(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
21- رضا عيسى 22- الصادق العكاري 23- هشام بنور 24- منير غيث 25- بشير رمضان |
16- وحيد السرايري 17- بوراوي مخلوف 18- وصفي الزغلامي 19- عبدالباسط الصليعي 20- لطفي الداسي |
11- كمال الغضبان 12- منير الحناشي 13- بشير اللواتي 14- محمد نجيب اللواتي 15- الشاذلي النقاش |
6- منذر البجاوي 7- الياس بن رمضان 8- عبد النبي بن رابح 9- الهادي الغالي 10- حسين الغضبان |
1– الصادق شورو 2- ابراهيم الدريدي 3- رضا البوكادي 4-نورالدين العرباوي 5- الكريم بعلوش |
إدارة سجن باجة تتحدى قرارا قضائيا بالإفراج عن أيمن الدريدي .. و تواصل احتجازه تعسفيا..!
تسعة شبان أمام القضاء.. .. بتهمة ” الإرهاب ” ..!
واقع الحريات مداهمات و اعتقالات
هشام سكيك
قابس:الشباب الديمقراطي التقدمي يحيي ذكرى 5 فيفري المجيدة
مساندة واسعة لطلبة سوسة الموقوفين
حافلة المهرّجين ورحلة المجهول
كفانا لعنا للظلام وسبا للحكام 3/4
قضية التنصير والخروج عن ملة الإسلام لم تجد اهتمام وكلام في وسائل الإعلام المرئية لماذا رغم 3 مقالات متوالية؟
بعد تصريحات البابا وحملات الخلط بين الإسلام والإرهاب:
الطالبي يشـنّ حربا على أركون والشرفي و«العقلانيين»
فقرات من الكتاب خلطت بين السجال الفكري… والتكفير
تونس ـ الصباح: تعاقبت الكتب الجديدة التي تعنى بقضايا الفكر العربي المعاصر.. وخاصة بمرجعياته الاسلامية والتراثية.. مع دراسات مقارنة بين الاديان والثقافات والايديولوجيات التي أثرت ولا تزال في حياة الشعوب..
وقد زاد الاهتمام العالمي بهذا النوع من الكتابات بعد مفاجأة نجاح ثورة ايران بزعامة الخميني عام 1979.. وبعد بروز ظواهر ثقافية وسياسية وأمنية معقدة في عدة مجتمعات عربية واسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية.. ثم بعد هجمات 11 سبتمبر2001 على برجي نيويورك ومقر البنتاغون وما تلاها من حروب بوش وحلفائه في المنطقة العربية والاسلامية وفي العالم الغربي.. خاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان.. حيث تداخل الديني بالسياسي.. والوطني بالعقائدي.. والعنف بالارهاب والجريمة المنظمة.. وشعارات نشر الديمقراطية والحداثة بالمخططات الاستعمارية.. الخ
في هذا السياق صدر مؤخرا كتاب جديد من عن دار سيراس للنشر للمؤرخ محمد الطالبي يحمل عنوان “ليطمئن قلبي” (الجزء الأول قضية الايمان وتحديات الانسلاخ إسلامية ومسيحية قداسة البابا بنوان 16).. جاء في معظمة ردا على كتابات تلميذه سابقا المختص في الحضارة العربية الاسلامية وفي المقارنة بين الاديان الاستاذ عبد المجيد الشرفي.. وعلى المفكر الفرنسي الجزائري محمد أركون.. وعلى البابا بنوان 16 صاحب التصريحات الشهيرة التي أثارت ردود فعل متوترة في أوساط عربية إسلامية واسعة.. خاصة أنها تزامنت مع ما عرف بـ”قضية الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)” في صحف دانماركية وغربية..
الكتاب جاء في 290 صفحة من طبعات مؤسسة سيراس التي يديرها منذ عقود الاعلامي والمثقف الكبير محمد بن اسماعيل.. لكن من بين مفاجآتها غير السارة أنها مليئة بالاخطاء اللغوية.. بخلاف المنشورات السابقة لدار سيراس..
موقف الاستاذ من الطالب
الا أن من بين ما يفاجئك منذ الوهلة الاولى من حيث المضمون أن مؤلف الكتاب ـ الاستاذ محمد الطالبي ـ صاغ نصه بأسلوب لم يعرف به في كتاباته العلمية.. لما كان أستاذا للتاريخ في الجامعة التونسية ومسؤولا في وزارة الثقافة.. وبعد تقاعده..
لقد بدا الكتاب من أوله إلى آخره شيقا بسبب أسلوبه السجالي.. المستفز في احيان كثيرة.. لكنه بدا مزعجا أحيانا لأن صاحبه نزل إلى مستوى تكفير خصومه ـ وخاصة الشرفي وأركون و”طلبتهما” ـ وتوجيه اتهامات خطيرة جدا إليهم.. من بينها التشكيك في نزاهتهم العلمية وفي انتمائهم إلى المنظومة الثقافية الاسلامية بمفهومها الواسع.. بل بلغ به الامر حد تفسير بعض أفكار المفكرين والباحثين الكبيرين عبد المجيد الشرفي ومحمد أركون بولاءات مشبوهة إلى جهات “صليبية”.. واستعمارية أوروبية مسيحية وأمريكية… والرئيس الامريكي الحالي بوش الابن.. الخ ؟
ومن حيث اسلوب الصياغة بدا الكتاب الجديد للاستاذ الطالبي أقرب إلى ملاحظات الذي يريد أن “يؤنب” تلميذه السابق “(عبد المجيد الشرفي).. ويطعن في كبرياء مفكر” انسلخ من الاسلام “(وانتمى حسب الطالبي) الى من وصفه بتيار” الانسلاخ إسلاميين “(اي الانسلاخ من الاسلام).. الذي اتهمه بالهزيمة والاسقاط والتجني على العقيدة الاسلامية وعلى الوحي وسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.. الخ.
“عيال الله” و”أمة الوسط”
الكتاب الجديد بدا مناقضا تماما لتمشي كتابيه السابقين “عيال الله” و”أمة الوسط”.. حيث اعتمد أساسا منهجا عقلانيا براغماتيا.. يؤكد على علوية مبدإ الحرية.. وسلطة العقل وحقوق الانسان واحترام كرامة البشر وحق الاختلاف.. بما في ذلك تاويل النصوص الدينية الاسلامية..
أما في كتابه الجديد فأكد الكاتب على حق غير المسلمين و”المنسلخين من الاسلام” في التعبير عن وجهة نظرهم.. وطعن في الاحكام الفقهية التي تبرر معاقبة المرتدين (عن الدين) بالقتل وبرر حرب أبي بكر ضد مرتدي عصره بكونها حربا سياسية هدفها المحافظة على “الوحدة الجغرافية” للدولة الناشئة التي عين على رأسها..
وقد كان الطالبي في موقفه هذا عقلانيا الى حد كبير.. وقدم اجتهادا قد يرفضه الاصوليون الذين قد يفتون بقتله بدوره؟؟ لكنه سرعان ما تراجع واتهم الذين يقدمون قراءات عقلانية مغايرة لتاويلاته بكونهم من “الصنف المقنع” من “الانسلاخ اسلاميين” (أي المنسلخين من الاسلام؟؟).. و”بالغش والدسيسة”.. (هكذا ؟؟) واعتبر “هتك قناعهم” فرضا دينيا..؟؟ ثم أسهب في شتمهم واتهامهم وتحقيرهم.. والتشكيك في كفاءتهم العلمية وطعن في عقيدتهم وايمانهم.. باسلوب لم تعرف به كتابات الطالبي ذات الصبغة التاريخية والثقافية.. عن الاغالبة والعهد الاسلامي الاول.. رغم ما عرفت به بعض كتاباته السياسية الجديدة بدورها من توتر.. مقارنة بكتاباته ومواقفه الموالية للمؤسسات الرسمية لما كان مسؤولا في وزارة الثقافة واستاذا في شعبة التاريخ بكلية الاداب والعلوم الانسانية.
“الاسلام بين الرسالة والتاريخ”
وليس المقام هنا لاعلان موافقة كل ما جاء في الكتاب الجديد للطالبي أوكتب خصومه وخاصة كتابي “الاسلام بين الرسالة والتاريخ” للاستاذ عبد المجيد الشرفي. و”الفكر الاسلامي في الرد على النصارى الى نهاية القرن الرابع هجري العاشر ميلادي”… ومن حق الاستاذ الطالبي وغيره أن ينتقد كتب الشرفي علميا وبأسلوب أكاديمي وهادئ بالقوة التي يريد..
لكنه قد يكون فوت على نفسه وعلى خصوم الشرفي هذه الفرصة.. لما رد على كتاب تناول السيرة النبوية وملفات الوحي وأولويات العقل على النقل (أو العكس) بأسلوب الاتهامات العقائدية والفقهية ومنطق التكفير.. أي بمنهج يقصي الآخر.. عوض أن يتحاور معه.. خاصة عندما يتعلق بباحثين وكتاب في حجم عبد المجيد الشرفي (أو محمد أركون وهشام جعيط وعدد هائل من الباحثين العرب والمستشرقين..) تحركوا دائما من منطلق الدعوة للاجتهاد والعقلانية في قراءة التراث والمرجعيات الدينية وتطورات التاريخ السياسي والاجتماعي والفقهي في العالم العربي الاسلامي وفي بقية الدنيا.. مع الانتساب الى الفضاء العربي الاسلامي الكبير.. أو تأكيد عدم عدائهم له ولشعوبه بخلاف بقية منظري الاستعمار القديم والجديد..
التشكيك في مواقف فلسفية تبناها الشرفي وأركون
وقد خصص الكاتب 7 فصول كاملة من كتابه للرد على “الانسلاخ اسلامية” مع عنونة بعضها بجمل فيها اسم عبد المجيد الشرفي.. وذكر اسمه اسم مؤلفه (الاسلام بين الرسالة والتاريخ) مرارا.. مع تسمية محمد أركون والاستدلال ببعض مقولاته “الخطيرة” في اكثر من موقع.. والتشكيك في نزاهته وصدق ايمانه بدوره.. خاصة عندما تعرض الى محاضرة القاها في واشنطن.. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وبدء مسلسل جديد من الهجمات الاستعمارية الامريكية والحليفة على العالم العربي الاسلامي.. فاتهمه بالولاء للمخطط الاستعماري الامريكي الجديد..؟؟
وقد غاب عن الاستاذ الطالبي أنه بدوره اتهم مرارا بالولاء “للاجنبي” بسبب بعض محاضراته ومداخلاته في عواصم أوروبية.. وفي هيئات سياسية لها اجندا خاصة بها.. تلتقي أحيانا مع اجندا الادارة الامريكية بزعامة بوش الابن حليف المستعمر الاسرائيلي الأقوى منذ 2001..
سجال عقائدي..أم أكاديمي؟
وقد بدا الكتاب في فقرات عديدة شيقا.. لأن صاحبه اعتمد فيه منهجا سجاليا مع كل الافكار التي عبر عنها الشرفي وأركون و”تلاميذهما المغرر بهم “(مثل الجامعية التونسية نايلة السليني).. فيما يتعلق بـ”تاريخية التفسير القرآني والعلاقات الاجتماعية من خلال كتب التفسير”..
واعتبر الطالبي أن خصومه تاثروا بمستشرقين “جهلة” من أمثال المستشرق الفرنسي رادينسونRadinson مؤلف كتاب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم اختار له تسمية “مهومات” Mahomet .. وقد عاب الطالبي عليه وعلى أمثاله من المستشرقين ـ وهو محق في ذلك ـ لانهم يتعمدون تشويه اسم الرسول محمد.. مثلما شوهوا اسماء عدد بارز من كبار العلماء العرب والمسلمين مثل ابن سينا والخوارزمي وابن رشد.. الخ.
لكن من بين ما قد يعاب على كتاب الطالبي أنه خلط بين رادينسون وغيره من الباحثين المستشرقين.. بينما يعلم الجميع أن بعض هؤلاء المستشرقين قدموا بدورهم دراسات متناقضة.. كثير منها نقدي لمنتوج زملائهم الغربيين “المستشرقين”.. الذين لم يكونوا أبدا حزبا واحدا..
كما قد يعاب على الطالبي انه حاسب الشرفي وأركون ونائلة السليني وغيرهم ممن يخالفهم الراي بما نشره بعض المستشرقين مثل رادينسون.. فوقع في الاسقاط حيث عاب على خصومه ذلك.. الى حد وصف محمد أركون بـ”الفرنسي من أصل قبائلي؟؟ تلميذ الاباء البيض الذي حبس حياته كلها في هدم بنية القرآن (..) وخدمة الرئيس بوش” (هكذا؟؟) فيما تهجم على الكاتب الجزائري مالك شبال ووصفه بـ”زعيم اسلام الانوار” وعرفه الطالبي بكونه “اسلام يستدعي الاستغناء عن الله والارسال به الى جبل اولانب Olympe مقر آلهة اليونان”#0236؟؟
ولاشك أنه يحق للطالبي أن ينقد خصومه بعمق أكاديميا.. لكن السؤال هو: هل يحق له أن يتهجم عليهم عقائديا ردا على وجهات نظرـ قد نختلف معها ـ لكن أصحابها قدموها وفق منهج علمي أكاديمي بصرف النظر عن نواياهم ومعتقداتهم.. التي يفترض أن لا تكون جزءا من السجال.. حتى لا ينحط مستوى الحوار العلمي.. ويتحول الى مشاكسات “مؤمنين” و”كفار”..
الخلط بين السجال مع البابا الحالي والتفاعل مع العلماء المعتدلين
واذ خصص الكاتب الجزء الثالث والاخير من كتابه لنقد بعض تصريحات البابا الحالي.. وقدم قراءة مطولة لمقولاته ومواقف بعض الرموز المتشددين في الثقافة المسيحية ـ اليهودية.. فان من ثغرات الكتاب أنه خلط أحيانا بين كل شيء.. بين المواقف الدينية والكتب المقدسة والتاويلات المختلفة والمتناقضة للمسيحية واليهودية والاسلام.. وآلاف الكتب والمقالات المعتدلة عن الاسلام والعرب دينا وتراثا وواقعا الصادرة عن علماء وخبراء اوروبيين وغربيين.. لم يكونوا ابدا جزءا من “المؤامرات الخارجية” على العالم العربي الاسلامي قبل أحداث 11 سبتمبر وبعدها.. التي يبدو أنها أثرت كثيرا في نفسية الكاتب.. كما أحدثت هزات في صفوف كثير من المثقفين والساسة وعامة الناس في العالم.. وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص..
كما خلط الكاتب بين القراءات الفلسفية والتاويلات الفكرية والتاريخية من جهة والمواقف الايمانية والعقائدية.. التي تبنى الطالبي بعضها رافعا شعار “ليطمئن قلبي”.. وذلك من حقه.. لكن هل يعني ذلك أن يسقط قراءة دينية اسلامية واحدة لتفسير بقية الاديان ومرجعياتها.. بما فيها المسيحية واليهودية.. حيث برزت آلاف القراءات الدينية.. وصراعات عقائدية تاريخية تسبب بعضها في تفجير حروب وصراعات سياسية دينية دامت قرونا بين دول أوروبية عديدة في العهدين الوسيط والحديث.. ويتواصل بعضها الى اليوم..؟؟
وهل يمكن أن “يطمئن قلب” المسلم اليوم.. أمام الكم الهائل من التحديات الثقافية والسياسية التي تواجهه بمجرد تقديم قراءة “ايمانية اسلامية” لتاريخ انبياء اليهود والمسيحيين وقداسهم وواضعي كتبهم المقدسة..؟؟
كتاب يفتح باب السجال والحوار
تساؤلات بالجملة أثارها كتاب “ليطمئن قلبي”.. الذي ينبغي أن يقرأ بعمق.. قبل مناقشته والرد عليه بهدوء.. خاصة فيما يتعلق بمنهجه الذي بدا “ايمانيا” أكثر منه “معرفيا”.. و”عقائديا” أكثر منه عقلانيا..
الكتاب سيثير زوبعة.. وانتقادات ضد المؤرخ والكاتب الكبير محمد الطالبي.. ستصدر عن خصومه وأنصاره.. وعن طلبته السابقين الذين كان يشدهم بحياده العلمي.. ورفضه مسايرة “المسلمات” و”الافكار المسبقة”.. عندما كان بعض زملائه المؤرخين في الجامعة يتعصبون في وصف المنهج الماركسي في تفسير التاريخ بـ”المنهج العلمي الوحيد”.. وكان الطالبي وهشام جعيط من بين قلة من المؤرخين اللذين يعترضان على هذا “التبسيط”.. وعلى القراءات “العقائدية” ويدعون الى قراءة التاريخ دون تعسف على الوقائع.. كما تبينها الوثائق..أي المصادر والمراجع..
كمال بن يونس
(المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)
باعث قناة حنبعل السيد العربي نصرة لـ «الشعب»:
** لم ألقَ دعما إلا من رئيس الجمهورية والمشاهد التونسي فقط!!!
** التعددية الاعلامية هي محكّ الشفافية والنزاهة الاعلامية
لن نضيف جديدا للقارئ إذا قلنا ان القناة التونسية حنبعل أحدثت رجّة هائلة ـ وفق عبارة بول ريكور ـ في المشهد الاعلامي الوطني والاقليمي، ذلك ان القناة منذ انبعاثها سنة 2005 اخترقت الأفق الأحادي الذي كان جاثما على المشاهد التونسي من جهة، ومن جهة ثانية كسبت ثقة نفس المشاهد من خلال تغلغلها اليومي بصفة مباشرة في تلافيف المعيش التونسي وصميم الحراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
يمكن الإقرار، بعد ثلاث سنوات، بأن حنبعل صنعت لنفسها شخصية مستقلة بذاتها ذات خصوصية ومميزات اجتهدت أسرتها الاعلامية والادارية وعلى رأسها باعثها التونسي العربي نصرة، في تطويرها والحفاظ عليها، بل وجعلها مرجعا لغيرها من الفضائيات التي صارت تستنسخ من قناة حنبعل بعض طرائقها وأساليبها في التنشيط وادارة البرامج وحتى في الاختيارات والضيوف.
ورغم ما تعيشه قناة حنبعل من ضغوطات وعراقيل غير مبررة ـ مثلما صرّح صاحبها ـ فان القناة لا تزال قائمة الذات، تسير بنفس النسق والاصرار في نهج الاختلاف والاضافة الذي اختارته منذ بدايتها، بل هي وصلت الى مرحلة الرشد والنضج ولا أدل على ذلك من المولود الجديد الذي سيرى النور يوم 13 فيفري 2008 المتمثل في قناة جديدة ستكون بمثابة فاتحة لباقة كاملة من القنوات، كشف لنا السيد العربي نصرة تفاصيلها ضمن هذا الحوار الذي خصّ به جريدة الشعب:
** تطفئون يوم 13 فيفري 2008 الشمعة الثالثة لقناة حنبعل، فهل أنتم راضون عمّا حققتموه؟
ـ كان من المفترض ان نطفئ الشمعة الرابعة لان ترخيص القناة تأخر مدة سنة كاملة، ولكن اعتقد ان ذلك كان في صالحنا، (رب نافعة ضارة) فقد انطلقنا بشحنة كبيرة من الحماس والاتقاد لم تخب الى الآن وهو ما يجعلني اقول بكل ثقة في النفس إن نجاح القناة التونسية حنبعل فاق حتى توقعاتي الشخصية. ونجاحنا تحقق بفضل ايماني بالمشروع و «هوسي» لخدمة تونس وشعبها وكذلك بالألفة الاسرية وشفافية التعامل بين افراد الاسرة من تقنيين واعلاميين واداريين، وايضا من الدعم الذي لقيته شخصيا من رئيس الدولة ومن المشاهد التونسي في كل شبر من البلاد الذي برهن على وفائه الدائم لقناة حنبعل وصار يتغنّى باسمها في الملاعب ويستقبلها في الارياف والمداشر والقرى النائية بالحب والتبجيل.
في عيد ميلادنا هذا أقول أن الرأس المال الرمزي الذي كسبناه أنسانا كل ما صرفته من رأس مال مادي زائل بطبعه.
** ولكن نجاحكم هذا كان محفوفا بالمخاطر فيما أعتقد؟
ـ بالفعل، نجاحنا كان محفوفا بعدة مخاطر وعراقيل وصعوبات ويمكنني ان أصنّفها الى نوعين :
أولا، صعوبات ومخاطر فرضتها علينا طبيعة المرحلة التي أنشأنا فيها القناة، فالبلاد عاشت 40 سنة على صوت واحد وصورة واحدة انفردت بها قناة تونس 7، فكان من العسير علينا كسر هذا المشهد الاحادي واختراق الحدود، ومع ذلك جازفت وغامرت وزرعت فكرتي في الارض وللحقيقة أقول اني لم أفاجأ عندما اثرنا القلق لدى الخاملين وأربكنا سُباتهم الطويل رغم محاولات تثبيط عزائمنا، رغم اننا لم نقم بثورة، فقط جسّدنا مفهوم الاختلاف والمغايرة، حيث خلقنا مناخا مغايرا حرّكنا به المشهد الجامد.
وثانيا، صعوبات وعراقيل خارجية تمثلت بالاساس في قلة التعاون الخارجي وفي عدم المساندة من اغلب الاطراف مثل مكاتب الدراسات التي لم تعطنا فرصة لنكبر ونتماسك، وها نحن نكبر ويصلب عودنا يوما بعد يوم وهذا بشهادة الجميع، وأود ان اقول من هذا المنبر اننا برهنا على التزامنا مع طموحنا المشروع أولا وثانيا برهنا على التزامنا بالثقة والدعم اللذيْن منحنا اياهما سيادة رئيس الجمهورية.
وان كانت الصعوبات المالية التي تجاوزناها في البداية ومازلنا نحاول الى اليوم تجاوز المحدث منها فان الاخطر من المالي هو الذهنيات «الـمُعقدة» والعقول الجامدة والسلبية التي لا تؤمن بالاختلاف والتعددية وهي ذهنية منتشرة بشكل كبير ـ للأسف ـ لدى العديد من المسؤولين في بلادنا، ولا أدل على كلامي من الاحصاء المضحك الذي قامت به مؤخرا احدى مؤسسات الاحصاء غير الموضوعية وهي حكاية علم بها القاصي والداني.
** أعتقد ايضا سيد العربي نصرة ان هناك عدة مشاكل اخرى تواجهكم في علاقة مثلا بالتقنيين وبالارسال وانقطاع البث وغيرها؟
ـ بالفعل مازلنا نواجه العديد من المشاكل غير المبررة بالمرة وهي كما قلت لك نابعة كلها من عقلية الحسد وتثبيط العزائم، ولكن اقول للجميع انني اكبر من عراقيلكم وان اسرة حنبعل بلُحمتها وتآلفها لا تنـظر الا الى مستقبلها الذي هو جزء من مستقبل تونس الاعلامي، ومن دون تفصيل تلك العراقيل سأذكرها لك وللقراء مُجملة، وأهمها ان قناة تونس 7 لم تتعاون معنا عندما التجأت لها لتمكيننا ببعض التقنيين، وكذلك تهديدنا من قبل ديوان الارسال التلفزيوني بقطع البث اذا لم ندفع المبالغ الخيالية لتأمين البث ، وبالفعل قطع علينا الديوان البث اكثر من مرة لعل اخرها تلك التي دامت سبع ساعات متواصلة في حين لم ينقطع الإرسال عن تونس 7 إلا ساعة واحدة فقط فهل يُعقل هذا !!!
كما ان قناة حنبعل غير معفاة من الضرائب وهو ما يناقض قوانين البلاد وأغرب من ذلك مطالبتنا بأتاوة او جزية للدولة وهي بدعة لم نسمع عنها في آي بلد في العالم بقاراته الخمس!!!
** كيف عملتم لتجاوز هذه الصعوبات؟
ـ تجاوزنا لهذه العراقيل لم ينته وانما هو عمل مستمر ودؤوب وميزة هذه الصعوبات انها غذّت حماسنا اكثر لنضمن رأسمال رمزيا بالاساس تمثل في تكوين 250 اطارا تقنيا شابا متمكنا من آليات العمل المتطورة، العراقيل تجاوزناها بدفع مستحقات شركة عربسات لكامل سنة 2008 … تجاوزناها ايضا بصرف زهاء 20 مليارا من جيبي الخاص، ونتجاوزها يوميا بآلاف رسائل الشكر التي تصلنا من المشاهدين وببرقيات التشجيع والمؤازرة العفوية من البسطاء الذين لا تنخر عقولهم سوسة الحسد…
** ماذا عن مشروعكم الإعلامي الجديد؟
ـ نعم، بعد ايام قليلة وتحديدا يوم 13 فيفري 2008، يوم عيد ميلاد قناة حنبعل، سنطلق قناة جديدة اسميناها «حنبعل الشرق» وهي قناة مختصة في بث المسلسلات موجهة لجمهور الشرق والخليج، وسنبث اعمالا من عدة دول عربية وأجنبية تمت دبلجتها وقد كان اختيار الاسم مقصودا لأن اكتساح بعض القنوات فضاءنا المغاربي مثل الجزيرة المغاربية و «MBC» المغاربية دفعنا لاكتساح الفضاء المشرقي فنكون بذلك سباقين في هذا الميدان وهذا الاختيار. وستكون قناة «حنبعل الشرق» اللبنة الاولى من مشروع مستقبلي يتمثل في فتح مجموعة من القنوات المختصة في الثقافة والموسيقى والرياضة وهي كلها تستظل بمظلة القناة الأم حنبعل.
** هل سيتابع جمهور الشرق اعمالا تونسية على القناة الجديدة؟
ـ هذا سؤال يمكن ان تجيبك عنه الدوائر المسؤولة أما أنا فأرجو من كل قلبي ان أروّج اعمالنا الدرامية في منطقة الشرق بالشكل الأنسب. وبالفعل فقد طلبت من بعض المسؤولين تمكيني من عدة اعمال تونسية لاقت نجاحا هنا، وقد طلبت تلك الاعمال بمقابل مادي، تصور أنني سأدفع مالا من جيبي الخاص لترويج اعمالنا الدرامية ومع ذلك مازال المطلب معلقا الى اجل غير مسمى وأقول لكل مسؤول سيطالع هذا الحوار اني الى الآن انتظر اجابتكم فان كانت بالموافقة فاني سأبذل قصارى جهدي لبرمجة مسلسلاتنا في أوقات الذروة لدى المشاهدين وبشكل يومي ومدروس وان كانت الاجابة بالنفي فإني ايضا أقول بكل أسف إن الله لا يكلف نفسا الا وسعها.
ناجي الخشناوي
(المصدر: جريدة “الشعب” (أسبوعية نقابية – تونس) بتاريخ 2 فيفري 2008)
26 جانفي…كما عشته سجينا سياسيا
تتوالى الأيام والأحداث السعيدة والحزينة تاركة آثارا متفاوتة في الذاكرة، ولكن البعض منها يحفر أثره حفرا بحيث تعجز الأيام اللاحقة عن محوه . وضمن هذا الصنف تندرج أحداث 26 جانفي 1978 المعروفة أيضا بتسمية أحداث الخميس الأسود التي نحيي هذه الأيام ذكراها الثلاثين… وطبيعي ألا ندع، في جريدة الشعب لسان الاتحاد العام التونسي للشغل وكافة الشغالين، هذه الذكرى الغنية بالعبر بقدر ما هي مثقلة بالحزن والألم تمر بصمت…
كنت أشعر برغبة كبيرة في كتابة شيء، أخذت أرتب أفكاري ولكنني رغبت في أن أعيد قراءة نص سبق أن كتبته حول هذا الموضوع ونشرته في جريدة المستقبل بتاريخ 26 جانفي 1981 تحت عنوان «26 جانفي… كما عشته سجينا سياسيا»، ولدى قراءة هذا النص خيل لي وكأنني أفرغ للتّو من كتابته، فقررت أن أقدمه للقارئ، دون تغيير يذكر، وأن أكتفي بإضافة هذه التوطئة الموجزة قصد الإيضاح فحسب
حتى أسوار برج الرومي العالية المكللة بالأسلاك الشائكة المكهربة لم تستطع أن تعزل المساجين السياسيين عما يجري بالبلاد…
لقد عشت ذلك اليوم سجينا سياسيا واشتركت، إلى جانب الرفاق الذين كانوا معي، في الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل…
لم نُضرب عن العمل، طبعا، إذ أننا لم نكن نشتغل، بل أضربنا عن الطعام، وكان ذلك الإضراب مشاركة رمزية منا في حركة أشمل هي حركة الشغالين في بلادنا التي أشهرت سلاح الإضراب للدفاع عن حرية العمل النقابي واستقلالية الاتحاد…
ولأول مرة كنا نحس أننا نذوب في حشود كبيرة من أبناء شعبنا ونتحد معها في حركة واحدة ومن أجل مطلب واحد… وبهذه المشاركة في الإضراب العام شعرنا بجدار العزلة ينهار، إذ أننا لم نعد كمشة من الناس ألْقيَ بهم في غياهب السجن، لا يُـذكرون إلاّ في مناسبات قليلة وفي أُطُـر محدودة، كمـا يُـذكر الأمـواتُ أيـام الأعيـاد..
قبل يوم 26 جـانفي رفع المجلس الوطني للاتحـاد العام التونسي للشغل شعار العفو التشريعي العـام…
تلك كانت أكبر ثغرة تدك أسوار السجن من حولنـا…
وهكذا لم تكن أحداث 26 جانفي، التي هزت بلادنا، أحداثا بعيدة تترامى إلينا، أنـا ورفـاقي، أصداؤهـا خافتة، بل إننا شعرنـا أننا في قلب الأحداث، نعيشها بكل جوارحنا…
يوم 26 جانفي، كـان حراس السجن في حـالة استنفار، وكان السجن محلّ حـراسة مُشـدّدة ولكننـا تمكنـا من تنسم أخبـار مـا يجري في شوارع العاصمة…
وقبل أن نستمع إلى شريط أنبـاء التلفزة التونسية شـاهدنا صورا عمـا يجري في شوارع العاصمة عن طريق التلفزة الإيطالية وسمعنـا أخبـار الإذاعـات الأجنبية، سـرّا، عن طريق أجهزة الراديو الصغيرة المهرّبة، فالإدارة كانت تمنع عنا اقتناء جهاز الراديو، رغم سماحها لنا بمتابعة برامج التلفزة ومطالعة بعض الجرائد اليومية التونسية، وهو مـا تحصلنا عليه بعد اعتقالنا بمدة طويلة وبثمن إضرابات جوع طويلة وقاسية..
وفي المساء استمعنـا إلى مُذيع التلفزة يقرأ بيـانا رسميا يُعلن حـالة الطوارئ في البلاد ومنع التّجوّل…كـان يقرأ البيان بحمـاس كبير وبتنغيمـات تثير التقزّز… طريقة إلقـاء هذا المذيع كنت أعتبرهـا دائمـا اعتداء على الذوق السليم واللغة العربية معـا، إذ أنه كان يصطنع لهجة تصبح فيها الحركـات القصيرة مدّات والمدّات حركات قصيرة فتتحول العـاصمة إلى عصيـمة والكلام إلى كالم كما تتحول همزات الوصل إلى همزات قطع والعكس بالعكس…
لقد ارتبطت صورة هذا المذيع، في ذاكرتي، إلى الأبد، بحـالة الطوارئ ومنع الجـولان، ونفس الشيء أيضا بالنسبة لزميل له كـان يُجري «تحقيقات» مع المواطنين في الشوارع وكانت تحقيقاته هذه من نوع خاص إذ كان يُبادر المواطن بمثل هذا السؤال: «أنت تندد بالقيادة المنحرفة ومثيري الشغب… أليس كذلك أو أنت تؤيد الحكومة في التصدي للمخرّبين الذين…..
وأحداث 26 جانفي، لم تكن، إلى حدّ مـا، مُفـاجأة كبيرة، بالنسبة لي ولأغلب الرفـاق، فقد كنا نعتقد، انطلاقـا من متابعتنا لتطور الأحداث، بأن مواجهة بين الحزب الحـاكم، والنظام ككل من جهة، والإتحاد العام التونسي للشغل من جهة ثانية، يكاد يكون تجنبها أمـرا مستحيلا. وقد لمست أنا شخصيا ذلك من خلال خطاب السيد الهادي نويرة الوزير الأول آنذاك، يوم 11 ديسمبر أمام مجلس الأمة، الذي كان بمثابة إعلان حرب إذ يقول: أما إذا أصبحت هذه الحركة )حركة حشـاد( قناعا لمن تخلفت بهم الأزمـان من دعاة تطاحن الطبقات ودكتاتورية البروليتاريا والثورة المستمرّة، يتسترون به ويستحوذون على مراكز المسؤولية والتقرير فإن الأمر يفرض التفكر مليا… وكان علينا في مثل هذه الظروف إما أن نتنازل… وعندها ينمو هذا النوع الجديد من الإرهاب، وإما أن نرد الصاع صاعين وعندها لا بد أن ترتفع أصوات لترمينا بالفاشية وتستصرخ ضمير الجمعية الدولية للدفـاع عن المساجين السياسيين..
وكان اجتماع اللجنة المركزية للحزب الدستوري يوم 20 جانفي 1978 مناسبة لتأكيد هذا الاتجاه على أعلى مستوى في الحزب الحاكم والدولة.
كنت إذن أنتظر الصدام ولكنني لم أتصوره بذاك الشكل… إطلاق الرصاص وسيلان الدمـاء بتلك الغزارة في شوارع العاصمة حتى بالاعتماد فقط على الإحصاءات الرسمية (ما يزيد عن الخمسين قتيلا معظمهم من الشبان والأطفال..!)
كنت أتصور تسليط قمع على الاتحاد وبعض القوى السياسية ولكن بغبـاء أقل… ولكن متى كانت عصا القمع لتعقل أو تعي؟ ..
(المصدر: جريدة “الشعب” (أسبوعية نقابية – تونس) بتاريخ 2 فيفري 2008)
في سابقة أولى في تاريخ الجامعة التونسية:
أربعة عمداء لكليات الطب يعاقبون بإنذار والأطباء الجامعيون يردون بالاضراب
قرر مجلس اطارات النقابة العامة للاطباء والصيادلة الجامعيين لدى انعقاده يوم 24 جانفي بكلية الطب بتونس، تنفيذ إضراب عن التدريس بكافة كليات الطب بالبلاد وذلك احتجاجا على الضغط الممارس من طرف وزارة التعليم العالي ضد أربعة عمداء كليات الطب بكل من تونس والمنستير وسوسة وصفاقس.
ويأتي هذا الاضراب إثر الانذارات الموجهة من طرف وزير التعليم العالي ضد عمداء كليات الطب نتيجة تغيبهم عن حضور اجتماع لمديري وعمداء الجامعات والذي انعقد يوم 29 ديسمبر الماضي بقفصة.
وكان أحد هؤلاء العمداء وهو الاستاذ عبد الجليل الزاوش عميد كلية الطب بتونس قد قدم توضيحا الى سلطة الاشراف بيّن فيه ان حالته الصحية تمنعه من القيام بسفرة مطولة بهذا الحجم، خصوصا أن الوزارة اشترطت على جميع المديرين والعمداء التجمع الساعة الرابعة والنصف صباحا أمام مقر الوزارة ثم امتطاء ثلاث حافلات تقلهم الى مدينة قفصة.
أمام هذا التغيب إذن، قامت الوزارة باتخاذ هذه العقوبة التي اعتبرها الاخ خليل الزاوية الكاتب العام للنقابة العامة مسّا بكرامة كافة الاساتذة الجامعيين بكلية الطب مستغربا مثل هذا التصرّف مع كفاءات تمسّكت بالقطاع العمومي لأجل مصلحة هذا البلاد ونموّها.
وأشار الدكتور الزاوية أن عميد كلية الطب بالمنستير تحصّل أيضا على توبيخ ـ Blame ـ إضافة الى الإنذار نتيجة تحوّله الى جيبوتي ـ في مهمة عمل ـ وعدم بقائه في تونس للاشراف على انتخابات الطلبة.
واعتبر مجلس اطارات الاطباء والصيادلة الجامعيين أن ما وقع هو سابقة اولى بكليات الطب يستوجب تدخل كل من يهمّه الامر حفاظا على هيبة الاطباء وصونا لكرامة المدرّس خصوصا ان العمداء منتخبون ولا يمكن التشكيك في كفاءتهم وصدقهم في أداء مهمتهم خدمة للطلبة وللبلاد ككل.
لماذا قاطع العمداء هذا الاجتماع؟
هذا التوتّر الحاصل بين عمداء كليات الطبّ ووزير التعليم العالي قد يلقي بظلاله أيضا على إصلاح نـظام التعليم العالي بكليات الطب حيث كان من المتوقع ان تقع تنقيحات في مجال التدريس في الطب بارتباط مع اصلاح نظام التأمين على المرض.
وما يرجح وقوع هذه الاخلالات إلغاء اجتماع يوم 25 جانفي الماضي والذي كان يفترض انعقاده لمناقشة اصلاح تدريس الطب الا انّ كافة عمداء كليات الطب قاطعوا الاجتماع نتيجة القرارات غير المنطقية ضدّهم.
وما تتخوف منه النقابة العامة الان هو تأثير هذه الازمة الحاصلة بين هيئات تدريس منتخبة وسلطة الاشراف على التكوين الطبي باعتبار ان كافة الاطباء الجامعيين لم يستسيغوا «العقوبات» المسلطة ضد العمداء واعتبروها شبه اقالة.
وزارة التعليم العالي تقرر الغاء برامج تكوين المترشحين لمناظرة الاقامة في الطبّ
ومما قد يزيد الطين بلّة صدور قرار من وزارة التعليم العالي يقضي إلغاء التحضير لمناظرة الاقامة في الطب حيث كانت وداديات مدرسي كليات الطبّ معتادة على تحضير المترشحين لهذه المناظرة مقابل معلوم فردي يقدر بـ 100 دينار وهذه الاموال تصرف لخلاص المدرسين وتحضير الكتب والوثائق اضافة الى اقتناء عدة مستلزمات تقنية لفائدة الكليات.
هذا النشاط العلمي اعتبرته وزارة التعليم العالي ـ حسب ما ابلغ به الاخ الزاوية الحاضرين ـ غير قانوني وقرّرت ايقافه.
ورغم أنه سيضرّ حتما بالتكوين وبمصلحة الطلبة والمترشحين فإن كليات الطبّ احترمت قرار الوزارة وبالتالي فإن هذه السنة ستشهد ولاول مرة منذ سنوات طويلة غياب اعداد المترشحين لهذه الدروس المهمة خصوصا وأن مناظرة الاقامة في الطبّ تعتبر أهم المناظرات الوطنية ويشارك فيها سنويا قرابة 1500 مترشحا وتساهم في تخريج مختصين في مجالات طبية شتّى.
هذه المعلومة التي أبلغ بها الاخ خليل الزاوية الحاضرين أثارت استغراب الجميع خصوصا أن الطلبة سيكونون المتضررين من هذا الاجراء الذي سيؤدي الى حرمانهم من آلية ضرورية للاعداد الجيّد لاهم امتحان في مسيرتهم الطبية.
هذا التوتر الحاصل اثار استغراب الاخ المنصف الزاهي الامين العام المساعد المسؤول عن قسم الوظيفة العمومية، الذي اشرف على اشغال مجلس الاطارات معبّرا عن استغرابه تجاه ما يحدث، مؤكدا امام الحاضرين أنّه سيطلع المكتب التنفيذي الوطني بهذه الممارسات دفاعا عن هذه المؤسسات العلمية والتي يجب احترام هيئاتها المنتخبة.
وأكد الاخ المنصف الزاهي انه خلافا لما يقع من توترات مع وزارة التعليم العالي فإنه في المقابل تتميّز العلاقات الاجتماعية مع وزارة الصحة العمومية بالتطوّر لما يبديه السيد منذر الزنايدي من تفهم واستعداد تام لتذليل كل الصعوبات وفتح باب الحوار في كل المناسبات.
وتحدّث الاخ الزاهي عن المفاوضات الاجتماعية القادمة مؤكدا ان الاتحاد حريص على أن يحقق كل قطاع مايصبو اليه حسب خصوصياته.
وشهد مجلس الاطارات هذا ـ في جزئه الثاني ـ استعراضا للمفاوضات مع وزارة الصحة سنورده في الاسبوع القادم.
غسان القصيبي
(المصدر: جريدة “الشعب” (أسبوعية نقابية – تونس) بتاريخ 2 فيفري 2008)
وجهة نظر:
لسنا بخير !
خواطر جالت ببالي فضاق صدري، فلم أجد سوى هذا العنوان لأعبّر به عن فزعي من «الوعي» الوهمي الذي نفثته قنواتنا التلفزية وأطراف أخرى بأرجاء وطننا العربي الجريح، فصرفت الجماهير العربية عن قضاياها الحقيقية وحوّلت وجهتها تحويلا إلى أمور لن تزيدها إلاّ تخلّفا:
مواطن ليس له من المواطنة سوى بطاقة الهوية التي يحلمها. يجلس في المقهى يتابع مقابلة تونس ومصر في كرة اليد. ويمكن أن نعلّق على تاريخ المقابلة بأنّه جيّد جدّا لكي يبدع هذا «الرّقم» في وطنيته! فعندما كان عشرات الفلسطينيين يتساقطون أمام رصاص وقنابل وصواريخ العدو الصهيوني بقطاع غزّة، كان صاحبنا يرعد ويزبد جازما بأنّ المصريين لا يحبّوننا وأمام الشتائم التي كان يقذفها هذا «المتفرّج» في اتّجاه لاعبينا وما نسبه لهم عن دمار الأمّة خيّل إليّ أنّ الحرب ستقوم بين مصر وتونس!
حمي الوطيس بأحد مقاهي المدينة حول مشكلة البطالة بجهة فصة خاصّة اثر الأحداث التي عرفتها منطقة المناجم. لكن الجميع سقطوا في تحاليل جهوية بدأت بضرورة الاحتجاج على تشغيل عمّال غرباء عن الجهة ووصلت إلى حد تأكيد أحدهم أنّ هذا الحق يجب أن ينفرد به عرش بعينه!!! أو حي من أحياء المدينة بعينه!!! وعبثا حاولت أن لفت نظر هذا الخطيب المتحذلق لكي يربط العلاقة بين تفشّي البطالة والاختيارات الاقتصادية الكبرى أو ما يعرف ببرنامج الاصلاح الهيكلي الذي يقيّم النّجاح بزيادة الانتاج دون اعتبار البعد الاجتماعي للتّنمية!
تائب إلى اللّه حديثا ينعم بملذات الثورة الاعلامية التي لا تقل حلاوة عن الشراب المختلفة ألوانه والخارج من بطون النّحل. لكن صاحبنا يجلس بيننا مستنكرا ومتظاهرا بالفزع من فساد المجتمع حيث أنّه رأى التلاميذ ذكورا وإناثا يتبادلون صورا جنسية إباحية على جهاز الهاتف الجوّال مرفوقة بمشاهد عنف حدثت بأحد أحياء عاصمتنا في المدّة الأخيرة. ولمّا قلنا لصاحبنا أنّ الاعتداء على القيم المجتمعية وتحويل مظاهر العنف إلى ظاهرة فرجوية (أكثر من مقبولة بل مطلوبة) هو جوهر الايديولوجية العولمية، الأمريكية، والذي تروّجه عن طريق قنواتها وأذناب قنواتها. فليس هناك عنف أكبر من أن تعدم رئيس دولة شرعي وتمرّر ذلك مباشرة على شاشات التلفزة ويعمد بعضهم إلى تصوير ذلك بالهاتف الجوّال (انظر التماهي مع ما شاهده صاحبنا) ويعمد رئيس حكومة عميلة إلى اهانة من سينفّذ فيه الاعدام بوصفه كذبا كما لو كان جبانا. وفوق ذلك تعمد القنوات العربية إلى اعادة العملية كما لو كانت مسلسلا. أبعد ذلك تطالب شبابك الذين ذبحت ضمائرهم عند ذبح الشهيد صدّام حسين بأن يقلعوا عن متابعة لقطات إباحية مصحوبة بعنف؟!! ولكن أمام ما ذكرت لم يجد صاحبنا من اجابة سوى التعريج في الحديث عن كأس افريقيا للأمم!!!
مهدي الدالي
(المصدر: جريدة “الشعب” (أسبوعية نقابية – تونس) بتاريخ 2 فيفري 2008)
المرأة التونسية تحظى بقوانين لا مثيل لها في الدول العربية
موقع “السبيل أونلاين” يُـحي ذكرى الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله(الحلقة الثانية من 3)
جمع وتنسيق: الأستاذ علي سعيّد
الإمام الأكبر
نالالشيخ عضوية جماعة كبار العلماء برسالته القيمة “القياس في اللغة العربية”سنة (1950)، ثم لم يلبث أن وقع عليه الاختيار شيخا للجامع الأزهر في (16سبتمبر 1952)، وكان الاختيار مفاجئًا له فلم يكن يتوقعه أو ينتظره بعدماكبر في السن وضعفت صحته، لكن مشيئة الله أبت إلا أن تكرم أحد المناضلين فيميادين الإصلاح، حيث اعتلى أكبر منصب ديني في العالم الإسلامي. تـولـىمـشـيـخـة الأزهـر وفـي ذهـنـه رسالة طالما تمنى قيام الأزهر بها، وتحملهذا العبء بصبر وجد، وفي عهده أرسل وعاظ من الأزهر إلى السودان ولاسيماجنوبه، وعمل على اتصال الأزهر بالمجتمع وكان يـصـدر رأي الإسـلام فيالمواقـف الحاسـمـة:
كتب أحمد عبد العزيز أبو عامر: ولا أزال أذكر ما قصه علينا أستاذ أزهري كان آنذاك طالباً في أصول الدين إبان رئاسة الشيخ للأزهر،حيندعا أحد أعضاء مجلس الثورة إلى مساواة الجنسين في الميراث ، ولما علمالشيخ بذلك اتصل بهم وأنذرهم إن لم يتراجعوا عن ما قيل فإنه سيلبس كفنهويستنفر الشعب لزلزلة الحكومة لاعتدائها على حكم من أحكام الله ، فكان لهما أراد .
وكان في ذهن الشيخ حين ولي المنصب الكبير وسائل لبعثالنهضة في مؤسسة الأزهر، وبرامج للإصلاح، لكنه لم يتمكن من ذلك، ولمتساعده صحته على مغالبة العقبات، فلم يلبث أن قدم استقالته لخلافه مع عبدالناصر بسبب إلغائه المحاكم الشرعية وإدماجها في القضاء الأهلي، وكان منرأيه أن العكس هو الصحيح، فيجب إدماج القضاء الأهلي في القضاء الشرعي؛وكانت استقالته في (7 يناير 1954)، ويذكر له في أثناء توليه مشيخة الأزهرقولته:“إنالأزهر أمانة قي عنقي أسلمها حين أسلمها موفورة كاملة، وإذا لم يتأت أنيحصل للأزهر مزيد من الازدهار على يدي، فلا أقل من أن لا يحصل له نقص”وكان كثيرا ما يردد: “يكفيني كوب لبن وكسرة خبز وعلى الدنيا بعدها العفاء”.
معركة التحرير مستمرّة
إنّتعدد مسؤوليات الشيخ وأعباءه التي تنوء بها العصبة لم تصرفة عن قضايا بلدهالرازح تحت نير الاحتلال البغيض فأسس سنة 1924 “جمعية تعاون جاليات شمالإفريقيا” إلى جانب نخبة من الجزائريين والمغاربة والليبيين، وفي سنة: 1944أسس صحبة مجموعة من أبناء المغرب العربي ما عرف بـ”جبهة الدفاع عن إفريقياالشمالية” التي رأسها الأمير عبد الكريم الخطابي.
ولمزيد التعريف بالقضيّة التونسية في الشرق أصدر سنة 1948 كتابا يحمل عنوان: ” تونس 67 عاما تحت الاحتلال الفرنساوي”، جاء فيه: “وحيثأن التونسيين قد حرموا في بلادهم من الحريات الأوّلية حريات التفكيروالنشر والقول والاجتماع والتجول حتّى أن الخمس وستين سنة التي مرّت علىالحماية قضى منها التونسيّون أكثر من عشرين سنة تحت الحكم العسكري العرفيوالباقي تحت رقابة البوليس.”
وأبرز فيه إيمانه العميق بالتعليمكرافعة لنهضة الأمم حيث أراده لكل التونسيين مسويا في ذلك بين الجنسينفعرض لحالة التعليم تحت الاحتلال مدعّما قوله بالأرقام: ” عدد البنينوالبنات الذين هم في سن الدراسة من التونسيين 973700، عدد البنين والبناتالذين يزاولون الدراسة في مختلف الفصول والأقسام 71921، وبإجراء عمليةبسيطة يتّضح أنّ الباقي وهو 901779 هو عدد أبنائنا وبناتنا الذين لا يجدونمدرسة يأوون إليها فهم يجوبون الشوارع ضحية الجهل يتلقون دروس الإجراموانحطاط الأخلاق ليصبحوا بعد ذلك سوسا ينخر جسم هذا المجتمع الذي يحاربهالاستعمار بالفقر و الجهل و كفى بها معاول للهدم والتحطيم…” وكشف فيه عن تعلّقه بأسباب التقدّم والاستنارة فقال متحدّثا عما فعله الاستعمار بالشعب التونسي : “…كما اغتصبت منه موارد الثروة و أقفلت في وجهه سبل الحضارة و الرقيّ و منعته من الاستنارة بنور العلم و المدنيّة…” ثمواصل مبرزا إيمانه بالرأي العام الدولي الذي بدأ يتشكل غداة الحربالعالمية الثانية معتقدا في وجود منصفين وأصحاب ضمائر وإنسانيين عبر كلالأمم موجها إليهم النداء قائلا : ” إنّنا نضع هذه الحقائق أمام العالمالمتمدّن عسى أن ينتبه ضميره و يشعر بمسؤوليّته خصوصا الدول التي قطعت علىنفسها وعودا بذلك وقالت عن الحرب الأولى والثانية إنّها حرب الحريّة والدفاع عن حقوق الإنسان…” مؤلّفاته
لميخلف الشيخ رحمه الله تعالى وراءه من حطام الدنيا شيئًا، لكنه ترك ذكرىطيبة، وسيرة حسنة في ميادين السياسة والجهاد والقدوة الحسنة، وترك كنوزًامن الفكر شاهدة على عقله المبدع وجهده الدؤوب، تنوعت بتنوع اهتماماتهالعلميّة، بين القرآن وعلومه، و الفقه وأصوله، والحديث وعلومه، والدعوةوالإصلاح والتربية، والمقاصد، واللغة، والأدب، والتاريخ والتراجم…،سلاحه في كلّ ذلك بيانه الساحر، وقلمه السيّال الذي قلّما يوجد له نظير فيالعصور المتأخرة، بل إنه يضارع أرباب البيان الأوائل.
ومن هذه المؤلفات: 1 ـ آداب الحرب في الإسلام 2 ـ أديان العرب قبل الإسلام 3 ـ أسرار التّنزيل. 4 ـ بلاغة القرآن 5 ـ تراجم الرّجال 6 ـ تعليقات على كتاب الموافقات للشّاطبي 7ـ تونس وجامع الزّيتونة 8 ـ تونس 67 عاما تحت الاحتلال الفرنساوي 1881- 1948 9 ـ الحرّيّة في الإسلام 10 ـ حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية 11ـ “خواطر الحياة”: ديوان شعر جمعه بعض محبّيه 12 ـ الخيال في الشّعر العربي 13ـ دراسات في الشّريعة الإسلاميّة 14 ـ دراسات في العربيّة وتاريخها 15 ـ دراسات في اللغة 16 ـ الدعوة إلى الإصلاح 17 ـ الرّحلات 18 ـ رسائل الإصلاح: وهي في ثلاثة أجزاء، أبرز فيها منهجه في الدعوة الإسلامية ووسائل النهوض بالعالمالإسلامي. 19 ـ الشريعة الإسلامية صالحة لكلّ زمان ومكان 20 ـ القاديانية والبهائية 21- محمّد رسول الله وخاتم النبيين 22 – نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم 23- نقض كتاب الشّعر الجاهلي 24- هدى ونور مع عدّة بحوث ومقالات نشرت في ” السّعادة العظمى” و “الأزهر” و “نور الإسلام” و” لواء الإسلام” و”الهداية الإسلامية”…
وإليك بعض ما قاله الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – في بيان رأيه في كتب ستة قرأها للشيخ الخضر، وهي: تونسوجامعة الزيتونة، وبلاغة القرآن، ورسائل الإصلاح، والشريعة صالحة لكل زمانومكان، ومحمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين، والخيال فيالشعر الجاهلي. قال الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – : (( بيان عن هذه الكتب جملة في أمور مشتركة بينها: أ– تشترك هذه الكتب الستة في قوة الأسلوب، وعلوه، مع سلاسة العبارة، ووضوحها،وسمو المعاني، ودقتها، وإصابة الهدف من قرب بلا تكلف فيها، ولا غموض، ولاحشو، ولا تكرار. ب – تشترك في الدلالةعلى سعة علم المؤلف، وتضلعه في العلوم العربية، والاجتماعية، والدينية،واستقصائه في بحثه، وفي نقاشه لآراء مخالفيه، وأدلتهم، واعتداله في حكمه،وفتاويه. ج – يتمثل فيها نزاهة قلم المؤلف، وحسن أدبه، ونبل أخلاقه. لكنلم يمنعه ذلك أن ينقد الملحدين، ومَنْ انحرفَ به هواه عن الجادة، والصراطالمستقيم نقداً لاذعاً لا يخرج به عن الإنصاف، ولا يتجاوز حد الأدب فيالمناقشة؛ رعاية لحق مخالفيه، وصيانة لعلمه ولسانه عما يشينه، وسيراً معالكتاب والسنة وآدابهما في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فلاجهل، ولا سفاهة، إنما يقابل سيئة خصمه وسبَّه بالحسنة، وغض الطرف عنها. د – ويتمثل فيها الصدع بالحق، والكفاح عنه بحسن البيان، وقوة الحجة مااستطاع إلى ذلك سبيلاً، لا يخشى في ذلك لَومة لائم، عماده في ذلك كتابالله، وسنة رسوله، ودليل العقل، وشاهد الحس، والواقع مع ذكر الشواهد مناللغة، والقضايا التي جرت في العالم))
وفاته رحمه الله وبعداستقالته من مشيخة الأزهر استمر الشيخ إلى أواخر حياته يلقي المحاضراتويمد المجلات والصحف بمقالاته ودراساته الـقـيمة، بالرغم مما اعتراه منكبر السن والحاجة إلى الراحة وهذا ليس غريباً عمن عرفنا مشوار حياتهالمليء بالجد والجهاد والاجتهاد . قال رحمه الله في مرضه:
أطلّ عليّ الموت من خلل الضنا * فآنست وجه الموت غير كئيب ولو جسّ أحشائي لخلت بنانه * وإن هال أقواما بنان طبيب فلا كان من عيش أرى فيه أمّتي * تساس بكفي غاشم وغريب ولبىنداء ربه في مساء الأحد (13 من رجب 1377هـ = 3 من فبراير 1958م)، فشيَّعهالعلماء وعارِفُو فضله ونضاله في مشهد مهيب ودفن بجوار صديقه أحمد تيمورباشا بوصية منه، ونعاه العلامة محمد علي النجار بقوله: “إن الشيخ اجتمعفيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره إلا في النّدْرَى، فقد كان عالماضليعا بأحوال المجتمع ومراميه، لا يشذ عنه مقاصد الناس ومعاقد شؤونهم،حفيظا على العروبة والدين، يردّ ما يوجه إليهما وما يصدر من الأفكارمنابذًا لهما، قوي الحجة، حسن الجدال، عف اللسان والقلم …”.
فلاتنس أيّها القارئ الكريم شيخنا من دعواتك في سجودك، عسى أن ينفعك اللهبذلك وينفعه، فقد كان حريصا على أن يعلّمنا أنّ الدعاء للميت خير منتأبينه فقال كأروع ما يقال في هذا المعنى:
تـسائلني هل في صحابك شاعرٌ * إذا مـت قـال الشعر وهو حزينُ فـقلت لـها: لا همَّ لي بعد موتتي * سوى أن أرى أخراي كيف تكون وما الشعر بالمغني فتيلاً عن امرئ * يـلاقي جـزاءًا والـجزاءُ مُهين وإن أحظ بالرُّحمى فماليَ من هوىً * سـواها وأهـواء النفوسِ شجون فَـخَلِّ فـعولنْ فـاعلاتنْ تقال في * أنـاس لـهم فـوق التراب شؤون وإن شـئت تـأبيني فدعوةُ ساجدٍ * لـها بـين أحـناءِ الضلوع حنينُ
رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام خير الجزاء
—————————– مصادر البحث : * أنور الجندي : الفكر والثقافة المعاصرة في شمال إفريقيا – الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة – (1385هـ= 1965م). * علي عبد العظيم: مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن – مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية – القاهرة – (1399 هـ= 1979م). * محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين – دار القلم – دمشق- (1415 هـ= 1995م). * محمد مهدي علام: المجمعيون في خمسين عاما – مطبوعات مجمع اللغة العربية – القاهرة – (1406هـ= 1986م) * محمد علي النجار: كلمة في تأبين الشيخ محمد الخضر حسين – محاضر جلسات مجمع اللغة العربية – الجزء الحادي والعشرون. * محمد عبد المنعم خفاجى – “الأزهر في ألف عام” – عالم الكتب – ببيروت –1988 م * محمد عمارة – “معركة الإسلام وأصول الحكم” – دار الشروق – القاهرة – 1989م
بعض الروابط التي جمعت منها مادة الدراسة:
1- الخضر حسين: يكفيني كوب لبن وكسرة خبز- أحمد تمام http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/03/article16.SHTML 2- الشيخ محمد الخضر حسين – أحمد عبد العزيز أبو عامر http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?id=10389 3- بعض ملامح الحسّ التحرّري لدى العلاّمة محمد الخضر بن الحسين.1876/ 1958- خالد العقبي https://www.tunisnews.net/25jan08a.htm 4- محمد الخضر حسين..المجاهد بالقلم http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=1306&SecID=456 5- الشيخ العلامة محمد الخضر حسين
http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=1058&per=1050&kkk
6 – الصداقة عند الشيخ محمد الخضر حسين http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=1059&per=1050&kkk=
والله خيـــر الوارثيــــــن
(المصدر : موقع السبيل أونلاين.نت بتاريخ 4 فيفري 2008)
“القاعدة” في المغرب العربي مصممة على استهداف الأجانب
لندن– الحياة
توقف مراقبون أمس عند تهديد تنظيم «القاعدة» في المغرب العربي بتكرار الهجوم على السفارة الإسرائيلية في نواكشوط يوم الجمعة الماضي، وتلويحه بتصعيد كبير في عملياته ضد «اليهود والنصارى» في المنطقة المغاربية. وقال هؤلاء إن الهجوم في نواكشوط كان الضربة الوحيدة الممكنة لهدف «ديبلوماسي» إسرائيلي في المنطقة المغاربية، إذ أن موريتانيا هي الدولة المغاربية الوحيدة التي ترتبط بعلاقات ديبلوماسية على مستوى سفارة مع الدولة العبرية.
وقال «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، في بيان نشر على الانترنت، «نناشد الغيورين من أبناء الإسلام ورجالاته في مغرب الإسلام… أن يجبروا الحكومات… على قطع العلاقات الديبلوماسية والتجارية مع اسرائيل وان يستهدفوا مصالح اليهود والنصارى وجالياتهم في المغرب الإسلامي».
وهاجم ستة مسلحين سفارة إسرائيل في نواكشوط الجمعة واطلقوا الرصاص من أسلحة رشاشة على مبانيها قبل ان يفروا، إثر رد فوري من الجنود الموريتانيين المكلفين حراسة البعثة الديبلوماسية.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن البيان تهديده السفير الاسرائيلي في موريتانيا بمهاجمته مجدداً، إذ قال: «أما أنت أيها اليهودي بوعز بيسموت، أبشر بما يسوؤك ولا تفرح بنجاتك هذه المرة فلا زال في الجعبة سهام وتذكر انك في حاجة ملحة لكي تنجو كل مرة».
وقال مراقبون إن الهجوم على السفارة الإسرائيلية في نواكشوط ليس الهجوم الوحيد الذي يشنه تنظيم «القاعدة» على هدف يهودي في المنطقة المغاربية.
إذ أن «القاعدة» نفّذت في العام 2002 هجوماً ضد كنيس يهودي في جربة التونسية، وإن كان معظم الضحايا من السياح الألمان والفرنسيين. كما أن متشددين إسلاميين من تيار «السلفية الجهادية» شنوا هجوماً أيضاً على مقر يهودي في هجمات الدار البيضاء في أيار (مايو) 2003، من ضمن هجمات على أهداف أجنبية وفنادق يرتادها غربيون. وحاولت «القاعدة» في 2002 شن هجوم على طائرة تابعة لشركة «العال» وفندق يملكه يهود في كينيا.
ولفت المراقبون أنفسهم إلى أن تهديد «القاعدة» الآن بشن مزيد من الهجمات ضد «اليهود والنصارى» في المنطقة المغاربية، بما فيها موريتانيا، يأتي في سياق اتجاه قيادة الفرع المغاربي لهذا التنظيم نحو إثبات انتشارها خارج معقلها الأساسي في الجزائر، حيث دأبت على تنفيذ هجمات بسيارات مفخخة يقودها انتحاريون. وعلى رغم حصول هجمات شنها متشددون في المغرب، إلا أن الهجمات الوحيدة التي ارتبطت مباشرة بـ «القاعدة» كانت تلك التي حصلت في موريتانيا، ما يعني أن انتشار هذا التنظيم مغاربياً يكاد يكون محصوراً في كل من الجزائر وموريتانيا.
ومعلوم أن «الجماعة الاسلامية المقاتلة» في ليبيا انضمت بدورها الى «القاعدة»، لكنها لم تشن بعد أي هجوم داخل ليبيا نفسها. أما في تونس فإن السلطات فككت خلية تضم متشددين تدربوا لدى «القاعدة» في الجزائر العام الماضي.
(المصدر: صحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)
التنظيم يدعو لاستهداف اليهود والنصارى في المغرب العربي …
إسرائيل: “القاعدة” وراء هجوم نواكشوط
تل أبيب – دبي – ا ف ب – أكد رئيس جهاز الاستخبارات الاسرائيلي (الموساد) ان تنظيم القاعدة نفذ الهجوم الذي استهدف ليل الخميس الجمعة مقر السفارة الاسرائيلية في نواكشوط. واتهم مئير داغان القاعدة بالوقوف وراء الهجوم مشيرا الى ان “السفارة الاسرائيلية هي التي كانت مستهدفة”، كما افاد مصدر برلماني بعد ادلاء رئيس الموساد بشهادة امام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست.
وكان “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي” دعا انصاره في بيان نشره على الانترنت امس الى استهداف “اليهود والنصارى” في شمال افريقيا متبنيا الهجوم الذي استهدف السفارة الاسرائيلية في موريتانيا. وذكرت محطة الجزيرة ان تنظيم القاعدة تبنى هذا الهجوم من دون ان تعطي مزيدا من التفاصيل.وهاجم ستة مسلحين الجمعة سفارة اسرائيل في نواكشوط حيث عمدوا الى اطلاق النار من أسلحة رشاشة على مبانيها قبل ان يلوذوا بالفرار اثر رد فوري من الجنود الموريتانيين المكلفين حراسة البعثة الدبلوماسية. وكان سفير اسرائيل في نواكشوط أعلن عدم سقوط اي ضحية بين موظفي السفارة في الهجوم لكن ثلاثة فرنسيين كانوا قرب مطعم ومرقص يقع على بعد بضعة امتار من السفارة اصيبوا بجروح على ما أفاد مصدر قريب من التحقيق. وموريتانيا هي من الدولة العربية القليلة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل (منذ عام 1999) الى جانب مصر والأردن.
وقال بيان نشر على الانترنت أعلن فيه التنظيم مسؤوليته عن العملية التي استهدفت السفارة الإسرائيلية في نواكشوط “نناشد الغيورين من أبناء الإسلام ورجالاته في مغرب الإسلام، أن يجبروا الحكومات العميلة على قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل وان يستهدفوا مصالح اليهود والنصارى وجالياتهم في المغرب الإسلامي”.وجاء في البيان “أول الغيث هذه الغزوة المباركة التي نفذها أبطال المغرب الإسلامي واستهدفوا فيها مقر السفارة الإسرائيلية بنواكشوط صبيحة يوم الجمعة، حيث باغتها المجاهدون بنيران أسلحتهم وقنابلهم وتمكنوا بفضل الله من إصابة عدد غير محدد في صفوف اليهود وحرسهم تكتمت عنه السلطات الموريتانية ولم تعترف إلا بإصابة ثلاثة فرنسيين”.وقال التنظيم إن الهجوم على السفارة الإسرائيلية “جاء في الوقت الذي يسوم فيه اليهود الملاعين إخواننا في فلسطين الويلات من حصار ظالم وبطش وتنكيل وقتل وتشريد ومشاهد تتفطر لها القلوب أمام صمت فاضح من الدول الغربية و تواطؤ مخز من يهود بني عربون ممن يسمونهم حكام المسلمين”. إلى ذلك، هدد البيان السفير الإسرائيلي في موريتانيا بمهاجمته مجددا. وقال التنظيم “أما أنت أيها اليهودي بوعز بيسموت، ابشر بما يسوؤك ولا تفرح بنجاتك هذه المرة فلا زال في الجعبة سهام وتذكر انك في حاجة ملحة لكي تنجو كل مرة”. وكان سفير إسرائيل قد أعلن عدم سقوط اي ضحية بين موظفي السفارة في الهجوم لكن ثلاثة فرنسيين كانوا قرب مطعم ومرقص يقع على بعد بضعة أمتار من السفارة أصيبوا على ما أفاد مصدر قريب من التحقيق.
(المصدر: صحيفة “الشرق” (يومية – قطر) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)
الاتحاد الإفريقي في مواجهة الأزمة الكينية
(المصدر: صحيفة ” أوان” (يومية –كويتية) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)
أسبوع الالتباس العظيم
فهمي هويدي (*)
إذا جاز لى أن أسمى الأسبوع الفائت فى مصر، فإننى لا اتردد فى تسميته أسبوع الالتباس العظيم.
(1)
اتصلت بى هاتفياً ذات مساء سيدة من أسرة فلسطينية عريقة استقرت فى القاهرة منذ 45عاماً، وقالت إنها بعد الذى سمعته فى مداخلات بثها أحد البرامج التليفزيونية أثناء فقرة قدمها حول عبور الفلسطينيين الحدود إلى رفح والعريش، فإنها قررت أن تغادر مصر إلى غير رجعة. هدأت من روعها وسألتها عن السبب، فقالت إن التعليقات التى أذيعت على الهواء صدمتها، لأنها كانت مسكونة بالمرارة والنفور على نحو لم تعرفه فى مصر. وأضافت أن التعبئة المضادة التى اعتبرت الفلسطينى خطراً على مصر وأمنها، أثرت على علاقتها مع صديقات تعرفهن منذ عقود، حتى خسرت بعضهن من جرائها.
ليست هذه حالة فردية، لأن مشاعر القلق هذه عبر عنها آخرون فى عدة رسائل واتصالات هاتفية تلقيتها. وكان السؤال المكرر هو: هل يهيئ الفلسطينيون المقيمون فى مصر أنفسهم للجوء جديد؟
مثل هذا القلق وجدته مبرراً ومشروعاً، لأننى أزعم بأنه بقدر ما كان الخطاب السياسى المصري ناجحاً بصورة نسبية فى الأسبوع الماضى، فإن الخطاب الإعلامى -فيما عدا استثناءات قليلة- رسب فى الاختبار، فكان مسيئاً وتحريضياً بشكل لافت للنظر. لست فى موقف يسمح لى الآن بالتحقيق فى الدوافع والمقاصد، ولكن ما يهمنى فى اللحظة الراهنة هو الحصاد والنتائج.
(2)
فى عام 1991 قام العقيد معمر القذافى بعملية مشابهة لما تم فى معبر رفح. فقد أحضر البلدوزرات وهدم البوابات المقامة على الحدود بين مصر وليبيا، تأثرا فى الأغلب بالأفكار الوحدوية التى شاعت بين جيلنا، واعتبرت الحدود انسياقا وراء المخططات الاستعمارية التى كرستها اتفاقية سايكس بيكو (عام 1916)، وبمقتضاها تم تمزيق العالم العربى فى إطار وراثة تركة الدولة العثمانية، وتوزيع أشلائه على الدول المنتصره آنذاك. وفى المقدمة منها إنجلترا وفرنسا. الشعور ذاته عبر عنه الدكتور جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين «وهو بالمناسبة يسارى فلسطينيى و من قادة حركة القوميين العرب» حين أبلغ وهو في مرض موته بخبر اجتياز الجموع لمعبر رفح. و قد سمعت احد رفاقه و هو يقول في حفل وداعه ان “الحكيم” لمعت عيناه من الفرحة و تمنى ان يعيش ليرى الشعوب العربية و هى تتلاحم محطمة حدود الدول القطرية.
وقتذاك- فى عام 1991- عبر الحدود إلى ليبيا 2 مليون مصري، وهو رقم يعادل نصف الشعب الليبى. ولم تتصدع علاقات البلدين ولا شكت ليبيا من تهديد أمنها القومى. وبعد ذلك أعيد تنظيم الحدود، وأصبح المصريون يدخلون إلى ليبيا دون تأشيرة. الذاهبون عبر المعبر الحدودي اشترط عليهم أن يحملوا معهم عقود عمل، والقادمون عبر المطار أصبحوا يدخلون دون شروط، و يطالبون فقط بالحصول على عقود عمل خلال فترة زمنية معينة. ولأن هذه عملية يصعب ضبطها فقد أصبح فى ليبيا الآن مليون مصري، منهم حوالى 650 ألفاً ذابوا فى البلد وأقاموا فى جنباتها دون أن يحصلوا على عقود عمل، ومن ثم اعتبرت إقامتهم غير شرعية. وحين سرت شائعة تتعلق باحتمال ترحيلهم قامت الدنيا ولم تقعد، وجرت اتصالات عديدة بين القاهرة وطرابلس، أسفرت عن تهدئة الوضع وإبقاء كل شئ كما هو عليه.
هؤلاء، المصريون الموجودون فى ليبيا بصورة غير شرعية، يعادلون تقريباً مجموع الفلسطينيين الذين عبروا الحدود خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد اختراق معبر رفح، ومع ذلك فليبيا التى لا يتجاوز تعداد سكانها الملايين الأربعة لم تعتبر ذلك غزواً ولا تهديداً لأمنها القومى، فى حين أن بعض الأبواق الإعلامية المصرية ظلت تصرخ منذرة ومحذرة من الغزو الفلسطينى لمصر، رغم أن تعداد سكانها تجاوز 76 مليون نسمة. وهى مفارقة تطرح السؤال التالى: ماذا يكون موقفنا لو أن الإعلام الليبى عبأ المجتمع هناك ضد وجود ذلك العدد من المصريين بصورة غير شرعية، وحرض الجماهير ضد احتمال “الغزو المصري”، كما فعلت أبواقنا الإعلامية بالنسبة للفلسطينيين العابرين، علماً بأن مبررات الخوف أكبر فى الحالة الليبية (بسبب إغراء النفط وقلة عدد السكان) منها فى الحالة المصرية الفلسطينية.
ليس عندى أى دفاع عن تحطيم الحدود واجتيازها بين دول لم تتوافق على فتح حدودها فيما بينها كما هو الحاصل فى الاتحاد الأوروبى. ذلك أنه طالما هناك حدود دولية فيتعين احترامها، واجتيازها أو تحطيم أسوارها فى الظروف العادية جريمة لاريب. لكنى أحسب أن أى طفل مصري يدرك جيداً أن ما حدث فيما يتعلق بمعبر رفح كان نتاجاً لظروف غير عادية بإطلاق، من جانب شعب خضع لحصار شرس استمر ثمانية أشهر، وفى غيبة أى أمل لرفعه فقد كان الانفجار هو النتيجة الطبيعية له. من ثم فإن ما جرى لا ينبغى أن يوصف بأكثر من كونه خطأ لا جريمة، وهو ما يحتاج إلى عقلاء يتفهمون أسبابه ويعطونه حجمه الطبيعى ويتحوطون لتداعياته بحيث لا تخدم مخططات العدو الإسرائيلى مثلاً.
من أسف أن بعض المعالجات الإعلامية لم تفهم هذا التمييز بين الخطأ والجريمة، وذهب بعضها إلى اعتباره غزوا تارة، بل وإلى المساواة بين دخول الفلسطينين إلى رفح والعريش وبين احتلال الإسرائيليين لسيناء (هكذا مرة واحدة!). وإختلط الأمر على البعض الآخر حتى لطموا الخدود وشقوا الجيوب ورفعوا أصواتهم داعين إلى استنفار المصريين لصد الخطر الداهم الذى يهدد أمن بلدهم وسيادته. وكان ذلك نموذجاً للالتباس الذى أفقد البعض توازنهم، وحوّل المشكلة الى قضية عبثية.
(3)
للالتباس تجليات أخرى منها مثلاً أن البعض آثر أن يعتبر عبور الفلسطينيين إلى مصر “مؤامرة”، فى حين أن المؤامرة الحقيقية هى فى مساعى أحكام ومحاولة تدمير حياة الفلسطينيين فى القطاع لإذلالهم وتركيعهم. وفي منطق المرجحين لفكرة المؤامرة أن كل شئ كان مخططاً ومعداً له من قبل. وهو كلام مرسل لا دليل عليه، فضلاً عن أن الشواهد المنطقية والواقعية ترجح كونه انفجاراً شعبياً طبيعياً من جانب إناس حمّلهم الحصار بما لا يطيقون، وبما يتجاوز بكثير الانفجار الشعبى التلقائى الذى حدث يومى 18 و19 يناير سنة 1977، احتجاجاً على رفع الأسعار فى مصر.
هي انتفاضة ثالثة حقاً، رغم أننى سمعت أحدهم يتحدث بدهشة واستنكار شديدين لإطلاق الوصف على قيامة الجماهير وعبورها للحدود. لكنها انتفاضة ضد الحصار والهوان، ولا يتصور عاقل أنها يمكن أن تكون انتفاضة ضد مصر.
فى الانفعال الذى ساد بعض المعالجات الإعلامية تداخلت الخطوط وتاهت البوصلة، حتى لم تميز تلك المعالجات بين ما يوصف فى الأدبيات الماركسية بين التناقض الرئيسى والتناقضات الثانوية. لقد أبرزت بعض الصحف بعناوين عريضة بعض الحماقات التى ارتكبت وبعض التصرفات المشبوهة التى وقعت. مثل قيام أحد الشبان برفع العلم الفلسطينى على أحد المبانى فى الشيخ زويد. واعتداء البعض على عدد من الجنود المصريين، والكلام عن اكتشاف خليتين دخلتا إلى سيناء للقيام بعمليات عسكرية ضد الإسرائيليين، مثل هذه الأخبار إذا ثبتت صحتها، فينبغى أن تعطى حجمها ويحاسب المسؤولون عنها، لكنها تظل فى حدود التناقضات الثانوية، التى ينبغى ألا تحجب التناقض الأساسى مع إسرائيل والاحتلال والحصار.
ومن أسف أن الأضواء سلطت بقوة على تلك التناقضات الثانوية، فى حين تم تجاهل التناقض الأساسى فى الكثير من المعالجات التى قدمتها وسائل الإعلام، مما أدى إلى تعبئة قطاعات عريضة من الناس بمشاعر غير صحية، فانصب غضبها على الفلسطينيين بأكثر مما انصب على الاحتلال والحصار. وقد تجلى فى هذه النقطة تفوق الخطاب السياسى على الإعلامى، وهو ما عبر عنه السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية بقوله فى تصريح نشره “الأهرام” فى 30/1 أن إسرائيل تتحمل المسؤولية القانونية الأساسية والإنسانية لما آلت إليه الأوضاع فى غزة، وما نتج عنها من انفجار بشري تجاه مصر (لاحظ أنه تحدث عن انفجار بشري وليس مؤامرة كما أدعى بعض المحرضين).
(4)
موضوع “حماس” كان ولا يزال محل التباس ولغط شديدين. ذلك أن لها ثلاثة أوجه فى الخريطة الفلسطينية، فهى من ناحية حركة إسلامية لها أصولها الإخوانية وهى من ناحية ثانية سلطة تم انتخابها بواسطة الشعب الفلسطينى. وهى من ناحية ثالثة أكبر فصيل مقاوم يتحدى الاحتلال ويرفض الاستسلام والتفريط. وهى فى ذلك تقف جانباً إلى جنب مع الفصائل والعناصر الوطنية الأخرى التى إختارت ذلك النهج، ومن بين تلك الفصائل حركة الجهاد الإسلامى وكتائب شهداء الأقصى والجبهتان الشعبية والديمقراطية. أما العناصر الوطنية المستقلة التى تقف فى مربع المقاومة الذى تتصدره حماس فقائمتها طويلة، وتضم أسماء لها وزنها المعتبر فى الساحة الفلسطينية فى المقدمة منهم بسام الشكعة وشفيق الحوت وأنيس صائغ وبهجت أبو غريبة وسلمان أبو ستة وعبد المحسن القطان وآخرون بطبيعة الحال.
كون حماس حركة إسلامية أو حتى إخوانية فهذا شأنها، الذى تتراجع أهميته فى السياق الذى نحن بصدده. وكونها سلطة منتخبة فإن ذلك يضفى عليها شرعية نسبية تسوغ قبولنا بها انطلاقاً من موقف نقدى يسعى إلى تصويب مسيرتها وليس إسقاطها أو هدمها. وذلك كله -أكرر كله- مرهون بالتزامها بمقاومة الاحتلال ورفض التنازلات، وذلك أكثر ما يعنينا فى شأن حماس.
لقد سبق أن سجلت فى هذا المكان تحفظات وانتقادات لموقف حماس السلطة. ولكن موقفها المقاوم يظل جديراً بالمساندة بغير تحفظ، رغم التكلفة الباهظة لهذا الموقف، الذى يمثل سباحة ضد تيار شرس زاحف بقوة، إقليمياً ودولياً، مسانداً لدعاة التفريط والاستسلام فى الساحة الفلسطينية.
من أسف أن هذه التمايزات بين الأوجه المختلفة لحماس غابت عن كثيرين. وأخطر ما فى ذلك الالتباس أنه ضرب أهم تلك الأوجه الذى يتمثل فى دورها المقاوم. ولا أستبعد أن تكون الأمور قد اختلطت على البعض، لكني لست أشك فى أن هناك من تعمد تشويه ذلك الدور لأسباب ليست خافية.
أن الذين يقفون ضد الإخوان وإمتداداتهم وجدوها فرصة لتوجيه سهامهم ضد حماس وإستثارة الرأى العام ضدها. والذين إلتحقوا بمركب السلطة فى رام الله وإرتبطت مصالحهم بها، صفوا حساباتهم مع حماس بإضافة المزيد من السهام التى استهدفتها. ومعسكر “الموالاة” لإسرائيل والسياسة الأمريكية أعتبر ما جرى فى رفح فرصة نادرة لتوجيه ضربة قاضية لكل تيار المقاومة والرفض فى الساحة الفلسطينية.
لقد نشرت لى صحيفة “الشرق الأوسط” يوم الأربعاء الماضى (30/1) مقالة كان عنوانها “المقاومة وليست حماس هى المشكلة” أردت فيها أن أذكر الجميع بأبعاد الصراع التى نسيها البعض وطمسها آخرون. ولأن التذكرة تنفع المؤمنين، فإننى لا أمل من تكرار ما قلت، مضيفاً “معلومة” غيبها الالتباس، وهى أن حماس ليست هى العدو ولكنه إسرائيل. وذلك تنويه وجدته واجباً، ليس فقط بسبب ما جرى، ولكن أيضاً لأننا نمر هذا العام بالعام الستين للنكبة، الذى صار البعض فيه لا يعرفون من يكون العدو.
(*) كاتب ومفكر من مصر
(المصدر: صحيفة “الشرق” (يومية – قطر) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)