الأحد، 13 مايو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2546 du 13.05.2007
 archives : www.tunisnews.net


جمعية الصحافيين التونسيين: بيـــان

أقلام أون لاين: حوارات وراء القضبان –  مع السجين السياسي السابق أحمد الذهيبي

لطفي العمدوني: المراقبة الإدارية.. الجنون.. والموت اليومي المستمر

المنصف بن سالم: “كلمة للتاريخ”

محمد العماري: كلمة إلى الدكتور الهاشمي الحامدي – طريق المصالحة يمر عبر المصارحة

محمّد بن نصر: هل عملية الإصلاح خطيئة؟

عبدالحميد العدّاسي: هل الإصلاح يكون بالخطيئة

د.خــالد الطـراولي: مأزق المعارضة التونسية.. كلمات على الهواء

صــابر التونسي: عبد الله الزواري جبل راسي

رسالة من عبد الكريم الهاروني إلى والديه

د. محمد الهاشمي الحامدي: من أحوال الكفر والنفاق في القرآن الكريم

د. رجاء بن سلامة: الإرهاب والانتماء والنّقد المزدوج

توفيق المديني: انتخابات رئاسية وبرلمانية لم تقنع الداخل ولا الخارج …الديموقراطية النيجيرية فوق صفيح الفساد والصراعات العرقية… والعسكر

رضوان السيد: تركيا والإسلاميون والغُربة الغربية

القدس العربي: ليبيون في لندن يحذرون من مصير 12 معتقلا رغبوا بتنظيم تظاهرة سلمية بطرابلس

الجزيرة.نت: “المرأة التي لا تُـقـاوم” يثير غضب الاشتراكيين بفرنسا 


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


جمعية الصحافيين التونسيين

 

تونس في 10 ماي 2007

 

بيـــان

 

تعبّـر جمعية الصحافيين التونسيين عـن أسفها الشديد لتواصل احتجـاز الزميل البريطاني “آلآن جونستون” الصحفي بهيئـة البي بي سي، الذي تعرض للاختطاف يوم 12 مارس 2007 في قطاع غزة. وتجدد الجمعية دعوتها لإطلاق سراحه مؤكدة رفضها لاستهداف الصحفيين من قبل أيّـة جهة كانت، ولأيّ سبب كـان.

 

وإذ تحيّـي جمعية الصحافيين التونسيين كفاح الشعب الفلسطيني من أجل التحرر واسترجاع حقوقه الوطنية المسلوبة وتدعمه، فهي تندد بالإرهاب بكل أشكاله، وترى في اختطاف الزميل “آلآن جونستون” من قبـل جماعة مسلحة عملا إرهابيا مشينا يضر بسمعة النضال الوطني الفلسطيني وبنبل القضية الفلسطينية.

 

فـآلآن جونستون الذي بدأ عمله الصحفي في قطاع غــزة منذ أفريل 2004، رفض مغادرة القطاع في أحلك ظروف العدوان الإسرائيلي التزاما منه بأداء واجبه الإعلامي. ووفّـر للعالم بالصوت والصورة شواهد بليغة على معاناة الشعب الفلسطيني جلبت له تعاطف الرأي العام الدولي ومساندته.

وقد سبق لجمعية الصحافيين التونسيين أن دعت في إطار اتحاد الصحفيين العرب وبالتنسيق مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى التدخل لإطلاق سراح الزميل المختطف. وتستغل هذه المناسبة لتدعو كل النقابات الصحفية في العالم إلى توجيه رسالة موحدة للخاطفين تطالبهم فيها بإطلاق ســراح “آلآن جونستون” وعدم استهداف الصحفيين.

 

كما تدعو جمعية الصحافيين التونسيين كافـة وسائل الإعلام في العالم إلى فرض حـظر على الجماعات التي تستهدف الصحفيين حتى لا تتخذ من جرائمها تلك وسيلة للظهور الإعلامي ولتمرير مواقفها السياسية.

الحريّـة لآلان جونستون.. عاش التضامن العالمي بين الصحفيين…

 

عن الهيئـة المديـرة

الرئيـس

فـوزي بوزيّـان


 

حوارات وراء القضبان مع السجين السياسي السابق أحمد الذهيبي

 
هو كاتب عام نقابة أساسية للتعليم الابتدائي بمارث، كما انه من المبادرين بتكوين ” جمعية أحباء المكتبة والكتاب بمارث” التي لم تمكن من الترخيص الإداري لمباشرة نشاطها رغم تواجد عدة عناصر تجمعية ضمن هيئتها التأسيسية، وقد تقدم المبادرون بمطلبين في الغرض، أحدهما قبل 7 نوفمبر 1987 وثانيهما بعده، وكان مال المحاولتين واحد. وهو من المبادرين أيضا بتأسيس ” جمعية قدماء المدرسة الابتدائية بدخيلة توجان” التي لم يرخص لها في النشاط كذلك رغم وجود ثلاثة عناصر من اللجنة المركزية للتجمع وأعضاء من جامعة مارث لنفس الحزب ورؤساء شعب تجمعية ضمن هيئتها التأسيسية، وعضو لجنة” مهرجان المرقوم بدخيلة توجان” في دورة 1989، عضو لجنة ثقافية محلية بدخيلة توجان في88 ـ 89. أما نشاطه الحزبي فنكتفي بذكر أنه كان عضو مجلس جزء دار المعلمين العليا بتونس سنة 81 ـ 82 وعضو مكتب الدراسات بمنطقة قابس من 83 ـ 86 وضمن القائمين على مشروع الاولويات في نفس المنطقة، وعضو مجلس جهة مارث منذ سنة 1986.  ملاحظة: هذا الحوار أنجز أواخر شهر أوت 2004  وفي ما يلي نص الحوار الذي أجراه عبد الله الزواري: 1)    هل دار بخلدك يوما أنك قد تكون وراء القضبان؟ بل كنت متـأكدا من أني سأكون من نزلائه منذ بداية مشواري في العمل السياسي لان القناعة قد استقرت بان النظام الذي أواجهه نظام دكتاتوري واستبدادي من أشرس طراز وأردئه، لايمكن أن يقبل أي منافسة جدية وأي احتكام نزيه لصندوق الاقتراع، لأن مثل هذا الاحتكام مؤذن بضرب كل المصالح الشخصية لقياداته والمتمعشين الذين يدورون في فلكه، ولأن إسناد الأمر إلى أبناء الشعب والغيورين عليه وإلى الوطنيين الصادقين والمخلصين الذين ارتفعوا شهداء في حوادث 9 أفريل 1938 مطالبين ببرلمان تونسي وقبل ذلك التاريخ مثل أحداث الجلاز والتراموي وبعده والذين قضوا في أحداث الخبز 1984 وفي إضرابات ديسمبر 1977وجانفي 1978… وكيف لا يخطر ببالي دخول السجن ، وهامش الحريات يزداد ضمورا وتقلصا مع رجال سبعة نوفمبر رغم كونهم امتدادا طبيعيا للنظام السابق بل ترسيخ له مع تراجع جلي في أبرز مكاسب الحقبة البورقيبية ومفاخرها، مثل هامش الحريات الذي كان متاحا، فأين تلك الصحف التي نشطت الحياة السياسية وكانت متنفسا لكل احتقان سياسي وكانت تنشر وتتابع أنشطة كل المكونات السياسية للمجتمع على اختلاف تصوراتها ومنطلقاتها، أين جريدة الرأي   والمغرب العربي والمجتمع والمستقبل والمعرفة وغيرها؟ أليس من المضحكات المبكيات أن تكون الأحزاب السياسية قادرة قبل عشرين سياسية على إصدار صحفها رغم الإيقافات المتعددة والخطايا المالية التي يحكم بها عليها ثم تصبح عاجزة عن فعل ذلك في عهد التغيير والحال أن لها نواب في البرلمان وتتمتع بمنحة بعشرات الآلاف من الدنانير ومساعدات أخرى مختلفة تشجيعا لها على إصدار صحفها أو القيام بدورها في مسرحية الديمقراطية وحرية الإعلام في العهد السعيد، بل إن الصحف اليومية لم تكن تتردد في نشر بيانات الحركات المختلفة المتواجدة على الساحة بقطع النظر عن قانونيتها من عدمها. هذا بالنسبة للإعلام، كما وقع ضرب بعض المكاسب النقابية مثل حق الاجتماع في مواقع العمل بل وقعت محاولة تدجين الإتحاد، وهو من أبرز مفاخر الشعب التونسي، وكان النجاح في ذلك إلى حد بعيد بفعل تواطأ بعض قياداته، فرغم تدهور المقدرة الشرائية للمواطن وارتفاع المعيشة واستفحال ظاهرة الطرد التعسفي نتيجة لسياسات الخوصصة والتأهيل… فإن عملية إحصائية بسيطة قد تثبت إن عدد الإضرابات التي شنها العمال منذ “التغيير”إلى الآن لا يتجاوز عدد الإضرابات التي كان يشنها العمال في سنة واحدة قبل ذلك التاريخ، ومغالط لنفسه ولغيره من يزعم أن مرد ذلك راجع إلى التفاعل الإيجابي بين الأعراف والسلطة من جهة والكادحين من جهة أخرى، ولعله من نافلة القول هنا الإشارة إلى أن حرية الصحافة أصبحت مقتصرة بل إن حق التونسي في الإعلام اختزل في إعلامه عن التراجع عن الإضراب أو في أحسن الحالات في إعلامه عنه بعد وقوعه، مع فسح المجال لسلطة الإشراف فسيحا لتشويهه وتشويه المضربين وقلة المنخرطين فيه، وإن كلفت وسائل الإعلام العمومية أو الرسمية مشقة تغطية أنشطة الإتحاد فإن ذلك يقتصر على إحياء المناسبات( اغتيال حشاد…) أو بعض استقبالات تجديد الولاء، أما الهيئات الإدارية الساخنة وتجمعات ساحة محمد علي…. فلا يجدر بالتونسي الإطلاع عليها. وانظر كذلك إلى مجانية التعليم وإجباريته… 2 ) الصورة التي كانت منطبعة في ذهنك عن السجن: هل وجدت في الواقع ألسجني ما يرسخها أو ما يناقضها؟ كنت أحسب إنه سيكون أفضل مما هو عليه لأن الذين عاشوا تجربة السجن في العهد السابق وبقطع النظر عن خلفياتهم الفكرية من ماركسيين أو قوميين أو إسلاميين تحدثوا عن ظروف إقامة ومعاملة أحسن مما عايشنا الآن بكثير وأستطيع أن أقول إن ذلك التراجع أو بالأحرى ذلك التردي إنما هو متوافق مع ما شهدته البلاد عموما بعد 7/11 من ترد وتدهور في العمل السياسي وفي مجال الحريات وحقوق الإنسان جملة وتفصيلا، مع التأكيد هنا على أن هذا الكلام لا يعد تزكية للنظام في نسخته الأولى لكن المقارنة بين النسختين تبرز أن النسخة الأولى أقل سوءا وفظاعة من الثانية. كما أستطيع أن أسحب ما يقال عن السجن  والمعاملة فيه وظروف الإقامة على ما يقع في مراكز الإيقاف… وقد كانت لي تجربة أولى حين أوقفت في شتاء1981( يوم الأربعاء 18 جانفي تحديدا) إثر الأحداث التلمذية والطالبية التي عمت البلاد ورغم انتقالي من فرقة إلى أخرى ( الفرقة السابعة – أمن الدولة – فرقة العمران) فلا وجه للمقارنة بين أساليب التحقيق التي كانت مستعملة آنذاك مع ما حد ث في التسعينات.    ولا بد هنا من الإشارة إلى أن شأن السجون كان أفضل بكثير مما هي عليه الآن رغم عدم وجود نصوص قانونية تنظم حياة السجين داخلها وتثبت حقوقه وواجباته… وهذا ما يؤكد أن تلك النصوص إنما وجدت للديكور والدعاية لا غير… 3)    السجون بين ما تسمعه في الإعلام الرسمي والواقع ؟ “شتان بين الثرى والثريا” واستئناسا بالمثل الشعبي الذي يقول”كل حلاف كذاب” فإني أضيف أن كل من يكثر الحديث في موضوع ما بمناسبة وبغير مناسبة فإنه يعلم أن المستمعين غير مصدقين له لكن شأن الإعلام شأن عظيم في قلب الحقائق وتزيين البشائع، ألم يقل أجدادنا” كلمة الصباح وكلمة العشية ترد المسلمة يهودية” 4)    هل تشعر انك أهنت في مرة من المرات؟ الإهانة هي الخبز اليومي للسجين والإذلال هو الماء الأجاج الذي يجرعه السجين كل حين، وأجزم أن أي سجين في تونس مهما كانت قضيته ومهما علا شأنه يكون كاذبا إن زعم أنه لم يتعرض للإهانة     و الإذلال، ويكفي أن نعلم أن تلفزتنا الموقرة لم تجد في الأربعين ألف سجين الذين يملؤون سجون التغيير من يمكن الاطمئنان إلى محاورته في ملف تلفزي غير شاب تونسي قضى كامل عقوبته في السجون الفرنسية( نعم الفرنسية) حيث لا مجال للمقارنة بين السجون هنا والسجون هناك ولا بين السجانين هنا والسجانين هناك… ومن مظاهر الإهانة   ما يقع في مختلف السجون من تجريد السجين من ثيابه كلها قبل مقابلة المحامي وبعدها رغم أن هذه المقابلة تقع تحت المراقبة اليقظة للأعوان، كما يتم نفس الشيء قبل الذهاب إلى المحكمة وبعدها وقبل زيارة العائلة وبعدها رغم وجود حاجزين يفصلان بين السجين وذويه، ألا يعتبر الخضوع إلى هذا الإجراء البشع المعروف ب”طبس كح ” وحرص الإدارة على ممارسته نهاية الإذلال والإهانة؟ 5) ألا يوجد في السجن ما نال إعجابك أو أثار حفيظتك؟ إن كان معنى الإعجاب هو الاستحسان فلا شيء يستحسن داخل السجن حتى وجود العدو فيه، وإن كان الإعجاب من الغرابة فالغرائب كثيرة مثل أنواع العقوبات وأسبابها وأنواع العلاقات بين النزلاء بعضهم بعضا وبين النزلاء والسجانين…فالعلاقة بين المساجين مؤسسة على المصلحة الآنية لا غير، لذلك قد يقع الانقلاب عليها في أي وقت ولأتفه الأسباب، ويعلل ذلك بخصوصية السجن الذي تقتضي، حسب هؤلاء، تصرفات لا تخضع لا للمنطق ولا للمبادئ ولا للقيم ولا حتى الشهامة ولا حديث هنا عن الشرائع…ومن الصنف الثاني فإن العون في العموم لا يتردد في ابتزاز السجين ليقدم له أي خدمة، ولا غرابة أن يسمح بعضهم لنفسه أن يختلس من قفة السجين أو حتى من الوجبة الني تقدم إليه خصوصا عندما تكون “مزهمة” أي فيها شيء من اللحم أو السمك… ويكفي أن أذكر هنا من اشتهر باسم كسكروت وآخر بملوخية وآخر ببسيسة… وحدث في هذا المجال ولا حرج عن ابتزاز المديرين للمساجين وكمثال على ذلك سليم غنية الذي أوهم سجينا بإدراج اسمه في قائمة التأهيل مقابل 2000 دينار، ولعل مدير السجن الذي وافاه الأجل سجينا يمثل النموذج لمديري السجون في بلادنا، ولو سئل هؤلاء ذلك السؤال الخالد” من أين لك هذا” لأدين الكثير منهم. 6) ما هي أقسى اللحظات عليك في السجن؟ أقسى اللحظات فيه هي وقت التعداد لأنه دليل كاف على استحالة ألذات البشرية إلى مجرد رقم ولعل مقارنة بسيطة بين الراعي الذي يتفقد أغنامه أو أبقاره وبين العون الذي يقوم بعملية التعداد تبرز مدى فقدان الآدمي لكرامته، فالراعي يتفقد أبقاره وقبل أن بغلق عليها الإصطبل تراه يتثبت من جوعها وعطشها ومرضها أو شبعها وارتوائها وصحتها، كما يتثبت من نظافة الإصطبل وحرارته، ولا شك أبدا أنه لن يغادر المكان حتى يطمئن على حالها ويتدارك النقص إن كان هناك، أما العون فإنه يعتبر مجرد توفر العدد المطلوب كافيا ليرجع إلى بيته مرتاح الضمير خالي البال وإن ترك المساجين جياعا عطاشى مرضى…. 7) ما هي أبرز الظواهر السلبية في الحياة السجنية؟ أبرزها الشذوذ الجنسي ولعل التراتيب السجنية الحالية هي التي تعمل على تكريس هذه الظاهرة المرضية، مثل عدم وجود غرفة خاصة بالشواذ في كل السجون( باستثناء سجن العاصمة وسجن الهوارب)، الاكتظاظ المهول في كل السجون وما اصطلح عليه “بالنوم في الاثنين” أو “النوم راس وذنب”في فراش فردي واحد، عدم التصنيف الصارم للمساجين، تكليف من اشتهر بهذه الممارسة بمهام داخل السجن (مثل ناظر غرفة وناظر الدوش) وهو ما ييسر لهم ابتزاز المساجين والاعتداء عليهم…   وبذلك تستقر الحلقة المرعبة لهذا المرض، فإن المساجين كبار السن والمعيدين منهم يستغلون عوامل مختلفة ( تجربتهم السجنية، معرفتهم بالأعوان، صيتهم وغطرستهم…) لابتزاز صغار المساجين       والمبتدئين منهم والاعتداء عليهم وما يلبث هؤلاء أن يعتدوا على الأصغر منهم وهكذا دواليك…     وهنا تجدر الإشارة إلى كثرة الجعجعة عن حقوق الإنسان عموما وحقوق السجين خصوصا مع تجاهل جلي لأبرز الحاجات البشرية وهي غريزة الجنس وهي مكبوتة تماما في إطار القانون مما فسح المجال واسعا لتصريفها في الممارسات الشاذة مثل العلاقات المثلية والاستمناء والفحش اللغوي… ورغم أن دولا عربية وإسلامية، نحسب أنفسنا أفضل منها في هذا المجال، مثل ليبيا والسعودية وإيران قد أقرت تمكين السجين من إشباع هذه الغريزة الإنسانية بالسماح بالزيارات العائلية كما أقرت دول أخرى غرف الحب في سجونها حيث تزور الزوجة زوجها ويمكنان من الاختلاء ببعضهما لمدة معينة…      وإن كان ذلك لا يعتبر حقا أو حاجة للسجين في المقاربة التونسية أفلا يكون من حقوق الزوجة(المرأة) إشباع تلك الحاجة مع زوجها السجين أم نشجعها على إشباعها على الأرصفة وفي أوكار البغاء… وليعلم من لا بعلم أنه يوجد في بلادنا من لم يلمس يد زوجته منذ أكثر من عشرين سنة وتقع الزيارة تحت سمع الأعوان وبصرهم، يراقبون كل الحركات والإشارات ويستمعون إلى كل الكلمات رغم وجود حاجزين يفصلان السجين عن زواره وفي ذلك ما فيه من تجريد للسجين من أبسط ما تبقى له من إنسانية متمثلة في المشاعر الحميمية والتعبير عنها لزوجته… ومع ذلك وبكل وقاحة يتحدث قانون السجون عن المحافظة على الروابط العائلية… 8) هل تمكنت من تنمية قدراتك المهنية أو العلمية طيلة إقامتك في السجن؟ لا أبدا. بل القدرات العلمية والمهنية قد تراجعت وتقلصت بفعل عملية التجهيل المطبقة بحزم حيث حرمت الإدارة كل الكتب العلمية والأدبية والمدرسية بل إن المصاحف في حد ذاتها ممنوعة، وهذا لم يقع في أي بلد في العالم، هل سمعت أن نظام حكم منع الكتاب المقدس عن السجناء في بلده؟ أنا شخصيا انتزع مني مصحفي يوم 30 أفريل 1994 بالقصرين تحت إدارة سليمان حسنون ولم أتحصل على مصحف آخر إلا بعد إضراب عن الطعام دام تسعة أيام وكان ذلك في جوان 1995 بسجن برج الرومي تحت إدارة بلحسن الكيلاني، فقد بعثت لي عائلتي مصحفا في طرد بريدي لكن الإدارة رفضت تسليمه لي فاضطررت إلى الإضراب، كما أني لم أتحصل إلى حد الآن على مصحفي الذي حجز في القصرين رغم مطالبتي به مرارا وتكرارا، لكن لا حياة لمن تنادي، علما كذلك بأنه لم يوضع ضمن أشيائي المؤمنة لدى الإدارة، ومن المضحكات المبكيات أنه في بلد يرفع ساسته شعار التعليم مدى الحياة ومجتمع المعرفة   والجامعة المفتوحة والجامعة الافتراضية وفتح الأفاق وهلم جرا من هذه الشعارات الجوفاء أجد نفسي مضطرا إلى شن إضراب جوع تواصل أربعين يوما(من يوم 10نوفمبر 2000 إلى يوم 20 ديسمبر2000) من أجل الحصول على كتاب مدرسي في مادة الإنكليزية، وهذا غيض من فيض… 9) ألآن وقد عرفت السجن وقضيت به ربيع عمرك وزهرة شبابك هل يمكنك أن تعود إليه؟ ما دام هذا النظام قائما فالعودة إليه واردة في كل حين لأني لن أتخلى عن معركة الإنعتاق والحرية التي انطلقت منذ زمان، كما لا يمكنني أن ألعب دور بيدق لا مشيئة له، ولا يمكنني أن أجامل على حساب المبادئ الخالدة لديننا مثل حق التعبير والتنظم والتعليم والصحة والعمل…ودعنا نتحدث بصراحة أكبر، ألا يعتبر الشعب التونسي كله سجينا مع تأجيل التنفيذ، فأهل السياسة أمام خيارات ثلاث لا رابع لها، أولها: السير في ركاب النظام وتزكية خياراته مهما كانت( الاستفتاء الدستوري أكبر دليل على ذلك…)، ثانيها: الهجرة، وثالثها السجن، انظر ماذا حصل للتليلي ومواعدة والسحباني وهم الذين أيدوا النظام الحاكم طويلا بل منهم من نفذ سياساته، وما كان للنظام أن يحقق ما حقق بدونهم ومع ذلك لم يشفع لهم ذلك “فشرفوا” بالسجن المدني، ولا غرابة بعد ذلك أن يسجن المرزوقي وقسيلة           والشماري ، ولم يتردد بعض هؤلاء عن التعبير عن ندمهم على مباركتهم ضرب حركة النهضة لأنهم أدركوا أن النظام قد قدم لهم ما قدم من أجل حشد التأييد على ضرب حركة النهضة ومحاصرتها لا غير من أجل التخلص من خصم سياسي جدي وعنيد والاستفراد بعدها بالساحة ولذلك وبمجرد أن حقق هدفه قلب لهم ظهر المجن، ولعل الأيام القادمة تأتينا بأسماء جديدة. أما المواطن العادي، أي العياش، فهو تحت وطأة الكمبيالات والصكوك المؤجلة والأقساط المخصومة مباشرة من مرتبه بحيث يكون مجبرا على الاشتغال بأعمال ثانوية في أوقات الفراغ وأيام العطل… أو الانزلاق، إن كان في موقع يسمح له بذلك، إلى الارتشاء…عساه يستطيع الوفاء بما في ذمته من ديون متخلدة، وكل نشاط سياسي غير مرضي عنه يعرض صاحبه إلى ما لا تحمد عقباه، هذا إن لم تدفعه حاجته إلى الانخراط في لجان اليقظة أو خلايا التجمع لا حبا فيه ولا اقتناعا بأفكاره إنما بحثا عن نوع من الحصانة من شأنها أن تحميه من التتبع العدلي عند ممارسة بعض الأنشطة الممنوعة قانونا… 10) هل حظيت بأي إحاطة من الإدارة أو من إحدى مصالحها طيلة هذه المدة؟ لا توجد أية إحاطة، بل كان السعي دؤوبا في سنوات 1992 ـ 1995 على الأقل لتأبيد المكث بالسجن أطول مدة ممكنة، لذلك حرم الإسلاميون من إجراءات العفو لسنوات طويلة ولا زالت نفس الممارسة متواصلة بصيغ أخرى مما أدى ببعض أخواننا إلى رفض العفو الصادر لفائدتهم، فالمحكوم عليهم بالمؤبد كانت تحط أحكامهم إلى عشرين سنة في أول عفو يسند إليهم، أما الإسلاميون فتحط أحكامهم إلى ثلاثين سنة. ولا عجب كذلك أن نجد كثيرا من المساجين يقضون مدة عقوبتهم كاملة وأنه لمن المهازل أن يتمتع أحدهم بالعفو عن بضعة أيام وهو المحكوم بأكثر من عشر سنوات، بل أن أحد شهدائنا أسند له العفو وهو في حالة موت سريري، وكأن الإدارة تريد تحميل عائلته مصاريف نقلته من مستشفى سهلول إلى بيته في حي التضامن… 11) هل وقع إطلاعك على قانون السجون؟ وهل تمتعت بما ورد فيه من حقوق؟ لم يقع إطلاعي على أي قانون أو حقوق أو تراتيب، بل اطلعت عليها عرضا عندما كان يفرض علينا اشتراء مجلة الأمل عند التزود من مغازة السجن وكان ضمن أحد أعدادها سنة 1993 كتاب ضم جملة القوانين المتعلقة بالسجون والإيقاف التحفظي.. وعمليا فإن التراتيب يضعها ناظر الغرفة ويبلغها للمساجين بتزكية من المشرف على الجناح ومباركته… اما إجراءات التأديب فكثيرة وتجنبا للإطالة فإني اذكر بعضها فقط: إثر تبادلي الحديث مع سجين حق عام أصيل غار الدماء في غرفة 1 جناح     ـ أ ـ وكان تبادل الحديث ممنوعا، وقعت نقلتي إلى غرفة 2 من نفس الجناح الذي كان يشرف عليه بوبكر الدريدي الذي أصدر تعليماته بمنع محادثتي ومآكلتي من قبل جميع المساجين بما فيهم سجناء الرأي كما حرمني من الفراش، وكان ذلك في ديسمبر 1993، فدخلت في إضراب عن الطعام، وعند تفطن الإدارة لذلك وقع إيداعي بالسجن المضيق بعد تعنيفي رغم أني طالبت بتسوية وضعيتي عدة مرات، ولم أتمكن من مقابلة المدير، وفي اليوم التاسع من الإضراب أرجعوني إلى الغرفة وأعلمني الناظر أنه بإمكاني تناول الطعام مع أحد السجناء الرأي، وتبين بعد ذلك أن كل سجناء الرأي أصبحوا يأكلون أزواجا بحيث بقيت أكل بمفردي لأن عددنا كان فرديا،  ومكثت كذلك إلى أن قدم معاقب جديد وهو فريد الخد يمي وأصبحنا نأكل معا. وبالمناسبة أجد من المفيد الحديث عن عقوبة أخرى لأن أسبابها غريبة وعجيبة والعقوبة أغرب وأعجب، كان المدير سيء الذكر سليم غنية يستعد لاستقبال رشيد إدريس في إطار زيارة ” فجئية”، ذلك الفضل العظيم الذي امتن به على رئيس هذه الجمعية دون غيرها، وسعيا لتجنب كل مفاجأة غير سارة وكل ما من شأنه أن ينغص هذه الزيارة وكل من يمكن أن يفضح تجاوزاته وممارساته أللإنسانية، عمد مدير السجن، بالتنسيق مع القاضي عبدالستار بنور المدير العام للسجون والإصلاح، إلى نقلة بعض المساجين، نقلة وقتية إلى سجن قابس ( محيي الدين الفرجاني ووحيد السرايري )، حيث مكثا هناك أسبوعا واحدا ثم أعيدا إلى سجن المهدية، ولمزيد إحكام سير هذه الزيارة، تفتقت قريحة المدير على حيلة أخرى تتمثل في إخراج أربعة مساجين ووضعهم في سيارة السجن بدعوى حملهم إلى المستشفى دون أي داع صحي ومكثت السيارة تتجول في طرقات مدينة المهدية وضواحيها إلى أن انتهت الزيارة الفجئية الميمونة، وقبل ذلك بيومين (يوم الخميس) قابل المدير كل مساجين الصبغة الخاصة، أي سجناء الرأي، وحل بعض الإشكاليات العالقة منذ أشهر،      ومكنهم من طرودهم البريدية ومحجوزاتهم، ورفع بعض التضييقات مثل منعهم دون غيرهم من ممارسة الرياضة، واستمرت المقابلات إلى ساعة متأخرة من الليل وهو الذي كان برفض مقابلة أي سجين منهم، وفي حديثي معه اختلفنا… فما كان منه إلا أن عنفني في مكتبه. و في صبيحة يوم الجمعة، نقلني من غرفة 6 إلى غرفة ” الشباب” بالمصحة، التي أخليت منهم بالمناسبة، وهذه غرفة معزولة تماما لا يمكن أن يتفطن لها الزائر، كما نقل إليها سبعا آخرين من سجناء الرأي، أذكر من بينهم الأسعد ط. وهشام ب. وحاتم بن ر.، وذلك في محاولة منه لإبعادنا، قدر المستطاع، عن المسلك الذي يمكن أن يسلكه رشيد إدريس في زيارته “الفجئية”، لكن المدير لم يهدأ بالا مع ذلك، فقرر إخراج أربعة منا في سيارة السجن قبل حلول رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان، لنمكث داخلها وهي تتجول بنا في شوارع مدينة المهدية وضواحيها إلى أن تمت الزيارة، ثم أعادونا إلى السجن بعد قضاء حاجتهم، وقد تعللوا عند إخراجنا بالذهاب إلى المستشفى رغم انعدام أي سبب لذلك، وعند عودتنا من “جولتنا” القسرية في المهدية، أرجعونا إلى الغرف التي كنا بها قبل تجميعنا في بيت ” الشباب”، لكن مع حرماننا جميعا من فرشنا، فرفضنا هذا التعسف، فوقع إيداعنا بالسجن المضيق، وتداهمنا الحراسة الليلية وتقيد أيدينا وبدأت تعنيفنا واحدا واحدا لإجبارنا على قبول الإقامة في تلك الغرف دون أسرة، فكان لهم ما أرادوا بفعل الهراوات والسياط والأغلال، وكان المدير نفسه مشرفا على عملية التعنيف، وباشرها الوكيل صدقي ب. وأعوانه، وكان ذلك عند غروب الشمس من نفس اليوم الذي أدى رشيد إدريس زيارته، وهو يوم الأحد 29 ديسمبر 1997، علما بأن “الملوخية” طبخت لأول مرة يومها. وفي هذه الغرفة (6) بدأت إضرابي عن الطعام دون الإعلام عنه، وفي اليوم الخامس منه، وكنا في شهر رمضان، وأثناء مشاهدة المساجين للكاميرا الخفية، تناولت خليطا متركبا من كيس اومو (350غرام) وكيس صغير من السعوط ( نفة) و4 علب كبريت(الجزء القابل للاشتعال)….وحملت إلى المستشفى الجامعي بالمهدية حيث أقمت به يومين لتنظيف المعدة والمثانة، أعادوني بعدها مباشرة إلى السيلون، ومكثت به خمسا وعشرين يوما دون مثول أمام لجنة التأديب، ولم أخرج منه إلا بمناسبة عيد الفطر،     وقد تظاهر المدير بتجاهل أمري تماما، ونقلني إلى غرفة19، وهي غرفة تعرفها جيدا، لكن مع الفراش هذه المرة… 12) متى مكنت من فراش فردي؟ ومتى عرضت على الفحص الطبي؟ ومتى زارتك عائلتك أول مرة؟ مكنت من فراش فردي بعد عام وثمانية أشهر، فقد سجنت في أفريل/……1991 وجاء دوري في الحصول على فراش في ديسمبر/… 1992، أما ما يعنيه ذلك من فضاء وكم الهواء النقي واستعمال دورة المياه و الفسحة فإن ذلك لم يحصل إلى حد الآن، وعرضت على الفحص الطبي بعد عام كامل من إيقافي، وذلك عندما أعادتني فرقة الإرشاد في قابس إلى السجن في حالة يرثى لها من جراء التعذيب الذي مارسوه علي وكانت آثاره ظاهرة للعيان(كدمات، بقع زرقاء في أماكن مختلفة من جسدي…) ونظرا لتدهور صحتي أشفق علي رفاقي في الغرفة، فأعلموا عني ممرض السجن الذي خشي مزيد تعكر صحتي، فأسرع إلى المدير لإعلامه بالأمر، والمدير وقتها هو سليمان حسنون، الذي فزع بدوره عندما رأى آثار التعذيب بارزة جلية واكتفى بالقول” لا أستطيع الآن فعل أي شيء أكثر من عرضك على الطبيب وتوفير الدواء لكن في المستقبل سأنبه على الشرطة، إن قدموا لأخذك ثانية، بأني لن أقبلك في السجن إن وقع تعذيبك بهذه الطريقة “. أما عائلتي فقد زارتني بعد إيداعي بالسجن ببضع أيام، خاصة وان العائلة كانت تتابع الأمر عن كثب إذ وقع إيقاف أختي(شؤون المنزل) وصهري( زوج أختي الثانية) جديد… 13) الزيارة الأولى؟ مشاعر الزوار؟ كانت والدتي تغالب البكاء، أما الوالد فلم يزرني إلا بعد عام وأربعة أشهر، وهو أشد الناس تأثرا، ولم يستطع إتمام وقت الزيارة- على قصره- في أي مرة طيلة أربعة عشر سنة، فسريعا ما تغالبه الدموع فلا يستطع كتمانها، ويغادر قاعة الزيارة متسللا لواذا… 14) لماذا تجلب العائلة القفة؟ هل تفتش بحضورك؟ هل حدث أن فقدت بعض محتوياتها؟ ماذا فعلت؟ العائلة تعتبر” القفة” واجبا تسديه إلى السجين، كما أنها تعلم أن أكلة السجن رديئة، لذلك كانت تستجيب للتوجيهات التي اقترحها عليها، فكانت تزودني بما يمكن أن يدخل تحسينا على أكلة السجن مثل القديد، الهروس، المرقاز…يوم كان ذلك مسموحا به، لكنهم سريعا ما منعوها. ولم تفتش بحضوري إلا في سجن قابس وذلك اثر دخولنا في امتناع جماعي على الزيارة(جويلية 1991) مطالبين بتحسين المعاملة وظروف الإقامة ومن ضمن المطالب أذكر الجرائد وتفتيش القفة بحضور صاحبها…وجاء هذا التحرك مباشرة إثر تعدي عون(الأزهر من قفصة) على مقام الجلالة، فاحتج بعضنا على هذا السلوك الشائن والتجاوز القانوني الصارخ، فما كان من الإدارة إلا أن انتصرت لمنظورها استخفافا بالقانون   وتحديا لمشاعر السجناء، فعمدت الإدارة إلى معاقبة المحتجين بحلق أشعارهم بصفة مشوهة وإيداعهم بالسجن المضيق مع حرمانهم من الزيارة، وأذكر من هؤلاء مبروك قريرة والأسعد قرصان وألنوري النفاتي وقد كانوا ستا في الجملة، كما كان فقدان بعض محتويات القفة أمرا رائجا(مثل الغلال خاصة). 15) هل من إضافة حصلت لك في السجن؟  “الصبر على الأذى”………  التعرف على فئة من أبناء مجتمعنا من الصعب أن أخالطهم وأتعرف عليهم خارج القضبان، واقصد المهمشين، وهم إفراز طبيعي من إفرازات المجتمع بل من ضحاياه، وهم نتيجة حتمية للعلاقات القائمة والمنهج التربوي والنمط الثقافي السائد، اهتماماتهم لا تتعدى الجسد، ولا يرى من الأنثى إلا رشاقة القد وغنج الصوت، ولا اعتبار عنده لرجاحة عقل أو رصانة تفكير أو وجاهة رأي وموقف…لم أكن احسب أنهم بهذه الأهمية، وهذا لا ينفي أبدا وجود استعداد لدى العديد منهم للخروج من واقع التهميش،    ويبرز ذلك مثلا في استعداد بعضهم لتقديم خدماتهم نكاية في الإدارة وشعورا منهم بالظلم المسلط على سجناء الرأي وان كل ما قيل عنهم لا يعدو أن يكون دعاية مغرضة لتشويه صورتهم وتنفير من حولهم عنهم… كما إن الإنسان عرف نفسه بصفة أدق وقد خاض تجربة تقتضي تضحيات وصبرا وحكمة، تجربة لا يمكن أن يعيشها خارج القضبان، كما عرف المرء رفاق دربه وخبرهم لأنه خالطهم مخالطة لصيقة طويلة المدى، معرفة تشمل لحظات الفرح والحزن، الأمل والبأس، والسعة والضيق… بينما كانت معرفتنا السابقة معرفة سطحية وليدة جلسات ببضع ساعات في الأسبوع، يستطيع المرء أن يتكيف فيها حسب مقتضيات الحال… 16) لنفترض أنك كلفت بإدارة هذا السجن، ماهي الإصلاحات التي تبادر بها؟ أرفض ولو افتراضا أن أكون مدير سجن، لكن كمهتم بشأن المساجين أقول: إن سجن حربوب في حاجة إلى إصلاحات ضرورية وفورية كثيرة، منها (1) ساحات فسحة أوسع، فهل من المعقول أن تكون الغرفة أوسع من ساحة الفسحة، لا أرى الآن تفسحا في هذه الساحة، بل أرى ضيقا وتزاحما وتدافعا واشتباكا. (2) فهل من المعقول أن تكون غرفة مثل هذه(غرفة3) تأوي في المعدل أكثر من ثمانين سجينا، لا تزيد المساحة الخام لشبابيكها عن خمس أمتار مربعة. (3) مجموعات صحية نظيفة ومناسبة لعدد النزلاء. (4) تحسين الأكلة. (5) تنظيم أفضل للقنوة والمشرب، وتعامل أفض وأرقى. (6) إعادة رسكلة الأعوان وتحسين معاملتهم للمساجين. بل أقول، إجمالا، كم أود أن يرتقي “حربوب العظيم” في مختلف مصالحه وخدماته إلى مستوى “أسوا” سجن في البلاد، أرأيت رسالة تصل صاحبها بعد شهرين من إيداعها في مصلحة البريد؟ أرأيت توقيت زيارة أقصر من حربوب رغم قلة سجناء الرأي فيه؟ أرأيت في سجن آخر سجينا لا يتسلم ما يقتنيه من دخان أو وصولات قنوة إلا بعد أسبوع أو أكثر؟… 17) وإن افترضنا انك أصبحت مديرا عاما للسجون والإصلاح، ماهي الإصلاحات التي تحظى بالأولوية لديك؟ ينسحب على سؤالك هذا ما قلته عن سؤالك السابق، وأقول: (1) الحزم في تصنيف المساجين سنا وحكما وجريمة وحالة جزائية. (2) توفير تشغيل بمقابل مادي محترم يوفر للسجين عند الإفراج مبلغا ماليا يساعده على الاندماج في المجتمع. (3) توفير رعاية وإرشاد ديني وأخلاقي وإحاطة يومية من أجل إنقاذ السجين من الانحراف. (4) توفير عدد من المختصين في علم النفس وعلم الاجتماع والإجرام بعدد كاف للاحاطة بالسجين لان الإنسان لا يولد مجرما، وفي غياب إحصائيات دقيقة ومفصلة فإني أستطيع أن أجزم بأن نمو الإجرام يفوق بكثير النمو الديمغرافي. (5)  فتح الآفاق بصفة جدية ودون تمييز أو استثناء لكل من يريد مواصلة دراسته سواء في العمومي أو الخاص مع اعتبار الدراسة والنجاح فيها من المؤشرات المعتبرة في إسناد العفو أو الحط من العقاب. (6) العقوبات طويلة المدى ومهما تكن الجريمة لا يمكن أن تكون حلا، ولا بد من وضع سقف للمدة التي يقضيها السجين في السجن، لماذا يقضي الزين ولد القابسية 22 سنة – ولم يفرج عنه – وهو الذي دخله ولم يبلغ العشرين؟ (7) إيجاد معايير واضحة ومعلومة للجميع لإسناد العفو أو الحط من العقاب لقطع سبل ابتزاز المساجين وعائلاتهم. (8) السماح بقضاء بعض المناسبات خارج السجن(الأعياد مثلا) لمن تتوفر فيه مقاييس دقيقة    ومعلومة للجميع. (9) التخلي عن المراقد الجماعية والعمل على بناء غرف صغيرة لا يتعدى عدد نزلائها العشرة. 18) بم تنصح سجينا جديدا؟ أن يطلب من عائلته توفير كل ضرورياته لان الحاجة في السجن قد تؤدي إلى انحرافات خطيرة ذات عواقب وخيمة جدا، وأن يطالب بكل حقوقه من اليوم الأول وأن لا يتردد في إعلام عائلته بكل مضايقة أو ابتزاز سواء كان من المساجين أو السجانين وأن لا يرضخ لذلك. 19) حكمة( أية قرانية، حديث نبوي، مثل شعبي، بيت شعر..) كثيرا ما ترددها! “الصبر مفتاح الفرج “، كما كتبت الآيات الثلاث الأخيرة من سورة الطور في أكثر من خمس عشر رسالة، وكلما تلوتها إلا وشعرت باني اقرأها لأول مرة في حياتي. 20) ممنوعات يجب مراجعتها دون تأخير؟ كل الممنوعات المتعارف عليها في التراتيب السجنية يجب أن تراجع، فهل يعقل مثلا أن لا يرى السجين وجهه في المرآة طيلة مدة حبسه وإن امتدت سنوات وسنوات، التخلي التام عن استعمال الأواني البلاستيكية لمضارها الثابتة والعودة على الأقل إلى استعمال أواني الاليمنيوم كما كان الشأن في السبعينات والثمانينات أي قبل 7 نوفمبر، تمكين المساجين من اقتناء كل الجرائد والمجلات الصادرة بالبلاد، والمزري انه إلى حـد الآن ( في سنة2004) كثيرا يقع منع الجرائد الرسمية وشبه الرسمية، عدم اقتصار قائمة الزوار على الأقارب من الدرجة الأولى، مع تطبيق مبدأ الزيارة المباشرة آليا على الأطفال، 21) مباحات يجب التصدي لها بحزم؟ منع صارم لنوم سجينين في فراش واحد، عدم التساهل في إعطاء “أدوية الأعصاب”، تحديد الفارق العمري بين نزلاء الغرفة الواحدة (عشر سنوات مثلا). 22) حادثة عالقة بذهنك؟ في نهاية 1992 أو في بداية 1993 في سجن القصرين، وأثناء الزيارة وجدت طفلا صغيرا لم يبلغ ستة عشر سنة متهما بالنشاط في حركة النهضة، فأمضيت اغلب وقت الزيارة في طمأنة والدته الملتاعة، وفي سنة 2004 في حربوب يوجد صبي لم يتعد نفس السن، ومع ذلك فهو مودع في غرفة تضم أكثر من 100 سجين منهم من دخل السجن أكثر من خمس عشر مرة، فلماذا وجدت الإصلاحيات وقضاة الأحداث ومجلة حقوق الطفل؟ 23) هل تذكر اليوم الأول بالسجن؟ مشاعرك؟ هو يوم عادي، شعرت بنوع من الارتياح للابتعاد عن فرق الأمن المختلفة وأجواء التحقيق المرعبة لكنه تبين بعد ذلك انه كان سرابا خلبا، إذ يمكن إعادتك للتحقيق في أي وقت دون أدنى ضمان. لكن مع ذلك الارتياح كانت هناك نوع من الرهبة من المستقبل، فقد دخلت مرحلة جديدة لا اعرف نهايتها كيف تكون ومتى تكون؟ 24) هل من نصيحة توجهها لإخوانك في المهاجر؟ احرصوا على أن لا تتحول أهم حركة سياسية وجدت في تونس إلى جمعية اجتماعية وخيرية تسعى للم شمل المهجرين… 25) رأيك في المحطات السياسية القادمة؟ المحطات السياسية لن تكون مغايرة للتي سبقتها في 94 و95 ففي التشريعية لن تتجاوز حصة المعارضة مجتمعة عدد المقاعد الممنون بها عليها مقابل ولائها…أما الرئاسية فلنترك الحالمين يحلمون، واربأ ببعض الفضلاء بان تزين بهم الصورة الانتخابية دون أدنى فائدة، فليس هناك في الواقع أي شرط من شروط الانتخابات الحرة والنزيهة وليس هناك أي مؤشر للسير في هذا الاتجاه. (المصدر: مجلة “أقلام أون لاين” (اليكترونية تصدر كل شهرين)، العدد 20 لشهري أفريل وماي 2007)

المراقبة الإدارية.. الجنون.. والموت اليومي المستمر

 
لطفي العمدوني (*) لا تكاد تنتهي محنة المساجين السياسيين المريرة في ظلمات السجون حتى يجدوا فسيح حلم الحرية يضيق حد الاختناق بسلاسل قرار المراقبة الإدارية كعقوبة تكميلية جزائية تكون في غالب الأحيان لمدة خمسة سنوات وتصل إلى 16 سنة كما هو الحال بالنسبة للنقابي والسجين السياسي المسرح صلاح الدين العلوي. وقد تنزل إلى سنتين كأدنى حكم مصرح به إلى حد الآن. وليس في قرار المراقبة الإدارية إلا فصلان: الفصل الأول: يجب على المسرح المذكور أعلاه أن يقيم بنهج كذا (ويحدد مقر إقامته والولاية) حتى انتهاء مدة عقوبته التكميلية. الفصل الثاني: المدير العام للأمن الوطني والمدير العام آمر الحرس الوطني مكلفان كل في نطاقه بتنفيذ هذا القرار ويؤشر على القرار بختم وزير الداخلية والتنمية المحلية وإمضائه. فليس هناك اذا أي تنصيص على عدم مغادرة الولاية مقر السكنى أو إلزام المسرح بالتوقيع اليومي بدفاتر مخصصة للغرض بمحلات الشرطة. لذلك رفضته المنظمات الحقوقية وطعن فيه المحامون شكلا ومضمونا لتناقضه مع مبدأ حرية التنقل الذي يضمنه الدستور لكل مواطن تونسي فضلا عن أنه كان يتخذ وما يزال ذريعة من طرف السلطات الأمنية لإدخال السجين في دوامة من الهرسلة اليومية والاستفزازات والزيارات الليلية. وتنطلق دورة المضايقات البوليسية من خلال تطبيق اعتباطي ومضيق وغير قانوني لقرار يجبر السجين السياسي المسرّح على التوقيع يوميّا بمحلات البوليس والحرس بلغت في بعض الاحيان ببعض المسرحين حد الجنون مثلما وقع للسياسي الحبيب الفني الذي أصيب بالجنون والسياحة في شوارع الكبارية حافي القدمين أشعث الشعر أغبر تطارده الصبية في الشوارع بالحجارة. يقول عنه جاره ورفيق سجنه وطفولته السجين السياسي نبيل الواعر “إن الهرسلة اليومية الأمنية والمداهمات والإيقافات المتكررة التي سلطت عليه بذريعة المراقبة الإدارية وصلت به إلى الانهيار والدخول في حالة جنون كانت شكلا من الهروب إلى حرية خارج قيود العقل والمنطق والقانون والمراقبة الأمنية. حبيب الفني الصوفي مرهف الحس صار عدوانيا ضد جميع من حوله وتطارده الصبية كل يوم. أي صدمة وأي شعور يحسه السجين السياسي لمّا تغتصب منه لذة الإحساس بالحرية ومتعة الانعتاق التي عاش ينتظرها دهرا تحت أثقال القيد؟ أي معنى لحرية لا تمكن من تجاوز مرارات ماضيه السوداء و بناء حياته من جديد بدون خوف أو رعب؟ من يشغل مشبوها يحاصره البوليس السياسي في كل لحظة وهو ملزم بمغادرة عمله (إن وجد عملا) للتوقيع يوميا أو تلبية الدعوات لزيارة مركز الشرطة ومخافر وزارة الداخلية التي قد تأتي في كل لحظة. يقول صلاح الدين العلوي الذي فاجأ الجميع بتنزيل إعلان لبيع أطفاله احتجاجا على الوضع الذي وجد فيه نفسه بعد خروجه من السجن: “لقد دمرت التطبيقات المتعسفة لقرار المراقبة الإدارية حياتي… السجن أحب إليّ مما أنا فيه… مكبـّل أنا 16 سنة مراقبة إدارية ناتجة عن أحكام مكررة لنفس التهمة أنا وأطفالي نعاني الجوع. ما العمل وليس ثمّة من يقبل تشغيلي. السجن أرحم بكثير من همّ المراقبة الإدارية وضيقها وضعفها” إنّ قرار المراقبة الإدارية لا ينصّ أبدا على إلزام السّجين المسرّح بالتوقيع في دفتر بمحلات البوليس وهذا ما تمسك به السجين السياسي المسرح قابيل الناصري لكن قوات البوليس اعتقلته وقدمته للمحاكمة في ثلاث مناسبات حوكم بالسجن في الأولى بـ3 أشهر ثم نقضتها محكمة الاستئناف لتحكم بعدم سماع الدعوى ورغم الحكم القضائي يعتقل من جديد بعد تسريحه ويحكم بشهرين وتنقض محكمة الاستئناف الحكم من جديد وتقضي بعدم سماع الدعوى وتصر الشرطة على إخضاعه للتوقيع اليومي ويصر على لا قانونيته مستشهدا بحكم محكمة الاستئناف. يقول أبوه السيد محمد بن سعيدان الناصري: “داهمتنا الشرطة مجددا منذ أيام حوالي 20 عون واعتقل ابني من جديد لنفس السبب وهو الآن بالسجن بدعوى مخالفة قرار المراقبة الإدارية. إنّ ابني يتمسك بنص القرار ولن يتراجع حتى لو عاد ألف مرة ولن يخضع لهذا الإجراء الظالم.” والذين عادوا للسجن بموجب دعوى مخالفة قرار المراقبة الإدارية كثيرون نذكر منهم حمدي الزواري، عبد الله الزواري، قبيل الناصري، الطاهر الحراثي، لمين الزيدي. وتأخذ العشوائية والتعسف في تطبيق المراقبة الإدارية صورة قهرية حينما يتحول إلى قرار نفي مثلما هو الحال للصحفي والسجين السياسي عبد الله الزواري الذي ألزم بالإقامة بمقر لم يختره ويبعده عن أبنائه وزوجته مئات الكيلومترات (جرجيس – الجنوب التونسي) بما يشكل تقطيعا لأوصال العائلة الواحدة. ونفس المعاناة يعيشها السجين السياسي حمادي العبيدي حيث أجبر على الإقامة بجندوبة رغم تقديمه لمطالب ومراسلات لكل الجهات العليا المسؤولة عنه بما فيها رئاسة الجمهورية لينتقل إلى تونس حيث عمله وسكناه مع أخيه ولكنه لم يتلق أي جواب. وللمأساة وجه آخر مع السيد حاتم زرّوق الذي وجهه طبيبه للعلاج من الروماتيزم بأحد الحمامات الاستشفائية خارج العاصمة وطلب إذنا من الجهات الأمنية مدعما بالوثائق الطبية للمغادرة للتداوي ولم يلق أي رد مما أدخله في حالة من الضغط النفسي والألم فقرر الدخول في إضراب عن الطعام للدفاع عن حقه في التداوي لولا أن أقنعه بعض الحقوقيين بالتريث ونصحوه بالصبر متولين بأنفسهم أمر مكاتبة الجهات الأمنية العليا المسؤولة عنه. وتبقى المأساة والمعاناة مستمرة تحت صمت الكثيرين وقائمة الخاضعين لإجراءات المراقبة الإدارية تشمل المئات بكل تراب الجمهورية مثل الشاذلي محفوظ، معتوق العير، علي عون، ماهر سلمان، كيلاني منتصر، حمادي الجبالي، محمد العكروت، لمين الزيدي، كمال الحجام، لطفي الجباري، عادل بن عمر، محي الدين فرجاني، رؤوف التونكني.. والقائمة طويلة جدا. أما المسرّحون بموجب السراح الشرطي غير المحاكمين بالمراقبة الإدارية فقد أوجدت السلطة حلا لإدماجهم ضمن إجراءاتها من خلال التنصيص في قرار السّراح الشرطي بالفصل الثالث منه أن يكون المسرّح ملزما بالإقامة بمقر سكناه ولا يجوز له مبارحته إلا بعد الترخيص له في ذلك من طرف المدير العام للسجون والإصلاح. وبذلك تكتمل الصورة ويطبق غول المراقبة الإدارية بكلاكله على جميع المسرّحين من المساجين السياسيين. ولا بد هنا من طرح الأسئلة حول قيمة العفو وتسريح المساجين السياسيين إذا لم يضمن حقهم في الحرية الكاملة التي تفتح لهم فرصة الاندماج في المجتمع وبناء حياتهم بعيدا عن أي نوع من أنواع الضغط أو الهرسلة. أي دور للمجتمع المدني والأحزاب السياسية للإعلاميين لإيقاف جحيم المراقبة الإدارية التي يصطلي بنارها المئات من الشباب التونسي الذي اقتطفت زهرة عمره أقبية السجون الباردة. (*) ناشط حقوقي (المصدر: مجلة “أقلام أون لاين” (اليكترونية تصدر كل شهرين)، العدد 20 لشهري أفريل وماي 2007)


  “كلمة للتاريخ”

سال حبر كثير في موضوع المصالحة وركب هذا الحصان أناس كثر منهم من كان يتطفل على الموضوع ومنهم جعل منه مطية لجني بعض الثمار” المرة” على حساب عويل عائلاتنا و دموع أبنائنا ومنهم من اجتهد فيه على حسن نية وطيبة نفس عساه يخفف من مصيبة تونس, وقد اخترت شخصيا البعد عن هذه “المعمعة” لأني قدرت أنها مضيعة للوقت وقد أكون مخطأ في ذلك فالكمال لله ربما موقفي هذا نتاج طبيعي لما تعرضت اليه من سلطة استهدفتني أنا وعائلتي بالتدمير الكامل وبطريقة خسيسة و متخلفة و أساليب بعيدة كل البعد عن عصرنا الحاضر وحتى لا أطيل أود في هذه الأسطر أن أرد على بعض ما راج ويروج وفي البداية و ردا على المرتزقة الذين أشاعوا عبر الفضائيات وفي مراسلات لبعض المنظمات الحقوقية والعلمية بوصفهم وكلاء الشيطان أنني حوكمت في قضايا عنف و ارهاب والواقع أنني حوكمت غيابيا من قبل محكمة أمن الدولة في 27 09 1987  ب10 سنوات أشغال شاقة و 10 سنوات مراقبة ادارية ولما اعترضت على ذلك في مارس 1988 ألغي هذا الحكم وعوض ب 6 أشهر مع تأجيل التنفيذ بتهمة الانتماء لحركة الاتجاه الاسلامي ثم حوكمت سنة 1990 ب3سنوات نافذة بسبب تصريح للصحافة فقط لكن التنفيذ كان 3سنوات و يومان سجنا و8سنوات وشهرين اقامة جبرية كما حوكم محامي الاستاذ النوري ب6اشهر و قضى12شهرا وراءالقضبان وهذا وسام على صدر دولة القانون و المؤسسات –ثانيا اتوجه للعقلاء من القراء سواء كانوا من صفي او ضدي بهذا التوضيح: ليس من طبعي ان ارفض الحوار مع أي كان و هذا ما جعلني انتخب على راس نقابة التعليم العالي بصفاقس بعدما اسستها لاربع دورات متتالية الى ان اعتذرت عن الترشح بسبب تكبيلي باعمال ادارية وفي البحث العلمي داخليا و خارجيا وذلك في وقت كان اليسار هو المسيطر سيطرة تامة على الجامعة والنقابة (1977-1983)و الجميع مما عاشوا تلك الفترة يذكرون دوري في  اصعب فترة مر بها الاتحاد واعود الى موضوع الحال  أي محنة النظام والحركة الاسلامية, في سنة 1988 وانا موقوف في قضية ما اصطلح عليها بالمجموعة الامنية وقعت بعض المراسلات في البداية ثم التقيت بالسيد مصطفى بوعزيز القائم باعمال وزير الدفاع و قلت له حرفيا ان مجموعتنا فكرت في عمل ما ضد بورقيبة ليوم 7-11-1987 مساء ولما اقدم عرفك على نفس العمل قبلنا بسويعات ساعدته مجموعتنا و الغت ما كانت تنوي فعله فاذا اردتم محاكمتنا المنطق يحتم عليكم اعادة بورقيبة لمنصبه و محاكمة الجميع نحن وأنتم على حد سواء و لربما سينالكم عقاب أشد هذا هو المنطق” أجابني بالحرف الواحد: أنتم الان في قاع قارورة ولا أحد يعلم هذا السر ويمكن أن نفعل بكم ما نشاء قلت له لا بالعكس قال كيف أجبته بأن الذين فروا للخارج من مجموعتنا حملوا كل شيء معهم و سيشرعون في نشر ذلك حالما تبدأ محاكمتنا عندها فكر قليلا وواصلت الحديث فقلت الحل هو أن تقبلوا التفاوض والحل ممكن وانطلقت المفاوضات وكان المرحوم أحمد الكتاري الوسيط الوحيد بيني وبين قرطاج توصلنا الى حل تم بمقتضاه اطلاق سراحنا ووقف التتبع في القضية مع مواصلة الحوار خارج السجن وكان في ذهني وأحسب ذلك عند السلطة أن حل قضيتنا سيليه حل شامل للحركة الاسلامية ينهي حالة الاحتقان والنفور والعداء لكن للأسف الشديد ما تم هو ما يلي : قمت وحسب الاتفاق بمحاولات عديدة لبناء جسر الحوار واتصلت بالمرحوم الكتاري مرات ومرات اخرها قال لي بالحرف الواحد : “أنصحك بمغادرة تونس في أقرب فرصة أما أنا حياتي صارت في خطر فلا تعد تزورني”
أرسلت عدة رسائل للرئاسة ثم حاولت تسليم رسالة مباشرة الى مدير التشريفات بقرطاج فمنعت من ذلك وجاءني رجل قال أنه فرنسي من أصل تونسي ويعمل ضابطا ساميا في المخابرات الفرنسية وله علاقة خاصة مع الرئيس التونسي طلب مني أن أسلمه رسالة للرئيس وستكون بين يديه مساء ذلك اليوم في الأثناء خاطبني شخص أثق فيه ليأكد لي صحة رواية الزائر فسلمته رسالة في تلك الفترة دخل السيد المنصف بن مراد مدير مجلة حقائق انذاك على خط المصالحة وهو ما أشار اليه في مقال نشر بجريدة أخبار الجمهورية في أوائل جوان 2001 وكان رد السلطة دائما مزيد من الحصار والتهميش رغم ذلك لم تحبط عزيمتي واصلت مكاتبة الرئاسة وكان اخرها يوم 21 04 1990 بتلاكس من صفاقس ويوم 22 04 1990 على الساعة 11 ليلا ألقي علي القبض في منزلي وأودعت السجن وحتى في السجن حاولت احياء الحوار عن طريق نفس الشخص أي السيد أحمد الكتاري الا أن هذا الأخير تعرض لحادث مرور أودى بحياته, قبل مغادرة السجن ووضعي في اقامة جبرية غير قانونية تم تفتيش منزلي وترويع أبنائي وأخذت عدة ملفات ووثائق ومنها كل مراسلاتي أما ممارسات السلطة معي ومع أبنائي بعد خروجي من السجن فهي تؤكد أن هذه الأخيرة لا تعترف بي كانسان ولربما وضعتني في منزلة دون الحيوان لأن للحيوان حقوق حرمت منها أنا وأمثالي من اخواني المناضلين والمجال لا يتسع لذكرها ومن شروط المصالحة أن يعترف كل طرف بانسانية الاخر قبل كل شيء لا أن يعتبرنا اصحاب السلطة “ذبابة في قاع قارورة مغلقة”
في الاخير لي بعض الملاحظات:
1) أدعو العقلاء أن يتقوا الله فينا وفي اخواننا القابعين في السجون منذ ما يزيد عن عقد ونصف ,منهم من دخل في مقتبل الشباب وقد دخل الان في الكهولة منهم الطالب والتلميذ والأستاذ الجامعي والمهندس والطبيب,هل هؤلاء سجناء أم رهائن؟ 2) هل ما يجري الان على الساحة السياسية في تونس يسمح بالحديث عن المصالحة؟ 3) اذا كانت للعقلاء النزهاء فكرة عن حسنات نظام تونس فليمدوها لي حتى أحاول اقناع نفسي بأني مخطئ, 4)لماذا نحصر المشكلة بين النظام القائم والحركة الاسلامية , ألم تتصادم السلطة مع الشعب , كل الشعب التونسي بعدما شهرت الحرب على أصالته وعقيدته وهدمت صرح الثقافة والعلم فحطمت بذلك أجيالا(انظر مقال ج. ل. روبنسن في مجلة الصحافة الفرنسية عدد خريف 1997). 5) لا أنكر أنني شعرت بجدية السلطة معي أثناء المفاوضات الأولى وبعد خروجي من السجن تأكدت من ندم السلطة على تلك المفاوضات و أعتبرتها خطأ فادحا قامت به معنا.  6) ليكن في علم العقلاء المخلصين لوطنهم أن سلطتنا الحالية لا تقبل مصالحة أو مفاوضة الا مع من سجد لها وتخلى عن حقوقه واعترف لها بالربوبية والملكية لتونس الخضراء وساهم معها في مزيد معاناة الشرفاء وهذا ما لا أستطيع فعله.
وفي النهاية أدعو الله بالتوفيق في مساعي كل مخلص صادق فلعل نظرتي قصيرة وتحليلي خاطئ والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذ بها.
                                                           المنصف بن سالم                                                                          13 05 2007


كلمة إلى الدكتور الهاشمي الحامدي
طريق المصالحة يمر عبر المصارحة
محمد العماري ـ باريس
 
إن المُتابع للسجال القائم كل هذه المدة التي تزيد على الشهر على صفحات النات بينك و بين بعض أتباع حركة النهضة في ديار الغرب يستخلص الملاحظات التالية:  

 

 1 ـ    أنّ جل المشاركين  في هذا السجال هم ممن عُّرفوا بكتاباتهم على النات سواء كانت مؤيدة أو رافضة لفكرة المصالحة، متدخلين تحت أسماء مستعارة ـ إلا القليل ـ دون التحلّي بالشجاعة لإبداء رأي بكل جدية في موضوع حساس و هام لكل التونسيين، و هذا لعمري تهرب من المسؤولية و تربص لما تأتي به الأيام، فلعلهم يُرتبون لابناءهم و نسائهم قضاء العطلة في تونس فيسعدهم أرضاء ” الضمير المستتر” الذي يُحركهم، برفع لواء “الاستعصاء” ضد ما تدعو إليه. 

 

 2 ـ   غياب أي مشاركة من داخل القطر و لو بمجرد رأي سلبي كان أو إيجابي في الموضوع. و لعل مرد ذلك  لعدم اطلاعهم على صفحات النات، و من ثمة عدم علمهم بما يدور بين أبناء الحركة في المهجر…  

 

 3 ـ   غياب كذلك أي تفاعل لا تصريحا و لا تلميحا من الأطراف المعنية  أي السلطة وقيادة حركة النهضة خلال هذه المدة. فإذا كان صمت الطرف الأول لا يُستغرب منه ربما لعدة أسباب، فإن صمت الطرف الثاني ـ الأكثر تضررا على الساحة ـ  يضع المراقب أمام احتمالين على الأقل:

 

ـ ربما أنهم موافقون على هذا الطرح، و لكن قد يكون في إطار الحرص على عدم إزعاج “الأصدقاء” من اليسار و “الحلفاء” من هيئة 18 أكتوبر، ظلّوا يرقبونه من خلال تدخّلات الأتباع، مُدّخرين رأيهم للوقت المناسب…
ـ أو أنهم غير معنيين بالموضوع تمامًا باعتبار أنّ المحنة أشرفت على نهايتها”… و“أوشك النظام على نهايته المحتومة”  كما قال”أبو أنيس”(تونس نيوز27.04.2007) و بالتالي مباركة هكذا خيار أو السعي إليه قد يكون < كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا>
 لقد سبق أن اجتمع بعض قيادات النهضة مع سفير تونس في سويسرا في شهر أكتوبر سنة 2004، في لقاء رتبه بعض الإخوة هناك، تم على أثره يوم 02.11.2004 تسريح حوالي70 أخ من بينهم القياديين: علي العريض و زياد الدولاتلي. و لعل هذا اللقاء كان فرصة حقيقية لمعالجة كثير من الملفات لولا انقطاع التواصل أو إفشاله من بعض الأطراف مثلما تردد في ما بعد (1). ( ولي عودة إلى هذا الموضوع بحول الله.)

 

 4 ـ   يبدو كذلك من خلال هذا السجال الدائر على صفحات النات:أن الحديث عن أي مصالحة يُزعج الكثير من اللاجئين: ممن طاب لهم المقام و استقرّت لهم الأوضاع و ترفهت أحوالهم، بل يجعلهم في حرج باعتبار أن المصالحة تفتح ملف الرجوع و الاستقرار في تونس في الوقت الذي يقطع فيه الشباب البحار و يواجه الأخطار من أجل الاستقرار في أوروبا. فقد يكون من الهبل بمكان عند هؤلاء الرهط من الناس، الإبحار في الاتجاه المعاكس و التنازل عن العيش في بلاد الغرب والتخلّي عن التموطن فيه باللهث وراء التجنيس. 
 
أخي الفاضل

 

المصالحة الوطنية هي فعل سياسي يجمع الأطراف السياسية الفاعلة من سلطة و معارضات ومجتمع، وتحقيقها يستغرق زمنا ليس باليسير باعتبار أن أي خطوة نحوها لا تتم بمجرد الكلمة الطيبة و القصد الحسن و لكن تتم بتعميم المعلومة الصادقة و المسؤولة التي تسمح بتقييم كل ما حصل طوال ما يزيد على عقدين من الزمن والتراكمات التي تبعتها،  ثم تتحمل بموجب ذلك الأطراف المعنية مسؤولياتها كاملة.
  أما تلخيص التاريخ النضالي لتونس من أجل الحرية و الكرامة و العدل و المساواة، في “ضحية و جلاد” و “كلمة طيبة و مصالحة” دون التطرق بعمق إلى جوهر الأزمة و تفكيك رموزها، فإنه لن يسمح للأجيال القادمة ولا الحاضرة بالفهم الدقيق لتدافع الأحداث على الساحة في تونس. فالسياسة لا تقوم على حسن النوايا و العواطف الجياشة، و لا أيضا على الكره المتوارث أو الحقد الأعمى، بل قوامها المواثيق و العهود التي تحدد المسؤوليات و تنظم العلاقة بكل شفافيّة بين الحاكم و المحكوم.

 

 و من هذا المنطلق: لعل أثرا عميقا لدعوتك للحوار و المصالحة يكون بنقلها على الهواء مباشرة على قناة المستقلّة أو الديمقراطية، فيكون التواصل  والحوار المسؤول  بين أبناء الشعب الواحد و يكون التقييم مع أبناء الحركة الإسلامية داخل القطر و يكون التركيز على إنهاء معاناة ما تبقى من المساجين و المسرحين و مأساة عائلاتهم، و يكون الحرص على غلق هذا الملف جملة و تفصيلا، حتى يتسنى للأجيال القادمة الاستفادة من التاريخ والاعتبار بدروسه والسير بخطى سليمة على ارض صلبة و ليس على حقول ألغام. أما إذا ما انحصر الحوار أو السجال داخل حدود المواقع الافتراضية التي لا يطلّع عليها إلاّ النذر القليل من التونسيين، و يغيب فيها التقييم الصادق للأحداث، فإن هكذا دعوات رغم اهمّيتها ستبقى محدودة النتائج أن لم تكن منعدمة تماما و تكون بذلك لا قدر الله، كصيحة في واد.

 

 (1)   لمزيد من الاطلاع:  راجع بعض المقالات من خلال الوصلات التالية  الصادرة على اثر لقاء بارنBern  بين السفير التونسي و قيادات من حركة النهضة التونسية.  
محمد عبو:    :   https://www.tunisnews.net/1decembre04.htm
أم زياد:        https://www.tunisnews.net/15novembre04.htm

سيد الفرجاني:  https://www.tunisnews.net/29decembre04.htm

اسلام اون لاين:       https://www.tunisnews.net/25janvier05.htm 
 


 

هل عملية الإصلاح خطيئة؟

محمّد بن نصر mohamed.bennasr@yahoo.fr لا يخالف فيه عاقل ان النّقد والتّقويم أمر مهم  و حيويّ ونافع في كلّ الأحوال. وإنّ أيّ عمل إصلاحيّ جادّ إذا أراد أن يكتب له النّجاح والخلود لا بدّ له من أن يؤسّس على النّقد والتّقييم والمراجعة على أسس علميّة وعادلة. إنّه الطّريق الوحيد والفعّال لإصلاح مسار العمل وحمايته من التّملّك الخاصّ والاختطاف وإساءة استعمال أيّة “قيادة ” لسلطتها.
 وفي هذا الصّدد يلاحظ أنه لما ارتفعت أصوات الهاشمي الحامدي وخالد شويكات وخالد الطّراولي،والأزهر العبعاب ومرسل الكسيبي ونوفل بن إبراهيم  و بو عبد الله عبد الله والشيخ خميس الماجري والشيخ ياسين بن علي وغيرهم كثير إلى المطالبة بالمراجعات، عم الصخب، وتفشت المهاترة، وآتّهمهم المحافظون بالسوء في نواياهم ورموهم بالعمالة والانبطاح، وهذا  كلّه ما هو إلاّ التعويض عن عمق الحجّة وبرهانها. ولعلّ الملفت للانتباه أنّ النّقد هذه المرّة جاء ممّن لهم سابقة في التأسيس والبلاء والابتلاء وممّن يحاول أن يضع أصابعه على مكامن الخلل الفكري والمنهجي، يريد بذلك نبش جرح مواقع الزّلل ضمن مرجعيّة شرعيّة لا غبار عليها. وهذه في حدّ ذاتها عمليّة جديدة في الحقل الإسلاميّ التّونسيّ، ولأنّها غريبة وجديدة في ساحة العمل فقد أثارت ردود فعل جدّ متشنّجة من المحافظين على الشّيخ الماجري خاصّة وكانت أحلكها وأتعسها.
إنّنا نحتاج إلى عدد كبير من الإخوة السّابقين المتمكّنين من معرفة الأوضاع الفكريّة والممارسة السّياسيّة لحركة النّهضة أساسا، بل بمعرفة الأشخاص أيضا الذين هم في مواقع متقدّمة لتلك الحركة. إنّنا بحاجة أكيدة إلى العدد الكبير والكافي من المتخصّصين لمعالجة الأمر الحيويّ والضّروري والأساسيّ للمساهمة بإصلاح الوضع في البلاد، وفي غياب هذه الحركة الجادة للمراجعة سيبقى الحال على ما هو عليه بل سيزداد سوءا.
 لقد استفاد المحافظون المنتفعون الذين عرفوا بتنزيه الذّات وتقديس صناعتهم الفكريّة والحزبيّة، فتنادوا على شدّ الأحزمة والضّرب بكلّ شدّة وقسوة على كلّ من سوّلت له نفسه تنبيه الغافلين و”تفتيح” العيون، وراحوا يروّجون أنّ من ينتقد النّهضة ما هو إلاّ طابور خامس يخدم ركاب السّلطة ومشروعها، وما هو إلاّ عميل وخائن ومرتد، ويغرفون من قاموس الافتراء والبهتان ويصكّون بتلك المفردات الرّكيكة التي أزكمت أنوفنا وقزّزت أنفسنا منذ كنّا طلبة نواجه الشّيوعيّين، بل لقد تفوّق هؤلاء “الإسلاميّون” في تصفية واستئصال إخوانهم حيث لجؤوا إلى أخبث سلاح وأبأسه “التّكفير والتّخريج” وهو السّلاح الابتزازي الدّسم الذي بات يستعمله النّهضويّون ضدّ من رفع لواء التّأصيل، وهو منهج أهل السّنّة والجماعة خاصّة.
لقد عمدوا إلى التّخليط المضلّل الذي قد يصرع الغافل والطّيّب والجاهل، فيقفزون على حبل المحنة التي نشترك فيها جميعا، بل نحن أكثر ضحاياها كما عبّر عن شيء من ذلك الأخ رضا التّونسي، فيلفّون عنق كلّ مصلح بحبل المحنة، وهم بفعلهم ذلك لا ينجون لأنّ القرآن الكريم لم تمنعه المحنة العظيمة التي وقع فيها أفضل جيل على قرعهم القرع الشّديد بالأسلوب القاسي العنيف في معركة أحد وسورة آل عمران تشهد على ذلك. أوْ قدْ يقولون إن نقد الحركة يكشف العورات، ويظهر الثغرات، وكأنهم يريدون أن يقنعونا انه قد بقي  للقوم ما يغطى أو ما يخفى و الذي تعلمه السلطة يقينا على النهضة أكثر مما يعرفه قيادات النهضة عن حركتهم.
ولذا فإنّي القاعدي المضطهد والمسحوق الذي لم يبدّل ولم يغيّر، والذي يرى قيادات مستفيدة، وقد جاؤوا إلى الغرب شبابا عزّابا فقراء، صاروا اليوم ” كبارا ” يملكون السّلطة والثّروة.
إنّي أدعو كلّ الإخوة الذين ساهموا في إحداث هذه الحركة الجادّة ـ أي حركة النّقد والمراجعة ـ في دفع وتعميق هذا الاتجاه الحضاري: النقد الذاتي، لأنّكم قد أسّستم عملا حضاريّا مشرّفا لكم، سيذكره لكم التّاريخ بخير، فضلا على أنّنا نرجوه لكم ذخرا لكم بين يدي ربّكم.
إني من يدعو إلى الثّورة على الفكر الذي لم يجلب لنا إلاّ الخراب، وإنّني بحكم القمع الذي مورس علينا في البلاد فإنّي أدعو إلى الاستفادة من مناخ الحريات الذي ننعم به في بلاد الغرب، فإلى مزيد من النقد الذاتي والى تعزيز مناخ الحوار الهادف كما أدعو المستفيدين الذين أهلكهم الرّضا على أنفسهم والطّمأنينة على مواقعهم إلى تطهير قلوبهم وتنظيف أقلامهم وكفاكم تحريكا للاسطوانات البالية ويكفي من الترهيب وزرع النزاع والكراهيات وتعكير صفو الأنفس، وليبق الخلاف بينكم في الفكر ولا تنقلوا الخلاف تجريحا  في ذوات الأشخاص ولا تكونوا من الخوارج الذين كفّروا من خالفهم وأباحوا دمه. وكفاكم أن تجعلوا الاستبداد هو سبب ما انتم فيه اليوم من عدم قبول النصح والمراجعة وكفاكم من قول نحن راضون عن أنفسنا ونحن مظلومون وما ظلمنا إلا الآخرون. فكفاكم من المبررات وكفاكم من البحث في كل مرة عن كبش فداء . أريد من المتحاورين أن  يتخلّوا عن التعصب للحزب والولاء للرجال فإنّهما يورثان الشّعور بالحق المطلق ومن كان كذلك اعطى لنفسه الحقّ المطلق بالتكلم بآسم الله وهذا ما لمسته من تلك الحملة البائسة التي يشنها الحزبيون على رافعي لواء الإصلاح. إنّ الحزبيّ المتعصّب يحتاج إلى إسعاف عاجل لأنه في حالة هلاك محقق، فهذا النّوع من البشر مستعدّ أن يقاوم بتلك العصبيّة إلى آخر رمق من حياته وبئس الخاتمة.لأنّ المسكين تشكّل ليكون كالميّت أمام تنظيمه فهو أداة لا يفكّر إلاّ بطريق وضعه له غيره وهو كَلٌّ عاجز يشقّ عليه البحث عن الحقّ.
إني أدعو هؤلاء المتعصبة ان يهتمّوا بأنفسكم فإنّهم اشتغلوا بغيرهم و بخصومهم بل بإخوانهم أكثر من اهتمامهم بأنفسهم. واهتمّوا بحزبهم عوض اهتمامهم بالإسلام. وليعلموا أنّهم لن يستطيعوا أن يحموا أنفسكم ويغيبوا الحقائق من خلال تصنيع الباطل والسّقوط في ثلب المصلحين وتشويههم.
وإنّ الإقصاء الذي يمارسونه في حق إخوانهم ما هو إلاّ أثر طيّب ودلالة واضحة على أنّ النّقد الذي انطلق يبشّر به العديد من الإخوة بدأ يؤتي ثماره. وما ذلك الإقصاء إلاّ النّزعة الحمائيّة الأخيرة بعد تلك الاهتزازات التي أحدثتها تلك التّقييمات.
و لتعلموا يا من مورس عليهم الإقصاء، انه ليس من السّهل هزّ ثوابت الحزبيين ونسف مفاهيمهم التي نشئوا عليها حتّى غدت في نظرهم هي الدّين ذاته توارثوها وفق حاجاتهم وقيمهم ومصالحهم، ولتعلموا كذلك أن ذلك الإقصاء ما هو إلا ضريبة نجاح العمل الذي تقومون به. ولا تلتفتوا إلى تلك الجهات المحافظة طالما أنّ الذي عزمتم عليه واجب شرعيّ ووطنيّ فضلا على أنّه ضرورة سياسيّة وإنسانيّة وحضاريّة. ولا أريد منكم أن تسلكوا منهج من يعالج الملفّ الإسلامي في إطار جانبه السّياسي الصّرف لأنّ تلك المعالجة ستنتهي إلى خلاصة بسيطة ومعروفة سلفا وهي إدانة السلطة ابتداء وتبرئة الحركة بطبيعة الحال، وهذا حيدة واضحة عن العدل الواجب. 
إنّي وإن كنت أرى بعض النّقد الجزئي لمسائل جزئيّة وفرعيّة  فإنّي أدعو إلى نقد أساسيّات المشروع الفكري وأصول البناء الحركيّ للعمل الإسلاميّ في تونس. 
وأقول للذين يخشون الحزب وهم يوافقون على منهج الإصلاح سرا ويعرفون أين الخلل : اصدقوا مع أنفسكم واصدعوا بما ترونه من حقّ وحرّروا ولاءكم للإسلام وحده وتخلّصوا من الولاء الكلّي للحزب وقد تبيّن لكم خوره. يا من تعلمون، تجاوزوا العتبة الحزبيّة، ولا تعملوا ضدّ قناعاتكم…
وإنّ النّاقد الموضوعي للحركة الإسلاميّة عليه أن يعالج معالجة شاملة لواقعها البائس بعد سلسلة الفشل الذريع. وإذا أرادت تلك الحركة أن تتدارك أخطاءها فإنّه لا بدّ لها أن تحيي اولئك الإخوة الأشاوس على جهدهم وشجاعتهم، وهذه فرصتها الأخيرة للحياة اذا ارادت الحياة. لأنّ كلّ أولئك الداعين الى المراجعة يعلمون أنّ أخطاء حركة النهضة قد  تراكمت حتّى أصبح من المحال إصلاحها.
فإلى حرية الرأي، وحرية التعبير وتحمل وجهات نظر الآخرين هذا من شروط دفع العمل الإسلامي إلى الأمام. إنّنا نعلنها أنّنا قطعنا مع التّسليم للفكر دون مناقشة، وإنّنا تحرّرنا من التّنظيم المدمّر لإرادة الإنسان.
ويا محافظون غيّروا ما بأنفسكم سيتغير واقعكم وما حولكم. واذكروا أن الشيطان سيقف خطيبا يوم القيامة ليقول للناس إن مشكلتهم كانت مع أنفسهم وليست معه أو مع غيره.  


هل الإصلاح يكون بالخطيئة

كتبه عبدالحميد العدّاسي
حسبي الله ونعم الوكيل!… كلمة ردّدتها وأنا أختتم قراءة مقالة انتهت بهذه النّصيحة: ” ويا محافظون! غيّروا ما بأنفسكم سيتغيّر واقعكم وما حولكم. واذكروا أن الشيطان سيقف خطيبا يوم القيامة ليقول للناس إن مشكلتهم كانت مع أنفسهم وليست معه أو مع غيره.”، وهي مقالة للأخ محمّد بن نصر الذي دعتني رفعة قلمه إلى الاحتفاظ بأغلب ما يكتب في مجلّد خاصّ به، ضمن ما أسميته “كتّاب مبدعون”.
لم ألحظ في كتابات الأستاذ محمّد السابقة جنوحا إلى التفصيلات أو التشخيص المفضي إلى الشخصنة كما رأيته في مقالته هذه، الواقع تحت عنوان “هل عملية الإصلاح خطيئة؟” والصادر على صفحات الحوار.نت بتاريخ 13 مايو 2007 ، بل كانت كتاباته ومضات مختصرة تطرح الفكرة وتستنبط الحلول لها في أسلوب ممتع ومفيد…
مقالة اليوم لم تنقص من قيمة الرّجل عندي ولم تعوّج قلمه، ولكنّها أجبرتني على إبداء الملاحظات التالية، وهي ملاحظات لا يُرجى من ورائها الدّفاع عمّن أسماهم الأخ محمّد بن نصر بالمحافظين (ولعلّي أكون منهم، فأنا أعشق المحافظة على الأصول وعلى القيم وعلى المعادن)، ولكنّها تتعلّق بالأفكار، ذلك أنّي لا أزال شديد التمسّك بمبدإ سيّدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه (لا أكره المرء ولكنّي قد أكره فعله):
–        ليس هناك عاقل في تونس أو خارجها يرفض الصلح والإصلاح وهو يعمل، أو يرفض المصالحة وهو يرى حدوث ما قد أساء إلى ذات البين… فعمله صلح وإصلاح (سيّما عند المسلمين) وحياته حسن تعامل وحسن أخلاق مفض كلّه إلى الإحسان والتعارف بين النّاس ويحكم ذلك ويعدّله: “إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم”. وهذه التقوى هي التي توجّه النقد والتقييم وهي التّي تدعو باستمرار إلى المراجعة التي أشرت إليها أخي، وليست موازين القوى كما يريد البعض أن يسوّق. ذلك أنّ هذه الموازين تدخل في تعديل الوسيلة ولكنّها لا تؤثّر أبدا على القيمة ولا على الفكرة والكلمة. وإلاّ انقلبت الكلمة والفكرة بضاعة رخيصة يُتّجر بها في عالم الرّداءة… –        ومن هنا فإنّ بعض الأصوات التي ارتفعت (ولستُ معك في جمع الاخوة الذين ذكرت ولا في حشرهم الحشر الذي حشرت)، لم توفّق في الدعوة إلى النقد والتقييم والإصلاح، بقدر ما خلطت بين ما تراه خطأ بطّأ بـ”النصر” وبين ما تراه صلاحا خطّأه المتنطّعون أو المحافظون على حدّ تعبيرك… فانتهجت طُرقا لبّست بها على “الخائفين المتردّدين”: فالجميع تقريبا من إسلاميين وغيرهم، من تونسيين وغيرهم، متّفقون أو يكادون على أنّ “الجرم” الذي ارتكبته حركة النهضة – وهي تحاول الاجتهاد في فهم دينها وتنفيذ ما ينفع النّاس من برامج – لم يكن بقدر الجرم الذي ارتكبته السلطات القائمة في البلاد منذ الاستقلال إلى يوم النّاس هذا. كما أنّ قيادة هذه الحركة لم تسئ لتونسيّ – من غير هؤلاء “المحافظين” الذين ارتضوها لأنفسهم تقديرا منهم لما يرونه صالحا من استمرارها- في حين أنّ غيرها من القيادات الفاعلة (قيادة البلاد) قد أساءت إلى كلّ تونسي على كلّ الأصعدة التي لا يغفل عن ذكرها إلاّ ممتنع عن ذكر الحقّ. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: “ أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر“. ولست هنا بمقارنة السيّئ بالأسوأ أو باستصلاح البعيد عوضا عن القريب، ولكنّي أريد التنبيه إلى أنّ أغلب الذين دعوا إلى “الإصلاح” وإلى “الكلمة الطيّبة” كانوا قد أظهروا شجاعة كبيرة في التجرّئ على إخوانهم من حيث إغلاظ القول لهم وكشف عوراتهم (أرى في كلامك عدم الممانعة من كشف العورات) بل والحديث بأسرار مجالسهم (ولو كان الواحد منّا في مواقع أخرى لقتل شنقا أو رميا بالرّصاص من أجل كشف أسرار الدولة، ولو التزمنا بإسلامنا حقّا لانتبهنا إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم: ” كفى بالمرء  كذبا أن يحدث بكل ما سمع” وهو حديث قد صتّفه علماؤنا في باب أدب الحديث) في الوقت الذي أظهروا فيه خورا كبيرا أيضا في مناقشة ما يرتكبه هذا الظالم بالبلاد… وليت الأمر وقف عند هذا الحدّ بل لقد استبدل بعضهم الأدنى بالذي هو خير (وليس أربط الأدنى بالنّظام الحاكم ولا الذي هو خير بحركة النهضة) فرضي لنفسه أن يكون مشيدا بظلم الظالم مسوّقا له معترفا بصلاحه، ما يجعله في موقع الخطر الذي نخشى عليه منه: ” من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله”. حتّى أصبحت أرى البعض من إخواننا الذين أحبّهم وأبجّلهم (وسأظلّ كذلك بإذن الله) وكأنّهم مبعوثون من طرف النّظام الفاسد في تونس، جاؤوا لينبشوا عوراتنا كي يستروا بها سوءات الفاسدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. –        وصف “المحافظين” بالمنتفعين الذين عرفوا بتنزيه الذات وتقديس الصناعة الفكرية والحزبية، هو ولوغ في أعراض النّاس وإيغال في التجنّي على من خالفك الرّأي وإيغار للصّدور التي لم تتعوّد على هذا “الحقد” الذي فرضه “الإصلاح” وألجأت إليه الكلمة “الطيّبة”. ومفرداته كما – وصفتَ – ركيكة، لا يفرح بها إلاّ مرتقبُ ذهابِ ألفتِنا ورِيحِنا وبالتالي فشلنا… وإنّي لأعجب من أحدنا يدافع عن أخيه أو عن ثلّة قليلة من إخوانه، يرمي بمشروع أمّة (نجحت التجربة أم فشلت) في سلّة التاريخ دون نظرة منه إلى سبق أو التزام بمبدإ أو إصرار على تقوى، ممّا يزيد القناعة عندي بأنّ الذي ألجأ إلى ذلك لم يكن مبدأ إسلاميّ، كان قد منع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من قبل من قتل مَن ظهر نفاقه خشية أن يتردّد عند النّاس (المتربّصين) بأنّ محمّد يقتل أصحابه، ولكنّه أمر ممّا يعلم اللهُ ولا أعلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل… على أنّي أظلّ محاربا مستنكرا لمن يرمي إخوانه بالكفر لتصرّف (مهما كان) قد اقترفه، معتبرا أنّ أخي الذي اختلفت معه في الرّأي هو أقرب منّي منزلا ومنزلة وأنفع لي في ديني ودنياي في عاجل أمري وفي آجله، وهو ما يدفعني إلى عدم تبديله أو المتاجرة بعرضه – عياذا بالله تعالى –، ولكنّ ذلك لا يمنع قول كلمة أدفع بها شبهة أو أقوّم بها معوجّا أو أرجو بها رجعة إلى الحقّ… –        أؤيّد ما جاء في دعوتك: ” وإنّني بحكم القمع الذي مورس علينا في البلاد فإنّي أدعو إلى الاستفادة من مناخ الحريات الذي ننعم به في بلاد الغرب، فإلى مزيد من النقد الذاتي والى تعزيز مناخ الحوار الهادف (قلت: ونقد الآخر وانتقاده، فهو يحدث في الغرب كذلك، سيّما إذا حاد هذا الآخر (الحاكم) عن الخطّة التي كسب بها الانتخابات)، كما أدعو المستفيدين الذين أهلكهم الرّضا على أنفسهم والطّمأنينة على مواقعهم إلى تطهير قلوبهم وتنظيف أقلامهم وكفاكم تحريكا للاسطوانات البالية ويكفي من الترهيب وزرع النزاع والكراهيات وتعكير صفو الأنفس، وليبق الخلاف بينكم في الفكر ولا تنقلوا الخلاف تجريحا في ذوات الأشخاص ولا تكونوا من الخوارج الذين كفّروا من خالفهم وأباحوا دمه. وكفاكم أن تجعلوا الاستبداد هو سبب ما أنتم فيه اليوم من عدم قبول النصح والمراجعة وكفاكم من قول نحن راضون عن أنفسنا ونحن مظلومون وما ظلمنا إلا الآخرون. فكفاكم من المبررات وكفاكم من البحث في كل مرة عن كبش فداء”. كما أريد التعبير عن موافقتك التامّة فيما أردتّه: ” أريد من المتحاورين أن يتخلّوا عن التعصب للحزب والولاء للرجال فإنّهما يورثان الشّعور بالحق المطلق ومن كان كذلك أعطى لنفسه الحقّ المطلق بالتكلم باسم الله وهذا ما لمسته من تلك الحملة البائسة التي يشنها الحزبيون على رافعي لواء الإصلاح. إنّ الحزبيّ المتعصّب يحتاج إلى إسعاف عاجل لأنه في حالة هلاك محقق، فهذا النّوع من البشر مستعدّ أن يقاوم بتلك العصبيّة إلى آخر رمق من حياته وبئس الخاتمة.لأنّ المسكين تشكّل ليكون كالميّت أمام تنظيمه فهو أداة لا يفكّر إلاّ بطريق وضعه له غيره وهو كَلٌّ عاجز يشقّ عليه البحث عن الحقّ.  كما تمنّيت عليك وأنت تدافع عن فكرة تعرّضت إلى النقد اللاّذع – كما أشرت – إلى دعوة أصحابها إلى الأخذ بنصائحك، فلا يتمسّكوا بفكرة الحزب الواحد لينطلقوا في أيّامهم ولياليهم يدعوننا إلى الانضمام إلى التجمّع الذي صنعه المغيّرون، ولا يتعصّبوا للأشخاص الذين برزوا هذه الأيّام والمتمثّلين في هذا الرّجل أو ذاك (ممّن عمل أيّام الرّخاء في النّهضة لسبب ما وانقطع عنها أيّام الشدّة التي تمعّش منها “المحافظون” لسبب ما) ممّن كشف “فساد الرّجل الكبير فينا”. دون أن تغفل أخي على توجيه النّصيحة بعدم جواز مناصرة من اعتدى على حرمات النّاس من أمثال هذا الرّجل الذي لا ينام أكثر من أربع ساعات في اليوم. (*)، ولعلّ الأيّام تكون كفيلة بإنارة الحقّ وإنصاف متّبعيه… وغفر الله للجميع وأصلح الشأنَ جميعا… ــــــــــــــــــــــــــــــــ (*): بلغني أنّ الأخ الهاشمي قد أخبر عبر المستقلّة (عن المحافظين) أنّ السيّد الرّئيس زين العابدين بن علي لا ينام في اليوم الواحد (24 ساعة) سوى أربع ساعات، تفرّغا منه لشؤون البلاد! ولعليّ أعود إلى موضوع النوم هذا إن كان في العمر بقيّة وإن توفّرت لي الأسباب. 


 

مأزق المعارضة التونسية.. كلمات على الهواء

د.خــالد الطـراولي ktraouli@yahoo.fr هل يصح فينا اليوم حال الغريق الذي يسعى إلى المسك بكل شيء حتى ينجو من الغرق، فيكون اليأس حالنا والعجز سمة أفعالنا؟ أم هي صورة المنتفض والثائر الذي يرفض الموت ويتعلق بالحياة؟ بين هذا وذاك تقف المعارضة التونسية الحرة اليوم في حيرة من أمرها.
جربت السكون أو المسكنة ودخول بيت الطاعة ولو على أطراف الأصابع أوفي غفلة من الناس، فكان مآلها العدم، فلا صعد سهمها عند مؤيديها حيث تعلقت بها صفات الخيانة والعمالة، ولا نالت رضا الاستبداد خارج الإطار الذي سطره لها…أدوار وهمية وشهرة زائلة ومصداقية في الحضيض!
جربت الصياح والغضب وإنشاء المبادرات والدعوة إلى المقاومة السلمية وإلى الخروج، فوجدت أن الجميع من هواة الدخول وبقي الشعب يرفض حتى سماع صدى أنفاسه وهي تغالبه بالخروج… وصار الصراع وهميا من وراء الحواسيب أو في العلن ولكن بدون مقومات!
جربت المقاطعة فدخلت بيتها وأغلقت أبوابها وظنت أنها إن لم تسمع شيئا داخله، فالصحراء من حولها محيطة، قالت لشعبها هَيتَ لكم، وهي مرابطة وراء الكوة وتحميها الجدران،انسحبت القهقرى دون مشروع بديل سوى المقاطعة، فوقعت القطيعة مع جماهيرها!
جربت المراهنة على المصالحة بمشاريع تحفظ ماء الوجه للجميع وتخرج البلاد من السواد، فوقع تهميشها واستبعادها…
جربت المساومة ورمي المنديل والخروج من الحلبة على صغار ” وسامحوني راني غالط على طول الخط” فما شفع لها ذلك “وجاء يبدل لحية بلحية خسرهم الإثنين”!!!
اعذروني إن بسّطت الأمور في بعض ثناياها ولكني أجزم أن وضع المعارضة التونسية لا يخرج من هذه الحالات أو السيناريوهات التي تشبه الكوميديا، مسرحية بليدة، وجمهور نائم، ولا يريد مغادرة القاعة، وأضواء تأبى على الانطفاء، فتريح الجميع وتستريح! هذه المعارضة التي تعيش ولا شك مأزقا لا يريد البعض البوح به حتى لا يقال أنه يغرد خارج السرب، أو أنه يدعو إلى خطاب العجز والتعجيز، أو أنه ميّال إلى  الضفة الأخرى… اقرأوا إن شئتم أقوال بعض أطراف المعارضة وحواراتهم الأخيرة وسوف ترى المرارة عند البعض وهي تعلو كل حرف وجملة، مرارة من الخيبة ومرارة من الطعن في الظهر، مرارة من الصديق ومن الحليف ومن المنافس… أو ترى حالة الشك وبعض الإحباط وحتى اليأس يلف مكامن القول والفعل…  انظروا إلى بعض المقترحات والمبادرات الأخيرة وسوف تجدون رائحة العجز والإحباط المقنع واليأس… تسليم بالموجود والمراهنة على المجهول وحتى على اللا معقول… انظروا إلى حال البعض في مقترحاته وهو يسقط حقوقه وحقوق الآخرين قطعة قطعة وهو يذكّرك بالقصة المعروفة لذلك المروزي الذي قيل له وهو يريد إثبات ذاته بنزع كل ثيابه حتى يعرفونه، “والله لو خرجت من جلدك ما عرفتك”!!
ليس سهلا أن تشخّص العلّة، وإن كان الداء في حالنا يبدو أقل تخفيا وأكثر فتكا، ليس هيّنا أن ترفع أصابع الاتهام وأنت المتهم والمدعي والقاضي، غير أن استفحال المرض والذي تستشفه بين الأسطر والأقوال والأفعال، يؤكد دون مواربة أن هناك أزمة داخل المعارضة التونسية، هناك مأزقا في خطابها وفي حراكها وفي منهجية عملها، هناك أمراض عديدة تنهش أطرافها وتلبد سماءها وتهمّش دورها وتضعف فعاليتها، أمراض مللنا ذكرها والتعرض إليها لأنها أصبحت من المسلمات والبديهيات التي يعلمها الكثير والتي لا يزال الاستبداد يراهن على دوامها، لأنه يعلم أن بقاءه ليس وليد صحته وسلامته ونجاعته، ولكنه نتيجة غياب البديل الجدي والواعد والفاعل…! المرض، زعامتية مفرطة حيث يلوح من بعض الخطابات قولة لا سلامة من دوني وليس بعدي إلا الطوفان..، المرض، استناد إلى التاريخ أكثر من الجغرافيا، استناد إلى الأمس أكثر من اليوم والغد، استناد إلى شرعية التاريخ وأشهر السجن وسنوات المنفى أكثر من الاستناد إلى الفعالية اللحظية ومناسبة الشخص والفعل والمنهجية لعنصري الزمان والمكان…المرض، نرجسية غالبة، الكل يزعم أنه سوف يأتي بما لم يأت به الأوائل، ويرفض البناء على من سبق ولو كان فيه كثير صحة وسلامة..، المرض، لعب لأدوار وهمية والمراهنة على شهرة زائلة ومواقع فجة ورسائل غير مضمونة الوصول…، المرض، الشدة والمغالاة، وخلط بين الحزم والتشدد، رفض للحلول الوسطى التي تقرب ولا تبعد، وتبني للمستقبل ولا تتسرع وتحرق المراحل، وتشبث غريب ومزعج “بالقناعات” التي يراها أهلها أنها لا تناقش، كالحجرة الصمّا في واد غير ذي زرع.
دعوا عنا النرجسية وغلبة الأنا، دعوا عنا الحلول المغشوشة والمساومات المفضوحة، دعوا عنا الشدة في غير موقعها، والتذلل والانسحاب والسقوط بدعوى المرونة…دعوا عنا التفسير التآمري للماضي والحاضر، وعلينا بأنفسنا من غير جلد للذات أو نبش للقبور…إني لأقف في بعض الأحيان صامتا أداعب قلمي، يصفعني الملل والضجر، أحدث نفسي عن مشوار المعارضة ولا أجد غير الصحراء ترافقني في دربي أو تدغدغني بين الفينة والأخرى أضغاث أحلام…
 لن أسترسل في الحديث فهي كلمات على الهواء، تؤكد ما سبق، وتذكّر بما حصل، ليست جلدا للذات، ولا وقوفا على الربوة، ولا فرارا من المسؤولية، ولكنها هموم اللحظة وثورة الإرادة والعزيمة للخروج من هذا المأزق الذي طال ليله ولعله يزداد ظلمة وفتكا، وهي دعوة صادقة وعلى استحياء لضرورة الإحساس الجماعي بخطورة الموقف والمسؤولية الكبيرة تجاه وطن جريح ومواطن مكلوم يبحث، ولو بصمت أحيانا، على خلاص، ولا يجد فينا غير السراب…
المصدر : ركن “اللقاء السياسي” موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net  

 عبد الله الزواري جبل راسي

سألت صديقا* للسيد عبد الله الزواري إن كان يعرف عنه بعض المواقف النادرة حتى أدونها في مقالة تكون مني مساندة رمزية لمعاناته ومحنته ولكن صاحبنا أجابني بأن الرجل جبل صبور حياته كلها جد، قلما تراه ضاحكا أو مبتسما، فوجدت ضالتي فيما قال وتأكد لي أن سلطتنا حكيمة لا تعبث وذلك أن إبعاد السيد عبد الله الزواري إلى الجنوب التونسي ليس عملية نفي كما يصف هو وأصحابه وإنما هو رفع لمقامه وصلة لرحمه فالرحم من الله من وصله وصله، ولأن أرض الجنوب منبسطة قليلة الجبال مقارنة بأرض الشمال ـ وقد جعل الله تعالى الجبال أوتادا حتى تثبت الأرض فلا تميد بسكانها ـ استوجب الأمر تحويل بعض الجبال إليها!!
 وإنه لعين الحكمة أن توزع الجبال على كامل تراب الوطن حتى لا يختل التوازن وتضطرب الأرض . ففي مثل هذه الحالات يحق لولي الأمر أن يقدر الأمور بما يراه صالحا دون الرجوع للمعني بالأمر لأن المصلحة العامة مقدمة على المصالح الشخصية ولا يجادل مجادل بأن استقرار أرضنا وحمايتها من الزلازل والبراكين مقصد عام يهون دونه تذمر “جبل” إذا غرس في مكان ما كالوتد ليستقر أمرنا!! غريب أمر السيد عبد الله الزواري، لا أفهم معنى تذمره وقد اختار لنفسه أن يكون جبلا واختار له ولي الأمر أن يكون وتدا والمعنيان متقاربان  “وجعلنا الجبال أوتادا””!! يا سيد عبد الله مكانك حيث أنت لا يمكن أن يعوضك فيه “مسمار مصدد” وإن كان يحق لمثلي أن ينصح مثلك فإني أنصحك بما نصح به المعتمد ابن عباد نفسه وهو في سجن يوسف ابن تاشفين بعد أن كان ملكا يسبح في النعيم، حيث يقول:
اقنع بحظك في دنيـاك مـا كـان **  وعز النفس إن فارقت أوطانــــا ففي الله من كل مفقود مضى عوض ** فأشعر القلب سلوانا وإيمــانــا أكلما سنحت ذكـرى طربـت لها ** مجت دموعك غي خديك طوفانــا أمـا سمــعـت بسلطان شبيهك ** قد بزته سود خطوب الدهر سلطانا وطن على الكره وارقب إثره فرجا ** واستغفر الله تغنم منــه غفرانا ما حيرني في جبلنا أن زرعه كالوتد لم يمنعه من الحصاد والعلم والتدبر والسمع والرأية والقراءة والنقل والمناجاة!! وبما أنه يعشق النقل فإنني أنقل له أبياتا من قصيدة “جبل” لبحري العرفاوي:
إني هنا الراسي جبلا قدمي في الطين راسخة ومرفوع في المدى راسي (….) إني هنا الراسي عنيدا تخر إلى قدمي الحكومات وينتحر على بوابة أضلعي من همّ بإنكاسي (….) فأراكم أيها الموتى… عبيدا مهطعين رؤوسكم لنخاس إني هنا الراسي أشير على البحر بطأطأة                فيغسل قدمي وعلى القصور الطاغيات                      بهمهمة فتميد وترتعش الكراسي . . . إني هنا الراسي جملا على الصحراء مصطبرا ومنتصبا ومبتلا بوعيي وإحساسي . . . ولست “هابيل” أسلمكم دمي وأهديكم على طبق روحي أو أنتحر من الياس (…) بعد هذا النصح والإرشاد لم يبق لي إلا أن أقول لك أنعم بزيتون جرجيس الشهير وزيته الممتاز وربيعه الجميل وكن حيث أرادك ولي الأمر أن تكون !! والله المستعان على ما تصفون!! ـ
* هو الهادي بريك الذي روى لي أنه كان في السجن سنة 87 مع عبد الله الزواري وهما الوحيدان اللذان بقيا سنة كاملة من غير زيارة وقد كان الأخ الهادي يتأثر عندما ينادى على إخوانه المساجين للزيارة وأما عبد الله فلم يبدو عله أي تأثر ولم يتغير له وجه وكأن كل الزيارات تأتي إليه.                                                 صــابر التونسي

 

في مثل هذا اليوم من سنة 2003 و من غرفته في العزل الانفراديّ أرسل الأخ عبد الكريم الهاروني هذه الرّسالة  بسم الله الرّحمن الرّحيم                                                                               السّجن المدني بصفاقص في      والصّلاة و السّلام على                                                                               12 ربيع الأوّل 1424 النّبيّ الصّادق الأمين                                                                                  14 ماي 2003

أبي الحبيب، أمّي الحبيبة اخوتي الأعزّاء، أهلي الكرام

السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته، كلّ عام و أنتم و المسلمون بخير في نهضة مستمرّة لاصلاح حالنا مع الله و رسوله و كتابه
و فيما بيننا و مع الآخرين فنعود خير أمّة أخرجت للنّاس         
قال الله تعالى:” الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ  الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّورات و الانجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحلّ لهم الطّيّبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم اصرهم و الأغلال الّتي كانت عليهم.فالّذين آمنوا به و عزّروه و نصروه و اتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون”.  صدق الله العظيم قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و هو الصّادق الأمين:”بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق”. تهانيّ و تخيّاتي و دعواتي لكم يا أعزّ النّاس في ذكرى مولد أعظم النّاس و أحبّهم الينا، مثلنا الأعلى: رسول الاسلام المبعوث رحمة للعالمين: محمّد بن عبد الله حفيد ابراهيم، عليه و على جميع الأنبياء و المرسلين أقضل الصّلاة و أزكى التّسليم.
 اقتضت حكمة الله أن يكون مولده الشّريف “عام الفيل”، عام قال جدّه عبد المطّلب:” للبيت ربّ يحميه”  وقد عجز قومه على ردّ العدوان على مكّة عاصمة العرب لهدم الكعبة و فرض دين آخر عليهم بقوّة السّلاح، فحمى الله البيت الحرام أؤّلا بردّ المعتدين بجند من جنده فجعل كيدهم في تضليل و جعلهم كعصف مأكول ثمّ حماه ثانيا بمولد محمّد و ميلاد دين جديد أنقذ العرب من الجاهليّة و حرّر مكّة من الطّغيان و طهّر الكعبة من الأصنام و بشّر الانسانيّة برسالة الاسلام لتهتدي بنور القرآن في كلّ زمان و مكان.فأكرمنا الله بدين هو خير ما في الأديان، حرّر العقول و دخل القلوب و فتح الأوطان بالحكمة و الموعظة الحسنة و العمل الصّالح و مقاومة الظّلم و ردّ العدوان. كما اقتضت حكمة الله أن يكون يوم وفاته عليه الصّلاة و السّلام نفس يوم مولده في الثّاني عشر من ربيع الأوّل و قد ترك لنا كتاب الله و سنّة رسوله و أمّة تأمر بالمعروف و تنهى عن  المنكر  و تومن بالله و دولة تقوم على الشّورى و العدل و كرامة الانسان تلتزم شرع الله و لا تكره المخالفين للاسلام. فلا غرابة أن لا تعرف البشريّة في تاريخها دعوة أو دينا انتشر بسرخة انتشار الاسلام في مشارق الأرض و مغاربها رغم تواضع الوسائل و الامكانيّات. فقام نظام عالميّ جديد تأسّس بنيانه على دعوة القرآن الكريم في قوله تعالى:”يا أيّها النّاس انّا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا انّ أكرمكم عند الله أتقاكم انّ الله عليم خبير”. فلا تمييز بين الرّجل و المرأة و لا عنصريّة بين القبائل و لا عدوان بين الشّعوب و انّما تعارف و تنافس في الخير و تعاون على البرّ و التّقوى لا تعاون على الاثم و العدوان.
 كما اقتضت حكمة الله أيضا أن يكون يوم هجرته نفس يوم مولده و يوم موته عليه الصّلاة و السّلام، ولأنّ أصحابه رضوان الله عليهم تربّوا في مدرسة النّبوّة و تخرّجوا مستنيرين بهدى القرآن و رغم حبّهم الصّادق و الكبير لشخصه الكريم فانّهم لم يؤرّخوا  بمولده أو وفاته بل بهجرته لأنّ المولد و الوفاة يتعلّقان بمحمّد الانسان و يشترك فيهما مع كلّ البشر أمّا يوم الهجرة فيرمز  الى محمّد الرّسول و هو يؤسّس  أمّة الاسلام بنواتها الأولى: المهاجرون و الأنصار ، و دولة الاسلام بدستورها الأوّل: الوثيقة الّتي حدّدت الحقوق و الواجبات بين سكّان يثرب من المسلمين و غيرهم بما في ذلك أهل الكتاب و أساسا اليهود، و حضارة الاسلام و عاصمتها الأولى: المدينة و هكذا فلئن مات محمّد الانسان فانّ محمّدا الرّسول لم و لن يموت الى يوم الدّين. فجازى الله عنّا محمّدا البشر الرّسول كلّ خير فقد بلّغ الرّسالة و أدّى الأمانة و جاهد في الله حقّ جهاده. ألم يحاول قومه اغراءه بالملك و المال تارة فكان ردّه حاسما و مدوّيا:”و الله يا عمّي لو وضعوا الشّمس في يميني  و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتّى يظهره الله أو أهلك دونه”، و تارة أخرى بالتّآمر عليه لسجنه أو قتله أو نفيه فكان ردّه واثقا و متحدّيا و هو في الغار يقول لصاحبه:”لا تحزن انّ الله معنا” صلّى الله عليه و سلّم. و يوم رجع الى قومه فاتحا مكّة كان ردّه ساميا و متسامحا:”اذهبوا فأنتم الطّلقاء”.
و اليوم و أنا أحتفل معكم بالمولد النّبويّ الشّريف و لكن من غرفتي في السّجن و أحتفل مع المسلمين و هم مستضعفون في الأرض و قد أرهقهم الاحتلال  و العدوان و الاستبداد و النّفاق و الخلاف و الفقر، فانّي بقدر ما أتألّم لما آلت اليه الأوضاع في بلاد المسلمين-بما كسبت أيديهم-فكثر الطّامعون في أرضهم و ثرواتهم و المتحدّون لمقدّساتهم الى حدّ تجرّء بعض الأصوات من المتحاملين على شتم نبيّنا محمّد صلّى الله عليه و سلّم و نعته بالارهاب”كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون الا كذبا”. يحصل هذا خاصّة في أمريكا الّتي تنصّب نفسها لما تسمّيه:”قيادة العالم الحرّ”،  و على أيدي مسيحيّين متحالفين مع اليهود الصّهاينة، فهؤلاء وأمثالهم ان لم يقتنعوا بالاسلام فهذا شأنهم ف “لا اكراه في الدّين” أمّا أن يسبّوا الاسلام و الرّسول عليه الصّلاة و السّلام فهذا ليس من حقّهم و لا علاقة له بحرّيّة المعتقد و حرّيّة التّعبير لأنّ الاختلاف و لو في الدّين يقتضي الاحترام للمخالف كما علّمنا نبيّنا محمّد في معاملة أهل الكتاب بالاحترام و العدل و الاحسان بما يضمن حقوقهم في دينهم و أنفسهم و أموالهم، فقال  و هو يضع دستور الدّولة الاسلاميّة في المدينة بعد الهجرة:” لهم ما لنا و عليهم ما علينا”. فأين ردّ المسلمين علماء و أحزابا ومنظّمات و جماهيرا دفاعا عن نبيّهم و عن دينهم الّذي أخرجهم من الظّلمات الى النّؤر؟ أم  سنقول كما قال عبد المطّلب من قبل:للدّين ربّ يحميه” ؟ ا و الحال أنّ الله قال لنبيّه:”وان يريدوا أن يخدعوك فانّ حسبك الله هو الّذي أيّدك بنصره و بالمؤمنين”. جعلنا الله من المؤمنين الّذين نذروا حياتهم للدّفاع عن الانسان و الوطن و الدّين و تجديد الاسلام و نهضة المسلمين لما فيه خير العالمين.
 بقدر ماأتألّم فانّي مستبشر بوجود مقاومة شاملة على مستوى العقول و الأخلاق و القوانين و المصالح و الميدان في بلاد العرب و المسلمين و تقدّم للاسلام في كلّ البلاد و لو كره المجرمون،فبارك الله في المقاومات و المقاومين حتّى النّصر المبين.

 

 و السّلام  كريم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

من أحوال الكفر والنفاق في القرآن الكريم

د. محمد الهاشمي الحامدي
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) (سورة البقرة). * * * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) أنوار القرآن الكريم مصدر الهداية للإنسان. فيها الأخبار الصادقة، والتوجيهات السديدة، والمعلومات الموثوقة. ومن هذه المعلومات ما ينزل به الوحي على خاتم النبييين محمد صلى الله عليه وسلم، من تأكيد قاطع بأن من الناس طائفة اختارت الكفر عن عمد وتصميم واستكبار، رغم تواتر الأدلة أمامها بتأكيد وجود الله عز وجل، وبأنه خالق الإنسان والأكوان، وأنه وحده لا شريك له الجدير بالعبادة. هؤلاء المعاندون الجاحدون لن ينفع معهم تذكير ولا نذير. خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7)                                 مشكلة هؤلاء الجاحدين أنهم أمعنوا في إنكار ألوهية الخالق عز وجل، ورفض التعاليم التي تضمنتها رسالات محمد وأخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين سبقوه صلى الله عليهم جميعا وسلم، حتى اسودت قلوبهم من العناد والصد، وأغلقت بأقفال من حديد أمام أنوار الحق ودعوات الإيمان، فلم يعد يصل إليها وعظ أو إرشاد، ولم يعد يغيّر ما بها قول أو دليل. وهؤلاء نقيض كامل للبشر المتقين المهتدين، الذين تبينت صفاتهم في الآيات الأولى من سورة البقرة. وبين الطائفتين طائفة ثالثة يبدأ الحديث عنها في الآية الثامنة من السورة. وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) هؤلاء أهل الخداع والكذب، أهل التضاد بين الظاهر والباطن، أهل السفه والفساد. يقولون للمؤمنين إنهم منهم، يشاطرونهم الإيمان بالله وباليوم الآخر، لكنهم يبطنون غير ما يقولون، ويظهرون خلاف ما يعتقدون. وقد انكشف أمرهم أمام من ادعوا الإيمان به، متناسين أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فكشف حقيقتهم واطلع على أسرارهم، ورأى منهم ما فساد المعتقد. يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) لذلك يسخر منهم القرآن الكريم، ويكشف أن سوء صنيعهم لا يرتد إلا عليهم. فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) هؤلاء المنافقون اعتلت قلوبهم، من جراء ما سكنها من الشك في آيات الله والجحود لآلائه، ومن جراء النهج الذي اعتمدوه في الغش والنفاق. فعاقبهم الله تعالى بما يستحقونه من زيادة المرض في قلوبهم، خاصة وهم يرون نعم الله وأفضاله تترى وتكبر لصالح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين، فيزيدهم ذلك كمدا وحزنا وحسدا. وهم من بعد ذلك كله مقبلون على عذاب أليم في الآخرة بسبب هذا النهج الفاسد الذي اختاروه لأنفسهم، نهج النفاق والغش والخداع. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) هذه القلوب المعتلة بالنفاق لم تعد قادرة على تمييز الصواب من الخطأ، وطريق الفوز من طريق البوار والخسارة. إنهم يسمعون في القرآن الكريم دعوات قاطعة تحثهم على التخلي عن نهجهم الباطل الفاسد، وهي دعوات تتردد بقوة في مجالس المؤمنين، وفي مواعظ خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. ماذا يفيدهم أن يصروا على مخادعة خالقهم، وموالاة أعداء الإيمان والمؤمنين، وصدّ الناس عن التجاوب مع مبادئ الدين الجديد المنتصرة للتوحيد والعدل والحرية، مع ما ينجر عن هذا كله من فساد سياسي واجتماعي وأمني في دولة المدينة المنورة التي كانت مستهدفة من قوى الشرك والطغيان والديكتاتورية؟ إذا واجه المنافقون مثل هذه الدعوات الصادقة، والاسئلة الصريحة المحرجة، كانت دعواهم أنهم هم المصلحون، الذين يريدون الخير لأنفسهم ولمن حولهم. لكن هل يأتي صلاح ممن بنى معتقده وسلوكه على الغش والخداع والكذب؟ لذلك يأتي الرد واضحا قاطعا من عند الله عز وجل. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) إن مما يعمق مأساة هؤلاء المنافقين أنهم صدقوا أكاذيبهم وحيلهم حتى ما عادوا قادرين على أن يروا ما حل بهم من سوء وما ينتظرهم من عقاب، وغدوا غير قادرين على استيعاب الحقيقة الكبرى بشأنهم، وهي أنهم هم وحدهم المفسدون، وأنهم أبعد الناس عن الإصلاح وأهله. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) النفاق يقود إلى التكبر والعناد. وهؤلاء الذين سجّل القرآن الكريم سوء مذهبهم وفساد عقيدتهم وانحطاط سلوكهم، يردّون كل دعوات الخير التي تأتيهم من عند الله عز وجل ومن عند نبيه صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين. إنهم يُدعون إلى الإيمان الصحيح، القائم على الصدق مع النفس ومع الله، الذي يعطي الحياة الإنسانية معناها الصحيح، والذي ينبني على عبادة الله وحده لا شريك له، ويقود إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. لكن جوابهم سخيف جدا. يزعمون أنهم أعلى مقاما وأكبر شأنا من أن يؤمنوا مثل ما آمن بلال بن رباح ومصعب بن عمير وعمار بن ياسر وابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب وعلى بن أبي طالب وعثمان بن عفان وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم، وغيرهم من أعلام الجيل الأول من المؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ويصفون هؤلاء المؤمنين الذين انتصروا للتوحيد وقيم العدالة والحرية ومكارم الأخلاق بالسفهاء. لكن الله تعالى يثبت في كتابه العزيز الذي يتلى على مر الدهور إن المنافقين هم السفهاء الذين ضيعوا أنفسهم واستغنوا عن عقولهم. لو كان لهم عقل يرشدهم إلى الخير والفلاح لأطاعوا الله ورسوله ولاستجابوا لدعوات الإيمان الصادق الصحيح، ولأدركوا أن حبل الكذب قصير، ونهج النفاق والخداع لا يليق بالإنسان الشريف الذي يحترم نفسه. لو كان لهم قدرة حقيقة على تمييز الحق من الباطل لأدركوا كل هذا ولأنقذوا أنفسهم، ولكنهم لا يعلمون.  

 


الإرهاب والانتماء والنّقد المزدوج

د. رجاء بن سلامة في صائفة 2004 كان جاك درّيدا يصارع الموت، وكان مقبلا على “موت الفلاسفة”، أي موت الإنسان الأعزل من كلّ وهم. إنّه كما يقول “مطلق الموت”، أي الموت عندما يكون عاريا بلا  “خلاص ولا بعث ولا شفاعة”. في تلك الأثناء نشرت له صحيفة لومند الفرنسيّة آخر حوار له، وكان يحمل عنوان “أنا في حرب مع نفسي”. تحدّث في هذا الحوار عن هذا الموت العاري من الوهم، وعن ضرورة إيجاد “عالميّة جديدة”، وعن قضايا شتّى، وبقيت في ذاكرتي من هذا النّصّ ما اعتبرته في ما بيني وبين نفسي، ولأسباب تخصّني، وصايا سياسيّة لدرّيدا، أو كلاما ذا طابع وصائيّ، بما أنّه كلام أخير. ربّما نسيت هذه “الوصايا”، ولكنّني عدت إليها وأنا أعدّ للنّشر مقالا كنت كتبته عن الإرهاب والإعلام منذ سنة، ولم أقدر على نشره اليوم كما هو. 
ممّا جاء في هذا الحوار قوله : “… اليوم، وفي الوضعيّة الجغراسيّة التي هي وضعيّتنا الرّاهنة، أوروبّا، أوروبّا أخرى ولكن لها نفس الذّاكرة يمكن لها (هذه على الأقلّ أمنيتي) أن تتجمّع في الوقت نفسه ضدّ سياسة الهيمنة الأمريكيّة (تقرير فولفيتز، تشيني، رمسفيلد، إلخ) وضدّ الهيمنة اللاّهوتويّة العربيّة الإسلاميّة التي لا أنوار لها ولا مستقبل سياسيّا.” ولكنّه لم يتمّ هذه الجملة دون أن يتحفّظ ويحفظ فكره من التّبسيط والابتسار كعادته : “ولكن علينا أن لا نهمل التّناقضات والاختلافات داخل هاتين المجموعتين، ولنتحالف مع كلّ من يقاوم داخل الكتلتين”. وأعتقد أنّ أمنية درّيدا لما يمكن أن تنتهجه أوروبّا، أوروبّا الأخرى الآتية، يمكن أن يكون نهجا للمثقّف الموجود في العالم، مهما كانت الكتلة التي ينتمي إليها بحكم مولده وحياته، لما سنعود إليه من تعقّد قضيّة الانتماء، ولما ذكره درّيدا في هذا الحوار-الوصيّة من ضرورة إيجاد عدالة على النّطاق العالميّ. إنّ حديث درّيدا عن الهيمنتين اللاّهوتويّة الإسلاميّة والأمريكيّة يعيدنا إلى ضرورة الوعي بأهمّيّة النّقد المزدوج، باعتباره وضعيّة إيطيقيّة يمكن أن تكون مخرجا لنا من منطق العنف والعنف المضادّ، ومنطق التّعصّب والتّعصّب المضادّ، ومن منطق صراع الحضارات كما تريد ترسيخه الإيديولوجيا الإرهابيّة وضديدها في خطابات الحرب على الإرهاب. أقول هذا رغم أنّ “التّفكيك” مختلف عن النّقد، ولكنّني لا أريد الدّخول في تفاصيل دقيقة لا يتّسع لها المجال في هذا المقال.
وصايا درّيدا السّياسيّة وأقواله في الإرث والانتماء عادت إلى ذاكرتي وأنا أفكّر في موضوع الإرهاب الإسلاميّ، وأفكّر في الوقت نفسه في ما تلقّيته من رسائل وجّهها إليّ عرب مسيحيّون، منهم من يريد أن يعرف ما إذا كنت مؤمنة بالإسلام أم لا، لتطمئنّ نفسه أو ليتّخذ قرارا بشأن ما أكتب، ومنهم من أرسل إليّ آيات وأحاديث تثبت تأصّل العنف في الإسلام وفي نصّه المقدّس بالذّات. يطلب هؤلاء القرّاء من الكتّاب المتواضعين القلقين أمثالي موقفا واضحا صريحا يصنّف في خانة مع أو ضدّ، مع الإسلام أو ضدّه، مع الحرب على الإرهاب أو ضدّها، مع اعتبار الإسلام دين إرهاب أم لا. وكان عليّ أن أتعلّم من درّيدا فعل المقاومة لرغبتي ورغبة غيري في الآراء الجازمة المبسّطة وفي الثّنائيّات الواضحة وضوح الشّمس. ولكنّ إخواننا المنزعجين عن حقّ من العنف الإسلاميّ، والذين عانوا ولا شكّ الأمرّين من التّعصّب في بلدانهم الأصليّة، يطرحون علينا سؤالا جادّا متعلّقا بالذّاكرة وبالإرث والانتماء، وبعلاقة الإرهاب الإسلاميّ المعولم اليوم بالعنف الحربيّ الذي مارسته المجموعة الإسلاميّة النّاشئة في غزواتها التي سمّيت “فتوحات”، وعلاقة مسلم اليوم بالعنف الذي ارتبط بالأصل وبالمقدّس.
الإرهاب فعل لاأخلاقيّ لا أفق سياسيّ له لأنّه عنف مناف للسّياسة، بل إنّه يمثّل نقلة نوعيّة في العنف لأنّه لا يواجه الدّولة فحسب، بل يريد أن يحلّ محلّها، ليقيم إماراته الإسلاميّة وشرائعه هنا وهناك. ولكن انعدام أفقه لا يعني زوال قدرته التّدميريّة، بل كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّه لن يضمحلّ بسرعة، ومن هذه المؤشّرات ما يحصل في العراق، ومنها الإعلان مؤخّرا عن قيام تنظيم القاعدة في “المغرب الإسلاميّ”.
يقول أحد الفلاسفة المعاصرين إنّه “لا يوجد شيء أكثر بشريّة من هروب الإنسان أمام نفسه”، وهذا ما ينطبق تماما على علاقتنا بالإرهاب. يكاد الكلّ يجمع على أنّ الإرهاب أمر مدان في النّهاية، ولكن يكاد الكلّ يجمع على عدم إدانته. والنّتيجة هي أنّنا في غضون السّنوات السّتّ الأخيرة، لم نشرع حقّا في بناء ثقافة اللاّإرهاب واللاّعنف، ولم نشرع في  إصلاح منظوماتنا التّبويّة والإعلاميّة والدّينيّة في هذا الاتّجاه، بل لقيت دعوات الإصلاح المزيد من الحيطة والحذر.
 فبعض الفضائيّات العربيّة تواصل فتح منابرها لشيوخ الإرهاب وتتعامل مع خطاباتهم الهذيانيّة على أنّها فكر يحمل مشروعا قابلا للاحترام والنّقاش والتّمجيد. وقد نجحت هذه الفضائيّات إلى حدّ ما في تحويل فاعلي الإرهاب إلى رموز يتماهى معها بعض الشّباب الإسلاميّ، عبر التّرغيب في لقاء نفس المصير البطوليّ الأضحويّ ونفس الجزاء الآخرويّ. بل ارتكبت بعض هذه الفضائيّات أخطاء أخلاقيّة أرجو أن تحاسب عليها في يوم من الأيّام، تمثّلت في تكرار بثّ الأشرطة التي يرسل بها الإرهابيّون، ممّا يخلق وضعيّة تأثير تنويميّ suggestion معروف في علم النّفس، وقد يؤدّي فعليّا إلى تنفيذ أفعال إرهابيّة. وإلى اليوم يعدل بعض إعلاميّينا عن تسمية الإرهاب إرهابا، باللّجوء إلى تسميات تمجيديّة من قبيل “عمليّات استشهاديّة”، أو إلى عبارات من قبيل “ما يسمّى بالإرهاب” أو “ما يعرّف بالإرهاب”. ويصرّ الكثير من مثقّفينا ومحلّلينا السّياسيّين على  الخلط بين الحكم المعياريّ على الإرهاب والموقف المعرفيّ، بحيث أنّ لحظة تحليل أسباب الإرهاب تؤدّي عندهم إلى رفع المسؤوليّة عن مقترفي جرائم الإرهاب. ويصرّ هؤلاء أيضا على تجاهل التّعريف الذي اعتمدته المجموعة الدّوليّة للإرهاب، وهو تعريف لا يهتمّ بنوعيّة القضيّة المدافع عنها ولا بوسيلة الدّفاع، بل يهتمّ بنوعيّة الضّحايا، بحيث أنّ العمل الإرهابيّ يشمل كلّ استهداف للمدنيّين وغير المحاربين. ويمكن أن أقدّم مثالا على ذلك البيان الذي وقّعته نخبة من المثقّفين العرب، في مايو 2003، وعنوانه “مفهوم المقاومة والإرهاب : رؤية عربيّة-إسلاميّة”. فقد جاء في هذا البيان : “الإرهاب هو استخدام غير مشروع للعنف أو تهديد باستخدامه ببواعث غير مشروعة، يهدف أساسا إلى بثّ الرّعب بين النّاس، ويعرّض حياة الأبرياء للخطر، سواء قامت به دولة أم مجموعة أم فرد، وذلك لتحقيق مصالح غير مشروعة، وهو بذلك يختلف كلّيّا عن حالات اللّجوء إلى القوّة المسلّحة في إطار المقاومة المشروعة.”
عندما يذكر هؤلاء المثقّفين “اللّجوء إلى القوّة في إطار المقاومة المشروعة”، فإنّهم لا يبالون بنوعيّة الضّحايا لما يعدّونه مقاومة مشروعة. فالقضايا التي يدافع عنها الإرهابيّون هي مشروعة في أذهانهم، ويمكن أن تكون مشروعة في أذهان غيرهم، ولكنّ المشكل لا يكمن في نوعيّة القضيّة بل في نوعيّة الضّحيّة. فهذا التّعريف “العربيّ الإسلامي”ّ يشكو من خطإ تحصيل الحاصل، ويفضي إلى تبرئة كلّ عمل إرهابيّ. والحال أنّه لا توجد قضيّة في العالم يمكن أن تبرّر قتل المدنيّين الأبرياء في مطعم أو مرقص أو محطّة قطار أو مدرسة أو سوق، لمجرّد أنّهم ينتمون إلى معسكر مرتدّ أو محتلّ أو غاشم، والمواثيق الدّوليّة التي يستشهدون  ببعضها لا كلّها تؤكّد الحقّ في المقاومة المشروعة، ولكنّها تؤكّد في الوقت نفسه واجب عدم استهداف المدنيّين وغير المحاربين.
هذا الإصرار على عدم تسمية الإرهاب وعدم إدانته وعدم مناهضته لا يعود في رأيي إلى مجرّد النّقص في الثّقافة المدنيّة السّياسيّة، بل يعود إلى وجود بؤرتين تغذّيان الإرهاب وثقافة الإرهاب، أو تحولان دون إبداع إيجابيّ لثقافة اللاّعنف.
البؤرة الأولى تتمثّل في الحرب على الإرهاب كما تقوم بها الولايات الأمريكيّة المتّحدة وكما تقوم بها الحكومات العربيّة. إنّ المعالجة الأمنيّة للإرهاب ضروريّة، ولكنّها يجب أن تكون مشروطة باحترام افتراض البراءة والمحاكمة العادلة، ونبذ التّعذيب. فالقوّة في حدّ ذاتها ليست عنفا، إنّما تكون عنفا عندما تنتهك القوانين المعمول بها دوليّا وداخل البلد الواحد. والرّدّ على الفعل اللاّأخلاقيّ يجب أن يكون أخلاقيّا، ولذلك فإنّ من أسباب فشل الولايات المتّحدة الأمريكيّة في “حربها” على الإرهاب هو عدم احترامها للمواثيق الدّوليّة، وعدم اعترافها بالمحكمة الجنائيّة الدّوليّة، ورفضها تقديم مسؤوليها للمحاكمة الدّوليّة، وعدم إغلاقها معتقل قوانتانمو، وتصرّفها وكأنّها الوصيّ الأمنيّ على العالم، واعتمادها التّعذيب. لا شكّ أنّ الولايات المتّحدة فتحت التّحقيق في بعض الانتهاكات وحاكمت بعض مسؤوليها، ولكنّ المشكل الأخلاقيّ والقانونيّ يكمن في أنّها تريد أن تكون خصما وحكما، تريد أن تكون خصما وبوليسا عالميّا، ولا تريد أن تعترف بحكَم يمثّل طرفا ثالثا، أي يمثّل الهيئات الأمميّة. وهذه الوضعيّة هي المؤجّجة للغضب والشّعور بالظّلم. فكلّ وضعيّة يكون فيها الخصم حكما، وكلّ وضعيّة يكون فيها الثّالث مقصى هي وضعيّة مضادّة للأخلاق وللقانون وللسّياسة، مؤدّية إلى انتشار “الطّاعون الانفعاليّ” بدل تحكيم العقل. ولهذا كان لسان حال العرب في إنكار وجود الإرهاب : “الإرهابيّون صنعتهم أمريكا، ما تعدّونه إرهابا نعدّه مقاومة، إن كنتم تمارسون إرهاب الأقوياء، فدعونا نمارس إرهاب الضّعفاء اليائسين، لسنا وحدنا إرهابيّين، الحرب على الإرهاب هي الإرهاب، المقاربة الأمنيّة للإرهاب هي الإرهاب…”
والبؤرة الثّانية المغذّية للإرهاب والمانعة من بناء ثقافة مقاومة له، هي علاقة إرهاب اليوم بعنف الغزوات الإسلاميّة، وعلاقة مسلمي اليوم بمسلمي الأمس. وهنا نجد ممانعة وإنكارا من نوع آخر، ونجد حربا كلاميّة أخرى، أحد أطرافها ينكر علاقة الإسلام بالإرهاب، والطّرف الآخر يجعل الإسلام مرادفا للإرهاب. لسان حال العرب المسلمين في هذا النّوع من الإنكار هو : “الإرهابيّون ليسوا من الإسلام في شيء، الإرهابيّون شرذمة ضالّة لا تمثّل مجتمعاتها، الإسلام دين محبّة وتسامح…”
إنّ الظّاهرة الإرهابيّة ككلّ الظّواهر البشريّة لا يمكن أن تفسّر بعامل واحد، بل إنّها تفسّر بتضافر عدّة عوامل وفقا للمبدإ البنيويّ المعبّر عنه بـ”التّضافر البنيويّ الحتميّ” (principe de surdétermination structurale. فلا يمكن أن ننكر علاقة الإرهاب بالبؤس الاقتصاديّ، والحرمان السّياسيّ وسوء إدارة قضايا الشّرق الأوسط، واحتلال العراق، ممّا يؤجّج بدوره “الطّاعون الانفعاليّ”. ولكنّنا لا يمكن أن ننكر علاقة الإرهاب بالإيديولوجيا الاستشهاديّة الجهاديّة التي تستند إلى نصوص من القرآن والسّنّة وإلى مقرّرات فقهيّة منها واجب الجهاد وقتل المرتدّ وحدّ الحرابة وأحكام أهل الذّمّة والولاء والبراء. لا يمكن أن ننكر ما يعجّ به القرآن من آيات تحضّ على القتل والتّرهيب من قبيل :  “وأَعِدُّوا لَهُم ما استطعْتُم من قوَّةٍ وَمِن رباطِ الخيلِ تُرهِبُونَ بهِ عَدوَّ الله وعدوَّكُم وآخرينَ من دونِهِمْ لا تعْلَمونَهُم الله يَعْلَمُهم وما تُنفِقوا من شيْءٍ في سبيلِ الله يُوَفَّ إِلَيْكم وأنتُم لا تُظْلَمونَ” (الأنفال 60). لا يمكن أنّ ننكر أنّ نبيّ الإسلام استند إلى مؤسّسة الغزو البدويّة لينشر رسالته، واقتصّ من أعدائه ومثّل بهم أحيانا. لا يمكن أن ننكر أنّه كان في المرحلة المدنيّة رجل سياسة وكانت أعماله تبعا لذلك خاضعة لمقتضيات السّياسة الماكيفيليّة والتّاريخ، رغم أنّ نمذجته تجعله في الوقت نفسه فوق السّياسة والتّاريخ، ممّا يخلق تناقضا يبعث على الحيرة والألم. ولكنّ ما لا نقرّ به هو أنّ كلّ مسلم مؤهّل لأن يكون محاربا عنيفا. هناك مسلمون معاصرون أرادوا أن يحيّنوا آيات العنف، وهناك مسلمون لا يحيّنونها، بل يجمّدون العمل بها، كما نفعل عندما نضغط على زرّ الكمبيوتر الذي يعني “إهمال” (cancel) ، وهناك مسلمون لا يعملون بآيات العنف بل يعملون بآيات من قبيل “لا إكراه في الدّين”. فالمهمّ ليست النّصوص في حدّ ذاتها بل علاقة المؤمنين بها. ومن العنصريّة بمكان أن نعتبر آيات العنف قابلة لأن تتوارث بصفة جينيّة بين المسلمين. ومن العنف بمكان أن نحوّل الإسلام إلى بصمة تسم كلّ مسلم بالتّعصّب والعنف، ومن التّعصّب أن نعتبر أنّ حلّ مشكلة العنف الإسلاميّ يكمن في خروج كلّ المسلمين من دينهم، وفي اعتناقهم أديانا أخرى لا تجيز العنف.
 ولكنّ عدم وجود صلة مباشرة وآليّة بين عنف الأمس وإرهاب اليوم لا يجعلنا في غنى عن مواجهة المشكل التّأويليّ. فرجال الدّين الإسلاميّ ممثّلين في هيئاته المحلّيّة والدّوليّة يجب أن يتركوا الخطابات الورديّة عن المحبّة والتّسامح ليواجهوا الآيات التي تذهب في اتّجاه معاكس، وليقرّروا بشجاعة أنّ أساليب الحرب ونشر الدّعوة كما مورست في زمن الرّسول لا يمكن أن تمارس اليوم، وعلى الهيئات الفقهيّة أن تعلن إبطال العمل بأحكام الجهاد والرّدّة والحرابة والذّمّة، كما أبطل التّاريخ العمل بالآيات التي تقنّن الرّقّ، لكي يغلقوا الباب أمام من يريدون تحيين هذه الآيات وهذه الأحكام.  وحتّى نعود إلى درّيدا وإلى تعقّد مسألة الانتماء، نقول لإخواننا من العرب غير المسلمين، ومن العرب اللادينيّين، ولكلّ من يرعبهم العنف القداسيّ الحربيّ المرتبط بنشأة الإسلام، إنّ مسلم اليوم يمكن أن يجتهد ليكون مؤمنا ومسلما ونابذا للعنف والإرهاب في الوقت نفسه. فالتّأويل قرار وليس اكتشافا لمعنى، ويمكن للمسلم أن يقرّر ترك العمل بآيات مغرقة في البشريّة، وأن يعمل بآيات أخرى يرى فيها تجسيدا لقيم مطلقة كالرّحمة والمغفرة والعفو. يمكن لمسلم اليوم أن يكون قارئا لابن عربيّ، نابذا لشريعة الفقهاء، ويمكن له أن يكون مثل بعض المصلحين من أصحاب المقاصد إذ يرون أنّ قيم العدل والمساواة والرّحمة أهمّ من الأحكام الظّرفيّة التي لم تسر بما فيه الكفاية في اتّجاه الرّقيّ بمعان إنسانيّة يعتقدون أنّها رغم كلّ شيء موجودة في القرآن. هؤلاء المسلمون، علينا أن لا نستهين بتجربتهم. إنّهم لا ينتمون إلى الإسلام بقدرما ينتمي الإسلام إليهم، عبر فعل إبداعيّ تأويليّ امتلاكيّ يجب أن نساعدهم على تطويره. وهذا الفعل التّأويليّ الذي يطرح قضيّة الانتماء على نحو جديد هو ممّا تعلّمته من جاك درّيدا. هناك إمكانيّات كثيرة في أن يكون الإنسان مسلما، وهناك إمكانيّة أخرى هي أن يكون الإنسان مسلما لا مسلما، كما كان درّيدا “يهوديّا لا يهوديّا”، بمعنى أنّه لا ينكر جذوره اليهوديّة ولكنّ فكره ليس ذا مرجعيّة يهوديّة إيمانيّة، ولذلك أقبل على موته وهو فاقد لكلّ الأوهام المطمئنة.  وبعد كلّ هذا، أقول للمؤمنين من أهل الإسلام والمسيحيّة إنّ كلّ الأديان أبنية من الوهم، من حيث أنّ الوهم ليس الخطأ وليس الحقيقة بل الشّوق الذي يقود الإنسان إلى البحث عن قوّة حامية مطمئنة. وأقول لهم أيضا إنّ موت الفلاسفة لا يقدر عليه كلّ النّاس، وأنّه توجد أديان أكثر عنفا من أديان أخرى، ولكن لا يوجد دين أكثر إيغالا في الوهم من دين آخر. فمن باب آداب الحوار بين أهل الأديان ومن باب نبذ التّعصّب أن يحترم كلّ منهم أوهام الآخر وعجزه البشريّ، وأن يحترم كلّ منهم  قدرة الآخر على أن ينتمي على طريقته الخاصّة، وعلى أن ينتمي دون أن ينتمي. نشر في موقع الأوان www.alawan.com

 

انتخابات رئاسية وبرلمانية لم تقنع الداخل ولا الخارج …الديموقراطية النيجيرية فوق صفيح الفساد والصراعات العرقية… والعسكر

 
توفيق المديني    نالت نيجيريا استقلالها  عن بريطانيافي 1 أكتوبر عام 1960,و يبلغ عدد سكانها مايقارب 140 مليو ن نسمة ,و تبلغ مساحتها 924000 كيلو متر مربع. ففي هذا البلد ذو الاكثرية المسلمة   يتحرك بحر من المجمو عات الاثنية الكبيرة  التي تعتقد أديانا تو حيدية ووثنية لا حد لها.  و يتوزع السكان  في نيجيريا وفق نسب  تقارب 47% من المسلمين( خصوصا في المناطق الشمالية)و 34% من المسيحيين, و19%من أتباع  الديانات الاغريقية التقليدية. وتتميز التركيبة الاثنية في نيجيريا بنوع من التعقيد,فالشمال مسلم تقطنه قبائل ا”لهوسا/الفولاني” و التي تمثل 31%من سكان نيجيريا. و ينتمي مسلمو  مناطق الشمال الى الثقافة الاسلامية في الساحل الافريقي الغربي منذ بداية القرن التاسع عشر,و هم يعتمدو ن تقليديا قضاء شرعيا ويقيمو ن مركزا خاصالطبقة ارستقراطيةمنبثقة من حملات الجهاد التي قامت في القرن الماضي. و هناك قبائل” اليوربا” التي خرجت بديانة خاصة بها  هي خليط من المسيحية و الاسلام و الطقوس الوثنية, وتمثل 30% و تقطن الجنوب الغربي و لاغوس. فقبائل ” اليوربا”تضم أكثر من ثلاثين مليو ن شخص و ينتمي اليها أبيولا المسلم, معرو فة بأن غالبيتها من المسيحيين, و معرو ف من جهة أخرى أن مسلمي المناطق الجنو بية الذين اعتنقو ا الاسلام في عصرحديث , و في أيام السلم, هم أقل تمسكا بالتميز الاسلامي من مسلمي المناطق الشمالية.و”الايبو”و تمثل 17% و تقطن الجنو ب الشرقي, و سبق أن حاولت هذه القبائل الاستقلال مابين 1967-1970, مما فجر حربا اهلية عرفت بحرب بيافرا التي قادها الجنرال المتمرد “أوجو كيو”، وأودت بحياة مابين 600ألف و مليون شخص.و يضاف لما سبق إثنيات أخرى صغيرة ليصبح اجمالي عدد الإثنيات التي تتكون منها نيجيريا250 إثنية لم يو حدها  معا سوى قبضة الاستعمار, و سواء هذا أوذاك فإن أي منهم لم ينجح في بناء الدولة القوميةNATION-STATEفي نيجيريا.           منذ الاستقلال , سيطرأبناء الشمال على السلطة في نيجيريا, و استخدموا هيمنتهم على المؤسسة العسكرية في تكريس هذه السيطرة.أما الدولةالنيجيرية فهي من طبيعة فيدرالية, و يحكمها نظاما رئاسياقائما على ثنائية التمثيل, أي يقضي بو جو د مجلسين لتمثيل الشعب: البرلمان و مجلس االشيوخ . وتتكون الدولة الفيدرالية النيجيرية من 36 ولاية و 587 من الاقضية أي الادارات المحلية. و كانت الجمهورية الأولى التي ترأسها زعيم الشمال”تافواباعليو” من 1960 الى 1966, تعاني  من عدم تو فر الكادرو عدم الاستقرار السياسي و الإداري, فيما كانت حالة الاتحاد الفيدرالي تترسخ  و سط الخصومات القبلية, الامر الذي جعل العسكر يتطلع إلى السلطة بشهيةلا تقاوم. فهو القوة الوحيدة المنظمة في البلاد الى جانب كو نه يمثل النو اة الأساسية للانصهار الاجتماعي.  1- عنف و ترهيب وتزويرفي انتخابات نيجيريا في 21 أبريل /نيسان الجاري كانت نيجيريا   على موعد مع التاريخ لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في آن معا،  ودعي نحو 61.5 مليون ناخب لاختيار برلمانهم المقبل وخلف الرئيس أولوسيغون أوباسانجو الذي يتولى الحكم منذ عام 1999، في عملية وصفت بأنها تاريخية لأنها تشكل أول انتقال مدني للسلطة  من رئيس مدني إلى آخر،منذ استقلال نيجيريا عام 1960.وكان النيجيريون يعتقدون أن هذه الانتخابات ستشكل منعرجا تاريخيا حاسما لجهة طي صفحة الماضي . لكن الواقع أثبت عكس ذلك، إذ أن نيجيريا تتجه نحو “ديكتاتورية منتخبة” ، على حد قول أحد المرشحين للإنتخابات الرئاسية الثلاثة والعشرين ، الاقتصادي  بات أوتومي. وجرت الانتخابات الرئاسية بين عدد من المرشحين أهمهم عمرو يار آدوا حاكم ولاية كاتسينا الشمالية مساعد الرئيس الحالي أولوسيغون أوباسانجو.وتمكن نائب الرئيس عتيقو أبو بكر الذي حرمته اللجنة الانتخابية الوطنية من الترشح بدعوى الفساد من تقديم ترشيحه في نهاية المطاف بناء على قرار من المحكمة العليا.وكان أبو بكر انفصل عن حزب الشعب الديمقراطي الحاكم بزعامة الرئيس  أولوسيغون أوباسانجو، وترشح عن حزب العمل.وترشح الجنرال محمد بخاري المنحدر أيضا من الشمال على غرار عمر يار آدوا، باسم حزب الشعب النيجيري.وكان الجنرال بو خاري ابن العائلة الفولاذية, و الذي كان وزيرا للطاقة في عهد حكو مة شاغاري,ينظر اليه على أنه “الرجل المنقذ” لعملاق افريقيا الذي بدا يتهاوى تحت ضربات الفساد و ارتفاع المديو نية و انخفاض عائدات النفط.  فمنذ الانقلاب الذي أطاح بنظام الجنرال” محمد بخاري ” في أغسطس عام 1985 ، بدا واضحا أن الجنرال “إبراهيم  بابا نجيدا ” عازم على تحقيق التحول الديمقراطي في البلاد .  فعمل على إصدار دستور جديد في عام 1989 تضمن الكثير من التفاصيل والوسائل المختلفة لضبط السلطات في ظل نظام رئاسي ، مع تحديد قواعد العمل الحزبي الذي اقتصر على وجود حزبين كبيرين فقط هما الحزب الديمقراطي الاجتماعي ، والحزب الوطني الجمهوري ، اللذين تم تشكيلهما من دون أي استشارة ديمقراطية ، فضلا عن أن برنامجيهما يخدمان بشدة توجهات الحكومة العسكرية . وعمل نظام الجنرال إبراهيم بابا نجيدا العسكري على فرض المزيد من القيود على عملية التطور السياسي في اتجاه ارساء الديمقراطية ، عندما تم اخماد محاولة انقلاب فاشلة في 22 نيسان عام 1990.وحين جرت الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد 12 حزيران 1993 ، وفي وجود ديمقراطي سليم ، وكان ابيولا على وشك الفوز بها ، رفض الجنرال ابراهيم بابانجيد التخلي عن السلطة، وسارع إلى الغاء تلك الانتخابات الرئاسية . وكان الجنرال ساني أباتشا قد انقض على السلطة في 17 نوفمبر من عام 1993 في انقلاب أبيض أطاح بالجنرال والرئيس الأسبق ابراهيم بابا نجيدا .  وبالمقابل اعتقل مشهود أبيولا الملياردير الجنوبي المسلم عام 1994 من دون أية محاكمة ، بعد أن أ علن نفسه كرئيس لنيجيريا ، استناداً للانتخابات التي جرت في عهد بابا نجيدا. المفاجأة في هذه الانتخابات الرئاسية الأخيرة  ليس فوز الحزب الحاكم ، و إنما في حجم هذا الفوز.إذ أعلنت اللجنة الوطنية المشرفة على الانتخابات في نيجيريا فوز مرشح حزب الشعب الديمقراطي الحاكم عمر موسى يارادوا رئيسا للبلاد, وسط موجة تنديد دولي بعدم نزاهة العملية وافتقارها للديمقراطية والشفافية.وقال رئيس اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة موريس لو إن حاكم ولاية كاتسينا حصل على 24638036 صوتا مقابل 6605299 صوتا لأقرب منافسيه محمد بوهاري من حزب الشعب النيجيري. ويذكر أن الرئيس النيجيري الحالي أولوسيغون أوباسانجو هو الذي رشح يارادوا ليصبح خليفة له بعد فشله في تغيير الدستور للسماح له بتولي فترة رئاسة ثالثة. هناك إجماع محلي و دولي أن الانتخابات النيجيرية الأخيرة ، شابتها مخالفات عديدة ، منها أنها لم تبدأ في الوقت المحدد وشهدت نقصا في بطاقات الاقتراع وترهيب واسع للناخبين والاستيلاء على صناديق الاقتراع وشراء الأصوات. فقد تواطأت الحكومة النيجيرية ومسؤولو الانتخابات في عمليات التزوير والعنف التي شابت الانتخابات الرئاسية في بعض المناطق، و التي خلفت 200 قتيلا على الأقل ،وذلك في الفترة الممتدة بين الـ14 والـ21 من أبريل/نيسان الجاري.  وقال  ماكس فان دين بيرغ كبير مراقبي الاتحاد الأوروبي في البيان الذي رفعه ،أن لجوء أعضاء بعض الأحزاب السياسية إلى العنف خلق أجواء من الرعب والتخويف رافقت سير العملية الانتخابية. وقال البيان إن الاتحاد الأوروبي يشدد على حق الإنسان في الحياة والديمقراطية، ووصف مراقبوه الانتخابات في نيجيريا بأنها “بعيدة عن المعايير الدولية”.وأضاف فان دين بيرغ في مؤتمر صحفي عقده في أبوجا أن الانتخابات كانت “تفتقر إلى التنظيم والشفافية, كما أن الاتحاد الأوروبي يملك أدلة دامغة تؤكد حصول تزوير وخاصة خلال عملية جمع الأصوات وإعلان النتائج وسحب رخص التصويت من الناخبين المسجلين وغياب الشروط المتساوية للمتنافسين”. وفي أول رد فعل له على هذه التقارير قال البيت الأبيض في واشنطن إنه “قلق للغاية من أعمال العنف التي رافقت الانتخابات, ودعا كافة الفرقاء إلى ضبط النفس”.وقال المتحدث باسم البيت الأبيض غوردون جوندرو “نحن قلقون للغاية مما رأيناه نهاية الأسبوع الفائت, لقد دعونا إلى انتخابات عادلة وحرة, ولست متأكدا من أن هذا ما حصل عليه الشعب النيجيري, نحن في انتظار المزيد من المعلومات”.  وقد اعترف الرئيس النيجيري بأن الانتخابات التي شهدتها البلاد “لا يمكن اعتبارها مثالية”, لكنه ناشد النيجيريين مواصلة الثقة في العملية الديمقراطية”. وأضاف أن النتائج لم تبتعد كثيرا عن التوقعات, وناشد كل من لم يرض عنها اللجوء للسبل القانونية. وفي المقابل شكك مرشح المعارضة الجنرال محمدو بوهاري بنتائج الانتخابات الرئاسية، ووصفها بأنها الاسوأ في تأريخ البلاد.كما شكك المرشح الرئاسي الآخرعتيق أبو بكر نائب الرئيس بها، بعد أن حصل على نسبة 2،6 مليون من الأصوات، واعتبرها غير نزيهة وغير ديمقراطية.وبدورها طالبت أكبر جماعة نيجيرية محلية لمراقبة الانتخابات بإلغاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإعادة إجرائها خلال ثلاثة أشهر, ووصفت العملية بأنها مسرحية من ترتيب الحكومة. وخرج مئات الشباب إلى شوارع مدينة كانو التي تعد معقلا للمعارضة شمالي البلاد احتجاجا على نتائج الانتخابات. ودعاائتلاف يضم عشرين حزباً سياسياً نيجيرياً معارضاً بينها أبرز حزبين في البلاد الأربعاء إلى تنظيم تظاهرات كثيفة، ولكن سلمية ابتداء من الأول من مايو/أيار للمطالبة بإلغاء انتخابات ابريل/نيسان التي اعتبروها مزورة.كما دعا ائتلاف من 16 منظمة غير حكومية إلى التحرك بكثافة للمطالبة بإلغاء انتخابات الولايات والانتخابات الرئاسية التي نظمت في 14 و21 ابريل/نيسان. ويضم الائتلاف كذلك حزب كل شعوب نيجيريا بزعامة الجنرال محمد بخاري، الذي ترشح هو أيضاً للرئاسة. 2-تراجع  الديمقراطية في نيجيريا السمة الرئيسة المأخوذة عن الانتخابات النيجيرية ، سواء منها المحلية ، أو الرئاسية، أنها كانت كاريكاتورية ، وشابتها العيوب كلها المعروفة في البلدان المتخلفة، وعبرت عن تراجع الديمقراطية في نيجيريا،و أسهمت من دون شك في أن يضع الرئيس المنتهية ولايته أولوسيجون أوباسانجو     خليفته مكانه  لكي يظل يتحكم بمقاليد الحكم من بعيد. رغم أن إفريقيا تعيش منذ منتصف الثمانينات مرحلة تحول جديدة نحو الديمقراطية التعددية، اتضحت ملامحها في تزايد المطالب الشعبية المنادية باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وبإضفاء الطابع الديمقراطي على مؤسسات الحكم و السياسة ، و في تزايدالضغوط الغربية بزعامة الولايات المتحدةالاميركية, التي تطالب بضرورة تحويل ممارسة النشاط السياسي في دول العالم الثالث الى العمل تحت مظلة الديمقراطية الغربية ، فإن نيجيريا لم تستطع أن تحقق انتقالا سلسا للسلطة. وعلى الرغم من كل ذلك,بدأت معالم الديمقراطية الغربية تغزو أرض نيجيريا,بصورة عرجاء,لاستنادهافقط على و عود الحاكم العسكري, باحترام نتائج الانتخابات, دون ضمانات برلمانية يكفلها الدستور, و دون مراعاة للتقاليدالشعبية المتوارثة,التي تربط دستورية السلطة و شرعيتها,بانتماء الممارسين لها أو الفائزين بها, إلى قبيلتي الهوسا او الفلاتي, المسلمتين في الشمال,بحكم تمثيلهما للأغلبية الساحقة من الشعب النيجيري.    وكان الرئيس أوليسيغون أوبا سانجو  الذي انتخب في السابع والعشرين من شهر شباط 1999، و أعيد انتخابة مرة ثانية في عام 2003 ،يفتخر بأنه رئيس الدولة العسكري الوحيد الذي حكم نيجيريا طيلة فترة ( 1976  – 1979 ) ، وسلم السلطة إلى المدنيين في التاريخ المحدد عام 1979 .  وكانت معرفته الجيدة بالعسكريين جعلته الوحيد القادر على تأكيد استمرارية وتدعيم أواصر التحول إلى الديمقراطية في نيجيريا ، خصوصاً وان هذا التحول الديمقراطي محكوم بعدة عوامل أساسية لعل أبرزها ضمان مصالح المؤسسة العسكرية المهيمنة ،  التي تصر على ضرورة استمرار سيطرة الجيش على عملية التحول ، وان تم ذلك بشكل غير مباشر ، ومن خلال شخصية عسكرية في رداء مدني . لكن المحللين يقولون أن هناك عقبات أساسية اعترضت الرئيس أوباسانجو عند تسلمه السلطة ، أولاً  : ميراث الحكم العسكري الطويل، حيث توجد عدة تيارات داخل المؤسسة العسكرية لها مواقف متباينة ومتفاوتة الحدة من موضوع برنامج الاصلاح وعملية التحول إلى الديمقراطية والانتقال نحو الحكم المدني .  فالجيش يريد أن يكون له دور يمكنه من المحافظة على رقابة معينة لشؤون البلاد ، لا سيما حول عملية إعادة هيكلة الدولة ، التي جوهرها التخلص من التسلطية والتحول من نظام هيمنة عسكرية إلى صيغ أكثر ديمقراطية في الحكم . ثانيا :التركيبة العرقية في نيجيريا ، حيث تسيطر قبائل الهوسا المسلمة على الجيش والسلطة في نيجيريا رغم وجود 250 جماعة أثنية أخرى .  ويشعر أبناء الجنوب المسيحي بالغبن والاضطهاد من هيمنة الشمال المسلم الذي يوظف المؤسسة العسكرية حسب وجهة نظرهم لترسيخ احتكار قبائل الهوسا الشمالية مصادر القوة الاقتصادية والسلطة في نيجيريا . ثالثا :الأزمة الاقتصادية ، فعلى الرغم من أن نيجيريا تحتل المرتبة الخامسة في قائمة البلدان المصدرة للبترول في العالم ، إذ يقدر انتاجها ما بين 2.2 و3 ملايين برميل يومياً من الآن وحتى العام 2007، قبل أن ترفعه إلى 4.42 مليون برميل في العام 2020،  وتلقب غالبا ب”عملاق إفريقيا “، فإن نيجيريا مهددة بالانفصال، جراء شمولية الفساد المنتشرفي أجهزة الدولة،ولدى الشركات النفطية العاملة في البلاد. فمنذ بداية إنتاج النفط،تم تحويل ما يقارب مبلغ 352 مليار دولار من عائداته ، إلى جيوب وأرصدة مافيات الفساد، أي ما يعادل أربع مرات حجم المساعدات الغربية لإفريقيا طيلة العقود الأربعة الأخيرة.إضافة  إلى ذلك ، فإن الصراعات الطائفية و العرقية تهدد وحدة البلاد،بسبب انقسامها بين شمال زراعي يقطنه سكان مسلمون في غالبيتهم ،إذ يتم تطبيق الشريعة الإسلامية في عدد من ولاياته، و بين جنوب مسيحي و غني بالنفط.ورغم هذه العائدات النفطية الضخمة، فإن نيجيريا تحتل المرتبة ال159 على مستوى الصحة، من أصل 177 بلدا- في قائمة التنمية الانسانية التابعة للأمم المتحدة. لهذه الأسباب مجتمعة ، تواجه عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا تحديات داخلية وخارجية كبيرة ، يتطلب من الرئيس المدني الجديد إعادة ترتيب وتنظيم البيت النيجيري من الداخل، عبر اضطلاع مؤسسات المجتمع المدني بعبء قيادة عملية التحول هذه ، باعتبارها البديل الاستراتيجي لاخراج نيجيريا من قمقمها بعد خمسة عشر سنة من الحكم العسكري التسلطي  الذي ترك وراءه أزمات مستعصية ،عجز الرئيس المنتهية ولايته عن حلها.
 
(المصدر: صحيفة الحياة (يومية – لندن) الصادرة يوم 11 ماي 2007)


 

تركيا والإسلاميون والغُربة الغربية

 
رضوان السيد (*) بالنسبة الى الغربيين والشرقيين على حد سواء، لا يبدو ما يجري في تركيا مثيراً، بقدر ما يجري في إيران. وإذا اعتبرنا ذلك طبيعياً بالنسبة الى الغرب، فقد كان ينبغي أن لا يكون الأمر كذلك لدى العرب والمسلمين والشرقيين بعامة. فإيران تُواجه الغرب مواجهة صريحة، وبالمفاهيم والسلوكات التي ينتظرها الغرب منها، ولذلك فالغربيون عندما يكتبون عن إيران أو عن الأصولية الإسلامية السنّية، يمتدحون أنفسهم وحضارتهم في مواجهة أولئك الذين يكابرون العالم والعصر بذرائع مختلفة وغير مفهومة وينبغي أن تظل كذلك، فالتحدي الإيراني والأصولي السُنّي هو تحدٍ من الماضي في نظرهم، ولا خطر مستقبلي من ورائه مهما بلغ من ثورانه الآن. ولا كذلك الخطر التركي. إذ هنا إسلام يزعم أنه من نوع جديد. فهو يُصرّ على الرمزيات الإسلامية، وعلى العلاقة الوثيقة بالغرب في الوقت نفسه، وهذه إشكالية لا يفهمها الغربي لأنها تُواجهه للمرة الأولى في الأزمنة الحديثة – وهي مهما بدا من بشاشتها تُجاهه، يبقى على شك من طبيعتها ونتائجها: أفلا يمكن أن تكون التصالحية الإسلامية التركية، حيلة للدخول الى أوروبا المرفهة والمزدهرة، ثم يعمد الإسلاميون الأتراك للعودة الى طبيعتهم الأصلية، بما في ذلك الطموح الى تغيير نظام الحياة في الغرب، وربما ما هو أكثر؟! فالجاليات الإسلامية والعربية في الغرب الأوروبي هي مدعاة للسُخط من جهة، وداعية رضى عن النفس من جهة أخرى. هي مدعاة للسخط لما تُثيره من إزعاجات بإصرارها على الخصوصيات والشعائريات في المجال العام، وهي في الوقت نفسه وبالإصرار على الاندماج، تُثير نوعاً من الرضى، سببه المهمة التربوية المُلقاة على عاتق الأوروبي في التأديب من أجل التلاؤم، وباعتبار أن اعترافه بالمواطنية لأولئك الذين خدعوه، إنما هو كرمُ نفسٍ وأريحية وتقاليد عريقة. أَوَلو لم يأت الى الشرق ليؤدّب ويهذب ويحضّر؟! وها هم يتبعونه للغرب لأنهم يستفيدون من أسلوب حياته وحرياته، ثم هم بعد ذلك يسخطون بحجة الظلم وعدم العدالة، فليبقوا في ديارهم وليعيشوا كما يشاؤون! الموقف في الغرب ومع الغرب معقد إذن. والموقف من تركيا في الاتحاد الأوروبي دليل ناصع على ذلك. فتركيا – بعد الحرب الثانية – أرسلت الى أوروبا المجاورة، وبحكم علائقها التحالفية ضمن الأطلسي، ملايين العمال. وما استطاع الأوروبيون الاحتجاج، ليس بسبب التحالف فقط، بل لأنهم كانوا في أشدّ الحاجة الى أجسادهم الفتية بعد أن أفنت حروبهم رجالهم… ونساءهم. ولأن تركيا اعتنقت ديموقراطيتهم وزايدت عليهم في العلمانية، وها هي تقف بالمرصاد للاتحاد السوفياتي نفسه إبان الحرب الباردة. بيد أن الإسلام التركي المعتدل أو التصالحي والذي صار مشكلة للغرب، يشكل مشكلة أعقد للشرق نفسه. فتحت وطأة تطرف مصطفى كمال العلماني العدواني، اختبأ ذلك الإسلام تحت أغطية صوفية وقومية وشعبية ساذجة المظهر. ومع أن الجمهور ظل معه في غالبيته بالتأكيد، فقد ظهر دائماً بمظهر المستضعَف والمقهور. وقد احتاج الى تغيير شديد في المظهر والمخبر حتى استطاع النفاذ من خروم شباك القانون، بحيث لم يعد أحد يعرفه لا من التقليديين ولا من الإحيائيين الجدد. فالإسلام المعاصر في تركيا يبني على ما حصل منذ العشرينات، ولا يلتقي مع الاحيائيات الإسلامية الأخرى إلا في بعض الرمزيات مثل الحجاب. ذلك أن الاحيائيات إنما تريد جرف الدولة الوطنية، وهي تحاول ذلك بالفعل منذ أكثر من ثلاثة عقود. وقد تمكنت من ذلك بإيران، في حين لا تزال تُنازع من أجل ذلك في سائر ديار العروبة والإسلام. مع الدولة الوطنية، والتي هي أقل راديكالية بكثير من دولة أتاتورك، يواجه الأصوليون الغرب بالقول (الثقافة) وبالفعل. وحتى عندما يحاورونه كما يفعل الإيرانيون والإخوان المسلمون الآن إنما يفعلون ذلك من موقع الندّ الذي يمثّل وجهة نظر مستقلة ومختلفة في أكثر الأمور. ولهذا فإن الإسلام التركي مشكلة بالنسبة إليهم، بكل المقاييس. فهو كما سبق القول لا يريد هدم الدول الوطنية أو المدنية وهم يريدون ذلك. وهو يعتبر نفسه جزءاً من الغرب الأوروبي والأميركي، وإن تردد الغرب في قبول ذلك، بينما يريد الإسلاميون العرب والإيرانيون وغيرهم أن يُثبتوا بكل سبيل أنهم مختلفون عن الغرب ومع الغرب تماماً. ثم هم بالفعل لا يعتنقون الأفكار الجديدة التي ثبّتها الإسلاميون خارج تركيا والمتعلقة بإقامة الدولة التي تطبّق الشريعة، والنظام الاقتصادي المتمايز، والاندماج بين الدين والدولة مع سيطرة رئيس الجماعة أو إمامها على الأمور، وتغيير القوانين أو أسلمتها. وصحيح أن كثيراً من أتباع التيار الرئيسي من الإسلاميين تغيروا سلوكاً، لكنهم ما تغيروا فكراً وتفكيراً أو أنهم لا يصرّحون بذلك رعاية لجاذبيتهم عند الجمهور، أو لأن الأنظمة التي يتصارعون معها لا تُتيح تنازلاً في أي شكل. وهكذا فالذي أصل إليه أن الإسلام التركي غريب في عيون الغرب، وغريب في عيون الإحيائيين المسلمين الآخرين. الغربيون يتحداهم هذا الإسلام بإظهاره التوافق معهم في أكثر الأمور، حتى في تلك التي يختلفون عليها في ما بينهم. والإسلاميون يستغربون نجاحاته على رغم تخلّيه عن أكثر الاطروحات التي طوروها منذ الحرب العالمية الثانية. وبالفعل، فإنهم عندما يقولون شيئاً إيجابياً عن ذاك الإسلام يعيّرهم القوميون العلمانيون العرب بأن عليهم أن يسيروا على نهج أولئك في الاعتراف بإسرائيل، وفي إيثار المسالمة، وفي التسليم بفصل الدين عن الدولة! ولو تجاوزنا ظواهر الأمور الى جوهرها لوجدنا أن كثرة من الجمهور هي مع الإسلاميين عند العرب وعند الأتراك. لكن الإسلاميين العرب والباكستانيين… هم الذين يبادرون الدولة بالعداء، في حين تُبادر الدولة العلمانية التركية إسلامييها بالمُعاداة والملاحقة. وهكذا فموقف الجمهور واحد بمعنى أنه مع التغيير في تركيا وخارجها، وإن اختلف المشروع التغييري، واختلف وعي النُخب القائدة له. وهكذا مرة أخرى، لا يختلف الجمهور وإنما تختلف النُخب بين العرب والأتراك والباكستانيين مثلاً. فالنخب العربية والباكستانية الإسلامية وغير الإسلامية هي من عقلية الحاكمين نفسها الذين تخاصمهم، وعلى رغم النموذج المختلف الذي تعرضه للتغيير فالحقيقة انه ليس أكثر من صراع على السلطة، أي أن فريقاً يريد الحلول محل فريق، والفريق الحاكم الموجود يدافع عن نفسه بكل الوسائل – في حين يهاجمه خصومه الإسلاميون وغير الإسلاميين بشتى الوسائل أيضاً. والأمر مختلف في تركيا. فالذين يهاجمون هم العلمانيون ونُخبهم، أما الإسلاميون هناك فيدافعون عن أنفسهم بالوسائل التي تتيحها الديموقراطية المحدودة التي يوشك العسكر أن يخنقها الى غير رجعة! ما بقيت علمانية في العالم مثل العلمانية التركية، ولا حتى روسيا الشيوعية من قبل، والحزب الشيوعي الضخم الباقي فيها وفي الصين! ومن هنا فإن الإسلاميين الأتراك يبدون أكثر تقدماً وتلاؤماً مع العصر والعالَم من العلمانيين (والقوميين) الأتراك سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين. بينما لا يبدو الإسلاميون العرب أو الباكستانيون أكثر تقدماً أو تلاؤماً من خصومهم في السلطة، على رغم الشعبية التي تحظى بها المعارضة ويحظى بها الاحتجاج في كل الأحوال! وسط الجو المدلهمّ السائد، والمخاض الذي لا ينتهي ولا تنتهي كوارثه، يبدو الإسلاميون الأتراك في «غربة غربية» تحدّث عنها السهروردي، وهي غربة لا يحبها لهم ومنهم الغربيون أنفسهم لأنها تفرض عليهم تفكيراً وتأملاً وتغييراً والتزامات. أما الشرقيون الإسلاميون فيلتهون عن الإفادة من تجربتها في العلاقة بالجمهور والعالم، بالحملة على العلمانيين الذين يخاصمون الحركة التركية الإسلامية، وبتشبيههم بالأنظمة التي يواجهونها هم. والواقع ان الأنظمة تتشابه الى حد ما، أما الإسلاميون من ديار العرب الى باكستان فهم مختلفون الى حد كبير، عن إسلاميي تركيا، وبالتجربة كما بالطموح. (*) كاتب ومفكر من لبنان (المصدر: ملحق “تراث” بصحيفة الحياة (يومية – لندن) الصادرة يوم 12 ماي 2007)

ليبيون في لندن يحذرون من مصير 12 معتقلا رغبوا بتنظيم تظاهرة سلمية بطرابلس

مناع: الصراع بين الامن السياسي والنشاط المدني منتشر. ادريس بوفايد وميشيل كيلو خرجا عن المنظومة فعوقبا

 
لندن ـ القدس العربي ـ من سمير ناصيف: عقدت ستة تنظيمات ليبية وعربية حقوقية ومعارضة للتعامل غير الديمقراطي مع المعارضين في ليبيا، وفي بلدان عربية اخري، مؤتمرا صحافيا في لندن تحدث فيه قياديون بارزون للمجموعات الداعمة لحقوق الانسان في العالم العربي، وبينهم الدكتور هيثم مناع (المسؤول في اللجنة العربية لحقوق الانسان ) والاستاذ محمد العربي زيتوت، ممثل منظمة الكرامة ، والاستاذ محمد عبد الملك رئيس مؤسسة الرقيب . وادار المؤتمر السيد حسين الامين الذي قرأ ايضا بيان الاتحاد الليبي للمدافعين عن حقوق الانسان . ومع ان التركيز في المؤتمر كان علي ابراز التخوف والقلق علي حياة نشطاء سياسيين ليبيين كانوا، حسب قول المنظمين، يعدون لتنظيم اعتصام سلمي في ميدان الشهداء في طرابلس يوم 17 شباط (فبراير) 2007 واعتقلوا جميعا من قبل السلطات الليبية يومي 16 و17 من الشهر نفسه قبل ان يقوموا بالاعتصام، فان المركز ركز ايضا علي قضايا اخري في مجال حقوق الانسان في العالم العربي. والمعتقلون الليبيون هم: الدكتور ادريس بوفايد، والكاتب جمال الحاجي، والمحامي المهدي صالح احميد، والكاتب فريد الزوي والدكتور جمعة بوفايد، وفرج صالح احمد والصادق صالح احميد، وعلي صالح احميد، وعادل صالح احميد، واحمد يوسف العبيدي، وبشير قاسم الحارس، وعلاء الدريسي. واشار بيان وزعته في المؤتمر منظمة التضامن لحقوق الانسان ومركزها سويسرا، والتي لم يستطع ممثلوها الحضور، بسبب صعوبة حصولهم علي تأشيرة لدخول بريطانيا، ان هؤلاء الناشطين السياسيين قد يواجهون عقوبة الاعدام بعد ان وجهت لهم السلطات الليبية تهما ملفقة منها حيازة اسلحة وقنابل يدوية والتحريض والتخطيط للقيام بعمليات ارهابية والتخابر مع جهات اجنبية. واكد السيد الامين ان اعتقال هؤلاء المعارضين تميز بالعنف حيث وجهت بنادق السلطة اليهم واخذوا عنوة من منازلهم وتم احراق جزء من منزل المحامي المهدي صالح احميد. واشار الي معلومات وصلته تنبيء عن وجود ستة من المعتقلين بينهم المحامي المهدي صالح واخوته واحمد يوسف العبيدي، في سجن الجديدة في طرابلس الغرب، وقد احيلوا علي محكمة استثنائية بتهم حيازة اسلحة للتخريب والاتصال بجهات معينة. ومما اوضحه الامين ايضا وجود دليل مادي (لا يمكنه التحدث عن تفاصيله) يؤكد بان المعتقلين يتعرضون لتعذيب متواصل. وهذا الدليل، حسب قوله، قدم لـ منظمة العفو الدولية (امنستي) ومنظمات حقوق الانسان وان اثنين من المعتقلين خضعا لعمليات جراحية بسبب التعذيب. واضاف قائلا: اما بخصوص الدكتور ادريس بوفايد والكاتب جمال الحاجي والكاتب فريد الزوي، فلا ندري اذا وجهت اليهم اي تهم ولكن تم التأكد من وجودهم في مركز توقيف في السكة في طرابلس الغرب، ولم يسمح بزيارتهم لاي من اعضاء اسرهم، وهم معزولون ومحرومون من حقوقهم القانونية . واكد الدكتور هيثم مناع ان صراعا يجري في كثير من انظمة العالم العربي بين ما سماه الامن السياسي من جهة و النشاط المدني الانساني من جهة اخري. والامن السياسي الذي تمارسه الاجهزة القمعية الباطشة في هذه الانظمة استنادا الي عقلية القرون السابقة، له منطقه الخاص اذ يعتبر بان هدم المواطنة لدي الشعوب هو جزء من الامن السياسي للحاكم، فاذا جاء شخص كميشيل كيلو مثلا ليتحدث في العلاقات اللبنانية ـ السورية خارج المنظومة المسموح بها فانه يتعدي علي مسألة تخص الضباط الامنيين في سورية.. واعلان بيروت ـ دمشق الذي كان ميشيل كيلو يروج له طرح ورقة سياسية بان المجتمع المدني له الحق في كسر الامن السياسي. ومن هنا فان كيلو (في سورية) والدكتور ادريس ابو فايد ورفاقه (في ليبيا) يشكلون خطرا اسمه التحدي المدني الانساني لا يمكن ان يتحلمه نظام عسكري قمعي انتهي دوره التاريخي . واضاف مناع قائلا: يجب ان يكون في عالمنا العربي الالاف علي شاكلة ميشيل كيلو وادريس ابو فايد، والا نخاف من انهما دخلا السجن. فقد مر بمثل هذا الاختبار اهم المثقفين العرب وقادة الرأي في سبيل الخروج من الامن السياسي الي الامن الانساني والتخلص من تسلط قوي القمع . واستطرد مناع قائلا: ان اعلان بضعة اشخاص عن وقفة سلمية في ميدان الشهداء في طرابلس الغرب فسره قادة الامن السياسي في ليبيا علي كونه مناسبة لاعتقالهم واعطاء الدروس الي الاخرين، لكي لا يفكروا بمثل هذه الطريقة للتعبير عن آرائهم. ان هذه السلطة الامنية في ليبيا وغيرها لها منطق خاص مختلف عن منطق المؤمنين بالديمقراطية في العالم . وتساءل قائلا: من هي هذه الجهات التي تعامل معها المحامي المهدي صالح احميد الذي اعتقل في اكثر من مناسبة حتي مل منه السجن؟ لقد ارسلوا الينا فيلما وعرضناه تلفزيونيا كتضامن عربي ـ عربي، والقذافي يقول بانه تلميذ لعبد الناصر، فكيف يمكن اعتبار التعاون بين المناضلين السلميين العرب اتصالا بعناصر اجنبية؟ . واشار مناع الي وجود عدد من المعتقلين العرب غير الليبيين في السجون الليبية، وان ما شجع النظام الليبي علي اعادة تشديد قبضته ضد معارضيه، هو ان امريكا قامت في السنوات التالية لاعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) 2001 باختطاف ونقل المشتبه بهم الي سجون موزعة في انحاء العالم لاستجوابهم وتعذيبهم قبل نقلهم الي المعتقلات الامريكية. وهذا التجاوز للشرائع الدولية الذي قامت به الدولة الكبري التي تدعي انها تدافع عن الديمقراطية وحكم القانون وترغب بنشرهما في العالم شجع انظمة كليبيا وانظمة مشابهة في العالم العربي علي ممارسة المزيد من القمع، حسب قول الدكتور مناع. ووصف مناع معتقلي الرأي في ليبيا، وفي البلدان العربية الاخري التي تمارس هذا النوع من الاعتقال ضد المعارضين السلميين، بانه يوازي اعتقال داعية حقوق السود الامريكيين الراحل مارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة. وانتقد مناع بشدة الاحكام التي صدرت في سورية مؤخرا بالسجون لسنوات عديدة تتراوح بين 5 و12 سنة علي ممارسات لمواطنين مدنيين لا تتعدي الرغبة بالعمل السياسي المعلن او توزيع عرائض للتوقيع، او جمع التبرعات. واشار الي تزايد مثل هذه الممارسات في عدد من البلدان العربية الاخري وبينها تونس. وطالب بانشاء شبكة عربية للتضامن مع المعتقلين في ليبيا مما قد يفتح الباب لتعاون اكبر بين منظمات حقوق الانسان في العالم العربي، ومنها 25 منظمة حتي الان تتضامن مع اللجنة العربية لحقوق الانسان . وتحدث محمد العربي باسم منظـمة الكرامة لحقوق الانسان، ومثل في الوقت عينه اللجنة الليبية للحقيقة والعدالة (ومركزها سويسرا) واستهل كلمته بقوله ان النظام الليبي ما يزال يرهب مواطنيه، حتي من جانب هؤلاء فيه الذين يريدون تحسين صورته بعد تخليه عن محاولة التسليح النووي . وقال انه بين عامي 1991 و1995 كان نائبا للسفير الجزائري في ليبيا، وصدم كثيرا لما رآه بعينيه من ممارسات النظام الليبي ضد شعبه. واوضح بان اهم ما تتميز به منظمة الكرامة تعاملها العملي المباشر مع آليات الامم المتحدة المتعلقة بحقوق الانسان. وان المنظمة رفعت مئات القضايا في السنوات الثلاث الماضية الي الجهات الدولية بينها 40 قضية من الملف الليبي، ومنها قضية الدكتور ادريس بوفايد في مناسبة سابقة (تشرين الثاني/ نوفمبر 2006) وقد اطلق سراحه في كانون الاول (ديسمبر) من العام نفسه، والان المنظمة تتابع اعتقاله للمرة الثانية. ولدي طرح سؤال عن سبب عودة الدكتور بوفايد الي ليبيا بعد اعتقاله والافراج عنه في مناسبة سابقة وعما اذا كان بالامكان التوسط للافراج عنه وعن رفاقه مع سيف الاسلام القذافي ومنظمته اجاب المناع: في الفترة الاخيرة وفي عدة بلدان عربية هناك مشاورات حول عودة المعارضين الي بلدانهم. وانا من الاشخاص الذين عادوا، ويوجد اتفاق بان كل شخص يعود يعطي تفاصيل دقيقة عن عملية سفره (الطائرة والمواعيد والفنادق الخ…) ولكن عندما ابتدأت الدول الغربية الكبري (امريكا وحلفاؤها) بعمليات الخطف والتسليم بعد 11 ايلول (سبتمبر) 2001 وقامت باربعين عملية او اكثر من هذا النوع سادت حالة من الفوضي في العالم اذا لم تعد تتوافر اي حماية دولية لعودة المعارضين الي بلدانهم. وكان النظام الليبي (وغيره) قبل 11 ايلول (سبتمبر) 2001 يحسب حساب المفوضية الدولية لحقوق الانسان ومقرراتها في اجتماع جنيف لعام 1997 ويحاول ان يظهر وكأنه يستجيب للشرائع الدولية. اما بالنسبة لسيف الاسلام القذافي، فنحن لا نعرف اذا كان الاخوان الليبيون الان رافعين ايديهم عنه. وقد تم استعماله في الماضي. ولكن بدا لنا كمؤسسات حقوق انسان انه لم يحقق وعوده، ولذلك قررنا مقاطعته وانا شخصيا حلت دون حضور مؤسسته لحقوق الانسان مؤتمرا دوليا بسبب ذلك. ونحن لسنا ضد الطلب من سيف الاسلام، او امثاله المساعدة في الافراج عن المعتقلين عبر شخصيات مقربة من الانظمة وقادتها ومن حقوق الانسان في الوقت عينه، ولكن هذه ليست الوسيلة الوحيدة للدفاع عن حقوق الانسان وتثبيت وجود المجتمع المدني الانساني في الدول القمعية . واضاف: ان قيادات الدول القمعية تخشي ادريس ابو فايد وانور البني وميشيل كيلو والنشطاء الاخرين لانهم اذا فتح المجال امامهم سيطالبون باجراء تحقيقات حول السجون التي مورس ويمارس فيها التعذيب وحول المساجين الذين ما زالوا يقبعون في السجون حتي بعد انتهاء عقوباتهم والذين ماتوا فيها وقد يطالبون بتوسيع التحقيق في قضايا كبيرة جدا . اما محمد عبد الملك المسؤول في مؤسسة الرقيب لحقوق الانسان (بريطانيا) والذي ناب عن منـظمة التضامن لحقوق الانسان (سويسرا) فاجاب علي السؤال قائلا: نحن كمؤسسة الرقيب ليس لنا اتصال بسيف الاسلام، ولكن مؤسسة اجتماعية اخري اتصلت بمؤسسته حول موضوع المعتقلين في ليبيا، وحصلت علي وعود. والدكتور ادريس بوفايد دخل الي ليبيا بعد عشرين عاما علي غيابه واعتقل للمرة الاولي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 ثم افرج عنه بعد شهر. وهو كان يدرك مخاطر عودته في مطلع هذا العام. ولعل النظام الليبي يعتبر بان عودته شكلت تحديا من جانبه لهذا النظام وتصرف علي هذا الاساس ولفق التهم ضده وضد مجموعته . واشار في كلمته الي الحضور الي ان النظام الليبي عاد الي استعمال القبضة الحديدية مع الخصوم ولانتهاك ابسط حقوق المعتقلين ولاعتماد محاكم مطعون بنزاهتها . وقال ان منظمة التضامن قلقة ازاء العودة الي محكمة الشعب الملغاة والي تشريعات قديمة استخدمت في اواخر ستينات ومطلع سبعينات القرن الماضي في ليبيا. واوضح ان ليس الاعتقال وحده اقلق منظمة الرقيب بل ايضا الطـــريقة التعسفية التي مورس فيها. وتحدث عن سجناء اختفوا منذ سنوات ولا توجد اي اخبار عنهم وابرزهم منصور الكيخيا والامام موسي الصدر. وقرأ السيد حسن الامين مدير المؤتمر، ورقة الاتحاد الليبي للمدافعين عن حقوق الانسان (ومركزه المانيا) ولكنه سبق ذلك بقوله ان منظمة القذافي الخيرية تدعي بانها جمعية راعية لحقوق الانسان، ولكن بعض المحققين مع المعارضين الليبيين ينتمون الي هذه الجمعية . واضاف ان البدعة الجديدة للنظام الليبي هي بدعة امتلاك المعارضين للاسلحة.. وهذا نهج جديد في تلفيق الاتهامات، واشار الي وجود اخبار تبعث علي القلق عن احد المعتقلين في المجموعة الليبية الاخيرة توفي تحت التعذيب علما ان ثلاثة سجناء اخرين بتهم اخري توفوا الشهر الماضي، كما اوضح بان الحالة الصحية للمعتقل احمد يوسف العبيدي في سجن ابو سليم تسوء وخصوصا لكونه من المعاقين جسديا ويحتاج لرعاية خاصة. وعبر عن خشيته بان تلفيق تهمة حيازة الاسلحة ضد الدكتور ادريس ورفاقه قد يقودهم الي المنشقة. واهم ما ورد في بيان الاتحاد الليبي (المانيا) ضرورة الكشف علي مصير جميع السجناء السياسيين والمغيبين قسرا والعمل علي اطلاق سراحهم جميعا، وبينهم منصور الكيخيا، عبد الله، عزت المقريف، جاب الله مطر، والمجموعة المعتقلة اخيرا . ونبه البيان بدوره الي امكانية تعرض اديس بوفايد ورفاقه لعقوبات جسيمة قد تصل الي الاعدام نتيجة لاتهامهم بتهم لا اساس لها من الصحة .

(المصدر: صحيفة القدس العربي (يومية – لندن) الصادرة يوم 12 ماي 2007)


“المرأة التي لا تُـقـاوم” يثير غضب الاشتراكيين بفرنسا

  

 
             سيد حمدي-باريس الأمين العام للحزب الاشتراكي الفرنسي فرانسوا هولاند ومرشحة الحزب للانتخابات الرئاسية سيغولين رويال استشاطا غضبا جراء كتاب بعنوان “المرأة التي لا تقاوم” يتعرض لحياتهما الشخصية. ورأى هولاند ورويال أن الكتاب يخلط بين حياتهما السياسية والشخصية، وأنه ينتهك خصوصياتهما وكذلك خصوصية أبنائهما الأربعة الذين ولدوا خارج مؤسسة الزواج. وزاد من غضب الاشتراكيين أن الكتاب يصدر في وقت حرج، إذ يعد الحزب نفسه لإطلاق حملته للانتخابات النيابية المقررة في العاشر والسابع عشر من الشهر القادم. ويراهن الاشتراكيون عموما على هذه الانتخابات لتعويض الإخفاق الذي منوا به في الرئاسيات التي فاز بها مرشح اليمين نيكولا ساركوزي على حساب مرشحتهم. تقاليد الكتابة وقد توعد محامي القياديين الاشتراكيين جان بيير مينيار الناشر بالتصدي للكتاب للحيلولة دون إصداره. واعتبر البعض أن ما يحدث يعد أفضل دعاية لرويال التي قررت ترشيح نفسها في الانتخابات النيابية بدائرتها التقليدية بواتو شارنت التي تتولى رئاسة مجلسها المحلي في ذات الوقت. لكن البعض الآخر رأى أن ما تضمنه الكتاب يعد خروجا على تقاليد الكتابة والعمل الصحفي خاصة وأن الكاتبتين أريان شوما وباكي رافائيل من الصحفيات المعروفات في صحيفة لوموند وتدركان الحدود بين ما هو شخصي وما عام. وكانت كبيرة المراسلين في لوموند باكي رافائيل قد استبقت الكتاب بتصريحات دعت فيها رويال إلى ما سمته “إعادة التفكير في الأخطاء التي وقعت وفي أخطائها الشخصية لو أردت النجاح في رئاسيات عام 2012”. وذهب الكتاب الذي تصدره دار النشر “ألبان ميشيل” إلى أن خلافات حدثت بين العاشقين امتدت إلى عملهما السياسي وربما انعكست على الحزب الاشتراكي أحد أكبر حزبين في فرنسا إلى جانب الاتحاد من أجل حركة شعبية. أما المحامي والقيادي في الحزب جان بيير مينيار فقد صوب تصريحاته تجاه الكاتبتين، مشددا على أنهما “انتهكتا الحياة الشخصية لكل من هولاند ورويال اللذين يعيشان تحت سقف واحد وفقا لعقد لا يرقى قانونا إلى مستوى عقد الزواج”. ويعد هذا الكتاب الأكثر شهرة وإثارة للصخب طوال ما مضى من العام الحالي، خاصة في ظل نشر مقتطفات منه في مجلة لونوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية. الحياة الشخصية وقد تلقت الجزيرة نت بيانا من المحامي مينيار قال فيه إنه موكل رفع دعوى قضائية تتعلق بانتهاك الحياة الشخصية. وحتى الساعات القليلة الماضية لم يتلق أي طرف معني ما يفيد التقدم بهذه الشكوى. في المقابل أصرت الكاتبتان في بيان أصدرتاه على أن كتابهما بمثابة “تحقيق وليس كتابا عن الحياة الشخصية لهولاند ورويال”. وأشارتا إلى أن الاثنين مرا بـ”أزمة عائلية” وهي أزمة “اتخذت بعدا سياسيا” في خريف 2005. وتضمن الكتاب عبارة نسبها إلى رويال وهي تقول لهولاند “إذا أردت اللجوء إلى ليونيل جوسبان لتضع العقبات في طريقي فلن ترى أبناءنا بعد الآن”. لكن باكي وشوما قالتا إن هذه العبارة ذكرها قبلهما النائب الاشتراكي جوليان دراي في صحيفة لوباريسيان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. يشار إلى أنه خلال العام الماضي وفي خضم الحملة الرئاسية كانت سيسيليا زوجة الرئيس نيكولا ساركوزي تنوي إصدار كتاب يتطرق إلى حياتهما الزوجية التي كانت مهددة آنذاك بالطلاق. لكن ساركوزي بذل جهودا حثيثة أسفرت عن إيقاف نشر الكتاب. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 ماي 2007)

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

26 novembre 2008

Home – Accueil TUNISNEWS 8 ème année, N° 3109 du 26.11.2008  archives : www.tunisnews.net   AISPP: Commuiqué Librté et Equité: Commuiqué

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.