مراسلون بلا حدود: تمديد النفي القسري للصحافي عبدالله الزواري مدة 26 شهراً الرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان :رسـالـة الــرّابـطـــة الحياة: اتفاق لتسليم الإرهابيين بين تونس وسورية مكتوب: في جلسة ساخنة و مصيرية:الصحافيون التونسيون يقررون الانضواء في صلب اتحاد الشغالين فتحـي نصـري: وجهة نظر حول مبادرة الدكتور الهاشمي الحامدي أبو أنيس :أخي في الله الهاشمي: أريد أن أفهم فهلا تكرمت؟ د. محمد الهاشمي الحامدي: يا أبا أنيس: قدم العدل على العاطفة عبدالحميد العدّاسي: نعم للصلح (المصالحة) الذي أشار إليه خالد
مرسل الكسيبي: المصالحة الوطنية ليست مشروعا سفسطائيا ! أبو عمر:الى الاخوة التونسسين: تعالوا الى كلمة سواء … بن احمد: إلى قيادة حركة النهضة: إلى الشباب الإسلامي التونسي: إلى أبناء الوطن الحبيب محمد النوري : حركة النهضة التونسية 26 سنة من الظهور السياسي: الزرع والحصاد (نسخة معدلة) محمد العروسي الهاني: التشغيل في تونس من اولويات الرئيس في برنامجه الإنتخابي و المؤكد دعم هذا التوجه حوار مع السيد عبد القادر الزيتوني لجريدة الشعب د. خـالد الطـراولي: البنــوك الإسـلامية و هـاجس التنمية
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
إعتداءات و هرسلة على سليم بوخذير
مراسلون بلا حدود
**تمديد النفي القسري للصحافي عبدالله الزواري مدة 26 شهراً**
رســـالــــة الـــرّابـطـــة. شهـــر مـــاي 2007
نشرية إخبارية داخلية تصدرها الرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
اتفاق لتسليم الإرهابيين بين تونس وسورية
في جلسة ساخنة و مصيرية الصحافيون التونسيون يقررون الانضواء في صلب اتحاد الشغالين
بسم الله الرحمان الرحيم
وجهة نظر حول مبادرة الدكتور الهاشمي الحامدي
الجزء الأول : لنتحاور اخوة … لكن بدون مساحيق
بقلـــم : فتحــــي نصــــــري
الناس فـــي زمان الاقبــال كالشجرة وحولها الناس ما دامت بها الثمرة
حتى اذا ما عرت من حملها انصرفوا عنها عقوقا وقد كانــــوا بها بررة
وحاولوا قطعــها من بعد مـــا شفقــوا دهرا عليها من الأرياح والغبــرة
لا تحمـــدن امرءا حتــى تجـــربـــه فربمــا لــم يوافـق خبــره خبــره
الامام علي بن أبي طالب
كتب الدكتور الهاشمي الحامدي دعوته الى المصالحة بين حركة النهضةالتونسية وبين الحزب الحاكم ، وتنادت الأقلام للرد عليه ، ودارت طواحين الحبر لتنتج ضجيجا وردودا في أغلبها متشنجـــة ، وما يلفت الانتبـــاه أن صاحب مبادرة ” المصالحة ” اعتنى بجميع ما كتب وأجاب عليها بكل أدب واحترام رغم هزالــــة بعض هذه الكتابات واستند في اجاباته على الآيات القرءانية والأحاديث النبوية ، وكان شعاره الدعوة الى المحبة والإخاء، وإن لم تكن لي مشكلة مع الأسماء المستعارة لأن العبرة بما يكتب لا بالتوقيع ، فإن نشر بعض الكتابات الوازنة لأسماء يعرفها الدكتور الحامدي جيدا جعله يتخلى عن أسلوبه الهادىء فــي الحوار ويتحول الى أسلـــوب السب المباشر ومهاجمة المخالفين
قرأت ما كتبه الأخ الكريم عبد الرحمان الحامدي الذي أكن لقلمه كامل الاحترام لجديته في تناول المواضيع ، وان كنت أوافقه في أغلب ما كتب الا اني أعيب عليه انتقاده لأسلوب بعض الأخوة في الكتابة واغفاله الردود العنيفة التي ميزت المقالات الأخيرة للدكتور الهاشمي ، طبعا أرفض التعرض للأشخاص ولأعراضهم لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه اذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله اخوانا ، المسلم أخو المسلــــم ، لا يظلمـــه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره ، التقوى ههنا ـ وأشار الى صدره ( ثلاث مرات ) ـ بحســـــب امرىء مــــن الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه “ أخرجــــه مسلم فـــي البـــر والصلة ( ص23) ، ولكني أخي الكريم عبد الرحمان الحامدي لم أجد في كتابات الأخــــوة أي تعرض لعرض الدكـــــتور الحامدي فعرضه عرضنا ، فنحن قد نقبح فعل أو قول شخص ما ولا نقبح شخصه ، في حين ان الدكتور الحامدي نعت بعض الأخوة رفاق الأمس بأبشع النعوت ، وحتى لا يقول الدكتور الهاشمي اني أفتري عليـــه أو أحقــــد عليه سأورد ما كتبه حرفيا وله حرية التعليق وللقارىء حرية الحكم :
* أورد الدكتور الحامدي في مقاله “ الصامتون دهرا … الناطقون بغضا وكراهية ” ما يلي
ـ ” هنا وجدوا الحافز للخروج من الصمت الذي اختاروه لأنفسهم سنين طويلة ولينفثوا بعض ما في صدورهم من بحار البغضاء والحقد والكراهية “
ـ ” صمتوا دهرا وبدل أن ينطقوا بكلمة خير تقرب بين أبناء الوطن الواحد ، نطقوا بالحقد والبغضاء والكره وما تخفي صدورهم أكثر ”
ـ ” جاهلون بمنطق الأشياء وميزان القوى وسنن التاريخ والاجتماع ، منقطعــــون في جزيرة من جزر الكــــره والحقد أعمتهم الكراهية “
* وأورد في مقال آخر بعنوان ” ضحية أخرى لثقافة الحقد والكراهية ” ما يلي :
ـ ” يظن هذا المسكون بالحقد والحسد والكراهية أن مخالفيه في الرأي مناضلون استقالوا … “
أخي عبد الرحمان الحامدي هذا الكلام حرفيا للدكتور الهاشمي الحامدي ، ومثل هذا الكلام فيه تجريح وتحقــــير وسب علني وشتم ، وهو كلام مرفوض شرعا ولا يليق بشخص يريد حمل رسالة المصالحة والكلمــة الطيبة ، رغم تأكيدي على أن الردود المتشنجة تزيد من تدني الخطاب ، وتؤكد افتقادنا لأدبيات وأدوات الحوار ، والعيب يا دكتور الحامدي أن تفخر بقناتك وعطائك فهو متصل ما كان لله ومنقطع ما كان لغير الله ، وعيـــب أيضا أن تنكر جهد اخوانك وعطائهم وترميهم بقلة الكتابات والمساهمات الصحفية ، فقليل دائم أفضل من كثير زائـــل ، وقيمة الشيء برجاحته لا بكمه ، وقد كان الامام البوصيري رحمه الله يمدح الملوك والأمراء ، فقضى حياته ينظم الشعر ويمدح ولم يكن يعرفه احد ، الى ان التقى بأحد الوعاظ فوعظه فاتعظ ، فلم يكتــب بعـــد أوبتــــه ســــوى قصيدتين عرف واشتهر بهما ، وهما الى الآن دانيتين تعاقبت في حفظهما الأجيال قصيدة ” البردة ” وقصيــــدة ” الهمزية ”
ان الحوار قبل أن يكون أسلوبا فهو ثقافة وتربية وتمرس بقطع النظر عـــــن مكان وزمان حدوثــــه ، فللدكتور الحامدي الحق في ابداء رأيه والدفاع عنه ، ومن حقه علينا أن ندافع عن حقه في الاختلاف بقطـــع النظر عــن مضمون رأيه ومدى اختلافنا معه ، ذلك ان الايمان بالحق في الاختلاف هو الشرط الأولي لتأسيس تقاليد الحوار ، وهو الدافع لاستمرار المشروع الاسلامي بوفاق بين أطــــراف متعددة ، وبضمــــان حقيقــي لحريــــة الرأي والمشاركة ، نعم الكلمة الطيبة هي سلاحنا ولكن في موضعها الحقيقي لتؤتي أكلها باذن ربها ، وبمعناها الحقيقي ودون تمييع لمعانيها السامية والسامقة
إذا كان من واجبنا الدفاع عن حق الدكتور الهاشمي الحامدي في ابداء رأيه ، فإن ذلك لا يلغي حقنا في مناقشة مضمون مبادرته ، والتشكيك في مصداقيتها طبعا استنادا الى الوقائع ، فالتحليل السياسي لا يخضع ل ” هــل شققت عن صدره ” و” عدم محاكمة النوايا ” ، فمن حقنا مناقشة مبادرة الدكتور الحامدي وما طرحه من حيث توقيت المبادرة ومضمونها والجهات المستفيدة منها ، وكفانا تغليفا لخطاب البراءة والقداسة وحسن النية الذي تكذبه الوقائع ، فلو استقام منطق ” عدم محاكمة النوايا ” والحكم بالظاهر في ميدان السياسة لوجب علينا تصديق تصريحات ووعود السيدة ” كونداليزا رايس ” بنشر الديمقراطية في العراق ، فالسيدة رايس تصرح بأن ساسة ومحافظي البيت الأبيض يريدون جلب الحرية والديمقراطية للعراق وللشعوب العربيــــة ، فهل نحكم بظـــاهر أقوالها ونصدقها حتى لا نواجه ب ” هل شققت على صدرها ” أم ننظر الى الدبابات وسياسة القتل والتدمــــير المتعمد والنهب العلني لخيرات ومقدرات الأمة ؟ فرجاء كفانا مـــــن الخطاب العدمـــي ، ولنسمـــي الأشيـــاء والممارسات بأسمائها فلسنا دراويش سياسة
من حق الدكتور الهاشمي الحامدي أن يكتب ما يشاء وندافع عن حقه في ابداء رأيه ، ومن حقنا أن نرد عليـــه وفق المعطيات والوقائع ، ومن حقنا أيضا أن نقول له أنت تحاول تلميع صورة النظام التونسي وغســــل آثار الدماء العالقة به بحبر قلمك لكونك تحاول جاهدا تبرءته من أية مسؤولية عن الدمار الذي لحـــــق بالمجتمـــع التونسي قبل أن يطال حركة النهضة ، من حقنا أن نقول له ولكل الذين يوقعون سندات براءة وشيكات علـــى بياض لتلميع صورة النظام التونسي أنتم تنحازون لحاكم جائر وتلعبون دور ” محامي الشيطان ” ، من حقنا أن نقول له أنت بما تظنه كلمة طيبة تبرر للحاكم جوره ، وتعذره في سجن الآلاف ، وقتل العشرات تحت التعذيب ، وتشريد الآلاف ، وقطع الأرحام والأرزاق ونفي الأحرار في أوطانهم ، والتفريـــق بين المـــرء وزوجــــه ، وتيتيم الأطفال ، وأخذ الآباء بفعل الأبناء ، وممارسة الحرابة السياسية ، من حقنا أن نقول لــــه أنت تحــــاول التقرب الى الرئيس التونسي عندما تعتبره الأب الحنون لكل التونسيين ، وهل يسجن الأب أبناءه ؟ وهل يعذب الأب أبناءه حتى القتل ؟ وهل يشرد الأب أبناءه ؟ … والثمن تمزيق الصف الاسلامي ما دامت المبادرة عرجاء وبعين واحدة ، معذرة لن يخطب ودها أحد ، من حقنا أن نقول له دعوتك موجهة الى قواعد حركـــة النهضـــــة لمحاسبة قيادييها ( وليس التقييم الداخلي الهادىء وفق اللوائح الداخلية للحركة ) وشق صفها عبر دعوتك لأبنائها لتوقيع عرائض ورسائل دون الاحتكام لقرارات مؤسسات الحركة ، من حقنا أن نقول لـــه ان توقيــــت طــرح المبادرة ليس بريئا ومحض صدفة لكونها جاءت مباشرة بعد الوفاق النسبي بين حركة النهضة وبقية مكونــــات حركة 18 أكتوبر ، وكونها جاءت أيضا للاصطياد فيما بدا أنه مياه عكرة بعد الخلاف في وجهات نظــــر أبناء الحركة حول البيان الذي وقعت عليه الحركة مع بقية أطياف المعارضـــــة حول المساواة في الحقــــوق بيــن الجنسين، وكونها جاءت أيضا للتشويش على تحضيرات حركة النهضة لعقد مؤتمرها الثامن في محاولة للتأثير على جدول أعمال المؤتر ومحاصرتها بمبادرات وهمية ومزايدات كان يمكــــن طرحتهـــا في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة
حسب رأيي المتواضع ما ذكرته لا يخضع لمحاسبة النوايا بل استقراء الواقع والمعطيات ، فالتحليل السياسي لا علاقة له بحسن النية أو بسوء النية ، ولو سايرنا ما رمى به الدكتور الحامدي اخوته والأقلام التي ردت عليه لجاز لنا أيضا أن نسأله : ما حجتك على وقوع مكالمة هاتفية بينك وبين الرئيس التونسي سنة 1999 واستعداده لطي ملف الاسلاميين ؟ خاصة وان الرئيس التونسي لم يصرح بذلك ، ولم يعترف بذلك أيضا رجالات الدولة أو أي أحد من أعضاء الحزب الحاكم ، أي ان الموضوع كله مجرد كلام ، وعلينا أن نخوض فيه سنـــــوات ، وعلى أبناء حركة النهضة محاسبة قياداتهم على مجرد كلام
يا دكتور الحامدي أنا لا أحقد عليك ولا أكرهك ولا أحسدك ولا أكذبك ولكن ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لو يعطى الناس بدعواهم ، لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ، لكـــن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ” أخرجه البيهقي في السنن ( ج1 ص 252 ) ومسلم في الأقضية ، فما بينتك على حصول المكالمة الهاتفية بينك وبين الرئيس التونسي ، وما بينتك على على استعداده للمصالحة ؟ يا دكتور الهاشمي أنت تكتب الشيء وتسبقه بآية قرآنية وتعقبه بحديث شريف وتقول هو الحق ومن خالفه فقد خالف الحق ، والحق أخي ما سبق الشيء وما لحقه أما الشيء نفسه فهو رأيك القابل للصواب والخطإ ، تمامـــا مثل رأيي الذي أبسطه الآن فهو قابل للخطإ والصواب ، وليس من العدل أن تعتبر ما تكتبه من المسلمات ومــن خالفك فيه ” مكابر ” أو حاقد ومبغض وحاسد ، فأنت بأسلوبك هذا تقول من وافق على مبادرتي فهـــو محــب للاسلام وللوطن ومؤمن بالمصالحة ، ومن خالفها وشكك فيها حقود لا يريد الخير للاسلام وللوطن ، وكان حري بك أن تقول من وافق على مبادرتي فهو مؤمن بالمصالحة بالشكل الذي أطرحه ، فالجميع لا يرفض المصالحة ولكن يرفض شكل ومضمون المصالحة التي تطرحها ، وهذا الأسلوب يذكرني بتقسيم السيد ” بوش ” للعالم بين معسكر للخير ومعسكر للشر ، فلا أحد منا يا دكتور يمتلك الحقيقة ، الجميع يجتهد والجميع يخطىء ويصيب ، بل أمرنا بالاجتهاد مع اتقاء الشبهات ، فعن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” ان الحلال بين وان الحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام … “ أخرجه البخاري في الايمان ( ص 50 ) ومسلم في المساقاة ( ص 107)
قد تقول لي يا دكتور السلطة في تونس أرسلت عديد الاشارات الايجابية فأخرجت المئات من السجن ، فأجيبك لكنها في نفس الوقت أرسلت اشارات أخرى وأدارت رحى القمع لتشمل كل كلمة حرة ، وكل حصون المجتمع المدني ، وكل صوت معارض بقطع النظر عن لونه ، كيف تفهم اطلاق سراح سجين ونفي مواطن الى الجنوب التونسي وابعاده عن زوجته وأبنائه ؟ كيف تفهم اطلاق سراح سجين بقيت لانتهـــاء مدتــه بعــض الشهــــور والتضييق على المسرحين في أرزاقهم والتضييق عليهم في تحركاتهم ؟ كيف تفهم اطلاق سراح سجين أنهكته الأمراض والعلل ( الا علة الانكسار ) والزج بآخرين في السجون ؟ كيف تفهم اطلاق سراح سجين ونقله الى المستشفى لكي لا يموت في السجن وطرد عديد الطالبات من الجامعات والمعاهد لتمسكهن بحق يكفله الدستور وهو اختيار الملبس ؟
يا دكتور من حقك أن تدعو للمصالحة بطريقتك ، ولكن ليس من حقك أن تدعو أبناء حركة سياسية الى تجاوز قرارات مؤسسات الحركة ، من حقك أن تخوض في تراث حركة النهضة ، ولكن ليس من حقك وليس من حقي أيضا أن نخوض في شؤونها التنظيمية وعلاقة منتسبيها بقياداتهم ، من حقك أن تدعو حركة النهضة للمصالحة مع الحزب الحاكم ، ولكن ليس من حقك أن تدعو أبناءها للخلاص الفردي أو لنقل خلاص مئة من أبنائها ، أخي رغم كونك كنت قياديا في حركة الاتجاه الاسلامي وكان لك دور مهم في تصليب وتقوية فصيلها الطلابي والعبد الضعيف يشهد بذلك باعتباري كنت من قواعدها بكلية الآداب بمنوبة ، الا أن ذلك لا يمنعنـــي من أن أقول لك أنك لا تفرق بين الحركة كجسد تنظيمي ، وبين الحركة ككلمة وفكرة ، فحركة النهضةعائلـــة كبيرة ضمهـــــا مشروع دعوي وسياسي وثقافي باختصار مشروع اصلاح ، والجهاز التنظيمي هو عبارة عن غرفة عملــــيات لبيت يضم عدة غرف ، والخارج من غرفة العمليات ليس بالضرورة غادر البيت النهضوي ، فسفينة النهضة لم تتمــــزق أشرعتها ولم يغرق بحارتها ، ولو تأملت في مسيرتها للاحظت أن الذين غادروا البيت وحاولوا هدمه لم تكســر حجارتهم حتى زجاج النوافذ ، وخير دليل على ذلك أن أغلب الذين يكتبون الآن عن حركة النهضة هـــم خارج الجهاز التنظيمي ، لكنهم بقوا أبناء النهضة المشروع والمستقبل ، وهم أحرص منك أخي الهاشمي على ضرورة التقييم والمراجعة بهدف البناء وليس الهدم ، شعارهم ما ورد عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال ، ” احفظ الله تجـــده أمامك ، تعرف الــــى الله في الرخــاء يعرفك في الشدة ، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أن النصـــر مــــع الصبر ، وان الفرج مع الكرب ، وان مع العسر يسرا “ أخرجه احمد في مسنده ، أمــــــا مبادرتك للمصالحـــة فالخوض فيها يتطلب مقالا خاصا سيكون موضوع الجزء الثاني باذن الله ، وكما بدأت مقالي بأبيات للامام علي كرم الله وجهه ، أختمه بأبيات للامام علي أيضا
اصبر فبعد العسر تيسير وكل أمر له وقت وتدبــير
وللمهيمن في حالاتنا نظر وفوق تقديرنا لله تقديـــــر
بسم الله الرحمان الرحيم
أخي في الله الهاشمي: أريد أن أفهم فهلا تكرمت؟
ككل تونسي تواق إلى السلم و الأمان. و بعد أن ذقت من العذاب ألوانا على يد جلادي هذا النظام فإني أتلهف لمعرفة كل حديث عن المصالحة الوطنية. عساني أنعم بالامن والحرية التي حرمت منها منذ العهد البورقيبي باستثناء سنوات الجامعة 88/89 قبل تجنيدي. و ذلك ما يفسر اهتمامي بكل ما كتب و يكتب عن الموضوع رغم كثرة مشاغلي و قلة فراغي. وقد كتبت في الموضوع في سبع مناسبات تقريبا و طرحت عليك عديد الاسئلة بوصفك صاحب المشروع الجديد ولكني لم أقرأ أي جواب منك عن أسئلتي و أسئلة بعض الإخوة و قد ألتمست لك الأعذار فأنت فرد واحد ولك مشاغلك. لذلك أكتب مجددا لغاية فهم الماضي لا أكثر فأنا حديث عهد بالسجن حيث قضيت به 12 سنة و لما غادرته استمر حصاري حيث لم أكن قادرا حتى على دخول محلات الأنترنات. إني مهتم جدا بما ذكرت عن مبادرة 98 لأني كنت بالسجن وقتها و لا يعلم إلا الله مدى التأثر الذي أصاب جل الإخوة أنذاك عندما خرج ما يقارب نصفنا و بقينا فريسة للتأويلات ولم نفهم ذلك العفو . وعشنا أياما عصيبة آملين أن يقع إلحاقنا بإخوتنا الذين غادرونا خاصة أننا علمنا أن العفو كان في إطار تسوية شاملة لملف الحركة. كنا قبلها ننتظر كل مناسبة ( 7/11 – 20 مارس أو 25 جويلية ) و ندعو الله أن لا يقع أي حدث وطني أو إقليمي أو دولي يعكر صفو بن علي. وكل مرة لا يتم تسريحنا نقول المرة القادمة إلى أن يئسنا و أيقنا أننا سنكمل سنواتنا الطوال بالسجن و رغم أن محاكمة التاريخ لن تعيد لنا السنوات الطوال التي قضيناها بالسجن ولكن معرفة الحقيقة قد تجعلنا نفهم و نعي الارضية التي نقف عليها. لأني كنت قبل أن أسمع روايتك للحدث ( عفو 99 ) كنت على يقين أن بن علي لا يمكنه أن يقر مصالحة مع حركة النهضة و مع الإسلاميين عامة فقد قالها صراحة ” ما دمت في السلطة فلن أسمع للإسلاميين بالتنظم ” أو ما معناه و لم يبد أي ميل أو رغبة حتى بالإشارة أو الإيماء لنفهم أن هناك أمل في التسوية بل على العكس كل أقواله و أفعاله تنم عن عداء متأصل معنا بحيث لم نر أي بصيص أمل في إرادة التسامح. كنا نسمع ونحن بالسجن بملفات دولية عويصة وجدت طريقها للحل ( الصراع الإرلندي – نظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا – روندا – الكونغو – …الحرب الأهلية بالجزائر …جنوب السودان…) و صراعنا مع سلطة 7/11 لم يكن بتلك الحدة و تلك الدموية ومع ذلك يبدو الافق مظلما إلا بزوال بن علي. كنا نقارن شراسة الانظمة فلم نر أشرس من الكيان الصهيوني العنصري و رغم ذلك جلس عرفات مع رابين ومع و باراك و كانت هدنة و جلس مرزاق مع بو تفليقة بعد سقوط 200000 قتيل بالجزائر. فلماذا لا يجلس بن علي مع الشيخ مورو أو بن عيسى الدمني و هما من أكثر الإسلاميين اعتدالا ؟ أو حمادي الجبالي الذي علمنا دروسا في الإعتدال و الوسطية ولأنك ذكرت أن بن علي فعلا كان يروم حل الملف الإسلامي سنة 99 و السماح بحزب أو جمعية بالإضافة إلى جريدة للنهضة ( تسوية شاملة) و لأني لا أستطيع أن أتأكد من هذا الخبر إلا من بن علي نفسه عبر خطاب على الهواء يؤكد فيه ما قلت أو منك أنت الشاهد الوحيد على ذلك فإني أستسمحك ببعض الاسئلة التي تجدها بلون مخالف لأقوالك في الفقرة التالية:
كانت تلك المبادرة هل أفهم أن بن علي كان خالي الذهن من مسألة المصالحة قبل زيارتك له و أنك أنت من جعله يفكر فيها أم أنه كان يفكر في حل للمشكلة من قبل ووجد المدخل عبر زيارتك له؟ في رأيي فرصة ذهبية لإصلاح ذات البين بين السلطة والإسلاميين في تونس. الرئيس بن علي تجاوب معي لماذا تجاوب معك ولبى لك ما طلبت في حين نسمع أن آذانه كانت صماء عن محاولات كبار المسؤولين في دول أخرى تربطه بها مصالح إقتصادية ضخمة فهل أنت أنفع له من هِؤلاء؟ لأبعد الحدود، وأبدى استعداه لحل جذري معنى ذلك أنه فعلا يريد أن يفعل ما لم يفعله سنة 88 و 89 لما كانت للحركة ثقة كبرى به؟ للمشكلة. جزاه الله عني خير الجزاء. كنت طلبت أن أتشرف بمقابلته بمناسبة الذكرى العاشرة لتغيير السابع من نوفمبر، فاستقبلني في 12 سبتمبر 1998. رويت في مناسبات سابقة أن رئيس حزب سياسي قانوني معروف إن لم يكن لك مانع هل تقدر أن تذكر لي اسم هذا الرئيس حتى يكون شاهد إثبات لما قلت؟ حذرني بأنني لن أخرج سليما هل كان يقصد أن بن علي سيغتالك أو يضعك في السجن؟ ألم تتحدث مسبقا عن سبب زيارتك له و برنامج الزيارة؟ من قصر قرطاج إذا فاتحت الرئيس في شأن تسوية ملف الإسلاميين. لكنني فعلت، جازى الله شجاعتك و استعدادك للتضحية من أجل إخوتك و أنا كنت ضمنهم وحدثت الرئيس بكل صراحة ماذا تقصد بالصراحة هل بينت له مسؤولية حكومته و مخابراته في ما حدث أم تراك حملتنا المسؤولية كاملة و جعلت منه الضحية ؟ عن أهمية معالجة هذا الملف وتسويته. تحدثت مع الرئيس بن علي أيضا في شأن السياسة الدينية هل من توضيح لأننا لم نر و لم نلحظ أي تغير في السياسة الدينية في تونس أم تراه أجابك بتسوية ملف الإسلاميين و لم يقم بأي خطوة لحرية التدين؟، وفي شأن السيد خميس قسيلة والدكتور محمد مواعدة وكانا سجينين آنذاك، وفي شأن السيد محمد مزالي والدكتور أحمد القديدي. أثمرت المقابلة الأولى قبولا عمليا بإعادة النظر في ملف الإسلاميين. تم تسهيل عودة عدد منهم هل كانت عودة غير مشروطة في إطار التسوية أم حلولا أمنية فردية؟ورفع أحكام المراقبة الإدارية عن عدد آخر.هذا صحيح فقد سمعنا أنذاك أن عديد الإخوة أعفوا من الإمضاء 8 مرات في اليوم و استبدلت بمرتين أو مرة في الأسبوع مع الإعلام عن كل تحرك أو تنقل (حسب الحالات و درجة الإستقالة من الشأن العام). وفي مساء 28 أكتوبر 1999، حصلت من الرئيس بن علي، في حديث مباشر معه، على الهاتف طبعا وليس هناك شاهد على ذلك ما عدى بن علي نفسه أو إن كان هنالك تسجيل من الداخلية فالرجاء بثه على الهواء “ليبهت الذي كفر” على وعد بتسوية ملف الإسلاميين قبل أدائه قسم الولاية الرئاسية الجديدة في 15 نوفمبر 1999، بصيغة حزب سياسي أو جمعية دينية،هذا التخيير هل هو للحركة أن تختار أم ماذا ؟ فالفرق شاسع بين حزب سياسي و جمعية دينية وإطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء قيود الرقابة الإدارية على المعتقلين السابقين .سقف مطالب الحركة إلى الآن قلت للرئيس بن علي إنني سأسعى لأن تصله رسالة مباشرة من قيادة حركة النهضة قبل 15 نوفمبر. ماذا تقصد برسالة؟ ما فحواها؟ و هل طلب هو منك ذلك؟ و هل أعلمك أن ما يزمع القيام به بعد أيام قليلة مرهون و متوقف على تلك الرسالة؟ وممن الرسالة بالضبط من القيادة المسجونة أم المهجرة؟ وطلبت منه التكرم باتخاذ بعض الخطوات التي تيسّر دفع هذه المساعي فوعدني خيرا. اتصلت هاتفيا في ذات المساء بالشيخ راشد الغنوشي فقيل لي إنه غير موجود. تحدثت مع اثنين هل بالإمكان ذكر صفاتهما داخل تنظيم الحركة. وهنا أتوجه بالسؤال للأخوين و هما حتما يتابعان الجدل من أوله . هل حدث ذلك فعلا؟ و هل بلغتما قيادة الحركة في الإبان؟ ممن عملا معي في قيادة الإتجاه الإسلامي في الجامعة. دعوتهما إلى بيتي في ذلك المساء وطلبت منهما عرض الأمر على قيادة حركة النهضة بأسرع وقت. لكن لم يصلني أي جواب. لما لم يصلك من الحركة و خاصة من زميليك السابقين بقيادة الإتجاه الإسلامي أي رد لماذا لم تعاود الإتصال بالشيخ راشد أو بالمكتب السياسي أو مجلس الشورى ؟ لماذا لم تسأل البدري و عن الرد؟ خاصة والمسألة مصيرية لآلاف الشباب و العائلات و للبلاد عامة ؟ نراك الآن مصرا على المضي قدما في مشروعك رغم الأذى الذي ألحقه بك بعض الإخوة سامحهم الله. و في 98 ألقيت المنديل بعد الإتصال الوحيد مع قيادة الحركة و تركت الفرصة تضيع؟ أنت المسؤول عن إنجاح المبادرة فلماذا صمتت كل ذلك الوقت إلى أن ضاعت الفرصة الذهبية لحل مشكل عويص. أنا في مكانك لو أتيحت لي تلك الفرصة فلن آلو جهدا للإتصال عبر الهاتف و الأنترنات و الزيارة المباشرة لقيادة الحركة حتى لو كانوا في المريخ حتى أقتلع منهم موقفا يشهد لهم أو عليهم أمام الله أما وقد قعدت بعد اتصال وحيد لم تحصل فيه على أي رد فإن الله سيحاسبك لأنها أمانة و أنت لم تتحملها على الوجه المطلوب. تم إطلاق سراح قرابة سبعمائة سجين يوم 5 نوفمبر 1999، وأعلنت عن ذلك شخصيا من الدوحة في برنامج “حصاد اليوم” على شاشة قناة الجزيرة. وكان يحاورني آنذاك الأستاذ جمال ريان. كما أعدت تقديم العرض أي عرض أتقصد الرسالة؟ و هل ذكرت أن المطلوب فقط رسالة؟ الذي وعد به الرئيس بن علي وطالبت الإسلاميين بالتجاوب واغتنام الفرصة. في اليوم الموالي ظهر الشيخ راشد في برنامج “حصاد اليوم” مع الأستاذ محمد كريشان، وهنا أحيي الرجلين وأدعو لهما بالتوفيق. الشيخ راشد أكد خبر الإفراج عن المعتقلين، لكنه قال إنهم خرجوا من السجن الأصغر إلى السجن الأكبر، هو لم يزد عن الواقع شيئا فهو يصف الخروج بدون تسوية لأن الأصل أن تقع التسوية الشاملة لمشكلة الحريات أولا. وهو بارك الخطوة ( إطلاق سراح عدد من الإخوة و الحركة تفعل ذلك بعد كل عفو مهما كان شكليا على ما أذكر وتحدث في الحوار كله على هذا النحو السلبي. كنت أرجو أن يقول الشيخ راشد ما خلاصته إنه يرى في هذا الإفراج خطوة طيبة في الإتجاه الصحيح، وأنه يرحب بها، وأنه مستعد للتباحث مع الحكومة التونسية مباشرة في كل ما من شأنه تسوية هذا الملف وتعزيز الوفاق الوطني. جملة واحدة هل تظن أن مسألة مصيرية كالمصالحة يتم بكلمة أو جملة و يجمد كلية إذا غابت تلك الجملة؟ تفتح الباب لمشاورات مباشرة، من دون وسيط، بين السلطة وحركة النهضة. لكن اللهجة كانت لهجة معارض غاضب يريد اغتنام الدقائق القليلة المتاحة في حصاد اليوم لتسجيل نقاط ضد السلطة. وتلك أيضا كانت اللهجة التي سادت في برنامج “الإتجاه المعاكس” بيني وبين الشيخ راشد يوم 26 أكتوبر 1999. الوعد الذي وعدكه بن علي كان بعد الإتجاه المعاكس( 29 أكتوبر) يعني أن لهجة المعارض الغاضب لم تثن بن علي عن إنجاز وعده فلماذا نكص بعد حصاد اليوم ؟ كنت أدعو الله أن يلهمه قول ما يزيل الحواجز بينه وبين الرئيس بن علي، وما يزيل الحواجز بين حركته والسلطة. كنت آمل أن يقول: ما دام هناك حديث عن العفو والمصالحة،هل كان هنالك حديث عن العفو والمصالحة؟ مع من؟ لماذا لم يتصل بقيادة الحركة المعنية مباشرة بالموضوع وهم قيادة معتدلة؟ فأنا أرحب بهذا التوجه، وأدعمه، وأعرب عن استعدادي لبحث تفاصيله مع السلطات التونسية مباشرة. ربما كان الإعلامي المتألق الدكتور فيصل القاسم سيخسر حدة المواجهة التي تميز برنامجه الأسبوعي المشهور. لكن تونس كانت ستكسب كثيرا من مثل هذا التوجه الوفاقي. للأسف، حصل العكس، وضاعت الفرصة”.السؤال الأخير هل ضاعت الفرصة يوم 29 أكتوبر ( الإتجاه المعاكس) أم يوم 7 نوفمبر ( حصاد اليوم) ام يوم 15 نوفمبر (تاريخ القسم)؟
ختاما أقول لو كانت هناك نية حقيقية للمصالحة لاتصلت السلطة بقيادة الحركة بالسجن أو القيادة المجمدة خارج السجن أو قيادة المهجر و تونس لها سفراء في كل أرض فيها نهضوي لاجئ و عناوين القيادة معلومة للقاصي والداني. فأقول خلاصة: إما أن السلطة لم تكن جادة في الموضوع فلم تبعث أحدا رسميا للحركة. أو أنها عولت عليك اخي الهاشمي و لكنك قصرت في مهمتك و لم تكن أهلا لضخامة الأمانة. و أنا كمتضرر بقيت بالسجن 5 سنوات بعد 99 سأحاسبك أنت عن التقصير. أو السلطة لعدم جديتها في الامر. أو الحركة إن ثبت أنها تلقت مبادرة السلطة و رفضت فإن ثبت بالأدلة أن الحركة رفضت أن يطلق سراح المساجين و تكف التتبعات الأمنية و تعطى حرية العمل السياسي في حزب أو جمعية و أن تمنح جريدة تطرح فيها تصوراتها و أفكارها ( وهي وضعية احسن من وضعيتنا سنة 88 – 89 فإني سأكون أول من يطالب بمحاكمة المسؤول عن الرفض داخل الحركة حتى و إن كان القرارأتخذ بالتصويت. فالمسألة بالشكل المطروح لا تحتاج لتصويت بل الموافقة الفورية. دون تردد أو ترمرم. فماذا نطلب بعد الحزب و الحرية و الجريدة؟
أرجو أن يتسع صدرك أخي الهاشمي للرد المفصل حتى نطوي صفحة الماضي و نتجه للمستقبل و أعتذر عن الإطالة على القراء الكرام و لله الحمد أولا و آخرا.
أبو أنيس
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أبا أنيس: قدم العدل على العاطفة
أخي أبو أنيس:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت مقالتك التي نشرتها هذا الصباح باهتمام. وألفت نظرك، أخي الكريم، إلى أن موضوع العلاقة بين الإسلاميين والسلطة في تونس موضوع شائك ومعقد، يحتاج كل من يتعامل معه إلى أكبر قدر ممكن من العدل والموضوعية والإنصاف. وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياك وجميع من يقرأ هذه المقالة أن يعيننا على تقديم العقل والعدل والحكمة على حساب العواطف والإعتبارات الشخصية.
يا أبا أنيس: هناك أسلوبان في الحوار حول المصالحة كما تلمس وتقرأ من المقالات المنشورة يوميا حول هذا الموضوع. هناك من يهاجم دعاة المصالحة خبط عشواء، بعصبية وتطرف وسوء أدب. وهناك آخرون يتحدثون بأدب جم رفيع وصراحة كاملة في آن واحد. وقد ضرب الأخوان عبد الرحمن الحامدي ومحمد بن جماعة المثال الرائع لهذا المنهج.
وأريد لنفسي ولك، ولكل من نحب، أن نكون من أهل الأدب الرفيع والخلق الكريم، وأن نحسن الظن ببعضنا البعض، ونترفع عن الشتائم المقذعة التي لا تليق بمسلم أو بغير مسلم.
يا أبا أنيس: ليس بيني وبينك ثأر. لم أشارك في اتخاذ قرارات كان مآلها ما تعرضت إليه من سجن طويل. لم أتحدث عنك يوما بسوء. كل ما فعلته أنني حاولت التدخل لرفع معاناتك ومعاناة آلاف السجناء الإسلاميين وعائلاتهم منذ فترة طويلة. إذا أنصفتني، وهذا ما آمله، فسترى أن هذا ليس “ذنبا” بحقك أو بحق التيار الإسلامي أو تونس الجميلة.
افتح قلبك وعقلك لي من أجل أن تتفهم حجتي. إذا تعاملت معي بناء على موقف مسبق من الكراهية وسوء الظن فسوف تظلمني وتظلم نفسك من دون سبب مقنع. تذكر قول الحق تبارك وتعالى: “ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
يا أبا أنيس: كيف تريدني أن أجيبك عن سؤالك بخصوص أسباب استقبال الرئيس زين العابدين بن علي لي وتجاوبه مع جهودي للمصالحة بينه وبين التيار الإسلامي، بينما فشل آخرون تقول إنهم أهم وأكبر شأنا مني؟
إذا قلت لك إن السبب يعود إلى تجاوب الرئيس بن علي مع الكلمة الطيبة وخلقه الكريم، ردّ علي أخ كريم من أبناء سيدي بوزيد بأن هذا عمل المداحين الذين يجب أن يحث الناس في وجوههم التراب، مع أنه، رضي الله عنه وعني وعنك، يتجاهل أنني قلت له ولكل من يلمح لمثل قوله، في مقالة منشورة قبل أيام: أتحدى أي شخص أن ينقل عني نصا مكتوبا فيه معلومة زائفة عن إنجازات الرئيس بن علي وحكومته. قلت: انقلوا من نصوصي فإن وجدتم معلومة غير صحيحة سحبتها واعتذرت عنها على رؤوس الأشهاد. فلم يفعل هو ولا غيره. لأنني والحمد لله لم أقل إلا الصدق.
وإن قلت لك إن هذا من فضل الله عليّ، وصدق نيتي، ودعاء أمي العزيزة لي، قلت هذا رجل يمدح نفسه.
وإن قلت لك إنني تحدثت مع الرئيس بن علي بالهاتف قبل ذلك بكثير، في 21 جوان 1988، وهو اتصال هاتفي نشرت أخباره في الصفحة الأولى من جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية وجريدة “الصباح” التونسية، وأنني قابلته بعد ذلك بعقد من الزمان ثلاث مرات، وتحدثت معه هاتفيا أكثر من مرة، ونشرت ذلك في صحيفة المستقلة، وصرحت به لوسائل الإعلام المشهورة، ربما زادت تساؤلاتك وملت لعدم التصديق.
قل يا أخي في الله والوطن: كيف أجيب عليك بما يقنعك؟ هل ينفع أن أقول لك أيضا إنني أعرف الكثير من القادة العرب الآخرين؟ هل يجدي أن اقول لك أنني أعرف أيضا الكثير من القادة غير العرب بطبيعة عملي واهتماماتي؟ وأن كثيرا من المشاهدين والقراء العرب، والمشائخ والكتاب وأهل العلم في العالم العربي، يقولون أنني أدير أفضل قناة فضائية في العالم العربي، وأنني خدمت أمتي في مجالات إعلامية محددة، بما لم يفعله أحد من مئات السنين؟
إذا قلت ذلك، وبنيت عليه أن الرئيس بن علي قد يرى حكمة ومصلحة في تقدير إعلامي ناجح من مواطنيه وفتح باب للتواصل البنّاء معه، وأن قادة عربا آخرين يرون نفس الرأي، فقد تتهمني بالمباهاة، وقد تتخذ من ذلك حجة إضافية لمهاجمتي.
والأمر أهون من ذلك كله يا أخي أبا أنيس. الرئيس زين العابدين بن علي عبد من عباد الله. خلق الله فيه قابلية التجاوب مع الكلمة الطيبة، فهي جسر بينه وبين أعدائه، مصداقا لقوله تعالى: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة: ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”.
هذا قول الله تعالى. فإن قال الشيخ راشد الغنوشي حفظه الله تعالى، أو الأخ العزيز محمد النوري حفظه الله ورعاه، أو أي تونسي آخر يدعي الخبرة في السياسة والإستراتيجيا وموازين القوى، أن الدفع بالتي هي أحسن مع لا يجدي مع الرئيس بن علي، وأن شعار الكلمة الطيبة سذاجة وغفلة أو مدح مذموم، فردّ عليه قوله دون تردد. الله تعالى أصدق وأقوم قيلا يا أبا أنيس، وهو الخبير بخلقه، والقرآن الكريم كلمة الحق من عند الحق تبارك تعالى، لذلك لا يجوز لك أن تشك لحظة واحدة في جدوى الكلمة الطيبة مع ألد خصومك.
دعني أروي لك قصة مثيرة. بعد أن تشرفت بمقابلة الرئيس بن علي في 12 سبتمبر 1998، عدت إلى لندن، ونشرت مقالة موجزة في الصفحة الأخيرة من جريدة المستقلة عنوانها “شكرا سيادة الرئيس”، أثنيت فيها على حسن استقباله لي، وعلى أنه سمح لي بمفاتحته في أمر الإسلاميين والسيد محمد مزالي والدكتور محمد مواعدة والأستاذ خميس قسيلة وعن حرية الإعلام وأوضاع التدين بشكل عام.
صدرت المقالة، وبعد يوم من صدورها، تلقيت مكالمة هاتفية من مسؤول رفيع في الدولة، أبلغني فيها تحيات الرئيس زين العابدين بن علي وتقديره لمقالتي. فرددت التحية بمثلها وطلبت منه إيصال سلامي للرئيس وأنني أرى أنه لا شكر على واجب.
بعد ساعة أو أقل من ساعة، تلقيت مكالمة من الرئيس زين العابدين بن علي شخصيا، قال لي فيها أنه كلف من يبلغني تحياته وثناءه على مقالتي، ثم رأى بعد ذلك أن يبلغني هذه الرسالة بنفسه. وقال لي الرئيس إنه لا يستحق ما كتبته عنه من ثناء وتقدير، فأثنيت عليه مجددا، وقلت إن اتصاله بي زاد مكانته في نفسي أضعافا مضاعفة. واغتنمت الفرصة واستأذنت منه أن أنشر خبرا عن الإتصال الهاتفي، وعن نيته فتح باب العفو في ملف الإسلاميين، فأذن لي، وبالفعل نشرت الخبر في صحيفة المستقلة وفي العديد من وسائل الإعلام.
هذه أخلاق الرئيس زين العابدين بن علي. ولذلك قلت للإسلاميين أكثر من مرة: مدوا له يد الأخوة والمحبة والصداقة، وسترون النتائج المذهلة السريعة لمنهج الكلمة الطيبة. لكنهم لا يقبلون.
أخي أبو أنيس: قارن هذا السلوك بسلوك كثير ممن يصنفون في خانة الإسلاميين خلال الشهر الماضي، من القادة والقواعد. أدعو للواحد منهم بالحفظ والرعاية، فيرد بوابل من الشتائم المقذعة. أقول لواحد منهم شتمني: حياه الله وبورك فيه ووفقه لكل خير، فيكتب مقالة جديدة يكيل لي فيها المزيد من الشتائم. أخاطبهم: إخواني في الله والوطن، فلا يعرفون مقاما لأخوة في الله أو في الوطن.
أخي أبو أنيس: أخشى أن أكون قد أطلت عليك. سأكتب لك مجددا خلال يوم أو أو يومين إن شاء الله، عن تفاصيل عرض التسوية الذي أبلغته لقيادة النهضة عام 1999، عن طريق الهاتف، وعن طريق الأخوين مختار بدري وجمال الطاهر، وعن طريق برنامج “حصاد اليوم” يوم 5 نوفمبر 1999.
رعاك الله أخي الكريم وبارك فيك وجعلني وإياك من أهل السعادة في الدنيا والآخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. محمد الهاشمي الحامدي
نعم للصلح (المصالحة) الذي أشار إليه خالد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قرأت أخي الكريم ما حبّرت يمينك ورأيتُه مطابقا أو يكاد لما دعا إليه الأخ عبداللطيف المكّي من قبل. فالصلح خير أخي الفاضل والكلّ يسعى إليه رغم مسحة الشدّة التي قد تصبغ كتابات هنا أوهنالك، وهي شدّة دعا إليها تساقط بعض النّاس وتسليم أنفسهم ذليلة في سبيل دنيا ذليلة إلى أعوان دنياويين أذلّة.
أنا معك أخي في صلح (مصالحة) يوقف ظلم الظالم ويُنصف المظلوم ويُؤمّن الجميع في البلاد. ولئن كنّا كثيري التردّد على صلح الحديبية في استشهاداتنا، فإنّني سأظلّ كثير التأكيد على أنْ لا وجه للمُقارنة بين العناصر التي كانت قد حضرت ذلك الصلح المرجع، وبين عناصر البلاد التونسية اليوم. فلئن برز في الصفّ الإسلامي من قلّد تلكم المواقف النّاضجة لدى المسلمين الأوائل كما فعل خالد الطراولة وعبدالمجيد النجّار وعبداللطيف المكّي وغيرهم من الأفذاذ. فإنّنا لم نلحظ إلى حدّ الآن – للأسف – في الجانب المقابل، مَن رغب في تقليد سُهيل بن عمرو ولا عروة بن مسعود ولا بديل بن ورقاء الخزاعي، في حين أنّنا رأينا كثرا ممّن يقوم بدور مكرز بن حفص، ذلك الذي قال عنه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمّا رآه: ” هذا رجل غادر“… نعم أخي الكريم لنتّخذ صلح الحديبية مرجعا، فقد كان فتحا مبينا كما سمّاه القرآن الكريم وما كان دنيّة في الدّين كما فهم عمر الفاروق وغيره من الأجلاّء. وتجدر بنا الإشارة هنا إلى أنّ هذا الصلح قد قام على أرضية صلّبها سيّد الخلق، المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم بقوله مرّات عدّة: “إنّا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم، ويخلّوا بيني وبين النّاس، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلاّ فقد جموا، وإن أبوا إلاّ القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلّنّهم على أمري حتّى تنفرد سالفتي، أو لينفّذنّ الله أمره“.
نحن اليوم لا ندعو إلى قتال كما قد يفهم بعض قاصري النظر، ولكنّنا بحاجة ماسّة إلى الثبات على المبدأ الذي أراده لنا إسلامنا وعلّمناه رسولنا الكريم، ذلك أنّ الثّبات على المبدإ هو الذي أسّس للصلح وليس العكس. فلو كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم متساهلا منذ البداية ما بلغ الأمر إرسال سهيل الحكيم لإبرام الصلح…
فلنتدبّر الأمر جيّدا: نحن لا نريد عراكا ولا خصاما ولا مناطحة ولا سجنا ولا نفيا، ولا نحمل حقدا أو بغضا أو كرها لأحد… نحن نريد أن نعيش أحرارا في وطننا وبين أهلنا. وأهلنا هم الذين قالوا ربّنا الله وهم الذين اتّبعوا رسوله الكريم فأخذوا من أخلاقه جميعها دون انتقاء بعضها والانصراف عن بعضها الآخر… نحن مع هذا الصلح الذي يحفظ القيمة …
على هذا أخي فإنّي أعلن موافقتي على ما جاء في بنود مشروع المصالحة الذي طرحته، وذلك مع بعض التعديلات الخفيفة، وأعتبر نفسي بهذا ممّن أمضى عليه، وأسأل الله لك ولتونس ولكلّ مخلص صادق التوفيق والثبات(*):
* المصالحة الحقوقية:
تلتزم السلطة بالعفو التشريعي العام على كل المساجين السياسيين، والسماح للمغتربين بالعودة وإعادة الحقوق إلى أهلها. (بدون تغيير)
يلتزم الطرف المقابل أفرادا ومجموعة بالعفو عما سلف، وطي صفحة الماضي، وعدم الدخول في مطالب ومحاسبات (آنية) لأطراف أو أفراد أو نظام. (وقد تُجبّ كلُّ تلكم المطالب إذا أبدت السلطة ندما واستقامة على ما يجلب المصلحة للعباد والبلاد )
* المصالحة السياسية:
تلتزم السلطة بتحرير العمل السياسي للمشروع الإسلامي وإعطائه الإذن القانوني بالعمل العلني. (كما تلتزم بعدم ربط ظاهرة التديّن العام السارية في المجتمع بأيّ حركة أو حزب سياسي. كما تلتزم بشطب كلّ المناشير المحاربة لمظاهر التديّن العام وعلى رأسها المنشور 108 المانع للحجاب. كما تلتزم بعدم احتكارها لمعاني الوطنيّة أو استعمالها لتأليب التونسيين بعضهم على بعض)
يلتزم الطرف المقابل بجملة من البنود:
· لا تسييس للمساجد وتركها بيتا كريما بعيدا عن تدافع السياسة والسياسيين (سواء كان هؤلاء السياسيون معارضة أوسلطة).
· يدخل ممثلو المشروع الإسلامي الانتخابات التشريعية والبلدية، ويلتزمون بأن لا يتجاوز عدد نوابهم في المجلس، وممثليهم في الهيئات البلدية، الثلث من الأعضاء (ويُعمل بذلك خلال فترة زمنية يرتضيها الطرفان بالحوار المباشر، ثمّ يترك الأمر للخيار الشعبي إذ لا خير في ديمقراطيّة عرجاء).
· لا يدخل التيار الإسلامي الإصلاحي (تحذف هذه الكلمة ونكتفي بالتيار الإسلامي، إذ لعلّ السادة الساسة لا يجدون من هو إصلاحي في الإسلاميين جميعا) الانتخابات الرئاسية، لكنه يُمكن أن يساعد أو يدعم أطرافا مترشحة أخرى (وذلك خلال فترة زمنية يرتضيها الطرفان بالحوار المباشر، ثمّ يُترك الخيار للشعب).
· الاحترام الكامل لقانون اللعبة الديمقراطية ومؤسساتها وما تفررزه الانتخابات الشفافة من تغييرات.
· الانطلاق من المرجعية الإسلامية لا يعطي التيار الإسلامي (ولا السلطة) أي حق وأي احتكار بالحديث عن الإسلام، الذي يبقى الجامع لكل التونسيين. فالطرح الإسلامي هي رؤية اجتهادية ككل الرؤى لا عصمة فيها لفرد ولا قدسية لفكر، تميزها مرجعيتها الإسلامية وقراءتها لتاريخها ولحاضرها (ليس أكثر).
· يمكن للتيار الإسلامي أن يكون متعدد الألوان والأطر، ولا احتكار لهذه الصفة لأحد.
· الالتزام بالابتعاد عن منطق التكفير، واعتبار الاختلاف بين الفرق والأحزاب على قاعدة الخطأ والصواب، و لا يملك أحد هذا الحق الإلهي في القضاء في مصير الناس والحكم على معتقداتهم وتصوراتهم ونواياهم
أخوك عبدالحميد العدّاسي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(*): الإضافات أو التعديلات توجد بين قوسين وباللون الأزرق.
المصالحة الوطنية ليست مشروعا سفسطائيا !
الى الاخوة التونسسين: تعالوا الى كلمة سواء …
إلى إخوتي في الله إلى قيادة حركة النهضة إلى الشباب الإسلامي التونسي إلى أبناء الوطن الحبيب السلام عليكم ورحمة الله
حركة النهضة التونسية 26 سنة من الظهور السياسي: الزرع والحصاد
حاوره الطاهر العبيدي
تتوالى المناسبات والأعياد الوطنية، وتتعاقب السنوات وتتوارى الأعوام، والبعض هناك في السجون، محروما من اللقاء بالعائلة واستنشاق الحرية، والتخلص من صرير الأبواب الموصدة والقلاع المسيجة، والبعض الآخر في المنافي يحملون في صدورهم جروح فقدان الأحبّة، والحرمان من العودة والتيمم بتراب الوطن، ليبقى الأفق السياسي التونسي ضبابيا تجاه ملف المساجين السياسيين، رماديا تجاه واقع الحريات، ممّا جعل البلد مشارا له بالأصابع.. لمحاولة الإيضاح والاستيضاح، طرحنا جملة من العناوين على الأستاذ محمد النوري، أحد قيادات النهضة في المهجر، والباحث الاقتصادي والخبير السابق بالجامعة العربية، لاستبيان رأيه حول: مسيرة حركة النهضة (النتائج / والإخفاقات)، الاقتصاد التونسي ( معجزة / أم ادعاء)، المصالحة ( خيار / أم سراب)، حركة 18 أكتوبر / ( رهان أم اضطرار)، وغيرها من النقاط الساخنة في هذا الحوار.
باعتبارك باحث اقتصادي و مناضل إسلامي في نفس الوقت، كيف تنظر إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد، وما مدى صحّة مقولة معجزة الاقتصاد التونسي، الذي يسوّق له كنموذج ويتباهى به أمام دول الجوار، في مناخ العولمة وفي ظل الشراكة الأورومتوسطية؟
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله/ أشكركم على إتاحة هذه الفرصة للتحاور في قضايانا وهموم بلدنا،
بالنسبة للوضع الاقتصادي والاجتماعي بتونس، يبدو من الضروري جدا تحييد هذا الأمر عن كل موقف أو توظيف سياسي لأي طرف كان، والابتعاد قدر الممكن عن منطق التهوين والتهويل معا، لأن في كلا الموقفين إضرارا بالحقيقة، وقفزا على الواقع ومسّا بمصلحة البلاد، فضلا على أنه لا يخدم أيّ هدف وطني نبيل على الإطلاق.
تونس حققت طيلة الخمسين سنة الماضية تقدّما اقتصاديا ملحوظا لا يمكن إغفاله أو تجاهله. حصل ذلك في مجالات عدّة مثل البنية التحتية والإدارة والخدمات والإنتاج والدخل الفردي والتعليم والصحة والتنمية البشرية بشكل عام حيث تحتل تونس المرتبة 87 من ضمن 177 دولة مصنفة وهي بالمناسبة مرتبة متوسطة ومتواضعة، ليست بالقياسية حتى يروّج البعض للمعجزة الاقتصادية ولا بالسلبية جدا حتى يحذر البعض الآخر من الكارثة!
مشكلة السياسة والسياسيين في تونس هي هنا! عندما نخوض في قضايانا وهمومنا غير السياسية، الاقتصاد مثلا، غالبا ما نتناوله بخلفية سياسية بعيدة عن الموضوعية والدقة، فيخيّل لغير المطلع على حقيقة الشأن التونسي وتعقيداته، عندما يستمع للخطاب الرسمي وبعض المروّجين له، أنه إزاء حالة استثنائية تقترب من المعجزة أو هي المعجزة ذاتها، فتتحول تونس بجرّة قلم عبر هذا الخطاب الدعائي إلى جنة اقتصادية أوٌ سويسرا إفريقية، ضاربا بعرض الحائط كل المعضلات الهيكلية المزمنة التي تنخر جسم الاقتصاد منذ عشرات السنين، والتي تقذف بمئات الشبان المتعطشين للشغل من حين لآخر في أعماق المحيطات .
وكذلك الشأن في المقابل عندما يستمع الإنسان إلى خطاب بعض المعارضين، تنقلب الصورة بفعل التوظيف السياسي في لحظة واحدة إلى بلد منهوب في الربع الساعة الأخير من الزمن، تسيطر عليه عصابات المافيا ويوشك على الانفجار بين حين وآخر!
هاتان الصورتان المشرقة من جهة والمدلهمة من جهة أخرى، لا تعبران عن الحقيقة ولا تساعدان على النظر بموضوعية إلى واقع الأمور!
الحقيقة إذا هي بين هذا وذاك. ليس الوضع كارثيا ولا قياسيا. هنالك إنجازات على الأرض ومكاسب هامة تمت بفضل جهود التونسيين جميعا، حكّاما ومحكومين شبابا وعمالا وكفاءات علمية ومهنية مختلفة، وهي ثمرة لتوجّه إيجابي في مجال التعليم خصوصا منذ الاستقلال. ولكن في نفس الوقت وكسائر البلدان السائرة في طريق النمو،هنالك تعثر في التنمية وصعوبة في تحقيق الإقلاع الاقتصادي الفعلي وهناك مصاعب حقيقية وتحديات جوهرية تواجهها تونس اليوم وغدا وهي تتفاقم باطراد في ظل العولمة غير العادلة والمنافسة الدولية غير المتكافئة وحصائل الشراكة التي بدأت ثمارها المرّة في الظهور. هذه حقائق لا يمكن إغفالها أو تجاهلها لأن في ذلك ضرب للمصلحة الوطنية الكبرى.
هذه التحديات هي التي يجب تصويب النظر إليها وتكثيف الجهود في اتجاهها إذا خلصت النوايا وتطهرت النفوس وتوفرت الشروط الضرورية للتعبئة العامة من اجل تونس ليس إلا!
أما المصاعب فيكفي التأمل في تقارير وتوصيات المؤسسات الدولية الداعمة للحكومة والناصحة لها بمزيد الجهود للتغلب على هشاشة النمو وتقلباته وضعف كفاءته إزاء المعضلات المتفاقمة مثل البطالة والمديونية والفجوة المالية والانكشاف الغذائي وتراجع الاستثمار وهجرة الأدمغة والكفاءات وظواهر الفساد وغياب الشفافية واستفحال الحيف الاجتماعي. ودعك من شهادات التقدير والاستحسان فهي غالبا ما تكون للاستهلاك والحث على المواظبة في تنفيذ الشروط والإصلاحات! بينما حقيقة الموقف تجدها في التقارير الرسمية المحدودة التداول عموما! ويمكن الرجوع على سبيل المثال إلى تقارير البنك الدولي رقم 25456 و29847 لعام 2004 الذي يعبر فيه بوضوح تام عن عدم تفاؤله في قدرة الاقتصاد التونسي على التغلب على الصعوبات المتزايدة.
وأما التحديات فهي تكمن في استكشاف السبل والآليات لمواجهة هذه المعضلات والمخاطر في ظل العولمة الليبرالية المتوحشة والتكتلات الدولية المتنامية مقابل حالة التفكك المغاربي والعربي والإسلامي المخيف.
تخطئ الحكومة إذا أصرت على مواجهة هذه التحديات بمفردها في ظل الانغلاق والتشدد والانفراد بالقرار وإقصاء الطاقات والكفاءات والقوى الوطنية بكل أطيافها وانتماءاتها السياسية والفكرية. كما تخطئ المعارضة عندما تغلب الموقف السياسي والحزبي وتنفق جهودها في المناكفة والمغالبة السياسية وتسلك نهج القطيعة بدل التواصل والحوار حتى عندما يصر الطرف المقابل على هذه القطيعة.
لا مناص من الحوار السياسي طال الزمن أم قصر من أجل وفاق وطني حول هذه التحديات المصيرية التي تتهدد الجميع دولة ومجتمع،سلطة ومعارضة،أفرادا ومجموعات دون استثناء! إننا جميعا بحال قوم السفينة التي تتدافعهم الأمواج الدولية العاتية ! فإذا استمر القوم في الصراع على القيادة وحول الربان وانشغلوا بذلك ، متغافلين عن أخطار الطريق وتحديات المحيط فان مصيرها إلى الهلاك لا محالة.
المطلوب حوار وطني مفتوح حول الشأن الاقتصادي يشارك فيه الجميع من أجل مصلحة الجميع.
إن المشكل الاقتصادي مهما كان حجمه يمكن إن تحله الشعوب إذا عقدت العزم على ذلك. ولكن أية قوة تدفع المواطن للتضحية في سبيل وطنه ومجتمعه؟ وهل كل فرد في المجتمع يشعر بالانتماء الفعلي لوطنه وأمته؟
هذا هو السؤال الحقيقي الذي يتطلب من الجميع الإجابة وخاصة من بيده مقاليد الأمور!
ما من شك أن كل الأطراف والعائلات السياسية تمتلك رؤية لمعالجة هذه المعضلات ومواجهة هذه المصاعب بما في ذلك التيار الإسلامي الذي يتميز بشحنة إضافية من الدوافع والقيم التي نحن اليوم في أمس الحاجة إليها لتحريك عملية التنمية المتعثرة وترشيد السلوك الاقتصادي المتفلت للفرد والمجتمع.
وهو بالتالي على أتم الاستعداد للإدلاء بما لديه من أفكار ومقترحات عملية لمواجهة المشكلات الاقتصادية وفي مقدمتها البطالة والمديونية والفجوة الغذائية والمالية وتراجع الاستثمار واستفحال الحيف الاجتماعي. وهذه المشكلات بالمناسبة ليست طلسما أو قدرا محتوما لا يمكن التخلص منه، فيكفي النظر إلى العديد من البلدان الأوروبية والأسيوية التي استطاعت الوصول على سبيل المثال إلى تذليل شبه كامل للبطالة وتحقيق التشغيل الكامل !
لنتصور فرضا لو خصصت الأحزاب السياسية القانونية وغير القانونية والمنظمات والجماعات الوطنية لفترة محددة من الزمن حيزا من اهتمامها في إيجاد خلايا تفكير وورشات عمل حول هذه التحديات والمصاعب التي تستقبلها البلاد بدلا من إهدار الوقت والجهد في التنازع والاشتباك السياسي الذي لا يتعلق بالتحديات الحقيقية للبلاد مع تأكيد حق الجميع في المطالبة الجادة والمسئولة بالإصلاحات السياسية ؟ أليس ذلك أجدى وأنفع للجميع؟
6 جوان 1981 تاريخ الإعلان عن الاتجاه الإسلامي سابقا حركة النهضة حاليا مسافة زمنية فاصلة تقدر ب26 سنة بين بداية الانطلاق السياسي وبين تاريخ جوان 2007 فما هي النتائج والحصيلة وما مدى انعكاسات المطارحات والآراء المعاكسة لنهج الحركة على التوجهات العامة وأين تعتبر الحركة نجحت، وفي أي المواضع أخفقت؟
انتميت لهذه الحركة وأنا ابن العشرينات كالعديدين من شباب تونس الذين كانوا يتطلعون لخدمة دينهم ووطنهم وهويتهم التي تداعت عليها في تلك المرحلة مذاهب فكرية وعقائد إيديولوجية وموجات من الميوعة والانحلال الخلقي، لم تعرفها البلاد في تاريخها الطويل إلا في ظل دولة الاستقلال الحديثة، فتحولت المدارس والجامعات إلى ساحات تدافع فكري وعقائدي وسياسي نظرا لغياب هوية واضحة لسياسات التربية والتعليم وحالة الانفتاح الشامل على الخارج التي طبعت تلك المرحلة والمراحل التي لحقتها. ورب ضارة نافعة كما يقال! فقد أدى ذاك التدافع إلى إفراز حركة الاتجاه الإسلامي كحركة مقاومة فكرية وثقافية بالأساس للمساهمة في الدفاع عن هوية تونس وقيمها وثوابتها .
ومرت الحركة بمراحل عدة و التحقت بها أجيال متلاحقة وتعرضت للمضايقة والمطاردة حينا ثم إلى المحاصرة والتنكيل حينا آخر. وحققت طيلة هذه المسيرة التي تصادف اليوم الذكرى السادسة والعشرين نجاحات هامة وأنجزت مكاسب قياسية مقارنة بغيرها من الحركات والجماعات الفكرية والسياسية.
لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن! فقد وجدت الحركة نفسها بحكم الامتداد الشعبي والنمو المتسارع والبروز السياسي المتزايد على الساحة، وجها لوجه مع الدولة التي كانت ولا تزال تهيمن على كل شيء في المجتمع. واستدرجت لمواجهة غير متكافئة وحصل ما حصل خلال مرحلة التسعينات من مظلمة ومأساة لم يشهد لها تاريخ البلاد مثيلا على الإطلاق!
واليوم، وبعد هذه التجربة الطويلة والمليئة بالأحداث والمعاناة، لا بد من استخلاص الدروس والعظات والوقوف عند مواطن النجاح والإخفاق دون تردد أو مداراة.
خلال هذه المحنة الأخيرة نجحت الحركة في تفادي الكارثة وتجاوز المحنة وان كانت التكاليف باهظة. ونجحت أيضا في الحفاظ على وحدتها وخطها الفكري وصورتها السلمية المدنية وحضورها السياسي والمعنوي لدى شريحة هامة من أبنائها والمتعاطفين معها. ونجحت في تجنيب البلاد مهالك العنف والعنف المضاد على عكس ما حصل في الدول المجاورة .هذا كله يحسب للحركة . ولكن ما يحسب عليها ليس بالهيّن أيضا. فقد دخلت في اشتباك خاطئ وغير محسوب والدخول في معركة غير متكافئة ومحسومة النتائج سلفا. ولا يعفيها قبولها للاستدراج من المسؤولية ولا شراسة الهجمة الاستئصالية التي تعرضت إليها.
كان من الأجدى والأصوب على القيادة الإنصات لأصوات التهدئة والتعقل والصبر التي أطلقت في الإبان من قبل العديدين في صفوفها. أخطأت أيضا في تقدير حجم الخسائر التي كانت مقدمة عليها منذ البداية وحجم المعاناة التي تلظى بها أبناؤها وأنصارها وكل المتعاطفين معها. أخطأت أيضا في كيفية التعامل مع الغاضبين والمنسحبين من صفوفها ولم تفلح في الحفاظ على علاقة إيجابية معهم. أخطأت أخيرا في ضعف تفاعلها مع التحولات التي طرأت في الواقع ومراهنتها على التغيير العاجل وعجزها على اختراق جدار التكلس والانغلاق بكل الوسائل والأشكال.
وتخطئ كثيرا في المرحلة القادمة إذا أصرت على نفس السلوك ولم تنصت لتعبيرات القلق والاحتجاج ودعوات الإصلاح والتجديد من داخل الحركة وخارجها.
إن أمامها تحديات وأولويات ثلاث أساسية: التكيف السياسي مع الواقع بعقلانية وانفتاح ، التشبث بالمبادئ ومقاومة كل ملاحقة فكرية من أي طرف كان تمس بالثوابت والهوية ، التجدد والتشبيب والتداول على المسؤولية منعا لاستنساخ الواقع الذي تسعى لإصلاحه وتغييره. فلا يمكن أن نطالب بالإصلاح من الآخر ونستنكف عن استحقاقاته في الداخل !
أنت أحد المناصرين لخط المصالحة والحوار مع النظام التونسي، إن لم نقل أحد دعاته الأوائل، ورأيناك سنة 1998 نشرت مقالا بجريدة الحياة يدعم هذا التوجه وقد عارضك البعض من داخل الحركة، فهل المصالحة لديك قناعة أم تعبيرا على تيار داخل التيار، وما هو تصوركم لمفهوم المصالحة ؟
المصالحة،في تقديري، هي خط وخيار استراتيجي لحركة النهضة منذ تأسيسها ليومنا هذا وهو ما أقرته آلية الشورى في مؤسساتها طيلة مسيرتها الطويلة.وما حدث لها خلال التسعينات من مواجهة واشتباك خاطئ ، إنما هو استثناء وليس أصلا في خطها الفكري والسياسي برغم الإخلال والانحرافات التي طرأت على هذا الخط . ومن يشكك في هذا التقدير ما عليه سوى الرجوع إلى مقررات الحركة ونصوصها وأدبياتها للوقوف على هذا الثابت من ثوابتها.
نعم لقد أخطأت الحركة مثلما أخطأ غيرها سواء كان في السلطة أو في المعارضة.و قد اعترفت بذلك وأعلنته وان كان بشكل محتشم وغير كاف ومن حق الآخرين أن يطلبوا منها مراجعة من حجم أكبر نظرا لخطئها في التقدير وقبولها للاستدراج لما خطط له الآخرون ولا حرج في ذلك فالواجب الوطني يدعو الجميع إلى مراجعات عميقة في كثير من الأمور و الحركة الإسلامية مدعوة مثل غيرها وحتى قبل غيرها لهذا الطلب المشروع لاعتبارات متعددة منها ارتباطها بما حصل ومسؤوليتها الشرعية والتاريخية التي تدعوها إلى المراجعة ومحاسبة الذات والدور الذي يناط بها في المستقبل باعتبارها طرفا أساسيا في البلاد لا يمكن شطبه مهما كانت المحاولات وقد أثبتت الأيام ذلك.
والمقصود من هذا ليس الحركة ككيان تنظيمي فحسب ،فقد أصاب هذا الكيان ما أصابه،وبقيت الحركة كمشروع و فكرة ورسالة وتيار يلتقي حوله الكثيرون برغم الاختلاف في تقدير الموقف و اختيار النهج الصائب للإصلاح والتدارك.
في هذا الإطار وبحكم عمق الأزمة التي شهدتها الحركة والبلاد طيلة هذه المحنة القاسية لا ضير أن تتباين الآراء وتختلف الأطروحات إزاء صوابية المنهج وسلامة الخيار. ولذلك ليس الخلاف السائد في أوساط الحركة اليوم في جوهره وأقول في جوهره، حول أصل الخيار أي المصالحة والوفاق والحوار مع الآخر في السلطة والمعارضة وإنما في تنزيل هذا الخيار اليوم على ارض الواقع باعتبار رفض الطرف المقابل المرجو التصالح معه لهذا المطلب وإصراره على ممارسة سياسة الإباء المتواصل لطي الصفحة والبحث عن سبل التفاهم عوضا عن التنافي والإقصاء.
الخلاف إذن في التنزيل. فهناك من بلغ منه اليأس من الإصلاح والمصالحة مبلغه ، فأصبح يميل إلى اعتبار هذا التمشي في هذه المرحلة ومع هذه السلطة بالذات وهْمٌٌ يجب طرده من الأذهان ، والمراهنة بدلا من ذلك على إحداث التوازن بين الدولة والمجتمع أو بين السلطة والمعارضة الجادة والساعية للتغيير، وبين من يصر على صوابية خيار المصالحة وأصالته في منهج الحركة باعتبارها حركة إصلاحية بالأساس تنشد الإصلاح والتغيير السلمي الهادئ والمتدرج ولم تكن في يوم من الأيام حركة ثورية انقلابية تنشد السلطة بكل الأثمان. ولكن خطها العام وثوابتها الفكرية تنأى بها عن ذاك.
وفي الحقيقة فان أنصار خيار الإصلاح والمصالحة داخل الحركة تحاصره الأمواج من كل جانب. من جهة هناك صعوبة كبيرة في مواصلة الإقناع بهذا النهج في ظل تصلب الطرف المقابل واستنكافه عن أي حديث جاد حول هذا المطلب .
ومن جهة ثانية أضحت أطروحة المصالحة بمثابة البضاعة الكاسدة في سوق المزادات العلنية من جراء الطرح الخاطئ لهذا المشروع الاستراتيجي الهام الذي يرتبط بمصيره مستقبل البلاد.
فبدلا من إشاعة ثقافة المصالحة والوفاق بين الجميع حتى يصير الكل مؤهلا للخوض في تفاصيل إنجاز مثل هذا المشروع، انبرى العديد من الناس للتسويق لهذه البضاعة دون حدود أو ضوابط وانتهى المشوار الحواري على مواقع الانترنيت بتسفيه الكل للكل والدعوة إلى نسف هذا الخيار من الأذهان جملة وتفصيلا! وهي نهاية وان كانت لا تلزم سوى أصحابها والمنخرطين فيها،إلا أنها عبرت عن غياب أدب الحوار و ثقافة المصالحة عند أنصارها وخصومها على حد سواء.
بين مطرقة الانسداد المطبق وتجاهل السلطة لدعو المصالحة والوفاق وبين سندان أصحاب المصالحة في سوق المزاد العلني ، لا مناص لأنصار هذا الخط الاستراتيجي داخل الحركة من التشبث بالخيار والإصرار عليه مهما كانت التكاليف و تخليصه من شوائب الترذيل والمزايدة والتوظيف.
المصالحة في فهمي إذن ليست مجرد تعبير عن مرحلة ولا هي أمنية أو عاطفة عارضة لبعض الواهمين كما يعبر عن ذلك بعض أنصار الرأي الآخر، وإنما هي مشروع طويل الأمد وخيار لا رجعة فيه ولا مفر من اللجوء إليه لصالح الجميع. إنها مشروع مجتمعي يهدف إلى إلغاء عوائق الماضي و عوامل استمراره في المستقبل وتصحيح ما ترتب عنه من ظلم ومآسي وأخطاء والقطع نهائيا مع منهج الاشتباك والتصادم والمغالبة والتأسيس لانجاز وفاق وطني شامل لإنهاء الضغائن والأحقاد وإعادة صياغة علاقات إيجابية تضامنية بين الدولة والمجتمع.
الملفت للانتباه أن دعاة المصالحة يواصلون الحديث والتحليل والنقاش والاستنتاج وإطلاق المبادرات ونشر البيانات، في حين أن السلطة التونسية متجاهلة هذه الدعوات، ألا ترى أن خيار المصالحة يظل نوعا من الوهم والسراب، طالما بقي النظام خارج هذا النقاش، ولم تصدر منه إشارات عملية في هذا الإطار؟
هذه مفارقة حقيقية تصب في خانة المناهضين لخيار المصالحة وفك الاشتباك وهي مسؤولية أنصار الطرح الخاطئ والمتهافت لهذا المشروع. فهذا الطرح التبسيطي لخيار استراتيجي دون السعي لتوفير شروطه لدى كل الأطراف ولا سيما من بيده الأمر، يقود إلى تحويل الموضوع برمته إلى نوع من الوهم والسراب الخادع لان المصالحة هي عملية تشاركية و تفاعلية وليست مجرد إملاءات على طرف واحد يحكمها قانون العرض والطلب بالمعنى الاقتصادي إن شئنا. فالتركيز على جانب الطلب وإغفال جانب العرض يؤدي إلى خلل في المعادلة وينتهي بالمشروع إلى أزمة وما مفهوم الأزمة في النهاية سوى خلل حاد بين العرض والطلب.
صحيح إن المعادلة مختلة وميزان القوى لا يسمح بالانطلاق الفوري في هذا التمشي ولكن إعادة التوازن في طرح المسالة من شانه إن يدفع الأطراف المعنية إلى إعادة النظر في مواقفها ولو بعد برهة من الزمن .فالمطلوب إذن التهيؤ والاستعداد لمثل هذا الوضع الذي ستقود إليه الأحداث شاء من شاء وكره من كره لان الغبن والمآسي والانتهاكات والمزيد من الانغلاق لا تقود إلا إلى الانفجار والهزات وكل ذلك لا يصب في مصلحة أي طرف وطني مسؤول!
ورغم هذا الوضع القاتم لا يمكن تجاهل ومضات إيجابية وبصيص من الأمل في تحول الأوضاع إلى هامش من الانفراج المحدود الذي يجب على أنصار خط التصالح والوفاق أن يسعوا إلى توسيعه قدر الإمكان والبناء عليه للتقدم تدريجيا نحو الهدف.
صحيح أن السلطة غير حريصة في هذه اللحظة على المصالحة بالمفهوم الذي تبلوره رؤية التصعيد والمغالبة في أوساط المعارضة وفي داخل الحركة أيضا ولكن كيف يرجى من الطرف الأقوى والمهيمن أن يكون حريصا على ذلك في حين أن الضحية التي تعاني المأساة ليست أحرص منه ولا يدل سلوكها في كثير من الأحيان على شيء من ذلك؟
أما القول بان السلطة لم تصدر منها إشارات عملية في هذا الاتجاه، فهو كلام غير دقيق ويحتاج إلى تصويب. إن سلوك السلطة تجاه الحركة خلال السنوات الخمس الماضية على الأقل ، شهد بعض التطور الايجابي وان كان لا يزال منقوصا ودون المأمول بكثير ولكنه يختلف كليا عن السنوات العجاف التي سبقت. المطلوب ليس إنكار هذه الحقيقة والترفيع غير المجدي في سقف المطالب ولو كانت مشروعة ، ولكن الحكمة تقتضي تسجيل الإيجابيات وتعزيزها بسلوك أرْشد في اتجاه تفكيك الأزمة وليس في اتجاه تكريسها.
وهنا قد يستهين البعض بدور الخطاب الإيجابي والمتوازن والمعتدل ووقع الكلمة الطيبة والصادقة في النفوس ، ولكنها قد تعكس استهانة اليأس من الإصلاح والسير في طريق مسدود والعجز عن الفعل الحقيقي الذي يركن إلى التشنج في الخطاب للترويح عن النفس ! إن من مضمون الكلمة الطيبة أن تكون صادقة وحريصة على التواصل وتجنب القطيعة . وتكون بعيدة كل البعد عن التزلف والتملق والإطراء! ولا أظن أن الطرف الآخر الذي ننشد التصالح معه بحاجة كبيرة إلى هذا المنطق فلديه الكثير وما يكفي! . ٌإذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم الترابٌ، كما جاء في الحديث الشريف. وكذلك، ليس المسلم بالسّباب ولا بالفاحش ولا اللعان ولا البذيء! هذا هو الخطاب المطلوب الذي ينتج المصالحة ويقود إلى التفاهم.
أما الخطاب الآخر فانه لا يساهم في الواقع إلا في إنعاش التشدد وتكريس الانغلاق ودفع الطرف الآخر إلى المزيد من الهروب إلى الأمام وتأجيل الإصلاح في حين أن الخطاب الراشد والمسئول أكثر إحراجا واشد وطئا و ادعى للمراجعة
هناك تململ لدى بعض قواعد حركة النهضة حول حالة الركود السياسي وغياب الآفاق، مما جعل البعض يجمّد عضويته والبعض الآخر يسعى إلى الخلاص الفردي، والبعض الآخر يفضل الانسحاب الصامت، وهناك تشكي من العقل التنظيمي الذي يرفض الرأي المخالف، وما مدى صحّة الرؤى التي تعتبر الحركة فشلت في التصالح مع أبنائها، فكيف تستطيع التصالح مع خصومها؟
هذا صحيح في جانب وتشوبه بعض المبالغة في جانب ثان. التململ موجود نظرا لانسداد الوضع وانغلاق السلطة على الجميع وعدم تمكن الحركة المتواصل من اختراق هذا الجدار. فبطبيعة الحال تحصل الانسحابات والبحث عن الحل الفردي ويعم التذمر وتحميل المسؤولية إلى القيادة وهذا طبيعي حصل في كل الحركات التي شهدت نفس المحن والصعوبات.
ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هو كيف يجب التعامل مع مثل هذه الأوضاع الاستثنائية ؟ هل يكون ذلك بالتجاهل والانكفاء التنظيمي وتخوين المنسحبين وإظهار الشماتة بالمخالفين والتعامي على الأسباب الجوهرية التي أدت إلى ذلك؟ وهذا هو نفس السلوك الذي تتعاطاه الأنظمة الشمولية والأحزاب السلطوية مع معارضيها؟ أم يكون بالانفتاح والتحاور والبحث عن وفاق داخلي واسع وتفهم الآخرين والتماس الأعذار لهم والتعامل معهم على قاعدة ٌ نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ٌ ؟ فإذا فشلت الحركة في التفاهم والتصالح مع الغاضبين من أبنائها والمناصرين في نهاية المطاف لمشروعها، لا يمكن البتة أن تنجح في التوافق مع خصومها أو الأطراف المختلفة معها.
ثم لماذا لا نقوم بنفس التصرف الذي يحرص على الالتئام والتحالف مع هؤلاء الإخوة الذين يحملون نفس الفكرة ونفس المشروع تماما مثلما نقوم به مع أطراف المعارضة الأخرى؟ هل هي السياسة التي تفرق بين الجماعات ؟ أم هو الكيل بمكيالين أضحى يدب في الصفوف؟ أظن انه آن الأوان للمراجعة الحقيقية على كل المستويات!
لنأخذ مثلا موضوعا من الموضوعات التي تحتل حيزا هاما من الجدل هذه الأيام وأفرزت اتجاها مصرا على المعالجة في غير الاتجاه الذي ارتأته قيادة الحركة منذ سنوات ولم تفلح في مراجعته بناء على بعض المستجدات الداخلية والخارجية وهو موضوع عودة المهجرين إلى الداخل. هنالك اتجاه واسع داخل صفوف الحركة وعلى أطرافها يدعو إلى إعادة النظر في هذا الموقف الذي تنزل في ظرف يختلف عن الظرف الراهن حيث أضحى هذا المطلب في متناول المعالجة الهادئة والمتدرجة على عكس السنوات الماضية التي كان مجرد التفكير في هذه المسألة ضربا من الخيال . للأسف لم يؤخذ الموضوع مأخذ الجد ولم يعالج المعالجة المناسبة في الوقت المناسب،رغم نصح الناصحين، فأدى ذلك إلى نتائج سلبية كان في الإمكان تجنبها بكل يسر. فتحول تذمر القليلين آنذاك من مسألة محدودة إلى بيانات وتكتلات وإمضاءات تشكك في خيار الحركة ومشروعها ومصداقيتها من قبل أبنائها والمساهمين سابقا في محنتها! هذا سلوك نتحمل مسؤوليته جميعا ويتطلب التدارك السريع .
من موقعك كأحد القيادات هل المهجر مرتهن للداخل، أم العكس أم الاثنين معا مرتهنان لانحباس سياسي، وهل كانت لك بعض الجسور مع النظام في إطار البحث عن حوار أو تلاقي أو تحريك الملف ؟
لا نستطيع القول بارتهان الخارج للداخل أو العكس باعتبار أنه ليس هناك كيان تنظيمي داخل البلاد منذ بداية الأزمة في التسعينات . ولكن هنالك بدايات تواجد و حضور فردي لرموز وقيادات سابقة للحركة هي بصدد السعي لفهم التحولات التي طرأت في غيابها أثناء مرحلة السجن من أجل الاهتداء للمنهج الصائب للتعامل مع الواقع بكل تعقيداته.
والمتأمل في خطاب الداخل من خلال التصريحات التي صدرت لحد الآن يلمس تطورا إيجابيا ملحوظا ووعيا متناميا بحجم التحديات المطروحة على الحركة والبلاد. ونأمل أن يهتدي الإخوة في الداخل إلى سلوك رشيد ينقلون به الوضع الراهن من الركود السلبي إلى حالة جديدة من الحراك الإيجابي . وهم قادرون على ذلك بحول الله!
الانحباس السياسي لا يمكن تجاهله. ولكن المطلوب ليس الاحتماء به لتبرير الانحباس الفكري والعجز عن الفعل و لكن كيف الوصول لكسر الحواجز النفسية والسياسية و بناء جسور مع الكل لطي الصفحة والتخطيط للمستقبل. أنا أقول هذا ممكن وليس مستحيلا كما يتصور البعض. لم نبذل الجهود الكافية لتحقيق ذلك. والجهود التي بذلت لم تكن في إطار منهج متكامل يعضد بعضه بعضا.
هذا هو التحدي العسير المطروح بإلحاح. أما عن اتصال السلطة بي فهذا لم يحصل والحركة في تقديري، ترحب بكل حوار إيجابي لمعالجة الأمور العالقة.
الشيخ صالح كركر بعد خروجه من المستشفى، وأثناء زيارة معايدة له، طرحت عليه سؤالا إن كان يشعر بالمسؤولية السياسية تجاه ما وقع فأجابني، ” إننا نحن كحركة لنا مسؤولية إلى حد وصول الناس إلى باب السجن، وبعدها ليست لنا مسؤولية، لأننا لم نتوقع أن يكون رد السلطة على المساجين بهذه القسوة وبهذا العنف ” فماذا تقول أنت؟
ذكرت أن من أخطاء الحركة ضعف تقديرها لحجم الخسائر التي كانت مقدمة عليها منذ البداية وحجم المعاناة التي تلظى بها أبناؤها وأنصارها وكل المتعاطفين معها .لا تقف مسؤوليتنا عند أبواب السجون فحسب بل تتعدّاها إلى يوم الناس هذا أي ما بعد السجن . وهذا ليس تبرئة لذمّة السلطة التي أفرطت في المظالم والانتهاكات بشهادة كل المراقبين في الدنيا ! ولكن نحن بصدد الكلام عن مسؤوليتنا نحن الذاتية أين تبدأ وأين تقف. في نظري مسؤوليتنا لم تقف بعد بل تزداد كل يوم ما دامت المظلمة لم تنته والمعاناة لم تطو. لم نفلح بعد في إدارة ملفاتنا في علاقتها بالسلطة وغيرها. وهذا هو بيت القصيد كما يقال الذي تستند عليه كل أصوات الاحتجاج داخل صفوف الحركة وعلى أطرافها بغض النظر على تصرفات البعض هل هي صائبة أم خاطئة!
حركة 18 أكتوبر التي انخرطت فيها النهضة بقوة، اصطدمت بكثير من العوائق ونراها لم تحقق الممكن المأمول، وبقيت تقريبا تراوح في نفس المكان، فما هي من وجهة نظرك أسباب التعثر، وهل لا زلتم تعوّلون عليها سياسيا؟
إذا كان هناك من يراهن على حركة 18 أكتوبر من أجل إحداث التغيير والتداول على السلطة وتحقيق الديمقراطية المكتملة فهذا عين الوهْم. أولا لان القائمين على هذا الفضاء لم يطرحوا من ضمن أهدافهم الأولى مثل هذه الطموحات بل نجدهم يطالبون بالحد الأدنى المقبول سياسيا في هذه المرحلة وهو إطلاق سراح المساجين وعودة المغتربين وحرية التنظم والتعبير لا أقل من ذلك ولا أكثر. بل كثير من قادة هذه الحركة الناشئة يعتبرون أن موضوع التداول على سبيل المثال ليس مطروحا اليوم في تونس لاعتبارات موضوعية يطول شرحها. وهذا الوعي يجب أن يترجم على أرض الواقع فلا تحيد هذه الحركة عن أهدافها الاصلية وتتوه في بحار الخلافات الفكرية والايديولوجية!
كل ما في الأمر أن انغلاق السلطة وإصرارها على ذلك طيلة هذه السنين هو الذي أنتج حركة 18 أكتوبر وإلا ما كان لهذه الفسيفساء السياسية والفكرية أن تلتقي على أي برنامج أصلا . ولذلك لا نستبعد انفراط مثل هذا العقد بمجرد استجابة السلطة لتلك المطالب الثلاث. لأن ما بعد ذلك هو تفاصيل معقدة والتفاصيل مأوى للشيطان كما يقال! ويكفي النظر إلى أول اختبار لهذه الحركة بمناسبة ما عرف ببيان 8 مارس لإدراك مدى هشاشة مثل هذه اللقاءات عندما تحيد عن البرنامج الأصلي الذي يجمعها والأهداف المحسوبة التي رسمتها. ولذلك لا غرابة في القول أن السلطة هي السبب الحقيقي لنشوء هذه الحركة وهي عامل من عوامل وجودها واستمرارها أيضا.
مع كل ذلك وبرغم هذه الهشاشة والتعثر الذي تشهده هذه الحركة التي فاجأ ظهورها الجميع، فإني اعتقد أنه يمكن أن يكون لهذه الحركة دور إيجابي على الساحة إذا أحسن الجميع التصرف والتعاطي مع الواقع دون تخاذل ولا تنطع. ويمكن لها أن تكون صمام أمن سياسي واجتماعي لصالح البلاد والعباد لو ابتعد عنها بعض اللاهثين وراء مصالح حزبية وإيديولوجية لا تخطئها العين البصيرة.
————————-
المصادر
الحقائق الدولية / الجمعة 8 – 6 – 2007
جريدة الموقف / الجمعة 8 – 6 – 2007
تونس اولاين / 8 – 6 – 2007
الحوار نت / 8 – 6 – 2007
الوحدة الإسلامية / 9 – 8 – 2007
ليبيا المستقبل / 9 – 8 – 2007
بسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
بقلم محمد العروسي الهاني
مناضل دستوري
تونس في 08/06/2007
الرسالة 245
على موقع الانترنات تونس نيوز
التشغيل في تونس من اولويات الرئيس في برنامجه الإنتخابي و المؤكد دعم هذا التوجه.
أشرت في المقال الصادر يوم 2 جوان 2007 بمناسبة إحياء ذكرى عيد النصر المجيد غرة جوان 1955 عودة المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة إلى أرض الوطن حاملا لواء النصر و بشائر الاستقلال الداخلي أشرت إلى مواضيع تهم التشغيل كما وجهت رسالة مفتوحة عبر موقع تونس نيوز إلى سيادة الرئيس رقم 14 خاصة بسيادته و ذكرت فيها عينات واقعية عشتها من عام 1992 إلى عام 2000 حول متابعة سيادة الرئيس الشخصية لعديد المشاغل الحياتية و المواضيع الاجتماعية وقد إهتم بها رئيس الدولة و اذن بإنجازها و تحققت و الحمد لله.
و الذي يعود إلى الرسالة المؤرخة في 24/05/2007 يجد كل التفاصيل حول العينات الحيّة التي عالجها الرئيس من خلال مطالعته لرسائل المواطنين و المناضلين من بين هذه الرسائل التي تابعها و أذن سيادته بتحقيق ما جاء فيها من مشاغل و طلبات و إقتراحات عملية تهم التنمية و تحسين ظروف العيش قلت من ضمن هذه الرسائل إهتمامه بخمسة رسائل وجهتها لمقامه الرفيع بوصفه رئيسا للجمهورية و اشرت في الرسالة المفتوحة الموجهة إلى رئيس الدولة يوم 24/05/2007 عبر موقع تونس نيوز رقم 237 و إنجز الرئيس مشاغل عديدة و تحدثت في الرسالة أيضا أنّ موضوع التشغيل يتطلب النزاهة و الحرص و العناية بصدق و في الرسالة رقم 241 حول مشاغل الناس و الرسالة رقم 242 المؤرخة في 06/06/2007 ذكرت بعض الحالات الاجتماعية المبكية و المأثرة و الشائكة و التي تتطلب مزيد العناية و الاهتمام من طرف المسؤولين أو على الأقل و هو اضعف الإيمان فتح الابواب و رفع الحواجز و الاسلاك الحديدية و رفع كل ما من شأنه تعطيل الرسائل و فتح الطريق أمامها حتى تصل إلى مكتب رئيس الدولة كما كانت تصل من قبل و عندما نشرت في رسالتي الشجاعة المفتوحة إلى رئيس البلاد و رمز النظام أعرف ما اقول و ما اقصد و قلت ماهو السرّ و ماهو اللغز الرسائل كانت تصل إلى سيادة الرئيس و لنا تجارب من عام 1992 إلى 2000 لماذا اليوم لم نرى نتيجة لأي رسالة من 2001 إلى اليوم أعتقد أنه في الأمر سرّ غامض و لغز كبير كتبنا في الصحافة قبل عام 2003 عندما كانت نسبيا مفتوحة بنسبة 20 بالمائة ثم أغلقت الابواب حسب التعليمات و لي أكثر من حجة ووجهنا الرسائل عبر البريد و عبر الفاكس الرئاسي ووجهنا نسخ من الرسائل للمسؤولين في القصر المساعدين لرئيس الدولة ووجهت 14 رسالة مفتوحة عبر الأنترنات تونس نيوز من 26 ديسمبر 2005 إلى يوم 24/05/2007 و لكن لم المس نتيجة لكل هذه المحاولات و الرسائل و كأنّ الابواب أغلقت بينما أعتقد لو بلغت الرسائل بأمانة لصاحب القرار الأمر يكون أفضل و أحسن.. و العناية الموصولة الرئاسية لا تتردد في تلبية المشاغل الحياتية .. ولو علم سيادة الرئيس بفحوى الرسائل لأعطى تعليماته فورا كما عهدناه و أمر بتشغيل أبناء الحجارة و مناطق الظل التي تمّ وعدهم بالتشغيل في مجال التربية و التكوين حسب وعد السيد نجيب الصخيري رئيس ديوان السيد وزير التربية و التكوين يوم 02 أفريل 2007 الذي أكدّ أنه يتكلم بإسم السيد الوزير و لكن وقع التراجع فيما بعد .. و قضية التشغيل قضية هامة و حساسة . ولو وصلت الملاحظات حول ما حصل أخيرا لمواطن متواضع الدخل برياض بوهلال الجم و ما تعرض إليه مؤخرا نتيجة إنخراطه في صندوق الضمان الاجتماعي و نظرا لظروفه لم يسدد قيمة الانخراط و أخيرا جاء العدل المنفذ و باع له شاحنته مورد الرزق البسيط في الريف .
ولو علم الرئيس بذلك و الله يأذن بشراء شاحنة جديدة لهذا المواطن الضعيف المسكين لذا بالله العظيم أرجوكم رفع الحواجز على رسائلنا حتى يطّلع عليها رئيسنا و هو المسؤول على أخذ القرار الفصل.
قال الله تعالى : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون صدق الله العظيم
ملاحظة هامة : في عام 1977 إتصل إبن مقاوم بدار الحزب و قابل السيد محمود شرشور المدير المساعد للحزب و طلب منه مساعدته على الشغل بالشركة القومية للنقل التي وجه لها مطلب في إطار إستعداد الشركة لقبول عمال و تحمس الاخ محمود شرشور و طلب المدير العام للشركة ووعده بالإنجاز و إتصل به إبن المقاوم ووعده و بعد شهرين لم يفي المدير العام بوعده فإتصل المعني بالأمر من جديد بالأخ شرشور فغضب و رفع الهاتف و قال للمدير العام من يوم مكالمتي الأولى أعتبّر صاحب المطلب يعمل و له جراية و تمّ ذلك و بدون تعليق.
فهل يعيد التاريخ نفسه في العهد الجديد؟ و تحصل مفاجأة من لدن سيادة الرئيس و يعطي الإذن بتشغيل و إنتداب الشبان الثلاثة محمد الهادي بوعجيلة محمد الفرجاني و هشام المرداسي، تجسيما لوعد رئيس ديوان وزير التربية و التكوين الذي كان يتكلم باسم الوزارة أعني باسم النظام الجمهوري و بذلك يعطي سيادة الرئيس درسا جديدا بليغا لمن لا يفهم معاني المصداقية و الوعد في العهد الجديد وقد كان لرئيس الدولة مواقف في هذا الحجم في المجلس الوزاري المنعقد يوم 23 نوفمبر 1992 و المخصص لدعم التنمية بولاية صفاقس و قد اعطى يومها درسا بليغا للمسؤولين بولاية صفاقس حتى يهتموا بأوضاع الجهة و مشاغل الناس و هذا ما أشرت إليه في رسالة يوم 24/05/2007 رقم 237 على هذا الموقع.
قال الله تعالى : يا ايها الذين آمنوا إتقوا الله و قولوا قولا سديدا صدق الله العظيم
محمد العروسي الهاني
الهاتف : 22.022.354
حوار مع السيد عبد القادر الزيتوني لجريدة الشعب مع الصحفي قيس الخلوفي 9 جوان 2007 عدد 921
لا تنمية حقيقية د ون محافظة علي البيئة
البنــوك الإسـلامية و هـاجس التنمية
[الجزء الأول]
د. خـالد الطـراولي
مند بروز الهمّ البنكي الإسلامي في بداية هذا القرن وانطلاق أول تجربة صيرفية له في مصر سنة 1963 , كان التطلّع التّنموي و تأثيرات التقنيات المصرفية الحديثة على عملية النهوض الاجتماعي، إحدى الأسباب المطروحة لطرق الفكر الإسلامي مجال التّنظير والتطبيق البنكي[[1]] [1]. ولقد ساهم التقاء البعد الاجتماعي بالبعد الاقتصادي في الفكر الإسلامي، في التّيسير النظري لتوجّه البنك وأهليته لدعم المسار التّنموي وتحقيق أهدافه الاجتماعية والاقتصادية. فسعى النّموذج النّظري بداية إلى تأكيد هذا المنحى التّنموي عبر رفضه للتعامل الربوي واعتباره غير كاف للاستجابة لمتطلّبات النّمو وتطلّعات شرائح عديدة من المجتمع المسلم نحو حياة أفضل. فكانت المرتكزات الشّرعية المعلنة لتنظيم عمل المصارف الإسلامية تحوم حول إلغاء الفائدة ورفض استخدام القروض كوسيلة تعبئة والأخذ بقاعدة الغنم بالغرم والمشاركة في الأرباح والخسارة وجواز العمولة مقابل الخدمات المصرفيّة واعتبار الربح وقاية لرأس المال. فتمّ اقتراح آلية جديدة للادّخار والاستثمار مبنيّة على عقود المشاركة والمضاربة وعقود البيع والتأجير التي يمكن لها أن ترفع الضّيم عن المستثمر وأن تطمئن المدّخر المسلم وتشجّعه على تفعيل أمواله وعدم كنزها وسحبها من الدّورة الاقتصادية لغياب الحليّة المنشودة لبعضهم أو لضعف ادّخاراتهم للبعض الآخر.
ويمكن تقصّي هذا الجانب التّنموي المنشود، في المجال النّظري في المحطات التالية :
*1 من خلال الآمال المعقودة على التوجّه الاجتماعي للبنك ووسائله الاستثمارية، والأهداف المبثوثة في طيّات النظم الأساسية للبنوك الإسلامية من مواكبة ومؤازرة للتّنمية الاقتصادية؛ وذلك عبر إنشاء حسابات خاصة لحرفائها لتشجيعهم على دفع زكاة أموالهم والتكفل بمصارفها مباشرة أو بإحداث مشاريع للحرفيين منهم ومدِّهم بالرأس المال اللازم لانبعاثها. ولا يخفى الدور الاجتماعي للزكاة بما تفرزه من إعادة لتوزيع الدخل ومكافحة الفقر وتقليل التفاوت الطبقي. كما يتكفل البنك بتقديم القروض الحسنة للمحتاجين و المنتجين المعوزين، وهي تساهم بالتالي في زيادة الفضاء الإنتاجي وتنميته وتطعيمه بأطراف جديدة، رغم محدودية هذه القروض.
*2 بما يمكن أن تُحدثه النظرية الإسلامية للصيرفة في مجال الاقتصاد الكلي من زيادة الادخار وكبت الاستهلاك التفاخري في المجتمع؛ ومن تقزيم التضخم عبر آليات الزكاة التي تساهم البنوك الإسلامية في استخلاصها وتحويلها إلى استثمارات حقيقية مما يولد تحجيما للكتلة النقدية وتخفيفا للضغوط التضخمية. كما يُنتظر أن يؤدي التعامل بدون فائدة على زيادة الإستقرار الإقتصادي، حيث أن توزيع المخاطر بين البنك وحرفائه في تحمل الربح والخسارة يجعله لا يضمن القيمة الإسمية للودائع الإستثمارية، على خلاف الجهاز التقليدي. مما يمكنه من تحمل الصدمات والأزمات الإقتصادية الناجمة من حالة إنكماش و تراجع للنشاط الإقتصادي، حيث تبقى قيمة الموجودات مساوية لقيمة المطلوبات.
*3 كما يتجلّى هذا البعد خاصة في العقود الفقهيّة القديمة وبلورتها إلى وسائل استثماريّة حديثة. ويتمثل هدف هذه الدراسة المتواضع في تبيان البعد التنموي لللإستثمار الإسلامي عبرعقوده المالية، نظريا وعمليا ومدى التزام المصارف الإسلامية بهذا الهاجس في معاملاتها التمويلية.
الصيغ النّظرية للاستثمار وبعدها التنموي
لقد وجدت المصارف الإسلامية في فقه المعاملات العديد من المبادئ الأساسية للإستثمارالتي حملتها العقود المالية القديمة، والتي حوت بعدا تنمويا واجتماعيا ساهم نسبيا في تطوير وتيسير الحياة الإقتصادية للمجتمع الإسلامي، وخاصة في العصر الوسيط حيث أثبتت هذه العقود دورها الهام في تنظيم الائتمان في التجارة وبلورة النشاط الإقتصادي. ويمكن استعراض هذه الصيغ واستجلاء هذا البعد التنموي في ظل الواقع المعاصر كما يلي:
1* المضاربة والمشاركة : تعتبر المضاربة تأليفا بين عنصري الإنتاج؛ وشركة بين العمل والمال. عرّفها المالكيّة ” بأن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه على أن ما حصل من الربح بينهما”[[2]] [2]. وتكون الوضيعة (الخسارة) على رأس المال، ويكفي العامل خسارة جهده. أمّا المشاركة فقد عرفها الأحناف بأنّها ” عبارة عن عقد بين المتشاركين في رأس المال والربح “. يكون الربح بينهم حسب الاتفاق، وتكون الخسارة بنسبة مساهمة كل طرف. ويعتبر التمويل بالمضاربة والمشاركة من أبرز ما جادت به النظرية الإسلامية وتميزت به عن النظام المصرفي التقليدي بالتوزيع العادل بين رأس المال والجهد البشري. وهي صيغة استثمارية رائدة تمثّل البديل الشرعي لعمليات البنوك العاديّة وفق قاعدة الغنم بالغرم. وتحمل هذه الصيغ إمكانيات تمويلية كبيرة للتنمية إذ أنها تناسب المشاريع الطويلة المدى والمتوسطة خاصّة، وتستطيع أن تكون دافعا للمبادرة والتجديد والابتكار،وحافزا للباعثين والحرفيّين والشركات المتوسطة و الصغيرة التي تتعرّض غالبا إلى نقص في التمويل في بداية مشوارها أو أثناء نموّها وتضخّمها. وهي صيغ تصلح لكلّ القطاعات الاقتصادية، المتطور منها والمتخلف. كما من شأن رأس المال المشارك أو المضارب الذي يمكن للبنك الإسلامي عرضه، أن يحرّر المستثمرين من العلاقة الجائرة التي تربطهم مع البنك التقليدي في حالة القرض الربوي، ويدفع إلى تقاسم المخاطر و تبنّي المشروع من المموّل و الباعث على حدّ السواء، ممّا يجعلهما أكثر حرصا على نجاحه. ومن أجل المزيد من تحرير المبادرة الفردية وتحمّل المسؤولية، وتأكيدا لدور البنك كوسيط مالي و مساهم فعّال في تنمية المجتمع وإثراءه، اقترحت النظرية المشاركة المتناقصة التي تجعل للشريك الحق في أن يحلّ محلّ البنك في ملكية المشروع بعد أن يتمكّن هذا الأخير من استرداد تمويله. ويعتبر هذا النوع أحسن بديل للقروض الطويلة الأجل في النظام المصرفي التقليدي.
2* المرابحة : تعتبر من بيوع الأمانة في فقه المعاملات، حيث يتمّ الاتّفاق بين البائع والمشتري على ثمن سلعة معيّنة مع بيان ثمنها الأصلي، ممّا يمكّن البائع من الحصول على ربح معلوم و متفق عليه. وقد استطاعت النظرية تطوير هذه الصيغة رغم بعض المصاعب الشرعية واقترحت ما سمّي لاحقا ببيع المرابحة للآمر بالشراء، وهو عقد يجمع بين العميل الواعد بشراء السلعة عندما يقع توفيرها وبين المصرف الذي يقوم بشرائها وتملّكها ثم بيعها مرابحة إلى حريفه. وتبدو إمكانية التمويل بهذه الصيغة كبيرة وخاصة في التجارة القصيرة الأجل مع أن بعدها التنموي لا يزال محدودا غير أن تنزيل هذه الصيغة في مجالات الزراعة والصناعة يبقى ممكنا ومطلوبا رغم وجود صيغ أخرى أكثر تناسبا.
3* الإيجار: أجمله الحنابلة تعريفا “هو عقد على منفعة مباحة معلومة مدة معلومة من عين معلومة أو موصوفة الذّمة أو عمل بعوض معلوم “[[3]] [3]. وقد شرعت لحاجة الناس إليهم ” فلو لم يشرع الإجارة مع امتساس الحاجة إليها لم يجد العبد لدفع هذه الحاجة سبيلا”[[4]] [4]. وقد اهتمّت مجلة الأحكام العدلية بهذا العقد وسخّرت له 93 بندا غير أنها اقتصرت على العقارات السكنيّة أو الفلاحية أو إيجار اليد العاملة، وغاب إيجار التّجهيزات. وتظهر الإمكانيات التمويلية لهذا العقد في المدى المتوسط للمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تعجز ماليتها على الاستجابة لكلّ مراحل نموّ المنشأة خاصة في بداية نشاطها أو عند استبدال تجهيزااتها نتيجة ما يفرضه التقدم التقني والصناعي من مواجهة قانون التنافس في السوق . وقد بلورت النظرية هذا العقد مقتربة من المفهوم الانقليزي للإيجار(LEASING) ” ايجارة واقتناء ” حيث بحصل العميل على إمكانية تملك العين في نهاية مدة التأجير وهذا يجعل له الخيار في اقتنائها نهائيا إذا رأى تواصل فاعليتها ومردودها الإقتصادي، أو رفضها وتجاوزها إذا رأى عكس ذلك. وهي تساعد على زيادة وتنويع وسائل الإنتاج وتناسبها مع الدورة الاقتصادية وطلبات السوق. كما تُمكِّن الإجارة البنك من عائدات مرتفعة مقارنة بصيغ التمويل الأخرى مع ضمان استثماره حيث يحتفظ بملكية الموجودات.
هـــوامش :
[1] لا يخفى على أحد أن الجانب الشرعي و البحث عن الحلية في إدارة المال إدخارا واستثمارا , شكلت السبب الرئيسي و الطبيعي للتجربة البنكية الإسلامية.
[2] الكاندهلوي محمد زكرياء ” أوجز المسالك إلى موطأ مالك ” ج 11 ص 4000 في منذ قحف ” مفهوم التمويل في الإقتصاد الإسلامي ” البنك الإسلامي التنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والندريب جدة 1991 ص : 16 .
[3] البهرتي، منصور بن يونس “شرح منتهى الإرادات ” في “عقد الإجارة مصدر من مصادر التمويل الإسلامية ” عبد الوهاب إبراهيم أبو سلمان البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب جدة 1992 ص 18 .
[4] القرطبي “الجامع لأحكام القرآن” ط2 بيروت: دار إحياء التراث العربي 1972 ج13 ص 271 في عبد الوهاب إبراهيم مرجع سابق ص 12 .
ـ يتبـــع ـ
[1] لا يخفى على أحد أن الجانب الشرعي و البحث عن الحلية في إدارة المال إدخارا واستثمارا , شكلت السبب الرئيسي و الطبيعي للتجربة البنكية الإسلامية.
[2] الكاندهلوي محمد زكرياء ” أوجز المسالك إلى موطأ مالك ” ج 11 ص 4000 في منذ قحف ” مفهوم التمويل في الإقتصاد الإسلامي ” البنك الإسلامي التنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والندريب جدة 1991 ص : 16 .
[3] البهرتي، منصور بن يونس “شرح منتهى الإرادات ” في “عقد الإجارة مصدر من مصادر التمويل الإسلامية ” عبد الوهاب إبراهيم أبو سلمان البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب جدة 1992 ص 18 .
[4] القرطبي “الجامع لأحكام القرآن” ط2 بيروت: دار إحياء التراث العربي 1972 ج13 ص 271 في عبد الوهاب إبراهيم مرجع سابق ص 12 .
المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net