الجمعة، 4 يوليو 2008

Home – Accueil

TUNISNEWS
8 ème année, N°2964 du 04.07.2008
 archives : www.tunisnews.net   

السجين السياسي السابق  لطفي الورغي بوزيان :اعلام بالد خول في اضراب عن الطعام   
اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي:صدور الحكم في شأن مجموعة من مواطني الرديف وتواصـل الإيقــافات … محمد العيادي : مدونون تونسيون يفتتحون حملة من اجل حرية التعبير ورفض سياسة حجب المواقع والمدونات
مؤسسات الأمبودسمان العربية بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الإنسان ومؤسسة  الموفق الإداري :دعــــــــــــــــــــــــوة
مرافعة الأستاذ عبد الوهاب معطرالمتعلـّقة بطلب إلغاء الأمر الترتيبيّ الدّاعي لاستفتاء 26 ماي 2002 و بطلان النتائج المترتـّبة عنه
عبد الحميد الجلاصي : الصــــــــــــــــــورة الغائبة
رضا القدري :هل استوفت العودة شروطها؟
الحبيب عويلي : مدى إمكانية المصالحة والعودة؟
فاضل البلدي :ذكــــــــــــــــــــــرى واعتبـــــــــــــار البديـل عاجل: الإيقافـــــــــــــــــــــــات تتواصل بالرديف
البديـل عاجل : محـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاكمة
البديـل عاجل : جبنيانة : تحرّك مساندة لأهالي الحوض المنجمي
الصباح: خلال الخمسة أشهر الماضية من العام: ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بـ30%
الأستاذ منير بطيخ : مصطفى صفر… شيخ المدينة ورائد الفكر والثقافة والرياضة
الصباح:عبد القادر مقداد ينــزع عنــه كسوة المخـرج والمديــــر ويتوعّــد بـ«كشــف الأوراق»!
blog-post : وفاة الصحفي الرياضي التونسي ابراهيم المحواشي
فاضل السّــالك ” عاشق البحر” : مناجاة  لقمر الغربة ‘الشاهد التونسي’: مدونة، مرصد أخبار من أجل صحافة مواطنة تونسية
الشاهد التونسي:أرقام حول المشهد التلفزي التونسي: تقرير مؤسسة “سيجما” لشهر جوان

محتويات العدد التاسع والعشرين من مجلة ‘أفكار’ – ماي 2008 -جوان 2008
جريدة الشعــــــب : مؤلف كتاب «بورقيبة والإعلام» الباحث والصحفي خالد الحداد في حديث خاص للشعب (الجزءالاول):
نصر الدين السعيدي: رد سريع على السيد العداسي من اولى بالغضب له: حركة النهضة ام الشعب؟؟ د. عبد السلام المسدّي : الوعي الدّيني ومظالم التّأويل مراد رقية:هل أصبح الرضى بالدون والالتزام بسكون الأموات شرط الانتساب الى حظيرة جامعة التجمع بقصرهلال؟؟؟
توفيق المديني : روسيا والاتحاد الأوروبي.. آفاق لـشراكة جديدة
إسلام أونلاين : المسيري وتحولاته الفكرية الجزيرة.نت

: مفكرون يشيدون بإنجازات الراحل المسيري

 العرب’:عبد الوهاب المسيري.. خمسون عاماً من العطاء الثقافي والوطني
‘الجزيرة.نت ‘: أوساط مصرية تنعى المسيري وتنتقد الغياب الرسمي في تشييعه      
بشير موسى نافع : مؤرخ «الثورة العربية» الأبرز: سليمان موسى إلى ذمة الله

الحياة

:تركيا: مجموعة القوميين الانقلابية خططت لعصيان واغتيال علمانيين


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To readarabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


 

أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين تتواصل معاناتهم ومآسي عائلاتهم وأقربهم منذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاع. نسأل الله لهم وللصحفي سليم بوخذير وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات إيقافهم منذ أكثر العامين الماضيين فرجا قريبا عاجلا- آمين 

 

21- الصادق العكاري

22- هشام بنور

23- منير غيث

24- بشير رمضان

25 – فتحي العلج  

16- وحيد السرايري

17-  بوراوي مخلوف

18- وصفي الزغلامي

19- عبدالباسط الصليعي

20- لطفي الداسي

11-  كمال الغضبان

12- منير الحناشي

13- بشير اللواتي

14-  محمد نجيب اللواتي

15- الشاذلي النقاش

6-منذر البجاوي

7- الياس بن رمضان

8-عبد النبي بن رابح

9- الهادي الغالي

10- حسين الغضبان

1-الصادق شورو

2- ابراهيم الدريدي

3- رضا البوكادي

4-نورالدين العرباوي

5- الكريم بعلوش


السجين السياسي السابق  لطفي الورغي بوزيان :

اعلام بالد خول في اضراب عن الطعام

 
انا السجين السياسي السابق  لطفي الورغي(بوزيان /اللقب الجديد )الحامل لبطاقة التعريف  الوطنية رقم 00598454 مولود بسليانة  في 11/03/1960 دخلت السجن سنة 1990 من اجل النتماء الى جمعية غير مرخص فيها والتجمهر بالطريق العام .. حوكمت 8 سنوات  وخرجت سنة 1998 بموجب استكمال  مدة العقوبة .  وفي السجن تعرضت  الى التعذيب والى ممارسات يندى لها الجبين مازلت اعاني اثارها الى الان ومنذاطلاق سراحي  وجدت نفسي اعيش سجنا اخر اشد مرارة  وقسوة  حيث تسلطت علي اجراءات ظالمة لعدة سنوات تحت عنوان المراقبة الادارية   في ظل حرمان  من كل فرصة للاندماج  في المجتمع  والحصول على عمل   بحيث مرت 10 سنوات من الصبر والصمت والقهر  محروما  من اي تغطية اجتماعية او صحية  وكل فرصة عمل اقصدها تصادر مني وهي في بداياتها . انا عمري الان 48 سنة عاجز عن الزواج لقلة ذات اليد  بلا عمل بلا بطاقة علاج  بلا جواز سفر             اعلم الراي العام التونسي  والخارجي دخولي في اضراب عن الطعام  اليوم 03/07/2008من اجل تحقيق مطالبي المتمثلة في                                                                             1)ارجاعي الى سابق عملي كموظف بوزارة المواصلات او اي عمل اخر في نفس الرتبة و المرتب 2)استرجاع جميع حقوقي  بالوزارة المذكورة طيلة سنوات السجن لى اليوم                       3)تسوية وضعيتي بصندوق التقاعد والضمان الاجتماعي                                                    
4)تمكيني من حقي كاي مواطن تونسي  في جواز السفر 5)مدي بتعويض وجبر للضرر الحاصل عن التعذيب  وسنوات المهانة  وسوء المعاملة داخل السجون  التونسية             والسلام 

لطفي الورغي بوزيان


اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي:

صدور الحكم في شأن مجموعة من مواطني الرديف – تواصـل الإيقــافات – الأخت جمعة الحاجي محل مراقبة لصيقة – دعــوة مسعود الرمضـــاني من قبل مركز شرطة المنصورة

   

 

قفصة: صدور الحكم في شأن مجموعة من مواطني الرديف المحامين: أصدرت المحكمة الإبتدائية بقفصة في ساعات متأخرة من مساء أمس الخميس 03 جويلية (في حدود الساعة الثامنة) الحكم في شأن مجموعة من مواطني الرديف المحالين تحت القضية عــ3103ــدد بتهم: تعطيل الجولان بطريق عمومي – هضم جانب موظف عمومي بالقول – رمي مواد صلبة على أملاك الغير وإحداث الهرج والتشويش وكانت الأحكام كالتالي: – سنتان وسبع أشهر سجن لكل: محمد الرميك – الطاهر ملكي – يونس التواتي – سعيد الصخابرة -سبعة أشهر وخمسة عشر يوما سجن لكل : المولدي طرياق – رمزي جدلاوي – الهاني نفطي -ستة أشهر وخمسة عشر يوما سجن لعبد الباقي شرقي – شهر واحد سجن لعبد العزيز بريك – والحكم بعدم سماع الدعوة لكلّ: عمار اليعقوبي – سليم بوجلال – رمزي ماجدي – عبد القادر فرحات وقد أحيلوا الأربعة وهم بحالة سراح. وقد ناب في هذه القضية أكثر من ستون محام ورافع أكثر من عشرون محام تواصل الإيقافات: – الإثنين 30 جوان 2008: إيقاف طارق الحليمي – الثلاثاء 01 جويلية 2008: إيقاف بشير العبيدي صحبة إبنه مظفر – الأربعاء 02 جويلية 2008: إيقاف عادل جيار – الخميس 03 جويلية 2008: إيقاف الطيب بن عثمان الأخت جمعة الحاجي محل مراقبة لصيقة: تتعرض الأخت جمعة الحاجي زوجة عدنان الحاجي إلى مراقبة لصيقة من قبل أعوان الأمن في كل تنقلاتها داخل مدينة الرديف أو خارجها دعوة الأخ مسعود الرمضاني من قبل مركز شرطة المنصورة: تمت دعوة الأخ مسعود الرمضاني للحضور بمركز شرطة المنصورة بالقيروان حيث فتح محضر بحث حول تدخله بقناة الجزيرة يوم 22 جوان بعد إيقاف الأخ عدنان الحاجي، كما تتواصل حالة الحصار والمراقبة اللصيقة المفروضة عليه.  تونس 04 جويلية 2008 عن اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي عبد الرحمان الهذيلي


مدونون تونسيون يفتتحون حملة من اجل حرية التعبير ورفض سياسة حجب المواقع والمدونات

 

بقلم: محمد العيادي (*) انخرط الكثير من المدونين التونسيين في الحملة من اجل فرض حرية التعبير ومواجهة سياسة حجب المواقع والمدونات التي انطلقت يوم 1 جويلية 2008 وتواصل صداها إلى حد هذا اليوم وقد عبر كل مدون عن انخراطه في هذه الحملة بطريقته وأسلوبه. بعض المدونات التجأت إلى الصور الكاريكاتورية مثل مدونة حوار تونس (debatunisie ) آو مدونة سليم (carpediem-slim ) مثلا مدونة سليم أدرجت رسم كاريكاتوري معبر جدا من خلال رسم به مجموعة من الدوائر ذات شكل حلزوني تزداد ضيقا نحو الداخل والمواطن المسكين موجود في قلب هذه الدوائر . بعض المدونات الأخرى تعاملت مع هذا الحدث بإدراج الأشعار مثل مدونة الناقد ومدونة خطى تائهة (Pasperdus ) الذين أدرجا قصائد رائعة ومعبرة للغاية للشاعر احمد مطر مثل قصيدة ‘ناقص الأوصاف ‘ أو قصيدة ‘ في جنازة حسون ‘ فيما أدرجت بعض المدونات الأخرى قصائد لآدم فتحي ونزار قباني . بينما التجأت مدونات أخرى إلى معالجة هذا الحدث بمواقف هزلية وروح ساخرة مثل مدونة هناني حيث تذكر أنها أفاقت صبيحة 1جويلية على ضجيج مضخم صوت ينادي ‘ اليوم هو يوم الحرية ويوم حرية التعبير وتفريغ القلوب ‘ . مدونة شوفلي حل كتبت نصا بالفرنسية تحت عنوان ‘حرية التعبير إنها الأكسجين بدونها نختنق ‘ وأرفقت هذا النص بصورة وأغنية بالفرنسية فيما اختارت مدونة كوشلاف (kochlef ) كتابة نص بالفرنسة مرفق بأغنية بالانكليزية إضافة إلى بيت شعر بالدارجة ‘ هز الكنتولة يا علي يا أبو السواعد البناية ** مهما طوال السلوم الدرجات ليها نهاية ‘  بينما فضل مدونون آخرون اللهجة الدارجة للتعبير عن انخراطهم في هذه الحملة مثل مدونة تراب بوي (trapboy ) ومدونة قيصر  ومدونة حركة المقاومة الافتراضية حماس . وبمناسبة 1 جويلية أيضا انشات مجموعة من المدونين مدونة جماعية سميت مدونة ضد الحجب في تونس من أهم المشاركين فيها نذكر طارق الكحلاوي صاحب مدونة أفكار ليلية ومصعب بن رحومة وسفيان الشورابي وأبو النديم صاحب مدونة الناقد . إجمالا انخرط عدد كبير من المدونين التونسيين في هذه الحملة ومن المبكر البحث في نتائج هذه الحملة وانعكاساتها لكننا يمكن أن نلاحظ أن هذه الحملة سعت إلى تحريك المدونين نحو قضية حرية التعبير وقد أنجزت مهمتها بسلام. والى يوم تدويني مشترك آخر لا تتهاونوا أيها المدونون التونسيون في الكتابة عن كل شيء لأنكم ضمير هذا الشعب وذاكرته الحية وتذكروا ما جاء في مدونة أفكار خاطئة (ترجمة مخففة) (idees-betes ) ‘ندون ندون ويحيا الوطن ‘ (*) مدون تونسي (المصدر: موقع تونس أونلاين.نت (ألمانيا) بتاريخ 4 جويلية 2008)


دعــــــــــــــــــــــــوة  

يشرفنا دعوتكم لحضور فعاليات افتتاح الدورة التدريبية العربية التي تنظمها الشبكة الإقليمية لمؤسسات الأمبودسمان العربية بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الإنسان ومؤسسة  الموفق الإداري ، الجمهورية التونسية وذلك يوم الثلاثاء8  جويلية 2008 على الساعة العاشرة صباحا بنزل قرطاق وبقمرت روضة المعلاوي قسم الموقع والإعلام بالمعهد العربي لحقوق الإنسان media@iadh-aihr.org aihrmedia@yahoo.fr www.iadh-aihr.org 216 71767003 216 96149793


 
 

مرافعة الأستاذ عبد الوهاب معطر أمام المحكمة الإداريّة في 10 جوان 2008 في القضايا العشرة المتعلـّقة بطلب إلغاء الأمر الترتيبيّ الدّاعي لاستفتاء 26 ماي 2002 و بطلان النتائج المترتـّبة عنه.

 
سيّدي الرئيس …. السادة المستشارين، لقد عهد إليكم الفصل في القضايا العشرة المعروضة عليكم و المرفوعة في حقّ نخبة أو قل عيّنة من المواطنين التونسيّين المسكونين بهاجس احترام الشرعيّة في هذه البلاد و لذلك فهم يطعنون في الأمر الترتيبيّ عدد 629 الصّادر عن رئيس السلطة التنفيذيّة يوم 03 أفريل 2002 لدعوة الناخبين للاستفتاء في مشروع التحوير الدستوريّ. و نحن و كما جاء في عريضة الدّعوى ننسب إلى هذا الأمر الترتيبيّ عدد 629 مطاعن ثلاثة هي خرق القانون و الانحراف بالسلطة و عدم الاختصاص للأسباب و طبق المستندات المثبتة بعريضة الدّعوى و بتقريرنا الإسهابيّ المقدّم لكم في 30 ماي 2008. و نحن لا نرى حاجة إلى إعادة شرح المطاعن فهي واضحة للعيان و تتلخّص في أنّ الجهة التي أصدرت الأمر الترتيبيّ المطعون فيه ( رئيس الجمهوريّة ) كانت في عجلة من أمرها و لفرط حرصها على إجراء الاستفتاء و الحصول على نتيجته في أقرب وقت ربّما اختارت حتى دوس قوانين البلاد. و ذلك بإسناد نفسها تلقائيّا صلاحيّة تنظيم الاستفتاء من ألفها إلى يائها حال أنّ هذه المسألة من أخصّ اختصاص السلطة التشريعيّة ( البرلمان ) طبق فصول الدّستور و المجلـّة الانتخابيّة لتعلـّقها بالحريّات العامّة و المشاركة السياسيّة. صحيح أنّ المجلـّة الانتخابيّة كانت خالية في سنة 2002 من الأحكام المتعلـّقة بالحملة التفسيريّة للاستفتاء و من يشارك فيها و طبق أيّ شروط و صحيح أنّها لم تكن تتضمّن أيّة إشارة إلى طريقة التصويت و فرز الأصوات و طريقة احتسابها مثلما فصـّلت في خصوص انتخاب مجلس النواب و رئيس الجمهوريّة أو حتى الانتخابات البلديّة. لكنّ خلوّ المجلـّة الانتخابيّة لسنة 2002 عن مثل هذه المواضيع لا يعطي مطلقا و من الناحية القانونيّة الصّرفة لرئيس الجمهوريّة صلاحيّة سدّ هذا الفراغ لينتصب مشرّعا مغتصبا لاختصاص لا يعود له أصلا سيّما أنّ رئيس الجمهوريّة الحاليّ هو المستفيد الأوّل من هذا الاستفتاء و لذلك فقد حلّ بنفسه محلّ البرلمان لينظـّم استفتاء 2002 طبق اختياراته و مشيئته ليحصل على نتيجة 99.99% و ذلك في خرق واضح للقانون و في انحراف واضح بالسلطة لأنّ الحرص على احترام القانون لو وقع كان يتطلـّب من رئيس الجمهوريّة أن يبادر بعرض مشروع قانون على مجلس النوّاب لإتمام المجلـّة الانتخابيّة و ملئ الفراغ الموجود فيها بخصوص تنظيم الاستفتاء ثمّ إصدار أمر ترتيبيّ بعد ذلك لدعوة الناخبين للاستفتاء. لكن من الواضح أنّ العجلة و الرّغبة في الإسراع في الاستفتاء و الحصول على نتيجته المخطّط لها مسبّقا كانت تتفوّق على الواجب المحمول على رئيس الجمهوريّة في احترام قوانين البلاد. و إنّنا لا نريد سيّدي الرّئيس التبسّط في بيان التـّأثير الحاسم في طريقة تنظيم الاستفتاء الواقعة بالأمر المطعون فيه على نتيجة الـ 99.98% المتحصّل عليها لكن ما نودّ لفت النـّظر إليه بل أنّ ما نشدّد عليه هو أنّه و بعد إجراء الاستفتاء في 26 ماي 2002 و بعد الحصول على النتيجة المراد تحقيقها قامت السلطة فعليّا بعد أكثر من سنة بتدارك الفراغ الموجود بالمجلـّة الانتخابيّة فوقع إتمامها بالقانون الأساسيّ عدد 58 المؤرّخ في 4 أوت 2003 فأضافت لها فصول منظـّمة للاستفتاء و يكفي الاطـّلاع عليها للوقوف على أنّها كانت تتعلـّق بنفس المواضيع التي تناولها الأمر الترتيبيّ المطعون فيه و في ذلك دليل قاطع لا يقبل الجدل على أنّ الأمر الترتيبيّ كان خارقا للقانون بشكل صارخ ممّا يجعل شرعيّته منعدمة و جميع الأعمال المترتـّبة عنه باطلة بدءا باستفتاء 26 ماي 2002 و نتيجته وصولا إلى التحوير الدستوريّ و ما ترتـّب عنه من تجديد ولاية رئيس الجمهوريّة الحاليّ في سنة 2004 فضلا عن سنة 2009 و بطلان الحصانة القضائيّة المسندة له كبطلان إحداث مجلس المستشارين و غيرها من التنظيمات المحدثة على قاعدة الاستفتاء المذكور و كلّ ذلك من الناحية القانونيّة الصّرفة و بقطع النـّظر عن الأوجه السلبيّة أو الإيجابيّة الأخرى لاستفتاء 26 ماي 2002. سيّدي الرّئيس … حضارات المستشارين ، أنا أقدّر جسامة الرّهانات التي تطرحها هذه القضايا العشرة. لكنّ هذه الرّهانات ذات طبيعة سياسيّة في المقام الأوّل و هو أمر يجب ألاّ تهتمّ به أصلا هذه المحكمة التي تنحصر مهمّتها في البوصلة القانونيّة دون سواها للنّطق بالقانون في عدم شرعيّة الأمر عدد 629 و إلغائه و إلغاء جميع النتائج المترتـّبة عنه لما في ذلك من انتصار للقانون و الحقّ و للشرعيّة و هي لعمري مسؤوليّة تاريخيّة نحسب أنّ المحكمة الإداريّة ستكون كعادتها في صدارة من سينهض بها. لكن أيّها السّادة لا يفوتني تأكيدا لأهميّة هذه القضايا و للمسؤوليّة التاريخيّة المحمولة على هذه الدّائرة أن أشير إلى بعض المؤشـّرات غير المطمئنة بصراحة في التعامل السابق مع هذه القضايا: –      ذلك أنّ كلّ واحد من المنوّبين محمد الطالبي و محمد محفوظ و الطاهر الشايب و علي تنجال و شكري يعقوب و مختار اليحياوي و نزيهة رجيبة و سهام بن سدرين قد رفع قضيّته في 04 جويلية 2002 لكنّ الرّئيس الأوّل للمحكمة الإداريّة لم يقم وقتها بإحالتها إلى الدّائرة الاستئنافيّة المختصّة بل أحالها إلى الدّائرة الابتدائيّة الأولى حيث بقيت هناك عامين كاملين من 13 جويلية 2002 إلى 12 جويلية 2004 تاريخ إرجاع الملفـّات إلى الرّئيس الأوّل. –      أنّ القضايا بقيت لدى الرّئيس الأوّل دون مبرّر من 12 جويلية 2004 إلى 19 أفريل 2008 لمّا تقرّر إسناد كلّ واحدة منها عدد و إحالتها إلى هذه الدّائرة و بذلك تكون هذه القضايا قد بقيت في سبات عميق لدى كتابة الرّئيس الأوّل مدّة تزيد عن الخمسة سنوات و تسعة أشهر ( من تاريخ رفعها في 02 جويلية 2002 إلى تاريخ إحالتها على الدّائرة المختصّة في 19 أفريل 2008 ) لم نقف فيها كلسان دفاع مكتوفي الأيدي بل قدّمنا ستـّة عشرة تذكيرا فيها للرّئيس الأوّل للمحكمة الإداريّة و قدّمنا تظلـّما منذ سنة 2002 إلى المفوّضية العليا لحقوق الإنسان و إلى مجلس حقوق الإنسان بعده كما سجّلنا شكوى في سنة 2006 بالدّولة التونسيّة لدى المحكمة الإفريقيّة لحقوق الإنسان و الشـّعوب مستندين في ذلك على حقّ كلّ واحد من المنوّبين في أن يقع النـّظر في قضيّته. و الحقيقة أنّنا و منذ أفريل 2008 وصلتنا تأكيدات من مجلس حقوق الإنسان بجينيف و من المحكمة الإفريقيّة أنّ الدّولة التونسيّة وعدت بالنـّظر في هذه الدّعاوي فكانت مفاجأة سارّة تلك التي تلقيّناها يوم 24 ماي 2008 بتعيين هذه القضايا للمرافعة لهذا اليوم بعد إحالتها على الدّائرة الاستئنافيّة المختصّة و إسنادها أعدادا. لكن ما شدّ انتباهنا بوجه خاصّ عند اطـّلاعنا على ملفـّات القضايا يوم أمس بكتابة هذه الدّائرة هو السّرعة القياسيّة بل الخارقة لعادات هذه المحكمة في الإجراءات المتـّخذة بشأن هذه القضايا. فهذه الدّائرة تعهّدت بالملفّ يوم 19 أفريل 2008 و بمجرّد ذلك عيّنتم يا سيّدي الرّئيس يوم 22 أفريل 2008 مستشارة مقرّرة مهمّتها حسب الفصل 44 من قانون المحكمة التحقيق في القضيّة و تفحّص مستنداتها و توجيه المراسلات إلى الأطراف بما كان يفترض أن يقع توجيه عريضة كلّ دعوى إلى الإدارة و تلقـّي جوابها و عرضه علينا للردّ إلى غير ذلك من أعمال التحقيق. لكنّ المدهش حتى لا أقول شيء آخر أنّ السيّدة المستشارة المقرّرة لم تقم بأيّ شيء ممّا ذكر فلا هي وجّهت للوزير الأوّل مذكـّرة الطـّعن و لا نبّهت عليه للجواب و كأنّه لا وجود لأيّ نزاع. بل أكثر من ذلك أيّها السّادة فقد أرجعت المستشارة المقرّرة المحترمة الملفّ إليكم يا سيّدي الرّئيس على حالته يوم 14 ماي 2008 فأحلتموه طبق الإجراءات في نفس اليوم إلى الرّئيس الأوّل لهذه المحكمة لتكليف مندوب دولة يتولـّى إعداد ملحوظات كتابيّة تظرف بالملفّ طبق الفصول 22 و 49 و 66 لكنّ الرّئيس الأوّل تخلـّى عن هذا الإجراء و أرجع لكم الملفّ يوم 14 ماي 2008 أيضا لتعيين القضيّة للمرافعة … هكذا دون أيّ إجراء آخر فكانت جلسة اليوم.   فماذا وراء الأكمّة يا ترى ؟ إذ من غير المتوقـّع أن يكون نزاع من شاكلة ما هو مطروح عليكم اليوم يجابه بمثل هذا الإحجام عن القيام بالإجراءات. فهل كان ذلك مردّه الاستعجال أيضا و الرّغبة في الفصل في ظرف شهرين لتدارك سبات الخمسة سنوات و التسعة أشهر ؟ ليس لدينا يا سيّدي الرّئيس جوابا محدّدا و لا نريد سبق الأحداث لكنّنا نجزم بأنّ الحلّ القانونيّ لهذه القضايا العشرة واضح و جليّ فخرق رئيس الجمهوريّة للمجلـّة الانتخابيّة و للدّستور في الأمر المطعون فيه هو محلّ إجماع المختصّين في القانون الإداريّ و أنّ انحرافه بالسّلطة ماثل للعيان كوضوح اغتصابه اختصاص ليس له أصلا و بالاستناد إلى ذلك يمكننا أن نفسّر عدم توجيه مذكّرات الدّعوى إلى الإدارة و بذلك أيضا تفسّر عدم ردّ الإدارة عنها كعدم تعيين مندوب دولة. سيّدي الرّئيس … حضارات المستشارين ، لقد تناولنا في تقريرنا المقدّم إليكم في 30 ماي 2008 كلّ هذه المواضيع و نحن نتمسّك بهذا التقرير و نطلب الحكم بمقتضاه مع علمنا بصعوبة المهمّة. و هنا أرى لزاما عليّ الرّجوع إلى ما ذكرنا بشأن المسؤوليّة التاريخيّة فأنتم ستفصلون في هذا النّزاع على ضوء ملفّ خال من أعمال التحقيق ومن ملحوظات مندوب الدّولة التي من مهامّه حسب الفصل 22 الدّفاع عن المصلحة العامّة و لسنا ندري أيّ ملفّ أهمّ من هذه القضايا تكون فيها الحاجة أشدّ إلى ملحوظات مندوب الدّولة و من ثمّة تأتّى المسؤوليّة التاريخيّة المحمولة عليكم عند الفصل في هذا النّزاع الذي سيحظى باهتمام خاصّ داخل تونس و خارجها فمهما كان حكمكم سواءا كان برفض الدّعوى أو بقبولها فأنّ ما ستستندون إليه و التـّعليل الذي ستصيغونه لحكمكم سيكون مرجعا و محلّ دراسة و تمحيص من طرف طلبة الجامعات و المختصّين في القانون. كما أنّ حكمكم سيكون بمثابة وضع هذه المحكمة الإداريّة على المحكّ في تطبيق القانون بالتجرّد و الموضوعيّة ليس فقط في مواجهة المقرّرات الإداريّة الصادرة عن الوزراء كما ثبت ذلك في السّابق بل حتى في مواجهة الأوامر الترتيبيّة الصادرة عن رأس السّلطة نفسها. إنّكم يا سيدّي الرّئيس … حضارات المستشارين، إزاء أوّل طعن مرفوع ضدّ أمر ترتيبيّ صادر عن رئيس الجمهوريّة و بذلك فإنّ حكمكم في هذه القضايا سيرسم طريق المستقبل لهذه المحكمة التي بحكم معاشرتي لأحكامها من موقع اختصاصي و تدريسي للنّزاعات الإداريّة بالجامعة أستطيع أن أقول بأنّها مفخرة قضائيّة و أنّها صمّام أمان للشرعيّة القانونيّة للقرارات الصادرة عن الوزراء فعسى أن تكون كذلك أيضا في تعاملها مع الأوامر الترتيبيّة الصّادرة عن رأس الدّولة و لكم الشكر الجزيل


 
 

 الصــــــــــــــــــورة الغائبة  

 
عبد الحميد الجلاصي لم أفاجأ عندما بلغني نبأ دخول الأخوين محمد عمار وعادل العوني في إضراب عن الطعام احتجاجا على ما يتعرضان له من حصار يطالهما في أبسط مقومات الحياة، من توفير لقمة عيش كريمة، ومن تمتع برعاية صحية مناسبة، ومن توفير لأبسط المقومات لأداء واجبات الأبوّة والزوجيّة وتكاليفهما… لم أفاجأ بذلك لأكثر من سبب، بعضها يتعلق بخصائص الفضاء العمومي في بلادنا، وبعضها الآخر يتعلق بشخصية الأخوين المضربين… لم تكن السجون التي استضافت محمد، والعادل، والآلاف من إخوانهما، سنوات طويلة رفيقة بهما، ولا لطيفة معهما… ولم تكن تربيتهما تسمح لهما بالصمت أو الرضى بالدون والهوان.. لا تلك التربية التي تلقياها في المساجد وفي دوائر الحركة الاسلامية، ولا تلك التربية التي تلقياها في حي إقامتهما: الملاسين… لم أتشرف بمعرفة العادل معرفة شخصية.. ولكن ما أعرفه عنه حق المعرفة أنه من الذين قسموا فترة سجنهم شطرين متقاربين: شطر إقامة ‘عادية’ وشطر إقامة في ‘السيلونات’، اختيارا منه احتجاجا على مظلمة من المظالم، أو عقوبة مسلطة من الإدارة على ما تراه خرقا للتراتيب الإدارية، وما أكثر التراتيب والإجراءات والبدع الجائرة التي كانت تتفتق عنها عبقرية إدارات السجون… كان العادل ‘ولد الملاسين’، ابن الحي الشعبي، الذى يعرف كيف يرد على المظلمة حين وقوعها… وكان من ثلة الشباب التي دفعت من أجسادها العارية ومن أعصابها، ومن صحتها، ما ردّت به خطة كانت تستهدف الجميع. كان من تلك الطليعة التي سيباركها الناس، والتاريخ.. وأسأل أن يباركها المولى سبحانه.. أما محمد فأعرفه جيدا… كان نسيجا وحده، ونمطا متفردا ضمن الآلاف التي طالتها محنة السجن من قيادات ومناضلي وأنصار حركة النهضة. كان شخصية عجيبة، لا يمكن أن تمر بمكان دون أن تلفت انتباه الجميع مساجين وأعوان.. كان طيبا حدّ السذاجة.. كان طفلا تسترضيه كلمة لطيفة، أو لمسة رفيقة. وكان ماردا جبارا عندما يحس بالإهانة.. وفي كل الأحوال كان رجلا، لا يتحمل أن يبقى عالة على أحد… كان من الذين استمروا في حمل ‘اسم شهرة’.. مثل كثيرين من أبناء الأحياء الشعبية، كأحد رواسب مرحلة ما قبل الإقتراب من مناخات الاسلاميين وأجوائهم. كان يعشق الرياضة… ويتعصب حتى لأحد الفرق، تراه في ساحة السجن يطارد –وحيدا- كرته أو يداعبها بلمسات تذكّر بمهرة اللاعبين وسط استلطاف وإعجاب دائرة من مساجين الحق العام… وكان دائم الانشغال بما سيفعله بعد خروجه من السجن. فكّر في عشرات المشاريع، وسأل النزلاء عن مقومات نجاح كل منها، وسجّل كل ذلك في كراسات عديدة… -فكر أن يكون صاحب قارب صيد يشتغل فيه صحبة ابنه… -وفكر أن يكون مربي نحل، أو أرانب.. أو بائع سمك، أو خضر، أو غير ذلك… لم يكن يستنكف من أي شغل يمكن أن يدر عليه الفلس الحلال، ويقيه شر الخصاصة، وذل الإرتهان للناس. كان يريد أن يكون ملكا (King) كما هو اسم شهرته، وكان يريد أن ينقذ ولي عهده: محمد، ابن محمد، ابن محمد، أو محمد الثالث (كما يتسمى أبناء الملوك) من متاهات التشرد. لم تكن أحلامه لعالم ما بعد السجن تتجاوز ذلك… لم يجد العادل، ولا محمد في الظروف ما يساعد على تحقيق هذه الأحلام البسيطة.. فالتجآ لأسلوب يعرفانه جيدا: إن لم يكن من سبيل لحياة كريمة، فلا أقل من موت مشرّف… أما الصمت فلا يعني غير استمرار المظالم… لا يمكن لأحد أن يدعي أن المضربين قد ركبا مركبا لا يعرفانه… فقد خبرا الإمتناع عن الطعام عشرات المرات، وأصبح هذا الشكل من الاحتجاج لهما صديقا وملجأً… محمد، المرح، الفكه، طيب المعشر، الذى يضحك من أي شيء، يمكن أن يصبح شخصا لا يعرفه أحد، ولا يثنيه عن طريقه شيء… في أحد الإضرابات، في سجن الهوارب، طالت معاناته أسابيع… أصبح ‘الأسمر المسرار’ في وزن عصفور، لم يمتنع عن الطعام فقط، امتنع أيضا عن الماء، ولو وجد سبيلا للإمتناع عن الهواء لفعل… هذا هو السياق الشخصي لإضراب الأخوين… أما السياق العام لهذا الإضراب فهو التالي: ذلك أنه مما غدا مميزا للساحة التونسية من أشكال نضالية اعتماد اسلوب اضراب الجوع في مسائل تهم أفرادا أو مجموعات صغيرة، أو تهم مسائل تتعلق بالوضع السياسي في البلاد عموما… للمراقبين أن يقرروا إن كان الأمر يتعلق بقدرتنا الخارقة على ابتكار الأشكال النضالية الطريفة، أم أن أشكالا نضالية سجنية تكتسح الساحة… ولكن المؤكد أن اعتماد هذه الوسيلة –التونسية- يؤشر على حجم القهر الذى ينهش المتضررين، فيقايضون أجسادهم، أو لنقل حياتهم، مقابل الحصول على مطالب بسيطة، وإن عز الحصول على تلك المطالب، فلا أقل من التعبير عن رفض وضع لا يشرّف المتسبب فيه، ولا يعفي الضحية من البحث عن سبيل للحصول على حقوقها… كما أن اعتماد هذه الوسيلة يعني من جهة أخرى انسداد الآفاق أمام أشكال أخرى، أو غياب الأذن التي تسمع، فتتفاعل، فتستجيب، أو عدم وضوح الصورة عند الجهات التي يمكن أن ترفع المظالم… ***** الإضراب الذى شرع فيه سجينان سياسيان سابقان يثير الحديث عن ملف يشمل الآلاف، ويمس جوانب حياتية أساسية، وقليلا ما يتم الإنتباه إليه، والإشارة له، والتحرك من أجله في شموله وتعدد أبعاده… الساحة التونسية المستقلة والمعارضة تركز على الملف السياسي، باعتبار حقوق المواطنة هي أحد المداخل السياسية لكل إصلاح ونهضة.. ولكن هناك ملف آخر لا يقل أهمية، يتنامى الإنتباه إليه، والتفاعل معه، وإن بحجم لا يزال ضعيفا، وهو ما يتعلق بالحقوق الأساسية للإنسان، بما هو إنسان… لا أقصد به الملف الإجتماعي الذى يتكاثر ضحاياه يوما بعد يوم، باعتبار انتمائهم الفئوي، والذى يعبر عن نفسه بصيغ من التململ والإحتجاج مختلفة، وإنما أقصد ضحايا مظالم وسياسات تستهدفها باعتبار تجرّئها على التعبير عن أفكارها ومواقفها، واختلافها عن السائد، وبالتحديد عن الرسمي… وفي غياب الإحصاءات الدقيقة فإنه لا يمكننا أن ندرك هول الكارثة التي تشوّه صورة البلاد، وتمس من سمعتها… ولكن لمحاولة تلمس حدود الصورة، وتخومها، يمكننا أن نتساءل: -كم من الإطارات أنفقت عليها المجموعة الوطنية بسخاء، فبادلتها سخاء بسخاء، فتميزت تحصيلا معرفيا، وكفاءة مهنية، ونزاهة إدارية، هُمِّشت بقصد، فحُرمت البلاد من علمها وكفاءتها، وإخلاصها وحماسها… كم من الأساتذة والجامعيين والمهندسين والموظفين السامين ينفق الواحد منهم يومه أمام ‘نصبة’ لبيع الخضر، لعله يوفر ما يقارب الكفاف… بالتأكيد لا يتعلق الأمر بحالات قليلة، ولا بعشرات، ولا بمئات… إننا أمام ملف يشمل بالتأكيد الآلاف. لا يتعلق الأمر بمسألة تربوية,, تخص التفضيل بين المهن، إذ الأصل أن الرزق كله طيب ما دام حلالا-وهؤلاء يتحرون الحلال في مكاسبهم- ولا يتعلق الأمر فقط بسياسة إذلال نفسي، إذ ما أصعب أن يجد المرء نفسه بعد أن جرب الإكرام والوجاهة في مهنة تناسب تحصيله وما أنفق فيه من جهد، ما أصعب أن يجد نفسه في شغل يوصف عند الناس بالوضاعة، ولا يوفر مع ذلك لا الإستقرار النفسي،  ولا الكفاية المادية… لا يتعلق الأمر بهذا، ولا بذاك فقط… وإنما يتعلق أيضا بما يمكن أن نسميه إهدارا للموارد العامة. فحينما يحرم الرجل المناسب والكفؤ مما يناسبه ويتماشى مع كفاءته عقابا له عن قناعاته ومواقفه، فإننا نجد أنفسنا بالضبط أمام تبديد للثروات العمومية… هذا ملف يشمل في نفس الوقت التهميش الاجتماعي، والإذلال النفسي، وإهدار الثروات العمومية، ومن أوجه الإذلال النفسي التابعة له أن يحرم الآلاف من إثبات صفاتهم العلمية في بطاقات هوياتهم، لتثبت بدل مما أنفقوا في سبيله أعمارا  وأموالا وعرقا، صفة أخرى ترمز لهذا التهميش الاجتماعي: عامل يومي، أو عاطل عن العمل… -وكم من التونسيين يجدون أنفسهم محرومين من التنقل داخل بلدهم، بين مدينة ومدينة، فيحرم المرء من متابعة علاج يأمره به الطبيب، ويحرم من مواكبة مناسبات عائلية بدعوى المراقبة الإدارية. -وكم من التونسيين يجدون أنفسهم مجبرين على الوقوف المذل أمام مراكز الأمن لتسجيل الحضور.. مرت بهذه الطريق عشرات الآلاف من التونسيين، ولا يزال المئات يعانون هذه العقوبة المذلة… -وكم من التونسيين يحرمون  وأهليهم من تلقي علاج مناسب، بعد أن أنهكت السجون منهم الأبدان والأرواح، يعانون موتا بطيئا أقسى على النفس مما عانوا في السجون، إذ كان لها هناك على الأقل عزاء التّعلل بفقدان الحرية، أما الآن فهي تحرم من العلاج في حالة توهم بالحرية… -وكم من التونسيين يحرمون وأهليهم وحتى أقاربهم من جوازات السفر… (للتمثيل فقط، سلمت زوجتي ملفا للحصول على هذه الوثيقة منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، وبالتحديد منذ يوم 12 افريل 2008 ولم تتسلمها لحد الآن رغم مراجعتها المتكررة للجهات المعنية). -وكم منهم يحرم من السفر رغم توفر الوثائق الضرورية… -وكم منهم يحرمون من العودة الى أوطانهم بعد أن طحنتهم الغربة والحنين عقودا من الزمان… مات من مات من أحبابهم وما ألقوا عليه نظرة أخيرة، ولا شيعوا جنازته، ولا وقفوا مترحمين على قبره… وتزوج من تزوج، وولد من ولد، وحرموا من مشاركة أهليهم لهو الصيف وجد الشتاء… آلاف مؤلفة، بعضهم غادر البلاد في قوة الشباب وهو يطرق الآن أبواب الشيخوخة… وبعضهم غادرها جنينا وهو يداعب الآن أطفاله، وبعضهم لا يعرف تونس إلا من خلال رواية الآباء والأجداد. أبناء حركة النهضة ومناصروها هم أكثر ضحايا هذا الملف الثقيل… غير أن هناك مئات الضحايا من غيرهم، إذ يحرم العديد من قدماء المساجين من اليسار والقوميين لحد اليوم من حقوقهم السياسية والمدنية، بعد محاكمات مضت عليها الآن أكثر من ثلاثة عقود… ليجرأ من يشاء على وضع كشّاف لهذا الملف الرهيب، بالأسماء والتواريخ والأحداث، ولن يكون هذا الكشّاف مريحا لأحد… لا للسلطة الحاكمة، ولا حتى للضحايا، إذ سيُسألون: أما وجدتم من سبيل لرفع المظالم عنكم؟ ***** هذا الملف سياسي في سياقاته، بمعنى أن الأوضاع والمناخات التي ولّدته هي أوضاع ومناخات ودواع سياسية، ولكن يجب ألا يُسيّس، أي أنه لا يجب أن يكون موضوع مقايضة أو مساومة، لأنه يتعلق بحقوق أفراد، وإن تجاوزت أعدادهم الآلاف. لا يجوز لأحد أن يفقد الثقة في قدرة التونسيين على التعامل بحكمة مع كل الملفات مهما بلغت درجة تعقّدها… ولذلك فالمأمول أن يفهم إضراب الأخوين في سياقه الفردي الخاص، وفي سياق أعم منه باعتباره نوعا من الإشارة الحمراء لأوضاع تعقدت وتعفنت ولم يعد بمستطاع أحد من الضحايا تحملها، ولم يعد بإمكان سمعة البلاد أيضا أن تتحملها… والمأمول أيضا أن تُفصل مثل هذه الملفات عن سياق السياسة، أي عن علاقة السلطة بالمعارضة وبالحركة الإسلامية، وأن تجد بالتالي التفهم المطلوب لمعالجتها، فتكون هذه الإشارة الحمراء قد آتت أكلها، فتجنب آلاف المقهورين اللجوء الى مثل ما لجأ إليه العادل ومحمد من وسائل، إن لم تأت بنتيجة ملموسة، فإنها على الأقل تحقق راحة الضمير بالخروج عن مواطن الصمت الذى قد يكون أحيانا إخلادا الى الأرض، وتزكية لما لا يمكن أن يُزكّى… الأخوان محمد والعادل: صبرا جميلا ووفقكما الله… عبدالحميد الجلاصي سوسة، 2 جويلية 2008
(المصدر: موقع نهضة إنفو (أوروبا) بتاريخ 4 جويلية 2008)

هل استوفت العودة شروطها؟

 
رضا القدري – ايطاليا ككل فصل عودة المهاجرين الى أوطانهم يستقطب موضوع المهجرين قصرا أقلام الكتاب و المراقبين، و ليس ذلك لأنه موضوع ترف فكري أو مساجلات كلامية قد يجد البعض، و هو يكتب فيه، نفسه من الصقور أو أن يجد الطرف الثاني نفسه من الحمائم و لكن لأن كثيرا من التونسيين اكتووا بناره وطالت عليهم هذه المحنة و لا يرى لها حلا في القريب العاجل. غير أنه حتى يتسنى لنا فهم طبيعة هذه المعضلة وجب علينا ان نضعها في اطارها الذاتي والموضوعي حتى نحكم لها أو عليها بدون مؤثرات خارجية أو حتى داخلية. و في البداية لابد للانسان أن يوضح أن فترة الهجرة القسرية قد بدأت تطول حتى أنه يمكن أن نجزم أنها أطول معانات على المستوى العربي فاخواننا في سورية قد سبقونا اليها و لكن حلت قضيتهم بطريقة أو أخرى و اخوتنا في مصر أو المغرب أو حتى الجزائر و لم يبقى منهم الا حالات خاصة على المستوى القيادي أو ما شابهه. لكن لتونس خصوصية منفردة فالمهجرون أشرفوا على نهاية العقد الثاني و قد يدخلوا في العقد الثالث – ان لم يحدث الله أمرا- و من خرج منهم أعزب فقد أصبح أبا و من خرج أب فقد أصبح جدا وتغيرت تركيبة العائلات التي خرجوا منها سواءا بالموت أو المصاهرة حتى أن بعضهم ربما لو عاد لوجد الأرض غير الأرض و العائلة غير العائلة زيادة أو نقصانا. و لئن استطعنا أن نجمل بعض المكاسب التي شملت المهجرين في هاته الفترة فلن تكون أهم من تلك التجربة المعيشية التي خاضوها في بلاد العجم و العرب و قد اكتسبوا فيها خبرات ما كانت لتتحقق لهم لو بقوا في بلادهم أو ربما تلك العلاقات التي أسسوها أينما حلوا أو ارتحلوا و هي لعمري علاقات تخدم قضية الحرية في البلاد آجلا أو عاجلا. و لكن في المقابل ماذا تغير في النظام الذي دفعهم على الهجرة و ترك البلاد و الأهل و الأحباب؟ انه لا يتطلب منا جهدا كبيرا ان أردنا أن نقيم عشرينية النظام منذ التهجير فيكفي أن تفتح أي موقع جدي و صادق لترى و تسمع ما لم يخيل اليك و كأنك تحكي على بلد في أقصى الأرض أو في كوكب غير كوكبنا و لست تحكي عن بلد مثل تونس على مرمى حجر من أوروبا، فمن المحاصرة الى الاعتقال و من المنع من السفر الى التهديد بالاعادة الى السجن و من التضييق على كسب الرزق الى الاتهام زورا و بهتانا. و أصبحت سياسة النظام اما معي أو ضدي فاما أن تدخل تحت ‘ جبة ‘ الحزب الحاكم و تصبح تسبح بحمد التغيير و صاحبه أو أنك مشكوك في وطنيتك. و قد يرى البعض أن هذا الأمر مبالغ فيه و اني أتحدى أي تونسي أن يحاكم مسؤول أمام محكمة أو حتى أن يسجل قضية عدلية ضد فاسد أو مفسد أو حتى أن يطالب باستخراج جواز سفر بقناعة أنه حق و ليس منة من السلطة بل لقد وصلت الدناءة بالسلطة أن تتحكم حتى في اعطاء وصف العمل لمواطنيها كما تريد هي لا كما تشهد الوثائق ( و ما أمر المهندس الهاروني ببعيد)، اذا نحن أمام سلطة تريد بلع المجتمع بكامله و تعامله على أنه غير ناظج بل غير عاقل و هي التي تعرف ما تعطيه و ماذا تمنع عليه. و حتى أكون منصفا فهناك من المجتمع المدني التونسي من يريد أن يفرض الحريات و يخرج البلاد من هذا النفق المظلم التي تدفع اليه السلطة بل تأتيك الأخبار كل يوم بمزيد من الاصرار من هؤولاء الناس على أن الحقوق تفتك و لا تعطى و أن الطريق الى ذلك طويل و دونه التضحيات، و لكني سُقت صورة الوضع في البلاد الأولى حتى أبين أن سبب التهجير و آثاره ما زالا قائمين و من العبث أن نعود بعد عشرينية لنجد أنفسنا ممنوعين من كل شيئ و ربما تحدد الينا حتى أماكن اقاماتنا و لكن كل هذا لا يعفينا من العمل على تذليل عقبات العودة الكريمة و المظفرة خاصة و نحن نعيش هامشا من الحرية في بلاد العجم نحسد عليه في بلاد العرب. و اني أدعو هنا كل التونسيين على اختلاف مشاربهم و اتجاهاتهم أن يستغلوا كل ما من شأنه أن يدفع النظام الى التصالح مع المجتمع و لا أن يقلل أحدنا من أي عمل يرى فيه خدمة لهذا الهدف المتمثل في عودتنا الى بلدنا الحبيب و الى عائلاتنا التي عانت الكثير بسبب هذا الحرمان و ان شمس الظلم الى الأفول ان شاء الله و شمس الحق و الحرية الى البزوغ باذن الله بعز عزيز أو ذل ذليل و كما قال الشاعر:             بلادي و ان جارت علي عزيزة     و أهلي و ان ظلموني كرام (المصدر: موقع تونس أونلاين.نت (ألمانيا) بتاريخ 4 جويلية 2008)  


مدى إمكانية المصالحة والعودة؟

بقلم: الحبيب عويلي (*) إن الخطاب الانتقادي الاستفزازي العراكي كالخطاب التزويقي التسويقي الدعائي كلاهما مقتل خاصة وأن الرغبة موجودة للمصالحة. فلغة السواد و محاولة العيش على أخطاء الغير من هذا الجانب أو ذاك لن يخدم أحدا ولن يحقق المطلوب وإنما سيعمق الرداءة والخوف وحالة من الريبة وعدم الثقة. المسؤولية مشتركة والحالة التي نحن عليها والوضع الذي نحن فيه ليس قدرا محتوما بل نتيجة إجتهادات وربما أخطاء هنا وهناك والمتضرر الكبير هو الوطن والجيل الجديد . إن جميع الأطراف حصرت نفسها داخل رؤية تكلست وتحجرت والحال أن كل شيء متحرك والدنيا تغيرت وجرى كثير من الماء في النهر, إن تكلس المواقف على الجانبين لن يأتي بخير ! إن بلدنا الحبيب باستطاعته أن يخرج منتصرا لو كسرنا هاته الحلقة المفرغة ويسعى كل طرف إلى تحقيق تقدم يشجع على اصدار قرار سياسي يفرح جميع التونسيين : 1)المطلوب من الاسلاميين الخروج من ماض ظل يلاحقهم بتأكيد المراجعات والاقناع أكثر بأن قناعاتهم راسخة مبدئية لا تكتيكية بالدولة المدنية والديمقراطية وحماية المكتسبات الوطنية. ثم تفهم الطرف الآخر والضغوط المسلطة عليه داخليا وخارجيا ومحاولة مد مقترحات عملية تعين وتطمئن ولا تعجز أو تؤخر, فالمعرفة والعلم بالواقع الأرضي القطري والاقليمي والدولي ومحاولة المساعدة والنصح والاشتغال على هموم مشتركة سيساعد على بناء مزيدا من التفاهم والثقة. 2)المطلوب من النظام الكف عن الأسلوب الأمني و الاعتقالات لتصفية أي حزب أو حركة لأن ذلك يخلق بؤر توتر وقد يؤدي إلى كوارث لا يمكن تجنبها. إن من يحاول إقناع الأنظمة بعدم ضرورة وجدوى الحوار لأنها الأقوى وأنها مستغنية عنه إنما يصنعون الوهم ويشتغلون على خريطة قديمة لخلفيات ايديولوجية أو مصلحية فدرج بعضهم التهويل والتخويف وخلق مزيدا من التوتر وعدم الثقة والحال أنه من السياسة ترك مجال للتلاقي وإعطاء فرصة للحوار وهو ما لا ترتضيه بعض الأطراف إذ أكاد أزعم أنه لو حصل بشكل مباشر أو بواسطة عقلاء لأصبح الحال غير الحال ,اتصل,تعرف على حقيقة الامور ستجد قربا وتجاوبا ولربما انقلبت العداوة الى ضدها. الوحدة الوطنية وانهاء الصراع الوهمي الايديولوجي والسياسي المقيت وتشجيع ارادة الصلح والحوار والتسامح وإصلاح العلاقة بين المجتمع كأفراد وبين الدولة وقوانينها ومؤسساتها هي المدخل السليم للتنمية وللعودة . إنه لو تم حوارا داخليا حقيقيا وتم التوافق فان تنميتنا وتقدمنا سيكون أفضل والبناء الداخلي وتماسكه سيمكن بلدنا من الحوار مع الآخر بشكل أفضل ولابد لنا من تحقيق هاته المعادلة, ليس لنا حكاما ومحكومين إلا رفض كل الخرائط القديمة وتعديل ساعتنا من جديد فهذا الجيل والأجيال القادمة ستسألنا وتسأمنا والتاريخ سيرفضنا ويلفظنا والله سبحانه سيسألنا فليس لنا إلا قراءة ورؤية حقيقة المتغيرات وأن نكون وحدة متصلة متعاونة حرة وفاعلة . هي أمنية قد ترتقي واقعا وفعلا والله الموفق. (*) تونسي بالمهجر محروم من جواز سفره (المصدر : صحيفة الوسط التونسية (اليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 2 جويلية 2008)


 

بسم الله الرحمان الرحيم ذكرى واعتبار

 

 
فاضل البلدي الذكرى عزيزة عليّ أكثر من أي أحد ، والحركة الإسلامية مولود شاركت فيه بقلبي وعقلي ووقتي وجهدي ، وغذوته ومنته حتى شب وكبر ، وحرصت على أن يكون صالحا راشدا متطورا متوسعا في الاتجاه الصحيح مؤثرا في واقع البلد : إشاعة للقيم والأخلاق ووصلا للبلد بتاريخه وحضارته وإنقاذا له من التغريب والإلحاق الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، وإرساء لقيم الشورى والديمقراطية والحكم الرشيد. وتحقيقا لتنمية تقوم على العدل والإنصاف وتقديس العمل وخدمة الناس. ولقد كانت السنوات الأوى التي امتدت من أواخر الستينات إلى أوائل الثمانينات سنوات التجريب والتدريب والتكوين والإعداد وشيء من التخطيط ، فيها حركة كثيرة ونشاط كبير وتوعية متطورة : “محاضرات ودروس وندوات وحلقات ذكر وأخرى للتكوين في المسجد والجامع والمعهد والكلية”. وتوسع النشاط بشكل سريع ، وكانت للإسلاميين مناطق احتكاك وصولات وجولات ، خاصة في المعاهد والجامعة ثم في النقابة حيث كان اليسار مهيمنا. كما كان للإسلاميين تفاعل متنام مع الواقع الاجتماعي والسياسي يشهد على ذلك منشوراتهم من المعرفة إلى المجتمع إلى الحبيب ، ودور نشرهم “الراية – الهدى – الجديد”. ويمكن أن نذكر على سبيل المثال -دون توسع- الموقف من الوحدة التونسية الليبية في سنة 1974 -والموقف من أحداث 77-1978-  والموقف من أحداث الحرم في السعودية والتفاعل القوي مع الثورة الإسلامية في إيران سنة 78-1979 وما تلاها. وقد كان لذلك التوسع العددي السريع ، وذلك الحضور المطرد في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية للبلاد. وذلك صراع القوي مع البعث والقوميين واليسار في المعاهد والجامعة. كان لذلك دور كبير في تطور الأفكار ووجهات النظر داخل الحركة الإسلامية. كما كان للتوسع والحضور القوي دور في تنبيه السلطة إلى خطر هذا الفاعل الجديد لذلك بدأ التفكير في إيقاف هذا المد مبكرا. فلم تكد تدخل عشرية الثمانينات حتى وقع إقرار قانون المساجد سعيا لحرمان الحركة الإسلامية من فضائها الحيوي وهو الجامع ، بحجة عدم توظيف المساجد للدعاية السياسية ، وتلا ذلك مصادرة نشرياتها الواحدة تلو الأخرى : “المعرفة” ثم “المجتمع” ثم “الحبيب”. وفي سنة 1981 وعندما أعلنت الحركة الإسلامية عن ميلاد “حركة الاتجاه الإسلامي” وطلبت تأشيرة في ذلك انسجاما مع قانون الأحزاب الجديد كان جواب السلطة حملة الاعتقالات ثم المحاكمة السياسية لقيادة الحركة وكوادرها المركزية والجهوية. وبدأت مع ذلك مرحلة جديدة تقوم على التشابك والتدافع العنيف واستمرت هذه المرحلة عشرين سنة. وسأحاول أن أقف بشيء من التحليل عند حدث الإعلان باعتباره مرحلة مفصلية في تاريخ الحركة الإسلامية. أ/ هل كان الإعلان عن “حركة الاتجاه الإسلامي” (في 6 جوان 1981) حدثا مسقطا بدون مقدمات. أم كان تطورا طبيعيا واستجابة موضوعية للنمو والتطور الذي شهدته الحركة الإسلامية. ب/ كيف تفاعل الإسلاميون مع هذا الحدث فهما وتنزيلا ؟ ج/  كيف كان رد فعل السلطة وبقية الفرقاء السياسيين ؟   لا شك أن عشرية السبعينات كانت مهمة جدا في تاريخ تونس الحديث فهي التي شهدت : 1/ حراكا قويا في الجامعة يتمثل في هيمنة اليسار والبعث والقوميين ونجاحهم في إخراج الحزب الحاكم من الجامعة وصناعة نخبة يسارية متغولة في الثورية وتجرئة الطلاب على الدولة ومؤسستها الأمنية وشهدت تلك السنوات أوسع الإضرابات وأعنفها وحركة ثقافية نشيطة كان مراجعها “شيقيفارا” و “ألنبي” و “أنور خوجة” و “لينين” و “ماركس” و “ماوتس تونغ” و “جياب” و “هوشي منه” و “كاسترو” و “عبد الناصر” ثم “القذافي” ثم ظهر الإسلاميون من خلال الندوات والمحاضرات الثقافية أولا ثم المشاركة في الحياة النقابية الطلابية والتجمعات والاجتماعات العامة لاحقا وبدؤوا شيئا فشيئا يأخذون مكانهم بشيء من الجهد لأنهم لقوا مقاومة وصدا عنيفا من اليسار وغيره ولعل ذلك الصراع الفكري والميداني هو الذي ساهم في تكوين نخبة متوسعة اطرادا من الفعاليات الإسلامية التي ستصبح مع الزمن في المواقع الأولى في الحركة الإسلامية الناشئة. كما أن هؤلاء الطلبة هم الذين سيؤسسون ويطورون العمل داخل البلاد من خلال المعاهد.   2/ حراكا سياسيا مطردا في الحياة العامة للبلاد ساهم فيه بشكل واضح الأزمة داخل الحزب الاشتراكي الدستوري التي بدأت بإقالة أحمد بن صالح ومحاكمته وفراره. ثم بخروج الأستاذ أحمد المستيري وجماعته من الحزب الأوحد في سنة 1973 وقناعتهم بضرورة العمل على التعدد ، ولابد من الإشادة والتأكيد على الجهد الذي بذله أحمد المستيري وحسيب بن عمار والدالي الجازي وحمودة بن سلامة ومحمد مواعدة وإسماعيل بولحية وغيرهم في صناعة وضعية جديدة ستكون أرضية صالحة لتشكل حركات سياسية وأحزاب تبدأ غير شرعية ثم تفتك شرعيتها وتفسح المجال أو تجرئ غيرها على ذلك.   3/ حركة اجتماعية متطورة كان الاتحاد العام التونسي للشغل أهم فاعل فيها وقد كان لنقابة التعليم العالي ونقابة التعليم الثانوي أثر واضح في تطوير الاتحاد من حيث أطروحاته وأشكال نضاله وقد انتهى إلى الاستقلال عن الحزب الذي كان مهيمنا ثم إلى الدعوة إلى الإضراب العام في سنة 78 وما ترتب عليه من إنزال الجيش إلى الشارع وإطلاق الرصاص وسقوط الضحايا ثم تدجين الاتحاد العام التونسي للشغل وإعادته إلى حضيرة الحزب الحاكم وزج القيادات النقابية في السجون وعلى رأسهم الزعيم المرحوم الحبيب عاشور. ولكن الحركة الاجتماعية لم تتوقف بل تطورت وإن بدا أن النظام هيمن عليها.   4/ حركة ثقافية وإعلامية متحركة ومتطور كان أهم فاعل فيها جريدة “الرأي” و “الشعب” و “المغرب Le Maghreb” و”المعرفة والمجتمع والحبيب” الناطقة باسم الإسلاميين ومسرح متطور وحركة نشر ومعارض كتاب وغير ذلك مما ساهم في صناعة وعي جديد يريد أن يقطع مع وضعية وعقلية الحزب الواحد ويؤسس لتعددية سياسية وحراك حقوق وحرياتي يتوافق مع التطور الذي شهدته البلاد.   5/ يضاف إلى هذه العوامل الداخلية عوامل أخرى خارجية تتمثل أساسا في : – حدث الوحدة مع ليبيا التي لم تستمر إلا يوما واحدا – أزمة العرب مع أوربا وأمريكا نتيجة دعم هؤلاء “لإسرائيل” واغتيال الملك فيصل ملك السعودية. – حرب العرب مع إسرائيل في سنة 1973 وما سمي بمعركة العبور وقمة اللاءات في الخرطوم. – الثورة الإسلامية في إيران وما صنعته من مثال خاصة في صفوف الطلاب.   إن هذه العوامل مجتمعة وما شهده الإسلاميون من تفاعل مع هذه العوامل. يضاف إليه التوسع السريع للحركة الإسلامية وما ترتب عليه من يقظة السلطة وانتباهها لخطر هذا الفاعل الجديد الذي ظنّ أنه غير منظم ولا مهيكل فإذا به كذلك ثم انتباه قيادات الحزب القديمة وعلى رأسها بورقيبة إلى طبيعة الفاعل الجديد أي الحركة الإسلامية ومناقضتها للمشروع الحداثي الذي بشر به وعمل على تنشئة الجيل الجديد عليه من خلال التعليم أساسا والثقافة والإعلام معاضدة. كل هذا جعل المواجهة واردة بين الدولة والحركة الإسلامية الناشئة – ثم إذا أضفنا إلى ذلك الحركة اليسارية والبعثية والقومية التي اختارت منذ أواخر الستينات سلوكا جديدا يقوم على المزاوجة بين المعارضة الراديكالية من خلال النقابات والتعليم والجامعة والاندساس داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها وتوظيفها لتنفيذ برامجها من ناحية واستخدامها من ناحية أخرى لإعاقة الخصم الاديولوجي الجديد الذي بدأ ينافسها في الجامعة والثانويات والنقابة أي فضاءاتها الحيوية التقليدية التي هيمنت عليها لسنوات طويلة بدون شريك ولا منافس. أمام هذه التطورات واستجابة لمقتضيات النمو الطبيعية وتوقيا من الهجمة المحتملة سارعت الحركة إلى الاستجابة لدعوة النظام الجديدة والعلنية في امكانية قيام تنظيمات سياسية مستقلة عن الحزب أي الانتقال إلى وضعية التعددية السياسية وقد يكون التنبيه مفيدا إلى أن الوزير الأول الأسبق محمد مزالي كان مقتنعا بضرورة ذلك واستعمل نفوذه وحضوته لدى بورقيبة لنقل البلاد إلى هذا الوضع الجديد القائم على التعددية وقد يكون مقتنعا بضرورة إيجاد توازن في المجتمع بين يمين ويسار كما أن الأحداث والتطورات المتسارعة التي شهدتها البلاد في أواخر السبعينات كانت تقضي بضرورة ذلك عند السياسي النابه. إذا بادرت الحركة إلى ملاءمة الوضع الجديد وعقدت ندوة صحفية أعلنت فيها عن قيام “حركة الاتجاه الإسلامي” وطلبت تأشيرة في ذلك. ولكن هذه الحركة (التصرف) الطبيعية حسب ظني لم تستوعب بنفس القدر والحماس لدى فعاليات الحركة وكوادرها ولم تأخذ حظها من النظر رغم أنها خيار منبثق عن مؤتمر ويمكن أن نقول إن عددا كبيرا من الكوادر خاصة الطلابية والتنظيمية منها لم تقبل بهذا التمشي ولم تستوعبه الاستيعاب المطلوب وبقيت متعلقة ومشدودة إلى الإرث التنظيمي ومنطق السرية الذي كان مهيمنا. وهو ما جعل الحوار يستمر بعد ذلك حول السرية والعلنية وجدوى الإعلان ثم جاءت الاعتقالات والمحاكمات فدعمت حجة المعترضين رغم أن تلك الاعتقالات كانت شبه حتمية لأن النظام كان يتحفز لذلك بغرض تأديب هذا الفاعل الجديد أي الحركة الإسلامية الذي كان يمثل اعتراضا وتحديا لبورقيبة وخياراته الحداثية ودخل فعلا في حركات احتجاجية قوية لعل أشدها وأكثرها دلالة الحركة الاحتجاجية التلمذية والطلابية التي كان احتجاز عميد كلية العلوم في ذلك الوقت أكبر تعبير عليها. ولنا أن نتساءل هل يمكن لسلطة ونظام قائم على الفردية والزعامة والامتلاء بالمشروع الحداثي أن يقبل بتحدي فاعل جديد نجح في سنوات قليلة في زعزعة مقومات الدولة الحديثة. كما لنا أن نتساءل أيضا عن درجة النضج التي كانت تطبع تصرفات قيادات حركة الاتجاه الإسلامي وفعالياتها في ذلك الوقت المبكر وهل كانت مدركة لطبيعة التوازنات وقادرة على ضبط النفس وواعية بطبيعة بورقيبة ونظامه ومقدرة لتداعيات سلوكياتها على الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي في ذلك الوقت المبكر. ويحسن – من باب الاعتبار –  فهم عملية الاشتباك الأول (اشتباك 81) وكسب الحركة الإسلامية فيها (مسؤوليتها) لنكون قادرين على متابعة “المسلسل” بدون انفعال أو على الأقل بقدر معقول من الانفعال الواعي. لقد حاولت أن أبين أن الحركة الإسلامية أو “حركة الاتجاه الإسلامي” الوليد الجديد لم تدرك بشكل جيد صعوبة هذه الخطوة بالنسبة لبورقيبة ونظامه وإن كانت من الناحية الموضوعة سلوكا راشدا ومتلائما مع اللحظة التاريخية في ذلك الوقت واستجابة واعية لدعوة النظام الجديدة في قبوله بالتعدد. لكن سلوكها السابق لخطوة الإعلان وتحديها للنظام في المسجد والجامع والمعهد والجامعة وظهورها بمظهر الحركة المنظمة والقادرة على تحريك الشارع أو استغلاله وقيامها على معارضة الخيارات البورقيبية الحداثية. كل هذا استفز السلطة واستعداها فلم يتردد بورقيبة في اتخاذ القرار والأمر بالقيام بالحملة مستهدفا بالأساس القيادة في مستواها الجهوي والمركزي تأديبا لها على التحدي وإيقافا لتوسعها وإن كانت هذه العملية جاءت في بداية عهد الوزير الأسبق محمد المزالي الذي جاء مبشرا بالتعددية وراغبا في إزالة أسباب التوتر السياسي والاجتماعي وهو ما جعله يجتهد في حل المشكلة بعد ذلك فلم تكد تنتهي المحاكمة حتى بدأت الاتصالات والوساطات لإنهاك التشابك وهو ما يفرض الاعتبار. ثم الإقرار بأن الإسلاميين لم يحسنوا التعامل مع الواقع والاستفادة من الفرص المتاحة وترك الانفعال والتأثر بالأمزجة. ورغم أنهم أعلنوا عن مكتب سياسي يكرس العلنية بعد الاعتقالات الأولى – لكنهم لم يلبثوا أن انكفأوا على أنفسهم فحرموا من فرصة تثبيت أنفسهم كحركة سياسية – كما أنهم لم يستفيدوا من الفرص التي أتاحها لهم الوزير الأول الأسبق محمد مزالي. وبقي يتنازعهم خياران متناقضان : – العلنية وما تقتضيه من حضور وسلوك وتدرج في الواقع السياسي يطبع الوجود ولا يخيف الخصوم ويهدي إلى الشرعية الواقعية وصولا إلى الشرعية القانونية. – والسرية وما تقتضيه من انكفاء على الذات وتكتم وإرهاق في الحركة وتحمل أوزار الأسرار وازدواجية مغلظة يوجه ذلك حذر شديد ومغلظ وتوجس مطرد وقد كانت الغلبة دائما لدعاة السرية فكان ذلك سلوكا غالبا حرم الحركة الإسلامية من التطور الطبيعي الموافق لحركة التاريخ وفوت عليها الفرص التي أتاحها لها الواقع السياسي.   بمناسبة ذكرى 06 جوان 1981          27 جوان 2008


 

 الإيقافات تتواصل بالرديف

 

بعد حوالي أسبوع من إيقاف الناطق باسم التحركات بالرديف المناضل النقابي عدنان الحاجي يوم 22 جوان الماضي، تعدّدت الإيقافات في صفوف قيادات ومناضلي انتفاضة الحوض المنجمي بالرديف، آخرها اليوم حيث تم إيقاف المناضلين الطيب بن عثمان (معلم نقابي 38 سنة) وعثمان بن عثمان وهارون حلايمي (طالب)، وذلك بعد إيقاف النقابي عادل جيار (أستاذ تعليم ثانوي 39 سنة) يوم أمس وكلّ من رئيس لجنة التفاوض باسم أهالي الرديف المناضل النقابي بشير لعبيدي (55 سنة) وبوبكر بن بوبكر عضو اللجنة المحلية بالرديف لحاملي الشهادات المعطلين عن العمل أوّل أمس والنقابي طارق حلايمي (أخ هارون حلايمي) ومحمد مرزوقي (صاحب شهادة معطل عن العمل) يوم الإثنين 30 جوان. إن أسرة تحرير البديل إذ تعبّر لهؤلاء المناضلين ولعائلاتهم عن تضامنها وتطالب بإطلاق سراحهم فورا دون قيد أو شرط، فإنها تدعو كافة القوى السياسية والنقابية والهيئات الحقوقية بالداخل والخارج لتكثيف نصرتها لأهالينا بالحوض المنجمي وإطلاق حملة واسعة من أجل إيقاف التتبعات وإطلاق سراح كافة الموقوفين. (المصدر: “البديـل عاجل” (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 3جويلية 2008)

 
محـــــــــــاكمة  

مثلت اليوم 3 جويلية أمام المحكمة الإبتدائية بقفصة مجموعة من شباب المتلوي الذين تمّ إيقافهم إثر التحركات الأخيرة، وقد صدرت في حقهم الأحكام التالية: –  عدم سماع الدعوى: سليم بوجلال، رمزي مجدي، عبد القادر فرحات وعمار يعقوبي. –  شهر سجن نافذ: عبد العزيز بريك. –   7 أشهر سجن نافذة: مولدي طرشاق، رمزي جدلاوي، هاني نفطي، عبد الباقي شرفي وأيمن حجلاوي. –   سنتان و7 أشهر نافذة: سعيد بلخيرية، محمد رميق، طاهر ملكي ويونس التواتي. المصدر: “البديـل عاجل” (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 3جويلية 2008)  


جبنيانة: تحرّك مساندة لأهالي الحوض المنجمي

 

 
مساندة لأهالي الحوض المنجمي المحاصرين بقوّات الأمن والجيش والذين يتعرّضون إلى شتّى أنواع القمع من تعذيب وتنكيل وإيقافات عشوائيّة ومداهمات للمنازل ومحاكمات جائرة… قام مناضلا الاتحاد العام لطلبة تونس خليل عبّاس (كلّية الآداب بصفاقس) وأيمن بالحاج (كاتب عام المكتب الفدرالي-المؤتمر الموحّد بالمعهد التحضيري للدراسات الأدبيّة بتونس) اليوم الخميس 3 جويلية باجتماع عام إعلامي في السّوق البلديّة بمنطقة جبنيانة تطرّقا فيه لما آلت إليه الأوضاع في الحوض المنجمي خاصّة منذ يوم 6 جوان تاريخ إطلاق الرصاص الحيّ على المواطنين وسلسلة الاعتقالات التي شملت شباب المنطقة وقيادات الحركة الاحتجاجيّة. وبعد حوالي نصف ساعة من انطلاق التحرّك قدمت قوّات البوليس وقامت بمطاردة المناضلين الطلابيّين المذكورين في محاولة لاختطافهما، إلاّ أنهما تمكّنا من الهرب. ولمّا كانت الحلول الأمنيّة هي الخيار الوحيد بالنسبة للسلطة في مواجهة مختلف التّحركات الاحتجاجيّة وحتى التضامنيّة، فقد اتصل أعوان أمن منطقة جبنيانة بعائلتي مناضلي الاتحاد قصد هرسلتهم ومعرفة مكان تواجدهما ومطالبين أولياءهم بتسليمهما للبوليس. المصدر: مراسلة من جبنيانة المصدر: “البديـل عاجل” (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 3جويلية 2008)


 

خلال الخمسة أشهر الماضية من العام: ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بـ30%

منى الدغيمي
تونس ـ الصباح : بلغت قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة 1،812 مليون دينار خلال الاشهر الخمسة الاولى من السنة الحالية، اي بتحقيق نسبة نمو بـ2،30% مقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية حسب وكالة النهوض بالاستثمارات الخارجية. ويمكن تفسير تطور نسق الاستثمارات الاجنبية بنمو نسبة تدفق الاستثمارات المنجزة في قطاع الطاقة والتي سجلت نموا بـ1،16% خلال الخمسة اشهر الاولى من السنة الجارية مقارنة بذات الفترة من السنة الماضية لتصل الى نحو 450 مليون دينار اي ما يعادل 80% من قيمــــــــة تدفق الاستثمــــــارات الجملية على مدى الاشهر الخمســـة من هذا العام. ويمكن اعتبار المشاريع الخليجية المعلن عنها مؤخرا على غرار مشروع المدينة السكنية الترفيهية الرياضية لمجموعة ابو خاطر التي سيتم انجازها بضفاف البحيرة بتكلفة جملية بـ5 مليار دولار عاملا من عوامل تطور نسق تدفق الاستثمارات الموجهة للقطاع السياحي والعقاري الذي حقق نسبة نمو بـ6،363% مقارنة بسنة 2007 خلال نفس الفترة لتبلغ قيمة 7،35 مليون دينار. كذلك الشأن بالنسبة لنسق تطور تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة في مجال الخدمات فقد حققت قفزة نوعية مقارنة بالاشهر الخمسة الاولى لسنة 2007 حيـــــــث سجلت نسبة نمو في حدود 5،55% لتصل الى نحو 3،188 مليون دينار. ويمكن تفسير هذه النتيجة الايجابية للاستثمارات الاجنبية المباشرة في قطاع الخدمات في تفويت نسبة 60% من رأس مال البنك التونسي الكويتي للتنمية لفائدة الشبكة البنكية لصندوق الادخار الفرنسي (6CEOR) بقيمة 300 مليون دينار منها ما يقدر بـ150 مليون دينار لفائدة تونس. زيادة النسق راجع للتفويت سجلت الاستثمارات الاجنبية المباشرة الصناعية زيادة في نسق تدفقها بلغت 8،28% لتصل الى نحو 1،138 مليون دينار خلال الاشهر الخمسة الاولى من السنة الحالية مقارنة بذات الفترة من السنة الماضية. وهذه الزيادة في النسق للاستثمارات الاجنبية المباشرة الصناعية ترجع اساسا لعملية التفويت في الاسهم التابعة لشركة مختصة في المستلزمات الصحية صاحبة العلامة التجارية «ليلا» لفائدة شركة فرنسية في نفس المجال «EMT Africa sas-France» بقيمة ناهزت 3،56 مليون دينــــــــار وكـــــــذلك للترفيع في قيمة راس مال شركة منتحات الالبان «agromed» من قبل الولايات المتحدة الامريكية بقيمة 10 مليون دينار. علما ان 70% من الاستثمارات الاجنبية المباشرة في تونس تمت في شكل توسعة لمشاريع موجودة وهو ما ساهم في خلق العديد من مواطن الشغل واستقطاب استثمارات جديدة. (المصدر: جريدة ‘الصباح’ (يومية – تونس) الصادرة يوم 4 جويلية 2008)


مصطفى صفر… شيخ المدينة ورائد الفكر والثقافة والرياضة

 

بقلم: الأستاذ منير بطيخ  يوم 8 مارس 1941 نعت جريدة ‘الزمان’ الصادرة آنذاك بالحاضرة في صفحتها الثانية أحد أعيان مدينة تونس البررة الذي وافاه الأجل المحتوم وهو في ريعان العمر بعد أن أعطى لهذا الوطن الكثير من جهده وعرقه ووفائه المتناهي وأخلص في النهوض بالفنون والآداب والسمو بشؤون التونسيين في هاته الميادين. ففي ذلك الشهر من السنة المذكورة أعلاه توفي مصطفى صفر شيخ المدينة وفي نفس الشهر من سنة 1917 اختطف الموت والده المرحوم البشير صفر. وفي شهر مارس سنة 1940اختطف الموت والدته فكان مارس اله الحرب موجعا ورديفا للموت والفناء لعائلة صفر. وتذكر جـــــــــــــريدة ‘الزمان’ أن كل القلوب قد تصدعت لهول هذا الرحيل’…. وفاضت الدموع من الأعين وخرج الشعب التونسي كله لتشييع جنازته واصطفت الناس على الأرصفة نساء ورجالا وكلهم يبكون الفقيد، يبكون فيه شيخ مدينتهم الساهر على مصالحم، يبكون فيه رجلا عرف كيف يكون كريم النفس دون أن يفقد رضاء الجمهور، يبكون فيه صديقا يخلص لأصدقائه ويحبهم محبة أخوية دون أن يكون لأحد منهم عليه سلطانا، يبكون فيه خلف ذلك الرجل العظيم البشير صفر مشيد النهضة التونسية الفتية وأبوها…’ فمن يكون هذا الرجل الذي أبكى الشعب عليه بموته المفاجئ ليترك الحسرة والألم في قلوب أصدقائه وأحبائه وصفوته؟ تكـوينه: الراحل هو مصطفى ابن البشير صفر المناضل الوطني وباعث الخلدونية في أواخر سنوات القرن التاسع عشر والتي كانت سندا فعالا للنخب المثقفة التونسية ولطلبة جامع الزيتونة من خلال تأمينها لجملة من الدروس والمحاضرات في العديد من العلوم المعاصرة والحديثة وأحد مؤسسي جريدة ‘ الحاضرة ‘صوت رجال الإصلاح المعتدلين. انطلاقا من هذه البيئة الأرستقراطية الإصلاحية المتطلعة إلى آفاق وطنية أرحب ولد مصطفى صفر سنة 1892 بتونس العاصمة حيث واصل تعلمه بمتابعة حريصة من والده بكل من المدرسة الصادقية و’ الليسي كارنو ‘ ومدرسة اللغات الشرقية وأخيرا بكلية الحقوق بباريس. وقد أحرز مصطفى صفر على ديبلوم المعهد الصادقي وشهادة الباكلوريا بجزءيها وعمره لم يتجاوز العشرين سنة. وقد مكّن هذا التكوين الأكاديمي الرجل من أن يتبوأ جملة من المهام الوظيفية السامية فانخرط كمترجم بالقسم الأول للكتابة العامة للحكومة التونسية سنة 1913 ثم اختاره الوزير مصطفى الدنقزلي كاتبا خاصا له سنة 1921 ثم ارتقى إلى خطة مساعد رئيس القسم الأول في رئاسة الهادي الاخوة الذي رقاه بدوره إلى رئاسة القسم الأول في 26 أفريل سنة 1934 كـمـا سـمـي مـديـرا للــتشريفات بقصر الباي في 1 مارس 1932 ثم انتخب شيخا لمدينة تونس ورئيسا لمجلسها البلدي (1). والى جانب وظائفه هاته كان مصطفى صفر يلقي دروسا في الترجمة والتعريب بمدرسة العطارين للترجمة والآداب. استغل مصطفى صفر موقعه السياسي ورصيد الاحترام الذي يكنه له الجميع بالرغم من المكائد التي حيكت له داخل محيط أفراد الحاشية الحاكمة التي انتمى إليها في بعض فترات حياته تلك، ليخدم مجالات الفنون ذات الصلة بالتونسيين قصد النهوض بهم ودفعهم إلى مجاراة الشعوب الناهضة بالدول المشابهة لنا ومثّل هذا التوجه من قبل مصطفى صفر تطبيقا للنهج الإصلاحي الذي أرسى دعائمه والده البشير صفر في مجالات أخرى مختلفة أهمها التعليم. وقد وجد هذا التوجه كل المساندة من قبل تيارات التجديد والمعاصرة التي عرفتها بلادنا منذ عشرينيات القرن الماضي وتواصلت على امتداد الثلاثينيات وشملت مختلف الميادين الفكرية والفنية والشبابية وقد وجدت هذه المبادرات كل الرواج والدعم من قبل فئات واسعة من الشباب.’ ذلك أن الثلاثينيات قد شهدت تدفق الفئات الشابة من الشعب التونسي، حيث بدأت تظهر آثار التشبيب الديمغرافي فيما بين 1920 و1936 وأصبحت النخبة المثقفة تضم أكثر فأكثر الشبان الصادقيين والزيتونيين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و35 سنة. والجدير بالملاحظة أن تلك الأجيال الجديدة كانت تفكر في – غالب الأحيان – تفكيرا يختلف عن تفكير الأجيال السابقة في مختلف الميادين، كما أن طريقة عرض المشاكل والأساليب المتوخاة لحلها كانت تمتاز أكثر فأكثر بالطرافة والجرأة والتحرر …’ (2). عاش مصطفى صفر فترة تاريخية دقيقة جدا شهدت هيمنة استعمارية فرنسية شاملة على بلادنا وعرف العالم خلالها سعير الحرب العالمية الأولى ونتائجها المدمرة ،عقبتها أزمة اقتصادية خانقة هي أزمة 1929 التي اكتوت بلادنا بوهجها الحارق بداية من الثلاثينيات فتعامل مصطفى صفر مع كل هاته المتغيرات بكل رباطة جأش وهدوء ولم تثنه كراسي المسؤولية عن مساندة أبناء شعبه بطريقة أو بأخرى فبعث فيهم الحياة عبر نشر نسيج العمل الجمعياتي لرص صفوفهم وإيقاظ جذوة الأمل فيهم وكانت هذه الجمعيات والمنابر الثقافية والأدبية منافذ مهمة يطل من خلالها المثقفون التونسيون على المجتمع قصد تحفيز همّته وشدّ أزره. مصطفى صفر والرشيدية: لم يهمل مصطفى صفر أي عمل يمكن أن يفيد ويقوي لحمة المجتمع التونسي فانخرط بكل قوة وفاعلية في دفع تأسيس ‘ الرشيدية ‘ إلى مداه الأبعد هدفه في ذلك حماية الموسيقى التونسية وإخراجها من التردي والابتذال السائد في تلك الفترة بتشجيع مفضوح من المستعمر الذي كان يدس عن طريق زبانيته الكلمات والتعابير الفرنسية واليهودية في جل ما ينتج من أغاني لمسخ اللغة العربية ومن ثمة لمسح معالم الهوية التونسية بأكملها. فاجتمع حوله ثلة من الأصدقاء والخلان الأوفياء ذات يوم من شهر نوفمبر 1934 بمقر جمعية الخلدونية وقرروا تأسيس مؤسسة ‘ الرشيدية ‘ للموسيقى التونسية التي لا تزال قائمة الذات إلى يوم الناس هذا تؤدي أدوارها السامية بكل اقتدار. وقد كانت بصمة مصطفى صفر واضحة المعالم وجلية في هذا التكوين فهو الذي استدعى الحضور لهذا الاجتماع وأرسل في طلبهم وأصرّ على إنجاح هاته المؤسسة التي أرسى دعائمها عبر شرايين اللجان التي أحدثت داخلها والتي كانت تتكون في بداية عهدها من أربع لجان أساسية وهي: اللجنة الأدبية، اللجنة الفنية، التدريس، المطارحات. وتشكّل المجلس الإداري الأول للرشيدية من السادة: مصطفى صفر كرئيس، مصطفى الكعاك والحاج الطاهر المهيري وبلحسن الاصرم والدكتور خياط كمساعدين للرئيس، المنصف العقبي كاتبا عاما، أحمد بن عمار أمين المال، عبد العزيز بن شعبان وجمال الدين بوسنينة وعبد القادر بلخوجة كمساعدي الكاتب العام والسادة الطاهر الزاوش ومحمد بن عبد الله كمستشارين وقد تبرع السيد بــلحــسن الاصـرم بتسخير منزله الكائـن بـنـهج الباشا عدد 36 مكرر قرب بطحاء رمضان باي ليكون المقر الرسمي للرشيدية (3) مصطفى صفر وشافية رشدي: لعب رئيس المعهد الرشيدي دورا كبيرا في الحفاظ على التراث الفني التونسي الأصيل وصونه من الابتذال والانحطاط كما كان من مشجعي المرأة التونسية على الانضمام إلى هاته المؤسسة الوليدة واستجابت لدعوته التي وجّهها إلى العديد من الفنانات المشهورات آنذاك السيدة شافية رشدي التي كانت تكن الاحترام الكبير لهذا الرجل فكانت أول امرأة تونسية تلبي نداء شيخ المدينة وتلتحق بهاته المؤسسة السامية. وانظمت إلى جمهور الأدباء والموسيقيين الذين حفلت بهم هاته المؤسسة في بداية نشأتها فكانت تلتقي بنادي الفرقة بالعربي الكبادي ومصطفى آغا وجلال الدين النقاش وأحمد خير الدين وجمال الدين بوسنينة وعبد الرزاق كرباكة ومحمد لصرم إضافة إلى مجموعة من خيرة العازفين والموسيقيين من أمثال المرحومين خميس ترنان ومحمد التريكي لقد استفادت هاته السيدة من تواجدها بالرشيدية ومن الرعاية والعناية الفائقة التي حباها بها مصطفى صفر فنهلت من معين جمهرة هؤلاء الفنانين والمثقفين والأدباء لتدعم ثقافتها الشخصية وتكوينها الذاتي في أكثر من مجال. مقابل هذه الدعوة وهذا التواجد بفضاء هاته المؤسسة ردت السيدة شافية رشدي الجميل بأحسن منه فتعهدت بالإنفاق من مالها الخاص لاعداد بعض الأقسام لتدريس الموسيقى التونسية بل وساهمت في انتشار منتوجات هذا المعهد الوليد من خلال الحفلات العامة والخاصة التي كانت تحييها هاته الفنانة أو خلال الحفلات الأسبوعية التي تنظمها الرشيدية بمشاركة شافية رشدي وكانت تبثها الإذاعة الرسمية التونسية الوليدة سنة 1938. إن رصيد الاحترام المتبادل بين مصطفى صفر وشافية رشدي جعل الأول يملي إرادته على هاته الفنانة في نهاية سنة 1936 مطالبا إياها بالامتناع عن الرقص الذي يرى فيه شيخ المدينة خروجا عن الآداب وقواعد الاحترام اللذان يجب في رأيه أن يتوفرا في الفنان الكامل خصوصا ذاك الذي ينتمي إلى الرشيدية. فاستجابت شافية رشدي لرغبة شيخ المدينة وتركت الرقص لمدة من الزمن واكتفت أنذاك بالغناء فقط. (4) ويتجسد الوفاء في أسمى معانيه إثر وفاة مصطفى صفر حيث قررت شافية رشدي مغادرة الرشيدية نهائيا بموت مؤسسيها وتركت مكانها هناك إلى المرحومة صليحة. مصطفى صفر والمسرح: كغيره من رواد حقبة نهاية العشرينات وبداية الثلاثينيات الثرية بإنجازاتها المختلفة في الحقل الثقافي كان لمصطفى صفر حضورا في ميدان المسرح. فقد كان تأثير نخبة المثقفين التونسيين كبيرا في شخصه فجلهم انتمى إلي الفرق المسرحية العديدة التي عرفتها بلادنا منذ مطلع القرن الماضي مع انبعاث فرقة ‘ الجوق المصري – التونسي التي تأسست في جوان 1909 وكانت تتكون من عناصر مصرية وتونسية في ذات الوقت، كما نجد مصطفى صفر عضوا في جمعية التمثيل العربي التي تأسست في فيفري 1922 بتونس وكانت تتكون من السادة محمد الاصرم وحسن القلاتي وحسين بوحاجب وإبراهيم الاكودي وبشير الرحال وجلهم من الوجوه اللامعة على المستوى السياسي والثقافي ببلادنا خلال تلك الفترة. ومما يذكر لمصطفى صفر أنه قام سنة 1936بتوحيد ثلاث جمعيات مسرحية كانت موجودة آنذاك وهي: ‘التمثيل العربي’ و’المستقبل التمثيلي’ و’المسرح’ تحت اسم ‘الاتحاد المسرحي’ والتأمت الجلسة التأسيسية بتاريخ 27 جانفي 1936 وحضرها أعضاء من المجلس البلدي ونواب عن الجمعيات وتم تكوين مكتب إداري موحد أسندت رئاسته إلى السيـــــــد محمـــود الورتتاني.(5) مصطفى صفر والنادي الإفريقي: شكل فريق النادي الافريقي في بداية انبعاثه أحد المعاقل الهامة الذي تتجمع في إطاره النخب المثقفة التونسية في بداية القرن العشرين وقد شجع على نماء هذا التوجه في صلب هذا الفريق وجود العديد من المعاهد والمؤسسات التعليمية القريبة من حي باب الجديد حيث ولدت هاته الجمعية الفتية التي ارتادها في بداية مشوارها جموع الطلبة ومريدي الادب والثقافة والفن من أمثال جمال الدين بوسنينة، البشير بن مصطفى، محمود مالوش، الشاذلي الورقلي، عبد المجيد الشاهد، حسن النويصري، بلحسن بن الشاذلي، منوبي الهواري، محمد عبد العزيز العقربي، عبد الرزاق كرباكة، فرج عبد الواحد، محمد العياشي، أحمد الضحاك، محمد عزالدين، العربي النقلي، أحمد الزقلاوي، أحمد المستاوي، عبد الوهاب بوعلاق، محمد مشوش، الدكتور أحمد بن ميلاد، البشير بن عمر، عبد الرحمان خلفت، والعربي المؤدب وغيرهم والتي ترأسها السيد مصطفى صفر طيلة سنتين متتاليتين في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينيات . وتركبت الهيئة المديرة للفريق خلال السنة الرياضية 1929- 1930من السادة مصطفى صفر رئيسا للجمعية وحمودة بوسن وجمال الدين بوسنينة كنائبي رئيس والسيد الشاذلي الورقلي ككاتب عام وحسن النويصري أمين مال والسادة البشير بن مصطفى وأحمد الضحاك وعلي الريس كأعضاء في حين انعقدت الجلسة العامة للجمعية التي انبثقت عنها هاته الهيئة يوم 8 جوان 1930 على الساعة السادسة بعد الظهر بمقر جمعية الناصرية (6). كما ضمت الجمعية الفتية أنذاك مجموعة من اللاعبين الممتازين لعل أشهرهم هو اللاعب والممرن المرحوم صالح عكاشة الذي توفي في بحر السنة الحالية. الخاتمة: لقد غادر مصطفى صفر الحياة منذ أكثر من نصف قرن ولكنه ترك لنا إرثا حيا جميلا لا يمكن قتله، ترك لنا الرشيدية التي أسسها وحباها بعطفه وسهر على تأمين كل ظروف النجاح لها، وجمعية النادي الافريقي التي ترأسها باخلاص متناه وساهم في إشعاعها وتألقها وشكّل هذا الرجل في حياته منارة مضيئة في سماء الثقافة التونسية خلّد اسمه بحروف ناصعة من ذهب فأعطى لبلاده جزيل العطاء دون أن تثنيه عن ذلك كراسي المسؤولية وصعوبة المهام التي اضطلع بها في فترة سياسية حرجة ودقيقة للغاية من تاريخ بلادنا عرف كيف يتكيف معها الراحل وخرج منها بأقل الاضرار .و الواجب اليوم يستدعي منا إكرام مثل هؤلاء الرجال ‘ …الذين سهلوا لنا الطريق وذللوا لنا الصعوبات، أولئك الرجال يجب أن يبقى ذكرهم منقوشا في أذهاننا وتكون محبتهم راسخة في قلوبنا، فما علينا إذا أردنا النجاح إلاّ أن ننسج على منوالهم وننحو نحوهم، فليكونوا قدوتنا أحياء أو أمواتا’. (7) ————————- الهوامش: 1 – انظر الوثيقة الخاصة بالجنرال مصطفى صفر بالأرشيف الوطني. 2- انظر كتاب الأستاذ أحمد القصّاب ‘ تاريخ تونس المعاصر 1881- 1956 ‘ تعريب الأستاذ حمّادي الساحلي نشر الشركة التونسية للتوزيع الطبعة الأولى 1986 ص 345 . 3 – انظر كتاب المرحوم محمد السقانجي ‘ الرشيدية مدرسة الموسيقى والغناء العربي في تونس ‘ شركة كاهية للنشر تونس نوفمبر 1986 ص 32-34. 4 –  انظر مقالة الأستاذ المنصف شرف الدين بجريدة لوطون بتاريخ 21 ديسمبر 1998 بعنوان Mustapha Sfar interdit à Chafia Rochdi  de danser 5-  أنظر كتاب ‘ قرن من المسرح التونسي ‘ اعداد مجموعة من الاساتذة نشر الدار العربية للكتاب سنة 2001 ص 37 6 – أنظر جريدة ‘ لاديباش تونـزيان ‘ بتاريخ 28 ماي و9 جوان 1930. 7 – أنظر كلمة السيد مصطفى صفر التي ألقاها يوم 13/6/1919 أمام أنظار مجلس إدارة جمعية قدماء الصادقية بصفته الكاتب العام للجمعية والمنشورة بمجلة ‘ الصادقية ‘ سلسلة جديدة العدد الثاني أفريل 1996 ص 54- 56. (المصدر: جريدة ‘الصباح’ (يومية – تونس) الصادرة يوم 4 جويلية 2008)


 

وفاة الصحفي الرياضي التونسي ابراهيم المحواشي

 

 
الفقيد ابراهيم المحواشيتونس 4 جويلية 2008 (وات) توفي الصحفي الرياضي التونسي ابراهيم المحواشي يوم الجمعة بتونس عن سن تناهز 84 سنة وذلك على اثر نوبة قلبية ويعتبر المغفور له من ابرز رواد الصحافة الرياضية التونسية وشارك في تغطية ابرز التظاهرات الرياضية الافريقية والاقليمية والدولية على مدى عقود طويلة وانطلقت مسيرة ابراهيم المحواشي من خلال ممارسة رياضة الملاكمة التي تالق فيها باحراز عدد من البطولات والالقاب المحلية والقارية قبل ان يصبح مسوولا رياضيا ثم صحفيا ومعلقا اذاعيا وتلفزيا وفي رصيد فقيد الاعلام الرياضي التونسي الذى يعرف بكونه ذاكرة الالعاب الفرية بشكل عام وموسوعة في اختصاص رياضة الملاكمة اسهامات متميزة في مجال الكتابة الصحفية والتعليق الرياضي التلفزيوني وحظي المغفور له ابراهيم المحواشي برعاية خاصة من لدن الرئيس زين العابدين بن علي الذى منحه الصنف الثالث من الوسام الوطني للاستحقاق في قطاعي الشباب والرياضة واصدرت وزارة الشباب والرياضة والتربية البدنية يوم الجمعة بلاغا نعت فيه / بمزيد الاسى والحسرة الرياضي الاصيل والمعلق الشهير المغفور له ابراهيم المحواشي اثر مسيرة رياضية واعلامية ثرية ومتميزة خلف اثرها بصمات لا تنسى وعلامات لا تضاهى على المستويين الرياضي في حقل الفن النبيل وفي مجال التعليق الرياضي الذى جعل منه فنا قائما بذاته زياد الهاني Lien :http://journaliste-tunisien.blogspot.com/2008/07/blog-post_5225.html

في مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة: عبد القادر مقداد ينــزع عنــه كسوة المخـرج والمديــــر ويتوعّــد بـ«كشــف الأوراق»!

 
محسن الزغلامي تونس ـ الصباح:ربما ما كان  للأحداث المأساوية التي عرفتها منطقة الحوض المنجمي خلال الاشهر الاخيرة ان تعرف طريقها الى ربوع هذه المنطقة المناضلة لو ان المسؤولين في الجهة كانوا قد ارهفوا السمع جيدا الى ما كانت «تقوله» منذ ثمانينات القرن المنقضي مسرحيات فرقة مسرح الجنوب بقفصة بادارة الفنان المسرحي عبد القادر مقداد لانها انتاجات واعمال مسرحية طالما شهّرت وسخرت ونبّهت لظواهر الاستغلال والمحسوبية والبطالة والبيروقراطية الآخذة في التفشي داخل النسيج الاجتماعي والمؤسساتي والاداري في المنطقة. فمسرحية «حمّة الجريدي» الشهيرة ـ مثلا ـ ومثلها مسرحية «فئران الداموس» و«عمار بالزور» وغيرها هي اعمال نجحت واحبّها الجمهور وتفاعل مع «رسائلها» الفنية والاجتماعية والسياسية المختلفة وصفق لها ولمخرجها وبطلها الاول الفنان عبد القادر مقداد لانها تطرّقت باكرا باسلوب ساخر وبشجاعة ادبية لظواهر متخلفة اطلت برأسها على المجتمع القفصي وعلى المنطقة.. ظواهر هي غريبة بالكامل عن اعراف وتقاليد وناس هذا المجتمع الاصيل المشهورين بحبهم للعمل وبصراحتهم وبظرفهم ومرحهم وبتآزرهم. ثم حتى بعد أن تم بعث مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة واصل الفنان المسرحي عبد القادر مقداد من خلال انتاجات المركز المسرحية على نفس النهج.. فالقضايا المطروحة في هذه الاعمال المنتجة هي من صميم قضايا ومشاغل وهموم الناس هناك واللهجة المعتمدة هي اللهجة القفصية تحديدا والروح المرحة والسخرية مستوحاة كلها من «ضمار» وخصوصيات اهالي الجهة في الاجتماع والعمران.. ـ على حد تعبير ابن خلدون ـ. «تكشفت الأوراق!» جديد مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة لهذه الصائفة يتمثل في مسرحية تحمل عنوانا مثيرا وموحيا هو «تكشفت الاوراق» وهي تأتي بعد مسرحية «وادي الربيع» التي طاف بها الفنان المسرحي عبد القادر مقداد ومجموعته مدنا كبيرة ومناطق مختلفة من الجمهورية على امتداد الموسمين الماضيين.. وقد لاقت بدورها استحسان الجماهير حيثما تم عرضها.. عن مسرحية «تكشفت الاوراق» هذه والتي ستعرض قريبا ـ باذن الله ـ في اكثر من مهرجان صيفي بدءا بمهرجان قفصة الدولي وكذلك مهرجان سوسة الدولي ومهرجان حلق الوادي وغيرها افادنا الفنان المسرحي عبد القادر مقداد بانها  المسرحية الاولى في تاريخ انتاجات مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة التي يكتفي فيها عبد القادر مقداد بدور تمثيلي.. فهو في هذه المسرحية ممثل ـ فقط ـ ذلك ان الاقتباس والاخراج هو للفنان المسرحي مراد كرّوط. يقول عبد القادر مقداد: «مسرحية تكشفت الأوراق» هي من اقتباس الاستاذ مراد كروط عن مسرحية «أريد ان أقتل»  لتوفيق الحكيم تمت مراجعة نصها من قبل عبد القادر مقداد لتكون في لهجة قفصية وفي رؤية ثقافية وايديولوجية تتماشى وقناعاتنا الفنية.. ولقد اقترحت بنفسي على الاستاذ مراد كروط ان يتولى هو اخراجها.. وقد شرع بالفعل في عمله هذا منذ عدة اشهر.. ونحن الآن بصدد وضع اللمسات الاخيرة عليها..». مسرحية «تكشفت الاوراق» ـ يضيف الفنان عبد القادر مقداد ـ ربما ستمثل بداية توجه جديد في التعامل الفني مع نصوص مسرحية عربية عميقة فكريا ومكتوبة بالفحصى يقع «تحويلها» الى مسرحيات «شعبية» ناطقة كلمة وصورة ومواقف باللهجة القفصية والروح القفصية.. التجربة فعلا مهمة ومثيرة ـ في رأيي ـ .. وانا سعيد بانني اشارك في هذا العمل المسرحي بصفتي ممثلا فقط وذلك الى جانب زملائي حمزة بن داود ومحمد مالك ولطيفة القفصي وكذلك الى جانب الوجوه الجديدة والشابة اسامة فرحات وحسن ربح وعبد الجواد الكحلاشي وقليعي حراثي ودينا بن عمر..». الواضح ان صيف مركز الفنون الدرامية والركحية بقفصة سيكون ساخنا وواعدا هذا العام وذلك من خلال مسرحية جديدة نزع فيها الفنان المسرحي عبد القادر مقداد عن نفسه كسوة المخرج والمدير و«توعّد» من خلالها بكشف الأوراق! (المصدر: جريدة ‘الصباح’ (يومية – تونس) الصادرة يوم 4 جويلية 2008)  

مناجاة  لقمر الغربة

  حزين القلب … يدعوك يا قمر حزين القلب … يرجوك أن تمرّ على الوطن أرجوك يا قمر أبلغه أشواقي أبلغه أحزاني … أبلغه أنّ الروح بعده … تحتضر أرجوك يا قمر … مرّ بالسهول بالجبال … والبحر أبلغهم أنّ خليلهم في ساعات الصفو والضجر … من كان ينشر الأحلام ويعزف الألحان … قد جفت منابعه … وروحه الآن تحتضر أبلغه … أنني حزين بعد فراقه والدمع من المآقي … بات سيلا ينهمر … جرح الأهداب, والقلب قد انكسر … *** حزين القلب … يا قمر قد هامت روحه بين المقاهي … والبحر في ساعات اليأس والضجر يرجوك … أن تمسح دمعة الوطن وأن تحيي فيه شذوة الأمل أرجوك … يا قمر قليل من نورك … للقلب والوطن … كي يورق الغصن ويزول ليل المحن … *** حزين القلب … يا قمر قد هجر الخلان … وارتعدت فرائصه لمّا هجر حضن الوطن فغدا غريب الأحلام غريب الأحزان ولم يجد أين المفر أرجوك يا قمر،  أحمل رائحة الوطن وأشفي بقايا القلب المنفطر أرجوك … يا قمر مرّ … بالوطن أبلغه رسالتي قبل أن تداهمني عتبات القبر … أبلغه أنّ الروح … حبها قد جرك إليه في ليل الغربة … في ليل الوحدة … وأنا صدى الشوق  … المستعر أبلغه يا قمر … أنني هنا وحيدا وحضنه الدافئ قد بت أستجدي … بين الأغراب … ألتمس الحبّ ولن يجدي … أبلغه … أنني أسير في غربتي وحدي ولا أحدا غيرك … يعرفني أبلغه … أنني أسير وحيدا في ظلمة الليل تلفني ظلمة الغربة وأخشى أن تداهمني ظلمة القبر هذه أوجاعي يا قمر … أبثها إليك فهل لازال عندك للعشاق مدّكر …؟                                                                  فاضل السّــالك ” عاشق البحر”


 

‘الشاهد التونسي’: مدونة، مرصد أخبار من أجل صحافة مواطنة تونسية

 

 
1- تعريف بهيئة تحرير الشاهد التونسي مواطنون تونسيون يجمعهم الاهتمام بتطوير الإعلام الوطني المستقل وصحافة مواطنة تونسية. ندعو كل مواطن تونسي لديه نفس الاهتمام لمراسلتنا ومشاركتنا على العنوان الالكتروني التالي: marsad.akhbar@gmail.com 2- لماذا ننشئ مدونة ‘الشاهد التونسي’؟ إلتقى عدد من التونسيين المهتمين بالشأن الإعلامي حول الحاجة لإنشاء مدونة ‘الشاهد التونسي’. وفي سياق تقديم مدونتنا نرى من الأهمية بمكان التركيز على محورين: أولا، أزمة الإعلام المستقل بوصفه النقطة الجوهرية حسب رأينا المميزة للوضع الإعلامي التونسي. ثانيا، الإطار الذي تنشأ فيه هذه المدونة و أهدافها. أزمة الإعلام المستقل خلال الأزمات ينشأ الجديد. تلك حكمة أساسية، كثيرة التكرار و لهذا لا تحتاج البرهنة، تمثل أمامنا و نحن نفتتح هذه المدونة التي نأمل أن تأتي بالجديد كما و نوعا على مستوى الساحة الإعلامية التونسية. الأزمة التي تعنينا هي أزمة ‘صحافة وطنية مستقلة’. و لم تعد هذه الأزمة بخافية على المتابعين. بل أن الصحفيين أنفسهم و من خلال أطرهم التمثيلية (سابقا ‘جمعية الصحفيين التونسيين’ و الآن ‘النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين’ المؤسسة بداية العام الجاري) قد أقروا بوجودها. و قد جاء في مقدمة التقرير السنوي لـ’نقابة الصحفيين’ الصادر في شهر ماي من هذا العام ما يلي: ‘ لم تتمكن الصحافة التونسية سواء المكتوبة أو المسموعة والمرئية إلى حد الآن من تجاوز الخطاب التبريري والدعائي أحادي الرؤية ورغم تعدد العناوين الصحفية، إلا أنها لم ترتق إلى تعددية فعلية ذلك أن العديد من الآراء والأسماء ممنوعة من الظهور. فإعلامنا مازال يرزح تحت وطأة سلسلة من الطابوهات التي تتسع حينا وتتقلص أحيانا، حسب الظروف السياسية والأمنية، الأمر الذي انعكس سلبا على المشهد الإعلامي شكلا ومضمونا، فأصبحت مضامينه في جلها متخلفة رغم وجود أعمال راقية وجريئة من حين لآخر، ولكنها تظل استثناء في مشهد سيطرت عليه اللغة التقريرية والتأكيدية، وسيطرت عليه المضامين الربحية التي تجد تجليها الأقصى في الإشهار على حساب المضامين الصحفية (…) إن إعلامنا خاصة الرسمي منه يقدم المعلومة الموجهة وغير الدقيقة، ولعل ما تقدمه وكالة تونس إفريقيا للأنباء خير دليل على ذلك إذ مازالت المعلومة تقدم قطرة قطرة خاصة في الأحداث الهامة، وتكون في غالب الأحيان دون دقة بل وتجانب الواقع في العديد من المناسبات مع إقصاء ممنهج للرأي الآخر.’ (ص. 6-7. أنظر التقرير كاملا على هذا الرابط) لكن مع تسجيل اتفاقنا مع عدد من النقاط الواردة في هذه المقدمة و في هذا التقرير عموما (و التي سنؤكد عليها أسفله) فإننا نعتقد أن أزمة الوضع الإعلامي أكثر تعقيدا و تشعبا من أن يتحملها طرف واحد. كما أنها أكبر من موضوع ‘التعتيم الرسمي’. إذ تمس الأزمة بالأساس المفاهيم السائدة حول ‘الصحافة المستقلة’ بما في ذلك العمل الإخباري المهني لدى الكثير من الأوساط الصحفية. وإن كان هناك نماذج في الإعلام المستقل عبر تاريخ الصحافة التونسية بما ذلك تجارب مرحلة ثمانينات القرن الماضي و التي شارك فيها صحفيون غير محترفون مثل تجارب جريدة ‘الرأي’ و مجلة ‘المغرب’ فإن الوضع الحالي لا يشير إلى تجارب مماثلة. و تتجسم أزمة ‘الإستقلالية’ الراهنة حسب رأينا في مستويات ثلاثة: ** أولا، على الرغم من كثرة المنابر الإعلامية الورقية و الالكترونية التونسية التي تحمل صفة ‘الإستقلالية’ إلا أن الواقع يشير إلى وضع مفارق. حيث تعاني هذه ‘الإستقلالية’ من تبعية في نقل الخبر لواحد من إثنين إما الجهات الرسمية أو جهات محسوبة على ‘المعارضة’. و على سبيل المثال فإن التغطية الإخبارية لصحف مثل ‘الصباح’ و ‘الشروق’ و ‘الصريح’ (مع ضرورة تسجيل التفاوت بين هذه الأمثلة) تبقى محصورة في الشأن الوطني (خاصة ذي الطابع السياسي) ضمن مصادر ‘الأخبار الرسمية’ (مثل ‘وكالة تونس إفريقيا للأنباء’ أو ‘مصادر مطلعة رسمية’). و من هذه الزاوية يمكن تفسير تشابه الأخبار و الصور التي تتصدر الصفحات الأولى لهذه الصحف، إذ لا يوجد ما يميزها عن بعضها في تغطية الأخبار الداخلية. بالإضافة إلى ذلك تتجسم التبعية الغالبة للموقف السياسي الرسمي من خلال عادة نشر مقالات تعبر أساسا عن هذا الموقف بطرق مختلفة مثل تغطية خبر معين من خلال تصريحات وجهة النظر الرسمية فحسب أو العادة المتمثلة في نشر مقالات تعبر عن الموقف الرسمي بدون إمضاء أو أيضا من خلال تركيز محرري و معدي تقارير الجريدة على ‘نقائص أحزاب المعارضة’ و هو الإهتمام الذي لا يبدو أنه متوفر عند الحديث عن الحزب الحاكم. من جهة أخرى نجد نفس ‘السلوك الإخباري’ على الضفة الأخرى. إذ أن هناك نشريات و إن قدمت بدون شك الإضافة الإخبارية من خلال فسح المجال لوجهات النظر غير الرسمية إلا أن شعارها ‘المستقل’ يبدو غير متوافق مع انحصار أو في أقل الأحوال تركز اهتمامها الإخباري الإنتقائي على التقارير التي توفر دعائم لنقد ‘أطراف المعارضة’ للسلطة القائمة. وهو ما يؤدي أحيانا للتسرع في بث أخبار غير دقيقة أو غير صحيحة. هناك أيضا ظاهرة أخرى تتصل بالأساس بصحفيين يقدمون أنفسهم ضمن نطاق ‘الصحافة المستقلة’ ينشرون خاصة في مواقع إلكترونية عربية يمارسون من الناحية المنهجية نفس التغطية غير المتوازنة التي تمارسها ‘الصحف المستقلة’ الورقية المذكورة أعلاه. إذ تتم في هذا الإطار كتابة تقارير يتم فيها الإقتصار على تصريحات و وجهات نظر (لشخوص يتم تقديمها أحيانا تحت صفات ‘خبير’ أو ‘جامعي’ رغم إنتماءاتها السياسية المعروفة) تعبر عن موقف سياسي ‘معارض’ للموقف الرسمي. و هنا تجب الإشارة إلى أنه لا يمكن تبرير هذه التوجه تحت عنوان ‘رد الفعل’ على سلوكيات ‘الصحف المستقلة’ المقربة من الموقف الرسمي. ** ثانيا، أزمة ‘الصحافة الوطنية المستقلة’ لها علاقة مباشرة بأزمة في واقع و مفهوم ‘الصحافة الرسمية’. إذ يقع بشكل متواتر الخلط مبدئيا و نظريا بين الصحافة ‘الرسمية’ و الصحافة الممثلة لوجهة نظر الحزب الحاكم. إن التعريف الجوهري للصحافة ‘الرسمية’ هو مصدر تمويلها العمومي أو ما يقع الاصطلاح عليه بشكل شائع بتمويل ‘دافعي الضرائب’. و هناك أمثلة شهيرة للصحافة ‘الرسمية’ يقع التعامل معها كمدارس في الإعلام ‘المستقل’ مثل قناة ‘البي بي سي’ البريطانية أو قناة ‘البي بي أس’ الأمريكية. و حتى عربيا هناك أمثلة خاصة في الإعلام المصري (مثلا صحف ‘الأهرام’ و ‘الأخبار’، و كذلك برنامج ‘البيت بيتك’ في القناة المصرية الحكومية) و التي تتميز بمساحة من الإستقلالية في بعض الجوانب الإخبارية و حتى على مستوى التعبير عن الرأي (مثلا صحفي معارض مثل فهمي هويدي يكتب عمودا قارا في صحيفة ‘الأهرام’). إنه ليس من المفترض لصحف ‘الصحافة’ و ‘لابريس’ على سبيل المثال و كذلك القنوات التلفزية العمومية (‘تونس 7’ و ‘الإذاعة الوطنية’ بشكل خاص) أن تكون غير ‘مستقلة’ عن وجهة النظر الحزبية و السياسية الخاصة بالسلطة القائمة. و رغم أن العلاقة المفترضة بين السياسي ‘الحاكم’ و الصحافة ‘الرسمية’ لا تعني إستعداءا مصطنعا بينهما إلا أن من واجبات الصحافة ‘الرسمية’ مساءلة الأطراف الرسمية بما هي معبرة عن مصالح المواطن بشكل عام و ليس مصالح الطرف الحاكم. في المقابل للطرف الحزبي الحاكم لسانا إعلاميا ناطقا باسمه ممثلا في صحف ‘دار الحرية’ و بذلك لا يجب أن يحتاج مبدئيا لوسائل الإعلام الحكومية للتعبير باسمه. ** ثالثا، تنبع أزمة ‘الصحافة الوطنية المستقلة’ كذلك من خلط آخر غالب على الساحة الإعلامية التونسية متمثلا في عدم التمييز لدى بعض الأوساط بين الصحافة ‘المعارضة’ و الصحافة ‘المستقلة’. و كما أسلفنا لا يمكن تجاهل حقيقة أساسية و هو الدور الذي لعبته المواقع الإعلامية ‘الحزبية المعارضة’ أو بشكل عام الأوساط الإعلامية التي تتبنى موقفا سياسيا ‘معارضا’ (من دون أن تكون ‘حزبية’ بالضرورة) في تغطية أحداث و أخبار كانت تلقى التجاهل في وسائل الإعلام المقربة من الأوساط الرسمية (حتى تلك الموسومة بـ’الإستقلالية’)، و في هذا الإطار تبرز ‘أحداث قفصة’ الممتدة منذ أشهر كآخر و أفضل الأدلة على ذلك. غير أن ذلك لا يمكن أن يجعلنا نتجاهل أنه لا يمكن لمن ينطلق في تغطيته الإعلامية من أسس سياسية، بمعزل عن صدقيتها، أن يكون هاجسه الأول و الأساس الإعلام و الإخبار بمعزل عن مضمون المعلومة. و لا تحتاج الخلفية السياسية أن تبرز في عملية نقل المعلومة من خلال مضامين التقارير المعروضة وحدها بل أيضا من خلال طرق التجاهل و الانتقاء والتكرار. إن وجود ‘صحافة معارضة’ هو أمر طبيعي و لا يمكن التشكيك في مشروعيته تحت أي مبرر كان. غير أنه لا يمكن المطابقة، كما يفعل البعض، بين المنبر الإعلامي ‘المستقل’ و ذلك ‘المعارض’. و هذا، طبعا، لا يعني أن الأخبار المنقولة عن منبر ‘معارض’ هي آليا أخبار لا يمكن أن تعتريها الصحة. و عموما فإن القاعدة التي يجب أن تكون واضحة بشكل لا مراء فيه هي أن تسييس الخبر يتعارض مع مبدأ الإعلام المستقل و يستوي في ذلك المنبر ‘الحكومي’ مع ‘المعارض’. إطار و أهداف مدونة ‘الشاهد التونسي’ هناك فعلا إمكان لصحافة و تحديدا إعلام إخباري مستقل بعيدا عن الفكرة التجريدية التي تفترض إمكانية وجود صحافة غير مسيسة. إذ نحن على قناعة أن لكل صحيفة أو موقع إعلامي عموما (‘مستقلا’ أو ‘حزبيا’) سواء في التجارب الصحفية العريقة أو الناشئة ما يسمى بـ’الخط التحريري’. ولكن لا يجب أن يكون لذلك تأثير بالضرورة على ‘المهمة الإخبارية’ لأي موقع إعلامي. فمهام أي موقع إعلامي تنقسم إلى محورين أساسيين: تغطية الخبر و التعبير عن الرأي. و ينقسم أي جهد إعلامي حتى في ‘الصحافة الصفراء’ إلى هذين القسمين. مثلا في الصحف ‘المستقلة’ العريقة يقع التعبير عن ‘خط التحرير’ في الافتتاحيات و مقالات الرأي المختارة أو المستكتبة في حين تتميز التقارير الإخبارية بجهد ينحو للاستقلالية من جهة نقل الخبر و تغطيته بمعزل عن التبعات أو الخلفيات السياسية. و هو ما يمكن أن يصل بهذه الأمثلة المرجعية للقيام بسبق صحفي يهدد أو يفضح طرفا سياسيا مقربا من ‘خط تحرير’ تلك الصحيفة. و يبدو مثال صحيفة ‘الواشنطن بوست’ نموذجيا في هذا الإطار إذ كان صحفيوها وراء القيام بالسبق الصحفي الذي أصبح معروفا باسم فضيحة ‘الووترغيت’ والتي أدت لإسقاط الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون رغم أن ‘خط تحريرها’ مقرب تقليديا من أوساط الحزب الجمهوري. و قد برزت في السنين الأخيرة ‘صحافة المواطنة’ و التي لعبت و تلعب فيها المدونات دورا أساسيا كمخبر تجريبي ما بعد حداثي يعيد تشكيل مفهوم الإعلام المستقل. و إذا كان من الشائع وصف الصحافة بـ’السلطة الرابعة’ فإنه من غير المبالغ فيه وصف صحافة المواطنة كـ’سلطة خامسة’ تمارس ‘رقابة’ المصداقية و التدقيق في المعلومة على الصحافة التقليدية. و كان نمو و بروز هذه الظاهرة في الولايات المتحدة الأمريكية مرتبطا بشكل مباشر بأزمة مصداقية خلال تسعينات القرن الماض لـ’أخبار الكابل’ (cable news) الممثلة في الشبكات الإخبارية العملاقة مثل ‘السي أن أن’ و’الفوكس نيوز’ و ‘الأم أس أن بي سي’ و التي تناقض عنوان الإستقلالية فيها بواقع الإرتباط بقوى سياسية و إقتصادية لا تتطابق دائما مصالحها المحدودة مع مفاهيم ‘الصالح العام’. و كانت أحداث صدامية مثل الاحتجاجات العنيفة التي رافقت ‘قمة الثمانية الكبار’ في مدينة سياتل الأمريكية سنة 1999 ثم أحداث 11 سبتمبر و من بعدها الحرب على العراق مناسبات تكررت فيها مظاهر أزمة مصداقية الإعلام الأمريكي التقليدي. إذ بدا الأخير منصاعا للأطراف السياسية المهيمنة مما أدى إلى فجيعة متنامية خلال السنين الأخيرة. و كان من الطبيعي أن ينشأ على الخط الموازي و خاصة عبر المجال الإفتراضي، حيث أصبح النشر رخيصا و فرديا أكثر من أي وقت مضى، سلسلة من المبادرات الإعلامية البديلة التي فرضت عبر صدقيتها المهنية و انفتاحها على مصادر مختلفة و سرعة تلقيها ونشرها للمعلومة دورا جديدا لم تستطع منابر الإعلام التقليدي تجاهله حتى و إن أرادت. و هكذا كانت مدونات فردية مثل ‘بريس ثينك’ للصحفي جاي رووزن ثم مواقع تحرير جماعية مثل ‘مركز الإعلام و الديمقراطية’ (و الموقع التابع له ‘مراقبة المصدر’) منابر جذابة بوصفها تمارس رقابة صارمة على تردد الإعلام الأمريكي التقليدي ‘المستقل’ في القيام بدوره المفترض. و هي التجارب التي انتقلت لمجالات جغرافية أخرى رغم اختلاف الظرفية الإعلامية مثلما هو الحال الفرنسي (أنظر مثلا هذا الرابط). لا يمكن، بكل تأكيد، مقارنة ظرفية أزمة الإعلام الأمريكي ‘المستقل’ بالأزمة الخاصة بإعلامنا الوطني المذكورة أعلاه. غير أن المجال الافتراضي كان أيضا مجال ‘رد الفعل’ و ‘الإعلام البديل’ برغم نقائصه و الشكوك المحيطة بـ’استقلاليته’. الأمر الأساسي الذي يتبقى إنجازه هو فك الإرتباط بين الإعلام ‘الملتزم’ أو ‘النضالي’ و الإعلام ‘المستقل’. و على سبيل المثال في الفضاء التدويني التونسي برزت في السنة الأخيرة عدد من المدونات من جهة تركيزها على تشريح مقالات بعض الصحف التونسية لإبراز تجنبها الطرح السياسي المستقل. و كانت مدونة ‘بودورو’ في إطار مزيج من السخرية اللاذعة و دقة التحليل نموذجا على الإهتمام المواطني بأزمة الصحافة الوطنية ‘المستقلة’. و بهذا المعنى لسنا بصدد إعلان قطيعة مع الماضي لأن ذلك يتجاوزنا. أو حتى ‘خلق’ إعلام جديد. لكن ما سندعيه بدون وجل هو عدم التردد في اختبار أقصى ما أمكن من وسائل و شروط الإستقلالية. و من هنا نحدد لهذه المدونة هدفين أساسيين نراهما يشكلان الأفق الممكن لهذا العمل: أولا، مساءلة مصادر و طرق صياغة أهم الأخبار الرائجة بين مختلف وسائل الإعلام التونسية خاصة في علاقة بالداخل التونسي. ثانيا، المساهمة في تجميع أخبار مهمشة خاصة في الجهات التونسية التي لا تلقى تغطيات مماثلة للمراكز الحضرية الرئيسية و ذلك عبر مصادر تتحرى الثقة و النزاهة و من ثمة إستطاعة التمييز بين الرأي و الخبر. إن تحقيق هذين الهدفين يتسق تماما مع طبيعة التحرير الجماعية المفتوحة لهذه المدونة كما هو الحال في نماذج صحافة المواطنة التي تعتمد بشكل متزايد على تقنية ‘الوب 2.0’. لكن التحرير الجماعي ليس مسألة تقنية في هذه الحال بقدر ماهو مسألة بشرية. ومن هنا نوجه دعوة مفتوحة لقراء المدونات للإنخراط في هذا العمل الإخباري سواء من حيث التعليق على صدقية الأخبار المتداولة أو في علاقة بتغطية أخبار لا تحظى بالإهتمام الإعلامي الكافي. ونخص بهذه الدعوة طلبة الصحافة المتشوقين للممارسة الصحفية الهاوية. و سيكون دور ‘هيئة تحرير الشاهد التونسي’ مثلما هو الحال في نماذج تدوينية أخرى لصحافة المواطنة التحقق من وتوضيب و إصدار أي أخبار يراها قراء الفضاء التدويني في حاجة للإهتمام و التدقيق. يرجى أخيرا التفاعل و المراسلة على العنوان التالي:  Marsad.akhbar@gmail .com أو طبعا عبر ركن التعليقات المفتوحة في المدونة ضمن آداب الحوار و الاحترام المتبادل. (المصدر: مدونة ‘الشاهد التونسي الألكترونية بتاريخ 20 جوان 2008) عنوان المدونة:http://tunisian-observer.blogspot.com
 

تحية وتعليق من ‘تونس نيوز’:

هيئة تحرير ‘تونس نيوز’ تهنئ فريق ‘الشاهد التونسي’ بانطلاقته في هذه المغامرة المثيرة والضرورية من داخل الوطن وترجو له التوفيق والنجاح لكنها تود أن تستفسر من الزملاء الذين أطلقوا المشروع  عن السبب الكامن وراء عدم إدراجه المواقع الإعلامية التونسية العديدة العاملة (غصبا عنها) من خارج تونس في قائمة ‘وسائل إعلام تونسية’ الموجودة في العمود الأيمن من المدونة. ونقصد بالتحديد: ‘كلمة، وتونس نيوز، ونواة، والوسط التونسية، والحوار.نت، وتونس أونلاين.نت، والفجر نيوز، والسبيل أونلاين.نت و Tunisia Watch، ونهضة أنفو، والبديل وأقلام أونلاين و Génération TUNeZINE  واللقاء الديمقراطي وما شابهها. فهل هذه المواقع الإخبارية (ومثيلاتها) ليست إعلامية أم أنها ليست تونسية؟؟ أم ماذا؟


 

أرقام حول المشهد التلفزي التونسي: تقرير مؤسسة “سيجما” لشهر جوان

 

 
تلقينا عبر البريد الإلكتروني تقرير شهر جوان لمؤسسة “سيجما” التي تراقب نسب مشاهدة التونسيين للمشهد التلفزي و نسب الومضات الإشهارية في مختلف وسائل الإعلام التونسية. العينة تشمل فقط سكان “تونس الكبرى”. نعرض هنا (في الصور أعلاه) هذه الأرقام و النسب و فيما يلي تعليق مختصر لـ”الشاهد التونسي”. تعليق “الشاهد التونسي”: <!–[if !supportLists]–>- أولا يسجل “الشاهد التونسي” تفوق قناة “حنبعل” على مختلف القنوات الفضائية التونسية و غير التونسية بنسبة مشاهدة تفوق نسبة الأربعين في المائة متفوقة على قنوات “تونس 7” (20 في المائة) و “أم بي سي 4” (17 في المائة). و على رأس برامج القناة برامج “البرايم تايم” (الفترة المسائية الرئيسية) و تحديدا مسلسل الساعة الثامنة. و توجد عموما البرامج الترفيهية و الغنائية على رأس قائمة البرامج المشاهدة في قناتي “حنبعل” و “تونس 7”. في حين لا تلقى نشرة الأنباء الرئيسية في البلاد أي نشرة قناة “تونس 7” سوى خمسة في المائة من نسبة المشاهدة عشرين في المائة الخاصة بهذه القناة (أي في الجملة 0.25 في المائة) لعموم المشاهدين. <!–[if !supportLists]–>- تتفوق أيضا قناة “حنبعل” على مستوى إيرادات الومضات الإشهارية في شهر جوان و التي فاقت الأربعة مليارات من المليمات التونسية مقابل ما يفوق 700 ألف دينار تونسية لقناة “تونس 7”. يأتي هذا بعد الكثير من الجدال في السنوات الأخيرة عندما شككت قناة “حنبعل” في أرقام سابقة لشركة “سيجما” و التي كانت تشير إلي نسب متدنية لعدد المشاهدين. <!–[if !supportLists]–>- أخيرا تتربع شركة “تونيزيانا” على رأس قائمة الشركات التي تصرف أموالا على الومضات الإشهارية بمبلغ يفوق المليار من المليمات التونسية. و من البين أن هذا الوضع يخلق سلطة خاصة لهذه الشركة تدفع وسائل الإعلام التونسية لتجنب التعرض لأي نقائص فيها و لهذا فإن تعرض موقع “بيزنيس نيوز” لمشكل أحد النقابيات في هذه الشركة (تعرض له “الشاهد التونسي” على هذا الرابط) ممارسة إستثنائية في الإعلام التونسي. المصدرموقع  الشاهد التونسي بتاريخ 3جويلية 2008

 

محتويات العدد التاسع والعشرين من مجلة ‘أفكار’ – ماي 2008 -جوان 2008

 
1- الهويّة … زمن اختلاط الهويّات د. رضا المثناني – أستاذ الإعلام وعلوم الاتصال – تونس 2-في ربيع التّجمّعات الاقتصاديّة الإقليميّة…. الاتّحاد الأورو متوسّطي قادم..اتّحاد المغرب العربي يراوح مكانه د. فيصل الذويبي – جامعي – تونسي 3- مرتكزات الخطاب السّياسي الرّسمي في تونس في التّعاطي مع الاستحقاقات المطروحة د. الطّيّب اليوسفي – باحث في العلوم السياسية – تونس 4- الصناعات الحرفية و التنمية بتونس : قراءة في الإمكانات التسويقية و التشغيلية د. الحبيب الدرويش – أستاذ علم الاجتماع- جامعة صفاقس – نائب رئيس الجمعيّة التونسية لعلم الاجتماع 5- من أجل تدخّل اجتماعيّ منهجيّ لحماية الطّفولة المهدّدة د. فتحي الجرّاي – أستاذ ومدير قسم العلوم الاجتماعيّة بالمعهد الوطني للشغل والدّراسات الاجتماعيّة بتونس – النائب الأوّل لرئيس الجمعيّة التونسيّة للخدمة الاجتماعيّة 6- مواقع الواب الشبابية و الحوار الافتراضي د. خالد خليفي – إعلامي وباحث في علوم وتقنيات الفنون- تونس الوعي الدّيني ومظالم التّأويل د. عبد السلام المسدّي – أستاذ في الّلسانيّات- الجامعة التّونسيّة أسعار البترول إلى أين ؟ د. خالـد قـدور – دكتور في الاستشراف واستراتيجيا المنظّمات-تونس ندوة العدد 7- في ندوة جامعة الزيتونة حول التّرجمة وحوار الحضارات : التّرجمة بين إستراتيجيا الهيمنة.. وإثراء الثقافات (المصدر: موقع مجلة ‘أفكار’ (فكرية أليكترونية – تونس)، تصفح يوم 3 جويلية 2008) الرابط: http://www.afkaronline.org/arabic/sommaire.html  


 

مؤلف كتاب «بورقيبة والإعلام» الباحث والصحفي خالد الحداد في حديث خاص للشعب (الجزءالاول): النضال النقابي عاضد السياسيين والمهنيين في فرض هامش أوسع للحرية الاعلامية

 

أجرى الحوار ناجي الخشناوي يعتبر كتاب «بورقيبة والإعلام: جدلية السلطة والدعاية» للزميل الصحفي والباحث خالد الحداد وثيقة مهمة للوقوف على الجوانب الخفية في تمثلات وكيفية ممارسة الرئيس الأسبق للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة للإعلام والاتصال. فبحث خالد الحداد الذي نال به شهادة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال نهض متنه على تدرج منهجي وعلى كم هائل من المعلومات والحقائق والوثائق المبوبة ضمن زاوية بحث الرجل المتمثلة في السياسة الإعلامية للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وخطته الاتصالية التي انتهجها قبل وبعد نيل الاستقلال التام وقد رفد خالد الحداد بحثه بجداول إحصائية وشهادات قيمة لوزراء وكتاب دولة وعاملين في الميدان الإعلامي من الذين عايشوا الفترة البورقيبية، وفيه أيضا انتقى الباحث اضمامة مرجعية لخطب ألقاها الرئيس الحبيب بورقيبة تناولت مسألة الإعلام والاتصال، إلى جانب نماذج من المقالات الصحفية التي نشرها الرئيس بورقيبة. ونظرا لقيمة هذا المنجز التأريخي والتحليلي الذي ينضاف إلى المكتبة التونسية والعربية ارتأينا أن نقف مع الزميل الباحث خالد الحداد على أهم ما قدمه ضمن مؤلفه في هذا الحوار الذي خص به قراء الشعب.             في جزئه الأول «لو أني تركت الصحافة تفعل ما تريد لخرجت من الحكم في غضون ثلاثة أشهر» هل يمكن أن نعتبر مقولة نابليون هذه التي صدرت بها مؤلفك هي الخلاصة التي توصلت إليها في بحثك حول تعامل بورقيبة مع الإعلام؟ ـ نعم ، هذا القصد موجود ، فرجل الحكم في أيّ نظام سياسي يسعى إلى الهيمنة والمسك بدواليب الشأن الإعلامي كسعيه للهيمنة على سائر الشؤون والمجالات حتّى يضمن سيطرته ويتجنّب وقوع أيّ نوع من القلاقل، فنواميس مختلف المجتمعات والشعوب والحضارات أقرّت هذا المدّ التسلّطي والرقابي من الدولة بمختلف أجهزتها ومكوّناتها وعلى اختلاف تلويناتها وتشكّلاتها على سائر مناحي الحياة الّتي هي تحت سيطرتها وفي حدودها الترابيّة والجغرافيّة، وليس الإعلام فقط هو المستهدف بالحصار بل كذلك مناحي الإبداع الفكري والثقافي والتنظّم الجمعياتي والسياسي وغيرها هي كذلك وستظل تحت أعين الرقيب.   والحالة تلك وخوفا من كلّ الانفلاتات والاهتزازات الّتي قد تقوّض كيان الدولة وتمسّ بسلطان الحاكم كان وما يزال الإعلام محلّ التضييق والخنق والتشويه والتوجيه، أنا هنا لا أُعطي حكما عامّا شاملا ولكن حتّى في الأنظمة الّتي تلحّفت برداء الديمقراطيّة والحداثة يُمكننا لو تفحّصنا مليّا التكوينة الإعلاميّة والاتصاليّة بها وطريقة دورانها أن نجد أثرا للدولة فيها وفي أيّ بلد من بلدان العالم سواء عبر التمويل أو الإغراء والرشوة أو الضغط الضرائبي أو غيره ، هناك مداخل عديدة للسلطة السياسيّة والتنفيذيّة حتّى تلج رحى العمليّة الاتصاليّة والإعلاميّة وتفعل فيها الفعل الّذي تشاء وتريد.    أمّا لماذا كلّ هذا التوجّس والخوف من الإعلام، فلأنّه قادر على كشف المستور واختراق التعتيم ونقل الأخبار والأحداث على نطاق واسع ، ولأنّه كذلك قادر على تحليل المعطيات وتنزيلها في سياقاتها الصحيحة ، بلغة أوضح الإعلام لمّا يكون حرّا بإمكانه أن يُشكّل الرأي العام ويضبط ثقافة الناس ووعيهم بالأحداث والمستجدّات، أي أنّه من هذا المنطلق بإمكانه أن يُهدّد وجود رجال السلطة والحكّام، لذا تعبّر مقولة نابليون إلى درجة كبيرة جدّا عن هذا المعطى الأساسي والهام.    الإعلام في منطلقه هو سلطة قائمة الذات أو هو يجب أن يكون كذلك ، أي أنّه شيء آخر مختلف عن السلطات الأخرى الّتي عرفتها المجتمعات الديمقراطيّة الحديثة ، وشيئا فشيئا لم يعُد مصطلح السلطة الرابعة معبّرا عمّا أضحى للإعلام من قوّة تأثير بالغة الأهميّة وسط هذا الانفجار الإعلامي والاتصالي الرهيب بل أصبح مجالا حيويّا واسعا تسعى كلّ القوى للسيطرة عليه والحدّ من تلك السلطة المتزايدة  الّتي أضحى يمتلكها في التأثير على بقية السلطات التنفيذيّة والقضائيّة والتشريعيّة حتّى أصبح الإعلام على حدّ تعبير تشومسكي صانعا للإجماع الوطني وحتّى الإقليمي والدولي في كلّ المجالات والميادين.  والمخيف اليوم والمزعج حقّا، هو هذا التمازج بين السلطة السياسيّة وسلطة رأس المال ، السلطة السياسيّة تعقدُ العلاقات والصفقات مع رأس المال وتضمن له مصالحه ومنافعه في مقابل أن يقوم هذا الأخير بالقبض على المقود الإعلامي، وأسألك هنا: من يملك اليوم السيطرة على الإعلام في العالم؟ لتجيبني بالتأكيد: إنّهم الرأسماليّون وكبار رجال المال والأعمال في العالم ومن ورائهم الساسة ، يتبادلون الأدوار والمهمّات لغاية مشتركة هي السيطرة والهيمنة وحماية النفوذ.  وأُريد أن أُذكّر هنا بأنّني في نهاية بحث «بورقيبة والإعلام» وجدت نفسي أمام إشكاليّة بحثيّة جديدة ، وهي : كيف يمكن لرجل السياسة أن يتمثّل مفهوما حداثيّا للإعلام والاتصال ويُترجمه في الواقع من خلال ترك المجال واسعا لحريّة التعبير والإعلام المستقلّ والحال أنّ ذلك قد يُقصيه عن موقع القرار والقيادة ويفقده الزعامة ويجرّده من كلّ «سلطاته» ؟ لأنّ سياساته وقراراته وممارساته ستكون حينها عرضة للنقد والتقويم والتحليل.  هل يمكن أن نقول أنك بهذا المنجز حاولت أن تجيب عن سؤال الدكتور منصف وناس (كيف يمكن أن نقرأ بورقيبة؟) وسؤال الدكتور عبد الجليل بوقرة (من هو بورقيبة؟)؟ ـ ما أقوله أنّني أجبت عن السؤال الأوّل وقدّمت محاولة للإجابة عن السؤال الثاني ، سؤال الدكتور منصف ونّاس سؤال يهمّ منهجيّة البحث بما فيها من آليات ونظريات ومراحل بحثيّة ، هذا قٌمت به في البحث حيث جمعت بين الدراسة التاريخيّة والبحث الوثائقي وتحليل مضامين الخطاب السياسي وعاضدتُ كلّ ذلك بمجموعة من الأحاديث مع وزراء وكتاب دولة للإعلام وصحافيّين عايشوا الحكم البورقيبي وأخضعت كلّ ذلك إلى مقاربات نظريّة دقيقة وواضحة وأقمت للبحث إشكاليّة محوريّة وعددا من الفرضيات منذ البداية مكّنتني من الوصول إلى ما توصّلت إليه من نتائج واستنتاجات، والمهمّ في هذا الجانب أنّ مسألة ذاتيّة ساعدتني على تطبيق تلك المنهجيّة العلميّة الّتي ينشدها الدكتور ونّاس وهي أنّني بعيد عن أيّ التصاق مصلحي وشخصي بفترة الحكم البورقيبي ، أي أنّني ولجتُ دراستي الجامعيّة بما فيها من وعي سياسي ونضج فكري وثقافي وتلمّس لخيوط البدء في هذه الحياة المتداخلة زمن انتهاء ذلك الحكم وبداية حكم سياسي جديد في البلاد وانفتحت على الحياة السياسيّة والإعلاميّة وكنت عاملا فيها بعد زوال حكم الرئيس بورقيبة، هذا مهمّ جدّا ليست لي أيّة صلة بالمرحلة الّتي درستها ربّما إلاّ الولادة ومرحلة الابتدائية والثانويّة ولا تجمعني بمختلف أطرافها مسائل عميقة أو صداقات متطوّرة، ومن المعلوم أنّ العلاقة الحميميّة بموضوع البحث هي من العوائق الابستومولوجيّة الّتي تحول دون الموضوعيّة العلميّة كما وضّح ذلك غاستون باشلار، إذ لا يُمكن للمرء أن يكون بالشرفة ويرى نفسه مارّا بالشارع، لذلك انطلقت في البحث دون أفكار أو ارتسامات مُسبقة أو نوايا مبيّتة تجاه هذا الشخص أو ذاك أو هذا التيار أو غيره مثلما يعمُدُ إليه البعض ممّن صنعوا الأحداث وكانوا في مواقع القرار والفعل والمشاركة ثمّ كتبوا لاحقا بعد غيابهم عن تلك المواقع ما به يُبرّرون نقاوتهم وبراءتهم من أخطاء تجربة كانوا هم من المشكّلين لأهمّ مفاصلها أو يتّهمون غيرهم بما لم يكن فيهم وكشفت منتديات مؤسّسة التميمي للذاكرة الوطنيّة هذه الحقيقة، وربّما هذا ما دعا الدكتور ونّاس إلى الإقرار بوجود قراءات مختلفة ومتباينة «قراءات لا تكاد تلتقي، بل هي متفرّقة تماما، فهي إمّا مدحيّة مُسرفة في المدح، وإمّا نقديّة مُوغلة في النقد، وإلى الإقرار كذلك بغياب قراءات معتدلة وموضوعيّة»رؤية الدكتور ونّاس أقدّر أنّها منطلقة من ذلك التوصيف الّذي ذكرته ، والّذي فعلته أنّني سعيت وبصرامة علميّة رعاها الدكتور مصطفى حسن الّذي أطّر هذا البحث ودعّمها عضوا لجنة المناقشة الدكتور يوسف بن رمضان والدكتورة سلوى الشرفي ( الّذين أتوجّه إليهم بهذه المناسبة بتحيّة تقدير)، إلى تجاوز الغياب الّذي أشار إليه الدكتور منصف ونّاس، وذلك عبر قراءة اجتهدت قصارى جهدي أن تكون معتدلة وموضوعيّة لمسألة في غاية الدقّة والأهميّة، قراءة لها ضوابط منهجيّة ونظريّة دقيقة أي ليس فيها مدح مجاني ولا فيها كذلك نقد مبيّت.  هناك اليوم منهجيات واضحة للبحث العلمي وهناك نظريات للدراسة الأكاديميّة  يُمكن أن نطبّقها على أيّ فترة أو مرحلة تاريخيّة وعلى أيّ تجربة في أيّ دولة من الدول، نفس المنهجيّة ونفس أدوات البحث الّتي عالجت بها التمثّل البورقيبي يُمكن أن تطبّق ـ مثلا ـ بنفس العناوين وبنفس الخطوط وبنفس الضوابط على الخطاب والممارسة الإعلاميّة في تونس بعد 1987 ، ولكن الاختلاف ربّما سيكون في النتائج لأنّ الفترة ليست الفترة والمرحلتان لهما خصائص ورؤى مختلفة في العديد من الجوانب وبالأخص منها حسب تقديري في مفاهيم الخطاب السياسي الرسمي وفي التشابكات الّتي انتهى إليها المشهد الإعلامي ككلّ ، وهذا الأمر يتطلّب كما يبدو لي بحثا جامعيّا آخر.    أمّا سؤال الدكتور بوقرّة فمن الصعب الإجابة عنه ،لأنّ شخصيّة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بما فيها من خصائص وميزات ستظلّ في حاجة للدراسة والتمحيص ومن العسير تحديد رؤية متكاملة لهذه الشخصيّة الفذّة والنادرة شأنها ككلّ شخصيات الزعماء والقادة الكبار الّذين ترشّحهم معطيات الواقع دون سواهم لمثل تلك المهمّات المستعصية والمعقّدة في قيادة شعب ما أو أمّة في ظرف تاريخيّ خاص ، أنا أؤمن بوجود ظواهر تاريخيّة لم تستوف إلى حد الآن البحث ولا تخضع لمنهج آلي أو مقاربة نهائيّة ، وقصارى جهد الباحثين فيها تقديم اجتهادات تأويليّة.   لو تتتبّع مثلا مسيرة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ستجد فيها الكثير من الغرابة انعكست مراحلها المختلفة على شخصيّة الرجل، حتّى أنّك في العديد من الوضعيات تجد نفسك وكأنّك أمام شخصيات متعدّدة لبورقيبة، فهو الليّن والمسامح وهو القويّ العاصف الّذي لا يعرف شفقة ، وهو رجل الحوار وهو رجل القمع ورفض الآخر ، وهو الرجل المدافع عن الحريات وحقوق الإنسان وهو رجل أصدر قرارات لتنفيذ العشرات من أحكام الإعدام وعرفت فترات من حكمه محاكمات قاسية وغير إنسانيّة، هو رجل خدم البلاد في العديد من الجوانب التنمويّة والتعليميّة والثقافيّة والانتصار لتحرير المرأة ولكنّه كذلك كان الرجل الّذي حرم البلاد الّتي يحكمها من الديمقراطيّة والتعدّديّة وحرمها من الاستفادة من مساهمات لخيرة من نخبها وكفاءاتها السياسيّة والفكريّة والنقابيّة لفترات طويلة ومتعاقبة حيث لم تخل عشريّة من عشريات الحكم البورقيبي من المحاكمات والاعتقالات والمطاردات ،وهو الرجل الّذي دعا إلى العلمانيّة ولكنّه حافظ على جوهر الدّين ولم يُحطّمه كليّا، وهو كذلك الّذي كافح لاستقلال البلاد وطرد المستعمر ولاحقا من أجل بناء الدولة التونسيّة الحديثة والمستقلّة ثمّ أدخلها نهاية حكمه إلى مأزق خطير كاد يعصف بالأخضر واليابس، كيف يُمكن لي أن أجيب عن تساؤل:من هو بورقيبة ؟ أينما تضعه تجده، وربّما تلك سمة من سمات الزعماء والعظماء والقادة التاريخيّين.  ولكن المطّلع على بحثي يُمكنه أن يُلامس محاولة لرصد التمثّلات الّتي كانت للرئيس الراحل بورقيبة حول الإعلام ، وهي تمثّلات لم ترتق بحسب ما توصّلت له في البحث إلى مفاهيم الاتصال الحديث القائمة على جعل الإعلام مجالا للجدل وتباين الآراء والمقاربات وفضاء للمناظرة،إعلام للجميع لهم فيه حقّ التعبير والكلام ، كما بحثت عن أسباب وجود فترات إعلاميّة تعدّديّة ومضيئة في فترة الحكم البورقيبي متناقضة مع تلك التمثّلات لأجد أنّ الضغط الّذي مارسته عدّة قطاعات منها الإعلام المهني والنضال السياسي والنقابي وأطراف خارجيّة وكذلك تداعيات الأزمات الاجتماعيّة فرضت وجود تلك المحطّات المشرقة مثل «ربيع الإعلام» في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وأٌلاحظ هنا أنّ التمثّل البورقيبي جعل من حريّة الإعلام بابا للتنفيس عن حالات اجتماعيّة متدهورة ومتّسمة بالاضطراب والمخاطر ووجد في»حريّة الإعلام» مخرجا مرحليّا لتلك الأزمات.   وفي المحصلة فإنّ هوامش الجدل الإعلامي الّتي تواجدت في بعض فترات الحكم البورقيبي لم تكن نابعة عن تمثّلات الرئيس بورقيبة بل كانت في غالب الأحيان نتيجة لعوامل خارجة عن تلك التمثّلات ، وذلك ما أبقى في تقديري مقولة «الحريّة الإعلاميّة» حبيسة الظرف التاريخي وأهواء الرئيس بورقيبة ولم تخرج المبادرات الّتي تمّ الإعلان عنها في بعض الفترات عن مستوى «القرار السياسي العابر» والكلام الإيديولوجي والدعائي، وهو ما يفسّر تساقط تلك المبادرات وتهاويها حتّى تلك الّتي كانت صادرة عن جهاز الدولة نفسها مثل مبادرة «الانفتاح» في ثمانينات القرن الماضي، وما توصّلت إليه في البحث أنّ الإرادة السياسيّة البورقيبيّة لم تكن في أيّ فترة من الفترات ترغب في ترسيخ روح الجدل داخل المشهد الإعلامي بصفة فعليّة وحقيقيّة، كما أنّ مضامين الجدل الإعلامي لم يكن مسموحا لها بولوج عدد من الميادين الحساسّة ذات الصّلة خاصّة بانتقاد نظام الحكم وبرامجه.   وحتّى وإن أكّدت الدراسة النوعيّة للممارسة الإعلاميّة طيلة الحكم البورقيبي وجود نظامين إعلاميين الأوّل أحاديّ والثاني تعدّديّ فإنّ الدراسة الكميّة القائمة أساسا على ضبط المدى الزمني لكلا النظامين تشير إلى هيمنة وسيطرة النظام الأحادي وظرفيّة ومحدوديّة النظام التعدّدي، كما أنّ المقارنة بين التمثّلات والممارسات دفعت إلى الإقرار بأنّ العديد من المفاهيم المتواترة في الخطاب البورقيبي حول الإعلام بقيت دعائيّة ولم تعرف التجسيد على أرض الواقع.  لو تجمل لنا أهم نقاط الاختلاف في تعامل بورقيبة مع الإعلام لما كان زعيما وطنيا ثم لما صار رئيسا للجمهورية التونسية؟ ـ إنّ مقاربة علاقة بورقيبة بالإعلام تمثّلا وممارسة والتدرّج في متابعة تطوّر هذه العلاقة وتنوّعها تبرز أنّ الحبيب بورقيبة قد وعى بصفة مبكّرة بأهمّية الوسيلة الإعلاميّة في خدمة الأهداف والغايات وبالقوّة التأثيريّة والتوجيهيّة للإعلام ، وعدّد بورقيبة في الكثير من خطبه فضائل «الإعلام» على الحركة الوطنيّة التونسيّة، فعبر الصحافة تمّ تبليغ هموم التونسيّين تحت سلطة المستعمر الفرنسي، وعبرها كذلك تمّت المناداة بحقّ البلاد في الاستقلال، كما ساهمت المقالات الصحفيّة في إثراء الجدل بين النخب التونسيّة وبينهم وبين نظرائهم في فرنسا والعالمين العربي والغربي، كما أنّ أطر وهياكل إدارة وتحرير الصحف والجرائد كانت مهدا للدفاع عن الهويّة الوطنيّة التونسيّة ومنطلقا لتنظيم العمل الكفاحي والتحريري.   وأدّى «الاتصال المباشر بالجماهير والمواطنين» الّذي آمن به بورقيبة طويلا إلى تكوين حزام شعبي واسع حول أقطاب النخبة السياسيّة والثقافيّة والنقابيّة ممّا ساهم في إذكاء روح المقاومة ومن ثمّ تقوية الضغط على المستعمر الفرنسي وإخضاعه في الأخير إلى مطالب التحرّر والاستقلال، ولا بُدّ هنا من الإشارة إلى تعويل الزعيم بورقيبة كثيرا على الصحافة والإعلام الأجنبي لضمان التأييد الدولي للقضية الوطنيّة ، إذ كتب في عديد الصحف الفرنسيّة على وجه الخصوص وأدلى بحوارات إذاعيّة هامّة جدّا من أبرزها الحوار مع المذيع منير شمّا في مقرّ إذاعة الـ» بي بي سي» في لندن سنة  1950 وهو الحوار الّذي كاد يتسبّب في قطع العلاقات الفرنسيّة  البريطانيّة.   ولكن ما إن امتلك بورقيبة زمام الأمور بين يديه حتّى انقلب عن تلك المواقف والقناعات ، ولم يكن غريبا أن يكون أوّل وزير مستقيل من حكومة الاستقلال هو كاتب الدولة المكلّف بالإعلام البشير بن يحمد ، وتتالت الضغوطات على الصحف، وأبرزتُ في البحث أنّ عدد الصحف والدوريات التونسيّة بدأ في التناقص مع تقدّم مسيرة الدولة التونسيّة عمّا كان عنه حتّى زمن الاستعمار نفسه ، وهذه من المفارقات الغريبة الّتي تحمل الكثير من الدلالات ، فإذا كانت الصحافة التونسية وكما ضبط ذلك الباحث جمال الزرن تعدّ 51 عنوانا سنة 1937 و 25 عنوانا سنة 1950 و17 عنوانا فجر الاستقلال ، فإنّها بعد الاستقلال وبسبب ضغوط الرئيس بورقيبة على حرية الصحافة تقلّص عددها فمن 7 يوميات ناطقة باللغة العربية قبل الاستقلال لم تعمر إلا صحيفتان يوميتان بعد الاستقلال، أما الأسبوعيات والدوريات الّتي كان يُناهز عددها العشرين لم يبق منها سنة  1965 سوى خمسة عناوين يتيمة فقط ، فجريدة «الزهرة» أعرق الصحف وأوّل يومية تونسية مستقلة والتي تأسّست سنة  1890 اختفت سنة1959 ، كذلك الشأن بالنسبة إلى صحيفة الطليعة وAfrique Action qeCG Tribune de progrès فقد عرفت العديد من الأطوار انتهت بالسيطرة عليها وتسليمها إلى الوزير الأسبق محمّد الصياح سنة 1963 لتُمارس سياسة دعائيّة للزعيم الأوحد وترسم ملامح فردانيّة لنضال شعب بأسره من أجل طرد المستعمر، ففي سنة 1958 عارضت الجريدة الّتي كان يديرها حينها محمّد المصمودي والبشير بن يحمد محاكمة الطاهر بن عمّار، فاهتزّ بورقيبة وسارع بطرد المصمودي من الديوان السياسي للحزب برغم العـلاقة القويّة الّتي كانت بينهما، ولاحقا وبسبب المقال الشهير الصادر في عدد 12 سبتمبر 1961 الّذي تطرّق إلى ظاهرة الحكم الفردي   Le pouvoir personnel الّتي بدأت قيادات الدول العربيّة المستقلّة في انتهاجه أبعد بورقيبة بن يحمد واضطرّه إلى الهجرة، كما قرّر بورقيبة وبسبب نفس المقال طرد المصمودي من الديوان السياسي للحزب للمرّة الثانية ، كما حاصر بورقيبة جريدة «الصباح» بسبب ما أبدته من ميل للزعيم صالح بن يوسف وحجب عنها تمويلات الدولة والحزب مدّعيّا خروجها عن الإجماع الوطني في حين أنّها كانت تعبّر عن رؤية معيّنة من مسألة الاستقلال وطبيعة العلاقة الّتي يجب أن تكون مع الدولة الفرنسيّة.  وفي الكتاب شهادات معبّرة عمّا تعرّض له الإعلام في العهد البورقيبي من تكبيل ومراقبة وحصار وتدخّل في شؤونه (عبد الحميد بن مصطفى وصلاح الدين الجورشي) ، وحتّى الإعلام الرسمي نفسه ـ مثل وكالة تونس إفريقيا للأنباء والإذاعة والقريب من الحزب الحاكم مثل جريدة «بلادي» ـ  كان يتعرّض إلى صنوف من التوجيه والانتقاء والصنصرة والرقابة المكثّفة ( وحيد براهم وبلحسن بن عرفة). الرئيس بورقيبة ونتيجة لهواجس السلطة والزعامة والتفرّد في الحكم وقيادة البلاد كان يرفض وجود إعلام تعدّدي فيه الرأي والرأي الآخر ، وكان يعتبر كلّ من ينتقد فلسفته في الحكم مناوئا ومعاديّا ووصف في إحدى خطبه مقالات البشير بن يحمد بأنّها «سفاسف» ، ولاحق أمنيّا وقضائيّا مجموعة «الطليعة « و  Tribune de progrès وغيرها من الصحف ، وقصر فهمه لأهداف الإعلام على أهداف معيّنة هي الدعاية لبرامج الحكم، وفي تقديري فأنّ بورقيبة لم يتمثّل الإعلام والاتصال كشيئين منفصلين عن أجهزة الدولة بل اعتبرهما أحد هذه الأجهزة ، إن لم يكونا أبرزها على الإطلاق ومن المهمّ هنا الإشارة إلى أنّ الحكومة التونسيّة لم ينقطع عنها ومنذ تشكّلها في 15 أفريل 1956 وإلى 6 نوفمبر 1987 كاتب دولة أو وزير مكلّف بالإعلام تماما كالحقائب الوزاريّة السياديّة.   وبحسب رأيي فإنّ بورقيبة قد تمثّل الوسيلة الإعلاميّة كأداة لتنفيذ برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي محدّد لطرف وحيد هو «الدولة» وطالما أنّه كان يعتقد أنّه والدولة سواء في قولته الشهيرة  L’Etat c ‘ est  moi  فقد غاب عنه الإيمان بأهمية التفاعل والتواصل بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين وبقيت النظرة إلى «الإعلام» محكومة بهواجس الخوف من «الآخر» والسعي إلى الحدّ من فرص وجوده على المسرح الإعلامي. ومن خلال ما توفّر من وثائق فإنّ بورقيبة قصر ذكر مفهوم «الاتصال» كمرادف للإعلام التقليدي والاتصال المباشر بالشعب ولم يستوعب المفهوم في توسّعه وانفتاحه وجدله وتعدّد أطراف بث «الرسالة الإعلاميّة» أي بمفهومه الديمقراطي والحداثي كفضاء ومجال للجدل السياسي والتفاعل والمناظرة، وهذا في نظري ما يُمكن أن يبرّر استمراريّة التدخّل الرقابي والقمعي للسلطة السياسيّة في الميدان الإعلامي منذ فجر الاستقلال وإلى مغيب الحكم البورقيبي دون انقطاع، إذ شهدت عقود الحكم البورقيبي الثلاثة ـ وإن بدرجات متفاوتة ـ العديد من القرارات والإجراءات الهادفة إلى تعطيل «الجدل الإعلامي والاتصالي» وإيقافه كلّما حاول الانطلاق. © 2008 جريدة الشعــــــب – جميع الحقوق محفوظة

 

رد سريع على السيد العداسي من اولى بالغضب له: حركة النهضة ام الشعب؟؟ حول مقال:دكتور يكشف بهتان وكذب ومغالطة أفراد حركة التّهضة

 

 
  نصر الدين السعيدي يا سيد العداسي اصلحك الله واياي .. رغم اني لا اعرفك شخصيا حتى احكم على حسن او سوء طويتك ولكن اعرفك من خلال كتاباتك و تعليقاتك و انا و غيري من القراء نحكم عليك او لك من خلال ما تجود به علينا.. و كنت اود ان لا اتدخل هذه المرة حتى لا يصبح الحديث ثنائي كما ذكرت انت في رد سابق.. لكن ما حيلتي وما بالطبع لا يتطبع .. تحدثت عن” دكتور اتهم حركة النهضة “دكتور يكشف بهتان وكذب ومغالطة أفراد حركة التّهضة” ..و قلت انك شاهدت و سمعت كامل الحديث .. فانا لست ضدك ان تنتقد من تشاء وكيف ما تشاء و اين ماتشاء ولكني اجد في غضبك هذا شيئامن الفئوية اكثر من المبدئية.. و الا كيف ترتجف شواربك لنقد الحركة من هذاالدكتور “المشكوك في معدنه” و لا يحمر وجهك من مجنس نهضوي من لندن يصف الشعب التونسي و امام ملايين البشر<< بانه شعب متخلف يزوج نساءه للكفار>> هكذابكل صفاقة و نسي هذا المتجنس انه اول من رضي ان يعيش بقانون الكفار في الاحوال الشخصية و هي التي تتعارض جملة و تفصيلا مع الشريعة الاسلامية.. ونسي ايضا و كذلك الكثير من امثاله ان اجدادنا رحمهم الله سنة 1933 افتوا في عدم جواز دفن المجنسين في مقابر المسلمين لانهم رضوا لانفسهم شرعاغير شرع الله.. كنت اود ان تشكك في معدن هذا امثاله الذين لا يشرفون تونس و لا شعبها الاصيل و الذي لا يشكك في اصالته الا عديم الاصل .. ثم تلوم السيد شمام على افشائه<< “ضلالة” سترها الله عليك برحمته وكشفها الدكتور بـ”علمه”!..>> و هذا فيه ايحاء و اعتراف ضمني انما قاله الدكتور كان صحيحا ؟؟ فاذا كان الامر كذلك فاعلم يا سيد العداسي ان الحقيقة اكبر من ان توارى .. و لكنها تبقى قنبلة موقوتة تنفجر في وجه صاحبها في كل وقت عاجلاام أجلا مثل ما يحدث بعد الحروب و لو بعشرات السنين فتصيب ابرياء فيكونون بذلك ضحايا اجيال سابقة لم يرعوا فيهم ذمة. حياك الله 


 

الوعي الدّيني ومظالم التّأويل

د. عبد السلام المسدّي أستأذنك – أيها القارئ الكريم – في فتح حوار معك على شاشة الأفكار، فعسى ألا تظل المحاورة في صيغة المفرد. أما سبب رغبتي في التغذية الراجعة بعد طول العشرة على منوال الاتجاه الواحد فمردّه إلى طبيعة الموضوع، وإلى ما يحوطه من حساسيّات، وإلى ما دأب الناس عليه من التقيّة في أمره بموجَب درجة عالية من الرقابة الذاتية لا أظن أحدا قد طلبها إليهم، وإنما حملوا أنفسَهم عليها حملا يستجيب لظلالٍ من الوهم المخاتل. أستهلّ معك بسؤال مركّب قد ينبّه فضولَك فتتشرّبه على مهل ريثما أعود بك إليه بعد حين: إلى أي تخوم تسافر بك عبارة الوعي الدينيّ ؟ وماذا لو تنادت معها في خاطرك عبارتان أخريان هما الوعي الفكريّ والوعي السياسيّ ؟ وهل العلاقة بين الأضرب الثلاثة صراعية بالضرورة أم بوسعها أن تأتلف في منظومة متوائمة ؟ أبدأ معك باستطراد ستغفره لي لأنه يعيننا – أنا وأنت – على النجاة من سيطرة التباس عنيد لا يبرح يتمكن من خواطر العامة والخاصة، وهو متعلق بجنوح الناس إلى اختصار اللغة عند شيوع التداول، ذلك أن الإنسان قد جُبل على اختزال الكلام كلما ضمن بلوغ مقاصده، تبدأ العبارة مستفيضة ثم يتكفل التداول بجعل السياق دالا على ما نقسطه منها، ويأتي ذلك امتثالا لما يسمّى بقانون الاقتصاد اللغوي، أو قانون المجهود الأدنى على معنى إبلاغ أكثرِ ما يمكن من الدلالات بأقلّ ما يمكن من الجهد العضليّ. وهو قانون مطلق، شامل لكل الألسنة، في كل الأحقاب، لدى كل الثقافات. ولكن الاختزال جَموح يخترق الجدران فيغدو مصدرا لتحريف المقاصد، وهو – في جموحه – درجات، مِن أخفاها وأدقها إسقاط الكلمة الواحدة من العبارة المتعددة، فالناس يتحدثون عن اليوم العالمي للتدخين مقتضبين اللفظة الجوهرية وهي ‘مقاومة التدخين’ فيأتي كلامهم كأنه احْتفاء بذاك الداء، وسبق أن نظمت هيئات عربية ندوات ‘حول الغزو الثقافي’ غافلين عن أن مقصدهم لا تؤديه إلا عبارة ‘مقاومة الغزو الثقافي’ ويَحدث الآن أن تنعقد مؤتمرات عن الإرهاب من حيث يخططون لمقاومة الظاهرة فيسقطون لفظ المقاومة ويقعون في شرَك الالتباس المغالط. ومن الاختزالات ما يأتي ظالما فيجرّ معه أفظع المآثم، كالذي يحدثك عن انفصال الدين عن السياسة وكيف كان ذلك الانفصال هو نقطة انطلاق التقدم الحضاريّ في الغرب، والحقيقة هي أن شعوب أوربا قضت قرونا تجاهد في سبيل فصل الدولة عن الكنيسة، بمعنى أنها ناضلت كي تستقلّ المؤسسة السياسة عن المؤسسة الدينية، والفرق شاسع – في عمقه وامتداده – بين فصل الدين عن السياسة وفصل المؤسسة الدينية عن المؤسسة السياسية، ومن هنا تنشأ في الأدبيات الشائعة مَكامن الخداع، وكم تحارُ وأنت تمعن النظر في خطاب النخب إن كان ذلك الاختزال في العبارة هو من باب اللبس البريء أم هو من باب المخاتلة المضمَرة  ! والحقيقة التي لا مراء فيها هو أن الدين لا ينفصل عن السياسة، ولا السياسة تنفصل عن الدين، وقولنا هذا لا يعني أبدا أن الدين هو بالضرورة مسيّسٌ، ولا أن السياسة هي بالضرورة دينيّة، وإنما يعني أننا في تدبير شؤون الناس وإدارة حياتهم لا يمكن أن نغض الطرف عن مكوّنهم العقديّ سواءٌ أكان قائما على الإقرار بالغيبيّ أم كان قائما على نكرانه قطعا. ومعلوم أن الإيمان – من الناحية الفلسفية – مقترن باللاّإيمان مثلما أن اللاّإيمان هو قرين الإيمان، فأي منهما هو وجهٌ للعُملة يكون الآخرُ قفاها، ولا فرق في أن تبدأ بهذا أو بذاك. وقد أفاجئك لو قلت لك إن فكرة المعتقد في نواتها العميقة حاضرة بكثافة في ضمائر المنكرين للغيبيّات أكثر من حضورها في وعي المسلّمين بها. لأن المسلّمين بها قد أراحوا نفوسهم من قلق السؤال والذين أنكروها يحملون هموم القلق المتجدد. وربما يسعدنا أن نستحضر هنا الوجودية، تلك التي جاءت شقين : مُثبِت ونافٍ، وكان سارتر رأس الوجوديته المنكِرة، ومن أقوى عباراته الرمزية التي تشفع لما سقناه قوله : ‘أيَا ربّي إني لأشكرك لأنك أتحت لي أن أنكر وجودك’ ودعْك مما يتسلّى به هواة المقال المدرسي في مادة الفلسفة… ولا نكاد نسافر في موكب الفلسفة الحديثة حتى تتخطفنا ذاكرة التاريخ فننصف ثلة من أوائلنا كانوا يقولون: التسليم راحة في النفس حيرة في العقل، والإنكار راحة في العقل قلق في النفس. لقد تحدث أعلامٌ روّادٌ في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية منذ عقدين عن تبدل ملامح المكوّنات الرمزيّة في عصرنا الحاضر، وبينهم متخصّصون أجلاّء في حقل الدراسات الاستشرافية أفاضوا – دونما أي انحياز للظواهر الاجتماعية – في تحليل القرائن الدالة على عودة المعتقد للحياة الراهنة، وكانوا يطلقون على ذلك اصطلاحات لم يكن التوفيق حليف العرب في ترجمتها من لغتها الأجنبية، وأستأذنك – أيها القارئ – في إيرادها كما صاغها اللسان الفرنسيّ : la foi, le sacré, la religiosité, la spiritualité. ولك أن تقول عن الأولى : الإيمان أو المعتقد أو العقيدة، وعن الثانية : القدسيّ أو المقدّس بشرط ألا تنساق مع السجعة الآثمة التي تغوي بعض أهل الضاد فيقابلون بين المقدّس والمُدَنس تقابلا آليّا، وعن الثالثة : التديّن وإن كان اللفظ الأجنبيّ أكثرَ اقترابا من مفهوم الورع والتقوى، وعن الرابعة : الروحانيّ وإن كانت صيغة الجمع أوفى بالغرض فلتقلْ : الروحانيات. إن الذين تحدثوا عن هذه الظاهرة كانوا من الأكاديميّين النزهاء، وصاغوا في ذلك خطابا لم يَلبس رداء التبشير ولم يتحلّ بستائر التحذير، لم يكونوا يحتفون بالظاهرة ولم يكونوا ينذرون، فلا هذا ولا ذاك مِن همّهم. وكانوا يؤكدون أن عودة المقدس وانتعاش الروحانيات وسطوة المعتقد، كل ذلك لن يقتصر على مستوى الأفراد ولا حتى مستوى الجماعات وإنما ستتأثر به المؤسّسات نفسها. وكان منهم من قال منذ عقدين : إن القرن الواحد والعشرين سيكون مطبوعا بعودة تلك الظاهرة، وقد تلتجئ الفلسفة إلى الإعلان عن موت نيتشة الذي أعلن موت الإله. ثم طفقت الأيام تشهد على صدق هؤلاء الراصدين وعلى حصافة استشرافهم، ويكفي أن الحدث الأعظم الذي استهلت به الألفية الثالثة لم يكن واقعا في مركز المصالح العسكرية ولا المصالح الاقتصادية كما علّمنا التاريخ عند المنعرجات الصراعية الكبرى، وإنما جاء مغلفا – في وقوعه وفي استنفار ردود الفعل عليه – بغلاف القناعات الرمزية الموغلة في اللامحسوس. وها نحن نلحظ، شهرًا بعد شهرٍ، كيف تتلبس السياسة الدولية بأردية القناعات الحميمة : إن إثباتا أو نفيًا، ومَن بوسعه أن يكابر إذا قرأنا المشهد بمنظار خاص : كانت الحداثة تخشى أن يتسيّس الدين، فإذا بها تفاجأ بأن السياسة قد ‘تديّنت’. ولا أراك – أيها القارئ – إلا مستغنيا عن مزيد الإيضاح حتى لا تذهب بك العبارة حيث لا يجب. ولكن الأعمق غورا والأبعد أثرا هو الاختراق الحاصل على جبهة المؤسسة المعرفية، فلا نفتأ نرصد تحوّلا عجيبا في علاقة العلم بالمعتقد، وكأننا بفلولٍ بدأت تظهر على حصون الموضوعية العلمية، وطفق كثير من المنظرين الإنسانيين – من ذوي السمعة العالمية – يشككون في قدرة العلم على الاحتماء من تأثيرات الذات بكل نوازعها الطبيعية والثقافية، والأكثر اعتدالا وحصافة منهم يقولون إن تغييب الذات يفضي إلى انقطاع العلم عن رسالته التاريخية التي هي بالضرورة رسالة ثقافية حضارية، ومن هنا عاد البحث في أخلاقيات العلم بحكم ما يتنادى إليه أصحاب القرار الدولي من ضرورة تأسيس مجتمع المعرفة على قواعد شاملة مستدامة. وفي الأثناء بدأنا نتابع جدلا جديدا ما كان أحد – منذ عقدين – يغامر بتوقع حدوثه، ويتعلق ذلك بطرح أسئلة جديدة حول وظيفة الجامعة وطرائق معالجتها لعلاقة المعرفة بالقناعات الحميمة. الحاصل من ذلك كله أن المثقف الذي يرى نفسه معنيا بالشأن العام، والذي ينخرط في ميثاق المثقف الملتزم، العضوي، النقدي، لم يعد باستطاعته أن يزهد في موضوع المعتقد، أو أن يستنكف من متابعة ظاهرة التدين في مختلف شرائح المجتمع متعللا بأن الموضوع لا يندرج في خانة اختصاصه العلمي. هنا – تحديدا – تعاودنا تلك الثلاثية التي استهللنا بها : فلئن كنا جميعا نسلّم بأن الوعي الثقافي يستتبع بالضرورة وعيا سياسيا فإن علينا أن نسلم الآن بأن تلك المعادلة الثنائية أصبحت مشدودة من طرفيها إلى هذا الوعي الثالث الجديد والذي أسميناه بالوعي الديني، وبديهي لديك الآن – أيها القارئ – أننا لا نقصد أبدا أن يكون المهموم بالمعرفة أو المهموم بالسياسة كائنا متعلقا بالدين، أو كائنا منخرطا في مسلمات المعتقد، وإنما نعني أنه محمول حملا على أن يتثقف بهذه الظاهرة الجديدة سواء أكان يتحرك داخل دائرة القبول أو داخل دائرة الرفض. ربما فهمت الآن – أيها القارئ – لِمَ يتوجّس الناس من الموضوع فيتقونه إذ يرونه ساحته مزروعة بالألغام، وأشد الألغام عليهم ليست متأتية من طبيعته بقدر تولدها من المناخات الذهنيّة والنفسيّة التي تحف به. وبحكم هذا المُعطى يتحوّل فضاء التفكير فيه، ومن ورائه فضاء الكتابة، إلى أفق غير آمن لأن براءة التأويل تَفقد حظوظَها، وقد يصل الارتياب إلى حد الذعر الذاتي فتغدو القراءة نفسها، فضلا عن الكتابة، مَجلبة للشبهة. وليس أقدرَ على إخصاب الخيال المذعور خارج حدود الواقع من ارتباك المثقف حيث تضيع نجمته القطبيّة في مفترق الطريق بين ما يفكر فيه فلا يتجرأ على قوله وما يباح له قوله وفيه تغييبٌ لما يفكر فيه. إن الحديث عن عودة المقدس لم يعد حديثا في الدين وإنما أمسى حديثا في ثقافة المجتمع، ولذلك فهو حديث في الثقافة السياسية قطعا، غير أنه ذو خصوصية بالغة الدقة لأنه متضافر الازدواج : فيه معالجة السياسة من زاوية القناعات المجتمعية، وفيه معالجة المعتقد من منظومة إدارة شؤون المجتمع، ولكن تلابسَ الأحداث أوصل بعض رجال النخبة الفكرية إلى امتطاء جواد المعتقد بإعادة إنتاج الخطاب السائد حوله وكأنه مطيّة طيّعة الركوب، وكثير منهم لا يستكملون الأشراط الدنيا في الثقافة المخصوصة التي هي – تحديدا – مجال تداخل الدين والسياسة. علينا أن ننتبه إلى هذه الظاهرة في المشهد الإنساني الشامل لنتبين التغيّرات الطارئة عليه خلال العقدين الماضيين كما أسلفنا، ويكفينا – على سبيل الإجمال – أن نتأمل ما حصل من العودة الكبرى للطقوس الدينية فيما كان يسمى باتحاد الجمهوريات السوفياتية، وما حصل من أحداث جسام في جمهوريات البلقان، وما يحصل في الصين، وما يتواصل في الهند… كلها مشاهد تجبر الراصدين على تغيير ذبذبات التعقب والاستكشاف ؛ ولن يغيب عن خاطرنا الامتداد الجديد لصوت الكنيسة عبر ممثلها الروحيّ لا سيما ورموز الدول العلمانية في العالم الغربي أصبحوا يتسابقون إليه للإنعام والمباركة. وفي العالم الإسلامي لا يفتأ الأنموذج التركيّ يحيّر المراقبين فتقصر لدى الدارسين الاستراتيجيّين كلّ أدوات التحليل والاستشراف، ولمّا انعقد في إسطنبول (24 – 27 أكتوبر2007) مؤتمر ‘التربية في الدول الإسلامية’ بمشاركة 47 قطرا استمعنا إلى شهادات حيّة أفاض فيها باحثون أكاديميّون أطلعونا على شقاق عميق أصبح يخترق نسيج المجتمع التركيّ في مستوى الأسرة الأولى… وكانت نبرة الخوف من التصدع الأكبر هي الغالبة… ولكن موضوع التوالج العميق بين الاختيارات السياسية والقناعات العقديّة الحميمة – سواء على مستوى الدين الكلي الواحد أو على مستوى التصوّرات التأويليّة المتعددة داخل الدين الواحد – لا يبرح يكتسب صورا من تضارب المصالح الإستراتيجية الدولية ويتخذ من الأرض العربية ساحة للتشظي : في فلسطين، وفي العراق، وفي لبنان، وفي السودان، وكلها ترجمات متقلبة للظاهرة التي نحن بصددها. وتزداد الصورة دقة كلما حصرنا دائرة الضوء في عدسة المجهر : في الكويت، وفي الجزائر، وفي مصر، وشيء من ذلك في المغرب ولا سيّما في رحاب الجامعات وهي التي ما زالت هناك تحتفظ بسلطة قوية في مجال دفع الوعي الاجتماعي والسياسي… فكيف يتراءى لنا المشهد في تونس، أو كيف تتجلى أدوات قراءته أو تأويله، وقد بدت عليه هو أيضا ملامح انجلاء المقدس متمازجة مع ملامح الشأن اليومي المعيش ؟ لا بد في البدء من تدقيق خصوصية السياق التاريخي العام الذي وسم علاقة المؤسسة السياسية بالمؤسسة الدينية منذ انبعاث دولة الاستقلال الأولى، ذلك أنها انطلقت ناشدة إنجاز مشروع حضاري يحفظ التوازن بين تحقيق الحداثة العصرية وصون مقومات الانتماء التاريخي، ولكنها بعد ثلاثة عقود وصلت إلى مأزق مجتمعي حادّ أوشك أن يذهب بكل مكاسب الشعب مهددا في الأعماق مقومات وحدته. فتحت مظلة الحداثة العقلانية التي اتسم بها مشروع دول الاستقلال عاشت تونس – لردح من الزمن – في مأمن من الصراع الذي كانت تعيشه بعض البلاد العربية الأخرى. كانت الحركة الدينية تسعى هنا وهناك إلى الاستحواذ على دول الاستقلال، وإلى الانفراد بصياغة مشروع المستقبل على مقاس تصوّراتها الماضوية، وكانت في ذلك تتحرك في فضاء يعادي الحداثة باعتبار أن مصْدرَها الغربُ الذي شيّد إمبراطورية الاستعمار. فإذا بتلك الحركات ‘الدينية السياسية’ تقف متخلفة جدا وراء تصوّرات النهضة كما جاء بها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وخير الدين التونسي. انفجر الصراع في مصر بين الدولة القومية والتيار الديني المتسيّس (1954) ثم حصلت المواجهة في سوريا (1982) وكان المشهد هنا وهناك محصورا في دائرته القطرية. ولكن المشهد العربي والإقليمي وحتى الدولي تغيّر مع سقوط نظام الشاه في إيران (1979) تحت ضغط التناقضات الاجتماعية التي استغلتها الحركة الدينية المحلية التي هي – منذ فجر التاريخ الإسلامي – متسيّسة جذريا بخصوصيتها. كانت تونس إلى ذاك التاريخ بعيدة عن عواصف الصراع بين الدين والسياسة، فطبيعة التركيبة المجتمعية، ونسقية الانتماء العقدي، مع عقلانية الأسس التي احتكمت إليها دولة الاستقلال، كل ذلك قد تظافر على تأكيد الخصوصية القطرية في هذه المسألة المعقدة. ولكن الذي كان يتربّص بدولة الاستقلال قد فاجأها في منعرج الاقتصاد بين عقدين تكشّفا عن كل التناقضات الاجتماعية : عقد السّتينيّات بخياره الاشتراكي المتعنّت وعقد السبعينيّات بليبيراليّته اللامتوازنة. وإذا بتلك التناقضات تنفجر في تصعيد تاريخي مريع متلاحق. بين أمواج الغضب الاجتماعي ومع انحسار الصوت الإيديولوجي التقليدي هبّت على تونس رياح لم يكن لها بها عهد إذ تشكلت أصوات تصرّ على أن تنطق باسم المرجعية الدينيّة موعزة أنها الترجمان الأمين للقيم العلوية في تصاقبها مع آليات تنظيم الحياة الاجتماعية. تحوّل المشهد في تونس إلى مفارقة عجيبة فأغلب الناس المتمسكين بمنظومتهم العقدية – تقديسا وسلوكا – لم يحسّوا أنهم معنيّون بهذا الخطاب التوظيفي الطارئ على حياتهم، ولكن فلولا في صفوف الشباب وقعت في شباك الاستقطاب يدفعها إليه أنها شبّت خارج الوعي بحيثيّات نشوء دولة الاستقلال ثم لم تجد ما يربطها بالواقع الاجتماعي الحادث المملوء صخبا وانشقاقا. وصلت الدولة إلى المأزق الاجتماعي الحاد، وعجزت عن صياغة خطاب يلهم أنفاس المشروع الحضاري الأول، وكان الانسداد الأعظم هو ضياع بريق الحداثة التي أسست بدايات المشروع السياسي، فبدا الانفصام مفضوحا بين عقلانية النشأة ولاعقلانية المآل. في هذا السياق تحديدا قامت حركة يوم السابع من نوفمبر 1987 لتنقذ مشروع دولة الاستقلال، وحظيت – عند حصولها – بمقبوليّة مطلقة لأنها توفرت على شرعية أولى هي النص الدستوري، وتوفرت على شرعية ثانية هي الإنقاذ المزدوج : إنقاذ الدولة متجسمة في نظامها الجمهوري، وإنقاذ الوطن من كارثة الفتنة الأهلية. هنا على وجه التخصيص يتعيّن كشف المسكوت عنه : فحركات الإسلام السياسي إذا خاضت غمار المواجهة فإما أنها تنتكس كما في حالتي مصر وسوريا السالفتي الذكر وإما أنها تستقطب الغضب الجماهيري لتقفز على جثة النظام حين يتهاوى فتملأ فراغ سقوطه كما في حالة إيران. ما حصل في تونس هو – على وجه اليقين القاطع – خيبة كبرى لمجموعة الأصوات التي انتصبت ناطقة باسم منظومة القيم الدينية وكأنها قد استفردت بالحق المطلق في الشأن العقدي، وتأهلت من تلقاء ذاتها لتجسم باسم الجماهير السلطة الروحية. هذه الخيبة ليست فقط في انبثاق البديل التاريخي من داخل منظومة السلطة السياسية القائمة وإنما هي متأتية أكثر من الصبغة السلمية التي تم بها حلول البديل. من هنا ستتكشف عناصر التفسير التاريخي لكل ما سيلحق من أحداث. فالمتحركون باسم دين الجماعة – دون تفويض من الجماعة – قد وضعتهم حركة يوم 7 نوفمبر1987 في حالة من التسلل التاريخي على شطرنج السياسة، وإذ هم في حال من الارتباك فاجأتهم القيادة السياسية بإجراءات تتصل بالمسألة الدينيّة. فأما القيادة فواضحٌ أنها كانت تريد ترميم الفلول التي أحدثتها القيادة السالفة في جدران الصرح الديني، من حيث هو ركن من أركان هويّة الشعب، ومن حيث هو حزامُ الأمان في تثبيت مشروع الانتماء الحضاري ؛ وأما المتحركون باسم الدين فقد تأوّلوا ذلك على أنه استرضاء لهم، أو على أنه امتصاصٌ للغضب القائم في نفوسهم، أو على وجه إنصافهم بما يظنون أنه حق راجع إليهم. هنا انزرعت بذور المفارقة الكبرى، ففي اللحظة التي كانت القيادة السياسية تردّ الاعتبار إلى القيم الدينية بوصفها حق الشعب وذلك بإجراءاتها الرمزية – كمواقيت الصلاة على أجهزة الإعلام، واعتماد الرؤية في ضبط الأشهر القمرية، ثم بعث كتابة الدولة للشؤون الدينية التي تطورت إلى مؤسسة وزارية – كان المتحركون سياسيا باسم الدين يتوهمون أن القيادة تردّ الاعتبار إليهم هم بأنفسهم. وكان ذلك هو الانحراف القاتل الذي أفرغ الخطاب الديني المسيَّس من مصداقية اللحظة التاريخية، لأنه جنح إلى الانتشاء السياسي بدل أن يقف عند حدود الانتشاء القيميّ، والفرق بين الأمرين أن الأول انتشاء باسم الحركة والثاني انتشاء باسم حق الشعب. من هذا المعطَى المجهري الدقيق نستطيع أن نكشف الآن عن البذرة المتوارية : إنها منطق الاستحواذ هذا الذي جعل كل أطراف المجتمع يقتنعون بأن الحركة الداعية إلى جعل السياسة تحت إمرة التصور العقديّ الجاهز قد اعتمدت إستراتيجية الاكتساح ولا تقبل المهادنة وَفق موازين القوى الجماعية. ذلك أن الناس باحتكامهم إلى العقيدة التي في نفوسهم يرتاحون عندما تكون السياسة في خدمة عقيدتهم، أما أن تكون عقيدتهم هي الخادمة للسياسة فذلك مرفوض قطعا لأن الدين الذي هو بُعد أخرويّ يتحول عندئذ إلى ساحة للصراع على السلطة الدنيوية. عند هذا الخط وجدت السلطة السياسية المجسّمة لفكرة الدولة والملتزمة باستكمال مشروع الاستقلال في مرحلته الجديدة نفسَها محمولة على تصحيح الموقف جذريا : فحقُّ ردّ الاعتبار إلى القيم الروحية طبقا لدعائم الهوية هو حق الشعب كافة وليس لأي طرف ادعاء احتكاره ولا الانفراد بتوظيفه، ثم إن المتعهد الوحيد لرعاية أي حق من حقوق الشعب إنما هي الدولة. فكان الذي حرك السلطة، وحَفَزها على مواجهة الغلوّ أمرين متعاظلين : صيانة وظيفة الدولة وَفقا لروح الدستور، وصيانة الأمان الجسدي والنفسي لجمهور الناس وقد بدأ الفزع يسكنهم مما يسمعونه أو يشاهدونه هنا وهناك في بعض رقاع الوطن العربي. من هنا وعلى توالي السنوات ارتسمت على المشهد التونسي لوحة هي من أندر ما تجود به المشاهد الراهنة الأخرى عند التنقيب عن وشائجها الخفية تحت مغلَّفات السياسة. فالسلطة واجهت خطر الانحراف بحسم شامل، بل ثبّتت على أرض المجتمع أحزمة تحميه من أي انزلاق بمفهوم الدولة، ومن أي استحواذ على ما هو حق الناس جميعا، ومن أي انفراد يفضي إلى إغماس مقومات الهوية في طاحونة الاستعراض الميداني بكلّ مزايداته ومحاذيره، وظلت السلطة ساهرة سهرا دائما على أسيجة الأمان العام : السياسي والجسدي والنفسي. حتى اطمأنت أن الناس – في عامّهم وخاصهم – أدركوا الفارق العميق بين التديّن وتوظيف الدين، وفهموا أن التديّن قضية تخص علاقة الفرد بربه بينما توظيف الدين مسألة تخص علاقة الفرد بالمجتمع. هكذا تنجلي الصورة التونسية : لقد انطلقت دولة الاستقلال الثانية مراهنة على معادلة الوئام الثلاثي بين الوعي السياسي والوعي الديني والوعي الفكري، وقدمت على ذلك شواهدها المجسّمة، ولكن إغراء المد الانتهازي قد استوجب اللجوء إلى الحل الذي هو بطبيعته علاجيّ ووقائيّ في نفس الوقت، وكانت النتيجة أن عاد للبلاد تفرّدها بالمشهد الآمن الذي تفتقده بلاد عديدة أخرى، وإذا بها – من موقع الثقة التامة – تتجاوب الآن مع الظواهر الإنسانية مؤمّنة للفرد حقوقه، وللمجموعة أعرافها، وللمؤسسة هيبتها الدائمة. أستاذ في الّلسانيّات- الجامعة التّونسيّة (المصدر: موقع مجلة ‘أفكار’ (فكرية اليكترونية – تونس)، العدد 29 لشهري ماي وجوان 2008) الرابط:http://www.afkaronline.org/arabic/articles/mseddii.html  

هل أصبح الرضى بالدون والالتزام بسكون الأموات شرط الانتساب الى حظيرة جامعة التجمع بقصرهلال؟؟؟

 

 
مراد رقية لقد تناولت في أكثر من تدوينة سابقة مظاهر المستوى الرفيع لتعاطي المسؤولين المحليين التجمعيين والاداريين مع الرأي الآخر مما جعلنا  نعتقد بقوة في تحوّل قصرهلال الى”سويسرا”حقيقية من حيث طغيان سلطة القانون وتكريس دولة المؤسسات وتجسيم مقولة”ادارة تكرّم المواطن قبل خدمته” الى درجة أن بلغ الأمر بعديد متساكني الوحدات الأخرى كبرى ومتوسطة وصغرى الى التفكير بصفة جدية بطلب حق الالجوء الى مدينة 2مارس1934،مدينة الحاج علي صوة،المدينة التي يكرّم فيها المناضلون الحقوقيون والمبدعون والمثقفون والفنانون على مدار السنة خصوصا بعد الانقلاب الثقافي المدعوم من جامعة التجمع بقصرهلال المنجز بامتياز كامل يوم17 ماي2008؟؟؟ وقد صادف  أن تجاذبت أطراف الحديث مع مدوّن أصيل قصرهلال صاحب مدونة على محرّك مكتوب،مبدع في أكثر من مجال ،ومتألق في أكثر من باب مما جعل وزارة الثقافة الجزائرية تكلّفه بانجاز”أنطولوجيا للشعر التونسي المعاصر” فكرّم المبدع الهلالي من الأشقاء الجزائريين قبل تكريمه من بني قومه مما يعتبر سابقة تستحق دخول موسوعة الأرقام القياسية السلبية في تنكر القائمين على الأمر “تعيينا لا انتخابا” بالمدينة لمبدع خلّاق ومدوّن محترم يشهد له الجميع ولعل الرجوع لمدونته المتألقة “مدوّنةضفاف” خير دليل وشاهد على ذلك ،لقد عنيت طبعا الأستاذ المبدع والمثقف المرهف الأستاذ فوزي الديماسي لقد أخبرني الزميل المدوّن الذي تميّز اضافة الى اهتمامه بفنون الأدب والنقد بغيرته على مدينته وتألمه المفرط لنكبتها الحالية التي كرستها بامتياز واصرار مرضيين الهياكل المحلية ونصبتها أمرا واقعا لا مفرّمنه،وممارسة يومية مثلها مثل النظافة تماما  التي تعلنها على الدوام اللافتات غير ذات اللون والطعم والرائحة “جهدا يوميا متواصلا”هذه النكبة التي تقدّم عليها الأدلة  والشواهد ليلا ونهارا وصباحا ومساء.أخبرني الزميل بأنه وفي اطار استعداد التجمع لمؤتمره الذي سيضطلع بتجديد اللجنة المركزية للتجمع الدستوري أراد ممارسة حقه الطبيعي والتنظيمي في الحصول على نيابة المؤتمر فقامت الدنيا ولم تقعد؟؟؟ لقد اتهم الزميل المدوّن بأنه معارض مدسوس في صفوف التجمع الدستوري وبأن لاحقّ له وهو الذي أتاح لنفسه أمام انسداد سبل الحوار في ظل تجمد وتكلّس هياكل التجمع بقصرهلال ورفضها الحوار والتداول مع مناضليها حول شؤون المدينة وتقاعس المسؤولين عن مهامهم أن يدوّن آراءه ضمن عديد الصحف مثل”الموقف”و”مواطنون” وحتى على مدونته “ضفاف”على محرّك مكتوب.ماهي تهمة الرجل هي ببساطة غيرته على مدينته وسعيه الى الاشارة الى مكامن الخلل المتراكمة،كيف ذلك  وقد تعوّد التجمع وهياكله بأن تنظيمات المعارضة وحدها ومناضليها هم وحدهم دون غيرهم المسموح لهم بأن يعانوا دون أمل الشفاء من هذا المرض اللعين،هذا المرض الذي عنوانه”أحبّ البلاد كما لا يحبّ البلاد أحد” ،هذا المرض المجهول لدى التجمع وهياكله ومناضليه الذين التزموا الصمت المقيت…الصمت الايجابي وكمّ الأفواه وصمّ الآذان وفرض  مقولة “ليس بالامكان أحسن مما كان”خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات التنظيمية ومن بينها الرفت من حضيرة التجمع؟؟؟ لقد سبق وأن مورست على الزميل المدوّن وهو الموظف الاداري العامل باحدى مؤسسات التعليم الاعدادي  بقصرهلال التهديدات والضغوط لكي يكف عن ابلاغ صوته الحر وهو المناضل التجمعي خشية التعرض الى قطع لقمة عيشه عبرتوسيط الادارة الجهوية للتربية والتكوين بالمنستير،أما الآن وقد أصبحنا على أبواب انعقاد مؤتمر التجمع فقد هدد الزميل المدون بضرورة سحب نيابته غير المرغوب فيها من جامعة التجمع بقصرهلال،ثم عندما لم تفلح التهديدات الافتراضية والفعلية عرض على”لجنة النظام” بلجنة تنسيق التجمع بالمنستير ان التجمع الدستوري الديمقراطي الذي يعتبر نفسه مؤمنا على مصير وطن بأكمله أصبح الآن يضيق بمناضليه الذين يحرمهم من التعبير عن مواقفهم بالقوة داخل هياكل التجمع المحنّطة المتخشّبة ،ويعاقبهم عند اللجوء الى قنوات أخرى عيبها الوحيد هو اصابتها بالوباء اللعين،وباء الغيرة على الوطن التونسي عموما ،وعلى هذه الرقعة الصغيرة المحاصرة بقرار سياسي واداري غير معلن التي هي ملك للجميع،موالاة ومعارضة ومستقلين،ناطقين وصامتين تجسيما لمقولة”تونس للجميع والجميع لتونس”؟؟؟ ولعل من العجب العجاب ومن المفارقات غير السوية أن يعتمد التجمع الدستوري وهو على أبواب هذا المؤتمر سياسة الكيل بمكيالين فيصمت عن الشكاوى المرفوعة في بعض المسؤولين التجمعيين المتمتعين ب”الحصانة التنظيمية” برغم ثبوت ارتكابهم المحظورات والتجاوزات بأنواعها،ويلجأ تكريسا للشفافية والديمقراطية الى معاقبة المناضلين القاعديين المحرومين من التعبير عن آراؤهم ومواقفهم في صلب هياكله التي تخشبت وتقوقعت وتكلست فخيّر المناضل التجمعي بين سكون الأموات والمرور أمام لجنة النظام  تعميما للصمت الايجابي الذي لاينطق الا عبر اللافتات غير ذات اللون والطعم والرائحة المرددة لمقولات في مستوى رياض الأطفال والمرحلة الأولى من التعليم الأساسي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ كتبها mourad regaya


روسيا والاتحاد الأوروبي.. آفاق لـشراكة جديدة

 

 
توفيق المديني في مدينة خانتي مانسيسك التي تقع في قلب سيبيريا الغربية وغابات الطايغا السيبيرية، التي تبعد ألفين كيلومتر عن العاصمة موسكو، والتي تمثل واجهة المعجزة البترولية الروسية،اختتمت القمة الروسية- الأوروبية أعمالها يومي 26 و 27 يونيو الماضي ،حيث وصفهاالمراقبون الغربيون بأنها «قمة الآمال الكبرى». وكان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف اعتبر أن روسيا ودول الاتحاد الأوروبي «قادرة على ضمان الأمن فيما بينهما، في شكل مشترك من دون تدخل خارجي». بيان مشترك وآفاق جديدة وأعلن قادة روسيا والاتحاد الأوروبي في بيان مشترك أنهم «توافقوا على بدء المفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق استراتيجي يكون بمنزلة إطار شامل للعلاقات الاوروبية الروسية المستقبلية ويساعد في تطوير علاقتنا». وحددت القمة الرابع من يوليو المقبل، موعدا لبدء المحادثات في بروكسيل حول الاتفاق الجديد، الذي سيحل محل مكان اتفاقية الشراكة والتعاون الموقعة في العام 1994، والتي لم تدخل حيز التنفيذ إلا في ديسمبر 1997، بسبب حرب الشيشان، عندما كانت روسيا بالكاد خرجت من صدمة انهيار الاتحاد السوفييتي، وأن الاتحاد الأوروبي لم يكن له حدود مشتركة مع روسيا. واعتبرت تلك الاتفاقية نصا طموحا، ولاسيما أنها أكدت على التقارب بين المعايير الأوروبية والروسية في المجالات الاقتصادية والمالية والقضائية، وهدفت إلى إنشاء منطقة تجارة حرة. غير أن تلك الاتفاقية اصطدمت في تطبيقها بالعوائق البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد الروسي، وثقل الإجراءات البيروقراطية، وغياب التنسيق بين الخبراء والفعاليات السياسية، والحرب في الشيشان، وانتشار الفساد على أوسع نطاق في روسيا يلتسين، إضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم قيام روسيا بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية التي تنقل اقتصادها بالكامل إلى اقتصاد السوق، وهو مايعد مرحلة أساسية على طريق الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. تجاوز مرحلة الحرب الباردة على مر السنوات الماضية برزت مجموعة من التوترات في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، تجاه قضايا الأمن والطاقة في القارة الأوروبية. وتعود هذه الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي إلى نهاية مرحلة الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي عندما اعتبر الروس أنهم تحرروا من النظام الشمولي الستاليني، وأنهم التحقوا بالغرب من خلال تبني الثنائية الشهيرة «اقتصاد السوق، الديمقراطية». لكن نظام يلتسين الذي اتسم عهده بالفساد وبالإثراء غير المشروع في ظل الخصخصة المتوحشة، لم يتوصل إلى القيام بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تعبد الطريق لولادة دولة القانون. وكان الروس الذين جسدوا القطيعة مع النظام السوفييتي ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي على أنه مارد اقتصادي، ولكنه قزم سياسي، بينما كان الأوروبيون ينظرون إلى روسيا على أنها قوة إقليمية لا تزال تعتقد نفسها قوة عالمية عظمى. بيد أن الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي تعمقت أكثر مع دخول بلدان أوروبا الشرقية والوسطى إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وهؤلاء الأعضاء الجدد، المتأذون من التجربة السوفييتية والشيوعية السابقة، عززوا علاقاتهم مع الولايات المتحدة الأميركية، ولاسيما عندما أصبحوا أعضاء في الحلف الأطلسي، وطرحت واشنطن على بولندا وتشيكيا إقامة نظام للدرع الصاروخية في قواعد ثابتة على أراضيهما، إضافة إلى دعم الغرب للثورات البرتقالية في كل من أوكرانيا و جيورجيا. وقد اعتبرت روسيا هذه التحولات الجديدة خطيرة لأنها تدخل في نطاق استراتيجية التطويق لنفوذها، بعدما أصبح الأطلسي على حدودها. بوتين وأمن الطاقة وكان الرد الحاسم على هذه التطورات جاء من قبل الرئيس السابق فلاديمير بوتين الذي وضع يده على شركة «غاز بروم»، معتبرا أن قطاع الطاقة في روسيا هو قطاع استراتيجي. وبما أن بوتين يريد أن يلعب دور المؤسس الجديد للدولة الروسية القوية، فهو يحتاج إلى مداخيل النفط والغاز ليمول موازنته ويقيم التوازن في علاقاته الاقتصادية مع بلدان الاتحاد الأوروبي و يفرض روسيا كقوة عظمى على الساحة الدولية. يقول أستاذ الدراسات الروسية في جامعة هارفار مارشال إي.غولدمان في كتابه الذي صدر مؤخرا تحت عنوان: «أعمال القرصنة في روسيا»، إن الرئيس السابق بوتين، ولدى تسلمه رئاسة الاتحاد الروسي، ثارت ثائرته بسبب الفرق الشاسع بين أسعار تصدير المحروقات والأسعار التي يدفعها المشترون، ولاسيما الأوروبيين. فأين كان يذهب الفرق؟ وقد عمدت حكومته بشكل منتظم، وخطوة خطوة، إلى استعادة السيطرة على القطاع، بدءا بالغاز مع شركة «غاز بروم»، وهي في الأصل وزارة الغاز السوفييتية السابقة التي خصخصت في العام 1992 والتي لم تعد الحكومة الروسية، بعد عشر سنوات تمتلك إلا 38 % من رأسمالها، بعدما وزعت غالبيتها على زمرة يقودها رئيس وزراء السيد بوريس يلتسين وأفراد عائلته. في هذه الأثناء خسرت شركة «غاز بروم» ما معدله 2 مليار دولار سنويا اختلسها مدراؤها، إضافة إلى 10 % من احتياطها. ومع سيطرة الدولة الروسية بالكامل على شركة «غاز بروم»، توترت العلاقة في مجال الطاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، ولاسيما بسبب الأزمة الأوكرانية حين رفعت موسكو أسعار الغاز الذي كان يتدفق لأوكرانيا وللقارة الأوروبية بأسعار منخفضة. فالاتحاد الأوروبي بات ينظر إلى أمن الطاقة من خلال ضمان امتدادته، وهذا ما جعله يشدد على ضرورة فتح السوق الروسية أمام المستثمرين، حتى لا تستخدم موسكو الطاقة التي تزود بها أوروبا كسلاح تهديد. خارج آليات السلطة وبالمقابل ترى روسيا أن أمن الطاقة يعني ضمان صادراتها من الغاز والنفط بأسعار جيدة. وفي الوقت الذي يطالب فيه الاتحاد الأوروبي روسيا إخضاع قطاع الطاقة إلى قوانين السوق، بما يعني ذلك فتح السوق الروسية أمام المستثميرين الأوروبيين لضمان الحد الأقصى من الإنتاج بأسعار منخفضة، ترفض روسيا إخضاع قطاع الطاقة لقوانين السوق وحدها. دول الاتحاد الأوروبي المستهلكة للطاقة هي في أمس الحاجة إلى الغاز الروسي، وموسكو تعلم ذلك جيدا، وهي تعلم أيضا أن الصين مستعدة لدفع سعر مرتفع جدا مقابل ضمان تدفق النفط والغاز في المستقبل. ويقول الخبراء الغربيون إن روسيا أصبحت قادرة على استخدام شركات غربية كمقاولين ثانويين، مع الإبقاء عل ملكية كاملة على حقول النفط والغاز. من هنا، فإن الاتحاد الأوروبي إدراكاً منه بتبعيته المتنامية للطاقة، يريد أن يضمن إمداداتها إلى أوروبا من خلال الاستثمار في الانتاج الروسي وإجبار موسكو على المزيد من الشفافية في هذا القطاع الذي يسيطر عليه الكرملين. وقد أكد الرئيس الروسي ميدفيديف أهمية إنجاز كل المشاريع الهادفة لضمان استقرار الإمدادات، مشيرا إلى مشروعي أنابيب الغاز الشمالي والجنوبي اللذين يتضمنان مد خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى شمال أوروبا وجنوبها. وقال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو إن الاتحاد الأوروبي سيؤيد مشروع خط الغاز الشمالي في حال تم التوصل إلى حل المسائل المتعلقة بالاعتبارات البيئية، مشيراً إلى أن هذا المشروع يستجيب للاحتياجات الأوروبية، ويشكل جسراً مهماً للطاقة يربط روسيا بالاتحاد الأوروبي. كاتب من تونس المصدر صحيفة أوان (يومية كويتية) بتاريخ 4 جويلية 2008


 

إسلام أونلاين : المسيري وتحولاته الفكرية

 

 
رحلة بحثا عن الحقيقة قبل أيام قليلة من وفاة المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري، أرسل إلي موقع “إسلام أون لاين” نسخة ديجيتال من كتابه “حوارات مع المسيري” الذي أعدته وحررته الإعلامية “سوزان حرفي”، والكتاب يحمل قدرا من العمق والحيوية والصراحة، وفي هذا الجزء من الحوار المقتبس من الجهد نعرض بعضا من التحولات الفكرية للمسيري على لسانه نقتبسها من كتابه النفيس والأخير، ويتحدث في هذا الجزء عن الموت وكيف كان يدركه. رحلة بحث * من الواضح أنك انتقلت بين أكثر من تيار فكري وكأنك في رحلة بحث عن الحقيقة؟ – هذا صحيح، وأعتقد أن استخدامك لصورة “الرحلة بحثا عن الحقيقة” هي صورة مجازية تعبر بكثير من الدقة عن موقفي. فرغم التحولات التي مررت بها، فإن مكونات رؤيتي وعناصرها الأساسية لم تتغير، رغم تغير بعض الأسس الفلسفية، ورغم تغير المنهج. فجوهر رؤيتي للعالم أن الإنسان كائن فريد وليس كائنا ماديا، وأن المساواة بين البشر مسألة ضرورية. الإنسان بلا شك يعيش في عالم المادة وجزء منها، لكنه جزء يتجزأ وليس جزءا لا يتجزأ منها، لأن فيه ما يجعله يتجاوز السقف المادي. وهذه الرؤية الإنسانية كانت تترجم نفسها إلى الإيمان بضرورة المساواة بين البشر، وأن العدل من ثم قيمة أخلاقية أساسية. هذه الرؤية الأساسية هي الخيط الناظم في كل ما أكتب، وفي تطور حياتي الفكرية. المرجعية الفلسفية قد تغيّرت من فترة لأخرى، لكن طلب الرؤية كما هي، رغم تغير السبل والمناهج التي تؤدي إلى تحقيق هذه الرؤية. لقد التحقت في بداية حياتي لفترة قصيرة بـ”الإخوان المسلمين” في مرحلة الصبا، ثم اتجهت إلى الماركسية، وعشت مرحلة من الشك ولكن مع الالتزام بالقيم المطلقة مثل الحق والخير والجمال والإيمان بأن الإنسان كائن غير مادي وضرورة إقامة العدل في الأرض، وبالتدريج وعلى مدى رحلة فكرية استغرقت أكثر من ثلاثين عاما عدت مرة أخرى إلى الإسلام لا كعقيدة دينية وحسب ولا كشعائر، وإنما كرؤية للكون وللحياة وكأيديولوجية. التحول تم على درجات، بدأت بتجارب إنسانية بسيطة مثل قصة حبي للدكتورة هدى التي لم أتمكن من تفسيرها ماديا، ولذا ظللت أبحث في الكتابات الماركسية إلى أن وجدت تعريف ماركس للزواج بأنه علاقة اقتصادية مفعمة بالحب (أي أنه سقط في ثنائية إيمانية تميز بين المادة [علاقة اقتصادية) والروح والحب]. ثم جاءت ابنتي نور، وحين تأملت في لحظة ميلادها لم أستطع تفسير علاقة أمها بها، أو علاقتي أنا بهما تفسيراً مادياً. هذه الحوادث خلخلت من قبضة النموذج المادي، ولكن في الولايات المتحدة تفككت قبضته تماما. حين ذهبت إلى جامعة رتجرز في الولايات المتحدة في أوائل الستينيات. كان البروفسور وليام فيلبس، هو من أشهر النقاد الاجتماعيين والأدبيين آنذاك، يرأس تحرير مجلة البارتيزان ريفيو، وقد تبناني فكان يدعوني للحفلات التي كانت تعقدها المجلة، مما أتاح لي الفرصة للحديث مع كبار الكتاب ومع الشباب من المثقفين الواعدين، فكنت أحدثهم بحماسة شديدة (باعتباري واحدا منهم) عن الإنسانية (الهيومانية) humanism والاستنارة والعقل والعقلانية الغربية، فكنت أفاجأ بأنهم يتحدثون عن اللاعقل واللاوعي والمخدرات والعبث والأساطير والفن البدائي والوعي الكوني والذوبان في الكون والبنيوية. كما لاحظت تزايد الإشارات السلبية إلى مفهوم الإنسانية الهيومانية والإشارات الساخرة إلى الاستنارة. واكتشفت ساعتها أنني الداعي الوحيد للاستنارة في صحراء اللاعقل الجليدية، واكتشفت أن الحضارة الغربية قد دخلت مرحلة جديدة. فالحضارة الغربية التي عرفناها ونشأنا على الإعجاب بها، بعقلانيتها وإنسانيتها، كانت تعالج سكرات الموت بعد أن سدد نيتشه ضربته الأولى، وبعد أن توالت الضربات من كيركجارد ونيتشه إلى هايدجر وهتلر. (من المؤلم حقا أن بعض دعاة الاستنارة والتغريب في مصر يترجمون أعمال نيتشه وكيركجارد وهايدجر ويعرضونها بحسبانها كلها جزءا من عملية “التنوير”).    في احدى ندوات الوسط التي داوم عليها * هل رصدت وقائع محددة في حياتك ساهمت في عملية التحول؟ هناك حوادث كثيرة من أهمها ما حدث لي أثناء التدريس في كلية البنات عام 1970. كنت قد ألقيت محاضرة عن الاستنارة الغربية نوهت فيها بمناقبها الكثيرة بما في ذلك عقلانيتها. ولكنني في المحاضرة التالية كنت أدرّس الشعر الإنجليزي الحديث، وكان الدور على قصيدة ت.س. إليوت: “الأرض الخراب The Waste Land”، فتحدثت عن أزمة الإنسان الحديث وتفتته واغترابه عن ذاته وعن الطبيعة. وبينما كنت ألقي محاضرتي، أحسست بسخفي الشديد، إذ تساءلت كيف يمكن لحضارة الاستنارة أن تنتهي في ظلمات الأرض الخراب؟ كيف يمكن أن أبشر بالحضارة الغربية باعتبارها حضارة الاستنارة من الساعة التاسعة حتى الساعة التاسعة وخمس وخمسين دقيقة، ثم أبين لنفس الطالبات أنها في واقع الأمر حضارة الأرض الخراب من الساعة العاشرة حتى الساعة العاشرة وخمس وخمسين دقيقة؟ كان لابد أن أجد تفسيرا كليا قادرا على تفسير هذا التناقض، والوصول إلى الوحدة الكامنة خلف التنوع، بل خلف التناقض الظاهر الواضح! ومن الوقائع الأخرى الطريفة أنني كنت أكتب قصائد حداثية فأجد نفسي أكتب عن موضوعات حداثية، مثل غربة الإنسان وخيانة القيم…إلخ، وهي موضوعات ليس لها علاقة بتجربتي الشخصية وتتنافى مع رؤيتي الخاصة. وحيث إنني كنت لا أنوي نشر هذه القصائد، فالمسالة لا يمكن تفسيرها على أساس أنني أبحث عن رضا النقاد أو القراء، ولابد أن تفسر من الداخل، إذ يبدو أن خطاب الحداثة له حدوده وسقفه، فهو ليس مجرد أسلوب وإنما طريقة في الرؤية. كنت مرة أجلس مع ابني، وهو بعد طفل، نشاهد التليفزيون، وسمع من المذيع أن الغرب قد راكم من الأسلحة النووية ما يكفي لتدمير العالم أكثر عشرات المرات، ففوجئت به يضحك ملء شدقيه ويخبرني بشيء بديهي فاتني، وهو أنه بعد تدمير العالم مرة واحدة، لا يمكن تدميره مرة ثانية، ساعتها ضحكت أنا الآخر، وتدعمت شكوكي بخصوص عقلانية العالم الغربي “المتقدم” وبخصوص النموذج المادي. الإيمان والقدرة التفسيرية * تتحدث عن رحلتك من النموذج المادي إلى النموذج الإنساني الإيماني، ومن الواضح أن المسألة لم تتم مرة واحدة، فهل يمكن أن تشركنا معك في الخطوات التي أدت إلى هذا التحول في نهاية الأمر؟ ثمة عناصر كثيرة متداخلة هي التي أدت في نهاية الأمر إلى عملية الانتقال. وسأحاول أن أتناول كل عنصر على حدة. ولأبدأ بتصوري، شأني شأن الكثيرين، أن الحضارة الغربية هي حضارة الفردية، وأن حضارتنا هي الحضارة الشرقية الجمعية. هكذا تعلمنا، وهكذا أدركنا الكون. ولكنني حينما ذهبت إلى هناك، لاحظت أن ثمة نمطية مذهلة في أشكال الحياة، وفي الأنماط الإنسانية. وهو أمر قد رصده علم الاجتماع الغربي، خاصة بعد ظهور علوم متخصصة في التحكم في السلوك الإنساني، سواء في العمل أو في الحياة الخاصة، التي قامت بترشيد حياة الإنسان وضبطها وفقا لخطة محددة (نوم – إفطار – عمل) بحيث أصبح كل شيء مجهزا مسبقا، حتى الإجازات والأفراح بل والمآتم، مجهزة ومنظمة ومخططة. يوجد الآن وظيفة “مخرج فرح” (وهي وظيفة بدأت تظهر في بلادنا أيضا)، ينظم لك كل شيء، وصاحب الشأن نفسه لا يستطيع أن يغير أي شيء. وعلم الاجتماع الغربي يتحدث عن التنميط standardization وهيمنة النماذج الكمية quantification وهي مصطلحات تشير إلى غياب الفردية وتآكل رقعة الحياة الخاصة. كنت أقابل كثيرا من الأمريكيين يغيرون ملبسهم ومأكلهم وسلوكهم حسب ما يمليه الإعلام، بل وينسخون ما جاء في بعض الكتالوجات، مما كان يثير ضحكي أحيانا وحزني أحيانا أخرى. وهذا دعاني للقول بأن ما يسود في الولايات المتحدة ليس الفردية وإنما البراجماتية. والإنسان البرجماتي إنسان مطاط يتصور أنه يؤكد ذاته الجوانية ولكنه ينتهي بالتكيف مع ما حوله وبالاستجابة المباشرة لما يأتيه من إشارات ونداءات وإعلانات وبيانات سياسية، فيعيد صياغة نفسه بسهولة وسرعة حسب آخر الصيحات. وقد عرَّف أحد العلماء الغربين الحداثة بأنها “المقدرة على أن يغير الإنسان قيمه بعد إشعار قصير”. وهذا يتنافى مع ما تعلمناه من أن الإنسان الغربي إنسان يقف وحيدا في الكون يملي إرادته، عالمه الداخلي من صنعه، وهو يحاول في الوقت نفسه أن يفرضه على العالم الخارجي من حوله. لم أجد شيئا من هذا (إلا في الأعمال الأدبية أساسا). كانت الغالبية الساحقة من الناس، التي ليست عندها مقدرات نقدية عالية ووعي بالذات، في حالة عدم ثقة بالنفس تستمد صورتها لنفسها من الإعلام الذي كان آخذا في التوحش والتغول. الموت..    عصا الأمن طالت فيلسوف كفاية * هل هناك تحولات أخرى حدثت لك؟ نعم، موقفي من الموت، ويبدو أنني لم أكن مستوعبا تماما للمرض أو للموت على الرغم من إحساسي الشديد بالزمن، فقد ظلا بعيدين عني طيلة حياتي. ولم أحضر سوى جنازة أو اثنتين طيلة حياتي، كما لم أذهب لتعزية أحد تقريبا ونادرا ما ذهبت لأعود أحد أصدقائي في مرضه، فكنت أكتفي بالمكالمات التليفونية أو بإرسال البرقيات. (كنت أقول ساخرا لزوجتي: إنني حينما يتوفاني الله لن يحضر أحد جنازتي، وإن كانت ستتلقى سيلا عارما من البرقيات). ولابد أن انشغالي الشديد بالموسوعة قد شجع هذا الاتجاه فيّ، وجعلني قادرا على تسويغه لنفسي. فكنت أخبر نفسي بأن أصدقائي سيفهمون ماذا أفعل. ولكن يبدو، والحق يقال، أن المسألة كانت أعمق من انشغالي بالموسوعة، إذ كان هناك داخلي اتجاه نفسي نحو التأمل والاحتفاظ بمسافة بيني وبين الأحداث، وهذا الاتجاه النفسي هو ما جعلني أسلك هذا السلوك. كنت مرة في بوسطن ورأيت لوحة جميلة رسمها فنان صيني لشجرتين من نبات البامبو (البوص) تعلو كلا منهما زهرة ملونة جميلة. وقال الفنان في شرحه للوحة: إن هذا النوع من البامبو يظل ينمو لمدة تسعة وثلاثين عاما ثم يزهر زهرته في العام الأربعين ويموت بعدها. سحرت بهذه الفكرة، وغرقت في التأمل فيها، وقررت أن أسافر إلى الصين لمشاهدة حقول البامبو هذه حينما تزهر. وحينما كنت أدرس عام 1987 في السعودية، قرأت مقالا في مجلة تايم عن أن نبات البامبو قد أزهر في ذلك العام، وكنت قد تجاوزت الخمسين. وشعرت بأنه لن يقدر لي أن أراه. فكتبت “قصيدة” نثرية عن هذا الموضوع قلت فيها: “وكنت أجلس في شرفتي/ أنظر إلى النجوم والرمال،/ أعد الأيام والدراهم/ وأتحسس شعرك الخيالي./ وكنت أجلس/ أتأمل في اللحظة العابرة،/ وفي السكون الساكن،/ في النار والنور،/ في لحظة النمو والفناء،/ أعد الأيام والدراهم./ وها أنت ذي يا زهرتي،/ تورقين وتنثرين ألوانك،/ وتذوبين  في الفضاء الأبيض الرهيب،/ وأنا/ يا زهرتي بعدك/ أحُث الخُطى”. كانت لحظة شعرت فيها بالموت يحيط بي، إذ كانت الزهرة تذكرة لي بالزمن والموت، ولكنه كان شعورا جماليا، فقد كانت هناك مسافة بيني وبينه. كنت أفكر في الموت نظريا كثيرا، وأؤكد علاقته بالحياة والنمو والتاريخ والزمن. ففي رسالتي للدكتوراه، أفردت فصلا كاملا عن الموت وموقف الشاعرين وردزورث وويتمان منه، وكيف أن الأول يدرك أن نمو الإنسان وتطوره ثم موته هو جوهر إنسانيته، وأن النضج الإنساني يعني قبول هذه الحدود. أما ويتمان شاعر العلم وأمريكا والجسد، فهو كان لا يرى هذه الحدود، وكان يؤمن بدلا من ذلك بشكل من أشكال تناسخ الأرواح (لا يختلف كثيرا عن إيمان نيتشه بالعود الأبدي) الذي يلغي الموت والحدود. وقد ربطت بين كل هذا وموقف الشاعرين من المعايير الجمالية. كما كنت أتأمل موقف الأمريكيين من الموت، ورفضهم الشديد له وخوفهم العميق منه، وكنت أجد في هذا علامة على عدم النضج، بل ورفض عميق للحياة الإنسانية. كانت هذه هي علاقتي بالموت وبالمرض، إذ تحولا إلى موضوع فلسفي مجرد، أضعهما داخل إطار، وأخلق مسافة بيني وبينهما، وأتأمل فيهما وأغرق في التأمل، دون إحساس شخصي وجودي مباشر. ثم حدث في حياتي ما زلزلني. بدأت كتابة الموسوعة وأنا في الخامسة والثلاثين من عمري، وكنت أعمل فيها ليل نهار. أبدأ أحيانا في السادسة صباحا ولا أنتهي إلا في الثانية عشرة مساء واستمر لمدة أسبوعين دون توقف. وعلى الرغم من تقدمي في السن، فإن حصتى من النشاط والصحة كانت آخذة في الازدياد بحيث كنت أكثر نشاطا في الثامنة والخمسين مني في الخامسة والثلاثين. كما أن الله عافاني من أي مرض طوال هذه المدة (باستثناء نوبات المرض الخفيفة المعتادة التي تدوم عدة أيام ولا تعطل عن العمل، وعملية جراحية صغيرة دامت عدة أيام). ولذا حينما كان أحد يحدثني عن التقدم في السن كنت لا أفهم ماذا يقول. ولكن يوم أن انتهيت من الموسوعة، عرفت نبأ حزينا للغاية (موت زوج ابنتي). وقد لاحظت في ذلك اليوم أنني بدأت أفقد النطق أحيانا. وكنت أظن أنه عيب فى فكي. وظللت متماسكا مدة شهرين تقريبا، ثم بدأت أشعر بدوار كلما فكرت أو مارست أي أحاسيس، وقد سقطت مرتين أو ثلاثا على الأرض. ويبدو أن مرضي كان في معظمه نفسيا، نتيجة للإرهاق الذي أصابني من جراء العمل المتواصل في الموسوعة ومن جراء الخبر الذي وصل إلي وأنا منهك القوى تماما بعد الانتهاء منها. فكان جهازي العصبي يتصرف بإرادته مستقلا عني، إذ قرر أن يستجيب لأي شيء ولكل شيء حسبما يعن له، دون تدخل واع مني. وقد حضر لزيارتي صديقي الدكتور عبد الحليم إبراهيم عبد الحليم، المهندس المعماري، فأخبرته بأنني لا يمكنني أن أتحدث واقفا، فضحك وقال: إذن فلتتحدث وأنت جالس، ونصحني بالرضا بحسبانه مدخلا للشفاء. وبالفعل، قبلت حالتي وبدأت رحلة الشفاء والعودة منذ تلك اللحظة، فأخلدت إلى الراحة التامة لأول مرة في حياتي تقريبا، وقضيت إجازة شهرين أمام البحر، امتنعت خلالها قدر طاقتي عن التفكير حتى استرددت جزءا كبيرا من عافيتي (كنت أعمل مدة أربع ساعات في الصباح وحسب). وأشير لهذه الفترة من حياتي بالزلزال أو الكابوس لأنها جاءت مفاجئة وكانت بالفعل كالكابوس، وذقت طعم المرض والموت لا كمقولات مجردة وإنما كتجربة عشتها بنفسي، واستوعبتها بشكل وجودي. ولم ينقذني من هذا الزلزال سوى الرضا وتقبل الحدود.  (المصدر: موقع إسلام أونلاين نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 3 جويلية 2008)

عبد الوهاب المسيري.. خمسون عاماً من العطاء الثقافي والوطني

 

 
القاهرة – عماد الأزرق  «الأيديولوجية الصهيونية أخفقت، ولم تعد مرجعية للإسرائيليين، لأن أهم بنودها كان يقوم على أن فلسطين أرض بلا شعب، فيما ثبت العكس..فهناك شعب ومقاومة أخذت تحسن نفسها كما وكيفا على مدى السنين»، تلك أشهر مقولات المفكر العربي الكبير عبد الوهاب المسيري أحد أبرز المفكرين في مجابهة الحركة الصهيونية وفتح تاريخها، الذي وافته المنية فجر الخميس عن عمر يناهز 70 عاما، تاركا وارءه 50 عاماً من النضال السياسي والعطاء الثقافي والإنساني. عاش المسيري مبحراً في علوم المعرفة، باحثاً عن الحقيقة المطلقة، دائب الغور في النفس البشرية، لا يؤمن بالقيمة إلا إذا سبر غورها، وأيقنها وعندما يصل إلى حقيقتها كفر بها وواصل البحث عن حقيقة أخري. وهو رجل التحولات الفكرية والمهنية بلا منازع، فعلي المستوي الفكري انضم المسيري في صباه المبكر إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه لم يلبث أن خلع عباءتها ليتجه إلى الماركسية ليمضي رحلة ليست بالقليلة من الشك والريبة، ثم يخرج منها مرة ثانية معجباً بالنموذج الغربي والفكر المادي، ولكنه بعد رحلة بحث وتنقيب وسبر لأغوار الحقيقة يكتشف زيف هذه النماذج المادية ليقرر العودة من جديد إلى رحابة واحة الإسلام، ليعيش في كنفه وينهل من نبعه، ويحاول مفكرنا أن يطوع ما اختزلته ذاكرته وفكره وثقافته من التيارات الفكرية والثقافية المختلفة لخدمة الإسلام، ويؤكد للعالم أنه إذا كان الماديون ينظرون إلى الإنسان باعتباره مركز الكون ينبغي أن تدور الكائنات كلها في فلكه، فإنه يمكن الوصول إلى الله والإيمان به من خلال النظر في الإنسان. لم يكن التحول الفكري هو التحول الوحيد في حياة مفكرنا الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري، وإنما هناك أيضا التحول المهني، فرغم أن المسيري ارتبط في أذهان العامة والخاصة بمؤلفاته الكثيرة حول اليهودية والصهيونية وارتبط اسمه أكثر بالموسوعة العربية الوحيدة في هذا الاتجاه والمعروفة باسم «اليهود واليهودية والصهيونية «، إلا أنه مع ذلك فهو متخصص في الأدب الإنجليزي وحاصل علي شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من الولايات المتحدة الأمريكية. يعكس منزله بضاحية «مصر الجديدة» بالقاهرة شخصية هذا المفكر المشاكس، فهو ليس منزله، وانما متحفه أو محرابه وقدس أقداسه في هذا العالم الدنيوي، المكان يجذب الأنظار، ويلفت الانتباه من الوهلة الأولي، فهو بحق قطعة فنية قلما رأيتها تتجمع في مكان واحد، وخروجاً علي المألوف نادراً أن تراه بمثل هذا الثراء والتنوع والتناغم. ورغم كل هذا الثراء الفني فإنك تكاد لا تجد مكان تجلس أو تسير فيه من آلاف الكتب والموسوعات والمؤلفات والدوريات التي تعج بها الأدوار الثلاثة بمختلف لغات العالم. المثير أنه مع انغماس المسيري حتى منبت الرأس في العمل الفكري والثقافي وكتابة الكتب والمقالات فإنه لم ينس دوره الوطني من خلال توليه منصب المنسق العام للحركة المصرية للتغيير «كفاية»، فهو حريص علي التأكيد بنفسه علي أهمية دورها والاتصال بنفسه بالشخصيات العامة والخاصة المحلية والأجنبية ودعوتهم لدعم الحركة والمشاركة في تفعيل دورها. وخلال عام ونصف قضاها المسيري في قيادة «كفاية»، تعرض للعديد من المضايقات الأمنية التي وصلت إلى حد اختطافه من قبل الأمن المصري وإلقائه في الصحراء، فضلاً عن رفض الحكومة علاجه على نفقة الدولة؛ بسبب معارضته لنظام الرئيس حسني مبارك. ورغم أن المسيري كان قد قارب علي السبعين، وأنهكه المرض، ومعاناته من سرطان الدم، وعدم قدرته حتى علي الجلوس قبل وفاته، فقد كان يمتلك إصراراً وعزيمة لا تلين، قلما وجدت في عصرنا الحالي، وكان رحمه الله لديه طموح وتفاؤل يفتقدهما الكثيرون من شباب هذه الأيام، وامتلك حباً متدفقاً وقلباً مؤمناً وروحاً مرحة، ووجها لا تفارقه الابتسامة، فقد كان بحق كما يقول المصريون «ابن نكته» أو «صاحب قفشه»، لا تقول كلمة إلا ورد عليك رداً يجعلك تكاد تسقط علي الأرض من كثرة الضحك، ويبدو أن هذا كان سلاحه الذي يتغلب به علي أوجاعه ومرضه والحصار الأمني والسياسي المفروض عليه، وربما كان هذا هو سر عظمته وحيويته وشبابه الدائم الذي كان يحسده عليه الشباب ويبغضه عليه الأصحاء. الغريب في الأمر حقا أن المسيري ليس متخصصا في الأدب الإنجليزي فحسب، وليس ضالعا في الفكر اليهودي الصهيوني فقط، وإنما له العديد من الدواوين الشعرية والمؤلفات الفلسفية، ومع ذلك فله الكثير والكثير من المؤلفات في مجال أدب الطفل، بل وحصل رغم معارضته للنظام علي جائزة السيدة الأولى سوزان مبارك (قرينة الرئيس المصري) في أدب الطفل عامين. تُرجمت بعض أعمال الدكتور المسيري إلى الإنجليزية والفارسية والتركية والبرتغالية. وسيصدر هذا العام، الترجمة الفرنسية والإنجليزية لسيرته غير الذاتية وغير الموضوعية، رحلتي الفكرية. كما سيصدر كتاب باللغة العربية والإنجليزية والعبرية بعنوان دراسات في الصهيونية. وقد نال الدكتور المسيرى عدة جوائز من بينها جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام (2000) عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ثم عام (2001) عن كتاب رحلتي الفكرية، وجائزة العويس عام (2002) عن مجمل إنتاجه الفكري. كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام (2004). وقد نال عدة جوائز محلية وعالمية عن قصصه وعن ديوان الشعر للأطفال. وقد تزايد الاهتمام بأعمال الدكتور المسيري فصدرت عدة دراسات عن أعماله، من أهمها: في عالم عبد الوهاب المسيري: كتاب حواري من جزأين (2004)، وكتاب تكريمي بعنوان الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري في عيون أصدقائه ونقاده، ضمن سلسلة «علماء مكرمون» لدار الفكر بسوريا يضم أعمال مؤتمر «المسيري: الرؤية والمنهج» الذي عُقد في المجلس الأعلى للثقافة في فبراير 2007. كما ظهر عدد خاص من مجلة أوراق فلسفية (2008) يضم دراسات العديد من العلماء والباحثين العرب في الجوانب المتعددة للدكتور عبد الوهاب المسيري. (المصدر: صحيفة ‘العرب’ (يومية – قطر) الصادرة يوم 4 جويلية 2008)  

مفكرون يشيدون بإنجازات الراحل المسيري

                 

 
أشاد عدد من المفكرين والكتاب العرب بإنجازات المفكر المصري عبد الوهاب المسيري الذي ووري الثرى اليوم مخلفا وراءه منجزا فكريا ضخما، من معالمه موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية. وفيما يلي مقتطفات من شهادات استقتها الجزيرة نت حول رحيل المسيري. فهمي هويدي كان المسيري شخصية كبيرة ذات مكانة كبيرة في الإدراك العربي من خلال مساهماته الثقافية والنقدية المتنوعة، والتي امتدت إلى القصة القصيرة. عرف الراحل بدفاعه عن الهوية العربية في وجه المد الغربي. من الصعب أن نرى شخصا واحدا بإمكانه أن يملأ الفراغ الذي تركه المسيري. لم يكن الراحل موسوعيا فقط بل كان مهموما بقضايا أمته وشارك بجهده في النضال الوطني ليكون بذلك نموذجا للمثقف الذي يخرج من برجه العاجي ليشارك في المظاهرات وليقود حركة التمرد في الشارع. المقرئ أبو زيد وقع خبر وفاة المفكر العربي الكبير علي كالصاعقة وأظن أنه نفس الوقع على كل من يقدر علم هذا الرجل الذي تميز بثلاث ميزات لا تكاد تجتمع لأحد وقلما تتوفر للكثيرين واحدة منها. أما الأولى فإنه مفكر منهجي بامتياز حيث طور النماذج التفسيرية والتحليلية سواء في أبحاثه في الصهيونية أو أبحاثه في العلمانية أو دراسته في النقد الأدبي. وأما الخاصية الثانية فهي الترابط المنهجي بين مجالات بحثه المتباعدة نظريا فمدخله إلى الصهيونية كان دارسته الأدبية ومن الصهيونية وصل إلى العلمانية ثم إلى ظاهرة التحيز. أما الخاصية الثالثة فقد كان مفكرا أكاديميا مناضلا يناضل بأكاديميته, فهو من حطم بامتياز هذا الشرخ بين الأبراج العاجية للبحث وبين النضال السياسي على أرض الواقع، مصححا بذلك خللا فظيعا في وضعنا العربي الراهن وهو أن النضال السياسي يبدو خصما للبحث العلمي الأكاديمي. وقد وصلت نضاله مداه من مواجهة الصهيونية مرورا بمواجهة العولمة وانتهاء بالانخراط في الحركة المصرية للإصلاح والتغيير (كفاية)، مخلفا وراءه تراثا فكريا وأكاديميا ونضاليا سيبقى مرجعية ومنارة لأجيال عربية وإسلامية. راشد الغنوشي كان نبأ حزينا نبأ وفاة صديقنا العزيز الدكتور عبد الوهاب المسيري رغم أن أخبار مرضه كانت معلومة عند أصدقائه لكن مصيبة الموت تمثل صدمة ولا شك. مثل الراحل عنوانا لمدرسة التجديد أو ما سماه بالمدرسة التجديدية الحديثة في الفكر الإسلامي إذ إنه أعاد الاعتبار للفكر الفلسفي وسط فكر إسلامي فشا فيه التسطيح إلى حد التكفير تحت عنوان زائف من السلفية. كان للمسيري مشروع متعدد الأبعاد وحاول أن يخرج الفكر الإسلامي من المستوى النظري إلى المستوى الميداني، ومن التحزب الضيق إلى اللقاء بين المدارس الفكرية المختلفة. انفتح على الفكر العالمي ناقدا للحداثة وما بعد الحداثة وناقدا وأديبا طور الدراسات الأدبية العربية وحاول الانتقال بالفكر الإسلامي إلى ميدان النضال مع التيارات الأخرى، فلم يكن عجبا أن انتهت إليه رئاسة حركة كفاية. عماد فوزي شعيبي هذا الرجل كان علامة بامتياز وقضى عمره وهو يبحث في موضع شائك وأتم موسوعته التي ستبقى منارة للأجيال المقبلة لتجاوزها أوهاما يحاول الإسرائيليون زرعها في العالم وفي منطقتنا العربية، وفقدانه له الأثر الكبير في وجدان كل الذين عملوا على مناهضة الصهيونية. بلال الحسن عبد الوهاب المسيري مفكر كبير متنوع المواهب بدأ حياته الفكرية ماركسيا في المرحلة الناصرية والأكاديمية متخصصا في الأدب الرومانسي في الجامعة الأميركية. عاد المسيري من تجربته الأميركية بتحول فكري كبير حيث ابتعد عن الماركسية لينخرط في المدرسة الوسطية بمصر. في عام 1972 كتب المسيري كتابا بعنوان ‘نهاية التاريخ’ والطريف أنه جاء قبل 28 عاما من تأليف المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما لكتاب يحمل نفس العنوان. لكن الفرق بين النظرتين أن رؤية فوكوياما تعتبر أن نهاية التاريخ تعني انتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي، بينما يرى المسيري أن نهاية التاريخ فاشية اخترعتها الدول الغربية للسيطرة على العالم. كرس المسيري نحو ربع قرن لتأليف موسوعته عن اليهود واليهودية إلى جانب زهاء عشرين كتابا حول نفس الموضوع ليصبح بذلك من الخبراء والعلماء العرب حول اليهود واليهودية. إلى جانب إسهاماته الفكرية لم ينس المسيري دوره السياسي في مجتمعه حيث اختاره الشباب أمينا عاما لحركة كفاية ليكون بذلك تجسيدا للمثقف الذي لا يريد البقاء منعزلا عن مجتمعه. (المصدر: موقع ‘الجزيرة.نت’ (الدوحة – قطر) بتاريخ 3 جويلية 2008)


 

http://www.elmessiri.com/index.php

موقع الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله وأجزل له الثواب


 أوساط مصرية تنعى المسيري وتنتقد الغياب الرسمي في تشييعه

                   

محمود جمعة-القاهرة أعربت أوساط سياسية وثقافية عن صدمتها لرحيل المفكر عبد الوهاب المسيري ورأت أن رحيله يمثل خسارة فادحة وفقدانا لقيمة ثقافية قل أن يجود الزمان بمثلها. وقال المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف إن مصر والأمة العربية الإسلامية فقدت عالما جليلا ومفكرا متميزا ‘صاحب أفضل موسوعة عن الصهيونية، وأكبر مؤلف عن الفساد في مصر’، وأضاف ‘جمع الرجل بين مقاومة عدو الخارج (الصهيونية) وعدو الداخل (الفساد)’. وذكر عاكف للجزيرة نت أن الراحل المسيري طالما كان يردد أنه يحارب في ثلاث جبهات أمراض الشيخوخة والسرطان والفساد، وأن الفساد كان أصعب هذه الجبهات بالنسبة إليه، وقال ‘كان يحمل مرضا خبيثا (السرطان) ويحارب مرضا أخبث هو الظلم والاستبداد في مصر’. وتعليقا على غياب الحضور الرسمي في تشييع المسيري، قال مرشد الإخوان ‘أمثال هذا الرجل من العظماء والشامخين لا علاقة لهم بنظام منبطح وفاسد’. وتابع ‘ليس مستغربا على نظام حرم عالما جليلا كالمسيري من العلاج على نفقة الدولة وليس نفقة النظام أن يتغيب عن يوم مشهود كهذا .. هم لا يستطيعون أن يسيروا وراء نعشه لأن طريقه غير طريقهم’. كما أعرب القيادي في الحزب الوطني الحاكم الدكتور جهاد عودة عن حزنه الشديد لرحيل المسيري، وقال للجزيرة نت إنه ‘كان عالما ومفكرا وناقدا .. وكان لديه إحساس حقيقي بقضايا وطنه وهموم شعبه، ولم يكن يخشى إلا الله في مواقفه، وكان مثالا حيا للناقد الكبير، ورحيله سيؤدي لفراغ كبير في الدراسات النقدية والأدبية’. لكن عودة، وهو عضو لجنة السياسات التي يرأسها جمال نجل الرئيس المصري حسني مبارك، أبدى تحفظا ضمنيا على ما أسماه ‘السلوك السياسي’ للمسيري، في إشارة إلى قيادته حركة ‘كفاية’ المعارضة ومطالبته برحيل نظام الرئيس مبارك. وقال ‘نقيم المسيري من خلال دراساته وإبداعاته النقدية وترجماته وأفكاره وفلسفته بشأن سبل التقدم في مصر’. وطالب وزارة الثقافة المصرية بإطلاق مبادرة للحفاظ على الميراث الثقافي للمسيري وبقية المبدعين الراحلين في المجالات المختلفة. ونعى حزب الوفد أكبر الأحزاب الليبرالية المصرية على لسان السكرتير العام للحزب منير فخري عبدالنور المسيري، وقال عبدالنور للجزيرة نت ‘خسرنا اليوم قيمة علمية ووطنية، كان حماسه حماس شاب في العشرين وهو يدافع عن مصر’. وطالب بنشر وتدريس كل ما يخص حياة المفكر الراحل للحفاظ على الميراث الثقافي والإنساني والوطني الذي تركه، وقال ‘كان دؤوبا في حثه، عميقا في إيمانه، متحمسا في مواقفه، وهو من الرموز الجميلة والشامخة لهذا الجيل’. وقال القيادي الوفدي إن عدم مشاركة مسؤولين حكوميين في تشييع المسيري ‘أمر متوقع ومعتاد من النظام المصري مع معارضيه، ومن لا يعرف كيف يختلف مع الأحياء لا نتوقع منه أن يسامح الأموات’. (المصدر: موقع ‘الجزيرة.نت’ (الدوحة – قطر) بتاريخ 3 جويلية 2008)


 

 مؤرخ «الثورة العربية» الأبرز: سليمان موسى إلى ذمة الله

 

 
بشير موسى نافع (*) برحيل سليمان موسى عن 89 عاماً، يفتقد حقل التاريخ العربي الحديث واحداً من أبرز دارسيه، المؤرخ الأردني الذي كرس جهده لتوثيق الحقبة الأولى من الحركة القومية العربية. والمدهش في حياة وإنجازات موسى أنه لم يتلق تدريباً أكاديمياً في دراسة التاريخ، لكن ذلك لم يمنعه من كتابة بعض من أهم وأبرز النصوص المتعلقة بفترة من أكثر فترات التاريخ العربي إشكالية. بدأت أعمال موسى في الظهور منذ نشر «الحسين بن على والثورة العربية الكبرى: سيرة حياة» في 1957. وفي 1962 كتب «لورنس والعرب – وجهة نظر عربية: مناقشة تاريخية». ولكن كتاب موسى الأكثر أثراً بلا شك كان «الحركة العربية: المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 1908-1924»، الذي نشرته دار النهار في 1970. وإن كان لي أن أكتب بشيء من التعميم، فقد ساهم هذا العمل إلى جانب كتاب جورج أنطونيوس «يقظة العرب»، وكتاب ساطع الحصري «البلاد العربية والدولة العثمانية»، في تشكيل وعي جيل بأكمله من الباحثين والمؤرخين العرب بالدولة العثمانية المتأخرة، وبالأحداث العاصفة التي أدت إلى صعود الفكرة القومية العربية. قرأت كتاب موسى للمرة الأولى في منتصف السبعينيات، وعدت إليه بعد ذلك بسنوات عندما بدأت دراستي للدكتوراه. ورغم أنني اطلعت بين القراءتين على الأعمال الهامة التي نشرها إرنست دون ورشيد خالدي وآخرون، والتي ساهمت في إعادة النظر ببعض الموضوعات المستقرة (وعززت أخرى) حول أصول الحركة العربية، فقد كان على أن أبذل جهداً كبيراً للتحرر من أثر كتاب موسى. وقد أدركت، كما أدرك كثيرون مثلي، أن موسى كان مؤرخاً هاشمياً بامتياز، وأن ولاءه للهاشميين لا يمكن فصله عن مقاربته لتاريخ العرب في مطلع القرن العشرين. اليوم، أصبح من الضروري ربما فتح ملف تلك الفترة، لا سيما أن الكيانات العربية التي ولدت من الانهيار العثماني تتعرض للتهديد، إضافة إلى أن علاقات العرب بجوارهم تعاني من الضغوط وعبء التاريخ القريب. رسم موسى وجيل المؤرخين العرب الأوائل صورة تسويغية للثورة العربية ودور الهاشميين، وقدموا تفسيراً لعلاقة العرب بالدولة العثمانية يستند إلى موضوعة «القطيعة» التي لا مفر منها، وكأن الرابطة العثمانية والهوية العربية كانا خيارين متناقضين، يتطلب صعود أحدهما إلغاء الآخر كلية. كما أنطونيوس والحصري، تبنى موسى أطروحة الاستبداد العثماني وأكد على سياسات التتريك التي اتبعتها حكومات الاتحاد والترقي المتتالية منذ انقلاب 1908. من وجهة نظر موسى، كانت المراسلات التي بدأت بين الشريف حسين والبريطانيين انعكاساً للشعور العربي المتسع بالظلم، كما أن الثورة العربية انطلقت بسبب التهديد الذي بات يمثله قادة الاتحاد والترقي لوجود العرب. وليس ثمة شك أن الصورة التي يرسمها موسى للثورة العربية، كما أنطونيوس من قبله، هي صورة ثورة شاملة من أجل الحرية والاستقلال واسترداد الدور التاريخي. أما مسؤولية الإخفاق في تحقيق الاستقلال والوحدة فتلقى كلية على عاتق الحلفاء. بهذا المعنى، كان العرب ضحية في المرتين، ضحية سياسات السيطرة والتتريك العثمانية المتأخرة، وضحية خيانة القوى الإمبريالية الحليفة. ليس هذا بالتأكيد موقع التعامل التفصيلي مع كل هذه الموضوعات، ولكنها مناسبة سريعة لإثارة بعض النقاش. ما لم يلتفت إليه موسى وعدد من المؤرخين العرب الأوائل أن دولتي عبدالحميد والاتحاد والترقي كانتا نتاجاً شرعياً لدولة التحديث، دولة الحكم المركزي السيادي التي يفترض بها التحكم في مجالات الفضاء العام وتتطلب الولاء الكامل من شعبها. سلطات هذه الدولة المتزايدة فاجأت العثمانيين جميعاً، بما في ذلك الأتراك، كما أن المعارضة الأولى لهذه الدولة لم تنبع من الولايات العربية، بل من العاصمة اسطنبول ومن داخل صفوف رجالات الحكم العثماني. بمعنى أن العرب لم يكونوا هم الطرف المقصود بالسياسات التي ولدت من مشروع الدولة المركزية وفكرة الأمة العثمانية الواحدة، بما في ذلك سياسات التتريك التي أعتقد بعض دوائر الحكم في اسطنبول أنها ستساعد على تعزيز الوحدة الداخلية وبناء الأمة والدولة الحديثتين. من جهة أخرى، من الصعب الآن قبول الصورة المكرسة للثورة العربية (الكبرى). فقد اتبع جمال باشا سياسة قمعية في بلاد الشام بعد فشل حملته على السويس، أدت إلى إعدام عدد من أبرز رجالات العرب، وسجن عدد آخر، بينما نفي المئات إلى مناطق نائية. وليس ثمة شك في أن سياسة جمال القمعية تسببت في تصعيد العداء لحكم الاتحاد والترقي، وربما ساهمت مساهمة مباشرة في إطلاق التمرد الذي أعلنه الشريف حسين بالحجاز في صيف 1916. ولكن اتصالات الأشراف بالبريطانيين في القاهرة سبقت إجراءات جمال القمعية، بل وسبقت اندلاع الحرب، ولابد أن تفهم في ضوء طموحات الشريف حسين ومخاوفه الخاصة. المسألة الثانية محل الجدل هي مراسلات الشريف حسين مع المعتمد البريطاني بالقاهرة هنري مكماهون. وبالنظر إلى الغموض المتعمد في رسائل مكماهون، وإلى أن بريطانيا كانت تتفاوض مع الشريف ومع فرنسا وروسيا، ثم مع قادة الحركة الصهيونية، حول الأرض نفسها، فإن بريطانيا تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية تجاه تقويض حلم العرب في الوحدة والاستقلال، وتجاه خارطة عدم الاستقرار المديد الذي أسس في المشرق العربي منذ الانهيار العثماني. ولكن أحداً لا يمكنه إعفاء الأشراف من مسؤولية الانشقاق عن الدولة والتحالف مع البريطانيين، بناءً على وعود غير قاطعة الوضوح في تلبيتها للمطامح العربية. أما حدث الثورة نفسه فلابد أن يخضع لمراجعة دقيقة وموضوعية. فإن كان المقصود به ثورة عربية شاملة، فإن مثل هذه الثورة لم تقع. وقد ظلت مدن القدس ودمشق وبيروت وحلب وبغداد والموصل موالية للعثمانيين حتى النهاية. وفيما عدا نوري السعيد الذي كان قد هجر موقعه العسكري قبل الحرب، ليس ثمة ضابط عربي واحد انضم للثورة بمحض إرادته. العدد القليل من الضباط الذين انخرطوا فيما بعد في صفوف الثورة جاء من معسكرات الأسر البريطانية. وحتى اللحظة الأخيرة من الحرب، وعلى كافة الجبهات العثمانية، كانت الأكثرية العظمى من الضباط والجنود العرب العثمانيين لا تزال تقاتل في مواقعها، تماماً كما الضباط والجنود الأتراك. هل يعني هذا عدم وجود حركة عربية قومية في مطلع القرن العشرين، كما يحلو لبعض الباحثين الاستنتاج؟ الإجابة بالتأكيد هي النفي. فقد ولدت الفكرة العربية نهاية القرن التاسع عشر، وتحولت على نحو واضح إلى حركة سياسية خلال السنوات القليلة التالية لانقلاب الاتحاد والترقي. ولكن أولئك الذين اعتنقوا الفكرة العربية لم يكونوا يرون أن تجلي الهوية العربية يستدعي بالضرورة التخلي عن الرابطة العثمانية. ظروف الحرب الأولى، ووطأة الهزيمة الثقيلة، هي التي أدت في النهاية إلى انهيار الدولة وتقسيم ممتلكاتها السابقة. بدون الحرب والهزيمة، كان ربما من الممكن أن يصل قادة الحكم في اسطنبول والعروبيون الأوائل إلى صيغة ما تكفل تلبية المطامح العربية القومية الوليدة وتحافظ على الكيان العثماني في الوقت نفسه. ولكن هذه فرضية متأخرة جداً بالطبع. (*) باحث عربي في التاريخ الحديث (المصدر: صحيفة ‘العرب’ (يومية – قطر) الصادرة يوم 4 جويلية 2008)


الشرطة تعترف بالتنصت و«زرع» جواسيس … تركيا: مجموعة القوميين الانقلابية خططت لعصيان واغتيال علمانيين

 

 
 
أنقرة – الحياة :كشفت الشرطة التركية أمس، ان مجموعة القوميين المتشددين الذين أُوقفوا الثلثاء وبينهم الجنرالان المتقاعدان شنار آر اويغون وخورشيد طولون ورئيس غرفة تجارة أنقرة سنان أي غون والكاتب الصحافي المعارض مصطفى بل باي، وشخصيات أخرى عامة، خططت لإطلاق عصيان مدني في أنحاء البلد، تمهيداً لتنفيذ انقلاب عسكري على حكومة حزب «العدالة والتنمية». وأوضحت الشرطة ان مخطط الانقلاب ورد في وثائق عُثر عليها في أحد مكاتب جمعية «حماية الفكر الاتاتوركي» التي يرأسها الجنرال المتقاعد اويغون، مشيرة الى ان موعد تنفيذ المخطط حدِّد السادس من الشهر الجاري، عبر تنظيم 40 تظاهرة غير مرخص لها، تتهم الحكومة بتهديد النظام العلماني وتحتج على تردي الأوضاع الاقتصادية. وكشفت أن الهدف الرئيس للتظاهرات التي اتفق على أن تترافق مع حملة يقودها رئيس غرفة تجارة انقرة بالتنسيق مع وسائل إعلام، يتمثل في إثارة شغب والاشتباك مع الشرطة لافتعال أجواء توحي بانعدام سيطرة الحكومة على الشارع. وحدد المخطط نهاية السنة موعداً أقصى لبدء المرحلة الثانية التي ستتضمن اغتيال ثلاثين شخصية علمانية بارزة، «ما يزيد الشعور بعدم الاستقرار ويوحي بوجود تهديد بتطرف ديني تغذيه الحكومة، ويدفع نحو تدخل الجيش لضمان الاستقرار». وأشارت الشرطة الى انها كانت تتنصت طيلة اشهر على الاتصالات الهاتفية والإلكترونية الخاصة بالمعتقلين، مؤكدة أن مخبرين تابعين لها تسللوا داخل صفوف جمعية «حماية الفكر الاتاتوركي» سيدلون بإفاداتهم في شأن تفاصيل المخطط والمتورطين. وتطارد قوات الأمن الضابط المتقاعد، النائب السابق الذي طرده حزب «العدالة والتنمية» طوران شوماز الذي تعتقد السلطات بأنه زود القائمين على المخطط تفاصيل كثيرة عن المباني الحكومية، ومواقع ضعف الحزب الحاكم. ويتوقع بدء محاكمة المتهمين الـ21 قريباً بتهمة تشكيل «تنظيم إرهابي مسلح»، علماً أن وسائل إعلام أشارت إلى احتمال وجود قيادات أخرى للتنظيم لم تُكشف لدواعٍ خاصة. وسألت صحيفة «راديكال» اليسارية «متى سيُعتقل العقل المدبر لهذه العصابة ويُكشف»، في إشارة إلى احتمال وجود صفقة بين الجيش والحكومة للاكتفاء بهذا القدر من استهداف متهمين عسكريين، والتستر على أسماء ضباطٍ ذوي رتب أعلى. في غضون ذلك، بدأ مسؤولان في حزب «العدالة والتنمية»، دفاعهما أمام المحكمة الدستورية للرد على الدعوى التي أقامها المدعي العام لمحكمة التمييز عبد الرحمن يالجينكايا في آذار (مارس) الماضي ضد الحزب، بتهمة «تنفيذ نشاطات تتعارض مع العلمانية»، ما قد يؤدي إلى حظره. وتولى نائب رئيس الوزراء الناطق باسم الحكومة جميل تشيتشك، ونائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب بكير بوزداغ، عرض حجج الدفاع للقضاة الـ11 في المحكمة الدستورية والتي تضمنت رفض اتهام يالجينكايا الحزب بـ «إنشاء نظام يستند إلى الشريعة الإسلامية». وسيرفع مقرر المحكمة بعد الجلسة، توصياته تمهيداً لوضع جدول زمني للمداولات وإصدار الحكم. ويؤكد حزب «العدالة والتنمية» الحاكم احترامه للعلمانية، لكن الحديث في الكواليس السياسية في أنقرة يدور حول إنشاء حزب سياسي قريباً، يضم نواب الحزب الحاكم في حال حله. وكانت المحكمة الدستورية ألغت في حزيران (يونيو) إصلاحاً دستورياً قدمته الحكومة يسمح بارتداء الحجاب في الجامعات، معتبرة انه يتناقض مع مبدأ العلمانية، ما شكل مؤشراً تمهيدياً للدعوى القضائية المتعلقة بحل الحزب الحاكم. (المصدر: صحيفة ‘الحياة’ (يومية – لندن) الصادرة يوم 4 جويلية 2008)

 

 

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.