لجنة المحامين النائبين أمام المحكمة العسكرية بتونس صائفة 1992: لا للتحريض على القتل
الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات : بيـــان تضامني مع أحلام بلحاج رئيسة الجمعية
رويترز: « الارهاب » أبرز قضايا الجلسة الافتتاحية لمؤتمر وزراء الداخلية العرب
الشرق الأوسط: باريس: بدء محاكمة 6 أصوليين بتهمة التخطيط لتفجير السفارة الأميركية
الشرق الأوسط: تطلع إلى المرحلة التونسية من القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي ستقام نهاية العام
الصباح: نتيجة تقلص عدد أفراد الأسرة التونسية: هل تحسن مستوى العيش وأية التزامات فرضها؟
رويترز: مرشحون لرئاسة مصر يشنون حملة لجمع مليون توقيع لتعديل الدستور
عبد الجبار الرقيقي: حان الوقت لإنهاء مأساة السجين جلال مبروك
محمد العماري: النهضة وقضية المساجين: الحلّ مع من يملك الحلّ !
الأمين العام للتكتل الديمقراطي بتونس لـ »قدس برس »: نرفض الديكور الديمقراطي والحلول المغشوشة التي تتبعها السلطة
صلاح الدين الجورشي تحديات تونس … اقتصادية!
الهادي بريك: مائة مصباح من مشكاة النبوة – الحلقة الخامسة والثلاثـون
فاضل السّــالك: حتى الطيور تخاف من وطني ولا أعرف السبب توفيق المديني: وجه الرأسمالية الجديد – الإمبراطورية الأمريكية والحرب من أجل النفط – « الشرق الأوسط الكبير » مجال حيوي للهيمنةالأمريكية-الصهيونية
ATFD: Déclaration de solidarité avec Ahlem Belhaj Présidente de l’ATFD AFP: Réunion arabe sur la sécurité et la lutte anti-terroriste à Tunis AFP: Maroc- Années de plomb: une association veut mener des « auditions parralèles »
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )
To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
لجنة المحامين النائبين أمام المحكمة العسكرية بتونس صائفة 1992
الرئيس المؤسس المرحوم الاستاذ العميد محمد شقرون
بـــيــان
لا للتحريض على القتل
في الوقت الذي كنا نتطلع فيه نحو المزيد من توحيد جهود أبناء شعبنا بمختلف فئاته من أجل وضع حد لآثار ما عرفته بلادنا من محاكمات ظالمة باطلاق سراح كل المساجين السياسيين ورفع المعاناة عن الذين سرحوا وذويهم وتمكين المغتربين من الرجوع إلى أرض وطنهم وإعلان العفو التشريعي العام ؛ صدمنا في لجنة المحامين النائبين أمام المحكمة العسكرية بتونس- صائفة 1992 – بالبيان الصادر يوم 19/12/2004* عما يسمى بـــ » المبادرة الديموقراطية » والذي لم يكتف أصحابه بتجاهل إحدى أهم القضايا الوطنية الراهنـــة( قضية مئات المحتجزين في غرف الموت منذ أكثر من اربعة عشر عاما كاملة ) بل تجاوزوا ذلك إلى إعلان الحرب ضد المساجين السياسيين وكل من يشترك معهم في الفكر والعقيدة و ذلك عبر اتهامهم صراحة بأنهم أعداء للحرية والمساواة والعدالة والكرامة .
ونحن في لجنة المحامين النائبين أمام المحكمة العسكرية بتونس- صائفة 1992 – نظرا لما يمثله مثل هذا الاتهام الخطير واللامسؤول من تعد على منوبينا وعلى مصالحهم المشروعة نعلن ما يلي :
1 – خشيتنا من ان يكون حديث البعض عن الاستقطاب بين النظام والاسلاميين مجرد غطاء لتمرير موجة قمع جديدة وتحريضا مفضوحا من أصحاب البيان ومن يقف وراءهم ضد شريحة واسعة من أبناء تونس ومحاولة لتوفير الذرائع والمبررات للحيلولة دون تسوية ملف المساجين السياسيين .علما وأن الحديث عن الاستقطاب الثنائي كان سنة 1990 كلمة السر لاعلان الهجمة الامنية على كل مكونات المجتمع ومناضليه وهي الهجمة التي كان لبعض الفاعلين فيما يسمى بــ » المبادرة الديموقراطية » دورا فاعلا فيها تنظيرا وتحريضا وممارسة من داخل أجهزة الحكم وخارجها.
2 – رفضنا المطلق لكل مزاعم البعض احتكار الحقيقة والوصاية على الديمقراطية باعتبارها قيمة انسانية أساسها القبول بالأخر لا العمل على إستئصاله . كرفضنا كل محاولات إعطاء الشرعية لمحاكمات أجمع كل الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الانسان داخل البلاد وخارجها على أنها محاكمات رأي ومصادرة لحريتي التنظم والتعبير كما أجمعوا على جورها وظلمها وخرقها للمعايير الدنيا للمحاكمة العادلة طبق مقتضيات دستور البلاد وقوانينها واحكام المواثيق الدولية .
3 – تنديدنا الصارخ بالاتهام الخطير واللامبرر الموجه من طرف اصحاب البيان لمنوبينا ( باعتبارهم من قيادات ومناضلي حركة النهضة الاسلامية ) بالعداوة للحرية والمساواة والعدالة والكرامة والحال انهم دفعوا ويدفعون حياتهم ثمنا لنضالهم الصادق من اجل حريتهم وحرية شعبهم في الوقت الذي ينعم فيه الكثيرون من جماعة » المبادرة الديمقراطية » بعطايا النظام وهباته ومنحه وكراسيه.
4 قناعتنا بان ما جاء في بيان المبادرة من اتهام كاذب لمنوبينا ولغيرهم من التونسيين نوعا من انواع التجريم الذي لا يختلف في شيء عن دعوات التكفير والتخوين المرفوضة شكلا ومضمونا مهما كان مصدرها والمستهدفين لها.
5 – دعوة كل مكونات المجتمع المدني والمنظمات والفعاليات الحقوقية والانسانية في البلاد وخارجها وكل الشرفاء من المنخرطين في » المبادرة الديمقراطية » والمساندين لها الى اتخاذ موقف صارم مما احتواه بيان 19/12/2004 من » دق لطبول الحرب » واتهام مجاني لمنوبينا ولكل من يشترك معهم في الفكر والانتماء السياسي ومن تمييز بين التونسيين على اساس العقيدة الدينية ورفض كل محاولات إضفاء الشرعية على المحاكمات الظالمة التي عرفتها بلادنا خلال العشرية الماضية والتأكيد على أن إطلاق سراح المساجين السياسيين وإعلان العفو التشريعي العام مطلب وطني لا يحتمل التأجيل ولا يحق لأي طرف القفز عليه أو تبرير تجاهله تحت أي غطاء كان .
إنّ الجمعيّة التونسية للنساء الديمقراطيات وبعد علمها لما تتعرّض له الصديقة رئيسة الجمعية السيّدة أحلام بلحاج منذ فترة طويلة من مضايقات مختلفة ومتكرّرة طالت حتّى تدرّجها المهني وعلى إثر إيقاف زوجها السيّد جلال الزغلامي ومحاكمته على أساس تهم واهية، ماانفك أعوان الأمن يحاصرون المنزل ولساعات طويلة ثم ملاحقتها وتتبعها في كلّ تحركاتها وتنقلاتها.
كما عمد يوم الخميس 30 ديسمبر 2004 أعوان السّجن المدني بمرناق إلى رفض تمكينها من زيارة زوجها وإجبارها على الانتظار عديد السّاعات أمام السّجن ولم تتمكّن من حقّها في الدّخول إلا بعد الاتصال برئيس الرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبعض المحاميات والمحامين، كما حرم ابنها من زيارة أبيه ولم يره إلى حدّ الآن .
واعتبارا لكلّ هذه الاعتداءات والمضايقات فإنّ مناضلات الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يستنكرن مثل هذه الممارسات الأمنية التي تعبّر عن اعتداء صارخ على حقوق المواطنة الأساسية من حرمة المسكن وحرّية التنقل إلخ… ويندّدن بتعنت السّلطة لانتهاجها الخيار الأمني والقمعي لمعالجة قضايا الحرّيات والذي لن يزيد سوى في حدّه التوتر كما تعبّرن عن تضامنهنّ اللامشروط مع الصديقة ورئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات السيدة أحلام بلحاج والوقوف إلى جانبها في كلّ الظروف التي تمرّ بها وأفراد عائلتها.
عن الهيئة المديرة
الكاتبة العامة
بشرى بلحاج حميدة
Association Tunisienne des femmes democrates
6 Rue du Liban 1000 Tunis. Tél: 71 794 131 Fax: 71 799 225
Tunis, le 31 décembre 2004
Déclaration de solidarité avec Ahlem Belhaj
Présidente de l’ATFD
Suite à l’incarcération de son mari Monsieur Jalel Zoghlami pour des accusations sans fondement, Madame Ahlem Belhaj Présidente de l’Association Tunisienne des Femmes Démocrates subit depuis des pressions diverses et répétées :
§ Les agents de la sécurité n’ont pas cessé d’encercler sa maison durant des heures, de la pourchasser et de la poursuivre dans tous ses déplacements;
§ L’avancée de sa carrière professionnelle est menacée;
§ Aujourd’hui, jeudi 30 décembre 2004, des agents de la prison civile de Mornag lui ont refusé son droit de rendre visite à son mari et l’ont obligé à attendre durant des heures devant la prison et ce n’est qu’après avoir contacté le Président de la Ligue Tunisienne de Défense des Droits de l’Homme et des avocates et des avocats qu’elle est parvenue à imposer son droit de visite. Son fils a été également interdit de voir son père.
Face à toutes ces atteintes et ces pressions, l’ensemble des adhérentes de l’ATFD :
§ s’insurgent contre toutes ces pratiques sécuritaires qui sont une violation flagrante des droits fondamentaux de la citoyenneté tels que le non respect du domicile et l’atteinte à la liberté de circulation etc..
§ dénoncent l’obstination des autorités à ne choisir que les méthodes sécuritaires et répressives pour résoudre les questions de liberté et ces méthodes ne peuvent qu’aggraver la crise.
§ expriment leur solidarité inconditionnelle à l’amie et à la Présidente de l’ATFD Ahlem Belhaj en la soutenant dans les différentes étapes qu’elle traverse avec l’ensemble des membres de sa famille.
P. Le Comité Directeur
La Secrétaire Générale
Bochra Belhaj Hmida
Réunion arabe sur la sécurité et la lutte anti-terroriste à Tunis
AFP / 04 janvier 2005 16h44
TUNIS – Une réunion des ministres arabes de l’Intérieur consacrée essentiellement aux problèmes sécuritaires, à la lutte contre le terrorisme et le crime organisé s’est ouverte mardi à Tunis, a constaté un journaliste de l’AFP.
A l’ordre du jour de cette 22ème session du Conseil des Ministres arabes de l’Intérieur, l’examen des stratégies arabes communes en matière sécurité, de lutte contre le terrorisme et l’utilisation illicite de la drogue et des stupéfiants.
La lutte contre la corruption et la mise en place d’une stratégie arabe de sécurité routière figurent également à l’ordre du jour de cette réunion qui doit s’achever mercredi.
Le chef de l’Etat tunisien Zine El Abidine Ben Ali, président en exercice de la Ligue arabe, a souligné que la lutte anti-terroriste « exige la coordination des efforts de la communauté internationale et de l’ensemble des groupements régionaux et sous-régionaux, dans le cadre de l’Organisation des Nations-unies ».
Il a estimé « nécessaire de traiter les sources mêmes du terrorisme, à travers une approche globale (…) pour défaire ses réseaux, interdire son financement et éloigner les périls des pratiques criminelles qui l’alimentent », dans un discours lu par son ministre de l’Intérieur, Rafik Belhaj Kacem.
Le prince Nayef Ben Abdelaziz, ministre saoudien de l’Intérieur et président d’honneur du Conseil a, pour sa part, estimé que le terrorisme est « la plus grande menace sur la sécurité arabe ».
Il a appelé à « affronter cette menace criminelle dans ses aspects intellectuels et matériels » et plaidé pour des actions sociales au niveau des individus et des familles arabes.
Le secrétaire général du Conseil des ministres arabes de l’Intérieur, Mohamed Ben Ali Koman, a affirmé de son côté que « la lutte contre le crime organisé constitue le plus grand défi pour tous les pays du monde. »
Il a appelé à renforcer la coopération arabe en matière de sécurité, afin de « lutter efficacement contre les plans criminels », estimant que les nouvelles technologies et les politiques d’ouverture ont facilité la tâche aux
groupes criminels et élargi leurs champs d’action.
Années de plomb: une association veut mener des « auditions parralèles »
MAROC – 2 janvier 2005 – par AFP L’association marocaine des droits de l’Hommecompte organiser des « auditions publiques parallèles » pour donner la parole à des victimes et témoins « ignorés » par l’Instance Equité et Réconciliation (IER), qui mène à Rabat des auditions sur les « années de plomb » (1960-1990). « Sous l’égide de l’association marocaine des droits de l’homme (AMDH), des auditions publiques parallèles vont être organisées dans les prochains jours, donnant la parole à des victimes et des témoins ignorés par l’instance Equité et Réconciliation », indique dans un communiqué à l’AFP le porte-parole officieux de cette association, Mohamed Souhaili, qui est réfugié politique en France. « Le but est de contribuer démocratiquement à enrichir le débat sur toutes les zones d’ombre du règne d’Hassan II, combien fertile en mensonges et mystères. Cette initiative foncièrement citoyenne entend disputer à l’Etat marocain le monopole de la description de l’histoire de la répression depuis l’indépendance », ajoute le communiqué. A l’instar de la presse marocaine, l’AMDH avait salué la tenue de ces auditions. En revanche, elle a déploré la règle imposée aux témoins de ne pas désigner leurs bourreaux, estimant qu’elle favorisait « l’impunité ». Les auditions de l’IER, un organisme gouvernemental, ont été retransmises en direct les 21 et 22 décembre à la télévision nationale marocaine. Elles se déroulaient en présence de plus de 200 personnes, notamment des militants des droits de l’Homme, des responsables politiques et des journalistes marocains et étrangers. Quelque 200 victimes de violations passées des droits de l’Homme ont été invitées à témoigner lors de ces auditions publiques qui doivent se poursuivre en janvier dans diverses régions où les abus du passé ont été dénoncés: Casablanca, Khénifra, Al Hoceïma, Tan-Tan, Errachidia, Figuig, Fès, Tétouan et Smara. Devant l’assistance invitée à ne se manifester d’aucune manière et à ne poser aucune question, les premiers témoignages ont porté sur des arrestations arbitraires et tortures subies pendant les « années de plomb ».
« الارهاب » أبرز قضايا الجلسة الافتتاحية لمؤتمر وزراء الداخلية العرب
تونس (رويترز) – برز « الارهاب » كقضية أولى في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي بدأ أعماله يوم الثلاثاء في تونس. وأكد الوزراء في كلماتهم ضرورة تفكيك « الشبكات الارهابية » وتدعيم التعاون بين الدول العربية والتنسيق الكامل بينها لاستئصال تلك الشبكات والحيلولة بينها وبين استخدام الاسلام كغطاء لنشاطها. ويحضر المؤتمر الذي تستمر أعماله ثلاثة أيام وزراء داخلية الدول العربية باستثناء جيبوتي وجزر القمر. وقال وزير الداخلية العراقي فلاح حسن النقيب في كلمته في الجلسة انه يطلب من المؤتمر « الموافقة على اصدار بيان يدين العمليات الارهابية التي تستهدف قوات الامن العراقية والمدنيين الابرياء. » كما طالب الوزراء باستنكار « ما تروجه بعض وسائل الاعلام والفضائيات من أخبار ومعلومات خاطئة تشكل تحريضا على الارهاب » مشيرا بذلك فيما يبدو الى فضائيات عربية تصف العمليات التي تستهدف قوات الشرطة والحرس الوطني والقوات الاجنبية في العراق بأنها « أعمال مقاومة ». وأضاف النقيب أن نحو 1300 شرطي عراقي لقوا مصرعهم منذ عام ونصف العام كما لقي ألوف المدنيين العراقيين حتفهم في تلك العمليات. وتعلن عدة منظمات من بينها تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين الذي يتبع تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن مسئوليتها عن الهجمات في العراق. ودعا وزير الداخلية المصري حبيب العادلي الى « ضرورة التنسيق لتفكيك الشبكات الارهابية التي أصبحت تعتمد على التكنولوجيا الحديثة. » وطالب وزير الداخلية الليبي نصر المبروك بتشديد الخناق على « الارهابيين الذين قد يستغلون حرية تنقل الاشخاص والبضائع بين الدول العربية لتنفيذ مخططاتهم. » وغادر وزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبد العزيز القاعة حين بدأ الوزير الليبي في القاء كلمته. وتتهم السعودية ليبيا بتدبير محاولة لاغتيال ولي العهد السعودي الامير عبدالله بن عبدالعزيز لكن ليبيا تنفي أي دور لها في مثل تلك المحاولة. وتناقش الدورة الحالية لمجلس وزراء الداخلية وسائل مكافحة الجريمة المنظمة والفساد وتهريب المخدرات والاتجار بها.
(المصدر: موقع سويس انفو نقلا عن وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 4 جانفي 2005)
بدء محاكمة المتهمين بالتخطيط لتفجير السفارة الامريكية في باريس
بدأت في فرنسا محاكمة ستة متهمين بالتخطيط لتفجير السفارة الامريكية في باريس. وألقي القبض على المتهم الرئيسي جميل بيجال، وهو فرنسي من أصل جزائري، في دبي عام 2001. وقالت السلطات هناك إن بيجال اعترف بأنه استلهم الفكرة من تنظيم القاعدة. لكنه عاد وسحب اعترافه قائلا إنه انتزع منه تحت تأثير التعذيب. ويعتقد أن بيجال قال إن لاعب الكرة التونسي المحترف نزار طرابلسي كان هو المنفذ الانتحاري المفترض. ويقضي طرابلسي حاليا عقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات حاليا في بلجيكا بعد إدانته بالتخطيط لتفجير قاعدة عسكرية. وقالت تقارير إن المخطط كان يستهدف تفجير السفارة الامريكية والمركز الثقافي الامريكي. وكانت مهمة الطرابلسي المفترضة هي دخول السفارة وتفجير نفسه عن طريق حزام ناسف ملفوف حول جسده وذلك بالتزامن مع تفجير شاحنة في المركز الثقافي الامريكي في وسط باريس، ونفى طرابلسي هذه المزاعم. ووجهت إلى بيجال تهمة تجنيد عملاء للشبكة في الضواحي الجنوبية لباريس ومن بينهم زوج أخته الذي يحاكم هو الأخر.
(المصدر: موقع ال بي بي سي بتاريخ 3 جانفي 2005)
باريس: بدء محاكمة 6 أصوليين بتهمة التخطيط لتفجير السفارة الأميركية
زعيم المجموعة للمحققين: التعليمات جاءت من أبو زبيدة خلال اجتماع في أفغانستان
باريس: ميشال أبو نجم بدأت أمس في باريس محاكمة الأصولي جمال بقال الذي يحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية، وخمسة من رفاقه، بتهمة الاعداد لتفجير السفارة الأميركية في باريس المطلة على ساحة الكونكورد، عن طريق استخدام سيارة مفخخة يقودها انتحاري تونسي ولاعب كرة سابق يدعى نزار طرابلسي. وتأتي هذه المحاكمة بعد ثلاث سنوات من التحقيقات والتحريات التي انطلقت مع توقيف جمال بقال في مطار دبي لحيازته جواز سفر فرنسيا مزورا وهو في طريق عودته من أفغانستان، باتجاه المغرب.
ولدى التحقيق معه في دبي، اعترف بقال الذي قبض عليه أواخر يوليو (تموز) 2001 بوجود مشروع التفجير وأدلى للمحققين بمعلومات تفصيلية بشأنه. ويعد بقال الشخصية المركزية في هذه المحاكمة المفترض أن تدوم حتى أواسط فبراير (شباط) المقبل. وفي حال ادانته فإن عقوبته قد تصل الى السجن عشر سنوات. وبحسب اقواله، فإن مشروع التفجير جاء بناء على تعليمات من أبو زبيدة، مسؤول العمليات السابق في «القاعدة»، خلال اجتماعين عقدا في أفغانستان، في مارس (آذار) 2001. وروى بقال الذي سبق أن اعتقلته أجهزة الأمن الفرنسية عام 1997 بتهمة إرسال أسلحة الى الاصوليين الجزائريين، أن ابو زبيدة طلب منه العودة الى فرنسا وتأسيس خلية تحضر لضرب المصالح الأميركية على الأراضي الفرنسية. وكانت قوات الأمن الباكستانية قد ألقت القبض على أبو زبيدة وسلمته الى الولايات المتحدة في مارس 2002 .
ومن أجل إخفاء نشاطاته، طلب أبو زبيدة من بقال تأسيس شركة تجارية وفتح مقهى إنترنت يتيح له التواصل مع مسؤولي «القاعدة» وشراء منزل مجهز بمرآب وشراء سيارة يتم إعدادها وتفخيخها وتسليمها الى التونسي نزار طرابلسي الذي كان يعرف بقال كما ان زوجتيهما كانتا تقيمان علاقات ودية. ذهب بقال الى حد الكشف عن اسمي اثنين من شركائه في مشروع تفجير السفارة الأميركية، هما كمال داودي ونزار طرابلسي، ما سهل للسلطات الفرنسية وضع اليد لاحقا على أفراد شبكة بقال.
وبعد هذه الاعترافات، سلمت السلطات الإماراتية بقال الى فرنسا التي أمرت نيابتها، في 18 سبتمبر (أيلول) 2001، بفتح تحقيق عدلي أوكل الى القاضيين جان لوي بروغيير وجان ـ فرنسوا ريكار. وأعقبت ذلك عمليات أمنية واسعة في منطقة الايسون الواقعة في ضاحية باريس الجنوبية ألقت بنتيجتها الشرطة الفرنسية وجهاز مراقبة الأراضي (المخابرات الداخلية) القبض على كل اعضاء الشبكة باستثناء كمال داودي، وهو فرنسي من اصل جزائري يعمل في حقل المعلوماتية الذي نجح في الإفلات من قبضة الشرطة والفرار الى بريطانيا حيث تلقى مساعدة الأوساط الإصولية في مدينة ليستر. غير أن الشرطة البريطانية أوقفته وأعادته الى باريس بعد تلقي طلب استرداده من السلطات الفرنسية.
وتعتبر الأجهزة الأمنية الفرنسية أن بقال الذي تدرب في أفغانستان هو «القائد العملاني» للخلية الاصولية التي كانت لها تشعبات في بريطانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا. وباستثناء جوهان بونت، وهو فرنسي اعتنق الإسلام، فإن الموقوفين الستة الذين يضاف إليهم شخصان آخران يحاكمان بتهمة الإقامة غير المشروعة على الأراضي الفرنسية، يتحدرون من أصول مغاربية وهم رشيد بن مساحل ونبيل بو النور وعبد الكريم لفقير إضافة الى بقال وداودي. ويستند ملف الادعاء الى اعترافات الموقوفين وكذلك الى قرائن مادية حصلت عليها الأجهزة الفرنسية من خلال التنصت على الاتصالات الهاتفية للموقوفين وللشبكات الاصولية بشكل عام على الأراضي الفرنسية ولما قدمته أجهزة الأمن الأوروبية والأميركية لفرنسا.
غير أن بقال تراجع عن الاعترافات التي أدلى بها في دبي وادعى في جلسة استجواب مع قاضيي التحقيق بروغيير وريكار في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) أن الاعترافات انتزعت منه «تحت الإكراه والضغوط النفسية والجسدية» التي تعرض لها منذ القبض عليه في مطار دبي.
أما نزار طرابلسي فإنه يقضي عقوبة بالسجن مدتها عشر سنوات في بلجيكا بعد أن أدين بالانتماء الى منظمة إرهابية والتخطيط لاعتداء على قاعدة عسكرية اميركية في بلجيكا. وطرابلسي كان لاعب كرة معروفا وكان يلعب مع نادي دوسلدورف الألماني قبل أن يلتحق بالاصوليين في أوروبا ويذهب الى أفغانستان للتدرب بدوره على استخدام السلاح والمتفجرات في الوقت نفسه الذي كان فيه بقال في أفغانستان وتحديدا في معسكر قريب من قندهار. وبحسب بقال، فإن طرابلسي كان موجودا في الاجتماع الذي تقررت فيه مهاجمة السفارة الأميركية في باريس. وكان بقال قد قدر كلفة العملية بما يزيد على 50 ألف يورو كانت ستسلم له في المغرب. وروى بقال أن ابو زبيدة سلمهما «هدايا من بن لادن» هي عبارة عن مسبحة وعود من البخور وأشياء أخرى.
(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 4 جانفي 2005)
تطلع إلى المرحلة التونسية من القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي ستقام نهاية العام
لندن: «الشرق الأوسط» تتطلع العديد من حكومات العالم بشكل عام ودول العالم الفقيرة بشكل خاص، إلى إقامة الشطر الثاني من القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي ستعقد في تونس في الفترة من 16 وحتى 18 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وكان النصف الأول من هذه القمة قد عقد في العاصمة السويسرية جنيف، بين 10 و12 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2003، وهي القمة التي ينظمها مجلس الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية، بهدف «بناء مجتمع معلومات جامع هدفه الإنسان ويتجه نحو التنمية، مجتمع يستطيع كل فرد استحداث المعلومات والمعارف والنفاذ إليها واستخدامها وتقاسمها، ويتمكن فيه الأفراد والمجتمعات والشعوب من تسخير كامل إمكاناتهم للنهوض بتنميتهم المستدامة ولتحسين نوعية حياتهم» كما نص البيان الرسمي. وعلى الرغم من أن مرحلة جنيف من القمة قد حضرها وفود رفيعة المستوى من 175 بلدا، من بينهم 50 رئيسا ونائب رئيس دولة وحكومة، بمشاركة من 11 ألف شخص، وناقشت «الهوة الرقمية» بين الدول الغنية والفقيرة وطالب إعلان مبادئها بضرورة إزالة الفوارق بين دول الشمال والجنوب وإبراز حق الجميع في الحصول على المعلومات، رأى العديد من المراقبين أنها انتهت من دون أن تسفر عن نتائج ملموسة لصالح البلدان الفقيرة وظلت حبرا على ورق بسبب عدم الاتفاق على آلية للتنفيذ ولا للتمويل. ولذلك اتفق المشاركون في النهائية على إرجاء هذه المسألة الشائكة إلى قمة تونس. ولكن على الرغم من أن تونس لم تتوقف طيلة العامين الآخرين عن التحضير لهذه القمة بهدف إنجاحها من ناحية التنظيم، يظل نجاح القمة نفسها في تحقيق أهدافها الكبيرة مسألة لا يمكن حسمها تماما في هذا الوقت المبكر، على الرغم من تطلع الكثير من الدول الفقيرة إليها بأمل كبير. (المصدر: صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 4 جانفي 2005)
نتيجة تقلص عدد أفراد الأسرة التونسية:
هل تحسن مستوى العيش وأية التزامات فرضها؟
تونس ـ الصباح بينت نتائج التعداد العام للسكان لسنة 2004 ان عدد الاسر التونسية بلغ حوالي 2185 الف اسرة مقابل قرابة 1705 الف اسرة خلال تعداد سنة 1994 اي بزيادة في عدد الاسر خلال فترة العشر سنوات الماضية تقدر بـ481654 اسرة وتشير نفس النتائج الى ان متوسط حجم الاسرة التونسية يقدر بـ53،4 شخص سنة 2004 مقابل 16،5 سنة 1994 و47،5 سنة 1984. تقلص حجم الاسرة هذه المعطيات تؤكد ان حجم الاسرة التونسية في تقلص مستمر اذ تحتوي الاسر التونسية التي هي مجموعة من الاشخاص تربطهم صلة قرابة ويعيشون في مسكن واحد على معدل 4 اشخاص مما يبرز نجاح العمل ببرنامج التنظيم العائي وبرامج التوعية والارشاد في مجال الصحة الانجابية، تقلص عدد افراد الاسرة يحيلنا الى نمط عيش هذه الاسرة ومدى تمتعها بوسائل الراحة. كماليات اضحت ضروريات تحسن مستوى العيش يقاس عادة بمدى امتلاك الاسرة للتجهيزات المنزلية التي كانت تعد في سنوات سابقة من الكماليات واضحت الان من الضروريات التي تبين ان مستوى العيش داخل الاسرة مرتفع،. فامتلاك الاسرة لجهاز تلفاز كان يعد مؤشرا على ان دخل هذه الاسرة مرتفع والاحصائيات الاخيرة اكدت ان 2،90% من الاسر التونسية تمتلك تلفازا مما يبرز الاهمية الفائقة التي يكتسيها امتلاك وسائل الاعلام والاتصال داخل الاسرة التونسية فقرابة 36% من الاسر تمتلك جهاز هاتف قار و1،46 يمتلك احد افرادها على الاقل هاتفا جوالا وعدا عن مختلف الوسائل والتجهيزات المنزلية التي اصبحت تعد احد المكونات الاساسية في المنزل ابرزت الاحصائيات ان 6% من الأسر التونسية تمتلك مكيفا هوائيا وهو ما يحيلنا الى ان الاسرة التونسية اتجهت في الوقت الحاضر الى استعمال وسائل «البذخ» او التجهيزات المنزلية الكمالية فقد اصبحت اليوم تستعمل بكثرة التجهيزات المنزلية الكهربائية كالسخان الالي الات الرحي الكهربائية والمكيفات وآلات غسل الثياب. ولعل توجه الاسرة التونسية الى استعمال وسائل الرفاهية يعود الى تقلص عدد افراد الاسرة فان تشتمل الاسرة الواحدة على 4 اشخاص او5 يمكنها من توفير مستوى عيش احسن واكثر رفاهية لابنائها بتوفيرها وسائل الراحة اللازمة وخاصة منها السيارة اذ اثبتت نتائح تعداد سنة 2004 ان نحو 21% من مجموع الاسر تمتلك او تستعمل سيارة كما ان تقلص عدد الافراد يمكن من توفير ظروف دراسة طيبة للاطفال وتمكنهم من رعاية اسرية وتربوية جيدة واكيدة باعتبار ان طبيعة تركيبة الاسرة وعددها اضحى اليوم سانحا بتوفير سبل الراحة والرفاهة المختلفة. التزامات جديدة ولكن الاكيد ان تقلص حجم الاسرة التونسية افضى ايضا الى التزامات جديدة واكيدة ايضا وابرزها تمكين الاطفال من وسا ئل الترفيه وادماجه في المنظومة التكنولوجية والمعلوماتية العالمية في وقت مبكر بتوفيرها وسائل التكنولوجيا الرقمية عالية الجودة ويبدو ان الاسرة التونسية قد انخرطت بعد في هذا التوجه اذ تشهد وسائل التكنولوجيا اقبالا هاما من طرف العائلات التونسية وفي غالب الاحيان تحت ضغط من الابناء. سامية الجبالي (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 4 جانفي 2005)
مرشحون لرئاسة مصر يشنون حملة لجمع مليون توقيع لتعديل الدستور
بينهم سعد الدين ابراهيم ونوال السعداوي
2005/01/04 القاهرة ـ رويترز: بدأ ثلاثة نشطاء مصريين أعلنوا ترشيح أنفسهم لرئاسة الجمهورية امس الاثنين حملة لجمع توقيعات لمطالبة البرلمان بتعديل الدستور ليسمح لاكثر من مرشح بالمنافسة علي الرئاسة. وقال محمد فريد حسنين عضو البرلمان السابق والكاتبة نوال السعداوي وسعد الدين ابراهيم النشط في مجال حقوق الانسان في بيان ان الحملة تستهدف جمع مليون توقيع لمطالبة مجلس الشعب (البرلمان) بتعديل الدستور لكي يسمح لاكثر من مرشح بالتنافس علي منصب رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر . ويقضي الدستور المصري بأن يختار مجلس الشعب مرشحا واحدا لرئاسة الجمهورية باقتراح من ثلث أعضائه علي الاقل وبموافقة الثلثين علي الاقل ثم يعرض المرشح علي الشعب في استفتاء عام. وتنتهي فترة رئاسة الرئيس حسني مبارك الحالية وهي الرابعة له في تشرين الاول (أكتوبر) المقبل. وتولي مبارك الرئاسة عقب اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981 . وصرح صفوت الشريف الامين العام للحزب الوطني الاحد بأن من المقرر أن يسمي مجلس الشعب المرشح للرئاسة في ايار (مايو) علي أن يجري الاستفتاء في ايلول (سبتمبر). ولم يعلن اسم المرشح الا أن من المتوقع علي نطاق واسع أن يسعي مبارك (76 عاما) للفوز بفترة رئاسة خامسة. وما لم يعدل البرلمان الدستور فان المرشحين الثلاثة لن يكون لهم أي وضع قانوني ولن تظهر أسماؤهم علي أوراق الاقتراع في الاستفتاء. وجاء في النداء الذي وجهه الثلاثة لجمع التوقيعات المؤيدة له نحن الموقعين أدناه نطالب مجلس الشعب بتعديل الدستور لكي يسمح لاكثر من مرشح بالتنافس علي منصب رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر بدءا من الانتخابات الرئاسية لعام 2005 . وقالت السعداوي ان المرشحين وأنصارهم سيعلنون عن حملتهم لجمع التوقيعات من خلال اجتماعات في مختلف أنحاء البلاد لحشد الرأي العام من أجل التغيير. وتجمع أحزاب المعارضة علي المطالبة بالسماح لاكثر من مرشح بالمنافسة علي الرئاسة. لكن الحزب الوطني يقول انه لن يدرس تغيير نظام انتخابات الرئاسة الا بعد الانتخابات القادمة.
(المصدر: صحيفة القدس العربي بتاريخ 4 جانفي 2005)
حان الوقت لإنهاء مأساة السجين جلال مبروك
حين أطلقت السلطات التونسية عددا من سجناء حركة النهضة في شهر نوفمبر الماضي ومن بينهم أكثر من عشرة مساجين من جهة قابس أعتقد الكثيرون أن السجين جلال بن عبد السلام المبروك سيكون أوّل من يفرج عنه ولكن ذلك لم يتحقق وكانت خيبة أمل أصابت أسرته والأوساط الحقوقية المتابعة لوضعه وخاصة فرع قابس للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة المديرة للرابطة.
إن السيد جلال بن عبد السلام المبروك أصيل منطقة شنني من ولاية قابس حوكم في قضية حركة النهضة سنة 1991 ونال حكما بالسجن مدته 21 عاما وأودع السجن المدني 9 أفريل بتونس بعد شهرين فقط من زواجه وترك زوجة أنجبت له ابنا اسمه « فراس » لم يلمس أباه أبدا رغم بلوغه اليوم سنّ الثالثة عشرة.
والسيد جلال المبروك قد تنقّل منذ سُجن بين أغلب السجون التونسية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب: سجن 9 أفريل بتونس- سجن برج الرومي سجن بلاريجا بجندوبة في سجن انفرادي لمدة سبعة أشهر ثم سجن المهدية ومرناق وقرمبالية والمنستير ثم سجن صفاقس ثم مدنين وأخيرا سجن « غنوش » بقابس وهو أقرب سجن إلى مقر سكنى عائلته التي قاست الأمرّين لزيارته.
إن حالة السجين جلال المبروك الصحية والنفسية تنذر بالخطر وتستوجب التدخل العاجل للسلطات المعنية لإنقاذ حياته ووضع حدّ لمعاناة زوجته وابنه وأسرته فهو يعاني منذ مدة من عدد من الأمراض تطول قائمتها كلما تواصلت فترة سجنه.
فهو يعاني من مرض الرّبو الحادّ وأجريت عليه عملية جراحية حين كان في سجن صفاقس لاستئصال ورم أتلف جزءا هاما من الكبد وقد أصيب في الفترة الأخيرة بارتفاع ضغط الدم الذي سبّب له متاعب في القلب فصار يعاني من الوهن والإغماء المتكرّر هذا إضافة إلى مشاكل برجليه هي من مخلفات شلل مؤقت أصيب به في الفترة الأولى من سجنه.
والسجين جلال المبروك يعاني اليوم إلى جانب أمراضه العضوية من اضطرابات عصبية تهدد صحته النفسية بالخطر.
بعد كل هذه المعاناة وهذه الحالة الحرجة آن الأوان كي يطلق سراح السجين جلال المبروك مثلما أطلق سراح زملائه نرجو أن تهتمّ السلطات المعنية بملفه الصحي والنفسي والاجتماعي حتى لا تزداد حالته تعكّرا وحتى يجتمع بزوجته وأهله وحتى يتمكّن ابنه فراس من ملامسة أب حرم منه ولم يعرفه إلا وراء القضبان لمدة 13 سنة.
أملنا أن يكون هذا النداء مساهما في التخفيف من معاناة السجين وأهله، وأن يستجاب له في أقرب فرصة حتى لا يحصل ما لا تحمد عقباه لا قدّر الله.
-عبد الجبار الرقيقي – قابس
(المصدر: صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 293 بتاريخ 31 ديسمبر 2004)
النهضة وقضية المساجين:
الحلّ مع من يملك الحلّ !
بعد نزول الستار على استحقاق 24 أكتوبر، ساد جوّ من التشاؤم و اليأس في صفوف المعارضة التي دعت للمقاطعة، و اقتنع الجميع بأنّ النظام سوف يمعن في سياسته القمعيّة المعهودة و أنّ ملف الحرّيات وقضية تسريح المساجين قد أغلقا إلى المحطة القادمة في سنة 2009.
المفاجأة:
و فجأة، أقدمت السّلطة على تسريح بضعة عشرات من المساجين السياسيين من بينهم بعض قيادات حركة النّهضة، الأمر الذي افرح الكثيرين و لكنه أربك الجميع و دفعهم للتساؤل عن أسباب إقدام السلطة على هذا الإجراء.
و في هذا الصدد، قام الأخ الطاهر العبيدي مشكورًا في الأيام الفارطة عبر موقع العصر، (والذي نشرته تونس نيوز في ما بعد بتاريخ 07.11.04 و 07و17 12 04) باستجواب بعض الأخوة المسرّحين من مساجين حركة النّهضة. وهو عمل ممدوح، زاد صاحبه في إثرائه، حيث أضاف له آراء أغلب الأطياف السّياسية حول موضوع تسريح بعض المساجين.
ففي حين رأى البعض أن هذا التسريح جاء نتيجة طبيعية لنضالات المجتمع المدني و تضامنه مع السجناء و الثقافة حول قضية الحرّيات، رأى البعض الأخر أنه المخرج الوحيد للسلطة بعد مهزلة أو مسرحية انتخابات 24 أكتوبر، و ذهب طرف ثالث إلى اعتباره بادرة حسن نيّة من طرف السلطة لإنهاء هذا الملف الثقيل على الجميع، سلطة و معارضة و مجتمعا و بالخصوص سجناء و عائلات.
كما اشتركت الأطراف الثلاثة في مطلب نقطة واحدة وهي العفو التشريعي العام، دون أن يوضح احدهم كيفية الوصول إلى تحقيق هكذا مطلب.
الدعوة إلى العفو التشريعي العامّ:
رغم سمو هذا المطلب المتحضّر في مجمله، فإن هذه الدعوة بقيت فضفاضة، تملآ صحف النخبة و تلهج بها ألسنة الأتباع و يتجاهلها النظام الحاكم و النخب المستفيدة من السلطة، و تغيب من كل وسائل الإعلام الرسمية. ففي غياب معارضة قوية وممثلة تمثيلا حقيقيا في البرلمان و غياب إرادة سياسية من جانب السلطة في مصالحة وطنية شاملة، فإنّ هذه الدعوة تبقى سرابا يحسبه الضمآن ماء، و مهربا للنخبة السياسية إلى الأمام، لأنها دعوة ليس عليها فيها تكاليف.. حتى أن هناك من اشترط السراح الأخير لبعض الأخوة أن يكون « داخل إطار العفو التشريعي العامّ، و إلا سوف لن يكون له معنى »… هذا بالطبع رأي من يعيش في حريّة و أمان ... أما رأي الذين يعيشون ظلمة السجن مع هموم ذويهم ومعاناتهم، فقد عبّر عنه الأخوة المسرحون ولعل أصدق شهادة هي للأخ منير الحكيري « … اسمح لي أن أتحدث لك من القلب ومن صميم المعاناة، التي لا زالت حاضرة بقوّة في الجسم والذهن والوجدان، حيث أعتبر أن أيّ سجين يفرج عنه، هي بادرة إيجابية حتى ولو بقيت له 24 ساعة لانتهاء مدته، ومهما وصفت واقع السجن فإنه ما أمكنني وصفه، لأن المعاناة رهيبة ورهيبة جدّا، باختصار السجن هو الجحيم، ومعاناة أهالي وعائلة السجين محنة أخرى وأوجاعا أخرى تضاف إلى السجين، فتتضاعف عذاباته وتشتدّ عليه الآلام، لأن في النهاية الإنسان يبقى إنسانا وطاقته، طاقة بشر، وفي رأيي أي مجهود يفضي إلى إطلاق سراج سجين هو إيجابي، لأنه قد يكفكف نزيف عائلة بأكملها… » (1)
فلا أحد منّا يمكنه أن يستنكف عن المطالبة بالعفو التشريعي العام، و لكن باستحالته ألان للأسباب السالفة الذكر، فإننا مع كل عفو يرد للإنسان حريّته و يُنهي المأساة و يعمل على تقليل الأحقاد.
أن العفو الصادر عن المجلس التشريعي لم يحدث في تونس المستقلّة إلا مرة واحدة، وهو بُعيد انتخابات 2 افر يل 1989 و لم يكن بمبادرة برلمانية، بل كان أمرا من رئيس الدولة، و مع هذا: فإن قوى الردة و الاستئصال قد التفّوا عليه، ولعبوا دورَا قذرا في انتقاء المعفو عنهم..,ب « دراسة كل ملف عن حدة » و لم يتمتع اغلب الأخوة من سجناء الحركة الإسلامية سواء سنة1981 أو 1987.. سواء كانوا في الداخل أو الخارج: بحقوقهم المدنية، بل أن التحقيقات و المحاكمات سنة 1991/1992 كانت تتم على خلفية رجعية لسوابق المعتقل أو المحاكم.
المعارضة: قلق و تساؤلات
غير أنّ التساؤلات الأخطر حول تسريح جملة من المساجين الإسلاميين، والتي نشرت على صفحات الإعلام الالكتروني: هي تلك التي تعلّقت بالدور المحتمل لحركة النهضة و الثمن الذي دفعته من اجل تسريح بضعة عشرات من المساجين؟ و قد ذهب الناس في ذلك كل مذهب: فمن مستهزء بتثمين الحدث و لو على تواضعه ، وهو ما ذهب إليه السيد المنصف المرزوقي، ساخرا من الداعين إلى الحوار مع النظام لطي صفحة الماضي و السعي إلى مصالحة وطنية تجعل حدا للمغالبة بين السلطة و المجتمع. « ...ومع هذا صفّق المصفقون وتوسّم الخير المتسولون وتوهم المتوهمون الخ ... » (2)
أما الاخ سيد الفرجاني فقد رأى في « المروّجين للأوهام » بالجهل و عدم النضج السياسي لجيل أمضى زهرة شبابه طيلة ربع قرن في النضال السياسي …إنّ الّذين يروّجون للأماني و الأوهام الّتي لم نرها على الواقع و الّتي أصبح يطبّل لها حتّى السّيّد لزهر مقداد أحد قيادات حركة النّهضة الرّسميّة في مقال في تونس نيوز، رغم تقديري لصدق النّوايا الحسنة للأخ، ليعطي انطباعا عن عدم نضج سياسي وجهل بأصول فنّ ومقتضيات التّفاوض… (3)
أما السيدة أم زياد فقد ذهبت أبعد من ذلك، فشككت في علاقة النهضة بالسلطة بعد كل ما جرى طيلة كل هذه السنين.. بل تطلب من قيادة النهضة توضيحها و تبيان « موقفها الغامض ». وحسب ما يُفهم من كلامها: فأن ساعة فرز الصفوف قد قربت، وأن الساحة لم تعد تتحمّل الازدواجيّة في الخطاب أو المواقف « … وخطاب الإسلاميّين الجديد يقول إنّهم صاروا حركة ديمقراطيّة وبالتّالي فلا مجال لتعاملهم مع نظام دكتاتوريّ وضدّ الدّيمقراطيّة وفي ضوء هذا فإنّ موقفهم الأخير من إطلاق بعض سجنائهم يبعث حقّا على التّساؤل الجدّيّ حول موقفهم النّهائيّ من السّلطة القائمة…. ولكنّنا نريد أن يوضّح كلّ موقفه بطريقة لا تحتمل اللّبس وأن يختار شقّه بصفة نهائيّة ضاربا صفحا عن الشّقّ الآخر نهائيّا… » (4)
و كتب الأستاذ محمد عبّو في هذا الشأن، و بعد تفكير عميق، توصّل أخيرا إلى خلاصة وبالدليل المادي، مفادها: أن تسريح عُشر المساجين الإسلاميين لا يمكن أن يتمّ دون حصول « صفقة مع النظام »... وقد اختلفت التفاسير لهذه الخطوة التي أقدم عليها النظام ولعلّ أبرز تأويل للحدث هو ذلك القائل بوجود صفقة بين النظام وحركة النهضة أو شق منها على الأقل. وهذا الإتجاه له ما يسانده من المؤشرات والقرائن سواء في الفترة السابقة لإجراء الإفراج حيث ظهرت سياسة رفض التصعيد وتجنّب الصدام مع السلطة أو فيما بعد الإفراج حيث خرجت البيانات والمقالات الشاكرة لرئيس الدولة فضله والمنادية بالمصالحة الوطنية وبطي صفحة الماضي الأليم… » (5)
وهنا، و بعد كل هذه المهاترات ألا يحق لكل منصف عاقل أن يتساءل؟:
– ماذا يكون موقف هؤلاء و غيرهم لو كان لهم عُشر مساجين النهضة يقبعون مدة 15 عاما في زنزانات الموت البطيء؟ ماذا لو عانوا ما عاناه مناضلي النهضة طيلة ربع قرن من الاستئصال على كل المستويات من إقصاء و تجويع و ترويع و سجون و دماء و دموع و تشريد..؟
– فهل ستراهم يُعرضون أو حتى يؤجلون أي مفاوضات مع السلطة أو سعي لحل مشكلاتهم حفاظاَ على عافية النهضة خاصة و المعارضة عمومًا ؟ أم أنهم ـ و هذا هو الأقرب ـ سوف يمضون و لا يُلوون على احد؟
لقد رأينا في بداية التسعينات من كانوا أصدقاء النهضة.. كيف سارعوا إلى مظاهرة النظام تلميحا و تصريحا وصمتا مريبا في استئصال الإسلاميين… فقط للحفاظ على ديمومة فتح مكاتبهم.. و ظنا منهم بالظفر بديمقراطية بدون إسلاميين و صياغة مجتمع جديد في غيابهم.
– لماذا هذا التبرم و قراءة النوايا لمجرّد أن بعض الأصوات المحتشمة، قد تفاءلت و طلبت الحوار لحل قضية إنسانية لم يشهد تاريخ تونس المستقلة مثلها إلى حدّ الآن؟ و كأن الجميع استكثر على مساجين قضوا أكثر من 14 سنة في المحاكم و الزنزانات الانفراديّة أن يخرجوا منها بعفو رئاسي، تماما كما حدث لبقية المساجين من اتجاهات سياسية أخرى من قبل. فهل يتذكر هؤلاء المشككون و غيرهم أنّ السادة محمد مواعده و خميّس الشمّاري و خميّس قسيلة و حمةالهمامي و آخرين…، إنّما خرجوا من السّجون بسراح العفو الرئاسي، مع الفارق أنهم لم تُفرض عليهم الإقامة الإدارية مثلما هو حال المسرحين من الإسلاميين.
موقف قيادة النهضة؟
إن المتتبع لخطة النهضة في معالجة قضية المساجين، يرى أنها راهنت على نخب المعارضة و المجتمع المدني رغم ضعفهم جميعا، بل حتى عدم اقتناع الكثيرين منهم بمناصرة قضية الإسلاميين أصلا.. و قد تأكد فشل هذا الرهان إلى حد الساعة.
و بالمقابل، لم تظهر مبادرات جديّة من القيادة في إيجاد حل مع من يملك مفاتيح السجن و القضية كاملة. فالعمل على إيجاد الحلّ مع من يملك الحلّ هو جوهر الموضوعية.. و لعلّ ما صرح به الأخ زياد الدولاتي ومحاولته منذ سنوات الحوار مع السلطة من داخل السجن لأكبر دليل على جديّة وصواب هذا الرأي، » في الحقيقة سبق لي في مارس سنة 2003 أن زارني السيد مصطفى بن زكرياء رئيس اللجنة العليا لحقوق الإنسان مع السيد عبد الوهاب الباهي، وتحدثت معهم مطوّلا حول وضعية المساجين وتردّي أوضاعهم ومعاناتهم بشكل مستفيض، وإثر الحديث سلمتهم رسالة إلى رئيس الدولة، محورها الأساسي وضع المساجين ومتاعبهم، وإطلاق سراحهم لأسباب إنسانية، وقد بلغني فيما بعد أن هذه الرسالة كان لها صدى طيب من قبل رئيس الجمهورية، وكان هناك شبه وعد بحل الملف في المرحلة القادمة، مع العلم أن الرسالة كانت تشمل كل المساجين السياسيين، لهذا فإن الإفراج بالنسبة لي شخصيا لم يكن مفاجئا.« (6) و ليس ما ذهب له الأخ وليد البناني رئيس مجلس الشورى إلى طمأنة الذين فزعوا رعبا من تسريح بعض المساجين خوفا من أن يكون على حسابهم.
و لعل كذلك تصريح الأخ زياد هو رسالة للجميع(سلطة و حركة ونخب سياسية) مفادها: أن السعي إلى إيجاد حلّ شامل و نهائي لقضية المساجين الإسلاميين و معاناة المسرّحين منهم، يبقي في مدى جدّية السلطة في طيّ هذا الملف .. و يبقى تحديدًا، بيد رئيس الدولة نفسه، وهو المسؤول الأوّل دستوريا..و كذلك يبقى تونسيًا و ليس دوليًا مثلما يتوهّم البعض.. و يبقى في جزئه الأكبر مسؤولية الإسلاميين و ليس غيرهم من الأطراف السياسية و الحقوقية، وهي كذلك مسؤولية المعنيين بالأمر بالدرجة الأولى..و تحديدا الإخوة القيادات والمسرحين في الداخل .. وكفى الجميع هدرا للمجهودات و إضاعة الفرص مثلما أشار إليه السيد صلاح الدين الجورشي « .. لقد سبق أن حاول محمد الهاشمي الحامدي، صاحب قناة « المستقلة » (تبث من لندن) دون أن يحصل على موافقة قيادة حركة « النهضة »، القيام بمساع لدى الرئيس بن علي من أجل تسوية ملف المعتقلين الإسلاميين. وقد كللت تلك الجهود بتسريح مئات من المساجين في موفى عام 1998، لكن سرعان ما توقفت تلك الجهود بسبب عوامل عديدة، لعل من أهمها اتهام « النهضويين » صاحب المبادرة كونه غير مفوض للتفاوض باسمهم، وأنه قد « استغل قضيتهم لتحقيق مآرب أخرى ».
وحتى يقع إجهاض تلك المساعي، انتهجت قيادة « النهضة » أسلوب التصعيد السياسي ضد النظام ورمزه الأول، وهو ما استثمره دعاة الاستئصال والحل الأمني لوضع مزيد من العراقيل أمام تسوية ملف المعتقلين وتمديد فترة بقائهم في السجون« ….(7)
كلمة أخيرة:
بعد مرور15 عام من المأساة على أبناء الحركة الإسلامية و هي مدة ليست بالهينة، يبدو إننا اليوم بين خيارين:
– إمّا أن نضحّي بالمساجين في السجن الضيّق و الواسع ونكون بذلك قد ساهمنا في إطالة مدّة اعتقالهم و حصارهم رغم إرادتنا باعتبار أنّ مكاسب الماضي لا يمكن أن تُباع « بثمن بخس »..(8) وهو ما يراه الأخ سيد الفرجاني وكذلك أصحاب هذا الرأي: أي المضيّ قدما في المطالب السياسية للحركة. وهو هدف ناهز ال25 عاما من عمره قدمت الحركة فيه الكثير و الكثير على كل المستويات دون تحقيق شيء منه، بل تضحياتها الجسام استفاد منها غيرها و لا يزالون. وهو كذلك مطلب أشبه بالمستحيل في الوقت الراهن، في ضوء المنع الدستوري لتواجد سياسي قانوني للحركة في البلاد، و من ناحية أخرى مباركة هذا الإقصاء بشكله الحالي من اغلب الأطياف السياسية على الساحة، ولو أظهر بعضها عكس ذلك.
– و إمّا انتهاج خطّ المصالحة و العمل على فك أسر المساجين و رفع القيد على المسرّحين و استردادهم لحقوقهم في المواطنة و إنهاء معاناة طالت مدّتها و تعقّدت مشكلتها: و هذا لا يكون إلا بتغيير الخطاب و البعد عن كل ما من شأنه أن يزيد في تعكير الأجواء، و الدعوة إلى الحوار الهادئ و الحضاري و الصبر عليه و تشجيع كلّ من يدعو إليه. فبالحوار و لو على وسائل الأعلام المتعددة و المتيسرة يمكن أن يُذاب الجليد و تتقارب الآراء و تجد القضية حلاً ولو على مراحل.
فأنا على يقين، لو أن الشيخ راشد رئيس الحركة الفعلي و المعنوي، يقدم على خطوة شجاعة و يتبعها بالصبر على نتائجها، و عدم الالتفات إلى مزايدات المزايدين، فإنها سوف تبعث الارتياح عند السلطة و الأنصار و تساهم مساهمة ايجابية في الحل و لو كان جزئيا، تماما مثل خطوة جويلة 88 التي تحسب له في تهدئة السلطة و حفظ القضية الأمنية و خروج ما تبقى من المساجين، وتماما مثل ما قام به الشيخ عبد الفتاح سنة 84 لتسريح كل المساجين آنذاك. أما ما عدا ذلك أو بخطاب مثلما تفضل به الأخ سيد الفرجاني وغيره على صفحات تونس نيوز.. الذي يريد استثمار الكسب جماعيا.. و لمن ضعف فله الخلاص فرديا دون عدوى غيره .. فأنّه في الواقع لا يزيد الا تعميقا للازمة وإطالتها « …ولا يفوتني أن أوجّه نداء حارّا لكلّ أخ عزيز شريف لم يعد يتحمّل فاتورة النّضال القاسية بعد هذه السّنين الطّويلة في السّجن أو في الخارج، أن يبحث عن حلّ فردي لنفسه فقط و كلّ العقلاء سيثمّنون شجاعته في ذلك لأنّه لم يلجأ إلى أساليب دفع المجموعة للتّنازل عن المباديء والأهداف الإستراتجيّة الكبرى لشعبنا و لحركتنا القيميّة… » (9)
فهكذا خطاب، لن يفتح للمصالحة بابًا و لن يُُحقّق لطالب سياسة مكسبا و لن يوحد للإسلاميين صفا، و سوف يكون بلا شكّ، هدية قيّمة لدعاة الاستئصال و الحلّ الأمني و قوى الشدّ إلى الوراء لمزيد من التنكيل بإخواننا و إشعال نار القطيعة و الإقصاء.
محمد العماري– باريس
mohammedlamari@yahoo.fr
ــــــــــــــــ
(1)
منير الحكيري: موقع العصر 07.12.2004
(2)
د. المرزوقي: تونسنيوز :07.12.2004
(3)
سيد الفرجاني: تونسنيوز 29.12.2004
(4)
ام زياد: النهضة نت :14.11.2004
(5)
محمد عبو: تونسنيوز01.12.2004
(6)
د. زياد الدولاتي: موقع العصر 17.12.2004
(7)
صلاح الدين الجورشي: تونس نيوز 10.11.2004
(8)
سيد الفرجاني: تونسنيوز 29.12.2004
(9)
سيد الفرجاني: تونسنيوز 29.12.2004
الأمين العام للتكتل الديمقراطي بتونس لـ »قدس برس »
نرفض الديكور الديمقراطي والحلول المغشوشة التي تتبعها السلطة الحكم عمّق الفوارق بين شرائح المجتمع وألحق ضررا كبيرا بالطبقة الوسطى إذا غابت الظروف الموضوعية للتعددية السياسية تصبح الانتخابات غير ذي معنى
تونس – خدمة قدس برس- السبت 25 كانون أول (ديسمبر) 2004 (خاص)
(محمد فوراتي)
رفض الدكتور مصطفى بن جعفر الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بتونس نتائج الانتخابات الأخيرة، التي أدت إلى فوز الحزب الحاكم، وتجديد انتخاب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بنسبة 95 في المائة، معتبرا أن الديمقراطية التي تتحدث عنها الحكومة هي ديمقراطية مغشوشة. وقال ابن جعفر، الذي يقود حزبا اعترفت به الحكومة قبل نحو عامين « إن الانتخابات كانت فرصة مهدورة لتونس ولشعبها، نتيجة الانغلاق السياسي، الذي تمادت فيه السلطة، ولكن كذلك نتيجة عدم توافق المعارضة على تحمل مسؤولياتها ». وأرجع ابن جعفر المشكلة إلى غياب الحريات الأساسية، التي ينتج عنها غياب حوار حقيقي ونزيه بين مكونات المجتمع، وغياب كل إمكانية للربط بين النخب السياسية والجماهير الشعبية، التي تبقى مهمّشة ومقصية من كلّ أشكال اللعبة السياسية، حسب قوله. وطالب ابن جعفر من قوى المعارضة أن تلتقي على إنهاء احتكار السلطة من قبل الحزب الواحد، والانتقال إلى مرحلة التداول السلمي على السلطة، وتوفير الحريات السياسية، والعدالة الاجتماعية، للمجتمع التونسي. وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه (محمد فوراتي) مراسل وكالة « قدس برس » في تونس مع الدكتور مصطفى بن جعفر الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات: * كيف تقيمون نتائج الانتخابات الأخيرة، التي قاطعها حزبكم، وفاز فيها الحزب الحاكم بنسبة عالية؟
– كنا نعتبر منذ البداية أنها (الانتخابات)، لا تتوفر على أدنى شروط النزاهة. كان عندنا بصيص من الأمل، رغم ما وقع من اعتداء على الدستور، ومن إرساء للرئاسة مدى الحياة، ومن قواعد إقصائيّة للمعارضين الحقيقيين، بالنسبة للانتخابات الرئاسية.. رغم كل ذلك وفي بداية عام 2004 أصدر مجلس الإطارات في حزبنا بيانا لم تنشره أيّة صحيفة وطنية، بل إن بعض الصحف الرسمية أصدرت تعليقا أو جوابا شبه رسمي، بدون أن تنشر نصّ البيان. هذا البيان يقول إن شروط انتخابات حقيقية غير متوفرة، ويناشد القوى الديمقراطية تكوين ائتلاف من أجل الضغط على السلطة لإجراء انتخابات حرّة وديمقراطية. هذا المطلب لم يجد صدى في أوساط المعارضة فانقسمت منذ الوهلة الأولى بين مشاركين، مهما كانت الظروف، ومقاطعين، ولو تبدّلت الظروف. ليلة الانتخابات اجتمعت إطارات الحركة لتقويم الانتخابات، وفي غياب أي تغيير، ونظرا للانغلاق المتزايد في الحياة السياسية، قررنا عدم المشاركة، وهذا ليس موقفا دوغمائيا، باعتبار أن حزبا ديمقراطيا كحزبنا من مهامه أن يناضل من أجل التغيير السلمي، عبر صندوق الاقتراع، إلا أن هذا الصندوق إن غابت حرمته، وغابت الظروف الموضوعية لتعددية سياسية حقيقية، وظروف التنافس، تصبح الانتخابات غير ذات معنى. * ولكن هناك أحزاب معارضة شاركت في هذه الانتخابات ورضيت بالنتائج؟
– كنا مقتنعين بأن السلطة القائمة لم تتمكن من فرض الديكور الديمقراطي طوال 15 عاما، إلا من خلال قبول جزء هام من المعارضة بالدخول في لعبة الديكور، والقيام ولو بدرجات متفاوتة بدور « الكومبارس ». واعتقدنا ومنذ سنين، وخاصة إثر المستجدات التي حدثت في مؤتمر حركة التجديد، وإثر التفاف القوى الديمقراطية بجُلّ أطيافها حول رفض التنقيحات، التي أدخلت على الدستور، وتنظيم الاستفتاء/ المبايعة، الذي سمح للرئيس ابن علي بتجديد ترشحه لفترة جديدة.. كنا مقتنعين أنه أصبح من الممكن التوصل إلى موقف موحّد، يرفض الديكور الديمقراطي، والحلول المغشوشة، ونحن نأسف لعدم تحقيق هذا الهدف، ونعتبر أن الانتخابات التي لم تفاجئنا هي فرصة مهدورة لتونس ولشعبها، نتيجة الانغلاق السياسي، الذي تمادت فيه السلطة، ولكن كذلك نتيجة عدم توافق المعارضة على تحمل مسؤولياتها. * أنتم تتحدثون في المعارضة عن الرئاسة مدى الحياة، ولكن المصادر الحكومية تنفي نفيا قاطعا هذا الأمر، وتقول إن سنّ الترشّح لرئاسة الجمهورية محدّدة بسنّ 75 عاما.. فماذا تقولون في ذلك؟
– هناك أخصائي في القانون الدستوري تحدث عن الرئاسة في بلادنا باعتبارها أصبحت عادة مرتبطة بالحياة، فطالما لازال شخص الرئيس حيا موجودا، فهناك بالضرورة قانون يتأقلم مع وجوده حيا. فمبدأ تغيير الدستور، ومبدأ تغيير العمل حسب المقاس، والرئاسة مدى الحياة، هي نتيجة تمش عام. وطالما وقع تغيير الدستور بحسب المقاس، فإن ذلك يؤدي بشكل آلي إلى رئاسة مدى الحياة، فمن غير المستبعد أنه ليلة انتخابات عام 2014 أن يقع رفع سقف سنّ الترشّح إلى أكثر من 75 عاما، هذا إذا تذكرنا أن موعد 2004 كان الموعد المنتظر لتخلي الرئيس الحالي عن دفة الحكم. وهذا ما يدفعنا إلى القول بأنها فرصة مهدورة بالنسبة لتونس، كان بمقتضاها، لو تم احترام الدستور، كما كان في صيغته السابقة، أن تدعي تونس بحقّ أنها في مقدمة الإصلاح في العالم العربي. * أنتم تتحدثون عن غياب التعددية في هذا الانتخابات، في وقت قالت فيه الحكومة وبعض أحزاب المعارضة إن الانتخابات الأخيرة تميزت بتعددية الترشح للانتخابات الرئاسية، بالإضافة إلى مشاركة عدد من الأحزاب في الانتخابات البرلمانية.. فما سبب هذا التناقض؟
– نلاحظ أن السلطة تعتبر أن العملية الانتخابية هي أحد الطقوس، التي تحرص على مواعيدها، لتضفي على النظام طابعا ديمقراطيا شكليا، استجابة للضغوط الخارجية، وحرصا على إعطاء صورة ولو كانت باهتة وفاقدة للمصداقية عن « ديمقراطية شكلية »، والنتيجة أنها حرصت منذ عام 1994 على التلوث أكثر من التعدد، فوضعت قوانين تسمح بما سمّي جرعة من النسبية في البرلمان، بتحديد عدد مقيّد من المقاعد للمعارضة، ثم وضعت في عام 1999 قانونا ظرفيا خارج القاعدة الأصلية للدستور، اختارت بمقتضاه منافسين، أعطيت لكل واحد منهم 0,32 في المائة من الأصوات، ثم وعلى نفس القياس بالنسبة لعام 2004 وضعت قانونا ظرفيا آخر يسمح باقتناء المنافسين ضمن قائمة معروفة مسبقا، أمكن بمقتضاها إقصاء المعارضين الحقيقيين، سواء كانوا من القيادات الحزبية أو النقابية الجمعياتية، أو من شخصيات اعتبارية لها إشعاع على مستوى المجتمع التونسي. هذا الأسلوب يعكس غياب إرادة سياسية في وضع قاعدة واضحة وقارة، تؤسس لانتخابات تكرّس الترشّح الحرّ، والممكن في ظروف معقولة، وتجعل من الانتخابات فرصة حقيقية للتداول السلمي على السلطة، والتنافس النزيه عليها. هذا مع ضرورة التذكير بالظروف العامة التي تعيشها البلاد والمجتمع التونسي، بين كل موعدين انتخابيين، والتي تتمثل خاصّة في تهميش الشعب ونخبه، وإقصاء ومحاصرة كل صوت مخالف. * لكن ألا تتحمل المعارضة جزءا من المسؤولية عن الواقع الذي تتحدثون؟
– المعارضة في كل الحالات تتحمّل جزءا من المسؤولية في الوضع الذي تعيشه البلاد على المستوى السياسي خاصة، ولكن لا يمكن أن نحمّل المعارضة أيضا أكثر من طاقتها. أوّلا يقال إن المعارضة مشتتة، في حين أن أحزاب المعارضة قليلة بالمقارنة مع البلدان الأخرى، وليس في تعدّد الأحزاب أي شطط، وعندما تتعدد الأحزاب يكون لكل حزب موقف، ولا يعني ذلك بالضرورة انقساما أو تشتتا. المشكلة الرئيسية تتمثل في غياب الحريات الأساسية، التي ينتج عنها غياب حوار حقيقي ونزيه، وغياب كل إمكانية للربط بين النخب السياسية والجماهير الشعبية، التي تبقى مهمّشة ومقصية من كلّ أشكال اللعبة السياسية. ودور القوى الديمقراطية في هذه المرحلة هو استرجاع هامش الحريّة الضرورية، ورفع كابوس الاستبداد. ولا بد في هذا الإطار من عدم استصغار ما عبر عنه الشعب التونسي بمناسبة الاستفتاء الأخير والانتخابات من مقاطعة، ربما لم تكن نشيطة، لكنّها مقاطعة حقيقية، تعكس حقيقة الانفصام الذي تعيشه تونس اليوم، بين المجتمع والسلطة الحاكمة. * لماذا تبدو الخلافات بين الأحزاب المعارضة في تونس معيقة لكلّ تقدّم في العلاقات بينها؟
– المعارضة تلتقي في العديد من المناسبات، وتصدر بيانات مشتركة، وحتى المواقف الفردية التي تصدر عنها متقاربة، أو لها نفس الرؤى. بعض الاختلافات التي تظهر في المناسبات ظرفية، وربما ما ينتظره المواطن من هذه الأحزاب هي التعبير بشكل موحّد عن مشاغله، بشكل أوضح وأدقّ، وهذا مطلوب من المعارضة كي تتوحّد، لكن غياب ذلك لا يدفع إلى اعتبارها مخفقة أو غير واعية. * ولكن هناك أيضا خلافات وانشقاقات داخل الأحزاب نفسها.. فماذا سبب ذلك؟
– هذا صحيح، ولكنه يحصل في الأحزاب والمنظمات بسبب تدخل السلطة، فعندما تتوفّر الحريات السياسية، فإن هذه الخلافات تصبح بسيطة أو تختفي. أما الحالة الراهنة، والتي أصبح فيها النشاط في الساحة السياسية حسب الولاءات، فهي حالة شاذة. فالسلطة دائما تمارس التدخّل المباشر أو غير المباشر في شؤون الأحزاب والمنظمات، فيقع إقصاء للأصوات والآراء المخالفة والمستقلة، وتغليب الموالين والمتزلفين، سواء في رابطة حقوق الإنسان، أو الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال الوحيدة) أو الأحزاب. وأعود للتأكيد على أن المسألة الأساسية هي غياب الحريّة، فلو توفرت الشروط الدنيا لأمكن للمعارضة أن تنمو، وأن تحتلّ المواقع اللائقة بها، وأن تحقق إشعاعها الحقيقي في المجتمع، ثم عند ذلك لفكرت ضمن اللعبة السياسية الطبيعية، التي نلاحظها في العديد من المجتمعات الديمقراطية في ائتلافات وتحالفات قارة أو ظرفية، بحسب منهجها وخياراتها. ولربّما فكّرت في ائتلافات برلمانية، إثر انتخابات تتم في ظروف طبيعية وديمقراطية. وهنا ألاحظ أنه لا بدّ من التمييز بين جمع القوى تحت يافطة حزب معارض واحد، وهذا ليس من أهدافنا، ولا هو شرط من شروط تحقيق الديمقراطية في البلاد، وبين رفع القيود الضرورية عن حريّة العمل السياسي، الذي من شأنه أن يفتح الباب لاتفاقات وتحالفات، تنتج أغلبية واضحة، تعكس الإرادة الشعبية الحقيقية. نحن في محصلة الأمر نطالب بممارسة حقوق لا بدّ أن يتمتع بها المواطن التونسي، وهي الآن غير متوفرة، انظر مثلا فنحن منذ سنتين حزب قانوني، ولكننا في نفس الوقت حزب غير معترف به. * كيف لا تعترف بكم السلطة رغم أنكم حزب قانوني؟
– لأن السلطة التي تحتكر كل القرارات، في كل المجالات، تتعامل مع المؤسسات الوطنية ومع المواطنين حسب قاعدة المنّ، التي تتلخّص في « الامتيازات مقابل الولاء »، وهذا سواء كان ذلك في الأيام العادية، أو في مناسبات خاصّة مثل الانتخابات، ولابدّ أنّكم لاحظتم أن نتائج الانتخابات تعكس بشكل دقيق هذه القاعدة، حيث كافأت السلطة من والاها، وعاقبت من تجرّأ على معارضتها، أو مخالفتها، سواء بالإقصاء التام، أو بالتنقيص من حجم الامتيازات. * ألا يمكن أن تشفع النجاحات الاقتصادية للسلطة وتغطي نواقصها في الانفتاح السياسي؟
– أولا عندما اعتلى الرئيس ابن علي دفّة الحكم أدلى ببيان تعهّد فيه للرأي العام الوطني والدولي بالقيام بإصلاح سياسي جذري، وتغيير ما فسد، نتيجة الحكم الفردي، واحتكار الحزب الواحد لكلّ مجالات الحياة السياسية. كما تعهّد بأن لا رئاسة مدى الحياة، ولا ظلم بعد اليوم. ولا أتذكّر في هذا البيان أي فقرة ترمز للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فمشروع الرئيس ابن علي هو أولا وبالأساس مشروع إصلاح سياسي، فعندما تقيّم الحصيلة ومرجعيتنا هي هذا الإصلاح، فللأسف نلاحظ أننا لم نتقدّم في هذا الباب قيد أنملة، بل لعلّنا في بعض الحالات، سواء في الحريات العامة، أو في مجال النصوص الدستورية، والقوانين الخاصّة بالحياة الانتخابية، أو مجال الإعلام، خطونا خطوات ملموسة إلى الوراء. ثانيا عندما تتحدث عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي، واستمع إلى أجانب يتحدثون عن المعجزة، فأنا كتونسي أشعر بنوع من النخوة والاعتزاز، لأن المعجزة الاقتصادية إن كانت حقيقية فهي تنعكس على حياة المواطن بصفة أساسية، وتخفّف من أعبائه. ولكني أميّز في هذا الحديث بين ما يرجع إلى الدعاية المفرطة، وبين حقيقة الأرقام، ومعاناة المواطن اليومية. وما يلاحظ أن ما يقدّم كمعجزة هو في الحقيقة تواصل مع ما حققته البلاد منذ الاستقلال من نسبة في النموّ معدّلها كان دائما بين 4 و5 في المائة، بالنظر إلى العشريات المتلاحقة، رغم التفاوت الملحوظ من سنة إلى أخرى، نتيجة تأثر اقتصادنا بالتقلبات الطبيعية، وتأثر الفلاحة، واليوم نتيجة المناخ السياحي الدولي. الملاحظة الهامة الأخرى، التي أسوقها في هذا الباب، أنه لا بدّ من التمييز بين التنمية والنموّ. فالنموّ لا يعني تنمية، والتنمية ترتكز بالخصوص على العنصر البشري، وهذا مؤشر جديد على فتح مجال الحريات، وتجسيم المواطنة من جهة، وهو ما يسمى « التنمية البشرية »، وتحقيق عدالة اجتماعية في توزيع الثروة الوطنية من جهة أخرى. ويمكن أن نلاحظ أن العشرية الأخيرة أفرزت تعمّق الفوارق بين شرائح المجتمع، وألحقت ضررا كبير بالمقدرة الشرائيّة للطبقة الوسطى، التي كانت سابقا مفخرة لتونس، والتي مازالت الدعاية ترتكز عليها، رغم ما لحقها من أضرار. ثم لا نستطيع أن ننسى الفارق الشاسع بين الخطاب الرسمي، الذي يتحدث عن المعجزة الاقتصادية، وما نلاحظه ونعيشه يوميا من تفاقم البطالة، وبالخصوص في صفوف الحاصلين على الشهادات العليا، وجنوح عدد هام من الشباب، نتيجة هذه الوضعية إلى الهجرة السرية، وهذا بدون شكّ يتناقض مع الحديث عن معجزة اقتصادية، وإن كانت كذلك فهذا يعني أن السياسة الاقتصادية غير حكيمة وغير عادلة، وأن مراجعتها تمرّ بالضرورة بإرساء مؤسسات تمثل بحقّ الشعب التونسي وتنظيماته الاجتماعية من نقابات وجمعيات تحظى بتمثيلية حقيقية لمنظوريها، وهو ما لا يتوفر في الوقت الحاضر. * ما هو دوركم في هذه المرحلة؟
– قلت سابقا إن القضيّة المركزية هي قضيّة الحرية، فسنبقى نواصل نضالنا مع كل من يعتبر أن هذه القضية مركزية لتجسيم أكثر ما يمكن من الخطوات، في اتجاه تحقيقها وممارستها. يبقى أن المهمّة المطروحة اليوم نتيجة التجارب السابقة هي في الأولوية مسألة الاتصال بالمواطن، وتعبئته عبر تشريك حقيقي في طرح مشكلاته، والبحث عن الحلول الملائمة لها. فالعمل السياسي يبقى عملا نخبويا معزولا طالما لم يلتحم بمشكلات المواطن اليومية، وهذا منهج لا بدّ أن نركّز عليه، وأن نعطيه ما يستحقّ من اهتمام، وهو الذي سيحكم علينا بالنجاح أو بالفشل في المرحلة القادمة. ثانيا هدفنا جمع القوى الديمقراطية حول موقف موحّد، يقطع مع منظومة الدولة المتحزّبة قطعا لا لبس فيه، ولا مراوغة، لنجد أنفسنا، في مرحلة أولى، في موقف رافض لكل حلّ مغشوش، ورفض الديكور المفروض من قبل السلطة الحاكمة، وفي مرحلة ثانية بجعل القوى الديمقراطية قادرة على فرض التغيير ميدانيّا. * هل تنسقون مع بقية القوى السياسية الأخرى؟
– هناك إرادة مشتركة، وما حصل هو تنسيق ظرفي لمسألة ظرفيّة.. العمل المشترك يحتاج إلى تعمّق في الخيارات والاستراتيجيات، ولربّما في التكتيك، وهذا يتطلب وقتا وأثرا ملموسا. هناك إرادة حقيقية ربما تتسع إلى أطراف جديدة، لأن الجمع بين هذه الأطراف لن يكون على أساس المشاركة في الانتخابات الماضية، بل على موقف واضح من نظام الحزب الواحد، والدولة المتحزّبة. * هناك ضغوط خارجية، أمريكية بالخصوص، في اتجاه الإصلاح السياسي.. ما هو موقفكم منها؟ وهل تعولون على هذه الضغوط لتحقيق التغيير؟
– نحن في الحقيقة نعوّل على تحرّك المجتمع التونسي، وتحرّك المواطن، وخروجه من حالة الغضب والاستياء إلى موضع الفعل. ولكن في المجال السياسي لسنا غافلين على ما يدور حولنا، ونحن واعون كذلك بأن تونس لها ارتباطات دولية، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي، ولها اتفاقيات تربطها بالاتحاد الأوروبي، وبالولايات المتحدة الأمريكيّة، على سبيل المثال، يجعل من مواقف هذه البلدان أو التجمعات ذات تأثير مباشر على السياسة التونسية، ولا أدلّ على ذلك مما يصدر في الصفحات الأولى للصحف الرسميّة، وما تركّز عليه الدعاية الرسميّة، عندما تضع تصريحات مسؤولين من هذه الدول يؤيدون السياسة الحكومية، ولو كانت في جلّ الأحيان تصريحات بروتوكوليّة، ظرفية مناسباتيّة. فالسلطة إذا تتأثّر بما يأتي من الخارج، ومفروض عليها أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار، وفيما يخصّ نشاطنا كحزب ديمقراطي، فإننا نعطي منزلة لا بأس بها لتضامن الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، لأن تضامن القوى الديمقراطية في العالم كان له أيّما تأثير في النضال من أجل التحرّر. سيرة ذاتية
· ولد الدكتور مصطفى بن جعفر عام 1940 في حي باب سويقة الشعبي في المدينة العتيقة وسط العاصمة تونس. · درس في معهد الصادقية بين 1950 و1956، ثم درس الطب في باريس حتى 1968. · انشق عن الحزب الدستوري الحاكم عام 1962. · كان يراقب وهو يدرس الطب في فرنسا التطورات السياسية في الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم. وفي عام 1975 بدأت النقاشات في جيل ابن جعفر تأخذ طابعا جديّا وأكثر نقدا لسياسة الحزب الحاكم. · عام 1976 حضر ابن جعفر أول لقاءات تطالب بالحريات، وكانت اللبنة الأولى لتأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. · عام 1978 أسّس مع آخرين نواة حزب جديد هو حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، الذي انشقّ أغلب مؤسسيه، وعلى رأسه وزير الداخلية السابق أحمد المستيري، عن الحزب الحاكم؟ · عام 1991 عاشت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين أكبر أزمة منذ تأسيسها فوقع خلاف كبير بين الدكتور محمد مواعدة والدكتور مصطفى بن جعفر. وبعد انتقادات وجهها ابن جعفر لسياسة الحركة أعلن استقالته نهائيا، بعد تفاقم الخلاف. · في عام 1994 أسس مع عدد من السياسيين التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وهو يشغل منذ ذلك التاريخ منصب أمينه العام. والتكتل الذي وقع الاعتراف به من قبل الحكومة في 25 تشرين أول (أكتوبر) 2002 حزب اشتراكي ديمقراطي علماني، كما يعرف نفسه. · أسس ابن جعفر عام 1977 نقابة الأطباء الجامعيين، وشارك عام 1998 في تأسيس المجلس الوطني للحريات بتونس. وبالتوازي مع عمله المهني كان أستاذا بكليّة الطبّ والصيدلة بتونس بقسم الأشعّة، وطبيبا بمستشفى صالح عزيّز بين 1975 و1980، وفي مستشفى الرابطة بين 1981 و1995. · متزوج من فرنسية عالمة في الجغرافيا، وله ثلاثة أبناء وبنت، يواصلون دراساتهم العليا في التصرف والاقتصاد والهندسة. · دخل التقاعد منذ عام 2002 وتفرّغ للعمل السياسي.
(المصدر: وكالة قدس برس بتاريخ 4 جانفي 2005)
تحديات تونس … اقتصادية!
كان عام 2004 في تونس، سنة تتويج الجهود التي انطلقت منذ مطلع عام 2000 لتحقيق استمرارية الحكم، وذلك من خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي نظمت يوم 24 أكتوبر الماضي، وأفضت إلى بقاء الرئيس بن علي في رئاسة الدولة لولاية رابعة، واستمرار تمتع الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) بأغلبية مريحة جدا في البرلمان. لكن، بقدر ما نجحت السلطة في التحكم المُـطلق في الوضع السياسي، إلا أنها بدأت تستشعر بأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي سيحتل صدارة أولوياتها خلال عام 2005. شهدت السنة المنقضية على الصعيد التونسي، أحداثا هامة في أكثر من مجال. لكن الخيط الرابط بينها، كان السعي لإبراز حالة الاستقرار التي تتمتع بها البلاد، وأن السلطة هي صاحبة المبادرة الوحيدة في إدارة الشأن العام، ورسم ملامح السياسة الداخلية والخارجية. ويعتبر هذا الهدف لدى النخبة الحاكمة » مقدمة ضرورية لكي يقتنع الجميع بأن استمرارية الحكم ومراعاة خصوصياته، هما بمثابة الضمان لحماية هذا الاستقرار والمحافظة على مصالح مختلف الأطراف المحلية والدولية ». وفي ضوء هذا الهدف الاستراتيجي، تمحورت مختلف جهود السلطة بمختلف مكوّناتها حول الإعداد النفسي والسياسي والاجتماعي والدولي، لكي تمر مناسبات الانتخابات بأقل ما يمكن من التشكيك أو الاحتجاج. ثقة ودعم لقد افتتحت السلطة عام2004 مستندة على وقائع المؤتمر الإقليمي الذي احتضنته تونس في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2003، وشارك فيه قادة مجموعة خمسة زايد خمسة. وقد تعزز الدور الإقليمي والدولي الذي ميّـز الدبلوماسية التونسية طيلة المرحلة الماضية بعقد القمة العربية، رغم التداعيات التي انجرت عن إلغاء موعدها الأول. فجميع المراقبين يتفقون على القول، إنه رغم الحملات المضادة التي يتعرّض لها النظام التونسي من قبل منظمات حقوق الإنسان، إلا أن ذلك لم يؤثر على ما يحظى به هذا الأخير من ثقة ودعم مختلف القوى الإقليمية والعالمية، وهو ما دفع ببعض المعارضين إلى توجيه انتقادات قوية للحكومات الغربية المعروفة بصداقتها القوية والتقليدية لتونس. أما من جهة المعارضة، فقد وفّـرت لها السنة المنقضية فرصة لكي تُـعيد بناء نفسها، وتكتسب قدرا من الفعالية والتأثير. لكن البعض يعتقد بأن كل الأحزاب والتنظيمات أهدرت فرصة الانتخابات، مما جعلها تتهيأ لدخول سنة جديدة، وهي مثقلة بنفس العوائق والأمراض التي همّـشتها في السابق. ومع ذلك، تُـوّج عام2004 بإجراء هام أثار ردود فعل واسعة، إذ تمثل في إصدار عفو مشروط شمل قُـرابة السبعين من المساجين السياسيين، معظمهم من أعضاء حركة النهضة. وبالرغم من أن السلطة حرصت على التقليل من الأهمية السياسية لهذا الإجراء، وذلك من خلال إصرارها على وصف المُـسرّحين بكونهم مساجين حق عام، إلا أن الحدث كان مفاجئا، وولّـد آمالا في أن يكون بداية لطي صفحة تكاد تجمع الأوساط السياسية إلى جانب نشطاء حقوق الإنسان على وصفها بالمؤلمة. لهذا، يُـتوقّـع أن تشهد السنة الجديدة إجراءات إضافية في هذا السياق، مع تمسك السلطة بأسلوب معالجة الحالات الفردية، وإشعار المعنيين بهذا الملف بكونها لم تغيّـر من سياستها تُـجاههم، أي رفض السماح لهم باستئناف أي شكل من أشكال النشاط الجماعي. بين اطمئنان وامتعاض إن عام 2005 سيَـطغى عليه مُـعطيان في غاية الأهمية. يتعلق المُـعطى الأول بتكثيف الاستعداد لاحتضان الشوط الثاني من القمة العالمية لمجتمع المعلومات، هذا الحدث الدولي الضخم، الذي سيجعل من تونس خلال شهر نوفمبر المقبل قبلة ما لا يقل عن 12 ألف وافد، يُـمثلون حكومات وخبراء ونشطاء وفاعلين في المجتمع المدني العالمي. وبناء عليه، فإن الأنظار ستتركّـز على هذا البلد العربي، الذي يتميّـز بقدرات وكفاءات عالية في مجالات كثيرة. لكن انتقادات قوية توجَّـه لنظامه السياسي فيما يتعلق بوضع الصحافة وحرية الفكر والتعبير. ولعل خصوصية هذا الحدث هي التي جعلت البعض لا يستبعد أن تعمد السلطة خلال السنة الجديدة إلى التقليل من حجم الضغوط التي يشكو منها الصحفيون، وهو ما تشير إليه ضمنيا بعض المقالات المتفائلة لعدد من أصحاب المهنة القريبين من الجهات الحاكمة والمستنفذة. وبقطع النظر عن مدى صحة هذا التوقع وحجم الانفتاح المشار إليه، فإنه سيكون من غير الطبيعي أن يتزامن الضغط على الصحف والتحكم في حركة نقل المعلومات مع ظرف ستستقبل البلاد خلاله ممثلين لآلاف من المنظمات غير الحكومية المختصة في الدفاع عن حق الوصول وتوزيع المعلومة. هذه المنظمات، التي هي حاليا بصدد تنظيم صفوفها وعقد سلسلة من الاجتماعات التي ستُـتوَّج بعقد تجمع موازي للّـقاء الرسمي. وفي هذا السياق، يتوقع البعض أن يقع الإفراج عن مجموعة الشبان، الذين صدرت ضدهم أحكام قاسية بسبب دخولهم إلى مواقع في الشبكة « العنكبوتية » اعتبرت محظورة، وذلك بعد أن تصاعدت الحملة الدولية المطالبة بإطلاق سراحهم. أما الهاجس الثاني، فهو اقتصادي، حيث تتوالى المؤشرات والتقارير التي تتضمن خشية متزايدة من احتمال أن تواجه تونس وضعا اجتماعيا صعبا خلال السنة الجديدة. وقد تجلى هذا الهاجس في برنامج الرئيس بن علي الذي خاض على أساسه حملته الانتخابية. لقد أعطى الأولوية لمختلف الجوانب المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية، تاركا الشأن السياسي في خاتمة البنود. كما أن بيان الحكومة حول الميزانية، الذي تم إعادة النظر فيه بسبب عدد من العوامل الطارئة، وكذلك مناقشات أعضاء مجلس النواب، إلى جانب القلق الذي يُـبديه الكثير من رجال الأعمال، كل ذلك وغيره من المصادر، يلتقي حول إبراز تلك المخاوف والتحديات المتوقعة خلال السنة الجارية. وتكفي الإشارة في هذا السياق، إلى الصعوبات التي سيُـواجهها قطاع النسيج، الذي يشكل أحد أهم القطاعات المشغلة لليد العاملة، وذلك بسبب انفتاح السوق الأوروبية على الإنتاج الصيني والآسيوي في هذا المجال. هكذا تُـودّع تونس سنة يختلف التونسيون في تقييمها باختلاف مواقعهم ومصالحهم وأهدافهم، بين مُـطمئن لما تحقق (السلطة تحديدا)، وبين ممتعض (المعارضة الاحتجاجية ونشطاء حقوق الإنسان). وفي المقابل، يستقبل التونسيون سنة جديدة في أجواء حذرة ومخاوف من أن تشهد الأسعار مزيدا من الارتفاع، والبطالة مزيدا من التوسع. صلاح الدين الجورشي – تونس
(المصدر: موقع سويس انفو بتاريخ 3 جانفي 2005)
مائة مصباح من مشكاة النبوة
الحلقة الخامسة والثلاثـــون
أخرج البخاري عن أبي هريرة أنه سمع عليه السلام يقول » كانت إمرأتان معهما أبناءهما جاء الذئب فذهب بإبن إحداهما فقالت صاحبتها إنما ذهب الذئب بإبنك وقالت الاخرى إنما ذهب بإبنك فتحاكمتا إلى داوود فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان إبنه فاخبرتاه فقال إئتوني بالسكين أشقه بينكما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو إبنها فقضى به للصغرى « .
من شواهده » وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب « و »من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا « .
موضوعه : الحكمة ذروة الرشد العقلي وهي من صفاته سبحانه فكيف تكتسب ؟ وصف سبحانه نفسه بأنه حكيم وفي ذلك معنيان يتكاملان أولهما وضع الامور والاشياء في نصابها من جميع الجوانب دون إخسار ولا طغيان علم الانسان ذلك أم جهله رغم أنه مطالب بعلم ما يستطيع منه إذ العلم بذلك يساعد على حسن التدين وحسن العبادة وخاصة في المصائب الخارجة عن نطاق الانسان كالزلازل والخسوف وما في حكم ذلك وثانيهما شد أركان الكون بما فيه من الخلق بسائر أنواعه شدا متناسقا بديعا يضفي عليه الزينة والجمال والقيام بدوره في آن واحد . والحكمة من مقتضيات الالوهية والربوبية والوحدانية وما إلى ذلك لان غير الحكيم أو الحكيم المعرض للطيش لا يعبده الناس ولا يثقون فيه ولا ينتظرون منه الخير وفاقد الشئ لا يعطيه كما تقول العرب . والله دعانا كثيرا إلى التشبه بصفاته التي يمكن لنا فيها ذلك فهو رحمان دعانا إلى الرحمة وحكيم دعانا إلى الحكمة وقوي دعانا إلى القوة ولكنه متكبر لم يدعونا إليه بل دعانا إلى ضده وهو واحد لم يدعونا إليه بل دعانا إلى الازدواج والتعدد ولا يتسع المجال هنا لمزيد من التفصيل . والحكمة هي صفة بشرية وزعها الله سبحانه على سائر عباده بالتساوي إبتداء من حيث الوراثة عن آدم عليه السلام وذلك من مقتضيات التأهيل للخلافة والتعمير والعبادة والاستئمان والقابلية للتعلم فهي بهذا المعنى وسيلة للعبادة والتعمير وسائر مقاصد الخالق من الخلق . والحكمة هي صفة عقلية إبتداء وذلك هو ما يرجح عندي أن المدارك العقلية حاكمة على ما سواها ودونها في الجهاز الانساني قلبا وفطرة ونفسا وعاطفة وذوقا ولا يعطل ذلك من قولك أن تبادل التعاطي بين كل تلك الملكات الباطنية سجال وذلك فيما يخص علاقاتها الداخلية أما لو نظرت إليها من خارجها فإن الارجح والله أعلم أن الملكات العقلية هي غرفة القيادة الاولى في الجهاز الانساني قد تعضلها الاهواء العاطفية تمكينا لارادة الله سبحانه في التركيب المزدوج للانسان ولا ريب ولكن تلك الملكات العقلية تضمن للانسان إحياء غرائزة الضامنة لبقائه حيا قويا وذلك ما يجعلها الاقوى رغم ورود الاهواء ومما يجعل ذلك الترجيح قائما عندي كذلك هو أن أكبرالقضايا الوجودية في الحياة منوطة بالملكات العقلية لا بغيرها إبتداء وأصلا لا بالنظر التكاملي الكلي فإذا كان ذلك كذلك فإنه لا مناص من القول بأن العقل هو الحاكم على سائر مكونات الجهاز البشري حكم قهر قابل للانخرام ولكن ليس دوما ولا في كل المطالب وتبعا لذلك فإن العقل درجات في الناس وهو درجات في ذات الفرد الواحد تبعا لعوامل كثيرة كالسن والتجربة وترويض الجهاز العقلي نظرا ونقدا وتفكيكا وجمعا ومقارنة وبيئة وغلبة هوى وغير ذلك كثير ولا ريب أن الحكمة بما هي وضع كل أمر وكل شئ في كل زمان وكل مكان وكل حال في وضعه الطبيعي المناسب حجما وتقديما وتأخيرا هي أرفع العطاء العقلي وذروة الرشد الفكري وهي نتيجة الصفاء العقلي ولاشك أن الصفاء العقلي ليس مجردا ولا مستقلا عن صفاء أو درن بقية مكونات الجهاز البشري فالحكمة بإختصار شديد هي بنت العقل في تفكيره وهو في أشد حالات صفائه ورشده .
الانسان حكيم بمعنى غلبة الحكمة عليه لا بمعنى العصمة : غلا بعض الناس في معنى الحكمة وطلبها فتعلق بالتفكير المثالي فيها لذلك قال بالعصمة في دنيا البشر خارج دائرة النبوات وهذا وهم يعكس عجزا وهروبا غير أن إتجاهه كان صوب اليمين لا الشمال وبالنتيجة يستويان كما غلا آخرون في إمتهان العقل الانساني فبنوا فلسفاتهم على موت الانسان ولسنا الان بمعرض هذا ولكن لا بد من تثبيت أصل أصيل لا بد منه قبل النظر بعد حين في أسباب الحكمة وهو أن الحكمة البشرية مفارقة للحكمة الالهية التي قال بها أهل المدرسة الباطنية أو الحقيقة وصلتهم بالعصمة البشرية خارج دائرة النبوات وطيدة فحكمة الانسان ليس معناها عصمته عن الخطأ كبيره وصغيره لان ذلك خاصا بالنبوات وقبل ذلك بالالوهية والانسان حكيم بمعنى غلبة الرشد العقلي على سائر تصرفاته في حياته رغم أخطائه الكثيرة كما أن الانسان الحكيم هو كذلك مقارنة بعامة الناس وذلك هو المذهب الواقعي للحكمة والرشد العقلي وسطا بين مثالية جانحة إلى الالوهية والنبوات أو يأس هارب من الناس .
كيف يكتسب الانسان الحكمة وكيف ينميها وهل يكون الكافر أحكم من المؤمن ؟: إتفقنا على أن الانسان بطبعه حكيم بقدر يحفظ عليه حياته على الاقل كما إتفقنا على أن الحكمة البشرية لا تعني العصمة ولنا الان أن نبسط القول في شروط إكتساب الحكمة أو بالاحرى تنميتها وتغذيتها لان أصلها مغروز في الانسان وأول تلك الشروط رد الانسان وجوده ورسالته إلى أصلهما أي إلى الخالق سبحانه أي الايمان المبني على النظر لا على التقليد ولا الحشو وثاني تلك الشروط تزكية النفس بمقتضى تكاليف الايمان وصياغة الجهاز البشري بأسره وفق الايمان والاسلام والاحسان بقدر المستطاع طبعا وثالث تلك الشروط إستصحاب المنهج القرآني في العلاقة مع الحياة بحلوها ومرها وهو منهج يقوم على التفكير المبني على صحة الملاحظة ثم على النقد والنقد يستلزم التشريح والتحليل والتفكيك والتركيب ثم على المقارنة ثم على حسن الاختيار وسائر ذلك في المعقولات ثم هو منهج يقوم على التزكية النفسية بقمع الاثرة وتقديم الايثار وتغليب التقوى وقمع الفجور ثم هو منهج يقوم على تقوية الارادة وتعريضها للامتحان بدل الركون إلى الدفء ورابع تلك الشروط هي إستصحاب قوى الفطرة سواء بما يحفظ على الانسان حياته أو بما يسمو بروحه وإرادته وعقله ونفسه أو بما يلبي داعيات غرائزه بطهر دون فحش وعدل دون ظلم وخامس تلك الشروط خوض غمار الحياة بتوكل وعزم وحزم دون تردد ولا خوف فرحا بالنجاح وعدم رضى بالهزيمة وبأمل لا يعرف الحدود وسادس تلك الشروط الحياة ضمن جماعة لابد فيها من أسرة في البداية ثم من بيئات تليها ونبذ حياة الوحدة والانانية والفردانية وسابع تلك الشروط تخصيص وقت ومال وجهد بدني وعقلي ونفسي لخدمة الناس وقضاياهم العامة وثامن تلك الشروط التسلح بالصبر الجميل كائنا ما كانت النكبات والهزائم وتأخرت ما تأخرت الكسوب والغنائم وتاسع تلك الشروط المداومة على العلم والتعلم والتدرب وإكتساب المهارات وعقلية التطور والتجدد والاضافة وعاشر تلك الشروط أمران اولهما المداومة على المحاسبة وهي بلغة الاسلام التوبة والمراجعة والتقويم وثانيهما وضع السن والتجربة في الاعتبار فالحكمة تكبر بهما وتصغر بدونهما . تلك هي الشروط العشرة لتغذية رصيد الحكمة فينا وهي أصول وليست فروعا . هل يكون الكافر أحكم من المؤمن ؟ بلى وكلا في الان ذاته : بلى في شؤون الدنيا وكلا في الميزان النهائي العام للحياة .فالحكمة في تسخير الدنيا لسعادة الانسان رصيد وزعه سبحانه بالسوية على الناس أجمعين » كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك » ويمكن للكافر برشده العقلي أن يسمو بذلك إلى حدود لا تضاهى غير أن الامر يختلف عند التعامل مع الانسان روحا وقلبا ونفسا وعاطفة وذوقا وجماعة فعندها قد تحضر الحكمة قليلا عند غير المؤمن ولكنها عند المؤمن أشد حضورا أما في حصيلة الميزان الاجمالية الاخيرة للحياة فلا شك أن المؤمن مهما كانت أخطاؤه مالم يتورط في مظالم قاسية أو كثيرة خاصة في حق غيره أكثر حكمة من غيره رغم أن غيره بملاصقته لقيم محايدة كالعدل والحرية يمكن أن يصيب من وعاء الحكمة شيئا كبيرا جدا فلا يفصل بينه وبين رأس الحكمة سوى توحيد الله سبحانه وهذا اليوم لا يغيب عن مراقب منصف.
ماالذي جعل سليمان هنا أحكم الناس : الجواب صريح في أن ذلك راجع إلى فقهه عليه السلام لمكونات الجهاز البشري وخاصة الجانب النفسي منه ففقه الانسان وهو نصف فقه الحياة من لدنه عليه السلام هو الذي جعله يتربع فوق عرش الحكمة في قضائه ولو كان في عصرنا فإن الحكمة تختلف فهي ليست سوى تحليل السوائل البدنية لكل من الولدين والمرأتين وهي تنبئك عن الحقيقة فلكل عصر حكمته أو قل سبله في تنمية الحكمة فرأس الحكمة إذن هو فقه النفس فالانسان فالدين فالحياة فالوجود على مستوى كلي على الاقل وبالضرورة وليس على مستوى تفصيلي .
الخلاصة : المؤمن مرشح أكثر من غيره لتغذية الحكمة التي أودعها الله فيه غير أنه لا يحتكرها لان غير المؤمن هو أيضا عبد الله ربما يرتد المؤمن فيكون هو له مرشدا وعقلك مصنع الحكمة فبقدر إستخدامه في الدين والدنيا معا تتغذى الحكمة وبقدر تعطيله تتعطل .
الهادي بريك / ألمانيا
حتى الطيور تخاف من وطني ولا أعرف السبب
فاضل السّــالك » عاشق البحر »
إلى وطني الحزين … إلى وطني السجين … إلى تونس الحبيبة مع الاعتذار أليها … حبيبة وحيدة … حبيبة سجينة
إلى ذلك الصديق الوديع … إلى ذلك الصديق الهادئ الرقيق … إلى ذلك الذي قال لي لن أذهب إلى تونس لأرى التعسف والظلم. لن اذهب إلى تونس إلا عندما تتحرر
وطني … حديقة غناء . وطني … واحة بها مياه جاريّة وسماء صافية يحيطها من عدة جوانب منابع الماء . وطني زهرة جميلة تعشقها العيون , وتغطيها زرقة السماء . وطني قصيدة جميلة سبت قلوب العشاق وهام بها في سرها الشعراء .
وطني … عروس البحار يغازلها القمر وفي لحظات الشوق يحنّ إليها الشيوخ والأبناء … وطني … تـــــــــونس الخضــــــراء …
وطني أجوبه من جنوبه إلى شماله, أجوبه من شرقه إلى غربه فما بتّ أرى فيه القمر يتبختر في ليلة صيف وصفاء, وطني … أجوب كل مدائنه. أجوب كلّ شوارعه … فلا أرى غير الوجوه شاحبة … والعيون دامعة … والعقول ساهمة … والصرخات صامتة تستجدي السماء …
وطني … ما بتّ أرى فيه تلال ولا شموخ الجبال في ليلة هوجاء … وطني لا أعرف فيه ألوان وما بتّ أفرق فيه بين لون الظلمة أو لون السماء…
وطني أجوبه شبرا شبرا وقفرا قفرا فلا أرى زهرة شامخة ولا نخلة وارفة . لا أرى فيه خضرة الحقول ولا تمايل سنابل الحبوب عندما يهبّ نسيم الصفاء .
وطني أجوبه من الشمال إلى الجنوب … أجوبه منذ الشروق إلى الغروب … أجوب فيه كلّ الأماكن … والدروب. فلم أر فيه رقة الوطن … ولا رطوبة التربة التي ما باتت تنبت الحبوب …
وطني ما رأيت به نخلة وارفة … ولا شجرة زيتون شامخة … ولم اسمع فيه هديل الحمام … ولا زقزقة العصافير … ولا خرير الأنهار … الشمس ما باتت تريد رؤيته … وما بات يرغب فيه القمر … وطني بات فيه الظلام يمتدّ … فلا سهر ولا سمر … وطني بات كلّ يوم ينتحر … هجره الحبّ ولا أدري ما السبب …
وطني الذي كان حديقة غنّاء … لم أر فيه حرثا ولا زرعا يبعث في النفوس حبّ البقاء . وطني هجره الشباب ويخير فيه الحر الموت بين جدران الصقيع أو في أعماق البحار … يخير الموت والعذاب على لذة الدفء بين أحضان الوطن. وطني صار موطن العذاب … وطني كان موطن إعمار فبات مقبرة الأحياء وأرض الخراب …
وطني شحّ فيه المطر … وطني يهجره الحمام … تهجره الأنغام … كبت فيه الكلام … وطني ما بات فيه أمان ولا سلام …
وطني … وطن الوفاء … وطني وطن الرفض … وطني وطن الإباء … غارت فيه المنابع … فلم أعد أسمع تغريد طير ولا خرير ماء …
وطني … كان زهرة الأوطان … وطني … كان يحلو فيه المقام … وطني كان يكبر فيه الإنسان … فبات غابة موحشة تنعق فيها الغربان …
في وطني شح المطر … عمّ الصمت … وخمد الضجيج … والصخب … فالكلّ يخاف من وطني ولا أعرف السبب(1)…
(1) نزار قبّاني
وجه الرأسمالية الجديد
توفيق المديني
الفصل الثالث
الإمبراطورية الأمريكية والحرب من أجل النفط
10- « الشرق الأوسط الكبير » مجال حيوي للهيمنةالأمريكية-الصهيونية -1- تشكل جريمة إغتيال القائد المؤسس والزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين , والدكتور عبد العزيز الرنتيسي من قبل الجيش الصهيوني , وبإشراف مباشر من جانب مجرم الحرب آرييل شارون صبيحة يوم 22مارس الماضي, مظهرا جديدا من مظاهر مبادرة « الشرق الأوسط الكبير” التي تنطلق كسابقتها “الشرق أوسطية” من ضرورة تصفية الصراع العربي- الصهيوني , وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية , كأساس لإغلاق ملفات الجغرافيا السياسية المفتوحة وصراعاتها الموروثة من القرن العشرين، لتستبدل بها ملفات الجغرافيا الاقتصادية القائمة على أنماط التعاون والتكتل وتدعيم النزعة العالمية المفترض كونها روحا للقرن الحادي والعشرين. فمبادرة الرئيس بوش تستهدف بالدرجة الرئيسة تأمين حماية الأمن الأمريكي بالتلازم مع الأمن الصهيوني, والقضاء على ماتسميه الإدارة الأمريكية بؤر الإرهاب، الذي يدخل في سياق تحقيق الهيمنة الأمريكية وتلبية مطالب المجمع الصناعي العسكري، وضمان التفوق الصهيوني الحاسم على الدول العربية، ونزع عقيدة القومية العربية في الوطن العربي. ويستند مشروع » الشرق الأوسط الكبير » في عدد من فقراته الى تقريري التنمية الإنسانية العربية في العامين 2002 و2003 , فضلا عن أن الإدارة الأمريكية تعتبره عملية انتقال من مرحلة الجغرافيا السياسية بكل صراعاتها إلى الجغرافيا الاقتصادية بكل ركائزها ومعطياتها ما يفرض ضرورة تصفية الصراع العربي- الصهيوني , وإشاعة روح ما يسمى السلام كما تفهمه الولايات المتحدة , باعتباره مفتاحا لمرحلة أعلى في الجغرافيا السياسية تستطيع من خلالها اغتنام الفرص السانحة دوليا وإقليميا لتحقيق المزيد من السيطرة الأمريكية وفرض الإرادة الصهيونية على النحو الذي يدفع العالم العربي في النهاية إلى التسليم لهما بمطالبهما في الاستقرار، ولكن من داخل فضاء التنمية التابعة وليس المستقلة، والتهادنية السياسية وليس الديمقراطية. ومهما يكن من أمر مبادرة « الشرق الأوسط الكبير » الذي وضعته الإدارة الأميركية , فإن الرئيس الأمريكي جورج بوش يريد تحديث « الشرق الأوسط الكبير « على أساس تقارير التنمية الإنسانية التي أصدرتها المؤسسات الدولية عن العالم العربي. وهذه التقارير جرت كتابتها في العامين 2002 و2003 من جانب علماء المنطقة أنفسهم. وستكون المبادرة الأميركية في قلب المناقشات التي يجريها الثمانية الكبار في » سي أيلاند »، في ولاية « جورجيا »، الولايات المتحدة في حزيران المقبل, وسيطلب اعتمادها من قبل القمة .. وتشي الفترة القصيرة المتاحة للنظر في المشروع الأمريكي بقلة فرصة إدخال تعديلات جوهرية عليه من شركاء الولايات المتحدة في مجموعة الثماني, ناهيك بالدول والشعوب موضوع المشروع.ويعود الاستعجال, على ما يبدو, الى استخفاف الإدارة الأميركية بجميع الأطراف المعنية. الأمر الذي يعد تعبيراً مجدداً عن عقلية التعالي التي تبديها الإدارة الأميركية الحالية تجاه بقية العالم, حيث أصبحت تتصرف وكأنها تستبد بمصائر الدول والشعوب في العالم أجمع. إن مشروع » الشرق الأوسط الكبير » يعني عودة الولايات المتحدة إلى إستخدام السياسات الإستعمارية القديمة – الجديدة ذاتها، التي كانت مستعملة من قبل القوى الإستعمارية الأوروبية, و التي تتعارض مع مطامح وآمال شعوب المنطقة أنفسها. ولا يزال هذا المشروع يواجه التحديات، لأنه ظهر تحت نجم وشعار أميركي. وقد بادر كاتبو التقارير أنفسهم إلى نقد المقاربة الأميركية نقداً قاسياً، باعتبار ان الولايات المتحدة لا تتمتع بأي صدقية في المنطقة العربية، وتغطية مبادرتها بالتقارير، سوف يسيء إلى عمليات الإصلاح بالعالم العربي في المدى الطويل، ولا يعد ذلك بالنجاح.وأخيراً وليس آخراً لن ينجح مشروع « الشرق الأوسط الكبير »؛ ما لم يكن هناك حل عادل للقضية الفلسطينية , وما لم ترحل القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط دون قيد أو شرط. لا شك أن الإدارة الأميركية الراهنة تعمل على استغلال المشروع في دعم فرص الرئيس الأميركي الراهن في معركة الرئاسة المقبلة من ناحية أخرى. ويخص المشروع البلدان العربية إضافة الى باكستان وأفغانستان وايران وتركيا واسرائيل. والواضح ان المفهوم الأميركي للشرق الأوسط الكبير يضم الدول الإسلامية الأساسية التي تدمغها الإدارة الأميركية, في ظل تشدد « المحافظين الجدد », باعتبارها منابع « الإرهاب » الذي شرعت تحاربه منذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001.إن مشروع » الشرق الأوسط الكبير » الذي تمتد حدوده من المغرب إلى باكستان يثير الرعب والفزع في دول المنطقة , لأنه يملي عليها الإصلاح من الخارج ومن طرف واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية. فطروحات هذا المشروع تقوم على تكريس الاقتصاد الحر والديمقراطية ومحاربة الفقر والحصول على حقوق المرأة إلى آخر ذلك من الشعارات التي ترفع ويتحقق عكسها تماماً على الأرض. وفي الواقع إنه مشروع الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعد اتمام الهيمنة السياسية والعسكرية من خلال المنظور الأمريكي. وفي عقل جورج بوش المتأثر بتحليلات المحافظين الجدد, فإن تحويل منطقة الشرق الأوسط عبر القضاء على « الدول المارقة » أصبح ضرورة لضمان إستقرار المنطقة وأمن الولايات المتحدة الأمريكية بالتلازم مع الأمن الصهيوني. إن مشروع » الشرق الأوسط الكبير » يدخل في إطار الرؤية الأمريكية للعالم بعد أحداث 11 سبتمبر2001, التي لم تكن علامة مميزة للشرق الأوسط , بقدر ماكانت كذلك للولايات المتحدة الأمريكية. فالقوة الإمبراطورية العسكرية والسياسية تعطي للولايات المتحدة الأمريكية الوسائل الكافية « لإعادة » رسم خريطة الشرق الأوسط بدلالة أولوياتها : الحرب على الإرهاب. وليست هذه المرة الأولى التي تبادر الولايات المتحدة الأمريكية إلى القيام بمثل هذا العمل. ففي عام 1978-1979, عقب توقيع إتفاقيات كامب ديفيد , وسقوط نظام الشاه في إيران , وإندلاع الثورة الإسلامية في إيران , والتدخل السوفياتي في أفغانستان لمؤزارة نظام بابراك كارمال , قادت كل هذه العوامل مجتمعة واشنطن إلى إرساء أسس أول مشروع » للشرق الأوسط الكبير » يمتد من مصر إلى افغانستان . وكان أساس العقد الذي أبرمته الولايات المتحدة مع دول المنطقة مختلفا راديكاليا عن الآن, بما أنه يقوم على مساندة الأنظمة التسلطية مقابل ضمان أمن الكيان الصهيوني, و السيطرة على تدفق النفط. وكانت مصر التي خرجت من دائرة الصراع العربي الصهيوني , هي المستفيدة الكبيرة من هذه السياسة الأمريكية , حين حصلت على بضعة مليارات من الدولارات سنويا. وذلك لا يزال صحيحا دائما إلى اليوم. وقد مكن هذا الدعم المالي الخارجي القاهرة من تأخير الإصلاحات الاقتصادية العميقة. ويزعم الرئيس بوش أن تلك المرحلة قد ولت. ولكن عقدين من المساندة العمياء تركا غالبية البلدان العربية تتخندق في جمودية قاتلة تدفع ثمنها الآن من تأخر تاريخي, ما انفكت المؤسسا ت الدولية التي وضعت تقرير « التنمية الإنسانية العربية » تركز على ضرورة أن ينبع الإصلاح في البلدان العربية من داخلها, هي الصيغة التي يتبناها تقرير « التنمية الإنسانية العربية » في طرح رؤى استراتيجية لإقامة التنمية الإنسانية في البلدان العربية. وتبين أي قراءة أمينة لتقرير « التنمية الإنسانية العربية » أنه لم يضع في حسبانه إلا مصلحة الوطن العربي, تأكيداً على أن الحرمان من حقوق الإنسان يهدد التنمية الإنسانية ومع التركيز على أن الاحتلال « الاسرائيلي « هو من أكثر معوقات التنمية الإنسانية استشراء في البلدان العربية. وليس أدل على نفاق واضعي المشروع في هذا الصدد من أن الإدارة الأميركية وهي تستند الى تقرير « التنمية الإنسانية العربية » في محاولة التحلي بصدقية تفتقدها, تعمل على إهدار تقرير « التنمية الإنسانية العربية » الثالث, الذي كان مخططاً صدوره في الخريف المقبل, هذا في حين يركز هذا التقرير, على أحد المحاور الأساسية المدعاة للمشروع, ألا وهو توسيع نطاق الحرية وإقامة الحكم الصالح في البلدان العربية. قامت الإدارة الأميركية بخفض دعمها السنوي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن الحد الذي أقره الكونغرس الأميركي في موازنة العام المقبل بمبلغ كبير احتجاجاً على ما تضمنه تقرير « التنمية الإنسانية العربية » من انتقاد شديد لاحتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية ولسلوك الإدارة الأميركية الحالية ذاتها في دعمه وفي غزو العراق واحتلاله. وتتجلى خسة موقف الإدارة الأميركية هذا في أن الخفض الذي أدخلته على مخصصات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يعني عقاب أفقر الفقراء في البلدان النامية. – 2 – يعرف مصطلح الشرق الأوسط تاريخياً بثلاث محددات رئيسية، أولاً : بما عرفت به المسألة الشرقية منذ القرن السابع عشر – حيث أن الشرق الأوسط فرع منها – من أنها نزاع شديد بين السلطة العثمانية التي استأثرت بالسلطة في الماضي، وعقدت النية على الاستئثار بها في المستقبل أيضاً مع جهلها وتخلفها من جهة , والأمة العربية التي تطلب المساواة باسم الحق والقانون والقوة من جهة أخرى، وثانياً، بانتقال المسألة الشرقية تدريجياً إلى قلب استراتيجيات الأمم الأوروبية الرأسمالية الصاعدة واهتمام أوروبا الاستعمارية بالنزاع العربي – التركي، ودخولها فيه في أواخر القرن التاسع عشر، وفي مطلع القرن العشرين مداً لأطماعها الاستعمارية، وتحقيقاً لأمانيها المتناقضة، وقد شهدت البنى الاقتصادية والاجتماعية في المشرق العربي تبدلات حقيقية في القرن التاسع عشر، كانت بمنزلة الحد التاريخي الفاصل بين عصرين ، القرون الوسطى والعصر الكولونيالي الحديث. وثالثاً الذي بدأ مع حملة نابليون على مصر في العام 1798، واكتمل مع التقسيم الإمبريالي بين الفرنسيين والانكليز للشرق العربي إلى مناطق للإنتداب والنفوذ عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، وتحقق مشروع الحركة الصهيونية العالمية إلى واقع قائم من خلال اقتطاع ارض فلسطين، وقيام الكيان الصهيوني على ارضها . ولا شك إن قيام الكيان الصهيوني قد أحدث من منظور الجغرافيا – السياسية قطيعتين على حد قول الدكتور جورج قرم في كتابه عن الشرق الأوسط : أولاً مع مفهوم » المشرق » الذي كان يسمى المنطقة في الحقبة الكولونيالية، وثانياً مع مفهوم » العالم العربي » الذي فرض نفسه في المجال التداولي في الحقبة الاستقلالية، ومع أن المدى الجغرافي لمصطلح » الشرق الأوسط » يتخطى بكثير المنطقة الإقليمية للصراع العربي – الصهيوني، فقد جرى تعميد الأزمة المفتوحة التي دشنها قيام الدولة العبرية باسم » أزمة الشرق الأوسط » حصراً . إذا كان الشرق الأوسط يعتبر من أعرق بؤر الحضارة في العالم، وأعظم ممر للهجرات كما للفتوحات، فإن أكثر ما يميز تاريخه منذ أن ظهرت المسألة الشرقية إلى الوجود متزامنة مع المرحلة الرومانسية للاستعمار الأوروبي، ومع بداية فرض الهيمنة الإمبريالية الأميركية على العالم في أعقاب ثورة التحرر الوطني التي اجتاحت البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد أن أصبح الكيان الصهيوني أمراً واقعاً متجسداً في دولة عميلة، ركيزة للإمبريالية الأميركية بل قوة محلية أو إمبريالية فرعية، هو أن المشرق العربي ( أو ما اصطلح على تسميته في المدارس الغربية باسم الشرق الأوسط ) يمثل نظاماً سياسياً يحتوي على قسمات مشتركة لأنظمة الحكم المختلفة فيه ومخترقاً اختراقاً كاملاً من جانب القوى الإمبريالية الغربية، وعلى رأسها الإمبريالية الأميركية، وتابعاً لدول المراكز الرأسمالية الغربية في شكل الأعراض المرضية للمسألة الشرقية، كما شخصها لنا كارليون بروان على النحو التالي : حيث يتميز النظام السياسي المخترق بأربع خصائص : الأولى, وتتميز بأن القوة أو القوى الإمبريالية الخارجية لا تقوم بالحاقه بنظامها السياسي بالكامل ولكنها لا تتركه يفلت من قبضتها الخانقة ابداً . الثانية، وفيها يعيش النظام السياسي المخترق في مجابهة مستمرة متصلة ( وربما يومية ) مع القوة أو القوى الإمبريالية المهيمنة . الثالثة، وفيها تختلط القضايا المحلية والقومية بعضها ببعض وبحيث لا يفهم النظام السياسي للمجتمع المخترق ( حتى على المستوى المحلي ) دون الرجوع إلى القوة أو القوى الإمبريالية الخارجية المهيمنة. الرابعة، وفيها يكون النظام السياسي المخترق عبارة عن لعبة سياسية تلعبها القوى الاجتماعية والإقليمية والدولية في تحالفات متبدلة متغيرة . ولقد تعزز الاختراق الإمبريالي الأميركي للمشرق العربي مع قيام الدولة الصهيونية، وولادة مولود جديد أصبح يسمى الأمن الصهيوني كلازمة للأمن الأميركي، وتزايد أخطار الكيان الصهيوني مع تنمية قواه التي تأتي ضمن اطار التحول النوعي في العلاقات الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي دوره في المخطط الأميركي في المنطقة العربية بشكل رئيس بعد إحتلال العراق، وضمن إطار حشد قوى الحركة الصهيونية العالمية التي افسحت لها اتفاقيات كامب ديفيد في المجال فرصة تاريخية مهمة جداً لتحقيق هدفها الرئيس الا وهو تثبيت قاعدة الكيان الصهيوني واستثمار مواقع وعلاقات وخبرات اليهود في العالم عامة لتمكينه عن طريق الانخراط والتغلغل أن يصبح جزءاً من المنطقة العربية أولاً، ثم على السيطرة على مقدراتها والتحكم في ثرواتها من خلال بناء » السوق الشرق أوسطية » ثانياً . وفي الحقيقة التاريخية فإن إقامة مشروع » الشرق الأوسط الكبير » تأتي ضمن ثوابت الاستراتيجية الأميركية التي تخوض معركة التغلغل والسيطرة على الوطن العربي بأساليب مختلفة، أولها ضمان أمن وتفوق الكيان الصهيوني نوعياً بفضل المساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية التي قدمتها وتقدمها الحكومات الأميركية المتعاقبة، وثانيها ضمان التدفق الحر لنفط الشرق الأوسط بأسعار معقولة، تأتي أيضاً ضمن الميثاق الوطني التاريخي لمطامع وتطلعات الحركة الصهيونية العالمية في الوطن العربي. وإذا كانت ثمة قيود على المطامع الإقليمية للحركة الصهيونية، فإن لا حدود لمطامعها الاقتصادية. فالتطلعات الاقتصادية الصهيونية إلى السيطرة على ثروات العالم العربي وخيراته ومصادره الطبيعية وطاقاته البشرية وتسخيرها في خدمة الأهداف الصهيونية، لم تكن وليدة الساعة، ولا وليد المسار الذي بدأ بزيارة السادات للقدس. فهذه التطلعات ولدت مع الحركة الصهيونية، بل قامت عليها، وهي ملازمة أيضاً لطبيعة الكيان الصهيوني الذي لا يستطيع البقاء إلا بتوفير الرقعة الاقتصادية الأوسع – على حساب العالم العربي طبعاً. إن بناء مشروع » الشرق الأوسط الكبير » ، برضى ودعم أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية، يمثل شحنات إضافية جديدة للكيان الصهيوني في زيادة تنمية قوته وقدراته، وقوام هذه السوق الشرق أوسطية هي توزيع النفوذ والهيمنة بين التكتلات الاقتصادية العملاقة ( أميركا – اليابان -، وأوروبا الغربية ) ومع الاحتفاظ بالمركز الأول للولايات المتحدة الأميركية بحكم ما تستأثربه من تفوق مطلق في القوة العسكرية والهيمنة السياسية والاقتصادية على المنطقة العربية وبين الكيان الصهيوني الذي اصبح يحتل المركز الأول المتفوق على الصعيد الإقليمي، باعتباره كياناً قائماً على ازدواجية ما بين كونه أداة وقوة ضرب وتدخل سريع تعمل لحساب الإمبريالية الأميركية ذات المصلحة بالتحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني، وبين كونه كياناً استيطانياً عنصرياً قائماً بذاته على أساس التوسع والعدوان، وتفتيت كيان الأمة العربية، وإثارة كل أشكال التناقضات الكامنة فيها، وخلق كيانات للطوائف والمجموعات الأثنية، وإعادة تشكيل خريطة الوطن العربي، » له أطماعه ونواياه الخاصة التي تتوخى في النهاية بناء قوة ذاتية قادرة، هو ذاته النموذج الذي يقوم عليه التخطيط الإسرائيلي الاقتصادي للعاجل والأجل . إن الكيان الصهيوني يعتمد أساساعلى الأموال والمعونات الاقتصادية الخارجية، والمساعدات الأميركية في الدرجة الأولى، التي تهدف من خلالها، تقوية أمن أميركا القومي، وتأكيد مكانتها كقوة عظمى قائدة للعالم خصوصاً في ظل ما يسمى » النظام الدولي الجديد » والوصول إلى أسواق الوطن العربي، ومصادر النفط الحيوية في منطقة الشرق الأوسط، وضمان وصوله إلى » العالم الحر « ، وحماية أمن الكيان الصهيوني ومساعدتها له للحفاظ على تفوقه العسكري والتكنولوجي النوعي على باقي البلدان العربية، وتأمين رفاهيته الاقتصادية. لكن الكيان الصهيوني منذ النتائج الكارثية لحرب الخليج الثانية، واسقاطاتها المدمرة على مسار التسوية للصراع العربي – الصهيوني، وإحتلال العراق , والتبشير الجديد بمشروع » الشرق الأوسط الكبير »أوسطية، كإحدى رهانات المستقبل للمنطقة، وإعادة تشكيل العقل العربي من خلال الكتب والندوات العلمية والصحافة والترويج السياسي، لكي تصبح هذه الفكرة الشرق أوسطية قوة مادية مؤثرة في الرأي العام، باعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات مستقبل هذه المنطقة، إن لم نقل هي المستقبل بذاته، بحسب ادعاء هؤلاء المروجين الجدد، هذا الكيان أصبح الآن يطمح إلى أن يحل محل مرحلة المساعدات من مليارات الدولارات الأميركية، التي يقوم دافعو الضرائب الأميركيين بتحمل أعبائها، مرحلة جديدة يصبح فيها امتداداً للشركات المتعددة الجنسية، من خلال هذا الارتباط العضوي، لبناء اقتصاد قوي قادر على تحقيق النمو بالاعتماد على الذات، وذلك من أجل التغلب على العقبات والمشكلات الهيكلية التي تعتري الاقتصاد الصهيوني . -3- قبل الحديث عن مشروع الشرق الأوسط الكبير » في مراحل تكوينه الأولى، علينا أن نحدد المفهوم الإقليمي للشرق أوسط باعتباره لازمة النظام السياسي الإقليمي لهذا المشروع، إذ أن فكرة السوق الشرق أوسطية كظاهرة سياسية تتطلب تحليلها في بعديها المكاني والزمني ،وفي بعدها الدولي. ونبدأ بالتسميات – أولاً – يطلق الغرب الرأسمالي الاستعماري والإمبريالي على الوطن العربي اسم » العالم العربي » وذلك في نظرته التفكيكية، والابدالية، والاستملاكية، والاقتلاعية للعرب، على الرغم من معرفته بأن العرب يشكلون أمة واحدة، وشعباً واحداً يعيش على امتداد مساحة جغرافية واحدة، ويتكلم لغة عربية، ويعبد في غالبيته العظمى ديناً اسلامياً توحيدياً، وهويته هي الهوية العربية الإسلامية، أما المشرق العربي فيسميه عنده » الشرق الأوسط « ، والتسمية أتت من دائرة المعارف الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، ويتألف من ثلاثة أجسام : جسم جغرافي يمتد على مساحة (7.200.000) كيلو متر مربع، وجسم بشري يشمل 240 مليون نسمة وجسم عرقي أو لغوي بالأحرى يتألف من ثلاث ارومات كبرى : سامية – وأرية – وافريقية بالاضافة إلى اقليات اثنية وقومية مثل الأكراد والأرمن . وفي سياق الطرح القديم – الجديد لمشروع » الشرق الأوسط الكبير » لا يبدو أن الإدارة الأمريكية قد حددت بشكل نهائي قائمة هذه المجموعة البشرية التي تمتد من » المغرب حتى باكستان ». وهناك عدد من الدول يمكن أن يتم حسبانها بطريقة مؤكدة. فمن الغرب إلى الشرق تضم منطقة « الشرق الأوسط الكبير » البلدان التالية : المغرب- موريتانيا- الجزائر- تونس- ليبيا-مصر – السودان –– لبنان – سورية – الأردن – مناطق السلطة الفلسطينية- العراق – البحرين – الامارات العربية المتحدة – اليمن – عمان- قطر-الكويت – السعودية- إيران.إلى جانب هذه القائمة من البلدان العربية يجب إضافة:تركيا– الكيان الصهيوني-باكستان- أفغانستان . و يرفض الأوروبيون إقحام أفغانستان وباكستان في هذه القائمة لأن هذين البلدين لا ينتميان إلى منطقة الشرق الأوسط وفق التعريف التقليدي الغربي. وإجمالا يبلغ التعداد السكاني » للشرق الأوسط الكبير » نحو 587 مليون نسمة, أي ما يعادل 9,4% من سكان العالم. وفضلا عن ذلك , عندما يتم التحدث عن » الشرق الأوسط الكبير » تثار أيضا مسألة جمهوريات آسيا الوسطى – أذريبجان-تركمانستان-أوزباكستان –كيرغيزستان-و كازاخستان نظرا لأهميتها الإستراتيجية على صعيد ثرواتها النفطية. بيد أن هذا الأمر يصبح حساسا لأنه يمدد مجال » الشرق الأوسط الكبير » إلى منطقة النفوذ المباشر لروسيا. و إذا كان أكثر من 9% من سكان الكرة الأرضية يعيشون في منطقة » الشرق الأوسط الكبير », إلا أنها لا تنتج بالكاد 4% من الثروة الإجمالية العالمية. وتتمثل البلدان ذات » الوزن الثقيل » بتركيا, والعربية السعودية, وإيران, ومصر , والكيان الصهيوني. فهذه البلدان الخمسة تنتج وحدها أكثر من 60% من الناتج الداخلي الإجمالي لكل المنطقة. » فالشرق الأوسط الكبير » يتسم بضعف إندماجه في الاقتصاد العالمي, إذ أن هناك تسع بلدان فيه لا تنتمي إلى منظمة التجارة العالمية, وهي: الجزائرو أفغانستان, العربية السعودية, ليبيا, إيران, سوريا, اليمن, لبنان, والعراق. وحسب دراسة أعدها البنك الدولي في عام 2003, فإن هذه المنطقة تظل دون مستوى قدراتها التجارية. فالصادرات خارج الهيدروكاربور يمكن أن تتضاعف ثلاث مرات , أما الواردات فتتحدد بمستوى أقل مرتين من المستوى الذي هي عليه البلدان المشابهة. و يظل الفقر المشكل الرئيس الذي تواجهه البلدان غير النفطية. فهناك 30% من سكان المغرب العربي والمشرق العربي يعيشون بأقل من دولارين في اليوم الواحد, وفق إحصاءات البنك الدولي. وهو معدل مرتفع بالقياس إلى منطقة مصنفة عالميا في صفوف المناطق ذات الدخول المتوسطة. وفيما يتعلق بنسبة السكان التي تعيش تحت خط الفقر, فإن النسبة تصل إلى 33% في اليمن , و23% في مصر , 19% في المغرب, و14% في الجزائر, و8% في تونس. وبصرف النظر عن الإدراك العام , الذي يقول إن البلدان العربية هي غنية بسبب الطفرة النفطية في نهاية القرن العشرين, إلا أن الناتج القومي الإجمالي كان نحو 604 مليار دولار , أي ما يعادل الناتج الوطني الإجمالي لبلد مثل إسبانيا في المرحلة عينها , حسب تقرير « التنمية الإنسانية العربية » . إلى جانب بلدان الخليج , وبلدان أخرى منتجة للنفط(ليبيا , العراق, الجزائر), توجد البلدان العربية الأخرى الزراعية , التي ازدادت فقرا, بسبب وضعها في كماشة بين نمو ديموغرافي متصاعد ونمو إقتصادي معاق بسبب نقص المنافسة , وضعف النسيج الصناعي والتكنولوجي. وكانت النتيجة كارثية , إذ بلغ معدل البطالة في الكويت والإمارات العربية المتحدة نحو 3% , وارتفع في المغرب والجزائر إلى أكثر من 35%, وو صل حاليا في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى 50%. بالنسبة للبنك الدولي التحدي لا سابق له. وإذاانطلقنا من قاعدة أن المعدل الوسطي للبطالة في الوطن العربي هو 15%, فإن ذلك يرتب عليه خلق 90 مليون فرصة عمل خلال العشرين سنة المقبلة , أي ما يعادل ضعف النسبة خلال المرحلة الممتدة من 1950 ولغاية 2000. و من هذه النقطة يجب الإنطلاق لتخفيف عدم المساواة الإضافية التي ظهرت في عقد التسعينات عندما أصبح الشباب ( خاصة حاملي الشهادات الجامعية ) والنساء الضحايا الأوائل للبطالة. وفي الوقت الحاضر , يوجد أكثر من 30% من النساء بلا عمل في الجزائر, ويزداد هذا الرقم تصاعديا في الأراضي العربية المحتلة. وإلى حد 90% , لا يجد الشباب عملا أوليا في مصر, وإلى حد 60% في اليمن والإمارات العربية المتحدة, وإلى حد النصف منهم في الأردن والمغرب. وترافق مع ازدياد البطالة, سيادة الركود في المداخيل والأجور في الشرق الأوسط , إضافة إلى الإنهيارات التي شهدتها البلدان غير المنتجة للنفط. وفي الوقت عينه , شهدت تحويلات العمال المهاجرين من العملة الصعبة إلى بلدانهم الأصلية إنخفاضا ملحوظا خلال العقدين الأخيرين. وتصل هذه التحويلات إلى 12% من الناتج الوطني الإجمالي في مصر, ومن 6%إلى 7% في المغرب, وهذه النسبة قد تم تقسيمها إلى النصف في نهاية الألفية الثانية.إضافة إلى كل ذلك , فإن المساعدات المقدمة إلى البلدان العربية تم تخفيضها أيضا , إذ انتقلت من 8% من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي مع بداية الثمانينات إلى 1,5% بعد عشرين سنة من ذلك الوقت. وفي ظل عدم تناسب الطرائق القديمة لخلق فرص العمل , وضعف الصادرات غير النفطية ( التي بلغت 30 مليون دولار في عام 2000, مقابل 200 مليون دولار لشرق آسيا والأمر عينه لأمريكا اللاتينية), فإن اقتصاديات البلدان العربية هي في أمس الحاجة إلى تمثل نمط جديد من التنمية , حسب تأكيدات البنك الدولي. وهذا يقتضي مزيدا من اللجوء إلى القطاع الخاص (الذي يمثل 30% من الناتج المحلي الإجمالي في الجزائر, ومن 40% إلى 50% في تونس وسوريا) للإقتصاديات المندمجة من الآن فصاعدا في الاقتصاد الرأسمالي العالمي, وكذلك إلى القطاعات ذات الأنشطة المتنوعة. وتؤكد المؤسسات المتعددة الأطراف ضرورة وجود » الحاكمية « أو ما بات يعرف ب good governance , وهو المجال , الذي يضعه مشروع » الشرق الأوسط الكبير » في آخر سلم أولوياته. . وعلى الرغم من أن الأمة العربية واحدة من الأمم القديمة، وهي أقدم من مفهوم « الشرق الأوسط الكبير »، وتناضل في سبيل تحقيق تحررها، ووحدتها واستقلالها، وتقدمها، وتحترم حق غيرها من الشعوب في الوحدة، وتحترم حق غيرها من الأمم في الاحتفاظ بحريتها إلا أننا نجد في عصور الظلام والهزائم السياسية والعسكرية، وبعد توقيع اتفاق أوسلو، والاتفاق الصهيوني – الأردني، والإحتلال الأمريكي – البريطاني للعراق, تياراً عربياً قوياً قد نما في أوساط المثقفين المستسلمين العرب، وقد جعلته استسلاميته يعارض مفهوم الأمة العربية بمفهوم الشرق الأوسط ويسقط من حسابه القضية القومية العربية، ويعتبرها مجرد أوهام من الماضي، أو مجرد صراع يعود إلى مرحلة الحرب الباردة , ويحارب بشدة فكرة الأمة العربية، وقضية الوحدة العربية، بحجة أنها لم تتحقق إلا في حالات ومراحل محددة كانت شواذا في التاريخ العربي الإسلامي. وهذا التيار يبلور اطروحته الايديولوجية والاقتصادية على أساس أن مفهوم « الشرق الأوسط الكبير » كنقيض لوجود الأمة يتضمن كل مستلزمات التقدم، والازدهار الاقتصادي، والرفاهية لشعوب المنطقة، بل هو كل المستقبل . ويعتبر أن النظام الإقليمي العربي الذي لعب دوراً مهماً، من الناحية السياسية على الأقل في مرحلة تصاعد الحركة القومية العربية، وحركة التحرر الوطني في المنطقة العربية خلال الخمسينات والستينات، في تدعيم » التكافؤ « العسكري والاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، هو محاولة شاذة لانشاء نظام اقليمي لا أساس له في تاريخ المنطقة العربية. هذا التيار التبشيري على اختلاف دوافعه وغايته، يعتبر نصيراً قوياً للتطبيع مع العدو الصهيوني، والاندماج في النظام الشرق أوسطي، لأنه يرى في هذا، العودة إلى الوضع الطبيعي حسب منطلقه. ولذلك يقول مبشرو هذا التيار إنه يجب التخلي عن كل الممارسات والأفكار المشوهة التي لم تكن تعبر تعبيراً صادقاً عن حقائق ورغبات الأغلبية العظمى من شعوب المنطقة، هذه الأغلبية العظمى لم تنتم يوماً لما كنا نسميه عروبة أو عربا، وكانت ضحية لكلمات فضفاضة من لغة عقيمة ومتخلفة، وفي مثل هذا التوجه الشرق أوسطي لا تختلف ايران عن » إسرائيل »، ولا تختلف « إسرائيل » عن أي دولة عربية، ولا تختلف أي دولة ناطقة بالعربية عن تركيا أو باكستان أو. الهند الكل يجمعهم توجه واحد واقليم واحد ومصلحة مشتركة . وتنبع الفكرة الإيديولوجية الأعمق لهذا التيار التبشيري من محاولة طمس الهوية العربية – الإسلامية للمنطقة العربية، معتبراً اياها أنها مساحة جغرافية تعاني من محنة الهوية، وبلا هوية حضارية. ولذلك يندفع هذا التيار بقوة انطلاقاً من استغلاله أزمة الهوية أو عقدة الهوية في الوطن العربي التي يعانيها العرب الآن لتسويغ وجود الكيان الصهيوني على أرض العرب، وقبول التطبيع معه، باعتباره دولة موجودة في الإقليم الشرق أوسطي نفسه، على هذا القدر الرفيع من التقدم الصناعي والاجتماعي والسياسي، يتطلب والحال هذه من العرب إن يكونوا مستعدين للدخول في مرحلة من التحدي الحضاري معها. وهي مرحلة قد تكون أصعب من مرحلة التحدي العسكري للكيان الصهيوني التي انتهت، أو قاربت على الانتهاء، وبالتالي القبول بالهوية الجديدة » الشرق أوسطية » التي تتموقع فوق هويات شعوب المنطقة – باعتبارها حاملة لواء الحضارة والتقدم والأمل في تغيير المجتمعات، وحل مشكلات النمو الاقتصادي والحريات الفردية والجماعية، والليبرالية السياسية، وبشائر الديمقراطية، والتطور الاقتصادي والاجتماعي المتناسق، والتبعية الثقافية . فالمدقق في هذا المشروع » الشرق الأوسط الكبير » الذي يروج له الرئيس جورج بوش والعديد من الدول العربية , وهذا التيار التبشيري من الذين لهم مصالح تجارية واقتصادية، ونفع ذاتي، ومصالح ضيقة، وقصر نظر سياسي، ومن المتذمرين من فساد أحوال مجتمعاتهم، ومن المنظرين » للتغريب « الثقافي ولمفهوم » الكونية « يرى فيه سياسة تستهدف تحقيق السلام بين الكيان الصهيوني والدول العربية، بما يعني ذلك إنهاء حالة الحرب والعداء، والاعتراف بشرعية الاحتلال الاستيطاني لفلسطين، والأمريكي للعراق, وإقامة علاقات سياسية واقتصادية وتجارية طبيعية معه، وإنهاء حالة المقاطعة الاقتصادية العربية له . فالسلام والتطبيع شيئان متلازمان ويعنيان الانتقال من حالة الحرب والعداء والمقاطعة للكيان الصهيوني إلى عكس هذه الحالات جميعها، لكي يكتشف العرب في ظل التبشير بمشروع « الشرق الأوسط الكبير » أنهم كانوا على خطأ طيلة المرحلة التاريخية السابقة، وكانوا يعيشون في ضلال، وليكتشفوا أيضاً أن الكيان الصهيوني هو البوابة الحقيقية والمنفذ الوحيد المناسب للتصدير إلى أوروبا، تتنافس دول المنطقة على كسب وده، حيث أصبحت » إسرائيل » القناة الوحيدة لتصدير التكنولوجيا إلى الدول العربية، وتلقين علمائها ومهندسيها وفلاحيها . – 4 – كان شمعون بيرس قد كشف في كتابه » الشرق الأوسط الجديد 1993« عن هذه المغالطة الكبيرة التي يروج لها التيار التبشيري، حين يقول بأن » إسرائيل » حسب مفهومه : » دولة متقدمة في محيط متخلف من البلدان العربية التي ترحب بالدور الإسرائيلي القيادي على كافة الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية «. وهذه الرؤية لا تختلف في شيء عن المرتكزات الإيديولوجية لمؤسس الحركة الصهيونية العالمية ولدور الكيان الصهيوني الاقتصادي في الوطن العربي، وتلتقي الدراسات الأميركية والصهيونية في مضمونها الاستراتيجي، مع رؤية ومساعي » الشرق أوسطية » الصهيونية التي لا تخفي مطامعها الاقتصادية، التي تعتبر اقامة العلاقات الاقتصادية تحت ستار تحويل الصحارى إلى جنات خضراء، وإشاعة السياحة والازدهار فيها، ورفع المستوى المعيشي والثقافي لشعوب المنطقة، بداية التغلغل والانخراط في المنطقة العربية عامة، وفي منطقة الشرق الأوسط بأسرها بخاصة. ولا يمكن إن نفصل الدور الاقتصادي الذي يريد الكيان الصهيوني ممارسته في الوطن العربي عن ثلاث محددات رئيسية تتحكم في أولها : ارتباطه بالراسمالية اليهودية والصهيونية العالمية، وثانيها : ارتباطه بالامبريالية العالمية مع المصالح والأطماع الصهيونية في قضية جوهرية في استغلال خيرات المنطقة العربية، وخلق وقائع اقتصادية كالتجارة والسياحة واستغلال الثروات والبيئة وغيرها، يمكن إن تشكل ضمان الأمن الصهيوني المستقبلي، وثالثها : التطابق في المفهوم الأميركي والصهيوني للسوق الشرق – أوسطية، والتخطيط للتغلغل الاقتصادي في الوطن العربي، والسيطرة على ثروات الأمة العربية، نظراً لارتباط الكيان الصهيوني بالرأسمالية العالمية، وبالعولمة الرأسمالية الجديدة في بعدها الكوني، وفي طموحه إلى أن يصبح مركزاً للاستثمار في المنطقة. وفي حديثه عن الدور الاقتصادي الصهيوني في الوطن العربي، عبر أبا إيبان، وزير الخارجية الصهيوني الأسبق، عن المطامع الصهيونية الحقيقية، مستمداً الثقة من نتائج حرب 1967، حين قال» إن أمل » إسرائيل » في أن تصبح الولايات المتحدة الصغرى، نحن لا نريد أن تكون لنا علاقات مع الشرق الأوسط على غرار العلاقات القائمة بين سوريا ولبنان، نحن نريدها علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع بلدان أمريكا اللاتينية من حيث التعامل الاقتصادي مع ملاحظة الفوارق التاريخية والثقافية واللغوية، ونريد أيضاً المحافظة على طابعنا الغربي « . ثم إن الكيان الصهيوني يعتبر نفسه جزءا لا يتجزأ من « الشرق الأوسط الكبير »، لهذا يريد أن يترجم مسار السلام الحالي إلى لغة الاقتصاد. ذلك أن السلام الحقيقي من وجهة نظره يتمثل في إقامة علاقات طبيعية مع دول المنطقة في جميع المجالات، وإقامة علاقات اقتصادية كاملة . كما أن هذا السلام لن يكون مستقراً إلا متى انخرط الكيان الصهيوني في اقتصاديات دول المنطقة العربية عبر إقامة السوق الشرق أوسطية المشتركة، وتعاون اقتصادي اقليمي يعتمد على الخبرة والتكنولوجيا الصهيونية والأموال العربية والغربية، والثروات الطبيعية العربية. وفي معرض حديثه عن الاقتصاد الإقليمي يقول بيرس في كتابه، إنه ينطوي على خطوات تدريجية لإقامة جماعة تشبه كثيراً الجماعة الأوروبية، وهو يقيم بشكل متواز بين واقع العداء التاريخي المكين، الذي استحكم بين الأمم الأوروبية، الذي استطال في بعض الحروب، قروناً، ونجم عنه حربان كونيتان، والصراع بين الأمة العربية والكيان الصهيوني، لكي يبرهن بشكل منطقي ومغالط بأن هذا العداء التاريخي بين الأمم الأوروبية لم يجعل أية أمة أوروبية تنفي حق جارها في الوجود، مثلما لم يمنع من إقامة سوق أوروبية مشتركة كان رائدها رجل الدولة الفرنسي جان مونييه في الخمسينيات. لذلك يطرح بيرس خطته الاقتصادية لإقامة السوق الشرق أوسطية على غرار السوق الأوروبية المشتركة، بحيث أن السلام بعد حالة العداء لا يكمن في تجنب سفك الدماء فقط، بل أيضاً في توفير المزيد من المنافع الاقتصادية، وهذا لن يتم إلا من خلال تحقيق أهداف الصهيونية السامية بانخراط الصهيونية في المنطقة والإندماج فيها حقاً وبإقامة » سوق شرق – أوسطية مشتركة « تضم في المرحلة الأولى العلاقات السياسية، والضفة الغربية، قطاع غزة، ومصر، وفي مرحلة ثانية الأردن، ثم دولاً أخرى في مرحلة لاحقة. ويقول بيرس بان خطة بناء هذه السوق هي برنامج تعاون » يشبه هرماً ثلاثي الأضلاع تتضمن المرحلة الأولى مشاريع ثنائية أو متعددة القومية مثل إنشاء معهد أبحاث مشترك لإدارة الصحراء أو مصالح تعاونية لتحلية المياه وان التعاون المثمر بين » إسرائيل » ومصر في ميدان الزراعة هو مثال طيب على هذه المقارنة. . أما المرحلة الثانية فتتضمن كونسورتيومات دولية تتولى تنفيذ المشاريع التي تتضمن استثمار رساميل هائلة باشراف البلدان ذات العلاقة في المنطقة، علاوة على أطراف أخرى ذات مصلحة بالأمر أيضاً، ومن الأمثلة على هذه المشاريع قناة البحر الأحمر – البحر الميت – مقرونة بتطوير التجارة الحرة والسياحة على امتدادها، وإنشاء ميناء مشترك اسرائيلي – أردني – سعودي، وتطوير الطاقة الكهرمائية وتحلية المياه، وتطوير صناعات البحر الميت، جديد التخطيط إن قيام مشاريع الصحراء هذه يحقق، واحداً من أحلام بن غورين بتطوير النقب، وفتح آفاق جديدة لبلدان المنطقة وخلق مصلحة حقيقية في صيانة السلام «. اعتقد الكثيرون أن مشروع شمعون بيريس الذي طرحه في كتابه الذي حمل اسم « الشرق الاوسط الجديد » قد طواه النسيان, بعد تعثر عملية التسوية , واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الباسلة, لكن هاهو المشرو ع يعاد طرحه من جديد من خلال دعوات الإدارة الأمريكية إلى مبادرة » للشرق الاوسط الكبير » , التي طرحت في الفترة الاخيرة , بعد إحتلال أمريكا للعراق, وبعد إستسلام معظم الدول العربية للمخطط الأمريكي- الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية. وبالطبع فإن الرئيس بوش مثل المجرم شارون ومثل وزير الخارجية شمعون بيرس غلف مشروعه » الشرق الأوسط الكبير » لإخضاع المنطقة بالحديث عن » تعزيز الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والنمو القومي والازدهار الفردي « . وكان المجرم شارون قد أشار إلى هذا الجانب حين تحدث أمام مؤتمر رجال الأعمال الإسرائيليين يوم 14/4/2002 قائلا : » إنه تحدث مع وزير الخارجية الأمريكي كولن باول عن مؤتمر يعقد تحت زعامة الولايات المتحدة وتشارك فيه إسرائيل ومصر، والسعودية والأردن والمغرب، ومندوبون فلسطينيون » وإنه » يقدر أن يعقد مثل هذا المؤتمر في وقت قريب لبحث التسويات السياسية في الشرق الأوسط، ويعكف على تطوير المنطقة « . قبل الحديث عن التأثيرات المباشرة للسلام على الاقتصاد الصهيوني، وعن أهداف السوق الشرق أوسطية المشتركة المقترح إقامتها من جانب بوش وشارون حاليا , وبيرس سابقا , ,علينا أن ندرس ما هي الصيغ المطروحة للسوق الشرق الأوسطية هذه . لقد أصبح جلياً وواضحاً أن الدعوة الصهيونية- الأمريكية لإقامة الشرق أوسطية، والنظام الإقليمي الشرق أوسطي والتي تجد من يؤيدها على الصعيد العربي، تنطلق من الأفكار الصهيونية ومن مصلحة الكيان الصهيوني وأطماعه الاقتصادية أولاً وأخيراً، وبمشاركة دولية تكون غطاءاً مناسباً للهيمنة الصهيونية على المنطقة العربية كلها . ذلك ان السوق الشرق أوسطية هي النقيض المباشر للسوق العربية المشتركة وتستهدف ربط الاقتصاديات العربية باقتصاد الكيان الصهيوني لكي تتحول » إسرائيل » إلى سنغافورة كما شرح شمعون بيرس بعد اتفاق أوسلو مباشرة. فالسوق الشرق أوسطية هي البديل للمشروع القومي الديمقراطي النهضوي، وتتطلب فيما تتطلب أولاً وأساساً القبول بالدور الصهيوني في الهيمنة والسيطرة في جميع المجالات، والتسليم بالدور الصهيوني في القيادة والريادة على كافة الأصعدة في المنطقة العربية، والقبول بالكيان الصهيوني كشريك للدول العربية، في حين أنه كان ولا يزال كياناً عدوانياً توسعياً استيطانياً يطمع إلى احتلال الأراضي والتوسع على حساب الأراضي العربية ويخطط دائما لاستغلال الثروات والقدرات والامكانات الاقتصادية العربية . وهكذا، فإن مفهوم خارجي دخل حديثاً على الأدبيات الاقتصادية والسياسية العربية، ويخدم السياسة الصهيونية والأطماع التوسعية الصهيونية، ولا يحتوي على أي مضمون حضاري أو اجتماعي أو تاريخي لتقدم الأمة العربية، أو شعوب المنطقة، بل أنه يتناقض على طوال الخط مع المشروع القومي الديمقراطي النهضوي العربي، ومع السوق العربية والتكامل العربي، واستمرار المقاطعة العربية للكيان الصهيوني. وفضلاً عن ذلك فإن مفهوم السوق الشرق أوسطية يتعارض مع النظرية الاقتصادية والتي ترى بأن إقامة سوق شرق أوسطية سواء بصيغة الاتحاد الاقتصادي أو بصيغة السوق المشتركة، يتطلب تحديد مرحلية معينة حيث يصعب القفزفوق المراحل، والحال هذه، فان مرحلتي الاتحاد الاقتصادي والسوق المشتركة لما يسمى بالسوق الشرق أوسطية تتطلبان وجود المقومات الضرورية لقيامها، ومنها التماثل في النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالاقتصاد الصهيوني يعتمد على المعونات الأميركية بشقيها الاقتصادي والعسكري، باعتبار أن أمريكا هي أهم مصدر دعم اقتصادي وعسكري وسياسي للكيان الصهيوني في الحفاظ على بقائه ووجوده على أرض فلسطين العربية, والكيان الصهيوني يعاني من مشاكل اقتصادية وأزمات مالية، ولا يمكن التغلب عليها، لأن هذا يتطلب تغيير العقيدة الايديولوجية – السياسية الصهيونية التي قام عليها، أو احداث تغييرات أساسية فيها . ثم إن مشاكل » إسرائيل » الرئيسية اليوم يمكن وصفها بأنها ناتجة من، وجزء من، ارتفاع مستويات المعيشة، وتوفير الخدمات بالقدر الكافي، والانفاق بسخاء على مشاريع الاسكان ومشاريع الخدمات الاجتماعية بكل أنواعها، لاغراء يهود العالم بالهجرة إلى فلسطين، وانخفاض الانتاجية، ومحدودية المصادر الطبيعية، وارتفاع النفقات العسكرية، وكبر حجم العجز في الميزانية، وفي الميزان التجاري والاعتماد المتناهي على المعونات الخارجية وبخاصة المعونات الأميركية الرسمية التي بلغت منذ قيام الدولة العبرية وحتى العام 1989 حوالي 46.0679 مليار دولار. إن « إسرائيل » اليوم تستهلك ضعفي ما تنتجه وتستورده من الخارج أكثر مما هي تصدر بحوالي 50 بالمئة، وتنفق حكومتها 3 أضعاف ما تقوم بتحصيله من ضرائب . إن الاقتصاديات العربية خاضعة لمنطق التكيف لمقتضيات العولمة الرأسمالية الجديدة، والتقسيم الامبريالي للعمل، وهذا ما يفسر لنا أن بعض جذور استمرار التخلف، والتبعية للمراكز الرأسمالية الغربية، وبالتالي انتشار الشكل الكمبرادوري للبرجوازية المحلية وللدولة القطرية سواء بسواء، باعتباره أصبح الشكل الرئيس لعملية الاندماج غير المتكافئ في مرحلة العولمة الرأسمالية الجديدة، حيث أن سيطرة مفهوم الدولة الكمبرادورية التي وظيفتها الأساسية ضمان هيمنة رأس المال الاحتكاري العالمي، والسمسرة مع الشركات المتعددة الجنسية، وبناء اقتصاد تصديري، يتناقض كلياً مع مفهوم الدولة الوطنية. وفضلاً عن كل ذلك، فالاقتصاديات العربية مجزأة إلى وحدات صغيرة وقاعدتها الانتاجية ضعيفة، وأ سواقها ضيقة، وتعتمد على ا ستيراد السلع المصنعة، والمواد الغذائية من السوق الرأسمالية العالمية بقيمة 100 مليار دولار سنوياً، وهي قيمة تزيد حوالي مرتين عن نظيرتها لتركيا والكيان الصهيوني وايران معاً، وعلى طاقة تصديرية بقيمة 112 مليار دولار أي بزيادة مرتين ونصف عن تركيا وايران والكيان الصهيوني، وعلى حجم استثمارات محلية يصل إلى حوالي 100 مليار دولار، وهي قيمة منخفضة مقارنة مع حجم الاستثمارات العربية الخارجية التي تتجاوز 670 مليار دولار. كما تعاني الاقتصاديات العربية من مشكلة ترهل وتقهقر القطاع العام، وانخفاض انتاجيته، وعجز القطاع الخاص عن الاستثمار في مشاريع انتاجية تنافسية على الصعيدين المحلي والدولي، وارتفاع عجوزات الخزينة العامة، وتفاقم أعباء الدين الخارجي . لهذه الأسباب كلها، ولغيرها كالاختلاف في مستويات التطور الاقتصادي، وفي مستوى الدخل القومي بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وانتفاء أهمية وجود مصالح اقتصادية مشتركة يتم بناؤها خلال مرحلة زمنية من التعاون الاقتصادي بين الدول الأطراف، بحيث تأتي إقامة السوق الشرق أوسطية كمطلب ضروري يستجيب لتطور الحاجات والمصالح الاقتصادية المشتركة . ومع أن البرجوازية الكمبرادورية العربية تحاول الاستفادة من الكيان الصهيوني اقتصادياً كما تفكر بعض الدوائر العربية، والاستفادة منه في الوظيفة السياسية باعتبار ان الكيان الصهيوني قوة استيطانية معادية لكل تغيير قومي ديمقراطي ثوري، الا أن المشروع الامبريالي الأميركي – الصهيوني ببعديه العدواني الامبريالي والالحاقي الاقتصادي لبناء سوق شرق أوسطية، يستهدف ضمان أداء المشروع الصهيوني لوظيفته في السيطرة على الموارد الذاتية والثروات الطبيعية العربية، التي تشكل شرطاً أساساً لتحقيق الاستقلال الاقتصادي للكيان الصهيوني وتقليص اعتماده على الأخرين ، أي على المعونات الخارجية . إن مشروع » الشرق الأوسط الكبير »كما يريد له الرئيس بوش, و صهيونياً كما ذكر بيرس تفصيلاً في كتابه، يعتمد على أربعة عوامل أساسية هي كما يلي : الاستقرار السياسي، الاقتصاديات والأمن القومي، والديمقراطية، وهذه ليست عوامل نظام اقليمي أو سوق شرق أوسطية، بل هي تمثل إطاراً صهيونياً واسعاً للهيمنة والسيطرة، يخطط الكيان الصهيوني لإقامته، ولكي يصبح مركزاً لاستقطاب استثمارات الشركات المتعددة الجنسية ذات التقنية العالية جداً، حيث يتمتع الكيان الصهيوني بوجود يد عاملة ماهرة، ومراكز أبحاث متطورة. وبفضل هذه الاستثمارات الدولية في مجال التكنولوجيا إحتواء المنطقة العربية عبر عملية الدمج بين التكنولوجيا الصهيونية المتطورة والمال العربي , واليد العاملة العربية الرخيصة، يخطط الكيان الصهيوني كي يصبح مركزاً مالياً في المنطقة عبر تأسيس مصرف شرق أوسطي للتنمية كحل لمشكلة تأمين رؤوس الأموال اللازمة لتمويل المشاريع المشتركة في فئتين من المشاريع . أخيراً إن مشروع « الشرق الأوسط الكبير » هو دعوة صهيونية- أمريكية قديمة جديدة تستهدف ربط الاقتصاد العربي بعجلة التطور الصهيوني، حيث إن الإندماج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للأمة العربية لتمزيقها من الداخل وتفتيتها، بعد أن عجز عن تحقيق ذلك بواسطة الحروب رغم تفوقه العسكري، ورغم الوظيفة الرئيسية التي كانت مناطة به في خدمة النظام الإمبريالي العالمي الا وهي دور رأس جسر عسكري، وقاعدة استراتيجية متقدمة للغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية .إن مواجهة مؤامرة » الشرق الأوسط الكبير » تتطلب من الشعب العربي أفراداً واحزاباً وجماعات ومنظمات، التمسك بالمشروع القومي الديمقراطي النهضوي، وبالسوق العربية المشتركة، وبالتكامل الاقتصادي العربي واستمرار المقاطعة العربية للكيان الصهيوني، ومقاومة سياسة التطبيع، وخلق وضع عربي نضالي مناهض للهيمنة الإمبريالية الأميركية والصهيونية. * * * [1] – راجع لينين , الإستعمار أعلى مراحل الرأسمالية . [2] – هارفي أكوتور- إمبراطورية النفط, موسكو1958,(ص366). [3] – ألكسندر بريماكوف, نفط الشرق الأوسط و الإحتكارات الدولية, دار ألف باء للطباعة و النشر و التوزيع –ترجمة بسام,(ص15). [4] – مازن البندك- قصة النفط-دار القدس, الطبعة الأولى , (ص27). [5] – هارفي أوكوتور, إمبراطورية البترول, تعريب نجدة هامرو سعيد العز,منشورات المكتب التجاري للطباعة و النشر, الطبعة الأولى,نيسان 1959,(ص60). [6] – انتوني سامبسون , الشقيقات السبع ترجمة سامي مانع ، مراجعة د.اسعد رزوق ، معهد الانماء العربي ، الطبعة الأولى بيروت 1976 ، (ص 60 ). [7] – اندرة نوسشي ، الصراعات البترولية في الشرق الأوسط ، نقله الى العربية الدكتور اسعد محفل ، دار الحقيقة للطباعة و النشر في بيروت ، الطبعة الأولى ، ايار 1971 ، (ص 57 ). [8] – المرجع السابق عينه (ص 26 ). [9] – مدخل إلى استراتيجية النفط العربي د. سمير التنير – الدراسات الاقتصادية الاشتراكية – معهد الانماء العربي( ص76 ). [10] – المرجع السابق عينه. [11] – اقرأ:, Le Monde, diplomatique octobre 2000 -“L’Irak paiera “, Alain Gresh [12] – Henry LAURENS Comment L Empire ottoman Fut Depece Le Monde Diplomatique April 2003 [13] – رفض الاميركيون بقوة في مؤتمر السلام المطلب الياباني بتساوي الاعراق. [14] – إضافة إلى إعادة النظر في الاتفاق الفرنسي ــ البريطاني أرادت لندن أيضا إستمالة النفوذ اليهودي السري المفترض في روسيا والولايات المتحدة. أخيرا فإن الاشباع التوراتي للثقافة الدينية البريطانية قد سهل قبول الأطروحات الصهيونية. [15] – وزير الخارجية الفرنسية وقد نقلت « لوموند ديبلوماتيك » مؤخرا مكاتبها الى الشارع الذي يحمل اسمه في باريس. [16] – Stephen Roskill, Hankey, Man of Secrets, Londres, Collins, Vol. II, 1972, pp. 28-29 [17] – أندرة نوسشي ، الصراعات البترولية في الشرق الأوسط ، نقله الى العربية الدكتور اسعد محفل ، دار الحقيقة للطباعة و النشر في بيروت ، الطبعة الأولى ، ايار 1971( ص 57) . [18] – دانيال دوران ، الاحتكارات البترولية و سياستها الدولية ، ترجمة وليم خوري ، مطبعة العروبة ، دار المعرفة للنشر و التوزيع ، (ص 17). [19] – مازن البندك ، قصة النفط ، دار القدس ، الطبعة الولى ، حزيران 1974 ، (ص58 ) [20] – المرجع السابق عينه( ص 58) . [21] – نقولا سركيس ، البترول عامل وحدة و إنماء في العالم العربي ، (ص 19 ). [22] : Yahya Sadowsk Vérités et mensonges sur l’enjeu pétrolier -Le Monde Diplomatique April 2003 [23] – المرجع السابق عينه. [24] – اقرأ: , “L’Irak paiera “, Alain Gresh Le Monde diplomatique, octobre 2000. [25] – Le Monde 7 MAI 2004