في الذكرى الثانية لأحداث الحوض المنجمي ما معنى أن يعترف رئيس الدولة بوجود تجاوزات لبعض المسؤولين ؟ 3/3
بقلم علي شرطاني – تونـــــــــــس فبالرغم من تحميله المسؤولية للحكومة وللمسؤولين، لم يمض السيد الرئيس ولو خطوة باتجاه محاسبة حكومته، ولا أي من المسؤولين في المركز ولا في الجهات عن أي من تلك التجاوزات، ولكنه اختار دائما سياسة الهروب إلى الأمام في التأكيد على صواب خياراته وعلى جدواها ونجاعتها وسلامتها، هذه النجاعة والسلامة والصواب في البرنامج السياسي وفي الخيارات، هي التي انتهت بالبلاد إلى هذا المستوى من الإحتقان وإلى هذا الإنفجار الإجتماعي الذي ليس ما حدث ويحدث في الكثير من المناطق، والذي أخذ مداه في منطقة الحوض المنجمي إلا القطر الذي يسبق السيل أمام العجز الواضح لنظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب عن إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل الشعب الغذائية والصحية والتربوية في الشغل والأجور والقدرة الشرائية وفي السكن والبنية الأساسية وغيرها.
فقد أوردت وكالية يو بي أي (يونايتد برس أنترناشيونال بتاريخ 18 جويلية 2008 أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي دعا إلى التصدي لمحاولات التشكيك في خيارات بلاده التي قال « أن الأيام أثبتت جدواها » وأن كل مراقب نزيه يقر بنجاعتها وسلامتها ». وقد أوضح أنه « يرفض رفضا قاطعا أن تكون هذه الأحداث أو غيرها سببا للإخلال بالأمن العام والإعتداء على الأملاك العمومية والخاصة لأن بلدنا بلد القانون والمؤسسات كما أنه بلد العدل والمساواة وحقوق الإنسان ».
فقد جاء الإعتراف بالتجاوزات وبمسؤولية حكومته عما جرى في قفصة مصحوبا بالتهديد والوعيد، محملا مسؤولية الإخلال بالأمن العام والإعتداء على الأملاك العمومية والخاصة للمواطنين المطالبين بحقهم في الشغل وبالعيش بأمان وكرامة في بلادهم، وهم المعتدى عليهم وعلى أملاكهم وعلى حقوقهم وعلى حريتهم وكرامتهم، وهم من لم يكن منهم من العنف إلا ما كان على أساس ردة الفعل والتجاوز الذي يصبح ممكنا في هذه الحالات التي كان الوضع قد خرج فيها على نطاق السيطرة، وبعد أن لم يجد هؤلاء المواطنون أي استعداد من أي جهة مسؤولة للإصغاء إليهم باحترام، وللإستجابة لمطالبهم وفق برنامج متفق عليه، وهم غير المسؤولين عن ضياع حقوقهم وعن عدم تمكنهم من نيلها، لأن سياسة التشغيل وحركة التنمية وتقسيم الثروة بالعدل، والتوازن الجهوي المطلوب، وحسن التصرف في المال العام، لم تكن جادة ولا متابعة متابعة جيدة/ ولا رشيدة ولا مسؤولة ، ولا مراقبة ولا محاسبة فيها لأحد.
فلا أحد يدعوا إلى العنف، ولا أحد يقبل به من أي جهة، ولا إلى الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، لأن سلطة الإستبداد وحدها هي التي تملك حق ممارسة العنف والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة وتحتكرهما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وهي المسؤولة في النهاية عن كل ما يحصل من تجاوزات ومن عنف ومن إضرار بالممتلكات والأشخاص، بما تنتهجه من سياسات خاطئة ظالمة، وبما تعمد إليه من مبادرة بممارسة العنف، وبما تضطر إليه أصحاب الحقوق من ردود أفعال إزاء ذلك دفاعا عن أنفسهم، وبما تعمد إليه من منع لحرية التعبير والتظاهر والإحتجاج السلمي، وعدم التعامل مع ذلك بالطرق الحضارية البعيدة كل البعد عن ثقافتها وعن تفكيرها وعن طبيعتها العلمانية المغشوشة.
وإذا كان نظام الحكم مدرسة لممارسة العنف على الشعب، فكيف يكون مطلوبا منه أن يكون على غير تلك الثقافة ? وإذا كان نظام الحكم لا يؤمن ولا يحترم ولا يسمح بالأساليب المدنية في التعبير عن الرأي وفي مطالبة المواطنين الفاقدين في ظل نظام هذه طبيعته للمواطنة أصلا بحقوقهم، فكيف لا يكون مضطرا للتعبير عن رأيه والمطالبة بحقوقه عن طريق العنف ? وفاقد الشيئ لا يعطيه.
فممارسة الشعب للعنف من مسؤولية نظام الحكم الإستبدادي غير الصالح وغير الراشد وغير الديمقراطي والمعادي للديمقراطية. وهو الذي يتحمل مسؤولية ذلك. وتكون المسؤولية كاملة على الذين يفرضون أنفسهم على هذا الشعب أو ذاك وإدارة الشأن العام باسمه وبعيدا عنه ولغير صالحه ولصالحهم فقط. وإذا كان النظام بحكم طبيعته الإستبدادية البوليسية لا يستطيع أن يعلم الناس التظاهر السلمي وانتهاج الأساليب المدنية في التعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم، فإن الشعب إذا ما اكتسب وعي المقاومة السلمية وآلياتها وأساليبها المدنية في المواجهة، يستطيع أن يعلم مثل هذا النظام هذه الأساليب المدنية الحضارية الراقية، وعليه أن يستمر عليها وأن يقدم من الأنفس ومن المكاسب كل ما يملك أن يقدمه حتى إسقاط نظام تلك طبيعته. عندها وعندها فقط يمكن لمثل هذه الثقافة وهذه الأساليب أن تستمر في الوجود، وأن تكون محترمة وتكون لها دلالاتها وتؤتي أكلها وثمارها ونتائجها، لأنها ستجد من يفهمها ومن يقبل بها ومن يستجيب للمطالب والحقوق التي يتم التعبير بها في المطالبة بها.
ذلك أنه من بين أساليب أنظمة الإستبداد الإعتراف بالخطإ وبالمسؤولية أحيانا عن بعض ما يحدث من تجاوزات، وتحمل حكوماتها المسؤولية عن ذلك عندما لم يكن لها بد من ذلك. وهي مسألة شكلية لا قيمة لها، ولا يمكن أن تكون لها نتائج إيجابية لصالح الفرد أو المجموعة، أو لصالح البلاد والعباد، لأن المعترف بالخطإ وبالمسؤولية هو المسؤول الأول عن كل الذي حدث ويحدث، وهو الحكومة والحكومة هو، ولا سيئ يخرج في الأصل عن أمره ونهيه، ولذلك كانت عملية تحميل المسؤولية للحكومة والمسؤولين مصحوبة بالتهديد والوعيد، وبالإصرار على سلامة الخيار السياسي والإجتماعي والإقتصادي الذي كانت تلك نتائجه.
فقد كان من تبريرات غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتدني المقدرة الشرائية للفرد المصاحبة لذلك الإعتراف ولتلك الإدانة الشكلية وذلك التهديد والوعيد، ارتفاع أسعار المحروقات في العالم. وإذا كانت تلك من التبريرات التي يمكن القبول بها ظرفيا لذلك السبب، فبماذا يبرر السيد الرئيس الإرتفاع المطرد والمتضاعف لنفس تلك الأسعار في كل المواد الأساسية الحيوية المتواصل على امتداد فترة حكمه، ولذلك العجز المادي الذي بلغه « المواطن »، ولتفاقم نسبة البطالة والتي انتهى فيها الوضع بالبلاد من أجل كل ذلك إلى هذه النهاية التي كان نتيجتها سقوط شهداء وجرحى في منجم الرديف باستعمال أجهزة البوليس الرصاص الحي لإنهاء احتجاجات العاطلين عن الشغل المطالبين بحقهم فيه، وبالإيقافات والتحقيق والتعذيب والمحاكمة والسجن في كل من الرديف وأم العرائس والمظيلة والمتلوي وفريانة…
إن اعتراف المسؤول الأول بالبلاد بالتجاوزات والإنتهاكات المخلة بالقانون وبالأمن وبالإستقرار بتلك المناطق، والملحقة بما قل أو كثر من الأضرار بالأفراد والمجموعات التي يحدثها المسؤولون الراجعون له بالنظر مركزيا وجهويا في التعيين والإشراف والمتابعة والمراقبة والمحاسبة في أي مستوى من مستويات المسؤولية وفي أي ميدان من الميادين وفي أي قطاع من القطاعات وفي أي موقع من المواقع، تقتضي منه أخلاقيا وقانونيا أن يخضعهم للمحاسبة، وأن يحملهم المسؤولية كاملة، وأن يقوم إزاءهم بما يستوجبه الموقف وبما يتطلبه القانون، مما تستعاد به حقوق الناس وما يعاد لهم به اعتبارهم، من عزل ومحاسبة وإحالة على القضاء، كما تمت إحالة المظلومين الذين لا يقتضي المنطق ولا القانون ولا العقل بإحالتهم عليه من أجل حقوق مشروعة معترف لهم بها. وكان ينبغي حين يكون الحاكم غير فردي وغير مستبد، ويستمد شرعيته وقوته من الشعب الذين يجب أن يكون قد اختاره اختيارا حرا نزيها، أن يقيل هذه الحكومة التي حملها مسؤولية ما جرى وما يجري، وأن يعين حكومة جديدة برؤية جديدة وببرنامج خاص جديد، وبخلية طوارئ تقيم الوضع وتعيد النظر في في برنامج أو خطة التنمية على المستوى الجهوي، إن كان هناك برنامجا جهويا أو خطة جهوية، وتنظر في الإعتمادات المالية المرصودة لذلك البرنامج أو لتلك الخطة، وفي كيفية توزيعها وصرفها واستثمارها، ومتابعة المسؤولين في كل تلك الجهات عن كل ما هم مدعوون للقيام به من أعمال، ومن تنفيذه من سياسات وما هو مناط بهم من مسؤوليات، ومحاسبتهم عما اقترفوه من مظالم وما أحدثوه من تجاوزات وما ألحقوه بالناس بالجهات وبالبلاد من أضرار، وما كانوا عليه من فساد مالي وإداري، وغير ذلك من الجرائم والمفاسد التي أصبح لهم فيها من الإبداع ما ليس لهم في الإعمار والإصلاح والبناء.
وإذا لم يكن كل ذلك مفهوما، فله في الحقيقة معنى واحدا، هو أنه لا فرق بين المٌحاسب والمحاسَب وبين المسؤول الأول والحكومة والمسؤولين في الجهات. وأنه لا معنى للمسؤولية في أي مستوى من المستويات، ولا معنى للمتابعة والمحاسبة، وأن الجميع في كل المستويات والمواقع مسؤولون عن ما حدث وما يحدث. وأن على الشعب وحده إذا كان يريد أن يأخذ بزمام المبادرة، وأن يستعيد مواطنته وكامل حقوقه المسلوبة، وأن يتم سيادته على وطنه، وأن يكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة بالبلاد، أن لا يصغي لأي من هؤلاء المسؤولين في أي موقع من المواقع كانوا، لأنهم في الحقيقة في الفساد سواء. وعليه إذا كان يريد حياة حرة كريمة أن يتحمل مسؤوليته كاملة في تقرير مصيره بنفسه.
يقول تعالى : » ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ». صدق الله العظيم.
النظام التونسيّ يُعدّ لموجة قمع جديدة
بقلم عمّار عمروسيّة تناقلت في الأيّام القليلة الماضية وسائل الإعلام المحلّية « الوطنيّة » والعالمية أنباء أضحت مؤكّدة عن مصادقة مجلس الوزراء التونسي على مشروع قانون يتّصل بأحكام الفصل 61 مكرّر من القانون الجزائيّ وذلك بإضافة أحكام يعاقب بموجبها كلّ من « يتعمّد ربط الاتصالات مع الجهات الأجنبيّة للتحريض على الإضرار بالمصالح العليا للبلاد التونسيّة وكلّ ما يتعلّق بأمنها الاقتصادي ». ومن المُنتظر بطبيعة الحال أن تعمد الحكومة في المستقبل القريب إلى إحالة ذلك المشروع على البرلمان التونسيّ الذي سيسارع في أوّل جلسة ودون عناء كبير على إعطاء مُصادقته بأغلبية مُطلقة تقارب الإجماع. وهو أمر منطقيّ باعتبار حزب الحكومة – التجمّع الدستوري – يحتلّ 75% من مقاعده، أمّا ما تبقّى، أي 25%، فقد عمدت المصالح المختصّة بوزارة الداخليّة إلى تأثيثه بعناصر تدين بالولاء أوّلا وقبل كلّ شيء لها. وهو ما جعل إعلاميّا وسياسيا يعسُر اتهامه بالتطرّف مثل السيّد رشيد خشانة ينعت تشريعيّة أكتوبر 2009 بالتعيينات الفرديّة. والمُلفت للانتباه مرّة أخرى، هو بقاء التونسيات والتونسيين ليس فقط بعيدين كلّ البعد عن إبداء آرائهم في مثل هكذا قانون خطير، وإنّما محرومون من مُجرّد المعلومة والإعلام في بلد يُفاخر نظام حكمه ويحصد الجوائز المشبوهة حول رعايته « الموصولة » للنهوض بالإعلام وتطويره!!! فالكلّ يعلم أنّ وسائل إعلام عربيّة وعالميّة هي التي بادرت إلى إلقاء الضوء على ما حرصت السلطة على إبقائه طيّ الكتمان وكأنّ ما يقع إعداده يهمّ الحياة الخاصّة لأعضاء الحكومة ولا يمسّ من قريب أو بعيد هذا الشعب بمختلف طبقاته الاجتماعيّة. وكعادة وسائل الإعلام، التي تقتات من الأموال العموميّة وتمارس وظائفها في قطيعة مع الشأن العامّ، سارعت إلى إعطاء المُسوّغات السياسيّة والأخلاقيّة ليس فقط لمشروعيّة مثل ذلك القانون، وإنّما لضرورة التعجيل باستصداره « لإنقاذ الوطن » (أنظر الشروق الصادرة يوم 26 ماي أو الحدث بنفس التاريخ)!!! ومن المُرجّح أن تُعطي الحكومة التونسيّة الإيعاز لخدمها من الأحزاب والجمعيّات الديكوريّة المفضوحة والمتستّرة لإعطاء مواقفها الداعمة لهذا المشروع تحت دعاوي « نبذ الإستقواء بالخارج » و »الدفاع عن السيادة الوطنيّة »، الخ. من الشعارات الخادعة التي تعوّد الديكوريون الرسميون وغيرهم من الطامعين بالدّخول إلى ذات الدائرة ترديدها للتمويه على حقيقة اصطفافهم وراء نظام الحكم مقابل امتيازات مادّية وسياسيّة مدروسة تجعلهم على الدوام في مرتبة خدم الديكتاتوريّة والتنافس المحموم لمزيد موالاتها. وبالنظر إلى خطورة القانون المُزمع المصادقة عليه قريبا، فقد رأيت من الضروريّ الإسهام في دفع النقاش حوله وذلك بالتطرّق إلى: لمحة حول المشروع ظروف استصداره في المُسوّغات السياسيّة وأهدافه المعارضة أمام تحدّي جديد. لمحة حول المشروع وحدها الحكومة التونسيّة التي تمتلك حتّى الآن مضمون مشروع القانون، وهو أمر لا يمكن أن يحدث إلاّ في ظلّ أنظمة شموليّة يتحوّل فيها المواطنون إلى مجرّد رعايا ملزمين بتأدية الواجبات بما فيها الخضوع التامّ لجميع ما يُسنّ من تشريعات قانونيّة. ومنه فإنّ مجال تطرّقنا يظلّ مرتبطا بما رشح من تسريبات إعلاميّة في المدّة الأخيرة. والتي يصبّ جميعها في اتجاه تأكيد أنّ « مشروع القانون الجديد » يندرج ضمن « جريمة الأمن الاقتصادي » المتأتّية عبر « تحريض جهات حكوميّة أو غيرها ضدّ تونس بهدف النيل من المصالح العليا والحيويّة.. » نفس المصادر أكّدت على أن المشروع الجديد يتنزّل ضمن تنقيحات اتصلت بالفصل 61 من المجلّة الجزائيّة الذي يعود تاريخ إصداره إلى 10 جانفي عام1957. ومثلما هو معلوم فقد تضمّن الفصل المذكور تجريم النيل من مصالح تونس الخارجيّة فيما يتعلّق « بسلامتها الترابيّة » وأمن الدولة الخارجيّ وهي « جرائم » ذات صبغة عسكريّة ودبلوماسية. والجديد وفق المنطق الحكوميّ يأتي استكمالا « لثغرة » مرتبطة بما هو اقتصادي. ظروف الاستصدار ممّا لا شكّ فيه أنّ تحديد مقاصد أيّ نصّ قانونيّ مهما كانت مجالات تطبيقاته وأهمّيته يظلّ مرتبطا بالظروف الماديّة لاستصداره. فجميع التشريعات بقطع النظر عن ضمانها للحقوق والحرّيات أو دوسها، ليست إلاّ استجابة لمُتطلّبات واقعيّة في مكان ما ولحظة ما. وعليه فإنّ مشروع القانون الحالي يتنزّل ضمن سياق سياسيّ واقتصاديّ واجتماعيّ معلوم يمكن حوصلة أهمّ عناصره في النقاط التالية: 1) على المستوى السياسي: تتجه الأوضاع السياسيّة ببلادنا نحو مزيد التدهور والانحطاط. فالسلطة صعّدت وتائر القمع السياسي منذ انتهاء المهزلة الانتخابية لرئاسية وتشريعية 2009 (اعتداءات، اعتقالات تعسّفيّة ومحاكمات جائرة، محاصرة مقرّات الأحزاب والجمعيات ومنازل النشطاء…) كما ارتفعت وتائر الحملات الإعلامية المشبوهة على رموز المعارضة الجدّية سواء المنتمين لأحزاب وجمعيات أو مستقلين. ولم تكتف هذه الحملات بالسبّ والشتم والتخوين وانتهاك الأعراض الخاصّة، بل تجاوزته إلى التحريض على الإعتاداءات البدنيّة والتصفية الجسديّة. والحقيقة التي أصبحت محلّ إجماع وإن بدرجات مُتفاوتة داخل المعارضة الجدّية في البلاد هي إمعان نظام الحكم في معالجاته الأمنيّة لمجمل معضلات المجتمع التونسيّ ممّا أثمر حياة سياسيّة وجمعياتية مختنقة ترزح تحت تغوّل جهاز البوليس السياسي على المعارضة القانونية وغيرها المناوئة والمساندة. وبالتوازي مع هذا التغوّل الذي يعكس تفاقم الطابع البوليسي للدولة، تسارع مروق الأخيرة (أي الدولة من لبوسها الشكلانيّ المتمثّل في ممارسة وظائفها القهريّة تحت يافطة القوانين والتشريعات الجائرة) إلى دوائر دولة التعليمات التي يجهل حتّى القائمون على تطبيقها مصادرها وأهدافها. والملفت للانتباه في الأشهر الماضية إمعان نظام الحكم أكثر من أيّ وقت مضى في هذا النهج الاستبدادي بطرق وأساليب شديدة الفجاجة طالت المعارضة الراديكالية وسواها، ولا نستبعد بالمرّة اتساع دائرة ضحاياها في المستقبل القريب. فجميع المؤشرات منذ انتخابات أكتوبر2009 وبلديات ماي 2010 تصبّ في خانة وحيدة هي تزايد القمع السافر من أجل تعبيد الطريق أمام، أوّلا الحصول على مرتبة الشريك المفضّل مع الاتحاد الأوروبي، وثانيا ترتيب الأوضاع إمّا لإدامة حكم « بن علي » أو لفرض بديل من الأوساط المقرّبة إليه. 2) على المستوى الاقتصادي: عملت الطغمة الحاكمة على امتداد السنوات الماضية بكلّ الطرق على تلميع صورة الاقتصاد التونسيّ مستفيدة من بعض شهادات الزور الصادرة عن دوائر إمبريالية نهّابة (مؤسسات، رؤساء، خبراء اقتصاديون..) بعضها تحدّث عن المعجزة التونسيّة وبعضها الآخر عن نموذج تونسي رائد وغيرها من الشعارات المخادعة التي قصف بها الإعلام الرسمي الشعب التونسي على الأخصّ أثناء كلّ استحقاق انتخابيّ عامّ وقت تعالي أصوات الاحتجاج في الداخل والخارج ضدّ تزايد انتهاكات حقوق الإنسان وتدهور أوضاع الحرّيات. وبعيدا عن هذا الضجيج يعرف كثيرون من متتبعيّ الشأن الاقتصاديّ أنّ الواقع الملموس لا يقترب من بعيد أو قريب لما يُروّج له، فالأرقام الرسميّة المُتّصلة بهذا الشأن لا يُعتدّ بها وقد وصلت الشكوك حتّى دوائر ماليّة كبيرة (تقارير البنك الدوليّ في السنوات الماضية..) كما أنّ نسبة النموّ الاقتصادي سنويّا (5.2%) إذا ما افترضنا صحّتها لا تبرّر بالمرّة الحديث عن معجزة و »نموذج » بما أنّ تونس عرفت نسبا أرفع من ذلك بكثير وتكفي الإشارة إلى الـ11% إبّان التجربة البنصالحيّة أواخر الستينات، إضافة إلى أنّ دولا كثيرة محدودة الإمكانيات المادية في كلّ من إفريقيا وآسيا كثيرا ما تجاوزت ما يُفاخرون به. والأهمّ من ذلك كلّه هو الإجابة على الأسئلة التالية: كيف تمّت نسبة النموّ؟ ولفائدة من تمّت تلك النسب؟ وهل ما تحقّق كان بمنأى عن مزيد إغراق البلاد في التبعيّة؟ ولعلّ ما لا يمكن إنكاره من أيّ كان هو تمسّك السلطة التونسيّة التامّ والمُطلق بتطبيق « وصفة صندوق النقد الدوليّ والبنك العالميّ في إدارة الشأن الاقتصاديّ وهي ذات الوصفة التي شُرِعَ العمل بها في السنوات الأخيرة من حكم بورقيبة (رشيد صفر) « فالإصلاح » الهيكلي وتأهيل المؤسسات انطلق منذ 1985 ولعلّ الامتياز الوحيد للسلطة الحالية هو الاستمرارية بنسق مرتفع في تفكيك القطاع العموميّ والعبث به لفائدة القطاع الخاصّ بشقّيه « المحلّي » والأجنبي. فالموازنات المالية للدولة التونسية في العشريتين الماضيتين قامت أوّلا وقبل كلّ شيء على عائدات الأرباح المُتأتّية من الخصخصة التي طالت قطاعات إنتاجيّة إستراتيجية مثل الإسمنت والفلاحة وبعض قطاعات الخدمات. وبالتوازي مع دفع الخصخصة التي لم تستثن قطاعا ومجالا (تعليم، صحّة، مواصلات، خدمات..) « بعيدا عن المعايير القانونية بما أنّ الزبونيّة السياسية والعلاقات الأسرية هي التي تحكّمت في مسار تلك العمليّة » فقد عمدت السلطة بصفة دائمة إلى الترفيع المُشطّ والعشوائي للمعاليم الجبائيّة وكلّ ما يتّصل بالأداءات المباشرة وغير المباشرة التي أثقلت كاهل الفئات الشعبية وأنعشت خزينة الدولة. 3) على المستوى الاجتماعي: موّه النظام التونسيّ كثيرا في الداخل وخصوصا في الخارج بمنجزاته الاجتماعيّة، وزوّر الوقائع كما طاب له، ووصل به الأمر إلى ادّعاء الاقتراب من القضاء على الفقر والأميّة مُقدّما نفسه نموذجا للتنمية البشريّة والاجتماعيّة أيضا. متعلّلا كالعادة « بمعزوفة » « الاستقرار » و »السلم الاجتماعيّة »، إلاّ أنّ مجريات الأوضاع وتطوّر الحراك الاجتماعيّ وخصوصا بمنطقة « الحوض المنجميّ » وما تلاها من حركات احتجاجيّة في مناطق متفرّقة (فريانة بالقصرين، السخيرة بصفاقس..) كلّ ذلك قد وجّه ضربة مؤلمة لذلك الخطاب، فانتفاضة الحوض المنجميّ أبرزت على السطح حقائق مُفزعة منها حدّة التفاوت الجهوي وانتشار البطالة وتفشّي الفقر والعوز في مناطق أساسيّة وشاسعة بالبلاد قوّض نهائيّا ما ادعته الحكومة من نهايات قريبة لما تبقّى من مناطق الظلّ وجيوب الفقر. فالبلاد كلّ البلاد جيب واسع للفقر ومنطقة ظلّ رحبة تعمّقت فيها الفوارق الطبقيّة كما لم يحدث من قبل، ممّا أفضى إلى نموذج طبقيّ شديد الجور وقابل للانفجار في أيّ وقت وتحت أيّ سبب كان فالسياسة النيولبراليّة المتوحّشة المُتبعة من الفريق الحاكم أسهمت في إحداث تغييرات طبقيّة واجتماعية حادّة على المجتمع، أوّلها التمركز المُفرط لوسائل الإنتاج وبالتالي رأس المال، وثانيها هيمنة الأجنحة الأكثر عمالة وجشعا من الوسط البورجوازي على شرايين الاقتصاد التونسي (البورجوازيّة الكمبرادوريّة)، وثالثها تضييق الخناق المادّي على البورجوازيّة الصغيرة ودفع شرائح واسعة منها إلى تخوم الخصاصة التي تضرب الطبقة العاملة والمُفقّرين عموما. فالنموذج التونسي أنعش ولازال كلّ الآفات الاجتماعيّة. فمعدّل البطالة المُصرّح به 14% يتجاوز المعدّل الإفريقي بـ4% (10%) والعالمي بأكثر من 8% (6%) ونسبة الأميّة في تصاعد مستمرّ، وهناك مصادر كثيرة تُقدّرها بحوالي 25% في حين أنّها لا تتجاوز 8% في فلسطين المحتلّة!!! والفقر الذي تزعم السلطة الحدّ من ضحاياه إلى حدود 3% يتّسع ويعُمّ في المدن والأرياف التونسيّة ويطال شرائح اجتماعيّة جديدة كانت في الوقت القريب مُصنّفة ضمن القاعدة العريضة لشريحة البورجوازيّة الصغيرة. وبالتساوق مع هذا التدهور الخطير تنتشر آفات اجتماعيّة أخرى مثل الإدمان على المخدّرات وتعاطي البغاء والجريمة والتسوّل… ممّا أفرز أزمة قيميّة حادّة تطحن المجتمع التونسي الذي وجد نفسه ضحيّة تجاذبات تيّارات فكريّة وقيميّة أخلاقيّة متناقضة (ليبراليّة غربيّة متفسّخة يقابلها عودة سلفيّة للأصول). في المُسوّغات السياسية يُفترض من الحكومة التونسية تقديم المسوّغات السياسية لمشروع القانون الجديد وذلك ما أحجمت عن فعله وفق قناعة قديمة تتمثّل في معاملة التونسيين مثل العبيد والرعايا المدعوّين دوما إلى تطبيق القانون واحترامه بعيدا عن كلّ نقاش أو جدل. وعليه فإننا مجبرون على تحديد المسوّغات من خلال بلاغ مُقتضب صادر على إثر اجتماع مجلس الوزراء يوم 20 ماي 2010 وما تلاه من تعليقات صحافيّة موالية للحكومة. وبصفة عامّة يمكن حوصلة المُبررات في النقاط التالية: سدّ ثغرة قانونية الدفاع عن المصالح الاقتصادية العليا ضمان السيادة الوطنية « رُبّ عذر أقبح من ذنب » يحرص المُدافعون عن مشروع القانون الجديد على أنّ الأخير لا يتعدّى مجال التنقيحات المُتصلة بثغرة قديمة تتصل بالفصل 61 من المجلّة الجزائية. وذلك في محاولة بائسة لإخفاء الأسباب الظرفيّة المباشرة لسنّ مثل هذا القانون حتّى لا يتكشّف من جهة الطابع الزجريّ لهذه التنقيحات ومن جهة أخرى للتغطية على العقليّة الانتقامية المُتوتّرة للنظام وتبرّمه من تعالي الأصوات في الداخل والخارج ضدّ سياساته القهريّة التي أضحت عبئا ثقيلا حتّى على أسياده في عواصم غربيّة كثيرة. ممّا لا جدال حوله أنّ المشروع الجديد ثمرة أوضاع سياسيّة مباشرة وآنيّة. والحكومة اختارت أن يكون التشريع الجديد مرفقا لفصول قانونيّة قديمة. وكان بالإمكان أن تنحو نهجا آخر لا يمتّ بصلة للتعديلات التي تأتي سدّا لثغرة قديمة. فكلّ عاقل ليس بإمكانه قبول مثل هذه التخريجات دون طرح أسئلة عديدة من قبيل: ما هي المُبرّرات الحقيقيّة التي جعلت الحكومة التونسيّة تقدم على سنّ مثل هذا التشريع؟ وما الذي جعل النظام الحاليّ بخبرائه الكُثر في مجالات القانون والسياسة لا يتنبّهون لكذا ثغرة؟ وما هي الأضرار الاقتصاديّة التي لحقت البلاد طوال أكثر من نصف قرن في ظلّ غياب مثل هذا المشروع؟ كلّ هذه الأسئلة وغيرها مبرّرة، فالحديث عن « ثغرة » في المجلّة الجزائيّة بمثل هذا الحجم (الأمن الاقتصاديّ) يطرح بصفة جدّية في الميزان سنوات الحكم الطويلة من حكم النظام الدستوري بجميع مؤسّساته التشريعيّة والسياسيّة المتعاقبة. كما أن القول بسدّ « الثغرة » في هذا الباب يفترض وجوبا مقاضاة الحكومة الحاليّة وما سبقها بتهمة التهاون في تأمين الأمن الاقتصادي، وأكثر من ذلك فإنّ الحزب الحاكم « التجمّع » حاليا، « الحزب الدستوري » قديما، مدعوّ لإعلان عدم أهليّته في إدارة شؤون البلاد وبالتحديد في المجال الاقتصادي الرافعة الضروريّة لتأمين كرامة الشعب وعزّة الوطن التي كثيرا ما لوّحوا بها في وجه المعارضة التونسيّة. فتطوير المنظومة القانونيّة وسدّ الثغرات الحاصلة أمر مطلوب في كلّ مجتمع، إلاّ أنّ الحديث في هذا الظرف وبحجم هذا التعديل يُصبح من قبيل التبريرات الإيديولوجيّة المُضحكة. ذلك أنّ التشريع التونسي الحالي تطرّق في أكثر من مجلّة قانونيّة لجرائم النيل (بالتحريض) من مصالح البلاد الخارجيّة وتكفي الإشارة إلى قانون الأحزاب والفصل 51 من قانون الصحافة. وعليه فإنّه حريّ بالحكومة التونسيّة التي تمتلك كلّ الإمكانات المادية والسياسية الإعلان صراحة عن سنّ قانون جديد والدفاع عنه بما تراه ملائما غير اللجوء إلى سدّ الثغرة الذي وضعها في زاوية ضيّقة. « حاميها حراميها » مرّة أخرى تلجأ السلطة إلى التمويه في استصدار هذا القانون وذلك باستنباط مقولة « الدفاع عن المصالح الاقتصاديّة العليا » ومعلوم أنّ التمويه يطال الأسباب السياسية المباشرة (صعوبة المفاوضات مع الطرف الأوروبي، تعالي الأصوات الناقدة للاستبداد بالداخل والخارج، الخ.) التي تحكّمت في الاستصدار. ومن جديد تجد الأسئلة مشروعيتها. فما المقصود بالمصالح الاقتصادية العليا؟ ومن الجهة التي بإمكانها تحديد هذه المصالح والضرر الذي قد يلحقها؟ وهل هناك فهم موحّد وأوحد لماهية هذه المصالح؟ وهل الآن فقط انتبه نظام الحكم إلى توفير الضمانات القانونية لحماية المصالح الاقتصادية؟ والأهمّ من كلّ ذلك هل الحكومة الحاليّة بل النظام الدستوري برمّته تحمّل مسؤولياته ماضيا حتّى يستصدر قانونا يدّعي فيه حماية المصالح الاقتصادية في المستقبل؟ مثل هذه الأسئلة وغيرها كثير يُطرح في الأوساط السياسية والحقوقية بتونس وخارجها. ولعلّ ما لا يرقى إليه الشكّ وأيّ كان الموقف من المشروع الجديد فالنصّ الحالي منظور إليه من الزاوية القانونية المحضة لا يمكن بالمرّة أن يُمثّل تشريعا جوهريّا لحماية المصالح الاقتصادية لبلادنا. أكثر من ذلك يمكن الجزم أنّ إقحام الحديث عن « الاقتصاد » والأضرار التي قد تطاله وفق « الجرائم » التي يُحدّدها النصّ الجديد ليس سوى تبريرا لخطوة جديدة تخطوها الحكومة التونسيّة في اتجاه مزيد خنق المعارضة التونسيّة وقطعها عن محيطها العربي والعالمي. والحقيقة أنّ استصدار مثل هذا القانون بهذه الحيثيات يمثّل بدعة تونسية خالصة على الأقلّ في الأنظمة السياسية القائمة في هذه الألفيّة. ومن الأكيد أنّ عديد الأنظمة الشمولية كالنازية والفاشية التي حكمت بلدانا مثل ألمانيا وإيطاليا قد عرفت تشريعات تقارب ما أقدمت عليه الحكومة التونسية فالمصالح الاقتصادية العليا وفق التعديلات القانونية الأخيرة مفهوم فضفاض من المؤكّد أنّ القائمين على تلك التعديلات خيّروا إبقائه على تلك الشاكلة لاستخدامه كيف ما شاءوا وضدّ من عنّ لهم. ومعلوم أنّ مثل هذا الغموض له جذور ممتدّة في المنظومة القانونية التونسية، فهو علامة أوليّة على الطابع الديكتاتوري لهذا النظام الذي لم يعُد مكتفيا بالترسانة القانونية الزجريّة القائمة. ثمّ إنّ هذه المصالح الاقتصاديّة العليا التي يزعمون حمايتها وقع العبث بها أكثر من 6 عقود. ومعلوم أنّ النظام الدستوري هو من تولّى ذلك العبث الذي تسارعت وتائره في 23 سنة الماضية. ممّا فاقم وضع التبعيّة الاقتصادية على كافّة الأصعدة وأثمر اقتصادا هجينا مُفكّكا بعيدا كلّ البُعد عن تحقيق الحاجيات الأساسية للشعب. فالمصالح الاقتصاديّة العليا تمّ التفريط فيها ولازال من خلال دفع قطار الخصخصة التي استفاد منها أوّلا وقبل كلّ شيء الرأسمال الأجنبي الإمبريالي (أفرادا ومؤسسات). ونفس تلك المصالح تمّ هتكها من خلال إقامة علاقات اقتصادية غير متكافئة بالمرّة مع جهات أجنبيّة استعمارية لا يهمّها سوى مراكمة الأرباح القصوى على حساب قوت التونسيين. من كان بيته من زجاج… يحتلّ الحديث عن الوطن والوطنيّة ركنا مُهمّا في استصدار المشروع الجديد أو في الحملة الإعلاميّة الواسعة التي ترافقه. فالحقيقة أنّ قرع الطبول على هذه الواجهة ليس سوى لعبا ديماغوجيا فجّا على المشاعر الوطنيّة للشعب التونسيّ. بل إنّ التلويح بالوطنيّة على هذه الشاكلة علامة أخرى على الطابع الديكتاتوري لنظام الحكم. فالسيادة الوطنيّة ليست شعارات جوفاء وكلام سياسيين لتبرير الاستفراد بالحكم والتحكّم في الثروات، فهي ثمرة سياسات اقتصاديّة وعلاقات خارجيّة لا نجد ولو أثرا بسيطا لها في التاريخ الطويل لنظام الحكم الذي قام منذ الأيام الأولى على إجهاض التطلّعات الوطنيّة لأحرار الحركة الوطنيّة (تصفية التيار اليوسفي). والعزّة الوطنيّة لا يمكن أن يعرفها من عمل أكثر من 6 عقود على ربط البلاد اقتصاديّا وسياسيّا وثقافيّا بالدوائر الإمبريالية النهّابة. والعزّة لا تمتّ بأيّة صلة لمن أقام علاقات عسكريّة تقوم على التبعيّة لدول وأحلاف عسكريّة معروفة بعدائها التاريخي ليس فقط للشعب التونسي وإنّما لكافّة الشعوب العربيّة. والكرامة الوطنيّة لا تستقيم بالمرّة في ظلّ اللهث وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني وغضّ الطرف ليس فقط على جرائمه المرتكبة في حقّ أشقائنا الفلسطينيين بالأراضي المحتلّة وإنّما الصمت المُريب عن فظاعاته على الأراضي التونسيّة (حمّام الشطّ، اغتيال الشهيد أبو جهاد..). في أهداف الشروع الجديد إذا تركنا جانبا المسوغات المقدّمة في الخطاب الرسميّ يتّضح بسهولة أنّ الهدف الأوّل للتشريع الجديد يصبّ في اتجاه مساعي الديكتاتوريّة القائمة على مزيد إحكام القبضة القمعيّة الثقيلة على المجتمع وخصوصا على القوى المعارضة الراديكاليّة التي نجحت إلى حدّ ما في فضح الطابع المسرحيّ للاستحقاقات الانتخابيّة وما صاحبها من تعالي الأصوات الناقدة والمنتقدة لنظام الحكم في الخارج بما في ذلك في أوساط رسميّة (دول بالاتحاد الأوروبّي، أمريكا…) كانت ولازالت مرتكزات قويّة لوجود النظام وبقائه حتّى الآن. فأهداف القانون الجديد يمكن تحديدها دون لُبس في علاقة باللحظة التاريخيّة الحالية ومعلوم أنّ هذه اللحظة تُمثّل مجمل تقاطعات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة داخليّة وخارجيّة. ومن الواضح أنّ جميع ما يتّصل بما هو داخلي يمثّل صعوبات جدّية للفريق الحاكم يدفعه نحو مزيد الانغلاق والتعويل أكثر فأكثر على القمع وتوسيع دائرة ضحاياه حتّى يتمّ تعبيد الطريق أمام فضّ مسألة « التوريث » أو « التمديد » ضمن مناخ سياسي واجتماعي هادئ ومُدجّن أكثر من ذي قبل. ومن الواضح أيضا أنّ المعطيات المرتبطة بما هو خارجيّ فيها ما يمثّل منغّصات لترتيب البيت « الدستوري » في المستقبل القريب، وهو ما دفع نظام الحكم إلى اتخاذ قرار سنّ قانون « فاشستي » يكمّم الأفواه في الداخل والخارج وفي السياقين تظلّ الأصوات الحرّة للتونسيات والتونسيين هي الضحيّة. وكعادة بعض التشريعات التي تمّ استحداثها في عهد « بن عليّ » أتى القانون الحالي محكوما أوّلا بعقليّة أمنيّة بوليسيّة وثانيا بنزعة انتقاميّة تنكيليّة وثالثا على مقاس ضحايا معروفين ومُحدّدين سلفا. وفي مسألة الحال فإنّ المرء لا يحتاج إلى فطنة كبيرة لمعرفة من الوجوه السياسية والحقوقية المُستهدفة سواء في تونس أو خارجها فهم وهنّ بطبيعة الحال من مثّلوا مادّة إعلامية لعويل الصحافة الصفراء طوال الأشهر الماضية. ومن المفارقات العجيبة أنّ القانون الحالي يودّ التأسيس صراحة إلى عزل تونس وأحرار تونس عن العالم الخارجي بكلّ أبعاده الرسميّة وغير الرسميّة وهو ما لم يحدث في أيّ فترة من تاريخ تونس بما في ذلك زمن الاستعمار المباشر. فهل من المبالغة اعتبار قانون بهذه المقاصد مروقا كليّا عن سياق العصر والتاريخ الحديث للبشريّة؟ فهل من المبالغة اعتبار هذا المشروع تأسيسا قانونيّا خطيرا يفتح الباب مشرعا على مزيد دهورة الحياة السياسية في تونس بما يخدم الديكتاتوريّة؟ فالقانون الجديد مثلما يتبادر للأذهان ليس فقط تجريما للنقد والانتقاد في بلادنا وإنّما تجريم لمجرّد نقل المعلومة كما هي في الواقع الموضوعي بعيدا عن إبداء الرأي والتحليل. وبهذا المعنى فإنّ لا أحد في الداخل أو الخارج بإمكانه الحديث عن أيّ أمر يتعلّق بالشأن التونسي دون إمكانية أن يصبح متّهما بإلحاق الضرر بمصالح البلاد ويتحوّل إلى متهم بالخيانة والتعرّض إلى سنوات طويلة من السجن!!! فالصمت التّام وفي كلّ المجالات ومن الجميع منضّمين أو مستقلّين وجوبيّ وفق هذا القانون وإن حصل العكس فالسلطة وحدها من تقرّر، إمّا غضّ الطرف أو تحريك دعوة قضائيّة. ومن الطبيعيّ أن يكون الاتصال بالخارج في بعديه الرسمي وغير الرسمي، بصفة مباشرة أو دونها فعل قابل للتجريم وفق الجهة الوحيدة (السلطة) التي لها حقّ تقرير الأفعال وأهدافها. وبعد هنا تجد السلطة الجرأة للحديث عن حرّية التعبير والتفكير واحترام حقوق الإنسان؟!! المعارضة أمام تحدّ جديد منذ انعقاد قمّة المعلومات في 2005 واتّساع دوائر النقد داخليّا وخارجيّا لنظام الحكم دخلت السلطة تدريجيّا في مرحلة جديدة من خطّتها القمعيّة الهادفة لمزيد إخضاع المعارضة الحقيقية وتضييق الخناق أكثر فأكثر على مجمل فعاليات الحراك الاجتماعي والسياسي والحقوقي. ولعلّ الخيبات المتتالية لهذا النظام من زاوية افتضاح أمر مسرحياته الانتخابية في 2009 و2010 مضافا إليها صعوبات الحصول على مرتبة الشريك المُفضّل والخوف من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على اقتصاد « وطنيّ » منهك بالتبعيّة، هشّ باستشراء الفساد المالي وتبديد المال العامّ. لعلّ كلّ هذا مضافا إليه الرعب من نهوض الحركة الاجتماعيّة والشعبيّة، يمثّل الأسباب المباشرة لتزايد الانغلاق السياسي الذي بلغ درجات مُفزعة في الأشهر الأخيرة (إيقافات نشطاء في الحقل الإعلامي والسياسي والطلاّبي…) رافقته حملة إعلاميّة واسعة طالت الأعراض والحياة الخاصّة بأفظع الشتائم والتخوين. وقد انصبّت هذه الحملات بصفة أساسية على القوى الديمقراطية العلمانية والليبرالية التي من المؤكّد أنّها المستهدفة الأولى من مشروع القانون الجديد الذي يقابله في الجهة الأخرى قانون « مقاومة الإرهاب » سيئ الصيت. وممّا لاشكّ فيه أنّ الأشهر القادمة وربّما الأسابيع القليلة الآتية قد يكشفان عن ملامح تصعيد خطير يستهدف مزيد دهورة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب التونسي مما يُحتّم على كلّ المعارضة الجديّة استنهاض قواها وصهر كلّ فعاليات حراكها في تيّار واحد يستهدف على الأقلّ صدّ هجوم الديكتاتورية وتقليم أظافرها بما يوفّر الشروط الأنسب لتحقيق التغيير الديمقراطي المنشود. قفصة في 12 جوان 2010
(المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 13 جوان 2010)
ثمّ ماذا..؟ هل وقع استيعاب الدّرس؟
انتهت مهزلة الانتخابات البلدية التي جرت يوم 9 ماي الماضي. ولم تكن نتائجها لتفاجئ أيّ عاقل. فرغم أن مكاتب الاقتراع ظلت فارغة طوال اليوم المذكور إلا من عدد قليل من الناس، المنتمين إلى الحزب الحاكم، وغير المتحمّسين أصلا، فإن وزير الداخلية لم يجد حرجا في الادعاء بأن نسبة المشاركة بلغت 83.47% من المرسمين في محاولة منه أولا للإيهام بأن المهزلة لاقت « نجاحا جماهيريا منقطع النظير »، وثانيا: لإيجاد مبرر للنتائج المفبركة بالكامل التي أعلنها والتي أسندت 90.66% من المقاعد إلى الحزب الحاكم (4060 مقعدا من جملة 4478 مقعدا) ووزعت ما تبقى من الفتات (418 مقعدا) في شكل « هبة » أو بالأحرى رشوة سياسية، على أحزاب الديكور وفقا للترتيب المعهود الذي تأتي على رأسه « حركة الديمقراطيين الاشتراكيين » فـ »حزب الوحدة الشعبية »، فـ »الاتحاد الديمقراطي الوحدوي » فـ »الحزب الاجتماعي التحرري » فـ »حزب الخضر من أجل التقدم ». ولم تجن بعض « القائمات المستقلة » كتلك التي تقدمت في جبنيانة والشابة أي مقعد بعد أن زُوّرت النتائج التي حصلت في مركز الولاية ووقع النزول بها إلى ما دون الـ3% (جبنيانة 2.9% عوض 21.48%) التي تمثل الحد الأدنى المطلوب للحصول على « نصيب » من المقاعد « المخصصة » لـ »المعارضة ». لقد نبّه حزب العمال الشيوعي التونسي منذ البداية إلى الطابع المهزلي لهذه الانتخابات معلومة النتائج مسبقا ودعا إلى مقاطعتها. فلا المناخ السياسي الذي تنعدم فيه الحريات انعداما كاملا ولا الإطار القانوني الذي لا يضمن بأي شكل من الأشكال سير الانتخابات وفق القواعد الديمقراطية المتعارف عليها، كانا سيسمحان بأن تجري الانتخابات البلدية في ظروف عادية لتعبّر عن إرادة الناخبين. وقد كان هذا الأمر واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار خصوصا بعدما حدث من مهازل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية لشهر أكتوبر الماضي وما تلاها من تصعيد للقمع وتشديد للانغلاق السياسي. وقد جاءت النتائج اليوم لتؤكد ما نبهنا إليه، وتبيّن مرة أخرى أن نظام حزب الدستور لا « يخاطر » ولا « يلعب » بسمعته كنظام دكتاتوري، بوليسي، معاد للديمقراطية عداء جذريا وجوهريا وهو لا ينفك يعطي الدرس تلو الدرس لكل من يمني النفس أو يتوهّم بأن يراه في يوم من الأيام يلتزم بالمبادئ الديمقراطية ويحترم الإرادة الشعبية. لقد وجدت بعض « التحاليل » التي سبقت الانتخابات البلدية والتي مفادها أن السلطة قد تلجأ إلى « تليين » سلوكها بعد كل الفضائح التي رافقت مهزلة الرئاسية والتشريعية والتي أضرت بصورة النظام في الداخل والخارج. ولكن الأحداث بيّنت أن السلطة ازدادت غطرسة وصلفا فأجرت الانتخابات البلدية في ظروف أكثر تدهورا حتى من تلك الظروف التعيسة التي جرت فيها « الانتخابات » الرئاسية والتشريعية ولم تتورّع حتى عن تزوير نتائج وقع التصريح بها في مكاتب الاقتراع أمام الملاحظين (جبنيانة، الشابة…). كما بينت الأحداث أيضا خطأ التحليل الذي بنى عليه عدد من المناضلين في جبنيانة والشابة مشاركتهم في الانتخابات. ويتمثل هذا التحليل في أن « الظروف المحلية » في كلتا المدينتين ملائمة للمشاركة ولفرض الإرادة على السلطة المحلية ومنعها من دوس إرادة الناخبين فجاءت الوقائع لتفند مثل هذه التخمينات، ذلك أن المنطق السياسي، كان يقضي بناء الموقف من الانتخابات لا على أساس نظرة محلية، ضيقة، بل على أساس وضع وطني عام، على أساس الظروف العامة التي تجري فيها الانتخابات والتي تحدد طبيعتها ومآلها في نهاية الأمر. فجبنيانة والشابّة ليستا معزولتين عن الوضع العام بالبلاد وخصائصه، والسلطة ما كانت لتتبع سياسة معينة بهاتين المدينتين تختلف عن سياستها في المناطق الأخرى، خصوصا وأنها ماسكة أمنيا بالأوضاع، وليس أدل على ذلك من غياب أيّ ردّة فعل شعبية (تجمّعات، مسيرات…) في جبنيانة والشابة عن التزوير الممنهج والسافر. إن المهم اليوم أن يستخلص الجميع الدرس وينزع كل طرف الأوهام عن نفسه. لقد ظل نظام حزب الدستور يدوس على مدى أكثر من نصف قرن على الإرادة الشعبية، ولا نعتقد أنه ينبغي انتظار نصف قرن آخر حتى تعم القناعة بأنه نظام دكتاتوري، استبدادي، معاد للديمقراطية وأنه لن يقبل إطلاقا عن طواعية أن يتمتع الشعب التونسي بحريته وحقوقه الأساسية وأن يمارس بالتالي حقه في اختيار من يمثله ومن يحكمه على كافة الأصعدة الوطنية والجهوية والمحلية. لقد آن الأوان لكي تكتل المعارضة المستقلة بحق صفوفها من أجل وضع حد للاستبداد والدكتاتورية وخلق المناخ المناسب لكي يمارس الشعب التونسي سيادته. إن نظام بن علي بعد أن داس على الإرادة الشعبية في انتخابات أكتوبر 2009 الرئاسية والتشريعية وفي انتخابات 9 ماي 2010 البلدية وأعاد بسط نفوذه على الحياة العامة عن طريق التزوير الممنهج والقوة البوليسية الغاشمة يعد العدة لانقلاب جديد على « الدستور » لكي يفتح الباب للتمديد لبن علي لولاية سادسة (2014- 2019) تكريسا لرئاسة مدى الحياة غير معلنة، ولإيجاد صيغة من صيغ توريث الحكم أيضا حتى لا تفلت في صورة وفاة بن علي قبل 2014 وبعده، من أيدي العائلات المتنفذة، صاحبة المصلحة في الاستبداد وفي قمع الشعب وحرمانه من حقوقه. وتمثل هذه المسألة محكا أساسيا للمعارضة المستقلة في بلادنا لكي ترقى إلى مستوى طموحات الشعب التونسي وتفرض التغيير الديمقراطي المنشود في مواجهة مع مخططات « التمديد » و »التوريث » للاستبداد وهو ما يقتضي نقاشا مباشرا وجديا حول شروط هذا التغيير وبرنامجه وآليات تحقيقه. فهل يكون لدعواتنا ونداءاتنا هذه المرة الصدى المنشود لدى مختلف القوى السياسية والمدنية الراغبة في التغيير؟ ذلك ما نأمله. (المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 12 جوان 2010)
أثارت مشاركة حزب العمال الشيوعي التونسي في الانتخابات البلدية بجبنيانة ردود فعل متباينة. فقد جاءت هذه المشاركة مفاجئة بما أن الحزب أكد بصفة رسمية مقاطعته لهذه الانتخابات على المستوى الوطني ودعا الشعب التونسي إلى مقاطعتها. ولوضع النقاط على الأحرف ارتأينا توضيح موقف الحزب بخصوص هذه المشاركة. إن حزب العمال يؤكد من جديد على موقفه الثابت من هذه الانتخابات، وهو المقاطعة لأن الوضع السياسي العام (كما سبق وبيّن الحزب ذلك عديد المرات) الذي تعيشه البلاد والذي دارت فيه الانتخابات البلدية الأخيرة لا يشجع على المشاركة، بل ولا يوفر أي إمكانية للمعارضة الديمقراطية لخوض غمارها. فوتيرة القمع ما انفكت تتزايد وهجوم الدكتاتورية طال كل مكونات المجتمع المدني أحزابا وجمعيات وشخصيات وطنية، علاوة على القوانين الانتخابية التي لا تكفل الشروط الدنيا لانتخابات ديمقراطية. وهذه الحالة هي حالة عامة تهم كل البلاد وليست هناك منطقة يمكن اعتبارها استثناء لأنه حتى وإن وجدت بعض الجهات التي تتميز بوجود معارضة قوية نسبيا فإن تغوّل الدكتاتورية النوفمبرية وتحكمها في العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، عن طريق التزوير المفضوح، لا يترك أيّ مجال للمعارضة للفوز. ومن هذه الزاوية فإن جبنيانة لا يمكن أن تمثل استثناء. لكن الاستثناء الوحيد هو تمكـّن عدد من المناضلين في هذه البلدة من تشكيل قائمة مستقلة وديمقراطية تضم في صفوفها وجوها معروفة بنزاهتها ونضاليتها. وتمكنت هذه القائمة من تحريك الشارع وتعبئته ودفعه لخوض معركة انتخابية حقيقية. ومنذ البداية لم يكن لدى الحزب أي وهم انتخابي وعمل أنصاره في الجهة على خوض مشاركة موحدة ونضالية في أفق إرساء عمل مشترك مستقبلي لتجاوز حالة التشتت والانقسام وتكتيل الجهود ضد العدو المشترك وهي المسألة التي يوليها حزب العمال أهمية خاصة ويعتبر أن لا مستقبل للحركة الديمقراطية بدونها. وقد كان شرط الحزب الأساسي للموافقة على المشاركة هو طبع هذه المشاركة بطابع نضالي. وقد عملت السلطة منذ البداية على شق الصفوف ومحاولة خلق الشقاق بين الحزب وبين حلفائه. وظهر ذلك بالكاشف عندما وافقت على مشاركة القائمة المستقلة ومنحتها الوصل النهائي. وهو موقف يعتبر مفاجئا باعتبــار وأن القاعدة التي درجت عليها الدكتاتورية في تعاملها مع القائمات المستقلة، وخاصة تلك التي تضم في صفوفها وجوها قريبة من حزب العمال، هي الإسقاط. وقد عرفت القائمة تجاذبات بين منحى « تنازلي » وآخر نضالي. وقد تفوق المنحى الأول الذي كان يهدف إلى الحفاظ على القائمة ودخول المعركة الانتخابية حتى وإن كان ذلك يتطلب تقديم بعض التنازلات. وقد تم فعلا تقديم هذه التنازلات بخصوص البيان الانتخابي. التنازل الأول يتعلق بحذف فقرة تتعرّض بالنقد للانتخابات الرئاسية والتشريعية في أكتوبر الفارط. أما التنازل الثاني فقد شمل حذف فقرة تتعلق بهيمنة الحزب الحاكم على البلدية منذ تأسيسها. وقد قـَبـِل حزب العمال مواصلة العمل ضمن القائمة المشاركة، رغم حصول هذه التنازلات التي لم يكن موافقا عليها، حفاظا على عقليّة العمل المشترك والموحد التي سادت طيلة فترة التحضير لخوض الانتخابات. وخلال الحملة الانتخابية طغى التوجه النضالي على مجمل التحركات وهو ما أثار حفيظة بعض المشاركين في القائمة ووصل بهم الأمر إلى حد التلويح بالانسحاب. خلاصة القول أن الحفاظ على وحدة القائمة كان يعني بالنسبة لحزب العمال الحفاظ على وحدة العمل مع الأطراف التي أثبتت قابليتها واستعدادها لهذا العمل قبل الانتخابات. وكان هدف الحزب هو خروج المعارضة بعد الانتخابات أكثر توحدا وانسجاما. وهو أمر مهم لمستقبل الحركة الديمقراطية ليس في جبنيانة فقط وإنما في البلاد ككل. وقد بدا واضحا أن السلطة تسعى بكل الوسائل إلى استغلال الانتخابات لمزيد تشتيت المعارضة وتوجيه بعضها ضد بعض من خلال تضخيم موقفيْ المشاركة والمقاطعة والتغطية عل المسائل المهمة الأخرى وفي مقدمتها وحدة المعارضة ضد الدكتاتورية. وبذلك أصبح مدار الصراع ليس الانتخابات والموقف منها (مقاطعة أو مشاركة) فحسب وإنما أيضا الحفاظ على وحدة المعارضة وتماسكها. وهو أمر ليس بالهين في ظل عقلية الحسابات الفئوية الضيقة التي مازالت تميز المعارضة في تونس والتي ما فتئت السلطة تغذيها بكل الوسائل. ويمكن اعتبار الحملة الانتخابية التي جرت في جبنيانة مناضلة نسبيا. فخلالها تم توزيع البيان الانتخابي بأعداد كبيرة. وتم الاتصال بالمواطنين في منازلهم مما أقلق البوليس الذي كان يتعقب أعضاء القائمة وأنصارها وهم يجوبون المدينة محاولا إرهاب المواطنين. وقد واجه أعضاء القائمة وأنصارها البوليسَ بشجاعة وأجبروه على المغادرة في بعض الأحيان منددين بممارساته أمام المواطنين الذين تعاطفوا معهم. كما حاول البوليس منعهم من تعليق لافتاتهم فتم التصدي له بالشعارات مما أجبره على التراجع. ونظمت القائمة حفلا موسيقيا ملتزما حضره عدد كبير من المواطنات والمواطنين من مختلف الأعمار والفئات. وقد أربكت الشعارات المرفوعة أثناء الحفل، والتي تمحورت حول الحريات والطلبة المساجين والبلدية، البوليسَ. وقد كانت مداخلة رئيس القائمة التي تخللت الحفل متناسقة مع المناخ العام فاستوعبت جميع القضايا المطروحة ولم تقتصر على الوضع المحلي البلدي. وبعد الحفل خرج الجميع في مسيرة رغم تحذيرات البوليس وتهديداته. واعتصم العشرات أمام مقر المعتمدية مطالبين بتمكينهم من بطاقاتهم الانتخابية، فتدخـّل البوليس لتفريقهم لكنه وجد صعوبة في ذلك فاستجابت السلطات المحلية ومكنت البعض من بطاقاتهم الانتخابية. أما يوم الانتخابات فقد تمت عسكرة المدينة وهو ما يعكس حالة الذعر التي لاحت على السلطة. وقد تسربت أخبار مفادها أن المسؤولين المحليين والجهويين اجتمعوا في مقر الولاية والمعتمدية وتحدثوا بإطناب عن القائمة المستقلة وأشاروا إلى وجود حزب العمال فيها. وعبّروا عن ندمهم من تمكينها من الوصل النهائي. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن البوليس بدا يوم الانتخابات أكثر شراسة وتشددا حيث عمد إلى تعنيف بعض المناضلين وإرغامهم على ملازمة منازلهم. وبدل حضور « الملاحظين » لمراقبة سير العملية الانتخابية كان البوليس يصول ويجول في المدينة ليتيسر للحزب الحاكم تحقيق « الفوز ». ورغم ذلك فقد أكد العديد من شهود العيان حصول خروقات وتجاوزات عديدة داخل وخارج مكاتب الاقتراع. ولم يكن يخطر ببال الحاضرين لعملية الفرز أن يتم التزوير بذلك الشكل السافر. فبعد الإعلان عن النتائج بمقر المعتمدية وحصول القائمة على 21.4% من جملة الأصوات أي على أكثر من 400 صوت تغيرت الأرقام أثناء الإعلام الرسمي فارتفع عدد الأصوات التي تحصل عليها التجمّع من 1300 إلى 3059 ونسبة المشاركة من 54.45% إلى 97%. ونزلت النسبة المئوية التي تحصلت عليها القائمة المستقلة من 21.4% إلى 2.9%. إن هذه التجربة الملموسة أثبتت مرة أخرى أنه لا وجود لرهان انتخابي. وأنه حتى في صورة تمكن المعارضة من خوض معركة انتخابية حقيقية واستغلال هامش الحملة الانتخابية لتحقيق بعض المكاسب فإن هذه المكاسب تظل جزئية ومحدودة أمام ما يمكن أن يترسّخ لدى عامّة الناس من وَهْمِ حول عمليّة انتخابية مزوّرة من أساسها ومتحكـّم فيها من طرف الدكتاتورية من بدايتها إلى نهايتها. كما أثبتت هذه التجربة أن حزب العمال مستعد لتقديم بعض التنازلات لفائدة الحفاظ على وحدة العمل مع المعارضة حتى وإن كانت هذه التنازلات تتعارض مع موقفه العام من هذه الانتخابات.
(المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 12 جوان 2010)
صرخة تلميذ: رسالة عاجلة الى الاسرة التربوية التونسية
أنا تلميذ مرسم بالباكالوريا رياضيات دورة جوان 2010 بمركز الامتحان العهد الجديد تالة أروي قصة حدثت يوم الجمعة الموافق لــ 11 جوان في حصة امتحان الرياضيات من الساعة الثامنة إلى الساعة الحادية عشر بالقاعة عدد 11 حيث أن الامتحان الوطني ينجز بالهاتف الجوال. حقيقة حدث أمر أغرب من الخيال عبارة عن مسرحية أبطالها مجموعة تلاميذ يعتبر آباؤهم من الأعيان و بعض الأساتذة و القيمين و ضحاياها مجموعة ثانية من التلاميذ الفقراء المجهولين مثلي حيث لم يلحقنا مما حدث إلا الضجيج داخل قاعة الامتحان و خارجها و هذا ما أربكني و أثر على تركيزي و إن ما حز في نفسي هو التمييز بيننا رغم ادعاءاتهم بنبذ التمييز.. أظن أنه لا مكان للمساكين و الفقراء في هذا الوجود الذي تباع فيه الكرامة بالمزاد العلني و لن أنسى ما عشت الشجار الذي دار بين القيمين حول من يتكفل بإدخال ورقة امتحان أنجزت وراء الأسوار إلى إحدى القاعات التي و دون شك يوجد فيها احد أبناء الأعيان. يحدث هذا على مرأى و مسمع من مدير المعهد و أساتذتنا المراقبين الذين كنا نتصورهم مثل آباءنا و أمهاتنا.. و سأظل أبحث في مخيلتي عن من يكون قادرا على التدخل و وضع حد لهذه الممارسات…. تلميذ – تالة
أبلغ النقابي وحيد الزواري الكاتب العام للفرع الجامعي لاعوان التاطير والارشاد التربوي بالمهدية انه تمت احالته على لجنة النظام الجهوية وبسؤاله عن السبب تبين ان الامر يعود الى خلاف بسيط بينه وبين احد النقابيين خلال المسيرة التي نظمها الاتحاد الجهوي للتنديد بالجريمة الصهيونية النكراء ضد قافلة اسطول الحرية حول الشعارات المرفوعة . وقد تطوع هذا النقابي برفع تقرير حول هذا الخلاف الى المكتب التنفيذي الجهوي الذي اتخذ قرارا على اثره باحالة الكاتب العام للفرع الجامعي للتاطير والارشاد على لجنة النظام وهي بدعة جديدة في تلفيق التهم للاحالة على لجنة النظام ويفرض حسب ما صرح به احد نقابيي المهدية على سبيل الدعابة من ضرورة استعمال كمامات خلال المسيرات القادمة اتقاءا لشر هذه التهمة . مرتضى نقابي الشابة — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux
نحن أساتذة التعليم التقني والمدرسون لمادة التكنولوجيا بمعاهد جندوبة بعد اطلاعنا على: • ما تعرض له زميلنا طارق الهرمي الأستاذ بمعهد العهد الجديد بجندوبة من تعنيف من أحد التلاميذ نظرا لأن العدد المسند له في امتحان آخر السنة في الأشغال التطبيقية لم يعجبه • وما تسبب له الإعتداء من أضرار حادة على مستوى الوجه استوجب 25 يوما من الراحة للعلاج والتداوي • وعلى تباطؤ الإدارة في ردع المعتدي وتسليط أقصى العقوبات الإدارية والقيام بالتتبعات العدلية الضرورية لصون كرامة المربي 1. نعبر عن عمق تأثرناالعميق للحادث المؤلم ونعتبر أنفسنا بدون استثناء معرضين مستقبلا لمثل هذا الإعتداء وبدون مبالغة فإن كل أستاذ أصبح يعيش رعبا جراء هكذا إرهاب. 2. نحمل الإدارة والدوائر المعنية مسؤولية تردي الوضع في المؤسسات التربوية إذ وصل حد التصفية الجسدية للمربيين 3. نعبر عن استعدادنا للدفاع عن كرامتنا ونحن مجندون لمقاطعة إمتحانات آخر السنة في الأشغال التطبيقية السنة المقبلة إذا لم تتخذ الإدارة الإجراءات اللازمة لردع العنف ضد المربين ع/ر الإسم واللقب عدد بطاقة التعريف الوطنية الإمضاء — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux