الخميس، 5 أكتوبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2327 du 05.10.2006

 archives : www.tunisnews.net


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: السيد خالد العيوني في غرفة منعزلة بسجن قفصة منذ ما يزيد عن الشهر

موقع كتاب: خارطة السجون التونسية

الصحافة: مسامرة حول الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية إعمال العقل والاجتهاد والسعي وراء العلم والحداثة

د.منصف المرزوقي: المقاومة : الحق والواجب  و الحلّ الأخير

بوعبدالله بوعبدالله:الياس مرزوقي  وقيس باريس  وامثالهما من « سيس » الحجاباعرضوا أنفسكم على مفتي الجمهورية

مرسل الكسيبي: حديث المشاعل ومنطق الاحتقار لن يثنينا عن مواصلة المشوار

الحبيب أبو وليد المكني: المطلوب هو تطابق الخطاب والممارسة مع قرار المصالحة

محمد العروسي الهاني : ذكرى 13 رمضان المعظم لن تمحى من ذاكرة العائلة

محمد زريق: وعاد التواصل

د. محمد الهاشمي الحامدي: ثلاثة وجوه للتجديد في الإسلام
توفيق المديني: عجز القوة الصهيونية حسن نافعة: شرق أوسط أميركي «جديد» بوسائل أخرى! معن بشور: مأزق الليبراليين الجدد: ماذا بقي من العولمة والشرق الأوسط الكبير؟ د. مضاوي الرشيد: رايس في الرياض: أعلنوها أمة شنية واحدة


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


 لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »  

حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:

 


 
 قناة الحوار
* وضع المساجين السياسيين في تونس بعد 15 عشر سنة سجنا
ياتيكم يوم الاربعاء الساعة السادسة والنصف بتوقيت غرينيتش  السابعة والنصف بتوقيت لندن  الثامنة والنصف بتوقيت أوروبا
يعاد بثه في الاوقات التالية ر(بتوقيت غرينيتش):
الاربعاء منتصف الليل الخميس الساعة التاسعة صباحا الجمعة الساعة الخامسة والنصف صباحا الجمعة الساعة الواحدة ظهرا
 
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 33 شارع المختار عطية تونس 1001 الهاتف : 71340860 الفاكس: 71354984

 
تونس في :5/10/2006
أخبرتنا السيدة فطيمة بوراوي والدة سجين الرأي السيد خالد بن محمد الصالح بن أحمد العيوني أن ابنها المذكور يقيم وحيدا في غرفة منعزلة بسجن قفصة و ذلك منذ ما يزيد عن الشهر بداية من تاريخ نقلته من سجن 9 أفريل بتونس علما بأن حاكم التحقيق بالمكتب الرابع بالمحكمة الابتدائية بتونس ختم أبحاثه و أحال ملف القضية على دائرة الاتهام.
و السيد خالد العيوني من مواليد قليبية طالب مرحلة ثالثة شعبة رياضيات اعتقل بالشارقة بالإمارات العربية المتحدة أين كان يعيش مع زوجته و ولديه عبد الله  وعبد الرحمان ثم وقع تسليمه للسلطات التونسية في 18/10/2005 بموجب قانون الإرهاب.
و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تستنكر لجوء إدارة السجن إلى مثل هذه الممارسات ( العزلة وضيق الغرفة و انعدام التهوية و قلة الإنارة ) بعد أن صدر وعد في السنة الماضية من وزير العدل بأنه لن يبقى سجين واحد في العزلة بعد اليوم في السجون التونسية.
رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري


نجح الزميل والصديق سامي بن غربية، الناشط الحقوقي والإعلامي على شبكة الإنترنت في تحقيق إنجاز معلوماتي وتوثيقي فريد وثري ومتكامل حول السجون التونسية الموزعة بالقسط والعدل على كافة أنحاء تراب الوطن (السجن الكبير) بوسائل معلوماتية متطورة وتفاعلية. هذا العمل المفيد والضروري نشر على الشبكة يوم 26 سبتمبر 2006 وقد أثار اهتمام العديد من المواقع الدولية وشبكات المدونات في أرجاء المعمورة.

خارطة السجون التونسية

Posted under Tunisian Street Files , Arabic,  

 Lire l’article en français.  Read the backgrounder of this map.

إضغط هنا أو على الصورة لمشاهدة الخارطة

الإطار العام

تعتبرالسلطات تونسية أن التعرض لملف السجون و النظام العقابي مساسا بالأمن القومي. فالملف « قضية دولة » بالدرجة الأولى و كل من تجرأ على رفع « صمام » الصوت عن هذا الموضوع لكشف أسراره و ملامسة مكامن الخلل دفع مقابل « تهوره » هذا ثمنا باهضا. و خير شاهد على هذا ما تعرض له الصحفي الهادي يحمد بعد نشره، في العدد 885 من مجلّة حقائق الصّادرة يوم 12 ديسمبر 2002، مقالا بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان تناول فيه أوضاع السّجون التونسية. حيث اضطر كاتب المقال إلى الاستقالة، فالهجرة، بعدما تم سحب العدد من الأسواق و حرمان المجلة من الاشتراكات العمومية.

و في مقابل  » قانون الصمت » الذي فرضته الطبقة الحاكمة، و في مقابل عزمها على منع الصحافة و المنظمات الحقوقية و الإنسانية من الإقتراب من هذه المنطقة الممنوعة لم يعد من الممكن معرفة العدد الحقيقي للسجون و المؤسسات العقابية التونسية و لا الإطلاع على معدلات الجريمة أو العدد الإجمالي للسجناء. و كما ذكـّر بذلك المستشار التونسي لليونيسف الإستاذ فتحي التوزري فإنه « منذ سنة 1992 ساد ما يشبه حالة تعتيم على الأرقام و الإحصائيات المتعلقة بالجرائم، حتى تلك العنيفة منها (…) و لا يوجد ما يكفي من البحوث حول نزلاء السجون. » 1 و تجدر الإشارة هنا إلى أن بعثة الصليب الأحمر الدولي رغم حصولها على ترخيص من الحكومة التونسية لزيارة المؤسسات العقابية، إثرسنوات من المماطلة و التسويف، لم تزر إلا عددا محدودا من السجون (تسعة سجون) قابلت خلالها نصف المساجين التي برمجت زيارتهم.

تونس التي تـُعد في « المحافل » الدولية نموذجا متفردا يُحتذى به لم تفصح عن إحصائيات هذا الملف الحساس إلا بمناسبة إستقصاء الأمم المتحدة السابع عن اتجاهات الجريمة و عمليات نظم العدالة الجنائية الذي يتناول الفترة ما بين 1998 و 2000. إلا أن تونس كانت من البلدان القليلة، من بين ال92 المشاركة في الإستقصاء، التي لم تقدم أية معلومة عن نظامها السجني على الرغم من مطالب هيآت منظمة الأمم المتحدة المعنية بالإستبيان. فغابت، في التقرير النهائي الخاص بتونس، الأرقام المتعلقة ب :

– السجون و المؤسسات العقابية أو الإصلاحية الخاصة بالبالغين و بالأحداث. – موظفو السجون و المؤسسات العقابية أو الإصلاحية الخاصة بالبالغين أو بالأحداث، حسب نوع الجنس و الموارد المالية. – الأشخاص المودعون في الحبس، حسب فئة الحبس. – السجناء البالغون : المدة المقضية في السجن في انتظار المحاكمة. – السجناء البالغون : المدة المقضية فعلا في السجن بعد الإدانة. – الأشخاص الموضوعون تحت الرقابة، حسب فئة السن. – الأشخاص المفرج عنهم إفراجا مشروطا، حسب فئة السن. – السجناء المدانون، حسب نوع الجنس و فئة السن.

كيف يمكن تفسير هذا الهاجس الأمني للنظام التونسي عندما يتعلق الأمر بمنطقته المحرمة تلك و التي يمثلها موضوع السجون و النظام العقابي ؟ إذ عادة ما تـُصادر المعلومات التي من شأنها أن تعرض فعلا أمن البلد للخطر، كالمعلومات الخاصة بالمنظومة العسكرية و أسرار الدفاع. لكن، و كما أشار إلى ذلك صدربعل  » كيف يمكننا ، خلال إبحارنا على شبكة الأنترنت، أن نعثر على معلومات في غاية الدقة عن القوات المسلحة التونسية ؟ « 2 إلا أننا لا نجد قيد معلومة عن النظام السجني في تونس ؟

و إذا كانت حرية المعلومات تعني في العديد من البلدان حق المواطنين في الإطلاع على المعلومات التي في حوزة الحكومة، فإن هذه الحرية تـُواجه في تونس بهاجس أمني و بذريعة المحافظة على المصلحة العليا للوطن التي تحرم الجمهور من حقه في المعلومات. و قد أدى هذا الإجراء إلى تبرير القيود الصارمة التي تضربها الدولة على المعلومات وإعفائها من واجبها بنشر أصناف أساسية من المعلومات التي تهم الشأن العام. و على هذا الأساس تمت مصادرة كل ما له شان بنـِسبِ الجريمة و عدد السجون و السجناء، و كأنها ملك خاص بالطبقة الحاكمة تتصرف فيه كما تشاء. مما يدفعنا إلى التساؤل عن آليات و منهجيات صنع القرار في مجال الوقاية من الجريمة، و هل لهذا أي أساس علمي ؟ أم كيف تتم مصادقة البرلمان التونسي على ميزانيات مكافحة الإجرام و تمويل قطاع الإصلاح و السجون ؟ و ما هي المنهجية المعتمدة لصياغة مخططات إدماج المفرج عنهم ؟ واستنادا على أية مؤشرات يتم رسم سياسات العدالة الجنائية و النـُظم السجنية الهادفة للحد من الجريمة و الوقاية من تكرار ارتكابها و هل تـُحترم في هذا المعايير الدولية ؟

هذا و قد كشف التقرير الذي أصدرته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يوم 7 أكتوبر 2004 تحت عنوان « جدران الصمت » عن وجود 29 سجنا و7 مركزا للسجناء الأحداث. و استنادا إلى إحصائيات أصدرتها الأمم المتحدة و المجلس الأروبي، خلال سنة 2002، تصدرت تونس المرتبة الرابعة في قائمة البلدان القمعية من حيث ارتفاع عدد المساجين مقارنة بعدد السكان، حيث يوجد في تونس 253 سجينا لكل مائة ألف ساكن. و بهذا تتقدم تونس كل من الصين و إسرائيل و البرازيل. 3 و يمكن أن يعود هذا العدد الهائل من السجون و المؤسسات العقابية و الإصلاحية –دون الأخذ بعين الإعتبار مراكز الحجز المؤقت- و الذي يتجاوز عدد المحافظات، أوالولايات، (توجد في تونس 24 محافظة و توجد في مدينة بنزرت 3 سجون منها سجن برج الرومي سيء السمعة) لسببين :

– إما بسبب إرتفاع معدلات الجريمة و بالتالي كثرة نزلاء المؤسسات العقابية. الشيء الذي حدى بالسلطات إلى بناء عدد أكبر من السجون. إلا أن هذا المنحى في التفسير لا يستقيم أمام واقع غياب الإحصاءات و الأرقام التي تم التخفي عنها لأسباب واهية كتلك الذي أوردها أحد المسؤولين التونسيين في مجمل رده على سؤال في هذا الغرض، حيث عدّد : » أولا– إن تونس بلد سياحي قد يتضرر قطاعه الحيوي جراء نشر المعلومات المتعلقة بمعدلات الجريمة و الإنحراف. ثانيا– عدم توفر إحصائيين حرفيين قادرين على تنفيذ المهام الإحصائية بكفاءة وتفهم لطبيعة الأرقام والمؤشرات التي يتعاملون معها. ثالثا– قد تستغل المعارضة للنظام التونسي هذه الأرقام و تستخدمها بنية سيئة. » 4

– و إما بسبب حرص النظام على إنشاء « سجن الجوار ». إلا أن هذا التأويل يتهاوى بدوره أمام معاناة سجناء الرأي جراء سياسة الإبعاد التي توختها حيالهم السلطات الأمنية و السجنية. سياسة تقضي بإبعادهم عن محل إقامتهم و معاقبتهم و ذويهم عبر جعل الزيارات المنتظمة شاقة و شبه مستحيلة. و قد أدانت المنظمات الحقوقية والإنسانية هذا الإجراء التعسفي و اللاإنساني الذي يستهدف سحق المساجين و عائلاتهم.

ويكمننا تقسيم المؤسسة السجنية في تونس إلى ثلاث درجات:

1.     السجون و المؤسسات العقابية.

2.     العزلة الانفرادية التي فرضت على فئة خاصة من المساجين السياسيين داخل المؤسسة العقابية و التي يصفها البعض ب » سجن داخل السجن ».

3.     المراقبة الأمنية والإدارية و إجراء الإقامة الجبرية التي تـُبقي السجناء بعد قضاء محكوميتهم على ذمة الأجهزة الأمنية و العقابية. و هي ترسانة تحرمهم من أبسط الحقوق الأساسية كالحق في التنقل و الشغل و العيش الكريم. و تد تـُستخدم هذه الأساليب لغرض النفي كما تشهده حالة الصحفي و السجين السياسي السابق عبد الله الزواري الذي نـُفي منذ خروجه من السجن في سنة 2002 إلى جنوب البلاد، 500 كلم، بعيدا عن عائلته المقيمة في تونس العاصمة و حُرم من حقه في التنقل باسم تراتيب المراقبة الإدارية (شاهد الخريطة).

الخريطة

الخريطة عبارة عن خليط (mushup تقنية يمزج فيها عدد من التطبيقات وخدمات الويب من أجل إنشاء خدمة جديدة ) من :

– قائمة غير شاملة للسجون التونسية وضعتها على « خارطة غوغل Google Maps API  » مستعينا بخدمة GMapEZ. و قد اعتمدت في صياغة هذه القائمة الإسمية على تقارير المنظمات الحقوقية و على قائمة كان قد نشرها « تسار بوريس » على موقع تونزين. و سأقوم بإكمال و تحسين الخارطة و إثرائها بمحتوياتها سمعية و بصرية حال حصولي على معلومات و مواد إضافية. و تجدر الإشارة هنا إلى أنه، و باستثناء موقع سجن 9 أفريل و سجن القرجاني بالعاصمة تونس، و كذا مواقع السجون بمدينة بنزرت، أي سجن برج الرومي، سجن الناظور و السجن المدني، فإن بقية مواقع السجون التونسية على الخارطة غير دقيقة. وفي انتطار حصولي علي معلومات في هذا الخصوص، قمت بوضع علامة على مركز المدينة أو المنطقة التي يحمل السجن إسمها.

– أشرطة فيديو تهم المساجين السياسيين معروضة على موقع يوتوب YouTube. – تصاميم فلاش كنت قد عرضتها هنا على مدونتي فكرة أو على موقع نواة. – صور بعض الحالات الفردية لمساجين الرأي. – محرك البحث السياقي الجديد لياهو Y !Q Beta.

الرابط لخارطة السجون التونسية

تذكير: يمكنكم المشاركة في تحسين هذه الخارطة عبر الإدلاء بآرائكم أو بمعلومات جديدة أو عبر إعانتي على تحديد المواقع الدقيقة للسجون التونسية على الخارطة. و إذا كانت لديكم فكرة عن موقع أحد السجون يكمنكم الإستعانة بهذه الخارطة : تبديل الخارطة إلى الصورة الفضائية للموقع عبر الضغط على زر Hybrid في أعلى الخارطة. تحديد مكان تونس وسط الخارطة عبر أختيار Tunisia من قائمة البلدان على يمين لوحة المفاتيح (Select Country) . أستعمال الأزرار المخصصة لتكبير أو تصغيير الصورة: اشارة (+) للتكبير، (-) للتصغيير. تحديد موقع السجن الذي تعرفونه و ذلك بمجرد الضغط مرتين بفأرة الحاسوب على الموقع المحدد مما يجعله يتوسط الخارطة بشكل آلي. نسخ الأرقام التي تظهر تحت الخارطة (map Information) و التي تشير إلى خط عرض وخط طول المكان الذي اخترتموه

(Latitude/Longitud) . الرجاء إرسال تلك المعطيات عبر هذه الصفحة. و شكرا.

activism , Ben Ali , censure , google+map , libertés , tunisia , tunisie

  1. « Violence au quotidien », par Ridha Kéfi – Jeune afrique n° 2372, 25 juin 2006. [Back]

  2. « Réponse élémentaire dirait Watson : Question de sécurité nationale« , Astrubal, 13 septembre 2004. [Back]

  3. « Le système carcéral en chiffres, Les pays les plus répressifs« , Le monde diplomatique, juin 2003. [Back]

  4. Violence au quotidien, Op. Cit. [Back]

(المصدر: موقع كتاب بتاريخ 26 سبتمبر 2006)

الرابط: http://www.kitab.nl/2006/09/25/ar-tunisian-prisons-map/


السيارات الشعبية فقدت شعبيتها؟!

تونس ـ (الشروق)
 
هل أثّر ارتفاع أسعار السيارات الشعبية في السنوات الاخيرة على نسق تسويقها؟ مصادر قريبة من المزوّدين الرسميين أكدت «الشروق» أن الطلب على السيارات الشعبية مازال مرتفعا لكنه ليس «بلهفة» السنوات الاولى وذلك لعدة عوامل من بينها ارتفاع أسعار السيارة  الشعبية مقارنة بالسنوات السابقة. فقد قفزت الاسعار بشكل ملفت للانتباه وملحوظ حيث بلغ سعر سيارة «206 بيجو» في سنة 2006 الجارية 15 ألفا و600 دينار وسيارة رينو 16 ألف دينار وسيارة «البولو» 15 ألفا و850 دينارا وسيارة «C3» 16 ألفا و170 دينارا في حين كانت أسعار هذه السيارات في السنوات الاولى لانطلاق برنامج السيارات الشعبية لا تتجاوز الـ 10 آلاف دينار وهو  ما جعل الاقبال عليها آنذاك يكون بشكل كبير جدا وصارت قائمات الانتظار لدى المزودين تضم عشرات الآلاف من المنتظرين. مصادرنا تؤكد أن عوامل كثيرة جعلت أسعار السيارات الشعبة  «لا تكون شعبية» ومنها ارتفاع سعر الاورو خلال السنوات الاخيرة  مقارنة بالعملات الاوروبية القديمة إضافة الى أن السيارات الشعبية المروجة حاليا تحتوي على مختلف الكماليات بما في ذلك المكيف وهو  ما جعلها مرتفة السعر. وإضافة الى ارتفاع الاسعار فإن ارتفاع أسعار الوقود جعل تكلفة السيارة بما في ذلك السيارة الشعبية مرتفعة وتحتاج الى مداخيل محترمة. لكن هناك عاملا آخر وهو عامل مهم جعل العديد من المسجلين في قائمات الانتظار يتخلّون عن رغبتهم  في شراء سيارة شعبية يتمثل في ترفيع صندوق الضمان الاجتماعي لسقف الدخل المطلوب للحصول على قرض بالنسبة الى الاجير مما يجعل الراغب في اقتناء السيارة يكون تحت رحمة القرض البنكي.
 
5 خيـــول
 
وإضافة الى كل هذه العوامل فإن انخفاض أسعار سيارات الخمسة خيول وقربها من أسعار السيارات الشعبية خلال الثلاث سنوات الاخيرة جعل العديد من المواطنين يتجهون نحوها نظرا لعدد من العوامل الفنية المرتبطة بالسيارة. لكن السؤال الذي يطرح أيضا هو لماذا ظلت السيارات  الشعبية مقتصرة على نفس الانواع طيلة هذه السنوات في حين أن الكثير من دور صناعة السيارات في العالم ما انفكت تقدم نماذج جديدة من السيارات المقتصدة للطاقة والمتطورة.
 
سفيان الاسود
 
(المصدر: صحيفة الشروق » التونسية الصادرة يوم 5 أكتوبر 2006)


الأستاذ عبد العزيز الغشام في ذمة الله

 
تونس 2 اكتوبر 2006 (وات) توفي الطبيب الاستاذ عبد العزيز الغشام يوم الاثنين عن سن تناهز ال 71 عاما.
وقد ساهم الاستاذ عبد العزيز الغشام رائد الطب الشرعي وطب الشغل بتونس في تكوين أجيال عديدة من الاطباء التونسيين وعمل على اصلاح دراسة الطب وشغل منذ سنة 1973 منصب استاذ في كلية الطب بتونس ليصبح عميدها من سنة 1985 الى سنة 1993 .
وكان الفقيد الرئيس المؤسس للجمعية التونسية لعلوم الطب الشرعي والجمعية التونسية لطب الشغل ورئيس ندوة مديرى وعمداء المعاهد وكليات الطب بالمغرب العربي من سنة 1988 الى 1992 .
كما شغل منصب مدير المعهد الوطني لطب الشغل ومديرا لمعهد طب الشغل والامراض المهنية بالتوازى مع مسؤولياته كرئيس لمصلحة الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول حتى سنة 1999 .
وقد تراس الاستاذ عبد العزيز الغشام طوال سنوات لجنة تقييم برامج البحوث الطبية بوزارة البحث العلمي وكذلك اللجنة الفنية للجنة الوطنية للاخلاقيات الطبية التي كان أحد أعضائها المؤسسين.
كما كان الرئيس المباشر للجمعية المتوسطية للطب الشرعي ومستشارا قارا للندوة الدولية للعمداء الناطقين باللغة الفرنسية والاستاذ عبد العزيز الغشام صاحب مؤلفات عديدة حول طب الشغل والطب الشرعي والاخلاقيات الطبية.
وقد ناضل منذ نعومة أظافره ضمن عديد المنظمات الشبابية والطلابية على غرار الاتحاد العام للطلبة التونسيين الذى كان رئيسه طيلة دراسته الجامعية في تولوز وباريس وقد منحه الرئيس زين العابدين بن علي سنة 2002 وسام الاستحقاق الثقافي.
 
(المصدر: وكالة إفريقيا تونس للأنباء (الرسمية) بتاريخ 2 أكتوبر 2006)
 

الأمين العام للتجمع يعلن الحرب على الحجاب

 

مسامرة حول الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية

إعمال العقل والاجتهاد والسعي وراء العلم والحداثة

احتضنت دار التجمع الدستوري الديمقراطي بالعاصمة مساء أول أمس الثلاثاء في اطار منتدى الفكر السياسي للتجمع مسامرة حول «الحفاظ على الاصالة والهوية الوطنية» حضرها بالخصوص وزير الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج ووزير البحث العلمي والتكنولوجيا وتنمية الكفاءات.

وألقى السيد الهادي مهني الأمين العام للتجمع كلمة أبرز في مستهلها حرص الرئيس زين العابدين بن علي على أن يتعزز خلال شهر رمضان المعظم التعريف بقيم الدين الاسلامي الحنيف ومبادئه النبيلة ايمانا من سيادته بأن الدين الحنيف هو قوام حضارة البلاد وركن أساسي من مقومات المجتمع.

وأضاف أن العهد الجديد قد جعل من التأصل في الحضارة والتجذر في الأصالة احدى خياراته الأساسية في اطار من التفتح على الآخر وإعمال الفكر والاجتهاد والسعي نحو التقدم والتطور والحداثة دون الذوبان في الآخر أو التقوقع على الذات في ظل التحولات العالمية المتسارعة.

وأكد الأمين العام للتجمع أن التونسيين المتعلقين بالدين الاسلامي الحنيف والحريصين على التجذر في أصالتهم والدفاع عن هويتهم الوطنية يستغربون اليوم من بروز بعض الظواهر المجتمعية الغريبة عن دينهم وأصالتهم وهويتهم وعن تقاليدهم وأنماط عيش أبنائهم وأجدادهم وهي ظواهر لا علاقة لها بالإسلام الحق الذي دعا الى إعمال العقل والاجتهاد والسعي وراء العلم والحداثة والسمو بالإنسان الى أعلى درجات الفكر المتحضر والمستنير.

وبعد أن أشار الى ظاهرة التستر بالدين لخلفيات سياسية أكد ان الواجب يقتضي من الجميع دولة وأحزابا ومجتمعا مدنيا ومواطنين ان تتضافر الجهود للدفاع عن الخيارات المرجعية التي ميزت تونس على امتداد تاريخها العريق وجعلتها منارة مشعة بين الأمم وقطب علم ودين واستقرار وتفتح على امتداد ثلاثة آلاف سنة من التاريخ.

وأوضح الأمين العام للتجمع ان التشريعات في هذا الشأن موجودة ويجب العمل على تطبيقها في المؤسسات العمومية والتربوية والجامعية وفي كل الفضاءات والمواقع العمومية وتعميق الوعي بأن مثل هذه التصرفات لا تمت للإسلام بصلة ولا علاقة لها بهوية البلاد وأصالتها وهي قد تنال مما تحقق للمرأة التونسية من انجازات ومكاسب.

وبيّن انه إذا ما قبلنا اليوم الحجاب قد نقبل غدا ان تحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت وأن تمنع من الدراسة وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية فنتراجع الى الوراء وننال من أحد المقومات الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع وتقدم الشعب ومناعة البلاد.

ودعا السيد الهادي مهني الى التحرك من أجل التصدي لمثل هذه الظواهر دفاعا عن الدين الاسلامي وعن حقوق أجيال تونس الحاضرة والقادمة ووفاء لتقاليد البلاد وأصالتها وهويتها مؤكدا ان الرئيس زين العابدين بن علي أذكى في نفوس التونسيين مشاعر الفخر بارثهم الثقافي والحضاري والوعي بأهمية الحفاظ على ما في تقاليدهم وعاداتهم من مكونات ايجابية تتناغم مع العصر ومع الحداثة التي يدخلونها بعزم لنحت المستقبل بثقة وأنفة.

ومن جهته بيّن السيد أبو بكر الأخزوري وزير الشؤون الدينية ان مسؤولية الذود عن الهوية هي مسؤولية مشتركة بين مختلف مكونات المجتمع مؤكدا على أهمية دور الاعلام في هذا الشأن وعلى مزيد النهوض بالخطاب الديني لضمان حسن التبليغ.

ودعا التجمعيين الى اعتماد خطابات الرئيس زين العابدين بن علي وما تتضمنه من توجهات سامية مرجعية فكرية صلبة لشق الطريق نحو المستقبل بنجاح.

وألقى الأستاذ توفيق بن عامر أستاذ الحضارة الاسلامية بكلية الآداب والعلوم الانسانية بتونس محاضرة حول «الحفاظ على الاصالة والهوية الوطنية» أبرز فيها الأهمية الكبيرة التي يحظى بها موضوع الهوية لدى الرئيس زين العابدين بن علي الذي ما فتىء يولي كل العناية للدين الاسلامي الحنيف باعتباره مكونا أساسيا للهوية التونسية ويعمل على الارتقاء بقيمه السمحة مشيرا الى ان التجمع الدستوري الديمقراطي يقف دوما في المقدمة للذود عن الهوية الوطنية وحماية خصوصياتها.

واستعرض مختلف المراحل التي تم فيها التأسيس للهوية الوطنية على أرض تونس مبينا ان هذا التأسيس انطلق مع تعريب أهل البلاد وانتشار الاسلام وارساء المذهب المالكي ثم أتت حركة الاصلاح التي برهنت خلالها الهوية على أنها مؤهلة للأخذ بأساليب الرقي وتلتها حركة التحرير الوطني التي جعلت من الهوية سدا منيعا ضد خطر التجنيس.

وأضاف ان دولة الاستقلال قد جعلت من الاجتهاد منطلقا لتطوير الأوضاع الاجتماعية بعد التحرر من نير الاستعمار ثم جاءت دولة التغيير لترد الاعتبار لهذه الهوية وتعمل من أجل الذود عن الخصوصية التونسية وحمايتها من المخاطر السلبية للعولمة ومن أجل اعلاء القيم الاسلامية الأصيلة على مختلف الأصعدة التربوية والتشريعية والمؤسساتية.

ولاحظ المحاضر ان التمثل الواهي للهوية التي يعتبرها بناء متواصلا وتفاعلا مع الواقع يعد أحد مرتكزات المقاربة الاصلاحية التونسية التي حققت الريادة على مر الأزمان فكانت تونس رائدة في الغاء الرق وفي وضع أول دستور في البلاد العربية ثم في ابتكار مجلة الأحوال الشخصية وفي اعلاء شأن القيم الاسلامية النبيلة.

وأكد ان من أبرز خصائص الهوية كونها قاسم مشترك بين المنتمين اليها وهو ما ينجر عنه اشتراك في مسؤولية الحفاظ عليها من مظاهر النشاز المتأتية من التمثل الجامد والمتحجر للهوية.

(المصدر: صحيفة « الصحافة » التونسية (حكومية) بتاريخ 5 أكتوبر 2006)

 


المقاومة : الحق والواجب  و الحلّ الأخير.

 

د.منصف المرزوقي

نحن العرب، شعوب بلا دول في مواجهة دول بلا شعوب,مما أدي ولا يزال إلى وضعية  لا تحسد عليها، لا الدول ولا الشعوب ، من أهم ملامحها ما يلي:
1-تفاقم عجز أنظمة فاقدة الهيبة، فاقدة الشرعية، فاقدة الكفاءة ،عن القيام بأبسط إصلاح أو  مدّ  حتى ولو جسر من القشّ بينها وبين القوى السياسية الممثلة … بل إمعانها في الفساد والتزييف والاحتماء بالأجنبي ومواصلة تطويقها المجتمع من الجهات الأربع بالقمع ، في الوقت الذي يحاصرها نفس  هذه المجتمع  بكرهه من الجهات الأربع أيضا …  ولا منفذ لأي طرف .
2- تفاقم مفزع للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية ، في ظل غياب أي أفق لحل الأزمة السياسية  التي هي أهم عامل في استفحال بقية الأزمات.
3-تبين خواء أحزاب معارضة عاجزة عن فرض أي إصلاح ،ناهيك عن كون أغلبها لا تفكر لحظة في أن تكون بديلا وإنما تحلم أن تكون شريكا.
4- الصدى الهائل للانتصار العظيم الذي أحرزته المقاومة اللبنانية، دون نسيان بسالة وتضحيات المقاومة الفلسطينية، ومن ثمة تصاعد إغراء المقاومة المسلحة لوضع حدّ للاحتقان والانسداد والجمود.
 
كل هذا يضع شعوبنا وأمتنا أمام تقاطعات طريق مصيرية، مما يفرض إحكام التفكير وتعميق النقاش بيننا ، وتحديدا في هذه المرحلة توضيح مصطلح  المقاومة، بما أنه بصدد فرض نفسه كالمفهوم المحوري في الخطاب السياسي العربي مستقبلا.
 هل ثمة دلالة أبلغ من سماعنا وريث جملكية سوريا  يتغنى به ويمجده!!
نحن  مقدمون إذن، كما حدث مع كل المصطلحات الكبرى، على  عمليات  استيلاء وتفويض وتقويض وتمييع … ومن ثمة هذه  المحاولة لتعريف  المصطلح و اقتراح كيفية تفعيله.
هذا النص ليس  فتوى إنما  لحظة من لحظات تفكير جماعي محتدم على صفحات الجرائد وعلى  الفضائيات . هو رؤوس أقلام لاجتهاد  يستند على تجربة ربع قرن في النضال الفكري والسياسي ضد الاستبداد ،ودعوة منذ سنوات في بلدي تونس للمرور من المعارضة إلى المقاومة ،وعمل متواصل من أجل نقل الفكرة من الشعار إلى البرنامج …قد تكون فائدة الأفكار التالية في  بلورة أرضية فكرية مشتركة بين كل المقاومين العرب .
 
1- المقاومة خيارنا الوحيد المتبقي .
 
لم تعد مقولة  » أنظمة لا تصلح  ( بفتح الياء) ولا تصلح » (بضمها )بحاجة إلى مزيد من التدليل. فكل طبائع النظام العربي -دكتاتورا وحاشية – تمنع شيئا مثل الإصلاح والصلح والمصالحة. ومن  الأسباب: العجرفة، نسيان مبدأ لو دامت لغيرك لما آلت إليك، الخوف من المحاسبة  نتيجة حجم الجرائم المرتكبة، ، الحقد الشخصي على المعارضين الذي يدفع للتعامل معهم بقوة الضغينة ، الجهل نتيجة العيش في عالم سحري  يتعهده  المتزلفون، البارانويا الطبيعية أو المكتسبة بحكم طول البقاء في السلطة المطلقة، سهولة الهروب إلى الأيام وصعوبة المراجعات المؤلمة، المرض الجسدي والنفسي للدكتاتور …وإحقاقا للحق صعوبة الحكم ، حتى ولو كان  النظام سليما  والشخص سويا، فما بالك إذا غاب الشرطان.
الأهم من هذا كله أن المستبد يفهم ما لا يفهمه دعاة المصالحة : الإصلاح الكفيل  بإنهاء الأزمة يمر حتميا بإنهاء الفساد والتزييف والقمع… وهم دعامة سلطانه. من أقنع يوما خصمه بأن من مصلحته الانتحار؟ مما يجعل  انتظار الإصلاح في أحسن الأحوال سذاجة…وفي أسوأها جبن يتغطى برداء الحكمة. هكذا وضعنا ولا نزال أمام الخيار الاستسلام أو المقاومة.أما الاستسلام فغير وارد لأنه يعني بالنسبة للمجتمع والدولة الانحطاط إلى مستوى من العفن غير مسبوق. لذلك لا حلّ غير المقاومة.
 
2-المقاومة  قطع مع   المعارضة
 
إن المكان الطبيعي للمعارضات  في ظل دكتاتورية دون مساحيق، هو المقابر أو السجون. أما في ظل دكتاتورية بمساحيق كما هو الحال في ملكيات وجملكيات العرب، فهامش ضيّق للغاية من الساحة السياسية ومحاصر بجحافل بوليس مجنّد كل لحظة لعرقلتها وأضعافها وتصفيتها  إذا تجاوزت خطا أحمر.
ما لا تفهمه المعارضات العربية أن المعارضة (بما هي تكوين أحزاب قانونية وتشغيلها بحرية، لمراقبة أداء السلطة والضغط عليها لتحسينه، وتقديم البديل إلى الشعب في إطار انتخابات حرة سعيا للتداول على السلطة) لا تكون إلا في ظل النظام الديمقراطي… الذي هو الشرط الأولي لوجودها وعملها  وليس المحصلة النهائية لنضالها كما تتوهم.
معنى هذا أن الصبر عليها في مصر أو تونس وغيرها، هو فقط  لتساهم في الديكور الديمقراطي، خاصة عندما تقبل بالمشاركة في الانتخابات وهي أحسن من يعلم أنها مزورة.
المعارضة إذن طريق مسدود، أيا كانت حدة لهجتها واستقلاليتها ونزاهة أصحابها،وأحزابها بالضرورة  حوانيت مفلسة تستثمر في حليب الثور وهي تصرّ على التعامل مع الاستبداد كأمر واقع لا مردّ له هو للمداهنة والترويض والتحسين.خلافا لها على المقاومة أن تتعامل مع الاستبداد، كاحتلال داخلي، كما تعامل آباؤنا مع الاستعمار  كاحتلال  خارجي … أي بالرفض المطلق لوجوده وجعل القضاء عليه هدف الأهداف.
 
3-المقاومة ليست  الإرهاب أو العنف
 
المقاومة مسلحة  بالضرورة أين  نواجه جيشا أجنبيا غازيا، لكن مقاومة أنظمة الاحتلال الداخلي  يجب أن تكون سلمية أو هي دواء  أمر من الداء.
من بين الأسباب الكثيرة للخيار السلمي: أن العنف يمدّد في عمر الاستبداد بإعطائه ذريعة محاربة الإرهاب، أنه يكفل له مزيدا من دعم  الأوصياء الأجانب، أنه ينفّر جزءا من المجتمع ويضعه في جانب التسلط ، أنه يستهدف أبرياء، أنه يزيد من معاناة المجتمع ، أن من يتحمّل التبعات الاقتصادية له  هم  أفقر الناس …أن فعاليته معدومة كما دلّ على ذلك فشل التمرد المسلح في الجزائر.
 ثمة أيضا سبب تكتيكي هام . فآلة القمع للمحتل الخارجي ترحل معه لأنها منه وإليه . لكن آلة القمع للمحتل الداخلي تبقى معنا إذ هي منا وإلينا. فأفرادها ضحايا مثلنا وولائهم للعصابات الحاكمة اضطراري  ومرحلي  وبالغ الهشاشة. مما يعني أن الأجهزة الرهائن( الجيش والأمن والقضاء)  حليف ممكن للمقاومة وفي كل الأحوال أداة النظام الجديد. لذلك يشكل استهدافها  بالعنف خطأ فادحا.
 
4- المقاومة تواصل المشروع التحرري وتحقيق حلم الآباء والأجداد.
 
هناك إجماع  على أن الهدف الأصلي  لمعركة التحرر الوطني  أي بناء دول مستقلة في خدمة شعوب حرة قد فشل، أو قل توقف، لأن دولة الاستقلال الأول خانته عندما تحولت إلى دولة خواص في خدمة حزب وعائلة وشخص. هذا ما يحمّل المقاومة مسئولية استئناف مشروع لن يتقدم إلا  بتجاوز الأسباب  التي أجهضته وليس فقط استبدال شخص بآخر وسياسة بأخرى في إطار نفس المنظومة السياسية  التي أدت إلى الكارثة .
 
5- الرسالة  الأولى للمقاومة وضع حد للاستبداد
 
تبيّن بصفة لا تقبل الجدل أن سبب هذا الإجهاض، والقاسم المشترك بين الملكيات والجملكيات الفاسدة ، بين التي تنادي بالوطنية أو بالقومية …أو بالديمقراطية ،  هو الآفة والعاهة : الاستبداد.
مما يعني أنه لا قيمة ولا دور للمقاومة خارج هدف تفكيك الاستبداد سواء  في مستوى  بنيته الفوقية ( البوليس السياسي ، التعذيب، المحتشدات، قمع الحريات الفرية والجماعية، الانتخابات المزيفة) وأيضا في مستوى  بنيته التحية (برامج التعليم  والتربية، العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمدرسة والمصنع )
 
6-الرسالة الثانية للمقاومة منع تجدد الاستبداد من داخل النظام المتعفن
 
إن إحدى الوسائل الأكثر احتمالا لمواجهة النظام العربي الحالي لمصيره المحتوم ، التخلص من الزعيم الأوحد وعائلاته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالح عديدة ومتشعبة، أصبح بقاء الدكتاتور أهم خطر يهددها.
والسيناريو محبوك وربما جاهز في أكثر من قطر: بدفع من بعض القوى داخل النظام، وبمباركة الأوصياء الأجانب، يزاح الدكتاتور، فيتنفس الناس الصعداء ويتقدم رجل « جديد » من صلب المنظومة القديمة ليعد بنهاية الظلم وبداية عهد جديد الخ . ما هي إلا أشهر إلا والرجل الجديد القديم  قد أعاد وضع النظام على السكة لجولة استبدادية جديدة هو قائدها.
والعادة  أن يهرع الجزء الانتهازي من المعارضات لمباركة  » التحول » و »استقراء الخير فيه  » و »إعطاء الفرصة »  و »العمل على التغيير من الداخل » وكل الخزعبلات الأخرى  التي تخفي  طمع المشاركة في سلطة طال ترقبها. إن دور المقاومة هو الاستعداد لمثل  لهذا السيناريو عبر سيناريو مضاد  يمنح القيادة الجديدة – إن لم يكن هذا برنامجها كما حصل في موريتانيا- مهلة بضعة أشهر لإعادة السيادة للشعب عبر تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية  حقيقية… والسلطة الانتقالية منظّم  لها  لا طرف فيها . أما إذا رفضت فدليل على أن الأمر خدعة حرب وأن على النضال أن يتواصل بقوة أكبر حيث لا أخطر من إعطاء المهلة للدكتاتورية الجديدة لكي تثبت مواقعها.
 
7-الرسالة الثالثة للمقاومة  منع تجدد الاستبداد من داخلها
 
إذا لم تفهم القوى السياسية البديلة – خاصة الإسلامية- أن الفشل المخزي للوطنية والقومية والاشتراكية لم يكن بسبب الأهداف والأيدولوجيا والاستعمار والصهيونية ولا حتى بسبب الأشخاص إنما نتيجة المنظومة الاستبدادية  ككل ( فكرا ومنهجا ووسائل ) … وإذا أعادت، بأهداف وتبريرات أخرى، إنتاج نفس المنظومة ،  فإنه لن يمضي  عقدان ،على أسوأ التقدير، قبل أن تفلس هي الأخرى وأن تبغّض الأمة- إذا كان البديل إسلاميا- في الإسلام السياسي وحتى في الإسلام. مما يعني أن منع تجدد الاستبداد داخل المقاومة في زمن الصراع، وإعادة إنتاجه عند التمكن، قضية مصيرية بالنسبة لها وللمجتمع.

8- المقاومة جبهة وطنية  واسعة …..ومؤقتة

إن تعدد مكونات الساحة السياسية أمر طبيعي يعكس تعدد التيارات السياسية التي تشق المجتمع، وهذه التيارات هي التي ستتصارع سلميا عبر الانتخابات الحرة لتمرير رؤاها وبرامجها، لذلك  لا يجوز، لا  رفض تباينها هذا  بحجة وحدة المقاومة، ولا التوقف عند الاختلافات في مرحلة النضال التحرري

 و إلا تبعثرت القوى. الحل هو الاعتراف بالتباين من قبل كل الأطراف وتجميده مرحليا حتى تستطيع المقاومة فرض الإطار السياسي العام الذي يعطي لوجود الأحزاب والتيارات الفكرية المكونة لها  معناه ويسمح لها بالقيام بوظيفتها.

لا يجب إذن على المقاومة أن تكون نواة للحزب الواحد مثل جبهة التحرير الجزائرية وإنما تجمع  مرحلي لإنهاء الاستبداد تنتهي مهمته  بوضع أسس النظام السياسي الذي  يعيد للشعب سيادته وللمواطن كرامته وللدولة شرعيتها ودورها الطبيعي في خدمة شعب لا خدمة شخص.

9-المقاومة شبكات مواطنين تعدّ  للعصيان المدني السلمي

تنظيميا يجب أن تكون المقاومة شبكات وطنية، ومحلية،  تنسق بينها وتحركها شخصيات قوية وصلبة  أغلقت مؤقتا الحوانيت الحزبية أو جمدت نشاطها فيها، وتعتمد خطابا تعبويا وتحريضيا، وتعوّل أساسا على  الاعتصام والتظاهر ورفض دفع الضرائب والإضراب تحضيرا للإضراب العام…كل هذا إلى انهيار النظام الاستبدادي وانتصاب النظام الديمقراطي على أنقاضه.

10- المقاومة صلابة في الأهداف  ومرونة في التكتيك

خلافا للدكتاتورية التي لم تترك منفذا لها ولغيرها، على المقاومة أن تحافظ دوما على مخرج للمورطين في النظام ، طالما ساعد هذا في حقن الدماء، كأن تتعهد بعدم محاسبة كل القوى من داخل السلطة التي تلتحق بها أو التي  لا تدخل في  إزهاق الأرواح  لتمديد احتضار أنظمة ماتت في العقول والقلوب ولم يبق سوى مواراة جثمانها غير الطاهر في مزابل التاريخ .

السؤال الأزلي: نكون أو لا نكون…والرد الوحيد نكون بالمقاومة وبالاستقلال الثاني … ولا نكون بكل شيء آخر.


الياس مرزوقي  وقيس باريس  وامثالهما من « سيس » الحجاب

اعرضوا أنفسكم على مفتي الجمهورية

الحقد الذي يغلي في صدور بعض بقايا اليساريين المتطرفين في تونس[أعني باليساري كل شيوعي وعلماني متطرف] الذين فشلوا بإديولوجيتهم  وتفكيرهم الشاذ  في الوقوف امام الفكر الإسلامي عبر الجدال والنقاش ومقارعة الحجة بالحجة . فشلوا وخابوا وكانت ردة الفعل الأولى ان حاربهم علماء الزيتونة فاحبطوا عملهم وفكرهم الهدام الغريب عن بلادنا تونس المسلمة . ثم جاء الجيل الإسلامي المتدين  من علماء و ابناء الحزب الإشتراكي الدستوري  واحزاب اخرى لا يعادون الدين وابناء الإتجاه الإسلامي وجماعة التبليغ وحزب التحرير وعناصر كثيرة من المتدينين , ثم حملت حركة الإتجاه الإسلامي لواء مقاومة الشيوعيين في تونس فابدع ابناء الإتجاه ومعهم عناصر اسلامية اخرى في دحر الفكر اليساري فلم نسمع للشيوعيين واليساريين في تونس عموما اي انتشار مقابل توسع وانتشار التدين في تونس فلجأ اليسار للقمع بالقوة  لمحاربة التدين.

فلم يعد اليساري والشيوعي اليوم في تونس قادرا على ان يتكلم للناس باسم ايديولوجيته الشيوعية مار كسية الجذور او لينينية المصدر فلا ماركس ولا لينين بل بدأوا يتجنبون اي حوار او مواجهة فكرية مع الإسلاميين من منطلقاتهم الفكرية لسبب بسيط هو عدم قدرة فكرهم الوقوف اما الإسلام.

فتراجعوا وتلونوا واندسوا في السلطة  حتى ان  البعض منهم بدا يتكلم عن اسلام تونسي ؟؟؟؟ . لكن الحقد يملء قلوب القلة القليلة الباقية منهم – عدد منهم قد تاب الى الله واسلم- التي تخفي ولاءها لماركس ولنين وهذه الشلة او الشرذمة تاهت ولم تجد لها من سبيل الا ترويج الأكاذيب والأباطيل , متمركزين في اروقة السلطة يبثون سمومهم و يحيكون الدسائس والمؤامرات. بعد ان فشلوا في اجتثاث تونس من اصولها الإسلامية من خلال ضرب الإسلام تحت غطاء محاربة حركة الإتجاه الإسلامي  اي النهضة . فنسبوا العديد من مظاهر التدين لحركة النهضة من ذلك مسألة الحجاب ليسهل عليهم محاربته.

نقول لهذه الشرذمة اليسارية  ومنهم الياس  زروق –  صاحب المقال الأخير في الصباح –  وقيس « باريس صاحب مقال في تونس نيوز :ان الحجاب سابق لوجود الحركة الإسلامية . ليست حركة الإتجاه الإسلامي هي التي فتحت تونس وجاءت بالحجاب اي اللباس الشرعي , اقراوا التاريخ ياجهلة فتونس بلد مسلم منذ قرون .  انا لن ادخل معكما في نقاشات فقهية لأني متاكد انكما جاهلان بالدين بل اتحداكما  وأمثالكما  ان كنتم تعرفون معنى كلمة  اسلام  واعرف انكم عاجزون عن المواجهة فامثالكم لا يتكلمون الا من وراء جدر. 

  لكني ارد  على كل منكما بما يقول : فانا عمري الان 40 سنة فتحت عيني فوجدت جداتي وعماتي وخالاتي وامي ثم بعد ذلك شقيقاتي وزميلاتي يرتدينا الحجاب جدتي عمرها 93 سنة  نحن نسميه حجاب  وانت سمي هذا اللباس كما تشاء المهم ان جدتي لم يجبرها جدي يوما او يلزمها احد بهذا اللباس فهي تعتبره طاعة لله . فحسب كلامك انت الياس مرزوق[ 

ان هذا الشعب ادرك بفطرته، ومنذ قرون خلت، ان الزي المطلوب فرضه قسرا على المرأة التونسية عبر شتى اشكال الترهيب الفكري هو مجرد زي طائفي مستورد، وعنوان سياسي وايديوولوجي ليس اكثر] اكيد انك عندما تقول قرون لا تعني حركة النهضة لآن عمرها لم يتجاوز بعد 35 سنة لعلمي وفرض قسرا , من فرضه ؟ ابوك اوجدك ؟ ان كان جدك او اباك اجبر امك على الحجاب فاتهمهما ولا تتهم النهضة. ثم ائتنا بمثال واحد أُجبرت فيه فتاة على ارتداء الحجاب في تونس . بل العكس هو الحاصل تجبر على نزعه . لا تكذب واحترم ذاتك البشرية على الأقل . وأتحدّاك ان تقول ان رئيس الجمهورية اجبر ابنته عبر الإرهاب الفكري بلبس الحجاب . ابنة رئيس الجمهورية متحجبة هل هي عضوة في حركة النهضة ام في القاعدة ؟ اعرف انك اجبن من ان ترد عليّ او على ابنة رئيس الجمهورية. ويقول قيس باريس الذي هو على شاكلتك [ ان مشكل الحجاب في تونس قد طرح و لا يزال بخلفية سياسة صرفة مهما تكررت محاولات التغليف بالدين و التفتح]

انتم من يريد « تسييس » المسالة  وتجعلونها مدخلا لضرب الهوية الإسلامية في تونس فهذا طبعكم ايها الجبناء . متعللين بانه زي سياسي وما سمعت بهذه المقولة من قبل – الحجاب رمز سياسي – الا عند اليساريين في تونس امر مضحك والله , استحوا على انفسكم وبدل ان تروجوا الأكاذيب راجعوا افكاركم الإرهابية الهدامة وتوبوا الى الله , انتم من جعل منشور 108 مقدس اكثر من دستور البلاد وجعلتموه سيفا مسلطا على المتحجبات .

اما قولك يا مرزوق [

لن نسقط في فخ خوض نقاش فقهي او ديني لان المسألة لا علاقة لها بالدين وانما هي مسألة سياسوية وديماغوجية بالاساس تسوق لها بعض التيارات الغارقة حد النخاع في الظلامية]

انت انسان لا دين لك فاشل لا تؤمن بالدين فاترك المتدينين احرارا يتخذون اللباس الذي يعجبهم اليس لهم حق الإختيار؟ انت البس ما تشاء واتركني البس ما اشاء . من هو الظلامي ياظلامي ؟ من يمنع ام من يترك للناس حرية الإختيار؟ وهل رئيس الجمهورية من ترتدي ابنته الحجاب هو ايضا ظلامي؟ ثم لماذا لا تحتجون عليه وعلى ابنته مباشرة هل ترون الحجاب هو حلال في حق ابنة الرئيس حرام على غيرها؟ هل عندكم جواب؟

اما قول رفيقك قيس من باريس [حسب رايي ان قضية الحجاب هي قضية وهمية مفتعلة، القصد منها خلق جو من التوتر و من ايجاد تناقض داخل المجتمع – هو في غنى عنه – بين فئتين من النساء ( متحجبات و سافرات) من ناحية و بين مدافعين عن الحجاب  » مسلمين بررة  » و معادين للحجاب  » منبتين و علمانيين كفرة » ؟؟

.  ] التوتر انتم مصدره والفتنة انتم من اشعلها , وكلامي هذا لا يعني انكم فئة كما تقول بل انتم طائفة قليلة منبتة, و بمنطق الإسلاميين أنتم شرذمة قليلة . لا جذور لكم في المجتمع التونسي افكاركم يسارية مستوردة  علمانية متطرفة غريبة عن المجتمع التونسي المسلم لذا رفضها بقناعة ,  فاندسستم في اروقة السلطة لتفرضوا افكاركم الهدامة على الشعب بالحديد والنار , فطبعكم الإرهاب – وان كنت اعلم ان كلمة مسلم تشعل ناركم لأنها ابغض الكلمات الى نفوس اليسارين-  . والإسلاميون ما قالوا يوما ان غير المتحجبة  » سافرة » او غير مسلمة وما قلنا ان العلمانيين كفرة , مصيبتكم – يساريي تونس- انكم تتوهمون الأشياء ثم تنسبونها لغيركم امركم عجيب؟؟؟ الى هذه الدرجة وصل بكم الإنحطاط والتيه؟

ان كانت حركة النهضة والإسلاميين عموما تفطنوا الى ألاعيبكم مبكرا ايها اليساريون فالمجتمع التونسي اليوم ادرك حقيقتكم فانتم المخرّبون المجرمون في حق الشعب . هذا الشعب الذي رفض افكاركم وايديولوجيتكم جملة وتفصيلا . وها هو الحجاب يعود اكثر مما كان في الوقت الذي نشات فيها حركة الإتجاه الإسلامي وكانت في الساحة , فالمتحجبات في تونس بالملايين. والله اكبر .

فانت وامثالك بين خيارين اما مواصلة  التصدي له بالعنف والإرهاب وهذا طبعكم  ,او ان تلتزموا الصمت  وتموتوا كمدا,أو أن تتوبوا الى الله وتريحونا من جهلكم . واعلموا ان منشور 108 الى زوال الآن من خلال الرفض الشعبي له وهو  في انتظار القرار السياسي الذي يمحوه لآنه صناعة يسارية  لتيارات محاربة للدين  غارقة حد النخاع في الظلامية.

فشلتم ايها اليساريون وخاب مسعاكم, لم يبقى لكم الا الأكاذيب والدسائس وهذا طبع الجبناء الضعفاء امام حجة العقل والمنطق

واختم بما بدات اعرضوا انفسكم وافكاركم على مفتي الجمهورية حتى نرى ما يقول في امركم فهو المرجعية الدينية للبلاد التونسية

بوعبدالله بوعبدالله


حديث المشاعل ومنطق الاحتقار لن يثنينا عن مواصلة المشوار

 

مرسل الكسيبي
قد يذهب البعض من دهاقنة العمل السياسي أو كبار لاعبيه الى أن المبادرات والأحداث السياسية الوطنية الكبرى هي من قبيل الصناعة المحتكرة التي لايجوز لشباب تونس وجيلها الصاعد المساهمة في ترتيب أوراقها بما يخدم مصلحة الأجيال القادمة ومصلحة البلاد والعباد,وقد يذهب البعض الاخر الى الاعتقاد بأن تبني بعض الأطراف الدولية لخطابه القيمي والسياسي من باب مغازلة الخطاب للمنطوق العلماني المبتوت عن ثقافة البلد وقيم الشعب من شأنه أن يشكل حماية تساعد صاحبها على ممارسة ألوان من الخطاب السياسي لو مارسها غيره من أصحاب المشروع الثقافي العربي والاسلامي لألقي به في غياهب السجون.

بهذه الكلمات أحببت أن أنطلق لأؤكد لكل الفاعلين في الساحة الوطنية المعارضة أن الممارسة السياسية ليست حكرا على الأسماء الكبرى التي ملأت المشهد السياسي التونسي منذ عقود ,دون أن نمتلك نحن معشر الشباب حق مطالبتها بالتجديد المؤسساتي كما تطالب به هي ونحن معاشر الرسميين والحكومات,حيث أن معاشر رسميينا في الصف الحكومي والمعارض لم يفهموا الى حد الان بأن هناك أجيالا جديدة تتوق هي الأخرى ومن منطلق مشروع في أن تساهم في اثراء ساحاتنا الفكرية والسياسية في كنف التعاون على الخيرات وفي أجواء ملؤها الاحترام.
لقد كنت الى حدود ثلاث سنوات الى الوراء أعمل في أجواء الظل السياسي تحت قيادة اللاعبين الكبار,لأصطدم يوما ما وعندما اقتربت من أشهر الرموز في الساحة الوطنية التونسية بأن ماحملته من أفكار عنهم لم يكن الا من قبيل الهالة التي صنعها من حولهم الاعلام وربما أيضا الاضطهاد السياسي الذي عايشته بلادنا منذ فترة اعلان الدولة الحديثة فيما عدى فترات قصيرة تخللتها طفرة في عوالم السياسة والفكر.
تحدث بعضهم عن الحريات والديمقراطية حتى خلت أننا على طريق احداث ثورة في عوالم التسيير والادارة السياسيين بالتمكين لمثل هذا الخطاب الموقر وسادته الكبار,غير أني سرعان مااكتشفت ان وراء هذه الكتابات عوالم أخرى من التنزيل والممارسة التي لاتليق بمثل هؤلاء اللاعبين الكبار.
أوامر بحجب مقالات فولان وأخرى بمصادرة صوت علان ,وثالثة بعدم الدعاية لخلان حتى من خلال نشر مقال واحد لرمز من رموز المعارضة على صحيفة مستقلة تصدر من واحدة من عواصم الغرب المتفوق في حرية الاعلام.
ثم جاءت الصدمة الكبرى حين استمعت يومها والله على ماأقول شهيد الى واحد من هؤلاء يطعن في واحد من رفاق الأمس المؤسسين واصما اياه بوصمة الارهاب!
كانت تلك بداية التحول في حياتي مع اتخاذي لقرار بالخروج من القمقم الحزبي من أجل معانقة الحرية والهواء الطلق من منطلق الاستفادة من تجربتي في العمل الحزبي والجمعياتي طيلة عقدين كاملين.
لقد أردت التحول الى تجربة التحرر والانعتاق من خلال ممارسة منطق الشك فيما علمتنا اياه المكاتب السياسية والتنفيذية ومجالس الشورى طيلة حقبة المواجهات مع نظام لم أشك يوما في أنه مارس سياسة اقصائية وأمنية متجنية في التعامل مع أجيال تتالت على معاصرة تجربة الحداثة التونسية منذ حقبة الخمسينات.
عادت بي الذاكرة الى الأحداث منذ وهلتها الأولى ولم أكن في هذا محاولا أن أجلد الذات,بقدر ماأنني أردت أن انظر الى الأمور في اطارها الموضوعي بعيدا عن عملية التوجيه والتأثير والسلطنة التي تمارسها قيادات الأحزاب,فكان أن تأكد لدي بأننا كنا أمام تجربة نظام سياسي موغل في توظيف الهواجس الأمنية وأدواتها القهرية من أجل ادارة قواعد اللعبة السياسية بطريقة الاخصاء السياسي الموحش في التصنيف والتقعير على طريقة الخصم والعدو والخطر الداهم والارهاب القادم وماالى ذلك من ألفاظ يحذقها الاعلام الموجه عند أنظمة الحل الأمني. 
وفي المقابل حيث الطرف المعارض حكمت-بتشديد الكاف- قواعد صارمة في النقد الذاتي من أجل معرفة أسباب فشل النخبة التونسية في احداث التغيير المنشود وتشذيب سلطان الدولة من أجل رفع شيء من هيمنتها عن المجتمع الأهلي وفاعليه,وقد كان أن اهتديت الى مايلي :
1-تمزق النخبة التونسية بفعل صولة الايديولوجيا وهيمنتها على القرار السياسي. 2-هناك أزمة هيكلية تحكم العمل المعارض بسبب عزوف هياكل المعارضة عن التجديد والتشبيب وخاصة في الأطر القيادية,وقد سجلت الخوف والهلع الذي يحكم بعض قادة هذه المعارضة من التنازل عن مواقعهم وامتيازاتهم ووجاهاتهم الحزبية. 3-هناك انقسام ثقافي خطير يحكم النخبة التونسية بين علماني متجذر  واسلامي متحفز الى أخذ مكان طبيعي له تحت ضوء الشمس. 4-الولاءات الحزبية والمشيخية والشخصية تحولت الى درجة متقدمة من التعصب المعمي للبصيرة. 5-احتكار عالم المال والأعمال في الصف القيادي يشكل ورقة رابحة من أجل الاستمرار في المواقع ومراكز القرار. 6-الاعلام العربي وربما الغربي صنع ديناصورات سياسية يصعب استبدالها داخل الصف المعارض وذلك بحكم ماخلقه لاصحابها من شهرة وصيت يصعب منازلتهما في الاستحقاقات الانتخابية. 7-الرؤى التقليدية لمفهوم المعارضة لدى النخب الفاعلة في الأحزاب ولاسيما المتحدرة منها من مدارس شرقية سرعان مايقود اصحابها الى منطق المنازلة والصدام. 8-هناك هيمنة لمنطق الأبيض أو الأسود في التفكير المعارض الى الدرجة التي يستحيل معها الاقناع بأن المشهد السياسي له صورة بالألوان. 9-غياب منطق خذ وطالب الذي كان يعتمده الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عن أدوات التحليل والتصور السياسي ,بحيث غدى المنطق الغالب على التفكير السياسي هو روح المواجهة والضغط والمغالبة والمنازلة ومنطق الفرض والصراع. 10-افتقاد العديد من التيارات العلمانية للامتداد الجماهيري جعلها توظف في دهاء ورقة الاضطهاد للتيار الاسلامي من اجل تحسين مواقعها داخل وخارج السلطة. 11-افتقاد الاسلاميين لروح المؤسسات الحقيقية بعيدا عن كاريزمائية وقداسة المشائخ جعلها تصبح دمية طيعة في ايدي من اطلقت عليهم تسمية المشائخ. 12-هؤلاء المشائخ يفتقدون في اليات تفكيرهم لاليات العمل السياسي المدني المعاصر ويقومون بخلط رهيب بين قراءات للسيرة النبوية الشريفة أو تفسيرات للقران الكريم واسقاطات لها على الفشل والاخفاق السياسي-في مواضع توظيفية وتبريرية بعيدة عن الصواب. 13-مازال العقل السياسي العربي بدويا الى الحد الذي يستطيع فيه القادة ممارسة ادوار قيادية تتجدد برغم محطات الفشل المتكررة في احداث نقلة نوعية في حياة بلدانهم السياسية. 14-مازالت أحزاب المعارضة التونسية موغلة في استعمال الخطاب السلبي والانكاري والاتهامي في تقييمها لكل ماهو صادر عن السلطة حتى وان كان منجزا حقيقيا يشهد به القاصي والداني.
ولعلني اكتفي بهذا القدر مؤكدا في السياق نفسه على أن هذا لايعني البتة بأن نظام الحكم في تونس لم يساهم بشكل او باخر في تعميق أزمة المعارضة التونسية من خلال محاولة اختراقها وافسادها احيانا اخرى ومحاولة اشتراء ذمم بعضها الاخر او ربما تهديد بعضها او اغراء بعضها الاخر.
غير أن نظرة سريعة على الواقع التونسي الاني وأنا أتأمل في كتابات البعض الموغلة في التفسير التامري المشكك أحيانا في وطنيتنا نتيجة تجرؤنا على نقد بعض أساليب العمل المعارض والياته من منطلق دعوتنا الصريحة الى طي صراع مرحلة التسعينات من القرن الماضي عبر الانخراط في مسار نتنادى له جميعا في اطار مشروع عادل وشامل للمصالحة الوطنية تغلب فيه المصلحة الوطنية العليا على منطق الطموح الشخصي والمزايدة على ورقة المساجين السياسيين أو توظيفها كورقة للابتزاز السياسي كما هو حاصل أيضا مع المنشور الفضيحة 108,حيث أن ماتفوح به كتابات البعض من حديث عن المفعول به والمضاف والمضاف اليه في مقابل نفخ غير بريء في صور كبار اللاعبين  الذين صنع منهم الاعلام أصناما سياسية لايجوز لنا نقدها,أو ماكتبه البعض عن حملنا للواء المشاعل المنطفئة من منطلق احتكاره هو لوهج المشاعل وللقدرة على التشخيص والفهم!, أو ماحبره البعض الاخر بوزر يلقاه بين يدي ربه تعالى في الحديث الموغل في الاحتقار في مقدمة مقاله عن المشهد السياسي التونسي أزمة معارضة أو ازمة حكم؟…كل ذلك لن يزيدنا الا اصرارا وخاصة بعد حديث المشاعل المنطفئة وحديث الاعراب ودروس النحو والصرف التي تلقيناها على أغلب المواقع الافتراضية التونسية,لن يزيدنا الا ايمانا وفي تواضع لله تعالى وتسليم له وتوكل عليه بعدالة صوتنا وحقه في الوجود بين ديناصورات السياسة التي تريد ان تبتلع الفضاء العام من خلال رغبتها في بسط النفوذ الحزبي على عقول الناس وممارسة مصادرة للعقل والرأي الاخر عبر تجنيد الأقلام الحزبية التي لاترى في المصالحة الوطنية الا تذللا وانكسارا وبيعا لذممنا على اعتاب القصر والسلطان!!!.
ستريكم الأيام بمشيئة الله تعالى صدقنا واخلاصنا لقضيتنا وقضية شعبنا وقضايا المظلومين وحرصنا على الوقوف سندا الى جانب مواطن العدل والانصاف  في بلدنا, والأيام بيننا فيصل لتروا شعلة مشاعلنا التي لن تطفئها الا ارادة الله تعالى بقبض جذوة أرواحنا لنغادر مسيرة بشرية ستكون محفوفة باذنه تعالى بحب شعبنا ورضا خالقنا الذي علمنا التواضع للناس ولكن أيضا عدم السكوت على الاحتقار الذي أيقنت أن وراءه روح النرجسية السياسية التي لاتصلح لقيادة المظلومين والمقهورين والبسطاء !
*لمراسلة كاتب المقال يرجى الاتصال على reporteur2005@yahoo.de
 
(المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » الألكترونية بتاريخ 5 أكتوبر 2006)

المطلوب هو تطابق الخطاب والممارسة مع قرار المصالحة

 
الحبيب أبو وليد المكني
ليست هذه المرة الأولى و لن تكون الأخيرة التي يدور فيها الجدل حول الخطاب السياسي الذي يجب أن تمارسه المعارضة التونسية سواء كانت إسلامية أو علمانية .وبالتالي فالخلاف حول هذا الموضوع ليس جديدا بما في ذلك التجاوزات التي يمكن أن تحصل في حق البعض وما يترتب عنها من نتائج سلبية يدرك جميع من يعمل في هذا الحقل آثارها و ثمارها ، ولعل حالة التشرذم التي تعيشها هذه المعارضة تفسر جزئيا بمثل هذه التفاعلات العاطفية مع كل مخالف … ما جرنا لهذه المقدمة ما عمد إليه أخوة و أصدقاء لا زلنا نحمل لهم في قلوبنا كل الود و الاحترام رغم أنهم قد سمحوا لأقلامهم أن تكتب عبارات تصنف ضمن قاموس الغمز و اللمز و لا صلة لها بالحوار السياسي الصريح الذي من جملة شروطه الاحترام المتبادل و مناقشة المضامين قبل الأساليب و الابتعاد قدر الإمكان عن محاسبة النوايا وادعاء الكشف عن خبايا النفوس . 1ــ ضريبة الخروج عن الخط السائد لا يغفل أحدنا عن التذكير بأنه يقبل بالرأي المخالف و يحترم صاحبه و قد يبالغ في الأمر و يدعي أنه سيدافع عن حقه في التعبير انسجاما مع مبدأ حرية التعبير لكنه على مستوى الممارسة كثيرا ما يفعل عكس ذلك تماما و لن تعوزه الأسباب لتبرير ذلك ، أما إذا وصل هذا الرأي المخالف إلى الخروج عن المألوف أو الخط السائد و تعرض بالنقد لبعض الأشخاص المحوريين من مثل قادة الأحزاب و الزعماء الكبار و الصغار فقد ينقلب أحدنا إلى مدافع كبير أو مهاجم جدير يضرب في كل الاتجاهات معتقدا أنه بذلك يخدم ثوابته و ينصر جماعته وهو في ذلك يخلط في الحقيقة بين واجب الدفاع عن حزبه و واجب احترام الرأي المخالف فيكون عمله مدمرا وهو يخاله معمرا ، و لا نريد أن نأتي بأمثلة على ذلك لأننا نلمس بوضوح أن تحسنا قد طرأ علينا في هذا المجال نريده أن يتعمق و يصبح ثقافة سائدة و الدليل هو عدم انخراط أقلام كثيرة و قديرة في هذا السجال . قد يعبر هذا الرأي المخالف عن نفسه في شكل جملة من الانتقادات لأشخاص محوريين فيعترض عن خياراتهم  ومحتوى خطابهم ويسرد ما يعتقد أنه أخطاء لهم ، فلا يجب أن يكون ذلك مبررا لاستعمال أسلوب الهمز و اللمز فضلا عن أسلو ب « التحقير » خاصة إذا صدر ذلك عن غير هذه الزعامات لأن هذا الأمر يتحول إلى نوع من التزلف و التملق لا نريده أن يترسخ فيصبح عادة عند المعارضين كما هو ثقافة عند الموالين … و السبب لا يخفى إلا على المبتدئين باعتبار أن هؤلاء القادة هم في موقع يسمح لهم بالـتأثير الأكبر في الخيارات و السياسات و بالتالي من الطبيعي أن يحملوا مسؤولية الانتصار و الهزيمة و النجاح والإخفاق . و لعله من المفيد التذكير بأن الحوار الكتابي يحتاج من الفرقاء إلى اطلاع كل طرف على رؤى الطرف الآخر من كل جانب ثم مناقشتها و الرد عليها و ليس الاقتصار على إخراج بعض العبارات من سياقها و الاسترسال في محاكمة النوايا والتوجهات على أساس تجارب سابقة فاشلة أو ناجحة ، لأنه في السياسة لكل تجربة ظروفها وملابساتها و مساراتها . 2 ــ المصالحة لها شروط تحدث الأخ الصحفي عبد الباقي خليفة عن قبوله بالمصالحة و حدد شروط الصلح ، لعله فعل ذلك لأنه كما ذكر لم يجد في » خطابا التصالحي  » إن صح التعبير ما يشير إلى هذه المطالب ، فبدا و كأنه قد أعلن الحرب لتحقيق هذه الأهداف ولعله بذلك فتح لنا المجال لنحلل وجهة نظرنا بهذا الخصوص ، ذلك أن جوهر المشكل كما نراه هو حديث أغلبنا عن العمل من أجل المصالحة دون أن نترجم ذلك على مستوى الخطاب والمواقف السياسية ، و كتابات الأخ عبد الباقي تقدم الدليل على أنه من الذين يمارسون خطاب المغالبة ويلجأ إلى التخفيف من حدته بالحديث كل حين عن استعداده للمصالحة . فالمصالحة ليست كلمة تتشدق بها الأفواه لتصبح نشيدا قد يرفّه عن النفوس ولكنه لا يتحول إلى واقع . فمشكلتنا أن خطابنا يميل دوما لحديث الشعر والشعراء حتى قال أحد مفكري الخليج العربي  » بشعرنة الخطاب العربي الإسلامي » . كل مصالحة لها شروط و حيثيات وقد تكون بوجه من الوجوه نوع من المعاهدات السلمية بين فرقاء الداخل وهي كغيرها من العقود تخضع لموازين القوى ـ و من البديهي أن يعمل كل طرف على ضمان مصالحه و التقليل من خسائره و حتى الإيقاع بالطرف الآخر و ابتزازه وبالتالي فالعاملون لأجلها يحتاجون إلى حنكة سياسية و قدر لا بأس به من الذكاء والخبرة أما العداء فلا يحتاج إلى كبير عناء. بيد أن دعوتنا هي بكل تواضع ليست إبرام عهود توبة فردية ، لكنه مساهمة متواضعة في توفير شروط المصالحة ،أما المصالحة الفعلية فلا يمكن أن تقوم عليها إلا المؤسسات ذات الصلاحيات. و قد لا نختلف في أن التوجه التصالحي أمر قد قرر وكان من المفروض أن تقع ترجمته على مستوى الخطاب و الممارسة لكن ذلك في تقديرنا لم يتم بما يكفي على أحسن الأحوال ، فتنزيل القرار إلى حيز الواقع هو موضوع مبادرتنا ان صح أن نسميها مبادرة . و نعتقد أنه ليس من الممكن الحديث عن توجه تصالحي مع السلطة في ظروفنا الحالية ونحن نمارس خطابا راديكاليا يثير الشكوك لدى الطرف الآخر و من ذلك عدم الاعتراف بشرعية هذه السلطة من خلال مفردات الخطاب و من خلال النصوص الرسمية . يمكن أن يكون لنا تحفظات على هذه الشرعية الانتخابية لكن ذلك لا يجب أن يمنعنا من الاعتراف بالواقع في انتظار تغييره بالوسائل السلمية المعلنة ، فلا يمكن مثلا أن نقول إننا تعترف بشرعية السلطة ثم نتحالف مع طرف آخر يعلن صراحة أنه يعمل من أجل إسقاطها مهما كانت المبررات التي يمكن تقديمها …و نعتقد أن كل ما نعرفه من تصرفات السلطة التي تمارس الاستبداد بكل أنواعه لا يكفي للاعتراض على هذا الكلام . و إذا أعلنا استعدادنا للحوار مع سلطة لا تريد ذلك كما هو واضح فعلينا أن نعمل على إقامة الجسور على الأقل مع أطراف في هذه السلطة علما بأن أي سلطة لا يمكن أن تتوحد أطرافها ضد القضايا العادلة إلا في حالة أن تشعر بأن خطرا كبيرا سيأتي من المعارضة أو من الخارج و هذا لا ينطبق على الحالة التونسية من وجهة نظرنا … و لا شك أن المعارضة التونسية في الداخل والخارج تملك أوراق ضغط رابحة في مقدمتها الورقة الإعلامية و شبكة العلاقات الواسعة التي أقامتها و القضايا العادلة التي تناضل من أجل تحقيقها ، وعليها أن تستفيد من كل ذلك لممارسة الضغط المتواصل حتى يستجاب لمطالبها ما دامت قد اختارت منهج التغيير السلمي و أعلنت أنها تعمل من أجل إرساء النظام الديمقراطي . إن انسجام الخطاب و الممارسة مع حديث المصالحة هو مطلبنا لا غير ونسأل الله العون و التوفيق … http://www.tunisalwasat.com 12 رمضان 1427 هجري Benalim17@yahoo.fr
 
(المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » الألكترونية بتاريخ 5 أكتوبر 2006)

 


بسم الله الرحمان الرحيم

و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين

 تونس في 05 أكتوبر 2006

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري

كاتب عام جمعية الوفاء  

الرسالة 138 بموقع الأنترنات الحلقة الثانية و الأخيرة

ذكرى 13 رمضان المعظم لن تمحى من ذاكرة العائلة

التبذير و الهروب من الجباية و الإفراط في البناء

على بركة الله أواصل الكتابة حول مظاهر التبذير و الإفراط في التباهي في المساكن الفخمة و القصور و الهروب من الأداء الجبائي. بعد ان خصصت الحلقة الأولى حول التبذير في البنزين و السيارات الإدارية و الإفراط في إستعمالها في مواطن خارجة عن العمل.. و اليوم أتحدث عن موضوع التهرب من الجباية و قد أكدت ذلك يوم 27 مارس 2001 بدار التجمع في الحوار المفتوح الذي أشرف عليه السيد توفيق بكار وزير المالية السابق المدير العام للبنك المركزي حاليا و بحضور الأمين العام للتجمع و قد ساهمت في الحوار بصراحة المناضل الدستوري و أطنبت في الحديث حول التجارة الموازية و الجباية محاور الاجتماع و تكلمت بوضوح و صراحة و شرحت موضوع التجارة الموازية و المجال الواسع للنزيف الإقتصادي و قد تحدثت بصراحة كبيرة حول الموضوع و كذلك في موضوع التهرب من الآداء الجبائي و قلت أنّ الصنف الذي يخضع رقبته و يدفع الضريبة الشخصية بكل شفافية ووضوح هو صنف الموظفون و العمال رأسهم تحت المقص و لا هروب و لا تحيّل من الآداء و الخصم يكون مباشرة حتى على صنف المتقاعدين و بعضهم مثلي يدفع حوالي 1200 دينار سنويا و هناك صنف آخر نوع التجار و المهن الصغرى لهم نظام خاص للدفع سنويا.. أما الصنف الثالث أصحاب المؤسسات و المهن الحرّة فحدّث و لا حرج هم مربض الفرس و حديث العام و الخاص و لا رقابة و هناك كثير من الطرق الملتوية للهروب من الجباية و كان تدخلي هام و صريح أعجب العديد من المناضلين و لم يعجب البعض من أصحاب المؤسسات و كذلك الأمين العام للتجمع و كان هذا التدخل بداية الإقصاء و التهميش و بدون تعليق..

أعود إلى الموضوع إذا أردنا الإصلاح

و مزيد العدالة الإجتماعية و إضافة موارد مالية هامة لميزانية الدولة لإستعمالها في ما ينفع المواطنين و خاصة مجال التشغيل الذي هو الشغل الشاغل لدى الشعب التونسي و أعتقد أنّ كل أسرة لها إبن أو أكثر عاطل عن العمل و يحمل الإجازة أو الباكالوريا

و إعتبارا لأهمية موضوع التشغيل الذي أولاه رئيس الدولة عناية خاصة و خصص له نقطة هامة في البرنامج الإنتخابي .. و تبعا لما ذكرته في المقال الأول الصادر يوم 4/10/2006 بموقع الأنترنات تونس نيوز و أشرت فيه بوضوح لو يقع الحدّ من التبذير في إستعمال السيارات الإدارية و كمية البنزين التي تعطي مجانا و قيمتها كبيرة و تكلفتها على المجموعة الوطنية غالية و كبيرة و قلت لو يقع إحكام الرقابة و التخفيض من كمية البنزين المسلم لأصحاب الإمتياز يكون الربح في مادة البنزين حوالي 6 مليارات سنويا و حوالي 9 مليارات لمن له أكثر من سيارة إدارية أو السيارات التي تتجوّل لقضاء  الحاجات الخاصة يكون المجموع حوالي 15 مليار تشغل حوالي 2500 طالب مجاز بقيمة 7000 دينار سنويا للشخص الواحد …

أما التجارة الموازية التي ينتفع بها حوالي 5000 ألاف من التجار

مصنفين على 4 أنواع النوع الأول التجار الكبار الذين لهم باع و ذراع و كلمة و نفوذ حوالي 50 شخصا يسبحون في آلاف المليارات و هناك صنف ثاني أقل درجة يمثلون حوالي 250 شخص موزعين على كامل أنحاء البلاد هؤلاء في المرتبة الثانية رأس مالهم محترم للغاية و الصنف الثالث حوالي 700 تاجر تحت الصنف الأول دخلهم محترم و يفوق الخيال. و الصنف الرابع و الأخير حوالي 4000 تجار صغار هم تحت رقابة الصنف الثالث يعيشون في بحبوحة و كلهم دخلهم محترم و الصنف الأول و الثاني لو يدفعون الضريبة على الوجه المرضي و بالشفافية المطلقة و العدالة الاجتماعية السليمة دون تدخلات يمكن لهؤلاء العدد 300 أن يدفع حوالي 500 مليار سنويا إلى خزينة الدولة أما الصنف الثالث يمكن أن يدفع إلى خزينة الدولة 200 مليار فتكون الجملة حوالي 700 مليار . أما أصحاب المؤسسات لو يخلصوا للوطن كما ينبغي و كما يجب و بالطرق القانونية و الوضوح و دون تدخلات أو وساطة أو طرق ملتوية و تكليف محاسب شاطر المليار يصبح مليون في الحساب … إذا أخلصت النية كما هو الشأن بالنسبة للموظفين و العمال و المتقاعدين أعتقد أنّ خزينة الدولة ستربح مدخول إضافي يفوق 300 مليار سنويا فيكون المجموع ألف مليار مدخول إضافي للدولة

و هذا المبلغ لو نخصص منه 50 بالمائة لمجال التشغيل يمكن تشغيل 25 ألف مجاز و 10 آلاف من أصحاب الباكالوريا و ما بعدها و 15 ألف من المستويات التي دون الباكالوريا و بذلك نضمن تشغيل 50 ألف شاب و ربما نقضي على البطالة في تونس… و أقول أنّ تضحية ألف شخص يعود بالنفع على 50 ألف شاب و فتاة عاطلين عن العمل اليوم و العدد في إزدياد مهول سنويا..

بناء المساكن الفخمة

ظاهرة أخرى نمت في الأعوام الأخيرة نتيجة التباهي و التنافس و التسابق من يشيد مسكنا برخام إسبانيا أو إيطاليا و بلغت تكلفت بعض المساكن قيمة خيالية سمعنا المسكن القصر بمليار و نصف…

لو توقفنا قليلا و تأملنا في صاحب المسكن و كم عمره اليوم و نحسب أنه دخل العمل منذ 30 سنة و يدخر شهريا ألف دينار أي في مدّة 360 شهرا يدخر 360 ألف دينار و المسكن بمليار و مليار و نصف من اين الباقي ….؟ ؟  لو فكروا هؤلاء في المساكين الذين عندما تتكرم عليهم دولتهم بألفين دينار لبناء غرفة متواضعة في الريف على ميزانية صندوق 26 / 26 من الشعب تمويله يبقى هذا المواطن المسكين حياته يدعو بالخير على صاحب الفضل و يرحّم عليه و الفرق بين المليار و المليونين شاسع و بدون تعليق أرجو لو يساهموا هؤلاء في الأخذ بيد المواطنين ضعاف الحال و يتبرعوا بـ10 ألاف سنويا من مدخولهم لصندوق 26/26 سيصبح الصندوق قادر على بناء مساكن بـ10 ألاف دينار للمواطن أو يتبنوا بناء مسكن لمواطن بالريف… و المثل الهلالي عند نجع بني هلال يقول البل تأكل من ظهور بعضها … مثل رائع و جميل أسوقه بهذه المناسبة عسى أن يكون له الوقع و التأثير في النفوس.

و كما قال العقيد القذافي تونس غنية و بدون تعليق و الفاهم يفهم ما قاله القذافي و ما يقصد به و بدون تعليق هذه الخواطر و الآراء أعتقد أنها تعجب السواد الأعظم من الشعب 98 بالمائة و في المقابل 2 بالمائة لم تعجبهم هذه الصراحة و لكن أكتب هذا للتاريخ و التاريخ لا يرحم و الذي يحب بلاده و شعبه و نظامه أن ينجح لا بد أن يفكر بهذا الاسلوب الحضاري الراقي … قال الله تعالى : و أما بنعمت ربك فحدث صدق الله العظيم و قال أيضا و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله صدق الله العظيم.

ملاحظة هامة :

إنّ الحدث السعيد و الذكرى العطرة للعائلة التي تصادف الثالث عشر من شهر رمضان المبارك هي بزوغ نجم المولود الأكبر متعه الله بالصحة و العافية و القوة و التألق في الحياة كما تألق في العلم والمعرفة و الإشعاع و القبول عند الناس كل عام و الإبن الأكبر بخير في فرنسا و الله ولي التوفيق. قال الله تعالي : المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات صدق الله العظيم.


بسم الله الرحمان الرحيم  وعاد التواصل

محمد زريق،  كندا بعد غياب طويل طلت علي المناضلة الحرة « تونس نيوز » وازدان بها بريدي الإلكتروني من جديد، وبهذه المناسبة أتقدم للإخوة العاملين فيها بالشكر الجزيل على الجدية والمثابرة وروح التضحية وجازاكم الله عنا كل خير. 

ليس غريبا أن يتعرض موقع تونس نيوز إلى القرصنة الدنيئة، بل ذلك هو الأمر الطبيعي في عالم الحرب على كل ممانع للهيمنة وكل مقاوم للظلم، وإنني على يقين من أن موقع تونس نيوز قد تعرض قبل هذه المحاولة البائسة إلى آلاف المحاولات الفاشلة، وأن من يهمهم الأمر قد جندوا وحدات خاصة بالمتابعة والرصد والتحليل ووحدات خاصة  بالقرصنة والتفجير، وهذا حال كل من خانه العقل والمنطق والحجة، فيلجأ فاشلا إلى منطق  » لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا » ومنطق  » حرّقوه وانصروا آلهتكم » ومنطق « اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه » إنه نفس المنطق الذي يواجه به الباطل الحق منذ البداية وإلى النهاية، والغريب أن أهل الباطل كما أهل الحق يعلمون حق العلم أن النصر دائما للحق ولو بعد حين، هذا ما وعد به ربنا وما شهد به التاريخ « فأوحى إليهم ربهم لنهلكنّ الطالمين ولنسكننّكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد » ولكنه التكبر والغي والبغي يهلك أصحابه.

فالإبتلاء باستمرارية مكر أهل الباطل يستوجب ثبات أهل الحق « ولو لا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ». نسأل الله لكم المنعة والثبات حتى تواصلوا مساهمتكم الفعالة في مقاومة الظلم والإستبداد ونصرة الحق والحرية.


 

 

ثلاثة وجوه للتجديد في الإسلام

 

 
د. محمد الهاشمي الحامدي
التونسيون، شعب عريق في إسلامه، أوتوا من المواهب الكثير، ولهم قدم راسخة في العلوم والمعارف والحضارة. لذلك فإنهم من أولى الناس بالريادة في تجديد الإسلام بهذا المعنى التحرري التقدمي الوفي لمتطلبات العصر وتعاليم الشريعة. * * * التجديد سنة من سنن الحياة. الأيام والأعوام والأجيال تتعاقب، والظروف والأحوال تتغير، وكل زمن يأتي ومعه تحدياته وأسئلته الجديدة التي تضاف إلى الموروث من أسئلة الأزمنة السابقة وتحدياتها. والإنسان الذي يحتوي في ذاته مقومات ثابتة لا تتغير، هي العمود الأساسي لشخصيته ولوظيفته في الكون، يجدد ما بنفسه وما حوله من خلال تعاطيه مع الاسئلة الجديدة التي يواجهه بها الزمان والمكان. المقومات الثابتة في الإنسان هي الخصائص التي أودعها خالقه فيه من يوم أن خلقه وسواه أول مرة: عقله الذي يفكر ويبدع ويستنبط. غرائزه التي لا تتبدل. قابليته للخير والشر. قدرته على الحب والكره. إرادته الحرة التي تقوده لاختيار طريق الإيمان والحرية، أو لسلوك الإتجاه المعاكس. وفي اللقاء أو المناظرة بين الثوابت في شخصية الإنسان والمستجد من أسئلة الزمان والمكان، يدخل عامل الدين ليؤثر تأثيرا جوهريا في نتائج هذا اللقاء أو هذه المناظرة. كان الدين دائما وما يزال أعظم مصدر للهداية والتوجيه في تاريخ البشرية الطويل. وعندما يعرض الإنسان عن الدين فإنه يستبدله بمصادر توجيه أخرى يتوصل إليها بعقله ويضفي عليها بمرور الوقت ضروبا من القداسة والعصمة. تركز تعاليم الدين على الأمور المرتبطة بالمقومات الثابتة في الإنسان: تدعوه لاستخدام إرادته الحرة في عبادة الله وحده، وعمارة الكون بما يرضي الله ويسعده هو، وتحبب إليه الخير والعدل ومكارم الأخلاق، وتصده عن الشر والظلم والفساد. وهي تبقي له من بعد ذلك عالما فسيحا واسعا يختبر فيه مواهبه التي ميزه الله بها عن سائر الخليقة. على مدار التاريخ، احتفت أجيال متعاقبة من البشر بالدين وهديه، وتفاعلت معه بحسب بيئتها وتحدياتها. ودونت تلك الأجيال حصيلة تفاعلها مع الدين في تراث فكري ضخم تفيض به بطون الكتب. ومثل تلك الأجيال التي سبقت، فإن مؤمني هذا الزمان، وهم يعدون بمئات الملايين، يواجهون أسئلة عصرهم، مستنيرين بهدي دينهم، وبين أيديهم تراث الأجيال السابقة يستفيدون مما فيه من تجارب وخبرات. العلم مصدر عظيم جدا في فهم الإنسان لنفسه وبيئته، وفي تحديد اتجاه استجابته لتحديات العصر. لكن العلم ليس بديلا عن الدين، لأن لكل منهما مجاله الخاص في حياة الإنسان. العلم في أحدث إنجازاته ليس إلا دليلا على الأسرار والمواهب العظيمة التي أودعها الخالق في آدم وذريته. العلم يمكن الإنسان من تسخير الذرة، وتصنيع الصواريخ ذات القدرات الهائلة على التدمير. والدين هو أهم قوة أخلاقية تهدي الإنسان لتسخير العلم من أجل خدمة أخيه الإنسان وعمارة الكون. لا علاقة للعلم بنزعات الخير والشر في الإنسان. هذه أمور يضع الدين الدستور الأمثل للتحكم فيها بما فيه مصلحة الإنسان. وبعد ذلك كله، اقتضت إرادة الله إن يبقى الإنسان حرا في نهاية المطاف، فهو يستطيع أن يتبنى تعاليم الدين ويسعد بها في الدنيا والآخرة، ويستطيع أيضا أن يختار الإعراض عنها وتبني ما يعاكسها تماما. ومع هذه الحرية، تأتي المسؤولية في الآخرة، هناك عندما يكتمل المعنى الحقيقي لوجود الإنسان، وتتوجه رحلته الفريدة العظيمة في الكون بالفوز والجنة، أو بالخسارة والنار. لكن العلم يساعد الإنسان في تجديد فهمه للدين. وكذلك التاريخ الذي بين أيدينا، والمعارف التي تراكمت على مر العصور من قبلنا، والأسئلة الجديدة التي ينطق بها العصر، والتحديات التي تواجهنا وربما لم يواجهها بشر من قبلنا. هذه الحصيلة التي تتوفر لنا، ولم تتوفر لجيل من قبلنا، تعطينا موقعا مثاليا لفهم تعاليم الدين بشكل أفضل وأنقى وأوضح. هذا إن كان اجتهادنا موفقا ومسددا ومبنيا على الأسس العلمية والمنهجية الصحيحة. فإن لم يكن كذلك، يمكن لهذه الحصيلة العظيمة من العلوم والمعارف ودروس التاريخ أن تقودنا للبعد عن تعاليم الدين وليس للإقتراب منها. الوجه الأول للتجديد الإجتهاد العلمي الموفق في فهم تعاليم الدين بما يجيب على أسئلة عصرنا وتحدياته هو وجه أساسي من ثلاثة أوجه رئيسية للتجديد في الدين جملة، وفي باب التوحيد كقاعدة كبرى وأساسية للدين. الوجه الثاني للتجديد أما الوجه الثاني فهو نفض الغبار عن تعاليم الدين وتبيينها للناس بصورتها الصحيحة التي وردت في كتاب الله تعالى وفي سيرة خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، بما أن بحثنا يتعلق أساسا بالتجديد في الإسلام. الإسلام عقيدة وشريعة. والناس قد يغفلون لأكثر من سبب عن أمور أساسية في العقيدة أو في الشريعة. وقد تلتبس العادات الإجتماعية بالأحكام الشرعية، وكذا الأفكار والفلسفات الوضعية بالمبادئ العقائدية الأساسية للدين. ووجه التجديد هنا هو أن ينجح الناس في كل عصر وجيل في التواصل المباشر مع النبع الأصلي للدين، وأن لا يخضعوا لاجتهادات بشرية أخرى في فهم الدين إذا كانت تلك الإجتهادات بعيدة عن المفاهيم الأصيلة للإسلام. الوجه الثالث للتجديد أما الوجه الثالث للتجديد فهو العمل من أجل تفعيل القيم والمبادئ الإسلامية في حياة الناس. فالدنيا قائمة من أول التاريخ على التنافس والتدافع بين الخير والشر، وبين العدل والظلم، وبين الحق والباطل. واجب المسلم أن يكون فاعلا ومؤثرا في هذه المنافسة، بالمساهمة في بيان الدور الإيجابي للقيم والمبادئ الإسلامية في حياة الفرد والجماعة والإنسانية قاطبة. وقد يظهر أحيانا من المسلمين من يصنف نفسه مجددا بهذا المعنى وهو يحاول بالقوة والعنف فرض فهم متعصب ضيق للإسلام على عموم المسلمين أو على غير المسلمين. وهنا يكون من معاني الوجه الثالث للتجديد مواجهة التفسيرات المتشددة والعنيفة للإسلام، من خلال إشاعة التفسيرات العلمية الأصيلة للإسلام، تلك التي تجلي رسالته الحقيقية، رسالة الحرية والعدالة والسلام والصداقة بين الشعوب ومكارم الأخلاق. على مدار التاريخ الإسلامي، جرت منافسة حقيقة بين التفسيرات الوسطية الأصيلة للإسلام والتفسيرات المتشددة ضيقة الأفق. وعلى مدار هذا التاريخ، انحازت الأغلبية الكاسحة من المسلمين لتيار الوسطية والأصالة ضد تيارات التشدد والتعصب. وهذا جواب مسبق لكل من يسأل: كيف نميز بين التفسيرات المتنافسة على الساحة؟ إن عقلنا يهدينا بداهة أن كل تأويل للإسلام يناقض قواعد الإسلام الكبرى التي جاء بها وتمثلتها شعوبه على مدى نحو خمسة عشر قرنا من الزمان، كل تأويل للإسلام يناقض هذه القواعد باطل ولا يعتد به ولا مستقبل له، حتى وإن علا صوته لحين من الدهر ولظروف استثنائية فوق اصوات العلماء والعقلاء من المسلمين. والتجديد بهذا المعنى هو الإنخراط في معركة الدفاع عن الإسلام باعتباره دين الحرية والعدالة والسلام والصداقة بين الشعوب ومكارم الأخلاق، وخدمة البشرية كلها من هذا الباب، والتحالف مع قوى الخير والحرية والسلام في كل أنحاء الدنيا لمواجهة تيارات العنف والإقصاء والإرهاب ودعاة الحروب والصراع بين الأمم، لبناء القرية العالمية التي تتعاون على الخير ووتنافس في ساحاته، تصديقا للصورة الجميلة التي تتحدث عنها آية كريمة في سورة الحجرات: « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير ». (سورة الحجرات، الآية 13) إن الدفاع عن الإسلام بهذا المعنى الإنساني التحرري هو تمسك بأسباب السعادة في الدنيا والآخرة، ودفاع عن التحديث والمعاصرة والديمقراطية، وعن القرية العالمية التي يتواصل فيها الناس جميعا وتزدهر فيها قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان. كما أن الدفاع عن الإسلام بهذا الأفق هو دفاع عن قيمة جميلة يحتاجها الفرد ويحتاجها المجتمع ويحتاجها العالم، هي قيمة المحبة. في الإسلام توجيه رائع نبيل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم نصه: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وبوسع المسلمين اليوم أن يشهروا راية الحب والمحبة في وجه رايات التعصب والعنف والحروب. إن جيلنا يواجه خطر تصاعد نفوذ تيارات العنف والإقصاء والتطرف. دول تترك نهج الحوار لحل مشاكلها مع دول أخرى فتعلن عليها الحروب. وجماعات متطرفة تعوزها الحجة والمنطق السليم فتعوض ذلك باللجوء للعنف. وأفراد يركنون لنداءات البغض والقطيعة والرغبة في الإنتقام مع أول خلاف ينشب بينهم وبين قريب أو غريب. في مواجهة كل هذه الإنحرافات، يقف الإسلام ملاذا حقيقيا للباحثين عن الحب والصلح والوفاق، وعن التفاهم والتعاون والحوار. هذا تاريخه في احتضان الجاليات والأقليات المسيحية واليهودية يشهد له. هذا تاريخه الخالي من جرائم التاريخ البشعة مثل الهولوكوست وحكومات التمييز العنصري والحروب العالمية المدمرة يشهد له. التونسيون، شعب عريق في إسلامه، أوتوا من المواهب الكثير، ولهم قدم راسخة في العلوم والمعارف والحضارة. لذلك فإنهم من أولى الناس بالريادة في تجديد الإسلام بهذا المعنى التحرري التقدمي الوفي لمتطلبات العصر وتعاليم الشريعة. 12 رمضان 1427 ه. *خصت الوسط التونسية بهذا المقال من قبل الدكتور محمد الهاشمي الحامدي فله من أسرة التحرير جزيل الشكر.
 
(المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » الألكترونية بتاريخ 5 أكتوبر 2006)

 

عجز القوة الصهيونية

توفيق المديني
كشفت الحرب الصهيونية التدميرية على لبنان سقوط هيبة « جيش الدفاع  » الصهيوني  بوصفه المؤسسة الأم  في هيكل الدولة  الصهيونية ، إذ عرّت للمرة الأولى  حدود قدراته الردعية في الحرب ، كاشفة  للمرة الأولى عن امكانية نقل المعركة  إلى الداخل الصهيوني ، وتهديد مناعة « القلعة الحصينة ». فبعد مضي 33 يوما على الحرب لم تتمكّن « إسرائيل » من القضاء على حزب الله. وصار الإنجاز الأكبر لهذه الحرب، وهي الأولى التي لم تنتصر فيها « إسرائيل »، يكمن في توصّل الأمم المتحدة إلى قرار بوقف النار أو إخفاقها في ذلك.
 في غضون شهر حُطِّمت أسطورة الكيان الصهيوني الذي لا يقهر على يد تنظيمٍ أشدّ بأساً من تنظيم القاعدة: الجناح الشيعي من الإسلام الراديكالي والذي ليس حزب الله سوى رأس حربته والذي يتمثّل لبُّه بدولة، هي إيران، القوية بنفطها والموشكة على امتلاك السلاح النووي.
لقد تغيّر كلّ شيء في المعطى الشرق أوسطي. ولن تلبث حيرة الكيان الصهيوني أن تظهر للعيان، لأنّ ما كشف عنه الدمار اللبناني هو في الحقيقة هشاشته.
لقد  أتاح تقهقر الجيش الصهيوني من جنوب لبنان في مايو 2000 ، لحزب الله أن يجعل منه قلعة حصينةً مزوّدة بصواريخ إيرانية تضرب حيفا وتهدّد تل أبيب.و منذ حرب الخليج الثانية في يناير 1991، اعتقد الصهاينة أن حكوماتهم قد هيأت كل شيء لحمايتهم في حال تعرضهم لهجوم صاروخي مكثف.بيد أن الحرب في لبنان كشفت لهم  أنه في مواجهة الحالات العاجلة، ظلت الهيئات العمومية لحماية المدنيين عاجزة إن لم نقل غائبة.ويعزو المحللون المتخصصون في الشؤون الصهيونية ذلك  ،  إلى أن العولمة الليبرالية التي تبنتها « إسرائيل » منذ سنوات ، قد قادت إلى تخلي الدولة عن وظيفتها في حماية المدنيين. ويتهم المحلل الشهير ناحوم برنيا وزير المالية السابق الليبرالي المتشدد بنيامين نتنياهو الذي باع موازنات الوظيفة العمومية بسعر رخيص، داعيا إلى « إعادة صفات الدولة بالدرجة الأولى ».
و ليست العودة إلى النقاش الحاد حول الواجبات الاجتماعية  للدولة سوى  مظهر من مظاهر الانفجار الذي عم في أوساط الرأي العام الصهيوني هذه الأيام ، و الذي يذكرنا بما أثارته حرب أكتوبر عام 1973، في أيامها الثلاثة الأولى ، عندما تقهقر الجيش الصهيوني أمام الهجوم العسكري المصري – السوري ،الذي ألحق به خسائر كبيرة، قبل أن يأخذ زمام المبادرة لا حقا بفعل الدعم الأمريكي القوي و التراجع في الموقف العربي  .
فقد كتبت صحيفة « هآرتس »ضمن تحليل نشرته في الصفحة الأولى، « إذا هرب اولمرت الآن من الحرب التي بدأها، فلن يقدر على البقاء رئيساً للوزراء حتى ليوم واحد آخر.. إنك لا تستطيع أن تقود أمة كاملة إلى الحرب وتَعِدَ بالنصر، وتنتج هزيمة مهينة، وتظلّ في السلطة. لا تستطيع أن تدفن 120 « إسرائيلياً » في المقابر، وتترك مليون « إسرائيلي » في الملاجئ شهراً كاملاً، ثم تقول: عفواً، لقد ارتكبتُ غلطة ».
 في سؤال جامع ،هل يعتقد الصهاينة أنهم كسبوا الحرب كما يزعم ذلك أولمرت؟
بعد وهلة من حملة قصف صهيوني  مكثف على لبنان، أظهر القادة العسكريون والسياسيون الصهاينة عجزهم عن تحديد أهدافهم السياسية لعمليتهم تلك بشكل واضح ودقيق، وأطلقوا العنان لأنفسهم و الذهاب إلى حد إطلاق تصريحات من نوع « سنعيد لبنان عشرين عاما إلى الوراء » ،و »سنسحق حزب الله ». ونسوا أنهم في عام 1992 لم يتمكنوا لا من إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية ، و لا من اغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وكذلك الأمر في عام 1956 فشل الكيان الصهيوني  خلال العدوان الثلاثي  بالتعاون مع بريطانيا و فرنسافي خلق نظام شرق أوسطي جديد، أو في اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
لقد أطلق  الكيان الصهيوني في الرد  على أسر الجندي الصهيوني من قبل حماس، وبعدها أسر حزب الله الجنديين الصهيونيين،قوته العسكرية الوحشية في القتل و التدمير.ونظرا لافتقاد كل من أولمرت و بيريتس  إلى الخبرة الكافية في منصبيهما الراهنين، وعدم تمتع أي منهما بقدرات سياسية إلى جانب خوفهما من افتقاد الدعم الشعبي لهما، لم تكن الرسائل التي أرسلها الكيان الصهيوني  عبر حربه التدميرية تحمل أي معنى سياسي، بل كانت وحشية فقط.فهل حركة حماس و حزب الله يجهلان الطبيعة العدوانية للقوة العسكرية الصهيونية الإقليمية  الفائقة القوة؟
لا شك أنهما لا يحتاجان  إلى ذلك،لأن استراتيجيتهما المستندة على حرب عصابات تعتمد في الأساس على عدم التوازن القائم بين جيش نظامي و عدو يمكن النيل منه و كذلك غضب شعبي  ضد هذا العدو.ذلك الغضب الذي دعا ماوتسي تونغ إلى تسميته « البحر الذي يسبح به المقاتلون ». بطبيعة الحال إن رد الفعل غير المتكافىء لن يعيد للكيان الصهيوني  قددرته الردعية العسكرية.
قال الخبير العسكري  و رئيس  أكاديمية العلوم العسكرية الروسية الجنرال محمود غارييف: »إسرائيل و أمريكا أعدتا لهذه الحرب. وما عملية أسر الجنديين سوى ذريعة . و كانت « إسرائيل » في عدوانها تستهدف استفزاز سوريا و إيران و جرهما  إلى الحرب ،و من شأن هذا أن يتيح للولايات المتحدة الأمريكية فرصة لإلحاق ضربات بدمشق و طهران الممانعتين للمشروع الأمريكي ،وكذلك إلحاق الضرر،وربما تدمير المصانع الإيرانية التي يجري فيها تخصيب  اليورانيوم.
وفي غمار التداعيات السياسية والدبلوماسية غير المرغوبة التي نجمت عن الحرب الصهيونية التدميرية على لبنان ، يوجه بعض المسؤولين الرسميين « الإسرائيليين »، في أوساطهم الخاصة، اللوم إلى الرئيس جورج دبليو بوش، على حثه رئيس الوزراء ايهود أولمرت، على خوض المغامرة العسكرية غير المدروسة ضد حزب الله في جنوب لبنان.
وقد أعرب بوش عن دعمه الشخصي الشديد للعدوان العسكري، خلال اجتماع في البيت الأبيض مع أولمرت يوم 23 مايو/ أيار، حسبما ذكرت مصادر مطلعة على أفكار كبار الزعماء الصهاينة.
وافق أولمرت، الذي يفتقر مثل بوش إلى الخبرة العسكرية، على أن جرعة من القوة العسكرية ضد حزب الله، قد تدمر تأثير هذه الجماعة في لبنان وتخيف حليفتيها، سوريا وايران، الدولتين اللتين يعتبرهما بوش العقبتين الرئيسيتين في طريق المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.وكجزء من عزم بوش على خلق « شرق أوسط جديد » -أكثر مطاوعة وخنوعاً للسياسات والرغبات الأمريكية- حرّض بوش « إسرائيل » حتى على مهاجمة سوريا، ولكن حكومة أولمرت رفضت أن تمضي إلى ذلك الحدّ، حسب المصادر « الإسرائيلية ».وقال أحد المصادر إن المسؤولين « الإسرائيليين »، رأوا أن فكرة بوش الداعية إلى مهاجمة سوريا، حمقاء، لأن معظم العالم كان سيعتبر حملة القصف بالقنابل عندئذٍ عدواناً سافراً.
وقد أشارت صحيفة جيروزاليم بوست في 30 يوليو/ تموز إلى اهتمام بوش بحرب أوسع تتضمن سوريا. وقال مسؤولون دفاعيون لتلك الصحيفة في شهر أغسطس /آب الماضي إنهم كانوا يتلقون إشارات من الولايات المتحدة تفيد أن أمريكا معنية أن ترى هجوماً على سوريا، كما ذكرت الصحيفة.وبينما كان أولمرت يعارض شن حرب على سوريا، كان موافقاً فعلاً على الحاجة إلى عرض العضلات العسكرية في لبنان، كتمهيد لمواجهة إيران بشأن برنامجها النووي، الذي دعاه أولمرت تهديداً « وجودياً » للكيان الصهيوني.
ولماكانت هناك مصلحة أمريكية – صهيونية مشتركة في الحرب على لبنان، فقد زودت أمريكا  الكيان الصهيوني بتقنيات حديثة جدًا وطلبت منه قصف المواقع التي يتحصن فيها حزب الله،  و تدمير تلك التحصينات باعتبارها أعدت وفقا للأساليب المتبعة في إيران.و كان الصهاينة أعلموا  الحكومة الأمريكية أن هذه الحرب ستكون سهلة،و ستعود على الطرفين بمنافع جمة، حيث سيتمكنون من القصف الجوي للإنفاق  و المخابىء المحصنة تحت الأرض في لبنان،  واستخدام  ذات الأسلوب لما يمكن  حدوثه في حرب متوقعة مع إيران.
يقول ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية  في ولاية بوش الأولى:إن البنية العسكرية القوية  في المنطقة(قوات الدفاع الإسرائيلية) عجزت عن تحقيق النصر في لبنان  الذي يبلغ عدد سكانه أربعة ملايين نسمة. لذلك على الولايات المتحدة الأمريكية  أن تفكر مليا بما قد يواجهها في إيران  التي تتميز بالعمق الاستراتيجي  و يبلغ عدد سكانها 70 مليون نسمة. و أضاف إن الحرب لم تحقق إلا شيئا واحدا هو وحدة اللبنانيين ضد « إسرائيل ».
الحرب الصهيونية الأخيرة على لبنان: الدولة و المجتمع، و الخسائر التي لحقت بالجيش الصهيوني تعد أكبر إخفاق في تاريخه ما اضطر تل أبيب للتبرير لنفسها أن حزب الله استخدم السلاح الروسي الحديث و المتفوق، لاسيما قواذف أربي جي 29.فالحرب خلقت أزمة وجودية لهذا الكيان الصهيوني ، الذي يعتبر قاعدة عسكرية  استراتيجية متقدمة للإمبريالية الأمريكية في المنطقة، متحفزة على الدوام في مواجهة العرب الذين تفرض عليهم سياسة العدوان و التوسع واحتلال الأراضي،وهو ما استدعى في هذه الأيام صورة أخرى عن تلك الممالك التي أقامها الصليبيون  في المشرق العربي (1099 -1291)، و كانت تشكل في حينه بؤراً للعدوان والاحتلال  إلى أن تم تحرير بيت المقدس على يد القائد الإسلامي الكبير صلاح الدين الأيوبي ،وطرد الفرنجة من بلاد العرب و المسلمين . و كانت تلك الممالك  أيضا محكومة  بالزوال  مادامت جسما غريبا في المحيط الكبير العربي الإسلامي، و لا يختلف وضع « إسرائيل » اليوم عن تلك الممالك  الصليبية.
إذا كان السلاح النووي الصهيوني يمتلك قدرة كبيرة على الردع في مواجهة الجيوش النظامية العربية مجتمعة، فإن إمكانية أن يصبح هذا السلاح النووي في متناول إيران أو بلدان عربية في المستقبل أصبح يؤرق وجوديا قادة الكيان الصهيوني . و فضلا عن ذلك، فإن الاستراتيجية الدفاعية للمقاومات العربية في العراق و فلسطين و لبنان باتت توازن تكنولوجيا استراتيجية الهجوم الأمريكي – الصهيوني في المنطقة، يشهد على ذلك حرب الاستنزاف الدائرة في هذه الأقاليم العربية.و ما يزيد من رعب الكيان الصهيوني بوصفه مجتمعا عسكريا، هو ضمور طاقاته الحربية  مع تقادم الزمن ،جراء صمود المقاومة الشعبية المسلحة في كل من فلسطين ولبنان، وفي ظل تزايد الشعور المرير الذي ينتاب الصهاينة الآن بسبب التراجع المستمرفي العامل الديموغرافي   الاستيطاني الذي يتغذى من يهود الدياسبورا ، على الر غم من الطفرة المؤقتة لليهود الذين قدموا من الاتحاد السوفياتي بعد انهياره .
وللدلالة على هذا التحليل المتعلق بصمود المقاومة ، عندما شن الكيان الصهيوني حربه العدوانية على لبنان ، واجتاز الجنود الصهاينة الحدود الى جنوب لبنان بنيّة توجيه ضربة عسكرية مدمرة ضد حزب الله، كان ردّ هذا الأخير بإطلاق صواريخ الكاتيوشا على المدن والمستوطنات الصهيونية الشمالية  فعالا.
والحال هذه أعادت  هذه الحرب العدوانية إلى الأذهان على نحو مدهش الغزو والاحتلال الأمريكييْن المدمريْن للعراق. ومثلما حدث في العدوان الأمريكي على العراق، اعتمدت الكيان الصهيوني بشدة على القوة الجوية في إحداث « الصدمة والرعب »، وخصص للقتال عدداً غير مناسب من الجنود.وتعجّ الصحف الصهيونية بشكاوى الجنود الصهاينة ، الذين يقولون إن بعض جنود الاحتياط لم تُصرفْ لهم الدروع الواقية للجسد، بينما وجد جنود آخرون معداتهم إمّا متخلفة أو غير ملائمة لظروف ميدان القتال.
كما واجه الجنود الصهاينة مقاومة عنيفة من رجال حزب الله، الذين اقتبسوا من المتمردين العراقيين بعض خططهم، باستخدام مصائد المغفلين الملغمة بالمتفجرات، والاشتباكات لإيقاع خسائر أشدّ مما هو متوقع بالجنود الصهاينة .وكشفت القناة الثانية في التلفزيون الصهيوني أن العديد من كبار القادة العسكريين كتبوا رسالة إلى الفريق دان حلوتس، رئيس الأركان الصهيوني،ينتقدون فيها التخطيط للحرب، ويعتبرونه فوضوياً وغير منسجم مع التدريب الحربي للجنود والضباط.وقد تحولت إحدى الخطط الصهيونية لاستخدام حيوان اللاما لنقل الإمدادات في المناطق الوعرة في جنوب لبنان إلى عائق محرج عندما بركت هذه الحيوانات على الأرض ورفضت التحرك.
وقارن الصحافي ناحوم بارنيا، الذي تنقل مع إحدى الوحدات الصهيونية في جنوب لبنان، المعركة « ببرنامج الرسوم المتحركة الشهير، توم وجيري »، حيث كان الجيش الصهيوني القوي يلعب دور القط « توم »، بينما يلعب رجال حزب الله بدهاء شديد دور الفأر « جيري ». وقد كتب بارنيا « أن جيري، كان يفوز في كل صراع بينهما ».
بصورة إجمالية، المجتمع الصهيوني هو الآن مقتنع  أن الجيش الصهيوني لم يكسب الحرب ، و هو يوجه له انتقادات لاذعة حول أدائه.إذ أصبح مصطلح   « التهاون »للسلطات المدنية و العسكرية  في الحرب الصهيونية الأخيرة يحتل مجددا قلب الجدال الداخلي  الصهيوني الساخن.
وصف شيمون بيريز الحرب مع حزب الله ، أنها »معركة حياة أو موت ». و لحق به رئيس جهاز الموساد قائلا: » إذا لم ننتصر في هذه الحرب فإن ساعة الرمل لوجودنا ستنقلب رأسا على عقب ».و يتساءل المحللون الصهاينة :لماذا كانت أجهزة الاستخبارات غير ملمة بالقدرات الحقيقية التسليحية لحزب الله؟و لماذا كانت الحكومة وقيادة هيئة الأركان تعملان بصورة مرتبكة ؟
فالعمل الاستخباري الصحيح هو الذي ينير الطريق للقوات  البرية  في ميدان المعركة ، وهو الذي بإمكانه أن يصنع الفرق بين النجاح والفشل. وعندما خرجت القوات البرية الصهيونية إلى القتال كانت لديها خرائط جوية التقطت في عام 2002 ،وهذا يفسر كل شيء. الخارطة هي الوسيلة الأساسية جدا التي يمتلكها القائد الميداني الذي يخرج إلى المعركة، والواقع على الأرض تغير منذ عام 2002 بدرجة كبيرة.من هنا كان عجز الاستخبارات الصهيونية عن توفير أهداف للمدفعية  التي أطلقت لوحدها 130 ألف قذيفة ، من دون أن يكون إطلاقها مركزا،إذ بقي  حزب الله  صامدا في ميدان المعركة، الأمر الذي حطم قضية الردع الصهيوني. هذه أيضا مشكلة استخبارات غير ممركزة بدرجة تُمكّن المدفعية والقوات الجوية من ضرب الأهداف التي تُلحق الضرر التراكمي الصحيح بصفوف حزب الله.
بكل تأكيد ، كانت معظم الانتقادات موجهة إلى إيهود أولمرت رئيس الحكومة، الذي لم يكن له ماضي عسكري . فكانت نتائج الحرب مخيبة للآمال، وهو ما أثار مجددا التساؤلات حول قدرة رجل مدني أن يحكم الدولة الصهيونية في المراحل العصيبة، لا سيما زمن الحرب. فقد انصب الانتقاد المركزي الذي تردد في الجيش تجاه المستوى السياسي، لاسيما رئيس الوزراء، الذي تعامل مع الحرب على أنها  مجرد عملية عسكرية. وبالفعل على امتداد نقاط مهمة من المعركة طالب رئيس الوزراء بالمصادقة على كل عملية غير عادية تتجاوز الخط الحدودي الدولي. الأمر الذي كان بإمكانه من الناحية النظرية أن يدفع الجيش إلى تغيير خططه بوتيرة عالية ويتسبب في التردد وعدم الاندفاع.
كما برزت الفجوة بين القدرات النظرية الواعدة للجيش الصهيوني وبين التطبيق المحبط ،تجسدت في الحرب في جنوب لبنان، إذ اعترفت قيادة المنطقة الشمالية  أن معركة مارون الراس شكلت هزيمة عسكرية للوحدات الخاصة الصهيونية . وكانت إحدى المفاجآت الكبرى في الحرب لم تكن نوع الوسائل القتالية التي يمتلكها حزب الله، وإنما كميتها. في الاستخبارات الصهيونية  عرفوا أن لدى حزب الله صواريخ مضادة للدبابات من طراز متطور، ولكنهم فوجئوا من كمية الصواريخ التي أُطلقت. كما فوجئوا أيضا من عدد الكاتيوشا التي أُطلقت،و تقنية القتال التي طورها حزب الله في جنوب لبنان ، وهو ماقاد قيادة المنطقة الشمالية إلى أن تدرك أن منطق القتال في كل خلية ميدانية هو منطق فرقة كوماندوس.
لقد ظهر أن حركة مجموعة الضباط الكبار التي خططت للعمل على إقالة حالوتس آخذة في التزايد. وولد هذا الاحتجاج  في الجيش نتيجة مبادرة من مجموعة ضباط برتبة عميد، ممن شارك بعضهم في الحرب بصفة مستشارين. وهؤلاء لم يكونوا راضين أبداً، إن لم نقل ما هو أكثر من ذلك، عن طريقة إدارة الحرب من قبل رئيس الأركان. وأكثر ما أثار غضب وسخط هؤلاء الضباط هو ما اعتبروه غطرسة وغرورا من جانب حالوتس، ورفضه للمواقف والآراء التي عُرضت أمامه من قبل قيادة المنطقة الشمالية، ومن قبل منظومات أسلحة البر المتنوعة، وكذلك تلك التي تقدمت بها شعبة الاستخبارات.فوجد هؤلاء أنفسهم حائرين ومنقسمين بين اعتقادهم بوجوب العمل على تغيير رئيس الأركان وبين ولائهم الأساسي للمؤسسة التي يخدمون فيها، وعلى هذا الأساس توجهوا إلى جنرالات في الاحتياط انطلاقا من الافتراض بأن انضمامهم إلى المواجهة سيهز المؤسسة.
كل الأسئلة يلخصها عنوان مقال المحلل العسكري : »لماذا لم نكسب الحرب »؟ هذا هو الشعور العام  في الكيان الصهيوني، بصرف النظر عن الجهود اليائسة التي يبذلها الساسة الرسميون لإقناع الرأي العام الصهيوني بعكس ذلك.فهل تأكيد الهزيمة شرعي أم غير مألوف؟
ومهما يكن من أمر، الخطاب الرسمي الصهيوني ، يؤكد أن « إسرائيل »ألحقت بحزب الله خسائر كبيرة أكثر أهمية مما تكبدها الجيش الصهيوني، من دون حسبان الدمار الذي لحق بالبنيات التحتية اللبنانية ،و الخسائرفي صفوف المدنيين.وتتحدث التقديرات الصهيونية عن مقتل 600 مقاتلا من حزب الله، مقابل 114 عسكريا من الجيش الصهيوني، الذي دمر بدوره منصات الصواريخ متوسطة المدى. أما على الصعيد السياسي ، فقد حصل الكيان الصهيوني على مبدأ نزع سلاح حزب الله، و إبعاده عن الحدود حتى نهر الليطاني.
إذا،لماذا يصر الرأي العام الصهيوني على النظر إلى هذه الحرب أنها هزيمة؟إن الصورة التي يحملها الصهاينة عن أنفسهم،كما قناعاتهم التلمودية الراسخة، قد أصيبتا بارتجاج كبير: لاسيما في مجال علاقتهم بمحيطهم العربي، و تأكيد تفوق جيشهم على الجيوش العربية مجتمعة،و الفكرة المغروسة  عندهم أنه في الشرق الأوسط ، القوة العسكرية هي التي يحسب لها حساب، إضافة إلى هذه القناعة، أنه في المواجهة العسكرية  مع الفلسطينيين كما مع حزب الله، يصطف الكيان الصهيوني على نفس الأرضية الأمريكية، أي « خوض الحرب على الإرهاب ».  وهكذا، فإن الكيان الصهيوني  الذي كان يزعم أنه  » سيعيد قدرته على الردع »،  » و إعادة رسخ الخريطة السياسية للبنان »من خلال « تصفية » حزب الله،لم يحقق أي هدف من هذه الأهداف.
من وجهة النظر هذه ، فإن عدم كسب الحرب، يعني أنك خسرتها.
هل سيستخلص الصهاينة الدروس من هذه الحرب ؟ وهل سيدركون في المحصلة النهائية أن الحل  لأزمات المنطقة هو التسوية السياسية؟
في هذه الحيثية، هناك اتجاهان يشقان المجتمع الصهيوني. الاتجاه الأول يهدف  إلى معالجة الإهمالات « اللوجيستية » الرئيسة. إذا كان الكيان الصهيوني لم يكسب هذا الحرب، فللأنه لم يكن مهيئا كفاية لذلك. أما الاتجاه الثاني ، فهو يرفض منطق القوة أصلا كجواب عفوى على كل وضع صراعي مع جيران « إسرائيل « .  وبصرف النظر، عن الذين يتبنون هذا الاتجاه أو ذاك، فإن الدروس المستخلصة من هذه الحرب تبدو متناقضة.
بالنسبة للإتجاه الأول ، الذي يمثل الأكثرية داخل الكيان الصهيوني ،يبدوأن  مواصلة الحرب ضد الراديكالية الإسلامية :بوصفها كيانية متجانسة و تلجأإلى استخدام العنف، مسألة لا مفر منها.و الحال هذه ، يتطلب  معالجة الأخطاءالمرتكبة ، لكي تحقق الحرب  الصهيونية الجديدة، عاجلا أم آجلا، النتائج المرجوة.وير ى دعاة هذا الاتجاه : »أن الذي لا يمشي بالقوة سوف يمشي باستخدام مزيد من القوة ». إنهم  يريدون « استعادة شرف جيش الدفاع  » الصهيوني.
أما دعاة الاتجاه الثاني ، فهم يمثلون أقلية داخل المجتمع الصهيوني، و يعتبرون أن الهزيمة في هذه الحرب  يمكن أن تكون مفيدة للكيان ، شرط استخلاص الدروس الجيدة منها. وأهم درس من وجهة نظرهم هو « حدود القوة » ، و هو مصطلح  أصبح استخدامه شائعا بكثرة  هذه الأيام.فإذا كان الكيان الصهيوني يمتلك قوة عسكرية جبارةلا مثيل لها في المنطقة ، ووجد نفسه عاجزا في مواجهة حزب الله، فإن الفكرة ذاتها المتعلقة  بفرض « الحل الصهيوني  » بوساطة القوة كان مستحيلا، كإستحالة الفكرة التي تقول ب »هزيمة » الفلسطينيين.
و يعتبر دعاة هذا الاتجاه،أن « الأمن  » الجيد في مواجهة حماس يكمن في الانسحاب الكامل من الأراضي  الفلسطينية المحتلة عام 1967.أما الوسيلة الجيد ة لاتقاء ضربات حزب الله، فتكمن في عزله عن خلفيته الاستراتيجية –إيران – و التوصل إلى إبرام اتفاق سلام مع سوريا  يتضمن انسحابا صهيونيا  من الجولان.
بيد أن التوجه نحو تبني مثل هذا الاتجاه، يعتبر في نظر أكثرية الصهاينة هزيمة سياسية كبرى، يمكن أن تقود إلى إحداث توترات و تشققات داخل المجتمع الصهيوني  أكثر حدة من الآن. في انتظار حصول ذلك تظل « عبادة القوة » هي الإيديولوجيا الثقافية و السياسية و الدينية المسيطرة على المجتمع الصهيوني في أكثريته .
 
 
(المصدر: مجلة « حوار العرب » العدد 23، شهر تشرين أول /أكتوبر 2006،  التي تصدر عن مؤسسة الفكر العربي –بيروت)

 

شرق أوسط أميركي «جديد» بوسائل أخرى!

حسن نافعة   
 
ها هي وزيرة الخارجية الأميركية تعود إلى المنطقة في زيارة هي الثالثة من نوعها منذ العدوان الإسرئيلي الأخير على لبنان والذي لم تكتف الولايات المتحدة بدعمه أو تأييده وإنما كانت شريكة رئيسية فيه وتولت إدارة وتوجيه تفاعلاته السياسية كي تجعل منه أداة لصناعة «شرق أوسط جديد» أكثر تجاوبا مع طموحاتها في الهيمنة الامبراطورية المنفردة على العالم. ورغم شهرة السيدة رايس باعتبارها أكثر المسؤولين الأميركيين اعتدالا في الإدارة الحالية، إلا أنها كانت من أشدهم حماسة للحرب على لبنان وإصرارا على أن لا تنتهي قبل أن يظهر المخاض ويطل المولود الذي اختارت بنفسها اسمه، أي «الشرق الأوسط الجديد»، برأسه في المنطقة.
 
ومن الواضح أن زيارة رايس الحالية للمنطقة تأتي في أجواء تبدو مختلفة كثيرا عن تلك التي سادت أثناء زيارتيها السابقتين والتي جرى خلالهما تقسيم للعمل وتوزيع للأدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فبينما تولت إسرائيل، من خلال إطلاق العنان لآلتها الحربية الجبارة، مهمة تدمير القدرة العسكرية والقتالية لـ «حزب الله» كخطوة رئيسية نحو إضعاف قوى الممانعة في المنطقة، أخذت الولايات المتحدة على عاتقها مهمة الإدارة السياسية للحرب وتولت رايس بنفسها قيادة وتوظيف آلة الديبلوماسية الأميركية الضخمة لنسج خيوط «الشرق الأوسط الجديد» الذي كان مقررا أن تتمخض عنه الحرب، وذلك بالتعاون والتنسيق مع قوى الموالاة. غير أن عجز آلة الحرب الإسرائيلية عن تحقيق الأهداف العسكرية، بسبب الصمود الأسطوري للمقاومة والتفاف الشعب اللبناني والشعوب العربية والإسلامية حولها، عرقل عمل الديبلوماسية الأميركية وحال دون تمكينها من تحقيق كامل أهدافها السياسية، وتعذر على رايس بالتالي سماع صراخ مولودها الشرق أوسطي الجديد قبل عودتها إلى واشنطن.
 
صحيح أن رايس استطاعت أن تحصل من مجلس الأمن على القرار 1701 الذي حقق لإسرائيل مكاسب سياسية أكبر بكثير مما استطاعت آلتها العسكرية تحقيقه على الأرض، غير أن هذا القرار لم يشر إلى الفصل السابع من الميثاق ولم يخول للقوات الدولية التي راحت تتدفق على لبنان صلاحية نزع سلاح «حزب الله» بالقوة، كما كانت تأمل الولايات المتحدة وتتمنى. ومع ذلك فقد نجحت الولايات المتحدة في أن تضمِن هذا القرار من الألغام والقنابل الموقوتة ما يكفي لتفجير الوضع برمته من جديد إذا لزم الأمر. وإذا كانت زيارة رايس الحالية تتم في أجواء تبدو فيها آلة الحرب الإسرايلية معطلة، مؤقتا على الأقل، لتفسح المجال أمام العمل المنفرد لآلة الديبلوماسية الأميركية التي راحت تنشط مرة أخرى، إلا أن تساؤلات كثيرة تطرح الآن حول ما يمكن أن تحمله كوندي في جعبتها إلى المنطقة هذه المرة.
 
بعض المراقبين يرون أن الشرق الأوسط بدأ يتغير فعلا في الاتجاه الذي تحبه الولايات المتحدة وترضى عنه، ويعتقدون من ثم، أن الديبلوماسية الأميركية تعود إلى المنطقة لتسلك وتكمل طريقا كانت آلة الحرب الإسرائيلية مهدت له وبدأت في تعبيده. ومن الواضح أن هذا الفريق يبني رؤيته وتقديره على ما تردد من أن لهذه الزيارة هدفا مضمرا وحيدا وهو «توحيد قوى الاعتدال في المنطقة خلف الولايات المتحدة في مواجهة قوى التطرف». أما البعض الآخر فيرى أن الشرق الأوسط بدأ يتغير فعلا ولكن في اتجاه معاكس لما كانت تأمله الولايات المتحدة والتي تعود إلى المنطقة هذه المرة لتصحح، بالديبلوماسية، ما وقعت فيه آلة الحرب من أخطاء. ويعتقد هذا الفريق، والذي يبني رؤيته على تصديق الهدف المعلن للزيارة والمتمثل في البحث عن طريق لإعادة إحياء عملية تسوية كان العرب قد أعلنوا عن وفاتها رسميا، أن الولايات المتحدة بدأت عملية لإعادة تقويم سياساتها الشرق أوسطية سوف تضطرها إن عاجلا أو آجلا إلى التخلي عن طموحات تدرك الآن بالفعل عجز قدراتها عن تحقيقها.
 
وفي تقديري الشخصي أن الولايات المتحدة لم ولن تتغير وبالتالي لم ولن تتخلى قط عن أي من طموحاتها أو أهدافها، خصوصا في ظل الإدارة الحالية، وأن السيدة رايس جاءت إلى المنطقة لتستكمل بالوسائل الديبلوماسية ما عجزت وسائل إسرائيل العسكرية عن تحقيقه. وفي تقديري ايضا أنه لا يوجد تعارض بين الأهداف المعلنة للزيارة وأهدافها المضمرة، والتي لم تعد خفية في الواقع بعد أن كشفت عنها السيدة رايس بنفسها في مقابلات أجرتها قبل الزيارة مع مجالس تحرير عدد من الصحف الأميركية المهمة، منها «نيويورك تايمز» و «وول ستريت جورنال». فأكدت رايس في هذه المقابلات على أن الشرق الأوسط ينقسم بشدة بين معتدلين ومتطرفين، وأن الصراع بين هذين المعسكرين ليس سهلا ومؤقتا ولكنه صراع معقد وطويل الأمد، وأن مواجهة القوى المتطرفة، مثل «حماس» و «الجهاد» و «حزب الله» المدعومة من إيران (والتي تمثل في رأيها مركز الثقل الرئيسي لقوى التطرف)، لن يكون ممكنا من دون دعم الدول العربية المعتدلة. وكان لافتا للنظر قيام رايس بتسمية هذه الدول المعتدلة صراحة وحصرها في: السعودية ومصر والأردن، وفي الديموقراطيات الجديدة: كالعراق ولبنان وحتى الأراضي الفلسطينية. وتساعد تصريحات رايس التي سبقت زيارتها للمنطقة، في تقديري، على استنتاج جوهر الأفكار والخطط التي ستحاول تسويقها خلال الزيارة، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي:
 
1- أن الولايات المتحدة أصبحت مقتنعة تماما بأن تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي تمثل مفتاح الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها وأن هذه التسوية هي المدخل الصحيح لمعالجة واحتواء خطر الإرهاب المتفاقم.
 
2- أن قوى التطرف في المنطقة، وعلى رأسها إيران، هي المسؤول الرئيسي عن عدم التوصل إلى تسوية لهذا الصراع، وبالتالي فإن عزل هذه القوى ومحاصرتها يعد شرطا رئيسيا لبدء مفاوضات جادة بين إسرائيل والقوى الفلسطينية المعتدلة، فضلا عن أن إضعافها وهزيمتها قد يكونا شرطا لازما لتمرير وتثبيت ما تسفر عنه هذه المفاوضات من تسويات.
 
3- أن ذلك كله يستدعي توحيد قوى الاعتدال في المنطقة، ومن ضمنها إسرائيل بالطبع، تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة قوى التطرف والإرهاب.
 
وإذا صحت هذه الاستنتاجات، وأظن أنها صحيحة، فسوف تحاول رايس خلال زيارتها ترجمة هذه الأفكار إلى خطة عمل قابلة للتطبيق على الأرض. وتنطلق هذه الخطة، في تقديري، من مسلمات عدة يدور معظمها حول عدد من الدروس المستفادة من الحرب على لبنان. أول هذه الدروس هو الوعي بحدود القوة العسكرية وبخطأ استخدام إسرائيل كأداة عادة ما تأتي بنتائج عكسية تساعد في دعم قوى التطرف بدلاً من عزلها ومحاصرتها.
 
وثاني هذه الدروس: هو الاقتناع بأن زمن الأحلاف العسكرية في المنطقة ولّى وحان وقت استبدالها بتحالفات سياسية.
 
وثالث هذه الدروس هو الاعتقاد بأن الدول التي تغيب فيها السلطة المركزية القوية، مثل لبنان وفلسطين والعراق، والمهددة بالسقوط في يد «قوى التطرف والإرهاب» تشكل مسرح العمليات الأنسب لاختبار فعالية هذه التحالفات.
 
واتساقا مع هذه الدروس ستدعو رايس لبناء تحالف من مصر والسعودية والأردن هدفه دعم قوى الاعتدال في مسرح العمليات أو المواجهة الحالي، أي في لبنان وفلسطين والعراق، من منطلق أنه يشكل السبيل الوحيد لعزل وتحجيم قوى التطرف في المنطقة وبالتالي إضعاف الحلف السوري الإيراني الذي يمثل العقبة الاصعب أمام تسوية تؤسس لقيام شرق أوسط جديد معتدل ومستقر. وفي هذا السياق من المتوقع أن تطلب رايس من مصر والسعودية والأردن صراحة تأييد ودعم القوى المناوئة لـ «حزب الله» في لبنان، ولـ «حماس» و «الجهاد» في فلسطين، وللمقاومة المسلحة في العراق، والمساعدة على قيام سلطة مركزية قوية معتدلة في هذه الدول قادرة، من ناحية، على صنع وحماية السلام مع إسرائيل، ومن ناحية أخرى، على عزل ومحاصرة النظامين السوري والإيراني تمهيدا لإسقاطهما.
 
وتعكس هذه المنطلقات حقيقة المأزق الذي تواجهه السياسة الأميركية في المنطقة والتي ما تزال حتى هذه اللحظة غير قادرة على إدراك حقيقة الأسباب التي أدت إلى تنامي قوى التطرف فيها. فمن الواضح أن الإدارة الأميركية لم تدرك بعد أن مواقفها المنحازة بشكل مطلق لإسرائيل هي التي أدت، وما تزال تؤدي، إلى إضعاف قوى الاعتدال في المنطقة، وأن طرحها الرامي لتشكيل تحالف بقيادتها بين القوى المعتدلة ينطوي على العديد من القنابل التي تعرض المنطقة برمتها للانفجار، وذلك للأسباب التالية:
 
أولا: أن مثل هذا الطرح ينطلق، صراحة، من إصرار واضح على تسويق فكرة أن إيران والقوى المرتبطة بها أو المتحالفة معها، وليس إسرائيل، هي الخطر الأساسي الذي يهدد استقرار الدول العربية وكذا الأمن والسلم العالمي.
 
ثانيا: أنه ينطلق، ضمنا، من إصرار واضح على استخدام الخلافات المذهبية كأدوات في إدارة أزمات المنطقة، من خلال الترويج لمقولة أن تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة يحمل في طياته مداً شيعياً ويمثل بالضرورة خطرا على المسلمين السنة يستدعي تحالفا سنيا في مواجهته.
 
ثالثا: أنه يؤدي، من الناحية العملية إلى عزل سورية واستبدال الإردن بها في المثلث الثلاثي الذي حمل على عاتقه قيادة العالم العربي في أوقات المحن والأزمات، كما يحمل في طياته أيضا مخاطر تعميق الانقسامات الداخلية في عدد من البلدان العربية، خصوصا في فلسطين ولبنان والعراق، ودفعها دفعا إلى حافة الحروب الأهلية.
 
وشهدت الساحتان الداخلية والإقليمية خلال الأيام والأسابيع السابقة لزيارة رايس تطورات لافتة للنظر يصعب اعتبارها من قبيل الصدفة. من هذه التطورات:
 
1- إعلان محمود عباس عقب عودته من نيويورك ومقابلته الرئيس بوش عن إصراره على ضرورة الاعتراف المسبق بإسرائيل وبالاتفاقات السابقة من جانب أي حكومة وحدة وطنية، ثم إظهار رفض «حماس» وكأنه تراجع عن مواقف واتفاقات سابقة، وأخيرا اندلاع الاقتتال الداخلي بعد قيام قوات الأمن بالتظاهر احتجاجا على تأخر الرواتب!
 
2- تصعيد بعض القوى اللبنانية من مطالبها الخاصة بنزع سلاح «حزب الله» في هذه المرحلة الدقيقة من مراحل تطور الأزمة اللبنانية الداخلية واحتقان الساحة السياسية في لبنان أخيرا على نحو ينذر بالخطر.
 
3- تسريب أخبار في الصحف الإسرائيلية تزعم حدوث اتصالات سرية سعودية إسرائيلية وتلوح باحتمال تغير الموقف الإسرائيلي من المبادرة العربية.
 
4- إعلان مصر عزمها إحياء برنامجها النووي السلمي وصدور ترحيب فوري من السفير الأميركي في القاهرة.
 
وفي تقديري أن هذه التطورات غير البريئة تدفع بالرياح في شراع المخططات الأميركية الرامية إلى تقسيم المنطقة ودفعها نحو حالة استقطاب لا تحقق لها أي مصلحة عاجلة أو آجلة. فلا توجد أي مصلحة لبنانية أو عربية لنزع سلاح «حزب الله» قبل بناء الدولة اللبنانية والتوصل إلى تسوية شاملة للصراع في المنطقة تحمي لبنان من خطر الغزو الإسرائيلي. ولا توجد مصلحة فلسطينية أو عربية في حمل «حماس» أو اي حكومة وحدة وطنية على الاعتراف المسبق بإسرائيل، لأن المطلوب هو الاعتراف بالتسويات التي قد تسفر عنها المفاوضات وليس بإسرائيل الكبرى. وحماية الوحدة الوطنية في لبنان وفلسطين والعراق واجب قومي قبل أن يكون واجبا وطنيا. فالاحتلال الإسرائيلي والأميركي للأراضي العربية، وليس إيران، هو الخطر الأكبر على هذه الأمة. فهل نسمح لأميركا بأن تستكمل بالديبلوماسية ما عجزت آلة الحرب الإسرائيلية عن تحقيقه؟
* كاتب مصري. .(المصدر: صحيفة   الحياة  الصادرة يوم 4 أكتوبر 2006)

مأزق الليبراليين الجدد:

ماذا بقي من العولمة والشرق الأوسط الكبير؟

معن بشور
 
حين خرج علينا منظرو العولمة قبل حوالي العقدين من الزمن، حاملين وعودا بعالم خال من الحدود، تنساب فيه المعلومات والرساميل والسلع والاشخاص بسيولة بالغة، متحولا بفضل ثورة الاتصالات وتقنياتها المتطورة الي قرية الكترونية.
 
في هذا العالم المعولم لن تكون هناك بعد الآن ـ حسب نظريتهم ـ حاجة للحروب والاضطرابات بل انصياعا لقطب واحد، لا منافس له، ليقودنا جميعا ومرتكزا في قيادته علي مفاهيم الحرية وحقوق الانسان التي باتت ترقي الي مرتبة القانون الانساني الدولي الذي يجيز تدخل البشرية في أية دولة تنتهك هذه المبادئ او نظام يسعي الي تجاوزها.
 
ولم تمر سنوات عديدة الا وبهذه العولمة تصبح، بفعل الحرب علي ما يسمي بالارهاب، عولمة امنية حربية تنساب معها الاساطيل والجيوش الامريكية في كل مكان بدلا من الرساميل والسلع والمعلومات، وتنطلق تشريعات تحد من الحريات العامة والخاصة وتجافي بوضوح حقوق الانسان وتفتح المجال لابشع ممارسات التعذيب والاحتجاز غير القانوني والسجون المخابراتية السرية في دول كانت تفاخر بديمقراطيتها واحترامها لحقوق الانسان.
 
وفيما كان العالم ينتظر تسهيلات في التبادل التجاري، تتحول العقوبات الاقتصادية ضد الدول والشعوب الي ما يشبه السلاح اليومي بيد واشنطن تشهره في وجه اية دولة ترفض الاذعان لاملاءاتها علي نحو لا يشكل نكسة للنظرية الليبرالية في الاقتصاد (وهي جذر فكر العولمة)، بل يشكل ضربة قاصمة للاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يرفض فكرة العقوبات الجماعية ضد شعوب وامم بسبب الموقف من حكام وانظمة.
 
وفي المنطقة العربية والاسلامية، كان مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي طرحه شمعون بيريز، في اوائل التسعينات، هو الترجمة الاقليمية لمشروع العولمة علي المستوي الكوني. حيث ظن بيريز انه مع المفاهيم الدولية الجديدة، وفي ظل نتائج حرب الخليج الاولي التي دمرت العراق القوي المنيع عام 1991، وبعد اتفاق اوسلو الشهير مع القيادة الفلسطينية، فان الظروف باتت مهيأة لاطلاق فكرة السوق الشرق اوسطية المفتوحة التي تشكل فيها تل ابيب القيادة الاقليمية، تماما كما تشكل واشنطن او نيويورك قيادتها العالمية.
 
فأين نحن اليوم من تلك الاحلام الطوباوية التي اطلقتها دول قوية، ونظر لها مثقفون، ووقعت في حبائلها اوساط وجماعات وحركات؟
 
لقد اسقطت الانتفاضة الفلسطينية فكرة السوق المفتوحة، لتقيم حكومة تل ابيب بدلا منها جدارها العنصري الفاصل حول كيانها الغاصب، فلا تتنازل بذلك عن طموح السوق الشرق اوسطية فحسب، بل لتصيب في العمق احدي الركائز العقائدية للمشروع الصهيوني الذي يعتبر ان ارض اسرائيل تمتد من الفرات الي النيل .
 
اما فكرة العولمة ذاتها فأخذت تترنح تحت وطأة احتجاجات جماهيرية وتظاهرات كانت تلاحق انعقاد كل المؤتمرات المتصلة بها، بما في ذلك اجتماعات منظمة التجارة العالمية، من بلد الي آخر، واخذت تواجه تحديات من كل انحاء العالم لم تخفف من حدتها توصيفات الرئيس بوش لبعض الدول بانها مارقة ، كما لم تنجح في لجمها حروب كبري شنها البنتاغون في افغانستان والعراق، لا بل ان هذه الحروب قد زادت من اوضاع الهيمنة الامريكية تعقيدا بفعل المقاومة البطلة في العراق التي جعلت الرئيس الامريكي يعترف قبل ايام ان مستقبل الولايات المتحدة يتقرر في شوارع بغداد بعد ان ظن قبل اربع سنوات ان مستقبل العراق والمنطقة بأسرها يتقرر في اروقة البيت الابيض.
 
وفي الاطار ذاته لم تنجح محاولات انقلابية وتدخلات متعددة، كما جري في فنزويلا، في ايقاف خطر تراجع واشنطن في حديقتها الخلفية في امريكا اللاتينية، خصوصا وقد تحولت هافانا، معقل الثورة الكوبية الصامدة بوجه حوالي نصف قرن من الحصار والتهديد، الي عاصمة لانبعاث حركة عدم الانحياز من جديد.
 
كذلك لم تنجح تهديدات ومداخلات في ثني كوريا الشمالية عن مشروعها النووي الحربي ولا في اجبار ايران علي وقف مشروعها النووي السلمي.
 
ولقد وصلت ذروة هذا المأزق الفكري والعملي لمشروع العولمة هذا، مع تصميم الادارة الامريكية علي بناء جدار فاصل مع جارتها المكسيك لمنع تسلل المكسيكيين الي الولايات المتحدة. وقد باتت عاجزة عن استيعاب مهاجرين جدد في ظل اقتصاد متعثر وقاصر عن حماية دولاره الذي خسر ما بين 30 ـ 40% من قيمته، وعن وقف الارتفاع الصاروخي في الدين العام وصل حدود 4 تريليونات دولار (اربعة الاف مليار دولار)، وعن الحيلولة دون التصاعد الملحوظ في عجز الموازنة وقد وصل الي حوالي 400 مليار دولار، وهو الرقم ذاته الذي وصلت اليه النفقات العسكرية الامريكية السنوية وبينها 70 مليار دولار لتمويل العمليات العسكرية سنويا في العراق وافغانستان.
 
وكما اعلن جدار الفصل العنصري في فلسطين المحتلة وصول المأزق العقائدي والعملي للسوق الشرق اوسطية المفتوحة وللمضمون التوسعي للمشروع الصهيوني الي ذروته الحادة، خصوصا بعد ان تبين ان هذا الجدار لم يعد يشكل، بعد صواريخ المقاومة اللبنانية، اية ضمانة امنية لسكان المستعمرات والمدن الصهيونية، فان الجدار الفاصل مع المكسيك قد شكل ايذانا باعلان صريح للمأزق الفكري والعملي لنظرية العولمة و السوق العالمية المفتوحة التي تربكها ايضا الاجراءات المتشددة التي تتخذها الدول الصناعية الكبري لمنع تدفق هجرة مواطني الدول الفقيرة لها في تناقض صريح مع احدي ابرز ركائز العولمة وهي تسهيل انتقال الاشخاص بين دول العالم.
 
لكن الامر لم يتوقف عند هذا الحد، فكما ارتبك مشروع بيريز للشرق الاوسط الجديد امام الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والمواجهة الشعبية العربية للتطبيع، بل وبات صاحبه من وجوه الصف الثاني او الثالث في الطبقة السياسية الاسرائيلية، فان مشروع بوش للشرق الاوسط الكبير بات هو الآخر في حال من الارتباك الشديد قبل ان يخبو نجم بوش نفسه، ومعه نجم المحافظين الجدد الذين رسموا هذا المشروع وأوحوا لبوش انه سيصبح رسولا جديدا للحرية في العالم.
 
لقد غطي بوش مقاصده الحقيقية من هذا المشروع القائم علي الهيمنة الامريكية والسيطرة الصهيونية علي دول المنطقة من خارجها وعلي التفتيت الاهلي داخلها، بشعارات جذابة كنشر الديمقراطية والاصلاح والتحديث والمعرفة وتمكين المرأة الخ، وباعتباره انظمة الاستبداد والتخلف والتعصب الديني في المنطقة العربية والاسلامية هي المصدر الرئيسي لما يسميه بـ حركات الارهاب ، وبقناعته ان تجفيف المنابع الفكرية والمالية لهذه الحركات لا يتحقق الا بنشر مبادئ الشرق الاوسط الكبير.
 
وظن كثيرون ان تغييرا جذريا قد وقع للسياسة الامريكية في المنطقة التي كانت تعتمد في نصف القرن الماضي علي ركيزتين رئيسيتين اولهما، وبفارق كبير عن الثانية الكيان الصهيوني، وثانيهما الانظمة الصديقة لواشنطن، فاذا بها في ظل سياسة المحافظين الجدد، تنحو باتجاه الاستغناء عن هذه الانظمة لتبقي الاعتماد الاساسي علي تل ابيب التي سارعت الي استغلال هذا التحول الامريكي لتقوم بعملية ابتزاز ضخمة لتلك الانظمة، وتنتزع منها تنازلات كبري لم يكن سهلا انتزاعها في ظروف سابقة. لكن هذا الاعتماد الوحيد الجانب علي الكيان الصهيوني لم يكن ناجحا، بل انه بات مكشوفا ومترهلا بعد الهزيمة الصهيونية في لبنان في الحرب العربية السادسة، مثلما بات هذا الكيان مكشوفا ومترهلا في فلسطين المحتلة علي يد صمود الشعب الفلسطيني العظيم، رغم كل محاولات الحصار والفتنة الداخلية، وباتت الادارة الامريكية ذاتها مكشوفة ومترهلة في الداخل والخارج بفعل المقاومة العراقية الباسلة والمقاومة الافغانية المتصاعدة والازمات الداخلية المتفاقمة.
 
هنا وجد الرئيس بوش، العنيد في طبعه، انه لا بد من العودة الي الاستراتيجية الامريكية التقليدية في المنطقة، اي الي اعتماد رئيسي علي تل ابيب، مع اعتماد ضئيل علي الانظمة العربية التي كانت تحاصرها لسنوات واشنطن ومحافظوها الجدد بدعوات الاصلاح والتحديث.
 
ولقد وجدت وزيرة الخارجية الامريكية السيدة كوندوليزا رايس (المعروفة بخلافاتها مع رموز المحافظين الجدد: تشيني ورامسفيلد كما كشف بوب ودوورد في كتابه الاخير: حالة الانكار) ان فرصتها باتت سانحة لكي تعتمد علي دول الاعتدال العربي في تنفيذ السياسة الامريكية في المنطقة وان تستخدمها في حربها علي المتطرفين ، مسقطة بذلك مطالب الاصلاح والتحديث ونشر الديمقراطية، وساعية في الوقت نفسه الي تجديد سياسة الاحلاف والمحاور في المنطقة لتجديد خطة الحروب الاهلية العربية والاسلامية، والتي وصلت الي ذروتها في الثمانينات مع الحرب العراقية ـ الايرانية، وهي خطة مترافقة مع خطة اشعال حروب اهلية في الدول والمجتمعات التي لا تذعن لسياساتها، بما في ذلك فلسطين ولبنان والعراق.
 
وبهذا المعني، فان الشعار الذي تجري في ظله زيارة رايس الي المنطقة دعم قوي الاعتدال العربي يشكل من الناحية الايديولوجية والسياسية تراجعا كبيرا عن مشروع الشرق الاوسط الكبير، ويوحي فعلا بالفرق بين ذلك المشروع الطموح الذي طرحه بوش بعد احتلال العراق وبين الشرق الاوسط الجديد الاكثر واقعية الذي لوحت رايس بولادته من آلام المخاض اللبناني .
 
اذن نحن في المنطقة امام تراجع جديد عن واحدة من الافكار التي جري الترويج لها في السنوات الاخيرة وتبشر بعصر من الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، تماما كما نحن علي المستوي الدولي امام تراجع يصيب في الصميم مفهوم العولمة وما يرافقها من ليبرالية سياسية واقتصادية مطلقة. فبين الجدران الفاصلة، وآخرها الجدار مع المكسيك، وبين التقييد المتواصل لحقوق الانسان والحريات العامة والشخصية، وآخرها القانون الذي نجح بوش بتمريره مؤخرا في الكونغرس، وبين الافراط في استخدام العقوبات الاقتصادية ضد كل دولة ترفض الاذعان للاملاءات الامريكية، وآخرها التلويح باستخدامها حتي ضد دول رئيسية كالصين وروسيا، (فيما يخص الملف النووي الايراني) وبين مقايضة الاصلاح والتحديث والديمقراطية بالاعتدال في المنطقة العربية، نستطيع ان نلمح بداية اسدال الستار علي مرحلة عقائدية وسياسية كبري في الولايات المتحدة، وبهذا المعني فـ الليبراليون الجدد الذين ملأوا الدنيا بنظرياتهم الترويجية للعولمة، مدعوون، قبل غيرهم، الي مراجعة نقدية جريئة لكل افكارهم، والدخول في مرحلة ينبغي تفحص معالمها بدقة والتأكد من طبيعتها الامريكية خصوصا اذا كانت هجومية استباقية ام دفاعية تأخذ شكلا هجوميا.
 
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 4 أكتوبر 2006)

رايس في الرياض: أعلنوها أمة شنية واحدة

د. مضاوي الرشيد
 
2006/10/04
 
تطوف وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس عواصم عربية ربطت مصيرها بالمشروع الامريكي الجديد للمنطقة. فبعد القاهرة وعمان جاء دور المحور الرئيسي لا لشيء سوي لانه يمتلك من الثروة الاقتصادية ما يمكنه من تحويل هذا المشروع من حلم الي حقيقة. محور الرياض هو الأهم في الزيارة لأنه الوحيد المستعد لتسخير طاقته النفطية في مشاريع كنس المنطقة من النفايات التي خلفتها القوة الامريكية المحتلة والتداعيات السياسية والفوضي التي نتجت عن هذا الاحتلال. القيادة السعودية ما زالت مستعدة لتسخير ثروتها في سبيل تثبيت المشروع الامريكي الهادف الي تحالف ما يسمي بالمعتدلين ضد عدو الولايات الامريكية حاليا ايران تحت ذريعة محاربة المشروع النووي الايراني.

وجدت رايس في الرياض من سيتزعم الاعتدال المزعوم وينفق عليه الاموال الطائلة فهو دوما مهيأ لتجييش الخطاب السياسي والديني في سبيل ارضاء حماة النفط خاصة في مرحلة تنعدم فيها القوة المحلية الحقيقية القادرة علي التصدي لعدوان تقنعنا الولايات المتحدة انه آت من طهران. وهذا ليس بالجديد في منطقة الخليج اذ انه خلال العقود السابقة استطاعت الولايات المتحدة ان تجند المنطقة ضد ايران بعد ثورتها عام 1979. وها هي رايس اليوم تحاول ان تلعب اللعبة ذاتها لتشتعل المنطقة من جديد بمباركة امريكية. هذه المباركة مضطرة ان تعتمد علي من سيدفع الفاتورة الجديدة ويسوق للمشروع الامريكي الطامح للهيمنة.
تختلف المواجهة الحالية المتوقعة بين العرب و العجم عن سابقتها في الثمانينات رغم ان هناك بعض العوامل والمعطيات المشتركة بين الحقبتين التاريخيتين.
في الحقبة الاولي صور النزاع وكأنه نزاع بين قوميتين عربية وفارسية الاولي اعتبرت مهددة من قبل العدو الفارسي القديم رغم التحول التاريخي الذي طرأ علي ايران عندما تبنت الخطاب الاسلامي الذي بطبعه يتجاوز محور القومية الضيق. وجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في جزيرة العرب في الشاويش العراقي خير منفذ للسياسة الامريكية العريضة. اما اليوم وبعد ان سقط هذا الشاويش خلت الساحة من شخصية قادرة علي التنفيذ. لذلك جاء دور البحث عن محور أوسع من محور الثمانينات وخطاب تعبوي يتعاطي مع التقسيمات الحاصلة حاليا في المنطقة. تريد رايس من حلفائها ان يتسموا بسمة واضحة تحت مظلة الانقسام التاريخي بين السنة والشيعة لتصبح هذه المظلة غطاء لسياسة التقسيم والتفتيت المرجوة من الخارج.
الترويج للصبغة السنية للمحور الجديد سبقه حديث وثرثرة عن هيمنة شيعية علي الارض برزت بوضوح في خطابات القاهرة وعمان والرياض. والآن جاءت الزيارة الامريكية لتجند ما تبقي من دويلات الخليج حتي يكتمل النصاب في سبيل مواجهة ايران الشيعية وحلفائها في المنطقة من حزب الله في لبنان مرورا بدمشق وانتهاء بالاطياف الشيعية التي لم تروض بعد في العراق. تقسيم المنطقة الي هلالات شيعية واقمار سنية هي عودة فاشلة لاختلافات عقدية تاريخية اثبتت السياسة انها قادرة علي تجاوزها. لكن هذا التقسيم سيجد اذانا صاغية مستعدة ان تقتبسه وتتبناه للمحافظة علي عروش بالية. هذه العروش مستعدة دوماً لشق الصف ان كان هذا يخدم مصلحتها وديمومة وجودها.
قد تستنتج رايس ان مهمتها سهلة جدا في القاهرة وعمان والرياض ولكنها ستجد صعوبة في اقناع البعض في الخليج. رغم الاحتقان الشعبي المصري تظل القاهرة مستجيبة للمشروع الامريكي وكذلك عاصمة دولة الـBuffer Zone بين اسرائيل والعرب. اما الرياض فهي العاصمة الأكثر تقبلا للتقسيم الامريكي الجديد حيث ان فيها من الارث الثقافي والديني ما يجعلها تتصدر المشروع الطائفي الجديد وليست بحاجة الي استنساخ فتاوي جديدة ومواقف سابقة قد اصل لها الكثير من علماء المملكة. وان انتقلت رايس الي دويلات الخليج فربما أنها لن تنجح خاصة في المواقع ذات الحراك الشيعي الواضح كالكويت والبحرين. فرغم ان القيادة في هذين البلدين قد تبدو مستعدة ظاهريا لتبني التقسيم الجديد الا انها ستدخل في متاهات خطيرة ان هي تمادت في تفعيل خطابات طائفية خاصة وان جزءا كبيرا من مواطنيها قد يتجاوز الخطابات الوطنية وشعاراتها ليتقوقع خلف هويات طائفية ضيقة مفجرا بذلك النسيج الاجتماعي وحالة التعايش القائمة ولو كانت هشة بعض الاحيان.
اما في مسقط ستجد رايس ان القيادة هناك استطاعت منذ الثمانينات ان تعزل نفسها عن تداعيات الحروب السابقة وتتبني نوعا من الحيادية التي تجنبها الانخراط في متاهات الحروب الامريكية علي المنطقة.
لذلك ركزت رايس في زيارتها الي الرياض علي الدور الرئيسي الذي تهيئ هي نفسها المحور السعودي لتقبله ولعب الدور الريادي في تفعيله. الرياض فقط مستعدة لتفعيل ثروتها لسببين: اولا لانها تعتقد ان الدور القيادي سيجلب لها بعض الابهة والأهمية في منطقة قد افلتت من قبضتها. منذ عقد تقريبا لم تستطع السعودية ان تتربع علي عرش قادر علي ريادة العالم العربي ولا ان تغير الانحدار وحالة التشرذم. افلت منها العراق منذ احتلاله والآن لبنان رغم انها انفقت الملايين علي تدعيم هيمنتها في هذين البلدين. حاولت السعودية التعويض عن انحسار هيمنتها الاقليمية بالاتجاه تارة نحو اليمن وتارة نحو عمان بعد الفتور الذي حصل في مطلع التسعينات في العلاقات والذي نتج عن الموقف الاردني واليمني من حرب الخليج. وتعثرت علاقتها مع سورية الابن بعد فترة رخاء مع سورية الاب واليوم لم يبق من هذه العلاقة سوي الملاسنات والعتب الثقيل. تزعم العالم السني لن يعيد للسعودية اي دور في المنطقة لانها ربطت مصيرها بمشروع امريكي فاشل منذ البداية.
ثانيا: تعتقد السعودية انها ان لعبت دور قيادة العالم العربي السني ستستطيع ان تتغلب علي مشاكلها الداخلية الحالية وتجيش شعبها ضد العدو الخارجي المعروف حاليا انه عدو شيعي. اكثر من اي وقت مضي نجد ان القيادة السعودية محتاجة لعدو خارجي من أجل توحيد الصفوف الداخلية المنشقة حاليا بشكل واضح وصريح. اي مواجهة في الخليج تحت شعار الدفاع عن السنة ستجد اذانا صاغية وتؤجل المواجهة الحتمية الداخلية بين التيارات المتصارعة علي الساحة السعودية من ليبرالية واسلامية وجهادية وبين كل هؤلاء والقيادة ذاتها. سيتغني ليبراليو السعودية بخطاب الوطنية المزعومة للترويج للحرب القادمة علي صفحات الجرائد السعودية وسيضخمون مشاريع ايران النووية. اما الاسلاميون فسيرون في هذه المواجهة مع ايران فرصة لنصرة السنة وان كانوا سينقسمون فيما بينهم كما انقسموا خلال اشهر الصيف الماضية في موقفهم من نصرة حزب الله اللبناني بين متزمت يرجع الي خلافات عقدية ليسقطها علي الواقع السياسي الحالي وبين مرن يخاف ان يخسر جمهوره ان هو ارتمي في احضان القيادة بشكل كلي وشامل وتبني مغامرات ولاة الأمر اذ ان التيار الاسلامي في السعودية مستعد لان يعلق كل مآخذه علي القيادة ولكنه سيظل يتبني خطاب المواجهة مع اسرائيل وامريكا كأن هذه المواجهة تعويض عن خسائره الناتجة عن صمته المريب تجاه قيادته الحالية وسياستها الاقليمية.
بالطبع لن تجد رايس في الرياض شاويشا جديدا تعتمد عليه عسكريا ولكنها ستجد اطيافا ملونة قادرة علي نبش مخزونها الديني والثقافي من أجل مشروع الحرب السنية ـ الشيعية القادمة. وستجد ثروة نفطية لا تخضع للمحاسبة او الشفافية بل هي ما زالت قيد الاحتكار والسرية توزع حسب ما تراه القيادة ضروريا لاستمراريتها وديمومتها. وان كنا لا نعول الكثير من الأمل علي مناورات القيادة السعودية الا اننا نرجو من الاطياف الشعبية ان تعي مسؤوليتها التاريخية ولو مرة واحدة وتصرخ في وجه رايس وزبانيتها بصوت واحد ان التقسيم السني ـ الشيعي المفروض علي المنطقة حاليا لن يمر بسهولة مهما صرف عليه من اموال وسكب فوقه من الحبر ما سيغرق صفحات جرائد تذهب الي مزبلة التاريخ ومحرقة الفكر المأجور.
هذه المسؤولية التاريخية تتطلب من الجميع ان يقفوا صفا واحدا ضد التحزب الطائفي المقيت ويعلنوا علي الملأ اننا امة شنية واحدة.
 
(*) أكاديمية سعودية مقيمة في لندن
 
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 4 أكتوبر 2006)


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

21 avril 2010

Home – Accueil   TUNISNEWS 9 ème année,N° 3620 du 21.04.2010  archives : www.tunisnews.net  LTDH: Section de Kairouan – Mise

En savoir plus +

16 juillet 2005

Accueil   TUNISNEWS 6 ème année, N° 1883 du 16.07.2005  archives : www.tunisnews.net إفيكس: مجموعات حرية التعبير تحث تونس على

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.