السبت، 29 أبريل 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2168 du 29.04.2006

 archives : www.tunisnews.net


الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسـان: بيـان

عريضـة عالميـة إلى الرئيس بن علي: حتى تتمكن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من عقد مؤتمرها الوطني السادس بكل حرية

عريضة مساندة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الحزب الديمقراطي التقدمي : بلاغ صحفي حزب العمّال الشيوعي التونسي: بمناسبة غرّة ماي:مصير العمّال بأيديهم محمد شقرون: عيد الشغل العالمي سنة 2006: فشل التصحيح يفتح أبواب التعددية

علي شرطاني: دفاعا عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان افتتاحية الوسط التونسية في أسبوعها الثالث: إذا أخطأنا فقوّمونا.. مرسل الكسيبي: الوسط التونسية :معالم على الطريق محمد العروسي الهاني: تعقيبا على شهادة الأخ المناضل حسين التريكي في منتدى التميمي

الحياة: هنيبعل» يعود مع كلوديا كاردينالي إلى تونس على متن مهرجان جربة التلفزيوني

رويترز: «تيكوم ديج» الإماراتية توقع اتفاقا لشراء 35% من اتصالات تونس

رشيد خشانة: إخفاق مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط؟

محمد نعيم فرحات: ابن خلدون أو أصالة بنية التفكير د. محمد علي الكبسي: ثقافة الحوار والتوازنات العالمية

السيد ولد اباه:  المأزق الفلسطيني: من أجل صيغة بديلة لمنظمة التحرير


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 
الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنســـان تونس في 29 أفريل 2006   بيــــان
علمت الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بما حدث يوم الجمعة 21 أفريل 2006 بكلية العلوم الإنسانية و الإجتماعية 9 أفريل بتونس من تبادل للعنف الشديد بين عدد من الطلبة النشيطين في المجال النقابي و بهذه المناسبة تعلن عن :
­               إدانتها الشديدة للإلتجاء لممارسة العنف مهما كان مأتاه و مبرراته.
­               دعوتها الملحة لكل الأطراف الطلابية إلى التنديد الصريح بهذه الممارسات المرفوضة و تأكيدها على ضرورة إلتزام الجميع بلغة الحوار و معالجة الخلافات بالطرق السلمية.
­               مطالبتها الأطراف المعنية بالشأن الطلابي بتحمل مسؤولياتها في الحرص على القطع النهائي مع هذا الأسلوب في التعامل و الذي لا يتماشى مع المناخ الذي ينبغي أن يسود داخل الفضاء الجامعي.   عن الهيئة المديرة الرئيـــس المختـار الطريفـي


الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسـان   تونس في 28 أفريل 2006   بــــــــلاغ 
 
تسلمت السيدة سهير بلحسن نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ونائبة رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان يوم أمس الخميس 27 أفريل 2006 جواز سفرها، بعد إنتظار تواصل طيلة ثلاثة أشهر. وبهذه المناسبة تعبر الهيئة المديرة للرابطة التونسية عن إرتياحها لهذا القرار رغم تأخره وتشكر كل الذين عبروا عن مساندتهم للسيدة سهير بلحسن والرابطة في المطالبة بهذا الجواز كوسيلة لضمان حق أساسي هو حرية التنقل. و تدعو جميع الصديقات والأصدقاء وكل المنظمات الوطنية والدولية وجميع المهتمين بحقوق الإنسان لمواصلة تضامنهم الفاعل مع الرابطة من أجل حقها في عقد مؤتمرها الوطني السادس يومي 27 و 28 ماي 2006.     عن الهيئـــة  المديــرة الرئيـــس المختـار الطريفـي
 

 الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسـان تونس في 28 أفريل 2006 بـــــلاغ 

إن الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المجتمعة اليوم 28 أفريل 2006 بالمقر المركزي للرابطة وإثر تداولها للتطورات الأمنية الأخيرة المتعلقة بمحاصرة المقر المركزي للرابطة منذ بداية الأسبوع من طرف العشرات من أعوان الأمن بالزي المدني قاطعين الطرق المؤدية إليه ومانعين دخوله عن أعضاء هيئات الفروع والمواطنين ولا يسمحون بدخوله إلا لأعضاء الهيئة المديرة.                    وبعد استعراضها لما يتعرض له مقر الحزب الديمقراطي التقدمي من حصار أمني ومنع دخوله ومنع ندوة نظمها الحزب حول واقع البطالة وآفاق الشغل في تونس، اليوم الجمعة 28 أفريل 2006 قرر إثرها الأمين العام الأستاذ أحمد نجيب الشابي وعدد من أعضاء المكتب السياسي والمناضلين الدخول في اعتصام بالمقر مطالبين برفع الحصار الأمني كليا عن مقرهم وعن مقرات الأحزاب والجمعيات والقيود المفروضة عن الإجتماعات. وقد انتهى الإعتصام بعد ساعات إثر دعوة وزارة الداخلية عضوين من المكتب السياسي وإعلامهما أن حصار المقر ومنع الندوة « ما كان ينبغي أن يكون وأن الحصار سيرفع وبإمكان الحزب عقد ندوته » (وقد تم برمجة تلك الندوة من جديد ليوم الثلاثاء 02 ماي 2006).                    كما تمّ في نفس اليوم محاصرة مقر التكتل من أجل العمل والحريات من أجل إفشال ندوة نضمها الحزب حول موضوع الإصلاح السياسي في تونس. وبعد استعراضها لأحداث منع اجتماع نقابة الصحفيين التونسيين يوم الخميس 27 أفريل 2006، ومنع اجتماع مكتب الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين بتونس يوم الإثنين 24 أفريل 2006 بمكتب الأستاذ محمد النوري ومنع الدخول إليه حتى على الأشخاص الذين لا ينتمون للجمعية،   فإن الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان :   –         تندد بشدة بهذا التصعيد الأمني الخطير الذي ينضاف إلى الإنغلاق السياسي المطبق المضروب على الحقوق الأساسية للمجتمع المدني ويمثل خرقا فاضحا لقانون الإجتماعات.   –         تطالب السلطة باحترام القانون ورفع الحصار المضروب على مقرات فروع الرابطة وعلى مقرها المركزي، كما تطالبها برفع الحصار على مقري الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل من أجل العمل والحريات والمقرات الخاصة التي تحصل بها إجتماعات هيئات مدنية وسياسية واحترام حق الإجتماع بما في ذلك تمكين الرابطة من عقد مؤتمرها يومي 27 و 28 ماي 2006.     عن الهيئـــة  المديــرة الرئيـــس المختـار الطريفـي


 

عريضـة عالميـة موجهـة

إلى الرئيس بن علي

 

حتى تتمكن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

من عقد مؤتمرها الوطني السادس بكل حرية

 

منذ سبتمبر 2005، منعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من عقد مؤتمرها الوطني السادس على إثر إجراءات أمنية وقضائية اتخذتها السلطات التونسية لوضع العراقيل أمام تنظيم المؤتمر والتحضير له وإنجازه. وقد وقعت تغطية هذا الإجراء بحكم قضائي استصدر من محاكم موظفة. وعمدت السلطة ليس فقط إلى منع انعقاد المؤتمر، بل كذلك إلى تعطيل وشلّ أنشطة الرابطة وذلك عبر محاصرة مستمرة لمقراتها داخل البلاد من طرف الشرطة ومنع المسؤولين المحليين من دخولها والقيام بأي نشاط مهما كان نوعه، وكذلك فرض رقابة أمنية دائمة على المقر المركزي للرابطة بتونس العاصمة.

 

وقد اتخذت الرابطة التي لم تنفك طوال هذه الفترة تؤكد على تمسكها باستقلاليتها وفي نفس الوقت على استعدادها الكامل للحوار، قرارا في الأيام الأخيرة يقضي بعقد مؤتمرها الوطني السادس يومي 27 و 28 ماي القادم.

 

إن الموقعين على هذه العريضة : منظمات وحركات ومجموعات وشخصيات تعمل من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، ومن اجل الحريات والديمقراطية، ومن أجل الصداقة والتضامن بين الشعوب، يناشدون الرئيس بن علي اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتمكين الرابطة، وهي مكسب ديمقراطي أساسي بالنسبة لتونس من القيام بأنشطتها بكل حرية واستقلالية، وبالخصوص من عقد مؤتمرها الوطني السادس في التاريخ الذي حددته هيئاتها القانونية التي لا يطعن أحد في شرعيتها.

 

الإســـم والـلّـقـب

الصفــــــة

الإمضـــــــاء

محمد جسار

رئيس تحرير موقع رأي نيوز الإخباري

 

محمد الأسعدي

رئيس تحرير صحيفة يمن أوبزرفر

 

كمال العلفي

رئيس تحرير صحيفة الرأي العام

 

أكرم صبرة

رئيس تحرير صحيفة الحرية

 

فخري  العرشي

رئيس تحرير مجلة يمن توداي

 

زيد العلايا

رئيس تحرير صحيفة سبكترم

 

عبد العزيز عوضة

مدير تحرير صحيفة سبكترم

 

محمد عبد السلام

مصور صحفي

 

أمين الشرعبي

صحفي

 

عدنان حزام

صحفي

 

نبيل طاهر الأسيدي

صحفي

 

محمد الظاهري

صحفي

 

حمدي البكاري

عضو نقابة الصحفيين اليمنيين

 

 

تم ارسال هذا البيان بمعرفة مركز استلام وتوزيع تنبيهات وبيانات الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير و تتحمل المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وحدها المسئولية عما يرد في هذا البيان

 

المنظمة المصرية لحقوق الإنسان – EOHR

موقع الكتروني: http://www.eohr.org

بريد الكتروني: eohr@eohr.org

8/10 شارع متحف المنيل – منيل الروضة – القاهرة – مصر

هاتف : 3636811 – 3620467(202)

فاكس : 3621613 (202)

 


عريضة مساندة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

 

نحن الممضيات و الممضيين أسفله،   إيمانا منا أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مكسب وطني يجب المحافظة عليه و صيانته و لا يمكن لها أن تقوم بوظيفتها إلا في كنف الإستقلالية،
و إثر منع مؤتمرها الذي كان مقررا أيام 9 و 10 و 11 سبتمبر 2005 و التهديد بمنعه مرة أخرى في تاريخه المحدد يومي 27 و 28 ماي 2006،
و بعد أن قامت السلطات الأمنية بشل نشاط فروع الرابطة بمحاصرة مقراتها و منع الدخول إليها منذ شهر سبتمبر 2005 و محاصرة مسؤوليها، و منع الهيئة المديرة و أعضاء الفروع من القيام بأعمال تحضير المؤتمر و منع مسؤولي الفروع من الإلتحاق بالمقر المركزي للرابطة و الإعتداء عليهم بالعنف الشديد،
–     نحيي نضال الرابطيين و نساند الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من أجل عقد مؤتمرها السادس يومي 27 و 28 ماي 2006، –     نطالب السلط برفع الحصار على مقرات فروع الرابطة و وضع حد لمنع أنشطتها و محاصرة مسؤوليها، و نندد بالعنف الذي سلط على الرابطيين. –     و تمكينها من عقد مؤتمرها في الآجال المحددة من قبل هياكلها.
 
الإســـم والـلّـقـب
الصفــــــة
الإمضـــــــاء
لطفي عزوز
هيئة 18اكتوبر بقفصة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الرجــاء إرسال العريضة بعد إمضائها إلى العنوان الإلكتروني للرابطة ltdhcongres6@yahoo.fr أو بالفاكس : 71.892866 وذلك في أقرب وقت ممكن، مع الشكر.


إحياء لذكرى 1 ماي

  يتشرف الحزب الديمقراطي التقدمي بدعوتكم للندوة السياسية التي ينظمها حول:

  واقع البطالة و آفاق التشغيل في تونس  بمشاركة الخبير الاقتصادي الأستاذ المنجي بوغزالة

وذلك يوم الثلاثاء 2 ماي 2006 على الساعة السادسة مساء بمقره المركزي 10 نهج آف نوهال تونس.   المكتب السياسي

 

الحزب الديمقراطي التقدمي 10 نهج إيف نوهال – تونس     الهاتف: 71332194                 بلاغ صحفي  
قامت تعزيزات كبيرة من رجال الأمن بالزي المدني بتطويق المداخل المؤدية إلى المقر المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي مساء أمس الجمعة 28 أفريل 2006 مانعة عددا هاما من الشخصيات السياسية وممثلي المجتمع المدني والمواطنين من الإلتحاق بالمقر لمتابعة الندوة التي دعا لها الحزب في ذكرى عيد الشغالين. وحال رجال الشرطة دون وصول الدكتور المنجي بوغزالة عميد كلية العلوم الإقتصادية سابقا والخبير الدولي المعروف إلى مقر الحزب  حيث كان مقررا أن يلقي محاضرة في الندوة حول موضوع « واقع البطالة وآفاق التشغيل في تونس » قبل أن يسمحوا له بالمرور بتدخل من أعضاء المكتب السياسي.
كما تعرض مقر التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات للحصار في نفس الوقت حيث كانت تُعقد ندوة فكرية عن الإصلاح في تونس بين الأمس واليوم ومُنع غير المنخرطين في الحزب بمن فيهم قياديون من الحزب الديمقراطي التقدمي من الصعود إلى المقر. وإزاء هذا الوضع قررت قيادة الديمقراطي التقدمي في اجتماع فوري إرجاء الندوة والدخول في اعتصام فوري بنفس المقر للمطالبة برفع الحصار وعقد الندوة في مناخ أدنى من الحرية. كما شرعت في دعوة الإعلاميين إلى مؤتمر صحفي في صبيحة اليوم الموالي لوضع الإعلاميين في الصورة.
 لكن السلط سرعان ما دعت  إلى الحوار وانعقد فعلا لقاء بين أحد المسؤولين وعضوين من المكتب السياسي تم خلاله التأكيد على أن الحصار سيرفع عن المقر وأن نشاطات الحزب القانونية حرة سواء في العاصمة أو تلك المقررة في سوسة لمساء اليوم السبت أو في صفاقس غدا الأحد بالإشتراك مع التكتل.
وبناء على تلك التعهدات قرر  الحزب وضع حد للإعتصام بعدما غادرت تعزيزات الأمن محيط المقر وأجَل ندوة « واقع البطالة وآفاق التشغيل » إلى مساء الثلاثاء 2 ماي بالمقر المركزي.
 وبهذه المناسبة يجدد الحزب التمسك بحقه الكامل في عقد النشاطات السياسية في مقراته وفي الأماكن الخاصة والعمومية طبقا لما يضبطه القانون ورفضه أي نوع من التضييقات على العمل السياسي مهما كانت المبررات.                                       تونس في 29 ماي 2006                                         عن المكتب السياسي

 

 

أخر تطورات قضيت منع ندوة الحزب الديمقراطي التقدمي

بعد دخول جمع من مناضلي ومناضلات الحزب الديمقراطي التقدّمي يتقدّمهم الأمين العامّ الأستاذ أحمد نجيب الشابّي وعدد من أعضاء المكتب السياسي في اعتصام بالمقرّ المركزي للحزب احتجاجا على تردى أوضاع الحريات وللمطالبة برفع الحصار الأمني الذي أدى إلى إجهاض الندوة العمومية التي دعا لها الحزب بمناسبة العيد العالمي للشغل تحت عنوان  » البطالة و آفاق التشغيل في تونس » ، وعلى إثر اتصال من طرف وزارة الداخلية بالحزب وقع خلالها توضيح أن: » الشيء الذي حصل (يعني الحصار و المنع ) ما كان ينبغي أن يكون وأن الحصار سيرفع وأن بإمكان الحزب عقد ندوته  » و تم التأكيد على عدم منع الاجتماعات المبرمجة من جامعات سوسة و صفاقس للحزب خلال أيام السبت و الأحد. و وقع فعلا رفع الحصار الأمني و نظرا لكل ذالك قرر الحزب:   الدعوة إلى عقد الندوة يوم الثلاثاء على الساعة السادسة مساء   رفع الاعتصام و إلغاء الندوة الصحفية التي دعا لها الحزب للإعلان عن الاعتصام ودوافعه. ومن المتوقع أن يصدر بيان من الحزب غدا لتوضيح هذه المستجدات مراسلة خاصة بالحزب الديمقراطي التقدمي الجمعة 28 افريل – نيسان 2006  

 موقع الحزب الديمقراطي التقدمي
 
(المصدر: قائمة مراسلة  الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 29 أفريل 2006 )

حزب العمّال الشيوعي التونسي
 

بمناسبة غرّة ماي: مصير العمّال بأيديهم

يحتفل الشغالون التونسيون، يوم غرة ماي، مع سائر الشغالين في العالم، باليوم العالمي للعمّال ولكنهم، على عكس رفاقهم في معظم الأقطار، لن يكون لهم مرة أخرى الحق في تنظيم التظاهرات والاستعراضات والاحتجاجات. فالدكتاتورية التفّت على عيد العمّال وحولته إلى مناسبة رسمية ينتظم فيها موكب بقصر قرطاج يُعَدّد خلاله بن علي الإنجازات المزعومة التي حققها نظامه للعمال والكادحين وتجدّد فيه قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل الولاء له. ويتولى البوليس السياسي محاصرة دور الاتحاد في كافة أنحاء البلاد، وخاصة في المدن والجهات ذات التقاليد النقابية النضالية لمنع القواعد العمالية والنقابية من القيام بتحركات احتجاجية.
إن أوضاع الشغالين التونسيين تشهد اليوم تدهورا غير مسبوق. فالطرد الجماعي، وخاصة في قطاع النسيج يتفاقم. والعمال والعاملات المطرودون لا يجدون من يحميهم. والبطالة تنهش مئات الآلاف من الناس بمن فيهم أصحاب الشهائد العليا. وأشكال التشغيل الهش (عمل وقتي، عمل جزئي، مناولة…) تتوسع على حساب العمل القار. والعمل صار امتيازا لا يحصل عليه في الغالب إلا مُوَالٍ للسلطة أو دافع لرشوة. وظروف العمل في المؤسسات تتردى مسببة مزيدا من حوادث الشغل والأمراض المهنية. والمقدرة الشرائية للعمال والأجراء تتدهور. والعامل أو الأجير يضطر إلى القيام بأكثر من عمل، على حساب راحته وصحته، لمواجهة تكاليف العيش وتسديد كمبيالة أو قرض. والخدمات الاجتماعية (صحة، تعليم، نقل…) طالتها الخوصصة وتقلصت مساهمة الدولة فيها فانقسمت إلى خدمات راقية للأغنياء، وأخرى متردية للكادحين والفقراء.
ويحكم نظام بن علي على الشغالين والأجراء والنقابيين بقبول هذا الوضع وتحمل تبعات سياسات اقتصادية، رأسمالية متوحشة، مملاة من الدوائر الامبريالية، لم يكن لهم فيها رأي أو قول، والامتناع عن الاحتجاج عليها و الدفاع عن حقوقهم و مكتسباتهم في الوقت الذي تذهب فيه خيرات البلاد وثرواتها إلى حفنة من أصحاب رأس المال الأجانب الذين سيطروا على مصائر الاقتصاد التونسي عن طريق الخوصصة وغيرها وإلى أقلية من التونسيين ممّن أثروا بطرق غير مشروعة مستغلين في معظمهم صلتهم بالقصر. إن العمال والأجراء محرومون من حرية النشاط النقابي داخل المؤسسات، إن كانت لهم نقابات، لأن قطاعات واسعة من الذين يعملون في القطاع الخاص يمنعهم أعرافهم من تكوين نقابات. كما هم محرومون، شأنهم شأن بقية الشعب التونسي، من التعبير عن آرائهم، ومن الانتظام السياسي ومن المشاركة في الحياة العامة وفي تقرير الخيارات الجوهرية الداخلية والخارجية للبلاد. ويجند نظام بن علي البوليس السياسي والشعب المهنية وأعوان الإدارة لقمع تحركاتهم وملاحقة العناصر النشيطة منهم وافتعال الذرائع لطردهم أو محاكمتهم والزج بهم في السجن. وقد وقف العمال والعاملات الذين شنوا الإضرابات والاعتصامات خلال هذه السنة على هذه الحقيقة.
وما كان للشغالين أن يصلوا إلى هذه الحال لولا تواطؤ القيادات البيروقراطية للاتحاد مع نظام بن علي على مدى التسع عشرة سنة الأخيرة. لقد أغرقت السلطة والأعراف معظم هذه القيادات في امتيازات مادية (مناصب هامة في مؤسسات وشركات، قروض ومشاريع، وتسهيلات أخرى…) أبعدتهم كل البعد عن واقع العمال وربطت مصالحهم بمصالح النظام القائم وحوَّلتهم إلى أدوات يفرض بها هذا النظام اختياراته الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت بالعمال والأجراء إلى ما هم عليه من بؤس مادي ومعنوي. لقد زكت هذه القيادات كافة مخططات الحكومة سواء ما تعلق منها بالخوصصة أو تحرير الأسعار ورفع الدعم عن المواد الأساسية أو زيادة الضغط الجبائي على العمال والكادحين أو تحوير قوانين الشغل بما يخدم مصالح الأعراف ويمكنهم من التلاعب بقوت الشغالين وبحقهم في العمل (مرونة التشغيل…) كما قيدت العمال والأجراء بـ »مفاوضات اجتماعية » ليس فيها من المفاوضات إلا الاسم لأن شروطها ونتائجها تتحكم فيها الحكومة، وبسبب هذه المفاوضات، يُحرَّم على العمال والأجراء التحرك للمطالبة بتحسين أجورهم. و شكلت تلك القيادات البيروقراطية سندا لنظام بن علي في قمع الحريات الفردية والعامة وفي دعم الحكم الفردي المطلق وإعادة الرئاسة مدى الحياة وذلك رغم معارضة العديد من الإطارات النقابية، في الهيئة الإدارية وبعدد من الاتحادات الجهوية والنقابات العامة والجامعات لهذا التوجه. وهي تصمت على ما يتعرض له القضاة والمحامون والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والصحافيون المستقلون ومناضلات ومناضلو أحزاب المعارضة الديمقراطية من قمع ومحاصرة وتشويه واعتداءات، والحال أن هؤلاء جميعا كانوا دائما إلى جانب الاتحاد في كافة المحن التي مر بها ولم يدخروا أي جهد للدفاع عنه.
إن مصير العمال والشغالين بأيديهم. وذلك هو المغزى الكبير من اليوم العالمي للعمّال الذي يُخلّدُ تضحياتهم من أجل حقوقهم وتعبئتهم الدائمة من أجل مواصلة النضال لإقامة مجتمع خال من استغلال الإنسان للإنسان ومن كافة أشكال الاضطهاد السياسي والفكري. وليس أمام العمال والشغالين التونسيين من مخرج مما هم فيه اليوم إلا بالنضال والتضحية. فالسلطة ماضية في سياستها المعادية للعمال والشعب، وما تقدمه من حلول لا يتجاوز الوعود الزائفة والمسكنات التي سرعان ما تتضح حقيقتها. وتفيد كل المؤشرات أن المظالم المسلطة على العمال والكادحين ستتفاقم في المستقبل. ولا أمل في توقيف السلطة عند حدها إلا بالجرأة على المقاومة. ولئن شهدت الحركة العمالية هذه السنة بداية نهوض تشهد عليها الإضرابات والاعتصامات العديدة التي نظمها العاملات والعمال وقطاعات من الموظفين، فإنها لا تزال ضعيفة ومشتتة. فالسلطة لن تضطر إلى التراجع وإلى التنازل إلا إذا وجدت في وجهها حركة اجتماعية ناهضة وموحدة وذات أهداف محددة.
إن العمال والأجراء في أشد الحاجة اليوم إلى الدفاع أولا عن حقهم في الشغل ومواجهة موجات الطرد التي تستهدفهم وأشكال التشغيل الهش ومنها خاصة المناولة التي تتجسد فيها أبشع أنواع الاستغلال. وثانيا عن حقهم في أجور تضمن لهم أسباب العيش الكريم. وثالثا عن حقهم في ظروف عمل إنسانية. ورابعا عن حقهم وحق عائلاتهم وأطفالهم في خدمات اجتماعية مجانيّة أو بأسعار رمزيّة و لكن راقية. ولكن العمال والأجراء يجدون في وجههم عسف السلطة وطغيانها الذي يعرقل نضالهم من أجل تلك الحقوق. وهو ما ينبغي أن يفتح عيونهم على حقوقهم النقابية والسياسية. فلهم مصلحة، كل المصلحة في الحرية النقابية وفي حرية التعبير والتنظم والاجتماع والتظاهر والإضراب وفي حق المشاركة في الحياة العامة وفي الديمقراطية. إن النضال الاجتماعي والسياسي متلازمان. ولقد كان حشاد مؤسس الاتحاد أكد أكثر من مرة على أن العمال لا يمكنهم أن ينالوا حقوقهم في مناخ لا تتوفر لهم فيه الحريات الفردية والعامة. لذلك يكتسي انخراط العمال والكادحين في المعركة ضد الدكتاتورية، من أجل الحريات والديمقراطية أهمية كبيرة ليس لهم فحسب بل لكل الشعب التونسي.
ولا ينسى العمّال والشغالون التونسيّون أنّ لهم إخوة وأخوات في الوطن العربي وفي فلسطين والعراق خاصة يتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد الاستعماري على يد التحالف الامبريالي الصهيوني. وقد عمل نظام بن علي بكل الوسائل على منع التضامن معهم. ولم يتورع في السنة المنقضية عن دعوة مجرم الحرب أرييل شارون لزيارة تونس بمناسبة قمة مجتمع المعلومات وعن استقبال وزير خارجية الكيان الصهيوني بنفس المناسبة، والتنكيل بكل من حاول الاحتجاج على هذه الزيارة. ولا يمكن للعمال التونسيين أن يرضخوا للأمر الواقع بل عليهم التعبير عن تضامنهم بكافة الأشكال مع إخوتهم وإخوانهم في العراق وفلسطين ومن أجل القضيّة القوميّة العادلة والتصدي لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.
إن نضال العمال ضد القهر والاستغلال اكتسى اليوم أكثر من أي وقت مضى بعدا أمميا بسبب العولمة الرأسمالية التي أخضعت كافة كادحي العالم وشعوبه إلى استغلال واضطهاد وحشيين. لذلك نرى العمال في جميع أنحاء العالم وخاصة في البلدان التي يتمتعون فيها بالحرية السياسية يتضامنون وينسقون تحركاتهم ضد الوحش الرأسمالي ويربطون مصير بعضهم ببعض. ولا يمكن للعمال التونسيين أن يبقوا خارج هذه الحركة العالمية، فهم جزء من شغيلة العالم التي تواجه نفس العدوّ والتضامن والتساند شرط أساسي للانتصار.

عاش كفاح الشغيلة العالميّة عاشت نضالات العمّال التونسيّين المجد للحرّيّة والكرامة الوطنيّة تسقط الدّكتاتوريّة

حزب العمّال الشيوعي التونسي غرّة ماي 2006  

 
(المصدر: قائمة مراسلة  حزب العمّال الشيوعي التونسي بتاريخ 29 أفريل 2006 )
 

عيد الشغل العالمي سنة 2006:

فشل التصحيح يفتح أبواب التعددية

 

بقلم محمد شقرون الكاتب العام الأسبق للاتحاد الجهوي للشغل بتونس الكبرى
يحيي الشغالون في جميع انحاء العالم عيد الشغل العالمي باعتباره مناسبة للاحتفال بالمكتسبات التي حققها الشغالون بفضل النضال المتواصل والتضحيات الجسيمة وباعتباره كذلك فرصة ملائمة لتقييم الأوضاع رغبة في تحقيق المزيد من الإنجازات.
 
وتأتي هذه الذكرى والطبقة الشغيلة تواجه تحديات متأتية من الانعكاسات السلبية للعولمة المتمثلة في الخوصصة و التسريح العشوائي للعمال و البطالة والتشغيل الهش اللدان يمسان خاصة الشباب إناثا وذكورا، وفي تفاقم الفوارق بين الفئات الاجتماعية وبين الأمم وكذلك في انتشار الفقر وتفشي الكراهية والعنصرية وانتهاك الحقوق الاجتماعية وحقوق الانسان والمواطنة.
وهي ذكرى عزيزة ومناسبة هامة للتقييم الموضوعي والمسؤول بعيدا عنعقلية » مادح نفسه يقرؤك السلام ».
ويؤسفنا أن نلاحظ بكل مرارة ما  آل إليه وضع الاتحاد العام التونسي للشغل حاليا من تهميش ووهن وتدنّ، بعد أن كان له في الماضي، دورا فاعلا في موازين القوى   كمنظمة جماهيرية  ساهمت بدماء أبنائها في تحرير البلاد، وبطاقاتهم في تشييد الدولة الحديثة وتحقيق التنمية علاوة على دوره  كقوة طلائعية في بناء المجتمع المدني .
كما كنا نود أن يكون الاتحاد العام التونسي للشغل شريكا حقيقيا وفاعلا في الحياة العامة  و يتحمل مسؤولياته في طرح البدائل وتقديم البرامج لما فيه خير العمال خاصة والبلاد عامة ولا يكون دلك الا بمنظمة قوية ممثلة مستقلة ومتطورة من حيث هيكلتها وانشارها في مواقع العمل وحسن تصرفها في أموال الشغالين بكل شفافية دون نسيان العمل من أجل مزيد استقطاب الشباب والنساء ضمانا للاستمراروالتجديد والتداول.
غياب الاستراتيجية وضبابية الأهداف
ومن اللافت للنظر أن الاتحاد العام التونسي للشغل لم يفلح في بعث صندوق للعاطلين والمسرحين عن العمل وهمش حاملي وحاملات الشهائد من أبناء العمال ولم ينجز في هدا الصدد الشعارات التي ما انفك يرفعها بخصوص التشغيل من دلك أنه تراجع عن طرحها ومناقشتها في المجلس الوطني المنعقد بطبرقة أيام 10 و11 و 12 أفريل 2006، شأنها شأن العديد من القضايا كالحماية الاجتماعية والمناولة وتحديث العمل النقابي وحصر كل مشاغل العمال باطلا وعن سوء نية في شعارات فضفاضة حول المقاومة لابتزازتضحياتها لأغراض غير نزيهة.
ولايفوتنا بالمناسبة الاشارة بأن الاتحاد العام التونسي للشغل أصبح لا يضير قيادته الحالية أن تغض الطرف على بعض المسؤولين النقابيين دخول عالم المناولة واستعباد العمال وقيام البعض الآخر من هؤلاء المسؤولين بغلق المؤسسات الاقتصادية اعتباطيا على غرار ما يجري بجهة صفاقس دون الاكتراث بنداءات العمال الدين أصبحوا رهائن لدى بعض هؤلاء ويترجون العودة الى عملهم وفك الحصار عن مؤسساتهم بابعاد أصحاب العضلات المفتولة ممن يمارسون البلطجة عليهم  بمقابل.
ونحن لا نستغرب دلك من قيادة أصبحت رموزها بعيدة عن معاناة العمال بحكم احترافهم المزمن للعمل النقابي قبل وبعد تقاعدهم وعجزهم عن استيعاب مجمل التحولات الإقتصادية والإجتماعية الجارية وانعكاساتها على عالم الشغل والعمل النقابي الدي اختزلوه في الامتيازات والمنح والسفر الى الخارج  دونما محاسب أو رقيب والمزايدات الكلامية والتضخم اللفظي.
 وفي غيات الاستراتيجية الواضحة و المواقف الضبابية اعتمدت القيادة النقابية للخروج من ورطتها وللتغطية على الأزمة العميقة في الاتحاد، خطابا مزدوجا ازاء العمال والأعراف والسلطة والمعارضة وكل مكونات المجتمع المدني مما يؤكد أن تراكم الانحرافات عمق هاته الازمة وجعلها شاملة وبنيوية وقد تأتي على كل الاتحاد فيفقد نهائيا وزنه وتأثيره وينهارلانسداد أفق قيادته الحالية وهو ما لا يتمناه كل نقابي أصيل.
نبد الجهوية واقرار التعددية
ان غياب الديموقراطية داخل الاتحاد أدى الى استفحال ظاهرة الجهوية التي أصبحت العامل المحدد في تولي المسؤولية النقابية والادارية في المنظمة في تونس وخارجها كأن توزع ما أصبح يعرف نقابيا بالعشيرة المناصب والمنافع على أولادها وبناتها (الاتحاد المغاربي،الاتحاد الدولي للعمال العرب،مؤسسات الاتحاد…) ويكفي في هدا السياق استقراء من اقترحتهم القيادة النقابية للتكريم و التوسيم في شتى المناسبات النقابية والوطنية أو التمييز في التعامل مع الهياكل النقابية نفسها جهويا  وقطاعيا مثل جامعة النقل التي تضم  سبعة متقاعدين و تحضى بمعاملة خاصة.
وأمام استفحال هده الظاهرة، حاول أصحابها للتغطية، الايهام بنبدها للجهوية وشنوا حملة ضد هده الظاهرة وألبسوها لبعض النقابيين في جهات أخرى مهمشين بقية الجهات دات الثقل النقابي والرصيد التاريخي وشرعوا في تنظيم التظاهرات النقابية بطبرقة وتوزر وجرجيس والقيروان بتعلة تحقيق التوازن الجهوي نقابيا في حين أن هدا التوازن لا يمكن تحقيقه في ظل الهيمنة الحالية على المركزية النقابية التي تخطط لعقد المؤتمر الوطني القادم سنة 2007 خارج تونس العاصمة ، وترفض  توزيع المقاعد في المكتب التنفيدي بالتساوي بين الجهات واعتماد سنة التداول على المسؤولية دون احتكار أو حصرأو توريث.
وعلى هدا الأساس، فان عملية التصحيح النقابي الفعلي أصبحت ضرورية و متأكدة وذلك عبرإعادة بناء الحركة النقابية التونسية على أسس ديموقراطية و بأشكال عصرية وبمشاركة الجميع بدون اقصاء أو تهميش لان الاحتكار النقابي يقود حتما لفتح الباب لخيارات نقابية أخرى فضلا على أن التعددية أصبحت مظهرا من مظاهر التطور والتقدم والديموقراطية متى كانت حرة وممثلة ومستقلة ناهيك أن الانتماء الحر للتنظيم النقابي هو حق مشروع ومقدس ومضمون في الدساتير والمواثيق الدولية والوطنية وهو من مقومات حقوق الانسان.
إنها عملية إعادة بناء تاريخية ومستقبلية تتم فيها مراجعة طرق العمل وإعادة النظر في المفاهيم في ظل التحولات الجارية وتحديات العولمة وثوابت الحركة النقابية القائمة على الدفاع على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال وعلى الدفاع عن حقهم في الانتماء والتنظيم النقابي الحر بدون وصاية من أي كان.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار واقع التقصيروتهميش القضايا الاستراتيجية وإقصاء المناضلين الصادقين وتهميش الشباب والنساء والإطارات من قبل قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل إضافة إلى أن نسبة المنخرطين فيه من الأجراء لا تتجاوز  في أقصى الحالات 10 في المائة من العدد الجملي للأجراء، فإن بروز منظمة نقابية جديدة إلى جانب الاتحاد على أساس الانتماء الحر هو أمر مفيد للحركة النقابية ومكمل لها وداعما للحياة الديموقراطية والحراك الاجتماعي وهو حافز للتنافس النزيه لخدمة مصالح العمال على قاعدة وحدة العمل .
ان الاحتفال بعيد الشغل لستة 2006 يمثل مناسبة هامة لكل النقابيين الأصيلين والأحرار والصادقين أينما كانوا داخل الاتحاد وخارجه لتقييم ما آل اليه الوضع في الاتحاد العام التونسي للشغل والتنسيق فيما بينهم لانقاد المنظمة الشغيلة باصلاحها من الداخل ووضعها ضمن مدار الحركة النقابية الديموقراطية في العالم باقرار التعددية كبعث منظمة منافسة لها تطويرا للحركة النقابية التونسية بعيدا عن الاحتكار والجمود والانغلاق والجهوية  والفئوية خدمة للعمال والبلاد.
عاشت الطبقة الشغيلة مناضلة  وعاشت تونس حرة مستقلة تونس في 29 أفريل 2006  

بسم الله الرحمن الرحيم

دفاعا عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

 

   – غايات وأهداف تأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان:
إستنادا إلى ما جاء بالفصل الثاني من الباب الأول من القانون الأساسي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فإن، « الجمعية تهدف إلى الدفاع وإلى المحافظة على الحريات الأساسية الفردية والعامة للإنسان المنصوص عليها بالدستور التونسي وقوانين البلاد وبالتصريح العالمي لحقوق الإنسان ». وقد جاءت غايات المؤسسين لها واضحة في النظام الداخلي المصادق عليه من طرف المؤتمر الوطني الثاني الذي التأمت أشغاله بنزل أميلكار يومي 23 و 24 مارس سنة 1985 بتونس كالآتي: « الرابطة تقاوم في كل الظروف التعسف والعنف والتعصب وعدم التسامح وكل أشكال الميز مهما كان مصدرها ». »الرابطة تدافع عن الحقوق ولا تخدم المصالح الخاصة أبدا وتدافع تطوعا عن ضحايا الظلم أفردا كانوا أو جماعات ». »الرابطة تدافع عن الحريات الديمقراطية والعدالة الإجتماعية وتسعى لتحقيق الوسائل التي تضمن سلما عادلة ودائمة بين الأمم ». وإذا كانت الغايات والأهداف بهذا النبل وبهذا الوضوح والشمول، فهل كان التعامل معها وفق ما جاءت عليه من نبل ووضوح وشمول احتراما لمبادئها ولما جاء بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان بقطع النظر عن اختلاف  وجهات نظر بعض الجهات والأطراف في بعض المواد الواردة فيه، واحتراما للإنسان من حيث هو إنسان بقطع النظر عن جنسه أو لونه أو لغته أو دينه ومعتقده أو انتمائه الثقافي والفكري أو السياسي، واحتراما لنظامها الداخلي وقانونها الأساسي ؟
 – الصعوبات التي مرت بها:  
                                                                         لقد مرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان منذ انبعاثها بعدة صعوبات وكان من أهمها:       
                 ـ الصعوبة الأولى: صعوبة الميلاد:
 فقد ولدت ولادة قيصرية في وضع سياسي اكتملت فيه الخارطة السياسية والثقافية بالبلاد بنشأة الحركة الإسلامية المعاصرة ،والتحاقها بساحات المعترك السياسي والإجتماعي والثقافي والحقوقي والإنساني، بعد أن كانت ولمدى عقود من الزمن حكرا على الحركة العلمانية اللائكية بمختلف تجلياتها ومرجعياتها وتنظيماتها ومذاهبها، تمكن لثقافة التغريب وتعمق الإنقسام الثقافي والإجتماعي والسياسي بالبلاد، وتعمل على إنهاء وهدم ثقافة التعريب وإضعاف الثقافة الأصيلة وتهميش هوية الشعب باتجاه العمل حثيثا على انتزاعه منها وانتزاعها منه  وفرض هوية أخرى عليه ليس له أي علاقة في الأصل بها ،في ما يمكن اعتباره بمثابة اغتصاب النخبة المتغربة في الحركة العلمانية اللائكية الهجينة المنبتة له، في ظل نظام علماني إستبدادي قمعي إستئصالي، كان شأنه في ذلك شأن كل مكونات الحركة العلمانية من اشتراكيين وشيوعيين وقوميين. هذه المكونات التي لم تكن الواحدة منها أفضل من الأخرى في مجال الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، في غياب تام لحركة ليبرالية وديمقراطية حقيقة، إذا ما استثنينا الحركة الإسلامية التي مازالت جل إن لم يكن كل مكونات الحركة العلمانية تنظر إليها على أنها خارج التاريخ كما يحلو لبعض المتفيقهين أن يعبر عن ذلك.وقد ازدادت الأمور والأوضاع والعلاقات تعقيدا بالتحاق الحركة الإسلامية، التي كان بحكم طبيعتها يمكن أن لا تكون مختلفة في تعاملها مع الحركة العلمانية المختلفة مكوناتها هي نفسها ،في تعاملها بعضها مع بعض، فضلا عن تعاملها مع الحركة الإسلامية، والتي كان تعاطيها مع الواقع السياسي والثقافي والإجتماعي مختلفا مع تعاطي مكونات هذه الحركة نفسها مع ذلك الواقع، وقد كانت أكثر استعداد للقبول بالثقافة الديمقراطية والقول بها، مما جعلها أكثر استهدافا من قبل الحركة العلمانية سواء من أطرافها داخل السلطة أو تلك الآخذة مواقعها خارجها ،وهي التي كانت تريدها متخلفة غير ناضجة وغير راشدة وعلى النحو الذي عليه الوهم العلماني في فهم الدين عموما وفي فهم الإسلام خصوصا، وعلى النحو الذي عليه وهم الحركة العلمانية الهجينة المتغربة العبثية في فهم الحركة الإسلامية بحكم طبيعتها ومرجعيتها الدينية، وفي تحديد العلاقة بها.وانطلاقا كذلك من فهم بعض التيارات والفصائل الإسلامية من الحركة الإسلامية للإسلام وللديمقراطية ولحقوق الإنسان وغيرها من القضايا والمستجدات التي لم يكن للسلف في رأي ولا مقال.
لقد أدركت مجموعة من مثقفي الحركة العلمانية ضرورة بعث الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لاعتبارين اثنين على الأقل:
1- لولع النخبة العلمانية العبثية الدخيلة الإمتداد غير الطبيعي في أوطان أمة العرب والمسلمين للحركة العلمانية الغربية ،ذات الطبيعة الإستعمارية العنصرية ،بالأخذ من الغرب كل ما تستطيع أخذه منه، مما يصلح لها ولمجتمعاتها وشعوبها وما لا يصلح لها ولا لمجتمعاتها وشعوبها ،مما أوجدته حركة المجتمع الغربي فيه، مما يصلح له وما ليس بالضرورة أن يصلح لمجتمعاتنا ،مما لم توجده حركة مجتمعاتنا تطورا ،ومما تم إسقاطه عليها قيل تطويرا.
2- ثم لما أصبحت تقتضيه الضرورة لحماية حقوق الإنسان والدفاع عنها ،في ظل الإنقسام الثقافي والسياسي والإجتماعي والطائفي الذي أوجدته الحركة العلمانية نفسها في المجتمع .وهي التي أصبحت القامعة له من خلال السلطة والنظام السياسي العلماني الإستبدادي، الوريث غير الشرعي للحركة الإستعمارية الغربية للحكم في بلادنا كما في سائر أوطان الشعوب التي عرفت الإستعمار، والمدافعة عنها من خلال المعارضة ومن مواقع الإستقلالية. وبمهارة وحرفية عالية استطاعت هذه المجموعة أن تؤسس جمعية حقوقية هي الأولى في إفريقيا وفي العالم العربي وربما في العالم الإسلامي لما كانت تتصف به عناصر هذه المجموعة على طبيعتها العلمانية المشار إليها من اعتدال ،ولما كان عليه الكثير  منها من مكانة اجتماعية وعلمية ومهنية، ولما كانت عليه كذلك من قرب من السلطة وبجهات وأطراف فيها، وبما كانت تخشاه من حرمانها من السند والتفويض القانوني اللازم. هذه العوامل كلها وغيرها من العوامل قد سهلت عليها بعث هذه الجمعية الرائدة في الوقت المناسب. ولم تمر بصعوبة مرحلة التأسيس ولم تتجاوزها إلا بالقبول بشرط النظام بأن يكون طرقا فيها ،ويكون مناضلو الحزب الاشتراكي الدستوري، وهو الحزب الوحيد بالبلاد الذي كان بورقيبة يحكمها من خلاله و به ممثلين في الهيئة التأسيسية التي « جمعت 15 عضوا مستقلا و7 من   الدستوريين ».1
« لقد تأسست الرابطة في ظروف صعبة سنة 1976، وتحصلت على التأشيرة القانونية يوم 7 ماي 1977، وقد مضي على هذا التاريخ ثماني سنوات من النشاط والعمل في ظروف اتسمت أحيانا بصعوبات جمة، وكان على الهيئة المديرة ومناضلي الرابطة خلال تلك السنوات الماضية بذل كل الجهود من أجل تأكيد شرعيتها وفرض مصداقيتها وتوسيع نشاطها ونشر إشعاعها وإزالة العراقيل من أمامها، حيث ركزنا على سن تقاليد جديدة في الحياة الوطنية تعتمد على إشاعة قيم التسامح والتعايش والحوار الديمقراطي والقبول بالتعددية الفكرية، لأن ذلك يعني الحرية والديمقراطية، وفي إطارهما يكون للتعددية الحقة خدمة كبرى للوطن والإنسان »2 .
لقد ظلت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تزاول نشاطها منذ سنة 1977 حتى 14 مارس 1982 موعد عقد أول مؤتمر لها تحت إشراف الهيئة المديرة التأسيسية التي كان النظام ممثلا فيها بـ7 أعضاء.وبما أن تأسيسها كان في جانب كبير منه بمبادرة من عناصر من حركة الإشتراكيين الديمقراطيين الذين كانوا يسعون إلي تعددية حزبية، ويدعون إلى إصلاحات سياسية باتجاه حياة ديمقراطية تجعل حدا لهيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية بالبلاد ،فان جل عناصرها الآخرين كانوا منها. وهي التي التحق بها الكثير من العناصر مختلفة الحساسيات والمنازع الفكرية والثقافية والسياسية ،وخاصة من العناصر اليسارية الماركسية وهي الباحثة لنفسها عن إطار قانوني أو شبه قانوني تزاول من خلاله مناشطها السياسية والفكرية والثقافية بعد حفاظ بورقيبة على موقفه القاضي بعدم القبول بالوجود بهم معه، وبعدم السماح لهم بالنشاط السياسي في إطار سياسي خاص بهم، بعد قراره حل الحزب الشيوعي التونسي سنة 1962، والإستمرار في مطاردتهم وملاحقتهم واضطهادهم. فمن خلال هذا الوجود في حركة الإشتراكيين الديمقراطيين التي كانت العناصر المؤسسة لها والممثلة ربما لأكبر ثقل فيها من مناضلي الحزب الدستوري الاشتراكي الحاكم، والذين لم يعد
مرغوبا في الحفاظ على عضويتهم فيه ولم يعودوا يرغبون في مزاولة نشاطهم السياسي من خلاله ومن خلال مواقعهم في السلطة، كان اليسار الماركسي يسجل من خلال بعض عناصره حضورا غير مباشر في   1ـ من كلمة رئيس الرابطة الأستاذ : سعد الدين الزمرلي في المؤتمر الثاني الذي انعقد بنزل أميلكار يومي 23/24 مارس 1985 
2 ـ كتيب : الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المؤتمر الوطني الثاني تونس أميلكار 23- 24 مارس  1985              الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والإعلامية والحقوقية والإنسانية…      
 لقد كان اليسار الماركسي في ذلك الوقت وفي ظل الملاحقة المستمرة لمناضليه يبحث عن أي ملاذ لعناصره، أو تبحث الكثير من عناصره على ملاذ لنفسها تستطيع من خلاله أن تمارس قناعاتها وأن تسمع صوتها وأن تعبر عن رأيها وأن يكون لها من خلاله ظهور ووجود علني تسللا أو التحاقا. فكان الماركسيون زيادة على تسلل البعض منهم في أوقات مختلفة للسلطة ومن خلال الحزب الاشتراكي الدستوري نفسه يشددون الضغط على النظام من خلال النقابات والجمعيات والنوادي المختلفة الوظائف والمناشط ، ومن خلال الجامعة والمعاهد الثانوية ،خاصة في ظل افتعالهم لأزمة التمثيل النقابي  بالجامعة بعد مؤتمر قربة للإتحاد العام لطلبة تونس سنة 1971. وكانت حركة الإشتراكيين الديمقراطيين بعد ذلك ملاذا مناسبا لهم. وهي التي سهل عليهم من خلالها الإلتحاق سريعا وبثقل محترم بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان منذ المؤتمر الوطني الأول لها، والذي التأمت أشغاله بدار المهندسين بتونس في 14 فيفري 1982. وهم الذين كانوا ينظرون إلى هذه الحركة التي اتخذ منها البعض منهم ملاذا آمنا على أنها حركة بورجوازية لا تحفى علاقاتها المشبوهة بالإمبريالية الأمريكية ،خاصة و أن  زعيمها أحمد المستيري كان مع بداية تأسيس الحركة قد انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وألقى سلسلة من المحاضرات حول الديمقراطية بجامعاتها، وهو الذي كان ينظر إليه اليسار الماركسي على أنه كان طرفا في قمعهم عندما كان يتقلد مناصب وزارية مختلفة في نظام بورقيبة الذي يعتبرونه نظاما عميلا. وهو الذي ورثوا تركته تلك مع من تبقى من بقايا اليمين الدستوري واليسار العربي في التجمع الدستوري الديمقراطي وفي نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب. وهم الأكثر دفاعا اليوم عن كل ما تركه وحققه على أنه من المكاسب التي يجب الإستماتة في الدفاع عنها والمحافظة عليها. واشتدت مطالبة الحركة بالتعددية السياسية ودعت الحزب الحاكم إلى الإنفتاح عن الآخر المخالف والقبول به من أجل حياة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية وحقوقية وإنسانية أفضل. 
 ومن خلال الموقف الأصولي للتيار الماركسي من حركة الاشتراكيين الديمقراطيين ومن النشاط الإنساني والحقوقي عموما ،ومن كل الحقوق المدنية والرافض للديمقراطية وللحرية في ظل وجود الدولة، والرافض كذلك  ومن منطلق مبدئي مرجعي لحقوق الإنسان وللإعلان العالمي له، ومن خلال رفض النظام لعناصره ومناضليه وتوجسه من وجودهم في أي جمعية وأي إطار سياسي وثقافي واجتماعي وعدم اطمئنانه لهم، والذي ليس ممكنا له إدراك ذلك إلا من خلال رموزه المعروفة، لم يكن بالهيئة المديرة التأسيسية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أي من تلك الوجوه والرموز إلا أن تكون عناصر مغمورة وليست معلومة لأي جهة ولأي كان وللنظام خصوصا ،إلا ما كان من المتسللين منهم وفي مواقع مختلفة من السلطة بانتمائها الماركسي اللينيني.
 وما أن أعلن عن تأسيس الرابطة واستمر نشاطها من سنة 1977 حتى سنة 1982 بهيئة تأسيسية مكونة من عناصر معلومة بانتمائها لحركة الاشتراكيين الديمقراطيين ومن مستقلين ومن 7 عناصر من الدستوريين ومن عنصر واحد كان ولا شك أن الكل يعلم انتمائه لأحد مكونات اليسار القومي العربي وهو الميداني بن صالح، حتى أسرع اليسار الماركسي ليرم بكل ثقله بهياكل الجمعية بتكثيف منخر طيه في الفروع .والتحق بها بعض من كان مؤمنا بحقوق الإنسان أو بمن كان له مصلحة في الإنخراط في العمل الإنساني والحقوقي من القوميين. والتحق بها الإسلاميون من خلال الإيمان بحقوق الإنسان وبالإصلاح من خلال مثل هذه الهياكل والأطر والمواقع، مما جعل من الرابطة إطارا جامعا مقابل نظام قامع، ليكون لهم أكبر الثقل في الهيئة المديرة المنتخبة من طرف المؤتمر الوطني الأول سنة 1982 وهم الأقل إيمانا بحقوق الإنسان، والأكثر كفرا بها، وليكون المؤتمر الأول بداية تأجج الصراع من أجل الوجود والإستقلالية والإفتكاك،خاصة بين التيار الماركسي والدستوريين، ونهاية المرحلة الإنتقالية التي كانت أقرب إلى الإستقلالية منها للإحتواء والإفتكاك والإقصاء. وإذا كان المبادرون بتأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من المستقلين ومن الديمقراطيين أو على الأقل من أصحاب أو أنصار الفكر الليبرالي والثقافة الليبرالية، فإن المقحمين في الهيئة التأسيسية من الدستوريين ليس لوجودهم فيها من معني سوى حضور النظام في هذه الجمعية وهو الملتف على كل الأوضاع بالبلاد، ولا يريد إلا أن يظل محتويا على كل المؤسسات والمنظمات والجمعيات ومهيمنا عليها، وليس أقل من أن يكون له فيها وجود وحضور. وإذا كان هؤلاء المقحمين في هذه المنظمة الحقوقية التي ينبغي أن تكون مستقلة عن السلطة، ولا نفوذ ولا سلطان ولا هيمنة لأي جهة معينة عليها سوى مختلف عناصر المجتمع المدني ومكوناته المختلفة ،لصفتها المدنية الحقوقية والإنسانية، ولحيادها واستقلالية تأسيسها، يكتفون أحيانا بمجرد الحضور والتمثيل ولو في حده الأدنى، حين لا تكون هناك إمكانية للإشراف المباشر والإحتواء والهيمنة الكاملة ، فإن الملتحقين بها من عناصر اليسار الماركسي أشد  خطرا ،لأنهم زيادة على ما يتفقون عليه ويلتقون فيه مع العناصر الدستورية من عدم إيمان بحقوق الإنسان وكفر بها وانتهاك لها، وهم المؤممون وجوههم المعسكر الشرقي – الذي لم يعرف في كل تاريخه الذي كان قصيرا جدا بعث منظمة حقوقية واحدة ،حيث كان الإنسان في ظل الأنظمة الاشتراكية والشيوعية في أمس الحاجة إليها أكثر منه في ظل أي نظام عرفه التاريخ ،باعتبارها كانت الأنظمة الأكثر دموية و والأكثر إيمانا بالعنف، والأكثر اضطهادا للإنسان، والأكثر انتهاكا لحقوقه المختلفة على الإطلاق، هذا المعسكر الذي لم تبد أي دولة فيه ولو مجرد التحفظ ولو على بعض البنود والمواد في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان على الأقل إبان عرضه للتصويت عليه في منظمة الأمم المتحدة سنة 1948 ليأخذ بعده العالمي وصبغته القانونية العالمية مثلما تحتفظت الكثير من الدول على الكثير من البنود والمواد الواردة فيه، بل كان هناك إجماع من قبل كل دول المعسكر والأنظمة التابعة له والملحقة به في مختلف أنحاء العالم على رفض المصادقة عليه جملة وتفصيلا- لا يرضيهم مجرد الحضور، ولا يقبلون بالتمثيل بقدر ما يتيحه لهم حجمهم، ولكن لا يعدمون أي وسيلة للاحتواء والإفتكاك والهيمنة الكاملة على الإطار الذي يعملون على تحويل صفرته إلى حمرة والذي هو مجال تنافس مختلف الفئات والأطراف السياسية والثقافية والحقوقية وغيرها من أجل الصالح العام، ليحولوه إلى صالح خاص فردي أو فئوي أو حزبي، ليصوغوا من خلاله صالحا عاما على مقاسهم وعلى شاكلتهم وعلى طريقتهم وعلى أساس من ثقافتهم لتغيير طبيعة المجتمع هدما لبناه التقليدية وثوابته ومقومات شخصيته باتجاه نقله من مجتمع إسلامي أصيل  إلى مجتمع علماني هجين. بهذه العقلية وبهذه الخلفية وبهذه الثقافة، تحولت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى ساحة تنافس بين مختلف مكونات المجتمع المدني والسياسي والثقافي والحقوقي والإنساني ،وإلى ساحة صراع بينها وبين السلطة وخاصة بين طائفة اليسار الماركسي وغرمائهم من عناصر حزب الدستور المدعومين من النظام الذي هو كذلك نظامهم في النهاية، وقد أثبتت الأيام ذلك، لما كان بين الطائفتين من قواسم مشتركة ،مع إيمان بالعنف سبيلا وحيدا لمعالجة قضايا الخلاف السياسي والخلاف في الرأي، ومن ثقافة الإقصاء والتهميش للآخر المخالف، ومن عقلية الإحتواء والإفتكاك والإستئثار بالمواقع من خلالها وبالمواقف.
وبعيدا عن الهيئة التأسيسية، فقد بدأ وجود وحضور الدستوريون في التقلص منذ المؤتمر الأول، وبدأ وجود وحضور عناصر اليسار الماركسي في الإزدياد شيئا فشيئا في مختلف هياكل المنظمة. وإذا كان الصراع أقل حدة بعد المؤتمر الأول فقد بلغ أوجه بعد المؤتمر الوطني الثاني الذي جاء بأغلبية ساحقة لليسار الماركسي المدعوم باليسار القومي العربي غير المؤمن هو الآخر بالعمل الحقوقي وحقوق الإنسان في الهيئة المديرة المنبثقة عن المؤتمر، حيث كان الوجود اليساري ساحقا مقابل إنهاء أو شبه إنهاء للوجود الدستوري. وتحولت الرابطة إلى مسرح للصراع بين هؤلاء المدعومين بمختلف مكونات المجتمع المدني وهم من غير المؤمنين به من الناحية المبدئية، والذين انقلبوا عليه في أول فرصة أتيحت لهم  لممارسة السلطة بمجرد وجود موطئ قدم لهم فيها ،وبين أولئك المدعومين بالنظام الذين يريدون كذلك أن تكون لهم الهيمنة دائما على كل شيء في البلاد من خلاله. وبالنظر إلى الثقل الكبير الذي أصبح للتيار الماركسي في الهيئة المديرة المنبثقة عن المؤتمر الثاني سنة 1985، وبالنظر لعلاقة التنابذ التي كانت سائدة بين مختلف مكونات المجتمع المدني والسلطة في تلك المرحلة الصعبة من تاريخ البلاد، وبالنظر لما أصبح يمثله ذلك الثقل من استفزاز للنظام ولعناصره الدستورية ،واستنادا للعلاقة المتوترة أصلا دائما بين الحزب الاشتراكي الدستوري كأحد مكونات الحركة العلمانية، وبين باقي مكوناتها من مختلف التنظيمات اليسارية القومية منها والماركسية ،والتي ظلت مرفوضة ومحرومة من المشاركة في الحياة السياسية والثقافية والإجتماعية والإعلامية في إطار القانون بسبب استمرار رفض حزب بورقيبة لها رغم قبولها به، وبالرجوع إلى ما كان يجمع بين كل مكونات هذه الحركة من ثقافة إقصاء وتهميش بعضها لبعض وللآخر المخالف لها جميعا، ونظرا لسيطرة اليسار الماركسي على الرابطة وإقصاء العناصر الدستورية منها تحقيقا لاستقلاليتها عن السلطة وإخضاعها لهيمنته عليها كانت:
-الصعوبة الثانية: وهي صعوبة الضرار: (يتبع)                                                                                بقلم:علي شرطاني                                                                                      قفصة _ تونس
 
 


افتتاحية الوسط التونسية في أسبوعها الثالث  

إذا أخطأنا فقوّمونا..

الطاهر العبيدي  / من أسرة تحرير الوسط التونسية      
                       taharlabidi@free.fr   ككلّ عمل بشري يشوبه الخطأ والنقصان، ككل اجتهاد بشري هو قابل للنسبية والصواب،
وككل عمل إنساني يحتاج للصدور الرحبة والنوايا الحسنة، والجهد والمزيد من التدقيق والتمحيص، للارتقاء إلى الفعل الحضاري والإنجاز التاريخي، ذلك لأن ادعاء ملك اليقين، وملك الحقيقة، هو ادعاء باطل ضد الطبيعة الإنسانية، ضد صيرورة الزمن، وضد الطبيعة البشرية التي تعتريها حالات الضعف والنسيان والسهو والميولات..
تلك هي بإيجاز قناعة قافلة منبر الوسط التونسية، التي انطلقت من مبدأ محاولة بناء مركبة للعبور إلى الكلمة الناضجة والرأي الحر، ومحاورة الاختلاف السياسي والإيديولوجي والفكري والثقافي، دون إقصاء دون اختزال ودون تهميش، بعيدا عن كل تمظهرات التنطع والغلو والأحادية والعشوائية والارتجال، معتمدة على الإيمان العميق والمركزي بروح العمل الجماعي، لبناء مؤسسة إعلامية تؤمن بقيمة الفرد، وتتمنطق على أسس ودعائم العمل الجماعي، الذي يساهم في إرساء الفعل المؤسساتي، وترسيخ مبادئ التشاور والتحاور والمشاركة الفعلية في القيادة الجماعية، والاحتكام إلى عقد قيمي وإعلامي وأخلاقي، يحدّد تضاريس المؤسسة التي تظل قائمة حتى بعد زوال الأفراد، لتكون مكسبا مشرفا تتوارثه الأجيال، ليكون العمل الجماعي عنوان القافلة للمرور والعبور، إلى الاهتمام بقضايا الأمة في الداخل والخارج..
قد يتساءل البعض، من يكون هؤلاء  » الكوكتال » ربان سفينة منبر الوسط التونسية؟ هل هم حزبا، أم منظمة أم جمعية أو تيارا؟ والجواب ببساطة أن سائقي هذه المركبة، هم مجموعة من المستقلين الفاعلين في الحقل الإعلامي والحقوقي، نشترك في جملة من المبادئ، أهمها الإيمان بقيم الإنسان في الحرية والتعبير والمعرفة والكرامة، اجتمعنا على الإيمان بالوفاء للأوطان، ومقارعة الحجة بالحجة والبقاء للأصلح، والإيمان بالرسالة الإعلامية الصادقة، التي تساهم في تنضيج الوعي الإنساني، وترتقي بالفرد والمجموعة إلى مستوى المعرفة والتمييز، نحاول من موقعنا استجلاء الحقائق، معتمدين على قوله صلع « الساكت عن الحق شيطان أخرس »، تجمع بيننا هواجس الكلمة التي أصلها في الأرض وفرعها في السماء ماله من قرار، تجمع بيننا هموم المعرفة المستمّرة، ومحاولة الاطلاع على مكامن عطب العقول والأذهان، ونجتمع على مبادئ النهوض والاستنهاض والبحث المستمر، في تأسيس أعلام يزاوج بين العقل والذوق والإبداع..
ولئن كانت المجموعة متنوعة في تشكيلتها، فهذا يعني أن هذا الكوكتال، يعطي إثراء وتنوعا، وطعما مختلفا عن اللون الواحد..
فكما كان التأني في تأسيسنا لهذا المنبر، فقناعتنا أيضا راسخة عند التنزيل والمرور  بهدوء وتواضع وبلا ضوضاء، حتى تثمر جهود المؤسسين ليومية الوسط التونسية، الذين التقوا على مبدأ الوضوح، والجرأة والمهنية والوسطية، وعدم تبييض الاستبداد، والتنوير وبذر الخبر اليقين، واعتماد الرأي المتين، والابتعاد عن النرجسية والذاتية المتوحّشة، التي تصنع الأصنام، وتخرّب العقول، وتبني فكرا من الأحجار والصخور..
من هنا فمن المبكر جدّا أن نردّ على كل تلك الرسائل الحميمية المتهاطلة علينا، ولا على تلك المكالمات الغزيرة المثمّنة للمنبر، ذلك لأننا لا زلنا في بداية الطريق، ولا زال المشوار طويلا كطول سنوات السبات..
وقد يكون رقم 16 ألف زائر لموقعنا في غضون العشرة أيام الأولى للانطلاق يثلج الصدور، ولكنه لا يعني أن كل هؤلاء قرّاء، فمنهم الفضوليين، ومنهم المتجولون، ومنهم المتناثرون، ومنهم المؤسسين الذين يدخلون ويخرجون ومنهم المعاكسون… باختصار هذا الرقم وإن كان مشجّعا إلى حد ما، فهو لا يعني مؤشر نجاح، أمام أنهار من البشر الذين يسبحون بالملايين في الثانية، عبر مختلف المنابر الإلكترونية  المبثوثة بمئات الآلاف على الشاشات، كأفواج الطيور السابحة في الفضاء الرحب، لهذا فالمسؤولية كبيرة، والحمل شاق وثقيل، نتعاون فيه أسرة وقرّاء، فالوسط التونسية تسعى أن تكون منبرا للجميع، فهي ليست ملكا لنا، هي مساحات مفتوحة على المهجر والأوطان، وفضاءات رحبة للقضايا الدولية والعالمية، ونوافذ لاستنشاق الحرية، وبناء عقل إعلامي واع بقضايا عصره ومحيطه، متناغما مع روح العصر، بعيدا عن الغلوّ والتنطع والارتجالية والعشوائية والمربعات الضيقة،
فإن « تفرعنا » فانتقدونا، وإن نسينا فاعذرونا، وإن سهونا فذكرونا، وإن ملنا عن الوسطية فنبّهونا، وإن غفلنا فأيقظونا، وإن أخطأنا فقّوّمونا، وإن وفقنا فلا تشكرونا…   ذلك لأننا ما كنّا لنكون، لو لم تكونوا  أنتم معنا مواطنون، قرّاء، متابعون، مثقفون، باحثون، ومهتمون…   المصدر الوسط التونسية www.tunisalwasat.com
 

 

الوسط التونسية :معالم على الطريق

 

مرسل الكسيبي-  الوسط التونسية  

وضعت الوسط التونسية المشهد الاعلامي التونسي أمام حركة تنافسية غير عادية,فبين من أقفل الأبواب أمام جمهورها في تونس خوفا من نهجها التحريري الذي عانق مشكلات الوطن والمواطن,فكان أن أغلق بوابتها على الواب مستعملا ذراعه البوليسية « الحداثوية » من أجل اخماد صوتها عبر السنسرة الرخيصة يوم التاسع عشر من شهر أبريل الجاري,وبين من تمادى في منطقه الحزبوي الضيق حيث قصر توزيع التهاني والورود على مواقع دون أخرى سالبا الوسط التونسية شهادة حق أقر بها كل المتصفحين لموقعها بعد سويعات قليلة من تدشين بوابتها على الشبكة العنكبوتية,وصولا الى نهج تعمده اخرون هدف الى ضرب الحصار الاعلامي على انطلاق سفينتها فكان أن حلى له النقل عنها دون الاشارة لها من قريب أو من بعيد. وعلى العموم واذا كان للوسط مثل هذا الشرف في احداث هذا الارتباك لدى السلطة بالاسراع الى حجب منبرها في تونس,واذا كان للوسط جمهور وفي كبير فاجأ أصحاب المشهد الاعلامي الاليكتروني حيث بلغ عدد متصفحيها بفضل الله مايناهز الثلاثين ألف زائر في ظرف زمني لم يتعد العشرين يوما,فاننا في الوسط ليس لنا من ذنب عند تنادينا لخدمة الأوطان في أبهى حلة وأصدق كلمة وأسرع اخبار ,ولعلنا نؤكد مرة أخرى على جوهر رسالتنا وهو النهوض بالرأي العام الوطني والعربي والمساهمة في الارتفاع بمعدلات القراءة واليقظة لدى الجمهور بعيدا عن عقليات الهيمنة والسيطرة على الفضاء العام. الوسط بلا شك شمعة أردنا أن نضيء بها ليل تونس بدل أن نشغل النفس بلعنة الظلام,وهي مشعل أوقدناه بمهج مرهقة وأنفس شفافة أرادت أن تؤكد على أن العمل الوطني لايمكن أن تحتكره الأحزاب والجمعيات أو كثرة الأموال. لقد دفعنا للوسط من جيوبنا ورغيف أبنائنا ونحن ندرك مايشق الفضاء من دعم مالي حزبي واخر ذي طابع سياسي,ولقد أعطيناها من مهج وأكباد أوقاتنا بمعدل لم يقل عن 12 ساعة بحث وخدمة تقنية على مدار اليوم ,وهو مالايدركه البعض عند تلذذ قراءة الخبر وامتاع العين بتناسق الصورة مع جمالية الاخراج وتوزيع الفضاءات. وصلتنا رسائل شكر كثيرة أكدت على مهنية وحرفية صحيفتنا الاليكترونية,وكان بعضها للأمانة من أساتذة جامعات متخصصين في شؤون الاعلام وكتاب واعلاميين لامعين,شهائد ومراسلات نفخر ونعتز بها,ونسأل الله تعالى أن يلهمنا الوفاء بحقها في ظل ثقل الأمانة وكثرة المسؤوليات. على العموم لابد أن نحفظ الود ونجدد الشكر لكل من نقل عن الوسط بمنتهى الأمانة ومنتهى روح الود والتعاون والوفاء والاخلاص ونؤكد مرة أخرى على أن الوسط حريصة على التمايز وليست ساعي بريد يقوم بنشر المقالات لتكون مكررة على كل المواقع التونسية والفضاءات الاليكترونية,وهو مايدفعنا الى التذكير في نهاية المصافحة بقواعد النشر : 1- الجدة في الطرح والرؤية. 2- عدم ارسال المقالات الى مواقع أخرى في نفس الوقت,وهو مايجعل رئاسة التحرير تحتفظ بحقها في سحب المقالات بمجرد اكتشاف تكرر المقال على أكثر من موقع. 3- سلامة المقالات من كثرة اللحن اللغوي والأخطاء في الرسم. 4- من حق الكتاب النشر على مواقع أخرى ولكن بفارق زمني معتبر ولكن بعد الاشارة الى المصدر ان كان المقال نشر سلفا على صحيفة الوسط التونسية. 5- التزام الموضوعية في الطرح وتجنب الحسابات الشخصية والتهجم الرخيص على الأفراد والذوات والهيئات. 6- كفالة حق الرد لأصحاب الرأي المخالف.  وفي الأخير تذكر الوسط برسالتها الأخوية الشريفة في التعامل مع شقيقاتها التونسية والعربية ,اذ أن الأصل في علاقتنا بالاخرين ليس الصراع والحجب والتعتيم بقدر ماهو التعاون والتكامل والبناء. وقبل أن نستودعكم على أمل اللقاء بكم ثانية بمشيئة الله ,هانحن نجدد لقرائنا وأحبائنا كل المودة والشكر والتقدير مذكرين اياهم جميعا بأنه يمكنهم مراسلتنا على العنوان الاتي: info@tunisalwasat.com    مرسل الكسيبي reporteur2005@yahoo.de عن أسرة تحرير الوسط التونسية في 29-04-2006

 

 
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على اشرف المرسلين  
                                              تونس في 26 / 04 / 2006   بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري 

تعقيبا على شهادة الأخ المناضل حسين التريكي في منتدى التميمي

  للمرة الثالثة تقوم مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات باستدعاء المناضل حسين التريكي للإدلاء بشهادته التاريخية وبعد التعقيب الأول الذي نشرته مؤخرا بموقع تونس نيوز أرى ضرورة الرد من جديد على بعض الملاحظات التي قدمها شيخنا التريكي الذي بلغ 93 سنة من العمر وقبل هذه السن بعشرة أعوام أي في سن 84 عاما وقع إنهاء مهام الرئيس بورقيبة سنة 1987 بحجة الكبر والشيخوخة والمرض فكيف نعتمد اليوم شهادة ممن بلغ من الكبر عتيا و بالطبع فان الذاكرة تضعف في هذه المرحلة من العمر… لكن مؤسسة التميمي أصرت على دعوته 3 مرات لغاية في نفس يعقوب …لان من خصائص هذه المؤسسة الجديدة للبحث والتاريخ هو دعوة كل من هب ودب من الذين اختلفوا مع بورقيبة سواء عام 1938 او 1943 او 1949 او خلال « ألفتنة الكبرى » عام 1955 ، المهم هو دعوة كل من له خلاف مع بورقيبة و التقليل من شان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مع الحرص المتعمّد والمقصود للإساءة و الإساءة فقط . أما الايجابي فهو مجهول ومتروك والصمت والتشويه هو الغاية و الوسيلة …من كل هذا . لما  يفعلون ذلك …؟ لان الزعيم بورقيبة أقلقهم حيا بجرأته وشجاعته و اندفاعه وصدقه و حماسه وفكره النير و إقدامه على السجون و المنافي و الإبعاد بصبر و تجلد و عدم رضوخ للاستعمار الفرنسي. و تعرضت في عدد من المقالات السابقة عن المحن التي تعرض لها الزعيم الراحل من المحنة الاولى سنة 1934 الى 1936 ببرج البوف و المحنة الثانية 1938 الى 1944 بتبرسق وايطاليا وجالطة و غيرها و المحنة الثالثة 1952 الى 1955 في سجون فرنسا والمحنة الرابعة الهجرة للمشرق من عام 1945 بقرار من الديوان السياسي للحزب انذلك الى عام 1949 والمحنة الخامسة ما بعد 1955 . قال تعالى « إن ينصركم الله فلا غالب لكم » : صدق الله العظيم . قلت أقلقهم لأنه نجح في كل الامتحانات العسيرة نجاحا منقطع النظير رغم كل المحاولات من الاستعمار الفرنسي ومن إخوانه وبعضهم بالخصوص غيرة وحسدا . والعجيب و العجب أن بعضهم يعلم علم اليقين أن الزعامة ومواصفاتها وشروطها متوفرة في شخص الزعيم الحبيب بورقيبة . ويدركون أن عملهم النضالي كلهم جميعا هو جزء من خصال ونضال ومسيرة الرجل الفذ و الزعيم المصلح . ويعلمون ان بورقيبة أقدرهم وأجدرهم للزعامة وبعضهم لم يعمر طويلا وإذا اعتمدنا مقياس الزمن و الوقت نجد ان بورقيبة دخل معركة العمل السياسي و الإعلامي و الكتابة من عام 1929 في سن 26 سنة وبقى عملاقا سياسيا الى سنة 1987 أي طيلة 58 سنة منها 17 ونصف في السجون و المنافي و الإبعاد والهجرة للشرق وهو الوحيد في الدول العربية والإسلامية من عانى مثل هذه المعانات والسجون.

وأقلقهم بعد وفاته
نعم بعد وفاته ففي كل شهر تقريبا نحيي مناسبة وطنية صنعها التاريخ ببصمات الزعيم الراحل المرحوم الحبيب بورقيبة انطلاقا من:  13 جانفي 1952 خطاب بنزرت لتهيئة المعركة الكبرى.  18 جانفي 1952 تاريخ اعتقال الزعيم بورقيبة وصعود المقاومة للجبل.  08 فيفري 1958 حوادث ساقية يدي يوسف والكفاح المشترك التونسي الجزائري .  2 مارس 1934 انعقاد مؤتمر الحزب الحر الدستوري الجديد بقصر هلال لإفراز قيادة شابة للحزب بصمات بورقيبة واضحة للعيان وما قلته في مقال الذكرى فيه الكفاية . 20 مارس 1956 عيد الاستقلال التام والسيادة . 9 افريل عيد الشهداء. 14 افريل 1956 تشكيل او حكومة وطنية يرأسها بورقيبة . 12 ماي 1964ذكرى تامين الأراضي الزراعية  30 ماي 1956 إصدار قانون يضع الباي وأسرته تحت طائلة القانونن وتسوية العائلة الحاكمة مع الشعب في المكاسب و الحقوق .  1 جوان 1955 عودة المجاهد الأكبر الزعيم بورقيبة حاملا لواء النصر والسيادة . 3 جوان 1955 إمضاء اتفاقية وثيقة الاستقلال الداخلي .  25 جويلية 1957 إعلان الجمهورية وإلغاء النظام الملكي الذي عمر طويلا وكان سببا في الاستعمار. 31 جويلية 1954 اعلان منداس فرونس مبدأ الاستقلال الداخلي  3 اوت عيد ميلاد امة بعيد ميلاده. 13 اوت 1956 إصدار مجلية الأحوال الشخصية و تحرير نصف المجتمع التونسي . وقد قلل من شان هذا الحدث أخونا وأبونا التريكي سامحه الله وهو في سن 93 . 3 سبتمبر 1934 أول اعتقال للزعيم الشاب الزعيم الأوحد نعم الأوحد حتى عام 1936 ولم يستسلم مثل رفاقه و المحضر هو  المرجع للدستوريين – لكل من يخدش هذا الموقف … أكتوبر 1948 انعقاد مؤتمر الحزب بتونس ومحاولة الانقلاب على رئاسة الحزب و الزعيم في الشرق للتعريف بالقضية الوطنية ولكن بفضل حماس و عزيمة المناضل المرحوم الهادي نويرة رحمه الله وذكائه و إخلاصه و تعلقه بالزعيم الراحل أعاد الموقف وسفه أحلام المتربصين وهم أعضاء الحزب ولا فائدة في ذكرهم وخروج بورقيبة إلى الشرق هي المحاولة الأولى لإبعاده قال تعالى  » ويمكرون ويمكر الله و الاه خير الماكرين  » صدق الله العظيم . وعاد بورقيبة عام 1949 واتصل بالشعب التونسي و أعاد الروح النضالية و شعلة النضال إلى النفوس 15 اكتوبر عيد الجلاء 1963 .  15 نوفمبر 1955 المؤتمر الفصل المؤتمر الحاسم مؤتمر صفاقس الذي حسم الخلاف وقال نعم لسياسة الراحل بورقيبة. واجمع الشعب و التف حول الزعيم وكانت خطوة إلى الأمام إلى الأمام إلى الأمام ياسي التريكي…. ياسي الشيخ الكبير الموقر ولا خطوة إلى الوراء كما تزعمون وكما تقولون اليوم بل كانت خطوة إلى الأمام وبعد 9 أشهر جاءت الخطوة المرحلية البورقيبية الجوانية النوفمبرية الصفاقسية العاشورية البورقيبية …جاءت وتوجت بالاستقلال التام واستكمال السيادة اذ سياسة المراحل كانت هي السياسة  الهادفة دون ان يفكر سي التريكي ومن معه في جلب السلاح من عبد الناصر رحمه الله كما ذكر في شهادته ولعلم أبونا الشيخ التركي لو كان هذا الصحيح لكان أول المستفيدين من السلاح إخواننا الفلسطينيين ورحم الله الزعيم بورقيبة الذي ذكر لنا في مناسبة وطنية انه طلب من السيد عزام باشه الامين العام للجامعة العربية إمكانية ادراج قضية تونس ضمن جدول أعمال الجامعة عام 1947 فأجابه الأستاذ باشا عزام « سيدي الزعيم بورقيبة المشغول لا يشغل نحن الآن منهمكون في قضية فلسطين و حالما نخلص منها نلتفت إلى قضيتكم الوطنية » ولو استمعنا إلى هذه النصيحة الغالية لانتظرنا إلى اليوم دورنا . 15 ديسمبر 1951 الرد على المذكرة التى بعث بها الحزب الى الحكومة الفرنسية. هذا رد على ملاحظات شيخنا وأبونا التريكي و ختاما أقول أن الذي أقلقهم في بورقيبة بالخصوص هو النظافة … نعم النظافة ثم النظافة ثم النظافة . هذا الذي حيرهم في بورقيبة وقالوا كيف يكون لصاحب دكان بيع الحمص و القليبات بيت و سائق التاكسي له مسكن وبورقيبة مات فقيرا ولم يترك بعده حجرة ولا شجرة ولا دينار فعلا والله هذا هو اللغز الكبير الذي حيرهم فراحوا يبحثون عن السلبيات و الأخطاء تقليلا من شانه في عصر المادة وفقدان الروح الوطنية – وبعضهم يفرح و يبتهج عندما يطالع أشياء من الاساءة – حتى ان احدهم وهو الااستاذ علية العلاني  قال في ذكرى وفاة الزعيم الرئيس ان بورقيبة اختلف مع وزير في حكومته فغضب الرئيس وقال سأرمي بنفسي من الشباك ..وفتح المرحوم الطيب المهيري وزير الداخلية النافذة وقال تفضل ارم نفسك و الله لا يصدق التاريخ أن بورقيبة العملاق يقول له ابنه البار المخلص النزيه الصادق المطيع الطيب المهيري مثل هذا الكلام – لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال تعالى  » اصبر وما صبرك إلا بالله  » صدق الله العظيم هذا مع العلم شيخنا الكبير أنكم قلتم في شهادتكم أن بورقيبة دعاكم بالحاح للعودة الى تونس وفي 1962 استجبتم لطلبه وعدتم إلى ارض الوطن وقد كان حكم عليكم بالإعدام فتم الطعن في الحكم من طرفكم وبعد أسبوع تفضل بورقيبة بإلغاء الحكم وأصبحتم مسؤولا بوزارة الخارجية في منصب هام . شيخنا الكريم من يفعل ذلك خلاف بورقيبة في كامل الدول العربية هذه اللفتة وحدها تجعلكم طيلة حياتكم مدينون الى الزعيم بورقيبة رحمه الله هناك حكمة ومقولة رائعة  » اذا انت أكرمت الكريم ……… » وقال صلى الله عليه وسلم  » اتق شر من أحسنت إليه  » وختاما قال تعالى  » انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء « 
محمد العروسي الهاني مناضل دستوري


 

هنيبعل» يعود مع كلوديا كاردينالي إلى تونس على متن مهرجان جربة التلفزيوني

تونس – سميرة الصدفي     الحياة     – 29/04/06//
عادت الممثلة الإيطالية كلوديا كاردينالي إلى الجذور لمناسبة رئاستها الدورة الأولى لمهرجان جربة التلفزيوني (جربة تي في فستيفال) بالاشتراك مع المخرجة التونسية فاطمة اسكندراني. ولم تعد كاردينالي التي وُلدت لأسرة إيطالية مقيمة في تونس ونشأت في حارات العاصمة وشوارعها الضيقة حتى بلغت العشرين، إلى موطن ذكريات الطفولة منذ سنوات، على رغم انها كانت تتردد على تونس لتمضية الإجازات في منتجعاتها. ويتميز المهرجان الذي انطلقت فعالياته أمس ويستمر إلى الإثنين بكونه سيتيح للحضور مشاهدة 36 عملاً تلفزيونياً من البلدان المطلة على البحر المتوسط وخصوصاً مصر ولبنان وتونس والمغرب والجزائر وفرنسا وألمانيا وبلجيكا. وقال جان فرنسوا بوايي أحد منظمي المهرجان لـ «الحياة» إن متابعي الدورة سيشاهدون 18عملاً تلفزيونياً تُعرض للمرة الأولى في إطار برنامج أطلق عليه «قبل العرض الأول»، وبينها عشرة أفلام من فرنسا وخمسة من تونس والبقية من مصر وألمانيا والمغرب والجزائر وبلجيكا.
ويُعتبر المهرجان أول تجمع تلفزيوني من نوعه في حوض البحر المتوسط وهو يرمي إلى تشجيع الإبداع والمبادلات في مجال الإنتاج التلفزيوني بين أوروبا والمغرب العربي والشرق الأوسط. ويشارك في الدورة الأولى سبعون نجماً عربياً وعالمياً من ممثلين ومخرجين وكتاب سيناريو، إضافة الى خمسين منتجاً ومديراً لقنوات تلفزيونية وأكثر من سبعين إعلامياً. وتشترك وزارة الخارجية الفرنسية في تنظيم المهرجان مع وزارتي الثقافة والسياحة التونسيتين. لكن المدير العام لـ «الديوان الوطني للسياحة» خالد الشيخ أكد لـ «الحياة» أن المهرجان يرتدي بعداً سياحياً كونه يرمي الى الترويج لجزيرة جربة التي تستقبل سنوياً أكثر من مليون سائح.
وتُعتبر الأفلام الوثائقية من أهم ما تتضمنه الدورة، إذ يشاهد الحضور أفلاماً من لبنان وتونس وقطر وفرنسا وألمانيا، لعل أهمها فيلم «هنيبعل» الذي لاقى رواجاً كبيراً في أوروبا وكذلك فيلم التونسي مصطفى جميعة «قرط حداشت»، أي المدينة الجديدة وهو الإسم الفينيقي لقرطاج. ويُعرض في هذه الدورة أيضاً أول فيلم صور متحركة تونسي بعنوان «تحيا قرطاج» للشقيقين أحمد ومحمد عطية. كذلك تشتمل الدورة على تنظيم مسابقة دولية في الومضات الإعلانية تحمل اسم «الياسمين الذهبي» ويشارك فيها كل من لبنان وفرنسا وألمانيا والعراق والإمارات. وأكدت الرئيسة المشاركة للدورة فاطمة اسكندراني أن المهرجان لن يشتمل على سوق للأفلام والمنوعات الإذاعية والتلفزيونية، مشيرة إلى أن الجهات المنظمة تعتزم العمل على إيجاد مثل هذه السوق في الدورة الثانية. (المصدر: صحيفة  الحياة  بتاريخ 29 أفريل 2006 )

«تيكوم ديج» الإماراتية توقع اتفاقا لشراء 35% من اتصالات تونس

تونس ـ رويترز: قالت مصادر رسمية اليوم امس ان شركة «تيكوم ديج» الاماراتية وقعت اتفاقا رسميا مع الحكومة التونسية اشترت بموجبه حصة 35% من شركة اتصالات تونس في اكبر عملية خصخصة في تاريخ البلاد. وكانت الحكومة التونسية اعلنت في جلسة مزاد مفتوحة منذ شهر تفوق عرض «تيكوم ديج» بمبلغ 3.052 مليار دينار (2.24 مليار دولار) على عرض قدمته مجموعة «فيفندي» الفرنسية بمبلغ 2.760 مليار دينار على ان يتم توقيع الاتفاق الرسمي في وقت لاحق. ووقع الاتفاقية وزير المالية التونسي محمد رشيد كشيش والمدير العام التنفيذي لشركة ديج تيكوم احمد بن بيات. واشاد بن بيات عقب توقيع الاتفاقية باهمية سوق الاتصالات التونسية. ولدى شركة الاتصالات التونسية أكبر شركة من حيث العائدات والارباح في تونس نحو 4.2 مليون مشترك للخطوط الجوالة والثابتة في بلد يبلغ تعداده 10 ملايين نسمة وتسيطر على حصة 72% من سوق الهاتف الجوال.وقال وزير تكنولوجيات الاتصال منتصر وايلي: «ان تجربة ديج تيكوم الثرية في عديد المجالات المستحدثة في قطاع الاتصال والانترنات ستفتح افاقا واعدة. لاتصالات تونس بما يمكنها من الاستجابة للتطورات التكنولوجية التي يشهدها القطاع ويدعم قدرتها التنافسية». (المصدر: صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 29 أفريل 2006 )

 

إخفاق مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط؟

رشيد خشانة      الحياة     – 25/04/06//
تطرب الحكومات العربية لكل ضوء يُلقى على مناطق العتمة في مشروع الشرق الأوسط الكبير، ليس بدافع الغيرة الوطنية وإنما لضيقها الشديد من أي دعم خارجي لقوى الإصلاح في الداخل. ولا حاجة للتذكير بأن حركة الإصلاح في العالم العربي أعرق من جميع المشاريع التحديثية المعاصرة التي تطرحها أميركا وأوروبا على شعوب المنطقة. إلا أن خطاب حقوق الإنسان الأميركي أوجد مناخا دوليا مساعدا لقوى التغيير العربية على رغم انتقاداتها الكثيرة للسياسات الأميركية وخاصة في العراق وفلسطين. ولا يُعفي ذلك التقاطع من تقويم حصاد المبادرات الأميركية الموجهة للنُخب التحديثية في المنطقة، وفي مقدمها «مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» (المعروفة بميبي) والتي لاقت كثيرا من التحفظات لدى قطاعات واسعة من النخب، أساسا بسبب تضارب منطلقاتها مع ما يجري في العراق وفلسطين.
وحاول الأميركيون على مدى السنوات الثلاث الماضية (انطلقت المبادرة في كانون الاول/ ديسمبر 2002) الوصول إلى فئات مختلفة تتراوح دائرتها من الطلاب إلى سيدات الأعمال ومن الأكاديميين والإعلاميين إلى التكنوقراط، كما استهدفوا أيضا فئات أخرى من قضاة وسيدات أعمال وباحثين، ورصدوا لبرامج «ميبي» موازنات ضخمة. ولتجسيد تلك الخطة أقيم مكتب إقليمي للشراكة في أبوظبي يغطي دول مجلس التعاون الخليجي الست واليمن والأردن، ومكتب ثان في تونس يغطي دول شمال أفريقيا بالإضافة الى لبنان، ومكتب ثالث في القاهرة يهتم بالساحة المصرية وحدها بالنظر لوزنها السكاني. ولتسيير تلك المكاتب أنشأ البيت الأبيض مكتبا مختصا في وزارة الخارجية منذ سنة 2003 لإدارة البرنامج وعين الرئيس بوش أحد نواب وزير الخارجية على رأس المكتب. لكن الدائرة الجغرافية للمبادرة توسعت لتشمل بلدا مهماً كان خارجها هو ليبيا التي تم إدماجها عمليا اعتبارا من تموز (يوليو) 2005.
ويعكس هذا التوجَه الأمريكي، مثلما جسدته تجربة «ميبي» في سنواتها الثلاث الأولى، الرؤية الجديدة المستوحاة من دروس تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) والتي تحاول التمايز عن الرؤية الأوروبية بالتوجه إلى النُخب المؤثرة في المجتمعات بدل الاتكال على الحكومات أساسا واستطرادا فتح جسور مع بعض مكونات المجتمع المدني في البلدان العربية. ومن هذه الزاوية فإن مبادرة «ميبي» أتت لتكريس هذا الخيار عن طريق شبكة واسعة من العلاقات والإمكانات المالية. وهذا وجه من وجود الاختلاف بين الرؤيتين الأوروبية والأميركية للاصلاح السياسي والاقتصادي في المنطقة.
وفي هذا النطاق خصص الكونغرس في السنتين الأوليين من عمر «ميبي» 253 مليون دولار لهذه المبادرة. لكن الرئيس بوش طلب من الكونغرس تخصيص 150 مليون دولار ضمن برامج المساعدات المالية الخارجية لسنة 2005 لتمويل المشاريع المدرجة في «المبادرة»، غير أن غالبية اعضاء الكونغرس لم توافق سوى على نصف تلك الاعتمادات، فخصص قسم منها لتمويل برامج تستهدف قطاعات واسعة من الطلاب ورجال الأعمال ورجال القانون والأكاديميين وقادة المجتمع المدني. لكن مكاتب «ميبي» جابهت صعوبات لإيجاد أطراف مستقلة تقبل بتلقي دعم أميركي بسبب الصورة السلبية لسياسة الولايات المتحدة في البلدان العربية. وهذا أكبر تحد يواجه مبادرة الشراكة لأن قطاعات واسعة من النخب تتحفظ على التعاطي مع الولايات المتحدة، وبخاصة في ظل الإدارة الحالية.
في هذا السياق يتذكر المرء دراسة نشرها «معهد بروكينغز» في واشنطن تحت عنوان «احتلال عقول المسلمين» والتي أظهرت أن سياسات الولايات المتحدة الرامية الي كسب قلوب الشعوب المسلمة ونشر الاصلاح في العالم العربي تقوم على أسس خاطئة ولن يُكتب لها النجاح الا اذا خضعت لتعديلات جذرية. وتناولت الدراسة التي اعدها الدكتور عبدالوهاب الافندي منسق برنامج «الاسلام والديموقراطية» في مركز دراسات الديموقراطية بجامعة «وستمنستر» في لندن، بالنقد والتحليل حملة الديبلوماسية العامة التي تقودها ادارة بوش من اجل تحسين صورة اميركا في العالم، مُعتبرة أن هذه السياسة تنطلق من افتراضات خاطئة وتتبع أساليب خاطئة وتواجه أزمة كبيرة بسبب شفافية آلية صنع القرار في واشنطن. وبحسب الدراسة التي نشرها المعهد المعروف بقربه من قيادة الحزب الديموقراطي (يرأسه حاليا السفير السابق مارتن انديك) فان سياسات الولايات المتحدة تجاه العالم العربي تنطلق من الزعم بأن الكراهية لاميركا والارهاب الموجه ضدها ينطلقان من وجود عقائد دينية متطرفة ومن الغيرة من نجاح اميركا وتقدمها.
لكن الإشكال الذي يواجه السياسة الاميركية هو أولاً فقدان الصدقية، وثانياً عدم الجدية في تطبيق السياسات. وهنا تجد الولايات المتحدة نفسها امام حلقة مفرغة، فهي ترى أن تحسين صورتها في عيون العرب مرتبط بنجاحها في تحقيق الاصلاح الديموقراطي، ولكن نجاحها في دفع مسيرة الاصلاح رهن بصدقيتها وتحسين صورتها. والأرجح أن الإدارة الحالية التي لا أمل لها بالعودة إلى سدة الحكم بعد الانتخابات المقبلة لن تُقدم على مراجعة سياساتها لانتهاج أسلوب آخر في التعاطي مع شعوب المنطقة يقوم على الحوار الحقيقي بعيدا عن الدعاية والعلاقات العامة ومناورات الاستخبارات، ما يجعل مبادرة «ميبي» وسواها من المشاريع الموجهة للمنطقة مرشحة للدوران في حلقة مفرغة أقله في الأمد المنظور. (المصدر: صحيفة  الحياة  بتاريخ 25 أفريل 2006 )
 

 

ابن خلدون أو أصالة بنية التفكير:

رجل دولة وسياسي مغامر.. عرف عن كثب التباسات العروش والدول والملوك والعصبيات وكان صاحب حظ طيب امتلك ابن خلدون طاقات مكنته من أن يكون ضرورياً ومطلوباً حتي في بلاط تيمورلنك الذي اتسع لتحطيم إمبراطوريات

2006/04/28 محمد نعيم فرحات
قد لا ينطوي الأمر علي أي جديد إذا ما قلنا بأن ابن خلدون قد قدم رؤيا عميقة وثاقبة لعالمه، جاءت كحصيلة لحضور سياسي وفكري اتسم بدهاء وذكاء مميزين، وقد أثمرت علاقته الفعالة بعالمه المنفعلة به أثراً، ها هو يدوم بأكثر مما دام صاحبه في الحياة الدنيا ولا يخلو الأمر هنا من عظمة ما. وربما يقدم مفهوم رؤيا للعالم ، الحديث نسبيا القديم مضموناً، مساعدة مهمة في تناول فكر ابن خلدون وآثاره، رؤيا للعالم بما هي كلية دالة من القيم والمعايير تعبر عن الوعي المثالي ، ..أقصي الوعي الممكن وليس عن الوعي الامبريقي لأعضاء الجماعة كما يقول لوسيان غولدمان. وبما هي ايضا وحده متكاملة لمجموعة العوامل الذاتية والموضوعية التي تقود إلي تحقيق إنتاج جديد، أصيل وذي قيمة من قبل (فرد) أو (جماعة) . وكذلك بصفتها استقطاباً مفهوميها (عميقاً) للاتجاهات الواقعية والوجدانية والفكرية … لأعضاء جماعة ما . ويمكن القول بأن فكر ابن خلدون والوعي الذي قدمه لعالمه لهو من أهم التعبيرات في موروثنا عن رؤيا للعالم بمعانيها الانفة وكأمر يتصل بفهم وتفسير إشكالية ملموسة مسجلة في تاريخ المجموعات الاجتماعية التي ننتمي إليها . ولكن السياق الذي تَولدَ فيه مفهوم رؤيا للعالم يعطي أهمية بالغة لموضوع العلاقة والارتباطات البنائية المفترض قيامها، بين وعي النصوص ووعي العالم الذي صدرت عنه وحاولت نمذجته، وبقراءة فكر ابن خلدون من هذه الزاوية فإن قوة التثاقف النقدي بين وعي نصه ووعي زمانه وقضاياه ومتطلباته من جهة، وتوصل العديد من المقاربات الجدية لتأكيد هذه الارتباطات في المثال الخلدوني من جهة أخري، تمكننا من المجازفة والتعامل مع علاقة الارتباط بين نصه وعالمه كمعطي ، قائم لا يحتاج لافتعال العلائق أو البحث عن مسار من البرهنة حول وجودها. إننا نقف بإزاء رؤية حقيقية ومركبة لعالمها، وهذا ما يشكل خاصية عامة ذات دلالة مهمة في قراءة ابن خلدون وفكره معا. أما بالنسبة لهذه الورقة فإنها تطرح علي نفسها الانشغال في أمر محدد بالذات يأتي علي هيئة تساؤل، وهو: ما الذي يجعل ابن خلدون واطروحاته ورؤيته في التاريخ وطبائع العمران والاجتماع الإنساني تنطوي علي قدرة جوهرية لمقاربة الواقع الراهن ومساهمتها في تقديم فهم وتفسير له ولظواهره !!!! وما الذي يجعل ابن خلدون قابلا للاستعادة والاستحضار المعرفيين وضروريا إلي هذا الحد في راهننا !!!. ..إن جهد هذه الورقة معنيُّ بالتأكيد علي انشغالها وحدوده، وهو ليس بوارد التورط في عوالم ابن خلدون إلا بمقدار ما يحقق ذلك غرضه، وان هذا التشديد في تحديد هدف الورقة يرمي لضبط مسار تطرقها ومسار التعقيب عليه. وتمشيا مع المنحي الذي جري تحديده للتو، فان مسار التطرق لفكر ابن خلدون ورؤيته للعالم سيرصد أو يحاول بناء سمات وخصائص انطوي عليها خطابه، بصورة تمكن من وضع إجابات للتساؤلات المطروحة آنفاً.
الجدة والإبداع … في هذا السياق فان القراءة الأولية لفكر ابن خلدون تحيلنا للوقوف أمام خاصية مركبة تتكون من قيمتين متلازمتين في نصه هما الجدة والإبداع ، جدة اتسمت بانفتاح واسع علي النقد والتمحيص والتجاوز المعرفي في تعاملها مع السائد في عصره ومورثاته، وكذلك كان أمرها مع المفاهيم والأحوال. أما الإبداع فقد عبر عن نفسه في غير صعيد، سواءً تعلق الأمر بكيفيات التناول أو مقاربة المسائل أو في الاستخلاص وبلورة المفاهيم وفي غير ذلك. …لقد مهد ابن خلدون لما سماه بالعلم الجديد باستعراض متطاول ونقد منهجي، حشد فيه قدرات كبيرة وبني في محصلتها مفهوما وتصورا خاصا به للتاريخ الإسلامي ومسيرته، وهو تصور مستمد من ظروف تجربته ووقائع عصره والمعطيات الاجتماعية والتاريخية للمجتمعات التي عاش فيها ودرس أحوالها . إن ظاهر نص ابن خلدون نفسه وليس باطنه فحسب أو القراءات التي تناولته، هو الذي يُدللُ علي قيمتي الجدة والإبداع. يقول ابن خلدون. ..فأنشأت في التاريخ كتاباً، رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجابا، وفصلته في الأخبار والاعتبار بابا بابا، وأبديت فيه لأولية الدول والعمران عللا وأسبابا، وبنيته علي أخبار الأمم الذين عمروا المغرب في هذه الأعصار وملأوا أكفاف النواحي منه والأمصار… وهما العرب والبربر…. فهذبت مناحيه تهذيبا وقربته لإفهام العلماء والخاصة تقريبا، وسلكت في ترتيبه وتبويبه مسلكا غريبا، واخترعته من بين المناحي مذهبا عجيبا وطريقة مبتدعة وأسلوباً.. وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن، وما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوارض . وفي تعريفه للتاريخ الذي أنشأه يشير ابن خلدون إليه، كفن من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال، وهو في ظاهره لا يزيد علي إخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولي..وفي باطنه فهو نظر وتحقيق للكائنات ومباديها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق . .. بهذه الصورة عرض ابن خلدون فهمه للتاريخ الذي مَوضع فيه الاجتماع الإنساني والعمران البشري، وهو فهم حقق فيه تجاوزا للنظام المعرفي القديم من جهة، وشكل نقدا جذريا للخطاب التاريخي التقليدي من جهة ثانية، ورد فيه التاريخ إلي قوانين التاريخ والمجتمع إلي طبائع العمران من جهة ثالثة، ووضع حدا لاستنساخ ينتمي لأنماط السرد من جهة رابعة. وقد كان الجهد النظري والمنهجي الذي بذله ابن خلدون في هذا الاتجاه جهدا مميزا، سواءً في أشكال التطرق أو في مضامينها أو في قيام قراءته علي التحليل والبرهنة والمقابلة والتقليب، وقام بتشغيل هذه القوي في نطاق محاولته لفهم وتفسير و تنميط الظواهر والأحوال التي تناولها. أما الخاصية الثانية التي يمكن بناؤها أو ملاحظتها في نص ابن خلدون فهي تعدد الأبعاد والاتساع والتداعي في تناوله. وداخل هذا التعدد تطرق ابن خلدون لكل المستويات الممكنة: النفسي في بعديه (البيولوجي والروحي) والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والبيئي والذهني والثقافي..وما يترتب عن هذه المستويات ويتولد من تفاعلات ومشاركات وتداعيات وأبنية وأوضاع.بل لقد امتد هذا الاتساع والتعدد لأفق يصعب ضبط مواضيعه أو امتداداته. ويقول عابد الجابري ليس الشيطان وحده هو الذي يستطيع أن يجد في المقدمة ما يرضيه أو يسخطه، بل المؤمن والملحد، والكاهن والمشعوذ، والفيلسوف والمؤرخ، ورجل الاقتصاد وعالم الاجتماع، حتي كارل ماركس نفسه… كل اولئك يستطيعون أن يجدوا في المقدمة ما يبررون به أي نوع من الـتأويل وما يقترحون لأفكار ابن خلدون . ولا يرتبط الأمر هنا بمناورة فكرية لرجل مُقتدر، أو باستلاب لما يتضمنه نص حقيقي من طاقة فسيحة لتوليد الدلالات، بمقدار ما يرتبط بفيض معرفي وقدرة موسوعية، وتوجه نظري ومنهجي متميز، أفصح مرارا عن خياراته المختلفة والجديدة. وفي نطاق هذه الخيارات انطوي التعدد والاتساع علي ديناميكية التوليد والتداعي بصورة مثيرة، وظهرت تعبيراتهما في الكم كما في النوع، وفي التعُقب والاستقراء والاستنتاج والتنظير وبلورة التصورات والمفاهيم. وبينما تشير هذه الخاصية لواحدة من مكامن القوة في الأثر الذي تركه ابن خلدون، وما تتيحه من إمكانيات للتأويل وطاقة علي استدراجه في آن، فإنها توفر(أيضا) أفقاً من البحث من خلال الارتباطات الكامنة بين خاصية التعدد والاتساع وعناصر وأبعاد معينة في شخصية ابن خلدون وتكوينه وسيرته. خصوصا وأننا لا نقف عند فكر انتقائي تلفيقي، بل فكر موسوعي نقدي انتقد فيه المؤرخين والمعرفة والعلوم السائدة في عصره وقدم تشخيصا لطبائع الثقافة والدولة والتاريخ من موقعه كمشارك علي نطاق واسع في الحياة السياسية لعصره وكمتأمل ومتفكر فيه معا. أما الخاصية الثالثة في فكر ابن خلدون، فتتمثل في وجود حس ووعي وانتباه مميز عنده للخصوصيات والتقاطها وتصنيفها وتعليلها، وهذا ما نجده في تناوله لـ أمم وأقوام وبيئات وأقاليم وثقافات وأوساط وحقب وعصبيات ، لقد مكنته اليقظة في هذا المستوي من قوة جوهرية بالغة الأهمية أدمجها في تحليله وعبر عنها في بني القول، وأتاحت له فضاءات للمقارنة والمقابلة والمفاضلة، وتفادي من خلالها واحدة من أكبر التهديدات التي تقف في وجه الجهود المعرفية عند اشتغالها بالظواهر والحقول، حيث أن إشكالية العام والخاص في الحقل المعرفي ما زالت تشكل تحديا كبيرا.هذا بالرغم من وجود تحفظات بعينها علي بعض التعميمات التي توصل إليها ابن خلدون. وإنه لأمر مثير وجدير بالتوقف ألا ينحصر منطق البحث عن خصوصيات الظواهر والأحوال في تناول ابن خلدون عند التاريخ فقط لأنه امتد لتناول الفروق بين منطق السماء والمنطق الذي يحكم الأرض، وتحديدا فيما يرتبط بالدولة وأمور السياسة والحكم، حيث الدين يحيل إلي أعلي، أما الدولة فتحيل إلي الدنيا والتاريخ والقوي الحاكمة فيهما. وإذا كان المنطق والتفكر يدلنا علي درجة استبطان السماء لمعطيات الأرض والتاريخ وقوانينه، إلا أن التصنيف النظري الذي قدمه (الفقيه) ابن خلدون في هذا الخصوص يظل جديرا بالتأمل، لأنه يتناول عالما مشبعا في وعيه ولا وعيه بالإسلام كدين وكدولة، وهذا الوعي يتوق (كما عند قطاع مهم من الناس بغض النظر عن مدي سعيهم لتطبيقه في الواقع) لحرفية تجسيد ذلك في التاريخ وليس تجسيد الدولة متأثرة بروحية الدين. ويقول علي أومليل لقد ميز ابن خلدون بين نوعين من الخطاب، خطاب يحمل أمرا إلهيا مقدسا (يحيل لعالم الغيب) وخطابا يخبر عن واقعات من عالم الطبيعة (ويحيل إليها) …. ويضيف لقد تمتع ابن خلدون بجرأة الفصل الابستمولوجي بين العالم المقدس والعالم الطبيعي رغم التحامهما في المستوي الانطولوجي عند المسلم . …ويشير أومليل إلي أن ابن خلدون قد حقق خطوة هامة في مستوي تنظير التاريخ العربي بفصله المنهجي لعلم التاريخ عن العلوم الدينية .. ويستنتج بأن هذا الفصل هو إنجاز جديد لم يسبق إليه صاحب المقدمة أحد . وإذا كانت السمات السابقة وأخري غيرها، تجد صداها الواسع في نص ابن خلدون وتشتغل بصورة متنافذة ومتكاتفة ومتساندة فيه، وبمقدور كل منها أن تشكل مركزا أو منطلقا لمقاربة جوانب محورية فيه، إلا أن قيمتها الأهم تكمن في استبطانها وارتباطها بسمة أو خاصية أم تشكل المحور الأساسي في بنية تفكيره، وهي قيمة الأصالة. إنه لمن الصعب تصور تمايز ودوام محاولة ابن خلدون لاستخلاص قوانين عامة لحركة المجتمع والدولة ، ووضع توصيفات ومفاهيم تمتلك كل هذه القدرة والصلاحية بدون إدراك قوة الأصالة في بنية تفكيره. وبمقدور هذه الخاصية أن تفسر لنا الكثير من المسائل في فكر ابن خلدون، ومنها قدرة هذا الفكر علي أن يكون راهنا. وان ينطوي علي كفاءة لقراءة الحاضر، وهنا نصبح إزاء خاصية تُوِلدُ خصائص أخري وتُولدُ منها أيضاً. وقد كانت قدرة فكر ابن خلدون علي أن يكون راهناً وعابراً لزمانه محل تتبعات واعترافات لقراءات جادة عديدة. وفي قول محمد عابد الجابري، فإن الفكر الخلدوني فكر فلسفي، والفكر الفلسفي الأصيل يتجاوز عصره بمقدار ما هو نتاج (له) . بيد أن هناك قوة دفع تتجاوز كل ما تحشده البراهين النظرية علي راهنية فكر ابن خلدون وقدرته، وهي قوة تكمن في التاريخ الحالي نفسه، ويقدم هذا الأمر السند القوي لخاصية أصالة الرؤية وراهنيتها، حيث نجد واقعا يُعيد بحيوية إنتاج روحية العديد من الشوائب البنيوية التي عرفها عصر ابن خلدون وتحكمت (في) وحكمت أحوال الدول والناس والتاريخ والبنيات الذهنية لهذا العصر، وهو ما كان موضوع انشغال فكره وتشخيصه ونقده ودعوته للتغيير والتجاوز. راهنية ابن خلدون ورغم اختلاف الأزمنة والأحوال والظروف. إلا أن هذه الشوائب ظلت قادرة علي التعبير عن نفسها، وهنا فإن قوة راهنية ابن خلدون تجد جذورها في الروابط البنائية التي يمكن إقامتها بين فكره في أبعاده المتعددة من جهة، والواقع الراهن ومستوياته المختلفة من جهة أخري، خصوصا المستويات التي تعبر عن الشوائب البنائية. وهنا نقف عند نقطة مفصلية، وهي أن فكر ابن خلدون قد حقق قطيعة معرفية في مستويات مهمة مع أنماط تفكير سابقة ومعاصرة له، إلا أن الواقع والتاريخ ووعي الفاعلين التاريخيين المتعاقبين فيه وبناهم الذهنية لم تشهد قطيعة موازية. لقد ظلت هذه البني مخلصة لطبائع الذهن والتفكير وشوائبها ولم تشهد انقطاعاً حقيقياً متواصلاً ومتراكماً بشكل يفضي إلي نمط مختلف. وإن ما شهدته العصبيات والأحوال والدول والمجتمعات التي عاصرها ابن خلدون وتواترت من بعده حتي الآن، من تحولات وانقطاعات بنيوية سلبية أو ايجابية (وهو أمر يشير إلي حيويتها بكل حال) يُمدنا بحشد من النماذج التحليلية في هذا الشأن. نماذج تمكننا قراءتها من الوقوف علي درجة تمأسس وتماسك وتواصل الشوائب البنيوية في بنية وعينا وتاريخنا، دون أن يعني ذلك بأنها قدر لا يمكن تخطيه، ولكن محاولات تجاوز هذه الشوائب عانت (غالبا) من عدم اكتمال شروط التغير. ومقابل الاشتغال الحيوي والممأسس لهذه الشوائب، كانت المعطوبية تكمن في صلب المزايا البنيوية لمجتمعاتنا. وقد عبرت هذه المعطوبية عن نفسها من خلال الانقطاع والعجز عن التراكم والتأسيس. ومن خلال قابليتها للإنبات لأسباب ذاتية وموضوعية، وفي أفضل حالاتها فقد اشتغلت هذه المزايا بصورة جزئية، وارتبطت (عموما) بزمان ومكان ومرحلة وشخص، بدون آفاق حقيقية للتوريث أو التوسع، وكانت عرضة لانقضاض الشوائب عليها من داخلها ومن محيطها معا. …وهنا يشكل وعي الواقع الراهن وإدراك تشابهه مع روحية الواقع القديم الذي عاشه ابن خلدون وتقاطع هذين الواقعين في مسائل أساسية، قوة الدفع الموضوعية لاستحضار فكره وأطروحته، ولكن ليس علي سبيل الاعتراف أو التذكر بل كحاجة، خصوصاً وأننا لم نعرف محاولات تشخيص وتوصيف طاولت أو تخطت محاولة ابن خلدون في عمقها وشمولها وقدرتها، دون أن يعني ذلك تجاهل اطروحات تالية وحديثة أو تجاهل مساهماتها. ..وفي هذا النحو يمكن ملاحظة تحالف موضوعي يقوم بين أصالة بنية التفكير عند ابن خلدون من جهة و بنية الشوائب الأصيلة في واقعنا من جهة أخري. وقد يبدو هذا التحالف مثيراً، غير انه منطقي، لأن عمل بنية الشوائب أفضي لأوضاع تحتاج فيما تحتاج في لحظة ما (وخصوصا عندما تصلبت وصارت عاجزة وظيفيا) لبنية تفكير أصيلة لفهمها وتفسيرها ومحاولة تغييرها، وفي هذا السياق تتولد الحاجة لفكر ابن خلدون ويتولد البحث عنه أيضا. غير أن فكر ابن خلدون وأصالته وما له وما عليه، يحتاج لحمايته من تطرفين: الأول، التأويل المفرط من طرف المولعين به، والثاني، إفراط المناوئين له في تشويه نصوصه ودلالاتها، لأن كليهما يشتركان في الاعتداء علي فكره بشكل غير لائق. وإذا كان التأويل ضرورياً لفهم معني العمل كما يقول ماكس فيبر، وله دور يؤديه أيضاً في خدمة البناء التاريخي للمفاهيم، ويساعد علي فهم عناصر ذات معني ككل تاريخي ملموس، فإن ابن خلدون يحتاج لاستحضار وتأويل أصيلين بما يوازي أصالة بنية التفكير عنده. أما الفائدة التي هي محل الرهان في استحضار ابن خلدون فتتمثل في مساعدتنا علي التعامل مع إشكاليات تاريخنا الراهن، وهذه مسألة تحتاج لشرط يتجاوز قدرتنا جميعا حتي هذه اللحظة وهو توفر فاعل وحامل تاريخي حقيقي لمتطلباتها وشروطها. فاعل تاريخي يطرح علي نفسه إحلال المزايا المُحبطة محل الشوائب الفعالة في مواجهة الراهن وتحدياته، ويتجاوز بؤس الحاضر ولكن ليس باتجاه تحويل الماضي سيدا للأيام ، بل يتجه إلي المستقبل بصفته حقل الرهان الممكن والمتاح، ويدمج استحضار الماضي والحنين في حقل الفعل في إطار مكابدات المصير، وفي مثل هذا السياق سنعثر علي أعمق أشكال التكريم والمعني التي يمكن تخيلها وتكون جديرة بابن خلدون والحضور المجدي لنا في التاريخ أيضا. الحاجة لابن خلدون .. أن تزداد الحاجة لابن خلدون كلما ابتعدت ذكري رحيله في الموت والزمن والذاكرة، فإن الأمر لا يخلو من مفارقة فيما تبقي مقدمته ليست مجرد مقدمة في التاريخ، وإنما مقدمة لا غني عنها لتأسيس وعي عربي جديد قادر علي التعامل مع العالم بموضوعية فعالة . ولكن هناك ما هو مثير أيضاً، حيث أن الفكر والذكري التي نحن بصددهما يخصان رجل دولة وسياسياً مغامراً، عرف عن كثب التباسات العروش والدول والملوك والعصبيات، وكان حاضراً في مشاهدها بصورة لافتة. وكان صاحب حظ طيب إلي حد بعيد، بدليل تعاقب هلاك الدول والعصبيات ونجاة ابن خلدون بمكانة مضمونة ولائقة (غالبا) في العصبية القادمة، في الوقت الذي كان فيه علي ارتباط قوي بالعصبية الهالكة. لقد امتلك ابن خلدون طاقات مكنته من أن يكون ضرورياً ومطلوباً عند جميع المعنيين بعصره تقريباً، وكان قادراً علي أن يعطي لحضوره معني خاصاً حتي في بلاط تيمورلنك الذي اتسع لتحطيم إمبراطوريات وأمم. وفي نفس الوقت قام ابن خلدون بفكرنة ونمذجة مدهشة وواسعة لتجربته وانفعالاته، بصورة يصعب الجدال في كفاية أصالتها وقدرتها معا، دون أن يعني ذلك التسليم الآلي بكل امتدادات تفكيره. ہ ورقة مقدمة لمؤتمر ابن خلدون عالماً ومفكراً وسياسياً تونس من 12 ـ 14 نيسان (أبريل). في المعهد العالي للعلوم الإنسانية ہہ أستاذ مساعد في علم الاجتماع في جامعتي القدس المفتوحة وبيت لحم ـ فلسطين (المصدر: صحيفة القدس العربي بتاريخ 29 أفريل 2006 )

 

ثقافة الحوار والتوازنات العالمية:

الحوار مع العولمة مهم لنا ويجب ان لا نصارعها كما صارعنا الحداثة باسم التغريب وخسرنا هويتنا ودورنا يفترض منا أن نكون داخل اللعبة العالمية مشاركين فيها ويجب أن ننتقل من الحوار إلي التحالف إلي اختيار الحلفاء  

 
2006/04/28 د. محمد علي الكبسي
لا شيء يبعدنا عن زوابع الافتراضات الكارثية الفاقدة لخصوصية دلالات الثقافات والحراك العالمي والحضاري إلا الفهم العميق لعلاقة المحلي بالعالمي طالما أن غرض كليهما متأول بوصفه تعبيراً عن قدرة في الوجود لا تستطيع إثبات نفسها إلا باستخدام كليهما. فلئن كان العالمي يقوم بضرب من الاستباق لمعني الوجود فينزله في المقام الكوني، فإن المحلي يظل ينظر إلي الوجود داخل شرطه التاريخي وينزله في المقام المديني (المدينة). فالعالمي يحمل دوماً تعيينات عناصر محددة ـ دين، عرق، طبقة ـ مستعدة للانفلاق شأنه شأن المحلي المتوفر علي شروط السيادة والساعي لتوطين نفسه علي صورة إنسانية (عالمي). السؤال إذن ما الذي يجعل المحلي ينصرف انصرافاً عالمياً؟ ما الذي يدفع العالمي ليكشف عن وجه اقتدار يحول الشمولية إلي وحشية محلية وبربرية تكذب كل ادعاء للكونية؟ إذا عدنا إلي ذاك الافتراض الذي يقدم الحداثة علي أنها مرحلة غير مسبوقة، ألا يفقد الحداثة ذاتها مصداقيتها؟ وما أثبته التاريخ من تجارب كارثية ألا يحكي قصة الحداثة؟ وما أثبته مصطلح التقدم من دلالات ألا يحكي ويحاكي قصة العنف وتكرار العنف رغم أن سياق الحداثة يلح علي أن العقلانية هي التركيب الأعلي لجدلية التقدم؟ قد يكون أريد من مصطلح الحداثة أن يكون رديفاً للتقدم وأريد لكليهما أن يكونا الدلالة الخاصة بالتاريخ كله حتي لا يعرف تصوراً آخر للمستقبل إلا داخل هذه الواجهة. فالظروف المساعدة قد أحدثت الحراك والتراكم المعرفي والإنمائي والسلوكي قد غيرت أنماط وطرق التفكير، واعتبر ذلك انقلاباً زادته مصطلحات الارتياب، والقطيعة، والهوامش والتفكيك والفردية إلخ… من المصطلحات تجذرا حيث اعتقد أن التفكير تخطي الحداثة إلي مرحلة لم يعثر علي اسم ملائم لها سوي أن تسمي ما بعد الحداثة. نقول هذا حتي نتجاوز أدلجة الحداثة. فليست المسألة مجرد التبشير بأن العالم يلج القرية الكونية، ولكن أن يكون ولوجه حوارياً، تسامحياً، تنوّعياً وليس بالضرورة اختلافياً، ومن ثمة يمكن الحديث عن عقد اجتماعي عالمي قادر علي منع ظهور الوحشية والبربرية، وضروب أقنعتها المختلفة التي هي ليست شيئاً جديداً في مسيرة تاريخ البشرية. فيغدو السؤال الأعمق هو التالي: ما الذي دفع حقاً إلي مسألة الحوار؟ قد تكون هناك أسباب تعود إلي طبيعة العلاقات الدولية ذاتها وقد تكون هناك أسباب أخري خاصة بالعرب وبالمسلمين وصلت إلي الاستعصاء بين بلورة مواقف وأعمال مشتركة متصلة بمسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والأمن وامتلاك التكنولوجيا وأخري قائمة حول تفعيل هذه الأهداف وكيفية توفير ما يكفي من الوسائل لوضعها موضع التطبيق من جهة كونها قوام الوجود المستقبلي الذي ينحصر أساساً في السياسة الخارجية والأمن المشترك والمشاركة الدولية في التعامل مع الأزمات. وإذا ما رغبنا في التحوّل إلي قوّة سياسية علي المستوي العالمي، علينا أن نحرّك حوار الحضارة للتحدّث عن الحقوق من أجل توحيد النظرة إليها وتوحيد النظرة إلي المخاطر حتي لا يغلب خطر علي خطر. تتيح هذه المقاربة تعزيز الفهم بأهميّة الوجود علي الساحة العلميّة الذي يقوم علي امتلاك أسباب البقاء وتنظيمها. وفي هذا السياق تطرح اليوم أسئلة الحوار حول وضعنا كدول في لعبة السياسة العالمية والتي علينا خوضها مُجتمعين لا فرادي. ولا يتم ذلك إلا بُمشاركة الأطر ذات الصبغة التمثيلية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة التحرير الإسلامي وكل منظمات المجتمع الدولي، وغيرها من الأطر. كما يتم كذلك عبر وجود تحالف منظم تقوده الدول المعنية تتجاوز به المستوي الحالي للعلاقات القائمة علي التهمة ودفع التهمة بينها وبين الغرب. فالحوار العربي والإسلامي انحصر مع الغرب حول الصورة السلبية التي استقرّت لديهما عن بعضهما البعض، كأنما لم يعد ثمة أهمية إطلاقاً للحوار بيننا وبين الغرب حول صناعية القرار الدولي والتوازنات العالمية وغدونا نبدو وكأننا غير معنيين بها في حين أنّ المصالح المشتركة بيننا وبين الغرب أقوي بكثير من تلك التي يتحاور باسمها الغرب مع الصين والهند والكوريتين. المسؤوليات الثقافية والقانونية لا شك انه لا يُمكن فهم الحوار إلا علي ضوء المسؤوليات السياسية والقانونية، وليس بممارسة النقد الذاتي ومن ثمة لا يجب أن ينحصر الحوار في كونه حضارياً أو حواراً ثقافياً لأنّ ليس هناك ارتباط بحضارتنا أو بثقافتنا وإنما ارتباط بذلك المحيط النفطي الذي تنام عليه المنطقة. وقد زاد لا توازن المعادلات الجيو سياسية بعد انهيار جدار برلين /1989/ وانهيار الاتحاد السوفييتي /1991/ ومعه حلف فرصوفيا الأمر حدة وعجل ببيان أنّ الصراع لا يعود إلي اختلاف الثقافات، وإنما إلي اختلاف الموقع في هرم الرأسمالية العالمية وأنّ الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي الشمالي يتصارعان حول السيادة علي العالم. ولانفراد الولايات المتحدة بمطلق السلطة داخل التحالف الغربي أثره الكبير علي موقع أوروبا الغربية في عديد المناطق من العالم، ولو عدنا مثلاً إلي الاتحاد الأوروبي وموقعه في حوض البحر الأبيض المتوسط الذي يعوّل كثيراً علي الشراكة معه، لأدركنا سبب انزعاجه من الحضور الأمريكي في هذه المنطقة فالشراكة الاورومتوسطية كما جاء في بيان برشلونة مروراً بمالطة أبريل /1997/ وشوتغارت /1999/ تؤكد علي السياسة المستقلة عن الحلف الأطلسي في حوض البحر المتوسط خاصة في مسائل الأمن. هذه السياسة لا تقتصر علي العمل الدبلوماسي فحسب بل يعضدها ردع عسكري. وهو أمر يُشجّع عليه وضع جيرانها المتوسطيّن وطريقة تعاملهم فيما بينهم، لقد قامت سياسة أوروبا علي تحديد مصالحها المشتركة والرغبة في الدفاع عنها، لأنّ منطقة البحر الأبيض المتوسط منطقة مجاورة وتأثيرها الأمني كبير. فقررت إنشاء قيادة مُنفصلة عن الحلف الأطلسي نوقشت في برلين /1996/ لتوضع تحت إمرة الاتحاد الأوروبي الغربي مع إمكانية الاستفادة مما يوجد داخل الحلف الأطلسي وفي قمة /1999/ بواشنطن تباحثت في إمكانية الفصل النهائي للاتحاد الأوروبي الغربي عن الناتو وإلحاقه بالاتحاد الأوروبي لكن يظل الحلف الأطلسي الوسيلة الوحيدة لمواجهة أي اعتداء خارجي. لهذا أريد للحوار أن يُعبّر عن كل هذا أو أن يكون مقدمة لبناء علاقات سياسية جدية. فالامتياز النوعي لمثل هذا الحوار هو مُساعدتنا علي الانتقال إلي حيّز اللعبة العالمية من جهة كوننا أحد أبرز لاعبيها. نقول هذا ونحن نعي أنّ الحوار ليس مُجرّد شكل من أشكال الحضور وإنما هو تعبير علي أننا أصبحنا نملك حاسة شم تجاه التاريخ وعلي القائمين بالحوار أن يُديروا بنجاح معركة الأولويات بعد انتهاء النظام الدولي الذي بدأ في /1945/ برعاية الأمم المتحدة، وبعد تصريح بوش الابن عقب تفجيرات /11/ ايلول (سبتمبر)، وبعد أن دفع العرب والمسلمون أفدح الفواتير في أفغانستان والعراق. لا يزال الرهان مفتوحاً أمامنا بلا حدود ولا يزال الحوار مدخلاً ضرورياً لزمن العولمة شريطة أن نحسن توظيف الأوضاع الدولية ونجعلها تسمح بإجراء وإدامة هذا الضرب من الحوار لأنّ فرص الحوار تصنع ولا نترقبها. ومتي صنعناها صنعنا حواراً ومتي ترقبناها صنعوا عوضاً عنا حواراً وأشركونا مُجاملة. فليست المسألة في أن يقضي الحوار علي جلّ مظاهر التوتر والعنف بقدر ما يرسم خارطة التعاون الدولي. وما ينبغي أن تكون عليه السياسة الدولية. تعزز هذه المقارنة أهمية صنع فرص الحوار وذلك بإظهار أن كل ما اكتسبه الجنس البشري وما راكمه من خيرات لم يمنع ـ كما لم يمنع سابقاً ـ مظاهر الوحشية والبربرية والحروب التي لا تبقي ولا تذر وظلت المسائل عالقة وظل الفكر واقفاً عند إسباغ التبريرات، ومن هذا المنطلق بالإمكان الابتعاد عن النموذج الذي ساد في الفكر نحو الاهتمام بما هو مشترك بين البشر. فالضرورة تقتضي وبشكل نهائي الانتباه إلي خطورة العنف وخطورة إنتاجه وتكرار إنتاجه، كما تقتضي الانتباه إلي توجيه الحوار بإعطائه مقاصد واضحة. فالحوار يضمن للسياسة الدولية معقوليتها ويضمن لها دليل وجودها ومن ثمة يرشدنا إلي من نحاور: هل نتحاور مع أمريكا؟ أم مع الصين؟ هل نتحاور مع أوروبا أم مع بعضنا البعض؟ أم مع كل هؤلاء؟ حسب هذا المنظور ليس الحوار غاية في حد ذاته فهو تجاوز للحوارية السجالية نحو خلق حوارية التحالفات وهذا يكون بضرب من ثقافة للحوار علينا امتلاكها. فمقاومة الهيمنة لا تكون بزرع الخوف من قوة الآخر لأن ذلك يضاعف خوفنا حيث ينضاف علي خوفنا من الآخر خوف الآخر منا. لهذا وجب تعويضها بفكرة الشراكة. والشراكة ليست رؤية أخلاقية تقوم علي التقريب بين فضائلنا وفضائلهم، وليست دعوة للعقلانية والحداثة وإعلائها عن غيرها، فحسب، وإنما هي رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية تنموية ووعي بالمصالح المشتركة وإعلاؤها علي غيرها. فثقافة الحوار شبكة من القدرات تتجاوز مواقف التسامح المتبادل وتحسين الصورة بالقطع مع الأحكام الجاهزة والمسبقة لأنها تقوم علي الاعتراف المبدئي بالآخر (Reconnaiance) الذي نصنع وإياه تحالفنا. وميزة ثقافة الحوار أنها تساعدنا علي التحاور حول القضايا المشتركة وحول التحديات التي تواجهنا لتجعلها تحديات للجميع ومن ثمة تكون الحاجة إلي خطة عالمية مشتركة من صنيع جميع الشعوب والحضارات. وهكذا ينحصر الحوار في مجال السياسة والعلاقات الدولية، بين السياسيّين والمثقفين والعلماء والمفكرين ليساعدونا علي تحديد أولويات التحالف. ولا يقتصر دور المثقفين والعلماء علي إضفاء وجدان وعاطفة علي اللغة الدبلوماسية لإخراجها من طابعها الجامد، فحسب، فمع سيادة ثقافة الحوار لم يعد ممكناً تناول حوار الحضارات حسب اصطلاح المفاهيم تقليدياً لأن المثقف أو العالم المفكر صار جمعاً لأنه ينتمي إلي مؤسسات المجتمع المدني ولأن الحوار صار سلاحاً وليس مجرد أمنيات، فاستلهام روح حضارتنا والتأكيد علي رؤيتها فيما يتعلق بالتفاعل والتعايش بين مختلف الحضارات والأديان وإسهام العالم العربي والإسلامي في الأنشطة الدولية المتعلقة بحوار الحضارات سيجعل ذلك التقارب بيننا وبين بعض الحضارات مؤثراً ومحدداً في العلاقات الدولية. وهذه إحدي الخيارات المثلي التي يجب أن نترقبها من حوار الحضارات. فصنع السلام العالمي يفترض منا أن نكون داخل اللعبة العالمية أي أن نكون مشاركين وفاعلين في صوغ العلاقات الصانعة للسلام ولكي نكون مشاركين وفاعلين يجب أن ننتقل من الحوار إلي التحالف ومن التحالف إلي اختيار الحلفاء. سلطة الحوار هنا نتحدث عن سلطة الحوار التي تحقق النقلة من المنشود إلي الموجود وما دام المنشود قيماً ومباديء وما دام الموجود تحويل هذه القيم وهذه المباديء إلي قواعد ملزمة تسمي مشاريع أو مبادرات أو شراكة أو حلفاً وجب توحيد رؤيتنا حول المنشود وكذلك وجب أن نميّز داخل الحوار المنشود بين الحوار الخاص والحوار المشترك. ونعني بالحوار الخاص الحوار داخل الحضارة الواحدة حواراً بين أبنائها ليتمكنوا من الحوار مع الآخر بصوت واحد لذا يكون الحوار الخاص حواراً عربياً عربياً وحواراً عربياً إسلامياً وآخر إسلامياً إسلامياً، وغالباً ما يتعلق بقضايا خاصة تهم أبناء الملة الواحدة أو المصير الواحد لأنهم يدركون أكثر من غيرهم خصوصياتهم لاشتراكهم في عديد المقدمات أو المسلمات التي لا تحتاج إلي سجال من أجل تحويلها إلي مباديء للعمل المشترك لكن حين يتعلق الأمر بالحوار المشترك وهو ما نعني به الحوار بين الحضارات فهو مخالف لذلك لأن الأمر يتطلب ثقافة تواصلية جديدة تكون خلقاً للشروط المثلي المحققة للعيش سويا ومن هذه الشروط المثلي: الحيادية: وهذا الشرط يفترض ـ خلافاً للحوار داخل الحضارة الواحدة ـ الاقتصار علي القيم والأفكار الكونية دون غيرها. وكيف تقدم كل حضارة نفسها للعالم بشكل حيادي فتظهر تحررها وانفتاحها وتسامحها ومن ثمة تعبر عن قدرتها علي التفاعل مع الآخر وليس الحكم عليه. لهذا السبب نتحدث عن ثقافة عالمية حوارية مشتركة بين الحضارات تحقق تحرراً من كل ارتباطات شوفونية وعنصرية وهذا التحرر شعور يتكون لدي المتحاورين ومديري الحوار متبوع بشغف اكتساب معرفة ما عند الآخر. الشرط الثاني هو القصدية: لا تعود القصدية إلي النوايا وحسن الاستعداد فحسب، بل تعود أساساً إلي الخارطة الجيو ـ سياسية وما نريد قوله بهذا الشرط هو أن طبيعة العلاقات الدولية هي دوماً علاقات قوي وما تولده هذه العلاقات من توازنات فيتدخل الحوار من جهة كونه موضوع تواصل كوني بين الحضارات ليجعل السلم الكوني ممكناً لا بما هو حلم إنساني أو أمنية يرغب فيها الجميع فحسب وإنما بما يبين أن السلم هو خبرة أو ثقافة مشتركة بفعل الكونية اللذين قصدهما الحوار، وأن التطور التكنولوجي والاتصالي والمعرفي الذي ترتكز عليه العولمة هو المجالات التي تتأسس عليها ثقافة الحوار. إن احترامنا وسعينا الدؤوب علي الحوار داخل حقل العلاقات الدولية مدخل لاحترام حضارتنا التي تزداد سمواً بفعل قدرتها علي تهيئة السلم في غايات مجال ثقافة الحوار. لذا كان هذا الجانب مكملاً للبعد الكوني المعروف للحضارة العربية الإسلامية. وهذا ما يجعلنا نبدو أكثر تحضراً طالما أن الحضارة هي التحرر من العدوانية والضرورات والأهواء نحو الانفتاح علي الغير ونحو ما يحقق التواصل وما يؤسس لكل مجال مشترك بين البشر. فالحوار استعداد متبوع برغبة الانفتاح لمعايشة ما هو مشترك معايشة سوية. علي هذا الأساس لم يكن الحوار مجرد مناسبة احتفالية نشارك بها غيرنا من الحضارات وإنما هو ثقافة من جهة ما هي قدرة علي الحكم علي الذات وعلي الآخر وتقديره موضوعياً. فلا وجود لحوار من اجل ذات الحوار وإنما الحوار دوماً لمقاصد خاصة في زمن العولمة حتي يستطيع مخاطبنا التواصل معنا بهذا الشكل، فحين نتمكن من نقل قيمنا التي يشاركنا الآخرون فيها، وشرح أهدافنا وهي قريبة من أهداف الآخرين فنحن ننتظر منهم التواصل معنا بخصوص ما هو مشترك بيننا وبينهم، وهذا ضرب من المصالحة. فليس الفرادة ما يحرك الحضارات وإنما المشترك لأنه قمين بتبدل المواقف وتعديل النظر وتنسيب القرار. لعله من اليسير الآن إدراك أن إرساء ثقافة للحوارالغاية منه المشاركة في إرساء منظومة عالمية أقل إجحافاً مما سبق. فالتوسل بالحوار لتأسيس علاقات جديدة بين البشر هو إدراك منا لاتجاه التاريخ الذي حددت العولمة إطاره، فإما أن نكرر الخطأ الذي قمنا به علي امتداد قرن من الزمن حين صارعنا الحداثة ورفضناها باسم التغريب وسوينا بينها وبين فقدان الهوية والديانة وبينها وبين التربص بالأمة وبالأصالة ولم نجن من ذلك سوي عمق الفجوة الحضارية بيننا وبين الآخر. فالعولمة كونية جديدة والتحالف المنبثق عن الحوار هو الذي سيسم هذه الكونية بميسمه حتي لا تحيد عن مقاصد العيش سويا ولا تتعثر في الريبة والحذر المنتجين للعنف. وإما الاستعداد لاستخلاص الدروس والحضور في التاريخ قبل أن يُصنع التاريخ في غفلة منا. ہ ألقيت هذه المحاضرة يوم 27/3/2006، ضمن الندوة الدولية لحوار الحضارات التي أقامتها مديرية الثقافة في مدينة الرقة ـ سورية . ہہ جامعة المنار تونس. (المصدر: صحيفة القدس العربي بتاريخ 29 أفريل 2006 )  

 

المأزق الفلسطيني: من أجل صيغة بديلة لمنظمة التحرير

السيد ولد اباه يتلخص المشهد الفلسطيني الراهن في ثلاثة مؤشرات بادية للعيان هي: صدام الفصيلين الرئيسيين اللذين يتقاسمان مسؤولية الحكم (فتح ـ حماس)، حكومة تحظى بدعم شعبي وافر في الوقت الذي يشتد عليها الحصار الخارجي، وتوقف كامل لمسار التفاوض بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي في الآن الذي شرعت فيه حكومة تل ابيب الجديدة في تطبيق مشروع الفصل الأحادي بين الكيانين. ويمكن أن نستنتج من هذه المؤشرات نتائج عديدة، بيد أن ما يهمنا في هذا الحيز هو الوقوف على تأثيرها الحاسم على تركيبة العمل السياسي الفلسطيني، الذي نعتقد أنه قد دخل منعرجا حاسما، ولم تعد تجدي فيه التوازنات الهشة التي حافظت على شكله المؤسسي الحالي خلال العقود الأربعة الأخيرة. ومن المعروف أن الحركة الوطنية الفلسطينية كما تشكلت منذ الستينات تمحورت حول هدف استراتيجي هو تحرير الأرض وبناء الدولة المستقلة وبنية مؤسسية هي منظمة التحرير الفلسطينية من حيث هي الدائرة التمثيلية الجامعة لكل اتجاهات الطيف الوطني والممثل الوحيد عربيا ودوليا للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من المحن والمصاعب التي مرت بها حركة التحرير الفلسطينية، إلا أنها استطاعت في كل مراحل تطورها الحفاظ على أرضية إجماع واسع (لم تنل منه ضغوط وتدخلات الحكومات العربية) كما نجحت نجاحا باهرا في حفظ التوازن الصعب بين قيادات المنفى والزعامات الداخلية (في الأرض المحتلة). ومع أن الانتفاضة الأولى (في الثمانينات) قد حولت النظر إلى ديناميكية المقاومة الداخلية، غير أن تلك الانتفاضة بدت أو انها خط استراتيجي من تدبير قيادة المنفى لتعويض الموقع اللبناني المفقود.
إلا أن الانتفاضة الأولى أفرزت تحولين بارزين هما:
أولا: تزايد نفوذ الجماعات الإسلامية التي مالت للانفصال عن التنظيمات المنضوية في منظمة التحرير، بعد أن كان عدد من أبرز مؤسسي المنظمة من العناصر القريبة من حركة الإخوان المسلمين (خالد الحسن وأبو إياد بل وعرفات نفسه). وهكذا تأسست حركة حماس وأصبحت قوة يحسب لها حسابها في الشارع الفلسطيني. ثانيا: بروز قيادات شابة ميدانية من داخل تنظيم فتح نفسه (العمود الفقري لمنظمة التحرير)، اكتوت بالقمع الإسرائيلي، وعرفت المجتمع الصهيوني من الداخل، ووصل بعضها إلى الواجهة. عبر التنظيمات والشبكات الأهلية الناشطة في العمل الخيري والاجتماعي. ومن أبرز أمثلة هذه القيادات مروان البرغوثي الذي ارتفع صيته في الانتفاضتين الأولى والثانية. وشكل اتفاق أوسلو الذي أفضى إلى قيام الحكم الذاتي الفلسطيني تحولا نوعيا في استراتيجية وتركيبة حركة التحرير الفلسطينية في مناح ثلاثة: الانتقال من آلية العمل الفدائي المسلح إلى آلية التفاوض والتسوية السلمية لحل الصراع مع إسرائيل واستعادة الأرض المحتلة، دخول قيادة المنفى إلى الداخل وتبوؤها مراكز القرار والسلطة وانبثاق بنية مؤسسية تمثيلية جديدة للشعب الفلسطيني في الداخل (المجالس البلدية والتشريعية المنتخبة). ولقد أفضت هذه المتغيرات الكبرى إلى مضاعفة الثنائية الفلسطينية (الشتات والداخل من جهة، ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية من جهة أخرى). ولئن كان حضور الزعيم الراحل ياسر عرفات وإشعاعه الرمزي قد تمكنا من التغلب على التداعيات السلبية لهذه الثنائية المضاعفة، إلا أن أخفاق عملية التسوية وما نجم عنه من اندلاع الانتفاضة الثانية الدامية ثم غياب الزعيم نفسه بعد سنوات حصار قاس ومرض غامض، أمور تركت أثرها المكين على تركيبة العمل الفلسطيني الذي أصبح من الجلي أنه قد تغير جذريا من حيث التوازنات والموجهات الاستراتيجية وصيغ الممارسة الإجرائية. وقد أنعكس هذا التغيير بدءا في إدارة أزمة خلافة الرئيس عرفات التي ان مرت ظاهرا بسلام (بضغط عربي ودولي واضح) إلا أنها سرعان ما تجلت في الخلاف الحاد المتفاقم بين جناح القيادة في الشتات (الذي يمثله رئيس الدائرة السياسية فاروق القدومي المقيم في تونس) وجناح السلطة التنفيذية وأجهزتها البيروقراطية والأمنية والدبلوماسية في الداخل، وبلغ الصدام أوجه خلال قمتي تونس والجزائر، وانعكس في ما أصبح يطلق عليه في الشارع الفلسطيني بمعركة السفارات (حركة تعيين السفراء الفلسطينيين في الخارج التي أفضت إلى شل العمل الدبلوماسي الفلسطيني). وفي الوقت الذي كشفت فيه الانتخابات الرئاسية والبلدية التي نظمت بعد رحيل عرفات عن تجذر الهوة بين الجيل المؤسس من حركة فتح وقياداتها الشابة، كشفت في الآن نفسه على بوادر اكتساح التيارات الإسلامية للشارع الفلسطيني المحبط الذي ينظر بعين الغضب والامتعاض لتجربة السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة (تهم الفساد والرشوة وتجاوزات الأجهزة الأمنية). ولذا لم يكن انتصار حركة حماس في الانتخابات التشريعية مفاجئا، حتى ولو كان تجاوز الحد الذي كان متوقعا. وهكذا انجر عن اكتساح حركة حماس للمجلس التشريعي الفلسطيني وتسلمها من ثم لإدارة الشأن العام في مناطق الحكم الذاتي وضع جديد غير مسبوق تلخصه المفارقة التالية: احتفاظ منظمة التحرير كطرف أوحد في مسار التفاوض مع إسرائيل بالمشروعية السياسية التي تخولها حسم الملفات الجوهرية المتعلقة بالوضع النهائي وإمساك حركة حماس الرافضة لمنطق التسوية (والاعتراف باسرائيل) بمركز القرار الذي وصلت إليه بالانتخاب الديمقراطي الشفاف والنزيه في الوقت الذي تحرمها المقاطعة الدولية والضربة العسكرية والأمنية الإسرائيلية من القدرة الفعلية على أداء مهماتها التنفيذية المحدودة بسقف أوسلو الذي هو «اطار شرعية» حكمها وإن كانت رافضة له. ومن الواضح أن الأرضية الفلسطينية غير مهيأة لمثل هذا التعايش العصي بين شرعيتين ومرجعيتين وبنيتين مؤسستين متعارضتين. بيد أن صدام حركتي فتح وحماس الذي كاد أن يخرج عن نطاق التحكم، يعكس ما هو أبعد وأعمق من مجرد الأزمة السياسية الحالية، ويحيل إلى ما نعتقد أنه أزمة جوهرية تطال العمل السياسي الفلسطيني، الذي لم تعد هياكله المؤسسية فاعلة، ولا قادرة على تجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية المعرضة لمخاطر التمزق والفتنة الأهلية. ولذا لا بد من الإقرار أن حركة فتح لم تعد تشكل محور ارتكاز الحركة الوطنية الفلسطينية، كما أن منظمة التحرير نفسها لم تعد قادرة في شكلها الحالي على استيعاب تناقضات واختلافات الشارع الفلسطيني، كما لم تعد قادرة بالمعنى نفسه على إدارة ثنائية الشتات والداخل، وثنائية المقاومة والتفاوض.
( المصدر: صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 29 أفريل 2006 )

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.