة و صيرورة
مصطفى عبدالله الونيسي/باريس/فرنسا
الفصل الأول:محمد بن عبدالله(ص) المؤسس الأول للدولة الإسلامية:
الحلقة السابعة: البحث عن قاعدة آمنة لحماية الدعوة الجديدة:
2) الهجرة إلى الطائف: و في السنة العاشرة من بعثته صلى الله عليه و سلم ،
تُوفيت زوجته خديجة ، وعمه أبوطالب ، و قد كان بين وفاتيهما شهر و خمسة أيام . و قد كانت زوجته خديجة، بالنسبة إليه (ص) طيلة حياته معها، وزير صدق على الإسلام ، يشكو إليها الرسول (ص) فيجد عندها الأنس و السلوى، و أمّا أبو طالب ،فقد كان سندا اجتماعيا لا يُعوض، فقد كان ناصرا له على قومه. و لقد سمى النبي صلى الله عليه و سلم هذا العام بعام الحزن (1). ونالت قريش من رسول الله من الأذى ،لمّا هلك أبو طالب، ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب. و نتيجة لهذا الأذى ، و بحثا مُستمرا عن الحلول البديلة، خرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى الطائف يلتمس النُصرة من ثقيف ،راجيا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله تعالى،فيرفع الله مقامهم و يُسعدهم بهذا الدين الجديد . ولكن القوم ردوا عليه ردّا منكرا و فاجؤوه بما لم يكن يتوقع من سوء الأدب و المعاملة و العنف ، بل أغروا به سفهاءهم و عبيدهم يسبونه و يصيحون به و يرمونه بالحجارة حتى أن رجلي الرسول (ص) لتدميان ، و زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى شُجّ (جُرح) الرجل في رأسه عدة شجاج (جُروح أو جراح) (2)، و لم يرجع عنه السفهاء حتى وصل إلى بستان لعتبه بن ربيعة ، فعمد صلى الله عليه و سلم ، و قد أنهكه التعب و الجراح، إلى ظل شجرة عنب فجلس فيه و ابنا ربيعة ينظران إليه. و لمّا استرجع النبي عليه الصلاة و السلام أنفاسه و اطمأن ،وهو جالس في ظل تلك الشجرة ،رفع رأسه للذي لا يرد المُضطر إذا دعاه ، فما بالك بخير خلق الله ، يدعوه بهذا الدعاء المُعبر عن حاله و حال كل المستضعفين و المظلومين في كل زمان و مكان : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ،و قلة حيلتي، و هواني على النّاس، يا أرحم الرّاحمين أنت رب المستضعفين و أنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ، و لكن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور و جهك الذّي أشرقت له الظلمات ، و صلُح عليه أمر الدنيا و الآخرة ، من أن تُنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى و لا حول و لا قوة إلا بك ) . و أمام هذا المشهد الإيماني الرائع و الأخاذ ، تتحرك الشفقة في قلبي ابني ر بيعة فيدعوا غلاما نصرانيا لهما يقال له (عداس ) فيرسلا إلى نبي الله قطفا من العنب في طبق ، فلما و ضع عداس العنب بين يدي رسول الله (ص) و قال له : كل ، مدّ الرسول يده قائلا : بسم الله . ثم أكل ، فقال الغلام متعجبا : و الله إنّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ، فقال له الرسول : ومن أي البلاد أنت ؟ و ما دينك؟ قال : نصراني ، و أنا من أهل نينوى(قرية بالموصل)، فقال الرسول عليه الصلاة و السلام : من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ فقال الغلام : و ما يُدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :ذاك أخي ، كان نبيا و أنا نبي…فأكبّ الغلام عداس على رسول الله يقبل رأسه و يديه و قدميه (3) . عرف ، إذا ،(ص) أن الطائف لا يمكن أن تكون القاعدة الآمنة التي يُمكن أن تحمي الدعوة الجديدة فقفل راجعا من حيث أتى . قال ابن اسحاق : ( ثمّ إن الرسول عليه الصلاة و السلام انصرف راجعا إلى مكة ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي، فمرّ به نفر من الجن الذين ذكرهم الله في القرآن ، فآستمعوا له ، فلمّا فرغ من صلاته ولّوا إلى قومهم مُنذرين و قد آمنوا و استجابوا إلى ما سمعوا من الحق . يقول الله تعالى : (و إذ صرفنا إليك نفرا من الجنّ يستمعون القرآن) إلى قوله( و يُجركم من عذاب أليم)الأحقاف من آية 29 إلى 31 و قوله : (قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنّا سمعنا قرءانا عجبا، يهدي إلى الرشد فأمنّا به و لن نُشرك بربنا أحدا) الجن ألآيات 1،2. و عاد الرسول، و معه زيد بن حارثة ، يريد دخول مكة . فقال له زيد :كيف تدخل عليهم و هم قد أخرجوك ؟ فقال (ص) يا زيد إنّ الله جاعل لما ترى فرجا و مخرجا و إنّ الله ناصر دينه و مُظهر نبيه ، ثم أرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم بن عدي ، ذلك الرجل الذي مزّق الصحيفة فجعل حدا للحصار الآثم الذي عاشه المسلمون في شعب أبي طالب كما تقدم ،طالبا منه الدخول في جواره ليستطيع أن يعيش في مكة ، فاستجاب مطعم لذلك ، و عاد الرسول إلى مكة .(4)
و في هذه الفترة العصيبه على المسلمين ، جاءت حادثة الإسراء و المعراج ،على الأرجح بحسب الروايات التي تجعلها في أواخر العهد المكي ،تثبيتا لفؤاد الرسول على طريق المقاومة الطويل المفروش بالأشواك ،و تكريما له في أعقاب سنين طويلة من الصبر و العمل الدؤوب ، و تتويجا لهذه السنين الصعبة وهذا المسار التراكمي من الجهاد المستمر الذي لا يعرف الملل و لا الكلل( 5)
3)الرسول يعرض دعوته على القبائل: و يمضي الرسول الكريم عليه أفضل
الصلاة و أزكى التسليم في بحثه المتواصل عن القاعدة الآمنة التي ينبغي أن تكون منطلقا لبناء الدولة الإسلامية التي ستحمي الدعوة الجديدة و الأمة الإسلامية الجديدة التي ينبغي أن تكون خير أمة أُخرجت للناس . و تفانيا في خدمة هذا الهدف ، كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه في موسم الحج من كل سنة على القبائل التي تتوافد إلى البيت العتيق ، يتلو عليهم القرآن و يدعوهم إلى توحيد الله فلا يستجيب له أحد . و بينما كان الرسول (ص) مُستغرقا في التفكير و البحث عن هذا المكان الآمن الذي ينبغي أن يُهاجر إليه و أصحابه الكرام ،إذ بعث الله إليه نفرا من يثرب( من قبيلة الخزرج) ساقتهم إرادة الله التي لا تُرد في السنة العاشرة للبعثة أو الحادية عشر ،باختلاف بين الروايات(6). و يلتقي النبي (ص) بهذا الوفد عند العقبة( و هو موضغ بين منى ومكة منها تُرمى جمرة العقبة)و يسألهم من أنتم ؟ . قالوا :نفر من الخزرج. قال: أمن موالي يهود ؟ قالوا: نعم . قال: أفلا تجلسون أُكلمكم ؟ . قالوا: بلى . فجلسوا معه فدعاهم إلى الله تعالى و عرض عليهم الإسلام و تلا عليهم القرآن . و كان مما هيئهم لذلك و مهد أفئدتهم لقبول الإسلام ، أنّ اليهود عاشوا معهم ، و قد كانوا أهل كتاب و علم ، فكان إذا وقع بينهم و بين اليهود شجار أو صدام ، قال لهم اليهود ، إنّ نبيا مبعوث عمّا قريب قد أطلّ زمانه، سنتبعه و نقتلكم معه قتل عاد و إرم !.
فلمّا كلم الرسول (ص) هؤلاء النفر ، و دعاهم إلى الإسلام ، نظر بعضهم لبعض و قالوا : ( تعلمون و الله إنّه للنّبي الذي توعدكم به يهود،فلا يسبقنّكم إليه ). فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الإسلام ، و قالوا: إنّا تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشر ما بينهم ، فعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، و نعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدّين ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزّ منك . ثُمّ انصرفوا ووعدوه بالمقابلة في الموسم القادم .(7). و قفل هؤلاء عائدين إلى بلدهم يثرب ، بعد أن سعدوا بلقاء محمد صلى الله عليه و سلم ، يدعون قومهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم حُبّه و دخل قلوبهم و عقولهم( و لم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفيها ذكر لله و رسوله (ص).)(8) . و بفضل جهود هؤلاء السفراء الأوائل لرسول الله (ص) في يثرب انتشر الإسلام و عرفت الدعوة لدين الله توسعا كبيرا ، و كان مما ساعد على ذلك ، فيما ذهب إليه عماد الدين خليل خلافا لرواية ابن هشام الآنفة الذكر،أنّ الخزرج و الأوس كانوا في هذا الوقت بالذات أصحاب الكلمة العليا و أن السيادة قد آلت إليهم ، و أصبح اليهود يُعتبرون موالي لهم ، و تبعا لكل ذلك كان تحالف النبي (ص) مع الأوس و الخزرج هو تحالف مع الطرف الأقوى من أهل يثرب ، كما أن دخول هؤلاء في دين الله كان سببا لعزة النبي (ص) و حمايته من خصوم الإسلام و على رأسهم قبائل اليهود.(9)
أ) بيعة العقبة الأولى: و ما لبثت السنة التالية أن حلّت حتى جاء إلى النبي (ص) في
نفس المكان(أي العقبة) وفد ثان من خزرج يثرب و أوسها، و كان عددهم هذه المرة اثنا عشر رجلا من بينهم الستة الذين أسلموا من قبل….جاؤوا لا ليعلنوا إسلامهم ، بل ليبايعوا الرسول (ص) على بيعة النساء (أي إنه لم يبايعهم فيها على الحرب و الجهاد، و كانت بيعة النساء ثاني يوم الفتح على جبل الصفا بعدما فرغ من بيعة الرجال) . و قد روى عبادة بن الصامت ،وهو من الأنصار و أحد الذين بايعوا النبي في هذه البيعة،خبر هذه البيعة ، فقال : كنّا اثني عشر رجلا ، فقال لنا رسول الله (ص) : ( تعالوا بايعوني على أن لا تُشركوا بالله شيئا ، و لا تسرقوا ، و لا تزنوا ، و لا تقتلوا أولادكم ، و لا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم و أرجلكم، ولا تعصوني في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله،و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه ، و إن شاء عفا عنه ). قال عبادة بن الصامت 🙁 فبايعناه على ذلك)(10) . ومن الواضح أنّ النبي في هذه المرة لم يرد أن يتسرع الخطوة التالية ، ليعلمنا أنّ التعجل غالبا ما تكون عواقبه و خيمة، فلم يطلب من المبايعين أن يمنحوه أرضهم أو بلدهم أو أموالهم و لا حتى أن يحموه . لقد اكتفى (ص) في هذه المرة بعرض الإسلام على النفر الستة دون أية بيعة ، و في المرة الثانية بايعوه على ما بايعه النساء عليه . و صيانة لهذه البيعة و ترسيخا لها و حماية و تدعيما ، أرسل النبي (ص) مع هؤلاء هذه المرة داعيته و تلميذه الشاب الذي علمه فأحسن تعليمه و رباه على عينه فأحسن تربيته مُصعب بن عمير لمّا بدت تستبين له ملامح المستقبل الواعد لكي يتولى مُهمة التثقيف العقائدي و الدعوي. و مرت أشهر و أشهر و سفير الإسلام مصعب يعمل في المدينة بكل حماس و بهمة عالية لا تعرف كللا و لا فُتُورا ، يتحرك بالقرآن ، تلاوة و تفسيرا و شرحا لآياته، و استطاع سفير رسول الله أن يُخاطب قلوب النّاس و عقولهم بهذا القرآن المُعجز…، فكان تفاعل هؤلاء مع القرآن تفاعلا كبيرا و رائعا . و عندما أدّى مصعب المهمة التي كلفه بها رسول الله (ص) على أحسن و جه من ناحية و اقترب موسم الحج من السنة الثانية عشرة للبعثة من ناحية ثانية، غادر مصعب يثرب، يستحث الخطى شوقا للقاء رسوله و قائده و مُعلمه الخير . و في مكة يلتقي به (ص) و يعرض عليه نتائج مساعيه و أعماله في يثرب ، مُبشرا الرسول بأنّه عمّا قريب سيلتقي بوفد كبير منهم تقرّ له عينه و يطمئن به قلبه . و هكذا شيئا فشيئا، بدت ملامح فجر جديد تلوح في الأفق لا يراها إلاّ ذو حظ عظيم من الإيمان ، و ما على المسلمين المضطهدين،وفقا لذلك، إلاّ مزيدا من الصبر و الإستعداد لهذا اليوم السعيد الذي سيُعز الله فيه الإسلام و أهله و يُذل فيه الكفر و أهله .
ب) بيعة العقبة الثانية: و عند العقبة أيضا ، و للمرة الثالثة ،… يجتمع الرسول
بأعضاء الوفد الجديد المُوسع ، و يضم الوفد هذه المرة ثلاثا و سبعين رجلا وآمرأتين. قال محمد بن اسحاق فيما يرويه عن كعب بن مالك : ( فواعدنا رسول الله (ص) العقبة من أوسط أيام التشريق. فلمّا فرغنا من الحج و كانت الليلة التي واعدنا رسول الله (ص) لها، نمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم نتسلل تسلُّل القطا مُستخفين ، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، و نحن ثلاثة و سبعون رجلا، و معنا امرأتان من نسائنا : نُسيبة بنت كعب، و أسماء بنت عمرو بن عدي. قال : فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله (ص) حتى جاءنا و معه عمه العباس بن عبدالمطلب، فتكلم القوم وقالوا : خُذ لنفسك و لربّك ما أحببت….، فتكلم عندئذ رسول الله (ص) فتلا القرآن ، و دعا إلى الله و رغب في الإسلام ثم قال : ( أُبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم و أبناءكم). فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال 🙁 نعم و الذي بعثك بالحق نبيا لنمنّعنك مما نمنع منه أزرنا ، فبايعنا يا رسول الله ، فنحن و الله أبناء الحروب و أهل الحلقة (أي السلاح كله)ورثناها كابرا عن كابر)
فاعترض القول ـ و البراء يتكلم ـ أبو التيّهان فقال : ( يا رسول الله ، إنّ بيننا و بين الرجال حبالا و إنّا قاطعوها ـ و هو يعني اليهودـ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا؟) . فتبسم الرسول صلى الله عليه و سلم ثم قال: ( بل الدّم الدّم و الهدمُ الهدم، أنا منكم و أنتم منّي ، أحارب من حاربتم و أسالم من سالمتم ) . ثم إنّ الرسول قال : ( أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم ، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس ، فلمّا تخيّرهم قال للنقباء : أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم ، و أنا كفيل على قومي ) . و كان أول من ضرب على يد رسول الله (ص) البراء بن معرور ثم بايع القوم كلهم بعد ذلك ) (12). و هكذا تمت البيعة الثانية التي وُصفت بالكبرى صريحة و مكتملة و مُشتملة على كل جوانب الإسلام في المنشط والمكره و في السلم و القتال ، إذ لأول مرة نستمع إلى رسول الله يتحدث عن السلم و الحرب أيضا . قال ابن هشام : ( و كانت لبيعة الحرب حين أذن الله لرسوله في القتال شروطا سوى شرطه عليهم في بيعة العقبة الأولى. كانت الأولى على بيعة النساء ، و ذلك أنّ الله لم يكن أذن لرسوله (ص) في الحرب ، فلمّا أذن الله له فيها و بايعهم رسول الله (ص) في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر و الأسود أخذ لنفسه و اشترط على القوم لربه، و جعل لهم على الوفاء بذلك الجنة ). قال عبادة بن الصامت : ( بايعنا رسول الله (ص) بيعة الحرب ، على السمع و الطاعة في عُسرنا و يُسرنا و منشطنا و مكرهنا و أثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله،وأنّ نقول الحق أينما كنّا،لا نخاف في الله لومة لائم ). و كانت أول آية نزلت في الإذن بالحرب للرسول (ص) قوله تعالى ( أُذ ن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا و إنّ الله على نصرهم لقدير، الذّين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ أن يقولوا ربُّنا الله ، و لولا دفع الله النّاس بعضهُم ببعض لهُدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرا ، ولينصُرن اللّهُ من ينصُرُهُ، إنّ اللّه لقويُُّ عزيز ) (الحج/ 39،40)(13)
مصطفى عبدالله الونيسي/ باريس/فرنسا
ounissimustapha@hotmail.fr
المراجع:
1)د. الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:فقه السيرة النبوية ص97
2)طبقات ابن سعد1/196
3)سيرة ابن هشام 1/420
4)سيرة ابن هشام 1/ 381
5)عماد الدين خليل: دراسة في السيرة ص91
6)يذهب عماد الدين خليل في كتابه دراسة في السيرة إلى أنّ ذلك كان في السنة العاشرة للبعثةن في حين يذهب الشيخ البوطي في كتابه فقه السيرة النبوية إلى أنّ ذلك كان في السنة الحادية عشر للبعثة.
7)سيرة ابن هشام 1/428
8)نفس المرجع
9)انظر عماد الدين خليل ن نقلا عن ابراهيم الشريف ص108
10)رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء،و مسلم في كتاب الحدود
11)سيرة ابن هشام و تاريخ الطبري
12) البلاذري: أنساب 1/252،253 وسيرة ابن هشام
13)سيرة ابن هشام ، مُسند الإمام أحمد ، الطبري
الإمام القرضاوي : آخر مجدد لآخر مائة.
( الجزء السادس ).
الهادي بريك
التحدي السياسي :
لقد كان هما بحق يؤرق الإمام القرضاوي ليل نهار صباح مساء في إثر ما غرسه الغزو الفكري وجاءت تبشر به العلمانية على ظهر الدبابات وعروش الإستبداد من كون الإسلام دين لا علاقة له بالسياسة والحكم والملك والدولة والحريات والإقتصاد والإجتماع والحرب والسلم وتصريف شؤون الناس وسياستهم خارج دائرة المحراب.
كيف لا وعلى عاتق الأئمة تقع مسؤولية تبيين الكتاب للناس » لتبيننه للناس « . لا بل كيف لا وقد تحقق بذلك التحذير النبوي » ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان ألا فدوروا مع الكتاب حيث دار ألا إنه سيولى عليكم أمراء يرضون لأنفسهم ما لا يرضون لكم فإن أطعتموهم أذلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم فقال الأصحاب فما ذا نفعل يا رسول الله قال : كونوا كأصحاب عيسى عليه السلام حملوا على الخشب ونشروا بالمناشير فوالله لموتة في طاعة الله خير من حياة في معصيته « .
إذا لم يكن الفقيه شاهدا على عصره بالحق فأي منفعة للإسلام ولأهل الإسلام فيه؟ أما صلاته وتبتله وصومه ونوافله إن كان كذلك فعلا بإخلاص أو بغيره فإنما ذلك كسبه وريعه له وحده والقاعدة الإسلامية تقول » .. إن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه » و » الناس عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله « .
تلك هي عبادة العلماء تماما كما هي عبادة الموسرين إنفاق المال وعبادة الحكام العدل وعبادة الشباب طلب العلم وذلك هو واجب وقت لكل مسلم ومسلمة بعد التحلق من لدن كل الناس على الأرضية المشتركة من عقائد وعبادات وخلق.
ولد التحدي السياسي المعاصر من رحم أمرين إثنين :
1 ــ التحدي العلماني الذي ضرب بقوة في الصميم وفي عمق الضمير المسلم المعاصر فأثر كثيرا ويكفي أن تقوم اليوم بإستفتاء علمي على أي محيط إسلامي سيما خارج دائرة الحواضر في أي بلد عربي أو إسلامي وتطرح على الناس سؤالا واحدا : هل أن السياسة من الدين أو من الإسلام أم لا؟ ستجد دون ريب بأن أغلبية المستجوبين حتى بعد صحوة إسلامية كبيرة عمرها الآن ثلاثة قرون كاملة وبعد مشاركة آخر ثمارها في الحكومات والبرلمانات بالكلية أو بالأغلبية أو بالأقلية ودخول الإنتخابات والفضائيات والثورات الإعلامية الهادرة .. ستجد رغم ذلك بأن أغلب المستجوبين خارج الحواضر والعواصم سيقولون لك : لا. بدل أن تنزعج أو تفرح أو تتهمني بمجانبة الصواب قم بذلك والحساب بيننا. ورغم ذلك فإني مملوء أملا لأن الأمل ينبع من الفكرة ذاتها وليس من قبول الناس أو رفضهم لها. وذلك هو الأمل الباقي.
2 ــ ظهور الإستبداد السياسي الصارم في أرضنا العربية والإسلامية بشكل غير مسبوق في تراثنا وتاريخنا وذلك هو الأمر المنتظر حدوثه بعد الغزوين الفكري والعسكري ونشوء دولة الحداثة دولة ما بعد الإستقلال أو الدولة القطرية الموالية إختيارا أو ضرورة لمعسكر غربي معين بأي شكل من أشكال الموالاة. إستبداد سياسي تحول مع مرور الأيام إلى مماليك تورث الحكم لأسرها جهارا بهارا فضلا عن روائح كريهة جدا للتعذيب الذي يلقاه المسجونون والمعتقلون والمعارضون وتزوير الإنتخابات على شكل واسع ونطاق مفضوح دوليا وتقييد للقضاء وإقصاء وغبن لحريات الإعلام والتنظم والرأي بل وصل الحد في بعض البلدان إلى غبن الحريات الشخصية الخاصة جدا من مثل خمار المرأة ومظهرها الخارجي وكذا للرجل وغير ذلك. إستبداد تقنع بدثار الديمقراطية طويلا ثم إنكشف أمره وأجل الحريات عقدا بعد عقد تارة بإسم محاربة الصهيونية والتفرغ لتحرير فلسطين كما حدث عند الأنظمة التي تسمى دول طوق أو مواجهة أو التي تحسب على القومية العربية رافعة شعار لاصوت يعلو فوق صوت المعركة ثم أجلت الحريات بإسم التفرغ لمواجهة الخطر الأصولي والتطرف الإسلامي فلما ظنوا أن ذلك زال فتكوا بما بقي من المعارضات والنخب العلمانية المستقلة عنهم سياسيا على الأقل ولسان حال هؤلاء يقول في حسرة وندم وخيبة : أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
نبت ذلك الإهتمام إذن من رحم غلواء العلمانية وتفشي الإستبداد لمواجهة أمور منها :
1 ــ التصدي لمقولة » لادين في السياسة » ولا » دين في السياسة » التي أطلقها المقبور السادات علنا ولم يكن هو سوى ثورا أو تيسا من أتياسها ولكنها في الحقيقة شريعة ودين العلمانيين والمستبدين عامة.
2 ــ التصدي لنزع الحق عن الإسلاميين من مزاولة حقهم في التحزب والتحرك والتنظم وطلب السلطة من منطلق إسلامي.
3 ــ بيان أن التنمية المنشودة والتحرر الحق والخروج من ربقة الدول النامية أو السائرة في طريق النمو إلى عدل الدنيا وحجز مكان تحت الشمس للعرب والمسلمين لا يكون إلا بالإصلاح السياسي ضمن الإصلاح الشامل العام من منطلق إحترام هوية الأمة الإسلامية وعلى رأس تلك الهوية تأتي الثوابت القطعية التي لا بد منها أما اللحاق بركب الأمم المتقدمة برؤوس تلك الأمم وقلوب تلك الأمم وعقول تلك الأمم فهو يسمى إستلحاقا وتغربا وذوبانا وتبعية وإحتلالا طوعيا جديدا ولا يسمى أبدا تحررا أو نماء أو إستقلالا.
4 ــ الفصل بين أمور منها : الفصل بين الإسلام في نقائه وصفائه وعظمته ومرجعيته الأساسية أي القرآن والسنة والسيرة وبين مختلف التطبيقات والفصل بين التطبيقات التاريخية والتطبيقات المعاصرة والفصل خاصة في ذلك بين التطبيق الراشدي وبين غيره والفصل بين المنهج وبين الأخطاء التي يقع فيها أهل ذلك المنهج. وكل ذلك يتطلب فقها من الموالين ونزاهة من المخالفين ولكن يغلب الطبع التطبع دوما فتكون النزعة الميكافيلية أحيانا أو المكيال بمكاييل مختلفة أحيانا أخرى هي الغالبة.
5 ــ الربط الوثيق بين السياسة وبين الأخلاق إذ السياسة خلق أو لا تكون عند المسلم فردا وجماعة أما التلون فلا تجيده ولا يليق بغير الحرباء والنزعة الميكافيلية نزعة شيطانية غير إسلامية فالوسيلة لا تبرر الغاية أبدا والغاية الشريفة لا بد لها من وسيلة نظيفة.
6 ــ التفصيل في المرجعية السياسية في الإسلام بسبب أن المواضيع المتصلة بواقع الناس لا بد فيها من حسن فقه أمرين : النص والمقصد والمآل من جهة وواقع الناس وأحوالهم من جهة أخرى وهو ما عبر عنه إبن القيم بالموازنة بين الممكن والواجب ولكم أحسن الإمام في تجويد ذلك الأمر حينما فصل في مراتب التشريع السياسي مختلف التضاريس والألوان. وذلك لمواجهة خطرين محدقين : خطر التقوقع الغالي المتشدد الذي يغلب عليه الجهل بحقيقة الشريعة الإسلامية وهو خطر يعمل على قولبة السياسة الإسلامية ( السياسة الشرعية كما تسمى قديما ) في نمط واحد كأنما الوحي فصل فيها تفصيله في الفرائض ( المواريث ) وبذا تكون سياسة خارجة عن عصرها غير ممكنة التطبيق والخطر الآخر هو الخطر الإباحي إن صح التعبير أي الخطر العلماني حتى في الدائرة الإسلامية الذي يعمل على فصل الأصول الشرعية للسياسة الإسلامية عن النظرية الحديثة والتطبيق الحديث فتنشأ سياسة إسلامية الإسم علمانية المسمى والحقيقة كأنما الوحي قد خلا من كل إشارة ولو مطلقة عامة كلية مبدئية مقاصدية في هذه القضية أو لكأنما الرسول عليه الصلاة والسلام لم يشيد دولة ولم يجرب سياسة في مواقع الضعف والقوة والكثرة والقلة ولم يفاوض ولم يقاتل ولم يهادن ولم يوال ولم يعاد.
ومعلوم أن التحدي السياسي الذي تناوله الإمام في كتاباته الكثيرة سيما في مؤلفين تمحضا لذلك بالكلية وهما ( في فقه الدولة في الإسلام ) و( ا لدين والسياسة ) فضلا عن الفتاوى المعاصرة وغير ذلك مما قد أكون نسيته الآن .. معلوم أن ذلك التحدي المعاصر جاء على درب إستئناف المشروع الإسلامي المعاصر لتحقيق أمرين :
1 ــ إعادة غرس قيم الحرية والكرامة ومسؤولية المسلم فردا وجماعة ( الأمة ) في الحياة الجديدة لحمل الناس على المطالبة بحقوقهم من منطلق الوعي والجدية والمسؤولية الشرعية الإسلامية في كنف التحضر والرقي والعزة ولحمل الحكام على التنازل على إستكبارهم وإستبدادهم وإحترام إرادة الشعوب والأمة قاطبة والنصح للناس وغير ذلك. ولذلك تبنى الإمام الديمقراطية مصطلحا ومفهوما بعد تجريده من إطاره الفلسفي الغربي وهو المجهود الذي تمحض له بأكثر من ذلك الدكتور محمد عماره والدكتور سليم العوا وغيرهما.
2 ــ إعادة غرس قيم الوحدة والتوحد والجماعة والتضامن والتكافل بين الأمة لبنة لبنة في كل بلاد وقطاع وشعب ومركب مهني أو عرقي أو طائفي أو مذهبي بالتدريج على درب إستكمال حلقات التوحد الإسلامي الكامل على يد الأجيال اللاحقة.
ويصرح الإمام في أكثر من مناسبة بأن مشكلة الأمة العظمى اليوم هي : غياب الحريات وغياب الوحدة. وهما في الحقيقة مرتبطان متلازمان متكاملان فالشعب مكمم الأفواه ملجم الأقلام لا يحدث نفسه بالتوحد قبل أن يتحرر والشعب محطم الأوصال لا يحدث نفسه بالحرية قبل أن يتوحد. هما بالخلاصة وجهان لعملة واحدة فلا حرية لمتفرق حقه الإجتماع قبل الإجتماع ولا وحدة لمغلوب مقهور حقه العدل والإنصاف قبل ذلك.
كما تناول الإمام في أثناء ذلك الموضوعات المعاصرة المطروحة والعالقة بهذا الموضوع من مثل دور المرأة في السياسة خاصة والحياة عامة ومسألة الأقليات في الإتجاهين : أقلية غير مسلمة في بلاد مسلمة وأقلية مسلمة في بلاد غير مسلمة وإن كان واقع الحال أدى به إلى الإهتمام الأكبر بالأقلية الثانية لأنه هو التحدي الأكثر طرحا وإلحاحية إذ المسلمون اليوم يشكلون أغلب اللاجئين والفارين من ديارهم إما بسبب إنعدام الأمن أو إنعدام العمل أو إنعدام العلم وبسبب أن الحكومات العلمانية في بلاد العرب والمسلمين أنالت الأقليات غير المسلمة هناك حقوقها وزيادة كما قال الشاعر بأن الزمان قد تهود فتهودوا ليس إيمانا بحق أولئك في ظل الإسلام ولكن خوفا وهلعا وجزعا من الغضب الغربي الفتاك الذي ينذر ـ بل زاول ذلك ـ كل بلاد تدوس حريات الأقليات بالويل والثبور ولكن في ظل المكاييل المائلة والمعايير المنخرمة.
ومن المواضيع التي لا بد من التطرق إليها ضمن هذا البحث لشدة علاقتها بالتحدي السياسي : منهج التغيير عند الإسلاميين ما له وما عليه وما هي ألوانه والمقبول منه والمرفوض وأصله في الإسلام.
كما تعرض الإمام في هذا الموضع لقضية كثر حولها الطنين وهو قضية الولاء والبراء والتعددية بما هي مشروعية التعدد الحزبي في ظل الدولة الإسلامية والتعدد الحزبي أو الجماعاتي والحركاتي الإسلامي وإذا كان الطنين قد كثر حول قضية الولاء والبراء من جانب طوائف الغلو والتشدد فإن طنينا آخ مقابلا أشد حول قضية الحاكمية وصب جام الغضب بسببها على المرحومين سيد قطب والمودودي.
قد لا تسعف هذه الرسالة المرتجلة لتناول تفاصيل كل ذلك وربما يمن علي الرحمان سبحانه بالتفرغ لشيء من ذلك في المستقبل إن شاء الله ولكن دعنا ننتقل إلى تفصيل شيء مما ورد أعلاه في مقدمة هذا التحدي السياسي.
فصل الإمام في قضية الدولة بإعتبارها أكبر مؤسسة سياسية في العالم اليوم وقبل اليوم فبدأ بالرد على بعض الشبهات وربما أكبرها وأشدها من جانب العلمانيين هي أن الدولة الإسلامية ـ التي ينكرون وجودها إبتداء ـ دولة دينية أو تيوقراطية بالتعبير الأجنبي.
بسط الإمام الأدلة على كون الدولة في الإسلام مشروع إسلامي شرعي ثابت بل قال عنه أنه معلوم من الدين بالضرورة والمعلوم من الدين بالضرورة لا يحتاج إلى أدلة وتوضيح الواضحات من الفاضحات كما قال بعضهم وهي في نظره :
1 ــ دليل من طبيعة الإسلام أي الطبيعة الجامعة الشاملة للإسلام وهي أول خصيصة من خصائص الإسلام إلى جانب كونه رباني المصدر أخلاقي العمل وغير ذلك. فكيف يكون الإسلام دينا جامعا شاملا كاملا متكاملا وهو لا يهتم بأخطر قضية تسير الدنيا اليوم أي السياسة التي تغولت اليوم ليس في الحكومات والدول فحسب بل حتى في إهتمامات الحركات الإسلامية بما فيها تلك التي كانت تستنكف بالأمس القريب عن ذلك وربما عدت الإشتغال بالسياسة مضيعة للوقت وإنما يعزى ذلك إلى أنه لا سبيل لطرق باب الإصلاح في أي مجال من مجالات الحياة في هذا العصر خاصة بدون الإهتمام بالسياسة والإشتغال بها سواء إشتغال هم وبحث ونظر أو إشتغال عمل ومزاولة والأمران يتكاملان دون ريب. لقد رأينا في بعض الفضائيات خطباء جمعة ينسبون أنفسهم إلى التصوف يدعون بحرارة إلى حاكم بلادهم ويطرقون مواضيع سياسية. ذلك واقع لا يفيد معه سوى حسن الإعتراف به أما التجاهل فيعمي الأبصار.
2 ــ دليل من تاريخ الإسلام أي التجربة السياسية الإسلامية من الخلافة الراشدة حتى الخلافة العثمانية وهي تجربة لها ما لها وعليها ما عليها دون ريب ولكن الخلاصة البارزة الكبيرة من ذلك في هذا الصدد هي أن الإسلام كون دولة وحضارة ومملكة وتاريخا وتراثا وكان تاريخه سياسيا بإمتياز على مدى أربعة عشر قرنا كاملة أما الحديث هنا عن نقاط الضعف حتى لو صورنا كل تلك التجربة ضعفا فوق ضعف ـ وهو ما لا يقوله إلا من يجب عزله عن الإهتمام بما لا يملك أدواته ـ فإنه حديث غير ذي موضوع ولا جدوى لأننا نرصد قضية من خارجها أي نرد على من ينكر العلاقة الحميمية بين الإسلام وبين السياسة. التاريخ كما يعرف الناس جميعا هو أحد الأبعاد التي تشكل هوية كل شيء. ولو كان غير ذي موضوع لما بنى الناس لأسلافهم نصبا وخلدوا تراثهم في متاحف وسروا بهم.
3 ــ دليل من نصوص الإسلام والإمام قد أخر هذا الدليل لأنه دليل يهم من هم داخل الإسلام أما من هم خارجه فإن الأحرى بهم الأدلة السابقة وغيرها مما لا يورد هنا كله. يمكن أن نقول بأن نصوص الإسلام الدالة على فرضية إقامة دولة إسلامية هي من نوع النصوص الجامعة الشاملة العامة المطلقة التي يفهم منها بعد جمعها وحسن قراءتها وضمها إلى ما تلاها من تجربة تاريخية طويلة ثرة وقبل ذلك ما طبقه نبي الإسلام نفسه عليه الصلاة والسلام .. يمكن أن نطلق على تلك النصوص وهي كثيرة جدا وتطرق مواضيع كثيرة جدا .. بأنها من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو إذن واجب أي أنه لا وجود لآية واحدة أو حديث يأمر ببناء دولة ولكن الإعتماد على ذلك لنفي ذلك هو من قبيل الإعتماد على خلو الوحي من كلمة حرية لنفي قيمة الحرية عن الإسلام وكفاك به غباء وعيا وحمقا. أكد الإسلام تأكيدا غير مسبوق أبدا على قيمة الجماعة وما يليها من قيم التضامن والتكافل والتراحم كما أكد على قيمة التغيير والإصلاح بشكل كبير جدا وما يليها من قيم التواصي بالحق وبالصبر وبالمرحمة والرفق وحسن فقه الواقع والمقصد والمآل وأكد على قيمة الحكم بالحق بين الناس وما يلي ذلك من مثل العدل والقسط وأداء الأمانة وأكد على قيمة الشهادة على الناس وما يلي ذلك من مثل العلم والعقل والحرية وأكد على قيمة الكرامة البشرية وأكد على قيمة القوة وجعل لذلك قصصا لا تحصى وأمثلة وعشرات النصوص .. ثم يقال بعد ذلك كله أن الإسلام لا دخل له في السياسة. أي حمق هذا؟ أم لأن كلمة سياسة غير موجودة في القرآن أما في السنة فهي موجودة » كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم كلما هلك نبي جاء نبي ».
أليس كل ذلك من الواجبات والفرائض والقيم الكبرى والمثل العظمى لا تتم دون واجب بناء مؤسسة جماعية لها نظامها الخاص ومرجعيتها الخاصة فإذا كانت كانت تلك الفرائض مرعية وإذا غابت غابت؟ هل ذنب الشريعة أنها تعامل العقل البشري على أنه عقل راشد غير قاصر فلا تأمره بما شأنه التغير في شكله وصورته وهيئته ولكن تترك له مجال التصرف بحسب ما يتاح له من ظروف وإنما يكون المقصد دوما هو إقامة العدل والجماعة والأمانة والحرية والقسط والقوة والشهادة والعلم وغير ذلك؟
وعندما يرسم الإسلام العقوبات والحدود من مثل القصاص وهو شريعة فطرية طبيعية دولية عالمية في كل زمان ومكان أبدا .. فمن ينفذ ذلك؟ هو إكتفى بأمر الأمة جمعاء بذلك فهل تقول الأمة كلاما غير مفيد مما نسمعه اليوم؟ الأمة لم تقل ذلك في الماضي وإنما إستأجرت الحكام ووكلتهم بأجر لسياسة أمرها وصون بيضتها وإرهاب عدوها حتى يرعوي وينزجر ويحفظ وحدتها فكانت وكانت سياسة وكانت دولة وحضارة وكان فتح وساد العدل حتى تحققت نبوءة النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام » ليتمن الله هذا الأمر حتى ليسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه « .
طبعا لا يسعف المرء المجال هنا لضيقه على إستكمال جوانب الأدلة على أن السياسة بما هي رعاية لشؤون الناس بما يصلحهم من صميم الإسلام.
كما بين الإمام هوية الدولة الإسلامية فبدأ بالقول بأنها دولة مدينة ذات مرجعية إسلامية وليست بحال دولة دينية أي لا تحكم بالحق الإلهي مصححا بعض العبارات التي وردت عن سيدنا عثمان عليه الرضوان وعن بعض الخلفاء العباسيين من مثل مقولة » هذا رداء ألبسنيه الله فلا أنزعه » ومقولة » أنا ظل الله في أرضه » وغير ذلك مما أسيء فهمه شأن كل أمر مبتسر منتزع من سياقه موجها هجومات شديدة على الحضارة الغربية التي لئن أصابت في كثير من الجوانب السياسية والإدارية وبسطت العدل والرخاء بين الناس فإنها حولت الإنسان إلى آلة أو إلى حيوان مفترس فتاك يلتهم الأخضر واليابس. كما أن الحضارة الغربية بنت ذات يوم دولة كهنوتية صارمة حتى قيل في آخر الثورة العلمية الغربية » أشنقوا آخر قسيس بأمعاء آخر ملك « . ولعل محاكم التفتيش في أسبانيا وغيرها خير دليل على منجزات الحضارة الغربية التي تدل بها اليوم على العالم العربي والإسلامي.
الدولة الإسلامية بحسب الإمام هي :
1 ــ دولة شرعية دستورية وليست كسروية أي تنضبط لقانون مسطور لا يحابي حاكما ولا يجامل غنيا فإذا كانت التطبيقات التي أضفت على نفسها الشرعية الإسلامية في عصر من العصور منحطة فلا يتحمل الإسلام مسؤوليتها.
2 ــ دولة شورية ديمقراطية بمؤسساتها المنتخبة للأمة فلها حق تولية من تشاء على قاعدة أولوية كل قوي أمين وتعزل من تشاء وتحاسب من تشاء فالحاكم فيها أجير بأجر ولئن تأخرت بعض التجديدات والتطويرات والتحسينات في تفاصيل ذلك الحكم الشوري الديمقراطي من مثل عدم تحديد مدة الحاكم وغير ذلك فإن ذلك يمكن تلافيه وله أسبابه المعروفة في التاريخ وهو محل ترحيب من الإجتها
إرجاء محاكمة الشاطر و39 من الجماعة إلى 5 آب …
مصر: كلارك يؤكد سعيه إلى حشد «تأييد دولي» لـ «الإخوان»
النيابة العامة تصادر الأدوات وتطلق سراح محتجزين بشكل غير قانوني مصر.. العثور على أدوات للتعذيب في مركز شرطة بالإسكندرية
هيئة حقوقية: وفاة مواطنيين اثنين محتجزين لدى قوات تابعة لحماس
فصائل فلسطينية تطالب «حماس» بالتوقف عن دهم منازل كوادر «فتح» واعتقالهم
سويسرا تطرد جزائريا حضّر لاعتداء علي طائرة لشركة العال في جنيف
عنــف الجماعـات الأصوليــة يوحــد استراتيجية الغــرب
تساؤلات الوقت الحائرة
لو كان صدام يزأر يا «شريعتي» لما سمعنا صوتك
دراسات الوحدة العربية: من اجل حماية آخر خطوط الدفاع