الثلاثاء، 5 فبراير 2008

Home – Accueil

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2813 du 05.02.2008
 archives : www.tunisnews.net
 

 


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: إدارة سجن باجة تتحدى قرارا قضائيا بالإفراج عن أيمن الدريدي .. و تواصل احتجازه تعسفيا..! الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: تسعة شبان أمام القضاء .. بتهمة  » الإرهاب  » ..! اللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب: بيان حرّية و إنصاف: واقع الحريات – مداهمات و اعتقالات هيئة « الطريق الجديد »: تصويب واعتذار عن خبر وفاة مزعومة لتلميذ بمدينة جبنيانة معز الجماعي: مساندة واسعة لطلبة سوسة الموقوفين معز الجماعي: قابس:الشباب الديمقراطي التقدمي يحيي ذكرى 5 فيفري المجيدة شوقي بن سالم: خواطر ليلية بحري العرفاوي: حافلة المهرّجين ورحلة المجهول   عــلي شرطـاني: كفانا لعنا للظلام وسبا للحكام 3/4 محمد العروسي الهاني: قضية التنصير والخروج عن ملة الإسلام لم تجد اهتمام وكلام في وسائل الإعلام المرئية لماذا رغم 3 مقالات متوالية؟ الدكتورة منجية السوايحي لآفاق:  المرأة التونسية تحظى بقوانين لا مثيل لها في الدول العربية    موقع « السبيل أونلاين » يُـحي ذكرى الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله (الحلقة الثانية من 3) الصباح: الطالبي يشـنّ حربا على أركون والشرفي و«العقلانيين» باعث قناة حنبعل السيد العربي نصرة لـ «الشعب»: لم ألقَ دعما إلا من رئيس الجمهورية والمشاهد التونسي فقط!!! الشعب: 26 جانفي… كما عشته سجينا سياسيا الشعب: أربعة عمداء لكليات الطب يعاقبون بإنذار والأطباء الجامعيون يردون بالاضراب الشعب: وجهة نظر – لسنا بخير ! الحياة: « القاعدة » في المغرب العربي مصممة على استهداف الأجانب ا ف ب : إسرائيل: « القاعدة » وراء هجوم نواكشوط
توفيق المديني:  الاتحاد الإفريقي في مواجهة الأزمة الكينية فهمي هويدي: أسبوع الالتباس العظيم


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)

 


أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين لا تزال معاناتهم وماساة عائلاتهم متواصلة بدون انقطاع منذ ما يقارب العقدين. نسأل الله لهم وللمئات من الشبان الذين اعتقلوا في العامين الماضيين ف رجا قريبا عاجلا- آمين  

21- رضا عيسى

22- الصادق العكاري

23- هشام بنور

24- منير غيث

25- بشير رمضان

16- وحيد السرايري

17-  بوراوي مخلوف

18- وصفي الزغلامي

19- عبدالباسط الصليعي

20- لطفي الداسي

11-  كمال الغضبان

12- منير الحناشي

13- بشير اللواتي

14-  محمد نجيب اللواتي

15- الشاذلي النقاش

6- منذر البجاوي

7- الياس بن رمضان

8- عبد النبي بن رابح

9- الهادي الغالي

10- حسين الغضبان

1 الصادق شورو

2- ابراهيم الدريدي

3- رضا البوكادي

4-نورالدين العرباوي

5- الكريم بعلوش


 
 
“ أطلقوا  سراح جميع المساجين السياسيين “   “الحرية للصحفي المنفي في وطنه عبدالله الزواري“ الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 43 نهج الجزيرة تونس e-mail: aispptunisie@yahoo.fr   تونس في 05 فيفري 2008  

إدارة سجن باجة تتحدى قرارا قضائيا بالإفراج عن أيمن الدريدي .. و تواصل احتجازه تعسفيا..!

 
في تحد صارخ لسلطة القضاء ، رفضت إدارة سجن باجة إطلاق سراح السجين أيمن الدريدي بتعلة واهية هي مطالبته بخلاص خطية مالية حكم عليه بها بعد قضية ألصقت به في السجن ، و قد اتصلت الجمعية بمحاميه الأستاذ أنور القوصري الذي أكد أن الأمر يتعلق بخطية مالية قدرها ستون دينارا صدر فيها حكم عن محكمة ناحية بنزرت تحت عدد 65195 بتاريخ 13 جوان 2006 و أن كتابة محكمة بنزرت أكدت أن السجين أيمن الدريدي ليس تحت مفعول الجبر بالسجن و بالتالي فإنه لا مبرر مطلقا لعدم إطلاق سراحه . علما بأن  الدائرة الجنائية 23 بمحكمة الإستئناف بتونس برئاسة القاضي  الشاذلي بوخريص كانت أصدرت أمس الإثنين قرارا بالإفراج المؤقت عن أيمن الدريدي في انتظار موعد الجلسة المقبلة يوم 28 فيفري 2008 للنظر في القضية عدد 9765       و الجمعية التي باركت قرار إطلاق سراح أيمن الدريدي و طالبت بإنصافه بعد كل ما تعرض له من مظالم ، تطالب بالإفراج الفوري عنه و تعتبر احتجازه تعسفيا و خارج إطار القانون و تحمل إدارة سجن باجة المسؤولية كاملة عن تبعات قرارها . عن الجمعيــة        الرئيس الأستاذة سعيدة العكرمي


“ أطلقوا  سراح جميع المساجين السياسيين “   “الحرية للصحفي المنفي في وطنه عبدالله الزواري“ الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 43 نهج الجزيرة تونس e-mail: aispptunisie@yahoo.fr   تونس في05 فيفري 2008   كشف الحساب..لقضاء .. »يكافح الإرهاب  » ..! :

تسعة شبان أمام القضاء..  .. بتهمة  » الإرهاب  » ..!

 
* نظرت  الدائرة الجنائية 11 بمحكمة الإستئناف بتونس برئاسة القاضي  فاروق الغربي اليوم الثلاثاء 05 فيفري 2008  في :       –  القضية عدد 10618 التي يحال فيها كل من : عصام السليني و شمس الدين بلعيد و حافظ البرهومي و أسامة شبيل ، الذي حوكموا ابتدائيا بالسجن 5 سنوات ، بتهمة الانضمام  إلى وفاق اتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه   و قد حضر للدفاع عنهم الأساتذة عبد الجبار اليوسفي و شكري بلعيد و راضية النصراوي و سمير بن عمر و منير عمار  و قد قرر القاضي تأجيل النظر في القضية لجلسة يوم 22 فيفري 2008 استجابة لطلب المحامين  .      – و القضية عدد 10600 التي يحال فيها: عماد بالعاتي و حمزة الصهال و عبد الحكيم الأشيهب و عبد الله نبيغ و أنور جابلي، الذين تراوحت أحكامهم الإبتدائية بين عامين و 5 سنوات ،  بتهمة الانضمام داخل تراب الجمهورية  إلى وفاق اتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه  ، و كانت هيئة الدفاع متكونة من الأساتذة سمير بن عمر و عبد الرؤوف العيادي و قد قرر القاضي تأجيل النظر في القضية لجلسة يوم 29 فيفري 2008 استجابة لطلب المحامين  . عن لجنة متابعة المحاكمات        الكاتب العام للجمعية الأستاذ سمير ديلو


أطلقوا سراح القلم الحر سليم بوخذير حرّية و إنصاف 33 نهج المختار عطية تونس 1001 الهاتف/الفاكس : 71.340.860 Email :liberte_equite@yahoo.fr *** تونس في 05 فيفري 2008

واقع الحريات مداهمات و اعتقالات

·تعرض منزل السجين السياسي السابق السيد أحمد زمّيت يوم الجمعة 01/02/2008 في منتصف النهار للمداهمة من قبل أعوان شرطة بني خيار بأمر من رئيس مركز شرطة المكان فاضل الخليجني وقاموا بمصادرة كل الكتب التي وجدوها بالبيت. علما بأن السجين السياسي السابق السيد أحمد زمّيت الذي قضى بالسجن سنة 1991مدة أربعة أشهر من أجل الانتماء لجمعية غير مرخص فيها لم يكن موجودا وقت مداهمة منزله و قد خلفت هذه المداهمة ذعرا و هلعا للزوجة التي لم تتعرض لمثل هذه المعاملة منذ خروج زوجها من السجن ، و قد حاول زوجها أكثر من مرة استرجاع كتبه إلا أن رئيس المركز المذكور كان يماطل بدون سبب. ·        وقع يوم الاثنين 04/02/2008 على الساعة الخامسة مساء اعتقال الطالب أيمن الكافي أصيل منطقة بنزرت من قبل أعوان أمن بالزي المدني و تم نقله إلى جهة مجهولة و لم يقع إطلاق سراحه إلى حدود كتابة هذا البلاغ. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الأستاذ محمد النوري


 اللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب
 قفصة في 05/02/2008 بيان  

 

يمرّ اليوم شهركامل على إندلاع الاحتجاجات الشعبيّة التي انطلقت في أكبر معتمديات الحوض المنجمي بقفصة وتتواصل في معتمديتي الرديف و أم العرائس عل خلفّية اعلان النتائج النهائية لمناظرة انتداب أعوان وكوادر شركة فسفاط قفصة يوم 5 جانفي 2008، تنديدا بفساد المناظرات الجهوية والوطنية بإعتمادها المحسوبية والرشوة والفرز الأمني والسياسي، ومطالبة بحق الشغل في وقت تغرق فيه الجهة أكثر من أي وقت مضى في ظلمات البطالة والفقر والحاجة،ولفتا للرأي العام الجهوي والوطني لما آل إليه وضع التنمية من تردّ. واللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب الشهائدالمعطلين عن العمل بقفصة والتي ساندت التحركات الشعبية وفعلت فيها إذ تجدّد تضامنها مع كل الذين آلوا على أنفسهم رفض الضيم الإجتماعي والدفاع المستميت عن حياة يتوفّر فيها الحدّ الدنى من الكرامة الانسانية،فإنها تركّز على تحوّل مطلب الشغل من مبتغى مجموعة صغيرة من أصحاب الشهائد المعطّلين عن العمل إلى قضية رأي عام بكامله، إستطاع متساكنو الحوض المنجمي رفعها إلى موقع الصدارة والجدارة بكلّ ما يكابدونه من صبر وتعب وجوع عبر شتى الأشكال الاحتجاجية المدنية التي يخوضونها . واللجنة الجهوية لا يسعها إلا أن :   (1) تثمّن كل أشكال المساندة التي تلقّاها محتجو الحوض المنجمي وخاصة زيارات الوفود الحزبية والجمعياتية والنقابية التي مثّلت حافزا قويّا بإمكانه أن يكون عماد حركة إجتماعية صاعدة ومتجذّرة . (2) تشكر كل الفضاءات الإعلامية الحرّة التي كسرت طوق التعتيم ونقلت للرأي العام الوطني صمود المحتجّين وشرعية مطالبهم بعيدا عن التشويه والتقزيم والتهويل. (3) تنادي بالإسراع بتشكيل « المجلس الجهوي لنصرة الاحتجاجات الشعبية » كإطار يفعّل كلّ أشكال المساندة الحاصلة ويعرّف إعلاميّا بملابساتها وتداعياتها، وينفتح مستقبلا على كل ما ستعرفه الجهة من مثل تلك التحرّكات التي ولا شكّ ستتعاظم وعلى خلفية الإهمال و تواصل نفس الخيارات الإقتصادية والإجتماعية المجحفة. كما تجدّد دعوتها لسلط الاشراف للكفّ عن سياسة الصمت والتجاهل، وأن تسرع بمعالجة الأوضاع الخطيرة بالحوض المنجمي معالجة جدّية وسليمة تكون في حجم الاحتجاجات والمطالب المشروعة والصّارخة للآلاف من أبنائه.     اللجنة الجهوية للدفاع عن أصحاب  الشهائد المعطّلين    المنسق : عفاف بالناصر


تصويب واعتذار
 
      تعلن هيئة « الطريق الجديد » أن الخبر الوارد بالعدد الأول للجريدة في شكلها الأسبوعي الصادر يوم السبت 02 فيفري 2008 والمتعلق  بوفاة مزعومة لتلميذ بمدينة جبنيانة إثر تعرضه للتعنيف، هو خبر لا أساس له من الصحة، ولذلك وجب التصويب والاعتذار. وتعتذر هيئة التحرير لدى قرائها الكرام والرأي العام بصفة عامة عن هذا الخطأ الذي وقعت فيه عن غير قصد رغم التحريات التي قامت بها قبل النشر والذي يبين مع الأسف أن الإعلام مهما كانت درجة جديته ونزاهته ليس في مأمن  من  الشائعات, كما تتعهد بأنها ستلازم مستقبلا أرفع درجات اليقظة لتجنب تكرر مثل هذا الخلل وتعد القراء بالمثابرة في رسالتها النبيلة خدمة لقضايا الوطن والشعب وبالاستمرار بجد ومسؤولية على درب الإعلام الموضوعي والهادف. 
 مدير التحرير

هشام سكيك

 

 

قابس:الشباب الديمقراطي التقدمي يحيي ذكرى 5 فيفري المجيدة

 

أحيي الشباب الديمقراطي التقدمي بقابس ذكرى 5 فيفري المجيدة بعقد ندوة حول تاريخ الحركة الطلابية في تونس ، ترأسها الطالب « عبد السلام العريض » ونشطها الأستاذان « ماهر حنين » و المنجي سالم » تطرقا خلالها إلى فترة بداية السبعينات و الأزمات التي مر بها إتحاد الطلبة ، و ركزا على الصراع  الإيديولوجي الذي عاشه الطلبة في تلك الفترة و أسفر عن انسلاخ الإسلاميين و تكوين منظمة نقابية أخرى نجحوا في عقد مؤتمرها . وتضمنت كلمة « ماهر حنين » أطوار عقد المؤتمر 18 خارق للعادة وما افرزه من شعارات و مواقف و أحداث. فتح إثر ذلك باب النقاش و كان في شكل تدرج وتواصل بين الأجيال .وفي نفس السياق ذكر الأستاذ « رضا الماجري » تجربة جيله الذي شارك في مؤتمر 19 .وتركزت مداخلات الطلبة حول الأزمة التي يعيشها الإتحاد العام لطلبة تونس في هذه الفترة بسبب الصراع بين الأطراف النقابية و انتهازية البعض منها و تعمدهم خدمة مصالحهم الخاصة عوضا على الدفاع عن الطلبة. وختم رئيس الجلسة الندوة بدعوة الطلبة الحاضرين إلى تشكيل لجنة طلابية بجهة قابس للدفاع عن طلبة سوسة الموقوفين.   معز الجماعي  

  

مساندة واسعة لطلبة سوسة الموقوفين

 

 
احتضن مقر جامعة سوسة للحزب الديمقراطي التقدمي اليوم التضامني الذي دعت له اللجنة الوطنية لمساندة طلبة سوسة الموقوفين ، حضره العشرات من مناضلي الإتحاد العام لطلبة تونس قدموا من مختلف الجهات ، وعدد من ممثلي مكونات المجتمع المدني (مختار الطريفي:رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان_راضية النصراوي:رئيسة جمعية مناهضة التعذيب في تونس_أحلام جفال:من جمعية النساء الديمقراطيات_مية الجريبي:الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي_حمة الهمامي:الناطق الرسمي بإسم حزب العمال الشيوعي_ممثلين عن جمعية النهوض بجمعية الطالب الشابي…). و انطلقت فعاليات اليوم باجتماع عام ترأسه الناشط الحقوقي « عبد الرحمان الهذيلي » وأفتتحه الصحفي « رياض لحوار » بكلمة تطرق من خلالها إلى التعريف بقضية طلبة سوسة وحيا فيها المحامين الذين تطوعوا للدفاع عن الموقوفين . وفي نفس السياق طالب مختار الطريفي بإطلاق سراح الطلبة و اعتبر أن التحرك الذي اعتقلوا من اجله يندرج ضمن نشاطهم النقابي و لا يستحق هذا العقاب . و أفادت المحامية راضية النصراوي أن الموقوفين يواجهون أحكاما بالسجن تتراوح بين 4 و 6 سنوات حسب التهم الموجه لهم ووصفتها بالخطيرة .وانتقدت السيدة مية الجريبي سياسية السلطة تجاه الشباب وتضمنت كلمتها أرقام بعض الإحصائيات الرسمية التي تأكد تهميش الشباب التونسي وعزوفه عن المشاركة في العمل السياسي والجمعياتي و اعتبرت أن الحملة التي يتعرض لها مناضلي إتحاد الطلبة غير معزولة عن استهداف رابطة حقوق الإنسان و الأحزاب السياسية و الجمعيات الحقوقية…واتفق جميع المتدخلون على ضرورة البحث في تطوير و تصعيد أشكال مساندة الطلبة لإجبار السلطة على إطلاق سراحهم. وتخلل اليوم مدخلات شعرية للشاعر رضا الماجري مع مرافقة موسيقية لفرقة النداء أبدعتها الفنانة الشابة ألفة البعزاوي . و توج هذا التحرك النضالي بوقفة احتجاجية أمام مقر جامعة الديمقراطي التقدمي رفعت فيها لافتة و شعارات تطالب السلطة بالإفراج الفوري عن المعتقلين و إيقاف التتبعات في حق المطلوبين وأراد المحتجون تطوير الوقفة إلى مسيرة سلمية جوبهت بالمنع من قبل الأمن. *هوامش : -انتشر  عشرات أعوان الأمن في كل الانهج المؤدية لمقر اليوم التضامني. -ضربت فرق الأمن السياسي في الجهات مراقبة أمنية لصيقة على المناضلين المتوجهين إلى مدينة سوسة. -اكتفى المشاركون في اليوم التضامني بأكل الخبز فقط في وجبة الغذاء تضامنا مع الموقوفين. -قرر عدد من الطلبات و المناضلات تشكيل لجنة مساندة نسائية نظرا لوجود الطالبة كريمة بوستة ضمن الموقوفين. -ألقت طالبة من جامعة سوسة عدد من قصائد الشاعر شاكر بن ضية (أحد الموقوفين) في حركة للتعريف بإبداعات شاعر شاب أكرمته السلطة بالسجن. -رفع الطلبة خلال الاجتماع العام عدد من الشعارات الحماسية « يا سجين لا تهتم الحريات بدت بالدم » « يا شاكر يا رفيق الحرية في الطريق » « وحدة وحدة طلابية ضد الهجمة البوليسية » « صف واحد في النضال أساتذة وطلبة و عمال « .   سوسة : معز الجماعي  

 
خواطر ليلية
 
1: تابعت منذ أيام على موقعكم خبر مقتل تلميذ بمدينة جبنيانة التابعة إداريّا لولاية (محافظة) صفاقس  إثر مظاهرات شهدتها المنطقة تضامنا مع أهالي غزة المحاصرين. وورد في الخبر أنّ مقتل هذا التلميذ كان نتيجة إفراط في استعمال القوة من طرف قوات الأمن وقد أكدت قناة الجزيرة هذا الخبر في إحدى نشراتها الإخبارية. والحقيقة أنّ الخبر صدمني أولا لأنني أصيل المنطقة وأعرفها كما أعرف أصابع يدي وقد تقصيت مدى صحة هذه الحادثة من أطراف عديدة ولكن لا أحد يعرف هذا التلميذ حتى أهالي منطقة (أولاد حسن) التي زُعم أنّ التلميذ المقتول ينتمي إليها. وإذا كنتُ لا أنكر حقّ أيّ جهة أو أيّ طرف في نشر المعلومة وتداولها فإنّي أنكر إنكارا شديدا عدم الاعتذار على نشر مثل هذه الأخبار الزائفة.. اعتذار للقارئ واعتذار للوطن. وإذا كنت أنكر أيضا مبدأ تخوين الأشخاص مهما كانت درجة الخلاف معهم فإني أتساءل عن مصلحة هذه الأطراف في نشر مثل هذا الخبر المسيء إلى الوطن كما أتساءل عن الغايات من نشره ومن المستفيد منه ؟ ولا شكّ أنّ التكذيب الذي نشره فرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بصفاقس حول هذه الحادثة قد ألقى بظله على مصداقية بعض الجمعيات والمنظمات التي تدعي الدّفاع عن الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الرأي وتبيّن مدى سقوطها في ممارسات تتنافى مع أبسط قيم حريّة التعبير. ولا شكّ أيضا أنّ الاختلاف مع السلطة لا يبرر بأيّ منطق تشويه سمعة البلاد بنشر أخبار زائفة وإثارة الناس ومغازلة عواطفهم وأحاسيسهم لتحقيق أهداف مشبوهة. لذلك فإنّ الواجب الديمقراطي والوطني يدعونا إلى دعوة هذه الأطراف إلى الاعتذار العلني  لكلّ مواطن تونسي ولأهالي منطقة جبنيانة حتى ما لحقهم من ضرر. 2: انسحب منتخبنا الوطني لكرة القدم من دور الثمانية إثر هزيمته أمام منتخب الكامرون وكما هي ألقينا بكلّ التهم على التحكيم والطقس والكهرباء والحكم المساعد باستثناء المدرب الوطني بشقيه اللوماري والمعلولي وباستثناء أعضاء الجامعة الوطنية لكرة القدم. الصحافة الوطنية لم تسلم أيضا من سهام النقد والاتهام بسبب ما سببته للاعبينا من توترات نفسية واضطرابات عاطفية جعلتهم غير قادرين على تحقيق الفوز. والآن ماذا سيقول الذين طلبوا منّا الصمت قبل انطلاق بطولة إفريقيا فهل سيحاسبون أنفسهم كما وعدوا ؟ وللحديث بقية شوقي بن سالم اعلامي  

حافلة المهرّجين ورحلة المجهول

   

 
 » عازْمينْ ، عازْمينْ . دهْسا دهْسا علْبنْزينْ  » لا تنقطع أصوات الرّاكبين ولا يجفّ ريقُهم  ولا ينشغلون بما حولهم مما يحدث خارج الحافلة إذ تخترق بهم سُبُلا وفجاجا وطقوسا وأزمنة  . .. حافلة تكسوها رسوم دعاية وإشهار وشعارات مديح وولاء وخليط ألوان يغمرها اللون الأحمر والبنفسجي المستعار.   السائق مشدود إلى المقود شدا كما لو أنه يخشى أن يفلت منه أو يخشى أن تنحرف الحافلة عن مسار لا يدري أحد من يرسمه أو من يرسم محطاته، كان مغمورا بنشوة لا حد لها إذ يستمع إلى تلك الحناجر لا تكف عن الهتاف وعن التحريض على عدم التوقف أو حتى التريث والتثبت من مدى سلامة الطريق أو سلامة الحافلة نفسها … كانت تعتمل فيه نوازع بشرية متضاربة: تردد ومغامرة، اندفاع وتوجس، إقدام وخوف. لم يكن يقدر على البوح بالكثير مما يجد في نفسه … الراكبون لا يتركون له لحظة صفاء هادئة يغوص فيها إلى أعماق ذاته، إنهم لا يهدؤون ولا يهجعون وكأن الحافلة تستمد من ضجيجهم وقود اندفاعها وقدرة احتمالها للهزات والإصطدامات ووعورة الطريق والتواءاته وأوحاله ومنزلقاته. خارج الحافلة، تتبدل المشاهد وتتغير الجغرافيا ويتعاقب الليل والنهار وتتحرك الطبيعة في سيرورتها وتجددها وفناء بعض عناصرها …. ولكن الراكبين لا يجدون تبدلا ولا تغيرا في طقس أو مشهد أو زمن ولا يستمعون إلى ما ينبعث من أصوات أو صيحات أو رياح أو رعود، ولا يبصرون ما يتلبد فى السماء من سحب أو ما  يلعج فيها  من برق أو يتلألأُ من نجوم …. إن مساحة العالم لديهم لا تتجاوز مساحة كراسيهم في الحافلة ولا تتجاوز الحركة في وعيهم حركتها إذ تتجه بهم إلى….. يكفيهم أنهم راكبون وأنها تتحرك بهم، ليس عليهم إلاّ المحافظة على حماسة السائق حتى لا ترتخي أعصابه ولا يقربه تردد أو توجس ولا تنتابه فكرة إيقاف الحافلة بغاية تفحص مدى سلامتها أو تشوف نهايات الطريق…..  » لا تقف لا تقف، يا زعيم لا تخف « ….. بصوت واحد يهتفون، يكاد يطير سقف الحافلة بدوي التصفيق والصياح.   تتملك  » الزعيم » نشوة قصوى وتأسره نوازع بشرية، يكاد يصدّق أن مصائر الناس بين يديه ـ إذ يمسك على المقود ـ وأن الطبيعة خاضعة لما يتمنى الرّاكبون، لا يليق بي أن أخذل  » الجماهير  » لا توقف ولا تردد ولا تراجع ولا سماع لغير أصوات هؤلاء ، نحن  » الفرقة الناجية  » إننا نعيد تجربة نوح إذ أركب في السفينة أهله وأخذ من كل زوجين اثنين، ليكن الطوفان بعدنا وليغرق الباقون في فوضى أو مجاعة أو وباء …. ولكن نوحا كان نبيا ـ يقول في نفسه ـ والذين رافقوه كانوا من الصالحين، فهل أكون وهؤلاء من الناجين حقا؟ تكاد تصحو فيه فطرته الإنسانية ويجد في أعماقه نداءات المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، يتذكر تفاصيل مؤلمة من طفولته وشبابه فيرق قلبه لمن يعرف جيدا حالهم ويعرف ما عانوه ويعانونه من ظلم وحرمان وخوف …. يرفع ساقه من على  » الدواسة » ويلقي بنظرة سريعة إلى يمينه، يبدو أنه قرر إيقاف الحافلة، ينتصب الراكبون جميعا واقفين ويهتفون:  » لا تقف لا تقف، يا زعيم لا تخف » « يا زعيم الزاعمين، دهسا دهسا علبنزين  »  » يا زعيم يا بطل، أنت القائد أنت الحل » ونداءات أخرى تتمنى الطبيعة البشرية أن تنال حظا منها، يحتاج الفرد طاقة روحانية كبرى وأخلاق صدق كي لا تفعل فيه المدائح فعلها ولا تحجب عنه رؤية الظواهر على حقيقتها  فلا يغتر ولا ينسى ولا يحسب نفسه من الخالدين. هل يجد هؤلاء متسعا من الوقت لقراءة التاريخ والوقوف على تجارب أمم سابقة ونهايات أمثالهم ممن ألهتهم الحاشية والماشية عن أنفسهم وعن أهلهم من المحتاجين إلى رعايتهم وعنايتهم ؟ حاشية لا ترتوي من ضمإ ، تشرب ماء مالحا وتعكر كل صفاء ولا ترقُّ قلوبهم لمن تعتصرهم الحاجة والآلام . هاهم يدفعون بالحافلة إلى وجهة غير معلومة مُنغمسين فيما تزوّدوا به من أمتعة ولذات السفر واحتياطي يسد حاجة مُدن بأكملها يُسرفون ويلتهمون كما لو أنهم على عجل يخشون أن تتخطفهم الحوادثُ قبل أن يُكملوا لذتهم القصوى … يخشون أن يطرأ على الحافلة عطبٌ ، يخشون قرارا مُحتملا من السائق بالتوقف ويتوجسون كثيرا من مفاجآت الطريق ومن عنف تقلبات الطبيعة والجغرافيا …. يستقوون على حالات الخوف والقلق بمزيد التهريج والهتاف :  » للأبدْ للأبدْ ، يا زعيم يا أسدْ  »  » سوق سوقْ يا مرزوقْ ، أنت الصانعْ ، نحن السُّوقْ  » … أصواتٌ أشبه ما تكون بغمغمة الأفواه المنشغلة بالطحن أو الحناجر المسدودة بالطحين ، لا يتوقفون عن هتاف ولا يكُفّون عن المضغ ، بطونهم مُثقلةٌ وجُيوبُهم ، لا يكادون يقوون على حركة لولا وسائل حديثة يستعينون بها لتسريع الهضم وتنشيط الأجهزة الإلتذاذية … ثقالٌ أثقلوا على الحافلة حتى باتت تزحفُ زحفا تُثير غبارا ودخانا و ينبعثُ من محركها أزيز أشبه ما يكون بزفير أو شخير ….. من يراهم يحسب أنهم متآلفون متحدون وأنهم مجمعون على قرار، ولكنهم غير ذلك لا تخلو علاقاتهم من مجاملات خاوية من وهج المحبة والصدق والإيثار والوفاء  لا يكفون عن نميمة وعن نهش في  عرض أو سيرة من انشغل عنهم للحظة، الكل عيناه على مقعد غيره من مقاعد الحافلة الأمامية ، يبذل كل واحد أقصى دهاء وتآمر كي ينجز تقدما ولو بمقعد واحد حتى تكون صورته ووجهه أكثر قربا من السائق ، بل إن  أحدهم وحين أعيته الحيل والمؤامرات والدسائس عن بلوغ مقعد يشتهيه اختلق لصاحبه تهمة مهلكة كادت تقضي بإلقائه من نافذة الحافلة وهي بحالة سير سريع ـ لقد اتهم بالطمع في مقعد السائق ـ . كان الفقراء والمعطلون والكثير من أصحاب الأسئلة قلقين مما ينتظرهم إذ لا يعرفون ماذا ينتظرون ولا كيف يمكن أن يتصرفوا حيال ما يعيشونه من ركود وغموض . يلتقون كلما أتيحت لهم فرصة يتباحثون ويتواسون ويتبادلون الطرائف والنوادر وفيها ما هو من إبداع الخيال ـ الخيال هو فضاء الحرية لمن ضاق بهم الواقع ـ قال شيخ مسنٌّ : لقد شاهدت بأم عيني أسدا تنهشه الثعالب ، تعجّب الحاضرون والمحوا إلى تكذيبه ، قال لقد استُدرج إلى غار ضبع حيثُ أُقيمت له مأدبة دسمة وقُدّم إليه من الشراب أنواعا ونُقرت له الدفوف ونُفخ في المزامير حتى إذا ما أُتخم وبشم وسكر ضاق به الغار وعجز عن الخروج منه فضاق صدره حتى هلك فتسارعت الثعالب نحوه تنهشه وتنكل بجثته ولا تذكر غير بطشه واستبداده بالربوع والغابات وينابيع  الماء ، لم يذكره ثعلب واحد بما كانوا يرددون على مسامعه من الثناء والدعاء بل ولا أحد أخذته الغيرة على جثمانه فيدفع عنه الذباب يحط على عينيه وشفتيه ولسانه وأنيابه كأنهم يتشفّون من ميت إذ أرهبهم حيّا . .. ذهب كل من الحاضرين مذهبا في فهم وتأويل ما رواه الشيخ المسن ، علق شاب متعلم : أستبعد أن يزحف أسد لولوج جحر ضبع وأستبعد أيضا أن تنطلي حيل الثعالب على الأسود . قال الشيخ المسن : إن وهم القوة مُذْهبٌ لوهج الحكمة ، وإن أغبى الكائنات أكثرها بطشا  والمستكبرون يتحللون ويرتخون بالمديح فيسهل الإيقاع بهم … علقت امرأة بصوت عال وكأنها غاضبة : الأسود اليوم في أقفاص الحدائق يتردد عليها السياح يتسلون بها ويلقون إليها من الفتات ما يجعلها تتمسح كالقطط … ضحك الأطفال والبنات وقالوا ببراءة : خذونا إلى أقفاص الأسود نُشاهد تمسحها ووداعتها ، إننا لم نسمع إلاّ عن زئيرها ووقارها ومهابتها …. وردد طفل أبياتا شعرية حفظها من خارج الكتب المدرسية : أُسْدٌ بأقفاص حدائق السّيّاح تطمع في الجيف ويروضها سوط …. فترقص دون دف يتحلق الصبيان خلف سياجها …. يخشونها يتوددون إليها ضربا بالأُكف أُسْدٌ تمصّ الحلوى…. تلهو بالتحف يمتصّ من دمها القراد والذبابُ … فترتخي وتُحرّك أذنابها نحو الكتفْ أُسْدٌ وتعوي كالذئاب إذْ تجوع … وترتجفْ وتموء كالقطط .. تنطُّ وتختطفْ السركُ في التلفاز بالألوان يكشف … يعترفْ طابور أُسْد كالجراء يُهرولُ ،،،،، والسوطُ خلْفهُ ينعطفْ ………………………………………. كان الحاضرون ينصتون وعلامات الإبتهاج تطفح على وجوههم تشوبها تقاسيم تخوف من التأويلات القُصوى للنص لو وقع تحت أنظار مُتشممي النوايا والعقائد . لماذا يخاف أناس من الكلمات وليست ذات أنياب ولا مخالب ؟ حتى أولائك الممسكين بأدوات الإيذاء المادية يخشونها … كذا يخشى  مفتعلو الحرائق الغيوم تُبرّد مفعول نوازعهم المستعرة . قال الشيخ المسن إذ قرأ في عيون الحاضرين بعض التخوف : لا خوف من الكلمات ، ما لم تشحن بالدّيناميت ، إنما الخوف من الصّمت ، لايُعرفُ ماذا ينوي الصامتون أو ماذا يتمنون أو يُضمرون …. خاض أولائك في مواضيع شتى وامتزجت فيهم عواطف وأشواق وتداخل الجد والهزل وأكلوا من كد يمينهم مجتمعين متآلفين ….. فجأة وكما لو أن صيحة أخذتهم أو نودوا من بعيد اشرأبت أعناقهم وانشدت أبصارهم إلى ……. لم يكد أحد يتبين  » الجسم  » الذي يدهمهم حتى تعالت صيحاتٌ وتداخل العويل والصراخ …  » الحافلة  » زحفت على الحيّ ودهست أطفالا وشيوخا وشبابا وكهولة الوعي الذي استجمع أوجاع الناس وأحلامهم …  » حافلة  » كان الأطفال يتمنون لو حملتهم إلى حديقة الحيوانات يُشاهدون الأُسُود في أقفاصها تتمسح على أحذية السياح وتموء كما القطط  تنُطُّ تختطفُ الفتات وتتمرغ كالجراء . لم يكن أولائك يعلمون أن الحافلة تلك ليست مخصصة لنقل المسافرين وليس فيها من مقعد شاغر لأحد من  » المنتظرين  » ولا تتوقف عند محطة ، بل وليس لها من محطة معلومة أصلا ، ولا يركبها إلاّ بهلوانيّ ممن يُجيدون الإرتماء على كلّ سير نحو …… …  ما الذي حدث ؟ من أين أطلت هذه الآفة ؟ إلى أين تتجه ؟ ما الذي جنيناه حتى تزحف على أمننا وصبرنا وتُلحق بنا كل هذا الأذى ؟ ….. أسئلة تتدافع على ألسنة أولائك الطيبين تقطر مرارة وغُبنا ، لم تترك إليهم  » الحافلة  » إجابة ولا إشارات اعتذار ، لم تترك إليهم غيرَ الغبار والدخان . وفيما كان بعض الحاضرين يتحاملون على أوجاعهم يحاولون معالجة المشهد ، كانت امرأة ـ تجترع المرارة ـ تحلُّ ظفائرها وتدفع بشَعر ناصيتها باتجاه غبار الحافلة مستغرقة في أدعية تشّقّقُ لها الجروحُ المُنْدملة : اللهم أعْطبْ مركوبهم ،وضيّقْ قلوبهم ، ووسّع ثُقُوبهم ، وبرّدْ جُنُوبهم ، ومزّقْ جُيُوبهم ، وضيّقْ قلوبهم ، وعظّم كُروبهم ، واكشفْ عُيُوبهم ، وخسّرْ حروبهم ، وغبّرْ دُروبهم ، وذرّرْ حُبوبهم ، ،، وأدعية أخرى لا تحتملها حمالة الدلالات ، أدعية ليس لها من ترجمة غيرُ قاموس الوجع والحزن وزفرات المغلوبين لايتسع إليها  غير العالم الرحب إذ تنزاح من أمامها الحُجُبُ . … كانت المرأة تلك تُنشدُ أدعية كما لو أنها في لحظة تجلّي الصّوفيين وكان الكثير من الحاضرين يُؤمّنون بأيْد مرفوعة وأكفّ مبسوطة كما لو أنهم يستسقون السماء رحمة وعدالة . … لم يكن الشيخ المسن يؤمن مع الآخرين ولكنه أبى أن يقطع عليهم لحظة استفراغ الألم ، وما إن عمّ الصمت حتى تكلم في هدوء ووقار : الدعاء بالهداية أحقّ من النكاية ثم اندفع في الدعاء : اللهمّ اهدهم ولا تُرْدهمْ ، وبصّرْهم ولا تكسّرْهم ، وأرْجعهم ولا تُضيّعْهم ، وعرّفْهمْ ولا تُخوْفهم ، وعطّفْهم ولا تُجفّفْهم ، واشرحهم ولا تُشرّحْهم ، وسدّدْهم ولا تُشرّدْهم ….  كان يدعو مُخلصا صادقا يُغالبُ أوجاعه ويجترع مرارة أحزانه وأحزان رفاق الغُبار والدّخان … ولكن الحاضرين كانوا يكتفون بسماعه ـ احتراما له ـ ولا يُؤمّنون ولا يجدون في أنفسهم مساحة للدعاء إلى من آذوهم وأبكوا صغارهم وغمروا أحلامهم وبراءتهم في الدخان والغبار . لم يؤاخذهم الشيخ إذْ سكتوا على أدعيته : أعرفُ أن الظلم خزّانُ أحقاد ، وأعرف أن الأحزان منبتُ المنتقمين ـ قالها في نفسه ، سائلا الله حُسْن العاقبة ـ الراكبون يمنعهم الهرج والصخب من سماع دعاء أو بكاء ، وتمنعهم النشوة القصوى من تذكر أتعاب شركائهم في الماء والتراب وطبقات السماء ، يمنعهم أزيز المحرك من الوعي بتبدل الطقس أو حركة الزمن وتمنعهم النوافذ الداكنة من رؤية تضاريس الجغرافيا … ولكل ذلك يحرصون على ألاّ يتركوا للسائق فرصة لتأمل مشهد حيّ نابض بأسئلة الناس ، إنهم يحاصرونه بمشاهد يرسمونها في الهتافات والشعارات الخاوية ، ولا يتركونه لنفسه يخلو إلى صفائه الإنساني وفطرته السّوية  ، إنهم ليسوا آمنين ، أعمالهم ريبة في قلوبهم ، يخشون عواقب صنيعهم ويُخوّفون السائق أيضا من سوء عاقبة التردّد أو التوقف ، هو يُدرك في قرارته أنهم ليسوا على قلب رجل واحد ويعرف أيضا أن الريح من ورائه ليست ساكنة وأن الذي قُبالته سراب … هل يقرر السائق إيقاف الحافلة والرجوعَ راجلاً إلى أهل القرية ؟ هل يقدر على إنزال الرّاكبين المهرجين والعودة بالحافلة إلى أهله يحملونه ويحملهم ؟ أم تأسره النشوة الواهمة بين الكرسي والمقود فيواصل ؟؟؟؟ بحري العرفاوي ـ تونس ـجانفي 2008  


كفانا لعنا للظلام وسبا للحكام 3/4

 

 
– ماذا عن الإنقسام الإجتماعي في البناء الحضاري أو أين الخلل؟ إن النسق التاريخي العام في بناء الحضارات يتجه دائما، أو في الغالب الأعم، إلى الوحدة والإنسجام، لا إلى الفرقة والإنقسام. وحدة وانسجام يتخللهما اختلافات وتباينات في الإطار المرجعي الواحد عقائديا وفكريا وفلسفيا. فكذلك كان الأمر في الثقافات والحضارات القديمة. في ثقافة وحضارة اليونان والرومان والفرس والصين القديمة، وغيرها من الثقافات والحضارات. وعلى هذا الأساس وعلى هذه القاعدة، قامت الحضارة الغربية المعاصرة. فقد كان التناقض والخلاف بين تعاليم وقيم وفكر الدين الكنسي المحرف، والعقل والعلم والحكمة. وهو تناقض وخلاف نتج عنه اختلاف فكري وعلمي ومعرفي وثقافي بين الثابت الجامد والمتغير المتطور، وانقسام في البنية والتركيبة الإجتماعية الغربية، بين أنصار القديم، ومن لهم مصلحة فيه، و أنصار الحديث ومن لهم مصلحة فيه. بين الكنيسة والإقطاع، والفلاسفة والمفكرين الأحرار والطبقة البورجوازية والرأسمالية عموما. فلئن كان الإختلاف حقيقيا، والإنقسام حقيقيا وحادا، إلا أنه في نفس التركيبة الإجتماعية، في إطار نفس المرجعية العقائدية والفكرية والثقافية، بعيدا عن كل التأثيرات الخارجية. وكانت معركة طويلة انتصر فيها العقل على النقل المحرف، والعلم على دين الخرافة والأسطورة والأوهام، والجديد على القديم، والتطور على الجمود، ليتواصل الخلاف في إطار الإنسجام الثقافي والفكري والفلسفي، وفي إطار الدين الواحد، وفي إطار العلم والتقنية، وفي إطار نفس التركيبة الإجتماعية التي انتهى إليها الصراع بين العلماء ورجال الدين، وبين مؤسسة الكنيسة ورجال الإقطاع والطبقة البورجوازية والرأسمالية المتوحشة التي كان لها الفضل في بناء هذا المجد الحضاري للغرب الصليبي. فلئن كان قد حصل انقسام في تركيبة المجتمع الغربي، فليس ذلك إلا ما يقتضيه ويحتمه التدافع بين الناس، ليكون التغيير المطلوب، ولتتواصل صناعة الإنسان للتاريخ، ولحسم التناقض بين أطراف الصراع، ليكون البقاء للأفضل. وبذلك ينتهي الإنقسام الإجتماعي، ليحل محله الإنسجام في إطار الإختلاف في الرأي بحسب المواقع والمواقف والمصالح. وظل المجتمع الغربي يبدع ويصنع الحدث العلمي والتاريخي في إطار الثقافة الليبرالية الحرة التي هي ثقافة الطبقة البورجوازية والرأسمالية وما تفرعت إليه من مدارس وتيارات ومناهج في العلم وفي الحكم. صحيح أنه لا بد من التناقض والإختلاف والإنقسام في نفس تركيبة المجتمع، ولكن يجب أن لا يستمر ذلك، لأن الإستمرار معيق لعملية التغيير والتقدم والبناء الحضاري. وما احتدام الصراع وبلوغ التناقض حدودا قصوى بين الرأسمالية والإشتراكية إلا وجه من أوجه الإختلاف في نفس الإطار الثقافي والحضار1« « «                                             ي الغربي. وقد رأى العالم كيف أن المعسكر الشرقي أبى إلاّ أن يقوم على الإنسجام، ولكن أراده أن يكون انسجاما تاما ليس لأحد أن يكون على خلاف مع أصحابه فيه، مما عجل بسقوطه. وما الحرص على الإنسجام والإبتعاد عن الإتقسام إلاّ دليل على أنّ الإنسجام الفكري والثقافي والإجتماعي هو أساس البناء الحضاري. وفي الوقت الذي كان فيه الغرب حريصا على الإنسجام الإجتماعي للنجاح في البناء الحضاري، كانت النخبة العربية الإسلامية في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين حريصة على الإنقسام الذي تريد مع وجوده إحداث نهضة عربية إسلامية، وأن تكون طرفا يحسب له حسابه في المعادلة الدولية، وأن تتحمل فيه الشعوب المسؤولية في التغيير وصناعة الحدث التاريخي والحضاري؟! وإذا كانت تجربة الغرب هكذا ومن قبلها تجارب كثيرة في البناء الحضاري، فإنّ التجربة الإسلامية كانت رائدة في ذلك، وكان الإنسجام العقائدي والفكري والثقافي في إطار القبول بالإختلاف هو قاعدتها في ذلك. – أين الحل؟ لعل الحل يكمن في ما بدا حتمية تاريخية وقاعدة ثابتة من قواعد البناء الحضاري ودور الشعوب فيه، والمتمثل في الانسجام الإجتماعي في إطار المرجعية الثقافية الواحدة، وما تسمح به فيها من اختلاف. وانسجاما مع هذه القاعدة التي قامت عليها الحضارات القديمة، والحضارة العربية الإسلامية من قبل، والحضارة الغربية المعاصرة، فإن الانقسام الإجتماعي لا يمكن أن ينتج عنه شعب يكون قادرا على صناعة الأحداث، ومسؤولا على إحداث التغيير والمساهمة في النهضة والبناء الحضاري. وأنه على كل أمة إذا كانت تريد أن تكون شعوبها مسؤولة على التغيير وصناعة الأحداث الكبرى والمساهمة في البناء الحضاري أن تبحث لنفسها عن الإنسجام في إطار التنوع في تركيبتها الإجتماعية. وقد رأينا كيف أنّ ذلك كان طريق الأمة العربية الإسلامية في البناء الحضاري العربي الإسلامي. وأنّ ذلك كان طريق الغرب في ذلك، بدءا بالطبقة البورجوازية الرأسمالية، ومرورا بالثورة البلشفية وبالثورة الصينية، وانتهاء بالثورة الإسلامية (الشيعية) في إيران من العالم الإسلامي (يتبع) عـــلي شرطــاني قفصة في :04/ فيفري/ 2008 تــــونس


 
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أفضل المرسلين   الرسالة رقم 390 على موقع تونس نيوز الحلقة الثالثة بقلـم : محمـد العروسـي الهانـي مناضل – كاتب في الشأن الوطني والعربي والإسلامي    المستقلة دورها محمود ونريد المزيد بحرية الصناديد وشجاعة   فـي الصميـم

قضية التنصير والخروج عن ملة الإسلام لم تجد اهتمام وكلام في وسائل الإعلام المرئية لماذا رغم 3 مقالات متوالية؟

 

أواصل الحديث للمرة الثالثة وحول موضوع تنصير شبان في تونس وخروجهم عن الدين الإسلامي وملة الإسلام وفعلا خرجوا من النور إلى الظلمات. وغيرهم من شباب أوروبا في الغرب والشرق وفي أمريكا وغيرها اعتنقوا الدين الإسلامي وفتح الله قلوبهم وعقولهم وأفكارهم والحمد الله وخرجوا من الظلمات ودخلوا النور، نور الإسلام والهداية والرحمة والتسامح والطهارة والصدق والنظافة والوفاء والإخلاص والإثارة وحب الناس وخدمتهم والتضحية من أجل الكرامة والعزة والأخوة الصادقة والتعاون والتضامن والتحابب في الله. والتصالح من أجل مصلحة الوطن والقناعة والزهد في متاع الدنيا ومساعدة الآخرين من المحتاجين والفقراء والمساكين. هذا هو الدين الإسلامي وثوابته ومبادئه الخالدة جعلت شباب أوروبا يدخلون أفواجا أفوجا في دين الله عن قناعة وإيمان وعقيدة بعد استعمال العقل والتفكير وجدوا نعمة الإسلام وطريق الحق والهداية بعد حيرة دامت سنوات وفراغ روحي والحمد لله. بعد هذه الحيرة والإحباط النفسي والانتحار والفراغ جاء نور الدين والهداية وأنعم الله على عباده بنور الإسلام الحق وفتح عقولهم وقلوبهم وفازوا بنور الهداية الإلهية. قال الله تعالى : »إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء » صدق الله العظيم. هذا شباب أوروبا، أما شبابنا في تونس والجزائر والمغرب تركوا دينهم وملتهم ونور الهداية. وباعوا أنفسهم بحفنة من المال والشيطان وخسروا الدنيا والآخرة وهو الخسران المبين والخزي والعار وعذاب الله يوم لا ينفع مال ولا بنون « إلا من أتى الله بقلب سليم » صدق الله العظيم. هؤلاء فئة ليس لهم أي نجاة ولا أمل ولا ملجأ ولا رحمة ولا شفاعة يوم الفزع الأكبر لأن هذه الفئة ارتدت عن دينها ومن ارتد عن دينه فهو من الخاسرين ومن الملعونين… هذا في خصوص المرتدين الذين باعوا ذمتهم ودينهم وارتدوا. والردة لها أحكامها في الإسلام والخليفة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حارب من ارتدوا على منع الزكاة. فما بالك الذي ارتد عن دينه بالكامل. وفي المقابل نجد أصوات ملحدة أو شيوعية أو فاقدة نور الإسلام أو جاهلة لأحكام الشرع الإسلامي أو حاقدة على الإسلام كل هؤلاء الرهط هم من صنف المارقين على الإسلام والحاقدين عليه « تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى » صدق الله العظيم. لا فرق بينهم وبين أعداء الإسلام بل هم أخطر وأدهى تراهم في كل مناسبة يظهر فيها مروق على الإسلام أو تهجمهم على الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. أو تعسف على الإسلام – تراهم يهرولون ويدافعون على حرية الرأي وحرية المعتقد وهي نغمة جديدة وموضة العصر ومرض هذا الزمان بدعوى الدفاع على حرية الرأي مثلما سمعنا بعضهم عام 2005 يدافعون على صاحب الرسوم المسيئة إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وقد كتبت ضدهم وفضحت مواقفهم ونواياهم وألاعيبهم وحقدهم الدفين على الإسلام، والإسلام منهم براء. واليوم نجد بعضهم يكتب في مجلة حقائق بحماس ويعتبر تنصير فئة من الشبان في تونس هو يدخل في حرية المعتقد. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والأستاذة آمال قرامي التي قامت بالتحقيق أو من معها من المساندين نشرت صورة الموقع الالكتروني ورقم الهاتف للمرتدين والمارقين لماذا هذه الخدمة المجانية الغاية مزيد توسيع الشبكة والدعاية المجانية لدعوى التبشير النصراني وعبادة الوثنية والصليب والكفر والشرك والخروج عن ملة الإسلام ولست أدري هل هؤلاء يدركون إن الدين عند الله الإسلام ولا دين غير الإسلام أم هم دعاة للكفر والصليب. والغريب أن الأستاذة آمال قرامي التونسية نشرت صورة للشبان الذين ارتدوا على الإسلام وذهبوا إلى كنيسة بشارع ديغول قريبا جدا إلى مركز الأمن بالعاصمة وفي وسط المدينة الآهلة بالسكان ولا أحد قال لهم هذا حرام وخطر ومروق على الدين وخروج عن الثوابت. لست أدري أين الضمير أين الوعي الديني؟ أين إذاعة الزيتونة؟ هل لها علم بهذا خاصة بعد نشر الخبر بمجلة حقائق وجريدة مواطنون؟ وأين دور التلفزة التونسية يا ترى؟ هل الرقص والغناء والعراء والتهريج والمسلسلات القبيحة والسافلة الهابطة أهم من هذه الظاهرة الخطيرة أم سياسة النعامة تضع رأسها في التراب ولا يهمها؟ وأين رجال الإعلام؟ وأين السيد رئيس المجلس الأعلى الإسلامي؟ وأين دور الإذاعة الوطنية؟ وأين ور فضائية حنبعل الحرة المستقلة؟ أم هذا لا يهم في دولة دينها الإسلام ولغتها العربية والله لا أفهم مقاصدهم. وأرجو أن يطالع القراء والمسؤولين والإعلاميين ورجال الدين المقالات التي كتبتها على 3 حلقات حتى يتسنى لهم معرفة المهزلة والضرب على أيادي المساندين والمتاجرين ونقول لهم أن الصحوة الإسلامية أكبر من هذه المحاولة وإن الدين الإسلامي في توسع وانتشار وبكل خير وكل يوم أفواج جديدة تدخل الإسلام بحمد الله وعونه في العالم بفضل الله. قال الله تعالى :  » يريدون ليطفوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون  » صدق الله العظيم محمـد العـروسـي الهانـي الهاتف : 22.022.354

بعد تصريحات البابا وحملات الخلط بين الإسلام والإرهاب:

الطالبي يشـنّ حربا على أركون والشرفي و«العقلانيين»

فقرات من الكتاب خلطت بين السجال الفكري… والتكفير

تونس ـ الصباح: تعاقبت الكتب الجديدة التي تعنى بقضايا الفكر العربي المعاصر.. وخاصة بمرجعياته الاسلامية والتراثية.. مع دراسات مقارنة بين الاديان والثقافات والايديولوجيات التي أثرت ولا تزال في حياة الشعوب..

وقد زاد الاهتمام العالمي بهذا النوع من الكتابات بعد مفاجأة نجاح ثورة ايران بزعامة الخميني عام 1979.. وبعد بروز ظواهر ثقافية وسياسية وأمنية معقدة في عدة مجتمعات عربية واسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية.. ثم بعد هجمات 11 سبتمبر2001 على برجي نيويورك ومقر البنتاغون وما تلاها من حروب بوش وحلفائه في المنطقة العربية والاسلامية وفي العالم الغربي.. خاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان.. حيث تداخل الديني بالسياسي.. والوطني بالعقائدي.. والعنف بالارهاب والجريمة المنظمة.. وشعارات نشر الديمقراطية والحداثة بالمخططات الاستعمارية.. الخ

في هذا السياق صدر مؤخرا كتاب جديد من عن دار سيراس للنشر للمؤرخ محمد الطالبي يحمل عنوان « ليطمئن قلبي » (الجزء الأول قضية الايمان وتحديات الانسلاخ إسلامية ومسيحية قداسة البابا بنوان 16).. جاء في معظمة ردا على كتابات تلميذه سابقا المختص في الحضارة العربية الاسلامية وفي المقارنة بين الاديان الاستاذ عبد المجيد الشرفي.. وعلى المفكر الفرنسي الجزائري محمد أركون.. وعلى البابا بنوان 16 صاحب التصريحات الشهيرة التي أثارت ردود فعل متوترة في أوساط عربية إسلامية واسعة.. خاصة أنها تزامنت مع ما عرف بـ »قضية الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) » في صحف دانماركية وغربية..

الكتاب جاء في 290 صفحة من طبعات مؤسسة سيراس التي يديرها منذ عقود الاعلامي والمثقف الكبير محمد بن اسماعيل.. لكن من بين مفاجآتها غير السارة أنها مليئة بالاخطاء اللغوية.. بخلاف المنشورات السابقة لدار سيراس..

موقف الاستاذ من الطالب

الا أن من بين ما يفاجئك منذ الوهلة الاولى من حيث المضمون أن مؤلف الكتاب ـ الاستاذ محمد الطالبي ـ صاغ نصه بأسلوب لم يعرف به في كتاباته العلمية.. لما كان أستاذا للتاريخ في الجامعة التونسية ومسؤولا في وزارة الثقافة.. وبعد تقاعده..

 لقد بدا الكتاب من أوله إلى آخره شيقا بسبب أسلوبه السجالي.. المستفز في احيان كثيرة.. لكنه بدا مزعجا أحيانا لأن صاحبه نزل إلى مستوى تكفير خصومه ـ وخاصة الشرفي وأركون و »طلبتهما » ـ وتوجيه اتهامات خطيرة جدا إليهم.. من بينها التشكيك في نزاهتهم العلمية وفي انتمائهم إلى المنظومة الثقافية الاسلامية بمفهومها الواسع.. بل بلغ به الامر حد تفسير بعض أفكار المفكرين والباحثين الكبيرين عبد المجيد الشرفي ومحمد أركون بولاءات مشبوهة إلى جهات « صليبية ».. واستعمارية أوروبية مسيحية وأمريكية… والرئيس الامريكي الحالي بوش الابن.. الخ ؟

ومن حيث اسلوب الصياغة بدا الكتاب الجديد للاستاذ الطالبي أقرب إلى ملاحظات الذي يريد أن « يؤنب » تلميذه السابق « (عبد المجيد الشرفي).. ويطعن في كبرياء مفكر » انسلخ من الاسلام « (وانتمى حسب الطالبي) الى من وصفه بتيار » الانسلاخ إسلاميين « (اي الانسلاخ من الاسلام).. الذي اتهمه بالهزيمة والاسقاط والتجني على العقيدة الاسلامية وعلى الوحي وسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.. الخ.

« عيال الله » و »أمة الوسط »

الكتاب الجديد بدا مناقضا تماما لتمشي كتابيه السابقين « عيال الله » و »أمة الوسط ».. حيث اعتمد أساسا منهجا عقلانيا براغماتيا.. يؤكد على علوية مبدإ الحرية.. وسلطة العقل وحقوق الانسان واحترام كرامة البشر وحق الاختلاف.. بما في ذلك تاويل النصوص الدينية الاسلامية..

أما في كتابه الجديد فأكد الكاتب على حق غير المسلمين و »المنسلخين من الاسلام » في التعبير عن وجهة نظرهم.. وطعن في الاحكام الفقهية التي تبرر معاقبة المرتدين (عن الدين) بالقتل وبرر حرب أبي بكر ضد مرتدي عصره بكونها حربا سياسية هدفها المحافظة على « الوحدة الجغرافية » للدولة الناشئة التي عين على رأسها..

وقد كان الطالبي في موقفه هذا عقلانيا الى حد كبير.. وقدم اجتهادا قد يرفضه الاصوليون الذين قد يفتون بقتله بدوره؟؟ لكنه سرعان ما تراجع واتهم الذين يقدمون قراءات عقلانية مغايرة لتاويلاته بكونهم من « الصنف المقنع » من « الانسلاخ اسلاميين » (أي المنسلخين من الاسلام؟؟).. و »بالغش والدسيسة ».. (هكذا ؟؟) واعتبر « هتك قناعهم » فرضا دينيا..؟؟ ثم أسهب في شتمهم واتهامهم وتحقيرهم.. والتشكيك في كفاءتهم العلمية وطعن في عقيدتهم وايمانهم.. باسلوب لم تعرف به كتابات الطالبي ذات الصبغة التاريخية والثقافية.. عن الاغالبة والعهد الاسلامي الاول.. رغم ما عرفت به بعض كتاباته السياسية الجديدة بدورها من توتر.. مقارنة بكتاباته ومواقفه الموالية للمؤسسات الرسمية لما كان مسؤولا في وزارة الثقافة واستاذا في شعبة التاريخ بكلية الاداب والعلوم الانسانية.

« الاسلام بين الرسالة والتاريخ »

وليس المقام هنا لاعلان موافقة كل ما جاء في الكتاب الجديد للطالبي أوكتب خصومه وخاصة كتابي « الاسلام بين الرسالة والتاريخ » للاستاذ عبد المجيد الشرفي. و »الفكر الاسلامي في الرد على النصارى الى نهاية القرن الرابع هجري العاشر ميلادي »… ومن حق الاستاذ الطالبي وغيره أن ينتقد كتب الشرفي علميا وبأسلوب أكاديمي وهادئ بالقوة التي يريد..

لكنه قد يكون فوت على نفسه وعلى خصوم الشرفي هذه الفرصة.. لما رد على كتاب تناول السيرة النبوية وملفات الوحي وأولويات العقل على النقل (أو العكس) بأسلوب الاتهامات العقائدية والفقهية ومنطق التكفير.. أي بمنهج يقصي الآخر.. عوض أن يتحاور معه.. خاصة عندما يتعلق بباحثين وكتاب في حجم عبد المجيد الشرفي (أو محمد أركون  وهشام جعيط وعدد هائل من الباحثين العرب والمستشرقين..) تحركوا دائما من منطلق الدعوة للاجتهاد والعقلانية في قراءة التراث والمرجعيات الدينية وتطورات التاريخ السياسي والاجتماعي والفقهي في العالم العربي الاسلامي وفي بقية الدنيا.. مع الانتساب الى الفضاء العربي الاسلامي الكبير.. أو تأكيد عدم عدائهم له ولشعوبه بخلاف بقية منظري الاستعمار القديم والجديد..

التشكيك في مواقف فلسفية تبناها الشرفي وأركون

وقد خصص الكاتب 7 فصول كاملة من كتابه للرد على « الانسلاخ اسلامية » مع عنونة بعضها بجمل فيها اسم عبد المجيد الشرفي.. وذكر اسمه  اسم مؤلفه (الاسلام بين الرسالة والتاريخ) مرارا.. مع تسمية محمد أركون والاستدلال ببعض مقولاته « الخطيرة » في اكثر من موقع.. والتشكيك في نزاهته وصدق ايمانه بدوره.. خاصة عندما تعرض الى محاضرة القاها في واشنطن.. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 وبدء مسلسل جديد من الهجمات الاستعمارية الامريكية والحليفة على العالم العربي الاسلامي.. فاتهمه بالولاء للمخطط الاستعماري الامريكي الجديد..؟؟

وقد غاب عن الاستاذ الطالبي أنه بدوره اتهم مرارا بالولاء « للاجنبي » بسبب بعض محاضراته ومداخلاته في عواصم أوروبية.. وفي هيئات سياسية لها اجندا خاصة بها.. تلتقي أحيانا مع اجندا الادارة الامريكية بزعامة بوش الابن حليف المستعمر الاسرائيلي الأقوى منذ 2001..

سجال عقائدي..أم أكاديمي؟

وقد بدا الكتاب في فقرات عديدة شيقا.. لأن صاحبه اعتمد فيه منهجا سجاليا مع كل الافكار التي عبر عنها الشرفي وأركون و »تلاميذهما المغرر بهم « (مثل الجامعية التونسية نايلة السليني).. فيما يتعلق بـ »تاريخية التفسير القرآني والعلاقات الاجتماعية من خلال كتب التفسير »..

واعتبر الطالبي أن خصومه تاثروا بمستشرقين « جهلة » من أمثال المستشرق الفرنسي رادينسونRadinson  مؤلف كتاب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم اختار له تسمية « مهومات » Mahomet .. وقد عاب الطالبي عليه وعلى أمثاله من المستشرقين ـ وهو محق في ذلك ـ لانهم يتعمدون تشويه اسم الرسول محمد.. مثلما شوهوا اسماء عدد بارز من كبار العلماء العرب والمسلمين مثل ابن سينا والخوارزمي وابن رشد.. الخ.

لكن من بين ما قد يعاب على كتاب الطالبي أنه خلط بين رادينسون وغيره من الباحثين المستشرقين.. بينما يعلم الجميع أن بعض هؤلاء المستشرقين قدموا بدورهم دراسات متناقضة.. كثير منها نقدي لمنتوج زملائهم الغربيين « المستشرقين ».. الذين لم يكونوا أبدا حزبا واحدا..

كما قد يعاب على الطالبي انه حاسب الشرفي وأركون ونائلة السليني وغيرهم ممن يخالفهم الراي بما نشره بعض المستشرقين مثل رادينسون.. فوقع في الاسقاط حيث عاب على خصومه ذلك.. الى حد وصف محمد أركون بـ »الفرنسي من أصل قبائلي؟؟ تلميذ الاباء البيض الذي حبس حياته كلها في هدم بنية القرآن (..) وخدمة الرئيس بوش » (هكذا؟؟) فيما تهجم على الكاتب الجزائري مالك شبال ووصفه بـ »زعيم اسلام الانوار » وعرفه الطالبي بكونه « اسلام يستدعي الاستغناء عن الله والارسال به الى جبل اولانب Olympe  مقر آلهة اليونان »#0236؟؟

ولاشك أنه يحق للطالبي أن ينقد خصومه بعمق أكاديميا.. لكن السؤال هو: هل يحق له أن يتهجم عليهم عقائديا ردا على وجهات نظرـ قد نختلف معها ـ لكن أصحابها قدموها وفق منهج علمي أكاديمي بصرف النظر عن نواياهم ومعتقداتهم.. التي يفترض أن لا تكون جزءا من السجال.. حتى لا ينحط مستوى الحوار العلمي.. ويتحول الى مشاكسات « مؤمنين » و »كفار »..

الخلط بين السجال مع البابا الحالي والتفاعل مع العلماء المعتدلين

واذ خصص الكاتب الجزء الثالث والاخير من كتابه لنقد بعض تصريحات البابا الحالي.. وقدم قراءة مطولة لمقولاته ومواقف بعض الرموز المتشددين في الثقافة المسيحية ـ اليهودية.. فان من ثغرات الكتاب أنه خلط أحيانا بين كل شيء.. بين المواقف الدينية والكتب المقدسة والتاويلات المختلفة والمتناقضة للمسيحية واليهودية والاسلام.. وآلاف الكتب والمقالات المعتدلة عن الاسلام والعرب دينا وتراثا وواقعا الصادرة عن علماء وخبراء اوروبيين وغربيين.. لم يكونوا ابدا جزءا من « المؤامرات الخارجية » على العالم العربي الاسلامي قبل أحداث 11 سبتمبر وبعدها.. التي يبدو أنها أثرت كثيرا في نفسية الكاتب.. كما أحدثت هزات في صفوف كثير من المثقفين والساسة وعامة الناس في العالم.. وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص..

كما خلط الكاتب بين القراءات الفلسفية والتاويلات الفكرية والتاريخية من جهة والمواقف الايمانية والعقائدية.. التي تبنى الطالبي بعضها رافعا شعار « ليطمئن قلبي ».. وذلك من حقه.. لكن هل يعني ذلك أن يسقط قراءة دينية اسلامية واحدة لتفسير بقية الاديان ومرجعياتها.. بما فيها المسيحية واليهودية.. حيث برزت آلاف القراءات الدينية.. وصراعات عقائدية تاريخية تسبب بعضها في تفجير حروب وصراعات سياسية دينية دامت قرونا بين دول أوروبية عديدة في العهدين الوسيط والحديث.. ويتواصل بعضها الى اليوم..؟؟

وهل يمكن أن « يطمئن قلب » المسلم اليوم.. أمام الكم الهائل من التحديات الثقافية والسياسية التي تواجهه بمجرد تقديم قراءة « ايمانية اسلامية » لتاريخ انبياء اليهود والمسيحيين وقداسهم وواضعي كتبهم المقدسة..؟؟

كتاب يفتح باب السجال والحوار

تساؤلات بالجملة أثارها كتاب « ليطمئن قلبي ».. الذي ينبغي أن يقرأ بعمق.. قبل مناقشته والرد عليه بهدوء.. خاصة فيما يتعلق بمنهجه الذي بدا « ايمانيا » أكثر منه « معرفيا ».. و »عقائديا » أكثر منه عقلانيا..

الكتاب سيثير زوبعة.. وانتقادات ضد المؤرخ والكاتب الكبير محمد الطالبي.. ستصدر عن خصومه وأنصاره.. وعن طلبته السابقين الذين كان يشدهم بحياده العلمي.. ورفضه مسايرة « المسلمات » و »الافكار المسبقة ».. عندما كان بعض زملائه المؤرخين في الجامعة يتعصبون في وصف المنهج الماركسي في تفسير التاريخ بـ »المنهج العلمي الوحيد ».. وكان الطالبي وهشام جعيط من بين قلة من المؤرخين اللذين يعترضان على هذا « التبسيط ».. وعلى القراءات « العقائدية » ويدعون الى قراءة التاريخ دون تعسف على الوقائع.. كما تبينها الوثائق..أي المصادر والمراجع..

كمال بن يونس

(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)


 

باعث قناة حنبعل السيد العربي نصرة لـ «الشعب»:

** لم ألقَ دعما إلا من رئيس الجمهورية والمشاهد التونسي فقط!!!

** التعددية الاعلامية هي محكّ الشفافية والنزاهة الاعلامية

لن نضيف جديدا للقارئ إذا قلنا ان القناة التونسية حنبعل أحدثت رجّة هائلة ـ وفق عبارة بول ريكور ـ في المشهد الاعلامي الوطني والاقليمي، ذلك ان القناة منذ انبعاثها سنة 2005 اخترقت الأفق الأحادي الذي كان جاثما على المشاهد التونسي من جهة، ومن جهة ثانية كسبت ثقة نفس المشاهد من خلال تغلغلها اليومي بصفة مباشرة في تلافيف المعيش التونسي وصميم الحراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

يمكن الإقرار، بعد  ثلاث  سنوات،  بأن  حنبعل  صنعت لنفسها شخصية مستقلة بذاتها ذات خصوصية  ومميزات اجتهدت أسرتها الاعلامية والادارية وعلى رأسها باعثها التونسي العربي نصرة، في تطويرها والحفاظ عليها، بل وجعلها مرجعا لغيرها من الفضائيات التي صارت تستنسخ من قناة حنبعل بعض طرائقها وأساليبها في التنشيط وادارة البرامج وحتى في الاختيارات والضيوف.

ورغم ما تعيشه قناة حنبعل من ضغوطات وعراقيل  غير  مبررة ـ مثلما صرّح صاحبها ـ  فان القناة لا تزال قائمة الذات، تسير بنفس النسق والاصرار في نهج الاختلاف والاضافة الذي اختارته منذ بدايتها، بل هي وصلت الى مرحلة الرشد والنضج ولا أدل على ذلك من المولود الجديد الذي سيرى النور يوم 13 فيفري 2008 المتمثل في قناة جديدة ستكون بمثابة فاتحة لباقة كاملة من القنوات، كشف لنا السيد العربي نصرة تفاصيلها ضمن هذا الحوار الذي خصّ به جريدة الشعب:

** تطفئون يوم 13 فيفري 2008 الشمعة الثالثة  لقناة حنبعل، فهل أنتم راضون عمّا حققتموه؟

ـ كان من المفترض ان نطفئ الشمعة الرابعة لان ترخيص القناة تأخر مدة سنة كاملة، ولكن اعتقد ان ذلك كان في صالحنا، (رب نافعة ضارة) فقد انطلقنا بشحنة كبيرة من الحماس والاتقاد لم تخب الى الآن وهو ما يجعلني اقول بكل ثقة في النفس إن نجاح القناة التونسية حنبعل فاق حتى توقعاتي الشخصية. ونجاحنا تحقق بفضل ايماني بالمشروع و «هوسي» لخدمة تونس وشعبها وكذلك بالألفة الاسرية وشفافية التعامل بين افراد الاسرة من تقنيين واعلاميين واداريين، وايضا من الدعم الذي لقيته شخصيا من رئيس الدولة ومن المشاهد التونسي في كل شبر من البلاد الذي برهن على وفائه الدائم لقناة حنبعل وصار يتغنّى باسمها في الملاعب ويستقبلها في الارياف والمداشر والقرى النائية بالحب والتبجيل.

في عيد ميلادنا هذا أقول أن الرأس المال الرمزي الذي كسبناه أنسانا  كل ما صرفته من رأس مال مادي زائل بطبعه.

** ولكن نجاحكم هذا كان محفوفا بالمخاطر فيما أعتقد؟

ـ بالفعل، نجاحنا كان محفوفا بعدة مخاطر وعراقيل وصعوبات ويمكنني ان أصنّفها الى نوعين :

أولا، صعوبات ومخاطر فرضتها علينا طبيعة المرحلة التي أنشأنا فيها القناة، فالبلاد عاشت 40 سنة على صوت واحد وصورة واحدة انفردت بها قناة تونس 7، فكان من العسير علينا كسر هذا المشهد الاحادي واختراق الحدود، ومع ذلك جازفت وغامرت وزرعت فكرتي في الارض وللحقيقة أقول اني لم أفاجأ عندما اثرنا القلق لدى الخاملين وأربكنا سُباتهم الطويل رغم محاولات تثبيط عزائمنا، رغم اننا لم نقم بثورة، فقط جسّدنا مفهوم الاختلاف والمغايرة، حيث خلقنا مناخا مغايرا حرّكنا به المشهد الجامد.

وثانيا،  صعوبات وعراقيل خارجية تمثلت بالاساس في قلة التعاون الخارجي وفي عدم المساندة من اغلب الاطراف مثل مكاتب الدراسات التي لم تعطنا فرصة لنكبر ونتماسك، وها نحن نكبر ويصلب عودنا يوما بعد يوم وهذا بشهادة الجميع، وأود ان اقول من هذا المنبر اننا برهنا على التزامنا مع طموحنا المشروع أولا وثانيا برهنا على التزامنا بالثقة والدعم اللذيْن منحنا اياهما سيادة رئيس الجمهورية.

وان كانت الصعوبات المالية التي تجاوزناها في البداية ومازلنا نحاول الى اليوم تجاوز المحدث منها فان الاخطر من المالي هو الذهنيات «الـمُعقدة» والعقول الجامدة والسلبية التي لا تؤمن بالاختلاف والتعددية وهي ذهنية منتشرة بشكل كبير ـ للأسف ـ  لدى العديد من المسؤولين  في بلادنا، ولا أدل على كلامي من الاحصاء المضحك الذي قامت به مؤخرا احدى مؤسسات الاحصاء غير الموضوعية وهي حكاية علم بها القاصي والداني.

** أعتقد ايضا سيد العربي نصرة ان هناك عدة مشاكل اخرى تواجهكم في علاقة مثلا بالتقنيين وبالارسال وانقطاع البث وغيرها؟

ـ بالفعل مازلنا نواجه العديد من المشاكل غير المبررة بالمرة وهي كما قلت لك نابعة كلها من عقلية الحسد وتثبيط العزائم، ولكن اقول للجميع انني اكبر من عراقيلكم وان اسرة حنبعل بلُحمتها وتآلفها لا تنـظر الا الى مستقبلها الذي هو جزء من مستقبل تونس الاعلامي، ومن دون تفصيل تلك العراقيل سأذكرها لك وللقراء مُجملة، وأهمها ان قناة تونس 7 لم تتعاون معنا عندما التجأت لها لتمكيننا ببعض التقنيين، وكذلك تهديدنا من قبل ديوان الارسال التلفزيوني بقطع البث اذا لم ندفع المبالغ الخيالية لتأمين البث ، وبالفعل قطع علينا الديوان البث اكثر من مرة لعل اخرها تلك التي دامت سبع ساعات متواصلة في حين لم ينقطع الإرسال عن تونس 7 إلا ساعة واحدة فقط فهل يُعقل هذا !!!

 كما ان قناة حنبعل غير معفاة من الضرائب وهو ما يناقض قوانين البلاد وأغرب من ذلك مطالبتنا بأتاوة او جزية للدولة وهي بدعة لم نسمع عنها في آي بلد في العالم بقاراته الخمس!!!

** كيف عملتم  لتجاوز هذه الصعوبات؟

ـ تجاوزنا لهذه العراقيل لم ينته وانما هو عمل مستمر ودؤوب وميزة هذه الصعوبات انها غذّت حماسنا اكثر لنضمن رأسمال رمزيا بالاساس تمثل في تكوين 250 اطارا تقنيا شابا متمكنا من آليات العمل المتطورة، العراقيل تجاوزناها بدفع مستحقات شركة عربسات لكامل سنة 2008 … تجاوزناها ايضا بصرف زهاء 20 مليارا من جيبي الخاص، ونتجاوزها يوميا بآلاف رسائل الشكر التي تصلنا من المشاهدين وببرقيات التشجيع والمؤازرة العفوية من البسطاء الذين لا تنخر عقولهم سوسة الحسد…

** ماذا عن مشروعكم الإعلامي الجديد؟

ـ نعم، بعد ايام قليلة وتحديدا يوم 13 فيفري 2008، يوم عيد ميلاد قناة حنبعل، سنطلق قناة جديدة اسميناها «حنبعل الشرق» وهي قناة مختصة في بث المسلسلات موجهة لجمهور الشرق والخليج، وسنبث اعمالا من عدة دول عربية وأجنبية تمت دبلجتها وقد كان اختيار الاسم مقصودا لأن اكتساح بعض القنوات فضاءنا المغاربي مثل الجزيرة المغاربية و «MBC» المغاربية دفعنا لاكتساح الفضاء المشرقي فنكون بذلك سباقين  في هذا الميدان وهذا الاختيار. وستكون قناة «حنبعل الشرق» اللبنة الاولى من مشروع مستقبلي يتمثل في فتح مجموعة من القنوات المختصة في الثقافة والموسيقى والرياضة وهي كلها تستظل بمظلة القناة الأم حنبعل.

** هل  سيتابع جمهور الشرق  اعمالا تونسية على القناة الجديدة؟

ـ هذا سؤال يمكن ان تجيبك عنه الدوائر المسؤولة أما أنا فأرجو  من كل قلبي ان أروّج اعمالنا الدرامية في منطقة الشرق بالشكل الأنسب. وبالفعل فقد طلبت من بعض المسؤولين تمكيني من عدة اعمال تونسية لاقت نجاحا هنا، وقد طلبت تلك الاعمال بمقابل مادي، تصور أنني سأدفع مالا من جيبي الخاص لترويج اعمالنا الدرامية ومع ذلك مازال المطلب معلقا الى اجل غير مسمى وأقول لكل مسؤول سيطالع هذا الحوار اني الى الآن انتظر اجابتكم فان كانت بالموافقة  فاني سأبذل قصارى جهدي لبرمجة مسلسلاتنا في أوقات الذروة لدى المشاهدين وبشكل يومي ومدروس وان كانت الاجابة بالنفي فإني ايضا أقول بكل أسف إن الله لا يكلف نفسا الا وسعها.

ناجي الخشناوي

(المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية نقابية – تونس) بتاريخ 2 فيفري 2008)


 

26 جانفي…كما عشته سجينا سياسيا

تتوالى الأيام والأحداث السعيدة والحزينة تاركة آثارا متفاوتة في الذاكرة، ولكن البعض منها يحفر أثره حفرا بحيث تعجز الأيام اللاحقة عن محوه . وضمن هذا الصنف تندرج أحداث 26 جانفي 1978 المعروفة أيضا بتسمية أحداث الخميس الأسود التي نحيي هذه الأيام ذكراها الثلاثين… وطبيعي ألا ندع، في جريدة الشعب لسان الاتحاد العام التونسي للشغل وكافة الشغالين، هذه الذكرى الغنية بالعبر بقدر ما هي مثقلة بالحزن والألم تمر بصمت…

كنت أشعر برغبة كبيرة في كتابة شيء، أخذت أرتب أفكاري ولكنني رغبت في أن أعيد قراءة نص سبق أن كتبته حول هذا الموضوع ونشرته في جريدة المستقبل بتاريخ 26 جانفي 1981 تحت عنوان  «26 جانفي… كما عشته سجينا سياسيا»، ولدى قراءة هذا النص خيل لي وكأنني أفرغ للتّو من كتابته، فقررت أن أقدمه للقارئ، دون تغيير يذكر، وأن أكتفي بإضافة هذه التوطئة الموجزة قصد الإيضاح فحسب

حتى أسوار برج الرومي العالية المكللة بالأسلاك الشائكة المكهربة لم تستطع أن تعزل المساجين السياسيين عما يجري بالبلاد…

 لقد عشت ذلك اليوم سجينا سياسيا واشتركت، إلى جانب الرفاق الذين كانوا معي، في الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل…

لم نُضرب عن العمل، طبعا، إذ أننا لم نكن نشتغل، بل أضربنا عن الطعام، وكان ذلك الإضراب مشاركة رمزية منا في حركة أشمل هي حركة الشغالين في بلادنا التي أشهرت سلاح الإضراب للدفاع عن حرية العمل النقابي واستقلالية الاتحاد…

ولأول مرة كنا نحس أننا نذوب في حشود كبيرة من أبناء شعبنا ونتحد معها في حركة واحدة ومن أجل مطلب واحد… وبهذه المشاركة في الإضراب العام شعرنا بجدار العزلة ينهار، إذ أننا لم نعد كمشة من الناس ألْقيَ بهم في غياهب السجن، لا يُـذكرون إلاّ في مناسبات قليلة وفي أُطُـر محدودة، كمـا يُـذكر الأمـواتُ أيـام الأعيـاد..

قبل يوم 26 جـانفي رفع المجلس الوطني للاتحـاد العام التونسي للشغل شعار العفو التشريعي العـام…

تلك كانت أكبر ثغرة تدك أسوار السجن من حولنـا…

وهكذا لم تكن أحداث 26 جانفي، التي هزت بلادنا، أحداثا بعيدة تترامى إلينا، أنـا ورفـاقي، أصداؤهـا خافتة، بل إننا شعرنـا أننا في قلب الأحداث، نعيشها بكل جوارحنا…

يوم 26 جانفي، كـان حراس السجن في حـالة استنفار، وكان السجن محلّ حـراسة مُشـدّدة ولكننـا تمكنـا من تنسم أخبـار مـا يجري في شوارع العاصمة…

وقبل أن نستمع إلى شريط أنبـاء التلفزة التونسية شـاهدنا صورا عمـا يجري في شوارع العاصمة عن طريق التلفزة الإيطالية وسمعنـا أخبـار الإذاعـات الأجنبية، سـرّا، عن طريق أجهزة الراديو الصغيرة المهرّبة، فالإدارة كانت تمنع عنا اقتناء جهاز الراديو، رغم سماحها لنا بمتابعة برامج التلفزة ومطالعة بعض الجرائد اليومية التونسية، وهو مـا تحصلنا عليه بعد اعتقالنا بمدة طويلة وبثمن إضرابات جوع طويلة وقاسية..

وفي المساء استمعنـا إلى مُذيع التلفزة يقرأ بيـانا رسميا يُعلن حـالة الطوارئ في البلاد ومنع التّجوّل…كـان يقرأ البيان بحمـاس كبير وبتنغيمـات تثير التقزّز… طريقة إلقـاء هذا المذيع كنت أعتبرهـا دائمـا اعتداء على الذوق السليم واللغة العربية معـا، إذ أنه كان يصطنع لهجة تصبح فيها الحركـات القصيرة مدّات والمدّات حركات قصيرة فتتحول العـاصمة إلى عصيـمة والكلام إلى كالم كما تتحول همزات الوصل إلى همزات قطع والعكس بالعكس…

لقد ارتبطت صورة هذا المذيع، في ذاكرتي، إلى الأبد، بحـالة الطوارئ ومنع الجـولان، ونفس الشيء أيضا بالنسبة لزميل له كـان يُجري «تحقيقات»  مع المواطنين في الشوارع وكانت تحقيقاته هذه من نوع خاص إذ كان يُبادر المواطن بمثل هذا السؤال: «أنت تندد بالقيادة المنحرفة ومثيري الشغب… أليس كذلك أو أنت تؤيد الحكومة في التصدي للمخرّبين الذين…..

وأحداث 26 جانفي، لم تكن، إلى حدّ مـا، مُفـاجأة كبيرة، بالنسبة لي ولأغلب الرفـاق، فقد كنا نعتقد، انطلاقـا من متابعتنا لتطور الأحداث، بأن مواجهة بين الحزب الحـاكم، والنظام ككل من جهة، والإتحاد العام التونسي للشغل من جهة ثانية، يكاد يكون تجنبها أمـرا مستحيلا. وقد لمست أنا شخصيا ذلك من خلال خطاب السيد الهادي نويرة الوزير الأول آنذاك، يوم 11 ديسمبر أمام مجلس الأمة، الذي كان بمثابة إعلان حرب إذ يقول: أما إذا أصبحت هذه  الحركة  )حركة حشـاد(  قناعا لمن تخلفت بهم الأزمـان من دعاة تطاحن الطبقات ودكتاتورية البروليتاريا والثورة المستمرّة، يتسترون به ويستحوذون على مراكز المسؤولية والتقرير فإن الأمر يفرض التفكر مليا… وكان علينا في مثل هذه الظروف إما أن نتنازل… وعندها ينمو هذا النوع الجديد من الإرهاب، وإما أن نرد الصاع صاعين وعندها لا بد أن ترتفع أصوات لترمينا بالفاشية وتستصرخ ضمير الجمعية الدولية للدفـاع عن المساجين السياسيين..

وكان اجتماع اللجنة المركزية للحزب الدستوري يوم 20 جانفي 1978 مناسبة لتأكيد هذا الاتجاه على أعلى مستوى في الحزب الحاكم والدولة.

كنت إذن أنتظر الصدام ولكنني لم أتصوره بذاك الشكل… إطلاق الرصاص وسيلان الدمـاء بتلك الغزارة في شوارع العاصمة حتى بالاعتماد فقط على الإحصاءات الرسمية (ما يزيد عن الخمسين قتيلا معظمهم من الشبان والأطفال..!)

كنت أتصور تسليط قمع على الاتحاد وبعض القوى السياسية ولكن بغبـاء أقل… ولكن متى كانت عصا القمع لتعقل أو تعي؟  ..

(المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية نقابية – تونس) بتاريخ 2 فيفري 2008)


 

في سابقة أولى في تاريخ الجامعة التونسية:

أربعة عمداء لكليات الطب يعاقبون بإنذار والأطباء الجامعيون يردون بالاضراب

قرر مجلس اطارات النقابة العامة للاطباء والصيادلة الجامعيين لدى انعقاده يوم 24 جانفي بكلية الطب بتونس، تنفيذ إضراب عن التدريس بكافة كليات الطب بالبلاد وذلك احتجاجا على الضغط الممارس من طرف وزارة التعليم العالي ضد أربعة عمداء كليات الطب بكل من تونس والمنستير وسوسة وصفاقس.

ويأتي هذا الاضراب إثر الانذارات الموجهة من طرف وزير التعليم العالي ضد عمداء كليات الطب نتيجة تغيبهم عن حضور اجتماع لمديري وعمداء الجامعات والذي انعقد يوم 29 ديسمبر الماضي بقفصة.

وكان أحد هؤلاء العمداء وهو الاستاذ عبد الجليل الزاوش عميد كلية الطب بتونس قد قدم توضيحا الى سلطة الاشراف بيّن فيه ان حالته الصحية تمنعه من القيام بسفرة مطولة بهذا الحجم، خصوصا أن الوزارة اشترطت على جميع المديرين والعمداء التجمع الساعة الرابعة والنصف صباحا أمام مقر الوزارة ثم امتطاء ثلاث حافلات تقلهم الى مدينة قفصة.

أمام هذا التغيب إذن، قامت الوزارة باتخاذ هذه العقوبة التي اعتبرها الاخ خليل الزاوية الكاتب العام للنقابة العامة مسّا بكرامة كافة الاساتذة الجامعيين بكلية الطب مستغربا مثل هذا التصرّف مع كفاءات تمسّكت بالقطاع العمومي لأجل مصلحة هذا البلاد ونموّها.

وأشار الدكتور الزاوية أن عميد كلية الطب بالمنستير تحصّل أيضا على توبيخ ـ Blame ـ إضافة الى الإنذار نتيجة تحوّله الى جيبوتي ـ في مهمة عمل ـ وعدم بقائه في تونس للاشراف على انتخابات الطلبة.

واعتبر مجلس اطارات الاطباء والصيادلة الجامعيين أن ما وقع هو سابقة اولى بكليات الطب يستوجب تدخل كل من يهمّه الامر حفاظا على هيبة الاطباء وصونا لكرامة المدرّس خصوصا ان العمداء  منتخبون ولا يمكن التشكيك في كفاءتهم وصدقهم في أداء مهمتهم خدمة للطلبة وللبلاد ككل.

 لماذا قاطع العمداء هذا الاجتماع؟

هذا التوتّر الحاصل بين عمداء كليات الطبّ ووزير التعليم العالي قد يلقي بظلاله أيضا على إصلاح نـظام التعليم العالي بكليات الطب حيث كان من المتوقع ان تقع تنقيحات في مجال التدريس في الطب بارتباط مع اصلاح نظام التأمين على المرض.

وما يرجح وقوع هذه الاخلالات إلغاء اجتماع يوم 25 جانفي الماضي والذي كان يفترض انعقاده لمناقشة اصلاح تدريس الطب الا انّ كافة عمداء كليات الطب قاطعوا الاجتماع نتيجة القرارات غير المنطقية ضدّهم.

وما تتخوف منه النقابة العامة الان هو تأثير هذه الازمة الحاصلة بين هيئات تدريس منتخبة وسلطة الاشراف على التكوين الطبي باعتبار ان كافة الاطباء الجامعيين لم يستسيغوا «العقوبات» المسلطة ضد العمداء واعتبروها شبه اقالة.

 وزارة التعليم العالي تقرر الغاء برامج  تكوين المترشحين لمناظرة الاقامة في الطبّ

ومما قد يزيد الطين بلّة صدور قرار من وزارة التعليم العالي يقضي إلغاء التحضير لمناظرة الاقامة في الطب حيث كانت وداديات مدرسي كليات الطبّ معتادة على تحضير المترشحين لهذه المناظرة مقابل معلوم فردي يقدر بـ 100 دينار وهذه الاموال تصرف لخلاص المدرسين وتحضير الكتب والوثائق اضافة الى اقتناء عدة مستلزمات تقنية لفائدة الكليات.

هذا النشاط العلمي اعتبرته وزارة التعليم العالي ـ حسب ما ابلغ به الاخ الزاوية الحاضرين ـ  غير قانوني وقرّرت ايقافه.

ورغم أنه سيضرّ حتما بالتكوين وبمصلحة الطلبة والمترشحين فإن  كليات الطبّ احترمت قرار الوزارة وبالتالي فإن هذه السنة ستشهد ولاول مرة منذ سنوات طويلة غياب اعداد المترشحين لهذه الدروس المهمة خصوصا وأن مناظرة الاقامة في الطبّ تعتبر أهم المناظرات الوطنية ويشارك فيها سنويا قرابة 1500 مترشحا وتساهم في تخريج مختصين في مجالات طبية شتّى.

هذه المعلومة التي أبلغ بها الاخ خليل الزاوية الحاضرين أثارت استغراب الجميع خصوصا أن الطلبة سيكونون المتضررين من هذا الاجراء الذي سيؤدي الى حرمانهم  من آلية ضرورية للاعداد الجيّد لاهم امتحان في مسيرتهم الطبية.

هذا التوتر الحاصل اثار استغراب الاخ المنصف الزاهي الامين العام المساعد المسؤول عن قسم الوظيفة العمومية، الذي اشرف على اشغال مجلس الاطارات معبّرا عن استغرابه تجاه ما يحدث، مؤكدا امام الحاضرين أنّه سيطلع المكتب التنفيذي الوطني بهذه الممارسات دفاعا عن هذه المؤسسات العلمية والتي يجب احترام هيئاتها المنتخبة.

وأكد الاخ المنصف الزاهي انه خلافا لما يقع من توترات مع وزارة التعليم العالي فإنه في المقابل تتميّز العلاقات الاجتماعية مع وزارة الصحة العمومية بالتطوّر لما يبديه السيد منذر الزنايدي من تفهم واستعداد تام لتذليل كل الصعوبات وفتح باب الحوار في كل المناسبات.

وتحدّث الاخ الزاهي عن المفاوضات الاجتماعية القادمة مؤكدا ان الاتحاد حريص على أن يحقق كل قطاع مايصبو اليه حسب خصوصياته.

وشهد مجلس الاطارات هذا ـ في جزئه الثاني ـ استعراضا للمفاوضات مع وزارة الصحة سنورده في الاسبوع القادم.

غسان القصيبي

(المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية نقابية – تونس) بتاريخ 2 فيفري 2008)


وجهة نظر:

لسنا بخير !

خواطر جالت ببالي فضاق صدري، فلم أجد سوى هذا العنوان لأعبّر به عن فزعي من «الوعي» الوهمي الذي نفثته قنواتنا التلفزية وأطراف أخرى بأرجاء وطننا العربي الجريح، فصرفت الجماهير العربية عن قضاياها الحقيقية وحوّلت وجهتها تحويلا إلى أمور لن تزيدها إلاّ تخلّفا:

مواطن ليس له من المواطنة سوى بطاقة الهوية التي يحلمها. يجلس في المقهى يتابع مقابلة تونس ومصر في كرة اليد. ويمكن أن نعلّق على تاريخ المقابلة بأنّه جيّد جدّا لكي يبدع هذا «الرّقم» في وطنيته! فعندما كان عشرات الفلسطينيين يتساقطون أمام رصاص وقنابل وصواريخ العدو الصهيوني بقطاع غزّة، كان صاحبنا يرعد ويزبد جازما بأنّ المصريين لا يحبّوننا وأمام الشتائم التي كان يقذفها هذا «المتفرّج» في اتّجاه لاعبينا وما نسبه لهم عن دمار الأمّة خيّل إليّ أنّ الحرب ستقوم بين مصر وتونس!

 حمي الوطيس بأحد مقاهي المدينة حول مشكلة البطالة بجهة فصة خاصّة اثر الأحداث التي عرفتها منطقة المناجم. لكن الجميع سقطوا في تحاليل جهوية بدأت بضرورة الاحتجاج على تشغيل عمّال غرباء عن الجهة ووصلت إلى حد تأكيد أحدهم أنّ هذا الحق يجب أن ينفرد به عرش بعينه!!! أو حي من أحياء المدينة بعينه!!! وعبثا حاولت أن لفت نظر هذا الخطيب المتحذلق لكي يربط العلاقة بين تفشّي البطالة والاختيارات الاقتصادية الكبرى أو ما يعرف ببرنامج الاصلاح الهيكلي الذي يقيّم النّجاح بزيادة الانتاج دون اعتبار البعد الاجتماعي للتّنمية!

 تائب إلى اللّه حديثا ينعم بملذات الثورة الاعلامية التي لا تقل حلاوة عن الشراب المختلفة ألوانه والخارج من بطون النّحل. لكن صاحبنا يجلس بيننا مستنكرا ومتظاهرا بالفزع من فساد المجتمع حيث أنّه رأى التلاميذ ذكورا وإناثا يتبادلون صورا جنسية إباحية على جهاز الهاتف الجوّال مرفوقة بمشاهد عنف حدثت بأحد أحياء عاصمتنا في المدّة الأخيرة. ولمّا قلنا لصاحبنا أنّ الاعتداء على القيم المجتمعية وتحويل مظاهر العنف إلى ظاهرة فرجوية (أكثر من مقبولة بل مطلوبة) هو جوهر الايديولوجية العولمية، الأمريكية، والذي تروّجه عن طريق قنواتها وأذناب قنواتها. فليس هناك عنف أكبر من أن تعدم رئيس دولة شرعي وتمرّر ذلك مباشرة على شاشات التلفزة ويعمد بعضهم إلى تصوير ذلك بالهاتف الجوّال (انظر التماهي مع ما شاهده صاحبنا) ويعمد رئيس حكومة عميلة إلى اهانة من سينفّذ فيه الاعدام بوصفه كذبا كما لو كان جبانا. وفوق ذلك تعمد القنوات العربية إلى اعادة العملية كما لو كانت مسلسلا. أبعد ذلك تطالب شبابك الذين ذبحت ضمائرهم عند ذبح الشهيد صدّام حسين بأن يقلعوا عن متابعة لقطات إباحية مصحوبة بعنف؟!! ولكن أمام ما ذكرت لم يجد صاحبنا من اجابة سوى التعريج في الحديث عن كأس افريقيا للأمم!!!

مهدي الدالي

(المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية نقابية – تونس) بتاريخ 2 فيفري 2008)


 

 الدكتورة منجية السوايحي لآفاق: 

المرأة التونسية تحظى بقوانين لا مثيل لها في الدول العربية

                     

 
الجزائر- أجرت الحوار: ياسمين صلاح منجية السوايحي مختصة في الدراسات الإسلامية، وأستاذة التفسير وعلوم القرآن بجامعة الزيتونة في تونس.. تتركز أبحاثها الأكاديمية في مجال صورة المرأة في العالم العربي والإسلامي بين النص الديني والتفسيرات الرجالية، والأديان والحضارات، وتجديد التفسير. وللسوايحي العديد من المقالات في الصحف العربية والغربية. وشاركت في الكثير من البرامج التلفزيونية في تونس والوطن العربي وأوروبا. كما تعمل رئيس تحرير مجلة المشكاة التي تصدر عن جامعة الزيتونة.  ومنجية عضو تحرير مجلة التنوير التي تصدر عن المعهد الأعلى لأصول الدين، وعضو المجلس العلمي بالجامعة. كما تعمل مستشارة ورش العمل بالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لمقاومة الايدز في العالم العربي. وهي عضو مجلس إدارة جمعية كرامة للفقيهات والمحاميات المسلمات بواشنطن. من إصداراتها: كتاب بعنوان: تحقيق سورة آل عمران والنساء والمائدة من تفسير أحكام القرآن لابن الفرس الأندلسي ». 
آفاق: في الأول أريد أن أعرف منك الأوضاع التي تعيش فيها المرأة التونسية قانونيا و اجتماعيا وإنسانيا؟
بفضل الفكر الإصلاحي للنخبة التونسية من رجال ونساء مند قرن من الزمن  تحصلت المرأة على حقوقها، ونذكر منهم خير الدين وابن ألي الضياف والطاهر الحداد والحبيب بورقيببة الذي أذن بإصدار قانون الأحوال الشخصية في 13 أغسطس 1956 قبل الدستور التونسي الذي صدر سنة 1959. وفيها منع تعدد الزوجات  وجعل الزاج قانونيا والطلاق قضائيا. إضافة إلى هذا عمم التعليم ومكن المرأة من حقها فيه وفي العمل وفي الصحة والثقافة وفي المرحلة الثانية من حياة الاستقلال مع الرئيس الحالي زين العابدين بن علي، عرف قانون الأحوال الشخصية والقانون الجنائي وقانون الجنسية وقانون الشغل إصلاحات و تنقيحات دعمت حقوق المرأة ووصلت بها إلى درجة الشراكة مع الرجل وتجاوزت المرأة التونسية المساواة لتصبح في نفس الدرجة معه في جميع الحقوق. ومن أهم تلك الإصلاحات إلغاء مبدأ طاعة الزوجة للزوج وإبداله بمبدأ الاحترام المتبادل عملا بقوله تعالى: « وعاشروهن بالمعروف ». ومن حقها تسيير شؤون أولادها مع الزوج ومتعها بحق الولاية إذا تعسف الأب في تطبيقها واضر بالأولاد ومنع ضرب النساء ومن يفعل ذلك يعاقب بالسجن وبخطية مالية..
آفاق: ثمة من يقول إن القانون يتعارض مع الواقع، ولهذا تطبيقه يبقى ناقصا؟
عن أي واقع نتحدث هل هو واقع من يرفض القوانين ويريد أن يفرض آراءه ومذهبه كأنه قانون أو قوانين الغاب التي لا تحترم الإنسان؟ إن القوانين وجدت لتحفظ حقوق الإنسان وتصون كرامته وتضمن له حقه في الحياة وفي اختيار عقيدته وحرية الرأي…فان خالفت القوانين هذه المبادئ فهي متعارضة مع الواقع.
آفاق: كيف تنظرين إلى إشكالية القانون في المجتمعات المغاربية و تناقضاتها مع الواقع المعاش الذي يتحكم فيه الفكر الديني؟
يبقى القانون هو القانون وهو لا يتعرض مع جوهر الدين إذا كان كما قلنا يهدف إلى تحقيق صالح الإنسان أما الفكر الديني فهو أنواع، و ليس هذا محل الحديث عنه الآن..
آفاق: في كتاباتك محاولة للعودة إلى الدين لإظهار ما نفهمه منك « تحريفا » لظواهر كثيرة كدور المرأة في المجتمع الإسلامي. حدثيني عن قراءاتك لهذه النقطة؟
اخترت بحكم اختصاصي أن أعود للدين لإظهار الكثير من الحقائق التي يجهلها أو يخفيها البعض من المنتسبين للدين لتمرير فكرهم الذي يحقر المرأة و يعتبرها دون الرجل منزلة في حين نجد الدين في أصوله يكرم المرأة ويسوي بينها وبين الرجل. كما أننا لا نستطيع أن نناقش علماء الدين إلا من داخل المنظومة الدينية و إلا رفضوا النقاش واتهموا من يناقشهم بالجهل بالدين وحقا أن الجهل بالشيء يمنعك من الوصول إلى الحقيقة.
آفاق: لعلنا نتوقف كثيرا أمام عبارة  » الفقهاء يكرهون المرأة » في كتاباتك. هل ترى د. منجية سوايحي أن الفقهاء تسببوا في تحريف الفكر الإسلامي الأصيل، و كيف؟
أولا لا يمكن لأي شخص أن يحرف الأصول الإسلامية ولكن يمكن أن ينحرف عن معانيها عند التفسير مثل قراءات بعض المفسرين والفقهاء للآيات التي تخص المرأة. وعبارة الفقهاء يكرهون المرأة ليس عامة بل هي خاصة ببعض الفقهاء الذين يرون أن المرأة مخلوق اعوج و أنها ناقصة عقل ودين و أنها من شيطان تغوي الرجل، فهؤلاء لم يفهموا مقاصد التشريع في تكريم الإنسان سواء كان امرأة أو رجل ويجب علينا أن ننتقد هذا الفكر من داخل الدين فتبطل حجتهم..
آفاق: طيب. هنالك من يتهم قانون الأحوال الشخصية التونسي بأنه يتعارض مع الإسلام؟
كتبت عدة مقالات أكاديمية بينت فيها أن قانون الأحوال الشخصية التونسية منتقى من أصول الإسلام وأن من يقول غير هذا فانه إما جاهل والجاهل لا يؤخذ بأقواله وإما متعصب للفكر الرجعى الذي يعتبر المرأة عورة وناقصة الأهلية ولا تصلح إلا للوطء والإنجاب وخدمة سي السيد… ومن يعود إلى القانون ويقرأ فصوله فصلا فصلاً فانه لا يجد فيه فصلا واحدا يخالف الشريعة التي تأمر بالاجتهاد والقانون أنجزه علماء من فقهاء ورجال قانون وغيرهم. ولكننا من المؤسف يا ياسمين أن الشعوب العربية لا تقرأ وتصدر الأحكام على الكتب دون أن تقرأها فمتى ننهض من هذا السبات؟
آفاق: لكن منع تعدد الزوجات في تونس، ومنح القوامة للمرأة يعد « خرقا للشريعة الإسلامية  » حسب العديد من المعارضين الدينيين؟
أحسنت الاختيار، فعلا منع تعدد الزوجات يعتبره من سميتهم أنت معارضين دينيين والرأي الأكاديمي يرد زعمهم هذا لأن الإسلام لما جاء وجد التعدد منتشرا فكان للرجل مائة امرأة وللآخر عشرين وللآخر عشرة فأمرهم الإسلام أن يتركوا أربع فقط إضافة إلى هذا قال لهم :  » فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة « . والآية من سورة النساء ومع هذا يرى « الطبري » مفسر القرن الثالث للهجرة / التاسع للميلاد أن الذي لا يعدل في واحدة فلا يتزوجها. ورفض الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن يتزوج علي بن أبي طالب على ابنته فاطمة زوجة ثانية فهل يخالف الرسول الشريعة. أما القوامة في تونس ليست للمرأة ولا للرجل فالعلاقة الزوجية قائمة على الحوار والاحترام المتبادل في الأسرة المتوازنة الواعية ويبقى الزوج رئيس العائلة. مع العلم أن وهم القوامة والدرجة للرجال على النساء أبطله ابن عباس ابن عم الرسول لما سئل عنها أجاب: الدرجة التي خصني بها الله والقوامة تعني أن أعطي المرأة كل حقوقها و أتنازل لها عن بعض حقوقي وقال عثمان بن عفان افهم من الدرجة  ما افهم من قوله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن. وقال ابن الفرس الأندلسي المفسر للقرآن من رجال القرن الخامس للهجرة/ الحادي عشر للميلاد: تنتهي قوامة الرجل على المرأة إذا انتهت نفقته عليها فليس له أمر عليها في دخولها ولا في خروجها..
آفاق: كيف تنظرين ـ كأكاديمية تونسية ـ إلى الواقع العربي في ظل الفتاوى التي وصلت إلى حد إحلال إرضاع المرأة للكبير؟ علما أنها تصدر أغلبها من الأزهر كأكبر هيئة دينية إسلامية؟
إن الواقع العربي كما تشاهدين وتعلمين ومقارنة بالعالم الغربي هو عالم خارج التاريخ.. عالم اتجهت فيه البحوث إلى البحث عن عوالم الجن وتكفير المخالف والخرافة والعلاج بالحشائش وبالتمائم.. هل تستغربين أن تصدر فيه فتاوى متهافتة سميتها أنا فوضى الفتاوى. ولو كان هؤلاء يعلمون شروط الإفتاء لما تجرؤوا على التلفظ بهذه الأخطاء ولكن النخب المثقفة والتنويرية هي لهم بالمرصاد ولن نترك هذه الفتاوى تمر هكذا.. سنرد عليها ونفندها ودوركم كإعلاميين كبير. أما مؤسسة الأزهر فليست في الحقيقة المسئول الأول عن هذه الفتاوى لان هناك أشخاص يُدعون إلى الفضائيات ويفتون باسمهم الخاص فلا يعبرون عن رأى الأزهر كمؤسسة، وكم من مرة يرد شيخ الأزهر على هذه الفتاوى الهزيلة.
آفاق: سأنتقل بك إلى الواقع اليومي للمرأة العربية. كيف تفسرين أن نسبة الأمية بين النساء العربيات اكبر من الرجال؟ وكيف تقيمين الحالة في تونس مثلا؟
هذا السؤال يدخل تحت محور المرأة العربية وهو سؤال رشيق من الواقع وأنا أفسر ارتفاع نسبة الأمية لدى النساء العربيات أكثر من الرجال للأسباب التالية: أولا: المجتمعات العربية ذكورية بالأساس فإنها ستفضل الولد على البنت ونجد أحد وجوه التفضيل هو التعليم.  ثانيا: السياسات التعليمية في البلدان العربية لا تجبر الآباء على تعليم البنات كما هو الشأن في تونس مثلا، فنسبة تعليم الأطفال في تونس مائة بالمائة إناثا وذكورا في سن السادسة. ونسبة الطالبات في الجامعة ثمان وخمسين بالمائة. ثالثا: التخطيط للسياسات التعليمية في أغلب الدول العربية لا تشارك في وضع استراتيجياته النساء، والرجال لا يرون ضرورة تعليم البنات ولا مواصلة تعليمهن. رابعا: العقلية الشعبية السائدة في بعض البلدان العربية أن مصير البنت للزواج، فيكفيها من التعليم المرحة الابتدائية.
آفاق: هنالك طرق أخرى للاعتداء على حقوق المرأة كالاعتداء الجسدي والجنسي، وتعاني منه تونس أيضا،على الرغم مما يبدو « تميّزا » لصالح النساء التونسيات عن نظيراتها العربيات؟
لسنا في المدينة الفاضلة التي لم توجد رغم محاولات أفلاطون والفارابي، فالعنف بأنواعه لا يزول من المجتمعات مهما بلغت درجة التطور وأنت ترين وتلاحظين نسب العنف الموجودة في العالم الغربي أيضا، إلا أن ما تتميز به المرأة التونسية عن أخواتها العربيات أنها متى تعرضت للعنف وأثبتته طبيا يعاقب الجاني بالسجن وبغرامة مالية، كذلك لا يعتبر العنف ضد النساء في تونس ظاهرة وان كان موجودا والجهود متواصلة من الجميع للقضاء عليه.
آفاق: هل ترين إذا أن واقع النساء التونسيات أفضل من واقع المرأة الجزائرية أو المغربية مثلا؟ وأين يكمن الارتقاء في نظرك؟
القضية ليست قضية من الأفضل وإنما واقع يفرض نفسه فالمرأة التونسية تحظى بقوانين لا مثيل لها في الدول العربية ولكن الإصلاحات موجودة في المغرب بفضل مبادرة الملك الشاب محمد السادس والذي ادخل تطويرا كبيرا علي مدونة الأحوال الشخصية المغربية ومتع المرأة بحقوق كبيرة  فتعدد الزوجات مثلا أصبح شبه ممنوع والأسرة المغاربية قائمة على الاحترام التبادل… والأمر في الجزائر سائر نحو التحسن إن شاء الله  والمرأة في ليبيا تتمتع أيضا بحقوق كثيرة والدليل أنها تمثل نسبة خمسين في المائة في اللجان الشعبية وشيئا فشيئا يتحرك الماء الراكد في بقية الدول العربية.
 

(المصدر : موقعموقع أفاق بتاريخ 11 جانفي2008)

http://www.aafaq.org/news.aspx?id_news=3827


 

موقع « السبيل أونلاين » يُـحي ذكرى الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله(الحلقة الثانية من 3)

جمع وتنسيق: الأستاذ علي سعيّد

الإمام الأكبر

نالالشيخ عضوية جماعة كبار العلماء برسالته القيمة « القياس في اللغة العربية »سنة (1950)، ثم لم يلبث أن وقع عليه الاختيار شيخا للجامع الأزهر في (16سبتمبر 1952)، وكان الاختيار مفاجئًا له فلم يكن يتوقعه أو ينتظره بعدماكبر في السن وضعفت صحته، لكن مشيئة الله أبت إلا أن تكرم أحد المناضلين فيميادين الإصلاح، حيث اعتلى أكبر منصب ديني في العالم الإسلامي. تـولـىمـشـيـخـة الأزهـر وفـي ذهـنـه رسالة طالما تمنى قيام الأزهر بها، وتحملهذا العبء بصبر وجد، وفي عهده أرسل وعاظ من الأزهر إلى السودان ولاسيماجنوبه، وعمل على اتصال الأزهر بالمجتمع وكان يـصـدر رأي الإسـلام فيالمواقـف الحاسـمـة:  

كتب أحمد عبد العزيز أبو عامر: ولا أزال أذكر ما قصه علينا أستاذ أزهري كان آنذاك طالباً في أصول الدين إبان رئاسة الشيخ للأزهر،حيندعا أحد أعضاء مجلس الثورة إلى مساواة الجنسين في الميراث ، ولما علمالشيخ بذلك اتصل بهم وأنذرهم إن لم يتراجعوا عن ما قيل فإنه سيلبس كفنهويستنفر الشعب لزلزلة الحكومة لاعتدائها على حكم من أحكام الله ، فكان لهما أراد .  

وكان في ذهن الشيخ حين ولي المنصب الكبير وسائل لبعثالنهضة في مؤسسة الأزهر، وبرامج للإصلاح، لكنه لم يتمكن من ذلك، ولمتساعده صحته على مغالبة العقبات، فلم يلبث أن قدم استقالته لخلافه مع عبدالناصر بسبب إلغائه المحاكم الشرعية وإدماجها في القضاء الأهلي، وكان منرأيه أن العكس هو الصحيح، فيجب إدماج القضاء الأهلي في القضاء الشرعي؛وكانت استقالته في (7 يناير 1954)، ويذكر له في أثناء توليه مشيخة الأزهرقولته:« إنالأزهر أمانة قي عنقي أسلمها حين أسلمها موفورة كاملة، وإذا لم يتأت أنيحصل للأزهر مزيد من الازدهار على يدي، فلا أقل من أن لا يحصل له نقص »وكان كثيرا ما يردد: « يكفيني كوب لبن وكسرة خبز وعلى الدنيا بعدها العفاء ».

معركة التحرير مستمرّة  

إنّتعدد مسؤوليات الشيخ وأعباءه التي تنوء بها العصبة لم تصرفة عن قضايا بلدهالرازح تحت نير الاحتلال البغيض فأسس سنة 1924 « جمعية تعاون جاليات شمالإفريقيا » إلى جانب نخبة من الجزائريين والمغاربة والليبيين، وفي سنة: 1944أسس صحبة مجموعة من أبناء المغرب العربي ما عرف بـ »جبهة الدفاع عن إفريقياالشمالية » التي رأسها الأمير عبد الكريم الخطابي.  

ولمزيد التعريف بالقضيّة التونسية في الشرق أصدر سنة 1948 كتابا يحمل عنوان:  » تونس 67 عاما تحت الاحتلال الفرنساوي »، جاء فيه: « وحيثأن التونسيين قد حرموا في بلادهم من الحريات الأوّلية حريات التفكيروالنشر والقول والاجتماع والتجول حتّى أن الخمس وستين سنة التي مرّت علىالحماية قضى منها التونسيّون أكثر من عشرين سنة تحت الحكم العسكري العرفيوالباقي تحت رقابة البوليس. »  

وأبرز فيه إيمانه العميق بالتعليمكرافعة لنهضة الأمم حيث أراده لكل التونسيين مسويا في ذلك بين الجنسينفعرض لحالة التعليم تحت الاحتلال مدعّما قوله بالأرقام:  » عدد البنينوالبنات الذين هم في سن الدراسة من التونسيين 973700، عدد البنين والبناتالذين يزاولون الدراسة في مختلف الفصول والأقسام 71921، وبإجراء عمليةبسيطة يتّضح أنّ الباقي وهو 901779 هو عدد أبنائنا وبناتنا الذين لا يجدونمدرسة يأوون إليها فهم يجوبون الشوارع ضحية الجهل يتلقون دروس الإجراموانحطاط الأخلاق ليصبحوا بعد ذلك سوسا ينخر جسم هذا المجتمع الذي يحاربهالاستعمار بالفقر و الجهل و كفى بها معاول للهدم والتحطيم… » وكشف فيه عن تعلّقه بأسباب التقدّم والاستنارة فقال متحدّثا عما فعله الاستعمار بالشعب التونسي : « …كما اغتصبت منه موارد الثروة و أقفلت في وجهه سبل الحضارة و الرقيّ و منعته من الاستنارة بنور العلم و المدنيّة… » ثمواصل مبرزا إيمانه بالرأي العام الدولي الذي بدأ يتشكل غداة الحربالعالمية الثانية معتقدا في وجود منصفين وأصحاب ضمائر وإنسانيين عبر كلالأمم موجها إليهم النداء قائلا :  » إنّنا نضع هذه الحقائق أمام العالمالمتمدّن عسى أن ينتبه ضميره و يشعر بمسؤوليّته خصوصا الدول التي قطعت علىنفسها وعودا بذلك وقالت عن الحرب الأولى والثانية إنّها حرب الحريّة والدفاع عن حقوق الإنسان… » مؤلّفاته  

لميخلف الشيخ رحمه الله تعالى وراءه من حطام الدنيا شيئًا، لكنه ترك ذكرىطيبة، وسيرة حسنة في ميادين السياسة والجهاد والقدوة الحسنة، وترك كنوزًامن الفكر شاهدة على عقله المبدع وجهده الدؤوب، تنوعت بتنوع اهتماماتهالعلميّة، بين القرآن وعلومه، و الفقه وأصوله، والحديث وعلومه، والدعوةوالإصلاح والتربية، والمقاصد، واللغة، والأدب، والتاريخ والتراجم…،سلاحه في كلّ ذلك بيانه الساحر، وقلمه السيّال الذي قلّما يوجد له نظير فيالعصور المتأخرة، بل إنه يضارع أرباب البيان الأوائل.  

ومن هذه المؤلفات: 1 ـ آداب الحرب في الإسلام 2 ـ أديان العرب قبل الإسلام 3 ـ أسرار التّنزيل.ـ بلاغة القرآن  5 ـ تراجم الرّجال  6 ـ تعليقات على كتاب الموافقات للشّاطبي 7ـ تونس وجامع الزّيتونةـ تونس 67 عاما تحت الاحتلال الفرنساوي 1881- 1948  9 ـ الحرّيّة في الإسلام 10 ـ حياة ابن خلدون ومثل من فلسفته الاجتماعية 11ـ « خواطر الحياة »: ديوان شعر جمعه بعض محبّيه  12 ـ الخيال في الشّعر العربي 13ـ دراسات في الشّريعة الإسلاميّة  14 ـ دراسات في العربيّة وتاريخها  15 ـ دراسات في اللغة 16 ـ الدعوة إلى الإصلاح 17 ـ الرّحلات  18 ـ رسائل الإصلاح: وهي في ثلاثة أجزاء، أبرز فيها منهجه في الدعوة الإسلامية ووسائل النهوض بالعالمالإسلامي. 19 ـ الشريعة الإسلامية صالحة لكلّ زمان ومكان 20 ـ القاديانية والبهائية 21- محمّد رسول الله وخاتم النبيين 22 – نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم 23- نقض كتاب الشّعر الجاهلي 24- هدى ونور مع عدّة بحوث ومقالات نشرت في  » السّعادة العظمى » و « الأزهر » و « نور الإسلام » و » لواء الإسلام » و »الهداية الإسلامية »…

وإليك بعض ما قاله الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفيرحمه الله – في بيان رأيه في كتب ستة قرأها للشيخ الخضر، وهي: تونسوجامعة الزيتونة، وبلاغة القرآن، ورسائل الإصلاح، والشريعة صالحة لكل زمانومكان، ومحمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين، والخيال فيالشعر الجاهلي. قال الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – : (( بيان عن هذه الكتب جملة في أمور مشتركة بينها: ‌أتشترك هذه الكتب الستة في قوة الأسلوب، وعلوه، مع سلاسة العبارة، ووضوحها،وسمو المعاني، ودقتها، وإصابة الهدف من قرب بلا تكلف فيها، ولا غموض، ولاحشو، ولا تكرار. ‌بتشترك في الدلالةعلى سعة علم المؤلف، وتضلعه في العلوم العربية، والاجتماعية، والدينية،واستقصائه في بحثه، وفي نقاشه لآراء مخالفيه، وأدلتهم، واعتداله في حكمه،وفتاويه. ‌جيتمثل فيها نزاهة قلم المؤلف، وحسن أدبه، ونبل أخلاقه. لكنلم يمنعه ذلك أن ينقد الملحدين، ومَنْ انحرفَ به هواه عن الجادة، والصراطالمستقيم نقداً لاذعاً لا يخرج به عن الإنصاف، ولا يتجاوز حد الأدب فيالمناقشة؛ رعاية لحق مخالفيه، وصيانة لعلمه ولسانه عما يشينه، وسيراً معالكتاب والسنة وآدابهما في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فلاجهل، ولا سفاهة، إنما يقابل سيئة خصمه وسبَّه بالحسنة، وغض الطرف عنها. ‌دويتمثل فيها الصدع بالحق، والكفاح عنه بحسن البيان، وقوة الحجة مااستطاع إلى ذلك سبيلاً، لا يخشى في ذلك لَومة لائم، عماده في ذلك كتابالله، وسنة رسوله، ودليل العقل، وشاهد الحس، والواقع مع ذكر الشواهد مناللغة، والقضايا التي جرت في العالم))

وفاته رحمه الله وبعداستقالته من مشيخة الأزهر استمر الشيخ إلى أواخر حياته يلقي المحاضراتويمد المجلات والصحف بمقالاته ودراساته الـقـيمة، بالرغم مما اعتراه منكبر السن والحاجة إلى الراحة وهذا ليس غريباً عمن عرفنا مشوار حياتهالمليء بالجد والجهاد والاجتهاد . قال رحمه الله في مرضه:

أطلّ عليّ الموت من خلل الضنا * فآنست وجه الموت غير كئيب ولو جسّ أحشائي لخلت بنانه * وإن هال أقواما بنان طبيب فلا كان من عيش أرى فيه أمّتي * تساس بكفي غاشم وغريب ولبىنداء ربه في مساء الأحد (13 من رجب 1377هـ = 3 من فبراير 1958م)، فشيَّعهالعلماء وعارِفُو فضله ونضاله في مشهد مهيب ودفن بجوار صديقه أحمد تيمورباشا بوصية منه، ونعاه العلامة محمد علي النجار بقوله: « إن الشيخ اجتمعفيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره إلا في النّدْرَى، فقد كان عالماضليعا بأحوال المجتمع ومراميه، لا يشذ عنه مقاصد الناس ومعاقد شؤونهم،حفيظا على العروبة والدين، يردّ ما يوجه إليهما وما يصدر من الأفكارمنابذًا لهما، قوي الحجة، حسن الجدال، عف اللسان والقلم … ».  

فلاتنس أيّها القارئ الكريم شيخنا من دعواتك في سجودك، عسى أن ينفعك اللهبذلك وينفعه، فقد كان حريصا على أن يعلّمنا أنّ الدعاء للميت خير منتأبينه فقال كأروع ما يقال في هذا المعنى:

تـسائلني هل في صحابك شاعرٌ * إذا مـت قـال الشعر وهو حزينُ فـقلت لـها: لا همَّ لي بعد موتتي * سوى أن أرى أخراي كيف تكون وما الشعر بالمغني فتيلاً عن امرئ * يـلاقي جـزاءًا والـجزاءُ مُهين وإن أحظ بالرُّحمى فماليَ من هوىً * سـواها وأهـواء النفوسِ شجون فَـخَلِّ فـعولنْ فـاعلاتنْ تقال في * أنـاس لـهم فـوق التراب شؤون وإن شـئت تـأبيني فدعوةُ ساجدٍ * لـها بـين أحـناءِ الضلوع حنينُ

رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام خير الجزاء

—————————– مصادر البحث : * أنور الجندي : الفكر والثقافة المعاصرة في شمال إفريقيا – الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة – (1385هـ= 1965م). * علي عبد العظيم: مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن – مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية – القاهرة – (1399 هـ= 1979م). * محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين – دار القلم – دمشق- (1415 هـ= 1995م). * محمد مهدي علام: المجمعيون في خمسين عاما – مطبوعات مجمع اللغة العربية – القاهرة – (1406هـ= 1986م) * محمد علي النجار: كلمة في تأبين الشيخ محمد الخضر حسين – محاضر جلسات مجمع اللغة العربية – الجزء الحادي والعشرون. * محمد عبد المنعم خفاجى – « الأزهر في ألف عام » – عالم الكتب – ببيروت –1988 م * محمد عمارة – « معركة الإسلام وأصول الحكم » – دار الشروق – القاهرة – 1989م

بعض الروابط التي جمعت منها مادة الدراسة:

1- الخضر حسين: يكفيني كوب لبن وكسرة خبز- أحمد تمام http://www.islamonline.net/Arabic/history/1422/03/article16.SHTML 2- الشيخ محمد الخضر حسين – أحمد عبد العزيز أبو عامر http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?id=10389 3- بعض ملامح الحسّ التحرّري لدى العلاّمة محمد الخضر بن الحسين.1876/ 1958- خالد العقبي https://www.tunisnews.net/25jan08a.htm 4- محمد الخضر حسين..المجاهد بالقلم http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=1306&SecID=456 5- الشيخ العلامة محمد الخضر حسين

http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=1058&per=1050&kkk

6 – الصداقة عند الشيخ محمد الخضر حسين http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=1059&per=1050&kkk=

والله خيـــر الوارثيــــــن

(المصدر : موقع السبيل أونلاين.نت  بتاريخ 4 فيفري 2008)


 

« القاعدة » في المغرب العربي مصممة على استهداف الأجانب

لندن– الحياة    

توقف مراقبون أمس عند تهديد تنظيم «القاعدة» في المغرب العربي بتكرار الهجوم على السفارة الإسرائيلية في نواكشوط يوم الجمعة الماضي، وتلويحه بتصعيد كبير في عملياته ضد «اليهود والنصارى» في المنطقة المغاربية. وقال هؤلاء إن الهجوم في نواكشوط كان الضربة الوحيدة الممكنة لهدف «ديبلوماسي» إسرائيلي في المنطقة المغاربية، إذ أن موريتانيا هي الدولة المغاربية الوحيدة التي ترتبط بعلاقات ديبلوماسية على مستوى سفارة مع الدولة العبرية.

وقال «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، في بيان نشر على الانترنت، «نناشد الغيورين من أبناء الإسلام ورجالاته في مغرب الإسلام… أن يجبروا الحكومات… على قطع العلاقات الديبلوماسية والتجارية مع اسرائيل وان يستهدفوا مصالح اليهود والنصارى وجالياتهم في المغرب الإسلامي».

وهاجم ستة مسلحين سفارة إسرائيل في نواكشوط الجمعة واطلقوا الرصاص من أسلحة رشاشة على مبانيها قبل ان يفروا، إثر رد فوري من الجنود الموريتانيين المكلفين حراسة البعثة الديبلوماسية.

ونقلت وكالة «فرانس برس» عن البيان تهديده السفير الاسرائيلي في موريتانيا بمهاجمته مجدداً، إذ قال: «أما أنت أيها اليهودي بوعز بيسموت، أبشر بما يسوؤك ولا تفرح بنجاتك هذه المرة فلا زال في الجعبة سهام وتذكر انك في حاجة ملحة لكي تنجو كل مرة».

وقال مراقبون إن الهجوم على السفارة الإسرائيلية في نواكشوط ليس الهجوم الوحيد الذي يشنه تنظيم «القاعدة» على هدف يهودي في المنطقة المغاربية.

إذ أن «القاعدة» نفّذت في العام 2002 هجوماً ضد كنيس يهودي في جربة التونسية، وإن كان معظم الضحايا من السياح الألمان والفرنسيين. كما أن متشددين إسلاميين من تيار «السلفية الجهادية» شنوا هجوماً أيضاً على مقر يهودي في هجمات الدار البيضاء في أيار (مايو) 2003، من ضمن هجمات على أهداف أجنبية وفنادق يرتادها غربيون. وحاولت «القاعدة» في 2002 شن هجوم على طائرة تابعة لشركة «العال» وفندق يملكه يهود في كينيا.

ولفت المراقبون أنفسهم إلى أن تهديد «القاعدة» الآن بشن مزيد من الهجمات ضد «اليهود والنصارى» في المنطقة المغاربية، بما فيها موريتانيا، يأتي في سياق اتجاه قيادة الفرع المغاربي لهذا التنظيم نحو إثبات انتشارها خارج معقلها الأساسي في الجزائر، حيث دأبت على تنفيذ هجمات بسيارات مفخخة يقودها انتحاريون. وعلى رغم حصول هجمات شنها متشددون في المغرب، إلا أن الهجمات الوحيدة التي ارتبطت مباشرة بـ «القاعدة» كانت تلك التي حصلت في موريتانيا، ما يعني أن انتشار هذا التنظيم مغاربياً يكاد يكون محصوراً في كل من الجزائر وموريتانيا.

ومعلوم أن «الجماعة الاسلامية المقاتلة» في ليبيا انضمت بدورها الى «القاعدة»، لكنها لم تشن بعد أي هجوم داخل ليبيا نفسها. أما في تونس فإن السلطات فككت خلية تضم متشددين تدربوا لدى «القاعدة» في الجزائر العام الماضي.

(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)


 

التنظيم يدعو لاستهداف اليهود والنصارى في المغرب العربي …

إسرائيل: « القاعدة » وراء هجوم نواكشوط

تل أبيب – دبي – ا ف ب – أكد رئيس جهاز الاستخبارات الاسرائيلي (الموساد) ان تنظيم القاعدة نفذ الهجوم الذي استهدف ليل الخميس الجمعة مقر السفارة الاسرائيلية في نواكشوط. واتهم مئير داغان القاعدة بالوقوف وراء الهجوم مشيرا الى ان « السفارة الاسرائيلية هي التي كانت مستهدفة »، كما افاد مصدر برلماني بعد ادلاء رئيس الموساد بشهادة امام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست.

وكان « تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي » دعا انصاره في بيان نشره على الانترنت امس الى استهداف « اليهود والنصارى » في شمال افريقيا متبنيا الهجوم الذي استهدف السفارة الاسرائيلية في موريتانيا. وذكرت محطة الجزيرة ان تنظيم القاعدة تبنى هذا الهجوم من دون ان تعطي مزيدا من التفاصيل.وهاجم ستة مسلحين الجمعة سفارة اسرائيل في نواكشوط حيث عمدوا الى اطلاق النار من أسلحة رشاشة على مبانيها قبل ان يلوذوا بالفرار اثر رد فوري من الجنود الموريتانيين المكلفين حراسة البعثة الدبلوماسية. وكان سفير اسرائيل في نواكشوط أعلن عدم سقوط اي ضحية بين موظفي السفارة في الهجوم لكن ثلاثة فرنسيين كانوا قرب مطعم ومرقص يقع على بعد بضعة امتار من السفارة اصيبوا بجروح على ما أفاد مصدر قريب من التحقيق. وموريتانيا هي من الدولة العربية القليلة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل (منذ عام 1999) الى جانب مصر والأردن.

وقال بيان نشر على الانترنت أعلن فيه التنظيم مسؤوليته عن العملية التي استهدفت السفارة الإسرائيلية في نواكشوط « نناشد الغيورين من أبناء الإسلام ورجالاته في مغرب الإسلام، أن يجبروا الحكومات العميلة على قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل وان يستهدفوا مصالح اليهود والنصارى وجالياتهم في المغرب الإسلامي ».وجاء في البيان « أول الغيث هذه الغزوة المباركة التي نفذها أبطال المغرب الإسلامي واستهدفوا فيها مقر السفارة الإسرائيلية بنواكشوط صبيحة يوم الجمعة، حيث باغتها المجاهدون بنيران أسلحتهم وقنابلهم وتمكنوا بفضل الله من إصابة عدد غير محدد في صفوف اليهود وحرسهم تكتمت عنه السلطات الموريتانية ولم تعترف إلا بإصابة ثلاثة فرنسيين ».وقال التنظيم إن الهجوم على السفارة الإسرائيلية « جاء في الوقت الذي يسوم فيه اليهود الملاعين إخواننا في فلسطين الويلات من حصار ظالم وبطش وتنكيل وقتل وتشريد ومشاهد تتفطر لها القلوب أمام صمت فاضح من الدول الغربية و تواطؤ مخز من يهود بني عربون ممن يسمونهم حكام المسلمين ». إلى ذلك، هدد البيان السفير الإسرائيلي في موريتانيا بمهاجمته مجددا. وقال التنظيم « أما أنت أيها اليهودي بوعز بيسموت، ابشر بما يسوؤك ولا تفرح بنجاتك هذه المرة فلا زال في الجعبة سهام وتذكر انك في حاجة ملحة لكي تنجو كل مرة ». وكان سفير إسرائيل قد أعلن عدم سقوط اي ضحية بين موظفي السفارة في الهجوم لكن ثلاثة فرنسيين كانوا قرب مطعم ومرقص يقع على بعد بضعة أمتار من السفارة أصيبوا على ما أفاد مصدر قريب من التحقيق.

(المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)


 

 

الاتحاد الإفريقي في مواجهة الأزمة الكينية

 

 
توفيق المديني على الرغم من انطلاقته في يوليو (تموز) 2002 من مدينة (ديربان) في جنوب إفريقيا، فإن الاتحاد الإفريقي ظل عاجزا عن مواجهة المعضلات المزمنة التي تعاني منها القارة الإفريقية، إذ انتقلت إليه أمراض منظمة الوحدة الإفريقية الراحلة إليه، التي خلقت قروحاً أو تشوهات في بنيته الهشة. ففي الحادي والثلاثين من يناير (كانون الثاني) 2008 انعقدت قمة الاتحاد الإفريقي العاشرة في العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا)، وعلى جدول أعمالها بنود متكررة ومتشابهة لما ظل يُناقشه منذ قيامه رغم أن الشعار الذي اتخذه هذه المرة هو التنمية الصناعية في القارة الإفريقية، ولكن القمة أخفقت ككل مرة في إيجاد مخرج سلمي للأزمة الكينية. و يتساءل المحللون عن خلفيات هذه الأزمة الكينية، التي يبدو أنها باتت أقرب إلى التربة في ساحل العاج في نهاية التسعينات منه إلى المعين الرواندي في العام 1994؟ لقد اشتعلت كينيا بعد ثلاثة أيامٍ من “الانتخابات التاريخيّة” في 27 كانون الأول (ديسمبر) 2007، والتي جرت في “جوٍّ هادئ”. وكان المتسبب الرئيسي في إطلاق هذه الدوامة الجهنمية للعنف الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، التي أعطت فوزا طفيفا بنحو (230000 صوت) للرئيس المرشح مواي كيباكي على منافسه زعيم المعارضة الكينية(الحركة الديمقراطيةالبرتقالية) رايلا أودينغا الذي يطعن بإعادة انتخاب الرئيس مواي كيباكي. و تمّ إحصاء أكثر من سبعمائة قتيل، وأكثر من 100 ألف مشرد عقب “أعمال العنف التي نفّذتها عصابات من الشباب المسيَّرين الذين يرهبون السكان”. وتعود مسؤوليّة المجزرة أيضاً إلى قوات الشرطة التي سمح لها بـ “إطلاق النار بهدف القتل”. لقد تم الإعلان عن هزيمة الزعيم المعارض ريلا أودينغا الذي تصدر استطلاعات الرأي في خريف العام 2007، التي كانت ترشحه للفوز في الانتخابات الرئاسية، و بالتالي إنزال الهزيمة بالائتلاف الحاكم في السلطة منذ الاستقلال عام 1963. وكانت حالات التزوير الفاضحة التي شابت هذه الانتخابات، والتي أيدتها لجنة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي التي كانت حاضرة في كينيا، وحملت تقريرا قاسيا حول هذا الاستحقاق الانتخابي والنتائح المضخمة لمصلحة الرئيس مواي كيباكي، قد أسهمت في تسميم الجو المشحون بطبيعته. وخرجت كينيا لتوّها من صيفٍ دمويّ في سنة 2007، بعد أن توالت عمليات الإعدام خارج إطار القضاء في وسط المناطق الممنوعة داخل العاصمة، التي كانت لا تزال مضطّربة بفعل المواجهات الدمويّة التي شهدتها في العام 2006، بين ميليشيات إثنيّة “ليو” (التي تلقّب بالطالبان) وإثنيّة “كيكويو” (المعروفة باسم مونغيكي -الكثرة-)، من أجل السيطرة على التجارة غير الشرعية للشانغا (وهي كحول تقليدية مغشوشة). وقد نفّذت هذه الإعدامات فرقة “كوي كوي” من القوّات الخاصّة الحكومية.. وهكذا أدّت ممارسات “سرّية الموت” الحقيقية هذه، التي كانت تطلق النار عشوائيّاً على شباب الأحياء الفقيرة المتّهمين بانتمائهم إلى المونغيكي، إلى مقتل حوالي خمسمئة شخص. وقد ساهمت المساوئ التي ارتكبتها ميليشيات المونغيكي، التي ندّدت بها اللّجنة الكينيّة لحقوق الإنسان والتي حمّلتها الصحافة الوطنية مسؤوليّة جميع الحوادث المتعلّقة بانعدام الأمن في نيروبي، أيضاً في تعزيز الكراهيّة ضدّ إثنيّة كيكويو – التي ينتمي إليها الرئيس- ضمن الـ 60 في المئة من سكان نيروبي المتكدّسين داخل هذه الأحياء العشوائية. استعمر البريطانيون كينيا عام 1887، ونالت البلاد استقلالها عام 1963. ومنذ العام 1964 لم تعرف البلاد سوى ثلاثة رؤساء: الأول جومو كينياتا واستمر في الحكم (16 سنة)، والثاني دانيال آراب موي(24 سنة)، والثالث الرئيس مواي كيباكي منذ العام 2002، الذي ينتمي إلى قبيلة كيكويو التي تشكل 20 في المئة من عدد سكان كينيا (35 مليون نسمة)، وهي قبيلة تتمتع بنفوذ قوي في البلاد منذ عهد الاستعمار البريطاني، وأفرزت طبقة من رجال الأعمال الأثرياء جدا. وبالمقابل هناك المعارضة التي يتزعمها رايلا أودينغا الذي ينتمي إلى قبيلة “لو” المتمركزة في غرب البلاد. ومنذ عهد الاستقلال كانت قبيلة “لو” تنظر بفارغ الصبر اليوم الذي يصل فيها أحد قادتها إلى رئاسة الدولة، من أجل التمتع بمزايا السلطة.وتحوم حول هاتين القبيلتين الكبيرتين، مجموعات إثنية أخرى، حيث دخل قادتها، منذ أربعة عقود، في لعبة معقدة من التحالفات والخيانات، لتحقيق الثراء الشخصي، على حساب مصالح المجموعات الإثنية التي ينتمون إليها. فالسيّد كيباكي مرفوضٌ من قبل الشريحة الأكثر فقراً من قاعدته الإثنيّة (كيكويو) التي لا تتردّ في التصويت ضدّه، وتلبية دعوة السيّد أودينغا (من إثنيّة لو)، كما جرى خلال الاستفتاء الدستوريّ في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005. وفي غضون سنتيْن، من العام 2003 إلى العام 2005، خذل رئيس الدولة في الواقع جميع من كانوا يأملون بالتغيير. وصدمت الاضطرابات السياسية والعنف القبلي زعماء العالم وأضرت بسمعة كينيا كأكبر اقتصاد في شرق أفريقيا. فقد طورت كينيا قطاعا سياحيا يدر عليها عائدات كبيرة من العملة الصعبة، فضلا عن تصديرها للشاي والورود، وتنامي قطاع العقارات الذي لا مثيل له الأمر الذي جلب الشكوك حوله لجهة ضخ أموال قذرة بهدف تبييضها في هذا القطاع. لكن الأكواخ السياحية في المحميّات الحيوانية وفنادق شاطئ المحيط الهنديّ، وهي بنى تحتيّة تجتذب أكثر من مليون زائر سنوياً، ليست في الواقع سوى “عالم خارج البلد offshore، بعيد عن الواقع… مع نسبة نموّ بلغت 6 في المئة في العام 2007 وارتفاع مؤشّر البورصة إلى أكثر من 800 في المئة في غضون ستّة أعوام. لكن النموذج الاقتصادي الكيني بدأ يلهث، ولاسيما ضمن إطار عولمة متسارعة تفرض تكيّفات سريعة. وقد ساهمت أيضاً خمسة أعوام من الحكم الكيباكيّ في توسيع الشرخ الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء في مجتمعٍ كينيّ يعيش فيه 50 في المئة من السكان بأقلّ من دولاريْن يومياً. وفي الوقت الذي تضاعف فيه عدد السكان أربع مرات، منتقلا من 9 ملايين إلى 36 مليون نسمة، فإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد الذي ازداد بشكل ملحوظ ظل يوزع بطريقة غير عادلة، فهو يقارب 21 مليار دولار سنويا، أي ما يعادل 600 دولار لكل ساكن. أما التضخم الذي تجاوز 20 في المئة منذ العام 2006، فقدأرهق الفقراء الذين لم تعد مداخيلهم تواكب تقدم الاقتصاد. إن للأزمة الكينية تداعيات على الاستراتيجية الأميركية في منطقة القرن الإفريقي، ذلك أنّ كينيا، شريكة واشنطن في هذه الاستراتيجية المهمّة،إذ حصلت منها على أكثر من 500 مليون دولار من المساعدات في العام 2007 بوصفها الموقع المتقدّم للحرب التي شنّتها الولايات المتحدة ضدّ الإرهاب الذي يصيب القرن الأفريقي. حتّى أنّها جزء من البلدان المتوقع إيواؤها لمقرّ “أفريكوم”، القيادة العسكريّة التي توشك الولايات المتحدة على تحضير تموضعها في القارة. وتساهم الاضطرابات الناتجة عن عدم استقرار المعبر البحريّ الأساسيّ لأوغندا ورواندا وبوروندي وجنوب السودان وشرق الكونغو، والتي سبق أن تأثرت باشتعال أسعار الوقود والمنتوجات الأساسية، نوعاً ما في إضعاف اقتصاد دول الداخل في شرق إفريقيا. كاتب من تونس

(المصدر: صحيفة  » أوان » (يومية –كويتية) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)


 

أسبوع الالتباس العظيم

فهمي هويدي (*)

إذا جاز لى أن أسمى الأسبوع الفائت فى مصر، فإننى لا اتردد فى تسميته أسبوع الالتباس العظيم.

(1)

اتصلت بى هاتفياً ذات مساء سيدة من أسرة فلسطينية عريقة استقرت فى القاهرة منذ 45عاماً، وقالت إنها بعد الذى سمعته فى مداخلات بثها أحد البرامج التليفزيونية أثناء فقرة قدمها حول عبور الفلسطينيين الحدود إلى رفح والعريش، فإنها قررت أن تغادر مصر إلى غير رجعة. هدأت من روعها وسألتها عن السبب، فقالت إن التعليقات التى أذيعت على الهواء صدمتها، لأنها كانت مسكونة بالمرارة والنفور على نحو لم تعرفه فى مصر. وأضافت أن التعبئة المضادة التى اعتبرت الفلسطينى خطراً على مصر وأمنها، أثرت على علاقتها مع صديقات تعرفهن منذ عقود، حتى خسرت بعضهن من جرائها.

ليست هذه حالة فردية، لأن مشاعر القلق هذه عبر عنها آخرون فى عدة رسائل واتصالات هاتفية تلقيتها. وكان السؤال المكرر هو: هل يهيئ الفلسطينيون المقيمون فى مصر أنفسهم للجوء جديد؟

مثل هذا القلق وجدته مبرراً ومشروعاً، لأننى أزعم بأنه بقدر ما كان الخطاب السياسى المصري ناجحاً بصورة نسبية فى الأسبوع الماضى، فإن الخطاب الإعلامى -فيما عدا استثناءات قليلة- رسب فى الاختبار، فكان مسيئاً وتحريضياً بشكل لافت للنظر. لست فى موقف يسمح لى الآن بالتحقيق فى الدوافع والمقاصد، ولكن ما يهمنى فى اللحظة الراهنة هو الحصاد والنتائج.

(2)

فى عام 1991 قام العقيد معمر القذافى بعملية مشابهة لما تم فى معبر رفح. فقد أحضر البلدوزرات وهدم البوابات المقامة على الحدود بين مصر وليبيا، تأثرا فى الأغلب بالأفكار الوحدوية التى شاعت بين جيلنا، واعتبرت الحدود انسياقا وراء المخططات الاستعمارية التى كرستها اتفاقية سايكس بيكو (عام 1916)، وبمقتضاها تم تمزيق العالم العربى فى إطار وراثة تركة الدولة العثمانية، وتوزيع أشلائه على الدول المنتصره آنذاك. وفى المقدمة منها إنجلترا وفرنسا. الشعور ذاته عبر عنه الدكتور جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين «وهو بالمناسبة يسارى فلسطينيى و من قادة حركة القوميين العرب» حين أبلغ وهو في مرض موته بخبر اجتياز الجموع لمعبر رفح. و قد سمعت احد رفاقه و هو يقول في حفل وداعه ان « الحكيم » لمعت عيناه من الفرحة و تمنى ان يعيش ليرى الشعوب العربية و هى تتلاحم محطمة حدود الدول القطرية.

وقتذاك- فى عام 1991- عبر الحدود إلى ليبيا 2 مليون مصري، وهو رقم يعادل نصف الشعب الليبى. ولم تتصدع علاقات البلدين ولا شكت ليبيا من تهديد أمنها القومى. وبعد ذلك أعيد تنظيم الحدود، وأصبح المصريون يدخلون إلى ليبيا دون تأشيرة. الذاهبون عبر المعبر الحدودي اشترط عليهم أن يحملوا معهم عقود عمل، والقادمون عبر المطار أصبحوا يدخلون دون شروط، و يطالبون فقط بالحصول على عقود عمل خلال فترة زمنية معينة. ولأن هذه عملية يصعب ضبطها فقد أصبح فى ليبيا الآن مليون مصري، منهم حوالى 650 ألفاً ذابوا فى البلد وأقاموا فى جنباتها دون أن يحصلوا على عقود عمل، ومن ثم اعتبرت إقامتهم غير شرعية. وحين سرت شائعة تتعلق باحتمال ترحيلهم قامت الدنيا ولم تقعد، وجرت اتصالات عديدة بين القاهرة وطرابلس، أسفرت عن تهدئة الوضع وإبقاء كل شئ كما هو عليه.

هؤلاء، المصريون الموجودون فى ليبيا بصورة غير شرعية، يعادلون تقريباً مجموع الفلسطينيين الذين عبروا الحدود خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد اختراق معبر رفح، ومع ذلك فليبيا التى لا يتجاوز تعداد سكانها الملايين الأربعة لم تعتبر ذلك غزواً ولا تهديداً لأمنها القومى، فى حين أن بعض الأبواق الإعلامية المصرية ظلت تصرخ منذرة ومحذرة من الغزو الفلسطينى لمصر، رغم أن تعداد سكانها تجاوز 76 مليون نسمة. وهى مفارقة تطرح السؤال التالى: ماذا يكون موقفنا لو أن الإعلام الليبى عبأ المجتمع هناك ضد وجود ذلك العدد من المصريين بصورة غير شرعية، وحرض الجماهير ضد احتمال « الغزو المصري »، كما فعلت أبواقنا الإعلامية بالنسبة للفلسطينيين العابرين، علماً بأن مبررات الخوف أكبر فى الحالة الليبية (بسبب إغراء النفط وقلة عدد السكان) منها فى الحالة المصرية الفلسطينية.

ليس عندى أى دفاع عن تحطيم الحدود واجتيازها بين دول لم تتوافق على فتح حدودها فيما بينها كما هو الحاصل فى الاتحاد الأوروبى. ذلك أنه طالما هناك حدود دولية فيتعين احترامها، واجتيازها أو تحطيم أسوارها فى الظروف العادية جريمة لاريب. لكنى أحسب أن أى طفل مصري يدرك جيداً أن ما حدث فيما يتعلق بمعبر رفح كان نتاجاً لظروف غير عادية بإطلاق، من جانب شعب خضع لحصار شرس استمر ثمانية أشهر، وفى غيبة أى أمل لرفعه فقد كان الانفجار هو النتيجة الطبيعية له. من ثم فإن ما جرى لا ينبغى أن يوصف بأكثر من كونه خطأ لا جريمة، وهو ما يحتاج إلى عقلاء يتفهمون أسبابه ويعطونه حجمه الطبيعى ويتحوطون لتداعياته بحيث لا تخدم مخططات العدو الإسرائيلى مثلاً.

من أسف أن بعض المعالجات الإعلامية لم تفهم هذا التمييز بين الخطأ والجريمة، وذهب بعضها إلى اعتباره غزوا تارة، بل وإلى المساواة بين دخول الفلسطينين إلى رفح والعريش وبين احتلال الإسرائيليين لسيناء (هكذا مرة واحدة!). وإختلط الأمر على البعض الآخر حتى لطموا الخدود وشقوا الجيوب ورفعوا أصواتهم داعين إلى استنفار المصريين لصد الخطر الداهم الذى يهدد أمن بلدهم وسيادته. وكان ذلك نموذجاً للالتباس الذى أفقد البعض توازنهم، وحوّل المشكلة الى قضية عبثية.

(3)

للالتباس تجليات أخرى منها مثلاً أن البعض آثر أن يعتبر عبور الفلسطينيين إلى مصر « مؤامرة »، فى حين أن المؤامرة الحقيقية هى فى مساعى أحكام ومحاولة تدمير حياة الفلسطينيين فى القطاع لإذلالهم وتركيعهم. وفي منطق المرجحين لفكرة المؤامرة أن كل شئ كان مخططاً ومعداً له من قبل. وهو كلام مرسل لا دليل عليه، فضلاً عن أن الشواهد المنطقية والواقعية ترجح كونه انفجاراً شعبياً طبيعياً من جانب إناس حمّلهم الحصار بما لا يطيقون، وبما يتجاوز بكثير الانفجار الشعبى التلقائى الذى حدث يومى 18 و19 يناير سنة 1977، احتجاجاً على رفع الأسعار فى مصر.

هي انتفاضة ثالثة حقاً، رغم أننى سمعت أحدهم يتحدث بدهشة واستنكار شديدين لإطلاق الوصف على قيامة الجماهير وعبورها للحدود. لكنها انتفاضة ضد الحصار والهوان، ولا يتصور عاقل أنها يمكن أن تكون انتفاضة ضد مصر.

فى الانفعال الذى ساد بعض المعالجات الإعلامية تداخلت الخطوط وتاهت البوصلة، حتى لم تميز تلك المعالجات بين ما يوصف فى الأدبيات الماركسية بين التناقض الرئيسى والتناقضات الثانوية. لقد أبرزت بعض الصحف بعناوين عريضة بعض الحماقات التى ارتكبت وبعض التصرفات المشبوهة التى وقعت. مثل قيام أحد الشبان برفع العلم الفلسطينى على أحد المبانى فى الشيخ زويد. واعتداء البعض على عدد من الجنود المصريين، والكلام عن اكتشاف خليتين دخلتا إلى سيناء للقيام بعمليات عسكرية ضد الإسرائيليين، مثل هذه الأخبار إذا ثبتت صحتها، فينبغى أن تعطى حجمها ويحاسب المسؤولون عنها، لكنها تظل فى حدود التناقضات الثانوية، التى ينبغى ألا تحجب التناقض الأساسى مع إسرائيل والاحتلال والحصار.

ومن أسف أن الأضواء سلطت بقوة على تلك التناقضات الثانوية، فى حين تم تجاهل التناقض الأساسى فى الكثير من المعالجات التى قدمتها وسائل الإعلام، مما أدى إلى تعبئة قطاعات عريضة من الناس بمشاعر غير صحية، فانصب غضبها على الفلسطينيين بأكثر مما انصب على الاحتلال والحصار. وقد تجلى فى هذه النقطة تفوق الخطاب السياسى على الإعلامى، وهو ما عبر عنه السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية بقوله فى تصريح نشره « الأهرام » فى 30/1 أن إسرائيل تتحمل المسؤولية القانونية الأساسية والإنسانية لما آلت إليه الأوضاع فى غزة، وما نتج عنها من انفجار بشري تجاه مصر (لاحظ أنه تحدث عن انفجار بشري وليس مؤامرة كما أدعى بعض المحرضين).

(4)

موضوع « حماس » كان ولا يزال محل التباس ولغط شديدين. ذلك أن لها ثلاثة أوجه فى الخريطة الفلسطينية، فهى من ناحية حركة إسلامية لها أصولها الإخوانية وهى من ناحية ثانية سلطة تم انتخابها بواسطة الشعب الفلسطينى. وهى من ناحية ثالثة أكبر فصيل مقاوم يتحدى الاحتلال ويرفض الاستسلام والتفريط. وهى فى ذلك تقف جانباً إلى جنب مع الفصائل والعناصر الوطنية الأخرى التى إختارت ذلك النهج، ومن بين تلك الفصائل حركة الجهاد الإسلامى وكتائب شهداء الأقصى والجبهتان الشعبية والديمقراطية. أما العناصر الوطنية المستقلة التى تقف فى مربع المقاومة الذى تتصدره حماس فقائمتها طويلة، وتضم أسماء لها وزنها المعتبر فى الساحة الفلسطينية فى المقدمة منهم بسام الشكعة وشفيق الحوت وأنيس صائغ وبهجت أبو غريبة وسلمان أبو ستة وعبد المحسن القطان وآخرون بطبيعة الحال.

كون حماس حركة إسلامية أو حتى إخوانية فهذا شأنها، الذى تتراجع أهميته فى السياق الذى نحن بصدده. وكونها سلطة منتخبة فإن ذلك يضفى عليها شرعية نسبية تسوغ قبولنا بها انطلاقاً من موقف نقدى يسعى إلى تصويب مسيرتها وليس إسقاطها أو هدمها. وذلك كله -أكرر كله- مرهون بالتزامها بمقاومة الاحتلال ورفض التنازلات، وذلك أكثر ما يعنينا فى شأن حماس.

لقد سبق أن سجلت فى هذا المكان تحفظات وانتقادات لموقف حماس السلطة. ولكن موقفها المقاوم يظل جديراً بالمساندة بغير تحفظ، رغم التكلفة الباهظة لهذا الموقف، الذى يمثل سباحة ضد تيار شرس زاحف بقوة، إقليمياً ودولياً، مسانداً لدعاة التفريط والاستسلام فى الساحة الفلسطينية.

من أسف أن هذه التمايزات بين الأوجه المختلفة لحماس غابت عن كثيرين. وأخطر ما فى ذلك الالتباس أنه ضرب أهم تلك الأوجه الذى يتمثل فى دورها المقاوم. ولا أستبعد أن تكون الأمور قد اختلطت على البعض، لكني لست أشك فى أن هناك من تعمد تشويه ذلك الدور لأسباب ليست خافية.

أن الذين يقفون ضد الإخوان وإمتداداتهم وجدوها فرصة لتوجيه سهامهم ضد حماس وإستثارة الرأى العام ضدها. والذين إلتحقوا بمركب السلطة فى رام الله وإرتبطت مصالحهم بها، صفوا حساباتهم مع حماس بإضافة المزيد من السهام التى استهدفتها. ومعسكر « الموالاة » لإسرائيل والسياسة الأمريكية أعتبر ما جرى فى رفح فرصة نادرة لتوجيه ضربة قاضية لكل تيار المقاومة والرفض فى الساحة الفلسطينية.

لقد نشرت لى صحيفة « الشرق الأوسط » يوم الأربعاء الماضى (30/1) مقالة كان عنوانها « المقاومة وليست حماس هى المشكلة » أردت فيها أن أذكر الجميع بأبعاد الصراع التى نسيها البعض وطمسها آخرون. ولأن التذكرة تنفع المؤمنين، فإننى لا أمل من تكرار ما قلت، مضيفاً « معلومة » غيبها الالتباس، وهى أن حماس ليست هى العدو ولكنه إسرائيل. وذلك تنويه وجدته واجباً، ليس فقط بسبب ما جرى، ولكن أيضاً لأننا نمر هذا العام بالعام الستين للنكبة، الذى صار البعض فيه لا يعرفون من يكون العدو.

(*) كاتب ومفكر من مصر

(المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 5 فيفري 2008)

 


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.