السبت، 21 أكتوبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2343 du 21.10.2006

 archives : www.tunisnews.net


المجلس الوطني للحريات بتونس: سجن مواطنين قاما باحتجاج سلمي على تعرضهما للتمييز الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: الافراج عن السجين السياسي طارق الحجام لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس: رسالـة مفتوحــة إلـى علمــاء تـونس الحزب الديمقراطي التقدمي جامعة بنزرت: إيقاف السيد خالد بوجمعة عضو هيئة جامعة بنزرت الأساتذة المسقطين عمدا في شفاهي الكاباس : تهنئـــة رويترز: عودة المعارض التونسي المرزوقي رغم ملاحقته قضائيا الموقف: قصف موقع “التقدمي” على الإنترنت الحياة : أزمة صامتة على خلفية برامج لقناة «الجزيرة» … تونس تستدعي سفيرها في الدوحة الجزيرة.نت: شيوعي تونس يدين قمع الحجاب ويرفض اعتبار المعركة دينية        إسلام أون لاين.نت: بعد الحجاب.. عزل الأئمة “الجماهيريين” بتونس!
الحدث: أوقفوا مهزلة …الحجاب !! عبد الحميد الصغير: رفع القلم عن الاتحاد العام لطلبة تونس ..حتى يستيقظ وليد البناني: ما هو الهدف الحقيقي من الحملة على الحجاب أحمد نجيب الشابي: الحق في الحجاب د.خــالد الطــراولي: الصحوة والسياسة الخطــوط الحمراء:الحجاب ليس مظاهرة سياسية ولا زيا طائفيا ! د. شيماء الصراف: الحجاب في تونس بين الحرية والاستبداد عبد الباقي خليفة: أحزاب القفة تدلي بدلوها في جب النظام وواد الحجاب مرسل الكسيبي: تونس ومعركة الحجاب: لقد فعلها الحزب السري! محمد العروسي الهاني: الحجاب جزء من الشخصية الوطنية و الهوية و إرتدائه ميزة إسلامية بحتة و من خصائص أمة القرآن عبدالحميد العدّاسي: كلمة قبل العيد صـابر التونسي :بـلاغ  تـفتيـش:  “فلة” و “الكاباس” مهاجر محمد: وفاء عهد ومباركة عيد وذكر جميل ابراهيم  عبد الصمد..: عندما  يفلس المنطق وتغيب الحجة فتحي بن الحاج يحيى: برج الرّومي  وسجن 9أفريل والحافلة 23 هندة العرفاوي: على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي في سنغافورة – هل هي مسالة فساد إدارة أم فساد منظومة الصباح: مسامرة رمضانية حول الهوية التونسية:تأكيد على الخصوصيات الثقافية التونسية منذ 3 آلاف عام الشروق: متى تتخلّص «الجزيرة» من هوس التضخيم والإثارة ؟!


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


 

المجلس الوطني للحريات بتونس
تونس في 21 اكتوبر 2006
 

سجن مواطنين قاما باحتجاج سلمي على تعرضهما للتمييز

 

قضت محكمة تونس يوم 19 أكتوبر 2006 بسجن كل من الحسين بن عمر (30 سنة) وحفناوي بن عثمان (33 سنة) بـ15 يوما سجنا نافذة بعد اعتقالهم يوم  12 أكتوبر . وكان الحسين بن عمر (الأستاذية في الإعلامية منذ 2001) وحفناوي بن عثمان (أستاذية في العربية منذ 2005) قد قاما أمام الرأي العام في قلب شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة بربط نفسيهما إلى عمود كهربائي بسلاسل حديدية والدعوة إلى اجتماع عام تناولا فيه الفرز الأمني في المناظرات الوطنية والممارسات المشبوهة في أروقة وزارة التربية والتكوين من محسوبية و رشوة…
 وكان الأستاذان قد خاضا سلسلة من التحركات الرمزية مع مجموعة من المسقطين في المناظرة في شارع الحبيب بورقيبة وفي وزارة التربية وفي ساحة برشلونة وتم إيقافهما عديد المرات في منطقة الأمن باب بحر واعتدي عليهم من قبل عناصر البوليس السياسي وتم تهديدهم بالعنف وبالسجن.
والمجلس الوطني للحريات:
–       يعتبر أنّ التهمة الموجهة إليهما تشويها للعمل المدني والسياسي السلمي وتجريما له  و يطالب بإطلاق سراحهم فورا. –       يساند هذين المواطنين في نضالهما من أجل الحق في النجاح و في العمل خاصة بعد ثبوت إسقاطهما عمدا وتمييزهما على خلفية نشاطهما النقابي بالجامعة. –       يطالب بإلغاء كافة أشكال تدخّل الأجهزة الأمنية في الانتداب للوظائف وفي المناظرات الوطنية.
عن المجلس الناطقة الرسمية سهام بن سدرين 

أنقذوا حياة محمد عبو
أنقذوا حياة كل المساجين السياسيين
                                           
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين
33 نهج المختار عطية 1001 تونس
الهاتف: 71.340.860
الفاكس: 71.351831
                                                                
تونس، في 20 أكتوبر 2006
 
الافراج عن السجين السياسي طارق الحجام
 
علمت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين أن المحكمة العسكرية الدائمة بتونس قررت صباح اليوم الافراج المؤقت عن السجين السيد طارق الحجام الموقوف بالسجن المدني بالمرناقية منذ 24/3/2006 إثر تسليمه لوطنه من طرف السلطات الإيطالية ، و ذلك بناء على طلب تقدم به محاميه الاستاذ سمير بن عمر . و قد غادر السيد طارق الحجام السجن مساء اليوم و التحق بمنزل عائلته الكائن بعوسجة ببنزرت .
و تجدر الاشارة الى أن السيد طارق الحجام  في حالة صحية خطيرة للغاية نتيجة تعرضه إلى أضرار دماغية بالجمجمة نتج عنها شلل نصفي بجانبه الأيسرو هو عاجز تماما عن خدمة نفسه وعن الحركة و لا يستطيع الكلام  ، و قد أصدرت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين نداء للافراج عنه و ذلك بتاريخ 22 أفريل 2006.
 
و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين اذ تهنيء السيد طارق الحجام و عائلته بهذه المناسبة فانها تذكر أنه مازال هناك مئات المساجين السياسيين مازالوا يقبعون بالسجون و تناشد السلطات التونسية الاستجابة لمطالب كل القوى الوطنية و الهيئات و الفعاليات السياسية و الحقوقية و الإنسانية في الداخل والخارج و الافراج عنهم فورا دون قيد أو شرط .
 
رئيس الجمعية
الأستاذ محمد النوري


 

لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس Hassiba_07@yahoo.fr الهاتف:04917359629590
بسم الله الرحمان الرحيم

رسالـة مفتوحــة إلـى علمــاء تـونس

السادة العلماء الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:
 
لا يخفى عليكم ما تقوم به السلطات التونسية هذه الأيام من حملة همجية بربرية ممنهجة ضد المحجبات في تونسنا العزيزة وصل الأمر حد الإعتداء عليهن بالضرب في  الشوارع وداخل المؤسسات التعليمية والعامة وانتزاع حجابهن بالقوة وتزامن كل ذلك مع عدة تصريحات لمسؤولين في الدولة يعتبرون فيها أن الحجاب زي طائفي لا يتماشى وروح العصر

ونظرا لخطورة الموقف فإننا ندعوكم وبإلحاح شديد إلى:
·        توضيح حكم الإسلام للباس المرأة الشرعي ·        التصدّي لهذه الحملة المسعورة والتشهير بها ·        الوقوف مع أخواتنا ومؤازرتهن في محنتهن ·        القيام بكل ما هو متاح لوضع حدّ لهذه الجريمة البشعة التي تتنافى مع كل القوانين والأعراف والمبادئ الإنسانية.
أملي فيكم كبير بأن لا تدّخروا أي جهد للإصداع بكلمة الحق ومناصرة الإسلام في تونس  
                                                     والسلام                                   عن لجنة الدفاع عن حجاب المرأة فى تونس                                              حسيبة سويلمي                                    28 رمضان 1427هـ/20.10.2006


الحزب الديمقراطي التقدمي جامعة بنزرت
بنزرت في21-10-2006    بيــــــان
 
عمدت السلطات الأمنية ببنزرت صباح يوم الجمعة 20 اكتوبر2005 على الساعة العاشرة إلى إيقاف السيد خالد بوجمعة عضو هيئة جامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي واحتفظت به في مركز الشرطة بمنزل جميل إلى حدود الساعة الثانية بعد الزوال بدعوة شراء بضاعة مسروقة.

 وتم صباح يوم السبت 21 اكتوبر الجاري إحالته على النيابة العمومية ببنزرت التي أبقت عليه في حالة سراح على أن يمثل أمامها في موعد لاحق.

ولئن تتابع جامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي هذه الإجراءات بانشغال عميق فإنها تخشى أن يكون الهدف من هذا الاتهام استهداف النشاط السياسي للسيد خالد بوجمعة وعرقلة سير عمل هذه الجامعة الناشئة بالجهة. والجامعة إذ تعبر عن تضامنها الكامل مع احد أعضائها فإنها لا تستبعد الطابع الكيدي لهذا الاتهام وتطالب السلطات بغلق هذا الملف وبالكف عن أي مضايقة تستهدف أعضاء الحزب وناشطيه . عن الهيئة الكاتب العام: مراد حجي


تهنئـــة

تونس في 21/10/2006

عيد بأي حال عدت يا عيد

 

 

بمناسبة عيد الفطر المبارك نتوجه نحن الأساتذة المسقطين عمدا في شفاهي الكاباس 2006 بأحر التهاني:

 

– لزميلينا حفناوي بن عثمان و الحسين بن عمر و هما وراء القضبان بسبب رفضهما سياسة الانتقاء و التشفي المتبعة في وزارة التربية و التكوين.

– لعموم شعبنا و كل من ساندنا في محنتنا

– للأمتين العربية و الإسلامية.

 

نرجو أن يكون العيد القادم عيد استرداد الحق المسلوب و تكون مجموعتنا قد التحقت بمهنة التعليم التي نحبها.

 

الإمضاءات:

 

– البشير المسعودي ( 37 سنة) أستاذية فلسفه 1999

– محمد مومني ( 33 سنة ) أستاذية فلسفة   وباحث في ماجستير فلسفة  .

-جيلاني الوسيعي( 36 سنة) استاذية عربية 1999

– الحسين بن عمر (30سنه )الأستاذية في الإعلامية 2001  وشهادة الدراسات العليا

المتخصصة في نظام الإتصالات والشبكات 2003

– علي الجلولي ( 33سنة ) أستاذية فلسفة 2001

لطفي فريد (32 سنة ) أستاذية فلسفة 2002

– محمد الناصر الختالي (26 سنة ) أستاذية فلسفة 2005

– حفناوي بن عثمان ( 33 سنة ) أستاذية عربية 2005 

excluscapes2006@yahoo.fr للمساندة:

 


عودة المعارض التونسي المرزوقي رغم ملاحقته قضائيا

تونس (رويترز) – عاد المعارض التونسي البارز منصف المرزوقي يوم السبت إلى تونس قادما من باريس رغم ملاحقته قضائيا من السلطات التونسية ودعا التونسيين الى المقاومة السلمية لفرض الحقوق والديمقراطية. ووجهت السلطات التونسية للمرزوقي رئيس حزب المؤتمر من اجل الجمهورية والمقيم بفرنسا منذ خمس سنوات تهمة التحريض على العنف والعصيان على خلفية تصريحات لفضائية الجزيرة القطرية بثت هذا الاسبوع.

وقال المرزوقي عند وصوله الى مطار تونس قرطاج للصحفيين يوم السبت “جئت هنا لأواصل نضالي بالطرق السلمية كما دعوت الى ذلك..وانا لست لاجئ سياسي في اي بلد وبلدي أدخله متى اقرر انا ذلك.”

وكان المرزوقي قد دعا في تصريحاته لقناة الجزيرة “لاعتماد كل أساليب المقاومة السلمية لفرض الحقوق والحريات المصادرة في تونس.” واعتبر المعارض التونسي أن تهمة التحريض على العنف الموجهة اليه “لا معنى لها”. وقال “أنا حرضت الناس على ممارسة كامل حقوقهم واتشرف بالدعوة والتحريض على المقاومة السلمية لذلك التهمة لا قيمة لها.”

ويقول محامون ان عقوبة السجن في تهم التحريض على العنف والعصيان المدني تتراوح بين شهرين وثلاث سنوات. لكن المرزوقي وهو رئيس سابق لرابطة الدفاع عن حقوق الانسان التونسية وأحد مؤسسي مجلس الحريات بتونس اوضح أنه مستعد لكل الخيارات. وقال “مستعد للايقاف لكن لن يردعني أحدا..السلطات لن ترهبني والنقاش يجب أن يكون من اليوم سياسيا وليس عبر البوليس والقضاء.” ويتهم معارضون السلطات بتوظيف القضاء في محاكمات سياسية لكن السلطات تنفي ذلك وتقول باستمرار أن القضاء مستقل وان الحريات والحقوق مضمونة في تونس.

وأسس المرزوقي حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي حظرته السلطات عام 2001 قبل ان يسافر في نفس العام الى فرنسا بعد أن فقد منصبه في تدريس الطب في كلية سوسة. وفي تونس تسعة احزاب معترف بها بينما تحظر الحكومة خمسة أحزاب أخرى أبرزها حركة النهضة الاسلامية. (المصدر: موقع سويس انفو نقلا عن رويترز بتاريخ 21 10 2006)

 


 

قصف موقع “التقدمي” على الإنترنت

 

تعرض موقع الحزب الديمقراطي التقدمي يوم الثلاثاء الماضي لعملية قصف أدت إلى إتلاف قاعدة المعلومات التي يحتويها في أخطر هجوم من نوعه على الموقع الذي عرف إقبالا واسعا رغم أنه مقطوع انطلاقا من تونس. ويعكف الفريق المشرف على الموقع على ترميم قاعدة المعلومات وإعادة بث المواد الإعلامية التي اعتاد على نشرها، وآخرها مقابلة مع الأستاذ خميس الشماري حول الذكرى الأولى لانطلاق حركة 18 أكتوبر ومقابلة “الجزيرة” مع الدكتور منصف المرزوقي والحوار الذي شارك فيه السادة رشيد خشانة ومنجية العبيدي وتوفيق بن عامر على القناة نفسها.
 
ومعلوم أن المواقع التونسية اللاجئة في الخارج تتعرض للمضايقات ومحاولات التدمير من شرطة الإنترنت التي نجحت قبل أسابيع في ضرب موقع “تونس نيوز” وعطلت بثه أياما قبل أن يتوفق المشرفون عليه إلى إصلاح الوضع واستئناف رسالتهم الوطنية النبيلة. إن تكرار هذه الممارسات في ظل حكم يدعي الحداثة والعمل على نشر الثقافة الرقمية لهو أكبر تكذيب لتلك الإدعاءات وأقوى برهان على الإمعان في التجهيل ومحاربة الفكر الحر والإعلام التعددي. ومعلوم أن موقع الحزب الديمقراطي التقدمي (pdpinfo.org) هو أول موقع أنشأه حزب سياسي في تونس، وهو يستقطب عددا كبيرا من الزوار لثراء مضمونه ومستوى إخراجه المتطور.
 
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 378 بتاريخ 20 أكتوبر 2006)

بسم الله الرحمن الرحيم

تعزية للأخ حافظ العموشي/ فيينا النمسا

(إنا لله وإنا إليه راجعون) وعظم الله أجركم وأحسن عزاكم وغفر لميتكم

بقلوب حزينة لكنها ملؤها الإيمان بقضاء الله وقدره بلغنا نبأ وفاة السيد إبراهيم العموشي والد أخينا حافظ العموشي اللاجئ السياسي بالنمسا منذ سنة 1992 والذي حال بينه وبين والده النظام التونسي.
السيد إبراهيم العموشي وفاه الاجل يوم الجمعة 27 رمضان 1427 الموافق لـ2006.10.21 على سن يناهز95 سنة، كان السيد إبراهيم العموشي إمام خمس لمسجد الفال بالأسواق في المدينة العربي بتونس العاصمة وقد دفن في نفس اليوم بعد صلاة العصر.
و بهذه المناسبة نتقدم بأحر التعازي إلى أخينا حافظ العموشي وعائلته الصغيرة في النمسا وعائلته الكبيرة في تونس ، في وفاة والده ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يسعنا إلا أن نقول إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراق فقيدكم لمحزونون، كما نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يتغمد فقيدكم بواسع رحمته وجليل مغفرته، ونسأل الله أن يجمعكم به في الجنان مع النبيين والصديقين والصالحين، آمين، وأن يرزق أخينا وأهله جميل الصبر والسلوان.
للتعزية 004369911346935     


أزمة صامتة على خلفية برامج لقناة «الجزيرة» …

تونس تستدعي سفيرها في الدوحة

 
تونس – رشيد خشانة – أفادت مصادر ديبلوماسية تونسية بأن تونس استدعت سفيرها لدى قطر جلول الجريبي للتشاور، في خطوة تعكس أزمة صامتة بين البلدين، فيما ذكرت مواقع تونسية أن تونس أقفلت سفارتها في الدوحة ا…
 
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 20 أكتوبر 2006)
 
ملاحظة من تونس نيوز: لقد تم سحب المقال من موقع الحياة على شبكة الإنترنت ولم نعثر إلا على هذين السطرين لدى تصفحنا له يوم 21 أكتوبر 2006.

شيوعي تونس يدين قمع الحجاب ويرفض اعتبار المعركة دينية

        

               لطفي حجي- تونس
 
أعلن حزب العمال الشيوعي التونسي أن إدانته للحملة التي تشنها السلطات التونسية على الحجاب موقف مبدئي، لأنه لا يستعمل الكيل بمكيالين.
وكان الحزب اعتبر حملة السلطة على المحجبات انتهاكا للحرية الشخصية ودليل عجز النظام عن مواجهة قضايا المجتمع بغير الأساليب الأمنية, وطالب بوقفها وبإلغاء المنشور 108 الذي يحظر ارتداء الحجاب بالمدارس والمؤسسات العامة, داعيا القوى الديمقراطية لمؤازرة المحجبات بشكل مبدئي وصارم لضمان احترام حقهن بالدراسة والشغل والتنقل.
وحول هذا الموقف الذي قد يثير استغراب بعض الرافضين للحجاب لصدوره عن حزب شيوعي, قال حمة الهمامي الناطق الرسمي للشيوعي للجزيرة نت إن موقف حزبه بالدفاع عن قضايا الحريات الشخصية والعامة لا يستعمل الكيل بمكيالين كأن يدافع عن المتفقين معه بالرأي ويصمت لما تنتهك حقوق مخالفيه.
وشدد الهمامي على أنه إذا لم يكن من حق السلطة قمع المتحجبات والنيل من حريتهن الشخصية فإنه يرفض بالمقابل محاولة بعض رموز الإسلام السياسي تحويل الصراع من صراع سياسي لصراع ديني لأن ذلك المنطق لا يقل خطورة عن منطق القوة الذي يستعمله النظام لمقاومة الحجاب, وهو منطق قد يستهدف غير المحجبات باعتبارهن غير مؤمنات أو غير عفيفات مما قد يتضمن تحريضا عليهن، حسب قوله.
 
لباس المومسات
 
وكانت صحيفة الحدث الأسبوعية القريبة من السلطة نعتت الحجاب بعددها الأخير وبأكثر الردود تهجما منذ انطلاق الحملة بأنه لباس المومسات والعاهرات.
وأوردت الصحيفة بمقال طويل عن الحجاب أنه “لم يذكر تاريخ تونس القديم والوسيط حادثة عن الحجاب ولا ذكر في ذلك إلاّ في ما يخصّ (المومسات والعاهرات) اللاتي وجب عليهنّ إن غادرن (الماخور) الذي يشتغلن فيه أن يلبسن الحجاب ويغطّين أجسامهنّ كلّيا حتى العينين لكي يظهرن بجلاء للعامة ويعرف القاصي والداني أنّهنّ بائعات هوى… فتتجنّبهنّ النساء الأخريات..”.
وأضاف المقال غير الموقع “وفي بعض المجتمعات الشرقية كان لزوما على الإماء لبس الحجاب وتغطية الرأس حتى تقع التفرقة بين المرأة الحرة والمرأة المسترقة.. وأن الحجاب كان في الجزيرة العربية عادة من عادات المجوس والوثنيّين وعابدي الأصنام”.
 واعتبرت الحدث ارتداء الحجاب دلالة قاطعة على تصنيف المرأة كأنثى وتقييمها بهذا المنحى بـ “اعتبارها بضاعة وجدت لتحجب ووجدت لتفرّخ وتقوم بالأعمال الشاقة في المنزل أو في الشارع”.
 
(المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 21 أكتوبر 2006)

بعد الحجاب.. عزل الأئمة “الجماهيريين” بتونس!

تونس- محمد الحمروني- إسلام أون لاين.نت
 
مع اتساع الحملة الأمنية ضد الحجاب خلال شهر رمضان، شنت السلطات التونسية حملة مماثلة على الأئمة من ذوي الشعبية في المساجد حيث قامت بعزل العشرات منهم خلال النصف الثاني من شهر رمضان واستبدلت بهم أئمة ليسوا من حفظة القرآن أو المتمكنين من التلاوة؛ وهو ما تسبب في هجر كثير من المصلين لتلك المساجد.
 
ويقول مراسل “إسلام أون لاين.نت”: إن السلطات التونسية بررت عزل هؤلاء الأئمة بعدم حصولهم على ترخيص مسبق من وزارة الشئون الدينية، في حين يقول مواطنون تونسيون إن الأسباب الحقيقية لعزل هؤلاء الأئمة هي شعبيتهم والإقبال الكبير للمواطنين على الصلاة خلفهم.
 
وقال سكان من جهة “بن عروس” بولاية بن عروس (شمال) إنه تم عزل أئمة بالجهة ظلوا في الإمامة لأكثر من 5 سنوات مثل عبد الرحمن العرباوي، فضلا عن آخرين من بينهم شاب من حفظة القرآن لا يزيد عمره عن الـ16 عاما عرف بين أهل الجهة بحسن أدائه وحفظه؛ وهو ما جعل الناس يقبلون على الصلاة خلفه بكثافة.
 
وفي “المروج” بالولاية نفسها تم عزل إمام بعد 3 أيام فقط من تعيينه بسبب توافد أعداد كبيرة من خارج المنطقة للصلاة خلفه، حسبما قال مواطنون لمراسل “إسلام أون لاين.نت”.
 
الولاء لا الإمامة
 
من جهتها، أرجعت صحيفة “الموقف” التونسية المعارضة تعيين أئمة لصلاة التراويح من غير حفظة القرآن وغير المتمكنين من قواعد التلاوة إلى “اعتماد” السلطات على مقياس “الولاء للسلطة” في اختيارها للقائمين على بيوت الله دون اعتبار للكفاءة والاستقامة. ويفتقر عدد كبير من المساجد لأئمة أكفاء لأداء صلاة التراويح خاصة في ولاية المنستير (شرق).
 
ويقول أحد الأئمة المعزولين، فضَّل عدم الكشف عن اسمه، لـ”إسلام أون لاين.نت”: إن “النقص الحاد في الأئمة الأكفاء يرجع لافتقار البلاد إلى مؤسسة وطنية تتكفل بتكوين وتخريج الأئمة والخطباء ، وهو الدور الذي كانت مؤسسة الزيتونة تلعبه قبل أن يتم إغلاقها في أواسط القرن الماضي من طرف الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس”.
 
ولفت إلى أن الجهات الحكومية تقوم بضرب كل ما من شأنه أن يعيد للمساجد إشعاعها، كما تقوم باستبعاد الأئمة الذين يلاحظ أي نوع من الالتفاف حولهم وإقبال الناس على الصلاة خلفهم، أو لمجرد الشك في ولائهم للسلطة القائمة.
 
هذه الإجراءات، تأتي بحسب الإمام التونسي، ضمن التحركات التي دأبت الحكومة على القيام بها منذ الإعلان عن خطتها لتجفيف منابع التدين منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي حيث يتم في هذا الإطار منع المواطنين من التهجد والاعتكاف في المساجد خلال شهر رمضان.
 
وفي هذا السياق ذكر مواطنون أن السلطات قامت بمنع المصلين في جامع حي ابن سينا القريب من العاصمة تونس من أداء صلاة التراويح خارج المسجد بعد أن غص المسجد بمرتاديه داخل قاعة الصلاة والصحن.
 
حملة مستعرة على الحجاب
 
وتأتي الإجراءات الأمنية المشددة ضد الأئمة، في الوقت الذي استعرت فيه الحملة على الحجاب في البلاد، وسجلت حالات اعتداء متكررة على النساء المحجبات في عدد من الجهات تمثلت في نزع الحجاب من فوق رؤوس الفتيات وإيقافهن وتهديدهن إِن عدن إلى ارتداء الحجاب، ووصل الأمر حد الاعتداء عليهن بالضرب في الشارع وفي المؤسسات التعليمية، وحرمان المحجبات الحوامل من تلقي العلاج بالمستشفيات العمومية.
وفي تصريحات لـ”إسلام أون لاين.نت” قال زياد الدولاتلي القيادي السابق في حركة النهضة: “هذه الحملة تعبر في جوهرها عن الإفلاس السياسي للنظام الذي لم يعد يملك ما يقدمه من برامج للشعب سوى الترهيب، وهو الشعار الذي اختاره النظام منذ أن قرر التخلي عن المبادئ التي أعلنها يوم تسلمه مقاليد الحكم في 7 نوفمبر 1987”.
واعتبر الدولاتلي أن بشائر فشل النظام في حملته ضد الحجاب بدأت تظهر جليا، قائلا : “نلاحظ أن الحجاب لم يختف من الشارع التونسي، بل إن أخبارا مؤكدة تثبت أن عددا كبيرا من التونسيات أقدمن على لبس الحجاب في تحد واضح لكل الإجراءات التي تتخذها السلطة بحقهن”.
ومن جانبه قال الأستاذ أحمد نجيب الشابي رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي -أبرز أحزاب المعارضة التونسية: “ضعف حجج الحكومة في قضية الحجاب ولجوئها إلى الوسائل الأمنية يطرحان تساؤلات عدة حول الدوافع الحقيقية للحملة”.
 
وعن دوافع السلطة لشن هذه الحملة اعتبر الشابي أن “الهدف هو الرغبة في الانخراط في الحملة العالمية المناهضة للرموز الدينية داخل المجتمعات الغربية، وفي مقدمتها الحجاب، في محاولة من النظام لفك عزلته الخارجية وتقديم نفسه من جديد كمدافع عن القيم المشتركة في وجه الخطر الأصولي”.
 
تجفيف منابع التدين
 
الصحفي عبد الله الزواري الوجه الإسلامي البارز رأى أن “حصيلة تجربة السنوات الماضية تؤكد أننا أمام نظام هو الأسوأ عربيا والأشد تطرفا في مجال الحقوق والحريات”، وأضاف في تصريحات لـ”إسلام أون لاين.نت”: “لو كان الهدف من الحملة على الحجاب هو محاربة الدخيل من الملابس؛ فعلينا جميعا نساء ورجالا أن نتخلى عن طريقة لباسنا بما في ذلك الدجين والبدلات الإفرنجية وربطات العنق؛ لأنها تصبح بهذا المعنى دخيلة”.
وأَضاف الزواري: “يجب البحث عن أسباب الحملة في خطة تجفيف منابع التدين التي أطلقها النظام خلال حقبة التسعينيات أو ما بات يعرف في تونس بسنين الرصاص”.
ولا يزال عدد كبير من طالبات المعاهد الثانوية ممنوعات من الالتحاق بمقاعد الدراسة بسبب إصرارهن على ارتداء الحجاب.
ويتعرض كل من يحاول الدفاع عليهن أو التدخل لدى الإدارة إلى الضرب والتعنيف بل والمحاكمة، كما حدث للطالب عبد الحميد الصغير الذي يخوض الآن إضرابا عن الطعام؛ احتجاجا على ما صدر في حقه من حكم جائر وذلك زيادة على تعنيفه وضربه أمام الطلبة؛ لأنه احتج على منع ما يقرب 30 طالبة من دخول الجامعة بسبب الحجاب.
وكانت بداية العام الدراسي في منتصف سبتمبر الماضي قد اقترنت بإطلاق السلطات التونسية حملة تضييق على الطالبات المحجبات، وإجبارهن على توقيع التزام بخلعه. وشهدت وتيرة تلك الحملة تصاعدًا كبيرًا مع دخول شهر رمضان، إلا أن قطاعا كبيرا من الطالبات تمسكن بارتداء الحجاب.
وتشهد المدن التونسية منذ أشهر عودة قوية ولافتة لارتداء الحجاب الذي كان قد اختفى تقريبا منذ صدور مرسوم حكومي في ثمانينيات القرن الماضي يمنع ارتداءه في المؤسسات التعليمية والإدارية.
ويعتبر القانون (خطأ: المنشور) 108، الصادر عام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الحجاب “زيًّا طائفيًّا”، وليس فريضة دينية، ومن ثَم يحظر ارتداؤه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي.
 
(المصدر: موقع إسلام أونلاين بتاريخ 21 أكتوبر 2006)


المقال التالي نشر بدون توقيع في صحيفة “الحدث” الأسبوعية التي طبعت في تونس ووزعت في مختلف المدن والقرى بموافقة وعلم وإقرار السلطات الرسمية يوم الأربعاء 18 أكتوبر 2006. هذه الصحيفة الصفراء يملكها ويديرها المدعو عبد العزيز الجريدي المتخصص منذ عشرين عاما تقريبا بدون انقطاع في ثلب الشخصيات الوطنية وانتهاك الأعراض والتهجم المقذع البذيء على المقدسات والرموز الدينية والحضارية والإساءة إليها بدون رقيب أو حسيب أو عقاب.
 

أوقفوا مهزلة …الحجاب !!

حكاية الغولة
 
عندما كنا أطفال نلعب و نمرح ببراءة الأطفال و أحلامهم كان أجدادنا و أباؤنا و أمهاتنا كلما أخطأنا الا و التجؤوا الى سلاح رادع و فتاك الا و هو “الغول” و”الغولة”… لتخويفنا و ردعنا عن شغبنا …
 
كبرنا فهمنا حقيقة “الغول” و حقيقة “الغولة” هذه الايام هناك من عاد الى هذا السلاح … سلاح “الغولة” لبث الرعب و الخوف و خلاف لايام طفولتنا اطلت علينا هذه المرة “الغولة” المتحجبة في جلباب اسود مقيت ليس من تقاليدنا و لا من عاداتنا و ضاربا عرض الحائط بهويتنا التونسية المغاربية , من الفاعل و المفعول به و لماذا تظهر “الغولة” هذه الايام بالذات و ما المراد ظهورها؟
 
خديجة
 
كثر الحديث هذه الايام عن مسالة “الحجاب” و ” اللباس الطائفي” و قرأنا و سمعنا ردود المجتمع المدني عن هذه الظاهرة…التي صمتت الجماهير املا في ان تكون “موضة” عابرة و ما راع الجميع الا و ان المسالة اصبحت حديث كل البيوت التونسية و اخذت ابعاد وجب عنها على المجتمع المدني بكل فئاته التحرك و الحسم..
 
فالخطأ لا يصبح غلطا الا إذا لم نعالجه …وإذا تسامحت الجماهير عن هذه الظاهرة و اعتبرتها عابرة فهذا ال يعني انخراط المجموعة الوطنية في مسألة “التحجب” و ” اللباس الطائفي” الدخيلين عن هويتنا مجتمعنا و الغريبين عن شوارعنا و بيوتنا و بناتنا… لهذا وجب اليوم المصارحة و الحسم بالاقناع اولا و بالبيان و التبيين للوصول الى اليقين ثانيا

و بالردع ثالثا ان لزم الامر و لا تسامح و لا تنازل و لا تراجع

في مثل هذه المسائل التي تمس بذاتنا و هويتنا وتعريفنا كمسلمين سنيين عن الطريقة المالكية لنصارح انفسنا و لنتسلق معا ادراج الذاكرة و العودة الى الاصل فضيلة…

 
هنا لن نسرد كلاما فضفاضا لا نقدم براهين زائفة لنقول ان البلاد و منذ العهود الاولى وعهد عليسة وقرطاج لم تعرف الحجاب لا “النقاب” و لا سواد اللون. و حجتنا في ذلك المؤرخ ” هيرودوت ” و “تيسديد ” و الحجارة و المعمار و الفسيفساء التي تبقى اعظم دليل عما نقول , ففي مقاربته لتاريخ قرطاج يذكر الاستاذ محمد فنطر و المؤرخ الايطالي MOSCATI وSTEPHANE GSELL و الاستاذ عمار المحجوبي و من سبقهم من مؤرخين العهود الغابرة ان المرأة في قرطاج كانت عاملة دؤوبة تطيل شعرها و تبرزه و في ذلك دلالة على انها حرة و كان قص شعر الراس دلالة عن العبودية…و كانت المراة في المدينة و الريف ترتدي ألبسة مجمل ألوانها بنفسجية مائلة الى الاحمرار هذه الالوان متأتية من صدف يجمعه البحاره يكسرنه في شبه “مدبغة” ليعطي اللون البنفسجي الذي تدبغ به ألبسة النساء و هذا الصدف يدعى “murex” ولا تزال آثار هذه المدابغ شاهدة في فسيفساء دقة نقوشها كذلك نقوش مدينة مكثر فسرعان ما نشاهد لوحات جميلة فيها نساء جميلات زين شعرهن باغصان من الزيتون او ورود..وهذا كان ساريا سواء في المدن او الارياف و لولا شعر نساء قرطاج لهلكت السفن الحربية للمدينة أثناء الحروب البونيقية اذ عمدت النساء لقص شعرهن لربط السفن بالميناء عندما احترقت الحبال التي تشدها, اما في العهد الإسلامي فكانت نساء القيروان يخرجن الى الاسواق للتسوق في مجموعات تتباهين بطول الشعر و سواده و في ذلك دلالة في تحرر المرأة الإسلامية و إنعتاقها و شعورها بذاتها كانسان لا آلة انجاب و تفريخ وجب خزنها توريتها الظلام .
 

و لم يذكر تاريخ تونس الحديث و الوسيط حادثة عن الحجاب لا ذكر في ذلك , إلا في ما يخص “المومسات” و “العاهرات” الذين وجب عليهن إن غادرنا “الماخور” الذين يشتغلن فيه ان يلبسن الحجاب و يغطين اجسامهن كليل حتى العينين لكي يظهرن بجلاء للعامة يعرف القاصي والداني انهن “بائعات هوى”…فتتجنبهن النساء الاخريات…و في بعض المجتمعات الشرقية كان لزوما على العبيد من النساء لبس الخمار و تغطية الرأس حتى تقع التفرقة بين المرأة الحرة و المرأة العبيد…

 
(المصدر: منتدى Génération Tunezine بتاريخ 20 أكتوبر 2006) الرابط: http://tunezine.tu.funpic.de/plugins/forum/forum_viewtopic.php?146.last


بسم الله وحده
 

رفع القلم عن الاتحاد العام لطلبة تونس ..حتى يستيقظ

 
تونس 21 أكتوبر 2006 اليوم التاسع للإضراب عن الطعام

 

 قد يتساءل احد المتابعين لشان الطلابي في المدة الأخيرة وخاصة بعد الحملة التعسفية التي سنتها الحكومة على الطالبات المحجبات عن دور الاتحاد العام لطلبة تونس “الناطق الرسمي باسم الطلبة والممثل الوحيد لهم أمام الدوائر الحكومية” لاسيما وان الجميع ( الحزب الحاكم، اليسار العلماني، جمعية النساء الديمقراطيات…)قد أبدى مواقفه وإن كانت مختلفة.
 
يكفي أن تعلم أيها السائل الكريم
 
أولا: انه لا يوجد في الوقت الحالي أصلا اتحاد عام لطلبة تونس بالمعنى الذي تقتضيه الكلمة من وجود قوة طلابية متماسكة لها رؤية تشارك فيها كل الأطراف بدون إقصاء
ثانيا: ان الأطراف الموجودة حاليا بالجامعة ( إذا ما استثنينا المناضلين الصادقين المنحازين لمصلحة الجامعة وهم قلة) هي من ناحية النوع هي نفس النوع ولكن بتفاوت في الدرجات حيث انه لا تخفي عداءها للطلبة الإسلاميين والقضايا التي لها صلة بالهوية والمطالب الإسلامية إما حقدا غير مبرر.. وإما استرضاء للسلطة ( والتي توفر لها مستلزمات العيش “الكريم”) والقيادة الحالية للاتحاد ليست بعيدة عن ذلك حيث أنني اتصلت مباشرة بأمينها العام عز الدين زعتور والذي أعلمته بالمظلمة التي تعرضت لها وسلمته نسخة من البيان الذي أصدرته في الصدد  والى اليوم وانأ أصارع  ألام الإضراب و لم أتلقى أي دعم
وأمام لغة الصمت السائدة اختم لأقول إن القلم رفع عن الاتحاد العام لطلبة تونس .. حتى يستيقظ.
 
والسلام عبد الحميد الصغير
 
للتعبير عن تضامنكم:
مكان الاضراب: نهج سيدي سفيان وسط العاصمة، عمارة عدد: 25 الطابق الثالث شقة عدد 8 الهاتف : 0021697080718 absghaier@yahoo.fr

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

ما هو الهدف الحقيقي من الحملة على الحجاب

وليد البناني* بلجيكا 21 أكتوبر 2006  يشن النظام الحاكم الفاسد والمفسد في تونس حملة على الحجاب والمحجبات في تحد سافل لأبسط حقوق المواطنة المحمي دستوريا وقانونيا. وتطال هذه الحملة نصف المجتمع الذي يتربى النصف الآخر على يديه :  المرأة التي  لطالما تبجح النظام بحمايتها والدفاع عن حقوقها والمكاسب التي حققتها في عهده كحق التعليم والشغل والانخراط في الشأن العام وكحقها في اختيار نمط  عيشها بما يعني ذلك اهتماماتها الفكرية  ونوع علاقاتها الاجتماعية وحرية اختار ملبسها وشريك حياتها وغير ذلك مما يبني شخصيتها المستقلة عن أي قهر أو إكراه أو إقصاء و تهميش حتى أنه “عُد من رواد تحرير المرأة” في المنطقة العربية. سأتجنب الحديث عن الموقف الشرعي من تعديه على نصوص صريحة في القرآن الكريم في سورتي النور والأحزاب التي تحدد الموقف الشرعي المجمع عليه من الحجاب – فقد تكفل بالرد على ذلك العديد من الإخوة الأفاضل من سادتنا العلماء وغيرهم من الغيورين عن دينهم في العالم العربي والإسلامي- وسأكتفي بالتركيز على خلفية هذه الحملة من الاضطهاد الديني التي انطلقت منذ صدور” المنشور 108″ بعيدا عن عدسات كميراهات الفضائيات التلفزية التي لم تكن موجودة مثل الآن وراح ضحيتها مئات النسوة المتحجبات.   وقد كثر التساؤل عن أسباب تصاعد هذه الحملة الآن ؟ وهل هذه الحملة موجهة فعلا لمنع تزايد انتشار ما يسمونه في تونس” ظاهرة الحجاب”؟ أم لصرف الأنظار عن المطالب الحقيقية للمعارضة والداعية لإصلاحيات سياسية جادة تخرج البلاد من أزمتها المتواصلة منذ أكثر من عقدين من الزمن؟
لماذا هذه الحملة الآن ؟ للإجابة على هذا السؤال نعود بذاكرتنا قليلا إلى الوراء. إلى “خطة ما سمي بقص الأظافر وتجفيف منابع التدين” التي وضعت مع مطلع سنة 1989 للقضاء على المشروع القيمي والإصلاحي الوليد الذي أرعب دعاة الحداثة المزيفين وأعداء المشروع الإسلامي الحاقدين الذين أعمى حقدهم وكرههم للإسلام التعامل الهادئ  مع هذا المشروع الإصلاحي الأصيل  الذي عطلته سنوات الانحطاط  ثم بعد ذلك فترة الاحتلال  والذي بدأ يتلمس الطريق ليعود فيواصل منهج الإصلاح المنظم والمنتظم فما كاد يستوي في مراحله الأولى حتى استنفرت القوى المتربصة في تحالف بين الفكر اليساري الإستئصالي والقمع الأمني لوأده في مهده فكانت تلك الخطة التي أقصت الحركة “لحين” من الفعل الذي نجزم نحن في حركة النهضة أنه كان كفيلا بإثراء كل أوجه الحياة في بلادنا فوقع قص أظافر التنظيم أو هكذا خيّل للنظام وجففت منابع التدين أو هكذا ضّن  النظام فتمادي في وضع الخطط التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع المتأزم الذي هو قاب قوسين أو ادني من التفجر. ولست هنا في معرض التفصيل في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والحقوقي، حتى غدت بلادنا موضوع تندر ونكت.  هكذا يجب أن نفهم هذه الحملة فهي ليست إلا محاولة أخرى ربما أوسع وأشد من حلقات تجفيف منابع التدين ولكنها سعي جديد لقلع التبت الطيب الذي بدأ ينمو بعد ما خال الجميع أن التربة قد جفت منابعها.
 هدف هذه الحملة هدف هذه الحملة  ليس حرمان الآلاف من الفتيات من حقهن في الدراسة أو الشغل بل هو محاولة فاشلة لقطع الطريق على عودة هذا المشروع الإصلاحي إلى الساحة المجتمعية من الحلقة التي ضّن النظام أنه كسبها أبدا المرأة. كيف له أن يهدأ بالا وهو يرى -من دون حول ولا قوة- انهيار وهمه الذي بناه وصدق أنه بلغ منتهاه: ” تجفيف منابع التدين”. وممن؟ من المكسب الذي عاش على زيف تروجه ” تحرير المرأة ” فهذا المكسب تنحر دونه الحريات والعفيفات وكل الضمانات ولا سبيل للتهاون فيه.  فالأتاتوركية الكمالية العلمانية تلميذه عند هذا النظام الفاسد والمفسد لأنهم تركوا ملايين التركيات ترتدين الحجاب وعجزوا عن محوه من المجتمع. كيف يقبل هذا النظام الأرقام التي تتحدث الصحف من أن امرأة من كل 4 نساء تونسيات يرتدين الحجاب أي 25 في المئة . أو ما ورد في مقال الجور شي من أن 100 ألف امرأة ترتدي الحجاب. الخطب عنده أبلغ وعندنا الحق أبلج والظلام كاد ينفرج فقد انتقلت المعركة بين سلطة قامعة لحركة إسلامية إلى حرب على المجتمع دفعت الأحداث الدولية والصحوة الإسلامية العالمية إلى عودة تمسكه بدينه والدفاع عنه ولذلك استنفر النظام الفاسد والمفسد كل أقطابه و أعوانه وحتى كبيرهم الذي نخره المرض أراد أن لا يفوته شرف المساهمة في هذه الحملة التي ستحرر تونس من تبعيتها وولائها لأعداء الأمة وترفعها إلى مصاف الأمم المتحضرة الديمقراطية الحريصة على صون حقوق الإنسان وكرامته.  فعندما يصرح الأمين العام لحزبهم  ” إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غدا أن تحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت وأن تمنع من الدراسة وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية”.وأن ذلك “سيعيق تقدمنا فنتراجع الى الوراء وننال من احد المقومات الاساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع وتقدم الشعب ومناعة البلاد” ومن “ضرورة التحرك من اجل التصدي لمثل هذه الظواهر دفاعا عن الدين الاسلامي وعن حقوق أجيال تونس الحاضرة والقادمة ولتقاليد البلاد وأصالتها وهويتها (…) وعن الخيارات المرجعية التى ميزت تونس وجعلتها منارة مشعة بين الأمم وقطب علم ودين واستقرار وتفتح” عندما نقرأ هذا نفهم مدى الجدية التي يتعامل بها هذا النظام مع عودة المشروع الإسلامي بالشكل اللافت إلى الساحة إذا قبلنا …..فقد تقبل… إذا هو خوف من تنام شئ ما يهدد كل “مكاسب المجتمع” لا أحد يصدق أن الحجاب يقضي على “استقرار المجتمع وتقدم الشعب ومناعة البلاد” أو على” حقوق أجيال تونس الحاضرة والقادمة ولتقاليد البلاد وأصالتها وهويتها” أو على ” الخيارات المرجعية التى ميزت تونس وجعلتها منارة مشعة بين الأمم وقطب علم ودين واستقرار وتفتح”. هذه المخاوف أو الهواجس هي من شئ أكبر وأعم وأشمل هي من مشروع مجتمعي آخر حورب قبل أن تعطى له الفرصة ليعرض على المجتمع التونسي المسلم الواعي مثله مثل بقية المشاريع الأخري ليأخذ فرصته في تنافس مدني سليم تستفيد منه بلادنا الحبيبة كما نادينا دائما لتكون تونس للجميع الفيصل فيها هو الشعب الحكم علينا جميعا. وليعلم هذا النظام الفاسد والمفسد أن سنة الله لن تتبدل وأن هذا المشروع الذي عطله عقدين من الزمن سيفرضه الواقع فرضا فهو مطلب حضاري بدأ يزحف على العديد من أنحاء العالم وتونس ليست استثناء. وقطعا بمثل هذه الغطرسة وهذا القمع فالنظام يعجل عودة هذا المشروع. فهذا الجيل الذي يرتدي الحجاب ويعود إلى التمسك بدينه لم تربه الحركة الإسلامية فهو غير مسيس ولا متحزب بل هو مسلم معتز بدينه سوف لن يزيده القمع إلا صلابة وإصرارا على الدفاع عن المشروع الإصلاحي العائد بخطى حثيثة ليس بتخطيط النهضة ولا أي جهة أخرى. هو وعد الله الصادق ومشيئته النافذة ولن يقف في وجهه لا النظام الفاسد والمفسد ولا من يحميه. ولكم في ما يجري في العالم الآن خير منبأ خبير.
وإنه لمن العجب أن يقبل “توني برودي” الوزير الأول الإيطالي المسيحي بارتداء المسلمات في إيطاليا الحجاب وترفضه سلطة تونس المسلمة؟ وإنه أيضا لمن نكد هذه النظام على شعبه أن يسحب سفيره من قطر احتجاجا على بث قناة الجزيرة لبرنامج عن الحجاب ولا يقطع علاقاته التطبيعية مع العدو الإسرائلي أو لا يحتج بنفس المستوى عندما تتعرض مقدسات الأمة إلى الانتهاك من طرف أعدائها في فلسطين أو العراق.
هذه الحملة في رأيي ليست لصرف الأنظار عن استحقاقات أخرى بل هي إعادة ترتيب أولويات القمع لدى السلطة فهي تعتبر أن أي شكل لعودة المشروع الذي حاولت إقناع العالم بأنها قضت عليه يسبق كل استحقاق آخر بل هو قضية حياة أو موت لديها. وهذا يثير سؤالا جديا للجميع ولنا في حركة النهضة : هل هذا النظام بتركيبته الحالية يقبل بنا كحركة صاحبة مشروع إصلاحي تغييري ؟ وما هو الحيز المسموح به للحركة ؟ أضن والله أعلم أن التناقض الجوهري بين المشروع الذي تحمله الحركة ومصالح النظام الفاسد والمفسد لا تسمح بأي نوع من التعايش في الأفق المنظور. ولنا أن نختار بين مصالح فئة منبتة عن هويتها ومجتمعها وبين مشروعنا الذي نحمله مع بقية المشاريع الوطنية التي تريد دفع البلاد إلى إصلاحات حقيقية. فمشروع السلطة الحاكمة هو مزيد من القمع وتكميم الأفواه  ومزيد من  نهب ثروات   من طرف العائلات الحاكمة ومزيد من رهن بلادنا لمصالح القوى الأجنبية. في المدى المنظور أرى والله أعلم أن السلطة لا تريد أبدا أن تحل قضية الحركة في إطار حقنا الشرعي في الوجود القانوني. فهذه الحملة على الحجاب ومن قبلها كل الحملات إجابة قاطعة على طبيعة هذه السلطة وعلى جوهر العلاقة مع الحركة الإسلامية. 
كلمة إلى من وقف مع فتيات تونس في محنتهن سيسجل لكم الله ثم التاريخ وشعبكم هذه المواقف المشرفة مهما اختلفتم معهن في الأفكار والقناعات فهي مواقف مبدئية لم تمليها انتهازية سياسية كالتي وقفها حزب الوحدة الشعبية المعترف به والذي كان أولى له أن يدافع عن شعبه الذي يطمع يوما ما أن يعطيه أصواته ولا التي وقفتها بعض الأقلام الصفراء المأجورة التي تطاولت على الشرع وعلى  عرض بنات تونس العفيفات.  وأخص بالذكر من المواقف المشرفة مواقف الرابطة والمدافعين عن حقوق الإنسان وموقف الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الشيوعي وكل الشخصيات الوطنية والحرة وكل الشيوخ العلماء الأفاضل والدعاة والحركات الغيورين على دينهم فهذا واجبهم الشرعي
كلمة إلى فتيات تونس في محنتهن  أنتن من تحملن لواء الإسلام في هذه المرحلة   بتمسككن بلباسكن الشرعي ابتغاء مرضاة الله قناعة والتزاما وهذا ليس خاصا بتونس فقط فلو نظرنا إلى كل البلدان العربية لرأينا أن عودة المرأة للالتزام بالزي الشرعي يتزايد ويتزايد من أقصى المغرب إلى المشرق مرورا بأرووبا فأنتن عنوان لمرحلة بدأت في بداية السبعينات مع الأخت هند شلبي التي تحدت بورقيبة وحزبه الحاكم ثم بعد ذلك واصلت المسيرة العديد من الأخوات منذ عقدين من الزمن لاقين فيها ما تلاقين الآن . فهو ابتلاء من الله لكن ليرفع ذكركن بوقوفكن في وجه حملات تجفيف منابع التدين فإنه مع اشتداد الحملة يقترب الفرج والنصر.
*رئيس مجلس الشورى بحركة النهضة بتونس  


 

الحق في الحجاب

أحمد نجيب الشابي
 
شنت الحكومة هذه الأيام حملة إعلامية وأمنية واسعة على الحجاب، فاعتبرته زيا طائفيا دخيلا ورمزا للانتماء السياسي والتطرف الديني الذي يحض على الفتنة ويهدد مكاسب المرأة وعبرت عن عزمها على مقاومته بشدة والالتجاء في ذلك إلى التشريعات الموجودة. وبالفعل انتشرت الفرق الأمنية تصادر من المكتبات الأدوات المدرسية التي تحمل صور الدمية ” فلة” وتعرضت التلميذات والطالبات إلى المضايقة والمنع من دخول المعاهد والجامعات وحتى التسجيل بها فيما تعرضت مواطنات أخريات إلى المنع من دخول المؤسسات العمومية والتمتع بالمرافق العامة بسبب ارتدائهن للحجاب. وأثارت هذه الحملة ردود فعل في تونس وفي بعض البلدان الإسلامية الأخرى أجابت عنها الحكومة بأن مسألة الحجاب لا تمت إلى قضية الحريات الشخصية بصلة وأن تونس، بلد جامع الزيتونة وجامع القيروان والتي احتضنت أشهر المدارس الفقهية على مدى قرون من الزمن ، ليست في حاجة إلى دروس في الدين من أحد.
 
ولو أن الحكومة اكتفت بالحملة الدعائية ولم تسخر لها الدور العمومية ووسائل الإعلام المختلفة ولم تغيب عنها الرأي الآخر ولم تزج بالفرق الأمنية لحمل الناس على ما يكرهون، لقلنا بأن رأي الحكومة في الحجاب قابل للنقاش وأنه يطرح قضية تندرج في صلب الحراك الاجتماعي- الثقافي التونسي الحديث. لكن ما اكتسته هذه الحملة من بعد أمني يدفعنا إلى عدم الاكتفاء بمناقشة حججها وإلى البحث عن حقيقة دوافعها.
 
من الناحية التاريخية، علينا الإقرار أولا أن الحجاب لم يكن، في شكله المتداول اليوم، عنوانا لحرمان المرأة من حقوقها بل كانت المطالبة به، على العكس من ذلك، جسر العبور إلى إخراج المرأة من وراء الحجب التي ضربت عليها في عصور الانحطاط وتمكينها من حقها في التعلم والعمل و سائر حقوقها المدنية والسياسية. فقاسم أمين رائد تحرر المرأة في العالم الإسلامي، أوضح أن مقاومته للحجاب السائد في عصره لا تخرج عن أحكام الشريعة الإسلامية فقال ” لا ريب أن ما ذكرنا من مضار التحجب يندرج في حكمة إباحة الشرع الإسلامي لكشف المرأة وجهها وكفيها ونحن لا نريد أكثر من ذلك”.
 
أما الطاهر الحداد الذي أنكر، في مجرى مناقشته للأدلة الشرعية المتعلقة بالحجاب، وجود مواقع معينة في جسم المرأة حرم الدين الإسلامي إظهارها بل تركها لأعراف الناس وتطور الحياة ودعا بناء على ذلك إلى السفور، فقد وافق قاسم أمين في أنه سفور تقتضيه المصلحة في خروج المرأة إلى التعلم والعمل والاندماج في الحياة العامة ولا يتجاوزها إلى إبراز ” الأطراف إلى نهايتها والوجه والرقبة والصدر والثديين” فذلك خروج به إلى ” إثارة الشهوة” حسب تعبيره.
 
أما من جهة واقع اليوم فقد كف الحجاب عن أن يكون رمزا لمناصرة حركة سياسية بعينها بعد أن قضت القبضة الأمنية على الأخضر واليابس وتعطلت في سياقها “حركة النهضة” عن النشاط منذ ما يزيد عن الخمس عشر سنة ليتخذ الحجاب اليوم شكل الظاهرة الثقافية-الدينية التي لا تمت إلى الانتماء السياسي بصلة. والمتأمل في الواقع التونسي الحالي يدرك بدون عناء أن عوامل متفرقة ومتضافرة تجمعت لتشجع انتشار هذه الظاهرة، لعل أولها وأهمها الفراغ الثقافي الذي نتج عن حالة القمع التي سادت في البلاد منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي والتي تزامنت مع سيطرة نمط المجتمع الاستهلاكي وما تولد عنه من استقطاب بين الانغماس في الحياة الاستهلاكية والسعي إليها بكل وسائل الربح السريع، وبين الاحتماء بالقيم الدينية في وجه انسداد الآفاق واستشراء البطالة وتداين الأسر وانهيار الأخلاق العامة.
 
إلى هذه العوامل الداخلية تنضاف تفاعلات الشارع التونسي مع أحداث الشرق الإسلامي متمثلة في الصور التي تنقلها يوميا وسائل الاتصال الحديثة عن المجازر التي تقترفها الدولة العبرية في حق الفلسطينيين بتأييد أو تغاض من القوى الدولية ومتمثلة أيضا في الحملة الدولية على الإسلام والمسلمين التي تلت أحداث 11 سبتمبر وفي احتلال أفغانستان وما أعقبه من احتلال غاشم للعراق واستباحة لأرضه وأهله.
 
في ظل مثل هذه الأوضاع الدولية – وفي تزامن معها- برزت الفضائيات وسيلة إعلامية تخترق الحدود وتتحدى مقص الرقيب لتبث على مستوى جماهيري واسع ألوانا من الثقافات المختلفة والمتباينة من بينها الدعوة إلى “الإسلام الأصولي” من خلال محطات يحاضر فيها دعاة من مثل عمرو خالد وغيره فغزت العقول وسدت الفراغ الثقافي الذي أحدثه القمع في بلادنا وانتشر الحجاب علامة على التعفف والاحتماء بالقيم الدينية والتماهي مع ضحايا الاستكبار الدولي في الشرق الإسلامي دون أن يكون لذلك أدنى صلة أو علاقة بحركة سياسية بعينها. بل أن الفراغ السياسي وتغييب ظاهرة “الإسلام السياسي المعتدل” ساهم، مع أحداث الشرق، في بروز ظاهرة “الإسلام الجهادي” الذي تغص السجون التونسية اليوم بالمئات من مؤيديه وأنصاره.
 
إن التغاضي عن هذه الحقائق الاجتماعية-الثقافية والسياسية ومواجهتها بمقابلة “الأصيل بالدخيل” في مستوى الملبس (بعد أن قضى قرن ونيف من التطور على مظاهر عديدة من لباسنا التقليدي كالسفساري والبخنوق والحرام والتقريطة والملية والتي كادت مسمياتها تغيب عن الإدراك العام) والدعوى للعودة إلى اللباس التقليدي باسم الهوية الوطنية في عصر العولمة الذي عنوانه التثاقف وتمازج الأذواق والفنون فهو من قبيل الحجج الواهية التي لا تصمد في وجه الواقع وتياراته الجارفة.
 
لقد طرح الحجاب في شكله الجديد بالفعل قضايا سياسية وثقافية حادة لأنه جاء في سياق طفرة كان من علاماتها البارزة انتشار التيارات الوهابية وتأثيرات الثورة الإيرانية وما رمزا إليه من تهديد لمكاسب المرأة ومن محاولات فرض الحجاب التقليدي باسم الدين وعن طريق القمع والإكراه فرمز الحجاب لفترة طويلة إلى التشدد الديني وإلى الانتماء لتيار سياسي بعينه. ولا زال الحجاب يطرح حتى اليوم قضايا ثقافية-عقائدية تعود في جوهرها إلى القضية الأصلية التي يثيرها مسار تحديث المجتمعات الإسلامية ألا وهي: هل يجب التعامل مع النص الديني حسب ظاهره أم إعمال العقل النقدي فيه لإدراك مقاصده وتنزيل أحكامه في الظروف التاريخية المتغيرة؟ إنها قضية شغلت بال المصلحين منذ زمن طويل ولا تزال. وهي تطرح في مجال الحجاب قضية معرفة إذا كانت “المواقع ” التي يثير كشفها في الجسم البشري الحياء العام مسألة متغيرة حسب الأمصار والأزمان أم أنها ثابتة لا تتغير؟ إنها قضية جدل كبير لعلماء الاجتماع وعلماء الدين دور كبير في تفكيكها لكنها تبقى في النهاية قضية يقررها الضمير الحر للمسلم ما دام الإسلام لا يعرف كنيسة تصدع بالحقيقة الإلهية ولا تمثل فيه الفتاوى سوى اجتهادات موكولة لضمير المسلم الفرد الذي يسأل في شأنها عقله وقلبه.
 
وفي مجتمع جعل من حرية الضمير والمعتقد ركنا من أركان دستوره فإن مسألة الحجاب تعد من المسائل المتعلقة بالحرية الشخصية التي لا يجوز للسلطات العمومية التدخل فيها إلا من جهة حمايتها وتيسير ممارستها. إن ضعف حجج الحكومة في قضية الحجاب ولجوئها إلى الوسائل الأمنية والقهرية في قضية ثقافية تتعايش الأسر التونسية في شأنها بتعدد واحترام متبادل وفي غياب موجب سياسي ظاهر، ليطرحان تساؤلات عدة حول الدوافع الحقيقية لحملتها هذه. ولا يملك المرء إلا أن يتساءل في هذا الصدد إن لم تكن من دوافعها الرغبة في الانخراط في الحملة العالمية المناهضة لرموز التمايز الديني داخل المجتمعات الغربية، وفي مقدمتها الحجاب الإسلامي، في محاولة من النظام لفك عزلته الخارجية وتقديم نفسه من جديد كمدافع عن “القيم المشتركة” في وجه الخطر الأصولي؟
 
وإذا كان هذا هو الغرض من هذه الحملة فإنه مسعى خاسر أيضا لأن الغرب ولئن كانت تقوده في بعض الأحيان العواطف الهوجاء فهو يختلف عنا بالتخطيط الطويل الأمد وبالعقلانية والواقعية. وفي خضم تعاملها مع العالم الإسلامي أدركت الدوائر الغربية اليوم ومن جديد أن القمع والاحتلال لا يجديان نفعا وأن الاستقرار الدائم يمر عن طريق الإصلاح والإدماج لا عن طريق الفساد والإقصاء. لذلك أضحت هذه الدوائر تتبرم من الحلول الأمنية وتقلق من مظاهر الاستقرار الزائف القائم على القهر وتدعم – ولو بحذر وتردد- حركية الإصلاح السياسي في البلدان العربية والإسلامية. وإذا كانت هذه هي الحال فإن النظام لا يمكنه، مهما لعب على وتر “الإسلاموفوبيا” الحساس، أن يسترجع ثقة هذه الدوائر إلا بولوجه طريق الإصلاح والإقلاع عن القمع والإكراه وسيلة لمعالجة القضايا الثقافية والسياسية.
 
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 378 بتاريخ 20 أكتوبر 2006)


 

الصحوة والسياسة الخطــوط الحمراء:

 
الحجاب ليس مظاهرة سياسية ولا زيا طائفيا ! (1/3)
 
الجزء الأول
د.خــالد الطــراولي
 
 
حذار من الوقوع في فخ السلطة مجددا:
عندما انطلقت الصحوة الأولى في الثمانينات كان الطرح السياسي متزامنا لها وعنصرا تداخل زمنيا مع تواجد الحركة الإسلامية. فكان وجود الحركة ذاته عند البعض ثمرة مباركة من ثمار الصحوة وإحدى نتائجها عندما ولجت تجليا من تجليات التضاهرة الإنسانية في بعدها السياسي، فالصحوة من هذا المنطلق وفي أبسط تعريفاتها هي العودة إلى التدين في أبعاده المتنوعة والذي يمثل الشعائري والطقوسي والاقتصادي والسياسي أطرافها المتعددة.
 
كانت الحركة الإسلامية (1) إذا ثمرة من ناحية ولكنها كانت أيضا دافعا للصحوة وحامية لها ومشجعة لتناميها. فكانت العلاقة معقدة نسبيا بين الحركة والصحوة الأولى، حيث التقى الطرفان وترعرع المنتمون لهما في نفس الإطار، فكان الاختلاط عفويا في الخطاب و بين حامليه، فرضه واقع متعطش لأي داعية للتدين من جهة،  والرشد النسبي للحركة وفقهها القاصر للمرحلة، وعدم اكتشافها أنها تمشي على رمال متحركة وثنايا ملغمة! فكان خطيب المسجد وهو يدعو لدينه ويستميل الناس إلى عبادة ربهم، يسعى بوعي أو بغير وعي إلى الدعوة لمشروعه السياسي، فكان داعيا ربانيا وسياسيا وطنيا!
 
ولعل في تداخل السياسي بالديني في المفهوم الإسلامي للدين ساهم في عدم تميز خطاب الصحوة الأولى عن الحركة الإسلامية و في عدم وجود رجال مستقلين يحملون خطابها إلا ما ندر. كانت طبيعة هذه المهمة تجعلها أقرب إلى حملها من طرف علماء البلاد وخاصة من قبل أئمة المساجد والدعاة وخريجي جامع الزيتونة، لكن العلاقة بين الحركة الإسلامية وهذه الأطراف قد شابها بعض مناطق الظل من تهميش عند البعض أو لا مبالاة أو استخفاف أو توجس… ورغم وجود جماعة الدعوة والتبليغ والصوفية بنسب أقل في تحمّل هذا  الدور الحاضن، فإن رجال الصحوة الغالبين في البروز كانوا أعضاء منتمين. وهكذا كان هذا الخلط القاتل وعدم التميز الخطير بين الظاهرتين دافعا ومبررا للفتك بالاثنين…
 
خسرت الحركة وخسرت الصحوة، ومن استئصال حركة سياسية تواجه سلطة قائمة بمشروع سياسي مدني، انتقلت العدوى إلى حركة استئصال لمنابع التدين في البلاد، ونزل على البلاد ستار من حديد، جمّد كل صوت سياسي يدعو إلى حرية الكلمة من منطلق ديني، أو صوت ملائكي يدعو إلى حرية التدين من منطلق روحي عبادي طقوسي خالص.
 
حتى لا تتكرر المأساة…
 
استغلت السلطة “بكفاءة عالية” هذا التداخل بين الصحوة الأولى والحركة السياسية فخمّدت الاثنتين، ولقد مرّت على تونس أيام كلها سواد كانت تحية “السلام عليكم” مجلبة لعديد المتاعب والتوجس! أُغلقت أبواب الأرض وانحبس المد الإسلامي وغابت كل مظاهره وكاد ينعدم الحجاب، وتقلصت اللحي إلا من شيخ عجوز عجز عن دفع ثمن الحلاق أو رفضت أصابعه المرتعشة مواجهة تنامي الشعيرات! أو من امرأة مسنة يعبث الريح بسفساري تصر على ارتدائه رغم العواصف والصواعق!
 
كانت أياما سوداء أغلقت الأرض أبوابها واجتمع على أطراف البلاد أناس غلاظ شداد يحرسونها، 130 ألفا شرطي ” ورجل أمن”… وظنت السلطة أن المواجهة قد انتهت وأن الذئب قد خلى بالقطيع… لكن الأيام لم تقل كلمتها الأخيرة وكان المستقبل بالمرصاد… ” أطلق التونسي والتونسية أبصارهم إلى السماء وهم يبحثون عن إرواء عطش روحي مفقود، وتعطش لهوية ضائعة… وجاء المدد من وراء السحاب فكانت الفضائيات وكانت صحوة  “الأطباق” وكانت الصحوة الثانية…
 
كانت عودة كبيرة ومتعاظمة مع الأيام، ملأت الشوارع والأسواق ودخلت المؤسسات التعليمية والإدارات والمصانع واستوطنت البيوت والغرف! وغابت الحركة الإسلامية اضطرارا عن منازل الفعل المباشر وزُجّ بأبنائها في السجون والمعتقلات ودفع بالآلاف خارج حدود الوطن، فشردت أسر بأكملها وشهدت تونس أكبر مظلمة في تاريخها المعاصر طالت جانبا مهما من مواطنيها، مظلمة تجعل الحليم حيران… قصص وروايات تلامس الأساطير وعايشت الأدغال والأوحال والظلام والقضبان، وستُكتب يوما لا نخاله إلا قريبا بماء من ذهب لتترك للأجيال القادمة عربون وفاء وتضحية من رجال صادقين ونساء صابرات تجاه هذا الوطن الجريح، وكشهادة للتاريخ حول جريمة سوداء قاتمة لا نور فيها ولا قبس تجاه نفس الوطن!
 
غابت الحركة الإسلامية لكن آثارها البعيدة لم تندثر، وتحت غطاء صولة الجلاد وأنين المسجونين وتأوهات المعذبين وعذابات المظلومين وحنين المشرديين ودموع الحيارى والمكلومين، وفي جنائز بدون رفيق ومواكب دفن بحضور البوليس، تركت الحركة الإسلامية وهي تطوي نهاية مرحلة بصمات لا نخالها إلا باقية.
 
كانت الصحوة الثانية روحية خالصة، عبادية خالصة تنشد التدين في مظاهره البسيطة من صلاة وارتياد المسجد وصوم إثنين وخميس وحج بيت ولبس حجاب أو قميص وإطلاق لحي. غابت السياسة عن موقع الحدث وكان الحدث دينيا خالصا يحمل خطاب تدين وشعائر وطقوس(2)…
 
ـ يتبــــع ـ
 
(1) رغم أني لا أحب هذا المصطلح وأفضل عليه مصطلح “الحركة السياسية ذات المرجعية الإسلامية”، فإني أستعمله لرواجه وسهولة فهمه عند القارئ.
 
(2) أنظر بأكثر تفاصيل كتابنا “إشراقات تونسية، الديمقراطية ورحلة الشتاء والصيف” الطبعة الأولى. مركز الحضارة العربية. القاهرة 2006 ص: 187 وما بعدها.
 
المصدر : موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net

الحجاب في تونس بين الحرية والاستبداد

د. شيماء الصراف*
 
من موقعي كباحثة ولي اختصاص بأحوال المرأة القانونية  والاجتماعية وتأثيرات كل من الناحيتين على الاخرى سأُعلّق على قرار الحكومة التونسية بمنع الحجاب وملاحقة من ترتديه من النساء والذي تناقلته وكالات الأنباء واجهزة الاعلام  ، كذلك كتب عنه البعض ومنهم الدكتور خالد الطراولي في موقع اللقاء على الانترنيت.       امران نتحدث عنهما :حرية المرأة ، واصداء قرار كهذا في نفوس الناس.
 
حول حرية المرأة إجمالا
 
        هناك مقدمة لابد منها : في كتابي عن احكام المرأة في الفقه وفي قوانين الاحوال الشخصية لم اتطرق لموضوع الحجاب بشقه المتعلق باللباس [1] كذلك لم اختر الحجاب كموضوع في أي محاضرة دُعيت اليها للكلام عن المرأة بمحضر من الجمهور . وحين يتم السؤال عن هذا اجيب بجواب واحد لاغير: انا مع المرأة في اتخاذ القرار بهذا الشأن ؛ فإن هي ارادت التحجب فبها  ، وإن لم ترد فهي حرة تماما ، هذا نصف الجواب ويظل النصف الآخر حبيس صدري . أقوله الآن ، في رأيي الذي لا أُلزم به أحداً، ان هناك امور اهم بكثير من امر الحجاب اجد من واجبي الكلام بها وعرضها.ً
 
       إن اختارت المرأة التحجب في دولة اوربية ـ وانا اتابع ما يجري بهذا الشأن من احداث ـ فعليها أن تتحمل تبعات ذلك ؛ فالسلطات في اوربا وناس المجتمعات عموما يقفون ضد الحجاب ، بالفعل وذلك عبر تصريحاتهم  أو بإصدار قرارات بمنع البنت من متابعة دراستها [المرحلة المتوسطة أو الثانوية]، أو رفضها حين تتقدم لعمل ما من رئيس الشركة….الخ  ، أو شعوراً فالناس في المجتمع عموماً ليس لها موقف ايجابي من الحجاب سواء اعلنوه أو لم يعلنوه. ولن نعتني بأسباب هذا الموقف ؛ فقد تكون ابعاداً سياسية أو أمور مختلطة  من تاريخ وتقاليد وتراث  يُجاهر بها أو هي كامنة  في اللاوعي تدفع لهذا التصرف أو ذاك .وفي كل هذه الاحوال يجب تفهم ذلك والتأقلم معه هذا اذا ارادت المرأة الاستمرار في العيش في هذه المجتمعات.
 
 فهي مفارقة عظيمة مضحكة مبكية في آن معاً ان المرأة في الكثير من المجتمعات العربية اليوم تنهي دراستها الجامعية  والعليا احيانا ثم تشتغل بعدها  استاذة جامعية أو طبيبة ، مهندسة …. وقد تكون قاصة ، شاعرة ، فنانة في مجال ما ، وهي لا تملك حق اتخاذ القرار في الزواج ممن ترغبه أو في ان تكون طرفا مباشرا في العقد ، فهي ما تزال تحت سيطرة وليها الذي يقرر ذلك بدلاً عنها وهذا الامر تنص عليه العديد من قوانين الاحوال الشخصية في البلدان العربية الاسلامية .
 
       ان هذه المرأة المثقفة  التي تساهم في  بناء المجتمع تلميذة كانت أو عاملة أو ام حنون وزوجة تدير بيتها على أفضل ما يكون ، هذه المرأة تحت رحمة  رجل جلاد ، والقانون لا يحميها ، فما زالت قوانين العقوبات  في العديد  من المجتمعات العربية الاسلامية تعتبر قتل الرجل لزوجته في حالة رؤيته لها في وضع مشبوه مع رجل آخر عذراً مخففا للعقوبة إنْ  لم  تعفيه منها على الإطلاق .اليوم وفي هذه المجتمعات يقتل الرجل محارمه :امه، ابنته ،اخته… غسلاً للعار ويُعتبر الأمر ضرفاً مخففاً للعقوبة أو حتى لا عقوبة . الأدهى والأمر ان القتل في الحالتين قد يكون مسألة انتقام ،او تنحية المرأة عن الإرث وغير ذلك، ثم يدّعي الرجل  انه انتقم لشرفه المهدور … ويُصدّق .
 
     لتناضل المرأة في رفع هذه القواعد المذّلة  المهينة لكرامتها، من القوانين. لتناضل المرأة من أجل وضع قواعد قانونية تضمن لها حقاً غير مشروط  في وضع شروط لمصلحتها في عقد الزواج[2] ،حقها في المبادرة في الطلاق أو الانفصال [3] . لتناضل المرأة ضد من يروج مقولة ـ وهم الاكثرية ـ ان مكانها البيت والعناية فقط بالطبخ والزوج وتربية الاطفال، ولتقرأ تاريخ مجتمعاتنا فترى كيف احتلت المرأة مكاناً مرموقاً وفعالاً في كل المجالات السياسية ، الاجتماعية ، العلمية ، المهنية…. مع ذلك فلا يوجد في كتب المؤرخين ، في ترجمة احداهن ، ترديد لهذه المقولة ، أو ان هناك من النساء من اهتمت فقط بفعالياتها   في هذه المجالات واهملت واجباتها الزوجية .
 
     ويجب أن لا يُؤخذ كلامي هذا على انه خطاب للمرأة : اخلعي أو لا تضعي الحجاب وتفرغي للمطالبة بحقوقك المهضومة ،لا ولا ، فأنت إنْ قررت وبإرادتك ودون وضغط ، ارتدائه فلا تجعلي الامر هدفاً بذاته ونقطة البداية والنهاية في آن معاً . وللأسف هناك الكثير من النساء من يفعلن ذلك.     انها ليست المعركة الحقيقية ، بل المعركة الحقيقية والتحدي الكبير الذي يواجهك هو تحصيل حقوقك ووجوب حمايتك من القانون .
 
الحالة التونسية
 
     نرجع الى تونس وقرار السلطة بمنع الحجاب وتسبيبه على انه ،أي الحجاب، بشكله الحالي هو زي مستورد من الخارج ، فُرض على المجتمع التونسي بصورة أو بأُخرى ، ومن ثم يجب منعه ، فالحشمة هي المعيار وهذا متوفر في الرداء التقليدي التونسي.
 
     إن كانْ قد جاء من الخارج فليُعتبر ” موضة” كغيرها ، وإلاّ فلماذا تتقبل السلطة التونسية وتسمح بـ ” موضات ” أُخرى وترفض تلك المتعلقة بالحجاب ؟     ثم إنّ تسبيب القرار ليس صحيحاً على الإطلاق ؛فحتى اللواتي استبدلن ، تحاشياً لأي مشكلة ، الحجاب ” المستورد ” برداء الأُمّهات والجدّات لم يسلمن  من الملاحقة .
 
          لو كانت السلطة قد اصدرت مرسوماً أو قانوناً يمنع ويعاقب من يمارس ضغطاً أيّاً كان الاسلوب وأيّاً كانت صفة الشخص، لحمل المرأة على ارتداء الحجاب في داخل العائلة أو خارجها في المدرسة ، في العمل…..لحمدنا موقف السلطة .
 
    ولو كانت السلطة قد أصدرت قانونا يعاقب كل من يتعرض لإمرأة محجبة أو سافرة ، في الشارع أو أي مكان عام أو غير عام، بكلام بذئ أو تهديد أو أي اعتداء من نوع آخر ، لحمدنا موقفها أيضا.    ففي الحالتين تقوم السلطة  بواجبها بحماية المرأة كفرد في المجتمع ، وأيضاً معاقبة الفاعل المعتدي.     اسئلة عديدة من الممكن طرحها ، منها :  
    ـ بماذا يهدد إقبال المرأة على الحجاب السلطة التونسية ؟     ـ هل هو كسب لود الغرب ؟ الظهور بمظهر المتحضر ، التقدمي ؟ إنْ كان هذا فيالبؤس  اختيار الحجاب كمثل ونموذج لذلك .
 
     لتكسب تونس ودّ  العالم الغربي بأسره ، حكوماتً ومجتمعات ، بتقليده واتّباعه في إطلاق الحريات ، حرية الكلمة والموقف ، الإمتناع عن القمع وتكميم الأفواه…..تقليده في الإهتمام بالعلم ، بإنسان مجتمعه . ليتركوا المرأة وشأنها .هل يجب ، في كل أمر وحالة ، أن تكون هي كبش الفداء والمحرقة ؟        هناك نتيجة غاية في السوء لهذا القرار التونسي وكل قرار وقانون يصادر حريات الناس على غراره في جميع المجتمعات العربية : انه يولد حالة يأس وإحباط لدى الكثير والكثير من الناس .
 
       اشرح حالتي وما أشعره وأراه ولست الوحيدة ، فأنا اتكلم نيابة عن الكثيرين. أرى البؤس عياناً في مجتمعاتنا العربية خصوصاً، انها حقيقة صارخة ، تخلف على كل الاصعدة والميادين ، عدا اجهزة السلطة في قمع معارضيها وخصوصاً اصحاب القلم ، حتى لو كان تحركهم سلميا ، يجب ، ليس فقط السكوت ، بل التصفيق والتهليل للسلطة مهما كان سلوكها.البؤس ولا غير البؤس
 
      الإهتمام بالارض ، الزراعة ، الري ؟ كانت مجتمعاتنا تزرع ، كنا نأكل ونصدّر ،أو على الأقل اكتفاء ذاتي، اصبحنا نستورد ونستورد….الصناعة؟ شأنها شأن الزراعة ،نحن اصبحنا وبدءً على الأخص في العقود الأخيرة من القرن العشرين  مجتمعات استهلاكية لا تكف عن الاستيراد .       هناك سوء التغذية بل الجوع وهو الذل بعينه ، انه يتفشى في الطبقات الفقيرة والعاطلين عن العمل . العمل ؟ توفير العمل؟ لا ،السلطات والحكومات مشغولة بأمور اهم ، ماهي ؟ كل ما من شأنه الحفاظ على كرسي الحكم . العلم والمعرفة ؟ الكتابة ، الفنون ….، امور تؤدي الى ازدهار المجتمع بالضرورة ، ولكن كيف والسلطة تكبت وتضطهد وتقمع ؟  هل اقدّم صورة قاتمة ؟ نعم ، ربما ، ولكن الصورة وفي بعض الميادين في المجتمع احلك بكثير واشد ظلاما مما ذكرت.
 
        انظر الى تقدم الدول الأخرى ،اليابان التي وقفت على قدميها وبنت نفسها بصورة هائلة بعد حرب وانتكاسة مدمّرة . الصين هل هناك حاجة للحديث عما هي عليه من قوة اقتصادية اليوم  في العالم ودون ان تغفل وجوب تطورها في الميادين الاخرى، وهناك العديد من الدول والمجتمعات الاخرى التي حققت وتحقق تقدماً في العديد من المجالات. انظر بألم الى ما يحدث في مجتمعاتنا، اتسائل :   ونحن؟      متى ، متى ، كيف ولماذا ؟ ثم.. لماذا يتنفس إنسان تلك المجتمعات بحرية [ ولا اغفل نسبية الامور إنما الحديث بالعموم ] ولا يتنفس بشر مجتمعاتنا إلاّ بشق الانفس ؟ لماذا ؟
 
خاتمـــة
 
      اسأل : هل ملاحقة المحجبات هو خطوة في سبيل تقدم المجتمع وازدهاره ؟ هل هو حل لمشاكلنا ؟ وكيف ؟أم إن  مسألة الحجاب هي ـ في جزء منها ـ نوع من انواع لفت انتباه الناس وشدهم الى امور اخرى لكي لا يلتفتوا الى انواع البلاء في كل اجهزة السلطة وقصورها وعجزها
 
       إن مهمة السلطة ، أي سلطة ، وفي أي مجتمع على الاطلاق هي ، في المقام الاول : حفظ الامن والقضاء على مصادر الاضطراب والقلاقل. والحال ان قانون الحجاب هذا هو نفسه مصدر للقلق وإثارة الاضطرابات ، وكيف لا يكون كذلك وهو ينص على ملاحقة النساء بسبب ما يرتدينه من ملابس .
 
    إن تعرية الجسد بالكامل والظهور في الامكنة العامة ـ في الشارع مثلاً ـ يعتبر ، في كافة قوانين العالم، حسب علمي هتكاً للآداب العامة ، ولذا يقبض على الفاعل وتتم معاقبته .        هل تغطية الجسد ، تغطية المرأة لجسدها وشعرها بالذات يعتبر هتكاً للآداب  العامة ؟ وبالتالي يجب تحريمه ومنعه ؟
 
        الحواشي           1 ـ تُستعمل كلمة حجاب حين يكون الكلام عن حجب المرأة في البيت ،فلا تعمل خارجه، بل ولا تخرج إلاّ للضرورة .           2 ـ الفقه الحنبلي هو الوحيد الذي اقر للمرأة بهذا الحق ، ولم يقصره على امور محددة، في حين  والى الآن لم  يقر به المشرع الحديث تماماً كما افتى به الإمام  ابن حنبل منذ اكثر من 12 قرن  .           3 ـ أصدرت الحكومة المصرية قانونا بحق المرأة في ذلك منذ حوالي السنتين ، وهي بهذا القانون ،  قننت ماهو موجود ومعمول به في الشريعة ـ قرآناً وسنة نبوية ـ  بإسم الخلع والمخالعة ، منذ اكثر من 14 قرن. والخلع موجود كمادة قانونية في العديد من قوانين الاحوال الشخصية المعمول بها حالياً في الدول العربية والاسلامية عموماً. * باحثة مختصة في الفكر الإسلامي
 
المصدر : موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net


أحزاب القفة تدلي بدلوها في جب النظام وواد الحجاب

عبد الباقي خليفة ( * )
 
مرة أخرى تقف أحزاب ” القفة ” و” الكنتولا ” إلى جانب “عرفها ” بن علي ، ظالما و ظالما ، في محاولة للخروج من تحت ” الميكروسكوب ” لعلها ترى ، أو ينالها نصيب من ” القفافة ” التي دأب عليها البعض من الاحزاب المجهرية و”كتاب القطعة ” .
 
فبعد الاجتماعي التحرري ، أدلى الوحدة الشعبية بدلوه في جب بن علي ، حيث لا يمكنه التأخر عن هذه المعركة التي يخوضها “العرف ” أو “الملعم ” ( بتشديد اللام ) بنفسه شخصيا فبعد أن ” نظر وعبس و بصر ” أكد حزب الوحدة الشعبية أن الحجاب الإسلامي ، الذي تروج له التيارات الأصولية يعد شكلا من “أشكال التمييز على أساس الجنس”، وأنه “يعبر عن عقلية تحقر المرأة وتقلص دورها وتحط من مكانتها وهو ما يجعل منه أداة استعباد لا علاقة لها بالحريات وفلسفتها”. وجدد المكتب السياسي للحزب، في بيان رفض ما سماه “المشروع السلفي” باعتباره “مشروعا يتناقض مع أسس الفكر الجمهوري ومع المشروع التحديثي”. ودعا الأمين العام للحزب، محمد بوشيحة، إلى “التصدي للأفكار والدعاوى السلفية والتيارات التي تسعى إلى احتكار الثقافة وتوظيفها توظيفا رجعيا يعتمد الإقصاء والتهميش”، مشددا على رفض حزبه للزي “الطائفي” بوصفه “دليلا على إيديولوجيا مناهضة للحرية وبعيدة عن التفكير الحديث” إلى جانب رفضه لـ”مظاهر العرى المستهجن”. ورغم إننا شاهدنا و شاهد العالم ، الحملات القمعية و البربرية ضد المحجبات ، إلا إننا لم نسمع و لم يسمع العالم أن ” عرف ” الوحدة الشعبية الذي ليس له من الشعبية سوى الاسم الذي سمي به ، قام بنفس الحملة ضد ما وصفه بمظاهر العري المستهجن ، ولو فعل لتمت ازحته من منصبه بعد تسليط كلب من كلابه عليه عما فعل بسلفه بورقيبة . و كانت رجاء بن سلامة قد روجت لما يقوله الوحدة الشعبية و رددت عليها في حينه ، حيث ذكرت بأن تلك الاتهامات للحجاب مجرد تصورات ذهنية ، في غياب ، الضحية ، أو من يمثل الطرف المعني ، بل كان كما قلت في حينه حكما قضائيا ، لا يختلف عن الاحكام العسكرية التي تصدر في حالات الطوارئ الاستثنائية ، دون إعطاء المجني عليه حق الدفاع عن نفسه ، بل حتى حق حضور المحاكمة التي تمت في غيابه أو بالاحرى تغييبه التعسفي . وللاسف فإن كل ما قالته رجاء بن سلامة و يقوله اليوم الشعبوي اليوم و غيرهم ليس سوى تصورات شخصية تتجنى على البحث العلمي، و على الحقيقة ، و على حقوق الانسان “التي هي ليست وسيلة للدفاع عن حقوق الافراد بل صيغة للعلاقات معهم ” .
 
لقد عملت بنت سلامة و غيرها ليس على تعزيز العلاقة بين الافراد عبر حقوق الانسان، و إنما إلى تعزيز الوصاية على الافراد باسم حقوق الانسان ، و باسم المساواة ، و ليتساءل المرء هل العلاقة بين الافراد تتم بفرض راي متعجرف ، و معجب بنفسه إلى حد الهوس و ادعاء الحقيقة المطلقة وفق تصوراته الذهنية ، بل إلى حد السادية في أبشع مظاهرها ؟ و يا للعار فإن هذا هذا ما تبشرنا به رجاء بنت سلامة في أحكامها البوليسية و العسكرية . لقد تساءلت بنت سلامة عن ” كيف يمكن التوفيق بين الحجاب و المساواة ” و هنا تفترض بنت سلامة أن مفهوم الحجاب و المساواة الذي تتبناه لا يوجد غيره ، و لا توجد وجهات نظر أخرى غير التي تتبناها عن المساواة و الحجاب ، أي تصادر جميع التصورات الاخرى عن المساواة و الحجاب ، و لذلك سقطت في اشكالية السؤال ، و غرقت في وحل تصوراتها للقضية . و قد يقول قائل أن المساواة هنا ليست بين الرجل و المرأة ، لأن الجميع إلى اليوم لا يلبسون نفس اللباس ، أي يلبسون لباسا مختلفا ، و لا أعتقد أن بنت سلامة تلبس لباس الرجال ، أو تتبادل أدوار الحمل و الرضاعة مع زوجها إن كانت متزوجة أصلا . لكن المساواة في الاختيار حتى و إن كان ذلك الاختيار ” رسم للبنى العلائقية القديمة للاجساد ” بتعبيرها .
 
ولو فرضنا جدلا صحة هذا القول ، ما هو محل بنت سلامة من الاعراب إذا كانت من تلبسه تعتز بذلك . حتى و إن كان ” الشارة و الوصمة التي تميز المرأة ” كما قالت . و الحقيقة أن المرأة لها الكثير مما يميزها عن الرجل ، و أنا أدعو بنت سلامة للوقوف أمام المرآة إلى جانب رجل لترى ما يميزها ، و لتعمل لبضعة أيام في مناجم الفحم لترى ما يميزها ، و لتعمل مع عمال البناء في (البراكات) لترى ما يميزها ، و لتتوقف عن الاستخدامات النسائية مدة شهر لترى ما يميزها ، ولتذهب للشاطئ لترى ما يميزها ، فهل توقف الامر على الحجاب ؟ !!
 
وتقول ” و تذكر بأن هذه الانثى التي تعيش الآن هي نفسها الانثى القديمة ” و الحقيقة أن الانثى من حيث هي أنثى لم يتغير فيها شئ ، كما أن الرجل هو نفس الرجل القديم و كذلك المرأة من حيث المشاعر و الاحاسيس و الحب و الكره و الامل و الياس و السخط و الامتنان إلخ . أما من ناحية الوسائل و الادوات فالامر مختلف تماما . كما تقول ” الانثى التي تمثل موضوعا لمبادلات رمزية أو بضائعية بين الرجال ” و الحقيقة أن هذا الأمر لا يتعلق بالمرأة المسلمة أو الحجاب ، و إنما يعني الكثيرات ممن تحولن إلى سلع لترويج السياسات الفاسدة ، و تزيين الانظمة المتعفنة ، و ديكورات في المؤسسات المختلفة للظهور بمظهر يجلب رضا الاسياد . هذا الوضع يتعلق باستخدام المرأة لتنشيط المبيعات من خلال مفاتنها و جسدها و أنوثتها ، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة . و هذا يعني النساء منكودات الحظ في بيوت الدعارة التي لم تطالب بنت سلامة بشكل واضح و مباشر بانعتاقهن وتحريرهن من العبودية و العيش بأثدائهن . ليس ذلك فقط بل أن الدولة تعتبرهن أحد موارد الموازنة العامة للبلاد . فما هو الاولى تخليص النساء من جحيم بيوت الدعارة التي تجبي الحكومة ضرائبها وتمارس القوادة من خلالها ، أم الحجاب ؟! . و تقول ” التي ( المرأة ) تعتبر فاتنة إلى أن تتحجب ” بيد أن الحجاب كما يفهمه الكثيرون هوية . الحجاب رمز لقيم معينة تعتز بها من تقدرها ،و قبل ذلك مله أمر إلهي عند الملتزمات به مهما غرب و شرق ( بتشيد الراء ) أعداء الحجاب . أما أمثال بنت سلامة فليست فتنة في صورتها ، لكنها فتنة في ما تتخرص به على الحجاب . و تقول ” آثمة ( المرأة ) إلى أن تثبت العكس ” . والمعروف أنه ليس في الاسلام ما يعرف في ديانات أخرى ب الخطيئة الازلية ، أو بدور حواء في إغواء آدم ، بل أن القرآن يحمل آدم عليه السلام مسؤولية الخروج من الجنة ، و يبدو أن بنت سلامة كضابطة أمن ، أو ممثل إدعاء و إن كانت لا تشغل هذه المناصب رسميا ، و إنما كقاضية في محاكم التفتيش العالمانية الرسمية في تونس تخلط بين ما يكتبه الملاحدة الغربيين والشرقيين ، فتلصق ما يقوله الملاحدة في الغرب عن النصرانية بالاسلام . والانسان في الاسلام سواء كان ذكرا أو أنثى يكسب الحسنات كما يكسب السيئات بمحض إرادته و باختياره . وليس معنيا بالخطيئة الازلية التي في الاديان الاخرى . وتمضي ( و ليسمح لي القارئ ) في جهلها عندما تقول ” هل يمكن بناء المساواة على ايديولوجيا جنسية ” تجوهر” الفوارق بين النساء و الرجال و تجعل الاختلاف الجنسي لا الاشتراك في المنزلة البشرية أساسا لبناء المجتمع ” . و هي لا تعرف كما يبدو أن المنزلة البشرية و المساواة في هذا الخصوص نص عليها القرآن الكريم و اعتبر الرجل و المرأة متساويان في التكاليف . قال تعالى ” إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ” . إلا أن ثالثة الاثافي حكمها بأن الحجاب يتناقض مع المواطنة ! ” كيف يمكن التوفيق بين الحجاب و المواطنة ، والحال أن الحجاب يختزل المواطنة في الانثى ، و يختزلها في انتماء ديني أو سياسي ـ ديني ” .
 
ولست أدري إن كانت الهيستيرها التي نجدها في سؤالها ، نابعة من تفكير في جو طبيعي أو تحت تأثير ما . فهي تنفي أن تكون المواطنة تقبل إمرأة محجبة ، كما تنفي عن المواطنة أن تتضمن الانتماء إلى دين ، و بالتالي فإن بابا الفاتيكان لا يتمتع بحق المواطنة أو الام تيريزا أو بلايين المؤمنين في الشرق و الغرب يجب وفق بنت سلامة أن يعيد النظر في وضعهم داخل منظومة المواطنة التي يمكن أن نطلق عليها البنت سلامية . فلا يوجد أحد غير بنت سلامة قال بأن ” الحجاب يختزل المواطنة في الانثى ، و يختزلها في انتماء ديني أو سياسي ـ ديني ” بل إننا نجد أن بنت سلامة و النظام التونسي وهما وجها لعملة لها وجها واحدا ( و ليس وجهان لعملة واحدة ) يختزلون المواطنة في الدوران في فلك حكم الفرد الواحد و الحزب الواحد و الفكر الواحد . و تواصل اسقاطاتها ( حتى لا أقول شيئا آخر ) و أحكامها التي لا معقب لحكمها فتقول ” كيف تمكن المشاركة المشتركة الحقيقية في المجال العام عندما تكون المرأة مشطوبة ملغاة ، و عندما تجد رجالا و نساءا ، يرفضون المصافحة و الاختلاط و الخلوة … ؟ ” و هي تعلم من شطب من ؟! و هي تعلم أن الكثير من الطبيبات المحجبات و المحاميات المحجبات و المعلمات المحجبات بل الطالبات المحجبات في الكليات المختلفة و المعاهد تم شطبهن لانهن محجبات ، و منعت المرأة المحجبة من العمل لانها محجبة . أما رفض المصافحة و الاختلاط و الخلوة فهو سلوك شخصي ، نابع من القناعات الشخصية ، و هو لا يختلف عن سلوك آخر محترم مثل امتناع النباتيين عن أكل اللحوم ، أو عدم الاحتفال براس السنة ، أو عدم قبول التبرع بالدم ، لدى بعض الطوائف في الغرب ، مما تتفهمه بنت سلامة ، و لكن عندما تتحول إلى قاضية في محاكم التفتيش المعاصرة تتغير أحكامها . و تعود لقضية المواطنة مواصلة تخبطها في لجة من الافكار البائسة و تقول ” هل تكون المرأة استثناءا في عالم المواطنة ، مواطنة من نوع خاص ، حاملة لشارة خاصة ” . فلا أعرف شعبا أو أمة يرتدي رجاله أو نساءه أو كلا الجنسين زيا موحدا ، فنجد في المجتمعات الغربية الراهبات المحجبات على طريقتهن ،الذي لا يشك أحد في مواطنتهن ، ولو طرح هذا الامر في باريس أو لندن أو ايطاليا لتم اتهامه بالجنون . و في الشارع و في كافة ارجاء المعمورة نشاهد نساءا بالبسة مختلفة ، من تضع على رأسها الفولار ، و من تلبس مظلة ، و من تضع على راسها طاقية باشكال و الوان مختلفة ، أو تسير حاسرة ، و جميعهن يرتدي ملابس مختلفة الطول و العرض و الالوان ، و لم نسمع بأن هناك من طرح قضية المواطنة بالشكل الذي تتحدث عنه بنت سلامة ، و لكن القمع البوليسي و الفكري و محاكم التفتيش في تونس جعلت الحجاب استثناءا ، و تحرم المراة المحجبة من حق المواطنة لانها لبست لباسا لا يعجب بنت سلامة و من وراءها . و التي لم تتكتف بجعل الحجاب مناقض للمواطنة ، بل جعلته أيضا مناقضا للكرامة ( أي والله ) . و أمام موقف عدائي و متحامل كهذا قد يرى البعض أن يترك الانسان مواصلة الجدل مع أناس استغلوا الظروف الامنية و السياسية التي هي في صالحهم ، و التي هيأتها لهم الديكتاتورية و القمع المسلط على الاسلام في تونس ، دون أن يكون لاهله الحقيقييين حق الدفاع عنه إلا عبر مثل هذه المنابر . نقول إن الكرامة لا تمنحها الديكتاتورية و لا أزلامها من أمثال بنت سلامة ، الكرامة أن لا يمتهن الانسان تحت أي مسمى ، أن لا يقمع بسبب أفكاره و مواقفه حتى و إن صدمت قتاعات الآخرين ، الكرامة أن يعيش الانسان في وطن لا يشعر فيه بالخوف بسبب أفكاره ، و أن ينتخب فيه حكومته بحرية و بدون تزوير ، الكرامة أن يشعر الانسان بالامن الفكري و السياسي و الغذائي و أنه حر في اختيار ما يأكل ، و ما يلبس ، و ما يقرأ ، و ما يشاهد ، و ما يقول في حدود لا تمس حرية الآخرين و اختياراتهم المختلفة ، خاصة أولئك الذين يعتقدون أن كرامتهم لا تتحقق إلا إذا كانوا أحرارا في اختيار ما يريدون مما ذكرنا آنفا . لقد قالت أن ” الكرامة أهلية و مسؤولية و الحجاب ردع لا مسؤولية ” و هي بذلك تضع الكرامة في حزانة السلطان ، فلا تمنح إلا لمن كسب الاهلية ، و عرف حق المسؤولية وفق تصور السلطان ، أو محاكم التفتيش التي تمثلها ، إنه تصور ديكتاتوري لم نشاهد له مثيلا في التاريخ . أما كون الحجاب ” ردع لا مسؤولية ” فهو حكم يناقضه الواقع فاللاتي اخترن الحجاب ، اخترنه بمحض الارادة و المسؤولية الملقاة على عواتقهن من فوق سبع سموات ” قفوهم إنهم مسؤولون ” إن المسلمات الملتزمات بالحجاب ، فعلن ذلك لأنهن أدركن أن الحجاب فرض ديني ، يحقق ذواتهن ، و يشعرهن بالانسجام مع أنفسهن ، لم يفكرن فيه ، كما تظن بنت سلامة ، فهي ترى فيه قمعا ، ويرين فيه تحررا ، ترى فيه ماضوية ، و يرين فيه هوية ، ترى فيه قيدا و يرين فيه تاجا ، تريد أن تفرض تصورها و هن يناضلن من أجل البقاء . و البقاء للاصلح و ليس للقمع .
 
و لا أريد أن أقف عند هذا الحد في الرد على بنت سلامة من وراء الحدود بعد أن حرمنا الرد من داخل منابر معسكرات الاعتقال الكبيرة في تونس ، فهي تتحدث عن التحكم في الغرائز ، و هي تعلم أن من تتحدث عنهم أبعد الناس عن الجري وراء غرائزهم ، و هي تعلم أن الذي لا يتحكم في غرائزه هم أولئك الوزراء الذين لديهم غرف نوم في مكاتبهم لاستقبال المتحررات ، وأولئك الذين حولوا حرم الجامعة في تونس إلى سلوكيات بويهيمية ، و أولئك الذين جعلوا من المشاركة المختلطة بين النساء والرجال في المؤتمرات الدولية و البعثات الخارجية فرصة للخيانة الزوجية و مأخورا للغرائز . فعلى من تكذبين يا بنت سلامة ؟ !!
 
لقد سألت ” ألا يفترض الداعون للحجاب في المرأة و الرجل هشاشة مطلقة و عجزا عن التحكم في الغرائز ” و رغم الاجابة السابقة فإني مضطر لاعادة القول بأن الحجاب أمر إلهي في المقام الاول ، ومظهر حضاري و تعبير ثقافي عن هوية و قيم يعتز بها أصحابها ، لكنهم لا يفرضون تصوراتهم وقناعاتهم على أحد . و ليس الحجاب ” حاجزا ماديا يدل على غياب الحواجز العقلية و القيمية لدى الرجل و المرأة ” فهذا ما يمكن أن يتصوره إلا كل متعصب ضد الحجاب لا يرى فيه سوى تعبيرات تعكس ما استقر في الباطن من أفكار مسبقة ، دون محاولة للاقتراب من الداعين له لمعرفة الاجابة على تلك الاسئلة ، لان معرفة الشئ جزء من تصوره ، و لأن المعرفة بالحجاب كما يبدو معدومة لدى بنت سلامة فهي قد ركنت إلى ما استقر في ذهنها من أفكار مسبقة أو معلبة و جاهزة عن الحالة المعالجة ، و لذلك أجابت عن تساؤلاتها بأجوبة من جنس الاتهامات التي لا تمت لواقع و حقيقة الحجاب بصلة . وانطلاقا من تلك التصورات المضللة وضعت اسفينا بين الحجاب و الحرية و الحجاب و المساواة ، و التي نفهمها على أنها مساواة الحقوق المدنية بما فيها حق التفكير و السلوك الذي لا يضار أحد . و لا ندري كيف اكتشفت بنت سلامة أن الحجاب يتعارض مع المساواة بل و مع الكرامة في وقت تجد فيه ملايين النساء في العالم ، أن الحجاب يشعرهن بالانتماء ، و الراحة النفسية ، والانسجام مع الذات ، و منهن أوروبيات و أمريكيات و استراليات فهل فقدن مواصفات المواطنة والكرامة و المساواة ، لان بنت سلامة التي لم يجد الدهر بمثلها رأت ذلك . لقد عبرت بنت سلامة وبعدوانية مقيتة عن الاسس الفكرية التي تنطلق منها في جلدها للحجاب و المسلمين عموما بل للاسلام ذاته و القرآن الذي أمر بالحجاب ، و لأثبت أني لم أظلمها عندما عنونت هذا الرد ب ” محاكم التفتيش التونسية تواصل جلد الحجاب في معسكرات الاعتقال العالمانية ” لنقرا جميعا هذا المقطع من كلامها ” لسنا من أنصار الحلول الأمنية الصامتة لمشكلة الحجاب و لكل المشاكل و الدليل على ذلك اجتماعنا هنا للحديث و النقاش ” و لنلاحظ إشارتها للحلول الأمنية الصامتة ، فإضافة صامتة تنسف كل ما يمكن أن يؤدي إلى فهم أنها فعلا ضد الحلول الأمنية ، فهي ضد الحلول الامنية الصامتة ، و لكن مع الحلول الامنية الصارخة كالتي تطرحها في هيستيريا مقيتة ، فذلك الاجتماع الذي أشارت إليه هو اجتماع أمني صارخ ، إنه ارهاب فكري ، حتى أنها ترى في محاربة الحجاب مساواة ، و تعتبرأن هناك ” مغالطة (ولكنها من نوعية خاصة ) اخلاقية تكمن في أسقاط المساواة عند المطالبة بالحرية ” . فهي التي فصلت المساواة على مقاسها ، و اتخذت من الحرية متراسها ، و رأت أن هناك مغالطة ! و هناك “شطبا للجسد ” و لانها قررت أن الحجاب شطبا للجسد فهي تتسأل تبعا لذلك ” إذا كان الحجاب شطبا للجسد ، كيف ندافع عن حرية المرأة في شطب نفسها ” فهي تكتب الكلمات ثم تلحنها ثم تغنيها ، ثم تصفق لنفسها . و الحقيقة أن الحجاب رمز لاشياء تفتقدها الكثيرات من أعدائه ، ثم ماذا لو كانت كل تلك الاوصاف التي ذكرتها عن الحجاب ، قالها أشخاص آخرون عن لباس بنت سلامة و مثيلاتها وهي كذلك ، و حاول فرض تصوراتهم تلك من نفس المنطلق ، و قالوا أن السفور قيد على المرأة ، وهو شكل من أشكال العبودية لشركات صناعة الملابس و الموضة و ما إلى ذلك .
 
أخيرا أريد أن نقول لبنت سلامة و من على شاكلتها إنكم تحاربون الحجاب لا لانه قديم ، و ضد الحرية و المساواة ، وحاجز عقلي ، و كل ما تتقعرون به ، بل لان الحجاب اعلان افلاس لكل التصورات التي سادت على مدى عقود طويلة . لأنكم ترون فيه احتجاجا على كل مظاهر التسيب و الضياع الذي تعيشه مجتمعاتنا. لانكم ترونه تهديدا حضاريا و سياسيا و قيميا يهدد كل ما تخططون له لايقاع الامة في شباك التغريب . لانه يجسد الفضيلة التي تحاربونها و قيم الاسلام الذي تكرهونه و تريدونه أن يموت ، ويصبح دفين الكتب ، حتى الكتب تحاربونها ، خدمة للاستعمار الذي يمول الكثير من نشاطاتكم ، ويغض الطرف عن قمعكم و استبدادكم و خيانتكم لثقافتكم و شعبكم . لو كان الحجاب ضرر على كل من تلبسه لفرحتم وصفقتم ، و لو كان الحجاب قيدا لرضيتم ، و ما أكثر القيود التي تكبلون بها الشعب في كل مجال ، و لكنه صرخة حرية في وجه ظلمكم و قيودكم الفكرية و السياسية . كل هذا الصراخ و التقعر و الاصرار على ضرب الحجاب يدل بما لا يدع مجالا للشك انكم تهابونه و تخافونه ، و يزعجكم انتشاره و لذلك تحاولون بكل الطرق و الوسائل البوليسية و الارهاب الفكري ( الحلول الامنية الصارخة ) القضاء عليه بعد أن فشلت الحلول الامنية ( الصامتة ) من نزعه من القلوب . قولوها بصراحة و بدون مواربة إنكم تريدون القضاء على هذا الدين . حتى الامتناع عن المصافحة والاختلاط يقلقكم ، تريدون القضاء على ما تبقى من حشمة و عفة ، و تتحدثون عن السيطرة على الغرائز . تريدوننا أن نكون مسخا و صورة مشوهة لمجتمعات أخرى . تريدوننا أن نفقد كل شئ حتى كرامتنا التي اعتبرتموها اثقالا و أوزارا و قيودا .
 
(*) كاتب و صحافي تونسي

 

تونس ومعركة الحجاب: لقد فعلها الحزب السري!

مرسل الكسيبي (*)
 
كتب صديقنا وزميلنا صلاح الدين الجورشي بتاريخ 20 أكتوبر 2006, تقريرا جميلا وعميقا عن خلفيات العودة بتونس الى معركة الحجاب, بعد أن كانت توقعات المراقبين والملاحظين تسير باتجاه سياسي معاكس: “تبدو البلاد وكأنها تتّـجه نحو مُـواجهة. فجأة توقّـفت كل المؤشرات التي كانت تُـوحي ضِـمنيا باحتمال تسوية عدد من الملفات السياسية العالقة، وإذا بالسلطة تقوم بعملية فرملة فجئية وحادة، وتقرّر الدخول في معركة ضدّ ظاهرة ثقافية اجتماعية، من خلال محاولة تجنيد الجميع للتصدي “للمتحجبات” اللاتي ملأن الفضاءات العامة ومؤسسات التعليم بالخصوص، بعد أن خاض النظام معركة حامية من “أجل تجفيف منابع التطرف الديني”. والسؤال الذي يتردّد في جميع الأوساط: لماذا هذه الحملة؟ ولماذا الآن؟”

 

بهذه الفقرة وبهذين السؤالين افتتح زميلنا الجورشي تقريره المعنون “تونس :ضد المحجبات أم حجب للملفات المعلقة؟”,غير أن الجواب يبقى محل نقاش سياسي وفكري قد يلامس بعضا من خيوط الحقيقة وقد يداعب أجفانها وقد لا ينفذ الى أعماق أسرارها التي تخفى على كثير من المراقبين والمحللين في ظل غياب كثير من المعطيات.
قبل أسابيع قليلة كان النقاش السياسي في تونس متمحورا حول امكانيات ترتيب قواعد جديدة للبيت السياسي على أرضية من الوفاق الوطني,ولعله لم يكن خافيا على الجميع أن بدايات تواصل بين جهات سياسية عليا وبين عناصر قريبة من تيار الاعتدال الاسلامي كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق بعض النتائج الأولية في مسار مصالحة وطنية شاقة ومحفوفة بالأشواك.
لقد نقلت السلطة في أعلى هرمها رسائل ايجابية كانت توحي بأن عيد الفطر المبارك كان سيحمل معه خطوات عملية على طريق الانفراج وخاصة في ملف معتقلي الرأي في تونس.

 

وفي خضم رسائل ايجابية من الطرف المقابل ولو بشكل غير مباشر ورسمي,كانت أجواء مشحونة بالقلق والتوتر تخيم على بعض أطراف المعارضة تجاه ما سماه أحد أقطابها البارزين بتنزيل لسقف المطلبية السياسية,وبالتوازي استعجل البعض أمره من داخل التيار الاسلامي من أجل شن هجوم قاسي ولاذع على ما رأى فيه بحسب تقديراته هدية للسلطة دون أي مبرر…
وفي تطور دراماتيكي وبعد أن وصلت الرسالة “بين أيادي أمينة” كما نقل طرف قريب جدا من أعلى هرم السلطة, فوجئت بعض الجهات بحسب ما بلغنا رسميا بخطاب ذي سقف عالي تحدث به الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة على شاشة الحوار التي تبث برامجها من عاصمة الضباب لندن.
بعد ذلك بأيام قليلة تسارعت أحداث التراجيديا السياسية في تونس وانطلقت الحملة الشعواء على المحجبات,بعد أن مهد اليها بعض رموز اليسار التونسي القريب من الحكم الطريق على صفحات الصباح التونسية وربما صحف أخرى,لتشهد كرة الثلج بعيدها تدحرجا غير مسبوق أدى الى تجند كل أعضاء الديوان السياسي لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي بما في ذلك أبرز وزراء الدولة من أجل التحريض والافتاء في قضية كان من الحكمة تركها لقناعات الأفراد وعمق انتماءاتهم الدينية المحضة .

 

وعودة الى الوراء كنت قد تحدثت في مقالين سابقين نشرا على صحيفة الوسط التونسية عن الحزب السري الذي اختطف التجمع,وعن تونس التي يشكل فيها هذا الحزب المخترق لأجهزة الدولة وخاصة حزبها الحاكم عقبة كؤودا في وجه أي اصلاح…
لم يكن هذان المقالان عفويان في مثل هذا التوقيت ,بل كانا مقالين هادفين أرادا التلميح الى أن توقيت الحملة ضد الحجاب كان مقصودا ومرتبا من هذه الجهات التي تشكل دولة داخل الدولة,غير أنني لم أفسر فيهما تحديدا لماذا تم اختيار موضوع الحجاب دون غيره لدق اسفين في مابين الطرفين الأقوى امتدادا جماهيريا بالبلاد -المقصود بذلك حزب التجمع وتيار الوسطية الاسلامية.
 
كانت تونس قبل أسابيع قلائل على موعد مع الذكرى الخمسين لاصدار مجلة الأحوال الشخصية,وانطلقت بعض الأصوات اليسارية في هذه الذكرى من أجل المطالبة بالمساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الميراث,غير أن الاختبار سرعان ماباء بالفشل حين اصطدم بكوادر تجمعية عليا تشكل مركز القرار ,رأت فيه هذه الأخيرة تصادما مع مصالح مادية وسياسية لم يتجرأ الزعيم الراحل بورقيبة على المساس بها.
 
جاء الجواب يومها على شاشة التلفزيون التونسي وعلى صفحات الصباح بأن ميراث تونس البلد العربي الاسلامي لايقبل بتغيير نصوص شرعية ثابتة…
نفس هذه النصوص الشرعية التي تحجج بها الرسميون,أصبحت من قبيل النسي المنسي حين تعلق الأمر باندلاع نيران معركة الحجاب في تونس,والتي تحين توقيتها بذكاء الحزب السري الماسك بتلابيب قصر قرطاج الى الدرجة التي أصبح القصر يعج بالقيل والقال والأحابيك والحيل السياسية التي تستهدف الحيلولة دون تقارب بين مؤسسة الرئاسة وشخص رئيس الجمهورية وبين أي وجه حركي من وجوه تيار العروبة والاسلام.
نجحت الأحبوكة هذه المرة وذلك بحكم دراية الحزب السري بما يستسيغه شخص رئيس الجمهورية ومالايستسيغه,ولعل لعب البعض على التناقضات القديمة التي تشق الحزب الحاكم تجاه قضايا الهوية والعلاقة بين الدين والحياة ثم نفخ البعض في كير الحفاظ على المكاسب البورقيبية على اعتبار أن مشروع الدولة التونسية الحديثة هو مشروع التواصل مع طروحات الزعيم الذي باتت بنات افكاره تحكم البلد حتى بعد مماته.
تحول نفوذ الحزب السري في تونس الى وصي على الأتاتوركية الجديدة ,بعد أن بدأ النفخ في روح الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة يخرج من طور النقد السياسي الهادف الى طور التعظيم الجارف,ومن ثمة وجدت الدولة التونسية الحديثة نفسها اسيرة لمخاوف وهواجس القصر الذي مازال يعيش على فزاعة سنوات بداية التسعينات.

 

سنوات التسعينات التي ظن التونسيون أنهم قد قطعوا معها الى غير رجعة ,أصبحت مع اشعال الحزب السري لفتيل معركة الحجاب كابوسا يراد له ان يخيم على البلاد من جديد,غير أن أساطنة الحزب السري المتناثرين داخل قرطاج وحواليها نسوا في خضم مشاعر الزهو بالنجاح في توريط الدولة في مواجهة جديدة بأن الظاهرة الاسلامية لم تعد ملكا نهضويا خاصا,بل انها أصبحت ملكا وطنيا وجماهيريا يسري في عروق دماء أجيال جديدة باتت تبحث عن نفسها في ظل شعور قاسي بمخاطر زحف العولمة.

 

نسي الحزب السري بأن الظرف أصبح مختلفا عن ظرف بداية التسعينات,ففي تلكم المرحلة لم تكن ثمة انترنيت ولافضائيات ولا ثورة اتصالات ,وكان من الممكن مع قطع الخطوط الهاتفية أوتشويشها عزل التونسيين عن محيطهم الخارجي والدولي ومن ثمة ممارسة ألوان من القمع خارج سياق التاريخ.
وفي غفلة من عمق التفكير والتنظير نسي الحزب السري المذكور بأن الظرف الدولي لم يعد يحتمل بعد عقد ونصف من مواجهات سئمها أبرز أصدقاء تونس الغربيين,عودة بالبلاد الى مربع المواجهة الأمنية والسياسية المفتوحة.
واذا تجاهل أساقفة وكرادلة الحزب المذكور مثل هذه الحقائق وأقدم على قرار باعادة البلاد الى مربعها الأول , فان تونس ستكون على أبواب تغيير سياسي كبير وحتمي.
والأيام بيننا حكم في ذلك,وكان الله في عون تونس والتونسيين…
 
(*) كاتب وإعلامي تونسي مقيم بألمانيا لمراسلة الكاتب : reporteur2005@yahoo.de
 
(المصدر: صحيفة “الوسط التونسية” بتاريخ 21 أكتوبر 2006) الموقع:  http://www.tunisalwasat.com


 

بسم الله الرحمان الرحيم

و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين

                                                                                                                    تونس في 21 أكتوبر 2006

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري                                

كاتب عام جمعية الوفاء

الرسالة

148 على موقع تونس نيوز موقع الحرية و الديمقراطية

الحجاب جزء من الشخصية الوطنية و الهوية و إرتدائه ميزة إسلامية بحتة و من خصائص أمة القرآن

الحلقة الثالثة :

إضطررت للعودة إلى قضية الحجاب بعد أن خصصت إليها مقالين يومي 12 و 14 أكتوبر الجاري 2006 نشرتهم بموقع الحرية و الديمقراطية موقع تونس نيوز و اليوم أعود للحديث عن الموضوع بعد أن طالعت عديد المقالات بالصحف اليومية هذه الأيام كلها متحاملة على رمز الشخصية التونسية و الهوية العربية و رمز الحياء و الحشمة و شخصية المرأة المسلمة المتمسكة بدينها و أخلاق القرآن الكريم و المحافظة على قيم الإسلام و تعاليمه السمحة و شرّع الله و كتابه العزيز و قد ذكرت في المقالين السابقين الآيتين الواردتين في كتاب الله في سورتي النور و الأحزاب بمناسبة الرد و التعقيب على الدكتورة إقبال الغربي الدكتورة بجامعة الزيتونة و بدون تعليق قلت إطلعت على بعض المقالات الصادرة بالصحف الوطنية حول قضية الحجاب و ما ذهب إليه اصحاب النظريات التحديثية و شطارة مداخلاتهم و إستشهاد أحدهم بما قام به المصلح الزعيم الحبيب بورقيبة في مجلة الأحوال الشخصية وتطويره للحداثة… و نوها صاحبنا بدور الزعيم بورقيبة في إطار الحداثة و مجلة الأحوال الشخصية … هذا الشاطر الكاتب غريب الاطوار و المتقلب في المواقف و الافكار صادف يوم 29 جانفي 2005 أن حضرت منبر حوار لمناقشة كتاب لطفي الحجي

بورقيبة و الإسلام الزعامة و الإمامة

و كان الدكتور عياض بن عاشور نجل العلامة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور هو المقدّم للكتاب و قد فتح باب الحوار و النقاش حول فصول الكتاب و تكلم صاحبنا غريب الاطوار بدأ متحاملا ناكرا جاحدا حاقدا على الزعيم بورقيبة ووصفه في بداية حديثه بنعت لم اسمح لنفسي بإعادة ذكر قوله…لأنه نعت لا يليق بزعيم عملاق إسمه الحبيب بورقيبة و من شدّة إنفعالي الشديد يومها قمت في مكاني و طالبت من رئيس الجلسة الدكتور عياض بن عاشور سحب كلمة هذا المتقلب غريب الأطوار و قلت كلاما يومها سيبقى للتاريخ مع الإنفعال الشديد

هذا الشخص اليوم لحاجة في نفس يعقوب ليجعل لمقاله شرعية يصبح يشيد بمواقف بورقيبة سبحان الله مبدّل الأحوال من رجل متنكر للزعيم بالأمس إلى رجل مادحا منوها بخصاله تلك هي الشطارة التحديثية و المثل يقول أي نوليو شرفة قال كبيرهم حتى يموتوا كبار الحومة

الناس تعرف بعضها و يعرفون ماضي كل إنسان و مواقفه في الجامعة و في صفوف الطلبة و حتى بالامس القريب في التلفزة المستقلة و إسمها المستقلة لصاحبها الحامدي كان صاحبنا يتحفنا بمراسلاته الاسبوعية لقناة المستقلة و بعدها إنقلب و قلب الفيستة و اصبح فارس اليوم الإعلامي الناطق شبه المفوّض و تحسنت الحالة المادية كثيرا … و بدون تعليق و اصبح يجلس في مقاهي سعر فنجان القهوة بخمسة دنانير أي أكثر من منحة المقاوم و المناضل حيث هذا الصنف يتقاضي 140 دينار شهريا أي 4600 مليم يوميا أقل من ثمن فنجال قهوة صاحبنا

و أكرر ما قاله المحامي الأستاذ فاضل الحميدي في قصة إسلام اليهودي الذي دخل الجنة دون صيام رمضان في أوسو و لم يصلي في جوف الليل في الليالي السود

أعود إلى الموضوع قالوا أنّ الحجاب نشاز و دخيل و قالو هو زي طائفي و قالوا غريب على بلادنا و قالوا هناك إتجاهات و راء هذه الظاهرة و قالوا و قالوا … و تجاهلوا أنّ نسبة 90 بالمائة من النساء و الفتيات اللاتي هداهنّ الله و قذف في قلوبهنّ النور الإيمان و الهداية الربانية و نور الإسلام و الرجوع إلى الفضيلة و الفضل لله سبحانه و تعالى يهدي من يشاء و يظلّ من يشاء صدق الله العظيم و كما أشرت بأنّ نسبة 90 بالمائة من المرتدين للحجاب و الثياب المحتشم هنّ من مختلف الفآة الإجتماعية و كل الشرائح من اسر غنية و شخصيات كبيرة و غيرهم

الصحوة الإسلامية لها اسبابها و رجالها أهل الفضل و الفضيلة و قنوات الخير و السعادة و الإصلاح

و ليس هناك بنسبة 90 بالمائة كما قلت أي تنظيم سياسي أو ديني أو جمعيات أو أناس وراء هذه الصحوة الإسلامية ما عدى تاثير العلماء و الداعية و قنوات الخير و الإصلاح و الفلاح إذا نقول لأصحاب المقالات و المتحاملين على هذه الظاهرة و الصحوة الكبرى مثلها مثل صحوة الشباب للعودة إلى طريق الحق و طريق الهداية الطريق الصحيح و الفلاح و النور و هؤلاء تركوا اللهو و الغناء و الرقص و التسكع و الإنحلال الأخلاقي و مضايقة الفتيات و كل مظاهر الإنحراف الأخلاقي و عادوا إلى الله و إلى الصلاة و الإستقامة ووجدوا و الحمد للله راحة نفسية و سكينة و خشوع و خوف من الله و اصبحوا شبان يدعون إلى الفضيلة بعد ان كانوا غاطسين في الرذيلة و بعضهم ليلة راس السنة الميلادية يعود في صندوق إلى أهله و كم من فتاة عادت في صندوق من مدينة الحمامات بدون تعليق … 

هذه حقائق يدركها كل عاقل صادق رصين و كل وطني غيور يحب الحق و الفضيلة

قلت أنّ الحجاب ليس بدافع تنظيمات ذهبت أو توقعات خيالية أو نية القصد منها الإبتعاد على الفضيلة حتى أنّ أحدهم دعا إلى الإختلاط و المصافحة و السفور و قال أحدهم متوجها للنساء و الفتيات أكشفوا و إخلعوا ثوبكم و أكشفوا على وجوهكم لإبراز جمالكنّ … بهذه العبارة أبرزن جمالكنّ للعامة لكل من هبّ و دبّ فأنتنّ بضاعة رخيصة … للمتعة كعهد الجاهلية قال الله تعالى : أفحكم الجاهلية يبغون صدق الله العظيم

هذا مع الملاحظ أنّ هداية الله و نوره لا يستطيع احد أن يقف و رائها أو يحاربها و قال عزّ من قائل يريدون أن يطفأ نور الله بأفواههم و الله متم نوره و لو كره الكافرون صدق الله العظيم

و علمنا أنّ نور الله قذفه حتى في بنات الشخصيات و هذا فضل من الله و بعضهنّ تمسك بالحجاب و الحياء بعد آداء فريضة الحج و العمرة و منهنّ نجلة رئيسنا حفظها الله و رعاها و جعلها قدوة صالحة و كثّر الله من بناتنا الصالحات المحتشمات

و قد سمعنا يوم 11 اكتوبر 2006 على شاشة التلفزة فحوى مقابلة الرئيس لوزير الشؤون الدينية و سمعنا أنّ الرئيس حريص على الحياء و الحشمة و التمسك بهذا المبدا العظيم. كما دعا إلى المحافظة على هويتنا و لباسنا التونسي و هوية شعبنا في لباس وطني أعني الحشمة و الحياء و اللباس المحتشم و تغطية الراس و الجسم هذه اصالتنا التونسية هذا هو الذي سمعناه يوم 11 أكتوبر 2006 لماذا فرسان اقلام اليوم تركوا فحوى المقابلة و صمتوا على كلمة الحياء و الحشمة و الهوية التونسية و تجاهلوا هذا التأكيد الرئاسي و هرولوا إلى مهاجمة الحجاب و الحياء أي هم في واد و الرئيس في واد وإذا كان خبر يوم 11 أكتوبر 2006 كما فهمته و فهمه الشعب التونسي…فهذا  لا يعلمه إلا أصحاب المقالات و الراسخون في العلم و أخيرا اقول لو يبادر سيادة الرئيس بالإدلاء بكلمة توضيحية يؤكد فيها حرص الحكومة و العهد الجديد على إرساء الحياء و الحشمة و التمسك بهوية شعبنا و اللباس التقليدي المستور و يدعو المرأة للحياء و الحشمة و ترك الموضة و العراء و الكشف على البطن و الصرّة و الأماكن المكشوفة و المفاتن و الرقص و الغناء في التلفزة و برنامج دليلك ملك برنامج التهريج و العراء و اللقطات المتكررة  للمنشط سامي الفهري لتقبيل الفتيات الجميلات العاريات الكاشفات على كل شىء أمام 10 ملايين من التونسيين و حتى آباء و امهات و إخوان الفتيات ينتظرون و يشاهدون أفعال هذا المنشط لو يتم ذلك ماذا يكتبون بعدها أصحاب التحامل اليوم و بدون تعليق

قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله و قولو ا قولا سديدا صدق الله العظيم

ملاحظة :  إنّ التوقيت الذي وقع إختياره لموضوع الحجاب توقيت غير دقيق حيث أنّ شهر الصيام و العبادة الشعيرة الدينية في هذا الشهر تسمى النفوس و تتطهر القلوب و يعود الإنسان خاشعا إلى ربه لا متهكما على حدوده. قال تعالى : فلنصبرنّ على ما آذيتمونا و على الله فليتوكل المتوكلون صدق الله العظيم

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري                             

كاتب عام جمعية الوفاء


كلمة قبل العيد

كتبها عبدالحميد العدّاسي
 
تقول النكتة التونسية، الخارجة من رحم الأوضاع السائدة في البلاد، أنّ معلّما طلب من تلميذ كتابة حرف ألف (أ) فامتنع هذا التلميذ محتميا في ذلك بعدم المعرفة، ما أغضب المعلّم كثيرا إلى درجة أنّه قام بضربه ضربا مبرحا. فلمّا سأله أترابه عن هذا التصرّف ” الغبيّ ” وعن هذا الامتناع غير المبرّر، أجابهم: لو أجبته إلى كتابة هذا الحرف لطلب منّي كتابة حرف آخر وأنتم تعلمون كم حرف بقي. فخيّرت قطع السبيل عليه من بداية الطريق!…
 
رأيت في تصدّي ” التنويريين ” و ” المغيّرين ” ومحاربتهم للّباس الشرعي المنصوص عليه كتابا وسنّة وإجماعا بين المسلمين، إقتداء بتصرّف هذا التلميذ، الرّافض للتعلّم، وذلك من حيث افتراضهم كما جاء في ” البعد الآخر ” من أنّ القضيّة لا تتوقّف عند لبس الحجاب ” الزي الطائفي ” وإنّما سوف تتعدّاه إلى أمور أخرى، منعُها لا يكون إلاّ بمنع الحجاب. أي بعبارة أخرى فإنّ الاعتراف باللّباس الشرعي (ويقابل في النكتة أعلاه حرف الألف) (*)، قد يسبّب لنا مصائب تتمثّل بالاعتراف بما جاء به الشرع المحارِب عندهم للحداثة. وعليه فلا بأس من أن نتعرّض لانتقادات الشرق والغرب والمسلم والمسيحي واليهودي واللاّديني ( ويقابل هذا الضرب المبرح الذي ناله التلميذ في النكتة أعلاه ) مقابل الحفاظ على مكتسبات سياسة التجهيل والتغيير في البلاد…
 
وقد بدأ صاحب البعد الآخر – وهو يرى ما لا يراه الآخرون في أبعادهم العادية – في مقال ظهر على صفحات تونس نيوز الغرّاء بتاريخ 19 أكتوبر 2006، بالحديث عن بعض تلك الأمور التي تشغل باله وبال من تعاهدوا معه على إنفاذ مشروع التنوير والتحديث، حيث حصرها في تعدّد الزوجات وعدم الاختلاط في المدارس والجامعات والمواقع العمومية وفي رجم الزاني وشنق القتلة وقطع يد السارق، مؤكّدا في كلّ ذلك على أنّ اعتبار اللّباس من الحرّيات الفردية قد تجرّئ الآخر من ” أهل الطائفة الأخرى ” على اعتبار هذه الأمور من الحرّيات أيضا أو هي من ضروب التأسّي بالسلف الصالح ( يقول ذلك استهزاء، ومن استهزأ استُهوِئ به لا محالة )، فينتهوا بذلك إلى نسف كلّ المكاسب التحديثية…
 
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ المواضيع المثارة كلّها ( باستثناء تعدّد الزوجات ) (**)، هي مواضيع مؤرّقة للمفسدين من التنويريين والمغيّرين: فشذوذهم يمنعهم من الدّراسة مثلا أو العمل في مكان لا يوجد فيه الجنس الآخر رغم علمهم بأنّ بعض شركات النقل في العالم ( من غير بلاد الإسلام ) مثلا قد جعلت وسائل نقل خاصّة بالنّساء، دون أن يثير ذلك مشكلة أو تدخّلات أمنية متخلّفة. وقد كثر الزّنا في البلاد التونسية وكثر من ورائه اللقطاء الذين قد تكون تقدّمت ببعضهم السنّ فمكّنتهم من العمل في بعض دواليب دولة التغيير، وكثرت الأمراض الخبيثة، ما يجعل الزّناة يتحوّطون كثيرا لإمكانية الرّجوع إلى ما كان عليه المجتمع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأمّا القتلة فقد ملأوا علينا الأرجاء: قتلونا بالسجون وفيها من أجل آرائنا … قتلونا في المدارس والمصانع والمؤسّسات من أجل لباسنا… قتلونا في الشوارع وفي وسائل النقل من أجل هاتف نقّال أو سلسلة ذهبية أو شيء تافه من الدنيا زائل… قتلونا في حضارتنا من أجل ديننا وتوجّهاتنا… قتلونا في بلادنا من أجل نشر مفاسدهم وبوائقهم فخشوا يوم الحساب فأبغضوا المشانق ولم يفكّروا أبدا بازالتها أو اجتناب ما يقرّب إليها. على أنّ السارق قد يُعفى من القطع في حكم الإسلام إن لم يوفّر له الحاكم المسلم ما يصرف عنه التفكير بالسرقة، ولكنّ صاحب البعد الآخر – وهو يخشى القطع – يلمّح إلى الخطر الذي قد يتهدّد قومه من التنويريين والمغيّرين ممّن سرق كلّ شيء بما في ذلك البسمة من أعالى شفاه أطفالنا أيّام العيد، فهل يكفي معهم القطع؟! اللهمّ لا، ولكن هل يُقطع سارقهم إن تمكّن منه المظلومون؟! أحسب أنّه لا، سيّما وقد رأينا بعض أسود تونس من أمثال الهاروني والمكّي وغيرهما من الأحرار (***) يغطّون بعفوهم الكريم حقد وبغض المغيّرين في تونس…
 
الغريب في الأمر أنّ تونس قد ” نُوّرت ” وتغيّرت وأحدِث فيه بانتهاج واتّباع سياسة المراحل التي توخّاها باعث تونس ومحرّر المرأة الزّعيم المجاهد الأكبر عميد رؤساء العرب وعميد المحامين والقائد الأعلى للقوّات المسلّحة ( لا بدّ أن أنقطع عند ذكر الألقاب فأذان المغرب على الأبواب ) وعصابته ممّن فرّخوا لنا هذا الرّهط. حتّى إذا وصلوا إلى غاياتهم النّتنة توجّسوا خيفة من سياسة المراحل فحاربوها… ولكنّ الذي لا غرابة فيه هو أنّ الجزاء سوف يكون من جنس العمل، ومشاهد ذلك كثيرة وتحيط بنا من كلّ جانب… فلينتظر الظالم والمحدث والمغيّر إذن نهايته المحتومة التي لن تتأخّر بإذن الله، خاصّة وقد تطاولت أعناقهم هذه المرّة فبادروا بمحاربة الله الجبّار القاصم في شهر جعل الصيام فيه له، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون… كما أنّ اليقين في الله بتغيير الحال كبير وثابت، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. وتقبّل الله من الصائمين الصيام والقيام، وكلّ عام والجميع بخير وعيدكم مبارك آمن من تدخّلات محاربي البسمة والفرحة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*): كتب بعضهم معبّرا عن خوفه من استعمال لفظ اللّباس الشرعي، خشية أن يوصف اللباس الآخر بغير الشرعي. والحقيقة أنّ هناك شرعي وغير شرعي كما أنّ هناك ما هو قانوني وغير قانوني. الغريب أنّ النّاس يقبلون بأن يفرض عليهم الحاكم الظالم أشياء وإن لم تكن قانونية ( كمنع الحجاب مثلا ) ولا يقبلون مجرّد الاعتراف بالصيغ المحدّدة للجوانب الفقهية… فما لم يكن شرعيا كان غير شرعيّ، غير أنّ ذلك لا يوجب – في باب اللّباس – حدّا كما يخشى ” المنوّرون “، حسب علمي. ولكن يبقى أنّ المسلمة ( والمسلم كذلك ) لا تأتي إلاّ ما كان شرعيّا. (**): لم يخل مقال من مقالات المحْدثين في البلاد من الحديث عن الخشية من عودة ” فكرة ” تعدّد الزوجات، متّهمين الإسلاميين برغبتهم في ذلك. الواقع أنّ أكثر النساء في تونس تمنّعا عن التعدّد هنّ الإسلاميات من حاملات ” الزيّ الطائفي “. هذا من ناحية. وأمّا من ناحية أخرى فإنّ الظروف العامّة ومنها خاصّة الظرف الإقتصادي لا تبيح ذلك. على أنّ الحديث عن التعدّد في إطار الشرعية – إن حدث – يظلّ أشرف وأنفع وأجدى من الحديث عن الخليلات وعن المواخير التي يرتادها المُحْدثون دون حرج… (***): كلمة الأحرار أوالحرائر صارت غير مستساغة لدى غيرهم من المحدثين. ولذلك تراهم (المحدثين) يهاجمونك ويتّهمونك بتصنيف النّاس في المجتمع ما قد يحدث بينهم الحزازات ويشيع التنابز…يرفضون الكلمة خاصّة في خضمّ الجدل القائم حول بينهم وبين المدافعين عن الحجاب الذي أسموه ” الزي الطائفي “…

    بـــــلاغ  تـفتيـــش   
  “فلة” و “الكاباس”
ضاقت عليّ الأرض بما رحبت بعد أن تقدم بي العمر وأنا من غير عمل…. بعض أترابي ممن لم يتم دراسته دخل معترك الحياة مبكرا فوُفّق في تأمين مستقبله، تزوج وكون أسرة وأبناء، ولعل البعض منهم قد صار له أحفاد أو يكاد! وأنا لم أحقق في حياتي غير أنني حصلت على شهادة “أستاذ” تلك الشهادة التى كانت يوما ما حلما! من أجلها سهرت وكابدت! ومن أجلها جاع والداي وإخوتي حتى يتسنى لي إتمام دراستى! وقد حصلت عليها….. سر والدي بعد شقاء السنين وظن المسكين أن الوقت قد حان لأبره وأرد شيئا من فضله عليّ وأقف معه على حاجيات بقية إخوتي!
ولما لا وقد صرت أستاذا وليس بيني وبين تحقيق ذلك إلا أن أعين وفقا لشهادتي في عمل يتناسب ومؤهلاتي العلمية! تقدمت بمطلب للعمل فأعلمت أن هناك من تخرج قبلي ولم يحصل بعد على عمل وما عليّ إلا أن أنتظر مع المنتظرين والمسألة بالدور والعدل في الفرص والشفافية يحكمان الأمر كما في الإنتخابات!! مرت سنوات ولم يطرأ على حالتي تغيير، وعلمت أن بعضا من زملائي ومن تخرج بعدي قد “توظف”
لكنني صبرت وأحسنت الظن وحملت الأمر على الخطأ! لأن مؤسساتنا عتيدة لا تسمح بتسرب الرشوة والمحسوبية إليها مهما كانت المغريات! فعيون “الحسبة” لا تنام! سافرت لأذكّر بمطلبي، فأعلمت أن الأمر قد تغير وأن شهادتي تلك لم تعد لها قيمة فقد أصبحت بفعل فاعل “لاتسمن ولا تغني من جوع” وهي شهادة لختم الدروس ولا علاقة لها بأحقية العمل أو القدرة عليه! لذا يتعين على كل من يرغب فى الحصول على عمل أن يجري مناظرة سموها “الكاباس”!…
بعد هذه السنين من الإنتظار أعود للإختبار في “كاباسهم” وما المقصود بذلك؟! هل هو تشكيك في المستوى العلمي للجامعة؟! أم أن حالنا ينقصه “كبسا” فزادونا “كبسا” “بكاباسهم”؟! …… لهثت وراء الكاباس سنين أخرى وكلما اجتزت عقبة “الكتابى” أسقطت في الشفاهي ثم علمت بالخبرة والخبر أنها عقبة لا يجتازها إلا من له صلات “علية” ولذلك أوجدوها!!….. مللتُ نفسي والحياة والوقوف أمام والدي المسكين طالبا “مصروفي” كما يفعل إخوتي الصغار! والدتي تحمل همي …والدي يحمل همي… وأنا أحمل ثلاثة هموم همي وهمهما!!
 
ذهبت للعاصمة أبحث عن أي عمل يرفع عني شيئا من الهم!…. وأنا أتسكع من شارع لشارع شاهدت بلاغات تفتيش مفادها: أنْ يا أيها المواطنون يا من تنعمون بالأمن والأمان في دولة الوعد “الصادق”: “لاظلم بعد اليوم”! إنّ أمنكم صار مهدد من “فلة وأخواتها” ما لم تتعاونوا مع قواتكم “الأمنية” وتساعدوا في القبض على المجموعة الخطيرة وتريحوا البلاد من إرهابها! سألت مَنْ حولي مِنْ مارة عمّن تكون “فلة وأخواتها” فلم أجد جوابا كافيا ولاحظت إرباكا على من سألت… عادت بي ذاكرتي المشوهة إلى أيام المواجهة “الأمنية” مع الإسلاميين واحتملت أنْ يكونوا قد عادوا تحت هذا المسمى بعد أنْ ظن “النظام” أنه قضى عليهم إلى غير رجعة! أو لعلها جماعة جديدة قد ظهرت أشد “خطرا وإرهابا”!!….
المهمّ أنّ للأمر وجه حسن ورب ضارة نافعة! فلعل ذلك يكون طريقي للخروج من البطالة المهلكة! ولا بد أن البلاد في حاجة إلى أعداد جديدة تنضاف إلى قواتها “الأمنية” حتى تستطيع مواجهة الخطر الجديد!…
 
الضرورة الملحة والواجب الوطني يدفعاني إلى الإلتحاق بقوات “الأمن” وما لم أوفق في الحصول على وظيفة أُربّي من خلالها الأجيال الناشئة فلا بأس بوظيفة “أربي” من خلالها من يربي الأجيال!
 
لكن أمرا حز في نفسي وهو أن بعضا من رفاقي الفاشلين في الدراسة قد التحقوا “بالأمن” منذ بدايات المرحلة الثانوية وقد أصبحوا ألآن “قرايدية” وأصحاب ثروات! ولعلني إن قُبِلتُ “بالأمن” صاروا أعرافا لي وسخروا مني ومن شهادتي وغبائي في اللهث وراء تحصيلها!  و قد لا أتمكن من تحقيق المؤهلات البدنية  وهي الشرط الأساسي للقبول بعد أن تقدم بي السن وضعف البصر بسبب سهر الليالي في طلب العلم! ولكن ذلك آخر أملي في مقاومة إرهاب الفقر والجوع والبطالة والحاجة إلى والدى المحتاج رغم بياض قدر ليس باليسير من شعر رأسي ولحيتي!…..
 
جمعت كل وثائقي وشهائدي الطبية التي تثبت صلاحية عضلاتي للمهمة! في محفظة جديدة لأختي الصغيرة ـ لم أجد غيرها ـ ……. وما كدت ألج مركز “الأمن” حيث تقدم طلبات الإنتساب “للسلك الأمني” حتى انقض علي مجموعة منهم وأطاحوا بي أرضا وأشبعوني ضربا وركلا وقطّع أحدهم المحفظة وداسها بحذائه (رمز المهنة) وقال لي أنت أيضا من جماعة “فلة” ….
 
لم يعبؤوا بشهائدي ومستنداتي بل قطعوها كلها وألقوا بها في “الزبالة” بما في ذلك شهادة “الأستاذية”!! ولم يهتموا بغير الصورة التي نقشت على المحفظة وكأنهم “لا يفكّون الخط” ولا يعرفون غير مشاهدة الصور!!…لم أعجب لذلك ولكن عجبت كيف تتحول صورة على محفظة أطفال إلى دليل اتهام؟؟!!
 
أقسمت بكل الأيمان أنني لست من جماعة “فلة” ولا جماعة الغنوشي وأنني مواطن مستقل و”خبزيست” لا هم لي إلا الحصول على عمل ……. فُتح لي “محضر” عن علاقتى بالمحفظة التي تحمل صورة “فلة” ومن أين اشتريتها واتهمت أنني جلبتها معي استفزازا مقصودا لمشاعر “رجال” “الأمن” سبقه إضمار وترصد وأنني مناصر “لفلة وأخواتها”… وبين الحين والآخر أسمع أحدهم يقول: “قر تجيك خفيفة”!!
 
علمت ـ بعد أن حطموا نفسي وبدني وأفقدوني القدرة على الإنضمام إليهم لأنني ما عدت قادرا على تحطيم غيري! ـ أن “فلة” جمادا، لعبة أطفال مثل الدمية الشهيرة باربي التي تزين غرف نوم البعض من “زعمائنا” المراهقين!…. لكن “فلة” تطرفت وارتدت الحجاب فعُدّ ذلك طائفية وتطاولا على السلطة واستخفافا بالمنشور 108 ولذا عُدّ كل من يحملها ـ صورة كانت أو مجسمة ـ مخالفا للقانون وجب عقابه ودون مراعاة لسنه!! وعلمت لاحقا أن باعة الفل والياسمين قد جُمعوا وطلب منهم أن لا يتغزلوا بفلّهم بعد ظهور “فلة المحجبة” وإلا اعتبر ذلك تضامنا معها! وللخروج من المأزق والمحافظة على “الفولكلور” صدر قرار “حكيم” بتغيير إسم مشموم “الفل والياسمين” بمشموم “الزين والياسمين”!! وويل لمن يرفض الإسم الجديد!
 
إن أجهزة لم يبق لها إلا ملاحقة الدمى لابد أنها طهرت البلاد من كل أشكال الجريمة والنهب والخطف والرشوة والمحسوبية والعصابات والسرقة وتجارة المخدرات وتهريب السيارات والبواخر! وإن تواترت الأخبار  تثبت عكس ذلك! وعقدت العزم من يومها على أن أبث إعلان تفتيش في كل مكان عن “الكاباس” ومن وراءه!!
 
                                                                  صــــابر التونسي
المصدر: مجلة كلمة عدد 46

وفاء عهد ومباركة عيد وذكر جميل

بقلم : مهاجر محمد
تمر ليال عظيمة القدر على تونس الحبيبة  مبشرة أهل الإيمان الصابرين على الضيم بأن الله معهم وسيبدلهم بعد خوفهم أمنا… ومنذرة عصبة الإفساد  بانتهاء أيامهم لأنهم قد دخلوا في حرب مع الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بمحاربة  شرائعه كما دخلها “المجدد” من قبل مع  شعيرة الصيام…. ليالي القدرهذه  تذكرنا بتلك يوم خرج البوليس التونسي بأمرمن “المجدد” يقتل أبناء شعبه الذين يغارون على هويته كما يغارون أن تداس حرية شعبهم ليلة السابع والعشرين  من رمضان 87 يوم أن أراد ذبح أبنائهم أصحاب الهمم العالية…  ليال القدر هذه تذكرنا بأصحاب القدر العظيم ممن ضحوا ولم يبدلوا من أجل الله ورسوله والمستضعفين وهي نفس الليالي التي تذكرنا برجل شهم من رجال الدستور التونسي صاحب القدر العظيم الذي رفض أن يفطر في رمضان رحم الله الجلولي فارس ورحم الله صاحب القدر العظيم ومؤلف التحرير والتنوير يوم أن أعلن رفضه لرخصة “المجدد” مذكرا بحرمة الإفطار في رمضان.. فلعل ابن عاشور وقتها لم يع التجديد في الدين أو لعله باختصار لا يفقه في الدين أصلا!!! هكذا يراد لأهل تونس أن يفهموا ما يحاك لهم… هذه الليالي رغم نورها تذكرنا بليال مظلمة حالكة  لسلطة الإشراف من  رمضان 91 يوم أن بدلوا بسمة العيد خوفا ورعبا فدخلوا على النساء والشيوخ والأطفال مدججين بالسلاح  يروعونهم أشد ترويع …. يا ليت هؤلاء يفهمون معنى الزوال ومعنى التبدل ومعنى التغيير قبل فوات الأوان فوالله ما نريد لهم وبالا ولا لأحد من الناس بل نريد الخير والنجاة – لو كان بوسعنا- لأهل الأرض قاطبة  يوم لا ينفع مال ولا بنون… سلطة الإشراف في تونس أعلنتها حربا لا هوادة فيها على النساء المؤمنات صاحبات الخمر بدين نبيهن محمد عليه الصلاة والسلام متزامنة مع حرب تنال من القدر الأكرم والخلق الأعظم لهذا النبي الكريم… سلطة الإشراف هذه مبدعة في اختيار الحرب على شعائر الدين لأنها تريد وباختصار تدنيس كل مقدس لشعب تونس المسلمة… فيا ليت علماء الزيتونة الذين لم يبدلوا يسمعونا صرختهم ولو بعد حين مستمسكين بحبل الله المتين عسى الله أن يجعل لهم لسان صدق في الآخرين كما جعل لمن قبلهم ممن تصدوا “للمجدد”… فيا علماءنا الأفاضل لازلنا أصحاب بضاعة مزجاة في فهم دين الله  تعالى ولكننا والله أيقنا حظ الحجاب من الكتاب وحظ الكتاب من الدين والفضل بعد الله لكم ولأمثالكم لا ننكر جميلكم علينا ولا جميل من سبقكم.. نتمنى من كل أفئدتنا – والله يشهد على ما نقول- أن نخدمكم وأن نحمل نعالكم وأن نغسل أرجلكم… لازلنا والله نحبكم ونغار عليكم بحبنا لهذا الدين ولا نرضى لكم والله مذلة ولا مهانة  يسلطها” مجدد” أو ” مغير” أوغيرهما أبدا ما حيينا فأرونا بالله عليكم قبل أن يأخذ الله أمانته منكم ما تقر به أعيننا وأعين المسلمين في بقاع كثيرة… فوالله في انتظار كلمتكم الأخيرة يا علماء الزيتونة…  بقدر محمد في هذه الليالي نسألكم… بقدر هذه الليالي نسألكم… بما حوت صدوركم مما أنزل في هذه الليالي… يا علماء تونس لستم والله أقل قدرا من علماءَ قضوا نحبهم معذبين أو مسجونين بسبب قول الحق ولا كانت محنتهم أكثر خطورة على دين ربكم من محنتكم هذه الأيام… فوالله  ليس الحجاب فقط مستهدفا من طرف هؤلاء المفسدين وأنتم تعلمون ذلك ولكنه الإسلام فقولوها صريحة مدوية  نذكرها لكم بإذن الله حتى لو قضيتم على آخركم وسنكون لكم أوفياء ما حيينا .علماءنا الأجلاء هذه فرصتكم كي تنهوا مأساة شعبكم وتعيدوا الأمل فيمن تعلم عنكم وسمع عن قدركم العظيم  في العلم لا يبخسه إلا جاهل أو حقود…. عرضكم وعرض نسائكم وعرض بناتكم وقبل كل هذا وبعده عرض نبيكم عليه الصلاة والسلام… يراد لنا أن نولي مدبرين تاركين نهجه لكي يرضوا عنا… .يا علماءنا لا تخيبوا بالله ظننا فيكم…. نعم هؤلاء المفسدون فعلوا الأفاعيل بأسلافكم العلماء حتى زجوا بهم في ديار المعتوهين فماتوا ولم يبدلوا نسأل الله لهم القبول فماذا ينتظر من أعداء الله ورسوله عليه الصلاة والسلام …! نعم يا علماءنا الأجلاء موتوا شهداء من أجل أعراض بناتكم تحيَوا بعدها عند رب كريم… ولا تحيوا بيننا ساكتين عن الحق فتموتوا بعدها ونمت معكم منسيين….لا نظنكم  -علماءنا الأجلاء- من طينة أخرى غير طينة  أسلافكم.. يعرفون متى يتكلمون ومتى يمسكون ومتى يعلنونها نصرة لله ولرسوله ولأعراض المسلمات… .يا علماءنا الأفاضل والله  إننا لنعرف رجالا لا يولون يوم تكرون.. ولا يقعدون  يوم تستنفرون.. أرواحهم بين أيديهم في سبيل الله والمستضعفين.. هم قيد أمركم.. علمهم الزمن و علمتهم التجارب أن يكونوا معكم حيث كنتم فلا ترجعوهم خائبين…. علماءنا الأكارم جربتم وجرب أسلافكم من فرسان الزيتونة هذا النظام وسلفه خمسين سنة أعطيتموه الفرصة حتى لم يبق لهم عذر عند شعبهم … وجربوا –هم- كل الطرق للقضاء على دينكم فما بقيت لهم رمية إلا رموها حتى إذا أيقنوا سكوتكم بدأوا بهتك خمر الصالحات من على رؤوسهن . فقومة لله ترد الحقوق فوالله ما عادت الصدور تتحمل أكثر مما تحملت… ووالله إنا لنرى رجالا كنا نعدهم كذلك فتنوا في دينهم حتى رأوا الباطل حقا والحق باطلا فظهروا علينا بكلام ممجوج نتن كنتونة الفتنة فمرة يمدحون السلطان ومرة يفتون بالتجديد لأعداء الله والرسول ومرة يمجدون وهكذا مع كل من أراد لنور نبيهم إطفاء … ثم تراهم يقدحون ويذمون  كل من رباهم على نهج نبيهم عليه الصلاة والسلام.. متنكرين للرجال الذين قدموا أرواحهم على أكفهم يوم أن فقد الرجال.. متعالين عليهم.. ناعتيهم بأقذع النعوت سامح الله الجميع .. ولا نزيد لأنه عيد..
هذه الليالي العظيمة تذكرنا بأحداث أليمة على المسلمين في بقاع كثيرة كما تلفت انتباهنا لأهل الفضل علينا ومن أتاح لنا مثل هذا المجال كنشرية تونس نيوز والحوار وكلمة وغيرها ممن يذكرنا بحق البلاد علينا وأقدس حقها علينا ألا نركن للظالمين حتى يقضي الله بيننا وبينهم .كما من حقها علينا ألا نضيع أوقاتنا مع من باعوا نضالهم بعرض زائل من الدنيا فإنهم صاروا أحقر الخلق وقد كانوا من قريب جهابذة في النضال يقودون أحزابا وجماعات نسأل الله لهم الهداية بعد الضلال والرشد بعد الغي عساهم ينقذوا أحزابهم وجماعاتهم قبل أن تمضغها سلطة الإشراف كما مضغت الذين من قبلهم… فالشعب لا يذكر إلا الرجال هكذا عودتنا جولات الحق والباطل المستمرة… بقي لنا في هذه العجالة أن نذكر فقط شعبنا الحبيب المكلوم على أرض الخضراء لأنها أيام ذكرى أن يصبر ويصمد فعسى دعوات الثكالى وبكاء اليتامى وركعات الشيوخ تنبت أملا بعد ألم .كما نذكره أننا نشاركه هذه الآلام بل أمر منها أحيانا كثيرة والمؤمن في بلاء مادام في هذه الدنيا . نعم نعافس أهلينا ونلاطف أبناءنا ولكننا متوجسون خيفة من ضياعهم وضياع ما هاجرنا لأجله… نعم من الله علينا بنعم لا تحصى ولكنها نقمة واستدراج لمن لم يف بحق المنكوبين من أهل التضحيات ولا أخال رجلا ينكر هذا…. نعم تنكر لكم بعض إخواننا ولكن الموفين بعهدهم إذا عاهدوا  كثر والحمد لله… نعم أساء لنضالاتكم بعض إخواننا ربما بحسن نية ولكن المتبصرين أولي الألباب كثر والحمد لله …. نعم قد نكون قصرنا كثيرا عن المطلوب عهدا ولكن أملنا في عفوكم واسع سعة صدوركم التي اتسعت حلما لجلاديكم وهم يذيقونكم أشد العذاب ….نعم أنتم لم تتنكروا لمن عاهدتم رغم النباح الكثير الذي وصلكم من الغرب.. ولكنه نباح لا يرتقي أن ينقص من عزمنا بإذن الله… ولعلكم أدركتم قبلنا أن النوايا الصالحة والقلوب الوفية بالعهود  محمية لا يضرها شيء بإذن الله… بل لعلكم أيقنتم قبلنا أن مكر هؤلاء بحركتكم ونضالات إخوانكم وبمن عاهدتموهم على الضراء قبل السراء لم يحق إلا بهم “ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله “…
نطمئنكم – أيها الرجال الأوفياء- أننا على العهد بإذن الله سبحانه مهما اختلفت آراؤنا متمسكين بما قضينا معكم سائلين الله لشعبنا الفرج القريب ولمن تنكر لنا أيام هواننا على الناس الرشد والأوبة من أجل حق الله وحق المستضعفين.. كما نسأل الله لأخواتنا المسلمات في تونس اللائي تتفطر قلوبنا لبلائهن هذه الأيام أن يريهن في عدو الله يوما أسود …. فصبر جميل فسيذكركن الله في عليين وإنكن أمام فرصة عظيمة تثبتن فيها جهاد المؤمنات كما أثبت إخوانكن من قبل بل أكثر بإذن الله تعالى… بل تثبتن لمن حط من قدركن العظيم من رهط المفسدين هذه الأيام أن دين الله غال وأن قدركن عند الله يفوت أقدارآلاف من الرجال …. أخواتي الكريمات ليس مثلي من يدعوكن إلى التمسك بفرض من فروض الله  تعلمنه وتجاهدن من أجله فمثلي ليس له إلا التعلم منكن ولكن اسمحن لي بحق الأخوة التي فرضها الله بيننا كما فرض الحجاب أن أذكركن بعظمة هذا الجهاد حين يغفل عنه الكثير فأجره وأجر من لبسه بعدكن راجع إليكن بإذن الله فهي والله فرصة لا تعوض فاعضضن على خمركن بالنواجذ ولا تفرحن عدو الله في دينكن.. وإنها لغمامة منقشعة وأيام بلاء معدودة ..لا تركن فيها لظالم فإن المراد من أعداء الله دين نبيكن محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام فلا تلن في الذود عن حياضه  حتى ترين الله صدقكن وصبركن وترين العالم المساواة الحقيقية بين الرجال والنساء في الدفاع عن حقوق المستضعفين ….أخواتي الكريمات أيام مباركات تمر عليكن ولستن الوحيدات اللائي لقين من أعداء الله المتربصين الويلات فتذكرن ما فعل بصحابيات جليلات وبأخواتكن السوريات وما أمر أخواتكن في سجن ” أبو غريب” ببعيد ….اسمحن لي أخواتي العفيفات- رغم كثرة المتربصين أدعياء حقوق الإنسان-أن أذكركن بهذه المعاني تذكير مشفق عليكن يخاف أن يطول بكن الأمد ولا تجدن عالما من البلاد يدفع عنكن بكلمة حق أمام سلطان جائر عدو لله ولنبيه ….فاجعلن ثباتكن على الحجاب عنوان نصرتكن لمحمد عليه الصلاة والسلام واحتسبن ذلك كذلك فوالله لن يخزيكن الله أبدا كما لم يخز نبيكم محمدا… فالثبات الثبات لنلتقي قريبا بإذن الله… و تذكرن أن تضحية إخوانكن من أجل رفع الظلم عن شعبكن لا يزايد عليها أحد فكن كذلك لنساء تونس الغالية …. وفي الختام سامحنني أخواتي الكريمات على أني لا أملك لنصرتكن الكثير غير أمل في الله كبير فصبر جميل والله المستعان على ما يصفون… وليسامحني علماء الزيتونة  الأجلاء لعلي ما تأدبت معهم في التذكير وربما قد خانني اللسان في التعبير وفي انتظار كلمة الحق الثابتة بثبات هذا الدين بارك الله لكم في عيدكم وتقبل الله طاعاتكم أجمعين… والسلام عليكم في الأولين والآخرين.


 

عندما  يفلس المنطق

وتغيب الحجة

 

كلنا في الهم شرق

 

1.الخطر قادم من الصومال اين انتصبت محاكم التفتيش الاسلامية تمارس سلطانها على الناس باسم قراءة صومالية للاسلام.ولسنا ندري متى دخل الاسلام الصومال حتى يصبح قابلا للتنفيذ الحرفي التقليدي.

محاكم التفتيش التي سمت نفسها اسلامية تملك السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل وتمارس قمعها للشعب الصومالي امام صمت العالم وتحت انظار كاميرات القنوات التلفزية..

شاب وفتاة صوماليين أوقفتهم شرطة الاخلاق الحميدة وكان الشاب يوصل صديقته لمحطة الحافلات..وهذا الجرم الخطير لا يبقى دون عقاب في نظر إسلاميي  الصومال..فحكمت  المحكمة الإسلامية بجلد الحبيبين 30 جلدة لكل منهما وفي الساحة العامة أمام الجمهور لانهما خرقا الدستور الذي وضعه السلفيون في موقاديشيو نيابة عن الله…بعد ذلك داهمت شرطة الله الصومالية قاعة سينمائية تعرض مقابلة كرة قدم انجليزية واطلقت النار على من فيها لانهم خرقوا قانون منع كرة القدم..كما اصدر الجهلة قرارا حكوميا بغلق المتاجر والمحلات العامة اوقات الصلاة لدفع الصوماليين للجوامع عنفا دون الرضا..هؤلاء وامثالهم عندنا وفي كل بقاع العالم يتحدثون كثيرا عن الديمقراطية وحقوق الانسان والتحالفات والعمل المشترك من اجل البديل الديمقراطي…وحين  يصلون للسلطة يكون البديل والديمقراطية اولى الضحايا.

 

2. حرب الشيعة والسنة في العراق والتي تتم بمباركة أمريكية وإيرانية وبإشراف مخابرتي الدولتين خلقت  في بغداد ظواهر غريبة…

الشيعة قرروا منذ فترة ان يتدربوا على عبادات السنة وعاداتهم حتى لا يقعون تحت طائلة العقاب..والعكس صحيح بالنسبة للسنة..وهكذا تختلط الاوراق  على فرق الموت فلا أحد يدري من يقتل ولا احد يدري لماذا يقتل..إلا أن أخصائي  العراق    اكتشفوا طريقة للتعرف على الضحية رغم التشويهات..فاذا كان  المقتول مشوه الجسد فالقاتل شيعي…وإذا كان الرأس مقطوعا فالقاتل سني..

 

3.كاساف واولمرت  وغيرهم من زعماء إسرائيل مازالوا يحاولون مفاوضة  سوريا على ملف الجاسوس ايلي كوهين من اجل  استرجاع    ما تبقى من رفاته المدفونة في سوريا..وسوريا ما زالت تمانع بحدة رغم توفر عروض مغرية جدا…

النظام  البعثي في سوريا ورغم مرور حوالي 40 سنة على اعدام كوهين في ساحة عامة في قلب دمشق..هذا النظام مازال يعتبر  إن اضعف الأيمان في قضية كوهين هو الاحتفاظ بعضا مه وعدم تسليمها  للعدو الإسرائيلي..

ايلي كوهين دخل سوريا دخولا عاديا ومارس  البعثية في صفوف الحزب ووصل مراتب عليا وجالس رؤساء سوريا ووزراءها وقيادتها العسكرية وشارك في اتخاذ القرارات المصيرية واطلع على ملفات  خطيرة وسرية جدا وكان يعيش في أرقى الأحياء الدمشقية وسط قيادات الأمن والجيش والحزب..وفي نفس الوقت كان يمارس عمل الجوسسة لصالح إسرائيل ويتصل يوميا برؤسائه في تل ابيب لمدهم بالمعلومة التي لا يرقى أليها الشك إطلاقا…كوهين كان فعلا بنك المعلومات الإسرائيلية في قلب دمشق وفي أعلى مراتب السلطة والحزب…وبذلك قدم خدمات لا تقدر بثمن للمخابرات العسكرية الإسرائيلية.

لذلك انتقم منه السوريون  لما اكتشفوه وحكم عليه بالإعدام شنقا وبقي معلقا في حبله 4 أيام أمام الجماهير السورية في قلب العاصمة..وإمعانا في التشفي رفضت سوريا تسليم جثته لزوجته وأطفاله منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم…

 

 

3. ازدواج الخطاب عند الاخوان المسلمين اصبح من سماتهم الرئيسية..فالى جانب الخطاب الحاد والذي يبدو راديكاليا تجاه أمريكا وإسرائيل خصوصا فان بعض قيادات الاخوان يمارسون سرا وعلنا عكس ما يقولون للجمهور…

النكتة التالية حدثت واقعيا في قلب تل أبيب وفي شهر الصيام المقدس..موشي كاتساف رئيس دولة الاغتصاب والعنصرية والإرهاب نظم في أحد أيام رمضان مائدة إفطار ودعى إلى جانبه شيوخ الاسلام الصائمين..وكان بين ضيوف الشرف الرئاسي الشيخ عبد الله نمر درويش رئيس الحركة الاسلامية في الاراضي المحتلة…وقطع الجميع  فترة الصيام على نخب كاتساف واكلوا التمر وشربوا اللبن احتفالا بانتصارهم جميعا في الحرب الاخيرة…

 

4.اخر تقليعة فنية لدى موزعي  الشرائط السمعية والبصرية هي نسخ  مئات  الاشرطة المصورة لما فعلته فرق الموت في العراق ..اكثر من 19 فيلم قصير يشمل كل واحد منها محاكمة سريعة للضحية من طرف عصابة متحجبة ثم إصدار حكم الإعدام وتنفيذه بالصورة وبالصوت..رؤوس تقطع ودماء تنزف وتلطخ الارض والجدران والضحية ممزق الأوصال امامك  يصرخ  يستغيث..يتألم يشخر للمرة الأخيرة ثم تزيغ العيون بعد قطع آخر وريد…اغرب ما في الأفلام المعروضة صوت المقرئ يجلجل بكلام الله  وعبارات التكبير على أفواه القتلة وعبارة الله اكبر في أعلى الصورة…

الشريط الثاني فبركه أصحابه تقنيا لتصوير عذاب القبر..جثة نكرة صورت وقت التشريح استغلها أصحاب الشريط ووضعوها أمام مقرئ يبين لنا كيف يكون عذاب الكافرين في القبر..ثم جيء برجل عادي قيل انه متوفى منذ مدة وقد كانت وسامته وزينته وحلاقته دليل على الكذب المفضوح لمخرج المهزلة..وطفق  الراوي يبين الفرق بين مصير الميت الأول ومصير الميت الثاني الذي يضهر عليه بوضوح انه خارج لتوه من بيت حمام دافئ بعد حلاقة مرموقة وتطيب بأرفع أنواع العطور..

الشريط القادم والذي اشترى السلفيون حقوق إنجازه سوف  يصور ما يدور في قبر امرأة متحجبة وفي قبر امرأة ترفض لبس الحجاب…احجزوا أماكنكم فالتذاكر محدودة…..

 

                ابراهيم  عبد الصمد..

 

برج الرّومي  وسجن 9أفريل والحافلة 23

 

فتحي بن الحاج يحيى
 
جدليّة الحاكم والمحكوم مسألة معقّدة لم تأخذ حظّها في أدبيّات المعارضة على اختلاف مشاربها. فالمعلوم أنّ مفاتيح السيطرة متعدّدة لا نرى منها، غالبا، سوى الجانب الظّاهر من الأدوات المتاحة للأنظمة كأجهزة الأمن، والجيش في بعض الدّول، والمخابرات، وأجهزة الإعلام الرّسميّة… إلاّ أنّه تبقى الوسائل الخفيّة، ولعلّ أخطرها هو دور السلطة في تشكيل الذّاكرة الجماعيّة من إعادة كتابة للتّاريخ وإسقاط ما تيسّر لها إسقاطه أو طمسه أو تغييبه. وفي تونسنا، تأخذ هذه المسألة  بعدها المفزع بسبب المركزية المفرطة لجهاز الدّولة وتقلّص فضاء الحوار الدّيمقراطي، وانعدام ثقافة المساءلة  وفتح الملفّات التي لا مصلحة للنّظام في فتحها، حتّى وإن كانت تعني وجدان شرائح وقطاعات هامّة من شعبنا.
على مدى السنوات الخمس الأخيرة، أغلق سجنان من سجون البلاد الأكثر رمزيّة من حيث أنّها محمّلة بمعاني، يصعب الوقوف عليها كلّها إذ يكفي القول بأنّها مساحة صغيرة شهدت، بشكل مركّز ومكثّف، محطّات مصيرية من تاريخ شعبنا السياسي والاجتماعي والوجداني. وكأنّي بالغلق تمّ بالليل، والنّاس نيام… احتراما لراحة الضّمير.    لو سُئِل تونسيّ عن رأيه في المكان الذي يَؤُمّه النّاس أكثر من غيره، لِتَوَافُدِ الخلق عليه بما يُبَوّئُه مرتبة الْمَعْلَمِ، فلن يكون الجواب حتما : حمّامات أنطونيوس بقرطاج أو المسرح البلدي مثلا أو متحف باردو أو زاوية سيدي علي الحطّاب.
   وقد يتردّد في ذكر الملعب الأولمبي بالمنزه لهجرة في مدارجه بسبب تردّي أحوال كرتنا، وقد يخطر على باله سيدي بوسعيد الباجي الذي يقصده الخلق لانجذاب ليس فيه من التّصوّف سوى التقشّف في كأس الشّاي الّذي يَحْدِفًُه أمامك نادل المقهى المستند إلى الوليّ الصّالح، وهو يستحثّك على ابتلاع ذلك الماء السّاخن المخلوط سكّرا ونكهة شاي، سيّما إذا ما طلبته مجرّدا من بندقه.
   وهذا التّونسي الحائر بطبعه بين أصالته وحداثته، وبين فلسطين وجرايته، قد تقوده ربّ صدفة إلى مطالعة جريدة “الشّروق” في حانوت حجّام  قصدها لهذا الغرض دون غيره، أو استلفها من صديق له أتى بها من إحدى الوزارات التي تشتريها، قسرا، تثقيفا لموظّفيها، ولا تقتني معها “الموقف” أو “الطريق الجديد” دفعا للجهالة، فيقرأ خبر الإغلاق النّهائي لسجن 9 أفريل وتعويضه بالسّجن الجديد من طراز الخمسة نجوم ببرج العامري، فيقول : وجدتها !      يوم غنّى المطرب الفكاهي محمّد الخميسي، أغنيته الشّهيرة “يا بودفّة شبحتنا”، تفاعل معها كلّ التّونسيين في مطلع الاستقلال وحفظوها عن ظهر قلب، وكأنّ فيهم توجّس بأنّهم زائروه يوما لا محالة.
     ولو نشرت الحكومة القائمة الكاملة لنزلائه منذ الاستقلال إلى يوم غلقه في هذه الأيّام الأخيرة، لوقفنا على حقيقة أنّ الزّمن لم يخيّب ظنّهم : فعلاوة عن سجناء الحقّ العامّ من أسماء نكرة تنتمي إلى جميع الطبقات والفئات الاجتماعية، سنقرأ الكثير عن قائمات اليوسفيين ومن تبعهم من السجناء السياسيين من شباب يساريّ وقومي وإسلامي وغيرهم من الفنّانين من أهل الأغنية والمسرح، وعن قضاة التقوا فيه بمن حكموا عليهم، ومحامين اشتركوا في “القميلة” مع موكّليهم، وعن أعلام من رموز الدّولة وحزبها الحاكم من وزراء وولاة ومعتمدين وسفراء، قد تكون الذّاكرة نسيتهم أوتناستهم لمجرّد عودتهم إلى مناصبهم حال مغادرتهم السّجن. 
  وهو ما يفسّر، ربّما، حرص السّلط على التّأكيد، عبر جميع وسائل الإعلام بأنّ بلوغ السّجن الجديد، الذي شيّد وفق آخر ما صدر من توصيات عن حقوق الإنسان، مضمون بواسطة الحافلة رقم 23 التي تنطلق من قلب العاصمة.
     فلا أحد يمكن أن يؤاخذها، بعد اليوم، على عدم إيلائها الاهتمام اللاّزم لقضية مصيرية من قضايا شعبنا. *         *         *
   البارحة كنت في المقهى مع شلّة الأصدقاء، وخيّل لي من خلال تعاليقنا المتفاوتة، ظَرفا أو ثِقَلا، عن إغلاق سجن 9 أفريل، أنّ شيئا ما قد انهار فينا ليفسح المجال لذاكرة طالما سكنت أعماقنا ولست أدري لماذا لم نحوّلها أدبا أو كتابة. شعرت بنفس الإحساس الذي انتابني لسنتين خلت، إثر وفاة أحمد بن عثمان ثمّ نور الدين بن خضر.    بدا لي أنّنا خسرنا معركة الذّاكرة.         لا أعرف كيف تسلّل حديثنا إلى شعاب الزّمن، وولج ثنايا ذاكرة ضربها الصّدأ. كان المبادر بالرّأي هو نادل المقهى، وقد بلغ من العمر عُتيّا والبعض راح منه في سجن 9 أفريل.    وكان يؤكّد دائما أنّه لم يسجن يوما من أجل السياسة الكبرى و لا الصّغرى، ولا بسبب سكر واضح أو سبّ جلالة وتشويش في الطّريق العامّ، ولا حتّى لصكّ دون رصيد أو تلاعب بأموال المجموعة أو أشياء من هذا القبيل.
   سأل مواطن نظيف، نقيّ السّوابق والحاضر والمستقبل، عن فرق لم يفهمه في الحديث بين السياسة الكبرى والصّغرى، واستنجد النّادل بشخصي الكريم لأُفْهِم السيّد بالتي هي أحسن، وكان يقصد بذلك انتقاء الحسن من الألفاظ، بأنّ السياسة الكبرى هي السياسة، كأن تعارض نظاما لا يحبّ أن يُعارَض، وحاكما لا يفهم أن يُجادل، أو أن تنتمي إلى حزب آخر دون الحزب، مخافة إن فتحنا الباب فسنبلغ الستين حزبا في بلد صغير، آمن ومسالم ومتجانس، يكفيه وزيادة حزب ونيف، والنّيفُ درءًا للعين.
    أمّا السّياسة الصّغرى فهي، كما جرى تعريفها عند نزلاء السّجون، عندما ينقضّ كهل على قاصر أو غير قاصر لمتعة غير متقاسمة بالضّرورة، أو يتسلّل شيخ إلى صِبية لا يفهمون العلاقة بين تلقين القرآن والأخلاق وبين أصابع الشّيخ، في أفضل الأحوال. وقلّة من النّاس من لم يتعرّضوا لوضع سياسي من هذا القبيل، أمّا عن النّسوة فحدّث…، حتّى يخال لك أنّ الأخلاق والحياء ما جُعلوا إلاّ لستر ما تأتيه السياسة الصّغرى من أفعال تترك بصمات في النّفس لا يمحوها سوى إنكار الذّات على نفسها ذاكرة الحدث، فترمي به في غياهب اللاّوعي الذي قد يُنتج لدى البعض نزوات تعويضيّة في تحويل المفعول به فاعلا. ولعلّ في ذلك شيء من وجه الشّبه الغامض بين السياسة الكبرى وأختها الصّغرى، اهتدى له “المرابيط”، حدسا، دون أن يقرؤوا شيئا من “فرويد”.
    أكمل النّادل قوله بأنّه لم يكن يؤمّ السّجن سوى من أجل التّكروري، وهو غير عقاقير اليوم التي يستهلكها جزء من شبابنا خارج الإحصائيّات الرّسميّة والتستّر القومي. وقال ما يفيد أنّ “التّكارلي” أسمى من السّكير العربيد والمناوئ، فالأوّل يستكين إلى نفسه، ويعيش في عالمه الدّاخلي، ويذوب في ذاته، وتنقطع صلته بالجماعي ليفيض فيه الوجدان، وتتّسع داخله الوحدة عالما رحبا فينفتح فيه ما كان مبصوما من ألغاز الدّنيا. وللمرّة الألف يُعيد علينا حكايته عن الرّجل الّذي ظلّ يندب حظّه لأنّ امرأته لا تُنجب سوى بناتا، فنذر لوليّ صالح كبشا لا تقلّ إليته عن الخمسة أشبار. وتضاعف همّه يوم رزق بذكر ولم يعثر عن الكبش المنذور بإلية لا وجود لها حتّى عند شيخ البلْديّة نفسه. أوعز له بعضهم باستشارة زعيم التكارليّة، فقصده مزوّدا بالفاكهة والحلوى الشّامية وما طاب من المحليات ليستقيم الميزان.
   قال النّادل : وبعد أن نفث صاحبنا في سبسيّه ما تيسّر من النّفس، وغامت في ذهنه النّشوة وتجلّت الحكمة، ناداه بأن يأتيه بأوّل خروف يلقاه ومعه الصبيّ المولود، فأمسك بيد الرّضيع ليقيس بها الأشبار الخمسة المستحيلة على عقل عاديّ، وقال : خذ ولدك وخروفك فلك ما نذرت وزيادة.     تلك هي حكاية من الحكايات التي تتطلّب مستمعين يسكنهم الاستعداد الصّادق لقتل الوقت واختصار حساب الزّمن في عنبر نسميه “الشمبري” لا يتّسع سوى لعشرين نفرا ويسكنه خمسون بشرا دون حساب الرّاوي، داخل مبنى تنتظم هندسته على هيئة ساحة نسمّيها “الآرية”، تتوسّط عنابر أخرى، وهي تسمية يقول البعض أنّها اقتباس عن الإيطالية بما يعني “الهواء”، وبعضهم يقول أنّها نسبة إلى وحدة قيس المساحة الزراعية “الآر” فأطلقت على أرض لا زرع فيها. ولم تشأ الأقدار أن يُسجن بيننا عالم ضليع في الاستلاف اللّغوي التي أَثْرَى قاموسنا، لينير بصيرتنا في الموضوع.
    فسجن 9 أفريل على مدى عمره الطّويل، الذي قد يكون يوما موضوع رسالة دكتوراه في جامعتنا الموقّرة إن وُجد الباحث والمؤطِّر، ولم يعترض العميدُ ومَنْ فوقهُ، شهد زوّارا تعدّدت تسمياتهم حسب تقلّبات السياسة والأحوال والحكومة، فسمّوا مساجين نسبة إلى السّجن كما يسمّى سكان البلد مواطنين نسبة إلى الوطن، ولا أعرف، لقصري في اللّغة، لماذا لا يسمّى السكّان مساكين نسبة إلى المسكن. وسمّوا أيضا، في عهد الإصلاح، نزلاء، نزولا عند رغبة وزير الدّاخلية آنذاك الطاهر بلخوجة، وكانت إدارة الإصلاح والسجون ملحقة به، قبل أن تتحوّل بعد انقضاء شوط غير يسير في العهد الجديد، إلى إشراف وزارة العدل، لأنّ ذلك ما تقتضيه مصيبة حقوق الإنسان النّازلة علينا من الشّمال، ونحن لا بترول عندنا ولا مناجم ألماس أو ذهب نصمد بها أمام الاستعمار الجديد، فلا مناص من تطييب الخواطر بما يحلو لهم سماعه وما لا يضرّ قوله خطابا وتصريحا وبلاغة.
  والحقّ أن الوزير المصلح الطّاهر بلخوجة، منذ أن دخل السّجن وزيرا، وغادره للوزارة، قد رقّت نفسه لأحوالنا، أو ربّما من باب التحسّب لعودة لا أحد يضمن حيلولتها، فلا أمان في السياسة…الكبرى، فشهدنا في عهده استبدال “الباياص” المقدود حلفاء أسرّة بطابقين و”جراري موس”، ودخلت التلفزة “شنابرنا” وبقيت “الكوموند” أي جهاز التحكّم في تشغيلها عن بعد، لدى حرّاسنا، فلم نفهم إن كان الوازع من وراء ذلك هو منح سلطة إضافية لهم ليشعروا أكثر بماهيّتهم كحرّاس خُوّل لهم أن يحرسوا حتّى مشاعرنا، فيقطعوا عنّا “بوسة” يختطفها، على خجل، البطل من حبيبته في فيلم مصريّ رديء، وهو يرتبك لشعوره بتحدّي المشاعر والأعراف، وحبيبته، التي هي ليست زوجته في الدّنيا، ترتبك أكثر لجسارتها على فعل لا تبيحه في قرار نفسها لابنتها، وإنّما فرضته عليها أصول المهنة وارتفاع الكاشيه بتعدّد القبلات ومساحة الجسارة. والدّليل أنّه بعد أن خرجنا وانقضى رزح من الزّمن، وجدنا الكثير من اللّاتي هززن نفوسنا ونمن معنا في أحلامنا وبين أذرعنا، قد أصبحن متحجّبات، وتُبْن للخالق، وزُرْن بيت اللّه ومرقد الرّسول في حجّة الكفّارة التي باتت موضة جديدة للممثّلات اللاتي لم يعدن يطمحن، لعامل السنّ، سوى في تقمّص دور الأمّ  أو الجدّة.
   ولم نفهم أيضا إن كان في منح الحرّاس مثل هذه الرّقابة نوعا من رفع أجورهم الضّعيفة في دولة ضعيفة لا تتحمّل موازنتها زيادة في حجم الأجور، فالّذي يعلمه جميع المساجين أنّهم شبعوا عملة صعبة محلية تُدفع لهم من علب سجائرنا، ونقودا حيّة تدفع بالدّينار الأخضر الذي كنّا نتعامل به داخل السّجن ولا يحدّنا فيه سوى فقر أو غنى السجين. وبقدر ما شبعوا إكراميات، شبعنا “بوسا” وأحلاما وأماني من خلال نافذتنا الصغيرة على العالم وعلى جسد المرأة بشكل خاصّ.
   لم تسلم من المقايضة سوى مقابلات كرة القدم وخاصّة مقابلات الفريق القومي، فقد كانت مجانية لأنّها لحظة من الحبّ الجماعي للوطن نشترك فيها حكومة وشعبا، ومالكيين وحنفيين وإباظيين، وإفريقيين وترجييّن و”إيتواليست”، وجنادبة ومساترة، وجرابة وصفاقسية، ومن باب أولى وأحرى، مساجين وحرّاس داخل السّجن. حتّى “الكريكوكات”، وهنّ مجموعة صغيرة من الرّجال المتمثّلات بالنّسوة، كان يُلقى عليهنّ القبض من حين لآخر فيودعن سجن الرّجال وهنّ لا يفهمن أن لا يكون مكانهنّ سجن النّساء بمنّوبة، كنّ يشاركننا العرس الكروي القائم على امتداد الوطن. *       *       *
   يوم أودعنا جناح الزّنزانات، في قضية العامل التونسي سنة 75، وكنّا لا نزال رهن التّحقيق الّذي سبق المحاكمة، وجدنا فيهنّ أروع سند لا ينكره أحد من رفاق المحنة. وكان السبب على غاية من البساطة، فقد لمسن في ذلك الشباب الثائر على الأوضاع، والصّامد يوميّا في وجه إدارة السّجن، سواء بالجدل في حقوقنا كمساجين سياسيين، أو بشنّ إضرابات الجوع المتتالية، أو بالمجابهة العنيفة أحيانا ردّا على تصرّفات عدد من الحرّاس الّذي عنّ في خاطرهم الثّأر لبورقيبة من هذا الشباب الجحود، أو ربّما لخشية أن يختلّ توازن معادلة السّلطة القائمة على الخوف والتّخويف…وجدن فيهم نوعا من التعبير عن غضب يسكنهن لأسباب معقّدة، ولمسن منهم احتراما لذواتهنّ على النّقيض الكامل من الازدراء والاحتقار والعنف المعنوي والمادّي المسلّط عليهنّ من قبل بقيّة السجناء وحرّاس القلعة.
وإن عمدتُ إلى استعمال صيغة التأنيث فيما يخصّهنّ، فوفاء لصداقة كنّ يتحمّلن فيها جميع المخاطر في التعامل مع مساجين سياسيين معزولين عن مساجين الحقّ العامّ، ومحشورين في جناح الزّنزانات تحت رقابة صارمة، وممنوعين من الجرائد والكتب، ومن رؤية الرّفيق المقيم في الزّنزانة المجاورة. كنّ أربعة أو خمسة، حسب وتيرة الدّخول إلى السّجن والخروج منه، يسكنن الزّنزانة الأولى عند مدخل الجناح. 
   عندما يخيّم اللّيل وتنغلق علينا أبواب الجناح لتنضاف إلى أبواب الزنازين المغلقة بطبعها كامل اليوم، عدا نصف الساعة التي نفاوضها بالدّقيقة مع الحرّاس لفسحة فرديّة في الـ”آريا”، وقضاء حاجة في المرحاض الجماعي خشية أن يفيض السّطل داخل الزنزانة فيما تبقّى من اليوم، عندها تبدأ حياة أخرى، نتدارس فيها أوضاعنا ونتناقش فيما بيننا لتحضير المحاكمة وتقسيم الأدوار، وضبط الخطّ السياسي والإيديولوجي لدفاعاتنا أمام المحكمة. وفي اللّيل أيضا نصفّي بعض حساباتنا، ونتخاصم فيما بيننا، ونتذكّر الأهمّ والمهمّ، فنعيد ترتيب أولوياتنا ونستعيد رفاقتنا لمجابهة محكمة الأمن المنتصبة في انتظارنا، ولنكون في مستوى انتظارات رفاقنا في الجناح E بنفس السّجن، وفي برج الرّومي، و”حبس النساء” منّوبة وخارج السّجن، ولنظلّ في مستوى آمال شعبنا الافتراضي الواقف معنا افتراضيا، وعائلاتنا الواقفة معنا فعليّا. وكان حرّاس الليل ينتصبون وراء الأبواب المقفّصة لمدخل الجناح ليسّجلوا أحاديثنا، أو ليشنشنوا المفاتيح، وليقذفوننا ببعض الشّتائم إشارة إلى وجودهم، وسعيا منهم لقطع محادثاتنا، فكنّا لا نأبه بهم حينا، ونردّ عليهم بأحسن منها حينا آخر، ونلجأ إلى النّقر على الجدران الفاصلة بيننا بطريقة المورس لتبادل معلومات وأخبار لا نريد لهم معرفتها.
       في الأثناء كانت الـ”كريوكات” ينبّهننا، لاستراتيجية موقعهّن، إلى دخول مفاجئ لزمرة من حرّاس الليل لتفتيش مفاجئ، أو تدخّل طارئ يخصّنا أو يخصّ سجناء آخرين معنا في الجناح، وأغلبهم من المحكوم عليهم بالإعدام ينتظرون التّنفيذ فجر يوم غير معلوم، و لكنّهم يحسّون به، هم ونحن، بسبب شيء غريب يستقرّ في الهواء ويتحوّل ثقلا يجثم على صدورنا من حيث لا ندري، فنعلم أنّ اللّيلة هي ليلة موت.       *     *      *
      في اليوم الأوّل الّذي أتوا بي إلى جناح الزّنزانات قادما من محلاّت أمن الدّولة، كنت في حالة يرثى لها من التّعب وانعدام الحوار الديموقراطي النّزيه مع بوليس أمن الدّولة، وتحيّزه الواضح لدولة فلت عليها شبابها ولم يعد يفهم فيها الكهول والشّيوخ من أهلها ماذا يفعلون بهذا الاستقلال الذين أتوا به لأجيالهم الصّاعدة، فصعدوا بهم الطّابق الرّابع لمبنى البوليس السياسي ونزلوا بهم إلى دهاليزه، وعلّقوهم عراة، وجرّبوا عليهم دروسا تلقّوها أو عادات اكتسبوها على السّليقة، في انتزاع الاعترافات وفق بيداغوجية مبسّطة لديهم سرعان ما يختصرونها في تكثيف العصا ليصل الألم لدى المضروب تلك الذّروة التي ينعدم فيها الشعور بالألم الجسدي، حيث ترى العصا نازلة ولا تدري متى وصلتك.
   لم يكن همّهم سوى كسر شوكة المقبوض عليه بزرع الرّعب فيه من خلال أسهم متعدّدة تنهال عليه من كلّ صوب كالشّتم والتعليق، والتّهديد أو الشّروع مباشرة، في الاعتداء عليه جنسيّا، لفقء رجولته في عملية سحب عليه لمفهومهم للرّجولة. ولا أعتقد أنّ لهم في ذلك منهجيّة أو قراءة لطبيعة الشّخص موضوع المعالجة. إذ يكفي أن يتصوّر المباشر للتّعذيب جميع الأفعال والأقوال والشّتائم التي لو كان هو عرضة لها لانهار أمامها، فيعيد إنتاجها في دور البطل على الضحيّة، ولا يهمّ إن كانت الضحيّة رجلا أو امرأة أو شيوعيّا أو إسلاميّا أو واحدا من أهل السّلطة خلّ به الزّمن لحقيبة سلّمت له ليودعها بنكا خارج البلد فأودعها في آخر، تحسّبا لتقلّبات الدّهر.
   أوّل يوم نزلت فيه إذن “الحبس الجديد” المنتصب في شارع 9 أفريل جنب جامعة تونس للتعليم العالي ووزارة العدل والمكتبة الوطنية التي احتلّت مكان مقبرة سيدي أحمد السقّا، ومستشفى شارل نيكول، ومعهد السرطان، ومستشفى الأطفال والعيون، ودار الحزب الواحد…،  كنت ملقى في زنزانتي الانفرادية عندما انفتح الباب وأطلّ منه شابّ لم تسعفني العتمة التثبّت من ملامحه، فاقترب منّي ليضع “القميلة” وقطعة الخبز حذو رأسي، وأسرّ في أذني بأنّ الرّفاق يسلّمون عليّ وقد علموا بقدومي، وأعلمني أنّ الصادق وحمّة والكيلاني والشريف وعبد الجبّار والمنصف ومحمّد… يوجدون بالزّنزانات المحاذية، وأشار بإصبعه إلى فمه بأن لا أكلمّه لأنّ الحارس بالباب… أذكر أنّه قال لي ” ما تخافش، الحبس كذّاب” ثمّ مشى خطوات والتفت إليّ قائلا : اسمي “زينوبة”…وأغلق الحارس الباب.
   في مثل تلك اللّحظة لا يتّسع في الذّهن مجال التفكير أو التكفير. فلا وقت لأخلاقياتك وأفكارك السّاكنة فيك بالإرث أو المكتسبة ثقافة، أن تتحرّك. كلّ ما يطفو فيك هو اعترافك بالجميل للحظة دفء تعيد فيك مشاعر الأنس، وتستقرّ في نفسك، لبقيّة حياتك، مراجعات كثيرة لأشياء كثيرة قد لا تدركها أبدا، من خلال ثقافتك وتعليمك ومبادئك التي لا شيء يضمن قدرتها على تجاوز رواسبك. هكذا أصبحت “زينوبة” وأخواتها صيغة نحوية عادية في لغتنا اليومية، وتركيبة غير قابلة للتجاوز في تصريف أمور حياتنا السّجنيّة.
      الغريب أنّنا طيلة سجننا لم نتناقش الأمر بيننا، ولم نثر قضيّة المثليّة الجنسية في سجالاتنا اليومية، ولم نحاول أن نحدّد موقفا منها لأسباب لم تكن طبيعة تكويننا المعرفي والفكري تؤهّلنا لها، وحتّى إن أثيرت فمن باب التندّر والفكاهة المشحونة ذكورة شأننا في ذلك، شأن أمّة العرب جمعاء. لكنّ الأغرب أنّنا كنّا جميعا، نكنّ لهم الاحترام فيما اختاروا أن يكونوا عليه أو في ما لم يختاروا. بعضنا كان يرى فيهم ضحيّة المجتمع ودليلا آخر على ضرورة إقامة الشيوعية للقضاء على مثل هذه الظّواهر الشّاذّة عن طبيعة الأشياء، والبعض الآخر، وهم قلّة، كانوا يرون في الأمر حرية اختيار لمصير فرديّ لا يهمّ سوى صاحبه ولا دخل للمجتمع فيه.
      لمدّة الستة أشهر التي قضيناها بـ”9 أفريل” قبل انتقالنا إلى سجون أخرى نهاية ببرج الرّومي، ظلّت “زينوبة” توزّع علينا الخبز و “الصُّبَة” وبعض ما يجود به محصولها من صفحات جرائد قديمة تستلّها من قفاف زوّار السّجن الذين يلفّون فيها أطعمة أبنائهم. كانت عجلة الحظّ تتراوح بين نصف صفحة من صدى المحاكم أو حظّك اليوم الذي يشير دوما، وكأنّ في الأمر شماتة، إلى لقاء مرتقب مع حبيبة العمر، أو إلى مال وفير في الطّريق، أو إلى سعادة يحملها موفّى الأسبوع في طيّاته. وأحيان أخرى نعثر على مقتطفات من الصفحة الأولى، لنقرأ عن إنجازات النّظام، وعن انتصارات الترجي الرياضي التي لا نعرف تفاصيلها الواردة في الصفحة الرياضية.
      وكانت تحكي لنا عن جلبار نقّاش وتناديه “بابي”، ونور الدين بن خضر وأحمد بن عثمان ورشيد بللونة، فهي قد عرفتهم سنة 68 ثمّ سنة 73 يوم أعيدوا إلى السّجن لأنّ بورقيبة غضب، فسحب عفوه الذي منحهم إيّاه. وكان جيلنا الثّائر عليهم، لا يعرفهم وينتظر لقاءهم في برج الرّومي لتأكيد أحقيّة الثورة على الأقدميّة. وكانت “زينوبة” تؤكّد في كلّ مرّة على أنّهم “دجانتلمان” حقيقيون لأنّهم كانوا يحذقون الفرنسية، ويتصرّفون معها ومثيلاتها تصرّف النّبلاء.       وكانت هي ورفيقاتها يحملن المكاتيب التي كنا نتبادلها خلسة بين الزنزانات.
      لست أدري اليوم ماذا فعلت الأقدار بصديقتنا وأخواتها اللاتي أودعن السّجن لارتكابهم فعلا لم يكن ناقصا. قالت لنا ذات مرّة في مسامراتنا الليلة من تحت أبواب الزنزانات :” ورّيتو معنى الرّجولية”. وكانت تتحدّث عن الأخ المواطن من البلد الشقيق (هكذا دأب إعلامنا على تسمية الليبيين أو الجزائريين المورّطين في بعض القضايا)، وكان الرّاحل شقيقا من الجهة الشرقية للوطن  يبدو أنه شاكسها في جلسة ليلية فدفعت به من الشبّاك وهي لا تفهم لماذا تُتهمّ بالقتل عمدا ولا تحاكم في قضية دفاع عن الشّرف ؟         *           *         *
 قد يلومني بعض الرّفاق عن هذا الزّيغ، فيما كان يُفترض أن يكون عرضا لتجربة اليسار السّجنية التي عشتها معهم. والحقيقة أنني فوجئت، بدوري، بالمنحى الذي أخذته ذاكرتي. ربّما في الأمر تخوّف من الخوض في ذكريات مشتركة قد يتولّد عنها انتظارات من رفاق عزيزين عليّ، فلا يجدون فيها أنفسهم على الشّكل الّذي يريدون. كما قد يكون في الأمر نوعا من الشّقاوة الفكرية والذّهنية التي تسكنني فتجعلني أبحث على أن أكون في غير المكان الذي أنا فيه مُنتظر، وقد يكون ثمّة أشياء أخرى، لا أدرك بالكامل كوامنها، ولا أستطيع معها أن أقدّم تفسيرا عقلانيّا لاحتفاظي ببعض الفواصل والتّفاصيل دون غيرها.
           كنت أودّ أن أواصل الحديث عن بعض أوجه محنتنا بعد انتقالنا إلى برج الرّومي، الذي اندثر بدوره، والتقائنا بجيل الأوّلين، فخفت الإطالة أكثر في حديث الحال وقد بدأته انطلاقا ممّا أوحى لي به إغلاق سجن 9 أفريل، دون استئذان مسبق من ساكنيه القدامى، ودون مبالاة بأنّه، لئن سيردم، فستُردم معه حقبات كاملة من أعمار أناس لا يزالون على قيد الحياة، ولم يتح لهم حقّ المساءلة وواجب الاعتذار لهم، وضرورة معرفة الحقيقة لئلاّ تتكرّر المأساة.            في المغرب الأقصى هدموا ما كان أفظع من برج الرّومي و”9 أفريل”، لغاية إعادة هيكلة الذّات الجماعيّة، والذّات لا تبنى دون وضع الإصبع على مناطق الدّاء وخارج ثقافة الوقوف أمام المرآة.
أمّا نحن فنهدم لمسح آثار الجريمة وكأنّ شيئا لم يكن، فنعيد إنتاج الشّناعة براحة ضمير إضافية. عزاؤنا الوحيد أن نكتب ويكتب رفاقي وغير رفاقي من الذين عاشوا محنة الجدران الأربعة، وكان جلبار نقّاش بدأ ذلك في روايته “كريستال”، وتبعه أحمد بن عثمان الردّاوي في شهاداته المتفرّقة… ومن يدري فقد يتبعهما آخرون… لنتذكّر ! 
فتحي بن الحاج يحيى 26 سبتمبر 2006
(المصدر: مجلة الطريق الجديد –العدد 53 –اكتوبر2006)

على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي في سنغافورة

هل هي مسالة فساد إدارة أم فساد منظومة

هندة العرفاوي
  جعل بولفوفيتز، عندما اختاره جورج بوش لرئاسة البنك الدولي منذ سنة ونصف تقريبا خلت،  من محاربة الفساد أو بالأحرى الحكم السيئ أولوية من أولويات سياسته ولكن تحالف الأوروبيين وعديد البلدان النامية فيما يتعلق بشروط منح القروض جعله يتواضع في اندفاعه. يقر القائمون على المؤسسات المالية الدولية بأن الهدف الذي يرمي إليه نشاط البنك هو مساعدة الشعوب إذا كانت الأنظمة فاسدة (حسب درجة فسادها) وهذا هو محور الاجتماع السنوي الذي عُقد في سنغافورة في شهر سبتمبر المنقضي.
ولكن حول سؤال: هل يجب مساعدة الحاكم الفاسد يجيب بولفوفيتز «لا، فالمساعدة التي نقدمها يجب أن تستعمل في الأهداف التي نسعى إليها و هي: إرسال الأطفال إلى المدارس، مساعدة الأمهات على العمل، خلق مواطن شغل للفقراء وليس أن نرى إمكانياتنا يستخدمها أناس فاسدون”.
ومنذ أن التحق بوظيفته وتطبيقا للشعارات التي يرى بولفوفيتز( وهو من المحافظين الجدد) أنها توجه المهمة الرسالية التي نذر نفسه ورفاقه لها، فقد رأى أن وجود 10.000 موظف يعملون في البنك الدولي هو امتداد للفساد. كما أوقف منح قروض بقيمة مئات آلاف الدولارات موجهة إلى عديد البلدان مثل الهند وكينيا وأثيوبيا والبنغلاديش. وأبدى تأففا من البذخ الذي أظهره الرئيس الكونغولي من خلال المصاريف التي أنفقها على إقامته في نيويورك خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلا “إن من الظلم المسلط على البلدان النامية وعلى شعوبها إخفاء هذه المشاكل”.
يريد بولفوفيتز من خلال هذه الكلمات التي تجد صدى لدى الإنسان العادي بصفة عامة، أن يبين أن مطمحه يتلخص في أن يستفيد جميع البشر من التقدم ومن الثروة. ولكن إذا أخذنا الأمور بمنظار ماكروسكوبي أليست الولايات المتحدة (وخاصة فولفوفيتز احد الشخصيات الداعمة واللاعب الأساسي في الحرب على العراق) من خلال سياستها للهيمنة على مصادر الثروة في العالم، وتسببها في قتل مئات  الآلاف من البشر الأبرياء في مختلف أنحاء العالم وخاصة العالم العربي، تجاوزت كل الحدود في الفساد ثم تدميرها لدولة بكل مقوماتها وهي العراق للعمل على بنائها من جديد حسب رؤية أمريكية تمكن من هيمنة مستثمريها على كل القطاعات الحيوية في البلد واستنزاف ثرواته. أليس هؤلاء الحكام الفاسدين هو مجرد تلاميذ نجباء لآلة تكتسح الجميع هي آلة الهيمنة الامبريالية على العالم. لقد كان بولفوفيتز محقا في محاربة الجريمة ولكن الم يكن من الأحرى العمل  لعدم حدوثها.
 آلة الهيمنة خطرة لأنها لا تكتفي بإدخال الآخرين في النسق وجعلهم يقرون ويعترفون بتفوقها. لا تكتفي ببسط نفوذها على العالم فهي تدعي أيضا التزامها بمبادئ العدالة والمساواة كيف لا وهي تمنح الجميع الفرصة للمنافسة ( فتح الحدود لضمان حرية انتقال البضائع والأفكار ) والقبول بشروط هذه المنافسة، غير انه للدخول في هذه اللعبة يجب أن تكون لدى دول الجنوب الإمكانيات التي لا تمنحها سوى رؤوس الأموال الكبرى والتحكم في التقنية.
صندوق النقد الدوالي يطبق أجندا البنك الدولي
اختتم صندوق النقد الدولي دورته السنوية في 20 سبتمبر الماضي، في لقاء جمع ما يقارب عن 1600 من أصحاب المال والوزراء ومدراء بنوك مركزية في 184 دولة عضو في الصندوق، وحتى مدراء بنوك خاصة قدموا لجس نبض الاقتصاد العالمي.
فاعتبر المشاركون وتأييدا لكلام بولفوفيتز أن الفساد من أهم المعضلات التي تعيق نمو الاقتصاد العالمي وحتى التفكير في القضاء عليه يأخذ وقتا طويلا فما بالك بالقضاء عليه ومعظم الدراسات في الغرض رأت أن أهم السبل في القضاء عليه هو في الابتعاد عن الإجراءات التي تشجعه.وقد حاولت الدراسات الحديثة التركيز على ماهية هذا الفساد وكيفية حصوله. لفهم ماهيته يأخذون مثال العمل داخل مؤسسة تميز بشكل واضح بين الأعراف والموظفين الكبار الذين يمكن ارشاؤهم لأنهم يتمتعون بمركز اضعف من الذي يدفعهم إلى الفساد بالحصول على المال مقابل خدمة يؤدونها للراشي لان أشخاص من نفس المركز الاجتماعي يتبادلون المصالح بشكل متواصل.
والذي يسمح بالفساد أيضا هو صراع المجموعات المستفيدة أين نرى أن أية امتيازات تمنح لأحدها تعد استفيدت بطرق غير مشروعة. ولكن في نموذج الصين التي حسب تقارير المؤسسات الدولية استطاعت أن تنمو رغم الفساد الشائع على مختلف مستويات اخذ القرار فيها و رغم أن تقرير البنك الدولي يقر بان البلدان التي تتمتع بحكم صالح تنمو بأكبر سرعة من غيرها وان المشاريع التي يمولها البنك الدولي تفشل في البلدان التي فيها فساد إداري ومالي وسياسي.والحكم الصالح يعرفه البنك الدولي على انه الذي تتوفر فيه مجموعة من الخصائص وهي: حرية التعبير، الاستقرار السياسي، مستوى الخدمات العامة مثل التعليم، قدرة الدولة على الانتخاب وفرض القانون، احترام الالتزامات ومستوى الفساد.
المشروع الذي عرض خلال اللقاء و تمت المصادقة عليه يقضي بان يضبط الصندوق استراتيجيا لاحتساب حق التصويت لكل البلدان الأعضاء وعدد من البلدان الصاعدة لتتمتع بهذا الحق والفكرة تكمن في منح المزيد من الأهمية للثروة التي تنتجها هذه البلدان (المنتوج الداخلي الخام).  فتمت المصادقة بنسبة 90.6% على مشروع يقضي بالرفع في نسب التصويت وبالتالي في التأثير في اخذ القرار داخل هذه المنظمة للصين، كوريا الجنوبية، تركيا والمكسيك.
عديد البلدان الصاعدة خصوصا في أمريكا اللاتينية رأت أن المشروع المطروح والقاضي بالتعديل في قوانين الصندوق ليس كافيا. وتتهم المنظمات غير الحكومية الولايات المتحدة وأوروبا التي تسيطر على الصندوق بالتمسك بالامتيازات وبأنها لا تمنح للآخرين إلا تنازلات سطحية. موضوع آخر تم تداوله في سنغافورة وهو أن الصندوق سيتمسك بالية أخرى يسميها المراقبة متعددة المستويات وذلك لمنع حصول أزمات مالية مستقبلية في العالم وخاصة على مستوى قيمة التداول.
بالنسبة إلى البنك الدولي فان المشروع الكبير الذي يقوده بولفوفتز والقاضي بمحاربة الفساد لقي دعم الهيئة المسيرة وهي لجنة التنمية مع بعض التحفظات لان معظم البلدان الأعضاء تخشى من إخفاء المهمة الأساسية للبنك وهي القضاء على الفقر. فهل يمكننا القول بأنه استفيد أخيرا عدم قدرة العولمة على الاستقرار بدون أن تأخذ في الاعتبار المسالة الاجتماعية.فالعولمة بدون تنظيم سياسي عادل  ستكرس الآلام العالمية(المخدرات، الإرهاب، عدم المساواة الاجتماعية). والعنف الذي بدا يهيمن في العالم حاليا يرجعه بعض الاستراتيجيين إلى كون شعوب الجنوب لا تمتلك غنى شعوب الشمال.
والتلاعب بالمباىء الذي يحرك الدول الغربية يثير الاستغراب فكيف تضع هذه الأخيرة استراتيجيات للقضاء على الفقر بينما هي تكرسه في الواقع العملي خلال المؤسسات المالية الدولية عندما تفرض على البلدان الفقيرة وضعيات قاسية وشروط مجحفة لتسديد الديون مما يجعل حالتها في تأخر مستمر. فلا يجب أن ننسى قرار نادي باريس والذي يضم البلدان الغنية الإلغاء التدريجي للدين العراقي الذي تكدس زمن النظام العراقي السابق، فمن بين 120مليار دولار من الديون تم شطب 39 فقط و80%  فقط من الدين العراقي تمت جدولته على ثلاث سنوات.فهل على البلدان الفقيرة أن تنتظر حرب مدمرة يقودها “محور الخير” حتى تتحرر من دين يدمر كل نمو حقيقي. فالبلدان التي تلقت وعودا بمنحها 3 مليارات على امتداد خمس سنوات عليها أن تسدد أكثر من 20 مليار دولار من الديون التي تتحملها إزاء المؤسسات المالية الدولية والبلدان الغنية.ومجموع البلدان التي في طريق النمو عليها أن تسدد هذه السنة أكثر من 200 مليار دولار بينما تبلغ المساعدات الدولية لفائدة التنمية قرابة 60 مليون دولار.
 
(المصدر: مجلة الطريق الجديد –العدد 53 –اكتوبر2006)


 

مسامرة رمضانية حول الهوية التونسية:

تأكيد على الخصوصيات الثقافية التونسية منذ 3 آلاف عام حوار حول المدارس التونسيـــة في التأويل العقلاني للإســــلام

تونس ـ الصباح نظمت مجلة الملاحظ الأسبوعية مساء أول أمس في أحد فنادق العاصمة مسامرة رمضانية مع الأستاذ الصادق شعبان الوزير المستشار ومدير المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول كتبه التي تناول فيها بالخصوص محور «انتصار الرئيس بن علي للهوية التونسية»..
الندوة أدارها السيد أبوبكر الصغير مديرمجلة الملاحظ ورئيس تحريرها وحضرها عدد من المثقفين التجمعيين والمعارضين والمستقلين وعدد من أعضاء مجلسي النواب والمستشارين واللجنة المركزية للتجمع.. والسيدان حمودة بن سلامة ومحمد علي القنزوعي العضوان السابقان في الحكومة.. والسيدان إسماعيل بولحية الأمين العام لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين ومحمد بوشيحة الامين العام لحزب الوحدة الشعبية.. والمنذر ثابت الامين العام للحزب الاجتماعي التحرري والمنجي الخماسي الامين العام لحزب الخضر للتقدم..
 
تحديات
الأستاذ الصادق شعبان قدم بالمناسبة قراءة تاريخية سياسية للهوية التونسية  مع التأكيد على خصوصياتها منذ 3 آلاف عام.. فقد أسس الفنيقيون قرطاج لكن سكان شمال إفريقيا بنوا حضارة قرطاجنية بونيقية استفادت من الفنيقيين مع إضافات حول خصوصيات افريقية.. وتواصلت الظاهرة مع اليونان والرومان والمسيحيين والعرب ثم العثمانيين.. إذ سجلت في كل المراحل اضافة تونسية شمال افريقية ومتوسطية.. كما استقلت أغلب الدول التي حكمت قرطاج ثم تونس عن القوة المؤسسة.. من الفينيقيين إلى الرومان وصولا إلى الأتراك العثمانيين..
 واعتبر السيد الصادق شعبان أن نفس الظاهرة تواصلت في العهد الإسلامي إذ تميزت المدارس الإسلامية التونسية بعقلانيتها من العلامة عبد الرحمان بن خلدون إلى كبار المصلحين في القرنين التاسع عشر والعشرين وصولا إلى الرئيس زين العابدين بن علي.. الذي أكد منذ التغيير على الثوابت الوطنية ومنها الهوية التونسية العربية الإسلامية التي تقوم على قيم الانفتاح وعلى العقلانية ومواكبة العصر.. ومراعاة مصالح البلاد العليا ومقتضيات التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الشامل.. من تنمية السياحة إلى إصلاح التعليم وتطوير الأبعاد التونسية المحلية في الثقافة الوطنية.. 
 
تأثير الفضائيات
 وتطرقت مداخلات السيد الصادق شعبان والمشاركين في الندوة لعدة قضايا لها علاقة بالهوية الوطنية منها انتشار مئات الفضائيات التلفزية وتزايد تأثيرها على الجمهور العريض.. بما في ذلك الشباب الذي كثيرا ما يجد نفسه مخيرا بين القنوات والفضائيات الشرقية التي تنشر التطرف والتحجر والقنوات الإباحية.. مما يزيد من دقة التحديات الثقافية والاعلامية والحضارية التي تواجه تونس لأنها تحديات مرتبطة بالعولمة الثقافية والتاثير المتزايد لوسائل الاعلام الجماهيرية على الجيل الجديد..وهو ما يفسر انتشار مظاهر من الشعوذة والسحر والقراءات الدينية المحافظة واللاعقلانية «التي تروج للتطرف واللباس الطائفي»..
وربط شعبان بين هذه المستجدات والمستجدات السياسية العالمية وبروز نظرية صراع الحضارات التي قدمها صمويل هنتغتون.. وهي نظرية  تتزامن مع طرح تساؤلات ملحة عن الهوية في العالم أجمع.. بما في ذلك  في الولايات المتحدة واوروبا حيث برز سؤال «من نحن» في كم هائل من الدراسات والمقالات والكتب.. فيما تزايد الحديث عن أزمة الانتماء والمرجعيات التي تشكو منها عدة أوساط والجيل الجديد على وجه الخصوص..
 وانتقد شعبان بعض  ما تقدمه بعض تلك الفضائيات من برامج ومحتويات «تنال من بعض الثوابت الثقافية التونسية في هذا الاتجاه أو ذاك.. في اتجاه التفسخ والميوعة والعراء أو في اتجاه التعصب والتشدد والتاويلات المتطرفة  للاسلام دينا وتراثا.. ونشر منطق الحلال والحرام.. والدعاية للحجاب والنقاب وغيره من اشكال اللباس الغريبة عن تونس مجتمعا وتراثا»..
 كما انتقد السيد الصادق شعبان الدور السلبي الذي تقوم به «بعض الفضائيات الشرقية التي تروج لمفاهيم  غريبة عن للإسلام.. منها وضع الرموز الدينية فوق شعار القضاء واللباس الطائفي.. والنقاب.. وتحريم الاختلاط»..
 
 التاويلات التونسية المستنيرة للاسلام
وذكرالمحاضر بأهمية تميز التاويلات التونسية العقلانية والمستنيرة للقرآن والنصوص الدينية تاريخيا منذ كانت القيروان عاصمة اسلامية اقليمية ومركزا لبيت الحكمة للعلوم والترجمة.. كان فيها أعلام بارزون مثل الامام سحنون..  وهو مسار تواصل بعد انتقال العاصمة من القيروان الى تونس مركزجامعة الزيتونة التي تخرج منها ودرس فيها علماء ومصلحون مستنيرون مثل عبد الرحمان بن خلدون في العهد الوسيط والمشايخ سالم بوحاجب والطاهر والفاضل بن عاشور وابن ابي الضياف وخيرالدين باشا وعبد العزيز الثعالبي والطاهر الحداد (الزيتوني الذي انتقد في كتابه امراتنا في الشريعة والمجتمع التاويلات المحافظة لدور المراة في المجتمعات المسلمة)  في العهد المعاصر..ثم تواصل المسار المستنير مع مدرستي الصادقية والخلدونية عبر تشجيع تعلم اللغات الاجنبية والعلوم غير الشرعية.. وهو ما ساهم في بروزثقافة تونسية تقدمية افرزت جيلا من المفكرين والمصلحين فكريا وسياسيا وفقوا بين الحداثة وهويتهم التونسية العربية الاسلامية بينهم قادة  الحركة الوطنية وبناة تونس الجديدة في مرحلتي بناء الدولة المستقلة وعهد التغيير..
 
 حرية الاعلام وتطوير الخطاب الديني
وقد كانت حصة النقاش فرصة للحوار بهدوء حول مختلف هذه الاشكاليات.. مع التأكيد على حاجة تونس لتطوير جدي وعميق للخطاب الديني ولدعم حرية الصحافة وتعميق الحوار في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة حول مختلف القضايا الثقافية والحضارية والسياسية والدينية  التي تخامرالشباب ومنها الهوية  الثقافية والتأويلات المعاصرة والعقلانية للاسلام دينا وتراثا..
 في هذا السياق نوه بعض المتدخلين بمساهمات الصباح في اثراء الحوار حول مسائل دينية وفلسفية وتراثية جوهرية أثيرت على هامش ما عرف بقضية الحجاب.. ومنها المقال العلمي الذي قدم قراءة مستنيرة للاسلام نشرتها الاستاذة اقبال الغربي في الصباح..
 وكان من بين المتدخلين السيد محمد بوشيحة الذي انتقد «اللباس الطائفي» وأورد أن حزبه سبق أن لفت النظر إلى خطورة المد السلفي وانتشارالتطرف الديني في عدة اوساط.. ودعا بوشيحة وسائل الاعلام «الجماهيرية» لفتح حوار حول مختلف القضايا التي تشغل الشعب ومنها ملف الهوية.. كما اقترح السيد اسماعيل بولحية في مداخلته إعادة تقييم محتوى البرامج التربوية ودور المدرسة وتاثيرها في المجتمع وفي الجيل الجديد في وقت تزايد فيه تاثير الفضائيات ووسائل الاعلام الالكترونية..
 كما اكدت عدة كلمات على ان المعركة اليوم هي معركة وطن ككل بكل قواه.. ووجه عدد من المتدخلين نداءات إلى «كل قوى المجتمع المدني كي تشكل تحالفا وطنيا ضد التطرف والمؤامرات التي تستهدف تونس وسيادتها وهويتها الوطنية»..
 
كمال بن يونس
 
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 21 أكتوبر 2006)


 

متى تتخلّص «الجزيرة» من هوس التضخيم والإثارة ؟!

عبد الحميد الرياحي
 
من ابجديات العمل الصحفي الأمانة والنزاهة والمسؤولية… وهو ثالوث يحتّم على وسيلة الاعلام سواء كانت مكتوبة أو سمعية أو بصرية التقيّد الدقيق بأصول وقواعد العمل الصحفي في استقاء الخبر ونقله.. خاصة وأن هذه الأصول والقواعد تؤكد على أن الخبر مقدس… ويحدث في خضّم الأحداث اليومية أن يزيغ صحفي مبتدئ عن هذه الأصول والقواعد إما عن جهل او عن مصلحة… لكن أن تزيغ وسيلة اعلام في حجم قناة الجزيرة عن هذه القواعد والأصول وهي تتأهب للاحتفال بذكرى انبعاثها العاشرة… وما فتئت تطالعنا بشعارات عن النزاهة والموضوعية فإن الأمر يصبح مدعاة للدهشة وللعجب بل وللتندر أيضا…
 
فقد دأبت هذه القناة في تعاملها مع الأخبار التي تخص تونس على الانقضاض بسرعة البرق على هذه الأحداث حتى وإن كانت عادية وتدخل بالكاد في باب الحوادث المتفرقة، لتعطيها وزنا ليس وزنها وتعطيها مضمونا مخالفا للحقيقة… والغرض الاساءة المجانية ليس أكثر أو التنفيس عن عقدة استبدّت ببعض الساهرين على قسم الأخبار بهذه القناة… وهي بذلك تعطي للعالم اجمالا ولكل العاملين في بساط صاحبة الجلالة خصوصا درسا رائعا في انعدام الأمانة والنزاهة والمسؤولية… وهذا بالضبط نقيض ما يجب أن يكون وما يتوقع من أناس يتشدقون بالمهنية ويمسكون بالمقاليد قناة اخبارية تقدّم نفسها على انها «فتح مبين» في دنيا الصحافة المرئية.
 
ما جرّنا الى هذا الحديث هو الطريقة التي تعاملت بها هذه القناة يوم أمس مع حادث اندلاع حريق بأنابيب تكرير النفط ببنزرت.. حيث انقضت القناة على الخبر كالعادة ولم تكلف نفسها عناء ومسؤولية التحرّي والإلمام بتفاصيل الخبر قبل أن «تقصف» به مشاهديها وبلدنا في نفس الوقت من خلال تقديمه بتلك الطريقة الموغلة في الإثارة ومن خلال اعطائه حجما أكبر بكثير من حجمه.
 
فقد جاء في الخبر حرفيا تقريبا «قالت مصادر صحفية ان انفجارا قويا وقع بمصفاة لتكرير النفط بمدينة بنزرت شمال تونس. وقالت المصادر أن الانفجار وقع في انبوب لنقل الغاز الى احدى البواخر من دون ان يسفر عن وقوع ضحايا. وقد اضطرت السلطات التونسية الى استدعاء طائرات لمحاولة إخماد النيران»… وبهذه الصياغة وبهذه الطريقة في توجيه الخبر فإن المتلقي يحسب نفسه أمام عملية تفجير بفعل فاعل وليس مجرد حريق عادي يحدث في أي زمان وفي أي مكان… وأمام حدث استثنائي استدعى الاستنجاد بالطائرات لمحاولة اخماد النيران.. والحال ان استخدام الطائرات في هذا الغرض هو اجراء عادي جدا في الدول التي تحرص على حماية أبنائها ومقدراتها من آفات الحريق مثلا.. وتونس واحدة من هذه الدول التي تحرص على استخدام التكنولوجيا المتطورة في التصدي للحرائق من باب التعجيل بمحاصرتها واخمادها وبالتالي التقليص من آثارها ومخلفاتها على البشر وعلى المكاسب.
 
فلماذا هذه الاثارة في التعاطي مع الأخبار التي تخص تونس؟ ولماذا تندفع قناة الجزيرة وراء هوس التضخيم وتتخلى عن أصول وقواعد المهنة وتدوس على اخلاقيات المهنة كلما تعلّق الامر بخبر يهم تونس؟ وأين هي المصداقية والنزاهة والحرفية التي يتشدق بها البعض؟ ولماذا تصر قناة الجزيرة على أن تبقى في تعاطيها مع أخبار تونس مبتدئة ومراهقة ومتخاصمة مع الأصول والاخلاقيات حتى وهي تستعد لإطفاء شمعتها العاشرة… وهذه سنّ يفترض انها سن الرشد والرصانة والحرفية في حياة قناة تلفزية… أليس كذلك؟!
 
(المصدر: بطاقة “مع الأحداث” بصحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 21 أكتوبر 2006)

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

31 août 2008

Home – Accueil TUNISNEWS 8 ème année, N° 3022 du 31.08.2008  archives : www.tunisnews.net     Reporters sans frontières:  la carte

En savoir plus +

2 août 2008

Home – Accueil TUNISNEWS 8 ème année, N° 2993 du 02.08.2008  archives : www.tunisnews.net   Radio Canada: Tunisie  – Accrocs

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.