الأحد، 5 مارس 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2113 du 05.03.2006

 archives : www.tunisnews.net


الحياة: جدل حقوقي بين تونس وواشنطن الجزيرة.نت: الإعلان عن حزب جديد للخضر بتونس الشروق: حزب أخضر في تونس الخضراء قدس برس تونس: خسائر تفوق 40 مليون دينار في قطاع الدواجن بسبب الخوف من انفلونزا الطيور والحكومة تتخذ اجراءات عاجلة الشروق:تأجيل انتخاب الهيئة المديرة الجديدة لجمعية المحامين الشبان الصّباح: حادث المرور على طريق تونس – المرسى:تفاصيل جديدة… وإيقاف شخصين على ذمّة الأبحاث الشروق:أمام صمت الهياكل المعنية: منجمون يعالجون السرطان والسيدا والأمراض المستعصية ويهددون الأطباء والمرضى حامد النفزاوي: وداعا يا شيخ نفزاوة ! نبيل الرباعي: هل إن نقد المعارضة من المحرمات ؟ عبدالحميد العدّاسي: نجوم تونس بين ” الفسوق ” والسفارة الحبيب أبو وليد المكني: لماذا نعتقد أن في تونس .. نظام ديكتاتوري ؟؟ توفيق المديني: (قراءة في كتاب) فشل الطبقة الحاكمة “الواحدة” في قيادة تونس إلى الحداثة محمد الطاهر القنطاسي: الأمل محمد العروسي الهاني: خواطر ومقترحات حول الذكرى الخمسين لميلاد الاستقلال الشروق : الرشوة : جريمة يعاقب عليها القانون وسلوك فردي لم يتخذ شكلا جماعيا عمار الجندي: بلير: الله هو الذي سيحاسبني على قرار حرب العراق فدعق لـ”الحياة”: فقه المقاصد الخيار الأمثل لتجديد الفتوى وإنقاذها من الجمود محمد الحداد: قضايا المعتقدات ووقائع الانترنت في زمننا نهلة الشهال: «قدسية» اليهود: طريق عودة اللاسامية إلى أوروبا     محمد صادق الحسيني :حرب «الهويات القاتلة» والفتن المتنقلة! ياسر الزعاترة: انتخابات وفتاوى.. الإسلاميون واللعبة الديمقراطية


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

جدل حقوقي بين تونس وواشنطن

تونس – رشيد خشانة    

 

طفا على سطح العلاقات التونسية – الأميركية مجدداً جدل سخن في شأن ملف حقوق الإنسان في أعقاب تقارب جسّدته زيارة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الشهر الماضي لتونس.

 

وردت تونس، أول من أمس، على تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية آدم إيرلي وامتدح فيها الإفراج عن مجموعتين من السجناء السياسيين بينهم كوادر في حركة «النهضة» المحظورة، إضافة إلى ثمانية شباب اتُهموا بالدخول الى مواقع محظورة على شبكة الإنترنت.

 

ونفى البيان التونسي وجود سجناء سياسيين في البلد، معتبراً أن أعضاء «النهضة» تمت مقاضاتهم من أجل «اقتراف أعمال إرهابية أو الإعداد لارتكابها».

 

كذلك أكد أنه «لم يُسجن أحد في تونس من أجل تصفّح مواقع على شبكة الإنترنت»، مشيراً إلى أن مجموعتي شباب جرجيس وأريانة (قضية الإنترنت) «حوكموا بعد اعترافهم بجرائم إرهابية».

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 5 مارس 2006)

 


الإعلان عن حزب جديد للخضر بتونس

لطفي حجي(*) – تونس أعلن في تونس عن الترخيص لحزب الخضر للتقدم، ويهدف للحفاظ على البيئة وتطوير التشريع البيئي بالبلاد. وفي أول تصريح له إثر تسلم الترخيص، قال الأمين العام المنجي الخماسي أمس إن حزبه سيدافع عن أهمية الوعي بالبيئة، وسيعمل على ترسيخ الثقافة البيئية في حياة الأفراد والمجموعات، وعلى مقاومة كل مظاهر الإخلال بالتوازنات الطبيعية، والقضاء على جميع مصادر التلوث المضرة بالصحة. وجاء في البيان التأسيسي أن الحزب سيسعى إلى تطوير التشريع البيئي بالبلاد بما يتماشى مع المواثيق الدولية، كما سيحرص على إبرام اتفاقيات بيئية بين بلدان المغرب العربي والعالم العربي أيضا. مفاجأة وفوجئ المراقبون بمنح الترخيص للخضر للتقدم، في وقت كانوا ينتظرون أن ينال الترخيص حزب تونس الخضراء الذي تم الإعلان عن تأسيسه منذ قرابة السنتين، وتقدم مؤسسوه بطلب لوزارة الداخلية للحصول على التأشيرة القانونية. وأعرب عبد القادر الزيتوني الناطق الرسمي باسم تونس الخضراء للجزيرة نت عن استغرابه، وعبر عن تمسكه بالترخيص لحزبه الذي تقدم بطلب إلى وزارة الداخلية منذ أبريل/ نيسان 2004. ويمنع الفصل السادس من قانون الأحزاب الاعتراف بالأحزاب التي تتبنى نفس الأهداف والبرامج مع أحزاب أخرى قائمة الذات. وبالاعتراف بالخضر للتقدم، يرتفع عددها إلى 9 أحزاب على رأسها التجمع الدستوري الديمقراطي الذي يحكم البلاد منذ خمسين سنة. وكانت منظمات حقوقية قدمت بوقت سابق لائحة بستة أحزاب ترفض السلطات الاعتراف بها رغم أنها استكملت كافة الإجراءات القانونية، على حد قولها. (*) مراسل الجزيرة نت  (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 4 مارس 2006)

 


حزب أخضر في تونس الخضراء

 

الاعتراف بحزب جديد في تونس حمل هذه المرة عدة دلالات، دلالة سياسية واضحة تمثلت في مواصلة منحى الانفتاح واثراء المشهد الوطني ودلالة خصوصية يمكن اختزالها في منح التأشيرة لحزب اهتماماته بيئية.

وهذه النوعية من الأحزاب توجد في البلدان المتقدمة التي تتجه فيها اهتمامات الناس الى اشكاليات واضحة والى مجالات معيّنة يكون العمل فيها أكثر إفادة ويكون مجال الفعل أكثر نفعا.

فبالبيئة ليست فقط شرطا من شروط الحياة بل هي الحياة ذاتها. في سلامتها سلامة الناس وفي نقائها تأثير صحي ونفسي عليهم!

وهنا تكمن أيضا أهمية بعث هذا الحزب خصوصا ان تونس نفسها اشتهرت بصفة الخضراء التي تحيل الى الطبيعة الغنّاء والمناخ الضروري. وهي تسمية قديمة جدا تعود لسنين مضت. وقد جاء في «ورقات» أستاذنا الجليل حسن حسني عبد الوهاب أن المسافر من شمال تونس الى حدود ليبيا كان يمضي رحلته كلها وهو سائر تحت الظلال خصوصا ظلال شجر التوت، وان المناطق الوسطى التونسية المحاذية لجنوب البلاد كانت تنتج ما يتوفر الآن في منطاق الوطن القبلي من غلال!

وتعمل تونس جاهدة منذ سنوات الى اعادة هذه الصورة الخلاّبة والى «مجاهدة» مشكلة التصحّر التي تحتاج في الاصل الى جهد مغاربي متكامل ومتناسق.

كما تعمل للحد من المشاكل المتأتية من التصنيع فكانت القوانين التي تنظّم هذا القطاع حتى يتلائم مع شروط البيئة وحتى لا يحدث خللا طبيعيا في اطار نظرة شاملة للتنمية المستديمة وايضا في اطار تكريس لحق من حقوق الانسان.

والاهتمام بالبيئة أيضا علامة من علامات الحداثة وانخراط الدول فيها، اذ أصبح احترام البيئة مقياسا من مقاييس تصنيف الدول في سلم الحداثة والتقدم لدرجة ان بعض الدول استمدت شهرتها العالمية أولا من بيئتها وعُرفت ببيئتها قبل ان تعرف بتقدمها الاقتصادي على غرار سنغافورة وماليزيا.

إن الاعتراف بهذا الحزب يمثّل اضافة على عدة مستويات.

 

* عبد الرؤوف المقدمي

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 5 مارس 2006)

 


 تونس:
 

خسائر تفوق 40 مليون دينار في قطاع الدواجن بسبب الخوف من انفلونزا الطيور والحكومة تتخذ اجراءات عاجلة

قرّرت الحكومة التونسية اتخاذ اجراءات عاجلة واحتياطية، للوقاية من مرض انفلونزا الطيور. كما قرّرت الحكومة اتخاذ إجراءات مماثلة لدعم الفلاحين ومربِّي الدجاج، الذين تكبّدوا خسائر بالملايين في المدة الأخيرة، بسبب خوف المواطنين من انتشار المرض. وبعثت وزارة الفلاحة التونسية مجموعة عمل خاصة تشتغل على مدار 24 ساعة، وتتلقى استفسارات المواطنين، عبر خط هاتفي خاص. كما تقوم مجموعات من وزارة الصحة بزيارة مختلف مناطق البلاد لإجراء فحوص وبحوث على مزارع الدجاج، في ما تؤكد المصالح المعنية بوزارة الصحة أنّ تونس خالية من كل المؤشرات عن وصول هذا المرض. خسائر فادحة وبلغت الخسائر التي تكبدها قطاع تربية الدواجن التونسي خلال الأربعة أشهر الأخيرة 40 مليون دينار (1 دولار يساوي 1.3 دولار). وقالت مصادر وزارة الفلاحة إنّ الإشاعات حول إمكانية انتشار مرض انفلونزا الطيور كانت وراء حالة العزوف عن استهلاك اللحوم البيضاء، لدى عدد هام من المستهلكين، في ظل التخوف والتوجس من استهلاك الدجاج، خاصة بعد انتشار المرض في مصر وفرنسا. وتحدث كاتب عام الجامعة الوطنية لمربي الدواجن، الطاهر الرايس، عن الخسائر التي لحقت بالقطاع، مشيراً بامتعاض إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه المربُّون، وما لحق بهم من حالات إفلاس، بدت مرشّحة للتفاقم، بسبب الإشاعات، والأخبار المتناقلة في العالم، حول اكتشافات بؤر إصابات مختلفة في عدد من البلدان. من جهتها؛ اعترفت السلطات التونسية بسوء أوضاع مربي الدواجن، لا سيما بعد العزوف غير المبرر، كما قالت، من طرف المستهلك عن استهلاك اللحم الأبيض، ما انعكس سلباً على القطاع. وأكد مسؤول حكومي أنّ وزارة الفلاحة تدخلت، من خلال أجهزتها لاحتواء الأزمة، سواء بالتخزين، الذي بلغ إلى حد الآن 4 آلاف طن، كما تم سحب 3 ملايين من بيض التفقيس، والبحث عن آليات تسويق خارج الحدود لمنتجات الدواجن، إلى جانب اتخاذ بعض الإجراءات الاجتماعية والمالية التي يجري بحثها. هذا ويُشار إلى أنّ قطاع الدواجن يؤمِّن أكثر من 52 بالمائة من حجم إنتاج اللحوم بكل أصنافها و12 بالمائة من قيمة الانتاج الفلاحي الجملي. إجراءات مغاربية وكان خبراء مغاربيون في مجال الصحة والفلاحة، قد وضعوا برنامجاً طارئاً لتنفيذ الخطة المغاربية للتنسيق، من أجل الوقاية والتصدير، لمرض انفلونزا الطيور بدول اتحاد المغرب العربي، وذلك في سياق مواصلة تنفيذ الخطة الوقائية الصادرة عن اجتماع وزراء الفلاحة ووزراء الصحة المغاربيين، الذين اجتمعوا في منتصف شهر شباط (فبراير) بالعاصمة التونسية. ويرتكز هذا البرنامج المغاربي الاستعجالي حول مواصلة التبادل الفورى للمعلومات المرتبطة بمرض انفلونزا الطيور، وتكثيف المراقبة، والتقصي الوبائي، مع ايلاء المناطق الحدودية أهمية خاصة، مع دعم القدرات العلمية ووسائل التحليل، من خلال الشروع في تنظيم دورات تدريبية مشتركة في دول الاتحاد. وشدّد الخبراء المغاربيون في اجتماع سابق لهم بالعاصمة المغربية، الرباط، على أهمية دور وسائل الاعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، في توعية المواطن المغاربي، وفي نشر المعلومات الدقيقة والمسؤولة. كما بحثوا الوسائل العملية لدعم التنسيق مع المنظمات الاقليمية والدولية المختصة، للاستفادة من مساعدتها الفنية والبشرية، في معاضدة جهود اتحاد المغرب العربي، والتصدى لهذا الوباء الحيواني. وكان الحبيب بن يحيى الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، أكد في كلمته أمام المشاركين في ذلك الاجتماع على أهمية أن تنسق دول الاتحاد مجهوداتها، بهدف الوقاية من هذه الجائحة الكونية. (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال بتاريخ 4 مارس 2006)

 


 

حادث المرور على طريق تونس – المرسى:

تفاصيل جديدة… وإيقاف شخصين على ذمّة الأبحاث

 

تونس – الصّباح:

 

يواصل أعوان مركز شرطة المرور بالعوينة التحقيق في ملابسات حادث السير المريع الذي جدّ مساء أول أمس على الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين العاصمة والمرسى وتحديدا على مقربة من المحوّل المؤدي إلى الفضاء التجاري «كارفور» والذي خلّف سبعة قتلى بعد وفاة أحد الجرحى أمس وستة جرحى إضافة للخسائر المادية الفادحة والتي تقدّر قيمتها المادية بآلاف الدنانير.

 

تفاصيل الحادث

 

كشفت المعلومات المتوفرة أن حافلة لنقل المسافرين تابعة لشركة خاصة غادرت محطة الحافلات بالمرسى بعد الساعة السادسة والنصف بقليل من  مساء أول أمس في سفرة جديدة باتجاه العاصمة، ولئن كانت الأجواء عادية في البداية فإنه حصل لاحقا ما عكّر صفوها عندما فقد سائق الحافلة سيطرته على المقود.

 

ويستفاد من المعطيات الأولية أن سائق الحافلة فوجئ بسيارة تصدم الحافلة من الخلف وهو ما أدى إلى أنزلاق الحافلة ورغم ذلك فقد حاول السائق السيطرة على المقود وتفادي مصير غامض ولكنه عجز عن فعل أي شيء عندما انحرفت الحافلة إلى أقصى اليسار وصعدت الرصيف الفاصل بين المعبدين، ورغم ذلك فقد جدّد السائق محاولته في تفادي الاصطدام بالسيارات القادمة في اتجاه المرسى وعرّج على يسار الطريق ولكن الحافلة فقدت توازنها وانقلبت لتسقط على ثلاث سيارات من بينها سيارةأجرة «تاكسي» فكان المشهد مريعا واشتعلت النيران في الجزء الأمامي لإحدى العربات وقد حل أعوان الحماية المدنية على جناح السرعة وسيطروا على ألسنة اللهب واسعفوا بعض المصابين ونقلوهم إلى مستشفى المنجي سليم حيث احتفظ بهم.

 

كما حل أعوان شرطة المرور بالعوينة ووحدات أمنية مختلفة تابعة لمنطقة الأمن الوطني بضفاف البحيرة لتسريع عمليات الإنقاذ والإسعاف وتنظيم سيلان المرور وانتشال الجثث  من داخل العربات.

 

إيقاف شخصين

 

من جانب آخر علمت «الصّباح» أن أعوان الأمن الوطني ألقوا القبض على شابين أحدهما عمره 25 سنة وكان يقود السيارة التي ارتطمت بأحد الجوانب الخلفية للحافلة فيما لم يُعرف بعد إن كان الشخص الثاني برفقة صديقه على متن نفس السيارة ضمن وقوع الحادث أم حل بموطن الواقعة بطلب من الأخير بواسطة الهاتف المحمول ولكن ما يجب التأكيد عليه هو أن الشاب المذكور (الثاني) عمد الى اقتلاع اللوحة المنجمية للسيارة قبل حلول أعوان الأمن (!!).

 

حلم لم يتحقق

 

إلى جانب ما خلفه هذا الحادث من مآس فإنه خلف مأساة أخرى تنضاف إلى البقية إذ سيولد قريبا طفل لن يرى والده الذي انتظر أربعة أعوام بالتمام والكمال خبر حمل زوجته… وانجاب طفلهما الأول ولكن هذا الأب لن يرى ابنه بعد أن فارق الحياة أثناء هذه الحادثة الأليمة.

 

قائمة الضحايا

 

علمنا أن القتلى الذين قضوا في هذا الحادث كان بعضهم على متن السيارات كما كان اثنان منهم على متن الحافلة فيما  يلي هويات بعضهم:

 

* محمد أمين بن حمودة موظف ببنك من مواليد 1979

 

* محرز بن عامر رئيس فرع بنكي من مواليد 1956

 

* الهادي الوسلاتي عامل يومي من مواليد 1970

 

* الزاهي منير عامل يومي من مواليد 1969

 

* أنيس الدغري عامل يومي من مواليد 1971

 

صابر المكشر

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 5 مارس 2006)

—————————————————————-

 

شاهد عيان يروي…

 

محمد فرجاني حمدي أحد الشبان أصيلي عين زغوان كان قد واكب الحادث الأليم الذي اثر في نفسيته أيما تأثير تحدث لـ«الصّباح» بصوت حزين قائلا: «كنت أتجول في المكان وأرقب الحافلة القادمة من المرسى في اتجاه تونس تحديدا عند الساعة السادسة و43 دقيقة وكانت الحافلة تسير على الرواق الأيسر للطريق وفي الأثناء ظهرت سيارة من نوع R5 على يمين الحافلة في الرواق الأوسط محاولة المجاوزة فاحتكت السيارة بالحافلة مما أفقد سائق الحافلة توازنه ليدخل في الاتجاه المعاكس رغم وجود «المادة» التي تفصل اتجاه طريق تونس المرسى.

 

وبولوجها الاتجاد المعاكس اصطدمت الحافلة بسيارة حمراء من نوع clio واعتلت سيارة أخرى «تاكسي» ليلقى سائقها ومرافقاه حتفهم على عين المكان.

 

أما السيارة الحمراء clio فقد حاول سائقها فتح الباب وعندما ترجل دهسته الحافلة مع سيارته ومرافقيه لتلتهم النار السيارة ويلتهب  جزء من الحافلة.»

 

ويطبق شاهد العيان كفيه في حسرة ليقول: «لو أسرع سائق السيارة clio قليلا لنجا ومرافقيه لكن المنية كانت أسرع حيث لقي السائق ومرافقوه حتفهم تحت الحافلة التي انقلبت على السيارة».

 

وعن الحافلة يقول محمد: «كانت تقل 6 أشخاص 4 نساء ورجلين إضافة إلى السائق والقابضة وقد أصيب معظمهم بجروح وكانت إصابة أحد المسافرين وهو شيخ في السبعين من العمر خطيرة، وتم نقله الى مستشفى المنجي سليم».

 

وأضاف شاهد العيان قائلا: «وبعد أن أخمدنا النيران التي اشتعلت في جزء من الحافلة تفطن الحاضرون إلى وجود جثة أحد ركاب الحافلة تحت الماء على جانب ا لطريق ولم يقع التفطن إليه في الإبان لأنه كان تحت الحافلة التي انقلبت وغطت جزءا كبيرا من مجرى الماء ولأنني كنت من الأوائل الذين ساهموا في عمليات الانقاذ قبل وصول الجهات المختصة فإني لم ألاحظ جروحا وأثار إصابة على جسمه مما يرجح أنه قد أصيب بدوار نتيجة الحادث وعندما سقط في الماء غرق ولفظ انفاسه الأخيرة… أو هكذا بدا لي».

 

هذا وأكد أحد الأطباء بمستشفى المنجي سليم بالمرسى صباح أمس أن احد الجرحى السيد ناجي بن حليمة وهو من مواليد 17 فيفري 1936 بالعاصمة قد تماثل الى الشفاء بعد أن تمت السيطرة على النزيف الحاد الذي أصابه إثر الحادث وغادر المستشفى عند منتصف نهار يوم أمس في صحة جيدة.

 

الحبيب وذان

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 5 مارس 2006)


أمام صمت الهياكل المعنية:

منجمون يعالجون السرطان والسيدا والأمراض المستعصية ويهددون الأطباء والمرضى

 

* تونس «الشروق»:

في قلب العاصمة لا يتورع عدد من أصحاب مكاتب التنجيم والشعوذة على تعليق لافتات بخط بارز تؤكد قدرتهم على علاج أمراض مزمنة استعصت على كبار الأطباء ومخابر البحث التي تنفق مليارات الدولارات بحثا عن الأدوية والتلاقيح.

بعض هؤلاء لا يتحرج في ذكر قدراته العلاجية وسرد قائمة الأمراض التي يعالجها في إعلانات تصدرها بعض الصحف بشكل مستمر بل أن بعض هؤلاءالعرافين يوظفون مواطنين للحديث حول نجاح العراف أو المنجم في معالجتهم من مرض خبيث استعصى على الأطباء ويتم نشر ذلك بمقابل في الصحف.

وإذا كان مقبولا أن يذكر هؤلاء أنهم قادرون على إزالة السحر والتابعة وفك المربوط وتزويج العوانس وجلب الرزق للتجارة فإن الخطير ادعاءهم معالجة العجز الجنسي والصفرة وتساقط الشعر وعقم النساء ومساعدة المصابين بحالات نفسية مهما كان نوعها بل أن بعضهم يدعي معالجة السرطان والسيدا وكل الأمراض المستعصية بالزيت والماء.

بعض هؤلاء يتحفظ ويكتب في إعلاناته انه يعالج أمراضا كثيرة وآخر يعلن قدرته على «إزالة بعض الأمراض» دون تحديد.

يتم هذا ويتكرر بصفة بارزة ولا أحد يتحرك أمام هذا التحيل وممارسة مهنة بدون رخصة أو تأهيل لا أحد بادر بالقيام بحملة لوقف هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدّد صحة المواطنين وتسرق أموالهم وتؤشر على وجود جيوب للتخلّف في وقت حققت فيه الكفاءات الطبية التونسية إنجازات عالمية وتوصلت من خلالها أبحاثها ودراساتها إلى اكتشافات هامة وتوفقت في إدخال واستعمال أرقى التكنولوجيات للقيام بأدق العمليات.

أليس من دور عمادة الأطباء ونقاباتهم وجمعياتهم الدفاع عن هذا الاختراق من قبل عدد من الجهلة والمشعوذين لمهنة نبيلة منظمة بقانون صارم لا يسمح فيه لطبيب باقتحام مجال في غير اختصاصه مهما بلغت كفاءته وخبرته فما بالك بغيرهم الذين لا يتوفر لديهم أدنى تكوين.

وأليس من دور وزارتي التعليم العالي والصحة الدفاع عن سمعة شهاداتها وطلبتها الذين يقضون سنوات طويلة على مقاعد الدراسة وفي المخابر ومراكز البحث؟

ولماذا لا تتدخل منظمة المستهلك لمزيد تحسيس المواطنين بالخطر الذي يسببه التعامل مع هؤلاء المشعوذين ودعوة الدوائر المسؤولة للتصدي لهذه الممارسات التي يمنعها القانون.

ويمكن لمصالح المراقبة الاقتصادية ومجلس المنافسين التدخل لتنفيذ أحكام قانوني حماية المستهلك والمنافسة والأسعار كما يمكن قانونيا لكل متضرر أو من لم يشف من هذه العلاجات التقدم بقضية في التحيل إلى المحكمة والمطالبة بإنصافه.

 

* نجم الدين العكاري

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 5 مارس 2006)


رواية صحيفة “الشروق”…

 

تأجيل انتخاب الهيئة المديرة الجديدة لجمعية المحامين الشبان

 

* تونس ـ «الشروق»:

قررت جمعية المحامين الشبان امس تأجيل عملية انتخاب الهيئة المديرة الجديدة للجمعية للفترة 2006ـ2008 الى وقت لاحق مع الاحتفاظ بتركيبة مكتب الاقتراع الحالية واعتبار المصادقة على التقريرين الادبي والمالي نهائية وذلك بعد ان عرقل بعض المحامين عملية الاقتراع.

وجاء في بيان للجمعية تسلّمته «الشروق» انه تعذّر تنظيم الاقتراع لانتخاب الهيئة المديرة الجديدة في مكتبة المحامين بقصر العدالة، بعد ان عمد بعض المحامين المحسوبين على تيار ديني متطرف والمتحالفين مع اقصى اليسار الى احتلال مقرّ مكتب المحامين وتعطيل عملية الاقتراع في سابقة خطيرة ومؤسفة مستعملين لغة العضلات والسباب والشتم ومشوّهين بتصرفهم ذلك سلك المحاماة.

وأضافت الجمعية انه رغم المساعي التي قام بها اعضاء مكتب الاقتراع عبر التفاوض مع هذه العناصر لإثنائها عن هذا التصرف فقد تعذّر في الاخير استئناف تنظيم عملية الاقتراع في قاعة المكتبة، ورغم اللجوء الى احدى قاعات المحكمة فقد تجدد نفس السيناريو اذ عمدت نفس المجموعة الى احتلال القاعة ومنع كل عملية اقتراع ممكنة.

وتابع البيان ان المحامين قرّروا اللجوء الى عدل منفذ «لمعاينة الممارسات الفوضوية واللاديمقراطية التي لجأ اليها البعض من المحامين ممن احترفوا الغوغاء والخطب الجوفاء».

_______________________________________________________________

 

لهذه الاسباب تأجل انتخاب الهيئة المديرة الجديدة لجمعية المحامين الشبان

 

* تونس ـ «الشروق»:

تقرر امس تأجيل انتخاب الهيئة المديرة الجديدة لجمعية المحامين الشبان بعد جلسة طغت فيها المشاحنات السياسية على النقاشات المهنية.

وتم تأجيل عملية الاقتراع لانتخاب الهيئة المديرة الجديدة الى موعد لاحق ستحدده الهيئة بالتنسيق مع مكتب الاقتراع بعد ان اقدم بعض المحامين المحسوبين على تيار ديني متطرف والمتحالفين مع اقصى اليسار على عرقلة اجراء عملية التصويت باحتلالهم مقر مكتب المحامين مسجلين بذلك سابقة تشوّه سمعة سلك المحاماة باستعمالهم لغة العضلات والسباب والشتم.

ورغم محاولة اعضاء مكتب الاقتراع اللجوء الى التفاوض مع هذه العناصر لثنيها عن هذا التصرف الا انه تعذّر في الاخير استئناف عملية الاقتراع في مقر المكتبة كما كان مقرّرا سلفا وطبقا لما تعوّد عليه المحامون الشبان منذ انبعاث جمعيتهم في اوائل السبعينات.

وقد دفعت هذه التطوّرات الفوضوية بمكتب الاقتراع الى اتخاذ قرار باللجوء الى عدل منفذ لمعاينة هذه الممارسات اللاديمقراطية التي لجأ اليها البعض من المحامين ممن احترفوا الغوغاء والخطب الجوفاء.

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 5 مارس 2006)

——————————————–

وهذه رواية صحيفة “لوتون

 

Elections chez les jeunes avocats

Report au 18 mars 2006

Le différend a opposé ceux qui veulent que ces élections se tiennent au palais de justice et d’autres qui préfèrent la Maison de l’Avocat

 

Le Conseil de l’Ordre des Avocats a décidé, hier après consultation des différentes parties de reporter au 18 mars 2006 les élections prévues initialement hier du comité directeur de l’Association Tunisienne des Jeunes Avocats.

 

Le lieu du déroulement de ces élections a opposé notamment des jeunes avocats soutenant la liste des candidats proches du RCD et ceux de la liste de la « concorde ». Les premiers tiennent  à ce que ces élections se tiennent comme d’habitude au Palais de Justice.

 

Les autres veulent qu’elles se déroulent à la Maison de l’Avocat « Avant, on tenait ces élections au Palais de Justice. Mais aujourd’hui, on dispose de la Maison de l’Avocat dont l’espace est grand et en plus, loin de toutes les indiscrétions.

 

De même, avant, le nombre des adhérents n’était pas trop élevé mais aujourd’hui avec environ 1300 votants l’espace dans le Palais de Justice ne peut pas contenir ce nombre alors que celui de la Maison d e l’Avocat est largement suffisant et les votants peuvent s’y mouvoir en toute liberté, tranquillité et loin des pressions de toutes sortes », souligne un jeune avocat.

 

Néjib SASSI

 

(Source : « Le Temps » du 5 mars 2006)


 

وداعــــا يا شيخ نفزاوة !

 

الشيخ البشير يعقوب كما عرفته

 

 

حامد النفزاوي

 

منذ مدة ودع أهل القيروان شيخهم الجليل الشيخ عبد الرحمن خليف، وها هم أهل قبلي وأهل نفزاوة عامة يودعون شيخهم الفاضل الشيخ البشير يعقوب الذي وافاه الأجل المحتوم يوم الخميس 2 مارس 2006 إثر مرض مفاجئ ألم به ألزمه المستشفى، وأنزل به قضاء المولى الذي لا يُرَدّ. فالحمد لله على ما أعطى، وله مثل ذلك على ما أخذ، ولا نقول إلا ما يرضى به عنا :” إنا لله و إنا إليه راجعون”.

 

عرفت شيخنا أستاذا لمادة التربية الاسلامية بالمعهد الثانوي بقبلي، يفيض على الجميع من قوة حجته، و جلاء بصيرته ونصاعة بيانه بدون تكلف ولا بهرج، لا في القول ولا في الشكل. فرعى بحكمته صحوة الشباب المسلم يُعمِّق فيها الفهم الأصولي، والوعي الحضاري والثقافي. ويحذرها من التنطع، والالتهاء بالصغائر والجزئيات عن الفرائض والكليات. كانت تلك رسائله وتوجيهاته في دروس ” مسجد سوق البياز ” وفي المناسبات المختلفة التي يدعى إليها. وكانت تلك مدارسته القيمة العميقة لـ “موافقات الشاطبي” سنتي 81 و 82 مع ثلة من تلامذه النجباء بـ”جامع بوخريبة”.

 

   ولا تزال عالقة بذاكرتي الكلمة التي ألقاها في مناسبة زواج الأخ عبد القادر الجديدي بعد صلاة العصر – في منتصف السبعينات- أمام عدد غفير من أبناء الصحوة الاسلامية الذين قدموا من مختلف أنحاء البلاد التونسية. بدت لي الكلمة غريبة في لغتها ومضمونها عن الخطاب الذي تعودنا قراءته وسماعه، حتى أنني لم أكد أفهم منها شيئا، فمِلت على أحد الإخوة استفهمه عن فحوى حديث الرجل الذي استعصى علي، وأنا الشغوف بالقراءة والمطالعة ومجالسة الشيوخ وأهل الفكر والتوجيه . لقد كان ينبّه الصحوة على ضرورة الفهم الأصولي، والتفريق بين مراتب الأعمال، وبين الكليات والجزئيات، في وقت كانت الصحوة في صدام مع التديّن الشعبي والتقليدي المذهبي وفي مناوشات لا طائل من وراءها حول السدل والقبض، والمصافحة وغيرها من الجزئيات.    

 كما وقف بعقله الثاقب أمام دعاوى الإلحاد والتفسخ والعلمانية المزيفة. يقارع حججها، وينقض غزلها، وينازلها في منازلها فلا يزيده ذلك إلا احتراما و إجلالا. ومن لا يذكر صولاته وجولاته في نادي السينما  ناهيك عن المحاضرات والندوات التي عادة ما تكون مسرحا للتدافع الفكري. ولم يكن الشيخ يكتفي بالمسجد وبالمجال الديني بل كان يساهم في المنابر الحيوية الأخرى ومنها عضويته في مكتب فرع الرابطة التونسية لحقوق الانسان يدافع عن المظلومين والمقهورين أيا كانوا .

ومع بناء “مسجد بلال” بمدينة قبلي منذ حوالي عشرين عاما. تقلد الشيخ منصب الخطابة فيه، وتضاعف بذلك إشعاعه، و تحوّل المسجد إلى قلعة حصينة يحتمي بجدرانها الفارون من جحيم التكالب على الحياة، ويفيء إلى ظلها الحيارى الباحثون على السكينة، فكان رحمه الله تعالى ينثر من خلالها علمه الغزير، وحكمته البالغة، في يقين وهدوء وقوة .

ومن فضل الله تعالى، أن كان عطاء الشيخ متواصلا، يشق أرض الجهة عرضا وطولا وعمقا وخاصة في السنوات العجاف حيث اتّسع نشاط مسجد بلال، وزيد فيه مصلى للنساء. وتضاعف دور الشيخ داخله وخارجه، يتواصل مع مشايخ الجهة ويجدّ ويكدّ ليملأ الفراغ الذي حصل بالغياب القسري للحركة الاسلامية، فكان يشجّع النشاط الديني بالجهة، ويدعمه بالحضور والمساهمة.

وما كان لهذا النشاط الدؤوب ليترك لحاله إذ توالت محاولات التضييق والمحاصرة للشيخ و لمسجد بلال. ومع كل ألوان الصمود والثبات التي أظهرها الشيخ ومحبّوه  والتي فوتت على السلطة محاولات كثيرة لتقييد نشاطه ، فقد تمكنت أخيرا من إبعاده عن الخطابة قبل أشهر ، الأمر الذي ترك أثرا كبيرا في نفسه تجاوز ما كان يعانيه من سجن ابنه “التهامي” ضمن المجموعات المتهمة بمحاولة الذهاب للعراق.

وكما قال محي السنة الإمام أحمد ابن حنبل عن خصومه: ” بيننا وبينهم الجنائز “. فقد كانت جنازة الشيخ شهادة واستفتاء على مكانته الكبيرة،  فقد غصّت بالمودّعين الذين توافدوا من أنحاء الجهة يتقدمهم الشيوخ والأئمة. وفاق العدد 5000 شخص. و رُفِع تابوت الشيخ على الأكتاف وسير به في المدينة وسط هتافات التكبير، فلله الأمر من قبل ومن بعد.

 

لقد رحل عن الجهة أخيار كان منهم أستاذ جيلنا ومعلمنا الخير أخونا الحبيب محمد الأزهر نعمان: رمز العطاء و الإباء، و شيخنا البشير الجمل: الداعية البشوش المعطاء، وفي آخر السنة الماضية الشيخ أحمد بن حمد بوقنّة: خطيب القلعة، واليوم تفقد الجهة شيخها الكبير البشير يعقوب، ولكن مدد الله لا ينقطع، فلا يزال في الجهة الشيوخ، ولا يزال فيها الأباة المصابرون، ولا يزال فيها من الأخفياء الأتقياء من لا يعلم عددهم إلا الله حتّى وإن قصر بهم الجهد على الانتصار لشيخهم الذي غادرهم وهو عليهم مشفق .

 

اللهم أخلفنا في شيخنا خيرا، واجعل الجنة مثواه، وبارك فيما زرع، واجعله بشارة له في قبره .

 

حامد النفزاوي        

 


هل إن نقد المعارضة من المحرمات ؟

بقلم: نبيل الرباعي

 

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ظاهرة جديدة بدأت تبرز على الساحة السياسية التونسية تتمثل في انضمام أشخاص من رحم السلطة إلى المعارضة التونسية دون الانتماء لحزب بعينه.

 

لكن المثير للجدل هو  نشاطهم المنحصر في عدة مقالات تنشر على شبكة الانترنات متوحدة الموضوع و المضمون غير ان السؤال المطروح الآن على الساحة هو أسباب انضمام هؤلاء الأشخاص إلى المعارضة في وقت تمر به هده الأخيرة بظروف صعبة ؟

 

بادئ ذي بدء لابد من توضيح الصورة للقراء حتى يتمكنوا من فهم مغزى هده المقالة وقراءة ما بين سطورها للوقوف على الأزمة التي تعاني منها المعارضة التونسية.

 

لقد مرت ولازالت حركة النهضة  بأزمة  مستفحلة إذ ان أفرادها مورست عليهم العديد من الضغوطات النفسية  والمادية متمثلة في انتهاك لحرمتهم ولإنسانيتهم من طرف أجهزة السلطة وقد برزت العديد من الأسماء في هذا المجال.

 

هؤلاء الأشخاص كانوا في ما مضى ضمن أجهزة السلطة  واليد التي تضرب بها لتحقق أهدافها وغاياتها  حيث انهم قاموا بالعديد من الانتهاكات في الاسلاميين بحكم مسؤولياتهم التي تبوءوها في السلطة والحزب وكانت أعمالهم يندى لها الجبين اد انهم مارسوا شتي وسائل القمع سواء منها المادية او المعنوية من اعتداءات جسدية ولفظية فمن الشتم والسب الى الركل والضرب المبرح الى الوسائل التعذيبية الاكثر تطورا مما جعلهم من المقربين للسلطة فمنه من أحدث شعبة دستورية امام منزل الشيخ راشد الغنوشي ببن عروس لمراقبة تحركاته وسلب مكتبته كما قام بزيارات لمراكز الاعتقالات بحكم وظيفته التي كان يقوم خلالها بتحريض المسؤولين الأمنيين على التضييق على المعتقلين الإسلاميين بدعوى تعليمات الرئيس كما يقوم شخصيا بالتفنن في إهانة الموقوفين.

 

غير انه بعد كل تلك الامتيازات التي منحت لهم انقلبوا فجأة من النقيض الى النقيض فبعد المدح والوفاء والالتزام الممنوح للسلطة وخاصة في شخص رئيس الدولة أصبح هذا الأخير رمزا لمقالاتهم المنددة والمعادية له وذلك بعد ان سلبت منهم جميع الامتيازات الممنوحة لهم وبعد ان منوا بخيبة امل في حصولهم على مناصب وزارية .

يبدو ان نقد رئيس الجمهورية  ونشر بعض الممارسات التي مورست في عهدهم وادعائهم بان كل ذلك بامر رئاسي يعفيهم من مسؤوليتهم امام الله  \والشعب ويبوئهم البراءة كي يكونوا في طليعة المعارضين ؟

 

لابد قبل كل شيء ان يصارحوا الشعب بكل مصداقية بما قاموا به من اعمال شنيعة حتى يتبين الخط الاسود من الابيض ويعلنوا توبتهم وطلب الصفح من ضحاياهم حتى لا ينخدع الشعب فيهم .

 

(*) سجين اسلامي سابق

الهاتف487  361  98 


 

نجوم تونس بين ” الفسوق ” والسفارة

كتبه عبدالحميد العدّاسي

 

” …ونجلاء التي جاءت من تونس لاحتراف الرقص الشرقي في مصر، أوصدت رقابة المصنفات الفنية أبوابها بقرار منع الراقصات الأجانب من الرقص في مصر وإلغاء تصاريحهن، فلم تجد طريقا سوى طريق العري كليب لتحقيق الشهرة بدلا من العودة إلى تونس خائبة الرجاء فاشلة في تحقيق هدفها المنشود الذي يعتمد على دغدغة غرائز المراهقين في المقام الأول ” ( عنتر السيد، القاهرة ) .

 

وتقول نجلاء صاحبة الحصان: ” لولا الحصان لما عرفني أحد ” ( قلت: تصوّروا رئيس بلاد عربيّة يقول على منوال صاحبة الحصان: لولا الظلم والديكتاتورية لما عرفني أحد، وقد عاش صاحب التغيير ذات فترة في الثكنات في تونس مغمورا لا يعرفه أحد!)، وتضيف إجابة عن سؤال: ” كنت أسعى لتحقيق الشهرة، ففكرت بتقديم شيء مميز عن الموجود على الساحة الفنية، حيث التشابه سائد في الأعمال الفنية. وعندما سمع المخرج الأغنية، وجد أنّها مختلفة ومميزة، وبالتأكيد أنّ مؤديتها جريئة جداً، فهي من تبادر للتقدم لخطوبة الرجل الذي تحبه، فأحب المخرج أن يترافق هذا الكلام الجريء مع فيديو كليب جريء، وهو لم يشأ أن أبدو كموديل واقفة تغني وحسب، فلجأ الى فكرة تشد الناس من خلال الحصان الذي يرمز الى الرجولة ( قلت: تُرى إلى ماذا يرمز الرّجل في تونس عند نسائها الباحثات عن اللذّة عبر السينما، وعن الرجولة عبر الكليب مع الأحصنة؟!)، فلو صورتُ مع رجلٍ من دون الحصان، لكان الأمر يبدو عادياً، لكن الحصان شيء جديد ولافت ولم يصور من قبل ( قلت: خاصّة إذا كان الحصان ممّن يحارب الماضويّة، فلا يتفرّغ فقط لتوفير أسباب القوّة كما أراده الله سبحانه وتعالى، ولا يكتفي بمغازلة الأفراس بنات جلدته اللاتي لم يغيّرن ولم يبدّلنعلى طريقة نجلاء الجريئة ). وتضيف: وأنا لست نادمة إطلاقاً، فلولا الحصان، ما كان الناس ليتعرفوا إلى نجلا. ( قلت: لا بارك الله في حصان، عرّفنا على نجلاء ومثيلاتها ). ولمّا سئلت: هل سبّب لك فيديو كليب الذي صورته مع الحصان إحراجا مع أهلك؟ أجابت بالقول: كلا لأنهم شاهدوه قبل عرضه، وهم يعرفون جيداً أنّه تمثيل وليس حقيقياً. (كلّ ما سبق من مجلّة سيدتي، وقد التقتها بلبنان بعد طردها من مصر). قلت: معذرة لنجلاء، فما كان لي أن ألومها، والحال أنّ أهلها هم أوّل من جرّؤوا عليها الحصان! 

 

وأمّا المدعوّة هند صبري ( لا أعرف اسمها الحقيقي ) فتقول عن نفسها: ” أعتبر أنني متحررة وجريئة ولكنني ضد التصنيفات. أنا جريئة ومتحررة على الصعيد الإنساني والشخصي… “. وقالوا عنها:” برزت هند صبري كممثلة لا تلتزم بالقيود، حيث تقوم بأدوار ترفضها نظيراتها المصريات”.

 

بعد هذه الجولة في صفحات الانترنت المتحدّثة عن ” النجوم “، أعود لما كتبته الأستاذ سليم بوخذير بتاريخ 1 مارس 2006، نقلا عن الشروق التونسية، وهي تدافع عن هند صبري، حيث وصفت تصرّفات بعض المصريين بالمؤامرة الخبيثة، عندما أقدموا على وصف هذه القادمة عليهم من بلاد   ” الجرأة “، بالفجور، مع أنّ الفاجر حسب المعجم (والكلام لي )، هو فاسد الأخلاق الذي ينبعث في المعاصي، لا يكترث ( لأهل أو لعرف أو لدين أو لكبير أو…)، أي بعبارة أخرى هو الجريئ في الباطل. وأحسب أنّ جرأة هند، هذه، لم تكن في غير الباطل. فالتي تغادر بلدها بحثا عن الشهرة وتختار العراء والإغراء سبيلا لذلك لا يمكن أن تكون جريئة في الحقّ أبدا. فاللوم إذن لا يمكن أن يكون على المصريين الذين منعوا بتاتِهم من تقمّص الأدوار التى تجرّأت عليها هند وصاحبة الحصان من قبلها، وإنّما اللوم على هند وصاحبتها وأهليهما الأقارب وأهليهما الأباعد، وعلى القائمين على الشأن التربوي في تونس وعلى دعاة التحرّر والجرأة الكاشفة للعورات المذهبة للشّرف المتمسّحة برجولة الأحصنة وعلى صاحب التغيير ومن ساند سياسة التردّي التي طردت الفضيلة من شعابنا.

 

فالمصريون وغيرهم من الجماهير ذات الحسّ الفنّي الرّفيع، أولو الدين والأخلاق والأصل، كانوا قبل كتابتهم على ” الأفّيش ” هذه العبارات التي تصف هندا بالفجور، قد تغنّوا بصوت تونسي تخيّر الكلمة وأحسن أداءها وشفع ذلك كلّه بخُلق يبيح له التنقّل في أرض الله الواسعة دون تهديد ودون أن تُكتب على ” أفّيش ” أعماله، تلك العبارات السيّئة. بل لقد وصفوه بفنّان تونس الكبير ووجّهوا له الدعوات الكثيرة للمشاركة في عضوية لجان التحكيم حيثما كانت، في مصر وفي الأردن وفي سراييفو وغيرها من البلاد، وحاوروه واستمعوا له وتوقّفوا عند توصياته، واسمعوه يقول في جواب عن سؤال وجّه إليه من سائلة: “…تأكدي أنّ الفنان الذي يمتلك الوعي والإيمان والرسالة والقضية والهم المشترك هو الأقدر علي البقاء والإستمرار “… نعم، لم نسمع يوما أنّ أحدهم بمصر قد هدّد لطفي بوشناق أو غيره من أصحاب الرّسالات الفنيّة الخادمة للشخصيّة التّي حدّدها لطفي بكلماته تلك. لم يبحث لطفي عن أنوثة في فرس حتّى يخالف العادي ويجلب إليه الأنظار، ولم يلهث وراء الموسيقى الجامحة الهجينة بل ظلّ ملتزما بأخلاقه، تونسيا أبيّا محافظا خادما للفنّ الرّفيع، فغنّى الموشّحات و الموّال والدور والطقطوقة، وتغنّى بالحريّة وللطفولة، وتمتّعنا نحن، في أرجاء العالم العربي، بإنشاده الديني وبأدائه الرّفيع فيه، وسعدتُ شخصيّا بسماعه في برنامج ” ضيف وقضيّة ” لمحمّد كريشان النجم التونسي الآخر الذي لا يجد القبول لدى ” الحداثيين ” في تونس، وهو يعبّر عن هموم الأب المربّي الخائف على أبنائه ممّا صار يجلبه الشارع إليهم من ويلات لا يعلم مدى خطورتها على مجتمعنا إلاّ الله، ثمّ الذين ابتعدوا عن الفجور من خلقه.

 

إذن، فالقضيّة ليست تحيّزا للطفي أو مقاومة لنجلا أو لهند، ولكنّ الأخلاق التي لولاها ما بقيت الأمم، هي من يحدّد بقاء الأفراد ويصنّفهم إلى شريف ووضيع وإلى صالح كريم وفاجر لئيم. وإذا كانت نجلاء قد حصلت على لقب ” صاحبة الحصان “، وإذا كانت هندُ قد وُصفت بالفجور، فإنّ لطفي بوشناق قد اختير سفيرَ الأمم المتّحدة للسّلام، وعلّق عنه الكثيرون بقولهم: ” للفنان التونسي لطفي بوشناق مكانة خاصة في قلوب أحباء الفن الراقي، فالمتتبع لمسيرة الرجل لا يستطيع إلا أن يحترمه ويترقب بفارغ الصبر انتاجاته.“…فهلاّ اقتربت نجلاء وهند من لطفي لتتعرّفا منه على الطريق الموصلة إلى احترام النّاس،  أم أنّ عالم الأنعام والذي دونه لا يزالان يستهويانهما؟!… 

 


 

لماذا نعتقد أن في تونس .. نظام ديكتاتوري ؟؟

الحبيب أبو وليد المكني  

 

الحقائق التي لا ننكرها

يحاول الكثير من الإعلاميين العرب أن يقنعوا المواطن العربي أن النظام التونسي هو أفضل ما يمكن ان يوجد في البلاد العربية بالتاكيد على طابعه المدني و انجازاته الاقتصادية الكبيرة  التي جعلت من تونس” واحة للتنمية و الرخاء و الاستقرار في صحاري عربية ممتدة  من الفوضى و الفساد و التعثرات “…و حتى أولئك الذين ابتعدوا كثيرا أو قليلا عن هذه الصورة النمطية الخادعة فهم  عادة ما ينظرون إلى مختلف أطراف المعارضة التونسية على أنها جماعات مشاغبة أكثر منها أحزابا سياسية تعرف ما تريد…, لانها تبالغ في توصيفها لأوضاع البلاد فتتحدث عن ديكتاتورية و طغيان واستبداد لا يطاق ، في حين أن الحقيقة ليست بهذا الحجم و لا تحتمل كل هذه الأوصاف …

و نحن لا ننكر ابدا أن في تونس إدارة مدنية تشتغل و تنجز …, تقضي للناس حوائجهم اليومية و تنجز الطرقات العادية والسيارة ، و تسهر على تنمية المواردالمائية و تُحسًن الخدمات الصحية .

 لا ننكر أن دولة الاستقلال قد راهنت على التعليم فحققت بذلك أكبر المكاسب لتونس المتمثلة في أجيال متعلمة قادرة على مسايرة التطور الذي يشهده العالم . لا ننكر ابدا أن الطبيعة الجميلة لبلادنا جعلتها مهيئة لجلب الاستثمارات الدولية في القطاع السياحي مما حولها إلى منتزه كبير يستقبل ما يربو عن ستة ملايين سائح  سنويا مع ما يتبع ذلك من مداخيل مالية و “انتعاشة اقتصادية” ، لا ننكر كذلك ـ و لو على مضض ـ أن الديكتاتورية بما فرضته من انضباط قد حسنت من أداء الإدارة بما انعكس  إيجابيا على نسق انجاز المشاريع التنموية …

كل هذا لا ننكره بل هو مجال فخرنا واعتزازنا ببلدنا و نحن نعيش في هذه الغربة المفروضة علينا .. نعتز بما أنجزه إخواننا و أهلينا و نفخر بما وصل إلبه شعبنا من رقي  و ازدهار …

و لا يعني هذا أبدا أننا نقبل بمقولة أنه ليس في الإمكان احسن مما كان  ، بل نحسب أن هذه الإنجازات كان يمكن أن تكون أهم و أسرع  لو تمت في مناخ ديمقراطي حقيقي ينعم فيه الجميع بالحرية و الكرامة و السلام …

 

اعتدال المعارضة التونسية

 

إن المعارضة التونسية ليست  في معظمها معارضة راديكالية ،إذ هي  لا تؤمن بالأفكار العدمية و لا تعمل في سوق المزايدات السياسية و لا تطالب إلا بالمتاح و الممكن بل إنها لم تتأخر عن التعبير عن المساندة كلما شاهدت بريق امل مهما ضعف . و قد سمعنا يوما راشد الغنوشي ـ و كان خارجا لتوه من تجربة السجن ـ يقول ما معناه أن له أملا في الله و بن علي ، و قرأنا للدكتور منصف بن سالم في صحيفة “البطل” تصريحا مماثلا . و سمعنا المهندس علي العريض يتحدث عن المصالحة ،  و يعترف  بمظاهر النمو التي شهدها في البلاد إثر خروجه من السجن ،  و نقرأ و نستمع هذه الأيام للمهندس حمادي الجبالي وهو يمارس خطابا غاية في الاعتدال يدعو فيه إلى طي صفحة الماضي عن طريق الحوار و غير ذلك من مفردات خطاب المصالحة الوطنية التي لم تجد إلى حد  هذا اليوم أدنى تجاوب من السلطة النوفمبرية .

لكن الخطاب الذي يمارسه المعارضون الخارجون من السجن شيء و قول الحقائق التي ينطق بها الواقع المعاش شئ آخر،  مثلما أن الشعارات التي يلهو بها الخطاب الرسمي منذ 18سنة شيء و  واقع الحال في تونس شيء آخر  ..

 

هل المقابرالجماعية شرط للتحول الديمقراطي

و مما يجعل مهمة المعارض التونسي صعبة و هو يمارس واجبه الإعلامي على الصعيد العربي أن الديكتاتورية  عند المواطن العربي في العراق أو سوريا أو الجزائر تعني قتل الآلاف دون محاكمة و جرف الأراضي الزراعية و تهديم المدن و تحريك الجيوش و إلقاء القنابل الكيميائية ، وهم لم يسمعوا أن شيئا من ذلك قد حدث في تونس …؟ و يستغل ذلك بحقارة بعض المرتزقة العاملين في وكالة الإعلام الخارجي سيئة الذكر . فيرفضون مقارنة النظام التونسي باي نظام ديكتاتوري آخر في آسيا أو إفريقيا  ذاكرين أن  تونس لم تعرف المقابر الجماعية و لا سنوات الرصاص و لا الحروب الأهلية و لا المجاعة الإفربقية … و كأن البلاد الذي تريد أن تتقدم في اتجاه الديمقراطية الحقيقية يجب أن تمر بعصر المقابر الجماعية وما إلى ذلك مما ذكرناه آنفا .

الطريق نحو الديمقراطية عند هؤلاء  يجب أن يمر كما يفهم من تحت السطور يالمقابر الجماعية  و الحرب الأهلية أو على الأقل بسنوات الرصاص كما حصل في المغرب الأقصى  ،و إلا فكيف نستطيع أن نفسر التحولات الديمقراطية التي تتم في المغرب و الجزائر و اليمن و العراق و غيرها وهي البلدان التي شهدت تلك الأحداث المؤسفة بينما المسار الديمقراطي في تونس بقي عند نقطة الصفر ..

 و الأغرب من ذلك الحديث عن خصوصية لهذا البلد في موضوع الديمقراطية و هم يزعمون أن المسار الديمقراطي في تونس يسير قدما و بثبات فبالأمس فقط وقع الاعتراف بحزب سياسي جديد لم نعلم عنه شيئا حتى اكتشفنا أن إسمه قريب من أسماء الأحزاب الجديدة في أوروبا  أي أن الدكور الديمقراطي في بلادنا أصبح في أمس الحاجة للتجدد فكان لا بد من حزب للخضر يتولى أمره نائب في البرلمان التونسي أما الطريق الصحيح نحو التحول الديمقراطي فلا يكون في تونس بالنضال اليومي حتى نبتلي معدن الرجال . و لكن  السبيل إلى ذلك هو استجداء  الحاكم و التماس رضاه و الالتزام بالعمل على حماية سمعته في الداخل و الخارج . و بلغة أخرى يجب أن نتحول إلى عبيد في خدمته كما فعل الكثيرون و ما زالوا يفعلون و هم يعرفون جيدا أنه ” ما نيل المطالب بالتمني .. و لكن تأخذ الدنيا غلابا

 

أليست هذه بحق أبشع الأساليب الديكتاتورية ؟

و مما الهمنا الكتابه في هذا الخصوص  الأخبار المتواترة هذه الأيام عن إطلاق سراح المساجين الإسلاميين في كل من الجزائر و ليبيا و اليمن و تونس .

 فعن الجزائر تتحدث الأنباء عن الشروع في إطلاق سراح ما يزيد عن ألفين من ” المقاتلين “الذي حملو ا السلاح و لا ندري كم قتل على أيديهم من أنفس . هؤلاء يطلقون في إطار قانون المصالحة الوطنية بما سيعيد لهم حقوقهم و يفتح لهم المجال للاندماج من جديد في مجتمعهم ، و لا بد أن حفلات الاستقبال ستنتشر في جميع أنحاء البلاد ، بعبر فيها الناس عن فرحتهم و يعيدون لهؤلاء المناضلين كرامتهم …

وعن ليبيا تقول الاخبار أن مائة و ثلاثين سجينا وقع إطلاق سراحهم منهم ثمانون من الإخوان المسلمين . و  تردف هذه الأنباء أنه وقع إعلام أهليهم بموعد اإطلاق سراحهم  و تجمع الناس حيث ستتم مراسم الإفراج  فعمت البهجة المكان و سر الإخوان بلقاء الأحباب و الأصحاب يما يمكن أن ينسيهم آلامهم و يعيد إليهم كرامتهم  .علما يأن بعض فصائل الحركة  الإسلامية في ليبيا كثيرا ما تلجأ للسلاح ، و لكنها مع ذلك تعامل مثل هذه المعاملة من نظام ديكتاتوري ؟؟

و في اليمن أعلن عن عفو سيشمل ستمائة من أنصار الحوثي  الإسلاميين الذين تحدثت الأنباء عن تواصل نشاطهم العسكري ضد السلطات و هؤلاء طبعا سوف يعودون إلى أهليهم مبجلين مكرمين و لن يصفهم أحد بالإرهابيين أو المفسدين …

وحدهم الإسلاميون في تونس سيطلق سراح بعضهم  ضمن مجموعة تزيد عن ألف و خمسمائة من مساجين الحق العام مع تأكيد السلطة على  أن الأمر ليس له أي صفة سياسية . علما بأن الإسلاميين السبعين أطلق سراحهم فقط بموجب سراح شرطي وهم الذين قضوا خمسة عشر عاما  كسجناء “صبغة خاصة” محرومين من كل حقوقهم البشرية . هؤلاء سوف يقادون في البداية إلى مراكز البوليس التي ستأخذ عليهم التزاما بعدم ممارسة أي نشاط  من أي نوع كان و أن عليهم أن يتعاونوا مع أجهزة القمع عند الاقتضاء ؟؟ و ليس لهم أن يحتفلوا في ديارهم بمناسبة خروجهم من السجن و سيظلون تحت المراقبة المستمرة إلى أجل غير مسمى  …

لذلك نؤمن نحن أن تونس و إن لم تعرف المقابر الجماعية للأموات فإن النظام النوفمبري فيها يمارس سياسة المقابر الجماعية للأحياء , عن طريق الأعمال الهمجية و إجراءات المحاصرة والامتهان و الإذلال و المصادرة و التعذيب و التشريد و القهر ..

وهذه أهم مواصفاة النظام الدكتاتوري الذي يعمل دائما على صنع الفراغ من حوله بالتهوين من شأن الشرفاء و فرض الصمت على الأحرار و نشر ثقافة اليأس من الإصلاح و التغيير و إعلان الإستسلام للمصير …و ممارسة ما يسمية البعض بسياسة الإخصاء بمعنى العمل على إفراغ الساحات الوطنية من كل الرموز الذين يمكنهم أن يشكلوا بديلا  خيرا منه في يوم من الأيام ،  حتى عندما يحين أجله لا يبقى للناس من خيار إلا توريث ابنه أو حفيده ، تماما  كما حصل في سوريا و سيحصل في أقطار عربية أخرى ..

أبعد هذا يمكن أن يلومنا أحد عندما نعتقد أن في تونس تحكم إحدى الدكتاتوريات المتبقية في العالم ؟؟

 

حبيب أبو وليد     5مارس 2006

Benalim17@yahoo.fr

 

(قراءة في كتاب)

دولة الوصاية البورقيبية الإصلاحية

فشل الطبقة الحاكمة “الواحدة” في قيادة تونس إلى الحداثة

توفيق المديني

 

الكتاب : دولة بورقيبة – فصول في الإيديولوجيا والممارسة (1956-1970)

الكاتب:عدنان المنصر

الناشر : كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة

 

يحاول الباحث عدنان ناصر في كتابه الجديد “دولة بورقيبة” المتكون من خمسة فصول وخاتمة ،أن يكتب تاريخ تونس لفترة ما بعد الاستقلال و بالتحديد لفترة الحكم البورقيبي ، التي شهدت عملية بناء الدولة الوطنية. فهذه الدولة سليلة الحركة الوطنية التونسية بزعامة الحبيب بورقيبة ، ووريثة المنحى الإصلاحي و التحديثي  الذي لازم الدولة التونسية منذ عهد أحمد باي.

 

  ولدت دولة تونس المستقلة في مناخ الأزمة التي عصفت بالحركة الوطنية التونسية، والاتحاد العام التونسي للشغل خلال سنتي 1955-1956، حول موضوع الكفاح المسلح، ومضمون الاستقلال السياسي. ففي حين كان الجناح المعتدل داخل الحزب الحر الدستوري الذي يتزعمه بورقيبة، ينادي بانتهاج سياسة المراحل وبمبدأ ” خذ وطالب “، الأمر الذي قاده إلى عقد تسوية مع الاستعمار الفرنسي، وبالتالي معارضة انصار الكفاح المسلح في المغرب العربي، كان الجناح الراديكالي داخل الحركة الوطنية الذي يتزعمه صالح بن يوسف الأمين العام للحزب آنذاك ينادي بتوحيد معركة التحرير الوطني مع الثورة الجزائرية، في سبيل تحرير كل المغرب العربي من الاستعمار الفرنسي، وتوحيده في إطار دولة مركزية واحدة، فضلاً عن تأثره بأفكار باندوينغ التحريريه .”

 

ومنذ الاستقلال السياسي لتونس، احتلت جهاز الدولة نخبة سياسية – إدارية من الشرائح العليا للفئات الوسطى، وهي في الوقت عينه الفئة القائدة للحزب الدستوري الجديد، التي عملت على تعبئة مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية بهدف تشكيل قاعدة اجتماعية وجماعة سياسية مساندة للدولة الجديدة – من حيث هي كيان سياسي قانوني -، وقطب تحقيق جماعي للذات – تبحث عن إضفاء الشرعية على تأسيسها، والتغلب على الازمات التي كانت تهددها في وحدتها ووجودها، في مختلف مراحل نموها، انطلاقاً من قوة المساندات هذه. ومع ذلك ظل تكوين هذه الدولة التونسية الجديدة المنبثقة من الاستقلال السياسي هشاً، ويعاني من نقص بنيوي في إضفاء الشرعية، بسبب ممارسة هذه الدولة البعد الوصائي على المجتمع المدني الوليد ….

 

 إن النخبة السياسية الحاكمة في تونس التي قادت الكفاح الوطني في عهد الاستعمار، كانت تعبر عن الموقع المفصلي لايديولوجية النزعة القومية الكلية في خصوصيتها التونسية، التي تقسم بها  هذه الفئات الوسطى في ممارستها للصراع الوطني باسم الوطن، باعتباره كياناً قائماً بذاته، يمثل ” الأمة التونسية ” على حد تعبير بورقيبة، وذلك في تناقض كلي مع ايديولوجية القومية العربية التي تركز على مفهوم الأمة العربية الواحدة، وفكرة الوطن العربي الواحد. وكانت هذه الفئات الوسطى توظف هذه الايديولوجية القومية الكلية في خدمة قضية الاستقلال الوطني على الصعيد القطري، وبناء الدولة القطرية.

 

والواقع أن هذه الايديولوجية القومية الكلية التونسية المهيمنة على الطبقة السياسية في تونس، كانت تتمفصل من بعدين أساسيين متميزين للثقافة السياسية التونسية منذ بداية عصر النهضة العربية، وحتى بداية تأسيس الدولة القطرية، الأول : الموروث الاصلاحي التونسي الذي كان يتسم به ” التونسي الفتى” منذ عهد خير الدين التونسي الذي كان يهدف إلى بناء دولة حديثة لاتجسد قطيعة مع التراث العربي الإسلامي، ولكنها تشكل عاملاً مركزياً لتحويل المجتمع، وهذا ما استفادت منه النخبة الدستورية الجديدة التي جسدت النزعة الإصلاحية الدولتية من أجل تنشيط الشخصية التونسية. الثاني : النزعة الشعبية التي كانت تجسدها ولاتزال الحركة النقابية التونسية، منذ انشاء أول نقابة عمالية ” الكنفدرالية العامة للعمال التونسيين”  بقيادة المناضل محمد علي الحامي ذي النزعة الاشتراكية مع بداية العشرينات، والتي أخذت على عاتقها النضال الاقتصادي والسياسي الوطني، مروراً بمرحلة تأسيس ” الاتحاد العام التونسي للشغل ” كممثل وحيد للحركة النقابية العمالية في تونس بقيادة الزعيم النقابي الراحل فرحات حشاد في العام 1946/، حيث تحولت هذه النقابة إلى قوة شعبية منظمة منذ ذلك الوقت، ودمجت في الوقت عينه العمل النقابي بالعمل السياسي الوطني، وتجاوزت بنضالاتها  الشعبية الوطنية حدود نضالات الاحزاب السياسية ذات الأفق الاصلاحي – مثل حزب الدستور القديم والجديد – وعملت إلى لعب دور الحزب المعارض للحزب الدستوري في فترة الاستقلال، خصوصاً لجهة الاضطلاع بمهام تتجاوز ما وراء المطالب النقابية إلى ” إعادة صهر سوسيولوجي للمجتمع ” .

 

وفي نطاق تركيز سلطة الحزب الدستوري – الايديولوجية والسياسية، باعتباره أداة للسيطرة الطبقية لهذه الفئات الوسطى ـ نظراً للعلاقة العضوية القائمة بين جهاز الحزب وجهاز الدولة، أسس الحبيب بورقيبه النظام الجمهوري بعد أن خلع الباي الصادق باي في 25 / تموز العام 1957، وقام بتصفية الاحباس (الاوقاف العامة )، وبذلك دخلت تونس في مرحلة بناء جهاز دولة عصري، وتدعيم المؤسسات، وذلك على الوجه التالي :

 

 – اصدار دستور لتونس في العام 1958، يتسم في طابعه العام بقدر معين من ” الليبرالية ” حيث حدد انتخاب رئيس الجمهورية مرة كل خمس سنوات.

 

– تأسيس مجلس الأمة، أي إنشاء البرلمان التونسي، الذي يوافق بشكل مطلق على كل القوانين والقرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية.

 

– إصدار مجلة الأحوال الشخصية للمرأة، التي تعتبر مكسباً ديمقراطياً حققته المرأة العربية في تونس لامثيل له في باقي الاقطار العربية، من حيث جذريته وعلمانيته، إذ حددت سن الزواج بـ 17 سنة، وأقرت بالاجهاض، ونصت على أن الطلاق لا يتم إلا أمام المحاكم، وعدلت من قوانين الميراث المستمدة من الشريعة الاسلامية لمصلحة المرأة خصوصاً، وحددت الزواج بامرأة واحدة لا أكثر، والمهر بدينار، ما يساوي دولار أميركي.

 

– إنشاء جهاز قضائي منفصل، ومستقل عن السلطة التنفيذية (نصياً ).

 

– فتح الجامعة التونسية، وغلق جامع الزيتونة، تحت دعوة  ” علمنة التعليم”.

 

– حل كل الاحزاب المعارضة وتجميدها كالحزب الشيوعي.

 

كما أن الدولة التونسية هي التي اضطلعت بانجاز المشروع الذي يتسم بنزعة حداثية في مختلف مراحله، غير أن هذه النزعة الحداثية لم تكن كوعي مطابق للحداثة في مفهومها التاريخي، باعتبارها بنية كلية عرفتها تجربة الثورة الديمقراطية البرجوازية الأوروبية، في ارتباطها العضوي بالتحديث بوصفه سيرورة ثورية من التحول الاقتصادي والتكنولوجي في بنية المجتمع، تحققت مع الثورة الصناعية في الغرب، وإنما هي نزعة حداثية تجسدت في عقلانية برنامج اساسي للنخبة السياسية – الإدارية الحاكمة، استعادت به ” رسالة المستعمر (بكسر الميم) التمدينية “.

 

ثم إن هذه النزعة الحداثية كظاهرة تونسية لها خصوصيتها، قادها بورقيبه وارتبطت بشخصيته الكاريزمتية التي تتدخل في كل المجالات بدون استثناء. وهي ناجمة بالدرجة الأولى عن الاحتكاك والتأثر بالحداثة الأوروبية خلال العصر الامبريالي، ومرتكزة في الوقت عينه إلى الايديولوجيا القومية الكلية القادرة، مثل بناء ” الأمة التونسية “، والخصوصية التاريخية والحضارية لتونس، وخصوصية حركتها الوطنية التحررية التي حققت الاستقلال السياسي، وبنت أول سلطة وطنية تحكم البلاد، على نقيض كل السلطات السابقة التي كانت في معظمها أماً أجنبية أو تركية، وعلى مبدأ ” القومية التونسية “، الذي : لم تتحدد فقط كحركة تمايز عن المشرق العربي وإنما بالاساس كاداة تعبئة وتوعية للجماهير الشعبية، في مواجهة الغزو الاستعماري. فقد كان هذا المبدأ، في المرحلة الاستعمارية، أرضية يمكن أن يجتمع حولها التيار الديني التقليدي ممثلاً في حزب الدستور القديم، والحزب الشيوعي التونسي، والتيارات الاشتراكية الأخرى، فمهما تباينت المواقف السياسية، فإن ” الحفاظ  على الشخصية التونسية ” من الذوبان والفرنسة، لايمكن أن يكون مصدر اختلاف أو خلاف. أما في مرحلة الاستقلال فسيتحول هذا المبدا إلى قناعة سياسية ثابتة، برزت بحدة في فترات الخلاف بين عبد الناصر وبورقيبه، وزيارة هذا الأخير لمنطقة الشرق العربي، وبدت أكثر مرونة مع الانفتاح على رؤوس الأموال العربية، وتشدد الغرب الرأسمالي في مجال المعونة الاقتصادية. وقد يصل أحياناً مفهوم ” الشخصية التونسية ” عند بعض السياسيين إلى حد الانغلاق والتطرف في الانغلاق، وإلغاء كل موروث عربي أو حتى عالمي “.

 

ثم إن هذه النزعة الاصلاحية التحديثية والبراغماتية للدولة التونسية الجديده جعلت هذه الأخيرة تتحلل إلى جهاز للهيمنة، خارج عن المجتمع، يحاول أن يصهر أهداف التحديث والعلمنة مع مبدأ “الجمعنة” السياسية والضبط والاخضاع لمكونات ومؤسسات المجتمع التقليدي القديم وفقاً لبرنامجه السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت تأثيرات دوافع ضبط عملية التراكم، والتكامل الاقتصادي، ونشر التجانس الاجتماعي، والتكامل السياسي، الأمر الذي جعل الدولة تتحول إلى أداة للتعبئة الوطنية ومؤسسة رساليه للتحديث، ومرجعاً ليس للإسلام السلفي والاصولية الدينية التي تتبناها الجامعة الدينية الزيتونيه، وللايديولوجية التقليدية المتغلغلة، وإنما للإسلام الجديد كما تفهمه الايديولوجيه القومية الكليه التي تقدم فهماً جديداً للدين، يقوم على مقولة التحديث والبناء، والدعوة إلى ” الجهاد الاقتصادي، والخروج من التخلف” ،وعلى توافقه مع المشروع ” العلماني” الساعي إلى إقامة المجتمع المدني المنفصل عن المجتمع الديني، الذي يشهد تحولات وتطورات موضوعية، وأفرز تناقضات جديده.

 

وفي هذا الصدد، فإن الدولة القومية الكلية، التي تمارس الوصاية والرقابة على مختلف مكونات المجتمع المدني سواء كانت دينية، أو ثقافية، أو اقتصادية، أو طوائف حرفية (كوربوراتية) أو نقابية، نجحت في تجريد المعارضة الدينية من أسلحتها، حيث قامت بتحويل المؤسسات الدينية التقليدية إلى منابر دعائية سياسية وأيديولوجية تعيد إنتاج الخطاب السياسي، والأيديولوجي في خطب وكتابات صلاة الجمعة تحفز قوة جاذبية طوباوية شعبوية لإضفاء الشرعية على عملية التحديث والعلمانية التي نشرتها النخبة السياسية -الإدارية الحاكمة، وأحدثت إنشطاراً كبيراً داخل المثقفين، وأدمجت النخبة المثقفة الدينية المتكونة بالجامعة الدينية الزيتونية في دواليب المؤسسات الاجتماعية والقضائية للدولة التونسية الحديثة.

 

بعد القضاء على المعارضة اليوسفية التي كانت تمثل الخط القومي داخل الحركة التونسية، والتي رفعت شعار العروبة والإسلام، واستقوت بالدعم الناصري، والتحالف مع المؤسسات الدينية التقليدية، وعدم السماح للنشاط السياسي لباقي أحزاب وحركات المعارضة الأخرى، وبخاصة الحزب الشيوعي التونسي منع نشاطه منذ العام 1962، وانعدام وجود أي حزب مزاحم للحزب الدستوري الحاكم، انكشفت الهشاشة التكوينية للدولة التونسية الجديدة المنبثقة من عهد الاستقلال السياسي، وانكشف معها طابعها المركزي التسلطي بعد اجهاضها للحظة الليبرالية التي كانت تشكل المجال السياسي الوحيد للمعارضة السياسية. وهذا يقودنا إلى رؤية أن سيرورة تشكل الدولة التونسية الحديثة في علاقتها بالمجتمع المدني من جهة، وبالقوى الاجتماعية من جهة أخرى، لم تتم في نطاق القطيعة مع ميراث الدولة الكولونيالية التي تمثل الاستمرار التاريخي للدولة البيروقراطية الحديثة، التي ولدت في أعقاب الثورة الديمقراطية البرجوازية في الغرب من ناحية، مثلما لم تتم القطيعة مع الدولة السلطانية التي سادت العالم الإسلامي من ناحية أخرى.

 

إن مشروع التحديث الذي تبنته الدولة التونسية الجديدة ذات النزعة القومية الكلية منظور إليه من زاوية انعكاساته على مستوى المجتمع المدني، وفي علاقة الدولة بالمجتمع المدني، قد قام على أساس تجربة الحزب الشمولي الواحد، وشرعية الزعامة الفردية السياسية والتاريخية للرئيس بورقيبة، التي تتحكم فيها عقلية التكيف والإندماج والتحول في المراحل التاريخية الثلاث التي خاضتها- “النضال والتصدي للنخب التقليدية- التعبئة ضد الاستعمار الفرنسي- التعبئة في المعركة الاقتصادية”. وتكمن خصوصية التحديث في تونس في انفصاله الكلي عن المسألة الديمقراطية، سواء في مفهومها الليبرالي الغربي المتعلق بطبيعة المؤسسات السياسية والدستورية التي تفرزها، أم ببعدها المتعلق بالتوزيع العادل للثروة الوطنية، وتوجيه التنمية وفق اختيارات اقتصادية -اجتماعية تخدم مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة.

 

 وفي هذه المعادلة غير المنطقية التي تقيم جداراً صينياً بين مشروع التحديث  ونمط الديمقراطية تكمن أزمة الفئات الوسطى الحاكمة في ديناميات بناء السلطة، وقضايا التحديث والتحرر، من حيث أنها نخبة مارست الاحتكار الفعال لمصادر القوة والسلطة في المجتمع، وأفرغت العملية السياسية من المعارضة حين ألغت المجال السياسي بهيمنتها المطلقة على المجتمع المدني، وإخضاعها النقابات لهيمنة الحزب الدستوري الحاكم، وترييف المدن من خلال تهميش فئات الفلاحين وإبعادها عن كل تأثير سياسي، وإزدياد تدخلها في الاقتصاد، وخلقها مجالها السياسي الخاص بها، الذي قصر المساهمة السياسية على بيروقراطية الدولة -الحزب الشمولي، وعلى المؤيدين، والموالين من التكنوقراط، والمنتفعين من السلطة. وأصبحت هذه البيروقراطية تعتبر نفسها هي المالكة الوحيدة لمعنى الدولة، مجسدة بذلك ظاهرة استبدادية محدثة .

 

إن هذا النزوع الاستبدادي المحدث الذي يتجسد في الحكم الشخصي للرئيس بورقيبة، المعتبر نفسه الرمز الحي لشكل الدولة غير الشخصي، والذي يستمد مبدأه وفعاليته من الواجهة المؤسسية لسلطة بيروقراطية الدولة، ونظام الحزب الواحد، وأيديولوجية بيروقراطية الدولة التي تفهم وتمارس السياسة في بعدها التقني البراغماتي، وترفض منطق الصراع الفكري، والجدل الثقافي والمعرفي، سيعمل على إخضاع تنظيمات المجتمع المدني لمنطق هيمنة أجهزة الدولة التسلطية، وبخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعتبر أعرق منظمة نقابية في البلاد، وعلى صعيد عربي وافريقي، شكلت إحدى الخاصيات المهمة للمجتمع المدني التونسي، بما أنها كانت ولا تزال تمثل القوة الاجتماعية الرئيسية الفاعلة والمنتجة في تونس.

 

و حين تبنت الدولة البورقيبية  الاشتراكية الدستورية  في عقد الستينيات من القرن الماضي عملت على تحقيقها على مراحل أولها “اقناع العمال بأننا بلد (تونسي) لا يتحمل تطاحن الطبقات”، وكانت تدعو بالتخلي عن العقلية البروليتارية التي تجعلهم ينظرون إلى صاحب العمل كعدو طبقي، وكرست الإنفتاح على الغرب وقبلت بشروطه الثقيلة والمتمثلة خاصة في القروض الأميركية الضخمة، وانتزعت الملكيات الصغيرة للفلاحين ودمجتها في التعاونيات الزراعية لخدمة مصالح كبار الملاكين الزراعيين، وضربت مصالح العمال، وعملت على تشتيت قواهم وذلك بفرض الهيمنة على النقابات العمالية واحتوائها وجعلها تحت وصاية الحزب الدستوري الاشتراكي الحاكم. وإزاء هذا التشويه للاشتراكية، والتخريب الزراعي والصناعي والتبعية للسوق الرأسمالية العالمية، انتجت دولة الاشتراكية الدستورية حكماً تسلطياً فرعياً، حيث شكلت البيروقراطية الحزبية وبيروقراطية أجهزة الدولة نموذجه بإمتياز. وشكلت عقبة حقيقية أمام انبثاق فضاء عام بسبب عملية النهب المنظمة التي كانت تقوم بها نخبة المجتمع السياسية التي تتمثل في نهجها وسلوكها السياسيين الوصاية والتملك للدولة، هي بذلك تطابقت مع واقع سوسيولوجي -تاريخي حيث كانت فيه هذه الدولة التسلطية عاجزة عن حماية القطاع العام، الذي نجد فيه الاقتصادي غير متحرر من السياسي الذي يهيمن عليه ويسيره.

 

كما أن الأيديولوجية القومية الكلية التي تأسست في عهد الصراع ضد الاستعمار قامت على أساس النفي للصراع الطبقي داخل المجموعة السياسية، للإنقسامات الاجتماعية، فضلاً عن عدم إعترافها بالطابع السياسي لهذه الإنقسامات، الأمر الذي قاد إلى إفراغ المحتوى السياسي وبالتالي القانوني، لهذا الصراع، طالما أن هذه الأيديولوجية التسلطية تعتبر أن الجسم الاجتماعي موحد لا يحتاج إلى السياسة والقانون بما أنه غير متكون من فئات تحمل في سيرورتها مصالح طبقية متعارضة وفي ظل غياب مفهوم موضوع الحق، أي الإقرار بوجود أشخاص وفئات لهم مصالح متعارضة، بالمعنى الدقيق للكلمة، فإنه من المستحيل أن توجد دولة تسمى دولة الحق والقانون.

 

 لهذا السبب بالذات من النفي لمفهوم موضوع الحق للأشخاص والفئات الاجتماعية، تأسست الدولة التسلطية خلال عملية الاستقلال السياسي وتجربة الاشتراكية الدستورية، على الرغم من أن التسلطية لا تمثل نمطاً تاريخياً واحداً.

 

لقد جعلت الدولة التونسية من الحداثة  أمرا لا يمكن التراجع عنه، غير أنه لم يكن من الحتمي أن يتوازى ذلك  مع استعمال متصاعد للإكراه تجاه الأفراد و الجماعات السياسية، بل إن لجوء الدولة الوطنية لمنهجية استعمال وسائل الإكراه المختلفة لفرض خياراتها قد حكم على مجهودها تدريجيا بالقصور، و على خطابها بالفجاجة . ونظرا للبعد الوصائي لهذه الدولة على المجتمع، فقد لعبت جميع الوظائف في الوقت عينه، صامة آذانها عن الانتقادات و غير مراعية للتحولات التي كانت تعمل داخل المجتمع، فأدى ذلك المسار في نهاية الأمر إلى كثير من الإحباطات و خيبات الأمل ، و أعاق إلى حد كبير، بلوغ الحداثة المنشودة.

 

(المصدر: صحيفة المستقبل اللبنانية الصادرة يوم الاحد 5 مارس 2006 – العدد 2199 – نوافذ – صفحة 14)


 

 الأمل 

  

هكذا إخوتي يولد من جديد الأمل

رجال من موطني غادروا المعتقل

وهكذا الخيرفي بلادي يولد منجما

وهكذا الدعاء يستجاب ويـدخر

 

وقبل رحيلنامن الوطن

كان الأمل يولد في فصلين من الزمن

في ولادة الزعيم الذي رحل

وفي ارتقائه للعرش من فرحته يولد الأمل

 

واليوم أصبحنا لا نعي مواعيد نزول المطر

إن نزل من السماء مطر

وبزغ من الأرض عشب وثمر

نتيجة ريح غربية أو شرقية

فهو خير إن نزل

وأي خير أجمل من رجل تحررمن المعتقل

 

فشكرا لمن يســــر

ولمن أمـــــر

ولمن فتــــح باب المعتقل

 

والتحية للأخ الحبيب الصابــــر

والأخ الصادق الممتحن

وكل من يرقب الأمل

في التحرر من جحيم المعتقل

وإني أرى اليسر يلاحق العسر

بعيون كلها أمل

محمد الطاهر القنطاسي

باريس

 

 


 

(بسبب تشويش وأخطاء مطبعية حصلت في عدد يوم أمس، نعيد نشر المقالة التالية للحاج محمد العروسي الهاني

 

مع الإعتذار للكاتب المحترم وللسادة القراء)

 

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أفضل المسلين

 

تونس في 04-03-2006 

 

في الذاكرة الوطنية نقدم:

 

خواطر ومقترحات حول الذكرى الخمسين لميلاد الاستقلال

(20 مارس 1956 – 20 مارس 2006) العيد الوطني المجيد

 

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري من الحزب الدستوري، حزب التحرير وبناء الدولة العصرية –  تـونس

 

يستعد الشعب التونسي بكل شرائحه وفئاته الاجتماعية للاحتفال بالذكرى الخمسين لعيد الاستقلال المجيد 20 مارس 1956 . وسيقع إبراز هذه المناسبة الوطنية الهامة والرائعة للرأي العام ومكاسب وإنجازات ومشاريع هذه الحقبة التاريخية المشرقة والوضاءة والمميزة والمشوقة والتي لها نخوة خاصة ولذة وذكرى جميلة لا تمحى من الذاكرة الوطنية والشعبية.

 

والمناضلون الاحرار والدستوريون الابرار يدركون قيمة هذه الذكرى المجيدة لانهم صنعوها ونحتوها بأيديهم وبكفاحهم ونضالهم و تضحياتهم الجسام وبدماء الشهداء الابرار وبالنفس والنفيس وبكفاح وتضحيات لا مثيل لها دامت حوالي ربع قرن بقيادة الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد وبزعامة المجاهد الاكبر الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله ورفاقه واعضاده الاوفياء المخلصين.

 

مكاسب لا تحصى ولا تعد

 

إن مكاسب الاستقلال لا تحصى ولا تعد ولا تقاس بمرور الخمسينية فحسب. بل أن تحقيق الاستقلال جاء نتيجة صراع وكفاح مرير وطويل بدأ من عام 1911 أحداث الجلاز والمعارك التي تلتها. وفي عام 1920 بعد تأسيس الحزب الحر الدستوري القديم كانت هناك إرادة وطنية صادقة لفكرة تحقيق السيادة والحرية. وتطورت هذه الفكرة وتجسمت “قولا وعملا” وكفاحا وخطة حكيمة واتصالات مباشرة وتوعية شاملة واستقطابا شعبيا رائعا بداية من تاريخ 02 مارس 1934 المنعرج الحاسم انعقاد مؤتمر الحزب الخارق للعادة لمدينة قصر هلال. و هو الحدث الذي سماه المناضل وناس بن عامر “الانشقاق المبارك” على جماعة الحزب القديم في عام 1933.

 

إبراز قيادة سياسية شابة مثقفة وتشعر بالمسؤولية الوطنية

 

وقد أبرزت هذه المرحلة الحاسمة قيادة شابة مثقفة ثقافة عالية ولها حماس فياض وروح وطنية عالية وخطة عمل ناجعة. فرسانها وأبطالها الزعماء محمود الماطري –  الحبيب بورقيبة  – طاهر صفر  – البحري قيقه – ومحمد بورقيبة. شرعت هذه القيادة السياسية بعد انتخابها في مؤتمر قصر هلال واعتمدت منهجية جديدة وطريقة عمل حكيمة تعتمد على الشعب والاتصال المباشر لتوعيته وتنظيم صفوفه وإعداده للكفاح الوطني والتضحية والفداء والاستشهاد.

 

وفعلا نجح الحزب نجاحا باهرا وحقق ما خطط له ودخلت القيادة الجديدة في النضال والعمل الميداني والاتصال بالشعب. وشعرت فرنسا الاستعمارية أن هذا الحزب الجديد وقادته أصبح خطرا عليها و على استقرار أمنها في البلاد فعمدت السلطات الاستعمارية الفرنسية الى اعتقال الــــزعماء الخمس وذلك يـــــوم 03 سبتمبر 1934 . وكانت البداية بالزعيم الحبيب بورقيبة ورفيقه الزعيم الطاهر صفر رحمهما الله. وتم نفيهما الى قبلي الجنوب التونسي التراب العسكري آنذاك. والتحق بهما الدكتور محمود الماطري والاخوين البحري قيقه و محمد بورقيبة الى برج البوف وذلك يوم 03 أكتوبر 1934 . ودامت المحنة الاولى من 1934 الى 1936 في برج البوف.

 

المحنة الثانية

 

أما المحنة الثانية التي قادها الحزب بزعامة الحبيب بورقيبة من 1938 الى 1943 بعد مظاهرات ومعارك دامية يومي 8 و 9 أفريل 1938 . وكانت أول محنة دموية استشهد فيها عدد من المناضلين والوطنيين بالعاصمة. وللتاريخ فقد قاد المظاهرة الاولى الزعيم المنجي سليم والمظاهرة الثانية علالة بولهوان رحمهما الله. وزجّ بالزعيم الحبيب بورقيبة في السجن وعدد من الزعماء الاحرار .

 

المحنة الثالثة

 

يوم 18 جانفي 1952 حيث عمدت فرنسا الى اعتقال الزعيم الحبيب بورقيبة وهو في فراش النوم بمعقل الزعيم بالعاصمة وبقى في السجون والمنافي داخل البلاد وفي فرنسا من 18 جانفي 1952 الى يوم 29 ماي 1955 بعد الإعلان عن الاستقلال الداخلي. وعاد الى أرض الوطن يوم غرة جوان 1955 حاملا لواء النصر وبشائر الاستقلال واستقبله الشعب التونسي استقبال الابطال في يوم مشهود.

 

في 18 جانفي 1952 اندلعت الثورة التونسية المباركة التي دعى اليها الزعيم بورقيبة في خطابه التاريخي يوم 13 جانفي 1952 بمدينة بنزرت. وهذه الذكرى الخالدة “عيد الثورة” وقع تجاهلها ونسيانها وحذفها من الاحتفالات الوطنية مع الاسف الشديد.

 

هجرة طويلة من أجل تونس وشعبها

 

وفي خطة الزعيم بورقيبة ليس السجون والابعاد والمنافي والكر والفر والدهاء السياسي والمعارك والمظاهرات فحسب بل هناك خطة أخرى للتعريف بالقضية التونسية. وجاءت فكرة الهجرة الى المشرق وبالتحديد الى مصر 1945 . وفعلا شرع الزعيم في الرحلة الشاقة المليئة بالمخاطر والاتعاب والمغامرات انطلاقا من تونس الى صفاقس ثم الى جزيرة قرقنة ومن جزيرة قرقنة الى ليبيا وذلك يوم 26 مارس 1945 في طريقه الى مصر.

 

وبعد رحلة شاقة وطويلة رواها الزعيم الراحل -رحمه الله- استقر بمصر واجتمع هناك بزعماء من المغرب والجزائر وكونوا “مكتب المغرب العربي” للتنسيق والوحدة ومجابهة الاستعمار والاعداد للمعركة التحريرية.

 

وجعل الزعيم بورقيبة من إقامته بمصر محطة للسفر الى كل القارات في العالم للتعريف بالقضية التونسية.

 

وفي 1945 عاد الى أرض الوطن وشرع في سلسلة الاتصال المباشر بالشعب من الجنوب الى الشمال وقام برحلة مارطونية الى القارات الخمس ابتداءا من جانفي 1951 الى آخر نوفمبر 1951 دامت 11 شهرا.

 

وفي عام 1955 انعقد مؤتمر الحزب بصفاقس. المؤتمر الفاصل الذي قال كلمته الاخيرة وساند الزعيم بورقيبة وأيّده بالاجماع نواب الحزب وعددهم 1300 نائبا من مختلف الشعب الدستورية في كامل أنحاء البلاد. وقالت القاعدة الحزبية كلمتها وأيدت سياسة المراحل البورقيبية الثابتة والواقعية.

 

20 مارس 1956 عيد الاستقلال

 

وبعد حوالي 9 أشهر على الاستقلال الداخلي أنجز حر ما وعد به. وحقق بورقيبة الزعيم الأوحد ما وعد به شعبه في مؤتمر صفاقس. وتوج الاستقلال الداخلي بالاستقلال التام يوم 20 مارس 1956 .

 

وبدأت حكومة الاستقلال التي تشكلت يوم 14 أفريل في العمل بمشاركة خمسة من أعضاء الديوان السياسي للحزب. وشرعت الحكومة في برنامج العمل المستقبلي.

 

فكانت المكاسب تلو المكاسب من تونسة إدارة الامن يوم 18 أفريل 1956 الى تونسة الجيش الوطني 24 جوان 1956 الى تونسة الادارة الجهوية سلك الولاة والمعتمدين 23 جوان 1956 وتونسة سلك الحرس الوطني وإلغاء سلك الجندرمة الفرنسية 6 سبتمبر 1956 وتونسة الديوانة 09 ديسمبر 1956.

 

و كان إصدار مجلة الاحوال الشخصية وتحرير المرأة نصف المجتمع يوم 13 أوت 1956 وتوحيد المحاكم 1956 وغير ذلك…

 

و كان تسليم مقاليد الادارات والوزارت للتونسيين في كل الوزارات والادارات وكان في ذلك الوقت قلة من الاطارات القادرة على تسيير دواليب الدولة. ولكن بفضل الروح الوطنية العالية والعزيمة القوية عند المناضلين الوطنيين نجحت مهامهم نجاحا ملحوظا خاصة في وزارة الاشغال العامة ووزارة المعارف ووزارة الفلاحة ووزارة الصحة العمومية ووزارة الداخلية. وبحماس الرجال ووطنيتهم الصادقة حققوا المعجزات في أدائهم لمهامهم الوطنية التاريخية.

 

الحكومة الوطنية حققت المعجزات وخلّصت البلاد من بقايا جذور الاستعمار

 

وبعد هذه المكاسب تم انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في مارس 1956 وشرع في العمل. وفي 25 جويلية 1957 قرر المجلس الوطني التأسيسي إلغاء النظام الملكي وأعلن ميلاد النظام الجمهوري. وانتخب المجلس بالإجماع الرئيس الحبيب بورقيبة رئيسا للجمهورية في لحظة تاريخية هامة وفي يوم مشهود وتاريخي. وانكب المجلس الوطني التأسيسي على إعداد الدستور الذي صدر يوم غرة جوان 1959 وهو أول دستور رائد في الدول العربية جمعاء.. هذا نسجله للتاريخ.

 

تخليص بقايا الاستعمار الفرنسي: الجلاء العسكري والجلاء الزراعي ومساعدة الثورة الجزائرية

 

شهدت الفترة من 1957 الى 1962 عدة معارك واعتداءات وحشية من طرف السلطات الاستعمارية والقوة الغاشمة على حدودنا وترابنا التونسي من جندوبة وعين دراهم والكاف وطبرقة الى اعتداءات  ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958 التي امتزج فيها الدم التونسي بالدم الجزائري. الى جانب معركة رمادة  بوادي دكوك عام 1958 وصولا الى معركة الجلاء عن قاعدة بنزرت في 19 جويلية 1961 التي استشهد فيها عدد هام من الشبان الدستوريين والمناضلين وأعوان الجيش والحرس الوطني والأمن التونسي.

 

وكسبت تونس الرهان وحقق الزعيم بورقيبية الهدف وتم الجلاء النهائي في 15 أكتوبر 1963 بعد حصول الجزائر على استقلالها التام في 5 جويلية 1962 .

 

كما تم الجلاء الزراعي وتأميم الاراضي الزراعية التي كانت بيد المعمرين. و في يوم 12 ماي 1964 وللتاريخ تم إمضاء اتفاقية الجلاء الزراعي على الطاولة التي أمضى عليها الباي محمد الصادق باي معاهدة الحماية الفرنسية في 12 ماي 1881.

 

9 أعوام كاملة لتركيز الدولة العصرية  وبناء ونحت المجتمع وتصفية رواسب الاستعمار

 

كيف نقيم هذه المرحلة الحاسمة والهامة عندما ننظم معارض بالصور على انجازات “خمسينية الاستقلال”. خاصة وإن النية حسبما علمنا بواسطة الصحف الاسبوعية خاصة الصباح الاسبوعي التي انفردت منذ أشهر بنشر خبر الاحتفالات بالذكرى الخمسين للاستقلال و علمنا أن هناك مرحلتين مرحلة من 1956 الى 1987 ومرحلة ثانية من 1987 الى 2006 . وهذا في حد ذاته يعتبر قطيعة.

 

وفي الحقيقة أن المرحلة التي سبقت الاستقلال والتي دامت من 1933 الى 1956 في تنظيم رائع  لحزب التحرير وبناء الدولة العصرية.. هذه المرحلة لا تقدر بقيمة مالية أو مادية.. وكذلك فترة تركيز الدولة ودواليبها وتصفية بقايا الاستعمار.. 9 أعوام كاملة لا تقدر أيضا بأي إنجازات.

 

الارث و “التركة” الكبيرة التي ضحى من أجلها الشعب طيلة 3 عقود

 

إن المؤسسات والشركات الكبرى والدواوين وغيرها التي أنجزها وحققها وبناها النظام البورقيبي بسواعد وتضحيات الشعب طيلة حوالي ثلاث عقود و بصمود شعب كامل طيلة هذه المرحلة والتي دعمها النظام وحافظ عليها لتكون منبع خيرات ومواطن رزق وشغل وموارد عيش للآلاف العمال لكسب الخبزة بكرامة.. هذا الارث الذي تركه الوالد الحنون لاولاده لا بد اليوم -عندما نفرّط فيه للخواص ونبيعه في إطار الخوصصة- لا بد أن نذكر للتاريخ وفي الذكرى الخمسين للاستقلال 20 مارس 1956 ونؤكد ونبرز 6 نقاط هامة كان لها إشعاعها وانعكاساتها الايجابية على المجتمع التونسي:

 

1)     الرهان على التعليم الشامل والمجاني في كل المدن والقرى والأرياف منذ عام 1956 وكان رهانا عظيما راهن عليه الحزب وزعيمه المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة وأعطى نتائجه بعد ثلاثين سنة من الاستقلال. حيث أن آلاف المدارس الابتدائية وعشرات المعاهد الثانوية وعشرات الكليات التي شيدتها حكومة الاستقلال هي التي كان لها الفضل في تخريج الآلف من الإطارات العليا من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين ومحامين وقضاة ورجال تعليم وعلماء و فنيين في المجالات والاختصاصات وهي خصلة تحسب في ميزان الزعيم الراحل بورقيبة.

 

2)     الوحدة الوطنية والقضاء على العروشية والقبلية وبناء الوحدة الوطنية.

 

3)     التنظيم العائلي وما حققه من فوائدة جمة للبلاد بعد 35 سنة.

 

4)     استراتيجية السياسة الخارجية الرصينة والتي بنيت على الاعتدال وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والعلاقات المتينة مع كل الاشقاء والاصدقاء مما جعل تونس قبلة العالم بأسره شرقه وغربه.

 

5)     السلم والتعلق بالسلم مع الاجوار ومع كل دول العالم وعدم الجري وراء  تكديس السلاح الذي تأكله الشمس والنار في خاتمة المطاف.. ولننظر أمامنا وبالقرب منّا .. بل اعتمد الزعيم المهندس والمخطط والمحنك سياسة التعليم وخصص 35% من ميزانية الدولة للتعليم والثقافة لتنوير العقول التي غزت العالم. والادمغة التونسية مشهود بعلمها وكفائتها في العالم بأسره.

 

6)     النظافة الشاملة في خدمة البلاد والعباد دون الجري وراء متاع الدنيا وتكديس الأموال وامتلاك الضيعات والشركات والجو والبر والبحر.. ولنا القدوة الحسنة في الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ورفاقه الباهي الادغم – المنجي سليم – الطيب المهيري – الهادي شاكر – فرحات حشاد  وغيرهم.. ماتوا وهم فقراء وأياديهم نظيفة بيضاء. ومنهم من هم على قيد الحياة أمثال أحمد المستيري و رشيد ادريس وعبد المجيد شاكر والباجي قائد السبسي ومحمد الناصر وغيرهم.. وعائلة بورقيبة ونجله الحبيب بورقيبة الابن وغيرهم.. هم أناس عاشوا مستورين فقط.. تلك من خصال ورهانات الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي كان يكره التبذير والتكالب على المادة. قال الله تعالى: “ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله أن ترن أنا أقل منك مالا وولدا.” صدق الله العظيم الاية 38 من سورة الكهف.

 

وإنّ الانجازات الجديدة مردودها ورأس مالها إرث و “تركت” الوالد الزعيم الحبيب بورقيبة

 

هذه حقيقة ملموسة لا غبار عليها ويجب أن نعترف بها ونذكرها بكل صدق. قال الله تعالى:”فستذكرون ما أقول لكم وأفوّض أمري الى الله إنّ الله بصير بالعباد” صدق الله العظيم.

 

وفي هذا الاطار إما أن نعتبر الخمسينية بدون فواصل وحواجز كما علمنا أو أن نعطي للزعيم وللرجال اللذين عملوا معه والجيل الذي ضحّى ثلاثة عقود بكل أمانة وهذا من باب الاخلاق والامانة..

 

وفي كلمة أخيرة أقول إذا كان يوم 20 مارس 1956 عند الاستقلال البلاد المفتقرة الى إطارت تونسية قادرة على التسيير إلا العدد القليل والحمد الله فإنّ التحوّل وجد البلاد تعج بآلاف المثقفين من أصحاب الشهائد العليا والكفاءات في مختلف المجالات بفضل ذخيرة وخميرة 20 مارس 1956 وانجازات عهد الاستقلال.

 

فليذكر المشرفون على احتفالات الخمسينية هذه الانجازات بصدق ووفاء ويبرزوها للاجيال وللرأي العام بأكثر مصداقية وشفافية قال تعالى:” وأما بنعمة ربك فحدّث” صدق الله العظيم.

 

و كفانا تجاهل للتاريخ و تحاملا على الزعيم الراحل حتى أن بعضهم يحلو له أن يقول “من خير الدين إلى زين العابدين”، -لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم- تجاهلا للزعيم الحبيب بورقيبة و للتقليل من شأنه. و بعضهم يقول زعماء الحزب من عام 20 هروبا من ذكر اسم الزعيم بورقيبة.

 

و سامح الله من كان سببا في التقليل من شأن الزعيم حيث اعتمد قراءة فريدة من نوعها فاختصر كل ما هو يهم الملحمة التاريخية و اختزلها في 10 دقائق مر الكرام حتى عيدي الإستقلال والجمهورية.. و تعمق بعد ذلك.. وهو معروف وكان مديرا عاما للتلفزة الوطنية وهو سفير الآن..

 

و بعضهم يستحي و “يحشم” من ذكر الزعيم بورقيبة ما عدى الرئيس زين العابدين بن علي الذي ما إنفك يذكر الزعيم بكل تقدير و إجلال قال الله تعالى ” و تلك الأيام نداولها بين الناس” صدق الله العظيم.

 

و لنذكر بعضهم إن الحكمة تقول “لو دامت لغيرك ما آلت إليك”.. فلنتعض بالتاريخ و لنتعظ بمراحل عشناها جميعا. قال الله تعالى ” كأنهم لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ” صدق الله العظيم

 

و لنتقي الله في عباده و نبتعد عن الشتم و السب و الإهانة لبعضنا لمجرد إختلاف في الرأي أو تباين في الفكر. فلا تسمح الأخلاق الإسلامية و لا أخلاقنا الوطنية أن نفتح صحفنا للشتم و الإهانة لبعضنا كوطنيين عملنا من جل بلادنا كل حسب إمكانياته و طاقاته ووقته. و لو نعكس الآية و يصبح هذا المتهم الذي ناله كيل من الشتم و الإهانة لو قال كلاما يتماشى مع ما يحبه الآخرون لأصبح من أبرز المناضلين..

 

متى يا ترى نكف عن هذه المسرحيات التي سئمنا منها منذ أن كانت صحيفة “بالمكشوف” التي لا يحلوا لصاحبها إلا هتك أعراض الناس. و كنا ضد طريقته و أسلوبه الذي لا يتماشى و نشر الأخوة و المحبة بين الناس. قال الله تعالى ” أيحب لأحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه و اتقوا الله  إن الله تواب رحيم” صدق الله العظيم.

 

 كفانا في القرن الواحد و العشرين تلاعبا بالألفاظ و تنابزا بالألقاب. قال الله تعالى ” و لا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق” صدق الله العظيم و في أية أخرى قال الله تعالى ” و لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ” صدق الله العظيم.

 

ملاحظة:

 

إن شتم الدكتور أحمد القديدي أو غيره لا  و لن نجني من وراءه فائدة إلا الإبتعاد على صفاء القلوب ووحدة الصفوف التي ننشدها. و إن حرية التعبير و حرية الرأي هي من المقدسات التي لا يؤاخذ عنها أي مواطن مهما كانت درجة مسؤوليته و مركزه الإجتماعي. و في هذا الإطار قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه “متى إستعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”..

 

صدقت يا عمر و نتمنى لو كنت في عصرنا. قال تعالى ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” صدق الله العظيم    

 

والسلام

 

محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري معتزّ  بتراث وإنجازات عهد الاستقلال وما قبله من نضالات

 


العنوان على الجريدة الورقيّة:

جريمة الرشوة: تعدّدت الأسماء والفساد واحد

أما العنوان على موقع الجريدة على الإنترنت فكان التالي:

الرشوة : جريمة يعاقب عليها القانون وسلوك فردي لم يتخذ شكلا جماعيا

* تونس ـ الشروق : خلال التحقيق الذي نشر منذ مدّة بالشروق حول ظاهرة «الأكتاف والمحاباة» وأومأ بعض المواطنين الى الرشوة كعامل يسهل بعض التعاملات الاجتماعية. فما هي حقيقتها وما هو رأي القانون وعلم الاجتماع وطب النفس في هذه الظاهرة. الشروق حققت فكانت النتيجة انه يوجد عدد من القضايا المنشورة امام المحاكم التونسية المتعلقة بهذه الظاهرة، فأي صنف من الظواهر هو هذا النوع من السلوك؟ وما هي أبرز الحالات؟ ما رأي القانون؟ وكيف ينظر علماء الاجتماع وعلماء النفس للموضوع؟ نظرت محكمة الاستئناف بتونس مؤخرا في قضية تورط فيها موظف بنفس المحكمة لاتهامه بالرشوة، وذلك بالاستناد الى بعض الوقائع المنسوبة اليه، والتي مفادها حصوله على منافع مالية من أحد المتقاضين لقاء تأخير تنفيذ بعض الاحكام ضدّه ولقاء التلاعب في بعض الوثائق وتأجيل مواعيد النظر فيها وقد قضت المحكمة ابتدائيا واستئنافيا بادانته وسجنه، فطعن في هذا الحكم لدى محكمة التعقيب التي قرّرت احالة القضية من جديد على محكمة الاستئناف. كما نظرت محكمة تونس الابتدائية ثم محكمة الاستئناف لاحقا، في قضية تورّط فيها مجموعة من الاشخاص من بينهم مدير عام بمؤسسة عمومية كبيرة من أجل الاستيلاء على اموال عمومية والارتشاء والتلاعب بأموال صفقات، وقد أدينوا جميعا وقضي ضدّهم بالسجن. جرائم الرشوة لا تنفصل عن قضايا الفساد وهي التي تصنف ضمن الجرائم الاقتصادية والمالية، التي كانت تستحوذ على 30 بالمائة خلال السنة القضائية 2001 ـ 2002 من مجمل القضايا وهي النسبة الاكبر حسب التوزيع النسبي للقضايا المفصولة لدى المحاكم الابتدائية ومحاكم الناحية في التصنيف حسب الجريمة، وذلك وفقا لاحصائيات رسمية صادرة عن وزارة العدل وحقوق الانسان، وبقيت الجرائم الاقتصادية والمالية مهيمنة من جهة النسبة الى موفى سنة 2003 قبل ان تتراجع الى المرتبة الثانية بنسبة 31 بالمائة خلال السنة القضائية 2003 ـ 2004 والى 25 بالمائة خلال السنة القضائية 2004 ـ 2005 بعد القضايا المتعلقة بالطرقات، الا أنه لا توجد احصائيات دقيقة حول عدد قضايا الرشوة والفساد التي ينظر فيها القضاء التونسي، وللاحاطة بالموضوع كان علينا ان نفهم معنى الرشوة. ظاهرة موازية ورد في مادة «رشا» بلسان العرب لابن منظور ان «الرشو: فعلٍ الرشوة، يقال: رشوته، والمراشاة: المحاباة… وقد رشا رشوة وارتشى منه رشوة اذا اخذها، وراشاه: حاباه ـ وترشاه: لاينه». «وقال الاصمعي: إذا امتدّت اغصان الحنظل قيل قد أرشت اي صارت كالارشية وهي الحبال» ولا غرابة ان نسمع اليوم من يقول: «إن فلانا ربط خيطا او حبلا» بمعنى عثر على من يساعده او تفطن لوجود مخرج لمشكله. هذا من الناحية المفهومية، فماذا تعني الرشوة لدى علماء الاجتماع؟ حسب احد الباحثين والمختصين في علم الاجتماع، وهو مدرّس بالجامعات التونسية وحائز على الدكتوراه في اختصاصه، طلب منا عدم ذكر اسمه، فانه لدراسة ظاهرة الرشوة لا بد من دراسة شروطها التاريخية والاجتماعية ثم السياقات العامة والأطر التي تقع فيها الرشوة وقال محدثنا: «اننا نتحدث عن مستوجبات مرحلة معيّنة لاكتساب منفعة عن طريق الرشوة، فهي تصنف ضمن اخلاقيات الفساد» وتساءل: ما الذي يجعلني أقدّم الرشوة كوساطة، وأرجع ذلك الى جملة من الشروط التاريخية الموضوعية واخرى ذاتية. أ ما بالنسبة الى الشرط الموضوعي والمتعلق بالمكتسبات لانها تحقق المتطلبات التي فرضت سياقيا باعتبار ضرورة المعيش ووتيرة الحياة اليومية والتنافس والمنافسة بين الجميع، وطول الانتظار في الانتدابات وصعوبة الحصول على عمل، وحسب محدّثي فإنه هناك ظرفية عامة هيأت ثم لخلق ما يشبه السياق العام مما يؤدّي الى حياد البعض عن المسارات الطبيعية، فمع الرشوة تغيب الكفاءة الحقيقية فنكون بازاء ثلاثة عناصر أساسية وهي أن الاكثر كفاءة هو الاقدر على تقديم التنازلات والاكثر امتثالية من وجهة نظر السياقات التنازلية. الرشوة والحق الرشوة جزئية من جزئيات التنازلات اذ يتنازل احيانا الفرد عن حقه المشروع ليتبع طرقا غير مشروعة للحصول على هذا الحق. أما الشرط الثاني فهو الشرط الذاتي، أي، بالنسبة الى محدثنا، عندما تكون هناك جاهزية لكل فرد مع تنشئة اجتماعية مبنية على الوصول الى الهدف باسرع ما أمكن، اضافة الى البنية الذهنية والنفسية وشبكة القيم أدّى كل ذلك الى دخول الرشوة باب المجاملة والتودّد وتبادل المصالح وهنا تطغى الذاتية مما يؤدّي بسلوك الرشوة من الخروج من مسار التصنيف اللامعياري اخلاقيا وقانونيا واجتماعيا الى تصنيف جديد خاضع لتلك المستوجبات الفردية الحينية التي هي تلبية لرغبات خاصة. واعتبر محدّثنا ان سلوك الرشوة ذاته هو حالة مرضية اجتماعية، حيث تصبح مقصدا وأداة متداولة تطلب وتقصد» وبقدر ما هي ظاهرة سلبية بقدر ما تحوّلت الى ظاهرة مرغوب فيها باعتبار فاعليتها في اختزال المسافات وافتكاك المواقع. يقول محدّثنا: «ان الظاهرة الاجتماعية هي جملة الوقائع الاجتماعية القابلة للملاحظة والفهم والتأويل على خلفية أنها حصيلة جملة من الافعال الفردية التي تأخذ شكلا جماعيا» والرشوة هي سلوك فردي لم يأخذ طابعه الجماعي حتى يتحوّل الى ظاهرة اجتماعية، فهي تدخل في اطار الظواهر الاجتماعية الموازية اساسها السلوك الفردي ونتائجها على المستوى الجماعي. وقال محدثنا ان المجتمع التونسي مازال يدين عملية الرشوة ويعتبرها ظاهرة لا اخلاقية لذلك يرفضها النظام التشريعي ويجرّمها القانون واعتبر محدّثنا ان الرشوة مرتبطة بالانفتاح الليبرالي وأن الظاهرة ارتفعت مثلا بعد سنة 1972 المرتبط بسياسة الانفتاح وعموما قال ان الرشوة مرتبطة ببنية متكاملة اقتصاديا واجتماعيا واخلاقيا ارتبطت بمفهوم الملكية الفردية، فالفساد الشخصي يولّده السياق العام. اليوم قلبت المفاهيم وخلق هرم مفاهيمي مقلوب يترجم احيانا ذهنية التواطؤ كأن نقول ان فلانا «سلّكها وقضى اموره.. اعطى خمّوس وبلقاسم» وأصبحت «القهوة» في الادارة التونسية تعني مما تعنيه الرشوة.. فمجتمعنا لا يريد تسمية الرشوة مباشرة لأن الأنا الأعلى الاخلاقي مازال قائما.. لذلك نجد الاطار القانوني مجرما لهذا السلوك وكل ما ارتبط به. تشديد العقاب كان من الضروري ان نطرح السؤال على طاولة القانون لذلك اتصلنا بالاستاذ عبد الستار المسعودي المحامي لدى التعقيب فقال «ان جريمة الرشوة بمعناها العام هي اتفاق بين شخصين يعرض احدهما على الآخر جعلا او فائدة ما فيقبلها لأداء عمل والامتناع عن عمل يدخل في نطاق وظيفته او مأموريته» واعتبر الاستاذ المسعودي ان الفصل 83 (قديم) من المجلة الجزائية التونسية الذي يعود الى سنة 1913 تعامل مع جريمة الرشوة في حدود ما كان متعارفا عليه في القوانين الوضعية الفرنسية منها والمصرية والانقليزية.. قبل ان يتم تنقيحه بموجب القانون عدد 33 المؤرخ في 23 ماي 1998 بصورة جذرية والملاحظ ان المشرّع قد تولى بتنقيحه لأحكام جريمة الرشوة توسيع نطاق الفعل الاجرامي ليشمل المنافع مهما كانت طبيعتها، ليتم الترفيع في العقوبة لتصبح جناية بعدما كانت جنحة اضافة الى ادراج عقوبة تتمثل في الحرمان من مباشرة الوظائف العمومية ومن تسيير المرافق العامة ونيابة المصالح العمومية بل ان المشرّع شدّد في العقاب اذا حصلت الرشوة من الموظف العمومي الذي يصل الى عشرين عاما سجنا وخطية قدرها 20 ألف دينار مع العقوبة التكميلية. كما ان المشرّع طال اصحاب النفوذ وجرّم افعالهم بسنّه لجريمة استغلال النفوذ. ان تنقيح 23 ماي 1998 طال ولأول مرة مبدأ تجريم الاعتداءات على حرية المشاركة والمساواة بين المترشحين في الصفقات العمومية كما شدّد في جريمة رشوة القاضي والترفيع في عقوبتها في العديد من الصور التي عناها المشرّع حصرا بأحكام الفصول 88 و89 و90 من المجلة الجزائىة. وأضاف الاستاذ المسعودي: «صورة اخرى عناها المشرّع صلب أحكام الفصل 85 (جديد) من المجلة الجنائية تتعلق بالموظف العمومي او شبهه لم يكن يعلم عند قيامه بعمل انه سينتفع برشوة وقد تولى القيام بعمله بصورة طبيعية الا انه قبل الرشوة بعد إتمام ذلك العمل». وأضاف محدثنا ان جريمة الرشوة تقوم على ثلاثة اركان، الاول يتعلق بصفة الجاني اذ يجب ان يكون موظفا عاما او شبهه والثاني يتعلق بالركن المادي والثالث بالركن المعنوي وتتخذ صورة القصد الجنائي، وقال ايضا «لا يهمّ نوع العطاء الذي قدّم للمرتشي ان كان مالا او هدية عينية او مأكولات او اي شيء آخر ذي قيمة» وأضاف بأن اثبات هذه الجريمة في ما عدا صورة التلبس ليس بالامر الهيّن اذا علمنا ان مقترفي هذه الجريمة يأخذون من الحيطة والحذر القدر الكبير والكافي للحيلولة دون كشفهم. وبالتالي تكمن صعوبة اثبات الجريمة، اذ يجب على الباحث ان يقيم الدليل على ان الموظف او شبهه تعاقد فعلا مع صاحب المصلحة وقَبِلَ العرض». الا انه وعلى قدر صعوبة الإثبات فإن التقنيات الحديثة التي اصبحت متاحة من شأنها المساعدة على كشف خيوط الجريمة. اما بخصوص الركن المعنوي لجريمة الرشوة، قال محدثنا انها جريمة قصدية، لا يمكن فيها مؤاخذة المتهم الا بتوفّر القصد الجنائي العام، وقال ايضا بأنه لابدّ من الاشارة الى بعض الجرائم الملحقة بالرشوة وهي قبول المكافأة اللاحقة والاستجابة للوساطة والتوصية ورشوة المستخدمين في المشروعات الخاصة واستعمال النفوذ وعرض الرشوة وعرض او قبول الوساطة في الرشوة، وبناء على ذلك فإنه «بقدر ما كان إثبات جريمة الرشوة مستعصيا، فإن من تثبت ادانته يكون عرضة لعقاب شديد ان كان راشيا او مرتشيا او وسيطا او ذا نفوذ حقيقي او مزعوم..». لكن هل هناك نافذة نفسية لهذه الظاهرة وماهي علاقتها بالعائلة والتنشئة الاجتماعية الاولى؟ لذلك اتصلنا بالدكتور عماد الرقيق الاخصائي في الامراض النفسية والعصبية والطبيب والباحث للإجابة عن ذلك. «مرض» الرشوة يقول الدكتور الرقيق انه ليس هناك ما يدلّ على وجود مرض نفسي معيّن للمرتشي بل يمكننا حسب رأيه طرح القضية من زاوية التربية الاولى المبنية على عدم الصراحة وإخفاء الحقيقة، وتعليم الاولياء لأبنائهم أساليب المكيدة والكذب والوصولية اضافة الى ظاهرة التكالب على المال وصعوبة الحياة اليومية تخلق اشخاصا يريدون العيش بأسلوب يتجاوز طاقتهم لذلك تجدهم يتجاوزون حدود المعطى الشخصي، فدافع الرشوة او متلقيها هو شخص غير مباشر بمعنى انه لا يستطيع مواجهة المشكل الا عبر وساطة وهي الرشوة، فهي مرض اجتماعي ـ نفسي اكثر منه نفسي فقط. وقال محدّثنا ان التعلق بالوهم، خاصة وهم الثراء والبحث عن موقع اجتماعي او تحسينه مع الاعتقاد بوجود حلول سحرية تؤدي الى شخصية لا واقعية لا تعيش قضاياها مباشرة لذلك عندما لا يقدر الفرد على بلوغ هدفه بالرشوة او غيرها يصاب بصدمة نفسية، ورأى الدكتور الرقيق ان الدور الابرز يحمل على العائلة اذ يجب تربية الأبناء على الصراحة والشفافية وعدم الاخفاء او الاختفاء والمواجهة المباشرة حتى نتمكن من تجاوز مثل هذه القضايا. إذن للرشوة زوايا نظر متعددة لكن نتاجها واحد، وهي التجاوز الاخلاقي والقانوني والاجتماعي، اضافة الى اعتبارها حلقة ضمن حلقات الفساد بما يعني ضرورة مقاومتها والتصدي لها ومعالجة اسبابها من كل الزوايا الممكنة. * منجي الخضراوي (المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 5 مارس 2006)


قضايا المعتقدات ووقائع الانترنت في زمننا

محمد الحداد (*)

 

تحتاج القضايا المعقدة إلى مسافة نسبية تفصل عن الحدث وأبعاده الآنية لإدراك ما وراء الحدث من خلفيات ودلالات. وقضية الرسوم الدانمركية هي بلا شكّ من القضايا المعقّدة واختزالها في تعارض مانوي بين حرية التعبير وصيانة المقدسات هو اختزال مخلّ بالفهم. نحن نعلم جميعا أن حرية التعبير لها دائما ضوابط فلا معنى للحديث عن حق التعبير في المطلق. المشكلة إنما تطرح في كيفية تحديد الضوابط. حضارة اليوم تتميّز بمعطى نوعي لا يمكن التغافل عنه. نحن نعيش عصر الانترنت. الدانمرك بلد صغير (حوالي خمسة ملايين نسمة) والصحيفة الدانمركية التي نشرت الرسوم لا تصنف ضمن الصحف ذات الانتشار العالمي. فلو نشرت هذه الرسوم قبل خمسين سنة من الآن لما انتبه إليها أحد. أقصى ما يمكن توقّعه أن تقوم الجالية المسلمة في الدانمرك بالاحتجاج عليها ثم يغلق الملف، أو لنفترض أن الخبر قد وصل إلى أسماع مسلمين آخرين فالمرجح أنهم يرسلون برقيات مساندة إلى زملائهم في الدانمرك ولا يتجاوزن ذلك. المشكل في الرسوم أنها لم ترد خبرا بل وردت عيانا، فتحوّل الخبر عيانا بهذه الدرجة من الانتشار والسرعة بواسطة الانترنت هو المعطى غير المسبوق في خبرات البشر. إن مشاهدة الرسم على صفحة الانترنت هو غير العلم به خبرا لذلك فهو يحدث وقعا على النفس أكثر قوّة ويدفع إلى تعبير أكثر قوّة أيضا. لكن قواعد اللعبة تنخرم إذا تحوّلت قوّة التعبير من الواسطة الافتراضية التي تمثلها الانترنت إلى العالم غير الافتراضي في الشوارع. والمشكل ليس الرسم ذاته الذي كان يمكن أن لا ينتبه إليه أحد بل نشره بواسطة الانترنت، وفي هذا المجال لا تتحمّل الصحيفة وحدها المسؤولية، بل يشاركها المحتجون الذين كلما وسّعوا دائرة الاحتجاج إلا ووسّعوا دائرة انتشار الرسوم. وتلك خاصة الانترنت أنها تقلب كل الضوابط المعهودة! تصبح القضية حينئذ «مدوّلة» لأن كل معلومة أصبحت قابلة أن تصبح «معولمة».

 

ولتفترض أن الأمين العام للأمم المتحدة سيحاول حقا تصوّر تشريع دولي لحماية المقدسات فما عساه يفعل؟ لا توجد عقيدة في الدنيا إلا وأناس آخرون يعتبرونها مسيئة لهم. لنتصوّر مثلا أن الهند تصبح عضوا في مجلس الأمن وأن الهندوس وهم حوالي خمسمائة مليون نسمة أي مئة مرة مواطني الدانمرك يطالبون بمنع ذبح البقر في العالم كله لأن البقرة مقدّسة عندهم وأنهم يعتبرون كل إشهار حول لحم البقر مسّا بمعتقداتهم ومقدساتهم، كيف يكون العمل حينئذ؟

 

هذا نوع من المشاكل لم يبرز سابقا أو على الأقل لم يعرف بنفس الحدّة. فقد كان يمكن لكل عقيدة وكلّ مقدّس أن يحمي نفسه داخل الحلقة المغلقة لأتباعه، أما في عصر التداخل الحسي والافتراضي للمجموعات البشرية فقد أصبح كلّ تعبير قادرا أن يقتحم بيت الآخرين دون استئذان فيبدو استفزازا غير مسبوق، والواقع أنه مسبوق كتعبير لكنّ غير المسبوق أن يصل إلى حلقات من الناس لم يكن مقصودا أن يتوجّه إليهم.

 

يبدو الإسلام تخصيصا هو الضحية، ولكن هل الأمر حقا على هذه الشاكلة؟ في الفترة نفسها التي شهدت انطلاق قضية الرسوم الدانمركية كانت الرواية الخيالية «دافنشي كود» (شفرة دافنشي) لدان براون تسجل أكبر المبيعات في العالم، عشرة مليون نسخة في 40 لغة! الرواية التي تمزج مسائل تاريخية بالخيال تصوّر الفاتيكان (الكنيسة الكاثوليكية) وقد استأجر قتلة محترفين للقضاء على وثائق سرية متوارثة عن السيد المسيح منذ عشرين قرنا، أما سبب سعي الكنيسة إلى إتلاف هذه الوثائق فكونها تثبت أن المسيح كان متزوجا بامرأة (مريم المجدلية) وأن الكنيسة حذفت هذه المعلومة من الأناجيل كي تدافع عن قيامها وشرعية كونها جسد المسيح في الأرض! إثارة هذه القضية التي كانت تعتبر أكبر هرطقات العصر الوسيط في رواية أدبية يقرأها ملايين الناس اعتبر لدى عديد الفئات مسيئا، لكن ردّ الفعل لم يكن من نفس النوع. يذكرنا هذا وقائع سابقة: الشريط السينمائي «آخر نزوات المسيح» لمارتن سكورسيزي وهو يطرح نفس الموضوع، وقد تزامن آنذاك مع صدور «الآيات الشيطانية» لسلمان رشدي. لماذا الاختلاف في طبيعة ردّ الفعل؟ ثمة لا شك بغض للإسلام متواصل منذ العصر الوسيط، لكن ثمة أيضا الكثير من المسلمين الذين يتوهّمون أن بإمكانهم أن يواصلوا تنزيه آذانهم وأعينهم عن الإنصات أو مشاهدة الطعن في عقائدهم ومقدساتهم كما كان عليه الأمر في العصر الوسيط. وثمة أطراف دينية في المجتمعات غير الإسلامية تستفيد من الاحتجاجات الإسلامية لتستعيد بعض ما فقدته من مواقع اجتماعية، وأطراف داخل المجتمعات الإسلامية تحصّن مواقعها بالاستفادة من هذه الأزمات، وثمة بؤس وكبت وإحباط يعبّر عن نفسه كلما وجد إلى ذلك سبيلا، وثمة خلط بين صحيفة دانمركية ودولة الدانمرك أو شعبها كما ثمة قابلية خاصة للصدمات في مجتمعات لم تتعوّد انتقاد شيخ القبيلة بالقول أو بالرسم فكيف تقبل أن ترى الأنبياء في كاريكاتور؟

 

لا يبدو ممكنا أن يوقف أحد الآثار الجديدة لحضارة الانترنت، كما أن انتشار الطباعة حال دون منع «الكوميديا الإلهية» لدانتي أو بعض كتب فولتير لأنها مسيئة للإسلام، ومن نفس المنطلق فرض على الكنيسة أن تقبل ترجمة القرآن إلى اللغات الأوروبية بعد إدانات عديدة. وما ينبغي أن يكون موضوعا للاحتجاج هو الطابع العنصري للرسوم الدانمركية وليس تعبيرها عن موقف أصحابها من عقائد ليست عقائدهم ومقدسات هي غير مقدساتهم. أما أدوات الاحتجاج وطرقه فينبغي أن تكون في مستوى معاملات العصر. إن العقائد والمقدسات تظل مصانة في قلوب أتباعها ولا يضرّها أن يطعن فيها من هو من غير المؤمنين بها، خاصة إذا كانت متواصلة منذ قرون وكان الطعن فيها متواصلا أيضا منذ قرون (والطعن ذاته مسألة متبادلة بين أصحاب العقائد جميعا). أما القضايا التي أشرنا إليها سابقا والتي تمثّل خلفية الأحداث فهي الجديرة بالتفكير العميق، وأوّل التفكير العميق أن لا ننتظر غوغاء الشارع لطرح ما سيحدّد مستقبلنا الثقافي والاجتماعي.

 

(*) كاتب وجامعي تونسي

 

(المصدر: ملحق “تيارات” بصحيفة الحياة الصادرة يوم 5 مارس 2006)

 


«قدسية» اليهود: طريق عودة اللاسامية إلى أوروبا

نهلة الشهال    

 

تقول تقارير الشرطة الفرنسية إن الجرائم ذات الطابع «اللاسامي» كما تسمى هنا، أي التي تستهدف أشخاصا لأنهم يهود، تراجعت بصورة ملحوظة في إحصائيات 2005، وأنها تبلغ نصف ما سجل في العام الذي سبقه. وهي على كل حال لا تتعدى بضع عشرات، تدخل ضمنها أفعال مثل توجيه شتيمة عابرة. يقر بذلك علنا ممثلو الطائفة اليهودية في فرنسا، حيث ثالث أكبر تجمع يهـــودي في العالم بعد الولايات المتحدة وإسرائيل، لكنهم يطلبون المزيد: يدعون أن اليهود يعانون مـــن شعور بعدم الأمـــان، لا يــمكن تبريره منطقيا وإحصائيا، لكنه قائم وهم يطالبون بتبديــده، ويريـــدون الوصول إلى الرقـــم صفر فــي ما يخص أي اعتداء.

 

تعود هذه المسألة دوريا إلى التداول. أما حين تعود مصحوبة بحادث كبير فتحتل لأيام متتالية، أو لأسابيع، مساحات رئيسية في كافة وسائل الإعلام، وتحرك الطبقة السياسية برمتها التي تتبارى في المزايدة حتى تقع أحيانا في الخطأ، كما حدث لما ادعت امرأة شابة أنها تعرضت لاعتداء قام به شبان عرب أثناء رحلة بالقطار، وأبرزت نجمة داوود مرسومة على جسمها. لم تكن الشابة يهودية، واكتفت بالقول «إنهم» ظنوها كذلك لأنها تسكن حيا من أحياء الأثرياء في باريس. وقع رئيس الجمهورية بنفسه في فخ التسرع، فأطلق تصريحا ناريا، وراحت وسائل الإعلام تستقصي الحادث وراح المحللون يشرحونه، وتوسعوا وتعمقوا، إلى أن تبين بعد قليل أن لا صحة للرواية برمتها وأنها اختراع محض عائد إلى معاناة صاحبتها من اضطراب نفسي.

 

ليست تلك حال الجريمة التي حدثت مؤخرا وراح ضحيتها إيلان حليمي. فهناك حقا شاب قتل بعد احتجاز وتعذيب وحشيين. ثمة قناعة عامة شبه قاطعة، تنعكس كذلك لدى الشرطة والمحققين، بأن الحادث يندرج في الإطار الجرمي الصرف، أي ما هو محاولة ابتزاز مالي انتهت بطريقة مأسوية، وأنه لا علاقة لمصادفة انتماء الشاب إلى الديانة اليهودية بالأمر. عاد فأكد ذلك رئيس العصابة لدى توقيفه في أبيدجان حيث هرب. لا يهم!

 

تحولت الجريمة مناسبة لاستعادة الخطاب إياه عن الضمانات والحاجة إلى مزيد من الإجراءات. ونزلت كل الطبقة السياسية إلى الشارع للتظاهر، ورفع شعار «هناك ما قبل إيلان وما بعده». أما ماهية هذا الخط الفاصل في التاريخ فيترجمها السياسيون انحيازا متعاظما، أو أنه لم يعد يحتمل التردد، لحزمة من المواقف تتداخل فيها بلا تمييز إدانة حاسمة لبعض مظاهر أو حوادث العنصرية المعادية لليهود التي يمكن أن تُصادَف أحيانا و… المعاملة المخصصة لإسرائيل، التي رُفع علمها بكثافة في التظاهرة الحاشدة وأُنشد نشيدها الوطني، وتخللتها هتافات ذات طابع عنصري لا يحتمل التأويل، ضد العرب والمسلمين، لو جرى التلفظ بربع ربعها بحق «اليهود» في أي تظاهرة مؤيدة لفلسطين، لوجد المنظمون أنفسهم في اليوم التالي أمام القضاء، ولصرخت الصحف بالويل والثبور.

 

على مستوى آخر، راحت تخرج إلى العلن بعض الاقتراحات المتداولة، كإنشاء جهاز أمن ذاتي يحمي المتاجر اليهودية والأفراد. ومن المرجح تماما أنه لا حظ لولادة حقيقية لأفعال تتبع مثل هذه الأفكار، لمخالفتها القوانين الأساسية ولأنه لا شيء على الإطلاق في الواقع يبرر هذا الجنوح. إلا أن ما يهمنا هنا هذا الجنوح تحديدا. أو وبصورة أدق، حوافزه ونتائجه.

 

فقبل أن تهدأ قضية إيلان حليمي، أعلن عن توقيف مدرس مادة الفيزياء في إحدى الثانويات عن العمل لأسابيع والتحقيق معه لأنه طرد تلميذا مشاغبا من صفه قائلا له «اذهب إلى الثلاجة –وهي، في لغة تلك المدرسة، الملعب-فإن شعرت بالبرد نضعك بعدها في الفرن». لم يقصد أفران النازية، بل أكمل جملته الأولى مستخدما التضاد، ولم يدر أصلا أن التلميذ يهودي. لا يهم!

 

والنكتة المتداولة في فرنسا، بين الفرنسيين «الأصيلين»، أنه بات عليك أن تسأل من تختلف معه في الشارع على أفضلية المرور مثلا، إن كان يهوديا قبل أن تشتمه أو تتعارك معه، كي لا تجد نفسك في ورطة لا تعرف آخرها، وأن تمنع أولادك من اللعب مع زملائهم من اليهود مخافة انزلاق في كلمة أو حركة لا تحمد عقباها. بين هذه وعودة الإشارات التمييزية خطوة.

 

وكعادته، نفخ وزير الداخلية الفرنسي، السيد ساركوزي، على النار فقال إن منشورات «سلفية» وجدت لدى عائلة أحد المتهمين، بل ان قسيمة تبرع لمنظمة إغاثة لمصلحة فلسطين وجدت لدى عائلة أخرى. ونال الوزير مقابل ذلك هتافات في التظاهرة إياها، تنصّبه رئيسا للجمهورية في الانتخابات القادمـة، بينما نافسه السيد دوفيلبان، غريمه في الحزب نفسه، فارتدى القلنسوة اليهودية في العشاء السنوي لهيئة الجالية اليهودية الفرنسية.

 

وقد يُظن أن هذه فرنسا وشطحاتها المعروفة. إلا أن عمدة لندن بقضّها وقضيضها، السيد لفغنستون، وجد نفسه مؤخرا موقوفا عن العمل لأسابيع أربعة لأنه شبّه صحافيا كان يتطفل عليه بـ»حارس معسكر اعتقال نازي»، ولم يتراجع عن الوصف حين نُبّه من مساعديه بأن الصحافي المعني يهودي الديانة، لأنه لم يجد رابطا بين هذه المعلومة وما يتعلق بتصرفه المهني المزعج. تقدمت بالشكوى جمعية «النواب اليهود» واستجابت الهيئة التأديبية التي وجدت في موقف السيد العمدة ما يثير الريبة. ولعل الإضافة التي لا بد منها أن لفغنستون معروف بمساندته للحق الفلسطيني.

 

يعني ذلك أن هناك مطالبة صادرة عن المؤسسات اليهودية، الطائفية منها والسياسية، باستثناء اليهود من سياق الحياة العادي. هل من غيتو أوضح حدودا من هذا؟ إلا أن الميل إلى رسم حدود خاصة بالتعامل مع اليهود دون سواهم ليست فحسب بقايا من ترسبات الاضطهاد القديم الذي تعرض له اليهود في أوروبا على مدى قرون وانتهى إلى كارثة الإبادة النازية. ثمة ما هو أكثر واقعية وغائية من مجرد استعادة مَرضية لأشباح الماضي الفظيع. ثمة توظيف للابتزاز بتهمة «معاداة السامية» لمصلحة التغطية على السياسة الإسرائيلية وجعلها فوق المساءلة والنقد. آخر الأمثلة: لا «يجوز» الاعتراض على «الترامواي» الذي تبنيه شركات فرنسية والذي سيصل المستوطنات المحيطة بمدينة القدس ببعضها وبقلب المدينة، رغم أن كل تلك المستوطنات غير شرعية بعرف القانون الدولي، وكذلك الطرق التي سيمر بها الخط الحديدي والعائدة إلى أراضي قرى فلسطينية جرت مصادرتها لهذه الغاية، إذ لا يدري أحد ما الحدود الفاصلة بين نقد إسرائيل ومناهضة سياساتها و»ما يخفيه» ذلك أو «يضمره» من معاداة السامية. الأمثلة المشابهة لمثال «الترامواي» بالمئات، بل تنطبق على مجمل التعامل مع القضية الفلسطينية. وكانت تلك هي الحال قبل وصول حماس إلى»السلطة»، أما بعده فالمشهد يقع في خانة تتجاوز ما هو معروف أو مألوف في الخيال السياسي العالمي.

 

حاول بعض العقلاء ممن ينتمون إلى الديانة اليهودية التحذير من المنزلق: إن الضحية إيلان حليمي يهودي بالمصادفة، وكان يمكن أن يكون أي شيء آخر. هناك مئات الجرائم المشابهة التي تجري يوميا وتصنف في خانة «الأحداث المتفرقة» ولا يدري بها أحد. لقد تشابهت بعض أساليب التعذيب المطبقة على إيلان مع ما عرضته الشاشات من تعذيب أميركي للسجناء في أبو غريب العراقي، وهذا يؤشر إلى ظاهرة تحول صور التعذيب إلى العادية والاعتياد… بل أصدر الاتحاد اليهودي الفرنسي للسلام بيانا يدين توظيف الجريمة في غير نطاقها واستغلالها.

 

لا يهم. الآلة الجهنمية تستمر منطلقة. يا لكارثة قصر النظر!

 

هنا، كما في البيئة والاقتصاد وكل شيء، تسود عقلية المكسب الآني، الراهنية. ها الإنسان–أو بعض البشر، إلا أنهم أصحاب النفوذ الأكبر اليوم- يتخلون عما يصنع الحضارة الإنسانية: الذاكرة والاستشراف. أهي هيمنة البربرية «المودرن»؟

 

(المصدر: ملحق “تيارات” بصحيفة الحياة الصادرة يوم 5 مارس 2006)


حرب «الهويات القاتلة» والفتن المتنقلة!

محمد صادق الحسيني (*)    

 

… إيران تستهلك الوقت لـ «النفاد» ببرنامجها النووي بعيداً عن أعين المجتمع الدولي، وبذلك تكتسب الخبرات الكافية للتعلم ومعرفة علوم هذه التكنولوجيا المتطورة… ولذلك يجب الاستعجال في معاقبتها ووقفها عند حدها الآن وقبل فوات الأوان.

 

هكذا يحذر الأميركيون وبعض الدوائر الغربية.

 

على «حماس» أن تختار بين «الإرهاب» والسياسة، وإلا فإن مقولة صناديق الاقتراع والديموقراطية لن تحمي الشعب الفلسطيني من سياسة التجويع والحصار! هكذا يتعامل المجتمع الدولي الحر والديموقراطي مع مسار الديموقراطية في فلسطين.

 

على سورية أن تتعامل بشكل كامل مع كل القرارات الدولية التي تدينها وتحمّلها كل ما يجري في لبنان والعراق من مسلسل للعنف والاغتيالات الكبرى والصغرى، وإلا فإن مطلب تغيير «سلوك النظام» سيتحول عاجلاً أو آجلاً الى ضرورة اسقاط هذا النظام.

 

هكذا يتصرف التحالف الأميركي – الفرنسي مع دمشق عندما تبدي ممانعة للمشروع الشرق أوسطي الكبير.

 

على العراقيين أن يشكلوا في كل مرحلة من مراحل «تحررهم» الجديد الحكومة المناسبة لأجندة «قوات التحالف المتعددة الجنسية»، وإلا فإن أمامهم مزيداً من عمليات التفخيخ الطائفي والمذهبي والإمعان في قتل الوطن الواحد والتهديد بحرب أهلية قد تنفجر في أي لحظة.

 

هكذا يتصرف «المنتدبون» على مستقل العراق الجديد، رضي بذلك الشعب العراقي أم لم يرضَ، ومن يسأل عنه أصلاً.

 

على لبنان أن ينسى تماماً نموذج المقاومة والتحرير، وعلى جيشه أن يتخلى عن العقيدة الوطنية الجديدة المكتسبة «لبنان قوي بنهج المقاومة»، وإلا فإن الاقتتال وسيف الحرب الأهلية واشعال الفتن الطائفية والدينية وفيديرالية الطوائف الضعيفة هي البديل المستحدث لعقيدة «لبنان قوي بضعفه».

 

هكذا يتصرف الفرانكفونيون الجدد في إطار تحالف وثيق مع مروجي سياسات المحافظين الجدد في بلاد الشام.

 

ثمة شعور عام بأن يداً «سحرية» ما تحرك كل هذه الأحداث في إطار «فتنة متنقلة» توظف خلالها مجمل معاناة شعوبنا وفي التاريخ المعاصر باتجاه منع أي تقدم ملموس نحو التحرر أو الوحدة أو الاستقلال الناجز.

 

إيران تُعاقب اليوم لأنها ذهبت بعيداً في سياسة الابتعاد عن مذهب «دول الإطار» التي كانت تحمي إسرائيل في زمن الشاه البائد الى جانب تركيا والحبشة آنذاك.

 

وسورية تُعاقب لأنها أغلقت خط أنبوب كركوك – بانياس في العام 1982 دعماً لإيران في مواجهة الحرب العبثية التي فرضها النظام العراقي البائد على الشعبين العراقي والإيراني آنذاك.

 

والعراق يعاقب لأنه لم يقدم البديل المناسب لخط كركوك – بانياس لا عبر العقبة ولا غيرها، كما حاول دونالد رامسفيلد مراراً عندما كان نائباً لوزير الدفاع.

 

ولبنان يُعاقب لأنه قرر الطلاق النهائي مع مقولة «لبنان قوي بضعفه» واختار نهج «لبنان قوي بمقاومته وتضامنه مع جيرانه وأشقائه».

 

وفلسطين تُعاقب بالطبع لأنها تريد احياء أصحاب الأرض الحقيقيين ووضعهم على الخريطة السياسية والجغرافية كما يجب.

 

أليس كذلك؟ وإلا ما معنى أن تتوحد الرسائل وتتقاطع وتتواتر وتجتمع وتتشابك عند عنوان واحد مفاده «مستعدون لشن حرب نووية من أجل إسرائيل والنفط»، والذي بات مضمون كل التهديدات والاغراءات التي تصل الى مطابخ صناعة القرار في منطقتنا العربية والإسلامية.

 

رب قائل يقول، وماذا عن مساهمات الاستبداد والديكتاتورية والطغيان والوصاية وأحادية الحزب الواحد والقهر الإنساني هنا والقهر الطائفي هناك وطغيان الأكثرية العرقية هنا أو تجاهل التنوع الديني أو المذهبي أو القومي هناك… مساهمات كل هذه التظاهرات التي كانت ولا يزال بعضها متصلاً بوضعنا الراهن فيما آلت اليه أوضاعنا الراهنة؟ نقول: «إن ما يدعوننا اليه أو ما يسوقوننا اليه ما هو في الواقع إلا الوجه الآخر القبيح للعملة أو الصورة المشوهة لحقيقة ما يجب أن نكون عليه».

 

بمعنى آخر، فإن ما يخطط لنا هو: إما أن نأكلكم جميعاً أو نأكلكم فرادى! المهم أن نأكلكم! انظروا الى نوع الشروط المطروحة على كل طرف من أطراف المواجهة المعنية بشكل أو بآخر بمقولة النفط وإسرائيل: «الفلسطينيون ممنوع عليهم أن يستنجدوا بأبناء جلدتهم من العرب أو بأشقائهم المسلمين، ومن يتجرأ من العرب أو المسلمين من التضامن معهم فهو داعم للإرهاب ان لم يكن «المصرف المركزي للإرهاب». وما على الفلسطينيين إلا تسليم أوراقهم كافة الى من بيده «خريطة الطريق» ليقدم لهم فتات المساعدات الدولية. في حين أن إسرائيل يجب أن تكون بوابة العبور لكل من يريد الانتماء للحظيرة الدولية المتحررة.

 

والعرب ممنوع عليهم أن يتفهموا الطموح النووي الإيراني وإلا فإنهم سيتهمون بالمشاركة في «حرب لا سامية» تخطط لإبادة الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!

 

والإيرانيون ممنوع عليهم أن يخرجوا من حدودهم الجغرافية القومية أو أن يتدخلوا في ما لا يعنيهم في العراق أو لبنان أو سورية أو فلسطين، وخصوصاً الأخيرة، فهي من المحرمات التي يغفر ما دونها حتى النووي ان اردتم بشرط توقيع صك الاعتراف بالدولة العبرية، كما هو مضمون أكثر من رسالة غربية تصل باستمرار الى طهران مباشرة أو بالوساطة. إنه قانون الغلبة واختلال موازين القوى وسياسة الاجحاف المترافقة بكم هائل من الاذلال المتعمد. ومن لا يصدق القول إلا بالصور فليتأمل طويلاً بقصص التعذيب التي لا تنتهي فصولها في أبو غريب والبصرة و… غوانتانامو.

 

نعم، ليس هناك من عاقل واحد ينكر أن للأكراد حقوقاً يجب أن يستوفوها، وأن للسنّة حقوقاً يجب أن يستوفوها، وأن للشيعة حقوقاً أن يستوفوها وأن للتركمان وان للمسيحيين وأن… وأن للبنانيين طموحات استقلالية وسيادية، وأن للأفارقة من السودانيين حقوقاً، وأن للأمازيغيين من المغاربة حقوقاً وأن للأقباط حقوقاً وأن للأرمن حقوقاً، وأن… وأن لهذه الفئة أو تلك حقوقاً… ولكن ذلك كله لا يتحقق بتمزيق حقوق الآخرين ولا باشاعة حروب ابادة متبادلة ولا باستنهاض ما هو نائم من فتن. والأهم من كل هذا وذاك لا يتم من خلال توظيف هذه المشاعر المحقة والعادلة في برنامج حرب «الهويات القاتلة» والفتن المتنقلة من أجل إسرائيل والنفط واستراتيجية «أمن الطاقة» التي يقودها فريق المحافظين الجدد على أرض الشرق الأوسط الكبير!

 

(*) كاتب متخصص في شؤون الشرق الأوسط.

 

(المصدر: ملحق “تيارات” بصحيفة الحياة الصادرة يوم 5 مارس 2006)


 

وزيرة الثقافة البريطانية تنفصل عن زوجها بسبب تعاملاته المالية

بلير: الله هو الذي سيحاسبني على قرار حرب العراق

 

لندن: عمار الجندي

 

في عبارات فاجأت الكثيرين، قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير امس إن الله هو الذي سيحاسبه على قراره بإشراك بلاده في الغزو الى جانب الولايات المتحدة. وفيما انتقد بعض ذوي الجنود البريطانيين الذين لقوا مصرعهم في العراق حديثه عن للدين معتبرين انه يتهرب من «خطأ استراتيجي جر بلاده اليه»، اعتبر معلقون ان بلير انتهك قاعدة بريطانية ذهبية لأن مواطنيه عموماً «يرتابون في السياسيين الذين يتحدثون عن الدين». ودأب مساعدوه في الماضي على منع الإعلام من تسليط الضوء على ايمانه المسيحي.

 

وكان بلير قد قال في مقابلة في برنامج تلفزيوني رائج بثه تلفزيون «آي تي في» البريطاني مساء امس إن محاسبته على خطأ او صواب قراره بإرسال جنود بلاده الى العراق، هي في يد الله. واوضح «لو كان لديك ايمان بشأن هذه الاشياء، فإنك تدرك ان الحكم يصدره اناس آخرون (..) وإذا كنت تؤمن بالله فإن الله يقوم به (الحكم) ايضاً». واضاف، في معرض تبرير قراره، «حين تواجه قراراً من هذا النوع، وبعض هذه القرارات كان صعبا جداً جداً خصوصاً لانك تدرك ان حياة الآخرين… وفي بعض الحالات موتهم» يتوقف على الحكم الذي تصدره. وتابع «الطريقة الوحيدة التي يمكنك ان تتخذ فيها قراراً مثل هذا هو أن تحاول ان تقوم بالشيء الصحيح وفقاً لضميرك». غير ان معلقين اتهموه بـ«التستر» وراء الدين. ورأت المحللة الكاثوليكية كريتسينا أودوني ان ايمان بلير شبيه بإيمان الواعظين الاميركيين المتشددين الذين يجنون الملايين ممن «يمتهنون» الدين. كما غمزت في قناة القضية المثارة حول وزيرة الثقافة تيسا جويل المقربة منه والتي تواجه حملة بسبب تعاملات مالية لزوجها هي موضع تحقيق الآن، مع رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني. يُشار الى انه افيد امس ان جويل قد انفصلت عن زوجها بسبب هذه المشكلة. ويعتقد انها ابتعدت عنه في محاولة للبقاء في الوزارة.

 

إلى ذلك، اكد انصار بلير انه فقط اراد الحديث بصدق وشجاعة عن صعوبة اتخاذه قرار الحرب، كرجل يؤمن بالله ايماناً قوياً. وبلير معروف بمواظبته على الكنيسة وبتأثره سياسياً بالاشتراكية المسيحية التي تركت بصماتها على حزب العمال الجديد الذي طوره بالتعاون مع «متدين» آخر هو وزير المالية غوردون براون، وإيمانه عميق بمسيحيته البروتستانتية، علماً ان زوجته شيري كاثوليكية، موضع تندر أحياناً في الإعلام البريطاني كإحدى الوشائج التي تشده الى الرئيس الاميركي «المؤمن» جورج بوش.

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 5 مارس 2006)

 


أكد أن الظروف الدولية الراهنة تحيل كثيراً من آراء فقهاء أمس إلى “العناية”…

فدعق لـ”الحياة”: فقه المقاصد الخيار الأمثل لتجديد الفتوى وإنقاذها من الجمود

الرياض – مصطفى الأنصاري    

 

اعتبر أحد المهتمين بدراسة مقاصد الشريعة الإسلامية الداعية السعودي السيد عبدالله فدعق أن الظروف والمتغيرات الدولية الراهنة جعلت آراء بعض فقهاء المسلمين الماضية تحتاج إلى إعادة النظر.

 

ومع إقرار بأن العلماء المسلمين خلفوا ثروة فقهية يعتز بها سلفهم إلا أنه لفت إلى ملاحظة أن أولئك العلماء “بنوا بعض آرائهم على عرف تغير ومصالح تبدلت، فهناك – مثلاً – معاملات تجارية لم تكن مألوفة أو معروفة، وتحتاج لحلول فقهية نستقيها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم”.

 

 وفدعق يشير إلى ذلك تمهيداً إلى القول بأن “الرجوع إلى فقه مقاصد الشريعة الإسلامية واحد من أهم الآليات الكفيلة بإنقاذ الفقه من الجمود الذي يعتريه، وإحداث ثورة من التطوير والتجديد فيه”.

 

ويرى أن بنيان الفقه الإسلامي الذي تتعدد مدارسه أيضاً يجعل العودة إلى فقه المقاصد أمراً حتمياً إذا ما أريد إحداث التجديد الذي يجري الحديث عنه “فالفقه الاسلامي ينقسم إلى مذاهب مختلفة، وللفقهاء من كل مذهب طرائقهم في الاجتهاد والاستنباط، وهناك أهل الرأي وأهل الحديث، ولقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا الطريقتين في الاجتهاد، وحديث ( لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)، يعتبر خير مثال يوضح الفرق بين من تمسك بحرفية النص، وبين من تفهم القصد”.

 

وحول موقع المقاصد في السياسة والفقه في التاريخ الإسلامي، يعيد فدعق ذلك إلى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي وسمه بـ “عميد الفقه المقاصدي” والذي تلقاه وتوارثه عنه – كما يقول السيد عبدالله – “فقهاء المدينة السبعة، ومنهم إلى تلاميذهم، ثم إلى الإمام مالك، ولهذا اشتهر المذهب المالكي بتمسكه بالمقاصد”.

 

أما أولئك الذين كسبوا السبق في إطلاق “المقاصد” كمصطلح مستجد فكان أولهم “الإمام الحكيم الترمذي ثم تبعه الإمام الماتريدي، ثم الإمام القفال الشافعي الذي  تلاه من الشافعية أيضاً الإمام  الباقلاني، فالإمام الجويني ومن بعده الإمام الغزالي، ورفع بعد ذلك المتأخرون من المالكية مثل الإمام الشاطبي راية مقاصد الشريعة والإمام ابن عاشور وغيرهما مثل الإمام الشيخ شاه ولي الله الدهلوي”.

 

وإلحاح العناية بـ “فقه الشريعة” الذي يقصد به “فقه النصوص الشريعة الجزئية في ضوء مقاصد الشرع الكلية بحيث تدور الجزئيات حول محور الكليات، وترتبط الأحكام بمقاصدها الحقيقية ولا تنفصل عنها في نظر الداعية فدعق دعت إليه تطبيقات واقعية من بعض “من تعامل مع النصوص الجزئية بشكل حرفي ظاهري فتشبث بالنصوص وفهمها بمعزل عما قصد الشرع من ورائها، فأنكر تعليل الأحكام أو ربطها بأي حكمة أو مقصد، وأنكر القياس”.

بينما في المقابل هناك أيضاً – كما يقول – “من ادعى التجديد وزعم الاهتمام بروح الدين ومقاصد الشريعة ، وعطل في سبيل ذلك النصوص الجزئية للقرآن والسنة، وقال إن الدين جوهر لا شكل ، وحقيقة لا صورة ، وحرف الكلم عن مواضعه”.

 

وأضاف هاتان الدائرتان لا يخرج منهما “إلا من فقه النصوص الجزئية من دون معزل عن المقاصد الكلية، ورد الفروع إلى الأصول والجزئيات إلى الكليات والمتغيرات إلى الثوابت، واعتمد على النصوص القطعية، إذ أنه من دون المقاصد الكلية للشريعة أو المقاصد الجزئية للأحكام سيتوقف الفقه عن تلبية حاجات الناس وتحقيق مصالحهم”.

 

ولذلك فإن فدعق يرى واجباً “أن تدخل المقاصد الشرعية في تشريعات الناس اليومية، من السياسة حتى الأصغر منها، والمطلوب هو الاجتهاد المتجدد، وليس الاجتهاد الجديد، وكذلك استقلال العالم حتى يتسنى له القيام بدوره على الوجه التام، وألا يحيل من وثق به على فقه مذهب واحد، بل يقر بالصالح ويبطل الفاسد، ويسد الذرائع المذمومة وفتح الذرائع المحمودة، ويصيغ أحكامه وفق مقتضى العصر، لأن الأمر كلما ضاق اتسع، وعليه مراعاة أحوال الأمة وعدم الخروج على مقررات الشريعة الثابتة”.

 

يذكر أن مركزاً جديداً يعنى بدراسة مقاصد الشريعة الإسلامية أطلقته مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي أخيراً، ويضم في عضويته نخبة من أشهر كبار العلماء من السعودية وعدداً من البلدان الإسلامية.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 5 مارس 2006)

 


 

انتخابات وفتاوى.. الإسلاميون واللعبة الديمقراطية

ياسر الزعاترة (*) بين الانتخابات العراقية والفلسطينية والمصرية، وما سيتلوها من محطات انتخابية في هذا البلد العربي أو ذاك تتكاثر الفتاوى السياسية التي تختص بهذا الشأن، وهي في جوهرها تعبير عن الخلاف السياسي والآخر العقائدي حول مسألة المشاركة السياسية برمتها، وأقله المشاركة في اللعبة الديمقراطية ترشيحا وانتخابا. تابعنا في هذا السياق جملة من المواقف المتعلقة بالانتخابات العراقية، من بينها موقف زعيم القاعدة في بلاد الرافدين (أبو مصعب الزرقاوي)، كما تابعنا موقف أيمن الظواهري، الرجل الثاني في القاعدة، من الانتخابات عموما، والمصرية على وجه الخصوص، في حين سمعنا عن موقف أحد قادة حماس (الشيخ أحمد نمر) من مشاركة الحركة في الانتخابات التشريعية، ثم موقف حزب التحرير الذي ينشط من دون منع سياسي أو أمني في فلسطين، إذ أصدر الحزب كتيبا يحرم فيه الانتخابات، وبالطبع تبعا لموقف الحزب المعروف من الديمقراطية. وكنا قد تابعنا أيضا جدلا مغربيا ما زال مستمرا يتعلق بمواقف حركة العدل والإحسان من مشاركة الإسلاميين تحديدا “حزب العدالة والتنمية” في العملية الديمقراطية. ربما كان من الصعب تقسيم الإسلاميين إلى تيارات على هذا الصعيد، إذ تتبنى أطراف تتباين في رؤاها الفقهية والاعتقادية ذات الرأي حيال الانتخابات، فيما يحدث العكس أيضا، وفي العموم فإن الجدل لا بد أن ينطوي على تقدير موقف عام يجري تخريجه من خلال النصوص والاجتهادات الشرعية. يبدأ الخلاف بين الإسلاميين حول الانتخابات والديمقراطية من توصيف الوضع القائم، إلى جانب وسائل الخروج منه صوب الحلم الإسلامي المنشود، ففي حين يرى البعض أن الدول القائمة هي دول إسلامية، وأن ولاة الأمر فيها يستحقون السمع والطاعة ولا يجوز النصح لهم إلا بالسر (التيار السلفي التقليدي في السعودية، ومن يقولون إنهم على نهج الشيخ الألباني خارجها)، فإن عموم الآخرين من الإسلاميين بمن فيهم التيارات السلفية الأخرى الأوسع انتشارا والأكثر مصداقية لا يرون ذلك، ويعتقدون أن الوضع القائم ليس هو الذي يشكل الصيغة الإسلامية المأمولة من حيث شكل الحكم ومنهجيته وقوانينه المعمول بها. بالنسبة لمن يرون الرأي الأول يبدو واضحاً أن قدرا من الانتهازية السياسية ما زال يحكم موقفهم الفقهي قبل موقفهم السياسي، ذلك أن الشيخ الألباني لم يقل إن الوضع القائم هو الوضع الشرعي أو الأفضل، وإنما أشار إلى “استئناف الحياة الإسلامية” كواحد من أهداف دعوته، ما يعني أن الوضع القائم هو وضع مؤقت، حسب اعتقاده، لكنه ذهب في الآن نفسه إلى أن “من السياسة ترك السياسة”، وأن المرحلة الحالية تقتضي سلوك سبيل “التصفية والتربية”، أي أن الأولوية هي للتصفية (أي نشر العقيدة الصحيحة من وجهة نظره)، والتربية (أي تقريب الناس من منهج الإسلام), والنتيجة هي أن الرجل لا يختلف عن الآخرين في توصيفه للوضع القائم بأنه غير إسلامي أو غير إسلامي بما فيه الكفاية في أقل تقدير. ولا يعرف هنا ما رأي هذا التيار (لم يعد الألباني هو الموجه بعد موته، خاصة في المسائل السياسية) في مسألة الديمقراطية، أو لنقل الشورى، وما إذا كانت معلمة أو ملزمة، حسب ثنائية حزب التحرير، أو لنقل رأيه في قضية الانتخابات في الدولة الإسلامية القائمة ما دام ولي الأمر هو الذي أقرها. حتى الآن يميل من يلبسون عباءته (أعني الألباني) إلى القول برفض الديمقراطية وعدم جواز المشاركة فيها، وهنا تتبدى الانتهازية السياسية أيضا، إذ كيف يرفض مسار سياسي شرعه ولي الأمر، وهو مسار يتضمن تشكيل الأحزاب والمشاركة في الانتخابات، ثم كيف يقبل عقل أن يترك المجلس التشريعي للعلمانيين والشيوعيين ويغيب عنه الإسلاميون؟! يشار هنا إلى أن قول قادة هذا التيار بأن مراجعهم هم الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ بن عثيمين والشيخ الألباني لا يبدو مقنعا هنا، ليس لأن الأخير قد اعتبر “استئناف الحياة الإسلامية” هدفا نهائيا لدعوته، بل أيضا لأن الأول والثاني قد أجازا المشاركة في الانتخابات من قبل أحزاب إسلامية في الدول التي لا تحكم بالشريعة، وهي بنظرهما جميع الدول العربية والإسلامية ما عدا المملكة العربية السعودية. بالنسبة للآخرين يمكن القول إن مواقفهم من الأوضاع القائمة تتراوح بين الحكم عليها بالكفر والبطلان والجاهلية والنظر إليها بوصفها ليست إسلامية بما فيه الكفاية، وإنها في حاجة إلى إصلاحات بهذا القدر أو ذاك، ومن هنا تبدأ الخلافات حول سبل الإصلاح ووسائله. في هذا السياق تتبدى مفارقة الاتفاق بين حزب التحرير بمنهجيته الأقرب إلى الاعتزال منها إلى السلفية الحنبلية، والتيارات السلفية الجهادية والأقرب إلى الجهادية أو الرفضوية التي لم تحدد منهجا واضحا في التغيير، ففي الحالين ثمة اتفاق على كفر الأوضاع القائمة، ومن ثم الحاجة إلى الانقلاب عليها وصولا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. وفي كلا الحالين أيضا ثمة حديث عن الخلافة الإسلامية الراشدة كهدف بالغ الأهمية لا يمكن من دونه تحقيق العزة للإسلام والمسلمين. وفي حين يرى حزب التحرير أن النظام الديمقراطي كفر فإن السلفية الجهادية لا تختلف معه، إذ تراه نظاما كفريا أو شركيا لأنه يمنح حق التشريع لغير الله عز وجل، ولا يعرف بالطبع موقف الطرف الثاني من مسألة الشورى برمتها بعد إقامة الخلافة، وما إذا كانت ملزمة للحاكم كما يرى أكثر الإسلاميين أم أنها معلمة كما هو رأي حزب التحرير. بالنسبة للغالبية الساحقة من الإسلاميين في الساحة العربية والإسلامية، فإن الأوضاع القائمة في دولهم على تفاوتها ليست كافرة أو جاهلية، وإنما هي مجتمعات إسلامية أصابها التشوه من حيث المنهج والتشريع ما يقتضي إصلاحها وتقريبها من الرؤية الإسلامية. أي إننا إزاء حديث عن دولة إسلامية، أو دولة مدنية بمرجعية إسلامية تجري إقامتها من خلال الإصلاح والعمل السلمي بعيدا عن العنف. أما مسألة الخلافة فهي بالنسبة لهؤلاء حلم كبير ليس له صيغة محددة، بقدر ما هو شكل من أشكال ترتيب العلاقة الوحدوية المأمولة بين المسلمين. هذا الخلاف في توصيف الأوضاع القائمة ينسحب بالضرورة على سؤال التغيير أو الحل، وهنا تتبدى المفارقات الكبيرة بين الإسلاميين، أحزابا وتيارات. إذ توافقت معظم القوى الإسلامية، أحزابا كانت أم جمعيات أم حتى تيارات غير حزبية بالمعنى الحرفي للحزب على إمكانية خوض اللعبة الحزبية والانتخابية أو الديمقراطية ما دامت قد أتيحت وشرعت من قبل النظام الحاكم، وبالطبع من منطلق تقدير لا يقوم على قناعة بأن ذلك سيفضي ضمن الظروف الراهنة إلى إقامة النموذج الإسلامي المأمول، بل تبعا لقناعة بأنه المسار المتاح في ظل رفض العنف كسبيل للتغيير ليس له أفق للنجاح. والحال أن من العبث القول إن رفض مسار العنف أو الانقلاب قد قام ابتداء على رؤية شرعية بعدم الجواز، ذلك أن فتاوى الجواز بالنسبة لمسألة الخروج السلمي أو حتى المسلح على الحاكم الظالم فضلا عن الكافر ليست غريبة على الفقه الإسلامي، ويكفي أن يراها، بل يطبقها الإمام مالك والإمام أبو حنيفة في حالة الخليفة المنصور، تأكيدا على كونها خلافية، فضلاً عن قصة الحسين بن علي رضي الله عنه وسواه من الصحابة والتابعين. لقد قام منهج رفض العنف على رؤية القناعة بعدم جدواه، بل عبثيته في ظل الدولة الأمنية القائمة والمدعومة من الخارج، وهنا تحديدا جرى استدعاء أحاديث الفتن وحرمة دماء المسلمين إلى غير ذلك مما أسند هذه الرؤية، لكن الواقع هو الذي أفضى إلى هذه القناعة أكثر من أي شيء آخر. في هذا السياق ومن أجل الاقتراب أكثر من الرؤية الإسلامية لم يجد الإسلاميون مناصا من قبول التعددية دون أن يعولوا عليها في الوقت الراهن كمسار للتغيير الكامل، بل كمسار من أجل الإصلاح الجزئي والتدريجي إلى حين توفر ظروف تجعل التنافس حقيقيا وقادرا على منح التشريع الإسلامي فرصة التطبيق بحيث تتنافس القوى تحت لوائه من أجل خدمة الجماهير. إنها صيغة ما للتغيير المتدرج، فيما تترك مسألة تحديد شكل الحكم القائم بعدها للظروف والمعطيات المتوفرة حينذاك، مع تأكيد على أن التعددية لا بد منها، ولكن ضمن إطار من احترام الإسلام الذي لا يمكن إلا أن يتوفر في حال كان التنافس عادلا وليس خاضعا للعبة المال ومراكز القوى كما يحدث في الغرب. الديمقراطية أو التعددية ليست صيغة مقدسة لها نص واحد، بل هي نظام يقوم على مبدأ الرقابة الشعبية على الحاكم، ويمكن لأي دولة أو أمة أن تكورها بالطريقة التي تقترب من منهجها ورؤيتها الدينية. ومن هنا فإن إعلان القبول به ليس خروجا عن الشريعة أو اعتداء على حق الله عز وجل في التشريع، إذ من قال إن الأمة يمكن أن تجمع على باطل في حال توفر لها الأولياء المرشدون القادرون على تقديم الدين بصورته الصحيحة؟ في المقابل يبدو أن الأطراف الأخرى الرافضة لهذه العملية لا تقدم بديلا للتغيير، اللهم سوى انتظار الخليفة كما هو حال حزب التحرير، ولا ندري كيف يرفض الحزب الديمقراطية في الحالة الراهنة، مع أنها ليست إسلامية بالكامل، أي أنها جزء من الترقيع، حسب تعبيره، وهو ترقيع يبدو أن الحزب قد بدأ يمارسه في الآونة الأخيرة، بدليل المظاهرات التي سيرها في لبنان غير مرة، والنتيجة أنها ممارسة تشبه بناء المساجد وإغاثة الملهوفين، وهي قضايا لا يمكن أن تبقى معطلة في انتظار الخليفة. بوسع الحزب أن يأتي بالخليفة وليقرر بعد ذلك ما يشاء، مع أن تجارب الخلفاء في تاريخنا باستثناءات جد محدودة لم تقل إن الأمة كانت بخير واسع في عهودهم، وإذا لم تنشأ رقابة حقيقية على الحاكم من الشعب فإن المصائب ستقع على رؤوس الأمة من جديد، وكم منها وقع في تاريخنا بينما كان الخليفة على رأس عمله. من هنا يمكن القول إن الرافضين للانتخابات من زاوية شرعية لا يملكون منطقا متماسكا، أقله في مواجهة الأوضاع الراهنة، أما بعد الخلافة أو إقامة الدولة، حسب التعبير، فلكل حادث حديث، مع أن أحدا في الأمة لم يعد مقتنعا بتوفر خليفة راشد لا يحتاج رقابة شعبية على ممارساته. لقد بات واضحا بعد تجارب كثيرة أن آفاق الانقلاب والعنف المسلح من أجل التغيير قد غدت مسدودة بشكل كامل، أقله ضمن الظروف الراهنة، وعندما يضاف إلى ذلك تشريعات ديمقراطية، ولو في حدها الأدنى، فإن ترك الساحة للآخرين من العلمانيين والشيوعيين لا يبدو منطقيا. أما الرأي الآخر الذي يرفض السياسة ويتحدث عن “التصفية والتربية” فإنه يبدو معقولا لو ترك الآخرين وشأنهم يجاهدون لخدمة الإسلام بطريقتهم، أما أن يتخصص في مديح ولي الأمر وهجاء الأحزاب الإسلامية ورفض الانتخابات، والنتيجة ترك البرلمان لغير الإسلاميين، فإنه سيصب في خدمة أعداء الدين حتى لو ازدهرت بضاعته لبعض الوقت تبعا للتسهيلات التي تمنحها له الدولة من أجل مواجهة الإسلاميين الآخرين. يبقى الفريق القائل بعدم جدوى المشاركة في العملية الديمقراطية كمسار للتغيير الإسلامي المنشود في ظل الأوضاع الديمقراطية المشوهة القائمة، وهؤلاء لا يدخلون في السياق الآخر، إذ إنهم يتحدثون عن رأي سياسي وليس عن تحريم أو تحليل من الناحية الشرعية. في هذا السياق كان لافتا أن حديث الظواهري عن الانتخابات المصرية والعربية عموما كان سياسيا إلى حد كبير، خلافا لحديث الزرقاوي، مع أن جزءا من كلام هذا الأخير كان سياسياً حيث أشار إلى إجراء الانتخابات العراقية تحت الاحتلال، تماما كما هو حال الشيخ أحمد نمر الذي حرم المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لأنها تمت ضمن إطار اتفاق أوسلو المرفوض بسبب تنازله عن الثوابت الفلسطينية والعربية والإسلامية. من المؤكد أن لأصحاب هذا الرأي مصداقيتهم ودورهم، ذلك أن السعي إلى إصلاح العملية الديمقراطية من خارجها على نحو يتيح تكافؤ الفرص أمام الجميع، ولا يبقيها رهينة الأوضاع القائمة مع ديكورات معارضة بهذا القدر أو ذاك، هذا السعي هو جزء مهم من النضال من أجل التغيير، بل إن دوره ربما كان أكبر لو وجد قوى معتبرة تتبناه. في هذا السياق تبرز تجربة العدل والإحسان في المغرب، وهي تجربة يمكن أن تكون مفيدة في سياق الانتقال بالتجربة الديمقراطية نحو آفاق أوسع، مع أن الوصول بالديمقراطية العربية عموما نحو أفق يسمح بتنافس عادل وتداول حقيقي على السلطة ما زال مستبعدا في ظل الأوضاع الراهنة، رغم ما جرى في حالة حماس، لكن استمرار الضغط الذي قد يتزامن مع تغير في ميزان القوى ربما أفضى إلى شيء كهذا في وقت قد لا يكون بعيدا. بقي أن نقول إن خلاف الإسلاميين في ما بينهم حول وسائل التغيير يمكن أن يكون إيجابيا لو أدير الخلاف على نحو يتجنب التكفير، في ذات الوقت الذي يرفض فيه كل طرف مبدأ استخدامه ضد الطرف الآخر بما يعيق عمل الجميع ويصب في خدمة أعداء الإسلام والمسلمين. (*) كاتب فلسطيني (المصدر: ركن المعرفة بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 1 مارس 2006) 

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

24 février 2007

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 7 ème année, N° 2469 du 24.02.2007  archives : www.tunisnews.net Malek Khdhraoui: Encore un cas

En savoir plus +

12 août 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 7 ème année, N° 2273 du 12.08.2006  archives : www.tunisnews.net La Tunisie fête le cinquantenaire

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.