السبت، 6 مايو 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2175 du 06.05.2006

 archives : www.tunisnews.net


 

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: بــــــلاغ الوسط التونسية:إذاعة فرنسا الدولية تحاور النصراوي ودوفيليبان يحرج محمد الغنوشي عبدالحميد العدّاسي: شجــون سيّد فرجاني: شهادة على ضرورة تعقّب نظام التّعذيب القائم بتونس لمقاضاة كلّ من أجرم من أركانها

صديق:الطريق إلى تونس..العودة المذلة – بوعبد الله نموذجا

نور الدين الخميري: خطوات من أجل التحرر افتتاحية “الموقف”: الحكومة نستشير نفسها محمّد الهادي كحولي: لماذا سيُضرب المعلّمون يوم 11 ماي 2006 ؟ رشيد خشانة: مزايا التوريث … الجمهوري ماهر حنين: بعد انتحار التلميذ محرز الفريخة ضرورة فتح حوار جدي حول أزمة الشباب عبد المجيد المسلمي: في عيد الشغل العالمي: الحرية…. والعدالة الاجتماعية محمد العروسي الهاني: رسالة تهنئة بعيد ميلاد موقع الانترنت تونس نيوز ورد بحكمة توفيق المديني: بورقيبة والدولة العلمانية (Laïque) في تونس جمال العرفاوي: واقع الحريات الصحفية بتونس بين مد وجزر رضا الملولي: جماعة سياسة سحب البساط… الحبيب بسباس الوجه النقابي لـ«الصباح»: المجلس الوطني الأخير للاتحـاد مثّـل فرصـة ضائعـة جديـدة على النقابيين الصباح: في لقاء المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية: فرحات حشاد أسّس اتحاد الشغل للتصدّي للشيوعيّــــة الشروق: أضواء جديدة على الصراع البورقيبي-اليوسفي: هل كان الاستقلال، سبب الخلاف الوحيد بين الرجلين؟ تحدّث عنها المؤرّخ عميرة علية الصغير لـ«الصباح»:«وقائع الحرب الأهلية غير المعلنة بين اليوسفية والبورقيبية» د. عبدالوهاب الافندي: الطريق إلي الخروج من مثلث برمودا العربي ودائرة سولجنتسين الحياة: الداعية السعودي عبدالله فدعق يدعو إلى التعامل مع مسألة «الردة» بمنظور جديد


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

قناة الحوار تستعيد البثّ ابتداء من الأحد المقبل 7 ماي 2006

كل يوم أحد من الساعة الواحدة الى الثالثة بعد الزوال كل يوم أربعاء من الساعة السابعة الى التاسعة مساء. احداثيات القناة Hotbird 1 – 13° Est   — FEC ¾  —–Fréquence : 11534 —–Polarisation : Verticale—–Symbol rate : 27.500 –Canal : ArcoirisTV


أنقذوا حياة محمد عبو

أنقذوا حياة كل المساجين السياسيين

 

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين

33 نهج المختار عطية 1001 تونس

الهاتف: 71.340.860

الفاكس: 71.351831

 

تونس في: 06 ماي 2006

 

بــــــلاغ

 

أخبرتنا عائلة السجين السياسي السيد إلياس بن بشير بن محمد رمضان الذي يقضي عقوبة طويلة الأمد من أجل انتمائه الى حركة النهضة قضى منها عشر سنوات أنهم لم يتمكنوا من زيارة السجين السياسي المذكور منذ ما يزيد عن شهر ونصف و كان آخر عهدهم به عندما كان مقيما بسجن برج العامري وحرموا من زيارته آنذاك بذريعة أنه معاقب وفي الأسبوع الموالي أخبروهم بأنه تمت نقلته إلى سجن الهوارب وفي الأسابيع التي تلت ذلك كانوا يفاجئون بنفس الجواب أنه معاقب و قد حاول أخواه رشاد و طارق و شقيقته رشيدة زيارته صباح يوم السبت 06/05/2006 بسجن الهوارب لكنهم وقع صدهم عن ذلك متعللين بنفس السبب.

 

و قد أخبرنا أفراد العائلة أنهم أصبحوا في حيرة و يخشون على مصيره خاصة وأنه قضى فترة سابقة في سجن الهوارب وحصلت له مشاكل مع الإدارة و أن إرجاعه إلى هذا السجن يعتبر عقوبة مضاعفة وأن دخوله في إضراب عن الطعام قد يسبب له متاعب و يخشون على صحته و يريدون نتيجة لذلك معرفة مصيره.

 

و تجدر الإشارة إلى أن والد السجين المذكور مولود عام 1918 وكذلك الحال بالنسبة لوالدته المولودة عام 1926 وأنهما يتشوقان لرؤية ابنهما وأن أي اضطراب يدخل عليهما يؤثر على مزاجهما ويجعل والدته معرضة للخطر خاصة و أنها مصابة بمرض القلب و أنها تحمل جهازا لتنشيط القلب وتسهيل الدورة الدموية و أن تنقلهما من جندوبة الى القيروان يزيد من عذابهما خاصة و أنهما يقطنان بجندوبة وأن إبعاد ابنهما عنهما مسافة طويلة تتجاوز حدود أربع ولايات مخالف لقانون السجون.

 

رئيس الجمعية

الأستاذ محمد النوري

 


  الوسط التونسية:

إذاعة فرنسا الدولية تحاور النصراوي ودوفيليبان يحرج محمد الغنوشي

واكبت على الهواء إعتداءات الإربعاء الأسود على سليم بوخذير و المعارضين :
إذاعة فرنسا الدولية تحاور راضية النصراوي …. و الرسالة الحدث إلى ديفولبان طرحت موضوع القضاة و الرابطة و الصحفيين المضربين و السجناء
باريس / الوسط التونسية/ خاص  http://www.tunisalwasat.com
الاذاعة الوحيدة في العالم التي واكبت على الهواء مباشرة و لحظة بلحظة الساعات الصعبة التي مرّت على الصحفي التونسي المضرب عن الطعام سليم بوخذير يوم عيد الصحافة بعد الإعتداء عليه أمام مقر جريدة “الشروق” و هو طريح سرير لا تتوفر فيه أبسط ظروف الراحة بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة و محل متابعة لصيقة ومضايقة شديدة من قبل أعوان البوليس السياسي ، كانت ممثلة في راديو فرنسا الدولي ( ” آر. آف ..إي “).
 
فقد نقل هذا الراديو الحدث على الهواء عبر الهاتف من خلال إتصاله بكلّ من الأستاذة راضية النصراوي و الأستاذ عبد الرؤوف العيادي اللذين كانا إلى جوار بوخذير في المستشفى و كان الخبر الثالث الرئيسي الذي مررته هذه الإذاعة في نشرتي الأمسية خبر الإعتداء على سليم بوخذير في العاصمة التونسية .
مواكبة الإذاعة الفرنسية لمهزلة الإعتداء على السيد بوخذير تزامنت مع زيارة محمد الغنوشي رئيس الوزراء التونسي إلى فرنسا ، و بالتالي كانت خير “هدية ” قدمتها الإذاعة الفرنسية للوزير التونسي بمناسبة هذه الزيارة حتى لا ينسى حتى و هو في فرنسا أن ضوء الإعلام الحر مسلط دائما على الملف الأسود للنظام التونسي في المجال الحقوقي ، فيما قطع الرئيس بن علي لأول مرّة في تونس منذ إنقلاب 7 نوفمبر 1987 عادة إلقاء كلمة عن “حرية” الإعلام في تونس و عن المكاسب الوهمية التي تحققت للصحافيين في عهده، بعد أن جعله إضراب الصحفيين عن الطعام يتوانى عن القاء كلمته السنوية المُعتادة ممّا يؤكّد نصر إضراب الإرادات الحرّة الذي خاضه الصحفيان بوخذير وعكاشة على ترسانة التزوير الحكومي للحقائق المرّة في المجال الإعلامي و الحقوقي عموما .
يذكر أنّ رئيس الحكومة الفرنسية كان طرح تساؤله عن ملف تونس في مجال حقوق الإنسان و الحريات العامة مع محمد الغنوشي في باريس على إثر رسالة كان تلقّاها ديفولبان بمناسبة زيارة الغنوشي لفرنسا من كلّ من رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان “ساديكي كابا ” و رئيس الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان “جون بيار ديبوا” ورئيسة فرع”أمنستي ” فرنسا “جينيفياف سفران” و رئيس الشبكة الأورومتوسطية كمال الجندوبي ، و قد طرح الموقّعون على الرسالة موضوع السجناء السياسيين و في مقدمتهم محمد عبو و كذلك موضوع الصحفي التونسي المضرب عن الطعام سليم بوخذير و زميلته شهرزاد عكاشة و قضية الإعتداءات المتكرّرة للنظام التونسي على جمعية القضاة فضلا طبعا عن منعه المتواصل لنشاط الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و عديد منظمات المجتمع المدني الأخرى و الأحزاب .
و للإشارة فإنّ الحكومة التونسية مرتبطة مع الإتحاد الأوروبي بإتفاقية, البند الثاني منها يلزمها باحترام حقوق الإنسان و نشر الحريات العامة في البلد و ضمان إستقلالية القضاء . نقلا عن صحيفة الوسط التونسية http://www.tunisalwasat.com  


سوسة: ندوة حول البطالة

بدعوة من جامعة سوسة للحزب الديمقراطي التقدمي انعقدت يوم السبت 29 أفريل 2006 بمقر الجامعة ندوة حول البطالة في تونس. و قدم الأستاذ فتحي الشامخي الناطق الرسمي باسم التجمع من أجل بديل عالمي للتنمية مداخلة في مستهل الندوة قدم فيها بسطة عن واقع البطالة في تونس التي أصبحت تنتشر اكثر فاكثر لدى فئة الشبان المتخرجين من الجامعات باعتبار أن القطاعات التي تم توجيه الاستثمار إليها في الفترة الماضية مثل السياحة و النسيج لا تتطلب يد عاملة ماهرة. واعتبر فتحي الشامخي أن القضية لا تكمن فقط في الترفيع في نسبة النمو الاقتصادي القادر على امتصاص الطلب المتزايد عل البطالة بل في كيفية استعمال نسبة النمو الموجودة و توزيعها بطريق عادلة معتبرا ان ثمار النمو في تونس تذهب اكثر فأكثر على الفئات المحظوظة على حساب الفئات الشعبية. و قد عقب هذه المداخلة من طرف الحاضرين تم التأكيد فيه على اعتبار أن قضية البطالة تمثل أحد القضايا الاجتماعية الأكثر خطورة في المجتمع و علة عدم نجاح سياسة الحكومة في التقليص منها على مر السنين معتبرين أن ذلك يعود على استفراد السلطة بهذا الملف الوطني و رفضها لأي دور في المجتمع معتمدة على آليات متعددة و باهظة و مسيرة بطريق بيروقراطية أثبتت فشلها معتبرين أن الإصلاح السياسي ضرورة أساسية لحل المشاكل الاجتماعية مراسلة خاصة بالموقع (المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 6 ماي 2006)  خدعة الديون في مستهل ندوة جامعة سوسة للحزب الديمقراطي التقدمي حول البطالة قدم مختار بن حفصة عضو جمعية راد-أتاك تونس تقديما لكتاب خدعة الديون من تأليف الكاتبين الفرنسيين إيريك توسان و داميان ميلاي و ترجمة مختار بن حفصة ورندة بعث و من إصدار دار نشر سورية. و يتناول الكتاب وضع ديون بلدان الجنوب لدى الدول الصناعية و لدى المؤسسات المالية الدولية و أسباب المديونية المرتفعة و التي تراكمت فوائضها على مدى السنوات ممثلة معرقلا حقيقيا للتنمية في تلك البلدان. كما يتناول المبررات القانونية و الأخلاقية و الاقتصادية و السياسة لشعار إلغاء ديون العالم الثالث الذي ترفعه الحركة المناهضة للعولمة النيوليبرالية. مراسلة خاصة بالموقع (المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 6 ماي 2006) 


شجـــــــــــون

كتبه عبدالحميد العدّاسي

لم يحصل أن التقيت الشيخ الكريم الحبيب اللوز ولو مرّة في حياتي، ولكنّي عرفت عنه الكثير من خلال ما يُنقل ومن خلال ما يُكتب. وأذكر أنّي لم أتألّم يوما على وقوع أخ في قبضة ” النّظام ” التونسي عدوّ النّظام، تألّمي على وقوع الشيخ اللوز بين يديه، ليس فقط لأنّ الشيخ – أصلح الله شأنه وفرّج كربه – كان يمثّل بحقّ التحدّي الأهمّ والأخير في وجه مُبغضي الدين والمتديّنين، سيّما بعد وقوع أغلب قياديي الحركة الإسلاميّة في الأسر نتيجة الخيانة أو القوادة وفي أكثر الأحيان نتيجة حسن الظنّ بالآخر ( والمسلم من طبعه حسن الظنّ بالآخر )، ولكن أيضا لأنّي كنت أعلم من خلال معاشرة – فرضتها ظروف العمل وطبيعته – شدّةَ بُغضِ وكُرهِ تلك الفصيلة المتمكّنِ بعضُها من الحكم لكلّ مَنْ سمَتْ همّتُه وارتفعت قيمتُه وعلَتْ هامتُه عموما، وللمتديّنين خصوصا. فقد عرفت منهم مَنْ يُريك من نفسه الخبيثة سلوكا يزهّد في معايشة الآدميين، فهم إن حَكَمُوا أو سادوا طغَوا وظلموا وإن حُكِمُوا أو سُخِّروا تذلّلوا ونافقوا وتمسّحوا وخنسوا وصَغُروا.

فهذا الرجل الذي كما وصفه الشيخ الصدوق محمد الهادي الزمزمي وغيره من أهل صحبته ( كان الحبيب حسن الهيئة أنيق المظهر والملبس، عرفته بعد طول معاشرة دمث الأخلاق متواضعا ذا ثقافة واسعة وذكاء ولسان فصيح طليق، كان يحبّ الحوارات والمناقشات صبورا على طول النقاش والمجادلة ) لا يمكن أن يُحظى أبدا بالمكانة والتبجيل لدى هؤلاء النّاس. وعليه فليس غريبا أن يُدفع الرجلُ خشية إصلاح محيط حرصوا على إفساده، وليس مفاجئا أن يعملوا على التقليل أو حتّى القضاء على تلكم الصفات البارزة المذكورة فيه أعلاه، لأنّهم كما أسلفت يكرهون المتفوّق ويعافون الحُسْنَ وينفرون من الحَسَنِ و يتحرّجون من الأناقة ويرفضون الحوار والنقاش والمجادلة الحسنة ويحاربون الأخلاق الفاضلة بل ويأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ولسانهم وحالهم ومرابعهم وسجونهم وخمّاراتهم ودُورُ فسقهم وصحفهم وبرامجهم ومحاكمهم ونواديهم وشواطئهم كلّها تدلّ على ذلك.

هم يحسبون أنّهم قد تمكّنوا من دعاة الخير، فصار بوسعهم إشباع رغباتهم اللاّإنسانية، فهذا يطردونه من العمل بهدف التجويع والتيئيس والإخضاع، وآخر يسجنونه بهدف كسر الشوكة وإعاقة البدن وإنساء المحيط ( من أنسى يُنسي )، وثالث يتّهمونه بأبشع المفاسد بهدف التشويه والتأزّم وربّما الاستيعاب الرّخيص، غير مقرّين في كلّ ذلك بأنّ الله هو الرزّاق القادر على إطعام عباده الصابرين المحتسبين – ممّن يشاء – داخل غرفاتهم فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ( حصل ذلك مع مريم عليها السلام والقرآن يؤكّده، وحصل ذلك مع خبيب بن عديّ رضي الله عنه والسنّة تحكيه، ونحن المسلمون نؤمن بذلك ونسلّم به )، غير مؤمنين بأنّ الله يدافع عن الذين آمنوا وأنّه ” ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ حتّى الشوكة يُشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه “، غير مصدّقين بأنّ قتل المسلم أو المساهمة في قتله أمر جلل لا يقترفه إلاّ مَن زهد في رحمة الله ( ورحمته سبقت غضبه سبحانه ).

الشيخ اللوز رجل يُبصر بنور الله – أحسب –، وما هذه الابتلاءات التي يتعرّض إليها هو وإخوانه إلاّ دليل على حبّ الله له ولهم أجمعين ( أسأل الله ذلك )…أليس أشدّ النّاس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل من العلماء والصالحين؟!…أليس يُبتلى الرجل على حسب دينه، حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة؟!…بلى! ولن يزيد فقدان البصر – إن حصل لا قدّر الله – شيخنا إلاّ سداد بصيرة وحُظوة عند ربّه وقبول عند أهل الأرض من عباد الله.

ولست شديد أسف على ثلّة من الفاسدين اختارت لنفسها جوار الشيطان ومحاربة الرحمن، ولكنّي شديد حزن على ما آلت إليه الأمور في بلادنا الحبيبة تونس بلاد الزيتونة.

فقضيّتنا في تونس ليست سياسية كما أردنا طوال هذه السنين أن نقنع أنفسنا والآخرين، ولكنّها أخلاقيّة عقائديّة (أحسب). فإنّ ما آلت إليه حالات إخواننا المتعدّدة تأتي في غياب الحاكم الذي يخاف الله ويحبّه ويتودّد إليه ويشري رضاه بإرضاء خلقه الذين انتخبوه لخدمتهم والمحافظة على كرامتهم. وتأتي في حضور أناس يكرهون الدين والتديّن، يبتعدون من الله ويتودّدون إلى أعدائه، يتعدّون حدود الله ويلتزمون الحدود التي رسمتها لهم الصهيونية العالميّة، يتذلّلون – على عكس ما دعا إليه القرآن الكريم – على الكافرين الفاسقين ويعتزّون على من أراد أن يعيش حرّا في أرضه التي حرّرها الأجداد بدمائهم وأشاعوا السلم فيها بإسلامهم.

وإذن ما العمل؟!…أيكفي أن ندعو لإخواننا وأخواتنا بتفريخ الكربة وتيسير المعسر؟! أينفع أن نصيغ العرائض ونمضيها ونكتب المقالات وننشرها ونسيّر المظاهرات في بلاد الغرب ونجمّع المساعدات؟! أيجوز أن ندعو عليهم ( المتمكّنين من رقابنا من أهل التغيير ) – بعد أن دعونا لهم طويلا بإصلاح حالهم – فنسأله سبحانه خرابَ عمرانهم وتيتيمَ أطفالهم ونقضَ ديارهم وإذهابَ سلطانهم وتشديدَ البأس بينهم وأخذَهم من فوقهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن ورائهم ومن أمامهم وأن يغتالهم من تحتهم وأن يسلّط على كلّ واحد منهم كلبا من كلابه؟! (*)

أزعم أنّ ذلك كلّه مهمّ ومقدور عليه، غير أنّه لن يكون ذا وقع على هؤلاء، ممّن فقد الحسّ، إلاّ إذا شُفِع بالضغط الشعبي الذي قد لا يأخذ من أهلنا أكثر من أسبوع بالشوارع التونسية التي لم يعد المبيت فيها بحاجة إلى تدفئة أو أغطية، ولن يكلّفهم ضحايا أكثر ممّا تلتهمه البحار سنويّا أو تغيّبه الزنازين شبه يوميّا. فهل مِن إقبال على ساحات الرجولة والفداء؟!…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) دعا الرسول صلّى الله عليه وسلّم على ظالم: ” اللهمّ سلّط عليه كلبا من كلابك “، فأكله الأسد.


 

شهادة على ضرورة تعقّب نظام التّعذيب القائم بتونس لمقاضاة كلّ من أجرم من أركانها

بقلم: سيّد فرجاني

 

ما يتعرّض له المناضل الكبير الحبيب اللّوز شهادة على ضرورة تعقّب نظام التّعذيب القائم بتونس لمقاضاة كلّ من أجرم من أركانها.

 

يشهد الأخ الفاضل الحبيب اللوز بما تعرض له من وحشيّة التّعذيب منذ اعتقاله ظلما وعدوانا ثم بحرمانه من الرّعاية الصّحّيّة المناسبة و بحرمانه من أهله و أحبّائه وبمصادرة حرّياته كاملة، إضافة لمصادرة كلّ جميل يحلم به كلّ حرّ سيّد

نبيل مثله و لو كان تحت القيد، على جريمة السّكوت والصّمت على دولة التّعذيب المستمرّ بتونس وعلى الّذين يريدون استئناس الظّالم وتبرير ظلمه و الضّغط على ضحاياه من أجل طلب العفو زورا من رأس دولة الظّلم والفساد والإفساد بتونس الرّهينة المغلولة من قبل بنية نظام التّعذيب بجميع مكوّناتها و مؤسساتها الوالغة مباشرة في قمع و تقييد شعب حرّ أبي.

 

إنّهم يستهدفون بصرك لأنّهم استعصت عليهم بصيرتك، وستهدفون جسمك لأنّهم استعصت عليهم قيمك و ثمرة عقلك وفؤادك، ونكّلوا بك لأنّك سموت بإيمانك وروحك، فأبقوا عليك وإخوانك في غياهب السّجون لأنّهم مرعوبون من إطلاق أنوار فكرتك حتّى لا تعصف بغياهب ظلمهم و قهرهم للأحرار فتهوى دولة التّعذيب.

 

إنّ النّظام أو بالأحرى سلطة التّعذيب بتونس الّتي لا تثق في استمرارها إلاّ بالتّعذيب والقمع و الإبقاء على سجناء الرّأي و السّياسة أمثالكم. فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، إنّ صبركم و مصابرتكم هي معين لكلّ حرّ يعمل ويبني بنية

مستقبل آمن و سليم من جرائم هذا الرّهط المتمكّنين برقاب أهلنا وشعبنا.

 

إنّك و إخوانك الضّحايا في السّجون وخارجها من اللذين قضى نحبهم ومن الّذين ينتظرون، فإنّك شهادة ساطعة على ضرورة التّمسّك بالحقوق ومتابعة مجرمي التّعذيب في كلّ زوايا ومؤسّسات الدّولة الوكيلة القائمة على التّعذيب وامتهان حقوق الإنسان بتونس.

 

(*) منسّق منظّمة “ضحايا التّعذيب ضدّ الإفلات من العقاب” التّونسيّة

 

(المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 6 ماي 2006 على الساعة 10 و15 دقيقة بتوقيت وسط أوروبا)


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الطريق إلى تونس..العودة المذلة

      بوعبد الله نموذجا

 

لطالما حملت لك احتراما بالغا وتقديرا جميلا وقد دافعت عنك بلا هوادة في مقامات حضرتها ورفضت بشدة تصديق خبر اتصالك بالسفارة التونسية وتعاملك مع الملحق الأمني فيها وتسلمك الجواز التونسي ولكن عودتك التي تأكدت لي لاحقا جعلتني في محل الصدمة والذهول , ولم يبق لي بعد ذلك من مجال كي أحتفض لك بتلك الصورة الوردية التي حملتها عنك , ولم يكن تماديك في الدفاع عن عودتك المذلة إلا فصلا آخر من سيرتك الجديدة , وأنت اليوم لست إلا مسوقا لبضاعة بن على … لم أتمنى يوما أن أقف معك أنت شخصيا هذا الموقف ولكنك من أجبرني أخيرا للرد عليك, من جانب آخر إذا كنت لا تعرف قدر الرجال فلا تتحدث عنهم , فبالأمس القريب نعقت بمواقف كيف لك أن تدانيها اليوم بعد أن زلت بك قدم التنازل والذل والهوان قال تعالى :”… فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ“الرعد17

  ماذا كان يضيرك في ما ذكره الأخ محسن الجندوبى في شأن الذين لاذوا بالخلاص الفردي من أمثالك !!! لو لا أنك و كما يقول المثل التونسي المعروف”المهموز تهمزو مرافقو”! فالأخ لم يذكرك بالاسم ولكنك وجدت نفسك معنيا بحديثه لأنك تشعر بخزي الدرن الذي ألحقته بنفسك بانسياقك وراء أوهام النظام في العودة , قد تتخذ لنفسك من التنظيم مسافة أو موقفا فهذا  لا يعفى الحر من الثبات على موقفه وعدم التسليم للظالم إذا كان للرجولة عنده مكان , وماذا بقى لك من القضية التي تود المسك بتلابيبها بعد الذي حصل منك؟ وماذا أدركت أنت ببصيرتك التي غادرت غفوتها ولا يزال الآخرون غافلون عن اكتشاف ما أدركته ؟  إذا كنت صادقا في دعواك مؤمنا بنصيحة الشيخ الحبيب اللوز بالمكوث في تونس وتفضيل السجن على الخروج فلماذا ناقضت نفسك ولم تعمل بالنصيحة وغادرت أنت الآخر وصارعت السلطات السويسرية ما يناهز الثلاث سنوات كاملة كي تحصل على حق الإقامة ثم انتظرت للحصول على إقامة دائمة لتكشف صوابية العودة بعد كل هذه السنوات؟لقد ذكرت يا بوعبد الله أنك خلال سنة 1994 كنت مع الشيخ الحبيب اللوز وذكرت بعض حديثك معه ولكنني أضيف ما زهدت فيه وهو أنك مكثت أيضا مع الواشي المدعو مصطفى الفطناسى وإني أستنتج أن ما تصرح به اليوم هو ما كان ذاك  الواشي يدعو إليه والذي جندته الداخلية كى يتلصص على الشيخ الحبيب اللوز ولعلمك فقد كنت بالغرفة رقم 6 بالكراكة وقد مكث معنا فترة وإني أعرفه من يكون وما الدور الذي جند له , ولماذا أنت عائد إلى سويسرا بعد عودتك المظفرة إلى تونس أم أن شأن الدنيا ما يزال يشدك إليه, أكل ما مر من حياتك وتجاربك خطأ لن تكفر عنه إلا عودة ذليلة كالتي أتيت !!!  هل أن الدواعي التي  دفعتك للخروج زالت كي تولى قبل أرض لم ينعم سكنوها بالحق في الحياة ناهيك في الحرية أم أن الصحوة دعتك للعودة لتقودها ولتعقد لها ألوية ترد الجندوبى عن جرم المنفى الذي أحتبسه . لقد كانت عودتك مذلة ودليل ذلك إعراض كل أبناء جهتك عنك لما عدت وقد تابعت أخبار العار الذي لحقك ومصداق ذلك قول أحد الإخوة أنه لا يتشرف بمصافحتك وإلقاء السلام عليك وقد علق أخ آخر منكرا عليك سلوكك  : لقد تجاوزنا عن عودة النساء فإذا بالرجال تقتفى أثرهن , وهذه المواقف لم يوضع فيها الأخ محسن الجندوبى وعلاقاته بالداخل على أحسن ما يكون . لقد كنت معك فى السجن طوال السنوات الذي ذكرتها ولم نكن يوما ننتظر من الأخ محسن ولا سواه من الإخوة أن يخرقوا الجبال كي نخرج من السجن بل كنا معتصمين بالصبر والاحتساب لله وحده , هل كان لك علم بمكان وجود الأخ محسن الجندوبى كي ترجم بالغيب الذي تقولت فيه, لقد كانت حرم الأخ محسن الجندوبى معه لما أعتصم الإخوة للمطالبة بأن تلتحق بهم زوجاتهم ولعل الأخ محسن جندوبى  موجود بــ “الكراكة ” وبالغرفة عدد 9 بسجن ببرج الرومي مع”أبو دخانة” “كبران صنطرة” ولكن يبدو يا بوعبد الله أن من مر بالغرفة رقم 9 والمشهورة  في برج الرومي بالمنطقة زرعت فيه روح الهزيمة والتخاذل وتخذيل الآخرين , والظاهر أن بوعبد الله انقلب على نفسه فقد كنا بالأمس القريب مطمئنين على كل أخ يرسل إلى تلك الغرفة لأنه سيحتضنه الشهم بوعبد الله ولكننا اليوم أمام سيرة أخرى للرجل أصبحنا نخشى على ضعفاء النفوس من أن ينالهم ببضاعته البائرة, وهل أن مطلب لم شمل الأسرة جريمة , لقد غادرت الأدب والحياء حين اعتبرت أن هذا الحق المكسب للعائلات هو لقاء على الفرش وتعاميت على طمس هذه المأساة التي ما زالت بعض العائلات تعانى تداعياتها إلى اليوم , ثم ألم تغادر تونس وتتزوج خارجها وتقيم احتفالا مشهودا , أتراك نسيت  الماكثين خلف القضبان الذين يتشوفون  إلى راية فلذات أكبادهم وزوجاتهم أم أن ما فعلته  تساويه اليوم بحصولك على جواز أنت لست في حاجة إليه

ختاما ليس لي عليك تمنى ولكن عليك يا بو عبد الله أن تذكر الرجال الذين قاسمتهم السجن وخاصة الأخ جبران جبران المرابط إلى اليوم في تونس , فهل لديك الشجاعة أن ترفع عينيك فيه , واتق الله تعالى في نفسك وأستغفره فإن ما أتيته لا يليق برجل قضى جزءا من حياته خلف القضبان وتجرع ظلم النظام وإني لأردد قول الله تعالى فى محكم تنزيله:” وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ“يوسف 81   والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته الآضاء صديقك الذى يعرفك وتعرفه جيدا وسيكشف لك هويته فى الوقت المناسب


 

خطوات من أجل التحرر

نور الدين الخميري-الوسط التونسية:

هذه الكلمة هديّة إلى كلّ من عرفته والى كل من لم تتح لي الفرصة لمعرفته من أصحاب الفكر الضيّق والتحزّب المقيت :

إنّنا بحاجة ماسّة إلى ثورة لتصحيح المفاهيم والأفكار الباليّة, ثورة سلمية نصحّح بها مسارنا الفكري والسيّاسي ونغيّر بها أفكارنا السلبيّة … ثورة على كلّ ما هوّ قبيح وخطأ ….. ثورة على تفكيرنا المتحجّر وانحيازنا المطلق للفرد أو الحزب …ثورة تقوم على احترام الإنسان ككائن بشري بكلّ ما فيه من مخزون علمي وطاقات إبداعيّة رائعة … ثورة لا تلغي الآخر بل تتيح له حقّ الإختلاف وإبداء الرّأي … ثورة تنقلنا من عالم الجمود والتحجّر والإنغلاق إلى عالم التنوّع والتحرّر من القيود … ثورة نقاوم بها القهر والإستبداد والإذلال ونعزّز بها الوحدة الوطنيّة والكلمة الحرّة…

 

نورالدين الخميري ـ بون ـ

    ألمـــــانيا

 

افتتاحية “الموقف”

الحكومة نستشير نفسها

 

عقد المجلس الأعلى للتخطيط اجتماعا برئاسة الوزير الأول وحضور أطراف سياسية واجتماعية لمناقشة مشروع المخطط الجديد للتنمية. ورغم ان الأمر يتعلق باختيارات كبرى ستكون لها انعكاسات مصيرية على كامل المجموعة الوطنية، لم تعر الحكومة اهتماما للرأي المخالف ولم تكلف نفسها عناء دعوة أحزاب قانونية لها مصداقيتها وتمثيليتها في المجتمع، ومن بينها الحزب الديمقراطي التقدمي، حتى تبدي رأيها في الإختيارات فتكون الإستشارة حقيقية.

 

لقد اكتفت السلطة بدعوة الأحزاب التي تدور في فلكها للمشاركة في “الإستشارة” لأنها تحب أن تسمع لغة الثناء والإطراء وتضيق بالنقد والإختلاف، مما حوَل العملية برمتها إلى عمل دعائي استغلتها مجددا لكي تُلمَع صورتها بواسطة التصريحات المدحية المألوفة في صحافة مكبلة وفاقدة للإستقلالية.

 

ويكاد يتحول التشاور في هذه الظروف إلى مجرد استجابة شكلية لطلبات المؤسسات النقدية الدولية التي تحض على أن تكون الإختيارات التنموية محل وفاق بين الحكومة والأطراف الإجتماعية والسياسية. غير أنها لا تعكس إرادة الحوار مع المجتمع والإنفتاح على قواه الحية، وهو أمر أبعد ما يكون عن منهج الحكم في التعامل مع الرأي العام الوطني ونُخبه، إذ أنه مصرَ على الهروب إلى الأمام … لكن إلى أين سيصل في نهاية الطريق؟ وإلى أين سيقود البلاد؟

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 358 بتاريخ 5 ماي 2006)  


لماذا سيُضرب المعلّمون يوم 11 ماي 2006 ؟

محمّد الهادي كحولي ( عضو نقابة صفاقس الغربية للتعليم الأساسي )

 

السنة الدراسية شارفت على الانتهاء ولا أحد بمقدوره أن يتكهّن إلى أين ستؤول الأمور بعد اعلان الهيئة الادارية للقطاع يومي 14 و 15 أفريل 2006 عن الاضراب والمؤمّل تنفيذه يوم 11 ماي 2006 ؟ وقبل الإجابة لا بدّ من توضيح أن الوزارة انطلقت في تطبيق سياسة الحكومة الخاصّة بالإصلاح التربوي والتحويرات المنجرّة عنه والّتي أدخلت على قطاع التعليم عموما ومنه الأساسي متجاهلة في ذلك الطرف النّقابي وكلّ من له علاقة بهذا الموضوع ملغية بذلك أسلوب الحوار والمشورة مع النقابات الممثلة للمعلّمين والأساتذة على حدّ السّواء وكذلك لم تراع وضع المدرسة التونسية وهذا ما تبيّنه الوقائع التالية .

 

حالة المدارس:

 

أقدمت وزارة التربية على تطبيق الإصلاح التربوي ولم تراع البنية الّتي عليها الفضاءات الّتي ستحتضنه فالعديد من المدارس داهمتها الشيخوخة ولم تعد بعض قاعاتها صالحة للاستعمال وغير قادرة على احتضان أبسط نشاط لانعدام الصيانة والترميم كما تفتقد بعض المدارس المرافق الصحية وأعوان التنظيف مقابل إدخال تجهيزات الإعلامية لتزيد المشهد قتامة حيث عمدت الوزارة إلى تلفيق تكوين سريع وهشّ لبعض المعلّمين من أجل تدريسها ممّا فرض على المشرفين من المديرين وغيرهم تخصيص قاعة في كلّ مدرسة تعسّفا لهذا النّشاط الّذي كان يمارس في ورشات أعدّت للغرض ( التربية التقنية ) في فترة سابقة ممّا انعكس سلبا على سير العمل بهذه المدارس الّتي تشكو نقصا في القاعات.

 

منحة العودة المدرسية:

 

إلى جانب التّدهور المستمرّ للطّاقة الشرائية لعموم الفئات الشعبية من جرّاء الارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور قيمة الدّينار التونسي أمام العملات الأجنبية بعد تحريره وأمام زيادات دورية في الأجور لا تغطّي إلاّ الجزء اليسير من الغلاء الفاحش للأسعار بقي المعلّم الموظّف الوحيد الّذي يشتري وسائل عمله دون تعويض. فلماذا ترفض الوزارة وتماطل للنّظر في هذا المطلب العادل وهي على يقين بحجم التضحيات الّتي يقدّمها كلّ المعلّمين دون استثناء؟ وبناء عليه فعلى الدّولة أن تعوّض للمعلّمين على هذا النّزيف المستمرّ لمدخولهم والمقدّر بمرتّب شهر على أقلّ تقدير . أي على الوزارة أن تصرف هذه المستحقّات كاملة دون مماطلة عندها فقط يصبح المعلّمون أسوة بغيرهم من الموظّفين بعد استرجاع هذا الحقّ المسلوب .

 

تعميم المنح الجامعية لأبناء المعلّمين:

 

العاملون في كلّ القطاعات يتمتّعون مجّانا بخدمة القطاعات الّتي تشغّلهم ( صحّة ، كهرباء ، نقل ….. ) فلماذا تتهرّب وزارة التربية من تعميم المنح الجامعية على أبناء المعلّمين ؟ فأغلبهم أصبحت تعوزهم الظروف المادية وأصبحوا عاجزين على تغطية نفقات أبنائهم التعليمية الباهظة فمطلبا التعويض على المبالغ المالية الّتي ينفقها المعلّمون لآداء عملهم وتعميم المنح الجامعية على أبنائهم من أوكد المطالب ا العاجلة والحيوية التي على الوزارة أن تدرسها بجدّية وتوليها العناية اللاّزمة دون مراوغة.

 

تخفيض ساعات العمل والأسبوع المغلق:

 

مع تطبيق العمل بالمقاربة بالكفايات الأساسية وتعميمها تبيّن للجميع الزيادة الكبيرة في حجم ساعات العمل بمعدّل أسبوع بعد كلّ وحدة تعليمية أي بزيادة شهرين من العمل سنويا ممّا سبّب إرهاقا كبيرا للمعلّمين وفاقم المأساة الصّحيّة للعديد منهم وتجلّى ذلك في كثرة الغيابات في آخر كلّ ثلاثيّ وهذا لا يمكن تجاوزه إلاّ بتخفيض ساعات العمل بحجم الزيادة الحاصلة لضمان السير العاديّ للعمل وللحيلولة دون هذا الغياب اضطراريا تحت وطأة الإرهاق بسبب تحضير روائز الامتحانات وإصلاحها في آخر كلّ ثلاثيّ مع ” السير العادي للدروس” حسب المنشور الوزاري الموجّه للمعلّمين .

 

وللخروج من هذا الاضطراب نرى وجوبا تعميم الأسبوع المغلق أثناء فترة الامتحانات حتّى يتمكّن المعلّمون من إنجاز الاختبارات وإصلاحها في ظروف عادية وكذلك إعفاء التّلاميذ وأوليائهم من الضغط النفسي الّذي يشكّل أحد العوائق دون تحقيق نتائج أحسن وتمكينهم من فرصة أفضل للمراجعة والتّركيز . فالإحصاءات الصادرة عن وزارة التربية تكشف عن انقطاع أكثر من 147 ألف تلميذ سنة 2004 / 2005 ورسوب أكثر من 268 ألف في التعليم الأساسي ( جريدة الصباح 22 أفريل 2006 ) . فهل من متابعة جادّة لهذه النتائج المفزعة ؟

 

الانتدابات وتدريس الانقليزية والإعلامية

 

أدخل الإصلاح الأخير تدريس اللّغة الإنقليزية لتلاميذ المدارس الابتدائية ، حتّى و إن سلّمنا بنجاعتها في هذه السنّ المبكرة فهل وفّرت وزارة التربية على الأقلّ الإطار المناسب والكفء من الناحيتين العلمية والبيداغوجية لتدريسها وكذلك بالنسبة إلى مادّة الإعلامية ؟ فالحرص على تجويد العملية التربوية وتحسين مردودها ليس شعارا للاستهلاك بل ممارسة وعمل فالطريق إلى ذلك واضح ولن يتمّ إلاّ بانتداب ذوي الاختصاص من أصحاب الشهادات العليا . ولذلك لابدّ من مراجعة شاملة لوضع جميع المعلّمين المباشرين بكلّ أصنافهم أي أن تنتدب أصحاب الإجازة بصفتهم تلك أي برتبة أستاذ أسوة بزملائهم في التعليم الثانوي مع مراجعة المقاييس المعمول بها الآن للارتقاء إلى خطّة معلّم تطبيق ومعلّم تطبيق أوّل بجعلها أكثر مرونة كما حدث في بداية الثمانينات عندما أدمج آليا مدربو الصنف الأوّل والثاني ممّا مكّنهم لاحقا من الارتقاء بيسر إلى خطّة معلّم تطبيق ومعلّم تطبيق أوّل كما يمكن فتح باب الانتداب بداية بالحائزين على الإجازة الّذين ليس لهم الحقّ في مناظرة الكاباس (علم الاجتماع ، الحقوق ….) لتمكينهم من فرصة للعمل بعد انتداب من قاموا بنيابات بعدل وشفافية

 

التوقيت والجداول :

 

نستطيع القول دون مجازفة أنه لا تخلو مدرسة من اضطراب في توقيت خروج التلاميذ ودخولهم بعد أن كانت الوزارة في زمن خلا تعتبر عدم توحيده من المحرّمات ليتحوّل الآن إلى اخـــتلاف ملموس في الحصص من درجة إلى أخرى ( ساعتان وساعتان ونصف وثلاث ساعات …. ) هذا من جانب كذلك يشكو العديد من التّلاميذ يشكون من تضخّم في جداول أوقاتهم بسبب الساعات التكميلية لبعض المعلّمين لإتمام موازناتهم على حساب إرهاق تلاميذهم ممّا جعل العديد من الأولياء مستائين لهذا الحجز القسري لأبنائهم وتحميل المسؤولية لمعلّميهم على غير وجه حقّ.

 

فالوزارة مطالبة بمراجعة العمل بهذا الأسلوب بحذف الساعات التكميلية من جداول المعلّمين كما هو معمول به في التعليم الإعدادي والثانوي وبالتراجع في ما فرض على من يدرس السنة الثانية من المعلّمين بتعويض حصّة التنشيط الثقافي بحصّة تدريس بالقسم وهذا خرق صريح للاتفاقيات المبرمة بين النقابة والوزارة.

 

ولا يمّكن ضيق المجال من تناول مجمل مشاغل المعلّمين ومستقبل المدرسة التونسية فهذا لايتمّ إلاّ عبر ندوة وطنية يحتضنها الاتحاد العام التونسي للشغل تتطارح فيها الآراء وتقدّم فيها المقترحات وتتوّج بانعقاد مجلس وطني قطاعي للتعليم الأساسي في مفتتح السنة الدّراسية المقبلة مهما كانت نتائج التحرّكات الحالية لتقييم الوضع ورسم الخطط والبدائل النقابية الواضحة وتبويب المطالب بكلّ جزئياتها بروح استشرافية بعيدا عن الارتجال والغموض وهذا من أوكد مهام النقابيين في هذه اللّحظة.

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 358 بتاريخ 5 ماي 2006)  

 


مزايا التوريث … الجمهوري

رشيد خشانة

 

لم تعد توجد مشكلة توريث في الأنظمة الجمهورية في العالم عدا المنطقة العربية. ربما الإستثناءات القليلة هي كوريا الشمالية وكوبا و… الصين إذا ما فهمنا التوريث على أنه بقاء الحكم في عائلة حزبية واحدة. لكن عدد هذه الدول ثلاث فقط بينما لدينا اثنا عشر جمهورية عربية تعاني جميعها (عدا فلسطين) من مشكل تداول على الحكم. من هذه الزاوية بدا تعهد رئيس المجلس العسكري الإنتقالي في موريتانيا العقيد أعلي ولد فال بالإمتناع عن ترشيح نفسه أو أي عضو من المجلس للإنتخابات الرئاسية المقبلة بدافع ضمان الحياد، موقفا “غريبا” وخارجا عن المناخ المألوف، إذ اعتدنا على أن كل من يضع قدمه في سدة الحكم يعتبر نفسه باق هناك حتى الممات. ومن يأتي للإنقاذ يجعل الناس يبحثون بعد فترة عمن يُنقذهم منه. فلم نر رؤساء يتربعون على سدة الحكم ثم يزهدون في الجاه والأبهة ليقولوا بعد سنة “انتهى الوقت وأكملنا المهمة … علينا أن نترك المكان لغيرنا”.

 

الإستثناء الوحيد كان الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب (وهو فعلا رئيس من ذهب) إذ أصر على تسليم الحكم في اللحظة المقررة بعقل كبير وقلب واسع لأنه شعر بعبء الأمانة ومعنى المسؤولية. وربما يكون العقيد ولد فال المثال الثاني إذا وفى بوعده، وعسى أن يكون فألا حسنا يؤشر على مرحلة جديدة في العالم العربي.

 

صحيح أن الرئيس السوري الراحل شكري القوتلي تخلى طواعية عن الرئاسة سنة 1958 من أجل مشروع كبير (أو هكذا كان يُنظر له في تلك الحقبة) هو الوحدة السورية – المصرية، لكنه لم يكن رئيسا انتقاليا وإنما رئيسا منتخبا. وصحيح أيضا أن الرئيس المصري الأول اللواء محمد نجيب غادر الحكم سريعا من دون أن يُقتل أو يوضع في السجن، إلا أنه أجبر على الإستقالة مثلما أجبر عليها الجزائريان الشاذلي بن جديد واليمين زروال والعراقي أحمد حسن البكر.

 

أما القاعدة العامة فهي اعتبار الحكم لُقية ثمينة لا ينبغي التفريط فيها حتى الموت وعطاء إلاهيا لا يليق التنازل عنه مهما كان الثمن. على هذا الأساس بات انتقال الحكم في الجمهوريات العربية لا يخضع لقواعد موضوعية وإنما يدور حول هدف أساسي هو ضمان بقاء الحكم داخل الأسرة أو الحزب أو الجهة. فنحن استوردنا من الأنظمة الجمهورية في الديمقراطيات الغربية “الماركة” والشكل الخارجي وليس المضمون. وسرعان ما اكتشفنا أنها بضاعة مقلدة لا علاقة لها بالمنتوج الأصلي. فجمهورياتهم قائمة على التداول الحقيقي الذي لا يجوز أن تتأخر ساعته لحظة واحدة وعلى الإختيار الحر في إطار انتخابات نزيهة وشفافة، أما عندنا فتقوم الجمهورية على ضمان توريث الحكم مع إخضاع الدساتير وجميع الآليات المتاحة لتحقيق تلك الغاية. وهذا يعني أن مصلحة الأسرة أو الحزب أو المنطقة باتت أهم من مصلحة الوطن، لا بل أصبح الوطن في خدمة هؤلاء.

 

ويمكن القول إن الخط البياني في العالم العربي سار في عكس الإتجاه الذي سار عليه العالم في العقود الأخيرة ليس فقط في أوروبا الشرقية والوسطى وإنما أيضا في أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا. ويكفي إلقاء نظرة على دول الجوار من السينغال إلى تركيا إلى إيران كي ندرك أن الحكام يريدون للعرب أن يبقوا خارج دورة التاريخ، تارة باسم أولوية التنمية وطورا بدعوى محاربة اسرائيل وطورا ثالثا بحجة أنهم مشغولون بحماية المجتمع من الإرهاب. لكن الثابت أن جمود الأنظمة السياسية بما يشيعه لدى الناس من قطع الأمل في التغيير، بات يشكل أخطر عقبة أمام التنمية وأكبر عائق لمقاومة الإحتلال وأهم وقود للجماعات المتشددة.

 

ولو ألقينا نظرة من حولنا للاحظنا أن آسيا التي ركزت على التنمية في الستينات وأرجأت الإصلاحات السياسية حققت اليوم نهضة اقتصادية وعززتها بإرساء ديمقراطيات صارت تعتمد التداول والتعددية. وفي كوريا الجنوبية على سبيل المثال تضاعف الدخل الفردي عشر مرات في العقدين الماضيين بينما لم يتضاعف الدخل في البلدان العربية التي كانت قريبة من مستواها مثل تونس سوى أربع مرات فقط في الفترة نفسها. والأهم من ذلك أن اقتصادها مرشح بفضل حيويته المتدفقة لمزيد من التوسع في المستقبل فيما اقتصاداتنا مهددة بالركود. والنتيجة أننا لم نحصد تنمية ولا حققنا الديمقراطية على رغم التضحيات التي قدمها الجيلان السابقان. وباعتماد نظام التوريث وما يستتبعه من تحنيط للمؤسسات وتجميد للطاقات وهجرة الكفاءات سنفسح المجال للقارة الأفريقية كي تتقدم علينا بدورها وننعم نحن بالجلوس في المرتبة الأخيرة … عالميا.

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 358 بتاريخ 5 ماي 2006)  

 


بعد انتحار التلميذ محرز الفريخة ضرورة فتح حوار جدي حول أزمة الشباب

ماهر حنين

 

عمّت حالة من الدهشة والفزع كل العائلة الموسّعة للمعهد الفني 9 أفريل 1938 بصفاقس صباح السبت 29 أفريل بعدما علم الجميع بوجود جثة متوفى فوق سطح قاعات التدريس لقسم الجغرافيا . وبعد القدوم السريع والفوري لأعوان الحماية المدنية والإسعاف اكتشف الجميع أن الجثة هي للتلميذ محرز أمين الفريخة المرسم بالسنة الثالثة تقنية بنفس المعهد وهو ما ضاعف حالة الذهول لدى الجميع خاصّة بين صفوف التلاميذ الذين لم يسيطر العديد منهم على أعصابهم فارتفعت صيحات الفزع والحسرة وتلاحقت الإغماءات خاصة حين تم إنزال الجثة من سطح القاعات وإيداعها بسيارة الإسعاف التي نقلتها للمستشفى الجامعي بالمدينة .

 

كل من كان حاضرا صبيحة يوم السبت بساحة المعهد من عملة وقيمين ومدرسين وتلاميذ وبعض الأولياء وقف خاشعا أمام هول الفاجعة ولم يجد العديد منهم الكلمات لتقديم التعازي إلى والد الفقيد وشقيقته وزملائه في مقاعد الدّراسة الذين لم يجدوا الوقت الكافي ولا الطاقة الذهنية لتقبل ما وقع . فقد تابع محرز دروسه يوم الجمعة مع أصدقائه وكلفه أستاذ الرياضيات في الحصة الأخيرة من العاشرة إلى منتصف النهار بأن يتولي إصلاح أحد التمارين على السبّورة وبقدر ما كانت وفاته مفاجأة كان وقعها على كل من علم بها مؤثرا ومحزنا. وإذا كان المرء لا يملك أمام الموت إلاّ الخشوع وطلب الرّحمة فإن انتحار محرز (و هو الاحتمال الأرجح) واختياره للمعهد الذي يدرس به وفي يوم دراسة يدفعنا إلى إثارة مسألة على غاية من الأهمية والخطورة ألا وهي التوازن النفسي والاجتماعي لأبنائنا التلاميذ وواقع المؤسسة التربوية عموما . ومهما كانت الدوافع الشخصية والآنية لانتحار هذا التلميذ إلا أنها لابدّ أن تضعنا أمام حقيقة أهميّة الرّعاية النفسية والاجتماعية للتلاميذ على امتداد سنوات الدّراسة .

 

فليست وظيفة المؤسسة التعليمية فقط معرفية بل تكوينية بالمعنى الشامل للشخصية وللإنسان في أبعاده المختلفة بل إنّ التركيز على التحصيل العلمي الكمّي وتكثيف الضغط والتهافت بكل الوسائل على تحسين المعدلات والنتائج دون اهتمام بالتوازنات النفسية لا يولد إلا حالة من الكبت والحصر المولد للاضطرابات والاكتئاب والانهيارات العصبيّة خاصة عندما تكون الوضعيات المادية والاجتماعية للعائلات صعبة وحرجة .

 

ففي الوقت الذي يتطوّر فيه مفهوم الصحّة المدرسيّة ليشمل الجوانب الجسميّة والنفسية لا توجد بأغلب مؤسساتنا التعليمية مصحات تمريض ولا ممرضون قارون فضلا عن مختصين نفسيين وتربويين يباشرون عملهم في تنسيق مع المدرسين والعائلات وإدارات المعاهد . بل إن ظروف عمل المدرسين وأعوان التأطير البيداغوجي أضحت صعبة أمام ما تستلزمه العملية التربوية من موارد وشروط، هذا إلى جانب ضعف أو غياب حياة ثقافية ثرية بعيدة عن وصاية هياكل الحزب الحاكم. فمن الخطورة بمكان تجاهل علامات التوتر النفسي وعدم متابعة أبنائنا منذ طفولتهم ومرحلة مراهقتهم وفي الفترات الحرجة التي يجتازونها .

 

من هنا تتأكد ضرورة فتح حوار جدي وصريح يشمل المدرسين والفاعلين التربويين والخبراء والأولياء وسلطة الإشراف لتمكين مؤسساتنا التعليمية من مراجعات عميقة لأسلوب عملها ونظم التدريس فيها وطبيعة الحياة المدرسية ولضبط ما تحتاجه المدرسة التونسية من موارد ماديّة وبشرية وإجراءات جريئة تساعد على جعلها الحاضنة لشبابنا والمحررة لطاقاتهم والمكونة لعقولهم والمهذبة لأخلاقهم . أما حين نواصل تجاهل أزمة المنظومة التربوية العميقة وتجاهل معضلة بطالة أصحاب الشهادات وآفة الهجرة السريّة وغيرها من الظواهر السلبية فإننا نقيم بينا وبين شبابنا جدارا عازلا ونتركه ضحيّة ممكنة لكلّ الاحتمالات .

 

إنّ العشرات من محرز أمين الفريخة مازالوا يرتادون المعاهد الثانوية والكليات وهم على شفا حفرة من الانهيار ومن الصلف واللامسؤولية أن نستمر في ما نحن عليه من إدارة الظهر لأمهات المشاكل وجوهر القضايا وكأن ما تمّ صباح السبت 29 أفريل 2006 حدث عابر لا وقع له على العقول ولا على القلوب . والحال أنه حادث مأساوي حامل لأكثر من دلالة.

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 358 بتاريخ 5 ماي 2006)  

 


في عيد الشغل العالمي: الحرية…. والعدالة الاجتماعية

عبد المجيد المسلمي

 

 يحيي الشغالون التونسيون ذكرى عيد الشغل العالمي في ظروف سياسية دقيقة و مناخ اجتماعي صعب. فبالرغم من الزيادات الأخيرة في الأجور فإن نزيف القدرة الشرائية مازال متواصلا خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية إضافة طبعا إلى الارتفاع المهول في أسعار المحروقات دون أن نغفل دخول مواد جديدة في سلة الاستهلاك و التي لا يأخذها المؤشر الرسمي للأسعار بعين الاعتبار مثل الإلكترونيك و الانترنيت و الإعلامية و الهوائيات و الهاتف القار و الجوال و مصاريف السيارة…. لقد مكنت الزيادة الثلاثية المعمول بها منذ سنة1990 في الحد من نزيف القدرة الشرائية لكنها لم ترتق بها على ما كانت عليه في بداية الثمانينات. و كانت الزيادات في الأجور في فترة 2002-2004 في حدود 3 بالمائة في حين بلغت نسبة التضخم 3,5 بالمائة و كانت الزيادات الأخيرة في الأجور بنسبة 3 بالمائة في حين كان التضخم بنسبة 4,7بالمائة. و يمثل السميقار – أصحاب الأجر الأدنى الصناعي و الفلاحي – الذين يمثلون ما يقارب 400 ألف عامل و ما يناهز 20 بالمائة من الأجراء أكثر الشرائح العمالية المتضررة من نزيف القدرة الشرائية.

 

فالزيادات الأخيرة التي شملتهم في سنة 2005 كانت في حدود 5 دنانير شهريا أي نسبة 2,7بالمائة و هي أضعف نسبة زيادات في شبكة الأجور. و رغم الزيادة المستمرة لنسبة الأجراء و رغم ارتفاع عدد الأجراء من أصحاب الشهائد الجامعية فإن نصيب الشغالين من ثمار النمو ما فتئ يتقلص فترة بعد فترة كما يتواصل ضعف نسبة مداخيل الأجراء من الناتج الخام مقارنة بنسبة مداخيل غير الأجراء إذ كان معدل الأولى حوالي 37 بالمائة مقابل 50 بالمائة للثانية و ذلك بالرغم من التباين العددي الكبير بين الأجراء و غير الأجراء مما يشير إلا أن الثروة الوطنية لا تزال موزعة بطريقة غير عادلة بين فئات المجتمع. إن الحد من نزيف القدرة الشرائية للطبقات الشعبية يتطلب زيادات عاجلة في الأجور وبصور خاصة في الأجور الدنيا الصناعية و الفلاحية التي اقترح بعض المختصين أن يتم مضاعفتها حتى تمكن من إخراج هذه الطبقة الفاقة و الحرمان التي تعيش فيها.

 

و من القضايا العسيرة التي تواجهها الطبقة الشغيلة التونسية موجات الطرد و التسريح و غلق المؤسسات لأسباب اقتصادية. فلقد بلغ عدد المؤسسات التي شهدت صعوبات اقتصادية ما يقارب 569 مؤسسة نصفها في قطاع النسيج والأحذية. و بلغ عدد العمال المتضررين إلى حدود سنة 2003 ما يقارب 33أالف عامل تم تسريحهم أو إحالتهم على البطالة الفنية. و تشير بعض التوقعات أن عدد العمال المسرحين في السنوات القادمة خاصة بعد تفكيك الاتفاقية المتعددة الألياف قد يبلغ 100 ألف عامل. و تحتوي التشريعات التونسية على ثغرات و نقائص عديدة في مادة الطرد لأسباب اقتصادية من ذلك تعريف هذا النوع من الطرد و مرونة التنظيم القانوني للتسريح و غياب كلي للمثلي العمال و النقابات في آليات الطرد و غياب الدور الفعال لتفقدية الشغل و لجنة الطرد و في محدودية رقابة السلطة القضائية و غياب تام لمسؤولية المؤجر و عدم كفاية الإجراءات و الإحاطة الاجتماعية بالعمال المطرودين. إن إضافة 6 أشهر للمدة التي يتمتع خلالها العمال بمنحة الطرد لتصبح سنة كاملة كما تقرر خلال الاحتفال بخمسينية الاستقلال غير كافية. فعلاوة على ضرورة تمتيع العمال المطرودين لأسباب اقتصادية من دخل قار و من خدمة العلاج خلال الفترة التي يستغرقها فترة البحث عن شغل جديد فإنه من الضروري رسم خطة متكاملة و آليات فعالة تمكن العمال المسرحين من الاندماج المهني. و في هذا الإطار فإن مطلب الاتحاد العام التونسي للشغل ببعث صندوق وطني للتامين على فقدان مواطن الشغل يكتسي أهمية بالغة إذ يمكن العمال المسرحين من التمتع بمنحة خلال المدة التي تقتضيها عملية الإدماج المهني ويمكن من مرافقة العمال و مساعدتهم خلال تلك المرحلة..

 

و يحيي التونسيون عيد الشغل العالمي و حوالي 450 ألف تونسي يمثلون 15 بالمائة من السكان النشيطين عاطلون عن العمل من بينهم ما يقارب 40 ألف من أصحاب الشهائد العليا. و ما يثير الانشغال اكثر فأكثر هو أن طلبات التشغيل ستتزايد في المخطط الحادي عشر 2007 – 2011 إلى حدود 80 ألف طلب شغل مقارنة بحولي 70 ألف في المخطط الماضي. كما سيشهد حجم طلبات الشغل الخاصة بحاملي شهادات التعليم العالي تطورا هاما حيث سيتخرج من الجامعة التونسية سنويا حوالي 40000 طالب ينضاف إليهم 10000 من المنقطعين عن مختلف مراحل التعليم العالي. و لم تتمكن سياسات الدولة المعتمدة على آليات متعددة و معقدة – ما يقارب 17 آلية – تسيرها هياكل بيروقراطية دون مراقبة أي طرف كان من ان تحقق النجاح المطلوب في التقليص بصورة واضحة في نسبة البطالة. و تشير عديد التقارير أن النسبة الحالية لنمو الاقتصاد التونسي التي هي في حدود 5 بالمائة غير كافية للاستجابة للطلب المتزايد على سوق الشغل و أن الارتقاء بنسبة النمو يتطلب دفع الاستثمار الداخلي و الخارجي الذي يمثل بحد ذاته حجر الزاوية في التقليص من البطالة. و هو ما يتطلب مناخا ملائما للاستثمار مثل استقلال القضاء و حياد الإدارة و سيادة القانون والشفافية و الحكم الرشيد و احترام الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان. كما تواجه قضية البطالة تحديا متمثلا بضرورة توفير مواطن شغل في المستقبل لليد العاملة المهرة المتخرجة من الجامعة. فالخيارات السابقة التي أدت إلى تركيز الاستثمار في قطاعات غير ذات قيمة تكنولوجية إضافية مثل النسيج و السياحة أدت إلى صعوبات في استيعاب اليد العاملة المهرة و هو ما يتطلب خيارات استراتيجية جديدة.

 

إن تدني مستوى الخدمات الاجتماعية و ارتفاع تكاليفها يبعث عل الانشغال. فالقطاع الصحي العمومي لا يزال في أوضاع بعيدة عن طموحات المواطنين بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف العلاج حيث أصبح المواطن يساهم بما يقدر ب50 بالمائة من تكاليف العلاج. أما قطاع التعليم فإن مجانيته أصبحت في الميزان سواء من خلال الدروس الخصوصية التي تمثل نزيفا لميزانية العائلات أو عبر الإقبال المتزايد على التعليم الخاص من طرف بعض الشرائح أمام تردي التعليم العمومي. إنه من الواجب الوطني التمسك بدور القطاع العام في قطاعات استراتيجية تتحكم في الحاجيات اليومية للمواطنين و في مستقبل البلاد و لا يمكن إخضاعه لمنطق الربح و المردودية مثل الصحة و التعليم و الكهربا و الماء والنقل بجميع أنواعه و التطهير و البيئة و الاتصالات…. باعتبارها مرافق أساسية و حياتية مشتركة لعموم التونسيين لا يحق لطرف لوحده أن يعرضها للمخاطر مهما كان نوعها لقد أصبح الوضع الاجتماعي في بلادنا يتميز بتفاوت اجتماعي مجحف بين مختلف فئات الشعب التونسي. فالمستوى المعيشي للطبقات المتوسطة و الأجراء ناهيك بالبطالين و الفئات المعدمة و المحرومة أصبح متدنيا. و بالمقابل فإن فئة محدودة من الأثرياء و المحضوظين تعيش أوضاعا من الترف و البذخ الفاحش. إن السياسة الجبائية المتبعة و الغير عادلة تساهم بقسط كبير في تعمق الفوارق الاجتماعية و في تعميق الهوة بين الأغنياء و الفقراء على عكس البلدان المتقدمة حيث تلعب الجباية دورا للتقليص من التفاوت بين الفئات. و يتميز النظام الجبائي في بلادنا بكثرة الامتيازات الممنوحة للمستثمرين إضافة إلى عدم قدرة الدولة على استخلاص الأداء الموظف على أرباح الشركات نتيجة التهرب الجبائي و التوظيف السياسي في حين تخضع مداخيل الأجراء في القطاع العام و القطاع الخاص إلى الخصم المباشر. و قد تطورت مساهمة الأجراء في مجموع الأداءات المباشرة من 35 بالمائة سنة 1987 إلى معدل 45 بالمائة سنة 2002 و تشير بعض الدراسات أن الأداءات المباشرة التي توظفها الدولة على الأجور تفوق النسب الموظفة على أرباح الشركات و أن هذه الهيكلة ستتطور ضد مصلحة الأجراء في المرحلة القادمة. هو ما يتطلب سن سياسة جبائية عادلة باعتماد نسبة استخلاص ضريبي ترتفع مع ارتفاع الدخل و مقاومة التهرب الضريبي حتى تتمكن الجباية لا فقط من الحد من الفوارق الاجتماعية بل من أن تشكل أيضا محركا للتنمية.

 

ما أتينا عليه هو جزء من المشاغل اليومية و الحياتية للتونسيات و التونسيات. و لا يمكن لمجتمعنا أن يجد طريقه إلى حلول لهذه القضايا إلا بالحرية: حرية المواطنين في التعبير عن رأيهم و حرية وسائل الإعلام في تناول هذه القضايا وحرية الأحزاب و الجمعيات و الأفراد في التعبير عن آرائهم و برامجهمم….و حق المواطنين في انتخاب المسؤولين والحق في مراقبتهم. ذلك أنه لا يمكن إرساء الديمقراطية الاجتماعية إلا بإرساء الديمقراطية السياسية.

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 358 بتاريخ 5 ماي 2006)  

 


بسم الله الرحمان الرحيم                                      تونس في 5/5/2006 والصلاة والسلام عل أفضل المرسلين بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري – تونس

رسالة تهنئة بعيد ميلاد موقع الانترنت تونس نيوز الممتاز ورد بحكمة

تصفحت مساء الأمس جريدة الموقف – فأطلعت على خبر سار يتعلق بعيد ميلاد موقع الانترنت تونس نيوز العيد السادس غرة ماي 2000 – غرة ماي 2006. وبهذه المناسبة السعيدة والحدث السار، يسعدني ويشرفني كمناضل دستوري أنتمي لأعرق حزب تحرير في شمال إفريقيا.. الحزب الحر الدستوري التونسي.. العظيم بإنجازاته وأمجاده وأبطاله ورواده… أن أرفع بكل فخر واعتزاز أسمى مشاعر الإكبار والإعجاب والتقدير والاحترام لموقع الانترنت “تونس نيوز” على جهود الأسرة العاملة لدعم كلمة الحق والسمو برسالة الأعلام بكل أشكاله.. وأنبل آيات التهاني القلبية الخالصة لأسرة موقع “تونس نيوز” بمناسبة اطفاء الشمعة السادسة من عمر الموقع الممتاز.. الموقع الذي أثلج الصدور وساهم في رد الاعتبار للأعلام الحر ودوره الحساس في المجتمعات والشعوب التي تنشد حرية التعبير والكلمة الصادقة الهادفة… وأخلص وأعمق معاني الوفاء والإكبار لنهج وسياسة وخط الموقع في مجال الأعلام المتطور.. جوهرا ونصا ومضمونا.. بفضل خبرة العاملين والنضج والحس الإعلامي والبعد السياسي الهادف لنهج الموقع الذي كان كما عبرت مرارا هو رحمة للشعوب والمجتمعات العربية التي هي في حاجة ملحة لأعلام هادف حر نزيه وشجاع وجريئ. سدد الله جهودكم وأعانكم على مواصلة السمو والرفعة بالأعلام الالكتروني في عصر السرعة والتكنولوجيا وعصر الأعلام الحر النزيه.. وكل عام والأسرة بخير..  مزيد اليقظة والحيطة: وفي هذا المجال أرجو وأتمنى مستقبلا أن تتحرى أسرة الموقع الممتاز لبعض العناصر الدخيلة على الأعلام وعلى الأسلوب الحضاري لمفهوم الحوار الإعلامي… الذي هو قبل كل شيء أخلاق عالية وقيم وثوابت.. والإعلام أخلاق أو لا يكون.. وشجاعة أدبية أو لا يكون… وأرجو أن تتفطن أسرة الموقع إلى أن هناك عناصر غايتها التشويه والابتذال والسفاسف والكلام الفارغ الذي لا يليق.. وصب غضبها وحقدها بواسطة الموقع على الشرفاء والرموز والزعماء والأبطال وأصحاب القرار..  دون ضوابط أخلاقية حددها قانون الصحافة. والغريب والعجيب أن مثل هؤلاء الأشخاص -والحمد لله عددهم قليل جدا في بلادنا- يكتبون ويصبون جحيم غضبهم وحقدهم على الرموز والزعماء وأصحاب القرار دون أن تكون لهم الشجاعة لذكر أسمائهم الحقيقة.. ويستعملون أسماء مستعارة.. فأين الشجاعة والجرأة.. وأين الشهامة والكرامة.. وأين الفحولة كما يقولون.. ومن أراد الكتابة من اجل الشتم والثلب والتهويل وإثارة الفتنة والبلبلة والتشكيك فعليه على الأقل ذكر اسمه الحقيقي… وقتها نتبارى ونرد على الهجمات التي بلغت ذروتها في الإساءة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي هو غابة مكثفة بالأشجار لا تغطيها شجرة صغيرة لا تثمر.. وبعض الرموز الوطنين وحتى رئيس الدولة الحالي الرئيس زين العابدين بن علي لم يسلم من اذاهم.. وهذا حرام وغير لائق.. و7000 ألف رئيس شعبة دستورية يعملون في اعرق حزب سياسي له بصماته وانجازاته الكبرى واضحة هؤلاء الأسود – ينعتون بنعوت غير دقيقة ككلمة “قواد الحومة”.. كلمة ثقيلة منافية للأخلاق والقيم الاسلامية.. هذه طريقة بعضهم في اسلوب الحوار وأحد هم بدون هوية يسمي نفسه “رابح راحتو”.. والله الراحة الحقيقية لا يعلمها إلا الله وحده.. ولا أريد الدخول في الرد على الذي هو اسم مستعار هاجم به عديد الشرفاء واليوم انتقل لمهاجمة أكبر زعيم عملاق عرفته تونس.. وفي هذا الإطار فإن بورقيبة علمنا أن عدم الرد أفضل وأقوى من الرد على الذين ليست لهم شجاعة لذكر اسمائهم.. مثلهم مثل من  يوجه رسالة مجهولة.. فيكون مصيرها قطعا سلة المهملات… ونرجو مزيد التحري مستقبلا من الدخلاء، حتى يبقى موقع الانترنت موقع الأوفياء الشرفاء الشجعان… واقترح مستقبلا طلب نسخة من بطاقة التعريف لمعرفة هوية الكاتب وسيرته وشكرا.. كما هو معمول به في كافة صحف العالم.. و هو الاسلوب المسؤول الذي اعتمدته جريدة الموقف الغراء.. قال الله تعالى: “فأما الزبد فيهذب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. صدق الله العظيم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري تونس ملاحظــــة: إن الشجعان والأحرار هم الذين يذكرون أسمائهم.. أما النوع الأخر فهو يخاف لأن حجته معدومة.. وعندنا في المثل الشعبي والريفي: الذي لم يذكر اسمه هو “حاوي”.. أي باللغة العربية “جبان”.. وللحديث بقية..


بورقيبة والدولة العلمانية (Laïque) في تونس

توفيق المديني (*)

 

الكتاب: بورقيبة والإسلام ـ الزعامة والإمامة

الكاتب: لطفي حجي

الناشر: دار الجنوب للنشر ـ تونس

 

لم يكن بورقيبة كما صور نفسه على امتداد ثلاثة عقود من الحكم، وكما صوره أنصاره بالأمس، وعدد مهم من خصومه اليوم والذين كانوا في حرب ضروس معه في السابق، لم يكن سياسياً عادياً بل جمع بين بعد النظر السياسي وبين الإصلاح. وتجسد ذلك في ثلاث أبعاد:

 

البعد الأول: اعتقاده أنه صاحب مشروع إصلاحي شامل لتونس.

البعد الثاني: امتلاكه رؤية جديدة في السياسة العربية تقوم على الواقعية والعقلانية، وتبتعد عن العواطف والديماغوجية، وهي الرؤية التي انتهجها حين اقترح حلاً للقضية الفلسطينية في خطاي ريحا ا لشهير 1965، والتي صاغ بمقتضاها علاقات تونس مع شسائر الدول العربية.

البعد الثالث: يتمثل في اعتقاد بورقيبة والعديد من منظري السياسة البورقيبية أنه يمتلك رؤية ثاقبة في السياسة الدولية جعلته يحسب التموقع بين موازين القوى الدولية. في كتابه الجديد ا لذي يحمل العنوان التالي: بورقيبة والإسلام، والمتكون من ثلاثة أبواب الأول: بورقيبة والعلمانية، ثلاثة فصول، الثاني، معارك فصلاح: أربعة فصول، الثالث: التأويل البورقيبي للإسلام، يركز الكاتب والصحافي لطفي حجي على معالجة بورقيبة للقضايا الإسلامية.

 

إن عناصر قوة بورقيبة تكمن في خوضه المعارك التي لم يجرؤ على خوضها سياسيون من قبله ومن بعده، فتجرأ على ما كان يعتقد أنه من ثوابت الفكر الإسلامي التي لا يمكن أن يتسرب اليها شك أو نقد، فلا سلم من سلاحه النقدي ومنهجه الإصلاحي لا القضاء ولا المرأة ولا التعليم ولا العبادات. وجميع هذه القضايا الإسلامية التي عالجها بورقيبة منذ ما يناهز النصف قرن لا تزال الى اليوم محل نقاش في الدول الاسلامية التي تسعى الى التوفيق بين الواقع المتفجر والنصوص الدينية التي تحكم تفكير أهلها. كما أن القضايا التي عالجها أصبحت محور نقاش عالمي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول.

 

ليس من شك أن النخبة السياسية ـ الإدارية المسيطرة على مجموع الدولة ـ الحزب الواحد بقيادة الحبيب بورقيبة، لم تكن نخبة ثورية بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكنها هي طليعة من المثقفين ـ الذين تعلموا في الجامعات الفرنسية، وتشبعوا بثقافة الغرب البرجوازية ـ وتتسم في طابعها العام بالثورية البرجوازية ضمن الأفق العلماني، بسبب اعتناقها العلمانية البرجوازية الفرنسية، وتأثر بورقيبه نفسه بكمال اتاتورك بوجه خاص. وهو الأمر الذي جعلها تجسد في مشروعها الوصائي على المجتمع المدني نوعاً من العقلانية، هي عقلانية “ثورة من الأعلى” التي تخدم البناء القومي الايديولوجي والسياسي للنظام الجديد، وتدعيم طابع الكلية الدولية. كنفي سلبي لدور الشعب.

 

“لقد طغت الدولة على المجموع الاجتماعي باسم عقلانية مشروعها. وبذلك أصبحت العلمانية في نطاق الممارسة السياسية للنخبة السياسية ـ الإدارية الوطنية إحدى مكونات الايديولوجيا القومية الكلية. وتجسد بالدرجة الرئيسية في العلمنة الراديكالية للتعليم بجميع أصنافه ومستوياته من الابتدائي، مروراً بالاعدادي والثانوي، وصولاً الى الجامعي. فالدولة التونسية الجديدة التي أطلقت مشروعها العلماني الواسع جداً في مجتمع عربي اسلامي يهيمن عليه التأخر التاريخي، الهادف الى إصلاح التعليم، كان يشقها مجتمع عربي اسلامي يهمن عليه التأخر التاريخي، الهادف الى إصلاح التعليم، كان يشقها تناقض منذ عهد الاستقلال، يتمثل في هيمنة الطابع الخارجي لهذه الدولة بالنسبة للمجتمع، الموروث من عهد الدولة الكولونيالية على رغم من وجود سلطة جديدة تتمتع بـ “شرعية تاريخية” وبقاعدة من المساندات حيث أن هذا ا لطابع الخارجي للدولة المهيمن على المجموع الاجتماعي باسم علمانية مشروعه التحديثي الهادف الى أحداث تغيرات سياسية واقتصادية وثقافية في بنية المجتمع التونسي، كان في حد ذاته نقضاً للفضاء العام، ا لذي يمثل المسرح الحقيقي للمواطنة بحصر ا لمعنى، المنقسم الى فروع ثنائية الفرد ـ المواطن، المصالح الخاصة ـ المصالح العامة، المجتمع المدني ـ الدولة هذا من جهة.

 

وهكذا صفى بورقيبة البنية التحتية الاقتصادية للمؤسسة الاسلامية التقليدية من خلال الغاء مؤسسة الحبس والأوقاف: “قراري 31 أيار 1956، و18 تموز 1957، واتخذ قرارات غاية في الجذرية مثل إعلان مجلة الأحوال الشخصية للمرأة في 13 آب 1956، التي تنظم مسائل الزواج وتحد من تعدد الزوجات التي تدخل في نطاق تحرير المرأة التونسية، وكسب ولائها سياسياً، باعتبار ان سن هذه القوانين التشريعية الجديدة كما يقول بورقيبة كان تعبيراً “عن ضرورة التكيف مع متطلبات الحياة المعاصرة، وتسيير شؤون الحياة، وفق المنطق الجديد الذي لا يعد منطقاً متناقضاً مع روح الاسلام “ووحد القضاء على أساس القوانين الوضعية، وألغى المؤسسة القضائية التقليدية التي تعكس البنية التحتية المتأخرة تاريخياً، وتجسد المحتوى الثقافي والايديولوجي التقليدي، فضلاً عن أنها مصدر للتفتت والاختلاف بسبب تعداد مذاهب التأويل في داخلها، وقام بنشر النموذج التحديثي للنخبة السياسية ـ الإدارية الحاكمة التي تحكمه الرؤية الإصلاحية الراديكالية للفئات الوسطى، بما جعل الأهمية الاجتماعية والسياسية والثقافية للإسلام شيئاً نسبياً في منظور علماني.

 

وفي سياق هذه “الجذرية البرجوازية” من الإجراءات والقرارات التي اتخذها بورقيبة في إطار تدعيم المؤسسات الفوقية للدولة الجديدة، قام هذا الأخير بإصلاح جذري للمؤسسة التعليمية الزيتونية حسب قانون 26 آذار 1956، وكانت النخبة السياسة ـ الادارية الجديدة تركز في خطابها السياسي والايديولوجي على أهمية تحديث التعليم، والاستغناء عن مؤسسة الجامعة الزيتونية باعتباغرها “مؤسسة تقليدية لا تعطي إلا تعليماً تقليدياً يتركز أساساً على الدين”، وتحويل الجامعة الدينية الزيتونية العميقة الجذور في تاريخ المجتمع التونسي والمغاربي الى مجرد كلية للشريعة وأصول الدين من الطراز الحديث خاضعة في مناهجها وبرامجها وبيداغوجيتها لخط سلطة الدولة التحديثي، بهدف إقصائها عن المشاركة السياسية والثقافية، باعتبار أن النخبة التقليدية المثقفة ذات التنشئة الزيتونية (دينية) تفصلها هوة تاريخية عميقة عن التكوين الثقافي والايديولوجي البرجوازي، أو التعليم الحديث، فضلاً عن عجزها لتقديم مشروع لبناء مجتمع بديل، للمجتمع ا لتقليدي المسكون بالتخلف الشديد، والفقر، والتبعية، وتقديم كادرات كفوءة، تلبي حاجيات بناء الدولة العصرية، وتحقيق التنمية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والتعليمية والتربوية.

 

إن الصراع بين السياسي والديني يعود في الواقع، الى ثنائية تزداد متطلباتها ثقلاً بين الدستوريين والزيتونيين منذ مرحلة الاستعمار، وهو يعكس صراعاً أيديولوجياً وسياسياً بين الحزب الدستوري الجديد بقيادة بورقيبة الذي اضطلع بدور قيادي للحركة الوطنية التونسية في مقاومة الاستعمار الغربي، وانتزع الاستقلال، وقام ببناء دولة عصرية، وكان له خطاباً سياسياً ينسجم أكثر فأكثر مع متطلبات التطور، لمختلف قطاعات المجتمع التونسي، وبين الحزب الدستوري القديم بقيادة الثعالبي الذي كانت تسانده المؤسسة الدينية التقليدية، المتحالفة تاريخياً مع البرجوازية التجارية التقليدية، بحكم التجانس في الانتماء الى الفضاء الأيديولوجي التقليدي. ومن المعلوم تاريخياً أن الحركة السياسية التونسية، لم تكن حركة تحرر سياسي فقط، بل كانت تمتلك برنامجاً خاصاً للعمل في المجالين الثقافي والاجتماعي مستندة في ذلك الى تراث الحركة الإصلاحية التحديثية في تونس منذ عهد خير الدين التونسي، ورائد تحرير المرأة العربية التونسية الطاهر الحداد/الذي جوبه بعداء شديد من جانب المؤسسة الزيتونية التقليدية، والفئات الاجتماعية المحافظة، والقيم والمبادئ المتخلفة في المجتمع التقليدي.

 

(*) كاتب وباحث تونسي، دمشق.

 

(المصدر: صحيفة “المستقبل” اللبنانية – السبت 6 أيار 2006 – العدد 2257 – ثقافة و فنون)

 


 

واقع الحريات الصحفية بتونس بين مد وجزر

بقلم جمال العرفاوي

 

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة وكما دأبت عليه منذ خمس سنوات أصدرت جمعية الصحفيين التونسيين تقريرا يرصد كالعادة “واقع الحريات الصحفية في تونس”.

 

وتزامن صدور هذا التقرير مع جملة من الإجراءات تم اتخاذها لفائدة مجموعة من الصحفيين والصحفيات العاملين بمؤسسة الإذاعة والتلفزة، إذ تم تمتيع أكثر من 37 صحفي بقرارات ترسيم وعقود.

 

وكان رئيس الدولة بعث برسالة إلى الأسرة الإعلامية بمناسب اليوم العالمي لحرية الصحافة أكد فيها استمرار الدعم للصحافة والصحافيين “حتى يكون أكثر قدرة على ترجمة ما يشهده مجتمعنا من تحولات عميقة على درب الديمقراطية والتحديث”. وأكد رئيس الدولة في رسالته بأن “تنوع المشهد الإعلامي سيزداد اتساعا ورسوخا وفضاءات التعبير ستزداد ثراء وحضورا بعد فتح المجال أمام القطاع الخاص”.

 

وحمل تقرير الجمعية في طياته ثماني أبواب تناولت المناخ السياسي والجوانب التشريعية المحدثة بالإضافة إلى رصد مجموعة من الانتهاكات والهنات التي ما زال يعاني منها القطاع.

 

التقرير ذكر بأهمية استحداث وزارة للاتصال التي “مكنت جمعية الصحفيين التونسيين من مخاطب رسمي من شأنه أن يساهم في التقدم في معالجة العديد من الملفات الإعلامية”. كما اهتم التقرير الذي جاء في أكثر من ثلاثين صفحة من الحجم الكبير بما شهدته هذه السنة من تطوير لتركيبة المجلس الأعلى للاتصال “نحو التعددية ليضم ممثلين عن أحزاب معارضة ومنظمات وطنية ومن جمعية الصحفيين التي تمثل لأول مرة”.

 

وبالاستناد إلى استطلاع للرأي شمل عينة تضم 170 صحافي يكشف التقرير عن تواصل الانتهاكات التي يتعرض لها أبناء القطاع وقدم أمثلة لعدة صحف تمتنع منذ سنوات عن تمتيع منظوريها من التغطية الاجتماعية ومنحة الإنتاج ونتيجة لهذا الوضع يكشف التقرير “أن 56% من الصحفيين الذين شملهم الاستبيان مثقلون بقروض وأن 62% من هذه القروض هي قروض مباشرة الغرض منها تجاوز العجز المادي الشهري”.

 

كما يشير الاستبيان إلى “أن نسبة كبيرة من الصحفيين يضطرون إلى طلب تسبقة على الأجر سواء في المؤسسات التي يشتغلون بها أو من البنوك حيث تصرف أجورهم”.

 

ونبه التقرير إلى غياب مجالس التحرير عن غالبية المؤسسات الإعلامية مؤكدا على أهمية تطوير ظروف العمل الصحفي وهامش الحريات الأساسية وتوسيع دور الصحفي داخل المؤسسات الإعلامية.

 

التقرير سجل التطور النسبي لمحتوى صحف “الصباح” و”لوطون” و”الشروق” وذلك من حيث تنوع الأشكال الصحفية وصحافة القرب وكذلك الأمر بدرجة أقل بالنسبة لمجلة “حقائق”. وللسنة الخامسة على التوالي واصل تقرير جمعية الصحفيين انشغاله من ممارسات بعض الصحف المخلة بأخلاقيات المهنة إذ تلجأ العديد منها إلى الخلط بين الخبر والتعليق، بالإضافة إلى تعمد صحف أخرى القيام بتحقيقات اشهارية دون الإشارة إلى أنها كذلك. التقرير نبه “إلى خطورة التعميم في نشر الخبر وكذلك بعض الأخبار الغامضة” ومن أجل ذلك تطالب الجمعية من منظوريها “التحري في المعلومة وتسمية الأشياء بمسمياتها”.

 

صورة المرأة والرياضة والشعوذة والمقالات الزائفة وغير الممضاة كانت محل تشريح مرة أخرى في تقرير هذا العام، إذ رصد مجددا تواصل هذه الانتهاكات في العديد من الصحف “بهدف تجاري رخيص” والحال “أن دور وسائل الإعلام هو التنوير ونشر ثقافة المعرفة والحداثة”.

 

التقرير تعرض أيضا إلى الأوضاع الصعبة والأدوات المتخلفة التي تعيق عمل الصحفي التونسي وتمنعه عن النهوض بالقطاع. ناهيك عن حالات التجميد والتهميش التي استعرضها التقرير باستهجان.

 

(المصدر: مجلة “لوجورنال” الألكترونية، العدد 25 بتاريخ 6 ماي 2006)

وصلة الموضوع: http://www.gplcom.com/journal/arabe/article.php?article=426&gpl=25


 

جماعة سياسة سحب البساط…

رضا الملولي  

 

من أتحدّث عنهم يتّصفون بصفتين :

 

        قدرتهم الهائلة على الحذلقة والتنظير، خصوصا عندما يتّصل الأمر ببعض الأمراض الاجتماعيّة كالتطرّف والعنف.

        خوفهم الدّائم من المستقبل وحرصهم على أن يكونوا مع النقائض في نفس الوقت، هنا وهناك، رجل ”مهزوزة” إلى الأعلى ولا تستقرّ على شيء والأخرى غائصة في الوحل.

 

وقصّة بلادنا مع النماذج التي أتحدّث عنها قديمة وتعود إلى ما قبل 1987 عندما احتدم التكالب على السلطة وأصبح عنوانا على الحياة السياسيّة المتعفّنة. البعض من هذه الجماعة قدّموا أنفسهم كمتضلّعين في جماعة (الإسلام السياسيّ )، وهي تسمية رديئة من قبل بعض المنتسبين إلى علم الاجتماع، وكتبوا دراسات عن الأماكن التي تغلغل فيها المتطرّفون سمّوها (دراسة حالة). وفي نفس الوقت كتبوا دراسات ”أعمق” لأنّها مدفوعة بالدّولار لجهات أمريكيّة تحت عنوان ”المستقبلات العربيّة البديلة” وكان المتطرّفون محور هذا المستقبل بل انّهم العمود الفقري له وتمّ تفريع هذا العمود المهزوز إلى معتدلين ومتشددين، وفي نفس الوقت سعى دعاة هذا التصوّر إلى غرسه والترويج إلى إمكانيّة التعامل مع جناح معتدل داخل (المتأسلمين).

 

لكنّ وطأة الواقع وحجم التناقضات والنّهم الذي لا يوصف للسلطة أثبت أنّ من يوظّفون الدّين لمآرب سياسيّة كانوا يخطّطون لسيناريوهات جهنميّة (التسلل داخل الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة، المجموعة الأمنيّة، استهداف رئيس الدولة، العصيان المنظّم، حرق المقرّات الحزبيّة المخالفة لتوجّهاتهم، قتل المواطنين، الرشّ بماء النار، الإرهاب الفكري داخل الفضاءات العامّة، العنف في الفضاءات الجامعيّة، تكفير الكتّاب من أعلى منابر المساجد ولنا في الخطبة الشهيرة لإمام جامع الفتح وجامع طبربة مثالا ساطعا، إضافة إلى الاستعداد الدّائم لتجّار كبار، خصوصا في بعض المناطق الجنوبيّة لتمويل تحرّكات الإسلاميين وبعث مكتبات خاصّة بهم واستفزاز مشاعر المخالفين لهم عبر أشرطة الشيخ كشك وغيره من الدّعاة المعروفين)… لقد كانوا مهيّئين فعلا للانقضاض على السلطة لا عبر عمليّة ديمقراطيّة معروفة ولكن عبر العنف المنظّم وقد تمّ كلّ ذلك بتواطؤ مفضوح من جماعة الإسلام الرّسمي الذين أعجبهم المشهد القائم وكانوا عبر مجلّة معروفة يصدرون الفتاوى لا المتّصلة بمستقبل البلاد المظلم مع دعاة الدولة الدينيّة وإنّما بجواز الاستمناء باليد من عدمه، وهذا موثّق بالتاريخ المضبوط ! !

 

وقد قدّر لهذه البلاد أن يتمّ إنقاذها بتغيير دستوري دون إراقة قطرة دم واحدة مع الحفاظ على مكاسبها والعمل على إضافة مكاسب جديدة تمّ بواسطتها إلغاء كلّ الحالات الاستثنائيّة والسير بالبلاد دون تردد صوب الحداثة والتقدّم. وهذا ما أكّد عليه السيد الرئيس في مناسبات عديدة عند إبرازه قيمة الحريّة والتنوير ووجوب القطع مع التصوّرات الرجعيّة للوجود، وعلى رأسها التصوّرات الدينيّة للسياسة التي أفسدت عبرالتاريخ الدين والسياسة معا…

 

لقد كان السيد الرئيس مدركا ومنذ سنوات طويلة أنّ الخطر الذي يتهدد الكون برمّته، وخصوصا في بيئة العرب والمسلمين هو خطر التطرّف الديني المصحوب على الدوام بالعنف وتكفير الآخر وتشريع القتل، وهذا ما لم يفهمه جماعة سحب البساط، إمّا لآفاقهم الضيّقة أو لمصالحهم غير المعلنة، إذ في كلّ مرّة تتاح لأحدهم فرصة التعبير عن رأيه في التطرّف الديني إلاّ ويدعو إلى وجوب تفّهم هذه الظاهرة الاجتماعيّة (هكذا) ! وعندما ينعت المتطرّفون بالظاهرة فهذا معناه أنّهم يشكّلون الأغلبيّة وهذا يؤدّي بدوره إلى الإقرار بإفلاس الدولة الوطنيّة في مجالي التربية والتثقيف والتوعية الدينية، وهذا مناف للواقع.

 

ولا أغالي إذا قلت إنّ جماعة سياسة سحب البساط لا يقلّون خطرا عن المتطرّفين خصوصا إذا قدّر لهم تحمّل المسؤوليّة أو المشاركة في بلورة القرار لسبب بسيط أنّهم انتهازيّون وليست لهم الجرأة الفكريّة للقطع مع ما يرونه خطرا ووبالا على المجتمع، وربّما كانت علاقتهم بمن يدفع أمتن من علاقتهم بالتربة التي ينتمون إليها ولا أريد الدخول في مزيد من التفاصيل، فالأيّام وحدها تكفلت بإبراز حقيقة ما أذهب إليه !

 

منذ يومين، زرت معرض تونس الدولي للكتاب وخرجت منه منقبض النفس، مذعورا لهول ما رأيت : شباب تونسي يرتدي لباسا غريبا عن هذه البلاد وتقاليدها : دشدشات (بلغة المشارقة) طويلة حتّى أخمص القدمين مع (شلايك) ومن فوق لباس خشن، وجوه مصفرّة مطبوعة على الجباه، لحى غريبة تذكّر بالطّالبان، فتيات ترتدين الجلابيب السوداء، هي ذاتها التشادور الإيراني في بداية الثمانينات، وهذه أوّل مرّة ألحظ فيها مثل هذه الثياب… الكلّ مقبل على الكتب الصفراء المذكّرة بالآخرة أو جهابذة الفقه المتشدد…

 

في جناح إحدى البلدان العربيّة، إقبال لا مثيل له على الكتب الصفراء المجانيّة التي يقوم بتوزيعها تونسيّون خالصو الأجر. في جناح بلد آسيويّ آخر، تبشير لا غبار عليه بنحلة إسلاميّة تنوح عبر التاريخ، دون نسيان عشرات دور النشر التراثيّة التي لا تبيع إلاّ الكتب المحبّبة إلى نفوس دعاة الدولة الدينيّة. ما هي خطّة جماعة سحب البساط في هذا المجال؟!

 

لا أرى إلاّ حلّين لهؤلاء : إمّا الاقتداء بمن ذكرتهم على صعيد اللباس والمذهبيّة، الجلابيب الطويلة لاقناع الآخرين بالعدول عن مظهرهم وأفعالهم أو التعرّي المجازي بإخراج اللّحى المستعارة من جيوبهم لأنّهم لن يستمتعوا بإقامة دولة الحقّ، فعليهم بارتدائها أو تربية لحى حقيقيّة ! !

 

(المصدر: القسم العربي بمجلة “حقائق” التونسية، العدد 1062 بتاريخ 4 ماي 2006)  


الحبيب بسباس الوجه النقابي لـ«الصباح»:

المجلس الوطني الأخير للاتحـاد مثّـل فرصـة ضائعـة جديـدة على النقابيين

لا بد من اعتماد مقاربة جديدة للقطاع الخاص باعتباره عُصب الاقتصاد الدولي المعولم

 

تونس ـ الصباح

 

في سياق الملف الذي فتحته «الصباح» مؤخرا حول المنظمة النقابية (الاتحاد العام التونسي للشغل) ننشر اليوم حوارا مع الوجه النقابي المعروف السيد الحبيب بسباس، الذي شغل كاتبا عاما للجامعة العامة للبنوك لعدة سنوات، وتولى منصب الأمانة العامة للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي، فضلا عن صيته في الاوساط النقابية..

 

وتحدث الحبيب بسباس الذي شغل منصب نائب رئيس الشبكة العالمية للخدمات التي تضم 16 مليون منخرط، عن المجلس الوطني الأخير للاتحاد، وعن الملفات الاجتماعية والاقتصادية المعلقة صلب المنظمة، كما تناول مشكلة غياب الاتحاد عن الساحة الوطنية، طارحا جملة من البدائل في عدة ملفات مثل البطالة والمناولة وهيكلة الاتحاد.

 

وانتقد بسباس في هذا الحوار ما أسماه بازدواجية المواقف صلب المركزية النقابية، وأسلوب تسييرها للمنظمة وكيفية معالجتها للمستجدات النقابية.

 

وتطرق الى استحقاقات المؤتمر القادم للاتحاد، مقترحا أجندا رئيسية له، تبدأ ـ في نظره ـ بإعادة ترتيب البيت النقابي مجددا بعيدا عن الأسماء والمناورات والحسابات الانتخابية.

 

وفيما يلي نص الحوار:

 

حول المجلس الوطني

 

* بداية، كيف تقيّم المجلس الوطني الأخير في ضوء وجود مقاربتين: الاولى ترى أنه «ناجح» والثانية تعتبره «بروفة» للمؤتمر القادم؟

 

ـ المجلس الوطني قانونيا، هو ثاني سلطة بعد المؤتمر وهو محطة ضرورية للتقييم ومحاسبة القيادة ومدى التزامها بلوائح المؤتمر ومقرراته وشعاره.. والغريب أن المجلس الوطني الاخير، لم يضطلع بهذا الدور التقييمي، وانما غيّر شعار المؤتمر القائم على التصحيح، وأصدر لوائح جديدة بدل  التوصيات، وضيق على اعضائه فرصة التقييم، حيث حدد توقيت المداخلات التي اقتصرت تقريبا على اعضاء الهيئة الادارية.. وأنا اعتبر أن المجلس الوطني الأخير، مثّل فرصة جديدة ضائعة على النقابيين للوقوف على حقيقة الاوضاع داخل منظمتهم، وللتباحث في الصيغ العملية والاجراءات الضرورية لتجاوز مظاهر الخلل الكثيرة التي لم تعد خافية على أحد، بل أصبح من غير الممكن تجاهلها أو انكارها.

 

* لو توضح بعض هذه المظاهر والاخلالات؟

 

ـ مظاهر الخلل يدركها النقابيون جيدا، سواء تعلق الأمر بطرق التسيير أو وسائل العمل او ارتباك السياسة النقابية للمنظمة، بالاضافة الى تذبذب مواقفها ازاء الملفات الوطنية الكبرى المطروحة على الساحة الوطنية..

 

وبالرغم من كل ذلك، يبدو حرص المركزية النقابية واضحا في تجاوز الثغرات عبر تزيين الواجهة، وترك الوضع الداخلي على حاله، في محاولة للهروب الى الامام بخطاب يبرر نقاط الضعف هذه ويحاول تمجيد الذات، وهو ما يعكس حالة وهمية من الرضا عن النفس، يقابلها شعور عام لدى اعضاء المجلس الوطني بصعوبة صلاح أمر المنظمة دون التفكير في حقيقة امكانيات قيادتها او حجم الاضافة التي بامكانها ان تقدمها لمنظمة في أمس الحاجة لدماء جديدة، وطاقات شابة، تتوفر على القدرة والكفاءة لتطوير الأداء وتجاوز الثغرات..

 

الأخطاء… والتجاوز

 

* لكن بعض قيادة الاتحاد ترى أن الانتقادات الموجهة اليها، ذات صبغة نظرية وشخصية، وان الاتحاد نجح في بلورة بدائل للملفات الاقتصادية والاجتماعية.. ما هي وجهة نظرك في هذا الصدد؟

 

ـ في الواقع قيادة الاتحاد الحالية، لم تعد تنكر عجزها على بلورة البدائل، فقد طغى على خطابها الاعتراف بأخطاء طالما نبه اليها معارضوها.. غير أن الاعتراف بالخطإ وحده لا يكفي، طالما لم يقترن بخطوات عملية تضمن التجاوز.. هناك اتجاه عام في خطاب المكتب التنفيذي يهدف الى الالتفاف على شعارات «المعارضة النقابية» ـ إن صح القول ـ لإفراغها من محتوياتها ومضامينها الحقيقية.

 

ولا يمكن للمرء أن ينكر كذلك، بأن المعارضة النقابية (وهي موجودة خارج الاتحاد وداخله ايضا)، تشكو بدورها من مظاهر ضعف عديدة سواء في خطابها أو في اسلوب عملها أو في خطة تدخلها، الامر الذي جعلها عاجزة عن التعبير بدقة على هواجس النقابيين او أن تعكس تطلعاتهم لأوضاع افضل لمنظمتهم..

 

اعتقد أن سياسة ترصيف الشعارات والخطاب المتشنج أو المغالي في المزايدة والانتقادات الذاتية، كلها ظواهر موجودة لكنها لا تخلص جميعها مجال تدخل المعارضة النقابية، ولا تؤثر على مشروعية وجودها، أو بالأحرى على أهمية وضرورة وجودها.

 

ملفات معلّقة

 

* لو تقدم لنا أمثلة محسوسة على ذلك؟

 

ـ باستثناء التأمين على المرض الذي أخذ خطوته صلب المنظمة، حيث تمت استشارة الاطارات النقابية، هناك موضوع المناولة الذي يتطلب حدا أدنى من الشجاعة ومن الارادة الصادقة لإيجاد الحلول الملائمة بعيدا عن الشعارات الجوفاء، وبصرف النظر عن المصالح الذاتية، حيث أغلبية القيادات المتقدمة في الاتحاد لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بشركات المناولة، وهذا ما يفسر عجز الاتحاد على بلورة حلول عملية لهذا القطاع، اذ لا يمكن لقيادة لها علاقة مباشرة بالمناولة أن ترفع شعار «لا للمناولة».

 

إن المناولة معطى جديدا في الاقتصاديات الحديثة، حيث تقلل من التكلفة بالنسبة للمؤسسات، في الوقت الذي يشغّل اعدادا كبيرة من العمال.. علما أن قطاع المناولة لا يقتصر على عمال النظافة أو الحراسة، إنما يشمل عديد المهن، وخاصة المهن الجديدة ذات المستوى التكنولوجي الرفيع.

 

لذلك المطروح اليوم على ذمة قيادة الاتحاد اعطاء الأهمية القصوى لهذه الشريحة حتى تتموقع صلب الاتحاد قصد حماية حقوقها المادية والمعنوية..

 

* كيف ذلك؟

 

ـ من المهم بالنسبة للاتحاد، البدء ببعث نقابات داخل قطاع المهن المختلفة، لأن ذلك سيحمي العمال والموظفين من جشع شركات المناولة.

 

* لكن لماذا لم ينجز الاتحاد ذلك في تقديرك؟

 

ـ في رأيي الحسابات الضيقة والمبنية على خلفيات انتخابية، تجعل قيادة الاتحاد غير قابلة لأن يتحول هذا القطاع الى ثقل قاعدي/ انتخابي في المؤتمرات العامة.. على أن هناك بدائل في تقديري يمكن للمنظمة أن تنخرط فيها، مثل بعث شركة في حجم الاتحاد تستوعب من خلالها جل عمال المناولة، بحيث تحميهم من خلال تطبيق القوانين والتشريعات الاجتماعية الشيء الذي يجعل باعثي الشركات الاخرى ينسجون على منوال الاتحاد أو ينسحبون من السوق..

 

دور المنظمة النقابية

 

* ثمة حديث عن دور غائب للاتحاد على الساحة الاجتماعية والوطنية، فيما تؤكد قيادة المنظمة أنها انخرطت في مجمل القضايا رغم تعقيداتها وتداعياتها على الاتحاد…

 

ـ (مقاطعا): الاتحاد لم يكن غائبا، لكن طريقة حضوره ـ في الحقيقة ـ أسوأ من غيابه.. مشكلة المركزية أنها قدمت خطابا يتبنى الموقف ونقيضه في ذات الوقت.. وللأسف هذه المسألة أصبحت تخص كل القضايا الكبرى.. فغياب تصور دقيق، وعدم وضوح الخط السياسي العام للمنظمة جعلها تراهن على ازدواجية الخطاب من ناحية، وعلى المجاملات وتسويق الشعارات العامة من ناحية اخرى.. واعتقد أن المشروع السياسي شيء، والمشروع النقابي شيء آخر، رغم علاقة العمل النقابي بالشأن السياسي العام…

 

* يتحدث البعض عن مظاهر البيروقراطية صلب المنظمة، وبعض النقابيين طرح الموضوع على أعمدة «الصباح» بالذات…

 

ـ من ناحية، هناك مركزية القرارات الصارمة التي لا تستند الى مشروع، ومن ناحية اخرى ثمة غياب آليات عمل لاطلاق المبادرة القاعدية، في المقابل هنالك ممارسات لتقييد هامش الحركة صلب الهياكل الوسطى او حرمانها من امكانيات الممارسة الحرة ماديا وتنظيميا وهو ما جعل الاتحاد إطارا من شأنه ارهاق القيادة بأعباء يصعب عليها تحملها، فتتبلور عقلية تستفيد من الوضع التنظيمي…

 

المؤتمر القادم

 

* تبدو اهتمامات النقابيين منصبة من الآن على المؤتمر القادم، وسط توقعات بتجديد الأمانة العامة.. ما رأيك؟

 

ـ نعم، إن المؤتمر القادم يمثل مركز اهتمام جل النقابيين بين من يراهن على البقاء في موقعه، وبين من يرى أن الاصلاح الحقيقي يفترض إزاحة كل الوجوه المسؤولة عن الاوضاع في الفترة السابقة.. والاحداث والتطورات منذ مؤتمر جربة الى اليوم، كشفت عن وجود جزء من القيادة الحالية غير قادر على تحمل مسؤولية الاصلاح باعتباره يمثل احد وجوه الأزمة، ورحيله يعد شرط اصلاح الأمور داخل المنظمة… اما فيما يخص الأمانة العامة فهي مسألة نسبية ـ حسب رأيي ـ وأنا اختلف مع الأمين العام الحالي في طريقة إدارته للمنظمة وفي اسلوبه في التسيير القائم أساسا على الترضيات وغياب الصرامة في مواجهة المشكلات، الى جانب التردد في اتخاذ المواقف الواجب اتخاذها في الوقت المناسب..

 

على الأمين العام القادم، سواء كان الأخ جراد أو غيره، تجنب مثل هذه الظواهر والابتعاد عن ازدواجية الخطاب حفاظا على مصداقية المنظمة.. وإني أقولها صراحة أنه ليس لي خلاف ذاتي مع جراد، ولا يزعجني حتى بقاؤه على رأس المنظمة بقدر ما يزعجني أن يبقى بنفس الذهنية وطريقة العمل..

 

إشكالية البطالة

 

* من المشكلات المطروحة على البلاد في غضون السنوات المقبلة مسألة البطالة والاتحاد طرح مقترح صندوق البطالة.. ما هي مقاربتك للموضوع؟

 

ـ مشكلة البطالة ظاهرة تفاقمت منذ سنوات، وهي مشكلة آنية مباشرة وليست ملفا مستقبليا.. وهي في حقيقة الأمر ظاهرة مرتبطة بالتطورات العالمية في مجالي التكنولوجيا والعمل، وترهق بلدان المعمورة بأغنيائها وفقرائها.. انها معضلة مزعجة لبلدان العالم الثالث، بما يفترض التفكير في مواجهتها في العمق بعيدا عن الحلول المتسرعة أو الشعارات الترقيعية..

 

في ساحتنا هناك عديد الكفاءات والخبرات العلمية القادرة على تقديم مشاريع تصورات في عمق الموضوع وتقديم الحلول المباشرة ومتوسطة المدى.. للأسف هذه الخبرات لم تتم الاستفادة من دراساتها او التعويل على امكانياتها.. صحيح أن الاتحاد طرح صندوق البطالة لكن  من دون أن يضبط آليات عمله، ولا هو وضع تصورا ملموسا قادراعلى اقناع بقية الاطراف المتدخلة فيه من اعراف وحكومة…

 

آليات جديدة للتصدي

 

* هل يمكن الحديث عن العمل النقابي بنفس الصيغة القديمة، في وقت تعولم كل شيء حتى النضال النقابي؟

 

ـ هنالك تطورات اقتصادية دولية عميقة، هزت البنية التقليدية في علاقات القوى بين مختلف الاطراف الاجتماعية، وأنتجت آثارا كبيرة ظهرت نتائجها في جميع بلدان العالم، بحيث تحولت قوى الانتاج من القطاع العام الى القطاع الخاص، وتم تسريح ملايين العمال وتعويضهم بوسائل تكنولوجية جديدة تؤمن للمؤسسات الكبرى الجدوى بأقل تكلفة، كما ظهرت مفاهيم جديدة اقتصادية نخرت العالم، مثل رأس المال المهاجر، والبنوك الافتراضية وغيرها من «تقنيات» النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي رافقه تراجع خطير في المكاسب الاجتماعية التي حققها العمال في مختلف بلدان العالم، عبر المراحل التاريخية السابقة، مما جعل الحكومات تتخلى عن دورها التقليدي في المجال الاقتصادي والاجتماعي لفائدة الاعراف والخواص في مرحلة أولى، قبل أن تحل محلها الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الاقتصادية ذات الانتشار العالمي في مرحلة ثانية، فتصبح الدولة ـ بذلك ـ طرفا متضررا من جشع الاحتكارات التي تنافسها سيادتها الوطنية وتفرض إملاءات في السياسات المالية والتشريعية، تبدو نتائجها سلبية على الفئات الضعيفة، بل على الدولة ذاتها، مثال التجربة البرازيلية أو ما حدث في الأرجنتين أو غيرهما..

 

* ما هو المطروح على الشغيلة حينئذ؟

 

ـ التفكير في آليات جديدة تحميها من التوجهات الدولية الجديدة، علما أن النقابات بتركيبتها وبناها التقليدية الراهنة، عاجزة عن التصدي والمواجهة.. ينبغي التفكير في إعادة هيكلتها وتنظيمها من جديد بما يؤمن لها القدرة على القيام بدورها تجاه منظوريها.. والساحة النقابية الدولية تشهد حاليا تحركات في هذا الاتجاه لمواكبة نسق تسارع الاحداث على الصعيد الدولي..

 

حول القطاع الخاص

 

* يشهد العالم، وبلادنا جزء منه، عملية اتجاه نحو القطاع الخاص على أنقاض القطاع العمومي، ما هي تداعيات مثل هذا التوجه على العمل النقابي وعلى التحالفات الاجتماعية؟

 

ـ القطاع الخاص بات يحتل مساحات كبيرة على حساب القطاع العام، واتحادنا لم يواكب بعد هذه التطورات، في وقت من المفروض ان تتجه الاهتمامات الى تركيز العمل في قطاع يفترض المزيد من الاهتمام، نظرا للارتفاع المطرد في عدد العاملين فيه..

 

قيادة الاتحاد لا تضم في تركيبتها الحالية اعضاء ينتمون للقطاع الخاص، في حين لا أحد يمكنه إنكار حجم ووزن قطاعات مثل النسيج والسياحة والمهن المختلفة، وغيرها من القطاعات الاخرى التصنيعية..

 

على الاتحاد إعادة هيكلة بعض القطاعات مثل الخدمات بشكل يتماشى مع التطورات الاقتصادية التي تشهدها البلاد..

 

حاوره: صالح عطية

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 6 ماي 2006)


في لقاء المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية:

حديث عن الاتفاقيات.. الحيثيات والخلافــــــات حول الاستقـــــــلال

فرحات حشاد أسّس اتحاد الشغل للتصدّي للشيوعيّــــة

 

تونس ـ الصباح: «لا يمكن أن يكون هناك معنى للاستقلال ان لم يستكمل ضمن الهياكل الدولية الجديدة بعيدا عن الخطابات وفي تونس خصصت جهود خاصة من أجل تونسة العدل والأمن والجيش والادارة ومن ثمة صياغة الدستور.. ويوفر الاشراف التونسي على المصالح الفنية كالنقل والاتصالات والطاقة والمالية والحاجة الملحة الى تجسيم سياسة ثقافية وطنية عبر التعليم والراديو والسينما

 

لهذه الظرفية غليانا خاصا بها يميز كل انتقال للسيادة السياسية والتي تتجلى في تونسة دواليب الدولة الداخلية لكن أيضا وبالخصوص على الساحة الدولية الخارجية.. اذ تؤكد الممثليات الدبلوماسية لدى الدول والمنظمات الدولية وجود تونس ككيان له ذاتيته القانونية واستقلاليته السيادية ضمن المجموعة الدولية. ويمكن الانتباه الى مختلف نصوص الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمت في ذلك العهد اتفاقيات جوان 1955 وبروتوكول مارس 1956 وقرار تأميم الأراضي سنة 1964 من قراءة كيفية التعامل مع هذا المبدأ في السيادة على فترة زمنية طويلة ووفق مستويات مختلفة وعلى ضوء ارسال دول القانون الجديدة».

 

هذا ما تم بحثه صباح أمس خلال الندوة الدولية الثالثة عشرة حول استقلال تونس ومسيرة التحرر من الاستعمار المنتظمة ببادرة من المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية الذي يديره الأستاذ محمد لطفي الشايبي..

 

وأثار الأستاذ يحي الغول اشكالية تتعلق بكيفية تفاعل الطليعة الوطنية التونسية في نضالها من أجل الاستقلال مع الظرفية الخارجية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية 1946ـ1956 وتتطرق للحرب الباردة والاستعمار الفرنسي وتقدم القادة الوطنيين المعنيين بالموضوع الى 1946 وتراث الفكر الاصلاحي التونسي وبحث التوجه الشرقي الذي يمثله الحبيب ثامر وصالح بن يوسف والتوجه الغربي الذي يمثله الحبيب بورقيبة وفرحات حشاد..

 

وذكر المحاضر أن فرحات حشاد أسس اتحاد الشغل للتصدي للشيوعية وأن اختيار شق الغرب هو اختيار استراتيجي لاتحاد الشغل.. وهناك على حد قوله بيان لليد الحمراء التي اغتالت حشاد يشير الى :»حشاد الأمريكي»..وبالنسبة لبورقيبة فيرى أنه اعتمادا على الوقائع والأحداث فانها تبين أن خطاه هي الخطى الثابتة التي أدت الى نتيجة ناجعة كما أن مواقفه مكتوبة ويقول فيها «نحن أصدقاء لفرنسا ولكن عداءنا هو للاستعمار الفرنسي».

 

وتعقيبا على كلامه قال أحد الحضور ان الاختلاف بين بورقيبة وبن يوسف ليس سببه الاتفاقيات وان كانت خطوة الى الأمام أم خطوة الى الوراء بل يعود الى اختلاف في تكوين شخصيتهما..

 

الأرشيف الايطالي

 

تحدث الأستاذ فيصل الشريف عن موقف الوطنيين التونسيين من خلال الأرشيف الايطالي وبين أنه طالما اتسمت مسألة تعاون الوطنيين التونسيين مع الألمان بالتحمس لكن تم السكوت عنها.. فالأمر يتعلق بمشروع سياسي تم اقتراحه يومئذ على بورقيبة وبين ان المناقشات التي جرت مع ملليني رئيس ديوان الوزير الايطالي للشؤون الخارجية لم تقتصر على الرسائل التي حررها بورقيبة بل توجد مناقشات شفوية ومحاضرات وتقارير حررها الايطاليون لجس النبض لدى الوطنيين وخاصة بورقيبة. وأشار الى أن هناك حسا تكتيكيا لدى بورقيبة كان حسا متطورا حيث أكد على الرغبة في الحوار مع توفير أكبر ضمانات لاستقلال تونس.

 

وتحدث الأستاذ آلان روشيو عن مسار تصفية الاستعمار في تونس في الصحافة الفرنسية مبينا أن الملاحظين في فرنسا الذين يشككون في استمرار الحضور الاستعماري الى الأبد والذي كان يسمى الحماية في تونس.. وبالرغم من ذلك ففي أقل من عشر سنوات ثم القضاء على هذا النظام وتحدث المؤرخ عن كيفية تقبل الفرنسيين المعاصرين لهذا الحدث من خلال الصحافة الممثلة لكل التيارات الفكرية.

 

وخلال النقاش بين الأستاذ لطفي الشايبي أن الموقف السّوفياتي آنذاك من الاستعمار كان واضحا فهو مناهض له في حين كان الموقف الأنقلوسكسوني مزدوجا نظرا لان الولايات المتحدة الأمريكية كانت صديقة لفرنسا..

 

وطالب أحد المناضلين المؤرخين بالالتزام برواية الوقائع التاريخية والابتعاد عن المحاكمات.. وذكر السيد محمد بالحاج عمر متحدثا عن الخلاف اليوسفي البورقيبي أن بن يوسف رفض تكوين حزب ثان الى جانب الحزب الدستوري وقد اخطأ في ذلك وبين السيد صالح الحمزاوي أن بورقيبة جند التاريخ لمصلحته وأبعد عنه صالح بن يوسف.

 

سعيدة بوهلال

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 6 ماي 2006)

 


أضواء جديدة على الصراع البورقيبي-اليوسفي:

هل كان الاستقلال، سبب الخلاف الوحيد بين الرجلين؟

* تونس ـ «الشروق»:

 

تواصلت أمس فعاليات الندوة الدولية حول «استقلال تونس ومسيرة التحرر من الاستعمار» التي ينظمها المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية بمشاركة عدد هام من الباحثين والمختصين من تونس ومن دول صديقة وشقيقة.

 

* تغطية: خالد الحدّاد

 

واستقطبت أمس مداخلة الدكتور عميرة علية الصغير الاهتمام بالنظر إلى ما تضمنته من مقاربات علمية بحثت في الأسباب العميقة للخلاف بين الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف اللذين كان يفترض أن تكون لهما نفس الرؤية لأنهما يخضعان إلى مقررات حزب واحد هو الحزب الحر الدستوري.

وبالاعتماد على ما توفر من الأرشيف الفرنسي (في ظل تواصل غلق الأرشيف من الجانب التونسي ـ على حدّ قول الباحث الصغير) طرح الباحث التونسي جملة من الاسئلة والاستفسارات في الحيّز الزمني الممتد ما بين 1954 أي منذ خطاب منداس فرانس بقرطاج إلى بداية سنة 1963 عندما وقعت محاكمة المتورطين في محاولة الانقلاب على بورقيبة والتي اعتبرها الباحث «الوثبة الأخيرة» لليوسفيين وحلفائهم للاطاحة بخصم أقلقهم وأقلقوه.

ومع افتراضه أن تكون هناك رؤية موحدة للرجلين (أي بورقيبة وبن يوسف) فإن الدكتور الصغير ركز بحثه على تتبع تصريحاتهما ومواقفهما منذ مؤتمر الحزب الدستوري في 18 جانفي 1952 والنظر في الخلفيات التي حكمت الموافقة على الدخول في مفاوضات مع فرنسا من أجل الاستقلال الذاتي وما إذا كانت فحوى هذا الاستقلال غير واضحة إلى القدر الذي ترك للأطراف جانبا اجتهاديا.

ويرى الباحث ان صالح بن يوسف تميّز بالثبات على موقفه واحترام مقررات الحزب حتى قبل امضاء اتفاقيات 3 جوان 1955، جاء في لائحة مؤتمر 15 جانفي 1952: «إن إعادة السيادة التونسية لا يمكن أن تتحقق عن طريق الترقيع والاصلاحات الجزئية للنظام الحالي فإن مؤتمر الحزب يؤكد أن الغاء الحماية وتحوّل تونس إلى دولة مستقلة ذات سيادة وعقد معاهدة بين تونس وفرنسا تنسق على أساس المساواة في علاقة الدولتين» كما جاء في نص اللائحة الصادرة عن المجلس الملي الموسع للحزب المنعقد بتونس يوم 15 أوت 1954 «مهمة حكومة التفاوض هي امضاء اتفاقيات مع الحكومة الفرنسية تقوم على تحويل السلط لأشخاص ومؤسسات تونسية وتحديدا العلاقة القادمة بين تونس وفرنسا» ويعود الدكتور الصغير ليؤكد ثبات بن يوسف على نفس التصور للاستقلال المأمول منذ جانفي 1952 ويبرز ذلك في مختلف التصريحات والمواقف التي أبداها حتى قبل قدوم منداس فرانس أو أثناء سير المفاوضات طيلة التسعة أشهر (سبتمبر 1954 ـ جوان 1955) يقول صالح بن يوسف في المؤتمر الصحفي الذي عقده في البرلمان السويدي في ستكهولم يوم 18 جويلية 1953 أثناء مشاركته في مؤتمر الأممية الاشتراكية: «إن الحوار الفرنسي ـ التونسي يجب أن يكون على قاعدة الغاء معاهدة الحماية واقرار فرنسا لتونس بأنها دولة مستقلة وذات سيادة آنذاك فقط يمكن فتح مفاوضات حرّة بين دولتينا. إن غاية تلك المفاوضات هي صياغة اتفاقية جديدة فرنسية ـ تونسية تحدّد المصالح العليا للطرفين وتفتح عهدا جديدا من الصداقة والتعاون المثمر بين فرنسا وتونس»، كما ورد في رسالة من بن يوسف للمنجي سليم من القاهرة في 24 فيفري 1954: «جعلت الهدف الذي نكافح من أجله داخل البلاد وخارجها هو الاستقلال والسيادة الكاملة، ولم نكن في ذلك إلا منفذين لقرار المؤتمر التاريخي لحزبنا وهو المؤتمر المنعقد في 18 ـ 1 ـ 1952 والذي نادى بوجوب الغاء الحماية والاعتراف باستقلالنا التام كأساس وحيد لحلّ المشكل التونسي» وفي تصريح له في جينيف في 31 ديسمبر 1954 يقول: «لقد دقّت الساعة اليوم لرفع كل التباس: إن الشعب التونسي لن يرضى أبدا بحكم ذاتي صوري يحول دون تحقيق الاستقلال التام للوطن التونسي.. انما الحكم الذاتي الذي نقبله لا يكون الا متجسما في حكم وطني صرف يدير وحدة شؤون البلاد التونسية» وعدّد بن يوسف في ذلك التصريح مستلزمات الحكم الذاتي وهي ـ في نظره ـ توقيت كل الاتفاقيات وتونسة الحكومة مع نقل كل السلطات إليها دون قيد ولا شرط وارجاع كل الاختصاصات التي هي بأيدي القضاء الفرنسي وتصرف الحكومة في شؤون التعليم والثقافة تصرفا مطلقا والاعتراف للحكومة التونسية بأن تكون حرة في اتباع سياسة اقتصادية ونقدية وقمرقية متجانسة، ويقول بن يوسف في هذا الصدد: «إن الشعب التونسي لن يقبل حكما ذاتيا يكون خاليا من كل مستلزمات السيادة التي سبق ذكرها وكل تنازل عنها أو عن بعضها يعدّ غدرا بالوطن وخيانة لدعاء شهدائنا الأبرار». ويضيف إن الشروط المذكورة هي بمثابة الحدّ الأدنى فإذا ما نزلنا دونه نكون مغالطين لأنفسنا ولشعبنا».

وفي مقابل استناد بن يوسف الدائم إلى مقررات الحزب فإن بورقيبة كان يعبّر عن مواقفه دون الاستنجاد بتلك المقررات وهو ما يدل بحسب رأي الباحث عميرة علية الصغير على رؤية بورقيبة في تسيير حزبه وتسيير العمل الوطني وهي الرؤية التي تغلب عليها مركزية الأنا وتضخم الوعي بمكانة الزعامة ووجوب الطاعة لها وحرية التصرف الانفرادي.

ويبرز الباحث ان بورقيبة ضمّن موقفه في النقاط السبع التي طرحها يوم 15 أفريل 1950 بباريس وحافظ عليها في جميع المراحل، والنقاط السبع هي:

بعث السلطة التنفيذية / إنشاء حكومة تونسية مسؤولة على الأمن العام/ إلغاء الكتابة العامة للحكومة التونسية/ إلغاء المراقبين المدنيين/ إلغاء الجندرمة الفرنسية/ احداث بلديات منتخبة بها ممثلون عن المصالح الفرنسية /بعث مجلس قومي تشريعي منتخب لاعداد دستور ديمقراطي، ويذهب الباحث الصغير إلى أن كل مواقف بورقيبة وتصريحاته اللاحقة تحيل عمليا على هذه المبادئ، جاء في مقابلة صحفية لبورقيبة نشرتها صحف فرنسية (5 و6 جانفي 1955): «ان حزبنا تكون ليحقق استقلال تونس بدعم من فرنسا.. إن الأفكار الجريئة في هذا التوجه كما كنت دائما أعتقد وأقول سوف تنتصر عاجلا أم آجلا على دعاة الوطنية الكاملة وأشياع الاستعمار المتصلبين، إن التاريخ حركة وإن الصداقة الفرنسية ـ التونسية دائمة».

ولاحظ الباحث انه برغم انتماء كل من بورقيبة وبن يوسف لقيادة نفس الحزب ورغم ايمان الاثنين بنفس القيم الليبرالية ولهما نفس التكوين الحقوقي ويتبنيان نفس أساليب الصراع السياسي وتسايرا مترافقين تقريبا مدة عشرين سنة (1934 ـ 1954) فإنهما اختلفا حول تقييم ما يمكن الحصول عليه من فرنسا بعد خطاب جويلية 1954 فبورقيبة اتجه نحو قبول ما أمكن وما تسمح به فرنسا لأن العلاقة دائمة مع فرنسا ولأن تونس لا مستقبل لها خارج الغرب ولا قدرة لها على العيش مكتفية بذاتها، وبن يوسف أقرّ بأن الاستقلال ممكن وغير ذلك خيانة لسيادة الحزب وللشهداء ومستقبل تونس في تضامنها مع الشعوب المغاربية وفي تكريس انتمائها العربي ـ الاسلامي ومستقبلها الحياد.

وانعكس هذا التباين في الموقف بين الزعيمين في الموقف من اتفاقيات 3 جوان 1955 حيث اعتبرها بورقيبة «خطوة إلى الأمام» في حين رأى فيها بن يوسف «خطوة إلى الوراء».

ويقول الباحث الصغير إن بورقيبة يعتبر الاتفاقيات خطوة نحو استعادة السيادة الكاملة وهي فاتحة سمحت باحياء الدولة التونسية من جديد وفرض بورقيبة رأيه ذلك دون العودة إلى قيادة الحزب وانفرد بالقرار والامضاء دون استشارة الديوان السياسي ولم يدع إلى اجتماع المجلس المليّ لذلك ولا مؤتمرا كما لم تعرض الاتفاقيات على استفتاء شعبي، في حين رأي بن يوسف عكس ذلك وعبّر الرجل عن غضبه تجاه الوفد المفاوض وخاصة على المنجي سليم ويرى بن يوسف ان الاتفاقيات المذكورة لا تلغي معاهدة باردو لسنة 1881 بل تكرسها كما أنها لا تقرّ لتونس بالسيادة الخارجية ولا بحق الدفاع ويرى بن يوسف ان التخلي عن السيادة الخارجية والدفاع لفرنسا يعني اقحام تونس في «الاتحاد الفرنسي» كما ان محافظة فرنسا على حق أمن ومراقبة الحدود حتى بعد مرور 22 سنة هو اخلال بالسيادة واقرار بدوام الاستعمار كما ان في الاتفاقيات تأييدا للسيطرة على ثروات البلاد والتبعية المالية والثقافية ولكل هذه الأسباب نادى صالح بن يوسف بعدم الاعتراف بهذه الاتفاقيات والنضال من أجل اتفاقيات جديدة تحقق آمال التونسيين في الحرية وفي استقلال وطنهم.

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 6 ماي 2006)

 


تحدّث عنها المؤرّخ عميرة علية الصغير لـ«الصباح»:

«وقائع الحرب الأهلية غير المعلنة بين اليوسفية والبورقيبية»

 

تونس ـ الصباح

 

في لقاء جمعنا بالأستاذ والمؤرخ بالمعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية عميرة علية الصغير على هامش الندوة الدولية الثالثة عشرة للمعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية التي تتواصل أشغالها الى مساء اليوم بالعاصمة وتبحث مسألة «استقلال تونس ومسيرة التحرر من الاستعمار» حدثنا عن اليوسفيين والاستقلال خلال الفترة الممتدة من 1954 تاريخ خطاب مونداس فرانس بقرطاج واعلانه قبول استقلال تونس الداخلي الى 1963 وهو تاريخ محاكمة المدبرين لمؤامرة على بورقيبة ومن بينهم اليوسفيين..

 

رؤية للاستقلال

 

وبين متحدثا عن الاستقلال في منظور بورقيبة وفي منظور بن يوسف أن بورقيبة بقي وفيا لرؤيته للاستقلال فهو يقر بأن الاستقلال ليس قطيعة مع فرنسا بل احياء للدولة التونسية وان تطورت الأمور يكون ذلك في اطار التعاون مع فرنسا كما أنه يرى أن استقلال تونس مرتبط بالغرب ولا ضرورة في ربط النضال التونسي بالنضال المغاربي لان كل شعب له خصوصياته، كما كان يعتقد أن استقلال الجزائر يعد من باب المستحيل تقريبا.. بينما كان صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الحر الدستوري الجديد الذي تطورت أفكاره وعلاقته مع فرنسا خاصة بعد فشل تجربة الحوار في ديسمبر 1951 وتحوله الى القاهرة وتأثره بجو المقاومة العربية وجمال عبد الناصر ثم مؤتمر باندونغ الذي شارك فيه يرى أن الاستقلال يجب أن يكون تاما وفاء لمؤتمر الحزب الحر الدستوري الجديد ومطلبه في 18 جانفي 1952 والذي أقر بضرورة الغاء الحماية ويرى ضرورة ربط النضال التونسي مع نضال الشعب الجزائري والشعب المغربي وفاء لمقررات لجنة تحرير شمال افريقيا التي أمضى على ميثاقها الحزب الحر الدستوري الجديد لذلك عندما تكونت حكومة الطاهر بن عمار في أوت 1954 بعد خطاب مونداس فرانس في 31 جولية 1954 وهي حكومة تفاوضية من أجل الاستقلال الداخلي اختلف الوطنيون في مضمونه..

 

وبالنسبة لبورقيبة فقد أقر أنه يمكن الاعتراف بمعاهدة باردو ويمكن التخلي عن السيادة الخارجية وعن الجيش والاعتراف للفرنسيين بمصالحهم كاملة في تونس بينما عبّر صالح بن يوسف ومنذ ديسمبر 1954 من جنيف على أن هناك حدودا للقبول بهذا الاستقلال: الغاء معاهدة باردو والاعتراف بالسيادة الخارجية والأمن كاملا بيد التونسيين لكن يمكن الابقاء على الموظفين الفرنسيين في آجال معينة..

 

فالاختلاف بين بورقيبة وبن يوسف على حد تعبير المؤرخ كان حول مفهوم الاستقلال وكان صالح بن يوسف وفيا أكثر لمقررات حزبه.

 

وتحدث الدكتور عميرة عن اتفاقيات الاستقلال الداخلي ان كانت خطوة الى الأمام أم خطوة الى الوراء وبين أن بورقيبة وأغلبية الديوان السياسي للحزب كانوا يرونها خطوة الى الأمام لأنها أقرت بانبعاث الدولة التونسية وأقرت بتكوين حكومة تونسية متجانسة وألغت الفصل الأول من معاهدة المرسى أي ألغت دور المقيم العام الذي أصبح مندوبا ساميا ووسيطا فقط وهي خطوة للأمام لأن الوضع الجديد يسمح بالتحرك للتقدم أكثر نحو الاستقلال الكامل لتونس..

 

ولكن بالنسبة لصالح بن يوسف فهو يعتبر الاتفاقيات خطوة للوراء وخيانة لمبادئ الحزب وللشهداء ولمقاومي المغرب والجزائر لأنها في رأيه تكرس للواقع الاستعماري وتعترف لفرنسا عن رضاء تونس الدائم بالارتباط بها لأنها تعطي استقلالا لا يتوفر على دعامتين اثنتين للسيادة وهما السيادة الخارجية وحق الدفاع الوطني أي الجيش وحق الأمن، كما أنها تقر بتواصل وجود القضاء الفرنسي وتعتبر اللغة الفرنسية لغة وطنية بما أنها لا تعتبر لغة أجنبية في تونس ثم أن الاتفاقيات لا تتحدث عن الشعب التونسي بل عن المجموعة التونسية الفرنسية لذلك طالب بعدم الاعتراف بالاتفاقيات وفتح مفاوضات جديدة من أجل استقلال فعلي في تضامن مع المقاومين في الجزائر والمغرب.

 

وبالنسبة للمؤرخ تعتبر الاتفاقيات على حد قول الأستاذ عميرة خطوة الى الأمام اذا ما اعتبرنا أن الوضع الجديد يسمح بأكثر حرية للوطنيين بالتحرك ولأن الاتفاقيات ألغت ديكتاتورية المقيم العام لكنها تعتبر على رأي صالح بن يوسف خطوة الى الوراء بما أنها تعترف عن رضاء بما لم تعترف به اتفاقية باردو وهي الوجود الدائم لتونس بفرنسا.. وهي خطوة الى الوراء مقارنة بما بلغته حركات التحرر في المغرب العربي وفي العالم.

 

اليوسفية

 

تطرق الدكتور عميرة الى «مفهوم اليوسفية» ويقول انها في رأي خصومها من البورقيبيين وحتى بعض المؤرخين هي حركة معارضة لقلة من «دعاة الفتنة» و«المخربين» يتزعمهم شخص مهووس بالسلطة وهو صالح بن يوسف حسب رأيهم ويرى المؤرخ أن في ذلك حيفا في حق جزء كبير من الحركة الوطنية التونسية اذ يمكن أن نعرف اليوسفية هي تلك القوة من داخل الحزب الحر الدستوري التونسي ونجد حوالي 40 بالمائة تقريبا من أعضاء الحزب تحت قيادة الأمين العام صالح بن يوسف ويوسف الرويسي عضو الديوان السياسي وشخصيات وطنية أخرى مثل حسين التريكي وعبد العزيز شوشان وفتحي الزليطني وهو رئيس جامعة تونس والأحواز اضافة للدستوريين الجدد.. كما كان وراء بن يوسف كل معارضي الاتفاقيات الآخرين من الحزب القديم والوسط الزيتوني طلبة وأساتذة والاتحاد العام للفلاحة وجزء من طلبة اتحاد عام طلبة تونس وجزء من اتحاد التجارة ونسبة عريضة من الأوساط الشعبية من الفلاحين والتجار والعمال وكل الشرائح في تونس.. فاليوسفية كحركة معارضة للاتفاقيات تطالب بتكريس الاستقلال التام لتونس وتعارض تمشي الخط البورقيبي ومنطق التغريب وقطع تونس عن الشرق وعن امتدادها العربي الاسلامي..

 

ولدى حديثه عن وزن اليوسفية وانغراسها الجغرافي بين الدكتور عميرة أنه عكس الاعتقاد السائد لم تكن اليوسفية مجرد شرذمة بل كانت تمثل نسبة هامة من المجتمع التونسي ولها أنصارها في كامل جهات البلاد مع تفاوت في الانغراس الجغرافي حيث نجد أنصار بن يوسف خاصة في تونس العاصمة وفي الشمال الغربي ومناطق في الوطن القبلي مثل قليبية ومنزل تميم وسليمان وهي أقلية في الساحل لكن لها شعب في زرمدين والقلعة الكبرى وقصر هلال ولها مناصرين حتى في المنستير بلدة بورقيبة وفي مناطق سليانة والقصرين وتالة وخاصة في الجنوب الشرقي وعلى كامل الحدود التونسية الجزائرية.. وأشار الى أن تواجد اليوسفية كان في كل الشرائح وفي كل الجهات لكن اعتماد منطق القوة من طرف حكومة الاستقلال الموالية لشق بورقيبة المنجي سليم وزير الداخلية والتقاء المصالح بين فرنسا وبورقيبة للدفاع عن الاتفاقيات حجّم من دور المعارضة اليوسفية بمنع حرية التعبير والتضييق عليه.

 

ولدى ابرازه لمسالة الصراع اليوسفي البورقيبي: الوسائل والتحالفات والنتائج، بين محدثنا أن صالح بن يوسف كان يطالب بعرض الاتفاقيات بصورة ديمقراطية على الحزب في المؤتمر وعلى طبقات الشعب لتقول كلمتها فيها لكن بورقيبة ودون أي حق شرعي حسب القانون الداخلي لحزبه قام بفصل الأمين العام للحزب صالح بن يوسف في 8 أكتوبر 1955 لذلك تكونت الأمانة العامة واستعمل الشق البورقيبي كل الوسائل للقضاء على خصومه من منع حرية التعبير والاعتداء على الصحف مثل جريدة الصباح ومؤسسها الحبيب شيخ روحه وجريدة الوطن وجريدة البلاغ والاعتداء على موزعي الصحف وسن أوامر تمنع الجرائد غير الموالية لبورقيبة مثل البلاغ والبلاغ الجديد والوطن واليقظة والاستقلال.. واعتمد الشق البورقيبي على جهاز الدولة وعلى مليشيات كونها ونشطت في كامل جهات البلاد وكانت ترهب المعارضين بالخطف والتعذيب والسجن بدون وجه حق (صباط الظلام في تونس العاصمة وزاوية سيدي بن عيسى ببني خلاد) واعتماد العنف في افساد اجتماعات المعارضين وخاصة التعرض لمناصري بن يوسف وتم ذلك في تونس والقيروان وقربة وقابس..ووصل العنف الى درجة القتل حيث تم قتل سائق صالح بن يوسف وهو علي بن اسماعيل والمصور المرافق له ويدعى بن عمار وحصلت اغتيالات عديدة أخرى أشهرها اغتيال المختار بن عطية ـ وهو من جربة وليس المختار عطيةـ وبعد الغاء حق الأمانة العامة في التواجد شنت حملات اعتقال لليوسفيين استهدفت أكثر من 1200 معتقلا وتمكن صالح بن يوسف من الافلات من القبض عليه والفرار الى طرابلس يوم 28 جانفي 1956 ليواصل المعارضة منها ثم من القاهرة.

 

ويذكر المؤرخ أن اليوسفيين الذين لم يقبلوا بمنطق الاستبداد ولا بمقررات مؤتمر صفاقس واصلوا المقاومة المسلحة في تعاون مع مقاومي الجزائر وكونوا جيش التحرير الوطني التونسي الذي كان يقوده الطاهر لسود بداية من أواخر سنة 1955 حتى صائفة 1956 وشنت عصاباته معارك عديدة ضد رموز الاستعمار ومن يعتبرونه أذنابه أي أتباع بورقيبة وللحقيقة تم من طرف اليوسفيين أيضا قتل العديد وأحيانا ذبحهم.

 

مؤتمر صفاقس

 

حدثنا الأستاذ عميرة علية الصغير عن مؤتمر صفاقس: فهل كان مؤتمر الحزب الدستوري الجديد أم مؤتمر البورقيبيين؟؟ وعن هذا السؤال أجاب أن الدراسة المتأنية لمؤتمر صفاقس المنعقد في 16 و17 و18 نوفمبر 1955 لم يكن مؤتمر الحزب الحر الدستوري الجديد بل مؤتمر البورقييبين فحسب لأن اليوسفيين قاطعوا المؤتمر وكان عدد المنضوين للأمانة العامة حوالي 140 ألف منخرط.. وتقدر المخابرات الفرنسية عدد منضوي الحزب ككل بـ200 ألف أي أن من اكثر من  نصف الدستوريين لم يشاركوا في المؤتمر. ثم أن المؤتمر وقع تحت ضغوط وفي ظروف لا تسمح بحرية الاختيار اذ كان عدد نواب مؤتمر صفاقس 1241 وعدد الذين جندهم الشق البورقيبي بالضغط على المؤتمرين بالحي الزيتوني مقر المؤتمر أكثر من ألف من قدماء الفلاّقة و1200 جنّدهم الحبيب عاشور من أصحاب العضلات المفتولة من اتحاد الشغل ثم كان الهتاف والتصفيق خلال الأشغال هو السائد والتصويت على اللوائح كان بالأيدي المرفوعة وهو مخل بحرية الاختيار. وأرغم الحبيب المولهي على مغادرة المؤتمر ومنع من التعبير عن رأيه بحرية وحصل نفس الأمر للعديد من أمثاله.. ورغم ذلك يعتبر المؤتمر نصرا لليوسفيين لأنه وان أقر بايجابية الاتفاقيات الممضاة في 3 جوان وأقر ضمنيا برفت صالح بن يوسف فانه تبنّى مطالب اليوسفيين في ضرورة مراجعة الاتفاقيات والوصول بتونس الى الاستقلال التام ومطلبهم في بعث جيش وطني ثم عبر المؤتمر عمّا كان صالح بن يوسف ينادي به بانتماء تونس العربي الاسلامي.. وعبر المؤتمر في لائحة على التضامن مع الثورة الجزائرية والمقاومة المغربية وحق الشعبين في الاستقلال.

 

وتطرق محدثنا الى موعد 20 مارس 1956 ان كانت مرحلة مبرمجة من سياسة عبقري أم ثمرة مقاومة يوسفيّة مغموطة أي مسكوت عنها؟.. وبين أن الرأي المتداول يذهب الى أن 20 مارس هو اثبات لحصافة بورقيبة ونجاح سياسة المراحل في تكتيكه ولكن الحقيقة أن ذلك من باب القراءة المابعدية للتاريخ ويقول المؤرخ انه من باب السطو على التاريخ واخراج من هم أهل به منه لأن السؤال المنطقي الذي يجب طرحه ما هو الأمر الذي جعل فرنسا بعد أقل من عشرة أشهر فقط من امضاء اتفاقيات الاستقلال الداخلي تقبل منح تونس استقلالها التام في 20 مارس 1956 والغاء معاهدة باردو.. فهل يعود ذلك للمجهودات الدبلوماسية للاستقلال الداخلي أم لاتصالات بورقيبة؟؟ فان ما يقره الفرنسيون ذاتهم ومنهم الوزير آلان سافاري أن منح تونس استقلالها كان ضرورة تحت ضغط المقاومة المسلحة اليوسفية وضغط المعارضة السياسية اليوسفية والتي كانت في تواصل مع المقاومة الجزائرية وجيشها المتواجد بتونس وفي علاقة مع نظام جمال عبد الناصر بالقاهرة.. وهو يرى أن اضطرار فرنسا منح تونس استقلالها كان نتيجة هذه المقاومة أولا وخشية فرنسا من اشتعال المقاومة المسلحة في كامل المغرب العربي ورغبتها بالتفرغ للقضية الجزائرية وعدم تشتيت قواها.. كما أن فرنسا أصبحت محرجة خاصة بعد منحها المغرب الأقصى استقلالها في 2 مارس 1956 والحال أنها كانت أقل أهلية لتصريف شؤونها ثم أن الاستعمار الفرنسي تحت ضغوط الوضع الدولي العام في اطار الحرب الباردة وضغط الولايات المتحدة الأمريكية وضغط الاتحاد السوفياتي وتراجع الاستعمار القديم ومناداة الأمم المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية  بحق الشعوب في تقرير مصيرها أصبح الاستعمال الكلّياني لا يتماشى مع روح العصر.

 

اليوسفية بديل.. أم ثأر دائم؟؟

 

هل انتهت اليوسفية بامضاء بروتوكول 20 مارس 1956؟؟

عن هذا السؤال أجابنا المؤرخ عميرة أن صالح بن يوسف بارك هذا الاعتراف الفرنسي باستقلال تونس لكنه انتقده لأن السيادة التونسية بقيت ناقصة ولأن الجيش الفرنسي بقي على الأرض التونسية ولأن نظام بورقيبة الجديد لم يقف جديا مع الثورة الجزائرية..

 

ويقول محدثنا: «أمام المحاكمات العدّة لرموز اليوسفية وعلى رأسهم صالح بن يوسف الذي حكم عليه مرتين غيابيا بالاعدام وتم الحكم على 2000 من أتباعه وممارسة تضييق كبير في الحرية عليهم، حاول اليوسفيون التنظيم سريا في أحزاب معارضة لكنها لم تتم..

 

ويضيف محدثنا أن العديد من اليوسفيين تصالحوا مع النظام واندمجوا في دولة الاستقلال ونجد قلة في القاهرة حول بن يوسف وابراهيم طوبال وعبد العزيز شوشان واصلت المعارضة حتى دبّر بورقيبة اغتيال بن يوسف في 12 أوت 1961بالمانيا وقد اعترف بورقيبة بذلك في خطابه بمعهد الصحافة في ديسمبر 1973.. لكن اليوسفية كتصور للهوية قائم على العروبة والاسلام.. وكتصور شعبوي للاقتصاد عبّر عن نفسه في محاولة الانقلاب التي وقعت ضد بورقيبة في ديسمبر 1962.. ومن رموز اليوسفية في هذه المرحلة نجد عبد العزيز العكرمي وأحمد الرحموني والشيخ العربي العكرمي والمصطاري بن سعيد ومحمد صالح البراطلي وكانت هذه المحاولة آخر وثبة لليوسفيين للاطاحة بخصم لم يرحمهم ولم يرحموه وهو بورقيبة.

 

جالسته: سعيدة بوهلال 

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 6 ماي 2006)


 

الطريق إلي الخروج من مثلث برمودا العربي ودائرة سولجنتسين

د. عبدالوهاب الافندي (*)

 

في لحظة نادرة قل أن تتكرر لجيل عربي، وجدنا أنفسنا خلال الأسبوع الماضي في مقعد صناعة التاريخ. كنا لفيفاً من الأكاديميين العرب، جاء معظمنا من المهجر في الغرب، وبخاصة أمريكا الشمالية وبريطانيا، وبعضنا من قطر وقليل منا من بلدان عربية أخري، اجتمعنا في الدوحة بدعوة من مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع لنتداول في قضية ظلت تؤرق الأمة منذ بزوغ فجر الحداثة، وهي قضية توطين العلم والبحث العلمي في عالمنا العربي.

 

وفي هذه المرة، ولمدة ثلاثة أيام علي الأقل، انتقلنا خلال جلسات المؤتمر العربي التأسيسي للعلماء العرب المغتربين من مقاعد المتفرجين علي محنة الأمة إلي مقعد المسؤولية العملية عن حلها، وألقيت علي كاهلنا مهمة تقديم الحلول والاقتراحات العملية من أجل إعادة الاعتبار إلي العقل العربي ، بحسب تعبير الشيخة موزة المسند، حرم أمير قطر ورئيسة مؤسسة قطر، وهي اقتراحات سيتم تنفيذها بدون ابطاء، وسترصد لذلك التنفيذ كل الموارد اللازمة.

 

وهكذا بجرة قلم جردنا من كل الأعذار، وحرمنا من نشاطنا المفضل في توجيه النقد للمقصرين من القادة والزعماء والمسؤولين، ووضعت المسؤولية علي عاتقنا نحن. الفكرة كما جاءت من مؤسسة قطر عبقرية في بساطتها، وهي تطرح السؤال القديم الجديد عن التخلف العربي بالصيغة التالية: هناك كثير من العلماء العرب الناجحين والمتفوقين في مجالات بحثهم، وأكثر هؤلاء موجودون في الغرب، حيث يفوزون بالجوائز الكبري بما فيها جائزة نوبل، ويدير بعضهم شركات كبري أو معاهد بحوث عالمية السمعة لها ميزانيات بمئات الملايين من الدولارات. هؤلاء العلماء أيضاً مسكونون بأزمة بلدانهم والعالم العربي عموماً، وهم يتوقون إلي خلق الظروف التي وفرت لهم أسباب النجاح في بلدانهم المتبناة إلي وطنهم الأصلي. وعليه فإنه لو وجد بلد عربي يتعهد بتوفير أسباب النجاح هذه فإن هؤلاء العلماء سيهرعون إلي مساعدة ذلك البلد بخبراتهم وقدراتهم ومواهبهم ليحقق النجاح الذي يتوق إليه كل عربي.

 

وبالفعل استجاب الأكاديميون العرب الذين وجهت لهم الدعوة بحماس منقطع النظير، وكان مصدر الدهشة أن نكتشف هذا العدد المذهل من العلماء والباحثين العرب الذين يتبوأون مواقع مرموقة في مراكز الأبحاث المتقدمة في الغرب، ناهيك عن الأعداد الكبيرة من الباحثين الشباب في كل موقع، في وقت يعاني فيه العالم العربي من غياب مثل هؤلاء الكوادر.

 

وقد يتساءل متسائل: كيف نتحدث عن توطين العلم في العالم العربي وهو يزخر، بحمد الله بجامعات تسد الأفق، بعضها عريقة يناهز عمرها الألف عام، وتخرج الملايين كل عام، ومراكز بحوث ولا حسد، وعلماء ومعلمون بمئات الآلاف؟ أليس من المبالغة أن نتحدث عن أزمة في مجال العلم والبحث العلمي؟ هذا التساؤل طرح بالفعل من قبل بعض المشاركين علي كلمتي التي تحدثت فيها عن أزمة البحث العلمي في العالم العربي، حيث نبهنا عالم تونسي إلي أن تونس قد حققت إنجازات مهمة في هذا الإطار.

 

ولكنا لم نكد نستبشر بوجود استثناء عربي حتي فوجئنا برسالة وجهت إلي المؤتمر من عالم رياضيات تونسي يشكو إلي زملائه العلماء من اضطهاد ظل يعاني منه لقرابة عقدين من الزمان مما اضطره لإضراب مفتوح عن الطعام حتي تعاد له أبسط حقوقه. ولا شك أن تجويع العلماء حتي الموت ليس الوصفة الأفضل لتحقيق النهضة العلمية.

 

ولا بد أولاً من أن نذكر بأن مسألة توطين العلم الحقيقي، في مقابل استيراد العلم وحتي المعلمين من الخارج، هي قضية حقيقية ظلت تطرح منذ أن فطن إليها المفكر والمصلح الإسلامي الفذ جمال الدين الأفغاني في محاضرة يجب أن تترجم ويقرأها كل طالب عربي، وهي محاضرة بعنوان فوائد الفلسفة ألقاها في نفر من الطلاب في الهند في عام 1882، وتساءل فيها عن سبب عقم المدارس التي أنشئت في مصر والآستانة قبل أكثر من ستين عاماً من محاضرته تلك عن إنجاب علماء حقيقيين وعلم حقيقي، وبقائها عالة علي العلم المستورد؟ وأعيد طرح المسألة بعد نصف قرن علي لسان الأمير شكيب أرسلان، قبل أن يعاد طرحها مجدداً من قبل تقرير التنمية الإنسانية العربية منذ عام 2002. وفي كل هذه التأملات وغيرها أورد الدارسون شواهد مقنعة علي وجود عقم منهجي في مجال البحث العلمي الأصيل في العالم العربي، وهو بنظر هؤلاء جزء من أزمة شاملة ترتبط بالإشكال العام في تأخر النهضة وغياب الحكم الرشيد والبنية الاجتماعية الصحية.

 

وقد ركزت في كلمتي أمام المؤتمر علي هذه النقطة المهمة، مذكراً بأن الأزمة لا تتعلق فقط بغياب الإرادة السياسية، فقد كان الزعماء العرب منذ محمد علي إلي صدام حسين حريصون غاية الحرص علي توفير شروط النهضة والتطور العلمي والصناعي، ولكن أموراً خارجة عن إرادتهم أخرت هذه النهضة. وذكرت بأن الأمر لا يتعلق فقط بالعلوم الحدثية، بل إنه لا توجد لدينا مؤسسات علمية وبحثية رائدة حتي في مجالات الدراسات الإسلامية وعلوم اللغة العربية.

 

فعندما يقرر داعية مرموق مثل عمرو خالد أن يحضر للدكتوراه في العلوم الإسلامية، فإن أول ما يخطر بباله لا يكون جامعة الأزهر أو المدينة، أو حتي الجامعات الإسلامية الحديثة في إسلام أباد وكوالالمبور، بل يتجه مباشرة كما فعل إلي جامعة مثل جامعة ويلز في بريطانيا. وقس علي ذلك.

 

ولا يتعلق الأمر فقط بالهمة في جذب الكوادر، فالبلاد العربية الغنية بالنفط تجذب هذه الأيام كبار العلماء والأطباء والمتخصصين في كل مجال، ولكن هذه البلاد تحولت إلي ما سميته بـ مثلث برمودا العربي الذي ما أن يلجه العلماء حتي يختفي أحدهم بدون أثر وفي ظروف غامضة. ولم نسمع لهؤلاء العلماء والمتخصصين بعطاء أو كشف تتناقله الركبان. والزعيم العربي حين يمرض فإنه لا يقصد تلك المستشفيات التي أنفق عليها المليارات، بل يستقل اول طائرة إلي لندن أو كليفلاند أو جنيف بحثاً عن العلاج. فالأمر لا يتعلق بمجرد العجز عن اكتشاف علاج للأمراض المستعصية في مختبراتنا الصحية، بل مجرد تقديم العلاج علي مستوي لائق.

 

مهما يكن فإن مؤسسة قطر بدعوتها هذه قد وضعت الكرة في ملعبنا، وألقت المهمة علي عاتق الأكاديميين الذين تقدموا بمقترحات محددة تتعلق بخلق مناخ جاذب للبحث العلمي في قطر، وشرعوا في طرح مشاريع لتطوير البحوث في ثلاثة مجالات أساسية، هي مجالات البيئة وتقنية المعلومات والطب الحيوي والتقنية الحيوية. وتم الاتفاق علي خطوات مبدئية نحو تأسيس شراكة بين مؤسسة قطر والعلماء العرب في المهجر تشمل التعاون في مجالات الأبحاث هذه عبر آليات يتم التداول حولها. وكان الأكاديميون الزائرون أبدوا إعجابهم بالخطوات العملية التي اتخذتها مؤسسة قطر مسبقاً في إطار رؤية شاملة لبناء نهضة علمية أصيلة، وهي خطوات تمثلت في بناء المؤسسات، وإعداد البنية التحتية وتوفير التمويل والمناخ المساعد.

 

ولا شك أن هذه هي الخطوة الأولي نحو تحقيق اختراق في مجال توطين البحث العلمي ذي النوعية العالية في بقعة مختارة من العالم العربي. وكما توقع البعض فإن هذه الخطوات الجريئة التي اتخذتها قطر حفزت دولا عربية أخري لدخول مجال المنافسة، وهو أمر تخوف البعض من أن يؤدي إلي تبديد الجهود، ولكننا نري بالعكس، إنه هو بالتحديد ما هو مطلوب لخلق البيئة الملائمة لنهضة علمية التنافس علي بناء المؤسسات الرائدة وعلي جذب خيرة العلماء إليها هو أحد أهم الشروط.

 

ولكن المهم في كل هذا هو طرح رؤية شاملة متكاملة للنهضة العلمية، وليس مجرد السير علي الطريق القديم في طرح الحلول الجزئية. فإذا اقتصرت مشروعات الشراكة المقترحة علي معالجة المشاكل الجزئية فإن هذا سيعيدنا إلي المربع الأول الذي ظللنا نرواح مكاننا فيه منذ أيام محمد علي. وقد كانت هذه نقطة نقاش محتدم أثناء مداولات المؤتمر، وأيضاً موضوع سجالات إعلامية متصلة. وفي برنامج حواري نظمته إذاعة قطر حول الموضوع طرح موضوع العراق وما حققه من نهضة علمية كانت من بعض أسباب العدوان عليه، بزعم أنه حقق نجاحاً مقدراً في مجال تطويرالأسلحة. وتحدث البعض عما يتعرض له العلماء العراقيون هذه الأيام من استهداف منهجي يثير تساؤلات مهمة عن من يقف وراءه.

 

ولا شك أن استهداف العلماء في العراق بالتقتيل يعتبر ظاهرة تستحق التوقف عندها طويلاً في عالمنا العربي الذي يواجه مشاكل حتي وهو يجتهد في إعداد العلماء ودعمهم. وإذا كنا ننعي علي حكوماتنا تقصيرها في دعم العلماء والتعرض لبعضهم بالمضايقات ونري هذا أحد الأسباب الرئيسية لتخلف نهضتنا العلمية، فإن من يتولي تقتيل العلماء بهذه الصورة المنهجية هو عدو من أعدي أعداء الأمة، مهما كانت الشعارات التي يتلبس بها.

 

من جهة أخري فإنني قد نبهت في مداخلتي في ذلك البرنامج الإذاعي إلي أن الإشكال العراقي كان قائماً حتي في العهد السابق الذي اتبع النهج السوفييتي في المزاوجة بين القمع والهوس بالتقدم العلمي. وقد عكس الروائي الروسي الشهير أليكساندر سولجنتسين طبيعة الحالة السوفيتية في روايته الدائرة الأولي (والعنوان مقتبس من دانتي الذي صور في الكوميديا الإلهية الدائرة الاولي في الجحيم باعتبارها أخف مواردها عذاباً، وخصصها لخيار الكفار ومبدعيهم من أمثال فيرجيل). وفي هذه الرواية يصور سولجنتسين سجناً رواده فقط من العلماء الذين يخفف عنهم العذاب مقابل تسخير طاقاتهم لخدمة النظام. ويركز سولجنتسين علي خبير يبتكر جهازاً لكشف البصمات الصوتية يستخدم بعد ذلك من قبل الدولة في اعتقال دبلوماسي روسي من عائلة مرفهة كان قد حذر أحد أساتذته السابقين هاتفياً عن قرب اعتقاله ونصحه بالهروب من روسيا.

 

ولا شك أن العالم العربي في مجمله هو دائرة أولي بهذا المعني يخفف العذاب فيها عن البعض مقابل أن يسخروا كل ما عندهم لخدمة أجهزة القمع والهيمنة. وهو وضع قد يحقق بعضاً من أهدافه، ولكن سكان الجحيم ليسوا بالقطع أسعد الناس، ولا أرضاهم بما هم فيه، وليس بمستغرب عليهم ألا يجتهدوا في ما من شأنه استدامة الأوضاع التي يعيشونها، بل بالعكس هم يأملون في تقويض هذا الجحيم ويجتهدون في ذلك، أحياناً بعدم الاجتهاد فيما يكلفون به من أعمال. وعليه فإن النهضة العلمية لن تتم بهذه الطريقة، وحتي لو تمت فلا قيمة للتنمية التي تتم علي حساب الإنسان وليس من أجله.

 

(*) كاتب وأكاديمي سوداني، لندن

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 2 ماي 2006)

 


الداعية السعودي عبدالله فدعق يدعو إلى التعامل مع مسألة «الردة» بمنظور جديد

الرياض – مصطفى الأنصاري

 

أعاد الاهتمام الأوروبي بأفغاني أعلن ارتداده عن الدين الإسلامي وحكمت عليه المحكمة هنالك بالإعدام، الجدل حول «حد الردة» إلى الأذهان الفقهية، وإلى الشارع الإسلامي الذي لم تعد أعباؤه الاقتصادية والسياسية الأخرى تمنحه فرصة مجرد التفكير في قضايا جدلية من هذا القبيل. ومع أن الفقهاء الشباب يفترض أن تكون نظرتهم إلى الإسلام والدين أوسع وأكثر تسامحاً من آخرين بلغوا من الكبر عتياً إلا أن مجموعات من هؤلاء لا تزال تتيه بين «التراث» و «الواقع».

 

ومن بين الدعاة السعوديين الشباب الذين يحاولون خوض التحدي في تقديم رؤية إسلامية أقرب إلى التطبيق واقعياً صاحب جلسة الفدعق العلمية عبدالله فدعق، الذي خص «الحياة» بدراسة فقهية له عن «قضية الردة». لكن الداعية الفدعق بدا حذراً من إطلاق رأي قاطع مستفز للفقهاء المهيمنين في العالم الإسلامي والعربي، لأن الموضوع بمجمله كما يقول «أثار عواصف من التساؤلات في الساحات السياسية العربية والإسلامية… ويراه البعض قضية تجاوزتها المتغيرات، فمن أهل العلم من يرى أنها جريمة خطيرة، تهدد الركن الركين للمجتمع، المتمثل في العقيدة، ومن يرى إمكان اعتبارها جريمة تعزير، لا جريمة حدود. ومن المدعين للعلم من يرى أن الردة ليست جريمة أصلاً، وأن الشريعة قامت على حرية العقيدة، خصوصاً أن فقهاء الإسلام في كتبهم الموروثة أجمعوا على عقوبة المرتد، وإن اختلفوا في تحديدها، وجمهورهم على أنها القتل وهو رأي المذاهب المعتمدة إلا الأحناف الذين يرون أن ذلك مخصوص بالذكور من أفراد المجتمع، والكل يقر بوجوب استتابة المرتد باستمهاله لمدة اختلفوا في تحديدها».

 

وقبل الخوض في الجدل الفقهي الذي يحاول الفدعق قراءته من زاوية مقاصدية لم ينكر أن «قضية الردة تمثل تحدياً للأمة في إطار مشروعاتها للحوار، سواء على صعيد حوار الحضارات: عبر مكافحة الصورة الإعلامية السلبية التي يحاول البعض تقديم الإسلام في إطارها. أو على صعيد حوار الأديان لمواجهة طغيان النمط المادي للحياة، أو الحوار الإسلامي مع من يستهدف انتشال الأوطان العربية والإسلامية من المواجهات الداخلية، لا سيما وأنه قد ورد في قضية الردة أكثر من خمسة وعشرين رأياً».

 

وبالنظرة إلى واقع الدولة الإسلامية فإن الباحث يرى أن «الكفر بعد الاسلام» الذي اصطلح على تسميته بـ «الردة» يصنف من أخطر القضايا التي تحتاج للتصدي «وواجب المجتمع المسلم أن يقاوم الردة من أي مصدر جاءت وبأي صورة ظهرت، ولا يدع لها الفرصة حتى تمتد وتنتشر كما تنتشر النار في الهشيم (…) ومن الخطر أن يبتلى المجتمع المسلم بالمرتدين المارقين، وتشيع بين جنباته الردة، ولا يجد من يواجهها ويقاومها».

 

ومع تسليم الفدعق بأن «الردة جريمة في النظام الجنائي الإسلامي»، إلا أنه لا يرى مناقشتها خطاً أحمر وذلك من زوايا «ما إذا كانت تُعتبر من جرائم الحدود أم لا؟ وما إذا كانت تُعتبر عقوبتها حداً مقدراً لا يقبل التغيير؟ أم أنها تدخل في إطار نوع آخر من الجرائم، وتدخل عقوبتها كذلك في إطار نوع آخر من العقوبات».

 

ويجمل الإجابة على تساؤلاته تلك بالقول:» الآيات الكريمة لا تشير من قريب أو بعيد إلى أن ثمة عقوبة دنيوية يأمر بها القرآن لتطبق على المرتد عن الإسلام، وإنما يتواتر في تلك الآيات التهديد المستمر بعذاب شديد في الآخرة مثل قوله تعالى: «وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ». ولا نجد في النصوص المتعلقة بالردة في آيات القرآن الكريم تقديراً لعقوبة دنيوية للمرتد، وإنما نجد فيها تهديداً متكرراً، ووعيداً شديداً بالعذاب الأخروي. ولا شك في أن مثل هذا الوعيد لا يرد إلا في شأن معصية لا يُستهان بها». لافتاً إلى أن قوله تعالى: «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» ليس من منسوخ  القرآن، بل من محكمه.

 

لكنه لاحظ أن الفقهاء أنفسهم «لا يستندون بصفة أساسية إلى آي القرآن الكريم في إثبات عقوبة للمرتد، وإنما مستندهم الأساسي في ذلك هو أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم). وإنما ترد آيات القرآن الكريم في بحث الفقهاء لعقوبة الردة بياناً لوعيد الله سبحانه وتعالى للمرتد بالعقاب الأخروي». مشيراً إلى أن عمدتهم في ذلك حديث رواه البخاري ورفضه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من بدل دينه (أي الإسلام) فاقتلوه» لقوله تعالى: «إن الدين عند الله الإسلام». غير أن ذلك لم يمنع البعض من «الاعتراض على عقوبة الردة محتجين بأنها لم ترد في القرآن الكريم، ولم ترد إلا في حديث من أحاديث الآحاد، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في الحدود، فهم لذلك ينكرونها، ولأن مفارقة الجماعة لا تكون إلا بالتصرف الحركي أي بالمحاربة و ليس بمجرد الردة مع أن السنّة الصحيحة مصدر للأحكام العملية باتفاق جميع المسلمين». وقد روى  البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى أن «أعرابيا بايع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا محمد أقلني بيعتي. فأبى ثم جاءه قال: يا محمد أقلني بيعتي؛ فأبى؛ فخرج الأعرابي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها». وتمنى الفاروق رضي الله عنه على أبي موسى لما لقي بعض المرتدين أثناء بعثه لفتح «تستر» أن لو عرض عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه فإن فعلوا ذلك قبل منهم وإلا استودعهم السجن، وهناك من القرائن ما هو أكثر مما سلف.

 

الردة أنواع غير متساوية الخطر والعقوبة

 

وعلى رغم أن الداعية السعودي لا يرى تنفيذ حد الردة – بحسب المفهوم الشائع – في الوقت الراهن متلائماً مع الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية إلا أنه أكد أن عقوبة الردة ليست حداً لا بد أن يكون قتلاً، وإنما هي «عقوبة تعزيرية مفوضة إلى السلطة المختصة في الدولة الإسلامية، تقرر في شأنها ما تراه ملائماً من أنواع العقاب ومقاديره. ويجوز أن تكون العقوبة التي تقررها الدولة الإسلامية للردة هي الإعدام. وبهذا نجمع بين الآثار الواردة عن الصحابة، والتي ثبت في بعضها حكم بعضهم بقتل المرتد، وفي بضعها الآخر عدم قتله». 

 

لكنه نبه إلى أن «الحكم بردة المسلم عن دينه أمر في غاية الخطورة لا يملكه إلا الراسخون في العلم من أهل الاختصاص الذين أيضاً ليسوا أوصياء على تنفيذ الحكم التعزيري بحق المرتد، فالذي ينفذ هذا الحكم هو ولي الأمر الشرعي، بعد حكم القضاء الإسلامي المختص، الذي لا يحتكم إلا إلى شرع الله عز وجل، ولا يرجع إلا إلى المحكمات البينات من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم».

 

وخلص الفدعق إلى التفريق بين الردة الفكرية التي تعني تحول شخص من موقف ديني إلى آخر وبين الردة التي اعتبرها «خيانة للأمة والوطن، بأن يتحول المسلم إلى دين آخر ويدعو إليه ويؤلب ضد الجماعة الإسلامية».

 

وهذا النوع من الردة هو الذي أكد عنده أن «التهاون في عقوبة صاحبه يعرض المجتمع كله للخطر، ويفتح عليه باب فتنة لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه، فلا يلبث المرتد أن يغرر بغيره وخصوصاً من الضعفاء والبسطاء من الناس، وتتكون جماعة مناوئة للأمة، تستبيح لنفسها الاستعانة بأعداء الأمة عليها، وبذلك تقع الأمة في صراع وتمزق فكري واجتماعي وسياسي قد يتطور إلى صراع دموي، بل إلى حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس».

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 29 أفريل 2006)


Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

28 février 2005

Accueil   TUNISNEWS 5 ème année, N° 1745 du 28.02.2005  archives : www.tunisnews.net التكتل الديمقراطي من أجل العمل و

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.