السبت، 7 يناير 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2056 du 07.01.2006

 archives : www.tunisnews.net


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: بــــــــلاغ القدس العربي: بوش يعد بدعم جهود بن علي لتوسيع آفاق الحرية والأمن أخبار تونس: دعم التعاون بين الجامعات التونسية والامريكية
سليم بوخذير: عندما تشرع الحكومة في ” طربلسة ” قطاع الاعلام  م. البكوش: حتى لا نقبع غدا في السجون بحري العرفاوي: تعامل الحكومة مع الخطاب الديني بين التجفيف والتوظيف الموقف: جندوبة: البلدية مشغولة عن التنمية بالنشاطات الدعائية الموقف: الرديف: وقائع المدينة الغريبة الموقف: خنيس: محطة تطهير تسدَ آخر متنفس للسكان

حقائق: اتجاهات الصحافة الالكترونية فـي العالم وفـي تونس

آمـال مـوسى: خطأ منهجي عربي شائع!

الراية: أمريكا تسعي لإخراج الحركات الإسلامية إلي النور لإحراجها ومغالبتها سياسيا

عبد الحليم خدام لـ«الشرق الاوسط»: النظام السوري لم يبق سوى إسقاطه د. عصام نعمان: عبد الحليم خدام: شاهـد شـاف كـل حاجـة

الحياة: الأرياف السورية تغذي المدن بالمتشددين… واحتلال العراق يلهم ثمانية آلاف «جهادي» عربي


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 
أنقذوا حياة محمد عبو أنقذوا حياة كل المساجين السياسيين
 
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف: 71.340.860 الفاكس: 71.351831
تونس في:07/01/2006
تنعى الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين المرحوم بوراوي الفرجاني والد المناضل الحقوقي واللاجىء السياسي سيد الفرجاني, الذي وافاه الأجل المحتوم بمدينة القيروان يوم الخميس 05 جانفي 2006 عن عمر يناهز الثمانين سنة. و لم يتمكن ابنه سيد الفرجاني من حضور مأتم الوفاة و تقبل التعازي لوجوده خارج أرض الوطن حيث منح حق اللجوء السياسي من بريطانيا العظمى منذ عام 1988.
و قد سبق للمناضل سيد الفرجاني أن كون بمعية عدد من المناضلين الحقوقيين اللجنة الدولية لمساندة المساجين السياسيين التي انبثقت عنها الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين و استقلت عنها بعد ذلك. و قد وقع تشييع جنازة المرحوم بوراوي الفرجاني إلى مقبرة مدينة القيروان بحضور جمع غفير وعدد كبير من المناضلين الحقوقيين ومن أحزاب المعارضة.
و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين إذ تتوجه إلى عائلة الفقيد بأحر التعازي تجدد طلبها الهادف لإصدار قانون العفو التشريعي العام حتى يتمكن جميع اللاجئين و المهاجرين من المناضلين الصادقين من الرجوع إلى أرض الوطن و نرجو من الله العزيز القدير أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة و يرزق أهله وذويه جميل الصبر و السلوان و إنا لله و إنا إليه راجعون .
رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري

أنقذوا حياة محمد عبو أنقذوا حياة كل المساجين السياسيين

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين
33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف: 71.340.860 الفاكس: 71.351831

تونس في: 07/01/ 2006
بــــــــلاغ
علمت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين أن السجين السياسي السابق السيد قابيل الناصري الذي سبق له أن قضى عقوبة بالسجن ثلاث سنوات في ما عرف بقضية أريانة و تم الافراج عنه في 02/11/2005 إلا أنه وقعت إحالته على محكمة منزل بورقيبة يوم 04/01/2006 و حكم عليه بثلاثة أشهر نافذة من أجل عدم الامتثال للتراتيب المتعلقة بالمراقبة الادارية .
رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري


بوش يعد بدعم جهود بن علي لتوسيع آفاق الحرية والأمن

تونس ـ يو بي آي: وعد الرئيس الامريكي جورج بوش الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بدعم جهوده لتوسيع آفاق الحرية والامن في تونس والمنطقة المغاربية.
جاء ذلك في برقية تهنئة بمناسبة عيد الاضحي المبارك بعث بها الرئيس بوش الي الرئيس بن علي بثت نصها مساء الجمعة الاذاعة الرسمية التونسية التي قالت ان بوش ابرز في هذه البرقية علاقات الصداقة التقليدية التي تجمع الشــــعبين الامريكي والتونسي منذ قرنين من الزمن .
وقالت ان الرئيس الامريكي خاطب في هذه البرقية الرئيس بن علي قائلا يسعدني ان اعمل معكم خلال السنوات المقبلة من اجل تعزيز العلاقات المتينة القائمة بين بلدينا .
واضاف بوش، بحسب الاذاعة، اني أهنيء تونس بالتقدم الذي حققته خلال السنة الماضية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. والولايات المتحدة الامريكية ستقدم لكم كل الدعم في جهودكم لبلوغ هذا المستوي من التميز في مجالات عمل جديدة بما يسهم في توسيع الآفاق للحرية والامن في تونس وفي كل المنطقة المغاربية .
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 7 جانفي 2006)

 

دعم التعاون بين الجامعات التونسية والامريكية

استقبل السيد الازهر بوعوني وزير التعليم العالي الدكتور هوارد فرنك عميد جامعة ميرلاند الامريكية التي تعد من اعرق الجامعات الحكومية في هذا البلد والمصنفة ضمن الجامعات العشرين الاولي والتي يوءمها اكثر من 35 الف طالب.
وتندرج زيارة عميد هذه الجامعة الى تونس في اطار تنسيق التعاون مع الجامعات الخاصة التونسية.
وتم بالمناسبة استعراض صيغ التعاون بين الجامعات التونسية والجامعات الامريكية وامكانية الاستفادة من الخبرات المشتركة والنظر في كيفية استقبال الجامعات التونسية للطلبة الاجانب.
وقدم الوزير بسطة ضافية عن اهداف البرنامج الرئاسي “تونس الغد” في مجال التعليم العالي وافاق تطويره من خلال الاصلاحات المزمع ادخالها للارتقاء باداء هذا القطاع وعن كيفية الاستفادة من الخبرة الامريكية في هذا الميدان مشيرا الي العدد الكبير من اتفاقيات التعاون التي تجمع الجامعات التونسية بنظيراتها الامريكية.
من جهته اشاد عميد جامعة ميرلاند الامريكية بمناخ الاستقرار الذى تشهده تونس مما يدفع الي التعاون والاستثمار موءكدا على اهمية التعاون مع الجامعات التونسية لما تتميز به بلادنا من كفاءات وموارد بشرية عالية. وذكر من ناحية اخرى بالروابط الوثيقة التي تجمع الولايات المتحدة الامريكية وتونس منذ اكثر من مائتي عام.
(المصدر: موقع “أخبار تونس” الرسمي بتاريخ 7 جانفي 2006)


في سوق الخيـال

وأنا أستمع إلى الأكباش تبعبع من قريب ومن بعيد.. فرحا وتهليلا بقدوم العيد.. سرحت من حيث لا أشعر في دنيا الهُبال.. فتصوّرت نفسي مع القطيع في سوق الخيال! وسمعتُني أردّد: «من يروم الراحة والأمن والاكتفاء بالفُرجة… أسلم الحالات له أن يكون نعجة». محمد قلبي
(المصدر: ركن “لمحة” بجريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 7 جانفي 2006)


 

عندما تشرع الحكومة في ” طربلسة ” قطاع الاعلام ..‼

بقلم = سليم بوخذير

منحت حكومة بن علي منذ ايام قليلة ضوءها الاخضر لمجلة جديدة مختصة في الرياضة اسمها ” اينيفير سبور ” ، وذلك في اطار ما تسميه ب ” التعددية الاعلامية ” في تونس .

وبتصفح العدد الاول من المجلة الذي طرح في الاسواق هذا الاسبوع وسط حملة اعلامية غير مسبوقة احتلت مساحات كبيرة في التلفزيون التونسي وبكل صحف الداخل على بكرة ابيها ، فهمنا لماذا استغنت الحكومة فجاة مع هذه المجلة بالذات ، على قرارها بعدم منح تراخيص لصحف جديدة في السوق التونسية منذ 5 سنوات او اكثر ، وفهمنا ايضا لماذا كانت الحملة الدعائية للمجلة المذكورة كبيرة الى هذا الحد بالتلفزيون والصحف ، ولماذا خرج العدد الاول من المجلة في ورق مصقول باهظ الثمن جدا وباستعمال الالوان في كل الصفحات … فهمنا السبب فبطل االعجب .

فالحكومة انما منحت ترخيص هذه المجلة الى اصهارها ،( اجل الى اصهارها) ، فهل تعلمون من هو صاحب المجلة الجديدة ومديرها المسؤول ؟ انه عماد الطرابلسي الذي وشحت المجلة صفحتها الافتتاحية بصورته البهية ، ليكتب لنا مقالا عظيما بقلمه الساحر ، عن شؤون الرياضة .

….تمنح الحكومة لشقيق حرم الرئيس ترخيصا بمجلة ، وتمنحه ، فضلا عن الترخيص، تسخيرا للتلفزيون العمومي وللصحف التي تسير بامرتها ، بان تؤدي له الدعاية اللازمة ، وتمنحه ايضا ، فوق “البيعة”، دعما بالملايين ( انظر العدد الاول وكيف انه يعج بصفحات الاشهار المدفوع الاجر من مؤسسات عمومية وغير عمومية قريبة من دوائر الحكم ) ، وتمنحه ايضا حق الالتحاق والانتماء للاسرة الصحفية مع انه لم يعمل يوما واحدا في حياته صحفيا او عرف عن المسالة من اين تبدا واين تنتهي ؟ ولا تنمع عنه بالطبع البطاقة الصحفية ، ومن اين لها ان تمنعها عنه وهو المدير المسؤول والقلم الهمام الذي يكتب الافتتاحية ويدير ما شاء الله من الصحافيين العاملين باالمجلة .

يحدث هذا يا ناس ، في الوقت الذي تحرم الحكومة بشدة منذ سنوات ، حق الترخيص لصحف جديدة على اهل المهنة الاصليين حتى اولئك الذين لم يختلفوا معها في الراي .

فبين رفوف وزارة الداخلية تنام عشرات المطالب لصحف جديدة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، هناك مطلب للصحفي عبد الحميد القصيبي لاصدار جريدته ” الحوار ” وهناك مطلب للصحفي نجيب الخويلدي لاصدارجريدته ” الرحيق ” وهناك مطلب للصحفية سهام بن سدرين لاصدار جريدتها ” كلمة تونس ” وهناك … وهناك .. وهناك ….

ويحدث هذا يا ناس ، في الوقت الذي تمنع السلطات الصحفيين الحقيقيين لطفي حجي وسليم بوخذير ومحمد فوراتي من حق الحصول على بطاقات الاعتماد بصفتهم مراسلين فعليين لكل من ” الجزيرة ” و” العربية ” و” قدس براس انترناسيونال ” ، وتحرم ايضا عليهم حق الحصول على بطاقاتهم الصحفية لعامي 2005 و2006 من وزارة الاتصالات .

ولكن وفي الواقع ، هذه ليست االمرة الاولى التي تفرط الحكومةفي فضاءات هامة في قطاع الاعلام الى اصهارها ، فمنذ 2003 منحت السلطة هذا الحق لعماد الطرابلسي بان اسندت له مهمة ” انتاج ” حصة تلفزية اسمها ” كاريكاتورز ” وبعدها فرضت السلطة على معدي برنامجي ” اخر قرار ” و” دليلك ملك ” ان ينتجهما الشقيق الاخر لحرم الرئيس. ومنذ ان تاسست اذاعة تدعى ” موزاييك ” والدوائر الاعلامية التونسية تردد في الكواليس حقيقة ان الصاحب الاصلي والفعلي للاذاعة انما هو ليس نور الدين بوطار وانما بلحسن الطرابلسي ومعه عدد من رجال الاعمال القريبين من السلطات .وقبل عامين بعثت الى الوجود قناة تلفزية جديدة نالت من المال العام مئات الملايين بل الاف الملايين اسمها ” حنبعل ” تم اسنادها الى شخص لا علاقة له لا من قريب ولا بعيد بقطاع الاعلام والصحافة وهو العربي نصرة الذي وقع نشر انه له صلة مصاهرة هو الاخر بالمجموعة ..

اننا اذن وببساطة امام ظاهرة جديدة شرعت فيها الحكومة في السنوات الثلاث الماضية ، يصح لنا ان نسميها ظاهرة ” طربلسة ” قطاع الاعلام بان نصبتهم فاتقين ناطقين في القطاع ، مع انه لم تكن لهم اية صلة من أي نوع بهذا الاختصاص في حياتهم.

ونحن في الحقيقة لسنا لا سمح الله ضد ان يكون لاصهار الحكومة حقهم في الحياة وفي العمل في تونس بما انهم مواطنون مثلنا ، ولكننا ضد ان يقع اسناد المال العام والمكاسب العمومية لهم دون أي وجه حق وفي تحد صارخ للقانون …. وضد ان يكون لهم وجود في قطاع هام لا صلة له بهم ولا صلة لهم به ويكون وجودهم هذا فيه وسيلة صريحة وواضحة لمحو وجود اهل المهنة الاصليين والغائهم و تهميشهم والتنكيل بهم

ولذلك لا يجب ان نسكت كاعلاميين وكتونسيين عموما على هذا الذي ترتكبه الحكومة ، لاننا ان صممتنا امام المهزلة ساهمنا بوضوح في مزيد استشراء ظاهرة ” الطربلسة ” التي ستاتي بالتدريج على قطاع حساس وحيوي لكل المجتمع وفي انتكاسه يكمن انتكاس البلد ككل.

لا يجب ان نسكت ، ولن نسكت وسنرد على المهزلة بكل ما اوتينا من جهد ، فانتظرونا ….

* صحفي تونسي


 

عريضة ” تونسيين ضد طربلسة قطاع الاعلام “

فيما تواصل الحكومة التونسية حصارها المضروب على قطاع الاعلام منذ اكثر من 18 سنة من الزمن ، وتمعن في اقصاء أي صوت مضاد لرايها في وسائل الاعلام العمومية غير العمومية في تونس التي يعرف الجميع انها تحكم بقبضتها عليها .
وفيما تمنع منذ سنوات الترخيص لعديد العناوين التي تقدم بممطالبها اعلاميون تونسيون اكفاء الى وزارة الداخلية .
وفيما تواصل الحكومة حرمان الصحافيين الحقيقيين مثل لطفي حجي ومحمد فوراتي وسليم بوخذير وسهام بن سدرين وغيرهم من حق الحصول على البطاقة الصحفية من الوزارة ، مع انهم جديرون بها .
كما تواصل السلطات التحرش بالاعلاميين الحقيقيين وتحرمهم ظلما من عديد الحقوق التي في مقدمتها حق العيش بامان وحق عدم انتهاك حرمات اتصالاتهم وتحركاتهم وتتعمد تشويه سمعة العديد منهم بين الفينة والاخرى ، وذلك عقابا لهم على تمسكهم باستقلاليتهم وشرف المهنة الصحفية .
تفاجؤنا السلطات منذ ايام بمنحها للترخيص لمجلة جديدة لعماد الطرابلسي صهر رئيس الدولة ، وتنصبه مديرا على صحافيين حقيقيين مع انه لم ينتم يوما في حياته الى قطاع الصحافة .
وحيث انها ليست المرة الاولى التي تمنح فيها السلطات عناوين اعلامية ( مكتوبة او سمعية او بصرية ) الى اصهارها .
فاننا = * نعلن تنديدنا بظاهرة حقيقية صارت واضححة تونس هي ظاهرة ” طربلسة ” قطاع الاعلام .
*نطالب الحكومة بالتراجع عن هذه السياسة المتنافية مع الدستور ومع مقتضيات النظام الجمهوري ، وبعدم منح قطاع وطني حساس وحيوي هو قطاع الاعلام الى اصهارها لمجرد انهم اصهارها ، وبالكف عن اهدار المال العام .
* نناشد المنظمات الصحفية و الحقوقية في داخل تونس وفي الخارج ببذل قصارى الجهد من اجل الضغط على الحكومة التونسية اعلاميا لتوقف هذه المهزلة ولترفع قيودها على الاعلاميين الحقيقيين وتمنح التراخيص للعناوين غير المرخخص لها في تونس الكترونية كانت ام ورقية
التوقيعات
ملاحظة = الرجاء من الراغبين في التوقيع على هذه العريضة ارسال توقيعاتهم على العنوان الالكتروني التالي=


اعتداءات

….

فاجاتني السلطات في صفاقس منذ قدومي اليها فجر اول امس الخميس بممارسات اقل ما يقال عنها انها ضرب صريح لحريتي الشخصية . ففور وصولي الى صفاقس وجدت سيارة امنية من فئة 4*4 في انتظاري على الساعة الثانية فجرا تصوروا وقد لازمتني السيارة ومن فيها انا وسائق التاكسي الى حد وصولي الى منزل والدي بصفاقس ومكثوا امام المنزل بعد ذهاب التاكيسي واجروا اتصالات بالهاتف النقال ثم بارحوا المكان . ومن الغد لازمني اعوان مدنيون امام المحكمة عند الدخول والخروج لحضور جلسة القضية المرفوعة ضدي

.

ولم تحصل لي اي مشكلة منذ الخميس ، الا انني اليوم السبت منعت بالقوة من قبل صاحب مركز عمومي للانترنات بصفقس من مواصلة رقن مقالي عن ” طربلسة الاعلام ” فتحولت الى مركز عمومي اخر للانترنات ولم يكن يعرفني مسبقا وبعد ارسالي للمقال واتمامي للجزء الاكبر من نص ثان تلقى العون العامل هناك مكالمة هاتفية توجه نحوي بعدها ليطلع رغما عني على فحوى ما كنت بصدد كتابته ثم سالني هل انا صحافي فاجبته بنعم فصاح في وجهي بالخروج واتهمني بانني ضد البلاد وقال لي انني ساتسبب له في مشكلة فامتنعت فلجا الى اخراجي بالقوة هو عدد من الشبان المرافقين له حيث جروني جرا رغم مقاومتي وما كان لهم ان يفعلوا كل هذا لولا ورود تطمينات لهم من السلط الجهوية ، وطلب مني بكل وقاحة ان لا اعود مجددا ما حييت الى مركزه العمومي للانترنات وامكن لي الان على الساعة 21والنصف ان احصل باجتهاد كبير على امكانية استعمال الانترنات من مكان مجهول بالنسبة للامن مبدئيا . وانني اذ اندد بشدة بالمحاصرة الامنية غير المبررة بشخصي في فترات زمنية مختلفة في صفاقس ، فانني اعلن استعدادي للدفاع عن حقي كصحفي في استعمال المراكز العمومية للانترنات ورفضي للاوامر الامنية الخفية لاصحاب المراكز العمومية بصفاقس بان لا يسمحوا لي بدخولها ، حتى وان كلفني دفاعي الشرعي عن حقي هذا تنفيذ اعتصام امام مقر ولاية صفاقس غدا للمطالبة بحق في التحرك بحرية في صفاقس كما في تونس وفقا لمواثيق البلاد وقوانينها التي تشرع حرية الاعلام والتعبير والتنقل وسرية التراسل

.

سليم بوخذير – صحفي تونسي


 

حتى لا نقبع غدا في السجون

هل سنعرف غدا سجون احد من هو اليوم في المعارضة؟ هل من امكانية انهاء مسلسل كل السجون في نهاية الامر؟ كيف تطوى صفحة الاستبداد؟
يكفي طرح بعض الاسئلة العابرة على مختلف فصائل المعارضة حتى نرسم ما يشبه ملامح تونس الجديدة التي ستولد حتما بعد سقوط الدكتاتورية. ذلك ان النظام ساقط لا محالة، وهو امر بديهي لان نفس النظام اختار ذلك عندما احرق خلفه السفن او لنقل نسف كل الجسور و وصل الى نقطة اللاعودة في حربه على المجتمع التونسي. لذلك فالقوى السياسية التي تراهن على “نظرية التطور” ستقع حتما في الخطأ وستكذبها الاحداث. تطور نظام من دموي الى اقل دموية غير ممكن. الفكرة ذاتها غير مقنعة. توجد خطوط حمراء لا يمكن اختراقها بدون تبعات خطيرة تستحيل بعدها المصالحة، والنظام التونسي اخترق كل الخطوط. لذلك فهو سيسقط في ضجة واحداث ماساوية. هذا بات من تحصيل الحاصل، وماذا بعد؟
من جرائم كل دكتاتورية هو الخراب الشامل وذلك التصحر الفكري والسياسي والاعلامي الذي تخلقه وتغذيه. وتونس لم تكن من هذا المنظار استثناء. وقد اجتهدت العصابة الحاكمة في افراغ كل المؤسسات من محتواها وكل التحركات من معناها حتى اصاب تونس “قصور شامل” مثل القصور في الكلى او في القلب. فكل مكونات المجتمع وكل المؤسسات صارت تعمل لمصلحة شخص واحد، وما لا يخدم هذه المصلحة يقصى ويهمش ويحارب. ونسي التونسيون والتونسيات/اغلبيتهم/امور كثيرة من تلك التي تقوم بها المجتمعات الاخرى يوميا. الخطر ان الشارع التونسي يزداد كل يوم هشاشة وسيصل حدا يقبل عنده اي مشروع بديل ولو كان من اكثر المشاريع رجعية ودكتاتورية. لذلك فلا احد يمكن ان يرسم بوضوح ولو نسبي ماذا ستكون عليه البلاد غداة سقوط نظام الاستبداد. لا نعلم لاننا نفتقد تقاليد الحكم الجماعي التداولي ونفتقد اليات التحرك السياسي الجماهيري ونفتقد الاحزاب السياسية القادرة على التعبئة ولو الجزئية. وتونس التي لم تعرف الجمهورية في تاريخها الطويل ستواجه هذا الاشكال بعد سقوط الدكتاتورية.
كيف تقام الجمهورية؟ وهل كلنا يطمح الى ارساء الجمهورية؟ ماذا تعنيه الجمهورية لكل شق من المعارضة؟ وماذا تعنيه للشارع التونسي؟ الا يريد احدنا تاسيس امارة اسلامية؟ الا من مخطط لدكتاتورية جديدة، دينية او بيروقراطية-عسكرية على المثل الكوبي اوالكوري الشمالي؟ هل كلنا نفهم ان اللائيكية، وهي مفهوم سياسي ينتمي تبعا لذلك للحياة العامة، والالحاد وهو مفهموم فلسفي وعقائدي وينتمي تبعا لذلك للحياة الخاصة الشخصية، ليسا مترادفان؟ هل يمكن خلط مفاهيم الحياة الخاصة والحياة العامة؟ ان كان الرد بنعم، فما يمنعنا عندها من خلط الاموال الخاصة بالعامة؟ لماذا تحجم او تتفادى المعارضة الديمقراطية ان تقدم نفسها على انها لائيكية؟ هل يكون السبب ان الكلمة ليست عربية؟ الديمقراطية ايضا ليست كلمة عربية! ممكن تعويض اللائيكية بالعلمانية. هل يمكن بناء الجمهورية مع التنازل على اللائيكية؟ اليس من الاقوم شرح الموضوع للمجتمع التونسي في شكله العريض بان اللائيكي يمكن ان يكون مسلما والعكس صحيح ايضا؟
كل شيء ممكن، ولن نتقدم ما لم نحدد بالظبط ماذا نريد.
جملة من الاسئلة تفرض نفسها. لنحاول تحديد الاسئلة اما الاجوبة /الجاهزة والشاملة الكاملة/ فنتركها… لها اصحابها.
ماذا تنوي ان تفعل كل فصيلة من فصائل المعارضة بالحكم ان هي تسلمته هذا الاسبوع مثلا؟
الى المشروع الجمهوري في اشكاله الممكنة اذا.
نبدا بالعلم الذي ليس جمهوريا. من منا مستعد لاعادة النظر في العلم؟ علم الجمهورية لا يمكن ان يحمل رموزا دينية كما لا يمكنه ابدا ان يشبه علم بايات تونس. ما العمل مع العلم؟
حقوق المراة! لا جمهورية اذا كانت المرأة مواطنا من درجة ثانية، وهي حسب التشريع التونسي مواطن من درجة ثانية، لا لأن اجر المرأة مقابل نفس العمل اقل من اجر الرجل عموما، فهذا لا تخلو منه حتى تلك الدول التي قطعت اشواطا بعيدة في البناء الجمهوري الديمقراطي، بل لان المرأة لا تحصل الا على نصف الميراث، وهو قانون الشريعة الاسلامية. جمهورية بقوانين امارة اسلامية؟ سؤال يفرض نفسه: لماذا لا تثار هذه القضية من طرف المعارضة كلما تبجح سلاطين تونس، القدامى والجدد، بتحريرالمرأة وبمساواتها بالرجل؟ ماذا تنتظر المعارضة الديمقراطية حتى تثيرهذا الموضوع؟ لن تقوم لنا قائمة ما دمنا نغبن المرأة حقها، وهو حق طبيعي!
لا يستطيع اي بلد ان ينفصل عن محيطه وان فعل فبتبعات ومخلفات كبيرة. و المحيط العربي لن يهزج لسقوط حكم مستبد شقيق، وفقدان احد اعضاء العصابة الكبرى. هل من امكانية لجر المحيط العربي الى ان ينحى هو ايضا منحى الجمهورية؟ ام نختار التملق له و”تطبيع العلاقات” كما دأبنا على ذلك فيما مضى، وفي ذلك وأد لفرصة قد لا تتكرر؟ ام نغلق دوننا باب جمهوريتنا؟ ما العمل؟
اي توجه اقتصادي تنوي مختلف الفصائل تبنيه؟(المقولات المتداولة من نوع: “رئيس كل المواطنين” لا تنطلي الا على الاطفال اوعلى الكبار المتظاهرين بالغباء)مصالح العامل تتعارض ومصالح صاحب العمل مثلا، عمن ستدافع كل فصيلة من فصائل المعارضة؟ ماذا عن مشاريع البرامج الاقتصادية؟
يتردد في صفوف المعارضة الحديث عن الحرية. لا شيء اجمل من الحرية طبعا واجمل من المفهوم الممارسة اليومية. هل نتحدث كلنا عن نفس الحرية؟ هل حرية العامل التونسي تنسجم مع حرية الشركات العالمية، مثلا؟ هل منا من يرى في ممارسة الحرية ميوعة… او حتى كفرا؟ هل منا من يرى في حرية المرأة بدعة ومروقا عن.. الخ؟ هل منا من يرى في الحرية الجنسية زنا وزندقة و.. الخ؟ كيف ترى كل فصيلة من المعارضة الحرية مفهوما فكريا و ممارسة يومية؟
كيف ستتعامل السلطة الجديدة مع المواطنين؟ من يرى فيهم عامة؟ وهو مفهوم يميني وبالتالي تسلطي. ومن يرى فيهم مواطنين ومواطنات؟ وهو مفهوم يساري وبالتالي تحرري.
كيف ستتعامل السلطة الجديدة مع المعارضة؟ ومع كل معارضة على حدة؟
كيف ستتعامل مع النقابات؟ هل تقبل اصلا كل فصائل المعارضة بوجود نقابات مستقلة؟ من يريدها نقابات “متعـقـلة” ومن يريدها “وطنية”؟
كيف ستتعامل مع وسائل الاعلام؟ من مع تحرير وسائل الاعلام و من يرى فيها نافلة ومن لا يرى فيها شيئا ومن يرى فيها مطية ومن يرى فيها اداة عملية؟ ماذا عن تمويل وسائل الاعلام؟
هل هناك برنامج مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات(المساواة في الاجور، المساواة في الميراث!!!) من مع تدجين المرأة ومن مع تحريرها من كل القيود؟ من سيفرض عليها لباسها /ويرجمها ان لزم الامر/ ومن لا يهمه الامر مطلقا؟ هل من مشاريع اخرى؟
ما مصير من تورط في جرائم خلال فترة الحكم الدكتاتوري؟ من مع التسامح الكلي ومن مع الجزئي ومن مع ملاحقة جلادي الامس؟
هل هناك التزامات تونس الدولية التي يمكن اعادة النظر فيها؟ ماذا نعرف عن تلك الالتزامات التي تبقى ،حتى في ظل الديمقراطيات، سرية، فما بالنا تحت الانظمة الدكتاتورية؟ هل لتونس بعض من هذه الالتزامات الحساسة؟ من تلك التي تمس بتونس؟ من تلك التي تمس ببلدان عربية اخرى؟
هل هناك مشاريع مساعدة التوانسة المقيمين في الخارج على العودة؟ من مع جمع الشتات ببرامج وطنية باهضة الثمن؟
هل من امور تمت تحت الدكتاتورية ويجب اعادة النظر فيها: شركات، عقارات، مؤسسات، ديون، اصدارات، كتب، برامج تربوية، شهادات…؟ من مع الغاء كل ما تم تحت الكتاتورية، مع اختيار “تابولا رازا”؟
كيف ستتصرف كل فصيلة من المعارضة مع الحكومات الاروبية وخصوصا مع تلك التي كانت ترى في الدكتاتور “الصديق بن على”؟ كيف ستتصرف المعارضة مع اصدقاء الدكتاتورالسابق، مع الاروبيين؟ ومع العرب؟ سؤال يولد من الذي قبله: هل تعتبر ديمقراطية تلك الدول التي تدعم الاستبداد؟
سؤال اخر في هذا الموضوع: هل الدول الغربية اوما نسميها كذلك وامريكا معها مهتمة بقضية الديمقراطية في بلدان العالم الفقير؟ بكلمات اخرى هل من مصلحة “العالم الديمقراطي” وبالذات الحكومات ودوائر المال والاعمال نشر الديمقراطية، في نسختها الاروبية التي نعرف، في بلدان اخرى؟
هل من سبب واحد مقنع، لا يكون ادبيات عامة، يجعلها تدعم الديمقراطية في بلداننا؟
هل لنا ان ننتظر مساعدة وسندا في البناء الديمقراطي من حكومات البلدان الديمقراطية؟
متى يقلع بعض من هم في المعارضة عن ترديد خطب الدكتاتورية عن النمو الاقتصادي التونسي؟ متى نطرح اسئلة من نوع: هذا ما كسبنا من تنمية ولكن، كم لم نكسب بسبب الفساد والدكتاتورية؟ كم لم نكسب؟ قرأت لمعارضة تونسية خطابا جاء فيه ان “تونس و رغم كل شيء ليست على قائمة الدول المتفشي فيها الفساد”. يا للمكاسب! لسنا على رأس القائمة! نفس المواطنة تتحدث عن نجاحات تونس الاقتصادية. المعلوم ان قائمة الدول المتفشي فيها الفساد تعدها جهات دولية عدة، اغلبها من منظمات غير حكومية ومن صحفيين ومن رجال اعمال وسياسة. فأذا كان التشاد مثلا على رأس القائمة/ والامر كذلك حقا/ فانها كارثة على الشعب التشادي. ولكنها نصف كارثة ذلك ان كل تلك المنظمات استطاعت ان تتحرك في جو نسبي من الحرية داخل التشاد وجمعت ما يكفيها من معلومات. اما في تونس فان الصحفيين الاجانب يضربون احيانا بالسلاح الابيض خلال زياراتهم لبلادنا. من احصى وجمع المعلومات عن مستوى الفساد في تونس؟ وكيف السبيل الى ذلك؟ وما هو الترتيب الحقيقي لتونس في تلك القائمة؟ هل يعقل التعامل مع الارقام بكل تصديق ووثوقية! البلدان الاروبية تعرف فضائح الفساد والمحاكمات تقام من حين لاخر هناك، بالمقابل لم اشهد محاكمة واحدة لمسؤول عربي او افريقي واحد تورط في قضية فساد ورشوة! هل اروبا اكثر فسادا منا؟ والنجاحات الاقتصادية ايضا نعرف عنها، خلاف ارقام المؤسسات الدولية التي استشهدت بها السيدة الرئيسة، انها نسبية جدا/ اقصد الارقام/. التونسيون يعلمون عن المديونية الفادحة للدولة: القنبلة الموقوتة. وعن الديون الدائمة للعائلات التونسية وعن ارقام البطالة الحقيقية: تـُرفض كلمة “لا شيء” في خانة المهنة ببطاقة التعريف مثلا، لا يرفت التلامذة من المعاهد رغم النتائج الضعيفة فيكون لهم نشاط محدد في نفس تلك الاحصائيات والارقام السابقة الذكر. والتونسيون يعرفون بحرا من الامثلة لهذه التقنيات في التزيين.
متى نقلع عن العفوية، الحقيقية والمصطنعة؟
هل يكتفي المواطنون التوانسة بعد سقوط الدكتاتورية بان يهزجوا لمن ساد و يشمتوا بمن دان؟ هل يتحركوا حتى لا تتحول التركيبة الحاكمة الجديدة الى دكتاتورية جديدة-قديمة؟ كيف تلقح المجتمعات ضد وباء الدكتاتورية؟
متى يجد التوانسة لقاحا فعالا ونهائيا ضد فيروس قصر قرطاج المتسبب في مرض الرئاسة مدى الحياة؟
هل التونسيون والتونسيات في حاجة اصلا لقصر قرطاج؟ الا من سبيل الى تحويله الى متحف تحيط به حديقة غناء يجلب ارباحا تصرف في امور اكثر جدوى، كمساعدة مادية ومعنوية لضحايا من اقاموا بالقصر مثلا، او ارساء برنامج وطني يحارب الاستبداد فكرا و ممارسات؟ الا يمكن لرئيس الجمهورية ان يقيم بعقار اقل ابهة؟ هل هناك من التونسيين من هو ضد بعض التواضع من الرئاسة؟ ثم فيما المغالاة والترف، وتونس ليست دولة عظمى ورئيسها لا يمسك بمصير العالم؟
ثم عن قصر قرطاج، الا يكون من الصواب تاميمه فعلا، بدل ان يكون ملك عائلة تونسية واحدة كل مرة؟ وتاميم مضاعف لكل املاك الدولة من عقارات ومتاحف و … او ابتداع صيغة جديدة للتأميم، استثنائية لتونس… تستحيل بعدها كل الحلول… مهما كانت “ذكية”؟
كيف يمكن للمواطنين احتلال رقعة واسعة من الحياة السياسية والاجتماعية حتى يضربوا انطلاقا منها كل محاولات هيمنة جديدة؟ على النمط الاروبي: المجتمع المدني؟ انماط جديدة من صنع تونسي صرف؟ ما ملامحها، ولو جزئيا؟
بعد عقود طويلة تحت “سلطة الاوغاد” وهيمنة “الرديء” و رواجه و نشر ” الوضاعة” والتأسيس لها كمبدأ سلوكي وسلم مقاييس في كل مجالات الحياة، ماذا سيفعل التونسيون حتى يستأصلوا قبح الماضي، الفكري منه والاخلاقي؟ ارض رديئة لا تنتج الا ممارسات رديئة من فريق الحكم مهما كانت نواياه في البداية؟
متى ينظم التوانسة عملية مقاطعة شاملة لكل السلع والخدمات التي تقدمها مؤسسات تهيمن عليها مباشرة او بطريقة غير مباشرة العصابة الحاكمة؟ و متى تنظم عملية مقاطعة مماثلة لكل الاحتكارات العالمية التي لا تجلب للمجتمعات الا تلوث البيئة، الفقر، الديون، الموت والدمار؟ عملية المقاطعة لا تكلف شيئا، بل العكس هوالصحيح! فيها توفير كثير وتخلص من دوامة الديون التي تغرق فيها العائلات التونسية حتى الاذنين!
هل يعقل ان تشارك في عملية بناء الجمهورية تلك الفصائل من المعارضة التي تورطت في تعاملات مع الدكتاتورية، السابقة و/او/ الحالية؟ واصحاب “مكره اخاك”؟
اليس من المعقول اعطاء الفرصة اكثر والاصغاء الى هذا الجيل الجديد الذي اشتد عوده في العقدين الاخيرين؟ وذلك الجيل من المناضلات ممن يقض مضجع الدكتاتورية اليوم؟ شباب تونسي اخر ظهر في تونس: يتكلم الانقليزية ويجيد استعمال التقنيات الحديثة ويكتب بطريقة مستحدثة، فيها من العفوية والقرب من الشارع التونسي الكثير ومن ترك القوالب الجاهزة الكثير ايضا. الحديث عن الشباب الذي سلم من مرض ممارسة الاستاذية ومن الابهة الخاوية/”الوهرة بالطلوق”/.
هل تـُحارب عبادة الذات بعبادة ذات مضادة؟؟؟
جيل لا يكبر في عينه احد! هذا هو المطلوب! اليست حركة المعارضة في حاجة الى تدفق قوى جديدة؟ قوى لم تتورط بعد في اي علاقات مريبة مع المحيط السياسي التونسي؟
متى تنوي مختلف فصائل المعارضة الديمقراطية توحيد الصفوف و رسم برنامجا للمستقبل؟
عن حماية البناء الديمقراطي.
هل من سبيل الى اعادة هيكلة الجيش/برامج تعليم وتكوين/ حتى يتحول من اداة حماية السلطان الى اداة حماية الجمهورية؟
الجيش التونسي الذي لا يقدر على خوض حروب ضد قوى اجنبية ولحسن الحظ انه لم يدخل معارك في العقود الاخيرة، ولا نريد منه ان يدخل معارك،يمكن ان يتحول الى ضمان للجمهورية. يضرب كل من يتطاول على القانون والمجتمع المدني، ويتصدى لكل من يتطاول على دستور البلاد. ان نعم، فكيف نضمن عدم تطاول الجيش نفسه على الدستور وكبح طمعه في السلطة؟ المثال التركي لا بأس به، ولم تكن تركيا تحافض على الجمهورية /مع كل عيوبها/ كل هذه الفترة، التي عرفت اكبر هزات القرن العشرين، لولا تلك “اللجنة العسكرية العليا” المتكونة من قادة الجيش والتي لا تعجب الاتحاد الاروبي. ذلك ان الاتحاد الاروبي يتجاهل ان نظام المناعة ضد الدكتاتورية الذي طورته المجتمعات الاروبية يفتقده المجتمع التركي الشرقي. هل كان امام الاتراك حل اخر؟ صحيح ان هذه اللجنة العسكرية تتدخل من حين لاخر وبدرجات متفاوتة في الحياة السياسية ولكنها مع ذلك تحافظ على الديمقراطية كشكل للحكم ولولاها لتحولت تركيا عدة مرات الى دكتاتورية رهيبة. اليس في ذلك استرداد من المجتمع للاموال التي تنفق على اعالة الجيش من ناحية وضمان من ناحية اخرى لبقاء البناء الجمهوري؟ اليس من مصلحة المؤسسة العسكرية نفسها ان تلعب دورا تاريخيا/ مع كل ملحمية العبارة/ في هذا المنعطف الخطير من تاريخ البلاد؟
ان كانت بعض او كل فصائل المعارضة لا تثق بالعسكريين، واصيبت بشك مزمن في امرهم بعد ما رأينا من احدهم، فهل من حل اخر حتى نوفر الحماية للبناء الجمهوري الهش في سنواته الاولى؟ لا اسهل من الانقلاب على جمهورية حديثة العهد. هل تترك جمهورية طفلة بلا درع واق بدعوى /صحيحة جدا/ان المؤسسة العسكرية وكل قوة مسلحة هي خطر على الديمقراطية؟
الانطباع العام الذي يبقى بعد مطالعة كل ما تكتبه المعارضة التونسية وعند الحديث مع المواطن التونسي يتلخص في كلمات: “كيف وصلنا لهذا الوضع”؟ كيف حصل وخرج المجتمع التونسي من دكتاتورية ليدخل دكتاتورية اخرى اتعس؟ ولا شيء يمنع البلاد من دخول دكتاتورية اقبح بعد خروجها من هاته الجاثمة اليوم على الصدور. وسيكرر الشارع التونسي نفس عبارة: “كيف وصلنا لهذا”؟ ما العمل حتى لا تتحول “كيف وصلنا لهذا” الى الرياضة الشعبية الاولى في تونس؟
نبذة تاريخية: كل مرة اقترب فيها نظام استبدادي مبني على القومية او الدين او الطبقة من السلطة الا وتشرد جزء كبير من سكان البلاد المعنية. ذلك ان هذا النمط من الانظمة مبني على اديولوجية “التطهير” العرقي اوالديني او الطبقي. دولة اسرائيل العنصرية شردت الشعب الفلسطيني، كل البلدان التي عرفت ثورات شيوعية هرب منها ملايين السكان. كل مرة اقترب فيها الاسلاميون من السلطة الا وحصلت موجة هجرة جماعية، يهرب خلالها عدد كبير من المواطنين بالجلد في المعنى الصحيح للكلمة/ من الجلد والرجم والقطع/. اذ انه في كل مجتمع يوجد عدد كبير من المواطنين ممن، خلاف الاغلبية، يرفض التظاهر بالتقوى. هذا العدد يختلف من بلد لاخر، فيكون محدودا في بلد لم يعرف المدنية طويلا او لم يعرفها ابدا، ويكون اكبر في البلدان التي عرفت الحياة المدنية والتفتح على ثقافات اخرى وبعض الحرية النسبية طبعا. هرب اكثر من ثلاثة ملايين افغاني عند استلام طالبان السلطة/مليونان الى ايران/. طبعا الاحصائيات في فترات الازمات لا تشمل الجميع والاعداد الحقيقية اكثر بكثير. هرب مثلهم من ايران يوم فهم ابوالحسن بني صدر انه لن يجني شيئا وان رجال الدين استفردوا بالسلطة ولا ينوون طبعا اقتسامها. هرب اكثر من مليوني سوداني عندما اقتسم العسكريون، حكام الخرطوم، السلطة مع الاسلاميين. وعرف السودانيون واقعا جديدا: الى جانب جحيم الفقر، صديقهم القديم، ظهر جحيم الكبت، وجاءت دكتاتورية رجال الدين تردف دكتاتورية العسكريين. لماذا لم تهرب البقية اذا؟ هل البقية رحبت بحكم الاسلاميين وتبنت قضاياهم؟ ربما صدقنا بذلك لو قامت مظاهرات يوم ازاح العسكريون الاسلاميين عن السلطة وسجنوا قياداتهم بعد سنين من الانسجام والنهب المنسق. لماذا لم يتظاهر السودانيون؟ تظاهروا… في مناسبة اخرى. خرجت مظاهرة عملاقة مرعبة /مليون ونصف/ تجوب شوارع الخرطوم يوم بدأت الحرب على العراق. الا يعني ذلك ان الشارع السوداني يجيد الحركة الرافضة عندما يكون مقتنعا بذالك؟ الذين يهربون/ من كل البلدان المذكورة/ يغادرون بسبب الفقر؟ قد يكون هذا تفسيرا لولا وجود عدد من البلدان الاكثر فقرا ومع ذلك لا تعرف الا موجات الهجرة العادية تلك التي الفقر سببها.
لماذا هذا التقديم؟ السؤال بسيط: لو تغافل المجتمع التونسي مرة اخرى وقبل بحكم ديني فالى اين المفر لمليوني تونسي؟ الرقم ليس اعتباطيا ذلك انه كل مرة تدخل التقوى بلدا يخرج منه حوالي عشرة في المائة من السكان. “الثلث من اجل الثلثين” رقم مبالغ في سخائه، الاحصائيات تقول عشرة في المائة، و هي اكثر من كافية. لم تقم اية دكتاتورية حتى ابشعها في جرائمها بابادة ثلث المجتمع! الرقم القياسي في الجريمة تمتلكه “الخمير الحمر” حكام كمبوديا: خمس السكان(مليوني قتيل)! عشرة في المائة في المجتمعات التقليدية البدوية المحافضة، وتونس البلد الحضري والمتفتح سيعرف ضعف هذه النسبة، لذلك فعدد الفارين بالجلد يمكن ان يتجاوز المليونين. اغلبهم طبعا من النساء! الى اين؟ لن يكون للاثرياء مشكلة فكما تستقبلهم اروبا كل يوم ستستقبلهم منفيين. كان الامر دائما كذلك في تجربة التونسيين والشعوب الاخرى ايضا. المال وطن من لا وطن له! المشكلة ستواجه الفئات الهشة: التونسي والتونسية العاديين، الى اين؟ الى اين يهرب الفقير؟ من سيتحمل مسؤولية الفواجع التي تنتظرالمتمردين الضعفاء ماديا؟ تجربة الشعوب المشردة الاخرى تقول صراحة: لا احد!
لماذا لا يرفض التونسيون مسبقا ان يتحولوا في عقر دارهم الى مواطنين من درجة ثانية؟ وهم صائرون الى ذلك سواء احبوا ام كرهوا. فالمجتمع التونسي الذي بعُـد كثيرا /اوالاصح انه ما كان يوما قريبا/ عن تحجرالبدو وانغلاقهم، لن يكون في تقييم الحكم الاسلامي “مسلما بما فيه الكفاية”، ومهما حاول التونسي فانه لن “يرتقي” الى درجة المسلم بما فيه الكفاية. وعندما يدخل تونس احد البدو القادمين ممن درج في مجتمع محافظ جدا، فانه يُعتبر من الحكام مسلما مثاليا فيعامل الاجنبي القادم احسن ويبجل على ابن البلد. هذا ما يحصل في كل البلدان التي تحكمها الشريعة الاسلامية كليا اوجزئيا. ذلك ان الشريعة الاسلامية كما نعلم لا ترى وطنا خارج العقيدة. مشروع الخلافة الاسلامية! ايعقل ان يقبل التونسي بدور”نصف المواطن” ويعرف الغربة والميز الديني والهوان وهو في داره؟
خطر اخر يسدد ضربة قاضية لكل البلدان التي عرفت فاجعة الهجرة الجماعية: الاغلبية الساحقة ممن يفر يمثل طبعا الفئة المتعلمة المثقفة، الشريحة القادرة على التفكير الحر الخلاق وهم افراد يرفضون النفاق. عندما يغيب الفكر ومعه القيم الاخلاقية ولا تبقى في المجتمع الا العضلات الطيعة، فعادة ما يدخل مجتمع كهاذا فترة طويلة من العقم الحضاري الشامل(الامثلة كثيرة). من المسلمات ان القوة في معناها الاشمل هي نتيجة التحرر والانحطاط نتيجة التسلط. هذا ما تظهره تجربة البشر.
متى يتعلم المجتمع التونسي كلمة “لا” الرافضة، لكل من يقول له :”عندي الحل، انا منقذكم، اقبلوا حلي”؟
انتحار المجتمع يتم عندما تقول الاغلبية الكافية لبائع مريب:” قد اقتنعنا، نشتري، قرطس بضاعتك وهاتها!” لماذا لا نعرض عن كل بضاعة مريبة؟ و عن كل بضاعة عموما؟ ما الخطوات العملية التي يمكن ان تقود المجتمع التونسي في بناءه الجمهوري بلا مشاريع جاهزة ملفوفة في ورق مزركش؟ من ينشر مقالات لا ترد فيها البسملة المعتادة باحرف كبيرة الا في وسط الصفحة، بعد ان يكون القارئ قد ابتلع نصف.. النص، هو شخص يفهم جيدا انه يمرر شيئا غير مقبول او صعب القبول فيقدم على مخالفة مرفوضة عادة في السلوكيات الاسلامية! ام ان السبب اخر؟ ان كان اخر فما هو؟
ما العمل حتى تتمكن المعارضة من كنس الدكتاتورية الحالية والتصدي في نفس الوقت لكل محاولة دكتاتورية جديدة؟
هل المعارضة الديمقراطية مجبرة على التعامل ومساعدة المعارضة التي لا تعترف لا بالحرية ولا بالديمقراطية ولا بالمجتمع المدني نفسه؟ ان كانت مجبرة فما السبب؟ وان كانت ترجي النقاش فلماذا والى متى؟الحديث هنا لا يمس المساعدات الحقوقية فهي واجبة وتقدم لكل بشر دون اي نوع من الميز! الحديث عن التعامل السياسي.
حتى لا تعود المعارضة الاسلامية باتهام الديمقراطيين /بعضهم/ بانهم “يعارضون المعارضة”. وهذا الطرح من الاسلاميين خطير ويحمل ضمنيا فكرتين خاطئتين. عندما يتهم الاسلاميون المعارضة الديمقراطية بانها تعارض المعارضة فانهم بـالف ولام التعريف يبرزون التيار الاسلامي وكانه الـمـــعـــارضـــة الوحيدة اوالاساسية على الاقل وهذا غير صحيح. اما الامر الثاني في هذه المقولة فهو اخطر اذ انه من يعارض المعارضة اولا هو النظام نفسه ومن عارض المعارضة يكون في خندق واحد مع النظام الدكتاتوري وهذا ايضا غير صحيح. والمقولة المذكورة يمكن ان تكون كل شيء الا كلاما بريئا! سنحدد نهائيا من يعارض السلطة ومن يعارض النظام. بكلمات اخرى من تناقضه مع النظام جوهري لا مصالحة معه ومن تناقضه مع النظام ثانوي؟ الشرح بمثال: لن يستطيع النظام تطبيق مطالب وبرنامج المعارضة الديمقراطية /على الاقل الشق الجاد منها/دون ان يتخلى نهائيا عن الحكم ويقدم نفسه للمحاكمة. في حين انه قادر ان يطبق مطالب وبرنامج المعارضة الاسلامية دون ان يغادر السلطة دقيقة واحدة: ما عليه الا ان يسحب البساط نهائيا ويصفي نهائيا المعارضة الاسلامية في دقيقة واحدة بان يطبق الشريعة الاسلامية كليا او جزئيا الان وهنا! وهذا حصل فيما مضى في تاريخ البلدان العربية ويسمونه اقتسام السلطة! والنظام كان قريبا من هذا الحل في سنواته الاولى. من هو اذا في المعارضة الجوهرية التاريخية ومن يطالب بالسلطة فقط؟ اي من المعارضتين تعمل على كنس الاستبداد نهائيا فكرا وسياسة؟ وايها تتوق الى موقع المستبد لتنحى منحاه في نهاية الامر تحت شعارات اخرى؟ ماذا يقدم كل شق من الشقين للمواطن التونسي؟ اما اذا لم يكن تطبيق الشريعة هوالبرنامج للحركة الاسلامية ففيما اذا اسلامها ولماذا لا تقدم نفسها على انها معارضة ديمقراطية كغيرها؟ الا تستمد كل الاحزاب السياسية قوانين الحياة العامة من قناعاتها ومن مرجعيتها الاديولوجية؟ هل للاحزاب الاسلامية مرجعية اخرى تعلو على الشريعة الاسلامية؟ ومن يدفع بالمثل التركي كاسلام سياسي متمدن وديمقراطي فهو بطل سوء النية، لانه يعلم ،مثل الجميع، ان حال تركيا اخر: العصا (العسكريون وثبات لائيكيتهم) والجزرة (العضوية في الاتحاد الاروبي) وهذه الجزرة بالذات لن يقايضها المجتمع التركي مقابل اي شريعة مهما كانت. و احد اسباب المماطلة الاروبية وعدم الرفض الصريح لعضوية تركيا هو بالذات الحفاظ على الجزرة. هي القادرة على كبح جماح الاسلام الراديكالي في تركيا التي تشترك مع الاتحاد الاروبي في حدود برية وبحرية طويلة ومعقدة. ومن يتجاهل هذه الاسباب فهو يتغابى اي انه يتظاهر بالغباء وليس به. ام الامر غير ذلك؟
هل تعي المعارضة الديمقراطية التونسية /وفي بعض البلدان العربية الاخرى/ انها بين جبهتين: استبداد قائم واخر في حالة استنفار او تربص (حسب البلدان) وكل ذلك في ظل تواطؤ الدول التي تسمى ديمقراطية؟ اليس صحيحا ان تاجيل هذا النقاش الشائك لا يقدم في شيء؟ سينتهي الامر بفتح هذا الحوار ان عاجلا او اجلا! ماذا ننتظر؟ هل نحن على وعي بصعوبة المهمة؟ هل نحن في انتظار ايام اصعب حتى نحسم في الامر وننظم جبهة ديمقراطية عريضة(مضادة لكل اشكال الاستبداد)؟ ام انه للمعارضة الديمقراطية حسابات تكتيكية لا يفقهها البسطاء؟ ام انها في عالم اليوم صارت تتحاشى مواجهة لائيكيتها و التصريح بها والدفاع عنها؟ اليس الافضل ان لا يتفق الافراد من ان يتظاهروا بذلك؟
عودة اخرى الى المرأة! جزئيات حاسمة عن برامج مختلف فصائل المعارضة.
لماذا قامت القيامة مؤخرا بعد الحديث الاستفزازي المتخلف/المعهود/ من الوزير التونسي عن لباس المرأة؟
هل كان الاسلاميون ينتظرون منه طرحا جديدا؟
لماذا قامت القيامة من متدخلين رجال مع ان الوزير تحدث عن لباس المرأة؟ هل حرمهم من حفل تنكري؟
الا تعرف المرأة المسلمة طريق الانترنات؟
اتهم النظام التونسي بكل التهم ونعت بكل النعوت في عاصفة نادرة المثيل. لماذا الان؟
وكل الجرائم الاخرى التي يرتكبها كل يوم؟
والخراب الذي يسببه للمجتمع التونسي؟
والحرب التي يشنها على ابناء بلده؟
لماذا لا تقوم مثل هذه العاصفة / بهذه الشدة/من التنديد يوميا؟
وما حرك اقلاما من الجزيرة العربية، من اخر الدنيا؟
الا نفهم من هذا انه لو اغلق النظام التونسي غدا بقية الحانات بتونس، وجلد سكيرين او ثلاثة ورجم “زانية” من هنا واخرى من هناك، كان اعتبر نفس”المتدخلين”على انترنات ان النظام التونسي لا بأس به؟
اهذا ما وضعوا على رأس الاولويات في مشروعهم الاصلاحي؟
الا يذكرنا هذا بعاصفة مشابهة قامت ولا تزال قائمة بعد سن القانون الفرنسي الذي يمنع كل الرموز الدينية بالمعاهد؟
الا توجد مشاكل اخرى يتحد حولها الاسلاميون؟
لماذا لم تقم مثل تلك العاصفة كلما ضربت اسرائيل بالقنابل مخيمات اللاجئين الفلسطينين؟
لماذا لا نرى منهم دفاعا مستميتا كهذا على غيرهم من المسلمين لما يتعلق الامر بظلم الحكام وبالفقر والتشرد والضياع؟
لماذا لا يحركون ساكنا واكثر من نصف مسلمي العالم/خمس مائة مليون نسمة!/ يعيشون تحت الصفر؟
الا يتحرك الاسلاميون الا عندما يتعلق الامر بالمرأة؟
وخصوصا بجسدها؟
ماذا يجدون في جسد المرأة حتى يصابوا كل مرة بالهلع؟
هل اتحدوا يوما على غير ما يتعلق بجسد المرأة وبالمرأة عموما؟
احزاب نسوية بالمقلوب اوماذا؟
لماذا رأوا عمالة النظام التونسي في هذه النقطة؟
لماذا لا يتحدثون عن العمالة الحقيقية؟
ابهذا ارادوا مساعدتنا على دحر نظام دكتاتوري عميل؟
ان كان الامر كذلك فالافضل ان يساعدوننا/ كما يقول التوانسة/ بالسكات!
اليس من المنطقي انه اذا احب المرء الحياة فانه يرفض ان يعيش في بلد يحكمه رئيس مدى الحياة؟ اليست الحياة غنية ومتنوعة ومتجددة ومتغيرة؟ كيف نقبل اذا بفكرة الرئيس الواحد والحزب الواحد والكتاب الواحد والحقيقة الواحدة والعقيدة الواحدة… والمشهد الواحد؟
فيما عداء الاسلاميين للتعددية؟ مع انهم لا يرون سوءا/على ما يبدو/ في تعدد الزوجات؟
يكفي! لان الاسئلة متعددة هي ايضا، ومتجددة، وكلما تكاثرت الا واستحالت حتى النظرة النسبية لملامح المستقبل. الاكيد ان الاستبداد لا يدوم! وهزيمته اكيدة في نهاية الامر! السؤال متى وكيف؟ و كل الامور تحدث في نهاية الامر لاول مرة، بما في ذلك الجمهورية.
كما انه لا يستبعد ان تتكرر نفس الماساة مرة اخرى بانقلاب اخر ينصب عصابة اخرى لعشرات السنين. النظام فعلا لما يسقط بعد، وقد يبقى قائما لسنين طويلة. هل هذه عملية بيع جلد الدب قبل قتله؟ لابأس ان كنت بعته! بل هو امر نافع اذ اصبح عندها مجبرا على قتل الدب. م. البكوش

 

تعامل الحكومة مع الخطاب الديني بين التجفيف والتوظيف

بحري العرفاوي
رفع شعار ” تجفيف المنابع ” في بداية التسعينات كإجراء جوهري في مواجهة ما قدّر أنّه ” تطرّف ديني ” واشتغل تحت هذا العنوان ” مقاولون ” في هدم الأفكار الهدامة. يضربون على الاشتباه ويصوّبون في كل الاتجاهات واشتغلت آلات ” العقلانية” و ” التقدمية ” و ” العلمانية ” و ” الحداثة” في التصدي لأشباح ” الرجعية ” و” الظلامية” و ” القروسطية”.
كانت المعركة مزيجا بين السياسي و الإيديولوجي وكان ” الدين موقدا لتآكل الجميع”. السلطة لم يكن لها موقف عقدي من الدين وإنما هو موقف سياسي من طرف يستمدّ زخمه من دين الشعب ويستفيد من كنز مشترك غفل عنه الآخرون. وانضمّ إلى المعركة خصوم إيديولوجيون مستفيدين من شعار ” تجفيف المنابع” أكثر من السلطة نفسها، فالسلطة لم تكن علمانيّة وأعضاؤها لا يستنكفون من الطقوس ولا يجدون حرجا في تمجيد دين الشعب وفي الإتّكاء عليه أمام ” الجماهير”.
معركة ” تجفيف المنابع ” كانت معركة عشوائيّة انخرط فيها بعض ممن يقال ” مثقفون” وكثير من الرعوانيين في الصحف والوسائل السمعية والبصرية مع أن الكثير من المثقفين المتحزبين لم يقتربوا من هذا الحقل وعيا بتعقيداته وعمقه وأثاره المستقبلية.
وإذا كان لأيّ سلطة مبررات للدفاع عن نفسها ومغالبة خصومها أو منافستهم فإن من واجبها أيضا الانتباه إلى ما قد يترتّب عن أساليبها من مخاطر قد تكون أشدّ تهديدا.
الكثيرون استغلوا تخوّف السلطة من شبح التطرّف ليخوضوا معركة عقديّة ضدّ الشعب حتى أصبحت مجرّد ” البسملة” شبهة ناهيك عن أداء الطقوس وأصبح التجاهر بالكفر والسكر والتهتّك دليل براءة من لوثة التطرّف.
وأدركت السلطة نفسها أنها في مواجهة تطرّف جديد: استشراء العنف والجريمة وبوادر تفكك الأسرة والتمرّد على المشترك من القيم ولم تنفع شعارات ” السلوك الحضاري ” و ” التمدّن” و ” الحداثة” في مواجهة انحدار سريع نحو ” البدائيّة” فكانت دعوتها إلى “حملة أخلاقية” اصطدمت بمبدإ ” الحريّة الشخصيّة” ثم رأينا “التجمعيين” يملأون المساجد وهي إشارة ذكيّة لطمأنة الناس بأن التديّن ليس بالضرورة ” تطرّفا ” وأنه لا شبهة في الطقوس بل وبادر تجمعيون بإذاعة تراتيل القرآن في أكشاكهم ومحلاتهم بشكل لافت.
فهل أدركت السلطة بأن شيوع العنف والجريمة هو نتاج ضمور الوازع الديني وان الدين هو مصدر الأخلاق والطمأنينة؟
لا حاجة للتأكيد على فطريّة التديّن وكثافة المخزون الديني في مجتمعاتنا. هاهي المساجد أكثر إمتلاء ونسبة الشباب هي الطاغية، لكنّ السؤال من أين يتلقّى هؤلاء معارفهم الدينية ؟ من الخطب الجمعيّة ؟ من الفضائيات ؟ من الكتب المدرسية؟…
هذا السؤال مطروح على السلطة قبل غيرها لكونها ممسكة بالملفّ الديني ولكون الدين دين الشعب وهي مسؤولة عن مصالحه الاقتصادية والأمنيّة والمعرفيّة ولن ينقص من مدنيّة الدولة شيئا اهتمامها بالخطاب الديني بما ينسجم مع متطلبات العصر ويسهم في بناء ” المواطن الحيّ ” في وعيه وإرادته ووطنيته واستقامته وتوازن شخصيته وانفتاحه على إبداعات العقل البشري.
” الدين” حقيقة وآثاره السلبيّة أو الإيجابية مرتبطة بمنهج التعامل معه.
الذين ” ينصحون” السلطة بالابتعاد عن القاموس الديني حتى لا تشوب حداثتها شائبة لا يحسنون تقدير خطورة المسألة ونحن نشتغل على حسن نيتهم، فالدين مبثوث في كلّ تفاصيل حياتنا ومفاصل علاقاتنا بشكل من الأشكال. وحتى لا يكون بشكل سلبي نؤكّد على ضرورة أخذه بجديّة حتى لا نفاجأ بمفاهيم غريبة لن نكون بمنأى عن نتائجها.
نحن نتفق مع دعاة ” تجفيف منابع ” كل ّ المخاطر، لكن علينا أوّلا حسن رصد هذه ” المنابع” حتى لا نكون كمن يغمض عينيه لئلا يرى المستنقع فإذا به يقع فيه.
بعض ” المثقفين ” لا يمكن الاطمئنان إليهم، معرفيا، فهم تارة يرفعون شعار ” اللائكيّة” وحينا يتحدثون عن ضرورة حماية قداسة الدين فلا يُدنّس بحشره في المناشط العامة.
 
ومثل هذا الموقف لا يمكن اعتباره لا سياسيا ولا حتى ايديولوجيا بقدر ما هو صادر عن ” جهل” بطبيعة ” الإنسان” ودلالات الدين أصلا.
أما تعاطي السلطة مع ” الملفّ الديني” فيبدو سطحيّا ومرتبكا لأسباب لا تكون إلاّ سياسيّة فهي تحاول عدم حشر الدين في السياسة حفاظا على مبدإ ” فصل الدين عن السياسة” وتجد نفسها حينا تلجأ إليه عبر المنابر الدينيّة الرسميّة في المناسبات خاصّة.
وإذا كنّا لا نرى حرجا شرعيّا ولا أخلاقيا في الدعوة للملوك والرؤساء بالهداية والرشاد والتوفّق في خدمة العباد، فإن علينا النظر بصدق في مدى قدرة هؤلاء المتكلّمين في الدين على التواصل الوجداني والمعرفي مع عامّة الناس ومع الشباب المثقف خاصّة. ولا يتعلّق الأمر، بذوات هؤلاء الخطباء بقدر ما يتعلق بمدى انسجام هذه الخطب المناسباتية في خطاب ديني هادئ وعميق نافذ إلى عمق الذات فكرا ووجدانا ومشاغل عيش ومعاني وجود.
يكتفي الخطاب الديني الرسمي بشعارات كثيرة من نوع ” الدين تسامح وتضامن وعدل ورحمة وعلم وعمل…” وكل المصطلحات الاطلاقيّة دون القدرة على نسج ملامح خطاب عميق ورصين يشدّ إليه الشباب خاصّة حتى لا يُملأ فراغه المعرفي، دينيا، من مصادر قد تكون غير مناسبة وهو ما أصبح ملحوظا فعلا.
لسنا أمام حتمية اختيارية ” التجييش أو التهميش” فإذا كان مطلوبا الحذر من خطاب ديني مجيّش سياسيا فإنه مطلوب أيضا التنبّه إلى مخاطر إفراغ الخطاب الديني من كلّ معنى… ولا يغني اللجوء إلى كثافة ما يعتقد أنه أنشطة ترفيهية شبابيّة أو فتح أكثر ما يمكن من عيادات الروحانيين والفلكيين للتخفيف من الفراغ الروحي الذي ينتج عن خواء الخطاب الديني علاوة على ما تفرزه تلك البدائل من سخف و أوهام في عصر المعرفة المعقّدة والمخاطر المحدقة.
وإذا كانت السلطة متحرجّة من إشكال نظري ( غير محسوم) ” علاقة الدين بالسياسة” فإنه أكثر إحراجا أن يهمس الناس بمسؤوليتها عن القصور الديني وتوابعه.
وأمّا أن تكون متوجسّة من مخاطر ” التطرّف” فإنّه لا ينشأ إلا في فراغ ولا يروّجه إلا من يعتقد أنه يثأر للدين من مهمليه. ولا تنقبض إلا الكفّ الفارغة.
إن خطابا دينيا هادئا محوره ” الإنسان” لا يمكن أن يكون عنيفا ولا حاقدا ولا منتقما و لا يمكن أن يمارس به أحد وصاية على غيره ممّن يشتركون معه في المواطنة أو الإنسانية.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 342 بتاريخ 6 جانفي 2006)


جندوبة

البلدية مشغولة عن التنمية بالنشاطات الدعائية

رابح الخرايفي
تنــجــز بلــدية جنـــدوبة المــدينة كل ما يطلــبه منها “التجــمع الدسـتوري الديــمقـراطي” لكنها كثيرا ما لا تســدي الخدمات التي يطلبها المنتفـعون الآخرون، إذ تفــتح قاعــتها لاجتماعات الحزب الحاكم فقط رغــم أن القاعــة ملك الشعـب، و تقـــوم بتعليق أعلام بها صورة رئيس الجمهـــورية وأخرى كتب عـليها “7 نوفــمبر” و لافــتات كتبت عــليها شعارات دعائية.
وفي الوقت نفسه لم تعتن البلدية بالحــديقة العمومية الكائنة بساحة الشهداء في قـلب المدينة و التي تبعد عــن مقــر البلدية عــشرين مترا، فــقــد تحولت إلى مصب للفــضلات التي يخلفها تلاميذ المدارس المقابلة للحديقــة و اقــتُلع عشبها و كُسرت أشجارها و أصبحت مكانا لقـضاء الحاجة البشرية. زد على ذلك أن قاعة السينما الوحيدة البائسة و التي هي ملـــك البلديـــة هجــرها الجمهـور لبؤســها فـتراجعت مداخــليها ، أما مـدارج ملعب كرة القــدم فيقال إنها مغطاة بينما هي عاريــة للأنواء لا يمكن الجـلوس بــها فــي الشــتاء .
أليس مــن الأجـدر ببلــدية جــندوبة أن تعــتني بخــدمة المواطــن المنتفــع عـــبر تهــيئة فــضاء عــمومي لقـضاء الحاجة البشريـة لا سـيما انه يحدث أن تضطر امرأة لهذا فلا ملجأ لها غير طرق أبواب المتساكـنـين، و أن تقــوم بترميم قاعة السينــما لتنشيط العمل الثقافي إبرازا لدورها الغائب في هــذا المجال و تغــطية ملعب كرة القــدم المعـشب تشجيعا لإقــبال الجمهــور، والاعــتناء بالحــديقة العــمومية التي تمثل رئة المدينة بتنظيفــها و تركيز حاويات داخلها؟
ينــبغي أن تكــف البلـــدية عــن صرف أمـــوال دافـعي الضرائب في ” المختلفات ” والإعانات الغامضة و المجالات الدعائيـــة التي تكرس زيـــف شعارات ” التقــدم ” و ” الإنجازات “، هـذه الشعارات التي لا تمثل في الواقع إرادة المنتفـــعين مــن ناحية و تمثل شهادة زور مـــن ناحية أخــرى. أضف إلي هــذه المصاريف المهدورة في أغــراض لا صلة لها بالمنتفع أجور العملة الذين ينجزون هــذه الأعـمال ومصاريف وقــود الشاحـنة أو الجرار الذين يستخــدمان في تعليق تلك الشعارات بالطريق العام .
أخيرا ، أقــول لبلديتنا أن حالك هو حال المجلس البلدي الذي تحدث عـنه الشاعر بيرم التونسي في قصيدته ” المجلس البلدي ” ابحثي أيتها البلدية عن هذه القصيدة و اقرئيها لعلك تنتفضين من سباتك.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 342 بتاريخ 6 جانفي 2006)


الرديف: وقائع المدينة الغريبة

الرديف- محمد بن علي
عرفت منطقة الرديف عدة تراجعات مست مختلف أوجه الحياة فأضحت بذلك مدينة لا يستطاب فيها العيش وأصبح
مواطنها يشعر بالتبرّم والقلق جراء ما لحق هذه المدينة من نكبات وأعراض أصبحت بمرور الوقت مزمنة وبنيوية وكأنّه لا فكاك منها، وهذه الأعراض كما أسلفنا القول مست جل المجالات الحيوية التي هي على صلة وثقى بحياة المواطن، والتي لغرابتها لا يمكن أن يأتي عليها مقال واحد مختزل. وقد استفحلت المشاكل وتراكمت فتعاملت معها “الدوائر المسؤولة” باللامبالاة والتجاهل والصمت وكأنها قضاء مسلط وسيف مسلول على هذه البلدة وعلى أهاليها الطيبين والمشهود لهم بنضاليتهم السياسية والنقابية وحسّهم الوطني.
عندما نتحدّث عن الرديف فلا بدّ أن نبدأ بتردي العمل البلدي أو بالأحرى تراجعه على مدار مختلف الدورات الماضية والدورة الحالية ( أعضاء مجلس بلدي لا علاقة لهم بالمواطن أو بمشاغله، وقع اختيارهم وتزكيتهم لهذا الغرض ) فتحولت بذلك الرديّف من منطقة بلدية إلى ما يشبه مجلس قروي لا حلو له ولا قوّة، وهذا ما يلمسه المواطن في الخدمات البلدية المقدمة له على مستوى النظافة والبيئة والبناء الفوضوي وتدهور البنية الأساسية).
من جهة أخرى تدنت الخدمات الإدارية و انعدمت أحيانا حتى أصبح المواطن يعاني أتعابا جمّة جراء غياب فروع للمؤسسات الإدارية الجهوية بالمنطقة من قبيل الضمان الاجتماعي والتأمين والبنوك والمحكمة وغيرها، مما يجعل المواطن يلتجأ لقضاء شؤونه الإدارية إلى مصالح الولاية رغم بعد المسافة وما يتبع ذلك من إهدار للوقت والجهد و تزايد تكاليف الخدمات الإدارية التي تُقتطع من خبزه اليومي.
أما الخدمات الصحيّة فهي الأخرى مهانة، مستشفى يتيم بلا مختصين أو إطار صحّي مؤهل ولا تجهيزات اللهمّ ما يقوم بع بعض الأطباء المتعاقدون والقادمون من بعض الدول الاشتراكيّة السابقة من مجهودات واجتهادات إنسانية وطبيّة لاستنكاف بعض أطباء هذا الوطن على العمل في المناطق النائية التي تفتقر لمقومات الحياة بالمعنى الحضاري وهذا من حقّهم.
كما يشهد قطاع النقل خدمات بسيطة لا تفي بالحاجة وخاصة على مستوى الوسائل ونقص الأعوان والسفرات وعدم انتظام مواعيدها مثل الشركة الجهوية للنقل ” القوافل” والتي احتكرت النقل بالمناطق المنجمية بدون أي موجب رغم رداءة خدماتها ونفس الحال ينطبق على النقل الحديدي رغم ان الرديّف تعدّ من أقدم المدن التي ركّزت فيها السكك الحديدية بالقطر إبان اكتشاف الفسفاط.
أما المشكلة البيئية بالجهة فقد طال أمدها أكثر من اللازم وخاصة على مستوى التلوث جراء نفايات الفسفاط وتصحر بعض المناطق جرّاء تدمير الجبال المحتوية على الفسفاط وما يتبعه من أثر كارثي على البيئة وعلى الحياة بشكل عام. أما مياه الشرب فلم تعد صالحة لتلوثها بالمياه الكيميائية ومياه الصرف الصحّي و الفسفاط ممّا أضرّ بالمائدة المائيّة وتسبب في أمراض خطرة ووخيمة.
هذه باختصار شديد إطلالة عامة على المشهد الحياتي بالرديّف والذي يتطلّب تدخلا عاجلا. ونحن بهذه المناسبة ندعو كلّ الشرفاء والأحرار من صحافيين وأطباء وخبراء بيئة لمعاينة هذه الأوضاع المذكورة ميدانيا حتى لا نتهم بتلك التهم المعروفة ( الصائدون في الماء العكر).
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 342 بتاريخ 6 جانفي 2006)


خنيس

محطة تطهير تسدَ آخر متنفس للسكان

مدينتي يحيطها شرقا محطة تطهير جهوية تسببت إلى جانب الروائح “العطرة” في تلويث البحر الذي يقتات من خيراته عشرات العائلات ويشقها وادي أنشئ لحماية القصر الرئاسي سابقا فبقي منذ إنشائه محطة للأوساخ والأوبئة والحشرات. وتحيطها غربا منطقة تسمى “بالحماضة” حيث تُحرق الفضلات ولم يبق إلا الحدّ الجنوبي منفذا تتنفس منه المدينة. واعتبارا لان مسئولينا يؤمنون بضرورة إبداع الأهالي لطريقة تنفس جديدة ولو عبر الأقمار الصناعية والانترنت فقد قرروا أن يحدثوا في هذا الحد مركزا لتحويل النفايات وما شابهها حسب ما ورد في إشهار الانتزاع الذي بلغنا. رغم أن المركز المراد إنشاؤه يقع في محيط المائدة المائية حيث يحيط به عدد من الآبار التي أكدت الشركة التونسية لتوزيع المياه صلاحيتها للشرب.
ورغم انه قريب جدا من المنطقة السكنية ورغم أن الاهالى عبروا عن رفضهم للمشروع عبر عريضة أمضى عليها أكثر من خمسمائة منهم وجهوها للسلطة المعنية ورغم أن مسئولينا واعون بخطورة ما هم مقدمون عليه إلا أنهم مصرون على إتمام ما أرادوا “وكول والا طير قرنك”.
لذلك وأمام عجزنا عن إقناعهم بالعدول عن هذا المشروع نتوجه بنداء يائس إلى كل من يهمه الأمر من منظمات وأحزاب وكل مؤمن بحق الإنسان في بيئة سليمة أن يدافع عنا لأننا يئسنا من دفاع أولياء أمرنا.
“كل ما في بلدتي يملأ قلبي بالكمد بلدتي غربة روح وجسد غربة من غير حد غربة فيها الملايين وما فيها أحد غربة موصولة تبدأ في المهد ولا عودة منها للأبد.”
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 342 بتاريخ 6 جانفي 2006)


مسؤولية الحكومة عن التهاب سعر الزيت

فتحي الشفي ومحمد القرقوري
عرف الشعب التونسي الزيتونة منذ القدم فهي شجرة الخير والبركة رعاها بعناية فائقة، كما أنها إحدى العلامات البارزة في تاريخ تونس ارتبط بها واكتشف منافعها الصحية والغذائية. ونصح أجدادنا باستعمال زيت الزيتون لعلاج عدّة أمراض قبل أن يكتشف العلم الحديث أخيرا أهميته لصحّة الإنسان والتي تمّ تسليط الضوء عليها من خلال الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية قبل 30 سنة والتي ساعدت في تعميق إدراك المستهلكين لتلك الفوائد في عديد البلدان، منها أستراليا واليابان وتايوان وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والخليج العربي نافع لتنشيط الحركة الدموية والوقاية من الجلطة القلبية ونموّ العظام والوقاية من أمراض السلطان المختلفة وتخفيض نسبة الكوليستيرول والدهون في الدمّ بالإضافة إلى الحفاظ على نعومة الجلد وصحّته .
مع ذلك لا نجد في وسائل الإعلام المحلية أي برنامج أو إشهار لاستهلاك زيت الزيتون لأن الحكومة تعتبر أن التصدير هو أساس سياستها الاقتصادية لغزو أسواق جديدة، وبهذا المعنى فإن حرمان المواطن من زيت الزيتون يأتي في إطار “التضحية والنهوض بالبلاد وتنمية الاقتصاد والتقشّف وتحصيل العملة الصعبة”. وبناء على ذلك تعتبر الحكومة أن أسعار الزيت في السوق المحلية تحددها جملة من المعطيات الموضوعية باعتبار أنه موجّه أساسا للتصدير .
لكن في هذه السنة التهبت الأسعار وراقب المواطن تغيّر ثمن الزيت صباحا مساء كأنه في بورصة الأوراق المالية وأصيب بعجز تام على فهم الأسباب الحقيقية لارتفاع الثمن. ومعلوم أن تونس تعتبر من أهمّ منتجي الزيت وتحتلّ المرتبة الرابعة في العالم بعد إسبانيا وإيطاليا واليونان ويقدّر عدد معاصر الزيتون ب 1440 معصرة في البلاد تمّ تأهيلها لتوفير 23 ألف طن من زيت الزيتون الرفيع يوميا طيلة الموسم الذي يمتدّ من شهر نوفمبر إلى شهر مارس. كما أن ثلث الأراضي التونسية مخصص لغراسات أشجار الزيتون ويبلغ عدد الأشجار نحو 1.656 مليون شجرة 31 % منها أشجار شابّة و 54 % أشجار في طور الإنتاج و 15 % أشجار مسنّة. ويتوزّع الزيتون في تونس على عدّة أصناف منها الشملالي والشتوي والوسلاتي والزلماتي والمسكي والباروني والقفصي .
ولعب الديوان الوطني للزيت دورا كبيرا في النهوض بغابات الزياتين منذ تأسيسه في أواسط ثلاثينات القرن الماضي إذ أشرف على حماية شجرة الزيتون بمداواة الغابات مجانا وقدّم النصح والارشادات للفلاّحين، وهو يملك مخابر عصريّة للتحليل وأعوانا لهم خبرة في تذوّق الزيت ويقوم بتأطير الطلبة في مخابره. كما احتكر الديوان جلّ الصّابة من المنتجين وهو يملك طاقة خزن تقدّر بـتسعين مليون كلغ ويشرف على ترويج الزيت في السوق الداخلية والتصدير ولعب دورا رئيسيا في استقرار أسعار الزيت حماية للمستهلك من خطر المضاربة والاحتكار. ومع توجّه الدولة للخصخصة عمدت إلى فسح المجال للخواص لشراء الزيت والخزن وقدمّت حوافز وإعفاءات ضريبيّة عند التصدير وقلّصت من دور الديوان إذ انتهجت سياسة التأهيل وتسريح الأعوان والتفويت في مخازن الزيت، ولولا معارضة النقابة الأساسية بصفاقس للديوان واستبسالها في الدفاع على المؤسسة لتمّ بيع المخبر والإدارة الجهوية ومخزن شارع الجزائر بصفاقس. ومع سياسة الخصخصة أصبح الديوان تاجرا مثل الخواص وانسحب من دوره التعديلي لأسعار الزيت وتخلّت الدولة عن دعم الزيت. ويقوم الديوان اليوم باستيراد الزيوت النباتية مثل عباد الشمس والصوجا وزيت النخيل وتوزيعها على مصانع التكرير ثم يتكفّل بترويجها في السوق الداخلية، وعملت الدولة على دعم الزيوت النباتية وشجّعت على استهلاكها عوضا عن زيت الزيتون .
أما خارجيا فارتفع الطلب العالمي على زيت الزيتون في السنوات الأخيرة بزيادة 50 % ونما الاستهلاك بشكل غير عادي في أسواق جديدة مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة واليابان وتايوان، ويُعزى الإرتفاع إلى الوعي بالفوائد الصحية والغذائية لزيت الزيتون. وتعتبر اسبانيا واليونان من الدول الوحيدة المنتجة للزيت التي لها فائض سنوي وتوصف إيطاليا باللاعب الرئيسي في سوق زيت الزيتون العالمي باعتبارها المشتري الأبرز للزيت السائل وهي المصدّر الرئيسي للزيت المعلّب .
أما الكميّة المنتجة على المستوى العالمي سنة 2003/2004 فبلغت 2531300 طن والكمية المستهلكة 2495400 طن. وتشير البيانات إلى أنّ الصادرات التونسية وصلت إلى 6.04 مليار خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2005 وأنها ارتفعت بنسبة 9 % مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وتتوقع الحكومة ارتفاعا في قيمة الصادرات خلال العام الحالي بنسبة 8.3 % وتتمتع صادراتنا الفلاحية بالعديد من الاعفاءات القمرقية بموجب اتفاقات مبرمة مع العديد من البلدان العربية والأوروبية، وهذا يشجّع على التصدير أمام ارتفاع الطلب العالمي على استهلاك زيت الزيتون.
وبسبب الحوافز على التصدير من المنتظر أن لا يقع احترام الحصّة المخصّصة للاستهلاك الداخلي المقدّرة بما بين 40 ألف و50 ألف طن سنويا وقد ينجرّ عن هذا نقص في كمّية الزيت المعروضة في السوق وكثرة المضاربة والاحتكار والتلاعب ليرتفع ثمنه بشكل جنوني مثلما نلمسه الآن إذ نلاحظ منافسة كبيرة عند شراء “حبَ” الزيتون ويجوب عديد الوسطاء الأسواق للفوز بأكثر كميّة لتشغيل المعاصر، كما انسحب عديد “خضّارة” الزيتون الذين يعملون منذ سنين في هذا القطاع بسبب توافد عديد الدخلاء والأثرياء لأنّ الاستثمار في ميدان الزيت يعتبر هذه السنة مصدرا للربح السريع والثراء .
وتستأثر إيطاليا بكمّيات هامّة من زيت الزيتون السائل (قرابة 85 % من محصول الزيت المصدَر) وهو ما يحرم عديد مصانع التعليب ويهددها بخسائر كبيرة وبالإفلاس وطرد العمّال لعدم توفّر الزيت في السوق وقد تتأثّر عدّة مصانع مرتبطة بهذا القطاع مثل صناعة الكردونة والعلب الزجاجية …
وإزاء هذا الوضع فإن المواطن في حيرة كبيرة إذ صُدم للارتفاع الجنوني لأسعار الزيت وأبدى عديد المواطنين تذمّرهم من عدم تدخّل الدولة للتحكّم في الأسعار حماية للمواطنين. ويقول عامل يومي “الأسعار من نار ولا أستطيع التزود بالزيت مثل السنوات الفارطة وأخاف أن يحرم أطفالنا من زيت الزيتون ومن منافعه الصحية والغذائية”. وأضاف أن تونس من أوّل البلدان المنتجة للزيت وتحرمنا من مادّة أوصانا بتناولها أجدادنا. وهناك تخوّف أيضا لدى عديد المواطنين من سياسة الخصخصة التي تنتهجها الدولة في إطار تشجيع الشراكة والاستثمار الخارجي، فهل تُقدم على التفويت في غابات الزيتون باسم التطوير واكتساب التكنولوجيا وتعصير أدوات الإنتاج مثلما تعمل الآن على التفويت في مؤسسات أخرى رابحة.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 342 بتاريخ 6 جانفي 2006)


مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات العنوان : المنطقة العمرانية الشمالية – عمارة الامتياز – 1003 تونس الهاتف : 0021671231444 / 0021671751164. الفاكس 0021671236677 البريد الإلكتروني temimi.fond@gnet.tn الموقع على الإنترنت( باللغة العربية) ; www.temimi.org (site en français) www.temimi.refer.org تونس في 06 جانفي 2006
منبر نقاش حول :

قراءة ما بعد الحداثة والأزمة الترابطية نحن والآخـر في الزمـن الحاضـر

يشرف عليه الأستاذان الشاذلي العياري ومصطفى الفيلالي السبت 14 جانفي 2006 على الساعة التاسعة صباحا

تميّز الجدل القائم بخصوص العلاقة بين الـ ” نحن ” في مدلوله العربي – الإسلامي و الـ”آخر” في مدلوله اليهودي- مسيحي, بحركية متسارعة، منذ ‘تسونامي’ الحادي عشر من سبتمبر 2001. وقد تعددت اللقاءات الدولية، ذات الطابع العقائدي أو العلماني، خلال الأربع سنوات الماضية، حول أزمة العلاقة الترابطية بين ‘نحن’ و’الآخر’، تحت مظلة ‘حوار’ الحضارات أو الثقافات أو الأديان، إذ اعتبر ذلك برهانا ساطعا على ارتقاء إشكالية ‘الغيريّة ‘ إلى مصاف القضايا المجتمعية و الجغرا- سياسية الكبرى على مستوى العالم العربي الإسلامي بل إلى مصاف المسائل الرئيسية في ‘أجندا’ العلاقات الراهنة والمستقبلية بين الشرق العربي – الإسلامي والغرب اليهودي- مسيحي.
ومما زاد في حدّة تلكم الأزمة الترابطية قبل خريف 2001 و بعده, هو إطلالة الزمن الحداثي الجديد تحت رايات عولمة الأسواق و رقمنة المعلومات والتواصل, ليصل إلى درجة الانسداد والمأساوية التي لا نجد لها مرادفا في القطيعة المتعاظمة مع الغرب المسيحي-اليهودي, والذي لم يفتأ يخترق الأنوار، الواحدة تلو الأخرى، حيال شرق عربي- إسلامي مازال يئن تحت وطأة الظلام المتواصل.
إن تأريخ اختراق ‘الآخر’ الغربي إلى عصور التقدم والمعرفة والنماء والحرية وتغلغل الـ’نحن’ الشرقي في التخلف وانتفاء الحقوق والحريات, ليس بالأمر المهم في حد ذاته. والحاجة اليوم ماسة لإعادة إثارة الجدل القائم بخصوص أزمة العلاقة بين ‘نحن’ و ‘الآخر’ حيث لم تعد وليدة العوامل التي أسلفنا ذكرها، بل هناك معطى جوهري جديد, كان قد أضفى بعدا مستجدا على القضية، وهو المتعلق بتأكيد الخطاب ما بعد الحداثي.
فما هي القراءة ما بعد الحداثية لأزمة الغيريّة في أبعادها العربية- الإسلامية’-اليهودية المسيحية ؟ وما هي المفاهيم الجديدة من حيث الوجه السلوكي والعملي من جهة ثانية؟ وأخيرا كيف يمكن لنا أن نوفّق بين التيارين المتناقضين اللذين يحتكران راهنا الخطاب المعاصر حول الهويّة والذاتية والأصالة وأعني التيار العلماني ما بعد الحداثي المتنكر للتيار الديني الإسلامي التقليدي, وهو المدافع عن الخصوصية الثقافية ؟ هذه هي جملة الأسئلة التي سيثيرها منبر النقاش والذي سوف يشرف عليه أستاذان تونسيان فاضلان خبرا هذا الملف بمنهجية عالية وعميقة جدا, عكست تجربتهما الطويلة لهذا الملف.
والدعوة مفتوحة للجميع ابتداء من الساعة التاسعة صباحا في المقر الجديد بالمؤسسة المذكور أسفله.


 

اتجاهات الصحافة الالكترونية فـي العالم وفـي تونس

الصادق الحمامي

تشكل الصحافة الالكترونية احد اهم الانماط الاعلامية والاتصالية التي افرزتها شبكة الانترنات. كما تشهد الصحافة الالكترونية تحولات عديدة جعلت منها ظاهرة متغيرة تتفاعل مع التطورات التقنية والثقافية التي تعرفها الشبكة. ومن هذا المنطلق لا يمكن فهم واقع الصحافة الالكترونية في تونس إلا من خلال البيئة العامة التي تتحرك داخلها: فضاء الشبكة والنماذج الكبرى التي تحكم الصحافة الالكترونية العالميّة من جهة والفضاء السياسي والثقافي واستخدامات الانترنات في تونس من جهة اخرى. وسيحاول هذا المقال تحليل واقع الصحافة الالكترونية في تونس وفهم الديناميات التي تؤثر فيها والممارسات المتصلة بها

.

يثير مصطلح الصحافة الالكترونية عدة اشكالات تتعلق بتحديد الظاهرة التي تشير اليها. ثم ما هي المقاييس التي يمكن اعتمادها حتى نصف مواقع ما بأنها تنتمي الى صنف الصحافة الالكترونية؟. تتشكل شبكة الانترنات من مضامين متباينة ينتجها فاعلون عديدون. نقترح لفهم طبيعة هذه المضامين وما هية الصحافة الالكترونية التصنيف التالي

:

1) المضامين المؤسساتية

وهي جملة المضامين التي تنتجها المؤسسات باصنافها المختلفة (اقتصادية، منظمات عالمية جمعيات، مؤسسات حكومية، ادارة…) وتنتج هذه المؤسسات كمّا هائلا من المضامين بهدف الاتصال بجمهورها. ذلك أنّ الاعلام يشكل بعدا هاما للمؤسسات الاقتصادية والجمعيات والادارة ولهذه المضامين هدف تجاري او اشهاري (تحسين صورة المؤسسة) او عملي. ولا يخضع هذا المضمون لقواعد العمل الاعلامي ولكن لقواعد الاعلام المؤسساتي.

2) المضامين الشخصية

ينتج هذا المضمون الاشخاص الذين يستعملون الشبكة للتواصل ولبناء علاقات اجتماعية جديدة او للتعبير عن آرائهم. ولهذا المضمون الشخصي اشكال عديدة: الصفحات الشخصية: وفضاءات الدردشة ومنتديات الحوار والبلوغ (blog) او »المدونة» وهو نوع من المواقع الشخصية يتحدث فيها الافراد عن مسائل ذاتية حميمية او عامة. ويشكل البلوغ ظاهرة فريدة من نوعها جعلت الشبكة فضاء متاحا للافراد المغمورين. يتمتّعون من خلاله بحقّ الكلام والحديث في الشأن العام. وقد افرزت الممارسات الاجتماعية في مجال النشر الشخصي والتواصل الالكتروني جملة من القواعد يلتزم بها الاشخاص عندما يتحاورون في فضاء الدردشة او في منتدى للنقاش. كما ان للصفحة الشخصية او للبلوغ قواعد متعارف عليها ليس لها مصدر مؤسساتي تفرض على المستخدم إن انتج هذه القواعد، اتفاق عام حصل نتيجة ما يمكن و نسميه التحكم الذاتي لمستعملي الشبكة انفسهم.

3) المضامين الاعلامية

ينت هذا النوع من المضمون المؤسسات التي تنشط في مجال انتاج المعلومات فهي لا تنتج المضامين لاهداف اشهارية او للبحث عن حرفاء. هكذا تشمل الصحافة الالكترونية مواقع الواب التي تديرها مؤسسات يمثل الاعلام نشاطها الاقتصادي الرئيسي. وعلى عكس الصنفين المؤسساتي والشخصي فان المواقع الاعلامية تخضع لمقاييس ومعايير وضوابط العمل الاعلامي المتعارف عليها مهنيا سواء على مستوى الكتابة او الاخراج او على مستويات اخلاقيات المهنة.

يسمح هذا التصنيف باستبعاد بعض المواقع التي تبدو ظاهريا مواقع اعلامية في حين انها ليست سوى فضاءات لنشر الحوار المنفلت من قيود الممارسة الاعلامية المهنية.

بيئة جديدة

تنمو الصحافة الالكترونية داخل بيئة اتصالية متغيرة ومعقدة فالتحولات التي يشهدها المجال الاعلامي لا تشتغل وفق رؤية تبسيطية تتحدث عن ثورة تكنولوجيات المعلومات والاتصال التي تحدث قطيعة بين عالم قديم وعالم جديد. اننا نعيش مجالا وسائطيا حسب تعبير الفيلسوف الفرنسي ريجيس دويربه يتعايش فيه القديم والحديث بشكل معقد. وتمثل ظاهرة الاندماج (Convergence) احد المتغيرات الرئيسية للمجال الاعلامي. ويعني الاندماج تقارب صناعات ومجالات وتقنيات كانت منفصلة تاريخيا: المعلوماتية والاتصالات والوسائط السمعية البصرية ومن تأثيرات الاندماج تغيّر طبيعة وسائط الاعلام والتقنيات الاتصالية عامة. كان الهاتف المحمول مثلا وسيلة للتخاطب ثم انضافت اليه وظيفة اعلامية من خلال الامكانات التقنية التي توفرها تقنية الارتباط بالانترنات كما افرزت ظاهرة الاندماج اشكالا جديدة من البث كالتلفزيون الرقمي الارضي والتلفزيون عبر الشبكات الهاتفية. كما تتميز البيئة الجديدة لوسائط الاعلام، بما في ذلك الصحافة الالكترونية بتحرير المجال الاعلامي والمكانة المتعاظمة للقطاع الخاص وظهور اشكال جديدة من الاستهلاك تتميز بطابعها الشخصي كالـفيديو عند الطلب . كما تتميز هذه البيئة الجديدة بتغير الانماط التواصلية المجتمعية التي تحدد الفضاء العمومي. لقد كانت وسائط الاعلام التقليدية تشتغل وفق منطق عمودي واحادي ونخبوي وسلطوي ولا يسمح هذا النموذج الذي يوصف بالاعلام الجماهيري بالتفاعل بين وسائط الاعلام والجمهور. وبالمقابل فان تكنولوجيات المعلومات سمحت بظهور نموذج جديد لا مركزي سمح بالكثرة المعلوماتية التي نشهدها اليوم والتي مصدرها فتح المشاركة في الاتصال العمومي للافراد المغمورين (ظاهرة البلوغ) كما أنّ تكنولوجيات المعلومات ساهمت في تغيير طريقة عمل الوسائط التي توصف بالقديمة (تلفزيون، اذاعة، صحافة مكتوبة) واساليب عمل المؤسسات الاعلامية التي اصبحت تعمل وفق منطق الشبكة وترابط مختلف اقسامها (التوثيق التسويق والتحرير) والاستعمال المكثف لتكنولوجيات المعلومات في مختلف مراحل الانتاج (الارشيف والاستخدمات المكثفة للانترنات للبحث في الشبكة والتواصل مع الجمهور).

الصحافة الالكترونية: نماذج جديدة

.

تمثل الصحافة الالكترونية ظاهرة جديدة في طور التشكل لم تستقر بعد طبيعتها ومقوماتها وهي تتغير في الحقيقة لان الشبكة فضاء رحب للابتكار المستمر. ولكن يمكن تحديد جملة من الاتجاهات العامة لهذه الصحافة الالكترونية انطلاقا من التجربة العالمية التي تقوم على نماذج ثلاثة.

1) النموذج التقني

تقوم الصحافة الالكترونية على استثمار الامكانات التقنية للشبكة وتحدد هذه الامكانات طبيعة المضمون فالمواقع الموصوفة بالاستاتيكية لا تسمح بارساء علاقة تفاعلية مع القارئ في حين أن المواقع الدينامكية تسمح باستخدمات عديدة كالبحث في الموقع، وسهولة التحيين الآني وخلق فضاءات شخصية للقارئ تمكنه من اختيار المضمون الذي يتناسب مع اختياراته.

2) النموذج التحريري

تتميز الصحافة الالكترونية بأنها تقوم على زمنية جديدة حيث ان تحيين الموقع لا يخضع لمفهوم الدورية كما ان للصحافة الالكترونية بعدا تفاعليا مركزيا اذ يتعامل المستخدم مع المضمون الالكتروني بأكثر حرّية (البحث في الموقع والتعليق على المقالات…) كما تتميز مواقع الصحافة الالكترونية باحداثها لفضاءات النقاش العام حول مسائل تهم الشأن العام بأبعاده المختلفة من خلال فضاءات الدردشة والحوار وحتى البلوغ (لوموند)… كما تتميز مواقع الصحافة الالكترونية بتنوع المضامين ووسائطه المتعددة (صورة ونص وصوت) كما انها تعطي للقارئ حق المشاركة في انتاج مضمون الموقع من خلال توفير خدمة البلوغ.

3) النماذج الاقتصادية

هناك اليوم نموذجان رئيسيان يحكمان اقتصاد الصحافة الالكترونية نموذج مجانية المضمون والاعتماد على الاشهار لتمويل الموقع ونموذج المضمون بمقابل حيث يدفع المستخدم مقابلا ماليا (اشتراك شراء بعض المقالات…). وفي الحقيقة فان اغلب المواقع العالمية تعتمد هذين النموذجين في الوقت نفسه.

الصحافة الالكترونية في تونس: تطور محتشم

يسمح لنا فهم واقع الصحافة الالكترونية واتجاهاتها الكبرى برصد تطور الصحافة الالكترونية في تونس من خلال بيئتها العامة وممارساتها. من الناحية السوسيولوجية يمكن القول ان التلفزيون يشكل اكثر الوسائط الاعلامية انتشارا او استخداما. كما ان ظاهرة الهاتف الجوال في تنامي مستمر. وتتميز البيئة المؤسساتية باستراتيجية حكومية تشجع على الاستخدام الاجتماعي لتكنولوجيات المعلومات والاتصال (الحاسوب العائلي) واطار تنظيمي للاعلام تطغى عليها مسألة القوانين المنظمة للصحافة وحرّية الاعلام وطبيعة المؤسسات الاعلامية الخاصة والاشكالات الاقتصادية التي تطرحها .

اما من ناحية استخدامات الانترنات فان احصائيات الوكالة التونسية للانترنات تفيد ان عدد المستخدمين يقدر بحوالي 900.000 ولا تعطي الوكالة معطيات عن طريقة انتاج هذه الاحصائيات التي تختلف عن عدد المشتركين الفعليين.. (عدد العقود التجارية 68.000 وعدد العناوين الالكترونية 138.045) وتتميز الانترنات في تونس بضعف المضمون حيث يقدّر عدد المواقع التونسية باكثر من ثلاثة الاف (يوجد اليوم على الشبكة اكثر من 35 مليون موقع) كما يطغى على هذا المضمون الطابع المؤسساتي وفق التصنيف الذي وضعناه في بداية المقال وبنُدْرة او لنقل بغياب المضمون الشخصي. فالمواقع التونسية لا تشتمل الا نادرا على فضاءات الدردشة، ومنتديات الحوار ولا نعثر في الواب التونسي على صفحات شخصية. اما ظاهرة البلوغ فهي غائبة تماما..

كما تتميز الانترنات في تونس بضعف الارتباط ذي السعة العالية (Haut-débit)حيث تفيد احصائيات الوكالة التونسية للانترنات ان 10.000 تونسي فقط يتمتعون بنظام ADSL وحسب دراسة انجزتها شركة SIGMA المتخصصة في دراسة جمهور الاعلام فان 70% من مستخدمي الانترنات في تونس لم يتصفحوا ابدا موقعا تونسيا كما تمثل الدردشة حسب هذه الدراسة الاستعمال الاكثر شيوعا. اما مستخدموا الانترنات فأغلبهم ينتمي الى شباب الطبقات المحظوظه.

استخدامات الاعلام التونسي للانترنات

تتميز استراتيجيات المؤسسات الاعلامية التونسية الخاصة والعمومية بالتنوع ويمكن تصنيف هذه الاستراتيجيات على النحو التالي.

1)

استراتيجية التجاهل ـ الغياب

لا تزال بعض المؤسسات الاعلامية بلا موقع الكتروني واقتصر البعض الآخر على نسخة بسيطة من (PDF) للمضمون الاصلي ويمكن تفسير هذه الاستراتيجية بغياب معرفة الادارة بالامكانات الاعلامية التي توفرها الشبكة او بالخوف من نقص المبيعات او بتكلفة إنجاز الموقع وادارته.

2)

استراتيجية الواجهة

وتتمثل في الاقتصار على عرض نسخة من المضمون الاصلي مع اضافة بعض الخدمات (البورصة، الطقس، البحث في الموقع) وتمثل استراتيجية الواجهة اختيارا جيدا في مرحلة اولى على شرط اثراء الموقع بالوظائف التفاعلية (الدردشة وفضاءات الحوار والتعليق على المقالات الخ…) وبالمقابل فان عدم تطوير الموقع يشكل بعدا سلبيا لصورة المؤسسة الاعلامية.

3)

استراتيجية الاعلام التفاعلي

تعتمد بعض المواقع التونسية هذه الاستراتيجية التي تقوم على استثمار الامكانات التقنية والتحريرية للصحافة الالكترونية. كما انه من الهام الاشارة الى ان المواقع الاعلامية التونسية لا تقوم على استراتيجية اقتصادية واضحة اذ نلاحظ غياب بيع المضمون وندرة الاشهار. هكذا يتحول الموقع الى عبء اقتصادي على المؤسسة الاعلامية بما انه لا يشكل مصدرا لمرابيح تغطي تكلفة انجازه وادارته. كما تشهد الصحافة الالكترونية التونسية ظهور فاعلين جدد في المجال الاعلامي والاقتصادي والرياضي لا يشكلون امتدادا للمؤسسات الاعلامية التقليدية. وتتميز بعض هذه المواقع الجديدة بحرفية عالية وباعتمادها استراتيجيات تحريرية واقتصادية اكثر تطورا من مواقع الصحافة الكلاسيكية. اما فيما يخصّ الاحصائيات المتعلقة بجمهور القراء فان الصحافة الالكترونية التونسية لا تفصح عن حجم وطبيعة المستخدمين لمواقعها. باستثناء بعض المواقع الصحافة المتخصصة الجديدة مما يكثف من ضبابية المشهد الاعلامي الالكتروني في تونس الذي يمكن وصفه بانه يفتقر الى المقومات التقنية والتحريرية والاقتصادية التي تجعل منه قطاعا متكاملا ومتناسقا مع التطورات العالمية.

آفاق الصحافة الالكترونية التونسية

تتطور الصحافة الالكترونية بنسق بطيء كما انها تتحرك داخل شبكة عالمية بلاحدود ولا جغرافيا ينتقل داخلها المستخدم بسهولة وحرية كما انه يقارن بين المواقع ويتعلم باستمرار التمييز بين المضامين الجيدة والرديئة. ولا يمكن ان تتطور الصحافة الالكترونية في تونس بمعزل عن تطور الاستخدامات الاجتماعية للشبكة ويعني هذا ان الخصائص التي ذكرناها (الطابع المؤسساتي، ضعف الانترنات ذي السعة العالية غياب المضمون الشخصي الذي يشكل المحرك الرئيسي لتطور استخدام الانترنات في العالم…) تؤثر سلبا في البيئة التي تتحرّك داخلها الصحافة الالكترونية. وبالمقابل فان تعميم الانترنات ذي السعة العالية (البرنامج الحكومي يخطط لخلق اكثر من 200.000 الف خط) وضرورة توفير خدمات النشر والتواصل للجميع: (صفحات شخصية، بلوغ، منتديات حوار، بريد الاكتروني مجاني دردشة) قد يخلق بيئة مواتية تنمو داخلها الصحافة الالكترونية التونسية. وتتحمل المؤسسات الاعلامية مسؤولية كبيرة في هذا المجال من خلال التأثير الفاعل في هذه البيئة عبر تطوير مواقعها واعتماد استراتيجيات جديدة تقوم على رؤية للموقع كنشاط اقتصادي يستقطب جمهورا جديدا، خاصة الشباب الذي اصبحت تقوم ثقافته الاعلامية على الوسائط الالكترونية الجديدة وذلك من خلال تطوير المضمون وفق المقاييس العالمية والكف عن الاعتقاد في ان الانترنات ظاهرة نخبوية تهم المهووسين بالتقنية او ذلك الصنف من الشباب الغريب الذي يحبذ الدردشة.

كما يمكن ان نقول ان جزءا من مستقبل الصحافة التونسية التقليدية سيحدده الشكل الذي ستتعامل من خلاله مع الانترنات كفضاء تنمو وتخلق داخله روابط متينة مع جيل جديد من التونسيين اصبحت الشبكة بالنسبة اليهم بعدا من عالمهم الثقافي. ولهذه الاسباب كلها اصبح من الاكيد اليوم الشروع في نقاش عام تساهم فيه كل الاطراف حول مستقبل الصحافة الالكترونية في تونس.

نحو صحافة الكترونية نشيطة

تحتاج الصحافة الالكترونية التونسية لبيئة تقنية وسياسية وثقافية متحرّرة منفتحة حتى تتطور: التغيير السريع للانترنات ذي السعة العالية، اطار قانوني مرن لا يشكل حاجزا مانعا للتجارب الفريدة وللابتكار ودعم تكوين الاعلاميين الذي لا يجب أن يقتصر على تعلّم مهارات البحث والتصفح واعادة النظر في الاليات التي تعتمدها الوكالة التونسية للانترنات للترخيص للمواقع حتى يتمّ تجاوز البعد المؤسساتي للمضمون الالكتروني التونسي وحتى يتطور المضمون الشخصي (صفحات شخصية، بلوغ، منتديات حوار دردشة بريد الكتروني مجاني..) وهي الاشكال التواصلية التي يحبذها المستخدمون وستخلق هذه البيئة المواتية قاعدة كبيرة من المستخدمين يشكلون جمهورا للمؤسسات الاقتصادية التي ستوجه جزءا من استثماراتها الاشهارية نحو مواقع الصحافة الالكترونية. هكذا نكون قد احدثنا هذه الحلقة الفاضلة (Cercle vertueux) التي ستنمو فيها الصحافة الالكترونية التي تبحث الآن عن جمهور لها. ومن جهة أخرى اضافة الى هذه التشريعات المرنة والمنفتحة والتي لا تكبح ارادة الابتكار والتجديد والتجريب والخطأ نحتاج الى ثقافة جديدة تدفع بالفرد الى المشاركة في فضاء عمومي الكتروني جديد لم يعد يشتغل وفق نموذج الاعلام التلقيني. وتقوم هذه الثقافة على تنمية القدرات النقدية للفرد حتى يتعامل مع هذه الوفرة المعلوماتية الجديدة بلا وصاية، وفي الوقت الذي تحولت فيه الشبكة الى مصدر للمعلومات والمعارف ينهل منها الفرد بلا حدود وكأن هذه المعلومات والمعارف بريئة شروط المعالجة النقدية للمضمون الالكتروني.

احصائيات الآنترنات في تونس (حسب الوكالة التونسية للانترنات

)

عدد المستخدمين 905.000 عدد العقود 68.170 عدد مواقع الواب 3014 عدد مشتركي الانترنات ذي السعة العالية ((aut-débit) 9.772.

الانترنات في العالم

عدد المستخدمين:/2004 934مليون توقعات: 1070/ 2005 مليار توقعات: 1.210 /2006 مليار توقعات: 1.350 /2007 مليار الانترنات ذى السعة العالية ( Haut-débit) العالم:164.388.000

مصطلحات

ـ صحافة الكترونية (Presse électronique) ـ مضامين مؤسساتية (Contenus institutionnels) ـ مضامين شخصية (Contenus personnels) ـ مضامين اعلامية (Contenus médiatiques) ـ البلوغ او المدونة (Blog) ـ الصفحات الشخصية (Pages Peso) ـ منتديات (Forum de discussion) ـ الدردشة (Chat) ـ المضمون بمقابل (Contenu payant)

شروط المعالجة النقدية للمضمون الالكتروني

ـ تشخيص هوية الناشر

ـ تحديد طبيعة مضمون الموقع، مؤسساتي اعلامي، شخصي.

ـ تحديد التوجهات الايديولوجية للموقع.

ـ القراءة النقدية للموقع تستوجب التأكد من المكونات التالية:

ـ تاريخ النشر.

ـ هوية صاحب المقال (امضاء المقال).

ـ التميز بين المضمون التحريري والروابط التجارية (Liens Comerciaux).

ـ التأكد من الوجود الفعلي للناشر (عنوان جغرافي، رقم هاتف…)

البلوغ او المدونة

عدد البلوغ في العالم: 10.283.687

استخدامات البلوغ حسب السن (احصائيات سنة 2003) 10/12 سنة: 55.500 13/19 سنة: 2.120.000 20/29 سنة: 1.630.000 30/39 سنة: 241.000 40/49 سنة: 41.000 50/59 سنة: 18.500 60/69 سنة: 13.900 المجموع: 4.120.000

استخدامات البلوغ حسب الجنس في العالم

الذكور: 1810.000 الاناث: 2310.000 عدد المواقع في العالم: 35.114.328 (الى حدود 2002)

المصدر: موقع www.journaldunet.com الاستخدمات الرئيسية للشبكة (دون اعتبار البريد الالكتروني)

ـ تبادل الصور والفيديو 68%

ـ التجارة الالكترونية (بما في ذلك الخدمات) 62%

ـ تحميل الموسيقى 44%

ـ استغلال خدمات مالية على الشبكة 37%

(المصدر: القسم العربي بمجلة “حقائق” التونسية، العدد 1044 بتاريخ 5 جانفي 2006)


 

خطأ منهجي عربي شائع!

بقلم: آمـال مـوسى (*)
يخضع منذ الأزل كل شيء إلى المنهجية. فهي شرط التفكير المنطقي السليم وامارة من خلالها نقيم الأفراد والسياسات والبحوث الأكاديمية وامتحانات التلاميذ والطلبة وغير ذلك كثير. وتعني المنهجية التنظيم المحكم وضبط العناصر اللازمة لأي موضوع وهدف ومشروع، والتمكن من وضع تخطيط يراعي الأولويات والمهم والأهم والأول الثاني والمقدمة والجوهر والخاتمة.
ولعل ارتكابنا لمجموعة من الأخطاء المنهجية في مشاريعنا السياسية والاقتصادية والثقافية وأيضا أثناء رسم طموحات ذات بعد تكتلي أساسي، يمثل أحد أسبابه خروجنا المتواصل عن الموضوع وجعل الجوهر خاتمة والخاتمة مقدمة!
هذه أول ملاحظة خطرت لي أثناء متابعة افتتاح أعمال الدورة الأولى للبرلمان العربي المؤقت بمقر الجامعة العربية. وكان بالإمكان أن يمثل هذا البرلمان العربي حدثا فعليا، تشرأب له كل الأعناق لو أنه أنصت إلى قانون المنهجية في إدارة طموحات الشعوب العربية. فمشكلتنا هي القفز على المراحل وإهمال أهمية التدرج كشرط أساسي للوصول إلى أي نقطة مشتهاة.
لذلك، فإن التعليقات المكتوبة والأخرى الشفوية التي تناقلها المواطنون العرب لم تخرج عن نطاق التهكم والتشكيك والتلقي الشعبي اليائس لمبادرة إحداث برلمان عربي لا يتمتع بأي صلاحيات تشريعية.
فالتجربة المريرة والطويلة قد أثبتت أن العمل الاستشاري لا حول له ولا قوة ولا سلطة على أصحاب القرار في البلدان العربية.
في حين أن الخطة الاستشارية في العالم المتقدم ذات تأثير قوي على القرارات والتوجهات والخيارات وتشكل حصانة أولية ضد الفشل والمفاجآت غير السارة. ولكن أين يكمن الخطأ المنهجي في إحداث برلمان عربي، قال عنه الأمين العام عمرو موسى إنه سيبحث سبل تقرير العمل العربي المشترك وتفعيل ميثاق الجامعة العربية وعمليات التنمية والتكامل الاقتصادي؟
أليس من الأجدى الابتهاج وتحية مبادرة مماثلة؟
في الحقيقة يكمن الخطأ المنهجي في قلب المراحل، الشيء الذي ينتهي بنا إلى العبث. ذلك أن تجربة الانخراط في مشروع نظري لتكتل واسع، ليست وليدة اليوم. وعاينت مختلف الأجيال السابقة والراهنة الإخفاقات المتواصلة للمشروع القومي العربي.
وأقتنع كثيرون بأن الإشكال لا يمكن في الجامعة العربية بقدر ما يعود أولا وأساسا إلى طبيعة الأنظمة العربية ودورها في تهميش وظيفة الجامعة العربية وتقزيمها أمام الشعوب العربية وأمام القوى الدولية المؤثرة.
لذلك، فإن صوت المنهجية يقتضي المرور بمرحلة البناء الوطني القطري على قواعد تخضع إلى الفصل بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية داخل الوطنية العربية. أي لا بدّ من تطبيق مفهوم الأمة بالمعنى الأوروبي أولا كي ننتج دولة قائمة على القيم الثقافية السياسية الغربية الحديثة. ثم يتحقق مفهوم الأمة العربية حسب مقاصد المخيال الثقافي العربي.
وعندما نتأمل حال الاتحاد الأوروبي الذي لم يتشكل سوى بعد أن وقفت كل دولة أوروبية على قدميها، ندرك لماذا ظلت كل محاولتنا للتكتل فاشلة، بل أن حتى الاتحاد المغاربي كتكتل صغير لا يتجاوز الخمس الدول يمثل في حد ذاته مثالا مصغرا كبيرا على الإخفاق في تشكيل تكتلات فاعلة وذات دور حيوي.
ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى أنه خلال سبع عشرة سنة عمر اتحاد المغرب العربي لم يجتمع مجلس الرئاسة للاتحاد سوى ست مرات!
وصحيح أن من بين الأسباب سواء داخل الاتحاد المغربي أو جامعة الدول العربية غياب الثقة المتبادلة والحوار الصريح حول القضايا الحارقة، لكن الأكثر صحة هو أن الدول العربية المتدهورة على كافة الأصعدة والتي تقاد إلى الديمقراطية بالسلاسل والضغوطات، فشلت في إدارة الجزء، فما بالنا بتكتل يضم كافة الأجزاء.
إن فاقد الشيء لا يعطيه. وإذا ما أردنا أن نصبح من أصحاب المنهجية في العمل والتخطيط والحلم أيضا، فلا بد من أن تخوض كافة الدول العربية مغامرة الدولة الوطنية بنجاح وأن تحرر الإنسان العربي من القيم والقمع وخنق الكفاءات وترك العقول تطلق مقولاتها بكل حرية. ساعتها تنهض كل دولة في داخلها ويفرض القانون ويخضع الجميع إلى قيم الديمقراطية الحقيقية. وبعد أن تتراكم النجاحات وتنجح في مشروع بناء الدولة القطرية العربية، وتصبح انتخاباتنا نزيهة وبرلمانياتنا ممثلة لتوقعات المواطن العربي، حينها فقط تدق ساعة التكتل العربي الحقيقي.
أما إذا ما طاب لنا القفز على المراحل والاعتقاد أن الأجساد الصغيرة التي ينخرها السوس منذ زمن، يمكن أن تتعافى إذا صارت جسدا واحدا، فذلك الخطأ المنهجي الذي نقصده.
(*) كاتبة وشاعرة من تونس (المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 3 جانفي 2006)

 

أمريكا تسعي لإخراج الحركات الإسلامية إلي النور لإحراجها ومغالبتها سياسيا

الدوحة – خاص ب الراية الأسبوعية
يحسم الدكتور عبد الله النفيسي المفكر الاسلامي الكويتي رؤيته لإشكالية التعامل الأمريكي مع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية والإسلامية بالتأكيد علي ان واشنطن رأت ان ثمة قوي إسلامية صاعدة أثبتت وجودها علي الأرض فأخذت تتحسس طريقها إليها لتعمل علي تطويعها ضمن منظورها لأهدافها الاستراتيجية في المنطقة ولكن كما يؤكد فإن ذلك لا يعني ان هذه الجماعات وفي مقدمتها الاخوان المسلمون في مصر ستقبل بالانضواء تحت عباء ة المشروع الأمريكي للمنطقة المسمي الشرق الاوسط الكبير ويلفت في هذا السياق الانتباه الي ان محاولة الولايات المتحدة في هذا الاتجاه تعمل علي إخراج الجماعات الاسلامية من تحت الأرض الي النور سعياً منها لإحراجها وبالتالي مغالبتها سياسياً.
لكن الحوار مع الدكتور النفيسي والذي التقته الراية الأسبوعية علي هامش زيارة للدوحة شارك خلالها في أحد البرامج الحوارية ب الجزيرة امتد الي تجليات عديدة في هذه الإشكالية التي تبدو علي قدر كبير من الالتباس والتعقيد غير انه تمكن باقتدار من تفكيكها وتحليلها وتحديد مفاصلها ومساراتها المستقبلية فإلي حصيلته:
ثمة توجه واضح لدي الادارة الامريكية للتعامل مع الإسلاميين الذين فازوا في الانتخابات بدول عربية وإسلامية مثلما حدث مع حزب العدالة والتنمية في تركيا قبل سنوات ثم الاخوان المسلمون في مصر بعد فوزهم بنحو خمس مقاعد مجلس الشعب كيف تفسر ذلك ، هل يأتي في سياق نظرية المنفعة التي تحكم الرؤية الأمريكية في علاقاتها الخارجية ام في إطار مساعي واشنطن لإعادة صياغة المنطقة تحت ما يسمي بالشرق الأوسط الكبير؟
– دعني هنا احيلك الي دراسة أعدتها مؤسسة راند وأشرفت عليها السيدة شيريل بينار زوجة السفير الأمريكي الحالي في بغداد زلماي خليل زادة وهي بالمناسبة تقيم بالدوحة وتعمل بفرع مؤسسة راند الامريكية بالدوحة وأحسب ان هذه الدراسة تعكس وجهةنظر واشنطن فيما يتعلق بهذا الامر وخلصت الي ان هناك ثلاث شرائح في إطار التيار الاسلامي أولها شريحة التيار الجهادي وهي لا تنصح بأي تعامل معه بل تحرض علي محاربته ومحاصرته سواء علي صعيد الفكرة او علي صعيد انتشاره والشريحة الثانية تتمثل فيما تسميه باليمين الاسلامي والذي يجسده الحرس القديم في الحركة الاسلامية وهي شريحة وفق منظور الدراسة تستدعي السعي الي تحديث رؤيتها ودفعها للاطلاع علي التيارات الحديثة في العالم شرقا وغربا حتي تتمكن من تجاوز ما تطلق عليه حالة العزلة والقمع الداخلي التي تعيشها اما الشريحة الثالثة فتتجسد فيما تسميه بالإسلاميين الحداثيين وتري الدراسة ان هذه الشريحة في حاجة لقدر من الجهد السياسي والفكري للتعامل معها بحكم بما تمتلكه من قابلية مشجعة تجاه الغرب وبالتالي يمكن توظيفها للتصدي للشريحتين : الاولي والثانية وفي هذا السياق جاء تعامل الأمريكيين مع حزب العدالة والتنمية في تركيا والحزب الذي يطلق عليه نفس الاسم بالمغرب ثم الاخوان المسلمون في مصر مؤخرا.
– أين تضع الإخوان المسلمون في مصر ضمن هذه الشرائح
– في الشريحة الثالثة.
– هل يأتي التعامل الامريكي كنوع من انعدام الثقة في النظم الحاكمة في المنطقة وبالتالي هي في حاجة للتعامل مع القوي الصاعدة
لا يمكن النظر الي هذه المسألة وفق منهجية الثقة أو اللاثقة فلا توجد هذه المنهجية في عالم السياسة بيد ان الادارة الامريكية تتعامل مع القوي القائمة علي الأرض أياً كانت توجهات هذه القوي وقد أثبتت التطورات الاخيرة ان الاخوان المسلمون أصبحوا قوة حقيقية في الميدان ومن ثم رأت التعامل معهم لمحاولة تطويعهم وفق الأهداف الاستراتيجية في مصر وذلك لا يعني انه لا تثق في النظام الحاكم او ان ثقتها اتجهت الي الاخوان وإنما هي رأت ان مصالحها الاستراتيجية في مصر والمنطقة تقتضي التعامل مع هذه القوة الجديدة.
لكن هذه الشرائح كانت تنظر الي الولايات المتحدة ربما علي مدي العقود الخمسة الأخيرة باعتبارها عدوا يتعين محاربته أو علي الأقل محاصرة مشروعه في المنطقة فكيف تقبل هي الآن بالتعامل معها.
هل تقصد الإخوان المسلمون
– أقصد كل هؤلاء الذين قبلوا بالتعامل مع واشنطن من المنتمين لجماعات الاسلام السياسي.
ثمة فرق كبير بين الخطاب السياسي المعلن الذي يقصد به الترويج للحزب او للجماعة والخطاب التنظيمي المستتر الذي يقيس الأمور ب بارموتر أكثر دقة وأحسب ان هذه التيارات بما فيها الاخوان في مصر لديها شريحة داخل تنظيماتها تري أن ثمة جدوي من فتح الأبواب مع الولايات المتحدة ولكن ذلك لا يعني في الوقت نفسه ان الاخوان المسلمون يقرون بالأجندة الامريكية في مصر لكنه يعني مثلما اعترفت واشنطن بهم والحوار معهم فإن هناك تيارا داخل الجماعة يري انه في المقابل ليس ثمة ما يمنع من الاعتراف بالوجود الامريكي في مصر والتحاور معه.
هل يمكن ان يكون الإسلاميون عنصرا فاعلا في المشروع الامريكي لإقامة الشرق الأوسط الكبير وفق تصور واشنطن للتعامل مع الحركات الاسلامية
– بالطبع الولايات المتحدة حرة في ان تتبني أي أفكار أو مبادرات للمنطقة لكنها ليس بمقدروها ان تفعل كل ما تتبناه علي أرض الواقع فهي حتي الآن لم تتمكن من تعويم اسرائيل في المنطقة بالرغم من مرور ما يقترب من الستين عاما علي الدعم الامريكي لهذا الكيان وبالتأكيد فإن إعلان بعض النظم العربية عجزها عن مواجهة المشروع الصهيوني من خلال إبرامها اتفاقيات السلام مع الدولة العبرية لا يعني القبول به فليس هناك تقرير نهائي وتاريخي من الأمة للاعتراف بهذا الكيان المشبوه والغريب علي المنطقة وشخصيا فإنني أحمل قدرا كبيراً من التفاؤل بموقف العرب والمسلمين تجاه هذه المسألة وبناء علي ذلك فإن التيار الإسلامي والذي يتميز بشتي شرائحه بأنه الأكثر رفضا للكيان الصهيوني لن يقبل بالانضواء تحت فكرة الشرق الاوسط الكبير أو لعب دور حسب التصور الأمريكي في بلورة هذه الفكرة والتي تقوم في جوهرها علي أساس تعويم الكيان الصهيوني بالمنطقة وعلي أية حال هي فكرة خاسرة ولن تحظي بالنجاح مطلقا وفق تقديري.
في مقابل هذا النزوع الامريكي للتعامل مع بعض جماعات الاسلام السياسي بالمنطقة فإن هناك نوعا من الرفض للتعامل مع فصيل إسلامي تحديدا حركة المقاومة الاسلامية – حماس – في فلسطين علي الرغم من انها اعلنت عن تبنيها للخط السياسي وقبولها بقواعد اللعبة الانتخابية وذلك كان مطلبا أمريكياً وغربياً ووصل الأمر الي اللجوء الي لغة التهديد والوعيد من قبل مجلس النواب الامريكي والاتحاد الأوروبي بل ومن اللجنة الرباعية كيف تفسر ذلك
– في تقديري هم علي خطأ كبير في تبني هذا الموقف ولو كنت في مكانهم لشجعت حماس علي الانخراط في العملية السياسية لأن هذا الانخراط ينطوي علي جملة من الشروط الموضوعية والفنية التي قد تؤثر علي عملها الجهادي ضد الكيان الصهيوني ولدي في هذا الخصوص خوف كبير علي حركة حماس لان انخراطها في العملية السياسية سيقود بالضرورة الي القبول بشروط هذه العملية والتي تحددها الادارة الأمريكية والكيان الصهيوني وأتخيل سيناريو التطورات في حال فوز حماس في الانتخابات التشريعية القادمة بالأغلبية وطلب منها تشكيل حكومة فعندئذ ستوضع في موقف حرج للغاية خاصة فيما يتعلق بالتفاوض مع شارون أو أي من زعماء الكيان الصهيوني وفي قناعتي فإن ذلك سيفقدها كل مصداقية حصلت عليها في الشارعين العربي والفلسطيني لأن التفاوض مع الكيان ثبت انه عبثي لذلك أنا مندهش من هذا الموقف الأمريكي والأوروبي وأقول مرة أخري لو كنت في موقعهم لسعيت الي استدراج حماس للدخول الي العملية السياسية.
هل تعتقد انه بإمكان حماس ان تحقق الفوز في ظل حالة الترهل التي تعيشها حركة فتح والخلافات والتناقضات الحادة التي تبدو فيما بين أجنحتها وكوادرها
– يبدو ان حماس تقرأ وتدرس جيدا نتائج تجربة الإخوان المسلمون في مصر والذين طرحوا انفسهم في الانتخابات الأخيرة من منظور المشاركة لا المغالبة وأحسب ان ذلك ينطوي علي منهجية ذكية لإثبات الوجود دون التورط في الحكم ومن ثم قد تتبع حماس المنهجية ذاتها وتشارك دون ان تغالب سلطة ابو مازن وفي هذا هامش من المناورة سيفيد حركة حماس سياسيا دون ان يكلفها ذلك التورط في الحكم مباشرة أو نزع سلاحها.
هل هذا التوجه وأقصد به المشاركة وليس المغالبة بوسعه ان يرضي الي حد ما الولايات المتحدة الأمريكية والتي ربما تجد ان النظم الحاكمة أكثر قدرة علي التجاوب مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة
– بالتأكيد لا يلبي هذا التوجه بالكامل مفاعيل القرار الامريكي لكنه يلبي جزءاً أساسياً والذي يتمثل في إخراج هذه الحركات من تحت الأرض باعتبار ان ذلك يشكل وسيلة لإحراجها وبالتالي مغالبتها سياسياً.
– ألا يمكن النظر الي المحاولة الامريكية لإخراج هذه الحركات من الظلام الي النور في إطار حرب واشنطن ضد ما تصفه بالإرهاب الإسلامي وبالتالي تتخلي عن العمل ضد المصالح الامريكية.
بالفعل يمكن النظر الي ذلك وفق هذه الرؤية والتي تنطوي علي تصور استخباراتي بالدرجة الاولي وهذا التصور الحاكم الآن في الولايات المتحدة يختلف عن التصور الاستخباراتي الأوروبي فالأول يقوم علي الهرولة في كل مكان بينما الثاني يؤمن بما يسمي مناطق النفوذ والمصالح لذلك فإن البريطانيين والفرنسيين والألمان يركزون علي مناطق محددة في العالم الاسلامي حيث توجد مصالحهم في حين ان الولايات المتحدة تركض بكل اتجاه في العالم وهو أمر كما يبدو شديد التكلفة سياسيا ولوجستيا في الآن ذاته.
– إلي أي مدي يمكن في تقديرك ان تدفع هذه المعطيات التي تنطوي علي قدر من الايجابية الي صياغة علاقة مغايرة بين امريكا والإسلام خاصة ان الأخير تحول الي عدو بعد سقوط المنظومة الشيوعية
– لا أظن ان هذه الإمكانية متاحة فالذي يتعرف علي دواخل الفكر الاستراتيجي الأمريكي والأوروبي أيضا يدرك ان ثمة ثوابت تحكم تفكيرهم تجاه المنطقة اولها ان الاسلام كان وما زال وسيظل يقيم في دائرة الخصم بالنسبة لهم علي المستوي العالمي لأن الوثيقة التأسيسية للإسلام وهي القرآن الكريم واضحة المعالم في تصديها لعملية الاستلاب والاستعمار والهيمنة والولاية تحديدا فالقرآن يرفض تماما ولاية الكفار علي المؤمنين وهي مسألة محسومة في سوره.
وثاني هذه الثوابت ان الاسلام ليس فقط مجرد خصم ولكنه خصم ديناميكي وليس ميكانيكيا بمعني انه يمتلك القدرة علي تحريك التاريخ والجغرافيا والنفس البشرية بما يتجاوز قدرة كل عبقريات الغرب ان تتصوره والخصم الديناميكي بهذا الفهم يختلف الخصم الميكانيكي فالأول يتحرك وفق رؤية لديها مرتكزاتها اما الثاني فإنه يمكن التحكم في ردود أفعاله ولاشك انه من الصعوبة بمكان ان تتحكم سواء الولايات المتحدة أو أوربا في ردود أفعال العالم الإسلامي لأن الاسلام كعقيدة ومنهج مزروع فيه والقدرة علي المقاومة -علي الرغم مما يبدو علي سطحه من عوامل ضعف وهشاشة في بعض الأحيان- ستظل حية وثابتة ولذلك فإن الاسلام بالنسبة لهم يشكل معضلة استراتيجية وأشير علي هذا الصعيد الي ما ذكرته باحثة فرنسية تدعي هلين دانكوس في دراسة لها مؤخرا تتوجس فيها من سيطرة الاسلام علي ما تسميه بالشريط النفطي في منطقة الخليج والجزيرة العربية ومن ثم كما تقول فإنه ينبغي علي الغرب ان يعمل بقوة علي اقصاء الاسلام من السيطرة علي هذا الشريط وبالطبع لا يبدو الامر منطقيا فكيف يمكن عزل الاسلام عن هذه المنطقة التي نشأ بها وانطلق للعالم منها حسب الرؤية الضيقة الأفق لهذا الباحثة التي لا يبدو انه علي دراية تامة بحقائق هذه المنطقة ولا شك ان ذلك يعكس الحساسية المفرطة لدي الغرب تجاه الاسلام.
هل يمكن القول بأن منطقة الخليج تتميز باحتوائها علي تيار إسلامي محدد الملامح والسمات ام ان هناك تمايزاً بين شريحة وأخري داخل هذا التيار بين ما هو جهادي وسلفي وحداثوي وفق ما اشارت اليه دراسة مؤسسة راند في هذا الصدد
التدين بطبيعته جزء من تكوين المنطقة وعرفها الاجتماعي ومن ثم فإن الاسلام يتحكم في الشبكة العصبية لها ولذلك فإنه من الصعب تحديد الفروق الفاصلة بين هذه الشريحة أو تلك، حتي الليبرالي.
وأنا أضع هذه الكلمة بين هلالين – ثمة ألوان من التدين تتجلي في شخصيته وليس بوسعه ان ينخلع عن التدين فهو يسارع الي أداء الصلاة لدي سماعه للأذان تلقائيا كما يواظب علي الصوم في رمضان بشكل عفوي وهو ما يؤشر الي رسوخ مكانة الاسلام لدي ابناء الجزيرة العربية والخليج ولكن علي الرغم من ذلك فإن التيارات الإسلامية في هذه المنطقة تتقاطع أحيانا فيما يتعلق بفهمها لبعض المصطلحات المحددة مثل مصطلح الجهاد أو الخروج علي الحاكم أوالعنف واغلبها يرفض الانضواء في اية اعمال تحت عباءة هذه العناوين.
هل أفهم من ذلك ان بإمكان هذه التيارات أو أغلبها القبول بالوجود الأمريكي في المنطقة اذا تم استثناء ما يسمي بتنظيم القاعدة بقيادة اسامة بن لادن وهو شئنا ام ابينا احد ابناء المنطقة
لا اطمئن لتعبير القبول بالوجود الأمريكي فلا أعتقد ان أياً من هذه التيارات يقبل بالوجود العسكري الامريكي المباشر في المنطقة غيرأن ما جري في العام 1990 -اثر قيام قوات النظام العراقي السابق بغزو واحتلال الكويت وما استتبعه من تداعيات سلبية ليس علي الكويت ومنطقة الخليج فحسب وإنما علي الامة العربية كلها- دفع بعض شرائح هذه التيارات الي ما يمكن تسميته بغض الطرف عن هذا الوجود.
أعتقد ان هذا الموقف – غض الطرف – ما زال مستمرا حتي بعد تمدد الوجود العسكري الامريكي المباشر أفقيا ورأسيا في المنطقة وأصبح هناك تسع قواعد عسكرية للولايات المتحدة بدول مجلس التعاون.
أجل ما زال هذا الموقف ساريا غير انه لا يخفي علي المتابع المدقق ان هناك قدرا من التململ أخذ يفرض حضوره علي كثيرمن ابناء التيارات الاسلامية في الجزيرة العربية والخليج وهم يعبرون عن هذا التململ بانضمامهم الي المقاومة المسلحة ضد القوات الامريكية في العراق وأحسب ان ذلك ينطوي علي رسالة موجهة للأنظمة في المنطقة مؤداها: اننا منشغلون بالعراق فانتبهوا لما هو قادم .

(المصدر: صحيفة “الراية” القطرية الصادرة يوم 7 جانفي 2006) وصلةالموضوع: http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=113631&version=1&template_id=43&parent_id=42


ملف الأوضاع في سوريا … متابعة خاصة من “تونس نيوز”
عبد الحليم خدام لـ«الشرق الاوسط»:

النظام السوري لم يبق سوى إسقاطه

قال إن المسؤوليات في اغتيال الحريري «لا يمكن أن تقف عند مستوى معين»
باريس: ميشال أبو نجم
صعد نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام، لهجة انتقاده للرئيس السوري بشار الاسد، ردا على الحملات التي تعرض لها من اركان النظام بعد مقابلته التلفزيونية مع قناة «العربية».
وفي حوار مع «الشرق الاوسط» في باريس أمس قال خدام ان بشار الاسد أتاح لعائلته وأصحابه «ان ينهبوا» سورية فيما وصل الفساد في لبنان (ابان الوجود السوري فيه) «الى حد العهر».
وقال خدام، ردا على الحملات السورية التي تخوِّنه، ان «الخائن هو رأس النظام» مضيفا انه «اذا كان هناك من تجب محاكمته فهو بشار الاسد». واعتبر ان النظام السوري «لا يمكن اصلاحه ولم يبق سوى اسقاطه». وفيما اعتبر ان التغيير في سورية يجب ان «ينضج من الداخل» أكد انه لا يسعى الى اسقاط النظام بانقلاب عسكري.
* كيف كان تقويمك لردود الفعل السورية الرسمية على تصريحاتك الأخيرة وإزاء الاتهامات التي وجهت إليك بالخيانة والفساد والبدء بإجراءات لمحاكمتك؟
ـ الحقيقة أن الإدارة السورية أسدت لي خدمة كبيرة، فقد كشفت زيف المؤسسات الدستورية وتغييب القيادات الحزبية تماما، وتبين أن دورها هو أن تكون فقط غطاء لما يقوله بشار الأسد . مشهد مجلس الشعب كان محزنا للسوريين الذين تساءلوا : هل هذا المجلس يمثلنا ؟ كانوا يرددون الشتائم كالببغاوات. كانت الشتائم تنهال على شخص كان له الدور الأساسي في رفع شأن سورية خلال 30 عاما، فحتى العام 1998 كانت سورية في الأوج وكل السوريين كانوا يتحدثون عن السياسة الخارجية ويشيدون بها فيما كانوا ينتقدون السياسة الداخلية. وأنا أسأل : من كان يخطط ويدير السياسة الخارجية طيلة هذه الفترة ؟ السوريون يعرفون الخدمات التي قدمتها للبلد. وأنا أسأل: هل أصبح نقد بشار الأسد الذي دفع بالبلد الى هذه الحالة كفرا ؟ لقد أتاح لعائلته وأصحابه أن ينهبوا البلد. هل نقدهم كفر؟
البلد يئن من الجوع وبشار الأسد أعطى أحد اقاربه امتياز الخليوي وامتيازا لصديقه وبموجبه تخسر الميزانية مبلغ 700 مليون دولار. وأتحدث أيضا عن الفساد في لبنان. وصل الفساد الى حد العهر: أمثلة؟ بنك المدينة. رستم غزالي أؤكد أنه أخذ 35 مليون دولار من هذا البنك.
* لكنه نفى أن يكون أخذ قرشا واحدا؟
ـ أنا أعرف حقيقة الأمر من شخص موثوق به جدا. ثم لماذا الإصرار على لحود؟ لأنهم أقنعوا بشار الأسد أن مجيء رئيس آخر يعني فتح الملفات. لقد سعيت أربع مرات لإقناع بشار الأسد بإزاحة رستم غزالي ولكن لم أنجح.
* أعود الى السؤال الأول، النظام يخونك وبدأت إجراءات محاكمتك.
ـ الخائن هو الذي يلحق الضرر بشعبه ووطنه. انظروا ماذا فعل بشار الأسد بالشعب السوري؟ زاد الفساد ونهب الأموال العامة من غير حدود. ثم انظروا أين أصبحت الأوضاع الاقتصادية. أكثر من نصف الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر. عشرات الآلاف من المتخرجين من الجامعات لا عمل لهم. في السياسة الخارجية: انظروا الكارثة التي وصلنا إليها. اتخذ قرار التمديد للحود ونبهته من أن سورية لا تستطيع تحمل تبعات هذا القرار. وهنا أكشف أنه جاءته فرصة قبل صدور القرار 1559 لتفادي ذلك ولكنها ضيعت. فقد طلب بشار الأسد من الشرع أن يتصل بوزير خارجية اسبانيا، موراتينوس، لمساعدة سورية على تفادي صدور القرار المذكور مقابل التخلي عن التمديد للحود. وطلب موراتينوس أن يتصل بشار برئيس الوزراء الإسباني. هذا ما تم. ومن جهته قام موراتينوس بمشاورة شيراك وبلير وشرويدر وبوش وتم التوصل الى اتفاق على أن يصرف النظر عن القرار شرط أن يلغي رئيس البرلمان اللبناني الدعوة لاجتماع البرلمان. وأبلغ موراتينوس هذا الموقف للشرع الذي أصر على أن يقوم موراتينوس شخصيا بالاتصال ببري. وعندما فعل أجابه هذا الأخير: لبنان بلد مستقل وسورية لا تستطيع أن «تمون» علينا. ولم يلغ الاجتماع. وبعد ساعتين اجتمع مجلس الأمن وصدر القرار المذكور. وهنا أنا أسأل: لماذا غير الأسد موقفه؟ وانظر نتائج التمديد: صدر القرار 1559، قتل الحريري، أخرجت القوات السورية من لبنان بمهانة، ضربت العلاقات مع لبنان ووجدت سورية نفسها في عزلة عربية ودولية. وأنا أقول: أليس ذلك إضرارا بالمصالح السورية؟ أليست هذه الخيانة؟ إذا كان هناك من تجب محاكمته، فهو رأس النظام.
* عم تسعى اليوم؟ هل تريد إصلاح النظام أم تغييره وإسقاطه؟
ـ هذا النظام لا يمكن إصلاحه فلا يبقى سوى إسقاطه.
* ولكن كيف ستسقطه؟
ـ الشعب السوري هو الذي سيسقط النظام. هناك تيار ينمو في البلد سريعا. المعارضة تنمو بسرعة. أنا لا أسعى الى التغيير عبر انقلاب عسكري، الانقلاب أخطر أنواع التغيير. لكن أنا اعمل لإنضاج الظروف من أجل أن ينزل السوريون الى الشارع وأن يتخذوا ما يجب اتخاذه من أجل إسقاط النظام وهذا الأمر يسير بشكل جدي.
* هل تسعى الى تشكيل جبهة معارضة؟
ـ قبل مقابلتي التلفزيونية، كانت المشكلة أنه لم يكن هناك شخص ذو وزن يمكن أن يقف بوجه النظام. المعارضة السورية تعرف مواقفي وأنا كنت على اتصال بها حتى يوم كنت في سورية. المقابلة زادت من ثقة المعارضة بنفسها وهي ستلتحم مع بعضها البعض بكل أطرافها وأنا أسعى الى ذلك.
* هل في سعيك لتوفير العوامل التي تنضج التغيير تقوم باتصالات عربية وأجنبية؟
ـ لم أتصل بأحد لأنني أعتقد أن التغيير يجب أن ينضج في الداخل.
* لكن هناك عوامل مساعدة
ـ اسمها عوامل مساعدة. الأساس هو الداخل. إذا كان العامل الرئيسي للتغيير خارجيا سيكون مضرا بمصلحة البلد ومقيدا لحركته. الخارج إذا ما تدخل للتغيير فسيفرض شروطه على البلد وأنا أرفض ذلك.
* هل طلب لجنة التحقيق الدولية مقابلة الرئيس بشار الاسد من العوامل التي تضعف النظام، وما هو تأثيرها عليه؟
ـ نعم من الطبيعي أن تكون عامل إضعاف. مشكلة بشار ومن حوله أنهم سيقرأون الأمور بشكل خاطئ. لقد فسروا القرار 1644 بأنه انتصار لسورية وأشاعوا أنهم قادرون على التفاهم مع الأميركيين حول العراق وإرسال 50 الف جندي عربي الى هذا البلد. بشار الأسد سيكون مضطرا لاستقبال اللجنة والا ستقوم مشكلة مع مجلس الأمن. أميركا تريد سورية ضعيفة وإسرائيل ضد التغيير في دمشق.
* هل قمت باتصالات عربية أو أجنبية؟ حكي عن اتصال الرئيس مبارك بك؟
ـ كلا الرئيس مبارك لم يتصل بي. وأنا أركز في الوقت الحاضر على الداخل السوري والعمل فيه.
* ما الذي يسعى اليه الرئيس مبارك؟
ـ الرئيس مبارك بحسب تقديري لا يعمل لتجنيب بشار الأسد الاجتماع بلجنة التحقيق. ولكن فقط من أجل مراعاة الشكليات المتعلقة بكرامته كرئيس. المشكلة أن حدود المسؤوليات في اغتيال الحريري لا يمكن أن تقف عند مستوى معين لأن اتخاذ قرار بحجم اغتيال الرئيس الحريري لا يمكن أن يتم من غير معرفة الرئيس. القرار يأتي من رأس الهرم. لماذا يريد رستم غزالة أن يقتل رفيق الحريري؟ هل ينافسه على رئاسة الوزارة؟
* هل تريد ان تضيف شيئا حول اغتيال الحريري؟
ـ لجنة التحقيق هي مولجة بالقول من قتل الحريري.
* قلت إنك تعلم أشياء خطيرة ستعلن عنها في وقت لاحق، ما هي طبيعة هذه المعلومات؟
ـ منها ما يتناول اغتيال الحريري ومنها يتناول الوضع في سورية.
* متى ستلتقي لجنة التحقيق الدولية ؟
ـ سأراها في الأيام القليلة المقبلة. أنا أعطيت إشارات وسردت بعض الوقائع. أنا لا أستطيع الاتهام. هذا دور لجنة التحقيق. أنا ذكرت وقائع يعود للجنة أن تقدر قيمتها. جريمة اغتيال الحريري سياسية. يجب البحث عن الدوافع ثم عن القرائن. ـ اغتيال الحريري عملية تطلبت 1000 كلغ من المتفجرات، ولا أقل من 20 شخصا لعمليات الرصد والمراقبة، وأجهزة عالية التقنية لتعطيل تجهيزات الحريري لكشف المتفجرات. هل هناك شخص أو تنظيم قادر على تأمين كل ذلك؟ هذه عملية لا تستطيع تنفيذها سوى دولة. فمن هي هذه الدولة؟ هذه مهمة التحقيق. عليه ان يأخذ الدوافع والقرائن والأدلة المادية على اختلافها.
* هل تعتبر ان الدولة السورية انقلبت عليك، ام انك انقلبت عليها؟
ـ علينا التمييز بين الدولة والنظام، أنا تركت النظام أيام الرئيس الاسد، كنت متفقا معه على كل المسائل الخارجية، وكنت اختلف معه في الامور الداخلية. الرئيس حافظ الأسد كان رجلا مهما في تاريخ سورية، لكنه كان ضعيفا أمام عائلته، ترك الفرصة لآل الأسد في الساحل وغير الساحل لكل الممارسات الشاذة، فكر بالتوريث وهذا يتعارض مع كل القيم السياسية التي عرفتها سورية.
* ولكنك شخصيا ساعدته في ذلك؟
ـ ساعدته لأنه كان هناك وضع لم يكن فيه أمامنا خيار. ساعدته بعد أن مات، قبل ان يتوفى لم يناقش الامر معنا، رتب الأمور من جانبه، الأجهزة الأمنية والمواقع العسكرية التي تشكلت بالطريقة التي يورث ابنه فيها بالقوة رئيسا في الدستور.
كانت لنا خلافات في مؤتمرات الحزب المختلفة، وفي اجتماعات القيادة القطرية، حيث كنت أطرح باستمرار الوضع الداخلي ووجهات نظري المختلفة، لكن الرئيس الأسد كان متميزا في تفكيره الوطني والقومي المرتبط بالسياسة الخارجية.
الآن هناك سياسة خارجية لتخريب البلد. من أتى بالقرار 1559، لقد طبخ في واشنطن وباريس ولندن وبرلين، لكنه أخرج في دمشق.
بشار الاسد لو لم يتراجع عن مبادرته، لما صدر القرار المذكور ولم تكن سورية تعاني، ولم يكن قتل رفيق الحريري، ولا خرج الجيش السوري بهذا الشكل المذل.
* هل أنت خائف على نفسك؟ هل تلقيت تهديدات؟
ـ هناك إشارات، وجهات عديدة أوصلت رسائل حتى أنتبه للوضع. لكن مسألة الخوف عندي غير واردة. فأنا رجل مؤمن بقضاء الله. الأمر الآخر، من المفترض أن أكون مقتولا منذ عام 1976، حيث تعرضت لأول محاولة اغتيال. المحاولة الثانية كانت عام 1977، والثالثة العام نفسه في لبنان، والرابعة في سورية عام 1984، والخامسة في دولة أوروبية. لم يكتب لي الموت وعندما يكتب لي، قد اموت وأنا جالس على كرسي في منزلي.
وصلتني إشارات لإمكانية تعرضي لمحاولة اغتيال.
* هل ترى نفسك رئيسا للدولة السورية؟
ـ هذا الأمر لا يشغل بالي. أنا عندي مشروع سياسي ولكن ليس لأصبح رئيسا للجمهورية، بل من أجل إنقاذ البلد.
* في لبنان درج تعبير «مصالحة وطنية»، هل في سورية يمكن الحديث عن مصالحة وطنية تشمل الاخوان المسلمين؟
ـ وجهة نظري هي التالية: اليوم هناك إحباط في سورية، ثمة تصدع في الوحدة الوطنية بسبب سياسة العزل التي يتبعها النظام. سورية في خطر، وعندما يكون البلد في خطر يجب السعي الى الوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية مع كل القوى. كل القوى التي تبدي استعدادا لمواجهة الخطر يجب أن تتفق مع بعضها البعض، سواء أكان الخطر داخليا أم خارجيا.
* تقول كل القوى؟
ـ نعم كل القوى: يجب الاستفادة من كل طاقات البلد بغض النظر عن الخلافات الفكرية أو السياسية.
أنا أسأل: هل نحن مختلفون على حماية البلد من الخارج؟ هل نحن مختلفون على وجوب إقامة نظام ديمقراطي، او حول حق الشعب السوري في تقرير مصيره؟ هل نختلف حول انه يعود للشعب اختيار قادته؟ كل هذه الامور الوطنية في سورية، نحن متفقون عليها.
الاساس هو التغيير، وأهلا وسهلا بكل الناس الذين يريدون السير في هذا التغيير. في سورية تيار إسلامي واسع جدا، وهذا التيار يتضمن قوى متعددة. الآن كل هذا التيار معزول. وأنا أسأل: سورية بلد مسلم وبين السوريين مسلمون ومسيحيون متدينون غير متعصبين. فهل يجوز استبعاد مدرسة لأنها تلبس غطاء للرأس؟ سياسة العزل تهز الوحدة الوطنية. يفترض أن نأتي بسياسة نقيضة، سياسة توحيد التيارات والاتجاهات لهدف واحد هو إنقاذ البلد وتطويره.
* وماذا عن حزب البعث؟
ـ الحزب بالعقلية التي تديره الآن لا يستطيع مسايرة العصر، ولا أن يخطو خطوة واحدة باتجاه تحقيق اهدافه البعيدة، لا بد من تغيير جذري في الفكر والنهج. ولكن حزب البعث يضم عشرات الالوف من الاشخاص القيمين، والى جانبهم مجموعة متحجرة في القيادات. قواعد الحزب تتضمن شرائح واسعة من العناصر الجيدة، ويفترض ان يكونوا جزءا من عملية النهوض بسورية.
* النظام في سورية قائم على ولاء الأجهزة الامنية وعلى الحزب. هل يمكن ان تحصل انشقاقات داخل هذه الاجهزة؟
ـ الأمن هو الذي يمسك بالسلطة، وللأجهزة الأمنية مصالحها ولقادتها مصالحهم، وبالتالي دور الأمن يضعف مع استقواء شعور الناس بالقدرة على مواجهة الاخطاء التي ارتكبت. لا أتصور أن تحصل انشقاقات بمعنى حركات تمرد لأن هذه الأجهزة لا حيلة لها، هي قادرة فقط على فرض سطوتها على الناس.
 
* والمؤسسة العسكرية في ذلك؟
ـ هي كبيرة جدا، ولكنها أصبحت خارج دائرة الفعل في ما يخص السياسة الداخلية. ثم نحن لا نحبذ إطلاقا اي تغيير عبر العمل العسكري. لقد عانينا كثيرا من الانقلابات العسكرية، ولا نريد تكرار التجربة.
(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 6 جانفي 2006)


سورية تحجز أمواله وأفراد عائلته احتياطا …

خدام: مستعد للقاء لجنة التحقيق والوضع سيتغير قبل تجديد جواز سفري

باريس , دمشق – رندة تقي الدين
قال النائب السابق للرئيس السوري عبدالحليم خدام انه سيلتقي لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري حين تطلب منه اللجنة ذلك، مشيراً الى أنها لم تطلب ذلك حتى الآن، وانه لم يلتقها سابقاً.
وجاء كلام خدام في مقابلة طويلة مع «الحياة» (تنشر غداً) في منزله في باريس الذي يخضع لحراسة امنية مشددة.
وأصدرت وزارة المال السورية قراراً بالحجز الاحتياطي على «الاموال المنقولة وغير المنقولة لنائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام وزوجته وأولاده وأحفاده ذكوراً وإناثاً وأزواجهم» وذلك «ضماناً للمبالغ التي سيظهرها التحقيق القضائي».
وجاء القرار استجابة لقرار مجلس الوزراء السوري البدء بإجراءات فتح «ملفات فساد تتعلق بخدام في مجموعة من القضايا التي ستقوم بها الجهات الحكومية بحسب الاختصاص»، وللدعوات التي أطلقها اعضاء في مجلس الشعب في جلسته الاخيرة التي خصصت للرد على تصريحات خدام الى الفضائية «العربية»، وطالب الاعضاء فيها بـ «إلقاء الحجز الاحتياطي على اموال خدام وممتلكاته والتحقيق في مصادر أمواله».
ونفى خدام، في المقابلة، حصول اي اتصال بالرئيس حسني مبارك خلال وجوده في باريس، او اجراء أي اتصال بالجانب الفرنسي. وقال انه لم يطلب اللجوء السياسي الى فرنسا وانه موجود فيها بتأشيرة سياحية. وسئل عن كيفية تجديده لجواز سفره السوري بعدما بدأت السلطات السورية باجراءات ضده، فأجاب انه يتوقع تغيير الأوضاع في سورية قبل موعد تجديد جواز سفره.
وأكد خدام ان الرئيس بشار الأسد قال في أحد اجتماعات حزب البعث ان «رفيق الحريري طبخ القرار 1559 مع الرئيس جاك شيراك، وان الحريري يتآمر على سورية».
وروى انه قبل صدور القرار 1559، بيوم طلب الرئيس الأسد من وزير الخارجية فاروق الشرع الاتصال بنظيره الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس، ومطالبته بمساعدة اسبانيا مع الدول الغربية لوقف صدور هذا القرار، وابلاغه أن سورية مستعدة للتخلي عن الرئيس اللبناني اميل لحود. وذكر ان موراتينوس عرض الموضوع على رئيس حكومة اسبانيا خوسيه لويس ثاباتيرو الذي طلب منه ان يبلغ نظيره السوري بأنه يرغب بأن يتصل به الاسد مباشرة وقد حصل ذلك. فطلب الأسد من ثاباتيرو التدخل وأبلغه الاستعداد للتخلي عن لحود اذا تخلت الدول الغربية عن قرار مجلس الأمن الذي كان على وشك الصدور.
واضاف خدام ان ثاباتيرو اتصل من جانبه بالرئيس جاك شيراك والمستشار الالماني غيرهارد شرودر ورئيس الحكومة البريطانية توني بلير وربما قد يكون اتصل بالولايات المتحدة، وان الغرب وافق على عدم عقد جلسة مجلس الأمن اذا تخلت سورية عن التمديد للحود.
وذكر خدام ان موراتينوس اتصل بالشرع ليبلغه نجاح المسعى، وأن مجلس الأمن لن ينعقد، على ان يعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلغاء الجلسة النيابية التي كانت مخصصة لتعديل الدستور فأجابه الشرع «تكلم أنت مع السيد بري». ففوجئ موراتينوس بهذا الكلام، وأجاب «أنتم قمتم بمبادرة وطلبتم المساعدة منا ونجحنا في اقناع الدول الأخرى فعليكم ان تتصلوا ببري» فرد الشرع قائلاً: «اتصلوا أنتم». وفعلاً اتصل وزير الخارجية الاسباني برئيس مجلس النواب اللبناني فأجابه: «نحن دولة مستقلة ذات سيادة، ولا نتأثر بالضغوط السورية». فصدر القرار 1559.
وكشف خدام ان الاسد قال له انه يتخوف من مؤامرة لشراء نواب لبنانيين يأتون برئيس يخرج القوات السورية من لبنان. وقال انه عندما بدأ الضغط الدولي على سورية ضد التمديد فإن بعض أفراد الحلقة الضيقة عارضوه، وانه في الفترة الأخيرة عادوا الى التضامن العائلي.
وأضاف ان تأثير شقيقة الرئيس، بشرى الأسد كان أقوى في عهد والدها مما هو الآن.
وعن مسؤوليته عن الفساد، ورفض الاصلاح لمدة طويلة في سورية، وعن قمع ربيع دمشق، نفى ان تكون له أي علاقة، بأي فساد، إذ انه نائب الرئيس وليس له اي صلة داخلية.
وعن سلسلة الاغتيالات في لبنان اشار خدام الى انها كلها استهدفت اشخاصاً من خط سياسي واحد وهو الخط المعارض للإدارة السورية، واذا كانت هناك جهات اخرى تقصد ايجاد فتنة، فمن يريد الفتنة ينوع، اذن لماذا حصر الاغتيالات في خط واحد؟
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 6 جانفي 2006)

عبد الحليم خدام: شاهـد شـاف كـل حاجـة

د. عصام نعمان (*)

تقلّد عبد الحليم خدام وظائف عدّة في حياته السياسية المديدة. لكن ثمة وظيفة دائمة لم يعيّنه فيها أحد بل عيّن نفسه فيها ومارسها بشغف طيلة 35 عاما، وما استطاع احد أن يقيله منها. إنها وظيفة الشاهد. فقد شاهد خدام رؤساءه أكثر من ثلث قرن يمارسون السلطة عليه وعلي الناس. وشاهد نفسه يمارسها معهم علي مرؤوسيه وعلي الناس. وهاهو الآن يشهد علي هؤلاء جميعا، لكنّه لا يشهد علي نفسه.

انه، بحق، شاهد ملك. قيل ان ديتليف ميليس أطلق عليه هذا اللقب. ربما. لكنّه لا يحتاج إلي ميليس ليغدق عليه لقباً إستحقه بنفسه طيلة 35 عاماً. كان يشاهد الجميع بدقة، ولا يشهد علي أحد بفطنة، إلي ان أقيل من وظائفه كلها او إستقال منها ليحتفظ بوظيفته الأثيرة، وظيفة الشاهد الذي يشهد علي الآخرين جميعاً ولا يشهد علي نفسه.

في شهادته الأخيـرة، عشية رأس السنة الميلادية الجديدة، أراد خدام ان يشهد، مداورةً، لمصلحة المغفور له رفيق الحريري. لكن شهادته لم تأتِ لمصلحة صديقه المغدور ظلماً بقدر ما جاءت في غير مصلحة رفاقه القدامي والجدد في النظام السوري، ومهينة لشركائه من رجالات الطبقة السياسية الزحفطونية في لبنان.

الزحفطون تعبير منحوت للأديب اللبناني الساخر سعيد تقي الدين، وهو حصيلة دمج رائع لكلمتي زحف و بطن . إذاً هو الزاحف إلي السلطة علي بطنه، ويبقي كالزواحف لصيق الأرض، نفسياً وأخلاقياً، حتي لو علت به الرتب.

إن المرء ليعجب كيف أن أفرادا مرموقين من تلك الطبقة مارسوا الزحف علي بطونهم إلي دمشق، ملتمسين بأي ثمن وبلا كلل جاهاً أو وظيفة أو دوراً تحت وابل من أوصاف مهينة وشتائم وتهديدات أطلقها أهل السلطة، كباراً وصغاراً، في بلاد الشام علي اقرانهم من طلاب السلطة، كباراً وصغاراً، في بلاد الأرز ؟! غير أن العجب يزول بعدما يعرف المرء ان حال الطبقة السياسية في سورية، علي صعيد الزحفطونية، هي كما حالها في لبنان. فقد جمعتهما دائما وحدة المسار والمصير.

خدام، الشاهد الملك حسب تعبير ميليس، هو شاهد شافَ كل حاجـة حسب رأي اللبنانيين هذه الأيام، بل ربما أيضاً حسب رأي السوريين والمصريين والسعوديين والعرب أجمعين. فقد شاف كل حاجة طيلة 35 عاما من ممارسته السياسية المديدة، لكنه اختار أن يكون أعمي أو متعاميا عن معظم ما رأي، فما شاف إلاّ ما ظنّ انه ينال، بالدرجة الأولي، من ممارسات رفاقه من أهل النظام في ما يخصّ جريمة إغتيال الحريري. صحيح أن ما قاله أو نسبه إلي الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فاروق الشرع وغيرهما من ضباط ومدنيين سوريين ولبنانيين قد لخّصه ميليس في تقريره الإجرائي الأول المرفوع إلي مجلس الأمن. غير أن الجديـد والمهـم في الموضوع أن شاهدا برتبة نائب رئيس جمهورية سابق يتبرع الآن علنا وعلي نحو غير مسبوق بأن يكون شاهداً أمام الرأي العام ليحاول بشهادته تعزيز عمل لجنة التحقيق الدولية. ومع ذلك فإن الرأي العام في لبنان، بحسب ما دلت إليه استقصاءات أولية أعقبت مقابلة خدام مع فضائية العربية ، لم يتأثر كثيراً بإنتقادات نائب الرئيس السوري السابق لرفاقه القدامي والجدد إذ إستفزّ الناس لطرح أسئلة ذكية وساخرة : ماذا كان خدام يفعل خلال الـ 35 سنة الماضية؟ ولماذا إختار الآن أن يكسر صمته؟ وما سرّ هذا التوقيت المريب؟

نعم، لماذا شهد شاهد من أهله اليوم، كما وصفه أنصار الحريري، وهل لشهادته أغراض لبنانية وسورية أم أن الأمر أبعد من ذلك ؟

يبدو ان لقنبلة خدام الصوتية ثلاثة أغراض بارزة:

الغرض الأول تعويم التحقيق الدولي بعد سقوطه المريع إثر إفتضاح شهادتي الشاهد الموقوف في باريس محمد زهير الصديق والشاهد المقنّع الطليق في دمشق هسام طاهر هسام. أجل، كان التحقيق الدولي قد سقط سقوطا مريعا حمل ميليس علي إنقاذ سمعته المهنية، وقيل أمنه أيضا، بالعزوف عن تجديد عقده مع الأمم المتحدة. لكن مع شهادة خدام إستردت لجنة التحقيق الدولية بعض صدقيتها، أو هكذا يبدو، واستعاضت عن الشاهدين المستهلَكين بشاهد ملك يقول انه سمع تهديداتٍ بأذنيه ورأي مطلقيها وضحيتها بعينيه.

الغرض الثاني النيلُ من اركان النظام السوري وإبقاؤه، تاليا، تحت الضغط لحين تسوية الأوضاع في العراق ولبنان وفلسطين علي نحوٍ يؤّمن مصالح الولايات المتحدة. فها هي السيدة نصرت حسن، الناطقة بإسم لجنة التحقيق الدولية والمنفذة تعليمات ميليس الذي لم تنتهِ ولايته بعد، تعلن عن رغبة اللجنة في الإستماع إلي إفادة كل من الرئيس السوري ووزير خارجيته بالإضافة إلي عدد من المسؤولين السوريين الأدني رتبةً. أياً ما سيكون موقف الأسد من هذه الدعوة المريبة، فلا شك في أنها وضعت النظام السوري، مرة أخري، في خط الدفاع عن النفس والتحسب لمزيد من الضغوط.

الغرض الثالث إحياء الشكوك، التي لم تهدأ أصلاً، بان وراء الأكمة ما وراءها، وأن قنبلة خدام الصوتية ربما كانت حلقة، أو ان واشنطن ستستغلها لتكون حلقة، في سلسلة مخططها الأكبر الرامي إلي إعادة تشكيل دول المنطقة، سياسيا وثقافيا. بإختصار، النظام السوري ما زال في مرمي المدفعية الأمريكية التي تكتفي الآن بإطلاق قذائف سياسية وإعلامية عليه، وقد يأتي يوم يُستعاض عنها بقذائف حربية أو يجري تكليف إسرائيل، في إطار مخطط يرمي إلي تدمير منشآت إيران النووية، القيام بهذه المهمة الإستراتيجية لمصلحة أمريكا وإسرائيل معا.

مهما يكن من أمر، فإن ردة فعل النظام السوري علي القنبلة الصوتية الخدامية جاءت تقليدية وباهتة ولا تنم البتة عن ان نخبته القيادية تنبّهت إلي المخاطر التي تواجه سورية في هذه المرحلة وتستوجب إعادة نظر جذرية في سياسة النظام نهجا ومضمونا. فالوعود الإصلاحية ظلّت حبراً علي ورق، والموقف من المعارضة الوطنية ظلّ متشككاً ومتحفظاً، واللغة الإعلامية المستخدمة ما زالت ستالينية النبرة بإمتياز. كم كان الأمر يختلف لو أن النخبة القيادية توصلت إلي قرار تاريخي بمراجعة تجربـة النظام الشائخ ونقدها وبالإنفتاح علي المعارضة الديمقراطية، الوطنية والقومية، لتجسير الفجوة بين الطرفين وتوحيدهما في قضيةٍ ومسار وطنيين جامعين، ولكسب كفاءات قيادية جديدة من أجل الإسهام في مواجهة هجمة التدويل الامريكية؟ أما كانت المعارضـة الديمقراطية، لو جري الإعتراف بها وبدورها وفعاليتها في مرحلة الإصلاح السياسي والنهوض الوطني، أحري بأن تتولي هي مهمة الردّ علي خدام مذكّرةً إياه بدوره الفاعل في قمعها وإسكاتها طيلة ثلاثة عقود وتحويل ربيع دمشق أخيراً خريفاً أصفر؟

لقد سارع أهل النظام إلي إتهام خدام بلغة شبه ستالينية بأنه خائن للوطن والحزب، فهل كان كذلك طيلة الـ 35 عاما الماضية أم انه أضحي خائناً بمجرد إطلاق قنبلته الصوتية تلك؟

يُروي أن فياشلاف مولوتوف، وزير خارجية الإتحاد السوفياتي في عهد ستالين، زار كليمنت أتلي زعيم حزب العمال البريطاني مهنئاً بعد فوزه المدوّي، غداة الحرب العالمية الثانية، في الإنتخابات علي زعيـم حزب المحافظين ونستون تشرشل، فمازحه رئيس الحكومة العمالية الجديدة قائلاً:

ـ كيف تريدنا ان نصدّق انك شيوعي وأنت تنتمي أصلا إلي أسرة رومانوف الملكية المخلوعة؟ أنا الاشتراكي أصلا وفصلا ولست أنت، لأنني ابن عامل منجم فقير وكادح.

إبتسم مولوتوف وقال له:

ـ صحيح. إن كلاّ منّا خائن لطبقته !

(*) سياسي وكاتب لبناني

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 5 جانفي 2006)


آلاف المساجد تقدم 400 ألف درس أسبوعي (2 من 2) …

الأرياف السورية تغذي المدن بالمتشددين… واحتلال العراق يلهم ثمانية آلاف «جهادي» عربي

دمشق – إبراهيم حميدي
تقف مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية وراء عدم النجاح في التحول الجذري الى العلمانية وتحول المجتمع السوري الى الإسلام بصفته بديلاً. فبعد القضاء على تنظيم «الاخوان المسلمين» بعد قيام كتلة «الطليعة المقاتلة» الجناح العسكري والمتشدد للأخوان بعمليات اغتيال مثقفين ومدنيين، بدأت الحكومة السورية سياسة تشجيع الاسلام المعتدل غير المسيس وخلق قاعدة شعبية واسعة ضمن المجتمع حتى لا تتهم بمعاداة الاسلام دين الغالبية، فشجعت بناء المساجد التي وصل عددها حالياً الى نحو ثمانية آلاف في كل انحاء البلاد. كما أوجدت ما يسمى «مدارس الأسد لتحفيظ القرآن» التي وصل عددها الى 120 معهداً في المحافظات والمدن كلها، اضافة الى معاهد عالية لتدريس علوم الدين التي بلغ عددها اكثر من 22 معهداً لا تستقطب طلاب الدراسات العليا من سورية وحسب، بل من اكثر من ستين دولة عربية وأجنبية، بحسب الدكتور صلاح الدين كفتارو مدير «مجمع ابي النور» الذي أسسه المفتي العام للبلاد الراحل الشيخ احمد كفتارو.
وتقول مصادر متطابقة ان هناك نحو 600 معهد لتحفيظ القرآن موجودة في شكل مستقل أو ملحقة بمساجد. كما ان هناك نحو 40 مدرسة تابعة للشيخة منيرة القبيسي (75 سنة) من أصل نحو 80 مدرسة تنتشر في الأحياء الدمشقية كلها، تدور في فلكها أكثر من 75 ألف امرأة ومربية لآلاف الأسر، وفق تراتبية منظمة في الحلقات الدينية يتم التعبير عنها باللباس النسوي ولون غطاء الرأس. ويقول النائب محمد حبش: «القبيسيات ينشطن في إطار دعوة البنات الى التزام الشريعة الاسلامية. هن لا يمثلن تياراً، بل عبارة عن مدارس لتعليم الاطفال». يضاف الى ذلك ان «المجموعة الإحصائية الرسمية» التي تصدرها الحكومة تقول ان كلية الشريعة الاسلامية تضم نحو 7603 طلاب (3337 طالبة) في السنوات الأربع من اصل 48 ألف طالب في جامعة دمشق. وتخرج كلية الشريعة سنوياً اكثر من 650 طالباً. ويقول أحد المتابعين: «ان وظيفة التدريس الديني محصورة بالدولة التي لديها نحو مئة شخص يقومون بدور التدريس الديني من دون اشتراط ان يكونوا بعثيين».
وفي موازاة الكلية الجامعية جرى تشجيع وجود مدارس تشريعية مناطقية مقربة من أعين السلطات الرسمية عبر الثقة بالمشايخ القيمين عليها. ففي الجزيرة السورية شمال شرقي البلاد هناك «مدرسة الخزنوي» (هو شقيق الشيخ معشوق، وتوفي أيضاً في حادث سير بين مكة المكرمة والمدينة المنورة في تشرين (أكتوبر) الماضي، وفي حلب هناك مدارس الشيخ احمد حسون وهو المفتي الحالي لسورية، وفي دمشق هناك «مجمع ابي النور» وحلقات الشيخ العلامة المنفتح محمد سعيد رمضان البوطي الذي يعطي دروساً اسبوعية في جامع «دينكز» وعلى شاشة التلفزيون الرسمي.
ونما في ظل هذه التجمعات مجتمع أهلي يدور في الحلقات الدينية. فمن اصل 584 جمعية هناك 290 جمعية خيرية ذات توجه اسلامي. وقال المتخصص في شؤون المجتمع المدني الدكتور جمعة حجازي ان عدد الاسر المستفيدة من الجمعيات يبلغ نحو 72751 أسرة وان قيمة المساعدات المقدمة لها عام 2003، بلغت اكثر من 842 مليون ليرة سورية (الدولار يساوي نحو 56 ليرة)، ذلك ان هذه الجمعيات تقدم مساعدات عبر تخصيص رواتب شهرية أو مساعدات علاجية أو غذائية الى الفقراء والمحتاجين. كما انها كانت تقدم خدمات عقائدية سواء عبر الدروس اليومية أو عبر خطبة يوم الجمعة وتنظيم جولات سياحية الى مواقع دينية.
إذاً، الشباب وأبناء الأرياف الذين يشكلون الغالبية السورية يرون أمامهم منبرين لا ثالث لهما: المساجد التي يبلغ عددها نحو ثمانية آلاف وتشهد على الأقل نحو 416 ألف درس أسبوعي في يوم الجمعة ويرتادها ملايين المصلين خصوصاً من الشباب، والمراكز الثقافية البالغ عددها 79 معهداً واربعة مسارح رسمية قدمت في العام ذاته 27 مسرحية لا يتجاوز عدد مرتاديها بضعة آلاف، ووسائل الاعلام الرسمية التي تشمل بيع نحو 60 الف نسخة من الصحف الرسمية الثلاث وخدمات الاذاعة والتلفزيون المتواضعة مهنياً والتي تقهقرت أمام تقدم الفضائيات العربية. بل ان تجربة الاذاعات الخاصة، لا تشجع الجيل المحافظ من الاقتراب منها، ذلك ان جميعها تجاري وفني ومعظمها يقدم بطريقة سريعة تناسب شريحة ضيقة من أبناء المدن الكبرى.
ولأن الشبيبة لم تجد الكثير من الخيارات البديلة القائمة، اتجهت بكثافة الى المدارس الدينية للدراسة، والى المساجد اما للتعبد أو كرد فعل على السياسات الرسمية وما يعتقده الشباب أحادية خطاب الحزب الواحد أو للهروب من الواقع بمشاكله الاقتصادية والاجتماعية القائمة وبقضايا الفساد والبيروقراطية والترهل الاداري والمصاعب الاجتماعية والعائلية.
وتشير الارقام الى ان وتائر النمو السكاني انخفضت من نحو 3.4 في المئة الى نحو 2.4 في المئة. لكن الذين ولدوا في طفرة الزيادة السكانية قبل عقدين، باتوا الآن شباباً، ويدخل 220 الف شخص سنوياً الى سوق العمل، لا تستطيع الحكومة توفير فرص العمل لجميعهم. وبحسب الاحصاءات الرسمية فإن نحو مليون شخص هم من العاطلين عن العمل، علماً ان 80 في المئة من العاطلين عن العمل هم بين سن الـ15 والـ24 عاماً. يضاف الى ذلك، ان خبراء اقتصاديين يعتقدون ان الانفتاح الاقتصادي الانتقائي في السنوات الاخيرة، جعل الاغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً مع تعمق الفجوة بين الطبقتين الدنيا والعليا على حساب ذوبان الطبقة الوسطى التي هي أساس أي استقرار وتقدم.
وما يدعم هذه الفكرة ان دراسة أعدها خبراء الأمم المتحدة لمصلحة الحكومة، أظهرت ان سورية تضم نحو 5.3 مليون فقير يشكلون 30 في المئة من السكان (نحو 18 مليوناً)، بينهم مليونا شخص لا يتمكنون من»الحصول على الحاجات الأساسية من الغذاء وغيره»، وان معدلات الفقر تصل الى 60 في المئة بين اهالي المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، وهي الأغنى في الموارد الطبيعية من نفط وغاز ومياه ومحاصيل زراعية.
«ثورة» بديلة
ما عزز البحث عن «البديل الديني» وجود عوامل خارجية اقليمية ودولية. فكل عقد من العقود الثلاثة الماضية شهد حدثاً عزز تثبيت دعائم الاصولية في الشرق الاوسط والعالم. اذ تزامن القضاء على تنظيم»الاخوان» مع اندلاع «الثورة الاسلامية» في ايران في نهاية السبعينات ومع تحالف الحكومة السورية معها ضد النظام العراقي الذي يفترض نظرياً أن يكون شريك سورية في «بعثيته».
وفي نهاية عقد الثمانينات، جاء انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية التي كانت تمثل حليفاً للحكومة السورية، الا ان هذا الانهيار لم يضعف التحالفات الاستراتيجية للحكومة فحسب، بل طرح شكوكاً كبيرة في العقيدة الاشتراكية وانجازاتها المجتمعية، انعكست في النسيج الاجتماعي لسورية، فحرم آلاف الشباب من فرصة السفر الى أوروبا الشرقية ليذهب عدد كبير منهم الى «الخيار الآخر» وهو البحث عن فرص عمل في مجتمعات الخليج المحافظة.
وفي مقابل إعلان عقد التسعينات فشل عدد من الأنظمة الاشتراكية وعدم تقديم الاحزاب اليسارية والقومية حلولاً للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في مجتمعاتها واصابة الأحزاب الحاكمة بالتـــــرهل بفـــعل البقاء في الحكم فترة طويلة وعدم تحقيق إنجازات واسعة داخلياً، فان الأحزاب الاسلامية كانت تحقق الانتصارات الشعبية وتصلب عود قاعدتها الاجتماعية في وقت كانت السنوات الأخيرة تشهد انتشار التشدد الديني والقومي في العالم والمنطقة.
كان الرأي العام السوري والشبيبة الناشئة يراقبان الانتصارات التي باتت تحققها المنظمات الاسلامية ضد اسرائيل العدو الاساس شعبياً. اذ ترك دور»حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) و»الجهاد الاسلامي» في تفجير الانتفاضة الاولى في نهاية الثمانينات ثم الانتفاضة الثانية، اثراً ايجابياً في رفع همة الممارسة الاسلامية وقبول العمليات الفدائية كخيار جهادي. وعلى رغم ان اتفاق «الجنتلمان» القائم بين قيادات «حماس» و»الجهاد» وسورية يمنع هذه المنظمات من ممارسة النشاط الدعوي بين السوريين وبين نحو 450 الف لاجئ فلسطيني، فان مجرد وجود قياداتهم مثل رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» خالد مشعل وزعيم «الجهاد» رمضان شلح في الاراضي السورية هو بمثابة «الملهم» للكثير من السوريين، طالما ان العقيدة «البعثية» راحت تقترب في السنوات الاخيرة رويدا من «الخيار الاسلامي» لتغطية الفراغ الذي احدثه انهيار الكتلة الشرقية من جهة وبعض الخيبات الداخلية من جهة ثانية والبحث عن عناصر جديدة لشرعية سياسية بديلة من جهة ثالثة.
ولا شك في ان الدور الذي لعبه «حزب الله» بدعم رسمي ورعاية من الحكومة السورية، في انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان للمرة الأولى امام طرف عربي مقاتل، كان عاملاً حاسماً في تعزيز القناعة التي كانت تترسخ: الاسلام هو الحل. اما موضوع التطرف فيمكن فهم بعض سياقاته على خلفية وصول بعض مسارات الصراع العربي – الاسرائيلي الى جدار مسدود وتحول المجتمع الاسرائيلي باتجاه التشدد في النصف الثاني من عقد التسعينات، وانتقال رئاسة الوزراء بعد اغتيال اسحق رابين نهاية عام 1995، من رئيس حزب العمل شمعون بيريز الى رئيس تكتل «ليكود» بنيامين نتانياهو، ثم اجتياح آرييل شارون وتكتله المشهد السياسي ثم الاراضي الفلسطينية التي كانت أصبحت تحت سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو لعام 1993.
يضاف الى هذا، ان الحس الطائفي الذي راح يتنامى الاعلان عنه في السنوات الأخيرة بفعل اعادة تغيير الهيكل السياسي في العراق بعد الاحتلال الاميركي ومأسسة الطائفية السياسية في لبنان، يشكل واحداً من الاسباب التي تقف وراء اتجاه عدد من السوريين الى الاسلام بديلاً من الهوية القومية – العلمانية، على رغم المساعي الحثيثة التي استمرت لعقود وهدفت الى تعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الشعور المدني.
معبر… ومقر
من غير المؤكد ان السوري المتوسط الناشئ ضمن الظروف المذكورة يعتبر ان تفجيرات 11 ايلول (سبتمبر) إرهابية، وفق ما يراها المثقفون وممثلو الحكومات العربية التي رأت فيها إرهاباً مداناً أخلاقياً وسياسياً ودينيا. يمكن الاعتقاد ان كثيراً من الشباب المسيس اعتبر هذه الانفجارات دليلاً على ان «الاسلام هو الحل». ويعتقد كثيرون بأن منظمة صغيرة بإمكانات محدودة واجهت القوة العظمى لأنها تبنت العقيدة الاسلامية، بينما عجزت أنظمة عربية من المحيط الى الخليج عن تقديم الانتصارات المرجوة او الموعودة في الخطابات العلنية.
سبق ان كانت طرحت القومية العلمانية في العقود الفائتة حلاً لمشاكل «الأمة» وطريقاً لتحقيق تطلعاتها المشروعة. غير ان الأحداث والوقائع على الارض لم تقدم الدليل على صدقية هذا الحل وذاك الطريق، الأمر الذي اسهم جذرياً في تبني الاسلام حلاً بديلاً.
ويرى حبش ان الأسباب الاساسية للمد الاسلامي كانت السياسات الاميركية في الشرق الأوسط. ويوافق آخرون على ذلك، لكنهم يرون ان «العوامل الداخلية تلعب دوراً كبيراً ويجب عدم اغفالها». وما حصل في العراق في السنتين الاخيرتين عزز الاتجاه الى التدين بصفته خياراً سياسياً. فالرئيس المخلوع صدام حسين، عندما تأكد ان تجربة «الحزب القائد» لم تنجح بما يكفي لجأ الى الاسلام كعقيدة رديفة وتحالف مع الاسلاميين في نهاية التسعينات لتعزيز قاعدته الشعبية.
كما تحالف «البعث» العراقي مع القوى الاسلامية كي يقاتل الاميركيين. قدم «البعث» الخبرة القتالية – العسكرية، والاسلاميون قدموا الدعم العقائدي والبشري. لكن المدهش كان مستوى الانتشار الأفقي للاسلام السياسي في العراق، حيث ان مثالب التجربة القومية – العلمانية وفشلها في العراق كانت وراء بروز الهوية الاسلامية البديلة فيه التي تم التعبير عنها في الانتخابات في نهاية العام الفائت، عبر تسجيل بروز الدور السياسي لرجال الدين الشيعة والسنة والمؤسسات والمراجع الدينية على حساب المراجع الحزبية والمدنية.
وتطرح ظاهرة توجه آلاف الشباب من المتطوعين من بلدانهم الى العراق لـ»الجهاد» حقيقة ان المارد الاسلامي الذي صنعته وعززته أنماط الفشل المختلفة في الدول العربية، خرج الى العلن. وبحسب مذكرة سلمتها وزارة الخارجية السورية في خريف 2005 الى سفراء الدول المعتمدين في دمشق فان سورية اعتقلت او حققت مع نحو ثمانية آلاف اسلامي متطرف حاولوا الدخول الى العراق او قاتلوا فيه، بينهم نحو 1600 عربي سلموا الى دولهم، واعتقال نحو أربعة آلاف سوري، إضافة الى تسليم 2500 عراقي الى حكومتهم.
وجاء في دراسة نشرها موقع «مؤسسة جيمس تاون» الالكتروني في آب (اغسطس) من عام 2005، ان من «اخطر مظاهر» القضاء على «الاخوان» في الثمانينات، هو ظهور جيل جديد من الحركات السلفية في سورية من تحت عباءة قيادات «الاخوان» التي هربت الى أوروبا في بداية الثمانينات. ولعل من ابرز هؤلاء مصطفى ست مريم المعروف بـ «ابي مصعب السوري»، والذي يعتقد انه من «ابرز منظري تنظيم القاعدة» وانه «يدير عمل القاعدة في أوروبا». وهناك أيضاً محمد حيدر زمار المعروف بـ «الدب السوري» الذي يشتبه في انه كان وراء تجنيد محمد عطا واخرين ساهموا في تفجيرات 11 ايلول 2001.
وكانت مصادر متطابقة قالت انه تم نقل زمار من ألمانيا الى المغرب ثم الى سورية حيث لا يزال معتقلاً منذ نحو أربع سنوات، في إطار «التعاون الامني» بين سورية واميركا والذي بدأ بعد أحداث 11 أيلول، ثم «جمد» في أيار 2005، بحسب إعلان السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى.
ان وجود اتجاه لدى بعض الشباب السوري للتعبير عن آرائه بالعنف وتحول سورية الى «معبر أو مقر» للمتطرفين العرب والتنبه الى احتمال تفشي ظاهرة «العراقيين العرب»، كانت عوامل مقلقة جدا للحكومة السورية في ضوء حساسية التوازن الداخلي والضغوط الخارجية. وربما كانت هذه القضايا من ضمن الاسباب الاساسية لقيام السلطات السورية باتخاذ عدد من الاجراءات لمكافحة هذه الظاهرة. وتمثلت بـ «العمليات الاستباقية» التي جرت في عدد من المدن في الأشهر الأخيرة من جهة، وفرض قيود شديدة على دخول المواطنين العرب المتراوحة اعمارهم بين 18 و30 عاماً الراغبين في القدوم الى سورية، باعتبار انهم «مجاهدون محتملون» من جهة ثانية. علماً أن السلطات الرسمية رسمت «خطاً احمر» فاقعاً يمنع أي علاقة بين تنظيم «الاخوان المسلمين» في الخارج والشارع السوري المحافظ.
وعلى رغم بعض «الخروق» التي يقوم بها بعض المعارضين أمثال رئيس «الحزب الشيوعي – المكتب السياسي» السابق رياض الترك الذي اجتمع تلفزيونياً مع المراقب العام لـ «الاخوان» صدر الدين البيانوني، تم الكشف في الأشهر الاخيرة عن الرسالة الرسمية التالية: ممنوع بتاتاً، أي علاقة بين «الاخوان» كتنظيم سياسي محظور والشارع الاسلامي والمحافظ الذي يبحث عن حاضنة سياسية، وأيضاً بين «الاخوان» وشخصيات «المعارضة» التي تكاد شعبيتها تنحصر في كوادرها الناصرية والشيوعية والقومية الطاعنة في السن والقليلة العدد. وكانت إحدى تجليات ذلك، عملية اعتقال الكاتب علي عبد الله لمجرد انه قرأ بياناً باسم «الاخوان» في منتدى ثقافي دمشقي، قبل إطلاقه عشية عيد الفطر المبارك الاخير.
«الخط الاحمر» عززته توجيهات المؤتمر العاشر لحزب «البعث» بضرورة «فضح وتعرية» تنظيم «الاخوان» الذي يتعامل مع الخارج، بحسب نص التقرير. وعاد وأكد على ذلك الرئيس بشار الأسد في جلسة مغلقة عقدت في نهاية مؤتمر الحزب الحاكم، بحسب مصادر حضرت الاجتماع. كما ان المسودة المطروحة لقانون الاحزاب السياسية، تمنع ترخيص أي حزب على أساس ديني أو طائفي أو عرقي أو مناطقي.
لكن كل ذلك، لا ينفي زيادة اتجاه السوريين نحو التدين ولا يلغي الواقع الذي يشهد اتساع رقعة المتدينين وبدء ظهور بقع سلفية ونتوءات تكفيرية او مسلحة. وما يحصل في العراق يزيد هذا التعقيد، إذ ان نزعات طائفية وعرقية ومناطقية ودينية بدأت بالظهور على خلفية اعادة تشكيل النظام السياسي في العراق، لا شك في انها كانت من اسباب التعبيرات العنفية التي ظهرت في أوساط أكراد سورية واسلامييها في السنتين الاخيرتين.
لذلك، فإن معالجة ظاهرة الاسلام السياسي معقدة ومتشابكة، ويمكن ان تكون وفق النموذج الذي اقترحه الرئيس بشار الاسد في محاضرة ألقاها في موسكو في كانون الثاني (يناير) 2005، ويتضمن ست خطوات:»حل بؤر التوتر في العالم وفي مقدمها قضية الصراع العربي – الاسرائيلي، تحسين الاداء السياسي، الحوار، مكافحة الجهل والتنمية وتحسين الوضع الاقتصادي، العمل الامني الذي يجب ان يتوازى مع المحاور الاخرى».
على الصعيد الواقعي، هذا يعني اجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية عميقة وفق رؤية واضحة، تسمح بحرية التعبير وبالتعددية السياسية والحزبية، إضافة الى حل مشاكل البطالة وردم الهوة بين الطبقتين الدنيا والعليا. ولا شك في ان توقيع الحكومة اتفاقاً مع «البرنامج الانمائي للأمم المتحدة» لتدريب الشيوخ ورجال الدين على «محاربة التعصب» خطوة أساسية خصوصاً اذا تزامنت مع تعديل المناهج التربوية في المدارس والمساجد من جهة ومع تحقيق الاصلاحات المذكورة من جهة أخرى.
وعلى الصعيد النظري، لا بد من القول ان الفراغ العقائدي الذي أوجده الجمود القومي والعلماني وعمل الإسلام السياسي على ملئه، يحتاج في سورية الى دارسة متفحصة بعمق. هذا اذا أريد للتعددية السياسية والحزبية ان تكون بحق مرآة تعكس التوجهات المتجذرة في أعماق المجتمع السوري. والمقصود التوجه العروبي والنزوع الى الاعتدال والوسطية في فهم المعتقد الديني وتناوله.
ويقول مسؤول سوري لـ «الحياة» ان «التوجه العروبي يستدعي موقفا تجديدياً للفكر القومي يستوعب متطلبات الحاضر والمستقبل. والنزوع الى الاعتدال يتعزز بتحسين الأداء العام وبالحوار الوطني المفتوح الهادف الى الوصول الى قواسم مشتركة بناءة».
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 5 جانفي 2006)


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

16 novembre 2004

Accueil TUNISNEWS   5 ème année, N° 1641 du 16.11.2004  archives : www.tunisnews.net الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان: بيـــــان أربعة

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.