الاثنين، 1 فبراير 2010

TUNISNEWS

 9ème année, N°3541 du 01. 02. 2010

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

 العشريتين الدكتور الصادق شورو

وللصحافيين توفيق بن بريك وزهير مخلوف

ولضحايا قانون الإرهاب


حــرية و إنـصاف:المراقبة الإدارية أو سلاح السلطة لقهر جزء من المعارضة

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين:نداء عاجل لكشف مصير شباب قرية الدخيلة..

حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس

السبيل أونلاين:أيمن الجبالي وعلي بن محمد عمارة من السجن إلى الهرسلة المستدامة

رشيد خشانة:الحكومة تفشل مرتين في امتحان حقوق الإنسان

عبد اللطيف محمد منتصر:نحو  استراتيجية جديدة  للتعايش الديمقراطي والحكم الرشيد

فاخر التليلي:متى ستقع محاسبة المسؤولين الأمنيين بجهة قفصة على تجاوزاتهم

البديل عاجل:أخبـار:هل هي بداية انتفاضة “الحوض البحري”؟

المرصد التونسي:اضراب بمدرسة الربايعية – منزل بوزيان بسيدي بوزيد

الأسبوعي:نحو رفع قضية اغتيال حشاد أمام القضاء التونسي والفرنسي في نفس الوقت

بشير الحامدي:متى تبدأ عجلة المكتب التنفيذي لقطاع التعليم الأساسي في الدوران؟

المرصد التونسي:الأخ عبد الرحمان الهذيلي يكذب التصريحات التي نسبت له

الأمين العام للحزب في حديث صحفي لمجلة “حقائق”: “مبادرتنا مستقلة عن السلطة وننتظر ردّة فعلها حول الاعتذار الفرنسي”

منجي الخضراوي:وداعا محمّد قلبي.. إنهم لم يطاردوا بعد، برأس الأفعى

الأسبوعي:رحل محمد قلبي وبقيت لمحاته

فاروق النجار:حكم بالإعدام على أقدم جامعة خاصة في تونس

صلاح الدين الجورشي :الحوار بين العِـلمانيين والإسلاميين في العالم العربي يتقدم.. ولكن ببطء

قناة المستقلة: مذكرات محمد مزالي ومناقشات عن الديمقراطية في العهد البورقيبي

البديـل عاجل:هذه هي الرياضة في تونس!!

الجزائر نيوز:الحياة السرية للجنرال العربي بلخير (الحلقة الاولى)

توفيق المديني:هل من مستقبل للاتحاد من أجل المتوسط؟

صالح النعامي:الإسرائيليون إذ يربطون بين التوريث والجدار الفولاذي

عبد الحليم قنديل:قانون إجرامي

منير شفيق:المصدر:أوباما يعالج الفشل بالخطابة


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows)To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)  


منظمة حرية و إنصاف

التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

ديسمبر 2009


الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 16 صفر  1431 الموافق ل 01 فيفري 2010

المراقبة الإدارية أو سلاح السلطة لقهر جزء من المعارضة

 


 

 

يشكو عدد من المسرحين من المساجين السياسيين السابقين من المضايقات المسلطة عليهم من قبل أعوان البوليس السياسي ومن بينهم السجين السياسي السابق السيد الهادي بن جميل بن بشير الجازي صاحب ب. ت. و. عدد 1777518 الذي قضى بمختلف السجون التونسية 9 سنوات و 4 أشهر من أصل حكم يقضي بسجنه مدة11 عاما، وبعد أن خرج من السجن في 02/11/2004 أخضع للمراقبة الإدارية التي فرضت عليه لمدة 5 سنوات كاملة أصبح خلالها يتردد على مركز الحرس بمعتمدية الميدة من ولاية نابل للإمضاء في دفتر لإثبات أنه يقيم بالمكان الذي وقع تخصيصه له وأنه لم يغادره أبدا. وبعد قضاء 5 سنوات في المراقبة الإدارية التي انتهت في 02/11/2009 وقع اقتياده بصورة تعسفية إلى مركز الحرس بالميدة لإشعاره شفاهيا بأن السلطة التنفيذية قررت إخضاعه من جديد لفترة أخرى من المراقبة الإدارية، وعندما طالبهم بمده بنسخة من القرار الذي ينص على التمديد وقع تهديده من قبل رئيس مركز الحرس بالميدة المدعو عدنان الفطناسي العزيزي بإدخاله للسجن وبأن مركز الحرس هو الذي يصدر القانون بل هو القانون بعينه. علما بان السيد الهادي الجازي قد صدر ضده حكم بالسجن أثناء قضائه لفترة العقوبة التكميلية مدة ثلاثة أشهر من أجل مخالفة تراتيب المراقبة الإدارية رغم أنه أعلم مركز الميدة بتغيير عنوان إقامته من الميدة إلى منزل بوزلفة ورغم إعلامه لرئيس مركز الحرس الذي يقع العنوان الجديد في دائرة اختصاصه بالنقلة. وتجدر الإشارة إلى أن السيد الهادي الجازي شغل منصبا إداريا في الكتابة الخاصة للمندوب العام للحكومة طيلة ما يقارب 18 عاما، وإلى الآن لم تصرف مستحقاته المالية، وقد بقي عاطلا عن العمل مدة تزيد عن العام بعد خروجه من السجن الأمر الذي اضطره للبحث عن مشروع تجاري يمكنه من سد حاجياته. وحرية وإنصاف: تتساءل ما إذا كانت إدارة الأمن هي التي تصدر الأحكام وتنفذها وتعيق المسرحين من المساجين السياسيين عن أي نشاط وتخضعهم للمراقبة الإدارية بدون أي موجب وذلك يعتبر من قبيل التعسف الذي لا يجيزه القانون بل ويعاقب عليه، وتطالب السلطة الأمنية بوضع حد لمثل هذه التصرفات التعسفية إزاء أشخاص وقع حرمانهم من حق المواطنة لا لشيء إلا لأنهم يحملون أفكارا مخالفة للأفكار التي تريد السلطة فرضها عليهم. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري  

الحرية لجميع المساجين السياسيين الحرية للدكتور الصادق شورو الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 43، نهج الجزيرة – تونس البريد الالكتروني: aispptunisie@yahoo.fr تونس في 31 جانفي 2010

نداء عاجل لكشف مصير شباب قرية الدخيلة..

 


قام أعوان أمن يُعتقد أنهم تابعون لمركز العوينة بتوقيف شباب من رواد المساجد في مساء يوم 14 جانفي 2010  بقرية الدخيلة بمعتمدية طبربة من ولاية منوبة، وهم سيف المبروكي و ماجد بن فرج وسفيان البجاوي، ولا تعلم عائلاتهم عن مصيرهم شيئاً. والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، إذ تسجل إستمرار حملات التوقيف التعسفي والإحتجاز خارج رقابة القضاء و دون احترام الإجراءات القانونية فإنها تجدد التنبيه إلى أن الحرب المزعومة على ” التطرف ” أو ” الإرهاب ” ليست في الواقع إلا حملات تمشيط دورية تطال الشباب المتدين ويتبارى فيها أعوان الأمن على إظهار تفانيهم واجتهادهم ولو كان الثمن الزج بالأبرياء من الشباب في قضايا الإرهاب ، إظهاراً لمثابرة مغشوشة و حرصاً على إبداء كفاءة زائفة ،  كما تدعو الجمعية السلطات المسؤولة إلى الإفراج الفوري عن الشبان الموقوفين و تحمل محتجزيهم المسؤولية كاملة عن سلامتهم الجسدية و المعنوية ..
عن الجمعيـــة لجنة متابعة السجناء المسرحين  

الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com
تونس، في 14 صفر 1431 الموافق ل 30 جانفي 2010

أخبار الحريات في تونس


1)اعتقال مجموعة جديدة من الشبان بجهة طبربة: اعتقل أعوان البوليس السياسي مساء يوم الخميس 14 جانفي 2010 بمنطقة الدخيلة التابعة لمدينة طبربة من ولاية منوبة الشبان سفيان بن بشير البجاوي (من أمام المسجد) وماجد بن الهادي بن فرج (من الشارع) وسيف الدين المبروكي (من الحافلة) واقتادوهم إلى جهة مجهولة دون الاستظهار بأي إذن قضائي، ثم قام الأعوان بتفتيش منازل المعتقلين الثلاثة حيث حجزوا عددا من الكتب الدينية والحاسوب الشخصي للشاب ماجد بن فرج، ولا تزال عائلاتهم تجهل سبب اعتقالهم وتخشى على مصيرهم. وحرية وإنصاف: تدين استمرار حملة الاعتقالات في صفوف الشباب المتدين كما تدين ما يشوب هذه الحملة من خروقات قانونية وانتهاكات لأبسط الحقوق وتدعو إلى الإفراج الفوري عن الشبان الثلاثة. 2)أيمن الجبالي وعلي عمارة بين المضايقة والاعتقال: يتعرض الشابان أيمن بن عمار بن رمضان الجبالي وعلي بن مصطفى بن محمد عمارة إلى الاضطهاد المستمر من قبل جهاز البوليس السياسي، حيث تم اعتقالهما يوم السبت 23 جانفي 2010 واقتيادهما حوالي منتصف الليل إلى مركز شرطة الشاطئ بالمرسى وإخضاعهما للاستجواب وتم هناك الاعتداء بالعنف الشديد على الشاب علي عمارة من قبل رئيس فرقة الإرشاد، ثم أطلق سراحهما. وعلى الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم السبت 30 جانفي 2010 تم اعتقالهما من جديد واقتيادهما إلى مركز شرطة حي الربيع واستجوابهما، وفي هذه المرة تم الاعتداء بالعنف الشديد على الشاب أيمن الجبالي من قبل رئيس فرقة الإرشاد الذي كان في حالة سكر واضح، وقد أطلق سراحهما بعد أن حررت بشأنهما بطاقة إرشادات. ويعتزم الشاب أيمن الجبالي، الذي سبق له وأن حُكم عليه بثلاث سنوات سجنا وعقوبة تكميلية بخمس سنوات مراقبة إدارية، تقديم شكاية في التعذيب ضد أحد أعوان البوليس السياسي بعد أن سلمه الطبيب الذي فحصه شهادة طبية تثبت ما تعرض له من تعذيب. وحرية وإنصاف: تدين بشدة الاعتداءات المتكررة التي تستهدف شباب تونس وتندد بممارسات أعوان البوليس السياسي المخالفة للقانون وتدعو السلطة إلى إلزام الأعوان باحترام القانون واحترام كرامة المواطن وصون حقوقه. 3)حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو عيدا آخر وراء القضبان: لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس: الأستاذ محمد النوري  


أيمن الجبالي وعلي بن محمد عمارة من السجن إلى الهرسلة المستدامة


السبيل أونلاين – تونس – خاص اعتقلت فرقة من البوليس بلباس مدني في إطار حملة تفتيشية (رافل) يوم 23 جانفي 2010 على الساعة منتصف الليل والنصف ، أيمن بن عمار بن رمضان الجبالي رقم بطاقة تعريف 05459594 ، ويقطن بـ 12 نهج القصرين حي الربيع المرسى ، والذي صدر بحقه حكم بـ 3 سنوات سجن قضاهم، مع ملحق حكم بالمراقبة الإدارية مدته 5 سنوات، وقد غادر السجن منذ حوالي 3 أشهر، وهو يخضع للمراقبة في مركز الشرطة حي الربيع بالمرسي . كما اعتقلت الفرقة نفسها على بن مصطفي بن محمد عمارة رقم بطاقة التعريف 05453129 ، ويقطن بـ 12 نهج الجزائر بالمرسي، وقد حوكم في نفس القضية بسنتين مع تأجيل التنفيذ، ولم يتعلق به حكم بالمراقبة الإدارية . ووقع إقتيادهما إلي مركز شرطة الشاطئ بالمرسي ، وهناك وقع الإعتداء عليهما من طرف فرقة الإرشاد وأطلق سراحهما في مساء اليوم نفسه . يذكر أن الشابين لهما مشروع مشترك لمواد الطباعة والتنظيف وهما أبناء حي واحد وتربط عائلاتيهما علاقة صداقة. ثم أعيد اعتقالهما من جديد يوم أمس السبت 30 جانفي على الساعة الرابعة والنصف عصرا، واقتيدا إلى مركز شرطة حي الربيع وهناك أعتدي على أيمن الجبالي بالعنف من قبل رئيس فرقة الإرشاد الذي كان بحالة سكر، وأخضعا إلى إستجواب وسجلت بحقهما بطاقتي إرشادات . وقد منحت شهادة طبية لأيمن الجبالي وهو يعتزم تقديم شكوى إلى وكالة الجمهورية من أجل فتح بحث ضد من قام بتعنيفه. وهما يناشدان المنظمات والشخصيات الحقوقية بالداخل والخارج الوقوف إلى جانبهما من أجل وقف المظلمة التى يتعرضان لها.
بالتعاون مع الناشط الحقوقي سيد مبروك – تونس

(المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس)، بتاريخ 31 جانفي 2010)  


الحكومة تفشل مرتين في امتحان حقوق الإنسان


رشيد خشانة تكتسي الزيارة التي قام بها لبلادنا المقرر الخاص للأمم المتحدة المكلف بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية السيد مارتن شاينن أهمية بالغة بالنظر لٌطبيعة الإستنتاجات التي استخلصها في أعقاب محادثات مطولة استمرت خمسة أيام مع المسؤولين الرسميين وممثلي المجتمع المدني على السواء. فقد وضع المسؤول الأممي الإصبع على قضايا مفصلية ظلت الحكومة تتنصل دوما من الإعتراف بها وتتهرب من أي حوار في شأنها، رغم أن لمهمته حدودا مسطرة سلفا تتعلق بالتثبت من مدى احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في مسار مكافحة الإرهاب. وطبقا للتصريحات الأولية للسيد شاينن (في انتظار التقرير المفصل) فإنه صُدم بعمق الفجوة بين الخطاب والممارسات الواقعية، مع تركيزه على أمرين أولهما ما اعتبره تلاعبا بقانون الإيقاف التحفظي، وثانيهما الإعتماد في المحاكمات على الإعترافات وسيلة للإدانة “في غياب تحقيقات ملائمة للتثبت من دعاوى التعذيب وسوء المعاملة” كما قال. وما صرح به المقرر الأممي غيض من فيض ما سجله من ملاحظات من الصعب الطعن فيها، لأنها ثمرة جلسات عمل مع الجهات الحكومية المعنية والجمعيات التونسية ذات الصلة التي تملك تفاصيل هذه الملفات. وبهذا الإعتبار فهي تطرح المسائل الجوهرية التي طالما حاول الحكم التأكيد أنها من اختلاق المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بينما هو لا يملك اليوم الطعن في مصداقية منظمة الأمم المتحدة التي تديرها دول تُعتبر شريكة رئيسية لتونس. وهذا يعني أن السماح لمقررين أمميين آخرين، من الذين حان الوقت لأدائهم مهمات مماثلة، بالمجيء إلى بلادنا، سيكشف جوانب أخرى مسكوتا عنها حتى الآن. ومعلوم أن السيد شاينن هو أول مقرر يُسمح له بزيارة تونس منذ 11 عاما، إذ أن الهندي حسين عبيد هو أول وآخر مقرر أممي زارها في 1999، وأعد تقريرا شهيرا عن حرية التعبير في تونس لم يُنفذ سطر واحد من التوصيات التي تضمنها إلى اليوم. وهناك مقررون آخرون يُفترض أنهم أتوا إلى البلاد في السنوات الأخيرة طبقا لآلية وافقت عليها الحكومة طوعا، ومنهم مقرر خاص بمجال القضاء والمحاماة وآخر بوضعية السجون وثالث بالتعذيب وهكذا … أكثر من ذلك، تزامنت زيارة المقرر الأممي مع مناقشات أجريت في البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي حول وضع حقوق الإنسان والحريات في بلادنا (انظر ص 2). وهذا التزامن ليس من باب الصدفة، مثلما أن موافقة الكتل السياسية في البرلمان الأوروبي على تخصيص جلسة لمناقشة أوضاع الحريات في بلادنا ليس مصادفة ايضا بعد تصاعد الإنتهاكات منذ الإنتخابات الأخيرة، وخاصة ضد الإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وبرهنت مجريات النقاش على فشل الحكم في إقناع شركائه الأساسيين بصواب خياراته وبأن تلك الخيارات ستضمن الإستقرار واضطراد النمو للبلاد. وإذا كان هؤلاء الشركاء الذين لديهم مصالح في تونس يُبدون مثل هذا القلق من الأوضاع الراهنة وخاصة من تكلس النظام السياسي، فكيف بأهل الدار المُسيجين بحصار دائم لا يُسمى باسمه، والذي لا يُسمح لأحد في ظله بالتحرك، إن كان حزبا أم فردا، جمعية أم نقابة مستقلة؟ قصارى القول أن مهمة المقرر الأممي وجلسة البرلمان الأوروبي ينبغي أن يُنظر إليهما على أنهما قرع لناقوس الخطر للتنبيه إلى عواقب سياسة النعامة التي يمضي فيها الحكم غير ملتفت إلى القوى الحية، السياسية والإجتماعية، التي لا حل لمشاكل البلاد من دون الحوار معها وإشراكها في الخيارات. (المصدر: “الموقف” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 531 بتاريخ 29 جانفي 2010)
 


نحو  استراتيجية جديدة  للتعايش الديمقراطي والحكم الرشيد


* نحن لانولد من أجل انفسنا بل من أجل الوطن *  أفلاطون     مقدمة  
لقد أطلق العديد من المفكرين والفلاسفة وعلماء السياسة مفاهيم عديدة للديمقراطية ولكن يبقي المفهوم الثابت والسائد للديمقراطية هو : * التوزيع العادل لمراكز القوى* ، وهي معادلة قوامها = التداول السلمي على السلطة و التوزيع العادل لثروات المجتمع  وثمار التنمية    *    =    *    =   *               وأنا لا أفهم تفسيرا آخر يخرج عن هذه المعادلة وانطلاقا من هذه المنهجية علينا أن نجتهد كل من موقعه على فهم هذه المقولة وتطبيقها على أرض الواقع ولا مجال لتنمية منجذرة تجذرا عميقا في نسيج المجتمع خارج هذا الطرح الديمقراطي من التداول السلمي على هرم السلطة والطرح الديمقراطي له آليات ومؤسساته ونسقه وإن انتهاج سلوك اخر إزاء هذا المنهج يفتح المجال مفزعا لكل ضروب الأستبداد والفساد والاحتكار والتآمر…. إننا نحس  بدوران وغثيان وقلب يعتصر وفؤاد يكتفه الأسى ذلك هو الشعور السائد عندما نلقي نظرة عامة على واقع السياسة والحكم الرشيد في البلدان العربية شرقية كانت او مغربية فهناك طاقات هائلة من أبناء وطننا هاجرت أوكارها إلى بلاد الله الواسعة بحثا عن متنفس وهروبا من قسوة جلاد لأن الحرية هي أغلى شيء وأثمن نعمة على البشر والسفينة التي لا يوجد بها من ينبه للخطر تغرق كذلك هي الأوطان وعندما يمارس الواحد منا حقه في التفكير والتعبير والأصداع بالرأي ويبوح في علنه بإرادته في الحياة الكريمة العزيزة وعزمه على الاخلاص والصدق للوطن يصبح هدفا للقهر ويحمل بالاضافة الى ذلك ما لاطاقة له به من قبل نظام سياسي يضيق بالرآي المختلف لكن في جميع الأحوال ورغم اثار الدمار تبقى الفرصة قائمة للبداية عن جديد لاننا لابد أن نقبل التحديات حتى نلامس ضفاف النصر  ولأن ليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئا نناضل من أجله فنحن نؤمن بتلك الروح الأنسانية التي تجمع كلمة المناضلين وتوحد بينهم إن شعارات تطلق ولافتات ترفع مثل الحرية والتعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان وهي في الواقع شعارات جعلت لتستر عيوب التناقض الحاصل بين الواقع والمؤمل وإن الوعود المصرح بها لم تكن إلا سرابا تؤجل به الديمقراطية الحقيقية إلى أجل غير مسمى لأن حياة المواطنين وتطلعاتهم المشروعة لا تقبل التأجيل والعيش على الأوهام والأماني وأصبحت مطامح المواطنين ومطالبهم في العيش الكريم واحترام حقوقهم الديمقراطية مجرد أحلام ووعود لا ولن تتحقق في المنظور القريب إن الذين يهدمون القيم الفاسدة ويبنون قيما سلمية إنما يقومون بالثورة ليحققوا القيمة الحقيقية للمجتمع و للانسان و حيث يقاومون كل رواسب التضليل و التزييف السياسي والفساد الاجتما عي الذي تولد عن الاستغلال والحيف٫ فحينما يتحكم الاستغلال والقوانين الفاسدة في رقاب الناس وتسيطر مجموعة قليلة من الانتهازيين والوصوليين على ثروة المجتمع وتكسدها لحسابها الخاص وتستعملها في الاستغلال الفاحش فإن القوانين تكون تلفيقية حينها لتحافظ على واقع معين يشكو من التزوير والفساد والديماغوجية قبل الاخير * وحين تعبر الجماهير عن رفضها بالمظاهرات أو بالعصيان المدني ضد سياسة أو قانون أو قرار فمعنى ذلك أن عملية الانتخابات ليست سوى اجراء تقليدي زائف فهذه الجماهير لم تدع لتقول كلمتها ورأيها ولكنها دعيت لتضع أوراقا في أحد الصناديق دون أن يكون بينها صندوق يمثل رأيها ورغباتها وتطلعاتها مثل مايجري في انتخابات باهتة رئاسية وبرلمانية عاشتها وشهدتها دول المنطقة في وقت قريب وفي الأخير*الديمقراطية ضرورة حضارية طلب الديمقراطية تزايد في كافة أنحاء العالم بل أصبح ضرورة حتمية تفرضها لغة العصر ومتطلبات الحداثة كذلك انهيار الحكم الشمولي التي تقوم على اذابة جميع الأفراد والمؤسسات والجماعات في الكل الاجتماعي وانتصار الكفاح ضد التمييز العنصري وحركات التحرر الشجاعة من أجل انتخابات حرة ونزيهة في العالم الثالث التي تسيطر عليها أنظمة دكتاتورية كل ذلك برهن على تفتق غريزي وعالمي نحو الحرية والتحرر السياسي  وتمتاز الأنظمة الديمقراطية خلافا لسائر الأنظمة بأنها تعترف صراحة بأخطائها وتقصيرها وتجهر بأخطاء البلدان الأخرى إن بذور الديمقراطية التي ظلت قرونا مغمورة في  وجدان الإنسان تكفاح للظهور مرة أخرى وهي قابعة في وجداننا بل صارت تتعمق وتتأصل كلما أوغلت البشرية في  دهاليز الطغاة.      عبد اللطيف محمد منتصر  محلل سياسي * كاتب واعلامي منتدى الشباب التونسي  email: jeunesetunis@yahoo.fr  


 متى ستقع محاسبة المسؤولين الأمنيين بجهة قفصة على تجاوزاتهم

 


إن الاتفاق على الطبيعة الأمنية للنظام القائم هو أكثر المحصلات رسوخا لدى الشارع السياسي التونسي ولدى عامة المواطنين.لكنّ هذا لا يمنع دائما عن التساءل حول إمكانية مساءلة أو محاسبة المسؤولين الأمنيين عن جرائم أو تجاوزات أو انتهاكات في حق مواطنين مهما كنت رؤاهم وأفكارهم.ولعلّ تفاقم هذه الظاهرة/السياسة وتجاوزها  كلّ الحدود القانونيّة والأخلاقيّة يجعل السّؤال أكثر إلحاحيّة مهما كانت ضآلة الاستجابة لها. لقد جاءت الشهادات حول التعذيب لعدل الجيار والطيب بن عثمان وبشير العبيدي وعدنان الحاجي وغانم الشرايطي وغيرهم من سجناء حركة الحوض المنجمي أكثر  من مفزعة أثناء المحاكمة وبعدها،وقد سبقهم إلى فضحها في  الإطار ذاته زكية الضيفاوي وعبدالعزيزالأحمدي وسالم الذوادي وغيرهم كثير، وقد رفع حينها محاميهم والمنظمات الإنسانّية المحلية والدولية أكثر من إشارة تنديد والمطالبة   بالتحقيق  في تلك المزاعم  خاصّة وأن قاضي  التحقيق نصّص في  حالة نادر عن معاينته لآثار تعذيب وتنكيل وتعنيف حتّى بعد انتهاء باحث البداية من تصفية الحساب مع المعتقلين، وقد تدعّم ذلك بأمر مدير السجن المدني بقفصة بعرضهم على طبيب المستشفى الجهوي قبل إيداعهم السجن للتفصّي من أي مسؤولية تتعلّق بسلامتهم الجسديّة. ورغم مرور أكثر من عشرين شهرا على ما حصل فإن ضحايا  تلك الممارسات المتهمجة والرأي العام الوطني والدولي مازال حريصا على تتبع الجناة تحقيقا للعدالة وإنصافا لأصحابها خاصة  وأن  المسؤولين عنها أمرا وتنفيذا باتت أسماءهم معلومة ومفضوحة.لقد سارعت السلطة إلى نقل سامي اليحياوي مدير إقليم أمن قفصة إلى إحدى قنصليات تونس بمصر، وتعيين الجلاد محمد اليوسفي رئيس فرقة الإرشاد بقفصة في خطة رئيس مصلحة بالإقليم نفسه ثمّ إبعاده عن الجهة في مرحلة ثانية وإن كان في خطة رئيس منطقة، بالتوازي مع إحالة رئيس الفرقة الثانية المختصة بلقاسم الرابحي على التقاعد بعد تمديد بسنتين.إلا أن ذلك لم يكن ليطو الصفحة أو ليُنسي المآسي خاصّة وأنّ آثار التعذيب مازالت موسومة على الأجساد ومسببة لآثار نفسيّة كارثية وماثلة بحدة في أذهان الأهالي الذين يُبدون اليوم بعد خطوة تسريح المعتقلين أكثر إصرارا على معالجتها بشكل عادل يُغلق الملف برمّته نهائيّا. إنّ السّلطة السياسيّة والقضائيّة مازالتا مغمضتي العينين على كلّ ماحصل إنطلاقا من منطق حماية الجلادين وتعويلا على إمكانية نسيان تلك الفضاعات، إلا أن ذلك شجّع المسؤولين الأمنيين في جهة قفصة على مزيد التغوّل حتّى في مواضع لا تستدعي ذلك ففاكر فيالة رئيس منطقة الشرطة بالمدينة مارس كل سلطاته في تأديب أحد باعة السمك بالمركب التجاري شامبيون لأنّه لم ينصاع لأوامره بتبجيله على من سبقوه في وزن مقتنياته رغم أنّه كان آخر الواصلين، وقد شاهد مئات الحرفاء مسؤولهم الأمني الأوّل يستعرض عضلاته في مكان عامّ من أجل قضاء حاجة شخصيّة، وقد تكرّر الأمر نفسه في وسط المدينة لمّا أدمى وجه أحد الموظفين الذين لامست سيارته الأخرى ولولا تدخل صاحب نزل جوغرطة لكانت الكارثة.وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا المسؤول قد اشتكت به السنة الماضية السيدة غزالة المحمدي منسقة الشباب بالحزب الديمقراطي التقدمي على إثر اعتداءه عليها أمام مقر الولاية دون موجب مسببا لها كسرا مضاعفا في أنفها توجّب رخصة من طبيب الصحة العمومية بشهر، ورغم سماعها من قبل وكيل الجمهورية إلّا أنّ إيّ إجراءات قانونيّة لم تتخذ ضدّه لحدّ اللّحظة.وكانت سبقتها إلى ذلك السيدة عفاف بالناصر منسقة اللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل بقفصة  لمّا اشتكت به بعد أن ألحق بها أضرارا بدنيّة فادحة على إثر تحرّك للمعطلين في العام 2007، ورغم أن الشكاية كانت مدعمة بشهادة طبية وشهادات لبعض من حضروا الحادثة وصور فوتوغرافية إلّا أن إي تحقيق في الأمر لم ينفّذ. إنّ الجريمة السياسية لا يمكن بتاتا السكوت عليها ولكنّ تعاظمها في الأنظمة الدكتاتورية يفتح الأبواب واسعة على مزيد تعفين السّلك الأمني وتجرؤه على جريمة الحق العام، ولا شكّ أنّ مثال فاكر فيّالة يُعطي دليلا إضافيّا على ما وصلت له الأوضاع من سوء.   فاخر التليلي


أخبـار

هل هي بداية انتفاضة “الحوض البحري”؟

 


 
تجمّع صباح الاثنين مطلع فيفري 2010 عشرات العاطلين عن العمل أمام معمل “تيفارت” التابع لشركة “السياب” بالصخيرة للاحتجاج على ما سمّوه شروطا غير عادلة لانتداب 1200 عاملا به. وقد شاع أنّ إتقان الانجليزية شرطا أساسيا للالتحاق بعمل لا يستدعي ذلك، وأن من حقّ أيّ شعبة من شعب التجمّع أن تشغّل ثلاثة من منخرطيها فيه. وقد هاجمت قوات البوليس المتجمعين لتفريقهم إلا أنّ ذلك دفع أهاليهم للإلتحاق بهم والسير في اتجاه الطريق السريعة رقم 1 مع مسايرة أمنية. وقد تدعّمت المسيرة لمّا وصلت قلب المدينة بروّاد المقاهي وبالتلاميذ والنساء والأطفال ورُفعت شعارات مطالبة بالتشغيل ورافضة للمحسوبية وتحوّل الوضع إلى مشهد شبيها بما حصل في الحوض المنجمي سنة 2008 من جهة الجماهيرية والتنوّع. وبمجرّد وصول تعزيزات أمنية من جهات مجاورة حتّى هوجم المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع والهراوات وحتّى الساعة الواحدة بعد الزوال مازالت المصادمات متواصلة والأهالي مصرّون على ضرورة الاستجابة لمطالبهم بإلغاء الشروط المجحفة للانتداب وبتشغيل أبناء الجهة في القطاع البترولي بالأساس الذي يخضع لأهواء المسؤول الأول بـ”السياب” ونزعاته الجهوية. وتجدر الإشارة أن محاولات للتحرّك قد تكرّرت في العشرة أيام الماضية، وأن عديد النشطاء قد حذّروا مسؤول الجهة بمجلس المستشارين من النتائج السلبية لمثل هذه الخيارات إلا أنه لم يستمع إليهم بل هاجمهم ولاسنهم. (المصدر: “البديـل عاجل” (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 1 فيفري 2010)  


اضراب بمدرسة الربايعية – منزل بوزيان بسيدي بوزيد


دخل معلمو مدرسة الربايعية بمنزل بوزيان اليوم1 فيفري 2010 في اضراب عن العمل بداية من الساعة الثامنة صباحا احتجاجا على ظروف العمل البائسة حيث يدرسون في مساكن شعبية ضيقة منذ عدة اشهر بعد قرار الهدم الصادر عن الجهات المختصة لكافة قاعات المدرسة والتي اصبحت تمثل خطرا حقيقيا على التلاميذ والاطار التربوي. وقد قبل المعلمون العمل في هذه الظروف التعيسة املا ان تنطلق اشغال البناء للقاعات في اقرب وقت . ولكن رغم مرور عدة اشهر على اخلاء المدرسة فان مؤشرات انطلاق الاشغال منعدمة وهو ما يوحي بان الامر سيتواصل طيلة هذه السنة الدراسية وربما التي تليها . وقد تحول اعضاء من النقابة الاساسية والجهوية للتعليم الاساسي لمؤازرة زملائهم . ولنا عودة للموضوع الناصر الظاهري / النقابة الجهوية للتعليم الاساسي بسيدي بوزيد — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux  


نحو رفع قضية اغتيال حشاد أمام القضاء التونسي والفرنسي في نفس الوقت

 


تقرر أن تعقد اللجنة المنبثقة عن المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل المكلفة بمتابعة قضية اغتيال فرحات حشاد جلسة هذا الأسبوع بالمحامين الخمسة الذين وقع الاختيار عليهم للنظر في آخر الاستعدادات ولتحديد موعد رفع القضية العدلية ضد من تثبت عليه تهمة اغتيال الزعيم النقابي التونسي عام 1952. وعلمت «الأسبوعي» أنه سيقع رفع قضية لدى المحاكم الفرنسية بالتوازي مع الدعوى المرفوعة في المحكمة التونسية بينما سيدرس المحامون واللجنة المذكورة كيفية رفع قضية ثالثة لدى محكمة العدل الدولية. الإشكال المطروح أن محكمة الجنايات الدولية ولا يعرف إذا كان بمقدور المحكمة المذكورة العودة للقضايا القديمة أم لا؟ وسيعتمد في رفع الدعوى على الشهادة الحية التي بثتها قناة الجزيرة الوثائقية لأحد أفراد عصابة اليد الحمراء «أنطوان هيلرو» والذي كان نشر كتابا عام 1997 عنوانه «اليد الحمراء» تحدث فيه عن الاغتيالات في المغرب العربي ومشاركته في اغتيال حشاد والتخطيط للعملية بإيعاز من وزارة الداخلية الفرنسية آنذاك ونشر فيها قائمة اسمية لأفراد عصابة اليد الحمراء. وفي انتظار موعد الإفراج عن الوثائق الخاصة باغتيال فرحات حشاد وجرائم اليد الحمراء الفرنسية خلال فترة الاستعمار والمحدد حسب القانون الفرنسي بسنة 2012 ستعتمد اللجنة المكلفة بالقضية على مجموعة من أساتذة الجامعيين والمؤرخين للبحث عن وثائق جديدة كما سينسق المحامون من تونس مع المحامي الفرنسي «جاك فرجاس» لمعرفة رأيه في القضية وأيضا لدعوته للمرافعة والدفاع فيها. (المصدر: “الصباح الأسبوعي” (أسبوعية – تونس) بتاريخ 1 فيفري 2010)

متى تبدأ عجلة المكتب التنفيذي لقطاع التعليم الأساسي في الدوران؟

 


سبعة أشهر على إنتخاب القيادة الجديدة لقطاع التعليم الأساسي ألا يكفي ذلك للبدء في سلسلة تحركات من أجل تحقيق مطالب القطاع !  ماذاينتظر المكتب التنفيذي للبدء في العمل على تفعيل قرارات مؤتمر جوان المنقضي ! ألم يع المكتب أن وزارة الإشراف تدفع في إتجاه ربح الوقت  لينقضي عام آخر أبيض دون حراك ولا مفاوضات في القطاع ! ألم تع قيادة القطاع أن المكتب المركزي البروقراطي هو أيضا يدفع في هذا الإتجاه !  لماذا هذه المسايرة ولماذا هذا الركون إلى سياسة الأمر الواقع والتسليم بها ! منتسبو القطاع يعلنون بالصوت العالي أنه لابد من كسر حالة الفراغ هذه وأنه لابد لقيادة قطاعهم من الإنطلاق في تعبئة القطاع للنضال من أجل تحقيق مطالبه. فلا مكسب يمكن أن يمنح دون نضال ودون تعبئة. فمتى تبدأ عجلة المكتب التنفيذي القطاعي في الدوران؟ ومتى يلتفت المكتب التنفيذي إلى القاطرة التي وضعته على السكة؟ ومتى يبرهن على انه يرى قوته من قوة  هذه القاطرة التي وضعته في عربة القيادة  قاطرة الستين ألف منخرط وأنه لا يراها في سواها؟ مطلب الحق النقابي ومطلب إرجاع المفرج عنهم من أبناء القطاع الذين وقع سجنهم على خلفية قيادتهم لإنتفاضة الحوض المنجمي إلى سالف عملهم ومطلب ضرورة تشريك الطرف النقابي في ملف السياسة التربوية وتحسين ظروف العمل في المدارس الإبتدائية وكذلك المطالب المادية للقطاع والتي على رأسها تحديد ساعات العمل بـ 20 ساعة ومضاعفة منحة الإنتاج  والترفيع في منحة بداية السنة الدراسية بما يعادل مرتبا شهريا وغير ذلك من المطالب كلها مطالب ملحة ولا تحتمل التأجيل تحت أي تعلة كانت. ما يمنع مكتب النقابة العامة من كسر حالة الفراغ هذه وفضح سياسة المماطلة والتسويف التي عودتنا بها وزارة الإشراف والمستمرة فيها والتعويل على التعبئة والنضال بإعتبارهما الطريق الوحيد لإنجاز مطالب رجال التعليم الأساسي؟  هذه الأسئلة وغيرها أسئلة  يطرحها اليوم منخرطو القطاع ولابد لمكتب النقابة العامة من تقديم الإجابة عليها.  إن الجميع اليوم يطالبونكم وبالصوت العالي مرددين: أوقفوا مسار الإنتظارية والمسايرة والركون إلى المكتب المركزي البيروقراطي. تحملوا مسؤولياتكم وعولوا على قدرات القطاع. كونوا أوفياء لمن إنتخبوكم لهذه المسؤولية ومنحوكم ثقتهم فحبر بياناتكم المناضلة وشعاراتكم وخطبكم في المؤتمر لم يجف بعد. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بشير الحامدي تونس في 01 ـ 02 ـ 2010   


الأخ عبد الرحمان الهذيلي يكذب التصريحات التي نسبت له

 


اتصل بنا في المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية الأخ عبد الرحمان الهذيلي عضو النقابة العامة للتعليم الثانوي وأعلمنا انه لم يصرح بأي حديث حول حيثيات جلسة توزيع المسؤوليات في النقابة العامة للتعليم الثانوي لأي كان وان ما ورد على لسانه في نص منشور في عديد المواقع الالكترونية عار عن الصحة ومحض اختلاق . محمد العيادي — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux  


الأمين العام للحزب في حديث صحفي لمجلة “حقائق”:   “مبادرتنا مستقلة عن السلطة وننتظر ردّة فعلها حول الاعتذار الفرنسي”

 


اختلفت ردود الفعل حول مبادرة الإتحاد الديمقراطي الوحدوي بدعوة فرنسا للإعتذار والتعويض عن الحقبة الإستعمارية بين من اعتبرها صراحة “وقاحة” وهذا ما حزّ في نفس السيد أحمد الإينوبلي الأمين العام لحزب القوميين، ومن ساندها صراحة بعد مساندة مغاربية وعربية وينتظر الإتحاد الديمقراطي أن توضح السلطة موقفها لاحقا – سؤال الإعتذار كان المحور الأول لهذا الحوار مع الأستاذ المحامي أحمد الإينوبلي في حين ركزنا في محورنا الثاني على فرض الإنضباط والإستحقاق الإنتخابي بعد أن خرج منه الحزب منتصرا بــ 9 مقاعد ووجوه شابة . وأكّد الرجل الأول في العائلة القومية أن استقالة الغندور قبلت وتمت آلية قبولها قبل أن يدعو للحوار بين الصحفيين وبين الرابطيين أنفسهم.   حاوره: ناجح مبارك   إلى أيّ مدى كانت مبادرة الإتحاد الديمقراطي الوحدوي بدعوة فرنسا للإعتذار عن الحقبة الإستعمارية مبادرة ذاتية وخارج إطار الإملاءات؟ المبادرة التي أطلقها الحزب أثناء الحملة الإنتخابية في أكتوبر 2009 وتضمنها برنامجه الإنتخابي وهذا مطبوع ومنشور من قبل ولم يكن بإيحاء من أي جهة كانت وتجد أصولها في المرجعية السياسية للحزب التي تناهض الإستعمار بكل أشكاله وتلويناته  ومخلّفاته باعتبار أن الحزب ومن خلال مرجعياته يناهض التبعيّة ويعتبر أن الإستعمار القديم مازال يحاول أن يلقي بظلاله على مستعمراته القديمة . ومن هذا المنطلق فإن حزبنا يؤكّد دوما على استقلالية القرار الوطني وهذه المبادرة تأتي في إطار رؤية الحزب للعلاقات الدولية التي يجب أن تكون متوازنة ومتكافئة بعيدة عن كلّ الإملاءات. لكن ألا ترى أن هذه المبادرة ايديولوجية بالأساس والإستعمار كما يرى البعض قد ساهم في التنمية وبأشكال مختلفة؟ في اعتقادنا لا يتحقق ذلك إلا من خلال تصفية مخلفات الإستعمار الثقافية والتنموية والسياسية ونعتبر أنّ الإستعمار قد عطّل مسيرة التنمية في كل أبعادها وعلى امتداد 75 سنة فلك أن تتصوّر مسيرة تونس لو لم تكن حقبة الإحتلال، فحالها سيكون غير هذه الحال . فلقد بلغت شوطا كبيرا من التقدّم على كافة الأصعدة التنموية والثقافية وخاصة السياسية منها أولا للإرتباط السياسي بما هو اقتصادي واجتماعي وثانيا لأن تونس قبيل الإحتلال عرفت عهد الإصلاح إلا أن هذا الإصلاح قد عطّله الإحتلال. كيف تنظر إلى ردّ فعل السلطة؟ بالنسبة إلى ردّ فعل السلطة مازال لم يظهر ولم يبرز بعد، نحن حزب سياسي أطلقنا هذه المبادرة ودعونا جميع الأطراف  للتفاعل معها والسلطة لها حساباتها ولها رؤيتها وقد تتبناها حينما تنضج هذه المبادرة لدى مكونات المجتمع ..كما أن تفاعل السلطة مع المبادرات الشعبية عادة ما يكون تتويجا لتفاعلات المكونات السياسية والمدنية التي ذكرت. ولكن مكوّنات المجتمع المدني اختلفت ولم تتحالف بعد حول هذه المبادرة؟ للأسف اعتبر البعض هذه المبادرة للمزايدة السياسية والبعض الآخر ممن يصفون أنفسهم بالتقدميين في الساحة الوطنية اعتبر المطالبة بالإعتذار “وقاحة” والبعض الآخر لم يستسغها لأنها لم تصدر عنه..وهذا ما قد يعطّل إلى حين تطورات المبادرة نظرا لهذا الجدل الذي اعتبره في غالبيته أما هروبا من المسؤولية إزاء تاريخ طويل من المعاناة لشعبنا أو أنّه تنكّر مفضوح لحقوق شعبنا وهذا هو الأخطر لأنه يوحي بأن الإحتلال الفرنسي كان نعمة وليس نقمة وهو ما يروّجه منخرطو حزب فرنسا بتونس وهذه حقيقة كشفتها أمام أعيننا هذه المبادرة البسيطة في عباراتها والعميقة في أبعادها. أبديتم وأعضاء مجلسكم المركزي تحفظات عدة على منوال التنمية الإقتصادي . من أي منطلق وهل من توضيح؟ لا شك أن الأزمة الإقتصادية العالمية قد كشفت  للمنظومة الليبرالية نفسها أن توخّي اقتصاد السوق والليبرالية المفرطة يسبب عديد الكوارث لدى كبرى الإقتصاديات الليبرالية فما بلاك بتداعياتها على الإقتصاديات النامية وأمام مراوحة نسبة البطالة في تونس لمكانها وتداعياتها  الإجتماعية الملحقة بها نرى أنه أصبحت إعادة النظر في منوال التنمية المتبع وطنيا من الأمور الملحّة.   هل تقدّمون حلولا جاهزة ومسقطة أم أن الحلول يفرزها الحوار؟   هذه دعوة للحوار مرة أخرى حول الإشكاليات المطروحة وطنيا فقد يأتي الحوار حول منوال التنمية بتصورات تفتح الباب لتجاوز عديد الإشكاليات ومنها خاصة مشكلة البطالة ونقول هذا حتى لا نوضع نحن حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي موضع المشكك في الآليات التنموية المتبعة، فندوة وطنية تجمع الخبرات والكفاءات للتقييم والاستشراف ستأتي بنتائجها، التي تعود على كافة أبناء الشعب بالفائدة وان خلصت هذه الكفاءات والخبرات الوطنية إلى أن المنوال التنموي المتبع لا تشوبه أية شائبة فلا ضرر من وراء ذلك. والاهم هو الحوار وإذا خلصت الكفاءات والخبرات وكلّ القوى الوطنية إلى ضرورة تعديل منوال التنمية فنكون قد رسمنا أفقا جديدا للنهوض بالواقع التنموي ونأينا به عن كل الهزات والتداعيات في المستقبل وهذه ليست دعوة منا إلى تبني خيار الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ورؤيتة التنموية بل نحن مع الحوار ونتائج الحوار.   دعا المجلس المركزي للحزب إلى حوار حول نقابة الصحافيين من أجل التوحيد هل هذه دعوة واقعية الآن؟   نحن داخل الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ما يحكم نهجنا السياسي ويضبطه هو الحوار كآلية من آليات البناء الوطني وهذا مضمن في مبادرة أطلقناها في المؤتمر الرابع للحزب سنة 2006 لذلك نعتبر أن أي قضية وطنية لا تحلّ إلاّ عبر الحوار. ونقابة الصحفيين كغيرها من الجمعيات والمنظمات على غرار الاتحاد العام لطلبة تونس والرابطة التونسية لحقوق الإنسان التي عرفت إشكاليات بين أطراف متقابلة لا نرى لها حلولا إلا عبر الحوار. والحوار هو الحل الذي نسبقه على أي حل آخر بعيدا عن التوظيف أو التشنج والوقوع في مطبات الفعل ورد الفعل الانفعالي بالضرورة. ومن هنا كانت دعوتنا إلى مؤتمر توحيدي تحافظ به نقابة الصحفيين على وحدتها وتمثيليتها حتى تنهض بدورها كاملا بعيدا عن الانقسامات خاصة وان جميع المكونات الوطنية تجمع على أن الإعلام في تونس مازال لم ينهض بدوره المطلوب في البناء الوطني وهذا نابع من رؤيتنا أن الإعلام متطوّر وحاضن لكل تقدم شامل في مناحيه السياسية تحديدا والاقتصادية والاجتماعية.   هل كان المجلس الوطني الأخير دعوة للمحاسبة وفرض الانضباط بعد هزات الاستحقاق الانتخابي؟   كانت كلمة الافتتاح في المجلس الوطني قد ركزت على المرحلة السابقة وكشف المسيرة في المرحلة ما بين المجلسين التي وقعت خلالها عديد التجاوزات من بعض أفراد داخل الحزب تختلف درجات مسؤولياتهم وكنت خلالها أتعامل معهم بمرونة مفرطة خدمة لمصلحة الحزب باعتباره كان في مواجهة استحقاقات وطنية وهي الانتخابات. لقد كان همنا الوحيد وشغلنا الشاغل أن يدخل الحزب هذه الاستحقاقات الوطنية بمسؤولية عالية، حتى يساهم من موقعه في إنجاح هذا الاستحقاق ديدنه في ذلك الترقي السياسي الوطني . إلا أن بعض العناصر تعاملت مع هذا النهج المرن بشيء من الاستخفاف وواصلت ذات الممارسات بعد الاستحقاق الانتخابي واعتقدت خطأ أن تلك المرونة والتسامح ضعفا في التسيير والقيادة إلا أنها أخطأت مرة أخرى حينما لم تدرك أن الضغط في الاستحقاق الانتخابي قد انتهى… كانت دعوة للمجلس الوطني باعتباره الهيئة القيادية العليا بين مؤتمرين إلى أن يقوم بدوره وصلاحياته كاملة فكان ذلك كذلك.   وكيف تم اعتبار الدكتور الغندور مستقيلا؟   الدكتور الغندور وجد نفسه أمام محاسبة المجلس الوطني فخيّر أن يقدم استقالته أمام المجلس الوطني وقدم تعليقا لعضويته أمامه إلا أن المجلس الوطني رفض البت فيها لأنها وباعتبارها سابقة لم يتعرض لها النظام الداخلي للحزب كما أن تعليق العضوية هو فعل إرادي تتوقف على إرادة صاحبها بدءا وانتهاءا أعلن استقالته شفاهيا أمام المجلس. ولم يصدر بشأنها صراحة أي قرار قبول أو رفض ولكن قبلها ضمنيا حينما عاين المجلس حالة الشغور بعضوية الغندور بالمكتب السياسي وأرجأ النظر في سده؟ وبالتالي عملا بالفصل 51 من النظام الداخلي فان الاستقالة تتم شفويا أو في وسائل الإعلام… وهذا ما تم بالنسبة إلى الغندور وهذا ما لا يتطلب قبولا أو تصويتا فهو مستقيل وكفى وقد قبلت.   كمسؤول أوّل في الاتحاد الديمقراطي الوحدوي ما هي توصياتكم وأوامركم لممثلي الحزب في مجلس النوّاب؟   التوصية الوحيدة في انسجام النائب مع خطّ الحزب فهو ممثل للشعب ككل وينضبط لخطّ الحزب ما سمح المجال بذلك فلا يمكن المصادقة على توجهات ليبرالية كبرى مثلا.   هل سيطر التيار العصمتي داخل الاتحاد على سلطة اتخاذ القرار؟   حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي من خلال أرضيته الفكرية والسياسية ومنطلقاته وأهدافه الموثقة في برنامجه هو حزب جامع لكل التوجهات الوحدوية العروبية التقليدية والحداثية منها وهو حزب لكل من يؤمن بوحدة الأمة العربية وبالديمقراطية أسلوبا وحيدا لانجاز ذلك ويتبنى خيار العدالة الاجتماعية خيارا تنمويا وهو من الأحزاب القلائل التي ظلت وفية لأدبيات مؤسّسيها ولم تغيّر المؤتمرات المتعاقبة في أرضيتها شيئا. والجدل يمسّ البرامج السياسية والمرحلية ولم يمسس جوهر منطلقاته وأهدافه. فهو حزب إذا للناصريين وليس بالحزب الناصري وحزب للبعثيين وليس بالحزب البعثي وحزب الماركسيين العرب وليس حزب الشيوعيين فهو يحتويهم جميعا على أرضية الإلتزام بأسسه الفكرية والسياسية التي وضعها المؤسّسون.   (المصدر: مجلة حقائق العدد 106 من 01 إلى 14 فيفري 2010)


وداعا محمّد قلبي..

 إنهم لم يطاردوا بعد، برأس الأفعى

بقلم: منجي الخضراوي التاريخ 31 جانفي 2010 المكان منوبة، طقس بارد، العنوان، رحيل محمّد قلبي… لم يشأ الزميل محمّد قلبي الاّ أن يعيش 26 جانفي قبل أن يسلم الروح.. لقد قاوم الموت حتىّ يتفرّج ضاحكا عن موعد آخر من اليوم السادس والعشرين من الشهر الأوّل، عندما أعلن العمال انتفاضتهم من خلال الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1978، وقتها كانت بطاقة محمّد قلبي التي اختار لها لقب “حربوشة” تروّج سرّا بين الأيدي قبل ظهور الفايس بوك وحتى الأنترنات في تونس، كانت حربوشة محمّد قلبي سريعة الالتهاب وشديدة الترويج، تجول البلاد من مشرقها الى مغربها شمالا وجنوبا، عندها حوصرت “الشعب” وحوصر الشعب. محمّد قلبي نهض ثانية من بين ركام الرماد التي ساد المجتمع وظهر بلقبه الجديد “لمحة” في الصفحة الأولى من جريدة الصباح وقال لهم عندما كانوا يطاردون أولئك المهمّشين من باعة نهج بومنديل ونهج الملاحة: “لماذا تطاردون الباعة؟ ابحثوا عن رأس الأفعى…” لم يستمعوا الى كلماته، ولكنّا له لسامعون.  
 
لمحة عن حياة محمّد قلبي (المصدر: وات)  
 
تونس 31 جانفي 2010 (وات) وافى الاجل المحتوم اليوم الاحد 31 جانفي 2010 الصحفي المتقاعد من وكالة تونس افريقيا للانباء محمد قلبي عن 68 عاما . والفقيد محمد قلبي هو اصيل مدينة قربة التي درس بها قبل ان يلتحق سنة 1965 بفرنسا لدراسة الفلسفة . وقد عاد الى تونس قبل انهاء دراسته ليشتغل بالاعلام وبالتحديد صلب وكالة تونس افريقيا للانباء التي ارتقى فيها الى رتبة رئيس تحرير. وعمل في نفس الوقت محررا متعاونا بدار الصباح ليتفرغ بعدها للجريدة حيث عرف ببطاقة /لمحة/ التي كانت تحظى بمتابعة كبيرة من القراء. وعاد المرحوم اثر ذلك ثانية إلى الوكالة حيث عمل مسؤولا عن القسم الاجتماعي حيث أسهم وبقسط كبير في ارتفاع عدد المقالات والتحقيقات التي كانت تبثها المؤسسة . كما كان المرحوم قلبي من أبرز محرري جريدة «الشعب» . وقد كان محمد قلبي من فرسان القلم في تونس الاستقلال وذا أسلوب متفرد في الكتابة الصحفية … أسلوب ساخر موزون البناء يحاول النفاذ إلى الظواهر الاجتماعية ومشاغل الناس في لهجة صادقة هادفة. إلى ذلك كان محمد قلبي متعدد المواهب حيث كان مصورا فوتوغرافيا بارعا ورساما كاريكاتوريا مبدعا وكاتب سيناريو فضلا عن كونه رساما للأشرطة المصورة. وهو من مؤسسي مجلة الأطفال “قوس قزح”. وكان محمد قلبي يتحلى بشيمة التواضع واحترام الاخر والتفاعل مع فريق العمل. وقد تتلمذ عديد الصحفييين والصحفيات على يديه اذ كان لا يبخل عليهم بالنصيحة والتوجيه. (المصدر: مدونة “مينيرفا” لمنجي الخضراوي بتاريخ 1 فيفري 2010) الرابط: http://minerva2presse.blogspot.com/2010/02/blog-post.html  

رحل محمد قلبي وبقيت لمحاته


بقلم: حافظ الغريبي لم يستفق صاحب «لمحة» صباح أمس من نومه مختارا الرحيل في صمت من فراشه إلى دنيا الخلد رغم إلحاح أبنائه أن ينقلوه في آخر ليلة له في هذه الدنيا إلى المصحة.. سكت قلب محمد قلبي ولكنّ قلمه سيظلّ يروي حديقة الصحافة ويروي لزوّارها ما خطّه على امتداد أكثر من ثلاثين سنة. رحل صاحب «لمحة» التي كانت بمثابة قطعة السكر التي تحلّي قهوة عشرات الآلاف من قراء الصباح كل صباح.. وتجعلها مرّة لآخرين.. رحل بعد ثلاثة أشهر من احتفاله بعيد ميلاده التاسع والستين وكان مستعدّا للرحيل إذ لم يكفّ منذ سنة عن الترديد لمن يكنّ له الموّدة أنه انتهى.. أذكر عند آخر زياراته لدار الصباح قبل أن يلزمه المرض البيت نهائيا أنه أسرّ لي حرفيا: «محمد قلبي وفى يا حافظ!» حاولت يومها أن أقنعه بعكس ذلك لكنّ قناعته كانت راسخة بأنّ أيامه أضحت معدودات. وخلال السنوات الطويلة التي عرفته فيها خبرت من ملامحه وسلوكه آلام المخاض اليومي التي تصحب ولادة «لمحة» والطقوس التي كان يهيء بها تلك الولادة ورحلة الشكّ التي كانت تصحب إعداد شهادة الميلاد بعد أن ترفع المولودة الى «حجرة الشورى» حيث يتقرر مصيرها وما يليه من استئناف وتعقيب يصحبه في بعض الأحيان تعديل يقبل به عن مضض حتى لا تلقى مصير أخواتها التي تقبر في المهد. وخلال تلك الفترة لم يكن محمد قلبي يقرأ لغده حسابا وكان يرفض مجرّد التفكير فيه.. كان يعيش ليومه ومن أجل يومه وأذكر أني دعوته مرّة للتفكير أبعد مما اعتاد التفكير فيه وفكّرته بأن يومه الذي حلّ أمس «قادم» وأنّ عليه أن يفكّر على الأقل في قليل من المال يتركه جانبا ليغطي مراسم جنازته فكانت إجابته مفاجأة إذ قال: «ليس لي مشكل فإن لم يدفنوني فسأنتنها عليهم». ومن خصال محمد قلبي التي أذكرها فيه أنه لم يكن يعرف للخوف معنى ولم أقرأ في ملامحه ـ رغم أن رأسه كان مطلوبا في فترة ما من المتطرفين ـ ولو قليلا من الخوف، لم يكن يخشى على نفسه ولكنه كان يخشى على أبنائه، وفي إحدى الصباحات جاءني في قمة الاضطراب. كانت في يده ورقة خطّت عليها كلمات مبهمة وممزقة «سوط الطفل… يوم كذا كذا.. شارع 9 أفريل..» انتهى تفكير الرجل إلى أن سوط الطفل يقصد به الإضرار بابنه أنيس الذي كان يزاول تعليمه بالمعهد الفني 9 أفريل، تشتت تفكيره ولم يدر أي طريق يسلك.. تأملتُ الورقة جيّدا فتذكّرت أن هناك جمعية جديدة تأسست اسمها «صوت الطفل» وأن مقرّها كان بشارع 9 أفريل وأن رئيستها امرأة ثقافتها فرنسية فانتهيت إلى أن ما خُطّ لقلبي ووُضع في رسالة كانت دعوة لندوة صحفية أربكت صياغتها المرتبكة محمد قلبي. رحل إذا محمد قلبي لكنه لم يمت في قلوبنا وفي قلوب من عشقوا أسلوبه الساخر وبهلوانية قلمه وعمق معاني كتاباته وغزارتها من زمن «حربوشة» كانت صعبة الابتلاع الى زمن «لمحة» كانت تلمّح أكثر من المطلوب.. رحل قلبي وظلت كتاباته في أذهان قرائه كالنقش على الحجر.  (المصدر: “الصباح الأسبوعي” (أسبوعية – تونس) بتاريخ 1 فيفري 2010)  


حكم بالإعدام على أقدم جامعة خاصة في تونس


فاروق النجار مثلما توقعت “الموقف” في العدد الأخير، قررت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سحب الرخصة المسلمة للجامعة الحرة بتونس اعتبارا من العام الجاري ولمدة ثلاثة أعوام. وتُعتبر هذه الجامعة التي أسسها المهندس المختص في الإعلامية السيد محمد بوصيري بوعبدلي سنة 1973، أعرق جامعة خاصة في بلادنا، وهي تُعلم حاليا أكثر من 1500 طالب، نصفهم من الطلاب الأجانب الذين أتوا من 25 بلدا. ظاهريا جاء قرار غلق الجامعة على إثر تفقد معمق قام به مبعوثون من الوزارة في الشهر الماضي، غير أن المتفقدين لم يعثروا على أي مخالفة تستوجب قرار سحب الترخيص، واقتصرت الملاحظات التي أبدوها في تقرير اطلعت عليه “الموقف” على مآخذ واهية من بينها أن الجامعة تنشر دعاية ااترسيم في شعبة الهندسة المالية بينما هي لم تحصل على ترخيص في الغرض من الوزارة، بينما نجد في دليل التوجيه الجامعي الصادر عن الوزارة نفسها إعلاما للطلبة الراغبين في الدراسة في هذا التخصص بأنه يمكنهم التسجيل في الجامعة الحرة بتونس. وتكرر هذا الإعلام في دليلي 2008 و2009. كما جاء في مآخذ الوزارة أيضا أن رئيس الجامعة الدكتور الصادق بلعيد (عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية سابقا) كثير التغيب عن الجامعة، وأوضحت الجامعة في ردها على الوزارة أن الفترة التي أشار إليها التقرير تتزامن مع عطلة جامعية، بينما وجد مبعوثو الوزارة رئيس الجامعة في مكتبه عديد المرات واستدلت بتواريخ جلسات العمل التي عُقدت بين الجانبين في مقر الجامعة. ويُؤكد هذا النوع من الملاحظات، الذي يتعامل مع رئيس جامعة كما لو أنه موظف في إدارة عمومية، على التربص بـ”الجامعة الحرة بتونس” والبحث عن أي مبرر ولو كان تافها لغلقها ومعاقبة باعثها. ولقائل أن يقول ما سبب هذا الإستهداف وقد طُوي ملف المعهد الثانوي “لوي باستور” الذي أغلقته وزارة التربية في 2007 والذي أثار إغلاقه ضجة واسعة لاشتباه الكثيرين في أن وراءه دوافع سياسية ؟ الجديد هذا العام هو إصدار السيد بوعبدلي كتابا في أكتوبر 2009 تحت عنوان “يوم أدركت أن تونس لم تعد موطنا للحرية” (موجود على موقع www.bouebdelli.org المحجوب في تونس) باللغتين العربية والفرنسية، كشف فيه التجاوزات التي قامت بها السلطة لفرض غلق معهد “لوي باستور” والضغوط التي مازال يتعرض لها منذ محاولة إغلاق “مدرسة جان دارك” في 2004 إلى اليوم، مع اقتراح إصلاحات جوهرية في الميدان التعليمي والإقتصادي والإجتماعي والسياسي. وكانت ” الموقف” نشرت قسما من ذلك الكتاب على حلقات، ركزها صاحبها على إبداء أفكاره بشأن ضمان إقامة دولة القانون في بلادنا. وبغض النظر عن كونك تتفق أو تختلف مع تلك الأفكار، فإن التعبير عنها يشكل حقا أساسيا من حقوق المواطن، غير أن مؤسسة بوعبدلي أكدت في بلاغ لها أن قرار غلق “الجامعة الحرة بتونس” إجراء “اعتباطي يكتسي طابعا سياسيا بحت”، مُعتبرة أنه “ليس وليد الصدفة بل يندرج في إطار معاقبة الأستاذ بوعبدلي على إصداره ذلك الكتاب”. وإذا صح هذا الإستهداف، مثلما تشير إلى ذلك عناصر كثيرة في الملف، يغدو الأمر بالغ الخطورة بسبب استعمال مؤسسات الدولة لتصفية حسابات مع أشخاص يحملون أفكارا مخالفة لمواقف الحكم، وإقحام السياسي في الإقتصادي بطريقة تؤدي إلى القضاء على مؤسسة تعليمية واقتصادية ناجحة، والتضحية بالتجهيزات والمخابر الحديثة والمعدات العلمية المتطورة التي تحتويها، وضياع مستقبل الطلاب الدارسين فيها، من أجل مآرب لا علاقة لها بالتعليم أو بالمبادرة الإقتصادية الخاصة .
(المصدر: “الموقف” (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 531 بتاريخ 29 جانفي 2010)  

الحوار بين العِـلمانيين والإسلاميين في العالم العربي يتقدم.. ولكن ببطء


صلاح الدين الجورشي – تونس  قبل بضعة أسابيع، وتحديدا يوم 12 ديسمبر 2009، عَـقد مُـلتقى الحريات الفلسطيني مؤتمره “الأكاديمي” الثالث بمدينة رام الله تحت عنوان (العِـلمانية والنظام السياسي الفلسطيني). وقد عكست النقاشات، حسب ما ذكر أحد المشاركين، إقرارا بأن العِـلمانية الفلسطينية تمُـر بأزمة وجود ومن مظاهر هذه الأزمة، التي دار نقاشٌ مُـستفيض حول أسبابِـها وتداعِـياتها “اتِّـساع نِـطاق الأسْـلمة داخِـل المجتمع الفلسطيني، حيثُ طغت مظاهِـر التدَيُّـن على كافّـة الأنشِـطة المجتمعية، الأهلية والرسمية، مقابِـل تراجُـع مظاهِـر العَـلمَـنة، حتى في المواقع التي كانت سابِـقاً حِـكراً على العِـلمانية وتعبيراتها المُـختلفة”، وهو ما جعل وزير العمل الفلسطيني أحـمد مجدلانـي “يتحـدّث (بمرارة) عن تهاوي قِـلاع العِـلمانية ووصول تأثير قِـيم الأسْـلمة، حتى داخل الحكومة الفلسطينية في رام الله”. لكن في مقابل هذا الخوف من عودة اكتساح الدِّين للفضاء العام في المجتمعات العربية، اتّـجه علمانيون عَـرب آخرون نحْـو مُـراجعة مواقِـفهم من قضايا التُّـراث، ودخلوا في حِـوارات سياسية وفِـكرية مع إسلاميين، أدركوا بدَوْرهم أنّ مساهمَـتهم في تغيِـير مجتمعاتهم، لا يُـمكن أن تتِـم إلا من خلال المشاركة في إقامة أنظِـمة ديمقراطية بالمنطقة، ومن هنا، تكثّـفَـت تجارِب الحِـوار العلماني الإسلامي في المنطقة العربية على مدى العشرين سنة الماضية. وقبل أربعة أعوام جاء في بيان تأسيسي صدر في العاصمة التونسية أن “هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات، وهي تكرِّس وِحدة العمل حوْل الحدّ الأدنى من الحريات وتفتَـح حِـوارا حول مُـقتضيات الوِفاق الديمقراطي، تبقى مفتوحة على كافّـة القِـوى المعنِـية بمعركة الحريات والتغيير، وتؤكِّـد احترامها لاستقلالية كلّ الأطراف المُـتشاركة وقَـبولها للاختلاف، ولا تُـلزم هذه الأطراف إلا بالاتفاقات والمواثيق المشتركة”. حوارات ونصوص وفاقية غير مسبوقة وبالرغم من أن انسِـداد أفُـق التحرّك السياسي أمام هذه الأطراف المشارِكة في هذه المبادرة، هو الذي دفعها إلى الالتِـقاء والتنسيق فيما بينها، إلا أن عُـمق التباينات الأيديولوجية القائمة بين حركة النهضة، ذات التوجُّـهات الإسلامية، وبين بقية الأطراف، ذات المُـنطلقات العلمانية – وبالأخص حزب العمال الشيوعي التونسي – قد دَفع بالمؤسسين إلى تنظيم سلسلة من الحِـوارات الفِـكرية والسياسية، كان الهدف منها “البحث عن نِـقاط التَّـقاطُـع والالتِـقاء بين مكوِّنات المُـعارضة التونسية، التي تستجِـيب للحدِّ الأدْنى من مُـتطلّـبات الانتِـقال إلى الديمقراطية وتفتح طريقا لاستقْـرارها وتطوُّرها في بلادنا، والتّـحضير من خلال هذا الحوار لصِـياغة عهْـد ديمقراطي، يتضمّـن مبادِئ وأسُـس النظام الجمهوري، التي يتقيَّـد بها جميع الفُـرقاء، وتشكِّـل مدوّنة سلوك للمواطنة في ظِـل نظام يقوم على الحرية والمساواة والتعدُّدية والتداوُل الديمقراطي على الحكم”. وبالرغم من أن هذه الهيئة قد عجَـزت عن تحقيق ما كانت تصبُـو إليه على صعيد الفِـعل السياسي لأسباب لا تتعلّـق فقط بالحِـصار المحكم الذي فرضته السلطة عليها، إلا أنها في المقابل تمكّـنت من التوصُّـل إلى إصدار ثلاث نُـصوص وِفاقية بين إسلاميين وعلمانيين غير مسبوقة فيما نعلم، لا فقط في تاريخ العمل السياسي التونسي، وإنما أيضا في تجارب العمل الجبهوي بالمنطقة العربية، بمشرقها ومغربها. اللافت للنظر، أن النُّـصوص الثلاثة المتعلِّـقة بالمُـساواة بين الجِـنسيْـن وبحرية المُـعتقد وبعلاقة الدِّين والدّولة، لم تُـثر اهتِـماما كبيرا في الساحتيْـن، التونسية والعربية، باستِـثناء تعليقات محدودة صدَرت هنا وهناك. لقد تعامل مَـن اطَّـلعوا على هذه النصوص، وكأنها مجرّد بيانات سياسية قد ينساها الناس بعدَ أن يجِـفّ حِـبرها. وليست هذه المرّة الأولى التي يتِـم التعامل بها مع عدد من النصوص ذات الطابع الاستِـثنائي، حيث سبق أن صدَر عن الإسلاميين التقدّميين في تونس نصٌّ يُـحدِّد عددا من المقدِّمات النظرية التي تلخِّـص مُـنطلقاتهم الفِـكرية. وبالرغم من أن ذلك النصّ كان ولا يزال متجاوِزا المرحلة التي وُلِـد في رحِـمها، إلا أن أغلَـب العِـلمانيين التونسيين لم يُـدركوا خُـطورة الأفكار التي أفصَـح عنها ذلك النصّ القصير ولم ينتبِـه له إلا عدد قليل مِـنهم. فالسياسة دائما تُـسيْـطر على الأذْهان ولا تسمح بالتِـقاط ما يمكِـن أن تُـحدثه بعض الأفكار. قد تكون الحِـسابات السياسية لعِـبت دورا في تأسيس هذه الهيئة وفي إقناع جميع مكوِّناتها، بأن تَـقدُم على تنازُلات مُـتبادلة من أجل إنقاذ المبادرة من فشَـل قاتل، لكن ما تمّـت صياغته من أفكار بعد عرض المسودّات ومراجعة الفَـقرات وشطْـب بعض العِـبارات وممارسة الإلْـحاح من هذا الجانب وذاك، لا يُـمكن أن يتملّـص منها أصحابها فيما بعد، وحتى لو حصل ذلك، فإن جزءً من أنصارِ هذه الأطراف الموقِّـعة على تلك النُّـصوص، ستأخذ المسألة بجدِّية. فالتّـكتيك له حدود، وما تمّـت صياغته ستكون له تبِـعات فيما بعد.. حتى ولو جاء ذلك بعد حين. “الإستبداد باسم الحداثة أو باسم الدين.. مرفوض” فالأطراف العِـلمانية التَـزمت في النصّ الثالث بمواجهة “الإستِـبداد باسم الحدَاثة، الذي يعمَـل على إلغاء الدِّين من الحياة العامّـة بوسائل قهرية من داخل أجهزة الدولة وخارجها، ويدفع نحو التّـصادم بين الدولة والدِّين”. وأكّـدت على أن “مِـن واجِـب الدولة الديمقراطية المنشُـودة، إيلاء الإسْـلام مَـنزِلة خاصّـة، باعتِـباره دِين غالبية الشعب”. والتَـزمت أيضا بأن الهُـوِيّـة مسألة حيَـوية وإستراتيجية، وهو ما يقتضي منها “تجذير الشعب التونسي في حضارته العربية الإسلامية، بكل ما فيها من رصيد إيجابي”، وبهذه التّـأكيدات، تكون هذه الأطراف العِـلمانية الموقِّـعة قد قطَـعت مع الراديكالية اللائيكية، التي سيْـطرت في مراحِـل سابقة على جزءٍ هامٍّ من النُّـخبة الحديثة في تونس، سواء داخل أوساط الفِـئات الحاكمة أو في صفوف جزءٍ حيويٍ من المُـعارضة اليسارية وغيرها. أما بالنسبة للإسلاميين الذين وقّـعوا على هذه النُّـصوص، فيُـفترض أن يكونوا واعِـين تماما بأنهم قد قطعوا بذلك الحبْـل السرّي الذي كان يربِـطهم بمُـجمل الرُّؤى والمفاهِـيم التي لا تزال الحركات الإسلامية العربية تتمسّـك بها وتُـعيد إنتاجها، وإن بأشكالٍ مختلفة. بمعنى آخر، لم يعُـد الإسلام هو الحلّ، وإنما التّـسليم بأنّ الأخْـذ بعيْـن الاعتبار، الإسلام هو جزءٌ من الحلّ. إذا انتقلنا إلى العالم العربي، لاحظنا بأن العلاقة المتوتِّـرة بين العِـلمانيين والإسلاميين شهِـدت خلال الحِـقبة الأخيرة، لحَـظات من التّـهدئة والتّـقارب. وإذا كان العديد من هذه اللّـحظات محكوماً بظروف استِـثنائية جعلت الحِـوار بينهما لا يستمِـر طويلا، فإن مُـحاولات أخرى اكتَـسبت أهمِـية خاصة، حيث بذلت فيها جهود جدية وأدّت إلى نتائج إيجابية في مسار العلاقة بين الطّـرفيْـن. ويمكن الإشارة هنا إلى بعض التّـجارب التي أثارت اهتِـمام المُـتابعين لجهود تقريب المسافة بين هاذيْـن التيّـارين الرئيسييْـن، بعضها تمّ على الصّـعيد الإقليمي، والأخرى أنجِـزت داخل بعض الأقطار العربية. من تجارب الحوار الإقليمي فعلى الصعيد الإقليمي، تجدُر الإشارة إلى الحوار القوْمي الإسلامي، الذي جرى في القاهرة قبل 20 عاما، وتحديدا في سنة 1989، بمبادرة من “مركز دراسات الوِحدة العربية”، بغرض تجاوُز حالة الصِّـراع والنّـفي المُـتبادَل بيْـن القوميِّـين والإسلاميِّـين. وبما أن التيّـار القومي يصنّـف ضِـمن التيارات العِـلمانية، فإن ندوة القاهرة قد اعتُـبرت من أهمّ المُـحاولات لتأسيس حِـوار جدّي بين العِـلمانيين والإسلاميين. وممّـا زاد في أهمِـية تلك المحاولة، أنها اختارت أن يكون المدخَـل فكريا قبل أن ينتقِـل إلى المجال السياسي، بعد أن تمّ تأسيس هيْـكل تنسيقي بين التياريْـن، أطلقت عليه تسمية (المؤتمر القومي الإسلامي)، الذي انبثقت عنه سكرتارية قائِـمة على مبدإ التّـداول بين التياريْـن، وتصدر بيانات ومواقِـف من أبرز الأحداث الإقليمية التي تشغل التياريْـن. وإذ لا تزال الخلافات قائمة بين التياريْـن، وهي تطفُـو على السطح من حين إلى آخر، لكن الذي حافَـظ على استمرار الرّوابط بينهما، هو الانشِـغال بالدِّفاع عن القضايا السياسية المُـشتركة، وفي مقدِّمتها “القضية الفلسطينية والدِّفاع عن المقاومة”. في سنة 2005، وبمبادرة من (مركز دراسة الإسلام والديمقراطية – مقره واشنطن)، تأسست في الدار البيضاء (شبكة الديمقراطيين في العالم العربي)، التي جمعت العشرات من الشخصيات ذات المُـيول الإسلامية والعِـلمانية، مثل د. صادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني، ود. سعد الدين إبراهيم، مدير مركز بن خلدون وسعد الدين العثماني، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية في المغرب ومصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري ومحسن مرزوق والسفير التونسي السابق أحمد ونيس. ومن أهم ما توصل إليه المؤسّـسون، هو صياغة ميثاق جامِـع لهم يستنِـد إلى “العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتراث الإنساني، وما دعت إليه الأدْيان من قِـيم سامية، إلى جانِـب مبادِئ الإسلام وقيَـمِـه، وقِـيم التّـسامح والتّـعايش والعدالة في الثقافة العربية”، وهي صيغة توفيقية جمَـعت المؤسسين على أرضِـيَـة واحدة، رغم تبايُـن مرجعِـياتهم. كما أعلنوا عن تمسّـكهم “بقِـيَـم التعايُـش ورفض كل أشكال التّـمييز والإقصاء والإيمان بكرامة الإنسان وحُـرمته الجسدية والدفاع عن حقوقه الأساسية، كما وردت في المواثيق الدولية”. كما شددوا على تمسُّـكهم “بالتغيير الديمقراطي والتداول السِّـلمي على السلطة، في ظل احتِـرام السِّـيادة الوطنية وما تُـجسِّـده دولة القانون والمؤسّـسات من احترام لحقوق المواطنة. ومَـهما اختلفت توجّـهاتنا السياسية والفِـكرية، إسلاميين وعِـلمانيين، ليبراليين أو مُـعتدلين، زعماء سياسيين أو نشطاء المجتمع المدني، طلبة ومثقفين، فإننا جميعا رجالا ونساءً، شباباً وشيوخاً، نُـؤمن بالعمل الديمقراطي كحلّ، للمُـضي قُـدما بشعوبنا والخروج من دوّامة التخلّـف”. وبالرغم من حالة التعثّـر الذي تُـعاني منه هذه الشبكة، إلا أنها أبرَزت قُـدرة التياريْـن على إمكانية بناءِ وِفاق يسمَـح بالعمل المُـشترك. مبادرات مماثلة.. من مصر إلى المغرب أما على الأصعِـدة المحلية، فيُـمكن الوقوف عند أمثِـلة عديدة، من بينها (حركة كفاية)، التي برزت في مصر خلال سنة 2005، باعتبارها حركة اجتماعية احتجاجية مُـناهضة للسلطة. ولم تكُـن حزبا جديدا، وإنما كانت ترمي إلى إقامة تجمّـع لقِـوى وفعاليات تنتمي إلى تيارات مُـختلفة، بادَر بتأسيسها مثقفون مستقِـلّـون، معظمهم من العِـلمانيين، وقد أشركوا عناصِـر من الإسلاميين، مثل قياديِّـين في حزب الوسط، ذي التوجّـه الإسلامي المعتدِل، وكذلك شخصيات قيادية في حركة الإخوان المسلمين أو قريبة منها. وبالرغم من أن هذه المبادرة قد تراجَـع حجمُـها وحماسُـها، إلا أنها كشفت عن وجود أرضِـية مُـشتركة، يُـمكن أن تجمع بين العِـلمانيين والإسلاميين، خاصة وأن الحركة رفعت خلال تحرّكاتها شعارات ومطالِـب أيّـدتها جميع أطْـياف المعارضة المصرية، مثل إقامة النظام الديمقراطي ورفض توريث الحُـكم ومحاربة الفساد وإطلاق الحريات. وفي لبنان تأسّـس تحالُـف 8 آذار، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من البلاد، جمع قِـوى سياسية مُـختلفة في عقيدتها وفي تاريخها السياسي، وبالأخصّ حزب الله وحركة أمل من جهة، والتيار الوطني الحُـرّ بقيادة الجنرال عون إلى جانب مجموعات أخرى، مثل تيار التوحيد والحزب السوري القومي الاجتماعي من جهة أخرى. وإذ اعتبر البعض أن هذا التّـحالف غيْـر طبيعي، بحُـجة أنه جمَـع بين حِـزب ماروني وآخر يُـؤمن بولاية الفقيه، إلا أن ذلك قد كشف على صعيد آخر، حجم المرونة أو البرغماتية السياسية، التي يُـمكن أن يتمتّـع بها العِـلمانيون والإسلاميون، عندما يجمعهم برنامج سياسي مُـوحّـد. وفي الجزائر، دخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد انتخابه رئيسا في دورة أولى، في حوار معمّـق مع حركة مجتمع السِّـلم، ذات التوجّـه الإسلامي التي أسّـسها الراحل الشيخ محفوظ نحناح، وقد أدّى ذلك إلى انخراط الحركة الإخوانية التوجه في تحالف مع حزب التجمّـع الوطني الديمقراطي، وكذلك جبهة التحرير الجزائرية. وبالرغم من الانتِـقادات التي وجّـهت لهذا التّـحالف، وبالأخص للطّـرف الإسلامي فيه، إلا أن الأحزاب الثلاثة لا تزال تشكِّـل الكُـتلة الحاكمة في الجزائر. وتدُل هذه التّـجربة الجزائرية على إمكانية أن يرتقي الحوار بين العِـلمانيين والإسلاميين إلى درجةٍ تسمَـح بإشراك حركةٍ إسلامية في السّـلطة، دون أن يُـغيِّـر ذلك من موازين القِـوى القائمة. وفي اليمن، تأسس عام 2003 تحالُـف أطلق عليه اسم “أحزاب اللِّـقاء المُـشترك”، جمع هو أيضا بعض خصوم الأمْـس، الحزب الاشتراكي من جهة وحزب الإصلاح، ذي التوجه الإسلامي، من جهة أخرى، عِـلما وأن هذا الأخير دعا إلى الجِـهاد ضدّ الاشتراكيين في الحرب التي اندلعت باسم حماية الوِحدة عام 1994، لكن الأيام دارت فيما بعد لتجعَـل منهما خصوما مُـوحَّـدين ضدّ السلطة الحاكمة. أما في المغرب، فقد تم إطلاق سلسلة من الحوارات بين العِـلمانيين والإسلاميين، استمرّت لمدة سنة، وذلك بمبادرة من الفرْع المغربي لمجلس المواطنين بالشرق الأوسط المعروف باسم (Meca)، وبدعمٍ من مجلس السلام الهولندي (IKV)، إلى جانب عدد من الجمعيات المغربية. وقد استمر هذا الحِـوار ما بين مارس 2007 إلى شهر يونيو 2008، كما شارك فيه حواليْ 600 شخص وواكبتْـه الصحف المحلية والدولية. وقد نجح هذا الحوار في إتاحة الفرصة لتيارات معادِية لبعضها البعض للتلاقي وتبادَل الرأي. وفي مداخلة له، وصف عمر أحرشان، رئيس شبيبة العدل والإحسان سابقا وعضو الدائرة السياسية لهذه الجماعة، الرِّهان المطروح على اليسارِيين المغاربة بقوله: “هناك ما يجمعنا وهناك ما يفرِّقنا، وبما أن المصلحة العامة تقتضي الإقرار بما يجمعنا والديمقراطية تقتضي الإقرار بما يفرِّقنا، فلنتعاوَن فيما يجمعنا ولنتنافس فيما يفرِّقنا”. ألا يدُلّ هذا الكلام على أن الكثير من الإسلاميين والعِـلمانيين في العالم العربي قد تعلّـموا من دُروس الماضي؟ (المصدر: موقع “سويس انفو” (سويسرا) بتاريخ 31 جانفي 2010) الرابط: http://www.swissinfo.ch/ara/index.html?cid=8072970  

قناة المستقلة: مذكرات محمد مزالي ومناقشات عن الديمقراطية في العهد البورقيبي

 


بدأت قناة المستقلة من يوم الإثنين 1 فبراير 2010 بث مذكرات الوزير الأول التونسي الأسبق محمد مزالي، في حوارات يومية أجراها معه الدكتور محمد الهاشمي الحامدي. تبث الحوارات في السادسة والنصف مساء، ويعاد بثها في التاسعة ليلا، ثم في الثانية ظهرا بتوقيت غرينيتش. (توقيت  تونس متقدم بساعة واحدة عن توقيت غرينيتش) يروي السيد محمد مزالي في هذه المذكرات مسيرته السياسية في عهد الإستعمار الفرنسي وفي عهد الإستقلال، وتفاصيل علاقته الوثيقة بالزعيم الحبيب بورقيبة، وقصة انقلاب بورقيبة عليه وهربه المثير إلى الجزائر. كما يروي قصة بناء الدولة التونسية بعد الإستقلال، وعلاقات بورقيبة بأشهر الزعماء العرب، ودوره هو كوزير لمدة ثلاثين سنة تقريبا، بما فيها فترة توليه لمنصب الوزير الأول من 1980 إلى 1986. وبعد عرض قصة محمد مزالي من 1 الى 9 فبراير، في تسع حلقات يومية، نبث في الفترة من الأربعاء 10 الى الأحد 14 فبراير خمس حلقات حوارية يومية عن الديمقراطية في العهد البورقيبي، مع التركيز على هذه الأسئلة: هل كانت الديمقراطية أولوية عند الزعيم بورقيبة؟ وهل كان خصومه ديمقراطيين؟ وما هي العبر والدروس التي يمكن أن تستفيد منها الأجيال التونسية المقبلة في مجال التعاطي مع مسألة الديمقراطية؟   
برنامج “الحلم العربي” عن المسابقة العلمية يأتيكم في السابعة وخمس وثلاثين دقيقة مساء بتوقيت غرينيتش   يقدم الدكتور عباس الجنابي حلقات يومية مباشرة من برنامج “الحلم العربي”، من الإثنين إلى الجمعة، خاصة بموضوع المسابقة العلمية التي تنظمها قناة المستقلة والتي رصدت لها جوائز بقيمة عشرة آلاف دولار أمريكي، يتم توزيعها على ثمانية فائزين. المسابقة العلمية مبادرة انفردت بها قناة المستقلة، وسؤالها الرئيس هو: كيف ومتى يصنع العرب الطائرة والسيارة والحاسوب؟ فرص المشاركة في السمابقة متاحة للجميع لغاية يوم 14 فبراير، والمطلوب فقط كتابة رسالة من 300 كلمة للإجابة على السؤال. غرض المسابقة هو تشجيع الجمهور العربي العريض على التفكير في مسألة التقدم العلمي باعتبارها شرطا حيويا لكل مشاريع البناء والتقدم في العالم العربي. تبث الحلقات يوميا في السابعة وخمس وثلاثين دقيقة مساء بتوقيت غرينيتس، ويعاد بثها في العاشرة والربع مساء بتوقيت غرينيتش. شاركوا بآرائكم في الإجابة على سؤال المسابقة: كيف ومتى يصنع العرب الطائرة والسيارة والحاسوب؟ ـ تفاصيل إضافية في موقع القناة www.almustakillah.com   عن إدارة المستقلة


هذه هي الرياضة في تونس!!

اندلعت معركة حامية الوطيس يوم الأربعاء 26 جانفي 2010 بين مجموعتين شبابيتين في قطار الأحواز الشمالية بالعاصمة الرابط بين تونس وحلق الوادي والمرسى وذلك على مستوى مدينة صلامبو في حدود الساعة السادسة والربع مساء. أصل الحكاية هي أنّ مجموعة شبابية من أحبّاء النادي الإفريقي عددها يقارب 10 أفراد هاجمت مجموعة أخرى في نفس عربة القطار من أحبّاء الترجّي الرياضي التونسي وعددها تقريبا 7 أفراد فما كان من هذه المجوعة إلاّ أن ردّت الفعل بعنف أعمى استعملت فيه كلّ أنواع الأسلحة المتوفّرة لديها: غاز مسيل للدموع!! لهب، مفرقعات!!… فسالت الدماء وتهشّمت التجهيزات داخل العربة… هذه هي الرياضة في تونس!! وهذه هي الأخلاق الرياضية!! عنف وعنف مضادّ، شباب ضائع، عاطل عن العمل، فاقد لكلّ القيم النبيلة التي عرف بها شعبنا، مستعدّ لإشعالها حرائق لأبسط الأسباب وأتفهها (الترجّي والإفريقي)، ومن يتحمّل المسؤولية؟ الأكيد أنّ هناك عدّة عوامل وراء ما حدث، لكنّ الأكيد أيضا أنّ السلطة في تونس تتحمّل القسط الأوفر وهي السبب الرئيسي وراء كلّ ما جرى وما سيجري!! من المسؤول عن رداءة التعليم؟ من المسؤول عن البطالة؟ من المسؤول عن الفاقة والعوز والاحتياج؟ من المسؤول عن تصحّر الثقافة في بلادنا؟ من المسؤول عن تفشّي كلّ الأمراض الاجتماعية: الفقر والإملاق والإحباط واليأس والبؤس، الكحولية والمخدرات والدعارة…؟ من المسؤول عن…؟ من المسؤول عن…؟ ماذا ننتظر من شباب يعامل على أنّه لاشيء ويستعمل فقط زورا وبهتانا كمادّة دعائية لحملات انتخابية (الشباب يحظى برعاية “سيادته” الموصولة، هذه سنة الشباب، انشغال “سيادته” بملفّ التشغيل، الاهتمام بفئة أصحاب الشهائد العاطلين عن العمل، ضجيج كبير وكذب أكبر!!)، يرى ويسمع، يشاهد بأمّ أعينه اتّساع الهوّة بين الفقراء من أبناء جلدته ومجموعات الأغنياء الجدد الصاعدة كالفقاقيع والمرتبطة رأسا بالقصر؟ الأكيد أنّ السلطة في تونس تتحمّل كلّ المسؤوليات الأخلاقية والقانونية والسياسية حول تردّي أوضاع الشباب وميله المطّرد نحو العنف إذ هي التي تسوس البلاد ولا أحد غيرها وتمنع عن المعارضة حتّى مجرّد التنفّس، لكنّ الأكيد أيضا أنّ هذه السلطة لا يعنيها اقتتال المجموعات الشبابية في ما بينها أو العنف المتفشّي في الملاعب أو تدمير المرافق العامة أو إلحاق الضرر بالغير مادام هذا العنف ليس سياسيّا ولا يمسّ بالنظام الحاكم!! لقد بات واضحا لكلّ ذي بصيرة أنّ الرياضة في تونس لم يبق منها إلاّ الاسم والسلطة توظّفها لتخدير الشباب وإلهائه عن الخوض في الشأن العام حتّى يتركها وحالها!! مواطن تونس في 26 جانفي 2010 (المصدر: “البديـل عاجل” (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 1 فيفري 2010)
 

الحياة السرية للجنرال العربي بلخير (الحلقة الاولى)


أحميدة عياشي تعرّفت على الجنرال العربي بلخير في بداية التسعينيات، أسابيع بعد مغادرته منصب وزير الداخلية في حكومة سيد أحمد غزالي•• كنت في تلك الفترة صحفيا بجريدة الخبر اتصل على خط الجريدة، وسأل عني لدى الستاندارتيست سعاد، كنت في روبورتاج خارج العاصمة، وعندما عدت، اعطتني سعاد، رقم هاتف الجنرال بلخير، وما أن اتصلت به، وكان ذلك لأول مرة، حتى رحب بي بصوته الهادئ، وأثنى على كتاباتي السياسية وتحقيقاتي الميدانية، ثم طلب مني، إن كنت أرغب في ملاقاته، توقفت لحظة وأنا أصغي إليه، وثار في نفسي أكثر من سؤال، لكنني رحبت باللقاء، وكان اللقاء في اليوم التالي، بعد محادثتنا التلفونية في منزله بأعالي حيدرة••• قبل اللقاء معه، طرحت أكثر من تساؤل على نفسي، ”لماذا الجنرال العربي بلخير يريد أن يلتقي بي”، فمواقفي في تلك الفترة كانت نقدية لسياسة السلطة التي أقبلت على إيقاف المسار الانتخابي، وعلى تجميد نشاطات الجبهة الإسلامية للإنقاذ•• بينما كان الجنرال من بين الرجال الأقوياء الذين كانوا وراء إيقاف المسار الانتخابي، وفتح المراكز الأمنية•• قلت في نفسي، ”أنا صحفي، وعليّ أن أستمع إلى رجل جعلته الأقدار يلعب دورا سيحكمه عليه التاريخ، إن كان لصالح الجزائر أو ضدها••”• في تلك الفترة كانت شخصية الجنرال، مثيرة للجدل والكراهية عند الإسلاميين وحلفائهم التكتيكيين، ومصدر لغز كبير عند الكثير من المراقبين••• معارضوه كانوا يرون فيه مصدر ما عرفته الجزائر من فتن، ومصدر القوة الخفية، والقوة الضاربة والقاضية••• كان مجرد ذكر اسمه يثير الكثير من المخاوف والقلق••• كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد الظهر عندما وطأت قدمي لأول مرة منزل العربي بلخير، كنت رفقة سائق الجريدة جمال، وضعت أصبعي على الزر، فانفتح الباب الأخضر الآلي، وحياني شابان عسكريان، اشتغلا كحارسين عند الجنرال، منذ أن كان على رأس معهد الإنيتا في برج البحري، كلاهما كانا من أقصى الشرق الجزائري، كانا معربين ومن بين قرائي وقراء الكاتب الصحفي سعد بوعقبة••• ألقيت بنظرة خاطفة في باحة المنزل•• كانت هناك ثلاث سيارات بلاندي••• صعدت الدرج إلى حيث يستقبل الجنرال العربي بلخير زواره•• كان عبارة عن صالة كبيرة، علقت على جدرانها بعض اللوحات التاريخية••• جلست على أحد كراسي صالون لويس ,.14 بعد لحظات جاء الجنرال•• كان يلبس بدلة زرقاء داكنة، وقميصا أزرق فاتح اللون•• وربطة عنق حمراء ذات لون فاتر••• تقدم نحوي بخطوات وئيدة•• وقفت ومددت له يدي••• قال لي وهو يحييني بابتسامته العريضة ”••• أهلا، أهلا، بك يا سي احميدة••” وعندما جلسنا، دعاني إلى شرب القهوة، وراح يدخن سيجارته المفضلة روتمانس، بينما رحت أدخن المالبورو الأحمر• سألني أثناء النقاش الذي بدأ حذرا، عن تحليلي للوضع، فقلت له رأيي بصراحة أن إيقاف المسار الانتخابي، لم يكن شيئا جيدا•• ابتسم، ثم قال لي، أعرف رأيك، لكن هناك أمور تجهلها•• وستعرفها ذات يوم•• سألته عن سرية هذه الأمور، لكنه تجنب الحديث فيها، ومنذ تلك اللحظة فهمت أسلوبه في الحوار، إنه يدفعك للحديث باستفاضة بينما تكون إجاباته في أغلب الأحيان مختصرة ومشفرة•• إنه يفضل الإشارة على الإفصاح••• وبعد نصف ساعة، سألني، إن كنت تساءلت، عن سبب اتصاله بي، فقلت أجل••• وعندئذ راح يحدثني عن ”المشكلة” التي أثرتها للحكومة، قبل انتقالي من أسبوعية المسار المغاربي التي كنت أرأس تحريرها إلى الخبر••• وقال لي، ”شوف يا سي احميدة•• إنني في البداية شعرت أنك كنت مرتبطا بجهات مشبوهة، وهذه الجهات، كانت لا تريد الخير لعلاقتنا مع أشقائنا العرب•••” ثم أضاف ربما كنت لا تقصد ذلك، عندما قمت بنشر الكتاب حول تاريخ آل سعود، الذي فيه قذف ومسّ برئيس دولة•••” وهنا قلت ”الكتاب منشور، وهو يتعرض بالتحليل للعائلة السعودية الحاكمة، وما قامت به من قمع لباقي القبائل في منطقة الحجاز•••” وقال لي الجنرال لكن صاحب الكتاب، هو معارض ينتمي إلى تنظيم اتحاد الجزيرة العربية••• والكتاب كما تعرف ممنوع•• ولا يوجد في أي مكتبة عربية•• ولعلمك، فلقد تم الاتصال بي على الساعة الواحدة صباحا، من طرف الملك فهد•• وكان يريد مكالمة مع رئيس الجمهورية آنذاك، الشاذلي بن جديد••• وعندما سألني الشاذلي بن جديد عن هذه القضية التي لم يكن له علما بها•• قلت له، إنك مجرد صحفي شاب•• وإنك لم تكن تقصد تخريب علاقتنا مع الأشقاء في المملكة•••” وأضاف الجنرال، و”بالفعل غضب رئيس الجمهورية، وقد أغلظ القول لرئيس الحكومة آنذاك مولود حمروش، وطالب أن يجد لذلك حلا••• خاصة وأن أسبوعية المسار المغاربي، تابعة للدولة••• ثم قال لي الجنرال، و”بعد ذلك أكدت لنا التحقيقات، أنك كنت مستقلا، ولا علاقة لك بجهات أجنبية••” وفهمت من خلال اللقاء الأول بيننا أن الجنرال برغم ما أثاره نشر الكتاب مسلسلا على أعمدة المسار المغاربي من مشاكل وضجيج في الوسط الإعلامي في ظل مناخ حرب الخليج، في بداية التسعينيات التي حركت الشارع الجزائري وأحرجت السلطات الجزائرية على الصعيد الدبلوماسي والسياسي•• أراد أن يتعرف عليّ عن كثب•• قال الجنرال بلخير وأنا أغادره•• أتمنى أن نبقى على اتصال•• وأنها ليست المرة الأولى والأخيرة••”• الجنرال•• حمروش، غزالي وعلي بن حاج عندما هرب العربي بلخير من الجيش الفرنسي والتحق بجيش التحرير عام 1958، بالقاعدة الشرقية بتونس، ربطته علاقة وطيدة بالشاذلي بن جديد، ومنذ تلك الفترة ارتبط مصير الرجلين بشكل عجيب•• فعندما توفي الكولونيل بومدين، وخطط رجل المخابرات القوي قاصدي مرباح ليخلف الشاذلي بومدين ويكون ذلك على حساب الرجلين القويين المرشحين لخلافة بومدين، وهما عبد العزيز بوتفليقة ومحمد الصالح يحياوي، كان الجنرال العربي بلخير آنذاك على رأس المدرسة العسكرية ”انيتا” وداخل أسوار هذه المدرسة حسمت لعبة الخلافة، ولم يعمل هذا إلا على توطيد العلاقة بين الجنرال بلخير والشاذلي بشكل قوي، بحيث أصبح الجنرال بخلير ظِل الشاذلي في الرئاسة، وأمين أسراره•• وبرغم المنافسة حول من يكسب ثقة الشاذلي بن جديد بين عبد الحميد الابراهيمي، الوزير الأول آنذاك، والشريف مساعدية مسؤول حزب جبهة التحرير والدكتور طالب الابراهيمي، إلا أن الجنرال بلخير تمكن من أذن الشاذلي بن جديد، وهذا برغم غضبة الشاذلي بن جديد على بلخير أيام القمة الأولى التي جمعت بين الشاذلي بن جديد والملك الحسن الثاني•• تحول في العهدتين الأولى والثانية للشاذلي بن جديد، رجل الرئيس القوي، وتمكن الجنرال بفضل التفويض الذي منحه إياه بن جديد في إجراء اللقاءات مع رؤساء الدول وفي الإشراف على الصفقات الكبرى بين الجزائر والمؤسسات الاقتصادية العالمية وفي دراسة الملفات الحساسة، الرجل الذي له قدرة خارقة في صناعة رجال السلطة وإنهاء مهامهم، كما عمل الجنرال العربي بلخير على دعم مركزه من خلال شبكة معقدة من الولاءات ليس في مؤسسة الرئاسة وحسب، بل في مؤسسة الجيش والبرلمان والحكومة•• فأهم القرارات التي كانت تتخذ على مستوى رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد كان يقف وراءها الجنرال بلخير، وقد ساعدته مثل هذه المنزلة على المرافعة على الكثير ممن أصبحوا فيما بعد يوصفون برجال السلطة الأقوياء، ومنهم، الجنرال خالد نزار والفريق محمد العماري اللذين كانت تربطهما علاقة قوية بالجنرال العربي بلخير•• عندما التقيت في بداية سنة ألفين مع رئيس الجمهورية الأسبق الشاذلي بن جديد في منزله بالعاصمة الجزائرية رفقة زميلي نصر الدين علوي وبواسطة محمد مقدم مسؤول الإعلام في رئاسة الجمهورية أثناء فترة حكم الشاذلي بن جديد، سألت هذا الأخير عن القوة التي تتحدث عنها وسائل الإعلام التي كان يحظى بها الجنرال بلخير في عهده، وعن إن كان صعود مولود حمروش ورحيله يعود إلى دور هذا الجنرال المثير للجدل••• صمت الشاذلي بن جديد لحظة، وقال لي بنبرة هادئة ”•• سي العربي بلخير كان رجلا وفيا لي، وهو رجل مجد ورجل دولة، لكن مع ذلك كانت له أخطاءه•• وفي الفترة الأخيرة كان إلى حد ما، مخيبا للكثير من الآمال التي عقدتها عليه••؟! وعندما سألته عن ”خيبة أمله في الجنرال بلخير•• صمت، ونظر إليّ للحظات طويلة، ثم قال لي، سأقولها لك•• لكن أرجو أن تكون مهنيا، وهي ليست للنشر••• وبالفعل أجدني هنا، وذلك احتراما لأدب المجالس، أتجنب الحديث عن ما رواه لي الشاذلي بن جديد في هذه الشهادة••• أما عن مولود حمروش، فيقول لي الشاذلي، أن لا دور للعربي بلخير في صعوده•• بل كل الفضل يرجع إلى الشاذلي بحيث قال ”كنت في تلك الفترة أراهن على الوجوه الجديدة والشابة التي كانت لها قدرات ومواهب في إدارة شؤون الدولة، مثل مولود حمروش، والجنرال رشيد بن يلس•• ثم أضاف، لكن بعض هذه الوجوه، لم تكن في المستوى المرجو”•• وفي لقاء مع الجنرال العربي بلخير وكان ذلك بعد منتصف التسعينيات، سألته عن رأيه في مولود حمروش، فقال لي، إن ”حمروش رجل موهوب، وهو عبارة عن آلة حقيقية في العمل•• لكن للأسف ان الرجل أصبحت له طموحات كبيرة، أراد من خلالها تجاوز من ساهموا في صناعته••• وقد أدت به مثل هذه الطموحات إلى خلق مجموعة من حوله، كانت غايتها الاستيلاء على الحكم، حتى وإن تطلب ذلك التحالف مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ••• لقد عمل حمروش ومجموعته ممن كانوا يسمون أنفسهم بالإصلاحيين على استراتيجية خطيرة، وهي استراتيجية التعفين الخلاقة للفوضى المنظمة•• ولقد كانت هذه الاستراتيجية السبب الحقيقي وراء دفعه إلى تقديم استقالته عندما انفلتت الأمور في أثناء اضرابات الفيس السياسية من بين يديه••• عندما غادر مولود حمروش منصب رئيس الحكومة واعتكف في بيته تفاجأ الرأي العام بوزير الخارجية سيد احمد غزالي ليحل محله••• بدأ رئيس الحكومة الجديد الذي كان يولي اهتماما كبيرا لأناقته هادئا ومطمئنا•• وتساءل المراقبون، إن كان سيد احمد غزالي، هذا الوجه القادم من الغرب والمتدرج من عالم الإقتصاد إلى عالم السياسة رجل العسكر؟! نفس السؤال طرحته على سيد أحمد غزالي فيما بعد، في منزله في أحد المساءات من العام 2001 فقال لي أن معظم المناصب التي احتلها كانت بفضل الجنرال العربي بلخير الذي لعب دورا مهما عند الشاذلي بن جديد ليكون في حكومة قاصدي مرباح، وبعدها في حكومة حمروش كوزير للخارجية•• وكانت العلاقة بين سيد أحمد غزالي والجنرال بلخير في غاية التألق والقوة••• وحتى عندما رحل حمروش عن الحكومة قام الجنرال بلخير باللوبيينغ عند وزير الدفاع آنذاك الجنرال خالد نزار من أجل أن يكون سيد أحمد غزالي على رأس الحكومة التي ستشرف على ”انتخابات حرة ونزيهة”•• لكن سرعان ما انحدرت العلاقة بين الرجلين بعد رحيل غزالي عن الحكومة وتحوله إلى سفير الجزائر بباريس نحو الأسفل، سألت الجنرال بلخير عن العلاقة التي أصبحت باردة بينه وبين أحد رجاله الذين دافع عنهم طيلة فترة الشاذلي بن جديد وبعده•• فقال لي الجنرال ”أن خيبته كانت كبيرة في سيد أحمد غزالي الذي سرّب ملفا لأسبوعية فرنسية يوم كان سفيرا للجزائر ببارس، وهذا الملف يتهم فيه الجنرال بلخير بأنه كان وراء منح جواز سفر ديبلوماسي جزائري لمحتال من جنسية إيطالية، كان يعمل لصالح المافيا الإيطالية، وتقدم للجزائر من خلال الجنرال العربي بلخير ليكون وسيطا بين الجزائر ومؤسسة إقتصادية دولية للحصول على قرض يقدر بأكثر من مليوني دولار•••”، وبالفعل كان سيد أحمد غزالي باعتباره وزيرا للخارجية الجزائري، هو من أمضى جواز السفر الديبلوماسي•• لكن سيد أحمد غزالي قال أن إمضاءه جواز السفر كان مبنيا على التزكية التي منحها الجنرال بلخير لهذا المحتال الإيطالي، الذي ظهر فيما بعد أنه مطلوب من طرف الأنتربول••• وعندما سألت سيد أحمد غزالي الذي شكا لي بمرارة عدم رد الجنرال بلخير على اتصالاته الهاتفية، قال لي رئيس الحكومة الأسبق، ”بأنه لم يكن وراء تسريب الملف للجريدة الفرنسية (لوفانمان دو جودي) وأن الشخص الذي وشى بي عند الجنرال كان هدفه تخريب العلاقة بيني وبين الجنرال”• في حياته اليومية كان الجنرال بلخير محافظا ومؤمنا، كان له عداء صريح للشيوعيين ولليسار بشكل عام•• وقد لعب الجنرال دورا كبيرا في إعادة العلاقة بين السلطة في عهد الشاذلي بن جديد وبين شيوخ الزوايا•• وقد يرجع ذلك إلى ميولات العربي بلخير إلى الإسلام الصوفي ومحاولة توظيف الزوايا كرد على الإسلام السلفي والإسلام الشعبوي الراديكالي الذي حملت جبهة الإنقاذ رايته في نهاية الثمانينيات بعد سقوط الحزب الواحد، وما يثير التساؤل حول علاقة العربي بلخير بالإسلام الصوفي، هو تلك العلاقة القوية التي كانت تربطه في نفس الوقت مع الدوائر المؤثرة صاحبة القرار في دول منطقة الخليج وفي الوقت ذاته مع الدوائر المؤثرة والقريبة من العائلة الحاكمة في المغرب••• عندما فاجأ التيار الإسلامي الراديكالي دوائر السلطة والمراقبين بذلك الصعود المذهل في الشارع الجزائري، شعر الشاذلي بن جديد ”بالرعب والهلع” مثلما قال لي رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي•• ”فالسيناريو الذي حدث في رومانيا وأودى بحياة شاوسيسكو وزوجته على يد المقربين منه إثر إعدامهما من خلال محاكمة غير قانونية ومفتعلة” ظل يقض مضجع الشاذلي بن جديد كما صرح لي بذلك السيد سيد احمد غزالي•• وأضاف ”وهذا ما جعل الشاذلي بن جديد يولي أمره لعدد من رجاله المقربين من أمثال الجنرال العربي بلخير، وأبو بكر بلقايد الذي ساعده بلخير ليكون وزيرا للداخلية، وكان هذا الاخير الذي تم اغتياله في نهاية التسعينيات في قلب العاصمة هو من أعطى الاعتماد لجبهة الإنقاذ•• لقد كانت خطة الجنرال بلخير، حسب ما أسره لي، أحد الجنرالات المتقاعدين أن يخلق توازنا في اللعبة السياسية الناشئة وهذا إنطلاقا من موقعه كرجل ظل، وكان هدف مثل هذه التوازنات، تجريد المعارضة التقليدية من كل قوة ضاربة، مثل الأفافاس الذي كان يمثله آيت أحمد والأميديا التي كان يمثلها الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، والشيوعيين الذين كانوا ملتفين حول حزب الطليعة الإشتراكية••• وكانت اللقاءات السرية التي جمعته بالدكتور سعيد سعدي من أجل إنشاء حزب سياسي في منطقة القبائل ليكون منافسا لحزب آيت أحمد ومع الدكتور عباسي مدني، وبعد ذلك مع الراحل محفوظ نحناح الذي كان مترددا وغير متحمس بعد أحداث أكتوبر لإنشاء حزب سياسي، هي بداية التحضير للمشهد السياسي الجديد الذي عرف بعهد التعددية السياسية•••”•• يتبع (*) مدير عام صحيفة الجزائر نيوز (المصدر: “الجزائر نيوز” بتاريخ 31 جانفي 2010)  


هل من مستقبل للاتحاد من أجل المتوسط؟


توفيق المديني  
شكلت عالمية التجارة، وتحرير نظام العلاقات الدولية، وعدة متغيرات دولية وإقليمية كبيرة دافعاً قوياً لإقناع مجموعة دول الاتحاد بأن أوروبا لا يمكن لها أن تبني مستقبلها بتجاهل جنوب المتوسط. ومن هذه المتغيرات، حرب الخليج الثانية وإسقاطاتها المدمرة عربياً وعالمياً، لجهة هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على منابع النفط، واستخدامها سلاح النفط لخنق أقرب منافسيها من التكتلات الاقتصادية العملاقة وهي أوروبا واليابان، وتصاعد حدة الخلافات بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية حول القضايا التجارية والنقدية العالمية. ولقد عكست هذه الخلافات بين ضفتي الأطلسي آثارها على المواجهة حول حوض المتوسط، ومن هنا كانت الدعوة للمتوسطية الجديدة تعبيراً عن رغبة أوروبا في جعل (المتوسط) بحراً أوروبياً لا بحراً أميركياً. وتجسدت هذه الرؤية الأوروبية في فرنسا بعد وصول الديغوليين إلى السلطة فيها. فكان الطرح المتوسطي الأوروبي ردّاً على إصرار الولايات المتحدة الأميركية على الانفراد بمقدرات الشرق الأوسط، وهو الذي يتجلى بوضوح منذ أزمة الخليج الثانية. وأخيراً هناك التحديات الإقليمية التي تتمثل في مجموعة المخاطر والتهديدات الأمنية التي باتت تهدد الأمن الأوروبي، وهي في معظمها قادمة من الجنوب الذي يشمل جنوب وشرق المتوسط، وأهم تلك التحديات: -تصاعد المد الإسلامي الأصولي في كل من مصر وتونس والجزائر، وانفجار الأزمة الجزائرية، حيث أن نظرة الغرب للإسلام لا زالت ترى أن الإسلام يعني الأصولية، وهذه الأخيرة تعني الإرهاب. -امتعاض أوروبا من اقتصار دورها كممول فقط في عملية السلام الجارية في منطقة الشرق الأوسط، بسبب عجز الاتحاد الأوروبي عن انتهاج سياسة مستقلة عن السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وعن ممارسة ضغوط حقيقية على الكيان الصهيوني، وعدم طرح أوروبا نفسها شريكاً فعلياً في عملية السلام الجارية التي انطلقت منذ مؤتمر مدريد عام 1991، حيث تؤكد الدول الأوروبية دائماً بأن أي مبادرة أوروبية في شأن السلام في الشرق الأوسط، لن تكون بديلاً عن عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية. -استمرار مستويات التسلح المرتفعة في بلدان العالم الثالث. -استمرار تدفق المهاجرين غير الشرعيين من شمال إفريقيا إلى أوروبا، إذ تعتبر أوروبا أن النمو الديمغرافي المغاربي، وتزايد الهجرة غير الشرعية، وتصاعد الأصولية الإسلامية(Islamisme) في البلدان المغاربية وفي العالم، وغياب سياسة أوروبية موحدة، وتضاربها تجاه بعض أزمات المنطقة، من أكبر التحديات التي تواجه دول الاتحاد الأوروبي في عقد التسعينات، الأمر الذي جعلها تعقد عدة ملتقيات ومهرجانات ومؤتمرات حول المنطقة المتوسطية، والشرق الأوسط، وإفريقيا الشمالية، بين عامي 1994 و1995. كما أن السياسة المتوسطية المجددة لأوروبا تفضل المبادلات التجارية، وتقوية المكاسب الأوروبية في بلدان جنوب المتوسط. كما يقول تقرير البرلمان الأوروبي ” إننا أمام رتق السياسة المتوسطية” Un rafistolage de la politique mediterraneenne.. في كتابه الجديد، “أوروبا من أجل المتوسط من مؤتمر برشلونة إلى قمة باريس (1995-2008)، الصادر حديثاً عن مركز دراسات الوحدة العربية، والذي قام الزميل الأستاذ سليمان الرياشي المشرف على صفحة رأي في صحيفة “المستقبل” بترجمته من الفرنسية إلى العربية، يقدم لنا الكاتب الدكتور بشارة خضر، رؤية نقدية لموضوع الاتحاد الأوروبي من أجل المتوسط، حيث يقول: إن “الاتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يصبح قاطرة حوض المتوسط بمجرد إطلاقه سياسة جديدة، سواء كانت تلك السياسة “الجوار” أو “الاتحاد من أجل المتوسط”، لكنه يصبح كذلك بتبني سلوك يقطع من منظور البحر المتوسط المهدد، ويعيد تشييد الفكرة العزيزة على إدغار موران. ومن ناحيتي، فقد اعتدت على القول إن البحر المتوسط أضيق من أن يفرِّق، وأوسع من أن يُخلط. فهو ليس جدولاً ولا محيطاً، بل هو كما سماه العرب “البحر الأبيض المتوسط”، إنه البحر الواقع وسط اليابسة، وهو جسر يربط، وليس حفرة تفصل”(من المقدمة ص16).       1- ساركوزي وإطلاق مشروع الاتحاد المتوسطي كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، هو الذي أطلق مشروع إنشاء اتحاد متوسطي: أي منظومة حضارية وسياسية واقتصادية وأمنية وثقافية تجمع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط شماله وجنوبه، على غرار عملية بناء الاتحاد الأوروبي، اندماج لضفتي المتوسط بوساطة الاقتصاد.. فالحلم عظيم وعبارة الحلم أطلقها ساركوزي ذاته في شباط 2007 في خطابه بمدينة طولون الفرنسية ضمن حملته الانتخابية، وفي حفل تسلمه لمهامه كرئيس للجمهورية الفرنسية يوم 16 أيار 2007. وهو مشروع مستوحي في قسم كبير منه من المراجع التي اعتمدها الرئيس ساركوزي لتأسيس هذا الاتحاد والظروف الدولية المحيطة بالمشروع الطموح. ومن أبرز المراجع التقرير الذي أعدته بطلب من الرئيس ساركوزي كوكبة من الديبلوماسيين والمنظرين والمفكرين الفرنسيين لهذا الغرض وهو يحمل عنوان (تقرير ابن سينا) على اسم الفيلسوف الطبيب العربي المسلم. والتقرير وثيقة ضرورية لفهم الغايات التي يرمي الى تحقيقها الرئيس الفرنسي الجديد الذي باشر الإصلاحات الجذرية الجريئة في كل مجالات الحياة في بلاده. ينقل المؤلف بشارة خضر مقتطفات من خطاب المرشح ساركوزي في مدينة طولون ما يلي: إنه “بإدارة الظهر إلى المتوسط، فإن أوروبا وفرنسا ظنتا أنهما تديران الظهر إلى الماضي”، بينما كانتا في الواقع “تديران الظهر إلى مستقبلهما”، لأن” مستقبل أوروبا في الجنوب”.ثم يركز المؤلف على الخطأ الذي ارتكبه المرشح ساركوزي عندما ذكر بملحمة الصليبيين “هذا الحلم” الذي دفع في الماضي بكل فرسان أوروبا إلى طرق الشرق، ثم حملة نابليون في مصر، ثم “حملة نابليون الثالث” في الجزائر، وليوتي في المغرب، “هذا الحلم الذي لم يكن غزواً بقدر ما كان حضارة”، لأن معظم الذين اتجهوا إلى الجنوب لم يكونوا مسوخاً ولا مستغلين “بل بالإجمال أناساً طيبين، ذهبوا ليكسبوا بكدّهم قوت عيالهم، من دون أن يستغلوا أحداً، وخسروا كل شيء لأنهم طردوا من أرض تملكوها بالعمل وحق العيش بسلام”.. إن هذه الاستشهادات من خطاب طولون، تشكل اختصاراً مؤثراً للرسالة التمدينية الشهيرة لفرنسا، وللاستعمار الطيب والأخوي”(ص 221). كان ساركوزي اختار زيارته الى المغرب في تشرين الأول (اكتوبر) 2007 لإلقاء خطابه المتوسطي الذي استخدم العبارات والصور الشعرية حين قصد شعوب المنطقة بالقول: “.. إلى كل المتوسطيين، إلى الشعوب التي تعيش في معجزة هذا الضوء الذي أنار أجمل أحلام الإنسانية… أقول إن الوقت قد حان لجمع القوى والقلوب من أجل بناء الاتحاد المتوسطي لأن ما يجري في المنطقة أمر حاسم… هناك يتقرر ما اذا كانت الحضارات والأديان ستخوض في ما بينها أشد الحروب وما إذا كانت المواجهة بين الشمال والجنوب ستنفجر أو أن الإرهاب والتطرف والأصولية ستفرض على العالم سجل العنف والكراهية”… ذاك بعض ما قال الرئيس الفرنسي عن دعوته زعماء بلدان حوض الأبيض المتوسط لإنشاء اتحاد إقليمي يجمع عناصر القوة الاقتصادية والتنوع ويكون بمنزلة الجسر الثقافي المشترك بين الغرب والشرق وبين أوروبا وإفريقيا. وكان الرئيس ساركوزي دعا زعماء المنطقة إلى الاجتماع في فرنسا في 14 تموز 2008 لإعلان تأسيس الاتحاد. 2- تجاوز مسار برشلونة يقوم المشروع: الاتحاد من أجل المتوسط، على إنشاء إلى جانب الأوروميد ـ برنامج للتعاون بين الاتحاد الأوروبي مع بلدان حوض المتوسط والشرق الأدنى، أطلق منذ عشر سنوات لكنه جمد بسبب الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ـ لتأسيس شراكة تقوم على معادلة “5+5”: خمس بلدان من جنوب الاتحاد الأوروبي (إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، اليونان، البرتغال) تتعاون مباشرة مع خمس بلدان من جنوب المتوسط: الجزائر، تونس، المغرب، ليبيا ومصر. وتقوم فكرة المشروع على البناء التدريجي لهذا الاتحاد المتوسطي الجديد من خلال القمم المنتظمة، ثم عبر المؤسسات المقلّدة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بدايات تشكله في خمسينات القرن الماضي، إذ أن المقاربة كانت اقتصادية في جوهرها. والحق يقال، إن الفكرة ليست جديدة، فالقمة 5+5، عقدت في تونس في ديسمبر 2003، وهناك عدة اجتماعات مشابهة ضمت وزراء المالية أو الدفاع، عقدت بشكل سري خلال العشر سنوات الماضية. وكان واقع الإخفاق لأوروميد، عقب الذكرى العاشرة لاتفاق الشراكة الأورو- متوسطية في برشلونة في نوفمبر 2005، قد حث على الإسراع ببلورة هذا المشروع الجديد. يستند هذا المشروع إلى التقرير الذي استعرض العلاقات الفرنسية المتوسطية أي في الحقيقة علاقات باريس التقليدية مع بلدان المغرب العربي: تونس والجزائر والمغرب، نزولاً الى مصر وتركيا كشركاء لبلدان ساحل البحر في الشمال أو في الشرق أي فرنسا وايطاليا وإسبانيا واليونان ومالطا وقبرص. ويمضي التقرير في تقييم العلاقات الفرنسية المغاربية فيؤكد على طابعها التاريخي ولكنه يعترف بأن سياسات باريس لم تكن دائماً مستقرة الأهداف ومنطقية الخيارات باتجاة المغرب العربي، وكذلك الأمر باتجاه أزمات المشرق العربي، ما جعل أبواب هذه الأقاليم تنفتح تدريجياً على القوى الأخرى الطموحة للحضور فيها مثل الولايات المتحدة ولكن أيضاً الصين وروسيا. الأصل في الاتحاد المتوسطي الذي يبدو اليوم بمنزلة تقليعة جديدة، أنه لا يعدو أن يكون استنساخاً ذكياً لمشروع السلام الاقتصادي في المنظومة الأميركية للشرق الأوسط وشمال افريقيا، التي بدأت في الدار البيضاء عام 1994، ثم جالت على عواصم عربية قبل أن تتعرض للانهيار نتيجة تداعيات أزمة الشرق الأوسط. والحال أن الطبعة المنقحة للاتحاد المتوسطي تسلك المنهجية ذاتها في استقطاب بلدان شمال افريقيا، كونه الأقل تأثراً بما يحدث في المشرق العربي، وبالتالي فالرهان على إمكان إحداث اختراق كبير في انفراج العلاقات المغاربية يبقى محكوماً بإرادة الدول المعنية، أكثر منه بتسويق المشاعر. وسواء انجذبت المنطقة إلى دعم غير مشروط للاتحاد المتوسطي أو تحفظت على بعض أهدافه السياسية، فإنه يظل رؤية أوروبية تأخذ في الاعتبار معطيات توسيع الاتحاد وآفاق التحالفات والمنافسات القائمة مع الولايات المتحدة. وتعلم بلدان المنطقة صعوبات الاندماج الاقليمي على الصعيد المتوسطي بسبب تعثر السلام في الشرق الأوسط. ويعد نقص التعاون في ما بين دول الجنوب أحد نواقص الشراكة الأوروبية المتوسطية. وتمثل اجتماعات الشراكة إطاراً لوجود العرب المتوسطيين والإسرائيليين إلى جانب الأوروبيين، لكن ذلك لم يؤثر ولم يساعد في حلحلة الصراع. بل إن اجتماعات الشراكة تحول أحياناً إلى سجالات “كانت سبب تلوث نقاشات الشراكة”. والوضع على حاله منذ انعقاد مؤتمر برشلونه التأسيسي في 28 أيلول 1995. وقال ساركوزي في خطاب طنجة إن “الاتحاد المتوسطي سيكون اتحاد المشاريع من أجل أن يكون حوض البحر الأبيض أكبر مختبر للتعاون والتحكم معاً في التنمية وفي حرية تنقل الأشخاص، والحيز الذي ينظم داخله الأمن الجماعي”. وبحكم الدفء الذي يسود العلاقات بين إسرائيل وفرنسا في العهد الجديد، فإن الدولة العبرية قد تتحمس لإنجاح مبادرة ساركوزي كما يصعب على لبنان تناسي الدور الفرنسي في عهد ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الموقف السوري سيظل لغزاً. فدمشق التي حضرت المؤتمر التأسيسي للاتحاد من أجل المتوسط، لا تزال ترفض إلى الآن توقيع اتفاقية الشراكة الأوروبية المتوسطية. الدعاة المتحمسون للمشروع الجديد، يريدون أن يستفيدوا من النمو الاقتصادي الهائل الذي تشهده منطقة المغرب العربي، سنوات عديدة، إما بفضل تزايد المداخيل المتأتية من الريع النفطي، أو بسبب انتقال خطوط الإنتاج الصناعية من البلدان الأوروبية باتجاه البلدان المغاربية، التي فتحت أسواقها الواعدة للشركات الأوروبية التي تنفذ مشاريع استثمارية في مجال “الاوفشور التكنولوجي” وصناعة قطع غيار الطائرات والسيارات (إذ تتسع رقعة السوق المغاربية الي 100 مليون نسمة في 2010)، من أجل تشغيل وتثبيت اليد العاملة الرخيصة، حتى لا تحاول الانتقال إلى الضفة الشمالية من المتوسط. في هذا المعنى يكمن جديد المبادرة الفرنسية في كونها طرحت صيغة للعلاقات الأوروبية – المتوسطية أعلى من سقف مسار برشلونة، بل هي ترقى إلى مستوى العلاقات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ما دام الأمر يتعلق باتحاد وليس بشراكة. وهي أتت صدى للانتقادات اللاذعة والمتنوعة التي صبها أصحابها، من الجنوب والشمال على حد سواء، على المسار الأوروبي المتوسطي الأعرج. ويبدو أن أحد أهم دوافع الرئيس الفرنسي إلى الدعوة إلى اعتماد الاتحاد المتوسطي يتمثل في نتيجة الفشل التي حصدها “مسار برشلونة” للتعاون الأوروبي المتوسطي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية. ومن الأسباب التي تبناها الرئيس الفرنسي، صراحة أو ضمناً، في تشخيص أزمة “مسار برشلونة” عجز هذا الأخير عن ممارسة تأثير ايجابي في الصراع العربي – الإسرائيلي، على الرغم من انطلاقه عام 1995، أي بعد بضع سنوات من انطلاق ما سمي عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكان الشركاء الشماليون والجنوبيون يراهنون كثيراً على الأجواء الإيجابية التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط، ويتطلعون إلى تعاون وثيق بين دولها، بما فيها إسرائيل والدول العربية، لا يقف عند الحدود الاقتصادية بل يطال المجالات السياسية والاستراتيجية. ولكن رفض إسرائيل للسلام باعتباره نقيضاً لوجودها، وعجز الأوروبيين والعرب معاً عن حمل تل أبيب على احترام التزاماتها، أدّيا إلى إخفاق “مسار برشلونة” منذ عيد ميلاده الأول بعدما رفضت الدول العربية الأعضاء الموافقة على مشروع فرنسي للتعاون الاستراتيجي تكون إسرائيل شريكة فيه. ويعتقد المحللون أن مشروع الاتحاد المتوسطي الذي اقترحه الرئيس ساركوزي يمكن أن يعمق المسار الأوروبي المتوسطي ويسد الثغرات والتشققات التي ظهرت في جداره. إن مفهوم الاتحاد من أجل المتوسط نفسه هو معادل للاتحاد الأوروبي لكن في حقل جغرافي واقتصادي مُغاير، ومعنى هذا أن هناك ذهنية جديدة تذهب إلى مدى أبعد من مفهوم الشراكة، أي إلى نظير للاتحاد الأوروبي. غير أن المشروع هذا لن يكون محصناً من المطبات التي وقع فيها مسار برشلونة، ما يطرح أسئلة عدة عن الضمانات التي ينبغي تأمينها لوضعه على السكة. فما دام مسار برشلونة أظهر ضعف الإرادة التي تدفع الأوروبيين لتطوير الشراكة، فما الذي يضمن أنها ستكون أقوى زخماً في المشروع الجديد؟ وبالعودة إلى أسباب تعثر مسار برشلونة، فالمسؤولية مشتركة تتحملها دول شمال المتوسط مثلما دول جنوبه. فها هي تجربة أوروبا الشرقية والوسطى تحقق الغايات المرسومة للشراكة، لأنها من روحها قبل الانضمام للاتحاد الأوروبي. فضلاً عن أن إرادة تلك البلدان قبلت بإصلاح النظام الاقتصادي ولكن أيضاً إصلاح أنظمتها السياسية وإقامة المؤسسات وإرساء التعددية وصون حقوق الإنسان وإطلاق حرية الإعلام واحترام استقلال القضاء وإصلاح النظام التعليمي، وهي خطوات لم تحققها بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط في ذلك الحيز الزمني نفسه، لأنها كانت متعلقة بتدفق التمويلات الأوروبية والمحافظة على الامتيازات التي أتت بها اتفاقات سنة 1976 مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية.     3- مشروع الاتحاد المتوسطي ومفهوم السلام والأمن يشدد إعلان مشروع الاتحاد المتوسطي على ضرورة جعل منطقة البحر المتوسط فضاء مشتركاً من السلام والاستقرار والازدهار. ولهذا اُعتبر البعد الأمني للشراكة الأوروبية المتوسطية مسألة حيوية لا يجوز أن يُسَاءَ تقديرها. وقد كانت دول المغرب العربي ومصر متجاوبة جداً مع مقترح الشراكة المتعلق بالجانب الأمني، نظراً للظروف السياسية المعقدة التي تعيشها منذ مطلع التسعينات وليومنا هذا، وارتعابها من احتمال تولي الحركات الإسلامية السلطة في بلدانها، ولا سيما أن النخب الحاكمة تشكك بإطلاقية، في صفات هذه الحركات الإسلامية الديموقراطية. ولهذه الغاية، أصبحت هناك مصلحة مشتركة سياسية وأمنية بين البلدان العربية جنوبي المتوسط وبلدان الاتحاد الأوروبي لجهة تحقيق الأمن، مع التأكيد على ضرورة الاستقرار الداخلي والخارجي للبلدان العربية. فالتهديدات تغيرت بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين، وتلاشى التضاد شرق غرب الذي كان سائداً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي كان البحر المتوسط أحد بؤره من خلال تكديس الأسلحة الهجومية وأسلحة الدمار الشامل. وعلى الرغم من أن هذا بات حالياً جزءاً من الماضي، فإن منطقة المتوسط لا تزال تشهد انبعاث التفتت والتناقض الأشد حدة في عصرنا الراهن، والهجرات الإنجيلية، والعصبيات الدينية، والتناقضات السياسية الإثنية، والكيانات الجيوبوليتيكية الجديدة الهشة. 4- الاختلاف في الثقافات السياسية بين شمال والمتوسط وجنوبه تتباين الثقافات السياسية وأساليب الحكم والقيم من أقاصي منطقة المغرب العربي إلى أقاصي المشرق والشرق الأدنى المطل على حوض البحر المتوسط. والسؤال هنا لا يتعلق باختلاف النظم بل أولاً باستعدادها لرفع الثقافة الديموقراطية الغربية لمرتبة المثل الأعلى المنشود، وثانياً قدرتها على تطبيق هذه الأنماط الغربية بشكل فعلي. وحتى إن سلمنا بأن مبدأ الديموقراطية على الطريقة الأوروبية مقبول من جميع الشركاء في جنوب حوض البحر الابيض المتوسط، يبقى حق الدول ذات السيادة في تقرير الحاجة إلى تعجيل عملية التحول الديموقراطي، أو إلى إبطائها، أو تقييدها أو حتى تجميدها. إذا كانت دول شمال حوض المتوسط قد أخذت بمبدأ الديموقراطية في ثقافتها السياسية منذ زمن بعيد، فإن دول جنوب المتوسط، تشكل استثناء في ذلك، لجهة افتقارها عموماً إلى خبرة سابقة في ممارسة الديموقراطية، كما أن أغلبها ليس فيه إلا القليل من إمكانية الانتقال حتى إلى نسبة الديموقراطية. وإذا كان الطرف الأساسي في مسيرة يحتمل أن تكون ديموقراطية، هو الدولة أكثر منه المجتمع المدني المهزوم بطبيعته في دول جنوب المتوسط، أو الأمة، أو الطبقة، أو السوق، فإن الدولة العربية في جنوب المتوسط، التي استحوذت على التراث البيروقراطي الفرنسي أو البريطاني، أو تراث الاتحاد السوفياتي السابق، هي دولة تسيطر عليها صورة دولة المخابرات ـ هذا المخلوق الضخم الاستبدادي البيروقراطي ـ التي تستمد استقرارها من الخوف لا من الشرعية. فعملية الانتقال إلى الديموقراطية تتطلب عادة وجود مجتمع مدني قادر على إثبات وجوده وعلى مساومة الدولة، بما في ذلك وجود نقابات العمال التي تتمتع بشيء من الاستقلالية، لكن أنظمة الحكم في جنوب المتوسط تتهيب أو في الأقل ترتاب من مجتمع مدني فعال وقوي أكثر مما ينبغي. لذا فإن التعددية المحدودة التي أقرتها أنظمة في جنوب المتوسط إنما هي للدفاع عن النفس والمحافظة على وجود النظام وليس للتحرك الفعلي نحو الديموقراطية. والحال هذه، كيف يمكن أن تكون هناك شراكة حقيقية متكافئة في منطقة البحر المتوسط، في ظل وجود أنظمة ديموقراطية راسخة على الضفة الشمالية، في حين تسود في الضفة الجنوبية أنظمة ما زالت تحركها نحو ديموقراطية ناشئة وبطيئة، ويظل انفتاحها السياسي خاضعاً للسيطرة وقائماً على استراتيجية ميكيافيلية تمزج بين “الليبرالية المتحكمة” وجني ثمار الخصخصة والليبرالية الاقتصادية.
[ الكتاب: أوروبا من أجل المتوسط: من مؤتمر برشلونة إلى قمة باريس (1995-2008). [ المؤلف: الدكتور بشارة خضر، ترجمة سليمان الرياشي. [ الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، كانون الثاني (يناير) 2010.  
(المصدر:المستقبل (يومية – لبنان) بتاريخ 1 جانفي 2010 – العدد 3555 – ثقافة و فنون – صفحة 20)
 


قانون إجرامي


عبد الحليم قنديل وحده، كان موقف الحكومة اللبنانية قاطعا في رفض تشريع مجلس النواب الأمريكي بمطاردة فضائيات المقاومة، وحظر بثها عبر الأقمار الصناعية. وفي اجتماع مفوضية الإعلام العربي، كانت الميوعة ظاهرة، وتحدث عمرو موسى ـ أمين عام الجامعة العربية ـ عن وفود دبلوماسية ‘للتفاهم’ مع واشنطن. ولا تعرف ـ بالضبط ـ عن أي ‘تفاهم’ يتحدث السيد موسى، فمشروع القانون المعروض على مجلس الشيوخ الأمريكي بعد موافقة مجلس النواب، والذي لاتوجد عقبات تشريعية ولا رئاسية في طريقه، هذا القانون جريمة كاملة، وإعلان حرب، ويعتبر فضائيات المقاومة أهدافا واردة للقصف. بعد الحصار، ويرتب عقوبات على مشغلي الفضائيات، وعلى الناقلين عبر الأقمار الصناعية، ويضعهم جميعا في خانة منظمات الإرهاب، وكل ذلك في تصادم فج مع قدسية حريات التعبير، ومع حق المقاومة البديهي للاحتلالين الأمريكي والإسرائيلي، ومع أمن الإعلاميين وسلامة ضمائرهم، فوق تجاوزه لأبسط اعتبارات سيادة العرب على أقطارهم وسماواتهم المفتوحة. والمعروف، أن فضائيات المقاومة المذكورة نصا في التشريع الإجرامي الأمريكي هي ‘المنار’ اللبنانية و’الأقصى’ الفلسطينية و’الرافدين’ و’الزوراء’ العراقيتين، وربما يمتد الحظر والتضييق بالتداعي إلى قناة ‘الجزيرة’، وهي الفضائية العربية الأشهر والأوسع تأثيرا، والتي تذيع أخبارا عن عمليات المقاومة، وتبث شرائط وحوارات لبعض قادتها، فالمطلوب واضح وصريح، وهو كتم أنفاس المقاومة، واعتبار أخبارها ووجوه قادتها رجسا من عمل الشيطان، ووضع كل من يدعو أو يؤيد المقاومة في خانة الإرهاب والإرهابيين، وإهدار دمائهم وأموالهم، مع أن أحدا لا يقول لك ما هو الإرهاب المقصود بالضبط ؟ وما هي الحدود الفاصلة بين الإرهاب والمقاومة، الأمريكيون ـ والإسرائيليون طبعا ـ أكثر صراحة في الموضوع، ولا يدعونك في حيرة من أمرك، فهم يضعون كل منظمات المقاومة في خانة الإرهاب، ولا فرق عندهم بين حزب الله وتنظيم القاعدة، ولا بين حركة حماس وجيش الإسلام، ولا بين حزب البعث ودولة العراق الإسلامية، ولا بين الشيخ حارث الضاري والشيخ أسامة بن لادن، بينما الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لايعد إرهابا، ويعد الاحتلال الأمريكي للعراق نعمة ربانية، وقتل وجرح وتشريد ملايين العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين عمل إنساني، وقس على ذلك مساخر لا آخر لها، يرددها غالب الإعلام الغربي ليل نهار، ويضعها في خانة الموضوعية والحيادية، ويلتمس من حريات التعبير سندا للذين يحقرون ويزدرون الإسلام والنبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، بينما يرى انتقاد الاحتلال الأمريكي كفرانا بالنعمة، ويعتبر انتقاد كيان الاغتصاب الإسرائيلي عداء للسامية، ويطلب للمنتقدين جوائز القتل الرحيم بصواريخ ‘كروز’. والأنكى أن البعض في عالمنا العربي يرددون كالببغاوات كلام الأمريكيين والإسرائيليين، ويميل إلى ‘التفاهم’ على طريقة عمرو موسى، بينما الحق ناطق في الظاهر والباطن، إذ أن دعوى الحيادية في الإعلام مجرد خرافة، ومن أول قاموس المصطلحات الإعلامية التي تستخدم، وإلى ترتيب الأخبار، وزوايا التناول، فلا حيادية في الإعلام، ولا في علوم الاجتماع والإنسان كلها، وسياق الشعور والثقافة والمصالح يؤثر بشدة، وهو ما يجعل رسالة قناة ‘الجزيرة’ ـ على مهنيتها الرفيعة ـ في تصادم مطلق مع رسالة قناة ‘فوكس’ الإخبارية الأمريكية مثلا، ويجعل قناة ‘المنار’- بمراعاتها لأصول المهنة ـ أكثر دقة ومصداقية من قنوات التليفزيون الإسرائيلية، وعلى نحو ما بدا في تغطيات حرب 2006، فالمهنية والدقة شيء مطلوب، وشرط جوهري لنجاح أي وسيلة إعلام، بينما خرافة الحياد الإعلامي لا وجود لها في العالمين، وحكاية الإرهاب لا تعريف لها، تماما كالحب، وكلها أمور تتعلق بالذائقة الشخصية والثقافية، فأمريكا ـ عندنا ـ هي الإرهابي الأول، وحزب الله سيف إرهاب لإسرائيل، والقرآن الكريم يحدثنا عن الإعداد للقوة التي نرهب بها عدو الله وعدونا. نقول ذلك حتى لا تختلط الأوراق، ولا نقع فريسة لإرهاب كلمات فارغة من المعنى، ولا نتحدث عن ‘تفاهم أخرس’ من النوع الذي يدعو له عمرو موسى، فالتشريع الإجرامي الأمريكي سوف يمضي في طريقه، وسوف يجد الحكام العرب أنفسهم أمام مطالب بوقف وحصار فضائيات المقاومة، والحل لا يقبل القسمة على اثنين، فتشريع الكونغرس الأمريكي يخص الأمريكيين الذين انتخبوه، ولا يصح لأثره أن يتجاوز أراضيهم وسماواتهم، ومن حق الكونغرس الأمريكي أن يصادر حريات التعبير في بلاده، وأن يدهس نصوص الدستور الأمريكي، فهذه كلها أمور تخصهم ولا تعنينا، وأي تعميم لأحكام الكونغرس علينا يجعلنا من رعاياه، ويضيف بلادنا إلى مواطئ أقدام وسيادة الأمريكيين، ومعاذ الله أن تكون شعوبنا كذلك، أو أن نقبل هوانا في النفوس والضمائر بعد انتهاك الأعراض وكبت السياسة ونهب الاقتصاد، ونقطة الضعف عندنا ظاهرة، وهي في حكامنا الذين لم ننتخبهم، والذين يضعون أحكام أمريكا فوق أحكام الله عز وجل، ويكرهون المقاومة كما تكرهها أمريكا وإسرائيل، فهي تذكرهم بعارهم، وتكشف عوراتهم، وتنزلهم منازل الخزي إلى يوم يبعثون. والمعنى، أننا بصدد خطر حقيقي داهم، فحصانة الأمريكيين في بلادنا فوق حصانة قصور الحكم، وإذا أمرت أمريكا بحصار فضائيات المقاومة، وهي سوف تفعل، فسوف يصدع الحكام للأمر السامي، ويجري غلق مكاتب الفضائيات المعنية في العواصم العربية، ومطاردة شبكة مراسليها، ووقف البث على الأقمار الصناعية، وقصف مقار فضائيات المقاومة بعد وقف البث، وهذا كله ليس من باب الخيال الأسود، بل هو مقتضى الحال الأسود، والمقتضى الفعلي المقصود لتشريع الكونغرس الإجرامي، وهو ما يعنى أن علينا أن نتحرك من الآن، لا أن ننتظر المقدر والمكتوب الأمريكي، فالهدف هو المقاومة، وهي شرف الأمة وأمارة نبلها الوحيدة الآن، والدفاع عن فضائيات المقاومة هو دفاع عن المقاومة ذاتها، والمطلوب : تحرك سياسي وقانوني ومهني وإعلامي واسع، يبدأ من الأراضي الأمريكية ذاتها، ومن مفوضية حقوق الإنسان في جنيف، ومن اتحادات الصحافيين الدولية، ومن العرب في المهجر الأوروبي، ومن أنصار الحرية والمقاومة والقضية العربية في العالم الغربي كله، ومن اتحادات ونقابات الصحافيين العربية، ومن أصوات وحركات السياسة المعارضة في العالم العربي، ومن تظاهرات تنديد يجري تنظيمها أمام السفارات الأمريكية، وتكشف الوجه القبيح لأمريكا التي تصادر حريات التعبير وحقوق المعرفة، فهذه ليست معركة فضائيات المقاومة وأصحابها والعاملين فيها وحدهم، إنها معركة الحرية وكسب حق الحياة وحق المقاومة، فالهدف ظاهر من إسكات فضائيات المقاومة، وهو التمهيد للاجهاز على المقاومة نفسها في حروب تدق طبولها الآن في واشنطن وتل أبيب. نعم، لا يصح الاطمئنان لمواقف الحكومات العربية في غالبها الأعم، صحيح أنها أبدت امتعاضا في اجتماعات للجامعة العربية من التشريع الإجرامي للكونغرس، ثم أعقبت الامتعاض بحديث عن تفاهم مريب، فهذه الانظمة لن تدفع عنا خطرا، بل هي ـ في ذاتها ـ أصل الخطر والخشية، وعداؤها الكامن للمقاومة لا يقل عن عداء أمريكا الظاهر، وقرارها ليس بيدها بل بيد الأمريكيين، والمطلوب : شل يد الأمريكيين المحركة لحكومات الدمى.
 
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 1 فيفري  2010)  


أوباما يعالج الفشل بالخطابة


منير شفيق أول ما يُلفت الانتباه في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما حول “حالة الاتحاد” يتمثل في نبرته الخطابية التحريضية العالية، سواء أكان تركيزه على القِيَم الأميركية التقليدية ليُغطي من خلال الحديث النظري على الممارسة العملية الأميركية، وما تعانيه تلك القِيَم، علماً أن الممارسة كانت دائماً شيئاً آخر، من انهيار وتدهور، أم كان تشديده على عدم الاستسلام لليأس والقنوط من الحالة التي وصلتها أميركا اقتصادياً وسياسياً، وهيبة ومكانة ودوراً، وبث روح الأمل واستعادة الثقة بالنفس وبالقدرة على استعادة زمام المبادرة والقيادة وتحقيق الإنجازات والأهداف، اعتماداً على البلاغة وليس الوقائع. إنه خطاب لو ألقاه زعيم من العالم الثالث لاستهزأ به مثقفونا الليبراليون المتأمركون، ولرموه بكل ألوان النعوت التي تسخر من الكلام حين لا يتطابق مع الممارسة وواقع الحال، كما من الشعبوية والديماغوجيا والكلاملوجيا. ولكنهم مع الرئيس الأميركي باراك أوباما لن يصفوه بشيء من هذه النعوت، لأن “الفرنجي برينجي”. ولأنهم بحاجة إلى انتشالهم من حالة اليأس بسبب إخفاقات أميركا في السنة الماضية من عهد أوباما، موصولة مع إخفاقات سلفه جورج دبليو بوش، ولأنهم أخيراً، وليس آخراً، في المركب نفسه ولا يحبون أن يشمت بهم الشامتون. وقد رهنوا كل ما عندهم على أميركا والعولمة، بما في ذلك قضية فلسطين ومستقبل العرب والمسلمين وشعوب العالم الثالث. أما ثاني ما يلفت الانتباه في الخطاب فهو ذلك الحرص على عودة المقاتلين من الجيش الأميركي في أفغانستان والعراق، طمأنةً للشعب الأميركي بأنه سوف يعود بهم وفقاً للتواريخ المحدّدة. وقد بدا كأن العودة من جبهة القتال التي فتحتها أميركا باحتلال كل من العراق وأفغانستان هدفاً أميركياً شعبياً من الطراز الأول. وهذا موقف يناقض طبيعة أميركا الإمبريالية العدوانية الاحتلالية الهيمنية. ومن يشك في ذلك فليقرأ تاريخ أميركا وجيشها منذ السنوات الأولى على استقلالها في العقد الـ8 من القرن الـ18 الميلادي حتى اليوم. فسِجّلها في هذا المجال يفوق سجّل بريطانيا وفرنسا. فأميركا لا تستطيع أن تخلع عن رأسها خوذة الحرب، ولا تعفّ عن العدوان العسكري واحتلال بلدان أخرى أو نشر مئات القواعد العسكرية على طول العالم وعرضه. فإن من يفعل ذلك لا يستطيع أن يكون متهافتاً على استعادة جنوده من جبهة القتال، بلا انتصار، وبلا تحقيق هدف العدوان والاحتلال إلا إذا كان مهزوماً، ولم يعد يستطيع تحمّل كلفة ما فعل، وقد أصبح التراجع أقل كلفة من البقاء. ولكن، لأن هذا الوعد بالذات يناقض طبيعة النظام والوجود الأميركيين منذ النشأة حتى اليوم، فإن على كل من الشعبين العراقي والأفغاني التسلح بأعلى درجات اليقظة خلال السنتين القادمتين 2010 و2011، فإدارة أوباما ستسعى، وهي تسعى فعلياً، إلى إنامة اليقظة، وإيقاف المقاومة، وإيجاد معادلات سياسية واقتصادية وأمنية وحتى عسكرية لتحقيق الهدف الذي لم تستطع فرضه بالعدوان والاحتلال العسكري. إن المرحلة المتمثلة بالسنتين القادمتين تمثل الامتحان الأصعب بالنسبة إلى قوى المقاومة والممانعة وإلى مناهضي الاحتلال بعامة من حيث تبني الخط الصحيح في مواجهة الاحتلال، وذلك حين تلين ملامسَه أو في الأدق حين يُغلب العمل السياسي والفعل التصالحي على سياسة القوّة وحدها كما كان يفعل قبل هذه المرحلة، أي قبل اليأس من تحقيق الهدف عبر الحل العسكري-الأمني. الخط الصحيح الأمثل هو عدم مساومته أو الدخول معه في لعبة المفاوضات السريّة أو العلنية، وذلك بالإصرار على الانسحاب الفوري، وبلا قيد أو شرط، فما أحدثه على البلاد والعباد خلال العدوان والاحتلال يجب ألا يُقابَل بتقديم التنازلات مهما كانت “ضئيلة”، أو بدت شكلية، فالعدوان أو الاحتلال يجب ألا يُكافأ مطلقاً. إن الدخول في لعبة المساومة يؤدي إلى تفسيخ الصفوف وإضعاف المقاومة وتمييع الممانعة، وإلقاء ظلال من الشبهات، بحق أو بلا حق، على مُمارسِها، الأمر الذي كثيراً ما أدّى في تجارب شعوب عدة إلى استبقاء الهيمنة بعد الانسحاب الكلي أو الجزئي، كما أدّى في بعض الحالات إلى استعادة المبادرة العسكرية والأمنية لتصفية المقاومة والممانعة. صحيح أن ما من حالة مثل أخرى في تجارب الشعوب وهي تخوض معارك التحرير من الاحتلال، لأن لكل حالة فرادتها، ولا يُحكم عليها إلا بالنتائج، من جهة، ولكن من جهة أخرى، وقبل ذلك، يجب ألا تنهج في قراراتها طريق القياس مع غيرها من تجارب، وإنما بناء الموقف السياسي على معطيات الحالة المعنية وخصوصيتها، ويا لتعس من يحسنون المقاومة في الأيام الصعبة والعسيرة، ولكنهم يسقطون في امتحان السياسة حين ينتقلون إلى المساومة، وينقادون وراء عدوهم إذ يغريهم بالاعتراف بهم، أو ببعضهم، ثم ينتهون إلى فقدان ما أحرزوا من نصر أو صمود في الميدان العسكري من خلال مساومات قادت إلى تقسيم صفوفهم وإضعاف مقاومتهم وإفساد مناخ المقاومة والعطاء لها بغير حدود. إن كل ما أراد أوباما أن يصل إليه في خطابه سواء الموجَّه إلى الخارج أم الداخل هو إنامة اليقظة وتمييع الموقف المعارض للسياسات الأميركية الفاشلة التي تبناها داخلياً وخارجياً. إن أوباما عاجز، ولكنه لم يفقد الأمل، ولا يريد أن يفقد أمل شعبه فيه، وأوباما مهزوم في العراق وأفغانستان ولكن لم يلق السلاح، وأوباما متخبط في معالجة القضية الفلسطينية ولكنه مصّر على تصفيتها لحساب الكيان الصهيوني. (المصدر: صحيفة “السبيل” (يومية –  الأردن) الصادرة يوم 31 فيفري 2010)  

 

 

Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

29 avril 2008

Home – Accueil   TUNISNEWS  8 ème année, 7  2898 du 28.04.2008  archives : www.tunisnews.net AISPP:  Interpellations à Bizerte Soutien du Groupe

En savoir plus +

4 février 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 6 ème année, N° 2084 du 04.02.2006  archives : www.tunisnews.net Les diplômés chômeurs occupent le

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.