في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia
|
TUNISNWS 11ème année, N°4037 du 12.06.2011
archives : www.tunisnews.net
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
تابعوا جديدأخبار تونس نيوز على الفايس بوك
http://www.facebook.com/pages/Tunisnewsnet/133486966724141
تونس (رويترز) – تظاهر يوم الاحد بالعاصمة تونس عشرات التونسيين مطالبين بالافراج عن مسؤول أمني اعتقل منذ اسبوعين بسبب تصريحات صحفية انتقد فيها اجهزة وزارة الداخلية ولوح المتظاهرون الذين تجمعوا خارج مقر وزارة الداخلية بصور المعتقل سمير الفرياني ورددوا هتافات تقول « كلنا سمير الفرياني » و »الحرية لسمير » مطالبين باقالة وزير الداخلية الحبيب الصيد الذي عمل بالوزارة في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وانضم للمسيرة عدد من ممثلي الجمعيات مثل جمعية مناهضة التعذيب وهيومان رايتس ووتش والعشرات من المواطنين والمدونين الناشطين على صفحات موقع التواصل الاجتماعي « فيسبوك ». وقالت عائلة سمير الفرياني انه اعتقل في 30 مايو ايار الماضي لكتابته مقالين نشرا في جريدة الخبير انتقد فيهما تعيين مسؤولين قال انهم ضالعون في قمع المتظاهرين في مناصب عليا بوزارة الداخلية. وانتشرت أعداد كبيرة من الشرطة لمراقبة المظاهرة لكن لم تقع صدامات بين الشرطة والمتظاهرين. وكانت منظمة هيومان رايتس وتش طالبت يوم الجمعة السلطات التونسية بالافراج فورا عن سمير الفرياني وحثتها على الالتزام بتعهداتها.
(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 12 جوان 2011)
مثل وزير الداخلية الأسبقأمس السبت أمام أحد قضاة التحقيق بتونس فيما يتعلق بقضية إعطاء الأوامر لقصف حي الزهور بالقصرين. و كان توفيق بودربالة رئيس لجنة تقصي الحقائق أعلن خلال ندوة صحفية خلال شهر مارس الماضي أن الرئيس المخلوع خطط لقصف حي الزهور بالقصرين بالطائرات لإخماد الثورة. يشار إلى أن رفيق الحاج قاسم، الموقوف منذ أشهر قد مثل في وقت سابق أمام أحد قضاة التحقيق بمحكمة تونس الإبتدائية في قضية تتعلق بجرائم القتل العمد التي جدت يومي 14 و15 جانفي الماضي وقد تمسك إذاك بأنه لم يكن وزيرا للداخلية في ذلك التاريخ ولم يكن في وسعه أن يصدر أوامر بقتل المتظاهرين
(المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ، بتاريخ 12 جوان 2011)
<
ارتفع مؤشر الأسعار عند الاستهلاك في تونس بنسبة 3.1 % خلال شهر ماي الماضي .
وقد ذكرت دراسة نشرها المعهد الوطني للإحصاء أن المواد الأساسية ارتفعت مثل أسعار الحبوب و زيت الصوجا بنسبة تتراوح بين 47 و55 % بالإضافة إلى أسعار السكر و المواد الغذائية الأخرى.
وترجع الدراسة أسباب ارتفاع مؤشر الأسعار إلى حالة عدم الاستقرار الاجتماعي إضافة إلى ارتفاع أسعار هذه المواد في السوق العالمية.
(المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ، بتاريخ 12 جوان 2011)
<
قال المعهد الوطني للإحصاء في دراسة نشرت على موقعه أمس السبت، إن قطاع المناجم والفسفاط في تونس تكبّد خسائر بنحو 170 مليون دينار تونسي خلال الأشهر الأربع الأولى من هذا العام، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وأوضحت الدراسة أن قيمة المبيعات الخارجية لهذا القطاع تراجعت من 201.2 مليون دينار تونسي في جانفي الماضي إلى 123.5 مليون في شهر فيفري و47.8 مليون دينار في شهر مارس قبل أن ينحدر إلى 30 مليون دينار تونسي فقط شهر أفريل الماضي.
وكانت قيمة الصادرات الخارجية لهذا القطاع قد بلغت 109.7 مليون دينار شهر أفريل من العام الماضي.
وعزت الدراسة تفاقم خسائر القطاع إلى تفشي ظاهرة الإضرابات والاعتصامات والمواجهات العروشية
(المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ، بتاريخ 12 جوان 2011)
<
تونس (وات) شرعت وزارة الداخلية في تدريب 3 الاف شاب وشابة قصد تكوينهم وتاهيلهم للالتحاق بصفوف قوات الامن الداخلي شرطة وحرس بما يعزز نجاعة العمل الامني الميداني ويخدم مصالح المواطنين ويدعم الاستقرار والامن بالبلاد. وتندرج الانتدابات الجديدة في اطار مساهمة وزارة الداخلية في المجهود الوطني للتشغيل وتدعيم المؤسسة الامنية باعوان جدد سيتلقون تكوينا تراعي فيه مقتضيات الانتقال الديمقراطي وخصوصيات المرحلة الراهنة.
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 12 جوان 2011)
<
إلى الإخوة الصحافيين:
أمام هذا المكر الشديد ومحاولات الالتفاف على إرادة هذا الشعب الطيب المسلم والارتهان المخزي للأجنبي في الصغيرة والكبيرة، واستعداد محترفي السياسة ومحتكريها إلى بيع الهمة والذمة، ومن قبل ومن بعد بيع هذا الدين العظيم، بجعل أهله وهم أبناء البلد وأولياؤه خارج دائرة القرار حمايةً للنظام الرأسمالي وعقيدته: فصل الدين عن الحياة، وخوفا عليه من المقارعة والمنازلة القاصمة الفاصلة، وأمام استنكاف الكثيرين من الاعتزاز بالإسلام سياسيا صدقا وحقا وعدلا ورعاية وكفاية، بحيث صار بعض المسلمين شحاذين يتسولون مباركة الغرب لهم وصاروا يجمعون البدائل رقعا وخرقا ومزقا وشتاتا من هنا وهناك من نظم رأسمالية واشتراكية بشتى ألوانها ناسين أن في الإسلام ما يكفي للرعاية والقيادة وإنقاذ البلد بل والعالم أجمع ويكفي الانكباب على القرآن والسنة بالفهم والاستنباط والاجتهاد الصحيح حتى يثبتوا لأنفسهم ولأمتهم أحكاما بعينها بائنة واضحة، فيها من قوة الانبثاق عن العقيدة ومن صدق مطابقتها للواقع (أي طبيعة المشاكل والمعالجات القائمة) ما يجعلها تطيح بكل المعوقات وترد الطروحات الأخرى إلى أحجامها الطبيعية من كونها صغيرة ضئيلة.. كاذبة خاطئة عاجزة جاءت في ضمانة الاستعمار وحمايته. وأمام تعجيز الشعب والأمة بإطالة الإجراءات وتعقيدها وتمديدها وتمطيطها وتهويل الأمر حتى تصبح الاستعانة بالعملاء والخبرات الغربية أمرا مقبولا. أمام هذا المكر الشديد ومحاولة اختطاف الشعب مجددا، وباعتبار حزب التحرير يمارس السياسة تكليفا شرعيا: مسؤولية وأمانة، وما يتبع ذالك من جدية، ويمقت العمالة والعملاء، وما يتبع ذلك من صدق، فإنه يقدم بين يدي الأمة والشعب دستورا إسلاميا مفصلا مصوغا صياغة قانونية/دستورية، وكل مادة فيه متبوعة بأسبابها الموجبة (أدلتها) مع إحالات إلى بدائل الحزب الأخرى، ما يجعل هذا الدستور مدونة عملاقة تضاف إلى جهود الأمة المخلصة عبر التاريخ، وهو دستور يقدم للعلماء والفقهاء ورجال الاختصاص والمخلصين من الأمة الذين يحبون لها الخير ويتربصون لحظة المنعرج المصيري… ويقدمه لكم أنتم رجال الإعلام باعتباركم مؤتمنين على هذه المرحلة بتحري الحقيقة والحق وباعتباركم من أبناء هذه الأمة يهمكم أمرها.. وهو دستور للتطبيق بما فيه من كفاية الطرح وقوته وبما لدينا من خبراء ولجان مختصة في العالم وفي تونس قادرة على التكييف السريع والناجع للواقع المعاش موضوع الإدانة والإجرام في حق الناس ليصبح إسلاميا يحقق للأمة أعلى طراز من العيش. إخواننا رجال الإعلام، ندعوكم إلى فتح نقاشات وندوات وحتى مناظرات فيما يتعلق بهذا الدستور البديل. كفى للمهاترات والتهريج لنرتقي بالناس إلى درجة أعلى وأرقى.. ولتكون السياسة رعايةً لا دعاية.
المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تونس
<
لقد غضبتم غضبة فرّ منها الطاغية هاربا فخرج بقية من بقاياه تقول لنا إنّ التغيير الحقيقيّ يكون بدستور جديد حدّّدوا موعدا لانتخاب مجلس يضعه ثمّ اختلفوا فيه ثمّ حدّدوا موعدا جديدا زعموا أنّهم توافقوا عليه ونحن أمام هذا وذاك ننتظر التغيير! وكأنّ مجلسا تأسيسيا يصل إليه الواصلون بقوّة المال السياسي القذر أو بدفع من جهات استعماريّة ساءها أن تثوروا وخشيت أن تسقط مشاريعها ومخطّطاتها، سيُحقّق أهدافنا وآمالنا في التحرر والانعتاق!. نرى بعض الناس مرتاحا لاختيار مجلس تأسيسيّ يضع للمسلمين شرعا غير شرع ربّهم! وكأنّنا شعب لا دين له ولا حضارة! كأنّنا لسنا من أمّة نزل فيها قول من بيده أنفسنا » ..اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا » ! إنّنا في حزب التحرير ندعوكم دعوة الناصح الأمين ونذكّركم بالتالي: * إنّ الله سبحانه وتعالى قد سمّاكم باسم عظيم يُحبّه الله ورسوله ( المسلمين) فاعتزوّا به وفاخروا به الأمم. أليس من المبكي أن يخرج مسلمون ويقولون بأنّهم مرتاحون لتحديد موعد لانتخاب مجلس يعلمون علما أنّه سيضع تشريعا بدلا من شريعة ربّكم الذي آمنتم به وستردّون إليه بعد موتكم. فماذا أنتم قائلون يومئذ؟ * ألم تروا إلى هؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء عليكم يريدونكم أن تتحاكموا إلى الطّاغوت، يريدونكم أن تنبذوا دينكم وراء ظهوركم وتُعرضوا عن القرآن العظيم كتاب الله المنزّل بالحق على رسولكم صلّى الله عليه وسلّم. أيّها المسلمون أيّها التائقون إلى حكم الإسلام وعزّه، أيّها المشتاقون إلى لقاء محمّد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام. *أليس الإسلام هو الذي يجمعنا على المحجّة البيضاء؟ – من منكم لا يريد أن يُحكم بشرع الله ؟ – من منكم لا يريد أن يخرج من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد؟ – من منكم لا يعتزّ بدينه وقرآنه وسنّة نبيّه الأكرم عليه الصّلاة والسلام؟ – من منكم يرضى عن الإسلام بديلا؟ يا أهلنا وأحبتنا، والله إنّنا لنعلم أنّ الإسلام عميقة جذوره في نفوسكم ولن يستطيع أحد قلعها، وإنّنا لنعلم أنّه مُتمركز في حبّات قلوبكم ولن يستطيع الكفّار ولا المنافقون نزع حبّة من القلوب. ولكنّ الإسلام نظاما للحياة، نظاما للحكم والسّلطان، نظاما للعلاقات جميعها قد فقد أثره في حياتنا بفعل عقود من التّضليل والترهيب والتجهيل. ألم نكن أمةً عزيزةً بالإسلام ولم نُذلّ إلا يوم ابتغينا العزّة عند عدوّنا ممن ادّعى ويدّعي أنّه سيُعيننا على الانتقاال…. فزادونا رهقا. إنّ عودة الإسلام إلى الحياة لن تكون بوضع مادّة في الدّستور تنصّ على أنّ دين الدّولة الرسميّ هو الإسلام، فذلك وضع شكليّ لا قيمة له يلجأ إليه الحكّام نفاقا وخداعا وإسكاتا لجماهير المسلمين. إنّ عودة الإسلام إلى الحياة والحكم والسيادة لا تكون إلا بدولة تجعل العقيدة الإسلاميّة أساسا للدّستور والقوانين. يا أهلنا وأحبّتنا إنّنا في حزب التحرير نقدّم لكم بعزّة المؤمنين الصّادقين دستورا نضعه بين أيديكم ،دستورًا مستنبطًا من القرآن والسّنّة نقترحه على العلماء والفقهاء والمختصّين المخلصين. لوضعه موضع التّنفيذ.دستورًا يكون الحكم فيه لله وحده لا لغيره من الطواغيت. ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾
10/06/2011 حزب التحرير الموافق لـ 8 رجب 1432 تونس
<
علمت « الصباح » أن الهيئة المستقلة للانتخابات ستعلن قريبا عن الروزنامة الجديدة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي المقرر عقدها يوم 23 أكتوبر المقبل.
وتعمل الهيئة في الوقت الراهن على وضع اللمسات الأخيرة لروزنامة المواعيد والمراحل الأساسية التي تسبق يوم الاقتراع، وذلك بعد أن قررت الحكومة المؤقتة تحديد موعد الانتخابات إلى يوم 23 أكتوبر بتأخير أسبوع عن الموعد المقترح من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
ولم يفصح السيد بوبكر بن ثابت كاتب عام الهيئة المستقلة للانتخابات عن الموعد المحدد لإعلان الروزنامة الجديدة للانتخابات التي تتضمن جدولا زمنيا مفصلا لكافة العمليات والمواعيد والمهام التي تسبق العملية الانتخابية، لكنه اشار إلى امكانية ان تكون الروزنامة الجديدة جاهزة خلال الأسبوع المقبل.
وعن سؤال « الصباح » حول مدى التقدم في عملية تركيز الهيئات الفرعية الجهوية المستقلة للانتخابات، واعداد قائمة الناخبين، أفاد بن ثابت أن الهيئة بصدد فرز ودراسة الترشحات للهيئات الفرعية للانتخابات (ويبدو أنها وردت بعدد كبير خالفت التوقعات)، كما انها تعمل في الآن نفسه على التثبت في قائمة الناخبين وتحيينها، والإعداد لعملية انتداب المراقبين وتحديد مراكز التصويت، ومراكز التسجيل وغيرها من المهام العديدة التي تدخل في صلاحيات الهيئة..
علما ان الموارد البشرية التي ستنتدبها الهيئة للقيام بمهام المراقبين واعوان التسجيل، والإدارة والمالية من مختلف الاختصاصات تقدر بأكثر من 30 ألف عون، وينتظر أن تقوم الهيئة خلال الفترة المقبلة باصدار شروط انتداب المراقبين وأعوان مراكز التسجيل.
رفيق بن عبد الله (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 12 جوان 2011)
<
أكثر من 7500 ملف فتح لدى لجنة تقصي الحقائق في ملفات الرشوة والفساد المالي التي يرأسها الاستاذ عبد الفتاح عمر..بعضها سيغلق والبقية ستحال على القضاء.. حوالي 1500 قضية عرضت على لجنة التحقيق في ملفات التعذيب والاحداث التي سبقت الثورة التي يرأسها الاستاذ توفيق بودربالة الرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان .. طعونات بالجملة قدمت الى الهيئة العليا لحماية الثورة التي يٍرأسها الاستاذ عياض بن عاشور للتبرؤ من قائمات مناشدة الرئيس المخلوع للترشح في 2014 ومطالبة اللجنة بعدم ادراج اسماء الطاعنين في قائمة » المناشدين » الذين سيمنعون من الترشح للانتخابات القادمة .. كيف ستغلق هذه الملفات وغيرها؟ وكيف ستحسم قضايا الفساد المالي والتعذيب التي رفعها عشرات آلاف المواطنين لدى القضاء ولجان الاستقصاء وبينهم آلاف ممن تعرضوا الى التعذيب والى مظالم مختلفة بينهم من طرد من العمل او الدراسة او تعرضت عقاراته ومؤسساته وامواله الى عمليات تحيل او سرقة او مصادرة غير قانونية ؟ هذه القضايا وغيرها التي سبق ان اشار اليها السيد الباجي قائد السبسي الوزير الاول في الكلمة التي توجه بها الى الشعب في قصر المؤترات قبل ايام كانت امس محور ندوة مهمة حول « العدالة الانتقالية بين المحاسبة والمصالحة » نظمتها جمعية » نور » في احد فنادق العاصمة بحضور قضاة ومحامين ونشطاء حقوقيين وسياسيين بارزين بينهم السادة انور القوصري وخميس قسيلة وبشرى بالحاج حميدة ومنية عمار وعبد الوهاب محجوب والمنصف السليطي وثلة من السجناء السياسيين السابقين الذين قدموا بالمناسبة شهادات مثيرة عن اشكال التعذيب المادي والمعنوي و المظالم التي كانوا مع عائلاتهم ضحية لها خلال العقدين الماضيين .. شهداء وضحايا ما قبل 17 ديسمبر في هذا السياق دعا بعض السجناء السابقين والسيد خميس قسيلة الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والقيادي في حز ب التكتل الديمقراطي ـ الذي يتزعمه الدكتور مصطفى بن جعفرـ الى ان تشمل عمليات التحقيق في الانتهاكات لحقوق الانسان التي يقودها الاستاذ توفيق بودربالة ملفات عشرات الشهداء وآلاف المساجين وضحايا التعذيب قبل 17 ديسمبر الماضي .. ودعا قسيلة وعدد من السجناء السياسيين السابقين الى ان تشمل عمليات رفع المظالم كامل العقدين الماضيين ثم المرحلة التي سبقت اندلاع احداث سيدي بوزيد التي تطورت الى انتفاضة شاملة ثم الى ثورة 14 جانفي.. واعتبرخميس قسيلة في كلمته ان المصالحة لا تتناقض مع تمكين ضحايا التعذيب والفساد المالي من التعويض ومن حقهم في تتبع المعتدين عليهم امام القضاء في كل وقت ..بما في ذلك بعد الانتخابات وبعد الاعلان عن تبني خيار المصالحة الوطنية الشاملة وعن صرف طاقات الجميع للتفكير في المستقبل عوض مسايرة دعاة الثار والانتقام.. مستقبل تونس أولا وفي هذا السياق لفت عدد من المتدخلين بينهم السيد محمد اليسير القيادي في حزب الوطن ـ الذي يتزعمه السيد محمد جغام ـ ونخبة من المثقفين والنشطاء الحقوقيين المستقلين الى كون « المحاسبة لا تتناقض مع المصالحة » .ولفت عدد من المحامين والقضاة والخبراء النظر الى ان اولوية الاوليات اليوم التفكير في مستقبل تونس وليس في الثاروالانتقام او جر البلاد الى سلسلة من عمليات الانتقام والثار وردود الفعل غير مامونة العواقب . واعتبر الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والقيادي في حزب التكتل ـ الذي عاد الى تونس بعد حوالي 10 أعوام من المنفى ـ أن » غالبية رجال الاعمال و99بالمائة من اطارات الامن واعوانه وطنيون ومتحمسون لانجاح الثورة ولا بد من تجنب الخلط بين المحاسبة وردود الفعل غير المدروسة التي قد تتسبب في » معاقبة جماعية لكل رجال الاعمال ورجال الامن تقريبا » معتبرا ان » غالبية المستثمرين والتجار والصناعيين اضطروا في مرحلة من المراحل الى التعامل مع شبكات العائلات القريبة من الرئيس السابق حماية لمؤسساتهم ومصالحهم ولا يعقل اليوم التسبب في انهيار اقتصاد البلاد والمجتمع وفي احالة الجميع على البطالة بل لا بد من المحاسبة والمصالحة وان يبادر كل من تورط في » افتاك » ممتلكات غيره او المجموعة الوطنية من ارجاع ما افتكه .كما دعا عدد من القضاة والمحامين ورجال الاعمال والحقوقيين الى اصلاح المؤسسات الامنية لضمان دور جديد لقوات الامن يتماشى مع حاجيات تونس بعد الثورة . كمال بن يونس
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 12 جوان 2011)
<
بحضور محمد حواص وزير السياحة وفريديريك ليفبفير كاتب الدولة لدى وزير الاقتصاد والمالية والصناعة الفرنسي، تم أمس التوقيع على اتفاقية «توأمة» الموجهة للتكوين في القطاع السياحي بين كل من معهد الدراسات السياحية العليا بسيدي ظريف والمدرسة السياحية بكركوان من جهة والحكومة الفرنسية من الجهة الثانية. وسيغادر يوم غد الاثنين أول فوج تونسي نحو فرنسا من أجل تلقي التكوين في اختصاص المرطبات والمخبزة والخدمات السياحية وستمتد الدورة لشهرين وستضم 15 متكونا. ومن المنتظر أن يصل عدد المتكونين مع نهاية السنة الجارية 100 متكون لجميع الاختصاصات في القطاع السياحي, علما وان الاتفاقية الممضاة ستمتد على الثلاث سنوات القادمة وتهدف الى تحضير شباب مختص ذو كفاءة عالية في المجال السياحي. ونظرا أن السوق الفرنسية تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السياح في تونس برمجت وزارة السياحة منذ يوم أمس حملة اشهارية على القنوات الفرنسة الكبرى (tf1 – canal- f2) وعلى التلفزات الرقمية الأرضية الفرنسية (nrj-direct8-bfm) خاصة بالمواقع االسياحية التونسية. كما خصصت حملة من أجل التونسيين في الخارج على المواقع الاجتماعية والإذاعات الأوروبية بدأت منذ أول أمس. وتجدر الاشارة أن الخمسة أشهر الأولى للسنة شهدت تراجع بنسبة 52 بالمائة في عدد السياح الفرنسيين في السوق التونسية مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية لذلك تعول وزارة السياحة على هذه الحملات الاشهارية من أجل انقاذ ما تبقى من الموسم السياحي وضمان الحجوزات المتأخرة للسياح الفرنسيين والأوروبيين بصفة عامة.
ريم سوودي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 12 جوان 2011)
<
بقلم: مراد علاّلة ظهر الحق، وزهق الباطل. سقط بن علي ووزراءه ومستشاروه الذين «غلّطوه» بحق الوطن والوطنيين… اللهم لا شماتة. عمر الوطن أطول من جلاديه. عمر الوطنيين أيضا أهم وأنقى وأجدى للوطن من الجلادين والمستبدين والفاسدين… لقد تنفست تونس الصعداء يوم 14 جانفي 2011 بقطع النظر عن مسار الثورة اليوم وإشكالاته.
تنفست جميع الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية والقطاعات المهنية. انزاحت الكربة أمام الأحزاب السياسية والراغبين في العمل السياسي. انفرجت أوضاع تنظيمات المجتمع المدني وانقشعت الغيوم المتلبدة في سماء الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والحكومية و«غير الحكومية الحكومية» (ONGOG) على حد السواء…
وانبرت في هذا العهد الجديد الكثير من الأحزاب الناشئة لعقد مؤتمراتها التأسيسية مثلما عقدت أخرى مؤتمرات «تصحيحية» وترتيبية… أما بخصوص المجتمع المدني وبقية الفاعلين الاجتماعيين، فقد أعلنت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل جديتها في عقد مؤتمر المنظمة في موعده سنة 2012 دون المس بالفصل العاشر، فصل عدم التمديد للقيادة الراهنة…
كما انتفض منظورو اتحاد «الأعراف» واتحاد «الفلاحين» و«المرأة» و«المكفوفين» و«المستهلكين» وحتى «أمهات تونس»… وسمحت نسائم الحرية بتأسيس عشرات الجمعيات الجديدة على أيدي وافدين جدد على ما يسمى بمجال النشاط الأهلي وكذلك على أيدي قيادات خرجت من عباءة الجمعيات القديمة دون ان تظفر بفرصة «الزعامة» فيها تماما كما حصل في الكثير من الأحزاب…
وانسحب الحراك أيضا على القضاة، فأسسوا الى جانب جمعيتهم، نقابة وأسس الأمن نقابة أيضا. واكتفى المحامون بمؤتمر «لشبابهم» وأوفى الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية والنساء الديمقراطيات لتقاليدهما في عقد المؤتمرات الدورية. ونفس الشيء فعله الصحافيون الذين خرجوا من حاجز «الشرعية» و«الانقلاب» ومعادلات الاقلية والاغلبية وانجزوا مؤتمرا «ديمقراطيا» اخر ينضاف الى رصيدهم الثري علما وانه لا احد كان ليجبر قيادة النقابة الوطنية للصحافيين قبل 5 جوان على عدم تمديد وتأبيد «شرعيتها ومشروعيتها» بالبقاء على رأس الهيكل المهني لعموم الصحافيين الى ما بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وانتظار نتائجه وتداعياته..
هي سنّة التداول و«التجاوز» التي حفزت البعض خلال مؤتمر النقابة لرفع البعض على الاعناق «انتصارا لحرية الصحافة وكرامة الصحافيين»!… وهي شروط الثورة ربما ومتطلباتها بعيدا عن شماعات ونزاعات التحديات الموضوعية والخارجية…
هي سنّة لن تقفز عليها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان أعرق المنظمات في افريقيا والعالم العربي.
لقد تضاعفت في تقديرنا مهام الرابطة بعد الثورة ومن المفروض ان يتحول اهتمامها وجهدها من «نضال من أجل الوجود» ومن اجل مجابهة محاولات التصفية من قبل النظام الدكتاتوري الى منظمة جماهيرية، علنية متجذرة في ربوع الوطن ، منفتحة على كل الطاقات الخلاقة فيه، ترصد الانتهاكات والتجاوزات وتتدخل لمعالجة الاخلالات، تربي على حقوق الانسان وتثقف العامة على قيمها ومبادئها السامية، تقيّم القوانين القديمة والجديدة، تقترح نصوصا متلائمة مع المعايير الدولية وتراقب تنفيذ تعهدات بلادنا في هذا الباب…
انها مهام واسعة ودقيقة تستوجب الكثير من الموارد البشرية والمادية.
وللأسف، تحول حالة الاستثناء التي عاشتها الرابطة التونسية عن حقوق الانسان وفروعها على امتداد عقد من الزمن (مؤتمر 2000 الى اليوم) دون الاضطلاع بهذه المهام على الوجه الأكمل، أضف الى ذلك، اختيار عدد من «القادة»، العمل السياسي العلني وحتى تأسيس الأحزاب أو الانضمام اليها، وهو اختيار جريء وصائب وشجاع ومسؤول يميز بين العمل الجمعياتي والعمل السياسي.. كما أن بعض القادة اختاروا التحليل «الأكاديمي» و «السياسي» و «الإعلامي» وهي للحقيقة أيضا مهام ضرورية و مطلوبة بعد الثورة…
لكل ما تقدم، نشدّ على أيدي الاستاذ مختار الطريفي، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، كما عهدنا هو، لنعلن أنه آن الأوان لعقد المؤتمر الوطني السادس لمنظمتنا العريقة، بعبق الثورة وأريج انتصارها ووصايا شهدائها قطعا مع الاستبداد والظلم والقهر والانتهاكات بشتى أشكالها وأرهاط مرتكبيها مهما كانت مواقعهم واحتراما لسنن التداول.
جريدة الصحافة 8 جوان 2011 صفحة 3
<
تتوارد الاخبار تباعا عن ان « الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي » قد تكون قد اختتمت أعمالها المتصلة بالاتفاق على النسخة الجديدة مما بات بعرف في تونس ب »الميثاق الجمهوري » المسمى الان « اعلان تونس لأسس المواطنة وقيم الجمهورية ». و بغض التظر عن الاشكالات التنظيمية المتصلة باختيار اللجنة المكلفة بصياغة هذا الاعلان و تركيبتها (حيث بات بديهيا ان الاقلية الاقصائية التي تسيطر على الهيئة الام احترفت التعيينات من وراء الاستار للالتفاف على المسار الديمقراطي الذي يخيفها لقناعتها بانها منبتة عن الشعب) ، فان الحمى التي تصاحب اصرار القوى العلمانية على استباق الانتخابات (الى حد الاصرار على تأجيلها) بتحجيم صلاحيات الدولة المقبلة تفرض علينا ان نعيد الامور الى نصابها من خلال طرح سؤال بسيط و لكنه بالغ الاهمية: هل لنا جمهورية اصلا حتى نحمي « منجزاتها » بميثاق جمهوري؟ هذا السؤال على كل ما فيه من بداهة غاب عن كل اولئك الذين ركبوا مؤسسات الثورة بحجة حماية « المنجزات العملاقة » لجمهورية بورقيبة-بن علي و جعلوا من الامضاء على ميثاقهم المستلهم في نصه من الاملاءات الثقافية لأسيادهم الفرنسيين (الذين عينوا احد مواطنيهم مشرفا على مراقبة انتخاباتنا) و الطامح في مداه الى تسيير تونس على نفس المنوال الذي حكم تركيا لعقود حين كان العسكر يحمون « جمهورية » غير ديمقراطية . من هنا كان هذا التساؤل البديهي: هل كانت لها جمهورية اصلا حتى ندعو اليوم بشكل استباقي الى حماية منجزاتها و ثوابتها قبل ان يتذوق الشعب اصلا طعم الديمقراطية من خلال مسار انتخابي نزيه لا تكون فيه سلطة عليا فوق سلطة الشعب؟
فما هي الجمهورية؟
لو اردنا التبسيط لقلنا بان مصطلح جمهورية يستخدم بشكل عام للإشارة للدولة التي تعتمد فيها القوة السياسية للدولة على الموافقة التي للشعب المحكوم، اي ان الجمهورية هي ببساطة دولة أو بلد يقودها أناس لا يبنون قوتهم السياسية على أي مبدأ أو قوة خارج سيطرة أو إرادة سكان تلك الدولة أو البلد (موسوعة ويكيبيديا). و هي بحسب القاموس القانوني الصادر سنة 2000 عن مكتبة لبنان الدولة التي ينتخب رئيسها و لا تكون الرئاسة فيها متوارثة و هي تقابل النظام الملكي (هذه المقابلة ليست حدية في الانظمة التي تكون فيها الملكية الدستورية حامية للنظام الجمهوري بعدم تدخلها المباشر في الشأن السياسي و بقائها كمشترك ثقافي للشعب يضمن وحدته ووفاءه الشكلي لبعض ابعاد تاريخه).
لن يختلف اثنان في ان بورقيبة لم يعتقد يوما في حياته ان الشعب التونسي اهل لحكم نفسه بنفسه و ان الديمقراطية السياسية والتداول على السلطة كانت مصطلحات غريبة على فكره و ممارسته لاعتقاده (وهو العلماني الملهم بانه هبة الله للشعب التونسي) بانه يجب القضاء اولا على التخلف (بما فيه التخلف السياسي القائم على تعدد الاحزاب و هو ما صرح به علما في احدى خطبه) و ان من حقه ان يحدد بمفرده (بحكم عبقريته التي كان يدعيها) مسار هذا الشعب ز مستقبله. و كانت النتيجة السياسية لذلك معلومة من دهاليز « صباط الظلام » التي كان يعذب فيها خصومه (اصدقاء الامس القريب في الحزب الدستوري) اسفل القصبة الى تنكيله بالقوميين فاليساريين فالإسلاميين فضلا عن تاريخه الدموي مع اتحاد الشغل بدءا بمساهمته المفضوحة في اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد.
اما بن على، فبعد ان نجح في خدعة الجميع في البداية لتثبيت حكمه، فلا فائدة من الاسهاب في تذكير التونسيين بما عاشوه في ظل « جمهوريته » سواء اكانت اولى ام ثانية من انعدام لأدنى مقومات الكرامة السياسية او الاقتصادية او الثقافية.
و النتيجة الساطعة اذا هي ان تونس لم تعرف بعد مفهوم الجمهورية بدلالتها السياسية رغم ما يرد في ديباجة دستورها و ما تعارف على تسميته شكلا بالجمهورية التونسية. فالدولة التونسية بنت قوتها على استبدادها بشعبها سواء لكونه لا زال متخلفا و غير اهل لتقرير مصيره بيده (بورقيبة) او لاعتبار الحاجة الى جعل الديمقراطية السياسية اخر المسار المترتب عن « الديمقراطية الاقتصادية و الاجتماعية » (المقولة التي تمخضت عن عبقرية لجان تفكير التجمع الدستوري الديمقراطي التي تشكلت من ادعياء الثقافة و الفكر من الاقصائيين اليساريين و العلمانيين) و عن ترتيب وضع امني مناسب (حكم لن علي).
و يظهر ذلك ايضا في ان تونس لم تعرف في تاريخها فصلا بين السلطات الثلاث (او الاربع اذا اضفنا الاعلام) لان بورقيبة كان يقول بانه هو الدولة بحيث لا يمكنه ان يفصل بينه و بينها. اما بن علي فقد بلغ به الاستخفاف بهذا المفهوم المركزي في كل جمهورية حقيقية ان حاكم القضاة و استبد بكل السلطات الى حد تضمين الدستور الفصل 41 الذي يحميه حتى بعد مغادرته الافتراضية للحكم (يرجى في هذا السياق قراءة اصدار قانوني مفصل لجمعية « الحقيقة و العمل » Vérité-Action في شهر ماي 2002 يتناول تفاصيل هذا المقاربة الدستورية الفريدة من نوعها للحكم من قبل بن علي). فهل عرفت تونس صورة اخرى من صور الاقرار بحق الشعب في اتخاذ القرار على الاصعدة الاقتصادية و الثقافية و الفكرية او الادارية او حتى مجرد المساهمة فيه، ليمكننا بذلك القول بان بلادنا عرفت تشكلا و لو جنينيا لمفهوم الجمهورية؟
سنحاول اعطاء بعض الامثلة السريعة التي تثبت بان الشعب التونسي غيب عن كل دوائر و مجالات القرار و لم يكن يوما يعتبر و لو شريكا جزئيا في الحكم.
فعلى الصعيد الاقتصادي و منذ « اتفاقيات بورقيبة-منداس فرنس » سنة 1955 و ما تلاه بعد ذلك من ارتهان السيادة الاقتصادية للخارج (قانون 1972، برامج الاصلاح الهيكلي مع رشيد صفر واتفاقيات الشراكة مع اروبا، الخ)، فان الشعب لم يدع يوما ليقول كلمته (لا في حوار و لا في استفتاء و لا في تصويت باي شكل كان) في هذه الخيارات التي خلقت وضعا اقتصاديا موسوما بالهشاشة لاعتماده على قطاع الخدمات و تكريسه للتفاضل الجهوي المرعب هذا فضلا عن الرشوة و الفساد و المحسوبية. و لذلك كانت اجابة بن علي امنية على تشكيل فرع ATTAC بتونس حيث منع حتى مجرد وجود جمعية من هذا القبيل من شانها ان توعي الشعب بحقوقه الاقتصادية التي كان بن على و مستشاروه (ممن يحركون اليوم من الخلف المشهد السياسي و الدستوري بتونس ) يتشدقون بها لتأجيل المطالبة بالحقوق السياسية. و لذلك ايضا كانت تونس سباقة الى الامضاء على اتفاقيات الشراكة الأوروبية دونما اعتراضات او اشتراطات لان الدولة لم تكن تعتبر الشعب اصلا ركيزة من ركائز الجمهورية .
اما على الصعيد الثقافي، و هو بلا شك الاكثر حساسية في علاقة بعنوان هذا المقال، فإن اقصاء الشعب من المشاركة الحرة في تحديد معالم المشروع الثقافي للبلاد كانت اكثر من اكيدة. فالدولة التي ارست على مدى ما يزيد من خمسين سنة منظومة ثقافية « تحديثية » على النمط الفرنسي (معتمدة في ذلك على قطبي التعليم و الاعلام الذي كان كامل التبعية للدولة) لم تبحث يوما عن معرفة مدى موافقة شعبها على الخيارات المسطرة من فوق وصولا الى تسليط البوليس و القمع الدموي لكل تعبيرة ثقافية او سلوكية مخالفة لما اختارته الدولة لشعبها، قمعا طال حرية اللباس والعبادة و الاستخفاف داخل السجون خاصة بالقران (وهو امر توجد بشأنه شهادات متواترة اعترفت بصدقيتها المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الانسان) و ما الى ذلك من الاستهداف المنهجي للمرجعية الاسلامية في النظام القانوني للدولة و للهوية العربية الاسلامية في الفنون و الانتاج الفكري و الادبي. فالدولة، بسيطرتها الكاملة على الثقافة و الاعلام و التعليم و المؤسسة الدينية، لم تترك و لو متنفسا بسيطا للتفكير بشكل مخالف الا ما فرضه الناس بتضحياتهم.
و تماما كما فعل بورقيبة، فان بن علي نجح في التحالف مع النخبة التي رباها في احضان هذه المنظومة الثقافية الاستبدادية المغلقة من اجل فرض هذا النمط و محاولة اضفاء قدسية تجعل مجرد النقاش في شانه جريمة امن دولة.
و المثال الصارخ على هذه الاستخفاف بالإرادة الشعبية ما نقلته جريدة الصباح ليوم 11 جوان 2011 على لسان السيد عبد المجيد الشرفي الذي يتبجح بالقول « أنا أؤمن بالقطيعة مع التراث، فلا شيء في هذا التراث يستجيب لقيم الجمهورية والمواطنة » و هو ما يعني القطع التام مع الهوية العربية الاسلامية لتونس.حالة لا مثيل لها في اية دولة عربية اخرى.
و لذلك فان اللغط الدائر حول هذا الاعلان او هذا الميثاق (و الذي لخص بشكل جيد في مقال جريدة الصباح المذكور انفا بطرخ السؤال التالي: كيف يمكن لبضعة أعضاء أن يحددوا هوية شعب بأكمله؟ وبأي منطق تاريخي أو سياسي أو ثقافي، يحاول البعض اجتثاث تونس من سياقها الجغرا ـ سياسي والثقافي والحضاري؟ ) بات يعكس حقيقة هذه الجمهورية المنشودة (لأنها لم توجد بعد): انها امتداد كامل ل »جمهورية بورقيبة و بن علي فيما يتصل بإهمالها المتعمد لحق الشعب في التعبير عن ارادته سواء تعلق الامر بإدارة الدولة او باختيار النظام الاقتصادي للتنمية و توزيع الثروة او بتشكيل هوية البلاد الثقافية و الحضارية.
وهنا يكمن جوهر الخلاف المقبل الذي يبدو في ظاهره سياسيا و دستوريا و الذي هو في الحقيقة ثقافي فكري: انه الخلاف حول الانموذج الذي يقترح لإدارة مرحلة ما بعد الثورة و الذي يشار اليه بخلاف حول هوية الدولة و المجتمع المنشودين.
فعلى عكس ما يوحي به النقاش الدائر فان الهوية التي لا بد من حمايتها من « المرتزقة الثقافيين » (المتمترسين في هيئة عياض بن عاشور و ما يتفرع عنها من لجان و هيئات لقيطة) ليست مجرد مسالة تعلق بجذور او بماضي من اجل الاحتماء ضد العواصف الاتية من الاخر و انما هي اولا و خاصة اسلوب فريد في واقعيته لإعطاء دلالات تطبيقية خاصة لمبادئ نتشارك فيها مع الجميع و لكننا حين ننزلها على واقعنا نطبعها بطبعنا و تاريخنا و مشتركنا النفسي لتعطينا الثمرة المناسبة لوضعنا نحن و ليس وضع الاخرين و هذا ينطبق على قضايا الحرية و الديمقراطية و التنمية. وهذا هو جوهر خلاف الوطنيين الشرفاء مع « حزب فرنسا » الذي يتبنى تعريفا خاصا للائكية يفترض ان حركة التاريخ توقفت عند انموذج معين و ممارسة معينة (هو « الحداثة » الغربية اللادينية) لا مجال لوضعها محل النقاش مما يستوجب ان يعطى القائمون عليها حق الحكم من غير ديمقراطية و من خلال نواميس و مواثيق تسبق ارساء الديمقراطية نفسها بل و تكون وصية عليها و على الشعب الذي ينشدها. فهل هذه هي الجمهورية المنشودة؟ (يتبع)
عماد العبدلي ناشط سياسي و حقوقي
<
تونس «الشروق»:
هل سيفقد اليسار النقابي مواقعه التي اكتسبها داخل الاتحاد العام التونسي للشغل؟ هذا السؤال يجعلنا الان أمام معطى جديد، وهو معطى يتجسم من خلال التجاذبات الانتخابية لبعض المؤتمرات النقابية وأهمها نقابات التعليم وهي النقابات التي تعتبر «رأس الحربة» داخل الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة النقابية التي تضم أكثر من ثلاثة آلاف هيكل ويديرها حوالي 50 ألف مسؤول نقابي في مختلف النيابات والنقابات الأساسية والنقابات الجهوية والنقابات العامة والجامعات وصولا الى المكتب التنفيذي الوطني… تاريخيا عرفت نقابات التعليم بسيطرة التيارات اليسارية سياسيا ونقابيا… وكانت على مر العقود الهياكل النقابية للتعليم هي الهياكل المتقدمة في النضال النقابي… على مر السنين احتضنت تلك النقابات أحزاب وتيارات اليسار غير المعترف بها رسميا ومارست من خلالها نضالها… لكن هل تغير الوضع الآن؟ البداية كانت في سيدي بوزيد المدينة التي انطلقت منها شرارة الثورة التيارات اليسارية وأساسا التيار المحسوب على حزب العمال يفقد كل المقاعد في مؤتمر احدى النقابات الأساسية مقابل فوز تحالف انتخابي ضم الاسلاميين والقوميين… كانت تلك احدى أهم المؤشرات على التحول الجديد الذي قد تعرفه المؤتمرات النقابية القادمة… بعد ذلك كان مؤتمر احدى نقابات التعليم المهمة في مدينة مدنين قد انعقد وسجل تحالفا انتخابيا قويا بين الاسلاميين والقوميين وهو تحالف أزاح التيارات اليسارية… أمام هذه المعطيات لن نحتاج الى جهد لادراك التحول الذي قد تعرفه المؤتمرات النقابية لكننا نحتاج لفهم لماذا تخسر التيارات اليسارية بكل هذه السهولة مواقعها في الهياكل النقابية القاعدية وهي هياكل كانت مستعصية على التيارات الأخرى في السنوات الماضية…؟ يرى الملاحظون أن كل التيارات اليسارية الآن ستكون عاجزة عن مجابهة التحالف الجديد الذي يجمع الاسلاميين بالقوميين في عدد من المؤتمرات النقابية القاعدية… والهياكل النقابية القاعدية تكتسي أهمية كبيرة وقصوى باعتبار أن نواب المؤتمر الوطني هم أعضاء في النقابات الأساسية وبالتالي تأثيرهم الانتخابي له أهميته.
لكن لماذا عجزت التيارات اليسارية عن المحافظة على مواقعها؟ ان للعمل النقابي تجاذباته وخفاياه وتفاصيله وتقاليده وتيارات اليسار النقابي احتكرت لسنوات طويلة مواقع نقابية موثرة ونجحت في تحقيق مكاسب وناضلت طويلا وكانت دوما صوتا للعمال والاجراء ولكنها قد تكون ابتعدت عن التحولات الحقيقية التي عرفتها القاعدة النقابية وقاعدة المنخرطين… وتيارات اليسار النقابي ربما غابت عنها حقيقة تغير تلك القاعدة الانتخابية كما غاب عنها أن خطابها النقابي لم يعد بدرجة الاغراء التي كان عليها قبل الثورة وهو ما استغلته وأدركته تيارات أخرى أهمها التيار الاسلامي والتيار القومي وهي تيارات نجحت رغم قصر المدة في استقطاب القاعدة الانتخابية ويمكن القول هنا إن تيار الاسلاميين وهو التيار المحسوب على حركة النهضة هو المستفيد الأكبر والأهم من هذه التحولات الانتخابية التي تعرفها المؤتمرات النقابية فللاسلاميين معرفة كبيرة باللعبة الانتخابية ولا ينكر أحد أن لهم قدرة على الاستقطاب وبالتالي على الدخول في التحالفات في الوقت الذي ظلت فيه تيارات اليسار رهينة لخطابها الذي لم يتغير بعد الثورة رغم تجربة اليسار الكبيرة في العمل النقابي وفي المعارك الانتخابية في المؤتمرات… بين اليسار واليمين والتيارات الأخرى تنافسا سيكون مسرحه البارز المؤتمرات النقابية.
سفيان الأسود الشروق التونسية يوم الأحد 12 جوان 2011
<
٭ تونس ـ «الشروق»
تتراكم الأحداث والتطوّرات داخل المشهد السياسي التونسي بشكل مُتسارع ، وتبرزُ رويدا رويدا حقائق ومعطيات تكشفُ المزيد من خبايا الأحزاب والطبقة السياسيّة وكواليسها وخفاياها.
ليس من شكّ في أنّ المعطى الحزبي والإيديولوجي لا يزال هو دينامو الحراك السياسي ومن المؤكّد أنّ التجاذب الّذي حصل حول مسارات الانتقال الديمقراطي وموعد انتخابات المجلس التأسيسي، سواء على سطح الحياة السياسية وعبر مختلف الوسائط الإعلامية والاتصالية أو كذلك في جلسات وأروقة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي ، لا شكّ في أنّ ذلك التجاذب يبقى «حمّالا» لإرهاصات تنازع إيديولوجي في اتجاهه إلى أن يكون علنيّا خلال الفترة القليلة القادمة بعد مرحلة من التخفّي والمواربة ومن جسّ نبض الأطراف المتقابلة بعضها لبعض.
هل تحتاج «تونس» إلى طبقة سياسية جديدة؟
أضحى من تحصيل الحاصل أنّ الطبقة السياسية التونسية التي استلمت مسار الإصلاح السياسي غداة ثورة 14 جانفي قد وقفت في مأزق حقيقي نتيجة حالة التباين التي كانت موجودة حول موعد انتخابات المجلس التأسيسي بين المتمسكين بـ24 جويلية والداعين إلى 16 أكتوبر، بل كذلك حول نوعية العملية السياسية برمتها بعد أن تصاعدت ـ ولا تزال ـ أصوات تُنادي بوأد «مسار التأسيس» واستبداله بمسار آخر هو الاستفتاء على دستور 1959 والمرور مباشرة إلى انتخابات تشريعية أو رئاسية حسب نتائج الاستفتاء.
الحالة على ما هي عليه الآن لا تنبئ باستقرار وشيك وسط تصاعد حدّة المواجهة بين أكثر من طرف على خلفيات إيديولوجية وعقائديّة ولكن كذلك بسبب تضارب صارخ في الأجندات الحزبيّة مثلما عكست ذلك حالة الجدل «الحامي» الّذي دار في الجلسة الأخيرة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة في علاقة ببيان «مجموعة الـ13» والذي بلغ درجة «السباب» و«الشتيمة» و«القدح»، وعلى ما رشح من أخبار فإنّ هذا الجدل لن ينطفئ قريبا بل سيتواصل على خلفية جدول أعمال الجلسات المقبلة والّذي سينظرُ في مسائل هامّة على غرار «العقد الجمهوري أو الديمقراطي» وحزمة القوانين المنظمة للحياة السياسية والجمعياتيّة وللمشهد الإعلامي.
ويرى عديدون أنّ «هذا الجدل» داخل أهم فضاء حواري اليوم في تونس على اعتباره يعكسُ عيّنة جيّدة ممثّلة للتنوّع الحزبي والإيديولوجي والفكري الممكن ، يرون أنّ هذا الجدل سينتهي إلى إقرار حالة من الفرز بين من يؤمن بإرادة الشعب ومستعد للتماهي معها بما فيها من خيارات انتخابية وتطلعات في التعدديّة الفعلية والحريات وبين من يؤمن بأنه بالإمكان الالتفاف على تلك الإرادة الشعبيّة و»قولبتها» وفق أجندة فئويّة ضيّقة ولو أدّى الأمر إلى «التغاضي» عن المسار الانتخابي وتوجيه الاهتمامات إلى مسائل أخرى ليس أقلّها خطورة محاولات تقييد صلاحيات المجلس التأسيسي وتوجيه عملية الانتقال الديمقراطي لخدمة مصالح وأجندات ضيّقة.
ومن الوجيه أن يقرأ المتابعون لتطورات الجدل السياسي الدائر اليوم بمنطق «تاريخي» يستحضرُ فاعلية مختلف الأطراف المتصارعة داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة أو خارجها في فترات سابقة من عمر البلاد، ومن نتائج مثل تلك القراءات التحليليّة أنّ الطبقة السياسية الحالية بأحزابها وتياراتها ونخبها وكأنّها تستحضرُ في تحرّكاتها اليوم ماضيها في الصراع والتجاذب الإيديولوجي الذي طبع مرحلة سبعينيات القرن الماضي إلى أواسط ثمانينياته فتسعى لإسقاط أجزاء وصور منه على راهن الجدل السياسي وآفاقه على نحو تكون فيه أجندات العمل الحينيّة مشدودة إلى عُقد نفسيّة و»عنف أو عفن إيديولوجي» ماضوي كثيرا ما شوّه «الحالة الخلافيّة» بين طلبة الأمس (أحداث كليّة الآداب بمنوبة سنة 1981 وحالة القمع التي تعرّض لها الطلبة الدستوريون وحالات التضييق الواسعة ليس فقط على الإسلاميين بل على ظاهرة التديّن وممارسة الشعائر الدينيّة في أروقة الكليات والجامعات)، وحتى بقراءة الأسماء والوجوه الفاعلة اليوم داخل المشهد السياسي والحزبي (سواء داخل هيئة تحقيق أهداف الثورة أو خارجها ومثلما بدأ ينعكسُ ذلك على المعطى النقابي محليّا وجهويّا) فإنّ تلك الأسماء تكاد تكون هي نفسها بين الأمس القريب واليوم ، إلى درجة أنّ حالة من التطابق تكاد تكون واقعة بين ما حدث في الثمانينيات وما يحدثُ الآن على مستوى التجاذب السياسي والإيديولوجي وثنائيات الصراع والانتقاد.
ما أشبه اليوم بالبارحة
الخلاف الّذي شقّ الساحة الطلابيّة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي إلى أواسط ثمانينياته والّذي تجاذبته ثنائيّة المؤتمر الخارق للعادة للاتحاد العام لطلبة تونس ـ التأسيس لمنظمة طلابية جديدة ، هذا الخلاف يُعاد اليوم بنفس الشخوص وبنفس الأسماء المؤثّرة تقريبا وبنفس التجاذبات الإيديولوجية بين راغبين في إنجاح وإتمام متطلبات «التأسيس الجديد» وراغبين في قصف ذلك الخيار واستنبات مسار ثان يطرح التأجيل والتأخير ظاهريا ويستبطنُ في جوهره العدول عن التأسيس إلى الاستفتاء أو المرور مباشرة لانتخابات رئاسية والبناء على ما هو موجود بعد إجراء بعض التعديلات عليه ، على أنّ العديد من المحلّلين يذهبون إلى فلسفة هذا الشق في ربح المزيد من الوقت ومن ثمّ «الهروب» من المنازلة الانتخابية التي يعتقدون وفق ما لديهم من استشرافات أنّها ستؤول لخصومهم «التقليديين» أي الإسلاميين.
البعض من قوى اليسار التي اختارت في فترات سابقة التلبّس بتلابيب الدولة ومختلف أجهزتها بغاية تحقيق إيديولوجيتها «الثورية» في إقصاء واجتثاث خصومها السياسيين يبدو أنّها في اتجاهها لكي تتحرّك بنفس الآليات وعلى نفس المنهجيّة، ووجّه القيادي في حركة النهضة مؤخّرا انتقادا للقطب الحداثي الديمقراطي الّذي نعتهُ بأنّه «تحالف ضدّ ..(تيار معيّن) وليس تحالف من أجل…(أهداف وطنية إصلاحية وديمقراطية)، وهذا الانتقاد يجعل من القطب الحداثي ـ الديمقراطي أشبه ما يكون بتجمّع إيديولوجي يساري ـ فرنكفوني يستبطن عنفا إيديولوجيا ليس فقط في اتجاه تيارات سياسية معيّنة ـ كما ذهب إلى ذلك العريّض ـ بل يروم التأسيس لأجندة تقضمُ أجزاء من الضمير الجمعي لغالبية التونسيين وتصعد بأفق البلاد ما بعد الثورة إلى أفق فرنكفوني علماني ـ كما ذهب إلى ذلك المفكّر أبو يعرب المرزوقي ـ، ويكفي للتدليل على «جوهر ذلك القطب» والخلفيّة الّتي تُحرّكهُ تعداد الأسماء الّتي جلست على المنصّة الرئيسيّة لندوة الإعلان عن هذه «المبادرة السياسية-الانتخابية»، وهم: سعدون الزمرلي ورياض بن فضل ومصطفى بن أحمد وعبد القادر حمدوني وسامي بن ساسي وفاطمة الشرفي وعائدة السريحي ، إذن هي شخصيات لا يُعرفُ عنها أيّ انتماء تنظيمي مباشر بل أغلبها يُعرف بتوجّهه الحداثي والقرب من الإطار الفرنكفوني وهذا ما يدلّل بصفة تكاد مطلقة على أولوية أطروحات هؤلاء في اختيارات الأحزاب المنضوية تحت لواء «القطب» وتوجهاتها السياسية لهذه المرحلة واستعدادها للمواعيد السياسية والانتخابية القادمة.
مراجعات و«بارقة أمل»
على الرغم من ذلك الاتجاه الفئوي فإنّ تيارات عديدة من اليسار واليمين تتّجه اليوم إلى تنفيذ مراجعات إيديولوجية وعقائديّة عميقة و»شجاعة» تذهبُ إلى رفض القصويّة والاقتراب من «الوسطيّة» بشكل أوجد توصيفات جديدة للتيارات السياسية نظّر لها مؤخّرا المفكّر أبو يعرب المرزوقي الّذي أقرّ في قراءاته التجديديّة الأخيرة (انظر الشروق الأحد بوجود «يسار لليمين»(الإسلاميون ـ حركة النهضة) و«يمين لليسار» (القوميون ـ بعض أطراف اليسار).
وما من شكّ في أنّ هذا التمازج بين اليمين واليسار يعكسُ توجّها من مختلف التيارات وتسابقها نحو «الوسطيّة والاعتدال» والابتعاد عن التطرّف والأفكار الإقصائيّة ، وهو ما يُرشّح المشهد السياسي لكي يكون قابلا لهضم تشكّلات جديدة داخله كانت قد برزت منذ فترة سابقة من خلال تجربة «تحالف 18 أكتوبر» حيث التقت أطراف عديدة متباعدة إيديولوجيا وفكريا وعقائديّا على صياغة أرضية مشتركة عنوانها الأبرز توافق حول مكونات الهوية العربية الإسلاميّة لتونس وحماية الحريات ومكاسب الحداثة.
إلى ذلك تواصل حركات وتيارات سياسية في مرحلة ما بعد الثورة استلهام روح الوسطيّة وإجراء عمليات جريئة في نقد الذات ومزيد التشبّع بفلسفة الإيمان بالرأي الآخر والطرف المقابل على غرار ما تذهب فيه الآن حركة الديمقراطيين الوطنيين وحزب العمال الشيوعي التونسي انتصارا لمعاني الهوية العربية الإسلامية ومن تأكيدات هذا التمشي رفضُ حزب العمال الالتحاق بالقطب الحداثي الديمقراطي وإعلان «الوطد» (شكري بلعيد) بشكل مبدئي وصريح عن قناعته بالانتماء العربي الإسلامي العميق لتونس ورفضه كلّ محاولات التشكيك أو احتواء هذا الانتماء ، إضافة إلى ما تكدحُ حركة النهضة ـ الطرف الأبرز في التيارات الإسلامية ـ في سبيل التأكيد على استيعابها لمتطلبات المرحلة من ديمقراطية وتعدديّة وحماية المكتسبات الحداثيّة والاستعداد للسير في منهج الوفاق الوطني ـ حتّى مع خصوم الأمس ـ إلى منتهى مداه وتفنيد ما يروّج عنها من تخفّ وازدواجية في الخطاب. فهل تتمكّن هذه المراجعات والتوجّهات الإيديولوجية والفكرية والعقائديّة الجديدة من الصمود وسط خيارات الغطرسة والإقصاء وتصل إلى «صناعة» واقع سياسي جديد ينتصرُ للديمقراطية الحقّة والتعدديّة الفعليّة بعيدا عن عنف ـ عفن الإيديولوجيا الإقصائيّة والفئويّة الضيّقة؟
٭ بقلم: خالد الحدّاد الشروق التونسية يوم الأحد 12 جوان 2011
<
تكونت بتأشيرة عدد 621 بتاريخ 30 جوان 2010 و صدرت بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 95 بتاريخ 10 أوت 2010 و ساهمت في تأسيسها مؤسسة الرئاسة بمتابعة مباشرة من عبد العزيز بن ضياء وبتنسيق من سمير العبيدي وزير الشباب و الرياضة السابق و محمد الغرياني أمين عام التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل بمناسبة السنة الدولية للشباب وذلك بهدف التسويق لنظام الرئيس المخلوع بن علي وفقا لما ينص عليه قانونها الأساسي في النقطة الخامسة (الانخراط في الشبكات العالمية للشباب و التسويق للتجربة التونسية في الملتقيات و التظاهرات الدولية الكبرى). انه لمن دواعي الحزن و الشعور بالخجل تجاه ما نراه من تصرفات و ممارسات مشينة من قبل رموز الانتهازية والفساد الذين ترعرعوا في محراب راعي الفساد التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل و الذين أجرموا في حق شبابنا وطمسوا هويتنا وداسوا على حريتنا وكرامتنا وامتصوا دماء شعبنا وها هم يخططون لاغتيال ثورتنا المباركة, التي ضحى من أجلها رجال بررة والقائمة على الكرامة والحرية وحب الوطن وتطهيره من رموز الفساد, حتى تواصل هذه الجمعية ورموزها النشاط والمشاركة في الملتقيات الدولية باعتبار الأسباب التالية: – تم بعث الجمعية التونسية لشباب الأمم المتحدة بتعليمات من قبل الرئيس المخلوع بن علي وباقتراح من الوكالة التونسية للاتصال الخارجي و التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل وبدعم من وزارة الشباب والرياضة ووزارة الشؤون الخارجية. – تتكون الجمعية من:* وليد المهيري رئيسا للجمعية وهو عضوا للجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل وخريج الأكاديمية السياسية للتجمع المنحل و هو الابن المدلل لعبد العزيز بن ضياء وسمير العبيدي و الصديق الحميم لمحمد صخر الماطري, كما عرف بالفساد المالي (تحسنت أوضاعه المادية وبانت للعيان في وقت وجيز بالرغم من أنه ينحدر من عائلة متواضعة جدا) والفساد السياسي (حيث انقلب على كل الذين ساعدوه وتبنوه ) والفساد الأخلاقي (حيث كان يتودد للعائلات الحاكمة و الفاعلة من خلال بناتهن باهامهن بالزواج). *محمد أنيس شوشان نائب رئيس الجمعية وهو كما تعلمون ابن المنجي شوشان الكاتب الدولة السابق لدى وزير الداخلية والتنمية المحلية وهو عضوا باللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل و عضوا بمجلس النواب وخريج الأكاديمية للتجمع المنحل وعين مديرا بالخطوط الجوية التونسية منذ الوهلة الأولى من انتدابه دون التسلق للسلم الإداري, كما يعتبر من الشبان الأثرياء (له عدة عقارات ويقود سيارات فاخرة كالمرسيدس وغيرها) ويطمح أن يجمع المال و الجاه معا. *كنزة الرفاعي ابنة حياة بن علي أخت الرئيس المخلوع وعضوه ببرلمان الشباب الذي أذن بن علي ببعثه, ومثلت تونس في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في أكتوبر 2010. *كريم زروق عضوا بالجمعية التونسية لشباب الأمم المتحدة وهو نجل محمد زروق كاتب عام جامعة التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل بقرطاج و الصديق الشخصي لعبد العزيز بن ضياء حيث كان يرافقه في جلساته الشخصية ويلبي له كل طلباته مهما كان نوعها و المقرب جدا من محمد صخر الماطري, هذا إلى كونه عضوا بالمكتب الوطني للشباب الدستوري الديمقراطي المنحل وهو إطار بديوان المواني و المطارات الجوية.
*محمد ضياء دحمان عضوا بالجمعية التونسية لشباب الأمم المتحدة وهو نجل رشيد دحمان مستشار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وخريج الأكاديمية السياسية للتجمع المنحل
*رانيا قحبيش عضوه بالجمعية التونسية لشباب الأمم المتحدة وهي عضوه باللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل
– تهدف الجمعية التونسية لشباب الأمم المتحدة للتسويق للنظام البائد ويخطط لها من قبل الوكالة التونسية للاتصال الخارجي و سمير العبيدي و محمد الغرياني حيث تمثلت هذه الأخيرة في شخص وليد المهيري و كنزه الرفاعي في اجتماع الجمعية العامة للمنتظم ألأممي بنيويورك في شهر أكتوبر من سنة 2010 هذا بالإضافة للمشاركة في عدة تظاهرات إقليمية ودولية
– تحصلت الجمعية التونسية لشباب الأمم المتحدة رغم حداثتها على اعتمادات هامة من المال العام متأتية من وزارة الشباب والرياضة والوكالة التونسية للاتصال الخارجي و التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل ووزارة الشؤون الخارجية و مؤسسة الرئاسة هذا بالإضافة إلى عدة مؤسسات وجامعات محلية.
– مواصلة الجمعية التونسية لشباب الأمم المتحدة نشاطها بنفس المجموعة التي كانت تسوق لبن علي و النظام البائد حتى بعد ثورة 14 جانفي, حيث شاركت في العديد من الملتقيات الإقليمية و الدولية و آخرها مشاركتها في شخص رئيسها وليد المهيري في ملتقى إقليمي نظمته (اروماد) بالقاهرة في بداية شهر جوان 2011. حيث قام هذا الأخير بنشر صوره في الفايس بوك بساحة التحرير بالقاهرة وكأننا به يتبجح بالثورة التونسية والمصرية في حين الكل يعرف ماذا فعل الوليد و ماذا اقترفت يداه فهو العدو رقم واحد للثورة و رمز متميز للفساد بأنواعه المالي و السياسي و الأخلاقي و متحصل على شهادة في المكر والغدر والانقلابية.
إن جمعية الأصدقاء التي سوقت للنظام البائد ونهب رئيسها الوليد من المال العام ودلس الحقائق, هاهو اليوم يحاول القفز على الثورة ويغير ثوبه مثل الثعابين, و يسعى لتغيير لونه مثل الحرباء من تجمعي مارق متملق إلى ثوري حر كريم, يتصيد الفرص عله يجد من يحضنه أو يشاركه الغنائم مقابل الغطاء و الحماية بعد أن جفت منابع الخيرات منذ 14 جانفي 2011 التي كانت تدر عليه أموالا و هدايا ثمينة و متنوعة مقابل خدماته التي تجاوزت كل الحدود القانونية والشرعية و القائمة على علاقته المتينة مع العائلة المالكة ومسؤولياته المتعددة و الهامة في صلب قيادة التجمع الفرعوني المتجبر المنحل.
لا عدالة انتقالية في تونس دون رسكلة جهاز الأمن وتطويرهيقول غاندي: « إذا قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة »…ومن هذا المنطلق وحتى يتحقق الانتقال الديمقراطي لا بد من العمل على ترسيخ مفهوم « العدالة الانتقالية » التي تقوم على الكشف عن الحقيقة وجبر الأضرار للذين انتهكت حقوقهم ومحاسبة من ارتكبوا ذلك ثم المصالحة. هذا ما أكده السيد فاخر القفصي (الكاتب العام للرابطة التونسية للمواطنة) على هامش المؤتمر الذي نظمته أمس جمعية منتدى جمهورية الغد نورحول » العدالة والمصالحة قبل بناء الجمهورية الجديدة ». وأضاف أن العدالة الانتقالية تستوجب نشر ثقافة عدم الانفلات من العقاب عبر لجان تتشكل للغرض تتعدد أسماءها وتختلف وفقا لخصوصية كل بلد ولكنها تعمل على تصفية الماضي بما يطرحه من مساءلة ومحاسبة وجبر للأضرار بطريقة تحفظ كرامة الأشخاص وعائلاتهم ثم المصالحة.من ذلك أهالي الضحايا الذين اغتيلوا الذين يبقى هدفهم الاول اكتشاف هوية الأشخاص الذين قاموا بذلك. وشدد القفصي في نفس السياق على انه لا بد من العمل على إعادة الاعتبار للكرامة الإنسانية والتحري ضد الانتهاكات التي مورست كما انه من الضروري العمل على تجاوز مجرد التعويض المادي للذين انتهكت حقوقهم والتشريع لرد الاعتبار عبر توفير الرعاية الصحية والنفسية اللازمة.
معادلة صعبة ولعل السؤال الذي يطرح هو: كيف تتم المعادلة بين عمليتي المساءلة والمصالحة حتى لا تتعطل عملية الانتقال الديمقراطي؟ و ردا عن ذلك أشار الكاتب العام للرابطة التونسية للمواطنة أن الصعوبة تكمن في التوفيق بين السلم والعدل سيما أن التجارب الانتقالية في دول العالم أثبتت فشل بعض التجارب مثل الأرجنتين التي اضطرت بعد 8 أشهر من انطلاق سير المحاكمات إلى وقفها ضمانا لمبدأ السلم. وأشار في هذا السياق إلى ضرورة ان تعمل لجان تقصي الحقائق على اختراق ثقافة الخوف عبر التكريس لثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويبقى السؤال المطروح حسب السيد فاخر القفصي: » متى ستطرح الحكومة المؤقتة موضوع العدالة الانتقالية بشكل جدي, ومتى سيتعمق الوعي لدى الساسة والحكومة المؤقتة بشان اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق عدالة انتقالية تسعى إلى الكشف عن الحقيقة وتساعد على محاسبة مرتكبي الانتهاكات كما توصي بجبر الأضراركما توفر منبرا هاما للضحايا وتتيح لهم الفرصة لمن يريد الاعتراف والاعتذار. »
استيعاب الانتهاكات من جهتها أشارت السيدة منية عمار (قاضية والناطقة الرسمية باسم الجمعية)في مداخلتها إلى أن الهدف من العدالة الانتقالية هو استيعاب الانتهاكات الجسيمة التي حصلت في الفترة السابقة وهي انتهاكات لم يقع استيعابها من طرف العدالة التقليدية أي القضاء الذي يبقى في بعض الأحيان غير قادر على استيعاب آو معالجة هذه الانتهاكات سيما أن بعض الدعاوى تسقط بمرور الزمن. ويبقى الهدف من إرساء عدالة انتقالية التي تعد بمثابة وسيلة تكميلية للعدالة التقليدية هو أن يعترف الجميع بالانتهاكات التي مورست حتى لا تبقى طي الماضي. فالانتهاكات الجسيمة من قبيل التعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري والتي مورست بصفة منهجية ضد فئة ما من الأشخاص لا بد أن تفتح حتى يتسنى وضع ضمانات بعدم تكرار وقوعها سيما في ظل أزمة الثقة بين المواطن التونسي والقضاء . فمن الضروري أن تفتح الملفات حتى نستخلص الدروس ويبقى أهم مثال على ذلك هو تجربة جنوب إفريقيا التي كرست مبدأ المحاسبة : الجناة يعترفون بما ارتكبوه أمام الجميع ثم المصالحة . واقترحت القاضية أن يقع التنصيص على العدالة الانتقالية بمرسوم في فترة معينة : فترة الانتقال الديمقراطي فقط وتحديد مدتها وصلاحيتها وتقع مساءلة المعنيين بالأمر قصد التصالح مع الماضي. و من جهته تطرق السيد أنور الكسري (نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) إلى انه لا يمكن تصور عدالة انتقالية في تونس دون رسكلة جهاز الأمن و تطويره. كما اقترح في هذا الإطار أن تتحد كل جمعيات المجتمع المدني لوضع خارطة طريق لتحقيق العدالة الانتقالية. منال حرزي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 12 جوان 2011)
<
نواف القديمي
الجزء1
وأنا أستمع للأستاذ الذي هاتفني ليدعوني إلى المشاركة في مؤتمر يُعقد بتونس.. لم أفكر لحظتها في طبيعة المؤتمر وموضوعه، بقدر ما شعرتُ بأنها لحظة مناسبة لرؤية (تونس ما بعد الثورة).. تلك التي أوقدت الشرارة، وفيها سقط مكعّب الدومينو الأول في مشهد التداعي العربي الكبير. وحين أتحدث عن (تونس ما بعد الثورة) فكان بداهة -عندي على الأقل- أن تشمل الرحلة زيارة المدينة الصغيرة التي انطلقت منها الثورة (سيدي بوزيد). » المفاجأة كانت في مدى اندهاش الكثيرين حين أسألهم إن كانوا يرغبون الذهاب لها.. وكان سؤالهم المُتكرر: وهل في سيدي بوزيد شيء يستحق الزيارة؟!.. وكنتُ أجيبهم ضاحكاً: بالطبع.. هناك البركة » ولأن المؤتمر يتحدث عن العالم العربي بعد الثورات. وقد اختار لهذا السبب تونس مكاناً لانعقاده.. فقد دفعني هذا إلى توقع أنني سأجد عدداً من الضيوف العرب يُشاركونني الرغبة في زيارة سيدي بوزيد.. ولم تكن المفاجأة في أنني لم أجد أحداً ينوي ذلك.. فهذه المدينة الصغيرة ليست قريبة من العاصمة، بل تقع في منطقة صحراوية حارّة بوسط تونس، وتحتاج لكي تصل إليها أكثر من أربع ساعات بالسيارة.. لكن المفاجأة كانت في مدى اندهاش الكثيرين حين أسألهم إن كانوا يرغبون الذهاب لها.. وكان سؤالهم المُتكرر: وهل في سيدي بوزيد شيء يستحق الزيارة؟!.. وكنتُ أجيبهم ضاحكاً: بالطبع.. هناك البركة. أصدقاء توانسة قالوا لي إنه يجب الحذر في هذا الوقت تحديداً أثناء زيارة سيدي بوزيد.. لأن مناطق قريبة تشهد حالياً مواجهات دامية مع الأمن، وقد سقط حتى الآن عشرة قتلى وتسعون جريحاً.. وقد تتسع رقعة المواجهات أكثر. تقع مدينة سيدي بوزيد بوسط تونس تماماً، وهي جنوب العاصمة بقرابة الثلاثمائة كيلومتر.. وفي منتصف الطريق إليها تقع مدينة القيروان التاريخية.. لهذا انطلقتُ صباح الأحد 5 يونيو/ حزيران في حافلة بصحبة عدد من المشاركين بالمؤتمر الذين قرروا زيارة عِدة مدن سياحية بدءا بالقيروان.. وفي القيروان -التي زرتها من قبل- ودّعتهم وركبت مع سائق أجرة للبحث عن وسيلة تنقلني إلى سيدي بوزيد. محطة الحافلات كانت الساعة دون العاشرة صباحاً بقليل.. ذهبتُ إلى محطة الحافلات الكبيرة، فأخبروني بأن حافلة سيدي بوزيد ستتحرّك في الثانية عشرة والنصف ظهراً، أي بعد ساعتين ونصف الساعة.. سألت سائق التاكسي عن حلٍ أسرع للوصول.. فأخبرني بأن عليّ أن أتوجه إلى (الولاج) وهي المحطة الخاصة بالحافلات الصغيرة (الميكروباص) التي تنقل الركاب إلى عدة مدن بدون توقيت مُحدد، ولكن بمجرد امتلاء الحافلة. وفي الولاج حجزت مقعداً في الحافلة المتجهة إلى سيدي بوزيد، واتجهت إليها لأتفاجأ بأنني حتى الآن الراكب الوحيد على هذا الخط.. وأن عليّ أن أنتظر حتى يأتي سبعة ركاب كي تمتلئ هذه الحافلة الصغيرة وتتحرّك.. فكّرتُ لوهلة أن أشتري تذاكر كل المقاعد وأتحرك وحدي، فسِعر المقعد الواحد ليس مرتفعاً بالطبع.. ولا أريد إضاعة مزيدٍ من الوقت.. ولكني تراجعت عن هذا السلوك البرجوازي رغبة في الالتزام بتقاليد هذا المكان البسيط. » ما حصل في سيدي بوزيد لم يكن استثناءً في التاريخ التونسي الحديث.. فلتونس ذاكرة احتجاجية عريقة تمتد حتى أواسط القرن التاسع عشر.. صحيح أن الأحزاب المحليّة ضعيفة ولم تلعب دوراً كبيراً في مسيرة النِضال السلمي ضد السلطة.. ولكن في تونس ثمة تشكيلات نقابيّة ومهنية عريقة كانت دوماً رأس حربة في مسيرة الدفاع عن الحقوق والحُريّات » ذاكرة احتجاجيّة ما حصل في سيدي بوزيد لم يكن استثناءً في التاريخ التونسي الحديث.. فلتونس ذاكرة احتجاجية عريقة تمتد حتى أواسط القرن التاسع عشر.. صحيح أن الأحزاب المحليّة ضعيفة ولم تلعب دوراً كبيراً في مسيرة النِضال السلمي ضد السلطة.. ولكن في تونس ثمة تشكيلات نقابيّة ومهنية عريقة كانت دوماً رأس حربة في مسيرة الدفاع عن الحقوق والحُريّات.. من أبرزها (اتحاد الشغل) و(نقابة المحامين). والتجربة الاحتجاجيّة التونسيّة تتذكر دوماً باعتزاز (عليّ بن غذاهم) الذي كان يُلقّب بـ (باي الشعب)، وهو من قبيلة ماجر بولاية القصرين، وقد قاد ثورة ضد الحكومة التونسيّة عام 1864م بسبب مُضاعفة الدولة لضريبة الإعانة رغبة في حلّ المشاكل الاقتصاديّة التي كانت تعانيها تونس.. وقد شملت الثورة عدة مناطق في الشمال الغربي والساحل والجنوب.. إلا أن قوات السُلطة (الباي) تمكنت في نهاية المطاف من إخمادها.. وتم اعتقال بن غذاهم في فبراير/ شباط 1866م، ومات بالسجن في أكتوبر/ تشرين الأول 1867م. وفي القرن العشرين شهدت تونس كثيراً من الاحتجاجات السلميّة، من أبرزها تلك التي قادها فرحات حشّاد ضد السلطة الاستعمارية، ونتج عنها تأسيسه لأقوى تشكيل نقابي مُستقل بتونس (الاتحاد العام للشغل) عام 1946م. وبسبب المواقف الصارمة لابن حشّاد تجاه استغلال السلطة، وبسبب الإضرابات الكبيرة التي قادها، وموقفه الحاد تجاه قوات الاحتلال الفرنسي، تم اغتياله على يد عِصابة (اليد الحمراء) التي تتكون من فرنسيين مُقيمين بتونس، يوم 5 من ديسمبر/ كانون الأول 1952م. وبدوره قاد الاتحاد العام للشغل -الذي له حضور واسع في كل المدن التونسية- مسيرة طويلة من الاحتجاجات السلميّة.. من أبرزها الإضراب الكبير الذي قاده عام 1978م وشمل غالب المدن التونسيّة، ونتج عنه مواجهات عنيفة مع السلطة سقط على إثرها عشرات القتلى وتم اعتقال قادة الإضراب لعدة أعوام.. أيضاً كان لاتحاد الشغل دور كبير في قيادة ثورة الخبز عام 1984م التي اشتعلت احتجاجاً على رفع أسعار الخبز والحبوب، ونتج عنها تراجع الرئيس بورقيبة عن قراره برفع الأسعار. إضراب الجوع وكان آخر حدث احتجاجي كبير شهدته تونس قبل الثورة هو (إضراب الجوع) الذي أعلنه ثمانية من القادة الحزبيين والحقوقيين يوم 18 من أكتوبر/ تشرين الأول2005م قُبيل مشاركة إسرائيل في قمّة المعلومات بتونس.. وكان الإضراب موجهاً ضد مشاركة إسرائيل، وضد الاستبداد والفساد وقمع الحريات وسياسة الإفقار والاستغلال.. ونتج عنه تأسيس أبرز تكتل حقوقي بين الإسلاميين والعلمانيين هو (هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات). وبرزت في الداخل التونسي شخصيات عديدة من الرجال والنساء كانت صارمة في موقفها ضد انتهاكات حقوق الإنسان، وتعرّضت بسبب ذلك إلى الاعتقال والأذى الأمني المتواصل.. من أبرزهم الكاتبة الصحفيّة (نزيهة رجيبة/أم زياد)والناشطة الحقوقيّة (سهام بن سدرين) والناشط السياسي والحقوقي (المنصف المرزوقي) والسياسي (أحمد المنستيري)، وسواهم.
الجزء 2
امتدت لحظات انتظاري في المحطة قرابة الساعة.. في أثنائها تجولت على دكاكينٍ تبيع حلوياتٍ تشتهر بها القيروان، وأخرى تبيع منتجات شعبيّة.. ثم أخذتُ أتجول بين الحافلات.. أشاهد الناس وأستمع لأحاديثهم، وقد بدا لي واضحاً أنه كلما نزلتَ جنوباً في تونس، زاد الفقر، وقلّ التعليم، وبدت سِحنات الوجوه أكثر سُمرة وكدحاً، حتى أنك تكاد تستطيع أن تُميّز سُكان الجنوب عن الشمال. وتحركت الحافلة باتجاه سيدي بوزيد بعد أن اكتملت في الساعة الحادية عشرة صباحاً.. وبدا الطريق ضيّقاً وزِراعيّاً في غالبه.. ويمر بوسط عدة قرى.. ويمتد لقرابة المائة وخمسين كيلومتراً باتجاه الجنوب.. وفيه نقطع عدة كيلومترات من الطُرق الترابية.. ولأن المزارع كانت تُحيطنا عن اليمين والشمال في بداية الطريق، توقّف سائق الحافلة مرتين كي يشتري هو وبعض الركّاب بعض الفواكه والخضراوات من هذه المزارع.. ولكن كلّما توغلت الحافلة في الطريق أكثر تضاءل منسوب الاخضرار في المُحيط، وازدادت ملامح الصحراء. » بعد ركوبي مع طاهر وترحيبه الودود بي، التفتَ إليّ وقال: ما الذي تريد أن تعرفه في سيدي بوزيد؟.. قلت له مُبتسماً: أتيتُ كي أسمع القصة من أصحابها، وعلى أرضها، دون أن تُلوثها وسائط العولمة، ودون أن تَفقِد روحها وهي تتنقّل في مسارب الأثير الفضائي » وقبل الوصول إلى سيدي بوزيد بنصف ساعة، كان الخبر الأول الذي بثته الأخبار الإذاعيّة هو سفر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى السعودية للعلاج، وكيف أن الثوّار اليمنيين اعتبروا خروجه نصراً، وأنه لن يعود.. عندها بدأت تعليقات ركاب الحافلة على خبر لجوء الرئيس اليمني -بعد رئيسهم زين العابدين- إلى السعودية.. وكان جيداً أنني لم أتحدث مع أحدٍ من الركاب أثناء الطريق، لذا لا أحد يعرف أنني سعودي.. فكانت فرصة للاستماع إلى انطباعاتهم دون تحفّظ .. طبعاً كانت النتيجة كما هو مُتوقّع أننا (تشرشحنا). وصلتُ إلى سيدي بوزيد قبل الواحدة ظهراً.. وكان بانتظاري الأستاذ محمد طاهر.. وهو رجلٌ في أواخر الثلاثينيّات من عُمره.. ومن أعضاء حزب النهضة الإسلامي.. وقد قضى من شبابه أربعة أعوامٍ في السجن ابتداءً من 1991م بسبب نشاطه مع الحركة الطلاّبية بالجامعة التونسيّة. بعد ركوبي مع طاهر وترحيبه الودود بي، التفتَ إليّ وقال: ما الذي تريد أن تعرفه في سيدي بوزيد؟.. قلت له مُبتسماً: أتيتُ كي أسمع القصة من أصحابها، وعلى أرضها، دون أن تُلوثها وسائط العولمة، ودون أن تَفقِد روحها وهي تتنقّل في مسارب الأثير الفضائي. جامع الرحمة سيدي بوزيد هو اسم لمُحافظة بالوسط التونسي.. تتوسطها مدينة سيدي بوزيد الصغيرة.. ويبلغ عدد سكّان المدينة قرابة الخمسين ألفاً.. غالبهم يعمل بالزراعة أو التجارة.. وغالب سكان المدينة ينتسبون لقبيلة (بني هلال) التي تسكن عشائرها بعدد من مدن الوسط التونسي.. ومحمد البوعزيزي ينتمي لعشيرة (الحورشان) من بني هلال.. وتُعتبر سيدي بوزيد من المُدن حديثة النشأة في تونس.. فهي لم تتأسس سوى قبل خمسين عاماً أو أزيد قليلاً.. وقد أُطلق عليها هذا الاسم لكونها تأسست بأرض تضم مقاماً لوليٍ اسمه (سيدي بوزيد). مع طاهر اتجهنا أولاً لصلاة الظهر في جامع الرحمة.. هذا الجامع الكبير في هذه المدينة الصغيرة هو الذي شهد الشرارة الأولى للقصة.. فعلى بوابته الغربيّة كانت تقف عربة محمد البوعزيزي (محمد هو اسم الشهرة، واسمه في الأوراق الرسميّة طارق) ليبيع الخُضار يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010م .. وبعد الصلاة أتته (فادية حمدي) المشرفة في البلدية (مشرفو البلديات يُسمون في تونس بـ « أعوان التراتيب ») ومعها رجل أمن، وصادرت الخُضار، وتعاملت معه بقسوة، وتفوّهت بألفاظ نابية، ويُقال إنها قامت بصفعه أيضاً. عندها غضب محمد البوعزيزي.. وذهب إلى (قصر البلديّة) ليرفع شكوى على عون التراتيب (فادية) التي أهانته وصادرت خُضاره.. ولكن البلديّة لم تُنصفه ولم تلتفت لشكواه.. عندها اتجه البوعزيزي إلى مقر (الولاية) ليقابل مُحافظ المدينة.. ولكن المُحافظ لم يقبل بلقائه ابتداءً، فضلاً عن أن يستمع لشكواه.. بل قام موظفو الولاية بطرده وشتمه بألفاظ نابية.. وحينئذٍ ذهب محمد وأحضر إناءً يحوي بنزينا.. ووقف على باب الولاية.. وسكب البنزين على جسده.. ثمّ أحرق نفسه.. هذه هي الخطوط العريضة للقصة كما نُشرت في كل الصحف والمواقع. * * * * تداعيات الثورة لم تكن ظاهرة إحراق النفس احتجاجاً على قمع السُلطة مُمارسة جديدةً في تونس.. ولم يكن محمد البوعزيزي هو أول من فعلها.. بل حصلت عِدة حوادث مُشابهة في التاريخ التونسي الحديث.. ففي عام 1990م أقدم شابٌ من محافظة سليانة على حرق نفسه أمام مقرّ المحافظة احتجاجاً على مُمارسات قمعيّة مورست ضِده.. وقبل شهور من قصة البوعزيزي أقدم رجل اسمه عبد السلام تريمش (وهو أبٌ لطِفلين) في الأسبوع الأول من مارس/ آذار 2010م على حرق نفسه أمام مقرّ محافظة المنستير بسبب مُصادرة مصدر رزقه وإهانته بقسوة.. وبعد هاتين الحادثتين كانت الاحتجاجات تثور في المحافظات التي تقع بها.. ولكن سرعان ما يتم إخمادها بقسوة أمنية. وبعد إحراق محمد البوعزيزي نفسه مساء 17 ديسمبر/كانون الأول 2010م.. نامت سيدي بوزيد وهي على فوّهة بركان.. وكان يمكن أن يمرّ مشهد احتراق البوعزيزي كما مرّ غيره سابقاً.. ولكن ابن عمّه وبعضاً من أفراد أسرته وعشيرته الصغيرة قررت الاحتجاج في الغد أمام مقرّ الولاية.. واحتج ما يُقارب الخمسين شخصاً منهم.. وواجهتهم قوات الأمن بالعصي والقنابل المُسيلة للدموع واستطاعت تفريقهم.. وفي اليوم الذي تلاه واصلت ذات المجموعة الاحتجاج.. وتواصل القمع لهذه المظاهرات الصغيرة التي كان غالب المشاركين بها من أبناء عشيرته، إضافة إلى محامٍ صديقٍ للعائلة. واصلت هذه المجموعة المُنتمية إلى عشيرة البوعزيزي احتجاجاتها لبضعة أيام.. وكانت في كل يوم تتصاعد المواجهات (لاحظ كيف يُمكن أن يكون للعشيرة دور إيجابي في الوقوف بوجه القمع والظلم).. وهو ما أدّى إلى ازدياد أعداد المُشاركين في المظاهرات.. وبعد أيام صارت الاحتجاجات تتجاوز الإطار الضيّق وبدأت تعمّ مُعظم المدينة.. وشارك شباب سيدي بوزيد بحماسٍ في هذه الاحتجاجات اليومية.. وسقط منهم قتيل واحد وعدد من الجرحى. بدء الاحتجاجات وهنا بدأت الاحتجاجات تتجاوز مُحيط سيدي بوزيد.. حيث انتقلت إلى عدة مدن محيطة.. فانتقلت أولاً إلى مدينة « القصرين » التي تبعد عن سيدي بوزيد ثمانين كيلومتراً.. والقصرين شهِدت أعنف المواجهات مع الأمن في تاريخ الثورة التونسية.. وتجاوز عدد القتلى فيها أكثر من ثلاثين شخصاً.. إضافةً لعشرات الجرحى (وهناك أحاديث عن عمليات اغتصاب عديدة قام بها عناصر الأمن).. وهو ما جعل البعض يكتب أن احتجاجات مدينة القصرين كانت مُنعطفاً مُهماً في الثورة. » لم تكن ظاهرة إحراق النفس احتجاجاً على قمع السُلطة مُمارسة جديدةً في تونس.. ولم يكن البوعزيزي هو أول من فعلها.. بل حصلت عِدة حوادث مُشابهة في التاريخ التونسي الحديث.. ففي عام 1990م أقدم شابٌ من محافظة سليانة على حرق نفسه أمام مقرّ المحافظة احتجاجاً على مُمارسات قمعيّة » وعند ذلك بدأت دائرة الاحتجاجات بالاتساع.. ووصلت إلى مدينة تالة القريبة من القصرين، والتي شهدت أيضاً مواجهات دمويّة.. وانضمت معظم القرى التابعة لمحافظة سيدي بوزيد إلى الاحتجاجات (المكناسي، وسيدي علي بن عون، ومنزل بوزيان، والرّقاب).. وفي مواجهتها ازداد استخدام الأمن للرصاص الحي الذي صار يوجه للصدور والرؤوس.. ووسط هذا القمع خرج الرئيس بن علي بخطابه الأول يوم 30 ديسمبر/ كانون الأول، وتحدث فيه بلغة حازمة عن نيته قمع الخارجين عن القانون.. وبعد هذا الخطاب المُستفز، بدأت عدوى المظاهرات تنتقل إلى عدد آخر من المدن التونسية. ومع امتداد الاحتجاجات بدأ الحضور الكبير لـ (نقابة المُحامين) أولاً، ثم لـ (اتحاد الشغل) وذلك بالمشاركة في تنظيم وتأطير هذه الاحتجاجات.. حيث كان للحضور الكبير للمحامين ووقوفهم في الصفوف الأولى للمظاهرات دور مُؤثر في التدعيم الحقوقي لهذه الاحتجاجات، وكسب تعاطف المنظمات الحقوقية الدولية.. وبدأ الأمن في مطاردة المحامين، وتم اعتقال وضرب الكثير منهم.. وفي يوم 6 يناير/ كانون الثاني قام المحامون بإضرابٍ شمل كافة المحاكم احتجاجاً على التعامل الدموي مع المظاهرات. طلبة الجامعات ووصلت الاحتجاجات إلى الأوساط الجامعية.. حيث أقدم طلبة الجامعات في العاصمة وسوسة وعدد من المدن على تشكيل مظاهرات احتجاجية ضد ما يجري.. ولكن المظاهرات بالمدن الكبيرة لم تتجاوز بعدُ الأوساط النقابية والجامعية. ومن المنعطفات المهمة بالثورة التونسية التظاهر الشعبي الكبير يوم 12 يناير/ كانون الثاني بصفاقس التي تُعدّ أهم معقِلٍ للنقابيين وثاني أكبر مدينة بتونس.. حيث تظاهر بهذا اليوم أكثر من خمسين ألفاً.. ويذكر المدوّنون للتاريخ الاحتجاجي التونسي أنه ما أن تُعلن صفاقس العصيان حتى تتبعها العاصمة. وفي اليوم التالي بدأت بالفعل المظاهرات الشعبيّة الكبيرة تجتاح العاصمة تونس.. وبدأت تتردد شائعات عن استقالة الرئيس وعن سقوط مئات القتلى في المدن.. وبسبب ذلك سادت بعض أعمال الفوضى والنهب للمحال التجارية، وقام السكّان بتخزين المواد الغذائية، وتم إغلاق المؤسسات والمحال التجارية، وتوقفت القطارات، وقُطعت بعض الطُرق الرئيسية. وفي اليوم الذي تلاه (14 يناير/ كانون الثاني) شل الإضراب العاصمة ومعظم المدن.. واندفعت الحشود بعشرات الآلاف إلى شارع الحبيب بورقيبة حيث مقر وزارة الداخلية.. وغصّ الشارع بالمتظاهرين الذين حاصروا مبنى الوزارة وهم يرددون الشعارات المطالِبة برحيل بن علي وإسقاط النظام.. وفي الخامسة مساءً تسرب خبر هروب الرئيس إلى فرنسا.. ثم تبيّن بعد ساعاتٍ عديدةٍ أن فرنسا رفضت استقباله، وأنه توجه إلى السعوديّة.
الجزء 3
بعد فراغنا من صلاة الظهر في جامع الرحمة أصرّ طاهر على أن يدعوني إلى بيته لنتناول وجبة الغداء.. فذهبت معه إلى منزله وتناولنا الغداء بصحبة طفليه برّاق وشاهين اللذين لم تتوقف أسئلتي لهما عن جدول الضرب أولاً ثمّ عمّا سمعاه من قصة البوعزيزي والاحتجاجات. وبعد كرم الغداء المنزلي الودود، تجوّلت في أرجاء مدينة سيدي بوزيد.. فذهبت أولاً إلى قصر البلدية، ثمّ إلى مقر الولاية، ثمّ إلى جامع الرحمة الذي شهد الشرارة الأولى.. وحادثت في تجوالي كثيراً من شباب المدينة ممن كانوا يعرفون محمد البوعزيزي، وبعض من كانوا يُشاركونه بيع الخضار أمام الجامع. من خلال من التقيتهم بدا واضحاً أن محمد البوعزيزي كان شاباً طيباً ومحبوباً.. ومحافظاً على الصلاة.. ولكنه سريع الغضب.. وقد ولِد يتيم الأب.. وامتهن بيع الخُضار مذ كان في التاسعة عشرة من عمره. بعد هذه الجولة في طرقات سيدي بوزيد توجهت إلى منزل أسرة محمد البوعزيزي، وإذ به منزل متواضع جداً لا تزيد مساحته عن خمسين متراً مربعاً، ويقع في زِقاق ضيّق.. وبالطبع كان المنزل فارغاً، لأن والدته وإخوته الصغار كانوا قد غادروا سيدي بوزيد بعد الحادثة ببضعة أسابيع، وأعطتهم الحكومة منزلاً كان يعود لعائلة الطرابلسي في ضاحية المرسى بالعاصمة تونس. قبر البوعزيزي سألتُ صاحبي طاهر عن المكان الذي دُفن فيه محمد.. فأخذني إلى مقبرة مخصصة لعشيرته تبعدُ عن سيدي بوزيد أكثر من عشرة كيلومترات.. وفي منطقةٍ وعرةٍ بوسط الصحراء لا تصل إليها السيارات وجدنا المقبرة.. وللقبور وقارها وهيبتها.. فوقفنا على قبره قُبيل المغرب، ودعونا له بالرحمة والمغفرة.. ثم استأذنت صاحبي في أبقى هنا لبِضعِ دقائق.. فجلستُ بقرب قبره.. وأمامي بدت عشراتُ القبور المُحاطة بفلاة لا ترى فيها بشرا.. وفي الأفق تبدو الصحراء المُمتدة وعلى أطرافها سلسلة جبالٍ تلوح من بعيد.. وبدأت أكتب.. إلى روح محمد البوعزيزي.. وإلى عربة الخُضار والكرامة: ما عادت هذه أخشاباً يا محمد.. ولا ذلك الحديد الصدِئ المُتآكل ظلّ يُسمى عجلات.. ما عادت الأرض هي الأرض.. ولا الزمان هو الزمان.. ولا الناس هم الناس.. ولا الفضاء هو الفضاء. ما عاد العرب هم العرب يا محمد.. ولا البُسطاء في هوامش المدن المنسيّة بقوا خارج جداول الحِساب.. ولا الرابضون لعقودٍ فوق الكراسي باتوا يأمنون مواطئ الأقدام.. حتى الأوغاد المتأنقون أمام كاميرات الإليزيه والبيت الأبيض ما عادوا يزدرون شعوبنا كما كانوا. هل تعرف ما فعل اللهيب المُشتعل في كرامتك بوطننا العربي المُمتد بحجم الوجع من المحيط إلى الخليج؟! هل تعرف ما فعل الغضب في الوجوه المُنهكة، والسواعد المكدودة، والأرواح المُثقلة بكل عذابات السنين؟! هل تعرف ما فعل جسدك المُحترق يا محمد؟! لقد أشعل الكرامة في عروق أوطاننا المطمورة تحت أكوام الفاسدين وأبناء الذوات.. وأوقد نيران الغضب فوق أرضنا التي أعياها التعب.. وبعث الحياة في أرواحٍ كان نبضها يتداعى على أجهزة الإنعاش.. وضخ الأمل في شرايين الشعوب المُعتقلة في كُل عنابر الوطن. أنينُك الموجوع يا محمد لم يهدأ بعدُ في النفوس الثائرة بميادين التحرير.. وغضبُك ما زال مشتعلاً في ملايين الحناجر التي تهتف كل يومٍ بساحات التغيير.. والناس في عالمنا العربي الثائر صاروا يقفون أمام قبرك الممتد بحجم أوطاننا، ويتلون كُل صباح: (ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعا).. والشجى ما زال يبعثُ الشجى يا محمد. في صدورنا لك عَهدٌ أن نقطع كل الجذوع الغليظة في غابات الظلم والقهر.. وفي نفوسنا لك دَينٌ أن نبتهل إلى الله في الخَلَوَات أن يُعليك في الجنّة بقدر ما هَوَت عروش الظالمين في الدَركات.. وفي أعناقنا لك بيعة أن نُشعل الجسد قبل انتهاك الكرامة.. فلهيب كرامتك يا محمد صنع في أوطاننا ثورة. نواف- سيدي بوزيد- مساء 5 يونيو 2011م (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 جوان 2011)
<
محمد بوسنينة صحافي حضرة الزميل المحترم يسعدني أن أضع أمام أخوتكم هذا الكتاب الإلكتروني الذي أصدرته في إطار سلسلة أسميتها »تحقيقات صحفية »، وآمل أن يجد لديكم الحظوة والعناية ويعتمد هذا الكتاب اسلوب العمل الصحفي في البحث والتحقيق، من خلال عدد من المقالات التي يجمع في ما بينها عنصر محوري هو المتعلق بالمال العام وارتباطه بقضيتي المواطنة وسوء التصرف وهذا هو الكتاب الأول ضمن سلسلة » تحقيقات صحفية » التي ستتناول نفس القضايا الثلاث وغيرها وتجدون في هذا الرابط http://www.pressebook.e-writer.net صفحة الإستقبال التي تقدم للسلسلة المذكورة، وفي الرابط التالي صفحة تقديم الكتاب نفسه http://www.pressebook.e-writer.net/presentation.html في ما تجدون في الوثائق المرفقة صورة للغلاف واخرى للفهرس وتفضلوا بقبول فائق عبارات التقدير والإحترام —————————————————————————————————– http://www.pressebook.e-writer.net tel: 21698963585 pressebook@gmail.com الفهرس العنوان الصفحة * تقديم: في النقد الصحفي 7 * المال العام… والمحاسبة عن مصارفه 13 * هؤلاء أغرقوا العاصمة.. فحاسبوهم! 18 * ميزانية الدولة .. وقراءة أخرى في الأرقام 23 – 250 مليارا لمساندة قطاعات الإنتاج و24 مليارا لمساهمة الأعراف في الضمان الإجتماعي ولا أرقام لانتدابات جديدة بالإدارة * فتح ملف الصفقات العمومية لمنع إهدار المال العام 36 – 126 ألف دينار هدايا رأس السنة بديوان المطارات التونسية …؟ * أسئلة بلا أجوبة 45 * صراع المليارات حول صفقات شاحنات الإطفاء بالمطارات 53 * نزاع المليارات ينتقل إلى المنظمة الدولية للطيران المدني؟ 70 * هل تخرق « اتصالات تونس » مبدأ دستوريا؟ 80 – مليارات توظفها الشركة لبرنامج تلفزي .. ومن حق المواطن معرفة مصدر القرار والكلفة والمردود * الطاقة الشمسية: أكذوبة كلفتها بالمليارات 89 – تجهيزات توفر الماء الساخن في الصيف فقط لا في الشتاء.. فما حاجة المستهلك للطاقة الشمسية؟ * مليارات التمويل العمومي لم تؤمّن النجاعة ولا المردودية 102 * التكوين المهني يعاني من التشتت .. وتقلص الإقبال.. وتربكه تحولات سوق الشغل (1) 120 * .. عندما يسود سوء التصرف مراكز للتكوين المهني ( 2) 127 – مدير مركز يعتمد عون حراسة مزودا تجاريا .. ويقتني قطع الغيار من جهة واحدة؟ – 7 ملايين دينار لبناء مركز زرد .. ثم تشققت الحيطان!
<
بقلم: محمد شريف كامل* 2 يونيو 2011 إنه حلم جميل يود الإنسان ألا يفيق منه، ففى ليلة 25 يناير لم يتصور كائن ما كان إنها ثورة، وإنها سوف تحقق حلم الملايين فى إزالة النظام البائد. فهذا كان الحلم وتحقق، والحمد لله، فهل نعيش فى الحلم أم نفيق للواقع وندرك دورنا اللازم لتحقيق باقي أحلام الثورة. لقد عجب البعض من ثورة 25 يناير،لأنها ثورة فريدة من نوعها، فهى الثورة الوحيدة فى العالم التى عقب إنتصارها سلمت الحكم لأخرين ليديروا البلاد وليحققوا حلم الملايين فى بناء الدولة الحديثة العادلة. وإن كانت هذه المقولة تعبر عما يبدو في الصوره، إلاأن ما يبدو لم ينتج عن نقصا فى وعى الثورة ولكنه تتج عن نضجا حقيقيا لأحلام الشعب المصرى، فهذه المقولة تتوهم أن من يحكم مصر الأن لا يمثل الثوره. إلا أن هذه ليست الحقيقة فمن يحكم مصر الأن هى ثلاثة جهات مشتركة في الحكم: أولها وأهمها نبض الشعب لأنه حينما يشعر الشعب بعدم الإطمئنان فهو مازال قادراعلى الخروج للشارع حيث أسقط الديكتاتور، وثانيها هو شخص رئيس الوزراء « عصام شرف » الذى هو جزء من الثوره وكان من أوائل من خرجوا مناديين بإسقاط النظام، ولأنه يتسم بالعقل والحكمة فقد ولاه الشعب ووهبه ثقته، وثالث تلك الأطراف هو المجلس العسكرى الذى يملك الكلمة الأخيرة فى كل القرارات، وهو أيضا محل ثقة الشعب لأنه ورغم شبهة أفساد بعض قياداته فقد إستجاب لإراده الشعب وخلع رأس الفساد، ويرجع ذلك لكون الجيش المصرى وكما كان طوال تاريخه ممثلا لكل شرائح الشعب المصرى، ولذلك فهو جزا منه فلكل عائلة مصرية عضوا فى هذا الجهاز الشريف. ويصطدم كل ذلك ببطيء الحركة مما أدى لأن يتهم البعض المجلس العسكرى، وحتى منهم من إتهم عصام شرف، بالتخلى عن الثورة، وهذا بلا شك ليس حقيقيا، فإن قرار المجلس العسكرى الإنضمام للثورة وتبنيها هو الذى أتم نجاح الثورة المصرية بأقل خسائر ممكنة، وإلا لما عزل مبارك وإلا للقت مصر مصير ليبيا واليمن، أعان الله شعبيهما. إن هذا البطئ الذي نتملل منه جميعا هوليس خروجا عن الثورة، إنه بطئ مؤلم نتج عن عدة أسباب: 1- أن الثلاثة جهات المشتركة في إداره مصر ليس لدى أي منها أدنى خبرة بشؤن إدارة البلاد . 2- أن النطام الذى سقط رأسه فى 11 فبراير، بل منذ 25 يناير، بقي منتفعيه اللذين لديهم قدرة عالية على توجيه الأمور. 3- أن هناك كثير من الأظافر التي تسعى لنهش وتحطيم الثوره لتعارضها مع مصالحها وتود لوعادت عقارب الساعه للوراء، منها عناصر داخليه وعناصر خارجيه، منها بعض الأنظمه العربيه والغربيه، بالإضافه لإسرائيل. والأهم من كل ذلك، هوالناتج عن تلك الأسباب الثلاثه، وهوالفارق بين الحلم والواقع، فتحقيق الحلم لا يكون بالإستمرار فيه وإلا لتحولنا ألى نائم لا يريد الإستيقاظ أومراهق يعيش أحلام اليقظة. إلا أن الشعوب ليست كذلك، فالشعوب تنضج ثوراتها بمرور الوقت ولذلك فهى تستسيقظ وتعمل بجد لتحقيق أحلامها. وهذا لايتعارض مع إستمرار الحس الثورى ولكنه يقوم بتوجيه ذلك الحس فيحولة من فورة إلى ثورة، فالخروج للشارع وإسقاط الديكتاتور ونظامه هو الفورة وتحويلها إلى ثورة يكون هوالطريق لتحقيق الحلم. إلا أن البعض يعرقل خطواتنا بتاجيل خطوات العمل متناسيا ان النظام قد سقط. إن التخوف من البطئ هوأمر مشروع، ولكن أن يتحول هذا التخوف إلى مشروع لتقسيم الثورة فهو أمر غير مشروع وهناك دليلان على ذلك. أولهما: الإنقسام حول تظاهرة 27 مايو وأهميتها ودورها، وواكبتها الظاهرة الثانية والتى تمثلت فى تخوين المجلس العسكرى. والأمران خطيران فكلاهما سوف ينتقل بالثورة المصرية إلى نقطة الجمود، ونحن أمام منعطف خطير وتاريخى ألاوهو الإنتخابات النيابيه، وعدم دخول تلك الإنتخابات ككتلة واحدة هوالطريق لهزيمة الثورة. لقد إختلفنا على قبول الدستور من عدمه، ولكن لاخلاف أن الإستفتاء على الدستور كان نظيفا فى إجراءاته، أما التساؤل حول إستغلال البعض لجهل قطاع من الشعب لإستمالته نحو إتجاه دون الأخر هو تساؤل يتسم بالسذاجة فكل هذه الأمور هى وللأسف جزءا من الممارسة الديمقراطية بصورتها التى نعيشها فى الغرب. حقيقه مؤسفه ولكن يجب أن نتعلم التعايش معها ونحن مقدمون على خوض مرحلة البناء التي ستبدأ بالإنتخابات النيابيه وستشمل بناء الشخصية المصرية. إن إختلافنا على قبول الدستور من عدمه لا يغير الواقع وهو أن الإعلان الدستورى أصبح واقعا وعلينا التعامل معه كخطوة من خطوات إرثاء الديمقراطية دون أن ننسى أنها ممارسة بشرية بعيدة عن الكمال، إلا أننا لو أقدمنا على إنتخابات مجلس الشعب بهذا الإنقسام سو ف ينتج لنا مجلس تركيبته غير مواكبة للثورة وأحلامها. إن الطريق هنا واضح فعلينا أن نوقف سيل الإتهامات المتبادلة بين أطراف الشعب المصرى وأن نعود جميعا للمفهوم المشترك الذى هدفه الأوحد نجاح الثورة، نجاح يتمثل فى إسترداد كرامة المواطن المصرى. إن العودة لإفتعال قضايا ليست على قمة الأولويات هوالخيانه الحقيقة للثورة، ومن تلك القضايا: 1- أنه لابد من محاكمة النظام السابق وهذا أمر حتمى لا جدال فيه، ولكن أن يكون محور إهتمامنا هو كم مرة بكى مبارك أثناء التحقيق فهذا هزل وإهدار للثورة وإستخفاف بإرادة الشعب، وهل سينفد البعض بجريمته ؟ نعم سوف يحدث كما يحدث فى كل الجرائم ولذا وجب علينا ان نركز كل جهدنا فى البناء وليس في ترقب المحاكمات فالحكم الأهم قد صدر وقد أدين نظام بأكمله إدانة شعبية وتاريخية. 2- إنه لابد من التعامل بجدية مع المشكلة الطائفية والتى فجرها النظام الأسبق بحادثة الزاوية الحمراء، ولكن أن لا يكون هم لنا إلا عبير وجاكلين فهذا هزل. كما أن يقوم حقير بدعوة اسرائيل والولايات المتحدة لحماية الأقباط فهذه خيانة. إلاأن الأمر لن يستوى إلا بالمساواة الكاملة بين المسلمين والأقباط أفرادا ومؤسسات. 3- إنه لابد أن تعود مصر لدورها فى التعبير عن أمال الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب الفلسطينى، وهو ما بدأ تحقيقه بالمصالحة الفلسطينية والتى كان عمر سليمان هوالعقبة الرئيسية فى طريقها، وفتح معبر غزة الذى كان إغلاقه منافيا لكل الشرائع السماوية والأرضية. إلا أنه محاولة البعض توريط الثورة المصربة فى معركة غير محسوبة بإقتحام السفارة الإسرائيلية فهذا خيانة للثورة. ويتضح من ذلك أن خيانة الثورة لا تاتى ممن يحكمها، وهو نبض الشعب وعصام شرف والمجلس العسكرى. إنما الخيانة الحقيقية تنبع ممن يسعى لإحراز مكاسب فئوية وإمتيازات بالتسلق على أكتاف الثورة والإدعاء بحمايتها أوأسترداد حقوق البعض. مثل: وقفات الإحتجاج الفئوية، مظاهرات الأقباط والسلفيين، محاولة إقتحام السفارة الإسرائيلية، حصار الكنائس، وتخوين بعضنا البعض. إن الثورة لم يمر على نجاح مرحلتها الأولى سوى أربعة أشهر، وأربعة أشهر فى تاريخ الشعوب لسيت بالكثير ولإيماننا بالثورة وخوفنا عليها نردد يوميا السؤال الملح علينا جميعا هل نجحت الثورة؟ والإجابة واضحة، إن مرحلتها الأولى قد نجحت فقد تم تنفيذ قرار إزالة البناية العفنة بزوال الطغيان، ولكن خطواتها يجب ألا تتعثر فى إقامه بناء قوى سليم . فعلينا أن ندرك أننا نمر بأحرج مراحل الثورة وهى المرحلة التى قد تستمر لعام أخر حيث يجب أن يتم تثبيت دعائم الثورة، أمر لن يتحقق حتى يسقط من القاموس المصرى كل أشكال إستغلال النفوذ وإستقواء بعضنا على بعض، وهي المرحلة التي بدأت خطواتها بسقوط أل مبارك. وسيتواكب مع ذلك المرحلة الثانية والتى تتمثل فى إنتخابات مجلس الشعب المؤقت والرئيس مؤقت، والذان ستكون مهمتهما تسيير الأمور ووضع دستور جديد، وهى من أحرج مراحل الثورة حيث يجب علينا التكاتف حتى ننتخب رئيسا ترضاه الأغلبية ومجلس نيابى ينتج عنهما دستور يرضى عنه كل الشعب المصرى، والرضاء هنا لا يعنى الموافقة على كل بنوده بل قبول مجمله كاسلوب للعيش بكرامة. وعند ذلك تبدا المرحلة الثالثة وهى بناء الدولة، ولن تبدأ هذه المرحلة حقيقة إلا حين يتم إنتخاب رئيسا ومجلسا نيابيا وفقا للدستور الجديد. مرحلة سوف تمتد سنوات عديدة وتحتاج جهد كل مصرى داخل مصر وخارجها وعندها فقط سوف يبدا جنى ثمار الثورة بعد أن يكتمل نمو زرعا فيحل لنا حصادها وتؤتى ثمارها. وهل منكم من قرا قى التارخ عن ثورة أثمرت قبل تمام دورتها؟ إنه قد أن للشعب المصرى أن يعمل بجد مدركا أنه هوالجانى الوحيد لثمار عمله وليس شياطين النظام المخلوع.
<
خاص-الجزيرة نت
أثارت النسخة الإنجليزية لكتاب « المملكة من الداخل » الصادر في نهاية 2009، للمؤرخ والصحفي البريطاني روبرت ليسي، الكثير من الحديث داخل أوساط « النخب الثقافية والسياسية في المملكة »، ومنع من التداول في ذلك الوقت، ومنعت النسخة العربية أيضاً التي صدرت حديثاً، ولم يسمح بدخولها في المعرض الدولي للكتاب بالرياض الذي نظم في مارس/آذار الماضي. وكان ذلك المنع قد حدث مع كتاب ليسي الأول عن السعودية بعنوان « المملكة » الذي نشره عام 1982، وحظرته حينها الحكومة السعودية، وسجلت عليه وزارة الثقافة والإعلام 97 ملاحظة واعتراضاً، تركزت على جوانب دينيةٍ وثقافيةٍ وسياسية. وبدوره رفض المؤرخ البريطاني حذف فقرات تتناول بعض « الحقائق التاريخية »، خاصة حول الاختلافات التي حدثت بين أبناء عبد العزيز (الأمير فيصل والملك سعود)، والتي انتهت بخلع الأخير من العرش 1964.
تفاصيل حيوية ذلك الحظر الحكومي أبعد ليسي عن السعودية لمدة 25 عاماً، ليعود إليها في 2006، ويمكث فيها ثلاث سنوات لاستكمال مشروع كتابه الجديد « المملكة من الداخل »، موثقاُ فيه تاريخ السعودية الحديث، لثلاثين سنة مضت (1979-2009)، محاولاً العيش والدخول بين دهاليز نسيج المجتمع المحلي بأكثر ما يستطيع فعله أي أجنبي، دون أن يفقد وجهة نظره كأجنبي –كما يقول- وبمساعدة شخصية من نائب وزير الداخلية الحالي الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي رتب له « إقامة نظامية » بمهنة « مؤلف »، والتي قال عنها ليسي « بحسب ما أظن أنها المرة الأولى والأخيرة التي تُمنح فيها الإقامة السعودية تحت هذا المسمى. عشت سنتين في جدة، وسافرت في أنحاء المملكة، وعاصرت اللحظات المهمة في تاريخ السعودية في نهاية السبعينيات، الثورة الإيرانية، احتلال المسجد الحرام، بدء الغزو السوفياتي لأفغانستان وبداية فترة الجهاد ». من يقرأ تفاصيل الكتاب، يجد -من « قريب أو بعيد »- أن الكتاب ربما كما يقول البعض عنه إنه يحمل « تلميعاً أو تحسين الصورة الذهنية للأسرة السعودية المالكة »، إلا أن ليسي يدافع عن ذلك بقوله « ليس صحيحا، لو امتدحت المملكة بالشكل الذي يصوره البعض، لكان الكتاب مسموحا ببيعه منذ أول يوم لصدوره، لكنه حتى اللحظة ممنوع من البيع والنشر داخل السعودية ». ويلخص المؤرخ البريطاني رأيه في تلك الفترة من تاريخ السعودية بقوله: « لقد كان تطور السعوديين خلال العقود الثلاثة الماضية نهضوياً في بعض المجالات، إلا أنه صادم ومدمر في مجالات أخرى، إنها قصة دراماتيكية مهمة ».
الاهتمام بتاريخ المملكة ويقول ليسي -في حوارات أجرها في ديسمبر/كانون الأول في عامي 2009، و2010- « بدأت قصتي مع السعودية عندما كتبت كتاب « ماجيستي » عام 1977، كسيرةٍ ذاتية للملكة إليزابيث الثانية، وصار الأكثر مبيعاً في وقتها والأشهر عن طبيعة الملكية في المملكة المتحدة ». ويضيف « اعتبرت الملكيات والعائلات المالكة حول العالم شيئاً ممتعاً ومثيراً للاهتمام، يحب الناس قراءته والاطلاع على تفاصيله ». وأضاف ليسي « أنه مع بداية السبعينيات، بدأ العالم في تسليط الضوء على الرياض، فالنفط كان محور الاهتمام، وارتفاع أسعار النفط من دولارين في بداية تلك الفترة إلى 34 دولارا جعل العالم يتحدث عن السعودية والنفط السعودي، وانطلقت المقالات في وسائل الإعلام تكتب عمن أطلقت عليهم لقب « شيوخ النفط »، وبدأت في إثارة المخاوف حولهم وحول دولتهم التي تملك معظم نفط العالم، عندها شعرت بأن الموضوع ممتع وجديد وتمكن الكتابة عنه، فالملكية في السعودية لم تكن رمزية بل كانت قوية وتملك نفوذاً كبيراً ». سرد ليسي قصة السعودية على شكل بانوراما ضخمة من الأحداث في سياق تاريخي حي، بكل أنماطها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبدقة متناهية جداً. قدم المؤرخ البريطاني شخصيات كتابه « كأبطال أو شهود عيان » اعتمد عليهم في رواية تفاصيل أحداث « القصة الكاملة الحقيقية » عن هذا البلد، الذي ظل إلى هذا الوقت تحت عدسات « الإعلام العالمي »، ومنهم جمال خاشقجي، ومنصور النقيدان، وخالد باحادق، وفؤاد الفرحان، و »الجهادي » خالد الحبشي، وزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن الذي كان حاضراً بشكل واسع في كتاب المؤرخ البريطاني. قوة الكتاب تتمحور في المزج « بين المعلومات ورسم تفاصيل المشاهد الواقعية، التي أشارت إليها مصادر الكتاب الحيوية من الشخصيات »، والذي نجح من خلاله ليسي في إضفاء حالة من « الدراماتيكية والاستمرار »، في إثارة الانتباه من قبل القراء.
عودة المعارضة الشيعية ولعل الجديد الذي أتى به الكتاب، هو انعدام أو -على أقصى تقدير- عدم شيوع الكثير من التفاصيل التي حواها الداخل السعودي، والتي يعد بعضها في خانة « الممنوع سياسياً تداوله »، عبر دوائر النشر المحلية أو حتى الرسمية. ومن تلك التفاصيل المهمة -التي تعد ذات مغزى وأهمية في تاريخ المرحلة السياسية المعاصرة للمملكة السعودية- ما يتعلق بالمعارضة الشيعية وهروبها إلى الخارج، وتصعيدها وتيرة معارضتها « للنظام السعودي »، والمراحل التي مرت بها خارجياً وحتى عودتها بعد اتفاق مباشر، مثله حينها رئيس دائرتها السياسية الدكتور توفيق السيف، والعاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز في 22 سبتمبر/أيلول 1993 بمدينة جدة. ويقول الكتاب إن « الشيخ حسن الصفار قاد في صيف 1990 أشرس معارضة واجهها النظام السياسي في المملكة بفضل التغييرات التي أحدثتها حركته في أعقاب مغادرتها إيران، إذ ترك الصفار وأتباعه فكرة الثورة الإسلامية التي ترتبط بحركة الخميني، وقدموا أنفسهم بمصطلحات عالمية، (بعد أن غيروا مسماهم السابق « منظمة الثورة الإسلامية ») إلى اللجنة الدولية لحقوق الإنسان في الخليج والجزيرة العربي، وهو وتر حساس عزفوا عليه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ». ويستشهد صاحب الكتاب بمقولة مؤرخ الحركة الشيعية فؤاد الإبراهيم عن أن المصطلح الجديد جذب الإعلام الأميركي مثل المغناطيس، ووصلت استفسارات من الأمم المتحدة، وبدأت منظمات عالمية -كالعفو الدولية، وحقوق الإنسان- تتعاون مع الحركة في التصعيد. ويستذكر الكتاب موقفا حدث في الشهور الأولى من 1990 في افتتاح معرض دعائي للسعودية بعنوان « المملكة العربية السعودية بين الأمس واليوم »، في عدد من المدن الأميركية، إلا أن الناشطين الشيعة في واشنطن أسسوا جهازا جديداً للمعارضة متخصصا في حقوق الإنسان، وفاجؤوا الأمير سلمان بن عبد العزيز حاكم الرياض والرجل القوي بمظاهرات وترديد شعارات معادية لهم في كل مدينة أقيم فيها المعرض، مثل « سلمان يا سلمان.. فين حقوق الإنسان »، هكذا يصرخ الشيعة السعوديون بغضب -وفقاً للكتاب- ويخفون صورهم خلف أشمغتهم. إلا أن تغييراً تدريجياً حصل بعد حرب الخليج الثانية (غزو العراق للكويت)، فأوقفت جميع نشاطات الحركة الشيعية المعارضة، ودعم تحالف الرياض العسكري المثير للجدل مع أميركا، وهو الذي فجر الأوضاع داخلياً بعد رفض من يطلق عليهم « مشايخ الصحوة » لهذا الاتفاق وقدموا الالتماسات والمعاريض التي تحوي نقدهم الشديد له، لتجري بعدها حوارات غير مباشرة بين ممثلين للمعارضة وطرف حكومي. جرت المقابلة الأولى في عاصمة الضباب لندن في عام 1992، للوصول لصيغة مشتركة وحلول وسط مع الرياض، ثم تقدمت المفاوضات خطوة إلى الأمام في عام 1993، عندما تم إبعاد عبد العزيز التويجري كمحاور واعتماد آخر محله هو عثمان العمير، رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط الأسبق (يعمل حالياً رئيس تحرير شبكة إيلاف الإلكترونية)، والذي جاء إلى الشيعة كممثل شخصي للملك فهد، وكانت مهمته هي أن ينقل الفريق المفاوض إلى جدة من أجل حديث مباشر وجهاً لوجه مع الملك. ويقول عضو في الفريق المفاوض يدعى صادق الجبران إنه « كانت لدينا ثلاثة شروط أولية قبل الذهاب »، منها « إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وإعادة جوازات السفر المصادرة والملغاة، وعفو عام عن جميع المنفيين الشيعة، وعودتهم للوطن من دون استجواب »، ويضيف « لم نصدق، وافقوا على جميع الشروط ». وفي جدة تم اللقاء مباشرة مع الملك فهد بحضور نجله الأكبر محمد أمير المنطقة الشرقية، والأمير بندر بن سلطان سفير الرياض السابق في واشنطن، والأمين العام للمجلس الوطني الحالي. وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز كان لديه تحفظ على الاتفاق، وكانت عنده تقارير استخبارية تفيد بمساعدة الإيرانيين للحركات الشيعية داخل المملكة، فيما رأت أطراف شيعية أخرى أن الشيخ الصفار –بعد مرور سنوات- ضحى بجهود المتظاهرين بشكل سريع وثمن بخس.
الملك الحالي ورؤيا بن لادن يشير ليسي -في صفحة 308، نقلا عن أحد مصادره- إلى « رؤيا منام » رواها أسامة بن لادن لأبي رضا السوري -وهو من أصحابه « المجاهدين » الذين بقوا معه فترة طويلة- عن الملك الحالي عبد الله بن عبد العزيز، وهي أنه بينما كان أسامة يمشي في حلمه حول مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ سمع فجأة أصوات احتفال في الخارج، فحاول أسامة أن ينظر فوق جدار طيني ليرى أمامه وصول ولي العهد السعودي للحشد، الذي يستقبله بالفرح والاحتفال والغناء ». وتفسير أسامة للرؤيا هي « أن عبد الله سيصبح ملكاً وسوف يريح الناس ويجعلهم سعداء، وإذا أصبح ملكاً فسأعود بعدها ». وفي محور يؤكد ليسي أن حملات المعارضة الشرسة التي قادها الشيعة في التسعينيات الميلادية استثنته من هجومها الحاد. الكتاب يحمل العديد من التفاصيل المهمة خاصة في علاقة السلطة بالعلماء السلفيين، الذين خصص لهم ليسي مساحات واسعة في كتابه، إلى جانب تفعيل القيادة السياسية مبدأ « البراغماتية النفعية »، في تعاملها مع العديد من المواقف. أيضاً يبرز مفاصل أخرى من العلاقات الأميركية السعودية، ومواقف « الطلاق الرجعي » في مواقف الدولتين، ويسلط الضوء أيضاً على عملية الإصلاح الداخلي وما تعرض له بعض المطالبين به في الداخل من حملة اعتقالات سياسية، ويغوص ليسي في عدة موضوعات اجتماعية يبرز من خلالها آلية التفكير الاجتماعي التي تمر بها المملكة في تاريخها الحديث. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 جوان 2011)
<
عزمي بشارة 1- لا يمكن أن يستمر النظام السوري على حاله، وكان عليه إما أن يتغير أو يغيره الشعب السوري. وقد اختار النظام ألا يتغير، ومن هنا فسوف يغيّره الناس. ربما كان النظام السوري قابلاً للاستمرار لو أنه كان مستعدا للتغير، ولو أنه قام -منذ اندلاع حادثة الحريقة في فبراير/شباط (ثم انتفاضة درعا من أجل الكرامة والحرية)- بوضع إستراتيجية إصلاح تدريجية -لكنها واضحة الهدف- تهدف لتحقيق تسويةٍ استباقيةٍ بينه وبين المجتمع، في شكل ربط متطلبات استمرار نظامه مع تحقيق المطالب الأساسية للمجتمع السوري. » تباطؤ النظام السوري ثم تردده بين سياسات الحوار الشكلي وسياسات الحسم الأمني جعل السلطة فعلياً تنزلق إلى الحل الأمني » لكن تباطؤه، ثم تردده بين سياسات الحوار الشكلي وبين سياسات الحسم الأمني -الذي انتهى بتبني الإستراتيجية الأمنية المتشددة- جعل السلطة فعلياً تنزلق من مجال الحل السياسي الاستباقي إلى الحل الأمني. وجعلت نتائج هذه السياسة الأمنية أفكار و »سياسات الإصلاح المجمدة » كافة من خلفها. وما كان ممكناً القبول به لم يعد ممكناً قبوله بعد تطور الأحداث. ويشير إلى ذلك طرح شعار إسقاط النظام. فهو لم يرفع إلا بشكل متأخر نسبياً. وكان المقصود به هو تغيير طريقة النظام بما يعبّر عن تطلع المجتمع لتحقيق تسوية بينه وبين النظام. وكان ممكناً للنظام أن يستمر لو أن الرئيس بشار الأسد اختار أن يكون نصيراً للتغيير، وأن يقوده. وكان ممكناً له أن ينجح بدرجات معينة، لكنه اختار خطاب الثلاثين من مارس/آذار 2011 الذي لا بد -بكل تأكيد- من أن ترصده أي دراسة لاحقة على أنه بداية خسارة ما كان يراهن عليه الناس. فما هو مؤكد أن الناس في حلب ودمشق الذين خرجوا وهم يهتفون يومي 27-28 مارس/آذار لم يكونوا جميعاً موظفين أو حزبيين، بل كان فيهم كثير من الناس العاديين المنفعلين بما يحدث، وتحديداً بسقف إصلاحات وعدوا بها بنبرة تفيد بـ »أن انتظروا غداً الثورة الإصلاحية التي سيعلنها الرئيس ». وما إن انتهى الخطاب حتى شعر الناس بصفعة الخيبة. هذا حدث بسيكولوجي واجه الجميع، ووضعهم في لحظة اضطراب رهيب بين ما هو متوقع ومأمول والصفعة الواقعة، وحديث المؤامرة، و »إما أن تكون معي أو ضدي ». 2- خيار النظام بين الإصلاح وبقاء النظام على حاله هو خيار وهمي. ما لا يدركه النظام هو أنه في المراحل الثورية يكون خيار الناس بين الإصلاح التدريجي -ولكن الجذري- والثورة على النظام. والثورة في سوريا تختلف تماما. أولا، بسبب درجة قمعية النظام. وثانيا، بسبب طبيعة المجتمعات في المشرق العربي. 3- إن أي محاولة جدية تتضمن إجراءات ملموسة ومقنعة كانت ستلقى الترحيب من الناس، لكن ما جرى ويجري في سوريا هو عكس ذلك. وتمثلت الطامة الكبرى في أن الرئيس في خطاب 30 مارس/آذار قد قام بهدر ما يحتمل أنه رصيد له. وفي مثل نظم هرمية تقوم على رأس الهرم كان ذلك يعني نتائج خطيرة، خسر فيها الرئيس والنظام والمجتمع فرصة الانتقال التدريجي لكن الجذري والواضح المحطات والأهداف. لم تعد غالبية الناس تنتظر الإصلاح، بل أصبحت غالبيتها تعتقد أنه لا بد من تغيير النظام، وهي إما مشاركة أو جالسة تحسب ثمن التغيير. 4- إن دور خصائص القيادة الفردية كبير في تطور الأحداث التي تقع في مفارق التغيرات الكبرى. ولقد كان أداء هذه الخصائص الفردية للرئيس مدمراً على ما كان يحتمل أن يتم. والفكرة أن هناك سيرورة يمكن أن تكون حافلة بالمفاجآت وليس حتميات من نوع: « النظام عاجز بنيوياً عن القيام بإصلاح ». ولكن النظام رجح كفة الحتميات. هذا الترجيح بحد ذاته هو الذي كان قرارا احتماليا قبل أن يتخذ. » المشكلة في أن نظاماً من نوع النظام السوري يجر بانهياره الهيئة الاجتماعية برمتها لاحتمال الانهيار، كما يمكن أن يجر انهياره كامل إقليم المشرق إلى فخ التفكك الطوائفي والعشائري » 5- المشكلة في أن نظاماً من نوع النظام السوري يجر بانهياره الهيئة الاجتماعية برمتها لاحتمال الانهيار، والدخول في دوامة طويلة المدى من الاضطرابات والاصطفافات بحكم التركيب المتنوع للمجتمع السوري، وعلى المستوى الإقليمي يمكن أن يجر انهياره كامل إقليم المشرق إلى فخ التفكك الطوائفي والعشائري فعلياً… من الواضح حتى الآن أن سيرورة الأحداث تسير بسوريا نحو هذا الاحتمال الكارثي الذي يخسر فيه الجميع، ولكن بإمكان قوى الثورة تغييره لو أرادت وتنظمت وشكلت لها قيادة وطنية مستقلة تحمل طابع القوى الاجتماعية المناضلة على الأرض، وليس طابع الصراعات القديمة. 6- يقوم النظام السوري على استبداد أمني قمعي وعلى تحالف مع أصحاب المصالح أساسه الخدمات المتبادلة والفساد. وما حدث في دور رجال الأعمال هو تطور دورهم وتأثيرهم بشكل سريع على غرار دور الطبقة المصرية وتمركزها حول جمال مبارك. هذا ما اضطلع به أقوياء رجال الأعمال المتحالفين مع أقوياء البيروقراطية الأمنية. لو أن أي مثقف أو مواطن كتب أو نشر أو قال ما قاله مخلوف لسجن. ما قاله مخلوف -من دون أن يتلقى عقاباً- جعل النظام يخسر ورقة شرعية السياسة الخارجية. 7- يخشى النظام في سوريا من أن أي إصلاح سوف يؤدي إلى أن يفلت من يده زمام المبادرة. فهو يرسخ مجموعة من المخاوف والأوهام يحميها القمع، وخشي النظام من أن أي ارتخاء في قبضته قد يبددها. وبعد أن تتبدد تبدأ حالة انهيار لا يمكن وقفها. هذا هو موقف النظام من أي إصلاح جذري. كانت المخاوف تعبر عن قصر في الرؤية كما كانت تعكس « الخوف من الإصلاح » بسبب المصالح. 8- لقد قرر النظام السوري وأد الاحتجاج في المهد، وبأي ثمن، لكي يتجنب أي تراجع أمام المظاهرات نحو الإصلاح الاضطراري، مما يشجع الناس على الاستمرار في الثورة. ومن هنا الوحشية غير المسبوقة في نهج النظام السوري في التعامل مع أعمال الاحتجاج. لقد اتخذ قرارا بمنع الاعتصامات في المدن وكانت الوسيلة حصد المتظاهرين بالرصاص الحي. خلال التطبيق الكارثي لهذه الإستراتيجية لم يخرج أي مسؤول سياسي أو جبهوي أو حكومي لقول شيء، إلى أن خرج أخيراً الأمين القطري المساعد للحزب لينفي أي فكرة لدى آخر ساذج حول الإصلاح، ويحدد سقفاً لم يعد مقبولاً، ويقود النظام إلى هاوية جديدةٍ. » قرار النظام بوأد الثورة أمنيا هو السبب في أن دعاية النظام والناطقين الإعلاميين باسمه تبدأ وتنتهي بالشتم والسباب » 9- قرار النظام السوري هذا هو أيضا السبب من وراء بعض الخطوات التي تنم عن صلف وغرور، ويعتبرها حتى بعض مؤيديه غبية. وهي ليست مجرد غباء، بل هي قسوة حمقاء. وقرار النظام بوأد الثورة أمنيا هو السبب في أن دعاية النظام والناطقين الإعلاميين باسمه تبدأ وتنتهي بالشتم والسباب. فلا يمكن النطق باسم أعمال كهذه وتبريرها والاحتفاظ بصورة الإنسان في الوقت ذاته. أحرجت الإستراتيجية الأمنية للنظام أصدقاءه والمعتدلين في المعارضة والنظام نفسه، وجعلته يتكبد خسائر معنوية وسياسية كبيرة. 10- ما أخر الانتفاضة في المدن الرئيسية هو الأسباب التالية مجتمعة: القسوة الوحشية وشدة القبضة الأمنية في المدن الرئيسية، وكثرة أصحاب المصالح التجارية والموظفين، والخوف من المخاطر والفوضى في ضوء المثالين العراقي والليبي، واستعادة ذكريات ومخزونات حوادث حلب وحماة في الثمانينيات. ومع ذلك تحركت حماة ببطولة، وكانت هنالك تحركات بطولية في دمشق. ولكن لا بد من أن تدرك حلب ودمشق، إن تحركهما هو الضمان ضد الفوضى. 11- أصبح التظاهر والاحتجاج ممكنا في الأطراف. وقد واجهه النظام بوحشية، وتم الرد عليه باصطفافات محلية يذكيها منطق « النصرة » و »التضامن »، فاستفراد الدولة بالناس في الأطراف يتخذ طابعا وحشيا تحقيريا مُذِلا. لقد قاومه السكان ببسالة وكرامة. وفي بعض المناطق تتحول الثورة إلى ثورة أرياف. ولا توجد في التاريخ ثورة أرياف سلمية. إن من يواجه اعتداء على بيته وعائلته وأهله ويدافع عن نفسه لا يتجاوز الأصول المرعية في أي ريف في العالم. إن قابلية التسلح فيما لو توفرت شروطها الأخرى (أي عدا شرط توفر السلاح) هي حقيقة محتملة في سوريا ضمن منطق الدفاع، وسيفتح ذلك المجال لاستغلال لاعبين متعددين هذا الاحتمال. هذا احتمال لا نشجع عليه لكن يجب ألا يُتجاهل في مجال التصورات. 12- ما يقوم به النظام من عدم الاكتفاء بدور الأجهزة، وزج الجيش مباشرة في قمع المتظاهرين بوحشية، هو أمر خطير للغاية. فتعامل الجيش مع مواطنين بقمعية يعني أنه يتعامل معهم كأعداء، وهو وضع لا يمكن أن يستمر. وسوف يؤدي إلى المساس بالجيش نفسه، من حيث معنوياته ونظام الانضباط والطاعة وعقيدته القتالية. والنظام يتحمل المسؤولية عن ذلك. الدوس على أبناء الوطن الملقى بهم مكبلين على الأرض ليس بطولة ولا شرفا، ومن يقوم به ليس حاميا للديار. وسوف يثبت الزمن أن مثل هذا السلوك يعجز حتى عن حماية النظام. 13- لا يمكن أن تحتج الطبقات الوسطى والبرجوازية ومثقفو المدينة على طابع الثورة هذا، فعدم مشاركتهم الفاعلة في الثورة هو السبب الرئيسي لقسوة الدولة هذه في الأطراف. ومشاركتهم قد تسمح بحوار عقلاني نقدي في الثورة حول طريقها ونهجها. » استخدام الولاء الاجتماعي والعشائري والإقليمي لا يعني أن الطائفة تحكم، بل يعني توليد عصبية لتمتين ولاء الأجهزة الأمنية للنظام » كانت تلك الطبقات مستفيدة من ثمار النمو. مثلاً خرجت طبقة كاملة من ميدان التأثير بسبب ذلك وتفضيلها مصالحها واستنزاف العمل اليومي لتلبية الحاجات المستجدة في مجتمع السوق الاستهلاكي. 14- النظام السوري ليس مذهبيا دينيا كالنظام الإيراني الذي يعتمد على ولاية الفقيه الغائب، ولكنه في الوقت ذاته أقل تعددية، ويستخدم إيديولوجية حزبية كان لها دور هام في يوم من الأيام حتى تحولت إلى أداة بيد النظام والأجهزة الأمنية. كما يستخدم ولاءً اجتماعيا طائفيا من دون أن يكون قط نظام طائفة بعينها. وفي فترة من الفترات وحتى أيام المواجهة مع الإخوان كان قسم كبير من المعتقلين من العلويين. ولكن في أوقات الأزمات والاصطفافات هناك من يوتر الورقة الطائفية. 15- استخدام الولاء الاجتماعي والعشائري والإقليمي لا يعني أن الطائفة تحكم، بل يعني توليد عصبية لتمتين ولاء الأجهزة الأمنية للنظام. 16- قد تكون الطائفة فقيرة ومضطهدة بل أفقر وأكثر عرضة للاستغلال من غيرها، ولكن النظام يشعرها بأنها مستهدفة. ووجود اتجاهات وهتافات وشعارات من بعض المتطرفين أو المتعصبين يعزز ذلك ويطوره. والنظام يحاول أن ينشر هذا الشعور بين الطوائف الدينية عموما، فينتج طائفية. ويحول ما هو أمر عابر في المظاهرات إلى شأن أساسي في دعايته. 17- الطائفة الاجتماعية الأهلية موجودة. أما الطائفية السياسية فليست قائمة بشكل طبيعي في المجتمعات، إنها تُصنَع بالتدخل الأجنبي وباستخدامات الدولة والمعارضة وأصحاب المصالح. 18- إذا كان النظام يستخدم التهويل والتحشيد بأساليب تحريضية، فإن على المعارضة التي تريد بناء دولة مدنية أن تطرح خطابا مدنيا ديمقراطيا يقوم على بناء الوطن الواحد لجميع مواطنيه، وعلى عروبة سوريا، وعلى التزامها بدورها التاريخي في المشرق العربي، محصنة في وحدتها وتنوعها ضد الطائفية. 19- والأساس هو تثوير الوطن كله بما فيه المدن الكبرى وليس توقع الدعم الخارجي سواء كان تركياً أو غربيا، أو خليجيا. لكل الدول أجندات متعلقة بمصالحها. وفي حالة الغرب ليست المجتمعات العربية مضطرة لتقديم التنازلات السياسية كما فعلت الأنظمة. إن خيار الديمقراطية وإرادة الشعب هي الأمور التي تفرض نفسها على الرأي العام الغربي. » لا تتوقف المسألة على التخلص من النظام، بل يتطلب الأمر رؤية، وبرامج واقعية، وقيادة مسؤولة, وهذه هي مهمة القوى الوطنية الديمقراطية الجذرية حاليا » 20- إن من يريد أن يحكم سوريا يجب أن يتقن قيادة الثورة نحو نهايتها المتعلقة بتغيير النظام السياسي القائم، وأن يضع تصورا واضحا واثقا وموثوقا لسوريا ديمقراطية تقوم على المواطنة بحقوقها المدنية والاجتماعية والسياسية. كما يجب أن يثبت منذ الآن أنه يتقبل الحوار العقلاني والنقدي. كما يجب أن يعلم أن قيادة سوريا هي شأن لا يدخل المشرق العربي كله ضمن سلطته بالطبع، ولكنه يقع بالتأكيد ضمن مسؤولياته السياسية المباشرة. وهذا يشمل فلسطين ولبنان، ومكافحة الطائفية في العراق، ورفض التبعية السياسية لإيران وتركيا، والتعامل مع الصهيونية كخطر وجودي على المنطقة. لا تتوقف المسألة على التخلص من النظام، بل يتطلب الأمر رؤية، وبرامج واقعية، وقيادة مسؤولة. وهذه هي مهمة القوى الوطنية الديمقراطية الجذرية حاليا
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 جوان 2011)
<
محمد علوش داعمو المقاومة وخيبات الأمل حزب الله يقرأ كتاب الثورات العربية حزب الله وسوريا حزب الله والوضع اللبناني الخاتمة
إذا كانت الشعوب العربية دخلت عصراً جديداً، بدأ فيه التأريخ لحقبة وليدة مع تفجر الثورات التي كان الفضل في كتابة أول سطر فيها للشّاب التونسي محمد البوعزيزي، فإن كلّ الكيانات السياسية من نُظم وأحزاب وهيئات قد بدأت هي الأخرى تتحسس رؤوسها ورقابها، بدءاً بالنُظم المستبدة وصولاً إلى تيارات ثورية استمدت شرعيتها من حرصها على ثوابت الأمة ووقوفها بوجه الطغيان المحلي والدولي شأن تنظيم القاعدة حيث سحبت الجماهير الهادرة في تدفقها نحو الميادين البساط من تحت أقدامه لتقول: من هنا يبدأ التغيير، من صدورنا العارية وقبضات أيدينا التي تلامس وجه السماء تطلعاً للحرية والكرامة. داعمو المقاومة وخيبات الأمل مع جلجلة التحولات والتبدلات التي طالت غالبية المفاهيم والمعادلات السياسية في عالمنا العربي يتلمّس البعضُ موقع قدم حزب الله على خريطة هذا التحول ومدى صلابة الأرض التي يقف عليها. » غالبية المراهنات على حزب الله عادت لجُحور أصحابها بخُفيّ حُنين، لا سيما بعد الخطابيْن الأخيريْن لنصر الله الذي أوضح فيهما موقف حزبه من الثورات » حيث لعهد قريب جداً كان البعض يراهن على أن حزب الله بسواعد مقاوميه وانتصاراته، التي آتت أُكُلها بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000 دون قيد أو شرط وإرجاع جيش الاحتلال في حرب يوليو/ تموز 2006 على أعقابه خاسئاً دون تحقيق أبرز أهدافه في استرجاع الجندييْن المخطوفيْن، هو من سيحرق الهشيم الذي يقف حاجزاً بين الشعوب العربية وتطلعاتها نحو الكرامة بعد أن حقق انتصارات في زمن الهزائم التي مُنيت بها الأمة العربية منذ ما يربو على أربعين عاماً إلى اليوم، وليس جسد البوعزيزي!
وقال محبو المقاومة والمنافحون عنها: إن الثورات العربية ستخلق في كل بلد تنجح فيه « حزب الله » آخر، مستدلين بدور الحراك السياسي والديمقراطية اللبنانية (على علاتها ) في ولادة حزب الله، إذا ما انتقلت عدوى الديمقراطية إلى بلدان أخرى، لكن غالبية المراهنات على الحزب عادت لجُحور أصحابها بخُفيّ حُنين، لا سيما بعد الخطابيْن الأخيريْن للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذي أوضح فيهما موقف حزبه من الثورات العربية. حزب الله يقرأ كتاب الثورات العربية
ففي عيد التحرير والمقاومة الواقع في 25 مايو/ أيار، هشّم السيد نصر الله جزءاً من مصداقية الحزب وصورته، حين جهر بما كان يهمس به الآخرون عنه فيما يتعلق بموقفه من الأحداث التي تمر بها سوريا!
ولعله أجهز على جزء آخر من صورته بخطابه في1/6/2011، حين أشار إلى ما تشهده الدول العربية من احتجاجات شعبية قائلاً: « هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذي هزمناه عام 2006 لكنه يعود ».
فما هو الفرق يا سماحة السيد بين قولك هذا وقول كلّ من « مبارك » و »بن علي » و »القذافي » و »صالح » والحبل على الجَرّار؟ ألم يقل الرئيس صالح: إن ما يشهده اليمن تحركه غرفة سوداء في تل أبيب وواشنطن؟ ألم يقل العقيد القذافي: إنها حرب صليبية جديدة على الإسلام والمسلمين؟ وإذا كان نصر الله في خطابه الأخير يرى أن ما يجري الآن في المنطقة خطير جدا ويهدف إلى تقسيم الدول العربية، فإننا نسأله: هل أصبحت مطالبات الشعوب بالحرية والكرامة والديمقراطية تهدف إلى تقسيم الدول؟ أو ليس في هذا التصنيف الاستخفاف بعقول الشعوب وكرامتها، وكأنها آلات تُحرك عن بعد في واشنطن وباريس ولندن وتل أبيب؟! وهل هذا الحكم ينسحب على مملكة البحرين كما هو ينسحب على الوضع السوري؟
حزب الله وسوريا
وحتى لا نضيع البوصلة في قراءة مواقف الحزب، يوضح لنا نصر الله موقف حزبه من مطالب الشعوب للحرية والديمقراطية بناءً على أمرين، أولهما موقف أنظمتها من مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، والثاني عدم وجود أي أفق وأمل في الإصلاح على المستوى الداخلي. واستناداً للمعيارين السابقين يأتي موقف الحزب لأحداث سوريا، حيث يقول نصر الله: « نحن أمام بلد ممانع، قيادته وجيشه وشعبه »، والنظام في سوريا « ليس مقفلاً كالنظام البحريني والنظام المصري السابق. وكل المعطيات تؤكّد أنّ أغلبية الشعب السوري ما زالت تؤمن بالنظام وتؤيد خطواته الإصلاحية ». » يعتمد نصر الله موقفه من مطالب الشعوب بناءً على أمرين، أولهما موقف أنظمتها من مسألة الصراع مع إسرائيل, والثاني عدم وجود أي أمل في الإصلاح على المستوى الداخلي » وبما أن نصر الله أفرد وقتاً طويلاً للحديث عن سوريا في خطابيه، مؤكداً أن لديه معلومات، مما سمعه بأذنيه من القيادة السورية الواثق بحكمتها، في وجود رغبة صادقة وجادة بالإصلاح، فهو لم يُفسر لنا لماذا من يريد الإصلاح يضيق صدره بخروج العشرات أو المئات، على حدّ وصف الرواية السورية الرسمية، في شارع هنا وحيّ هناك فيتعرضون للقتل أو الاعتقال؟
ثم إن « السيد » الحريص على النظام والشعب في سوريا لم يتطرق بكلمة واحدة إلى العنف المفرط في التعاطي مع الأحداث، كما لم ينتقد أداء الجيش وفروع الأمن التي تربو على أربعة عشر جهازاً في التعامل مع الأزمة، في الوقت الذي يدعو فيه معارضي النظام لنبذ العنف، علماً بأن الرئيس السوري نفسه قال: إن أخطاءً ارتكبها الأمن خلال الأزمة ولا بد من تداركها!
وبالعودة إلى معياريْ حزب الله في الحكم على الثورات العربية، ومع المعيار الأول المتمثل بموقف النظام من الصراع العربي الإسرائيلي، فإن الناقدين لخطاب نصر الله تساءلوا عن السبب في تأكيده على مقاومة وممانعة النظام في سوريا دون أن يتطرق بالنفي أو التأويل لتصريحات رامي مخلوف ابن خال الرئيس إلى صحيفة أميركية بأن « أمن إسرائيل مرهون بأمن وبقاء النظام السوري »، وتجاهل تصريحات الإسرائيليين الذين أعلنوا قلقهم من سقوط النظام السوري بحجة أنه « عدو عاقل » في حين أسهب بالردّ على لاءات نتنياهو السبعة لقبوله قيام دولة فلسطينية!
أما المعيار الثاني القائل بأن النظام في سوريا ليس نظاماً مقفلاً كما هو حال النُظم التي تشهد ثورات شعبية حالياً، فإن التساؤلات التي يطرحها منتقدو الحزب هي عن الجهة التي خولته لأن يكون وصياً على الشعب السوري فيحدد له ما إذا كان نظامه نظاماً مقفلاً عاجزاً عن الإصلاح أم لا؟ ومن المنوط به أن يقول إن الغالبية في سوريا تقف مع النظام.. نصر الله أم الشعب السوري نفسه؟ وهل بالضرورة أن أيّ تحول نحو الديمقراطية في سوريا سيأتي بحكومة أقل ممانعة من الحكومة الحالية؟
لا شك أن السيد نصر الله فقد جُزءاً من شعبيته في سوريا على خلفية خطابه، وقد رأينا كيف أن صوره تم حرقها في البوكمال على الحدود السورية العراقية. وربما كان يسعه ما وسع حلفاء آخرين لسوريا في العالم العربي آثروا السكوت على الخوض في دماء الشعب السوري، فلم يستثيروا الشعب ولم يُغضبوا النظام. حزب الله والوضع اللبناني
أما إذا عدنا إلى أداء حزب الله في الوضع الداخلي، وابتداء من ارتدادات الوضع السوري على الداخل اللبناني، فإنه لم يعد خافياً أن الحزب يعمل على تجييش الشارع اللبناني على قوى 14 آذار عبر ترويجه وتبنِّيه للاتهامات السورية ضد « تيار المستقبل » بالوقوف وراء حركة الاحتجاجات في المناطق السورية المتاخمة للحدود اللبنانية، علماً بأن الأمر بقي حتى اللحظة في إطار الاتهام السياسي ولم يرفع بعد للقضاء اللبناني للبتّ فيه. » الاستياء الحاصل من ممارسات حزب الله لم يعد يقتصر على خصومه السياسيين، بل وصل إلى أناسٍ داعمين له ولمقاومته » بل أكثر من ذلك، تورد قناة « المنار » التابعة للحزب على موقعها الإلكتروني أن مصادرها تؤكد أن الخلاف الذي حصل في مبنى وزارة الاتصالات اللبنانية في 26/5/2011 بين القوى الأمنية ووزير الاتصالات شربل نحاس، جاء على خلفية معطيات تؤكد أن « شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي » (تُتهم بأنها موالية لسعد الحريري) قامت بتركيب ثلاثة هوائيات على سلسلة لبنان الغربية وربطها بشبكة الاتصالات الرسمية لتتمكن من تغطية ما يصل إلى 70 كلم داخل الأراضي السورية لخلق وتحريك الاضطرابات التي تشهدها المدن السورية!
ولعل الإستياء الحاصل من ممارسات الحزب لم يعد يقتصر على خصومه السياسيين، بل وصل إلى أناسٍ داعمين له ولمقاومته، بعد سقوط عشرة شهداء و110 جرحى في مارون الراس في 15 مايو/ آيار، ذكرى النكبة الفلسطينية، حيث يُتهم الحزبُ بالتقصير في حماية الناس، علماً بأنه كان المُنظم والمُنسق وصاحب الحلّ والربط في المسيرات التي زحفت نحو الحدود الفلسطينية.
وإذا كان الحزب لم يستطع منذ إسقاطه حكومة سعد الحريري المنتخبة شعبياً، قبل أربعة أشهر وحتى اليوم، الضغط على خلفائه لتشكيل حكومة جديدة، فإن اتهامات أخرى من داخل « الأكثرية الجديدة » تصفه بأنه يريد « الفراغ السياسي ».
بات واضحاً أن حزب الله لا يستطيع أن يحدّ من طلبات حليفه ميشال عون المتزايدة بشأن الحصص الحكومية، خوفاً من أن تصبح المعارضة -في حال خرج منها الحليف المسيحي- ذات لون طائفي يقتصر على حزب الله وحركة أمل، ولا هو يقدر على مواجهة حركة أمل التي تتمتع بامتيازات سياسية داخل المؤسسات الرسمية وفي الطائفة الشيعية تفوق حجمها الشعبي والسياسي بكثير، لا لشيء سوى خوف الحزب من انفراط عقد الطائفة في الوقت الذي يضيق الخناق على مخالفيه من قيادات سياسية وروحية شيعية معارضة.
الخاتمة
بعد كل ما سبق، فليسمح لي خالد صاغية مدير تحرير صحيفة « الأخبار » (معروفة بقربها من المقاومة) أن أستعير عباراته في وصفه للحزب، بأنه ليس « حزباً إصلاحيّاً. ولا يملك برنامجاً إصلاحيّاً في لبنان، ولا نيّة لديه لدعم برنامج إصلاح جذريّ.. وأنّه مستعدّ للتضحية بالكثير من أصول العمل الديمقراطي إذا ما تعارضت مع ما يراه مصلحة للمقاومة ». » حزب الله ليس حزباً إصلاحيّاً, ولا يملك برنامجاً إصلاحيّاً في لبنان، ولا نيّة لديه لدعم برنامج إصلاح جذري » فرد الاعتبار للنظام السوري الذي وقف إلى جانب الحزب لا يُبرّر له أن يناصره ظالماً ومظلوماً، بحجة الوفاء وعدم التنكر. والأفضل لحزب الله أن يأخذ بالحكمة القائلة « الصديق من صَدَقك لا من صدّقك » إذا كان بالفعل حزباً مبدئياً مرجعيته الإسلام وقيمه وليس حزباً سياسياُ برغماتياً تحركه وتتحكم به المصالح السياسية؟!
إذ أن الخشية اليوم تكمن في خسران حزب الله ما تبقّى مما كسبه من محبة في قلوب العرب مع كل قطرة دم ذكية نزلت من جبين طاهرة لمناضليه في « مارون الراس » و »بنت جبيل » و »عيتا الشعب » من تراب جنوبنا الحبيب.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 جوان 2011)
<
عدي جوني-إسطنبول
أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية التركية فوز حزب العدالة والتنمية بـ50.2% يليه حزب الشعب الجمهوري 25.9% ثم حزب الحركة القومية 13.24%، وفوز حزب السلام والديمقراطية والمستقلين الأكراد بـ5.8%.
وبهذا الفوز بات العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان واثقا من تشكيل الحكومة منفردا، لكنه لن يستطيع بمفرده تعديل الدستور، كما كان يأمل، سواء داخل البرلمان أو بالاستفتاء الشعبي إلا من خلال تحالف مع الأحزاب الفائزة أو المستقلين.
اللافت للنظر أن ولايات مثل أنطاليا وهاتاي ومرسين وجنه قلعة، وهي مقفلة للشعب الجمهوري في السابق، صوتت الغالبية فيها للعدالة والتنمية، وهذه مسألة تحدث لأول مرة، أن تخرج هذه الولايات عن تفضيلها لحزب الشعب الجمهوري.
أما الأكراد فلم يستطع أي من أحزابهم تغطي عتبة 10% لدخول البرلمان بيد أن بعض المستقلين الأكراد فازوا في الولايات الكردية (وان وديار بكر وشيرناك وهاكاري وماردين واغري).
وبقراءة النسب المئوية للنتائج بقياس عدد مقاعد البرلمان، فقد حصل حزب العدالة والتنمية على 326 مقعدا من أصل 550. ويتوقع أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية في وقت لاحق.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 جوان 2011)
<
قررت اللجنة المركزية لحركة فتح طرد عضو لجنتها المركزية محمد دحلان من الحركة وتحويله الى النائب العام بتهمة « الفساد المالي وقضايا قتل »، حسبما ذكر عضو في اللجنة لوكالة فرانس برس. وقال العضو في اللجنة الذي طلب عدم كشف هويته ان « اللجنة المركزية للحركة قررت طرد عضو لجنتها المركزية محمد دحلان من الحركة (…) واحالة ملفه الى القضاء بتهم فساد مالي وتهم قتل ». واضاف ان اللجنة اتخذت قرارها بتأييد 13 عضوا وبدون اي معارضة، بينما امتنع ستة اعضاء عن التصويت. واوضح ان اللجنة « قررت ايضا احالة ملف دحلان للقضاء في القضايا المالية والجنائية التي وردت في تقرير لجنة التحقيق التي باشرت عملها في قضية دحلان منذ عدة اشهر ». وتابع ان مركزية فتح اتخذت قراريها بعدما « قدمت اللجنة التي شكلت للتحقيق مع دحلان تقريرها وتوصياتها للجنة المركزية ». واوضح المصدر نفسه ان قرار المركزية « يحتاج الى مصادقة ثلثي اعضاء المجلس الثوري للحركة الذي سيدعى الى جلسة خاصة للموضوع حسب النظام الداخلي للحركة ليصبح القرار نافذا ». واضاف ان اللجنة المركزية « قررت ايضا تخويل لجنة التحقيق بمواصلة التحقيقات مع شخصيات لها علاقة بملف دحلان »، مؤكدا ان « دائرة التحقيق ستتسع لتطال شخصيات أخرى ». ويعد دحلان العدو اللدود لحماس التي تتهمه بقيادة ما تسميه « تيارا خيانيا » داخل فتح. وكانت اللجنة المركزية لفتح قررت في كانون الاول/ديسمبر الماضي تجميد عضوية دحلان بعد اتهامه ب »التحريض » على الرئيس محمود عباس والعمل ضده داخل مؤسسات الحركة حتى « انتهاء لجنة تحقيق من اعمالها ». وقررت اللجنة حينذاك ايضا « وقف اشرافه (دحلان) على مفوضية الثقافة والاعلام بحركة فتح ». وتضم لجنة التحقيق التي يترأسها امين سر اللجنة المركزية محمد غنيم (ابو ماهر)، اعضاء المركزية عثمان ابو غربية وعزام الاحمد وصخر بسيسو. وكانت وسائل اعلام ذكرت حينذاك ان الخلافات بين دحلان وعباس تفاقمت في الاشهر الاخيرة بعد اتهام مساعدي عباس لدحلان بانه حرض قيادات في فتح على انهم احق من عباس ورئيس حكومته سلام فياض بالحكم. كما اتهموا دحلان بالسعي لتعزيز نفوذه في الاجهزة الامنية والوزارات في الضفة تمهيدا « لمحاولة انقلابية ». وكان دحلان (49 عاما) انتخب عضوا في مركزية فتح في مؤتمرها العام السادس الذي عقد في اب/اغسطس عام 2009 في بيت لحم وكان يشغل منصب مفوض الاعلام والثقافة فيها. وقد شغل منصب مستشار الامن القومي للرئيس عباس قبل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 2007 وقدم استقالته مباشرة بعد ذلك. وشغل دحلان كذلك منصب وزير الامن الداخلي في الحكومة الفلسطينية الاولى التي شكلها محمود عباس في 2003 ومنصب مدير الامن الوقائي في قطاع غزة منذ تاسيس السلطة الفلسطينية من 1994 الى 2003. وهو عضو منتخب في المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 عن دائرة خان يونس مسقط رأسه في قطاع غزة وتولى رئاسة لجنة الداخلية والامن في المجلس التشريعي. ويتحدث دحلان العبرية بطلاقة وقد تعلمها في السجن. كما شارك في مفاوضات سلام مع اسرائيل. ودحلان المولود في 1961 اعتقل في السجون الاسرائيلية مرات عدة بين 1981 و1986 ثم طرد الى الاردن في 1988. وقد انضم الى منظمة التحرير الفلسطينية في المنفى في تونس حيث نال ثقة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. بعد توقيع اتفاقات اوسلو في 1993 وقيام السلطة الفلسطينية، عاد الى غزة وتسلم الامن الوقائي الذي كانت احدى مهماته منع الناشطين الفلسطينيين من القيام بعمليات قد تؤدي الى عرقلة عملية السلام.
(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 12 جوان 2011)
<
2011-06-12
لندن- (يو بي اي): كشفت صحيفة صندي ستار الصادرة الأحد أن العقيد الليبي معمر القذافي يختبئ في متاهة ضخمة من أنفاق المياه في الصحراء يصل عمقها إلى نحو 182 متراً تحت الأرض، في محاولة يائسة منه للبقاء على قيد الحياة. وقالت الصحيفة إن القذافي لجأ إلى الإختباء تحت الأرض لتجنب غارات مقاتلات منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بعد تعرضه إلى وابل من الضربات الجوية. واضافت أن الأنفاق التي يبلغ عرضها نحو 4 أمتار مصنوعة من مقاطع من الأنابيب الخرسانية زنتها 75 طناً ويصل عمق بعضها إلى نحو 182 متراً تحت الأرض، هي جزء من مشروع النهر الصناعي العظيم الذي بناه القذافي في الثمانينات بكلفة 20 مليار جنيه استرليني، ويُعد أكبر وأغلى مشروع من نوعه في التاريخ وصُمم لاستخراج المياه من عمق 762 متراً تحت الصحراء ونقلها إلى المدن والبلدات الليبية. واشارت الصحيفة إلى أن الأنفاق تربط بين الصحراء وبين مقر القذافي في العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي ومدينة سرت مسقط رأسه، واستخدمها النظام الليبي كمعسكرات لقواته أو لتخزين المركبات والمعدات العسكرية أو حتى الغاز السام. ونسبت إلى مصدر أمني قوله إن « القذافي يختبئ تحت الأرض لانقاذ نفسه.. ولا يريد البقاء فوقها حيث يمكن استهدافه، وبدأ سلاح الجو الملكي البريطاني يستخدم قنابل خارقة للغرف المحصنة تحت الأرض ». ويستخدم سلاح الجو الملكي البريطاني قنابل خارقة للتحصينات من طراز « بيفواي » المحسنّة والموجهة بأشعة الليزر والتي يبلغ طول الواحدة منها نحو أربعة أمتار لتدمير مراكز القيادة الرئيسية للعقيد القذافي، وكان استخدمها في غزو العراق في العام 2003. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 12 جوان 2011)
<
2011-06-12 الدفنية- (رويترز): يقول مقاتلو المعارضة على خط المواجهة بساحل البحر المتوسط في ليبيا إن الدبابة كانت على بعد 300 متر وفي منطقة مكشوفة عندما اطلقت قذائفها التي تسببت في إلحاق اضرار. وبحلول المساء يوم الجمعة قتل 31 شخصا واصيب أكثر من مئة آخرين في بعض من اعنف المعارك خلال اسابيع ضد قوات القذافي على الطريق الساحلي الذي يربط مصراتة المدينة الساحلية الواقعة تحت سيطرة المعارضة وطرابلس العاصمة. ويقول المعارضون انهم يجاهدون لفهم لماذا لم يتدخل حلف شمال الاطلسي لوقف القصف الذي تركز اغلبه على الطريق الساحلي الممتد عبر بساتين الزيتون والاراضي الزراعية. وقال محمد شعبان احد قادة مقاتلي المعارضة عند خط المواجهة غربي مصراتة وخلفه جرافات تنقل رمالا لإقامة دفاعات على امتداد الارض التي تناثرت عليها فوارغ القذائف انه يمكن رؤية الدبابات ولكن لا اثر للحلف. ومضى يقول اذا ساعدنا الحلف قد نستولى على زليتن في اشارة الى البلدة التالية بين مصراتة وطرابلس. وتحقيق هذه الامنيات بات تحديا للقوى الغربية الداعمة للمعارضين في ليبيا الذين يشكون من انهم لا يحصلون على الدعم الذي يحتاجونه للانتصار على رجال القذافي. وقال قادة المعارضة في الدفنية انهم يرغبون في دفع القتال الى الامام ولكن ضباط حلف الاطلسي الذين يعملون في بنغازي استدعوهم. وتسنى سماع طائرات مقاتلة في السماء يوم السبت ولكنها تأخرت مرة أخرى. ووصلت الحرب في ليبيا إلى طريق مسدود بعد أربعة اشهر منذ استخدم القذافي القوة ضد انتفاضة شعبية ضد حكمه الممتد منذ أربعة عقود والتي تحولت لتمرد مسلح. وبعد ثلاثة أشهر تقريبا من قصف طائرات الحلف لأهداف عسكرية ليبية فقد فشلت في خلع القذافي أو تمكين المعارضين من شن هجوم على طرابلس. ويقول المعارضون إن هذا بسبب أن الحلف لم يسقط قنابل كافية رغم أن المعارضين في مصراتة يقولون إن طائرات الحلف شنت بضع ضربات في وقت متأخر السبت واعطبت دبابة. ويقول قادة حلف الاطلسي انه ينجزون تفويضهم بحماية المدنيين واضعفوا بشكل كبير امكانات القذافي العسكرية ولكنهم اقروا بصعوبات في ضرب أهداف صغيرة موضوعة قرب مبان سكنية أو مخبأة للتستر من المقاتلات الحربية. ودون دعم جوي كبير من حلف الاطلسي فإن أي تقدم للمعارضين سيكون بطيئا ودمويا. واقترب الطرفان من بعضهما البعض في مصراتة يوم الجمعة ليقع تبادل لاطلاق النار باسلحة خفيفة ولكن المتمردين يقولون ان حلف الاطلسي استدعاهم لتجنب اختلاط المواقع على ما يبدو اذا ما اختارت الطائرات المقاتلة ضرب اهداف. ولكنها لم تفعل. وقال محمد السويسي احد قادة المعارضة على الجبهة الغربية انه توجد خطوط حمراء وانه في الليلة السابقة رغب رجاله في التقدم الى الامام ولكن حلف الاطلسي طلب منهم التراجع. وفي الاسبوع الماضي في منطقة الجبل الغربي قرب الحدود مع تونس وبعد اسابيع من القصف العنيف من قبل قوات القذافي تقدم المعارضون دون قتال من الزنتان الى بلدة يفرن بعد فرار قوات القذافي تحت وطأة قصف عنيف من طائرات الحلف. وكثيرا من تكون المسافة الفاصلة بين الطرفين بضع مئات من الامتار مما يجعل من الصعب التمييز بينهما. وتؤثر هذه الصعاب السلب على المعارضين الذين يخوضون قتال شوراع لاستعادة مدينتهم من قوات القذافي ولكنهم يقاتلون الآن على ثلاث جبهات لابقاهم على مسافة بعيدة. وقال القائد عمر السواحيلي إن قوات القذافي اقتربت الجمعة من البوابة على مسافة 300 متر وان حلف الاطلسي لم يفعل شيئا مضيفا ان المعارضين لا يفهم سبب ذلك. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 12 جوان 2011)
<
بقلم : مراسلة خاصة – الجزائر- swissinfo.ch أشرفت اللقاءات مع التيارات السياسية ومكونات المجتمع المدني والهيئة، التي أنشأها الرئيس بوتفليقة للحوار الوطني والاتفاق حول أجندة سياسية جديدة، على نهايتها. غيْـر أن النتائج، وحسب غالبية المتتبعين، لم تصل إلى النتيجة المرجوة. فما هو السبب؟ فقد شهدت swissinfo.ch محاولة شابَّـين اثنين حرق نفسيْـهما أمام بلدية من بلديات شرق العاصمة، لأن اسمهما لم يكن في قائمة المستفيدين من المساكن الاجتماعية، وقد كان لمحاولة حرق الشابين نفسيهما، وقْـع الصاعقة على رئيسة البلدية، التي تنتمي إلى التجمع الوطني الديمقراطي، خاصة وأن حوارا ساخنا دار بينها وبين الشابين أمام أعيُـن مصالح الأمن. وفي الوقت نفسه، سارعت رئيسة البلدية بالقول عندما شاهدت بعينيها سيلان الوقود على جسم الرجليْـن: « لا تفعلا هذا وسنحاول إسكانكما في أقرب وقت. لقد أكد لي رئيس الوزراء أحمد أويحيى أن رئيس الجمهورية قد أعطانا الضوء الأخضر لمساعدة الشباب الرّاغب في الحصول على بيت ». فردَّ أحد الشابيْـن، ورائحة الوقود تفوح من ثِـيابه: « أنا لا أصدِّقك ولا أصدق أويحيى ولا بوتفليقة، وأنا الآن نادم على محاولة حرْق نفسي، لأني كُـنت أفضل أن أغرز في جسمك سيْـفا يُـنهي حياتك أمام أعيُـن الناس ». وبعد سماع هذا التهديد، اختفت رئيسة البلدية ولم تعتقل مصالح الأمن الشابيْـن، لا على محاولة الانتحار ولا على كلمات التهديد، بل ولا على حتى شتم رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة. لقد انفضَّ الجمْـع، كأن الأمر يتعلَّـق بحوار طرشان. وسألت swissssinfo.ch أحد الرجليْـن وهو عاطل لا عمل له ويعيش مع أسْـرة مكوَّنة من ثلاثة عشر فردا: « هل سمعت بالحوار الذي أمَـر به بوتفليقة مع مختلف التيارات السياسية؟ »، فردّ الشاب، ورائحة الوقود تنبعث بشدة من ثيابه: « إنهم يتحاورون فيما بينهم ويقتسِـمون مساكن الناس فيما بينهم ويعطون العمل لمَـن هو معهم في كِـذبهم ونفاقهم، وأعِـدك أني سأقتل رئيسة البلدية، إن لم تعطني بيتا أسكن فيه، لقد وعدوني بتسجيل وثائقي ولن أهدأ إلا وأنا في بيتي الجديد ». رفض وصمت وتحذير الغريب، أن موقف هذا الرجل الغاضب الذي حاول الانتحار، هو نفس موقف أربعة رؤساء حكومة سابقين رفضوا الحوار بشكل مُـطلَـق مع ممثل بوتفليقة واعتبروه مَـضيَـعة للوقت، بل وأخبروا عبد القادر بن صالح، المشرف على الحوار مع التيارات السياسية كتابيا، وإن لم يضعوا بنزينا أو وقودا على الرسالة التي بعثوا بها إليه. ويتعلق الأمر برؤساء الحكومة السابقين وهم مولود حمروش وعلي بن فليس وأحمد بيتور ومقداد سيفي. أما المثير في رفض هؤلاء الحوار مع هيئة الرئيس، فهو أنهم كلهم أبناء النظام المخلِـصين. فمولود حمروش ضابط سابق في الجيش وعلي بن فليس كان مستشارا خاصا للرئيس بوتفليقة وكان معه عندما ضغطت المؤسسة العسكرية على سبعة مرشَّـحين فانسحبوا من السِّـباق أمام بوتفليقة عام 1999. ثم نجد أحمد بن بيتور، وهو ابن المؤسسة البيروقراطية والآليات الإدارية للدولة، وأخيرا مقداد سيفي، الذي قبل رئاسة الحكومة عاميْ 94 و95 عندما كانت الحرب قائمة بين الدولة وأصوليين أكثرهم متشدد وقليل منهم يعرف ما يفعل. ولم تتوقَّـف قائمة الرافضين للحوار عند أبناء النظام والحكومة، بل شمِـلت عبد الله جاب الله، زعيم حركة الإصلاح، ثم مصطفى بوشاشي، رئيس التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية وتيارات سياسية أخرى، مثل جبهة القِـوى الاشتراكية، التي يتزعَّـمها حسين آيت أحمد والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي يقوده الدكتور سعيد سعدي، بالإضافة إلى تيارات سياسية صغيرة أخرى رفضت دعوة الرئيس وفضَّـلت الصَّـمت أو التحذير. كما شمل التمَـلْـمُـل تيارات أخرى شاركت في الحوار، مثل حزب العمال، الذي تتزعمه لويزة حنون، حيث وصفت المدعُـوين للقاء ممثل رئيس الجمهورية، بـ « الجُـثث السياسية » وأكَّـدت أن هؤلاء لا يُـمكنهم الخروج بشيء يفيد الجزائريين، مضيفة أن الوقت يضيق أمام أصحاب القرار لإيجاد الحلول المناسبة، كي لا يخرج الجزائريون إلى الشارع، كما فعل التونسيون والمصريون والليبيون واليمنيون والسوريون. رغبة الدولة في الإنفتاح الديمقراطي والإعلامي.. ولكن وحيال هذا الوضع، ورغم قَـبول أحزاب الائتلاف الحاكم وأحزابا أخرى صغيرة الحجم، المشاركة في الحوار، يرى غالبية المراقبين أن الدولة وأصحاب القرار بشكل عام، ينفِّـذون برنامجهم، ليس بمعزل عن مطالب الشعب، ولكن دون الإهتمام بصرخاته. فالمُـهم حسب هؤلاء، هو إيقاف سبب الألم، أي المرض المُـستعصي الذي تعيشه الجزائر، مجتمعها ومؤسساتها. وحسب هذه النظرة، فإن الدولة تريد انفتاحا ديمقراطيا وإعلاميا لا ينسف وجودها من الأساس، وفي نفس الوقت، لا يجعل الجزائر جزيرة ضِـمن الإطار العربي الذي يشهد تغيُّـرات تاريخية. وبالتوازي مع تحقيق حرية نسبية، أمر بوتفليقة بتفعيل برنامج اقتصادي هائل يعتمد على أكثر من مائة وثمانين مليار دولار، لتحقيق نهضة اقتصادية تُـبَـرِّد غضب الشباب. وفي سابقة لم تعرفها الجزائر من قبل، أمر الرئيس وزارة المالية بالصرف السَّـخي على المشاريع الخاصة والعامة وأمر وزارة التجارة بأن لا تعقِّـد الإجراءات الإدارية، أما مصالح الضرائب، فقد أمرها برفع يدها الشديدة على المُـستثمرين وبشطب دُيون الغالبية العظمى منهم. وأخيرا، أمر كتَّـاب القوانين والإدارة بشكل عام، بقبول مشاريع الإستثمار والإنتاج، دون أي تأخير، بل ومنح الأراضي الإستثمارية إلى أصحابها في أسرع وقت ممكن. زلاّت لســان وتناقضات! في مقابل كل ما سبق، قد توحي بعض زَلاَّت لِـسان عدد من كبار المسؤولين، بأن الأمر لا يسير كما يجب وأن الدولة على عِـلم تام بِـما يريده الناس من جهة، وبالحدود التي لا ينبغي للناس أن يحلموا بها كثيرا، ومن بينها مسألة فتح المجال الإعلامي، وخاصة السمعي البصري أمام القطاع الخاص. ففيما يُعتقد أنها زلَّـة لسان، قال رئيس الحكومة أحمد أويحيى، في اجتماع مع ممثلي حزبه التجمُّـع الوطني الديمقراطي: « أعتقد أنه قد حان الأوان لفتح المجال السَّـمعي والبصري أمام القطاع الخاص »، ثم ناقض أويحيى نفسه عندما قال في ندوة صحفية بصفته رئيسا للوزراء: « لا أعتقد أنه قد حان الوقت لفتح المجال السَّـمعي البصري أمام القطاع الخاص ». دفع هذا التناقض ببعض الصحفيين الجزائريين إلى التعليق عليه قائلين: « لقد قال أحمد شيئا فيما أكَّـد أويحيى شيئا آخر، على النقيض منه بشكل تام »، فيما اعتبر هذا التناقض الذي أبان عنه أويحيى، مؤشرا عن التناقض القائم داخل أجهِـزة النظام نفسه، حيث يوازي الخوف من القطاع الخاص في مجال الإعلام، الخشية من نتائج منعه عن العمل على المدى القريب والمتوسط. « مطالب تجاوزها الزمن.. » ما استخلصه عبد القادر بن صالح من استشاراته وحواره مع مَـن قبل الحوار معه، فهو ضرورة تعديل الدستور قبل إجراء أي انتخابات برلمانية أو رئاسية، بالإضافة إلى تحديد مُـدد الفترات الرئاسية باثنتين لا غير، وأخيرا، تفعيل دوْر البرلمان ومنح صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة. أما على الصعيد الشعبي، فهو تفعيل عمل الجمعيات ومساعدتها وقبول اعتماد أحزاب سياسية جديدة. وقد علَّـق الصحفي عبد الحميد غمراسة على النتائج المعلنة للحوار قائلا: « إنه الجرْي في الوقت بَـدل الضائع، هذه كلها مطالب تجاوَزَها الزمن وأخشى أن لا تكون مفيدة ». وعلمت swissinfo.ch من مصادر حكومية، أن هناك شعورا عاما داخل أجهِـزة الدولة يوحي بالإطمئنان، لأن الجزائر لن تشهد – من وجهة نظر هذه الأجهزة – أي ثورة على شاكلة الثورات العربية الأخرى، بسبب الإنقسام الإجتماعي والاختلاف الحِـزبي الشديد. فسياسية فرق تسد تُمكّن الدولة – حسب هذا التصور – من الإستمرار بأقل الخسائر الممكنة. « التغيير الجذري لعمل النظام.. هام جدا » وقبل كتابة هذه السطور، علمت swissinfo.ch بأن رئيسا حكومة سابقيْـن ممَّـن امتنعوا عن المشاركة في الحوار الرئاسي، صرَّحا لبعض وسائل الإعلام الجزائرية في حوارات خاصة غيْـر قابلة للنشر، أن هدفهم هو توجيه رسائل إلى أصحاب القرار الحقيقيين، أي بمن جاؤوا ببوتفليقة إلى رئاسة الجمهورية وبتعبير أوضح: « المؤسسة العسكرية. » وهذه الرسالة مفادها، أن « الرتوش (الترقيعات) السياسية، غيْـر مقبولة إطلاقا في الوقت الحالي، وبأن الإسراع في تغيير جِـذري لطريقة عمل النظام هامة جدا في الوقت الحالي، لأنها الطريقة الوحيدة لمنع انهياره بالكامل ». كما علمت swissinfo.ch أن أصحاب القرار الحقيقيين قد استلموا الرسالة بشكل جيِّـد، ويبدو أن بعض آثارها سيُـعرف في بعض قرارات الرئيس بوتفليقة أو ما سيحدث له خلال الأسابيع الأربعة المقبلة، أي بعد انتهاء اختبارات الشهادة الثانوية وقبل حلول شهر رمضان في بداية أغسطس 2011. (المصدر: موقع « سويس انفو » (سويسرا) بتاريخ 31 جوان 2011)
<
حمدي عبد الرحمن انتقال منظم أم موجه؟ تكرار أخطاء ما قبل الثورة دروس وعبر على الرغم من كثرة الحديث إعلاميا عن تحديات ما اصطلح على تسميته « الثورة المضادة » في مصر والخوف من « فزاعات » مصر ما بعد مبارك والمتمثلة في إمكانيات عودة « السلفيين » و »الإخوان المسلمين » وفلول الحزب الوطني الذي تم حله، فإن التحدي الأكبر للثورة المصرية يأتي من خارج مصر.
لقد كانت التوجهات الاقتصادية لحكومة تصريف الأعمال بقيادة الدكتور عصام شرف موضوع نقاش وجدل حاد في المؤسسات الدولية المانحة وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي للتنمية والإعمار.
وفي نفس السياق احتل المستقبل الاقتصادي لمصر بعد الثورة مكانة بارزة في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم 19 مايو/ آيار عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد استمر التوجه الغربي والدولي في محاولاته الهادفة للتحكم في مسار الثورة المصرية عن طريق التوظيف السياسي للأدوات الاقتصادية. ففي اجتماع قمة مجموعة الثماني الذي عقد يومي 26-27 مايو/ آيار بفرنسا والذي خصص لمناقشة تداعيات الربيع العربي تم الإعلان عن تخصيص نحو عشرين مليار دولار أميركي لكل من مصر وتونس. ويتوقع بعض المراقبين أن تحصل مصر في الفترة القادمة على نحو (15) مليار دولار على شكل قروض ومنح واستثمارات من دول ومؤسسات دولية مانحة كبرى.
انتقال منظم أم موجه؟
يلاحظ المتابع للخطاب السياسي الغربي والأميركي على وجه الخصوص الحديث دوماً عن ضرورة الانتقال المنظم « Orderly transition » للديمقراطية في مصر بعد مبارك. وأحسب أن الفهم الصحيح للمقصد الغربي والأميركي هو الانتقال الموجه للثورة المصرية بحيث لا تخرج عن المسار العام المقبول غربياً. ويمكن توضيح ذلك بجلاء على ضوء قراءة واعية لمتغيرات ثلاثة ترتبط بالمشهد المصري العام وذلك على النحو التالي: • أول هذه المتغيرات يمثل المبادرات الدولية المتعددة بتقديم المساعدة الاقتصادية لمصر. فالإدارة الأميركية تحدثت عن تقديم نحو مليار دولار على شكل استثمارات في مصر تتم تحت رعاية المؤسسة الأميركية للاستثمار الخاص فيما وراء البحار.
كما أن البنك الدولي وافق مؤخراً على منح مصر قرضاً بقيمة ثلاثة مليارات دولار. ولا شك أن هذه المبادرات تمثل محاولات واعية وهادفة من أجل دعم وتعزيز قدرات الطبقة الحاكمة في مصر لمواجهة طوفان المطالب الشعبية في مرحلة ما بعد الثورة. وبعبارة أخرى أكثر وضوحاً فإن هذه المحاولات الغربية تهدف إلى تقييد مسار الثورة المصرية بحيث يظل في إطار الفهم الغربي العام للانتقال المنظم نحو الديمقراطية.
• أما المتغير الثاني فإنه يتمثل في المحاولات الدؤوبة من جانب الإدارة الأميركية لإعادة تشكيل النخبة المصرية الجديدة بحيث يتم استبعاد العناصر الأكثر تشدداً وتطرفاً.
ويبدو أن محاولة إعادة إنتاج تجارب أوروبا الشرقية في المنطقة العربية تمثل هدفاً يناضل من أجله الرئيس أوباما. وعلى سبيل المثال فقد أعلن الرئيس الأميركي أثناء زيارته لبولندا عن ضرورة نقل خبرة التحول الديمقراطي في بولندا إلى كل من تونس ومصر.
وليس بخاف كذلك أن الولايات المتحدة أعلنت صراحة عن قبولها التعامل مع حكومة مصرية جديدة بمرجعية إسلامية. ولا أظن أن حكومة مصرية بوجه إسلامي تمثل بحد ذاتها إشكالية للغرب وإنما الخطورة تكمن في وجود حكومة مصرية معادية للغرب وإسرائيل وإن كانت ليبرالية التوجه. • ويشير المتغير الثالث إلى جهود المؤسسات الدولية المانحة لدعم وتكريس برنامج التحول النيوليبرالي للاقتصاد المصري والذي سار على نهجه نظام مبارك.
وبغض النظر عن رؤيتنا النقدية لدور القوى الدولية الكبرى المانحة فإنها تحاول أن تتجمل بعد الثورة المصرية وتشجع سياسات جديدة مثل خلق الوظائف والتوسع في مشروعات البنية الأساسية وما إلى ذلك من بعض السياسات التي قد تلبي طموحات المواطنين. على أن واقع الأمر يشير إلى أن ظاهر هذه السياسات الجديدة الرحمة وباطنها العذاب حيث أنها ترمي إلى دعم برامج الخصخصة واقتصاد السوق بمعناه الكلاسيكي.
وأيا كان الأمر فإننا نذهب مع الكاتب الفلسطيني الأصل آدم هنية -الذي يعمل محاضراً في كلية للدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن- إلى القول بأن مصر تمثل حالة مثالية لتطبيق الرؤية النيوليبرالية التي تبدو في ظاهرها نصيرة للفقراء والمستضعفين ومؤيدة للتحولات الديمقراطية.
ولعل مكمن الخطورة هنا يتمثل في أن نجاح هذا المسعى الأميركي والغربي لسرقة الثورة المصرية، وغيرها من الثورات العربية، سوف يفضي إلى وجود مجتمع يتمتع ببعض مظاهر الديمقراطية الليبرالية الحديثة لكنه يخضع من حيث البنية والمعنى لهيمنة تحالف العسكر ونخب رجال الأعمال!
تكرار أخطاء ما قبل الثورة
لماذا حرصت حكومة مصر الانتقالية على المضي قدماً في اتباع نفس السياسات القديمة المتعلقة بالتعامل مع المؤسسات الدولية المانحة وعلى رأسها البنك الدولي؟ سؤال يستحق النظر والتأمل في تداعياته عند استشراف مستقبل الثورة المصرية.
لقد ورثت مصر بعد الثورة تركة ثقيلة من الدين الخارجي تبلغ نحو (35) مليار دولار. والملاحظ أن الحكومة المصرية على مدى السنوات العشر الماضية كانت تدفع نحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً خدمة لهذا الدين.
يعني ذلك وعلى عكس الاعتقاد العام فإن الأموال المصرية التي كانت تستقطع عادة من جيوب المواطنين البسطاء ذهبت لصالح أثرياء الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وأظن أن المشهد الدرامي الذي يصور مدير صندوق النقد الدولي السابق ستروس كان ويديه مصفدة بالأغلال بتهمة محاولة اغتصاب سيدة أفريقية مسلمة إنما يعكس حقيقة اعتداء هذه المؤسسة المالية الدولية على فقراء الدول النامية على مدى ستين عاماً خلت.
وعليه فإن القراءة الواعية لمفجرات الثورة المصرية التي أدت إلى إسقاط حكم الطغيان بزعامة حسني مبارك تفيد بأنها ارتبطت كذلك بالسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي طبقت في مصر منذ سنوات طويلة.
إن من حسن التدبر النظر إلى ثورة 25 يناير المصرية باعتبارها نتاجا لتراكمات طويلة من الظلم والاستبداد الذي عانى منه المصريون.
ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى انتفاضة الخبز عام 1977 والتي كانت في جوهرها رد فعل شعبي غاضب على سياسات التحرر الاقتصادي التي انتهجها الرئيس الراحل أنور السادات عندما أعاد هيكلة توجهات مصر الخارجية لتسير في فلك الولايات المتحدة والدول الغربية.
لقد كان من المنطقي أن يستمر نضال المصريين في مواجهة هذه السياسات الاقتصادية الظالمة التي كان يمليها صندوق النقد الدولي على مصر.
ففي بداية التسعينيات من القرن المنصرم أدت برامج التكيف الهيكلي المفروضة من هذا الصندوق، الذي أطلق عليه المصريون -بخفة ظلهم المعهودة- اسم « صندوق النكد الدولي » إلى تحرير وخصخصة أهم القطاعات الصناعية في مصر، وهي صناعة النسيج.
وقد ترتب على ذلك تسريح نحو نصف عدد العمال في هذا القطاع فضلاً عن تجميد أجور من بقي منهم في العمل. ولا شك أن احتجاجات ومطالب هؤلاء العمال ولا سيما في مدينة المحلة الكبرى تمثل من وجهة نظر كثير من المراقبين الخطوة الكبرى التي أفضت إلى الثورة المصرية.
وعليه فإن مكمن الخطورة في المرحلة الانتقالية الراهنة في مصر يتمثل في جهود القوى الدولية المانحة وعلى رأسها صندوق النقد الدولي من أجل دعم التوجه الاقتصادي الليبرالي في مصر وذلك قبل الوصول إلى حكومة وطنية منتخبة يمكنها أن تعيد الأوضاع إلى نصابها الصحيح.
دروس وعبر
لعل من المستغرب حقاً أن معظم الجدل الحاصل في الساحة السياسية المصرية بعد الإطاحة بالرئيس مبارك يركز على مكونات المشهد الداخلي وتعقيداته المختلفة.
على أن التوجه الاقتصادي الجديد وضرورة تحقيق الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الذات في مصر لم يحظ بالاهتمام المناسب حتى من قبل القوى ذات التوجهات اليسارية أو النزعة الاشتراكية التي اكتفت بالحديث عن العدالة الاجتماعية في مصر الثورة.
إننا في هذا السياق نتحدث عن ضرورة إعادة صياغة علاقة مصر الجديدة بقوى النظام المالي والاقتصادي العالمي، وهو ما يعني فك رباط التبعية الذي يثقل كاهل مصر ويعوق حركتها الخارجية المستقلة.
ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى تجربة دولة جنوب أفريقيا في مرحلة ما بعد الفصل العنصري لتكون نموذجاً نأخذ منه الدروس والعبر في مصر. فالمؤتمر الوطني الأفريقي الذي قاد النضال من أجل إسقاط نظام الأبارتهيد (التفرقة العنصرية) البغيض في جنوب أفريقيا وضع مدونة مشهورة أطلق عليها اسم « ميثاق الحرية ».
وقد تضمنت هذه الوثيقة العديد من المطالب الخاصة بالعدالة الاقتصادية بما في ذلك حق المسكن والرعاية الصحية، وتأميم الصناعات الكبرى. وبينما انشغلت قيادات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بعمليات التمكين السياسي للأغلبية الأفريقية السوداء فقد تم الاتفاق على تسليم إدارة المراكز الاقتصادية الكبرى في الدولة لخبراء محايدين من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وحتى من الحزب الوطني الذي يمثل الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا.
لقد كانت النتيجة كارثية حيث لم تستطع حكومة جنوب أفريقيا المستقلة تحقيق برنامجها الاقتصادي. وثمة رؤى نقدية لتجربة جنوب أفريقيا التي لا تزال تعاني من هيمنة الأقلية البيضاء على المراكز الاقتصادية الأساسية في الدولة.
وعليه فإنه يمكن رؤية القرض الأخير الذي منحه صندوق النقد الدولي لمصر وكذلك المحاولات والمبادرات الدولية الأخرى لمساعدة مصر اقتصادياً باعتبارها تهدف إلى تكبيل مصر اقتصادياً بنفس الطريقة التي حدثت في جنوب أفريقيا.
وليس بخاف أن الدول الغربية تحاول جاهدة توظيف مسألة الأزمة الاقتصادية الخانقة في مصر بعد الثورة من أجل إعادة تشكيل خيارات المصريين بما يضمن المحافظة على مصالح الطبقة المصرية الحاكمة بتوجهاتها الموالية للغرب، وهو ما يعني في حقيقة الأمر تهديداً خطيراً لمصالح الأغلبية الصامتة في مصر وقطع الطريق أمام آمال وطموحات الثورة التي لم تتحقق بعد.
فهل تتم سرقة ثورة المصريين من قبل هذه القوى الدولية المتربصة؟ هذا هو التحدي الأكبر! (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 جوان 2011)
<
صحف عبرية 2011-06-10 السياسة الاقليمية لاسرائيل تتلخص بنصب اسوار عالية: أسوار امنية، أسوار اقتصادية واكثر من أي شيء آخر اسوار ثقافية تفصلنا عن المحيط وتعزز الوهم بان اسرائيل تنتمي للغرب، وفقط بسبب حظها المتعثر علقت في جيرة قاسية لعرب ومسلمين. احلام ‘الشرق الاوسط الجديد’ لشمعون بيريس، الذي روج لفكرة التعامل الاقليمي، اندثرت منذ زمن بعيد. وحل محلها نهج ‘الفيلا في الغابة’ لايهود باراك وبنيامين نتنياهو، اللذين يريان في اسرائيل المعقل المتقدم للغرب في الشرق الاوسط.
في خطابه في الكونغرس الشهر الماضي اقتبس رئيس الوزراء عن الكاتبة الانكليزية جورج ايليوت من مبشرات الصهيونية في القرن التاسع عشر، والتي توقعت دولة اليهود كـ ‘نجم ساطع من الحرية في بحر من الطغيان في الشرق’. هكذا يصف نتنياهو الواقع الاقليمي وهذا هو الاساس لسياسته في ‘السلام الاقتصادي’. كوزير للمالية في العقد الماضي، تحدث نتنياهو عن نمو اقتصادي خلف اسوار الفصل، حسب نموذج كوريا الجنوبية. كرئيس للوزراء أظهر في السنتين الاخيرتين بان الحيلة تنجح. اسرائيل تمتعت بهدوء أمني وبازدهار اقتصادي، في الوقت الذي غرقت فيه الدول حولها في أزمة اجتماعية وفي معمعان سلطوي الى أن علقت في موجة من الثورات.
مظاهرات السياج في مجدل شمس في يوم النكبة في الشهر الماضي وفي يوم النكسة في بداية هذا الاسبوع، شرخت الحالة المثالية واظهرت للاسرائيليين انهم غير منقطعين عما يجري خلف السور. يتبين ان الثورات في الدول العربية تتعلق بنا نحن ايضا. 37 سنة من الهدوء في هضبة الجولان تضعضعت دفعة واحدة، فقط لان نظام بشار الاسد يكافح في سبيل حياته. الغالبية الساحقة من الاسرائيليين لا يزالون منعزلين عن ثورات الربيع العربي. مجدل
شمس تقع في نقطة مطرفة، في الالتفافة الاخيرة التي قبل الصعود الى التزلج في جبل الشيخ. الاحداث هناك لم تشعر بها تل ابيب والقدس، ريشون لتسيون وحيفا، التي يخطط سكانها الان لإجازتهم الصيفية في خارج البلاد.
ولكن الاعتقاد بان اسرائيل منقطعة عن المحيط ولا ترتبط الا بأوروبا وبأمريكا كان ولا يزال وهما. وكان للتحولات في دول المنطقة دوما تأثير حاسم على سياسة الخارجية والامن لاسرائيل: الثورة المصرية في 1952 أدت الى هجمات المتسللين من غزة وحملة السويس. الثورات في سوريا في الستينيات أدت الى حرب الايام الستة، محاولات اسقاط النظام في الاردن في 1958 و 1970 قربت اسرائيل من الغرب وزعماء اسرائيل من الاسرة المالكة الهاشمية.
الحرب الاهلية اللبنانية اجتذبت اسرائيل الى الداخل، لاحتلال متعدد السنين لجنوب لبنان. الثورة الايرانية في 1979 خلقت عدوا لدودا وشديد القوة لاسرائيل. الحرب الايرانية العراقية، وحرب الخليج الاولى حطمت ‘الجبهة الشرقية’. انهيار الاتحاد السوفييتي، سند الانظمة العربية المتطرفة، أدى الى مؤتمر السلام في مدريد في التسعينيات. التغييرات الداخلية في تركيا نزعت من اسرائيل حليفا هاما وورطتها بأزمة الاسطول. هذه القائمة الطويلة تفيد بان موجة الثورات الحالية في الدول العربية ستؤثر في السنوات القريبة القادمة على اسرائيل ايضا، وستملي سياسة الخارجية والامن لديها اكثر بكثير مما يبدو الان. الخوف من الثورة المصرية ادى منذ الان بنتنياهو الى حث بناء الجدار الحدودي في الجنوب والحديث عن زيادة ميزانيات الامن. الحرب الداخلية في سورية خطيرة على نحو خاص على اسرائيل، بسبب قربها الجغرافي، القوة العسكرية السورية، العلاقة بحزب الله وايران والحساب المفتوح على هضبة الجولان. كل المؤشرات تدل على أن هذا سيحتدم وسيضع موضع الشك بقاء سورية الموحدة.
في مثل هذا الوضع على اسرائيل ان تحذر الا تجتذب الى داخل الصراعات الداخلية في الدول العربية، والتورط بالحروب مرة اخرى. في نفس الوقت عليها ان تتحسس الفرص الاستراتيجية، مثلا اذا كانت ستحل محل نظام الاسد حكومة مؤيدة للغرب تفك ارتباطه بايران وحزب الله. ينبغي البحث عن الشقوق في السور، وكذا تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة التي تضعضعت منظومة تحالفاتها في المنطقة وهي تحتاج لاسرائيل اكثر مما في الماضي. هآرتس 10/6/2011 (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 10 جوان 2011)
<