الحرب العربية الاسرائيلية السادسة : عبر لاولي الالباب
الحلقة الاولـــى
دورة حضارية جديدة يستعيد فيها الاسلام مشعل القيادة :
إستنفدت الدولة العبرية مشروعية وجودها الاغتصابي إذ أتت الحرب السادسة على كسر آخر نجمة من نجمتها السداسية التي تزين بها علمها . هذه هي الحرب الاولى ـ بعد معارك التحرير الوطني أيام الاحتلال في غضون القرن الميلادي المنصرم ـ التي تقاد بإسم الاسلام في سبيل الله تحريرا للارض وللعرض . كانت 48 غدرة غادرة ثم كانت 67 و73 تحت رايات عمية جاهلية صاغتها القومية العربية ذات المضمون المادي غير الاسلامي وكذا كانت 82 علمانية عروبية . لما جاءت الصحوة الاسلامية سيما مع الشهيد البنا كان شعارها تحرير الارض والعرض معا على خلفية إنهيار الفلسفات التحريرية ذات المضمون المادي سواء كانت شيوعية أم قومية . سجلت تلك الصحوة نجاحات غير مسبوقة في عملية اليقظة الثقافية وتمدد الوعي الشعبي العام سيما في النخبة وما يحيط بها ثم دشنت مرحلة المقاومة المسلحة في أكثر من موقع فنشرت الامل مجددا في أوساط الامة وهي اليوم تصارع من أجل بناء الدولة الاسلامية فتنجح هنا كليا أو جزئيا وتفشل هناك . لقد مثل الوعي الحضاري المتنامي لدى تلك الصحوة نقطة القوة الاكبر وذلك عندما عملت بمقولة تجسد تلك الحقيقة ” العالم الاسلامي هو طائر: العروبة قلبه النابض والاسلامية الفارسية الشيعية جناحه الايمن والاسلامية التركية جناحه الايسر “. إنما نجحت أم الحركات الاسلامية قبل أربعة عقود بحرصها الشديد على أبلغ مقاصد الاسلام العظمى : الوحدة الاسلامية الكبرى الجامعة بين طرفيها : الحرية والتنوع .
تدشين دورة حضارية جديدة ـ هي في الحقيقة متجددة ـ لا يعني عدم القابلية للانتكاس بل إن عوامل الانتكاس تعتمل في رحم المشهد وهو في مهده ولعل أكبر تلك العوامل إثنين : هيمنة مشهد القرصنة ضد الطبيعة الحضارية لتلك الدورة من داخل ذات التيار الاسلامي العام و هيمنة النزعات الانفصالية لاسباب عرقية أو مذهبية أو طائفية أو فكرية .
يذهب تقديري إلى أن تلك الدورة غالبت مشاكل الميلاد بنجاح داخليا وتناولت التلقيحات الكافية ضد الاختراق الغربي التي تتأسس على أنقاضه بالضرورة سوى أن حركة توجيه بوصلتها نحو أهدافها الاستراتيجية البعيدة دون تيه أو تسكع يهرق الوقت وتنقيتها من عوامل الانتكاس القاتلة لن تزال تتطلب جهودا نظرية كبيرة .
يذهب تقديري إلى ضرورة تمييز تلك الدورة عن الضرع الشائك الذي خلفه الاحتلال ثم الغزو الفكري لوطننا العربي الاسلامي الكبير وهو تمييز ضروري لضمان حسن إنطلاقة جادة بعد حالة الحصار المفروضة عليها على مدى عقد التسعينات من القرن الميلادي المنصرم . النجاح يتطلب التمييز بالضرورة كما يتطلب شروطا أخرى بطبيعة الحال .
أولوية القضية القومية إسلاميا : أولوية فرضت نفسها رغم تجاهلها
لقد حفيت أقلام الاستاذ منير شفيق وهو يوجه زعماء الحركات الاسلامية والنخب المؤثرة إلى تلك الحقيقة منذ عقود طويلة . أغلب مؤلفاته تقريبا ينتظمها خيط رفيع عنوانه : التحرر يلد الحرية بالضرورة وهو يؤسس ذلك على تحليل صحيح مفاده إنتقال الوعي الاسلامي من حال الخلافة العثمانية ـ التي شهدت ميلاد الصحوة الاسلامية المعاصرة ـ إلى حال دولة الاستقلال القطرية الجزئية منزوعة السيادة والمشروعية معا ثم الانتقال من هذه الحال إلى ما نعيشه اليوم أي إنتظام الدولة العربية القطرية ضمن المحور الصهيوأمريكي . هذه الحال الاخيرة تؤكد تشييد الاولويات على أساس تقديم التحرر وتأخير الحرية أي التوحد في مواجهة الاحتلال العسكري والسياسي معا وما يقتضيه من إحتلال إقتصادي ولو كان ذلك على حساب المعارك الداخلية المشنونة من أجل الحرية داخل تلك الدولة العربية القطرية الجزئية المستقلة .
يذهب تقديري إلى أن كثيرا من زعماء الحركات الاسلامية والنخب المؤثرة التي تصنع الوعي إما أنها لم تكن جاهزة لوعي تلك الحقيقة التي صدقها الواقع سيما منذ ظهور حزب الله عام 1983 ثم حركة حماس عام 1987 ـ وذلك هو الارجح ـ أو أنها إنهمكت في الشأن الداخلي مكتفية بتزيين واجهاتها بالمقولة التقليدية التي ليس لها أرصدة واقعية ” القضية الفلسطينية قضية مركزية ” . بل إن بناء الشعار ذاته يعكس تخبطا في الوعي بمنزلة المعركة الام فهي حتى عند الاسلاميين قضية من القضايا حتى على فرض أولويتها أو هي قضية فلسطينية تماما كما يردد الذين إغتصبوها دون حياء أي الحكام العرب .
لا بل يذهب تقديري إلى أن الوعي بأولوية القضية القومية لدى الاسلاميين على مدى العقدين الاخيرين ـ ربما لظهور حركة القرصنة الداخلية ـ تراجع كثيرا إذ لا تكاد تعثر حتى على الشعار مكتوبا في أدبياتنا فضلا عن تفعيل الصفوف فكريا وعمليا وماليا لخدمة تلك الاولوية .
ليس كثيرا على صناع التخطيط الاستراتيجي في الدوائر الصهيونية والغربية المساعدة بشتى الوسائل على صرف ذلك الاهتمام على نحو تقديم معركة الحريات الداخلية وتأخير معركة التحرر القومية كما أنه ليس مستغربا أن تنخرط الدولة العربية في ذات الخطة لتوالي الضغوط عليها غير أنه ما ينبغي التقدم أكثر من ذلك لئلا نقع في حبائل التهم الموجهة إلى التجربة التركية الحديثة ـ أردوغان ومن معه ـ إذ تحيط بها بعض الخصوصيات المعروفة .
يجنح كثير من البسطاء منا إلى أيسر الحلول الفكرية حين تختلط الالوان وتتزاحم الخيارات والمصالح وذلك عبر بناء سلم أولويات هرمي الهيكل تراتبي المشهد وذلك تصور مغشوش لفكرة الاولويات ـ فقه مراتب الاعمال كما هي عند إبن القيم ـ .
أولوية القضية القومية الاسلامية اليوم تكتسب مشروعيتها من الامور التالية :
1 ــ أولوية المقصد الوحدوي الاسلامي شرعيا على أولوية المقصد التحريري وفي ذلك نصوص كثيرة سيما من السنة النبوية والسيرة معا وهو المنهج الذي إلتزمه فقهاء أهل السنة والجماعة برغم أن بعضهم أفرط في إستخدامه حتى لاسباب سياسية داخلية .
2 ــ أولوية درإ المفسدة العظمى على الدنيا حال العجز عن كليهما معا وأولوية تحمل هذه على تلك في ذات الحال وأولوية درإ المفسدة مطلقا على جلب المصلحة حال التعارض . وليس من شك في كون الخطر الصهيوأمريكي ـ واقعيا قبل نظريا ـ أشد من الاستبداد الداخلي . وفي كامل القرآن الكريم ما يؤكد ذلك بشكل جلي جدا وإنه لمما يلفت الانتباه حقا إلى أن عناية القرآن الكريم بالظاهرة الاسرائيلية لم تتقدم عليها سوى عنايته بغرس التوحيد في القلوب وتوحيد الناس ـ كل الناس المسالمين مطلقا ـ على كلمة سواء .
3 ــ توحد الجبهة الخارجية ـ سيما المؤثرة فيها أي أروبا وأمريكا ـ ضد قضيتنا القومية بشكل بارز ولافت يصل حد إلغاء المصالح الفردية لهذه الدولة الغربية مع ذاك القطر العربي ولو يعلم الانسان حجم المبالغ المصروفة سنويا سيما من أغنى بلدان أروبا ـ ألمانيا وفرنسا وهولندا ـ بإسم الهولوكوست لصالح الكيان اللقيط المغتصب لاصيب بالدوار . أما دوليا فإن حق النقض المستخدم أمريكيا على أوسع نطاق تغليبا لذلك الكيان يتحمل مسؤولية الانخرام الدولي الرهيب . توحد تلك الجبهة الدولية ضد قضيتنا القومية ـ قضية التحرير والاستقلال ـ يتطلب بالضرورة أولوية مواجهة ذلك التحدي .
4 ــ حساسية القضية السياسية داخليا وغربة أوطاننا عن معارك الحرية الدامية إضافة إلى دخول معطى القوة المادية في التغيير الداخلي … كل تلك العوامل تجعل من القضية السياسية الداخلية على أهميتها ذات محاذير فعلية قد تفضي إلى خلخلة الحد الادنى من التماسك الداخلي وهو الامر المنشود دوليا أي صهيوأمريكيا لفرض الاحتلال السياسي والاقتصادي دون تدخل عسكري وهو الامر الواقع في بعض مناطقنا . ومن ثم إنطلق الاستاذ منير شفيق ـ غريبا وحيدا في ذلك ـ منذ عقود طويلة يؤسس لفكر المصالحة الداخلية على شقاوتها على النفوس المكلومة وتلك هي دقة الحكمة السياسية التي لا يظفر بها كل من هب ودب من المفكرين والمصلحين . ذلك هو مثال رائع جدا لحسن تفعيل علاقات المصالح والمفاسد بصورة محسوبة بكل دقة .
وفي ختام هذه الحصيلة الثانية فإن المطلوب لحسن تفعيل أولوية القضية القومية عمليا هو:
1 ــ إدارة معركة الحريات الداخلية على قاعدة التوحيد الاجتماعي للناس مهما كانت التباينات بينهم ـ سيما طائفيا ومذهبيا ودينيا وفكريا ـ كبيرة . هي أصعب مهمة دون شك ولكنها أيسر سبيل إلى فرض الحرية السياسية داخليا .
2 ــ تعديل البرنامج السياسي داخليا ـ فرضا للحرية أو خدمة للناس إجتماعيا ـ على أساس نبض المعركة الام الدائرة رحاها في مركزنا . ولا بأس من إقتباس نظرية سمير أمين حول المركز والاطراف سوى أنه علينا حسن إختيار مركزنا دون أن يكون ذلك مملى علينا من مركز الاخر. مركزنا هو سرة الارض جغرافيا ـ مكة ـ وما جاورها مما بارك عليه سبحانه من حرمات ثلاث لا يفصلها عن بعضها بعضا سوى ما يفصل كل مركز ساحة وغى عن أطرافها . وهي ساحة الوغى في لحظة حاسمة من لحظات معركتنا القومية بحسب النبوءة الصادقة . نبض مركزنا هناك هو من يحدد ذلك البرنامج السياسي .
3 ــ ضبط ذلك البرنامج ـ في عملية التغيير السياسي ـ على أساس قياس آفاق الضربات الموجهة للمؤسسة الحاكمة بالتفصيل لا بالجملة . تفصيل في الحكام أنفسهم أو أنظمتهم وتفصيل في المصالح بعيدا عن المبادئ التي يحملها هذا الحاكم أو ذاك وتفصيل في القرب والبعد عن مركزنا المحدد المعروف وتفصيل في الزمن تناسبا مع نبض حركة التغيير العربية الشاملة وتفصيل في القرب والبعد عن الاستجابة للشروط الصهيوأمريكية سيما إقتصاديا وسياسيا وقوميا .
وبالخلاصة فإن أولوية المعركة القومية لا تعني إلغاء أو تجميد المعركة السياسية الداخلية بل تعني تأجيجها ولكن وفق ترتيب فكري وعملي يجهض أحلام التوجه الصهيوأمريكي ولو كان ذلك على حساب المصلحة الداخلية لصالح المصلحة القومية .
وإلى لقاء تال أستحفظكم من لا تضيع ودائعه ودائعه .
الهادي بريك ـ ألمانيا
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
تونس في 14 أوت 2006 بقلم محمد العروسي الهاني كاتب عام جمعية الوفاء ومناضل دستوري
تحية إكبار و شرف و تقدير لرجال المقاومة الإسلامية لحزب الله و للقائد العربي الشيخ حسن نصر الله.
أن الشرف و النخوة و الفخر و العزة التي عاشتها أمتنا العربية الإسلامية هذه الأيام وعلى إمتداد الحرب السادسة الشرسة التي شنتها إسرائيل على الشعب اللبناني الشقيق من يوم 12 جويلية 2006 إلى يوم 14 أوت صباحا طيلة 34 يوما لم يكن لها مثيل في الهمجية والعداوة و الحقد و الظلم و الكراهية للإسلام و للمسلمين , وقد دمرت لبنان طيلة 34 يوما و فعلت فعلتها الشنعاء البربرية الوحشية. ضد الأطفال و النساء و العزل و الرضع وهو ما يفعله الجبناء و أقزام الرجال و في المقابل و في المعارك الميدانية أكلت ما أكل الطبل يوم العيد. و ذاقت الأمرين من رجال المقاومة الأشاوس الأبطال الشجعان و انهزمت أكبر قوة كانت تعتبر قوة لا تهزم و لا تقهر و خسرت . و لكن انهزمت و قهرت و أكلت نصيبها و خسرت على أرض الميدان
أكثر من 125 جنديا و ضابطا و أكثر من 78 دبابة و 5 بوارج و 4 مروحيات و طائرتين و أكثر من1250 جريحا من الجنود و قتل حوالي 50 مواطن و جرح حوالي 1450 آخرين و تدمير البنية الأساسية و الجسور و الفنادق السياحية و المساكن في حيفاء و غيرها من المدن شمال إسرائيل و بث الرعب في صفوف الجيش و الضباط و المواطنين حسب اعترافاتهم و شاهد اتهم في التلفزة رغم التعتيم الإعلامي و قد هزمت و بكت و قهرت و أدخل الرعب جيشها و ضباطها و قادتها و حكومتها و الحمد لله إن وعد الله حق و ما حصل في صبرا و شتيلا عام 1982 دفع مؤجلا و بكت إسرائيل و رجالها و نسائها و أطفالها كما فعلت عام 1982 و الحمد لله ربي في الوجود و أن شاء الله يتواصل النصر بفضل الانسجام و التعاون والتضامن الرائع الذي شاهدناه في لبنان من كل الطوائف الشعبية و السنية و المسيحية و الدرزية وحقا تستحق لبنان وسام الشرف و وسام الرجولة.
كما أن قناة الجزيرة تستحق وسام الشرف و الشجاعة و الأقدام و أخص بالذكر الإعلاميين الأبطال إلياس إكرام و بسام القادري و عباس ناصر و السيدات بشرى عبد الصمد و كاتنة ناصر و شيرين أبو عقلة ، على الجهود المبذولة في ساحة الوغى و ميدان القتال.
و لا أنسى جهود العاملين في قناة الجزيرة و كذلك العربية وقناة المنار الرائدة إعلام يشرف العرب و يرفع رأس العروبة و الإسلام و كفانا اتهامات للجزيرة و غيرها و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا صدق الله العظيم.
عقد القمة العربية أمر حتمي في بيروت لبنان
تعرضت في مقالي يوم 4 اوت 2006 الحلقة الخامسة على ضرورة عقد القمة قبل يوم 10 أوت الجاري و أكدت على ذلك في مقالي يوم 10/8/2006 الحلقة السادسة على ضرورة قبول مبادرة المملكة العربية السعودية و عقد القمة قبل يوم الخامس عشر من الشهر , و اليوم أجدد التأكيد على ضرورة عقد القمة العربية حالا و بدون تردد و ذلك يوم 21/8/2006 هذا اليوم يصادف يوم السابع و العشرين لشهر رجب الأصم ليلة الأسرى و المعراج لرسولنا الأعظم صلى الله عليه و سلم.
و نرحب بكل اعتزاز و فخر باقتراح الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية الذي دعاء هذا اليوم التاريخي و طالب بعقد قمة عربية عاجلة
لآخذ قرارات لإعادة إعمار و بناء لبنان
إنها دعوة صريحة هامة أتمنى لها النجاح و أرجو أن تتظافر جهود القادة العرب و يجتمعوا حالا لأخذ قرارات هامة لأعمار لبنان و مزيد إشعاعه و تألقه و أتمنى في الختام أن يكلل مساعي أمتنا العربية الإسلامية لرفع التحديات و رفع رأس الأمة و إعادة كرامتها و عزتها و فعلا كان القائد العربي بدون منازع الشيخ حسن نصر الله نصره الله قد أعاد فعلا كرامة العرب و شرف المسلمين . قال الله تعالى : و لله العزة و لرسوله و المؤمنين صدق الله العظيم.
ضرورة الوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية و حركة حماس و حكومتها
من أوكد الواجبات على القادة العرب و المسؤوليات الملقاة على كاهلهم بوصفهم حكام الأمة العربية و ضميرها الحي . أن يتحركوا و يرفعوا أصواتهم و يقولوا كلمتهم بقوة و صراحة لآمريكيا و الغرب و العالم بأن ما تقترفه إسرائيل و الكيان الصهيوني منذ عام 1948 ضد الشعب العربي الفلسطيني أمر لا يمكن السكوت عليه و ينبغي إتخاذ موقف عربي مؤحد إزاء مظالم العدو الصهيوني و إعتدائهم المتواصل ضد الشعب الأعزل و إن المقاومة الفلسطينية عن الشرف و الأرض و العرض و الوطن و دحض الإحتلال الصهيوني الظالم و المحتل و ليس المقاومة إرهابا كما يقولون.
يجب الإصداع بهذا الصوت العربي جميعا في القمة العربية حتى يفهم بوش بأن لغة العصر و كلمة الإرهاب كلمة حق أريد بها باطل…
فالمقاومة شرعية و قانونية و وطنية و إسلامية و لا أحدا يدعي خلاف ذلك و حتى فرنسا عندما خاضت الحرب مع ألمانيا و النازية لم يقل العرب أنها حرب إرهابية بل هي مقاومة من أجل حماية الوطن .
و الإرهاب الحقيقي هو إرهاب المحتل العدو الصهيوني و من يقف معه و يؤيده سياسيا و عسكريا و يمده بالسلاح ويقف إلى جانبه حتى في مجلس الأمن هذا هو الإرهاب الحقيقي الذي تستعمله إسرائيل و أمريكيا و خاصة في عهد الرئيس بوش الثاني الذي شاذ و الشاذ يحفظ و لا يقاس عليه و إن ما صرح به بوش في المدة الأخيرة يدل على حقد دفين على العروبة و الإسلام فهل فاق قادتنا العرب بهذه المؤامرة و الحرب الصليبية التي يشنها بوش على الإسلام بشتى الوسائل مرة على الشعب العراقي و الثانية على الشعب الأفغانسنتاني و مرة ثالثة على لبنان و أخرى على سوريا و خامسة على إيران و سادسة وسابعة في المستقبل إذا بقى هذا الإرهابي لعام 2009 نتمنى من الله إزالته حتى يرتاح العالم من شره و شر أتباعه .
المقاومة شرعية للدفاع عن النفس و الشرف و الوطن
فعلى قادتنا العرب الإصداع بهذا الرأي بكل شجاعة و جرأة و بدون تخاذل و خوف و أو خشية على الكرسي و مصير العائلة الحاكمة و القصور و السيارات الفخمة ، فالشعوب هي التي تختار و تقرر مصيركم و تؤيدكم و لا خوف من أمريكيا و إرهابها حينما نحترم الديمقراطية في بلداننا و نصونها و نحترم الرأي الآخر و نتحاور بصفاء و وفاء بعيدا عن المكائد و التسلط و الظلم و الإستبداد الذي حرمه الله على عباده و قال في كتابه العزيز و ما ربك بظلام للعبيد صدق الله العظيم.
حان الوقت أيها القادة العرب أن ترفعوا أصواتكم و تعبروا بالإجماع أنه كفى ظلم أمريكيا
و كفى تسلط الكيان الصهيوني الذي تجرأ على عديد الدول منها تونس التي تبعد مسافة كبيرة و لكن لم تسلم من بطش إسرائيل و ظلمها و جبروتها ففي غرة أكتوبر 1985 قصفت مدينة حمام الشط بدعوى تصفية قيادة جبهة التحرير الوطني الفلسطليني و قائدها المرحوم ياسر عرفات و لكن في الحقيقة هي قصفت تونس و لم تحترم المعاهدات الدولية ،
كما عمدت إلى الاغتيالاات و الاعتقالات لأعضاء حكومة حماس و لرئيس لمجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور عزيز تويك ، وهل صدر تنديد من المجالس النيابية العربية في مصر و اليمن و الأردن وغيرها من بلدان الشرق و كذلك من الدول في المغرب العربي الكبير لم نسمع بمحاولة من هذا القبيل و لا بموقف عربي موحد تجاه غطرسة إسرائيل و ظلمها و لم نسمع صوتا من مجلس التشريعي في عالم العربي ليقول لإسرائيل لا للاعتقالات لا للاغتيالات و التجاوزات الخطيرة الممنوعة أخلاقيا و دوليا و لكن ناديته حيا و لكن لا حياة لمن تنادي صمت رهيب خوفا على الكرسي سكوت و سبات عميق من طرف قادتنا الأفاضل لماذا الحقيقة الكرسي و ما أدراك من الكرسي
الخامتة : الشيخ العلامة القائد حسن نصر الله نصره الله الذي أتحفنا يوم 14 بحديث الحكمة و العقل و الرصانة في كلمة هادئة قالها بوضوح و صراحة
إن الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الإسلامية يعد مكسبا كبيرا إستراتيجيا للشعب اللبناني و للأمة العربية ، و إن حزب الله حقق النصر بفضل تضامن و إنسجام كل الشرائح و الطوائف اللبنانية بأغلبية ساحقة شيعية و سنية و درزية و مسيحية بإجماع رائع ، ووعد القائد العظيم بإعمار لبنان من جديد و خاصة الجنوب قريبا إن شاء الله و دعى إلى الصبر و التجلد و كل ووعود حزب الله واقعية و صادقة و لا نشك فيها و الرجل صادق و جرب فصح و وعد فصدق و الحمد لله للله رجال في مستوى شخصية السيد حسن نصر الله الذي رفع رأس الأمة العربية و الإسلامية و حقق ما لم تحققه شعوب ودول مجاورة في حروبها مع إسرائيل قال الله تعالى :
نصر من الله و فتح قريب و بشر المؤمنين صدق الله العظيم و قال أيضا يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله و قولوا قولا سديدا صدق الله العظيم
. محمد العروسي الهاني كاتب عام جمعية الوفاء ومناضل دستوري
الحرب على لبنان وإحباطها لمفهوم الاعتدال
آمال موسى إن الحروب عندما تكشر عن أنيابها وتطلق العنان للآلة العسكرية، كي تقتل وتهدم وترهب، هي في نفس الوقت تقوم بنسف مفاهيم معينة والتبشير بأخرى جديدة وأحيانا تعيد الاعتبار إلى مفاهيم شملتها مراجعات تاريخية. وبالنظر إلى طبيعة النظام العالمي الجديد، نرى أن العولمة كمفهوم مركزي يديره أظهر الواقع استنادها بدورها إلى طاقة من العنف، وأن الولايات المتحدة هي التي تملك مشروعية استخدام القوة والاستئثار بالعنف الرمزي والمادي. لذا، فإن طاقة العنف هذه لا يمكنها أن تنتج سوى ردات فعل من طبيعتها حتى وإن اتخذت طابعا عشوائيا كأنموذج حرب العصابات مثلا، وهو ما يؤثر في طبيعة الحال على تلك المفاهيم التي اختارت اعتماد العقل والمعقولية والنبرة المتوسطة المدى ومسك العصا من الوسط. وفي هذه الأسابيع التي تعرض فيها لبنان إلى عدوان إسرائيلي شرس، تفتح ذاكرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي على مصراعيها ويتذكر الجميع الإرث الهائل من الهزائم والتنازلات. والأمر في الحقيقة لا يتعلق بانفجار الذاكرة فقط، بل أن المشكلة تكمن تحديدا في عملية الإحباط التي تلقاها اليوم مفاهيم اعتقدنا أننا انتهينا من تأسيسها وتجذيرها في العقلية العربية الإسلامية. ومن المفاهيم الأكثر تعرضا للتدمير اليوم وبالتوازي مع التدمير الذي تعيشه البنية التحتية والبشرية والنفسية اللبنانية، مفهوم الاعتدال وثقافته في الفضاء العربي عموما، الذي يجابه بصراخ غاضب وبرفض التواصل معه، أو حتى الإنصات لخطاب أصحابه، مما جعله في موقف العزلة تقريبا. فكيف هو تاريخ العرب الحديث مع مفهوم الاعتدال والمحطات الحاسمة التي أفرزته وأخضعته إلى عدة عمليات جراحية؟! لقد شهد مفهوم الاعتدال أن العالم العربي بعد حرب 67 وهزيمة كل العرب فيها تغيرا ملحوظا فرضته الهزيمة، خصوصا أن تلك الهزيمة التي طالت الأداء العسكري، أظهرت العالم العربي في غيبوبة سياسية وعسكرية، الشيء الذي جعل الهزيمة تتسع لتمس المسألة الجغرافية في أقصى بعدها الرمزي المتمثل في احتلال القدس وأيضا احتلال سيناء. لذلك تعمق الشعور بالقصور على مستوى فهم الذات وفهم الآخر العدو، وحتى فهم العلاقات الدولية. وعلى خلفية هزيمة 67، ظهرت مفاهيم وتصورات جديدة لإدارة الصراع العربي ـ الإسرائيلي أسست لها الهزيمة ذاتها والقراران الدوليان 242 ـ 238. وفي هذه الظروف، بدأ يروج مفهوم الاعتدال وظهرت ما تسمى دول الاعتدال ثم حصلت عدة مخاضات، ركزت مفهوم الاعتدال عمليا وعزّزته كجبهة منفصلة عن جبهة مفهوم الصمود والتصدي. ومن باب الصدفة، أن قائمة دول الصمود والتصدي بدأت تتلاشى انطلاقا من قمة فاس العربية، التي تبنت مبادرة الملك الراحل فهد بن عبد العزيز التي كان من بنودها الدعوة إلى ضرورة التعايش بين دول المنطقة. فقامت تلك المبادرة بتركيز أقوى لمفهوم الاعتدال، لا سيما أن كل الدول العربية صادقت عليها، الشيء الذي وفر لمفهوم الاعتدال دفعا جديدا، حتى وإن حافظت بعض الدول على خطاب شبه متشدد إزاء قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي. ويمكن القول إن منذ مبادرة قمة فاس العربية والعالم العربي يتمحص في وعيه ولا وعيه المفهومين ويتجاذب بينهما صمتا أحيانا، ولغة أحايين أخرى. ولكن الملاحظة الأساسية كانت تتمثل دائما في عملية التحرك السلبي التي تقوم بها أي حرب تستهدف العالم العربي، فتعود مفاهيم الاعتدال والصمود والتصدي إلى الحياة والتداول والتلاسن أيضا. ورغم ذلك، فإن مسيرة الاعتدال لم تتوقف، فكانت حرب «عاصفة الصحراء» وما تلاها سببا في توقيع اتفاقية أوسلو، التي تمثل قمة الاعتدال العربي على مستوى الفعل وقادت أيضا إلى تلك المصافحة الشهيرة بين عرفات ورابين في حديقة البيت الأبيض. نستطيع القول إنه منذ ذلك التاريخ وأصحاب مفهوم الاعتدال في المستويين السياسي والفكري ينظرون لهذا الطريق ويثنون على هذا المسلك الذي سيقود إلى الانتصار الذي عجزت عنه البندقية. لكن الإشكال هو أن مفهوم الاعتدال كان دائما يجد ما يعيقه، بل ما يشير إلى أن النصر الذي يعد به ليس سوى انتصارات ظرفية وشكلية تظهر هشاشتها أمام كل أزمة تطلق فوهات الدافع الإسرائيلية أو تحرك صواريخ أميركية. فرأينا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، نهاية معلنة لاتفاقيات أوسلو واحتلالا تاما للعراق وقبله أفغانستان، وهو ما أجبر مفهوم الاعتدال العربي على مراجعة تشمل كل المستويات. وفي المستوى السياسي مثلا، أصبحت مرجعية السلام العربي ـ الإسرائيلي غير خاضعة للقرارين الدوليين 242 و238 وشاهدنا أيضا النهاية المأساوية لرجل كان إيجابيا جدا مع كل نقطة ضوء للسلام، ونقصد به الراحل ياسر عرفات، الذي مثل تجربة خاسرة في الاعتدال. من جهة أخرى، تراكمت معوقات التغلغل التام لمفهوم الاعتدال مع احتلال العراق وغزوه من دون قرار من مجلس الأمن يبيح ذلك. لذلك، فإن تتالي هذه التجاوزات مثلت طعنات ضد مفهوم الاعتدال وأصحابه، لأنها تجاوزات تُذْكِي النيران والعنف وتجعل مفهوم التصدي والمقاومة ينمو في الوقت الذي يحاصر فيه مفهوم الاعتدال ويتضاءل. مع الأسف، ها هي الحرب المفتوحة على لبنان تفعل فعلها العميق في مفهوم الاعتدال وحتى في تلك المفاهيم التي استوجبها مفهوم الاعتدال أي مفاهيم التسامح والانفتاح والقبول بالآخر والتعايش معه، وهي مفاهيم كان قد بدأ العقل العربي يتعاطى معها ويتبناها ويمارسها. ولكن الأحداث الأخيرة على لبنان وقسوتها ودمارها، أسقطت كافة الجهود العربية في مجال ممارسة الاعتدال في الماء، بل في الدم كما نرى. ولا شك في أن المسؤول عن إضعاف جبهة الاعتدال العربي اليوم هو تلك الأطراف التي سعت إلى تصدير ثقافة براقة ثم تنقلب بشكل كامل في أول امتحان تجربة. ومع الأسف، أصحاب الموقف المعتدل هم أول الضحايا بعد أن خانتهم الدول العظمى التي وعدت بتوفير ظروف سياسية آمنة لتحقيق الاعتدال و قبوله. لذا، فإن الطاغي في هذه الأيام هو صوت التصدي والمقاومة الذي لا تتدخر الولايات المتحدة وإسرائيل الجهود من أجل أن يبقى عاليا، وأن يصير صوت الاعتدال أخرسَ.
(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 15 أوت 2006)
قناة الجزيرة وإعلام أصحاب الكهف
د سلوى الشرفي سئل مرة الزعيم البولندي “ليش فاليزا” عن السبب الأساسي في انهيار النظام الشيوعي فأشار إلى جهاز التلفزيون قائلا “هذا هوالسبب”. فوسائل الإعلام قادرة إذن، بالرغم من أنها مجرد وسيط وليست منتجة أصليّة للأفكار، على المساهمة بفاعلية في خلق واقع جديد. وتكمن قوة وسائل الإعلام ونجاعتها في كونها وسيطا لوسيط أخطر منها وهو الكلمة والصورة ومجمل العلامات التي أنتجها الإنسان للتواصل والتأثير. فالتلفظ الذي كان ينظر إليه على أنه واسطة وثانوي جدا أصبح سلطة. ويتمثل سلطانه بالنسبة إلى وسائل الإعلام في فن تحويل المعلوم إلى مجهول والسماح بالتفكير بالأشباح بدل الأشياء من خلال عالم لغوي خالص. وسلطة القول التي تتحول، بفعل هذه الآليّة، إلى تسلط بالقول، لخّصها الجاحظ في حديثه عن القدرة البلاغية في التخلص من الخصم بالحق وبالباطل، موافقا بذلك الفيلسوف الإغريقي أفلاطون الذي حارب السفسطائيّين، إعلاميّي العصر الحديث، لأنهم يسخّرون القول لجعل “الأشياء الكبيرة تبدو صغيرة والأشياء الصغيرة تبدو كبيرة ” وهذا ما فعلته قناة الجزيرة يوم الاثنين 14 أوت ( آب) فقد استفاق اللبنانيون ، وبعد 32 يوما من الدمار والأعصاب المشدودة، على صمت متوتر، ذلك الصمت الذي يعقب المجازر، والذي أيضا يمكن أن يؤدي إليها ثانية، إذا لم يتمكن الإنسان من التسلح بالحكمة أو على الأقل بالصبر. وبدا الإعلام الوطني اللبناني وطنيا جامعا أكثر من أي وقت مضى. تفادى لعبة صراع الدّيكة بين الخصوم السياسيين، وتوجه نحو المؤسسات الاجتماعية التي تجمع ولا تفرق. أعطاها الكلمة لتوجيه الشعب الجريح حول أفضل الطرق الصحية والوقائية لتفادي مآسي مجانية من نوع دخول بناءات متداعية أو التنقل في أماكن موبوءة بالألغام الإسرائيلية. واجتنب الإعلام اللبناني قدر الإمكان التصريحات التي يمكن أن تدفع باللبنانيين داخل دوامة العنف والثأر.
غير أنّ قناة الجزيرة اختارت مقاربة مختلفة.
ففي برنامج مباشر تم بثه على الساعة السادسة والربع، طلع علينا الصحفي التونسي غسان بن جدّو، مراسل الجزيرة السابق في طهران، محاطا بمجموعة من المواطنين اللبنانيين في الضاحية الجنوبية من بيروت، وهي منطقة كانت تحت سيطرة حزب الله قبل الحرب والتي دمرتها إسرائيل بالكامل. وبدأ صحفي الجزيرة في توجيه المتحدثين نحو وجهة خطيرة. فهو، أولا وكعادته، لم يعطي الكلمة سوى لأنصار حزب الله وميشال عون، الذين طفحوا يشككون في وطنية الحكومة اللبنانية ويطالبون بإزاحتها ويحمّلونها صراحة وضمنيا مسؤولية الخراب الذي لحق بلبنان. بل أنهم طالبوا بعدم العودة إلى وضع ما قبل 12 جويلية (تموز) أي، حسب قولهم، إلى وضع لا تطالب فيه الأغلبية المنتخبة، بنزع سلاح حزب الله، الذي ظهر وباله على البلد، وبانتشار الجيش الوطني المدعم لسلطة الدولة والممثل لكل اللبنانيين، وباستقلال القرار السياسي اللبناني عن القرارين السوري والإيراني. ويتواصل التضليل لإيهام اللبنانيين بأن مجلس الأمن سلط على بلدهم عقوبة حضر التسلح، والحال أن القرار يخص حزب الله. وهو تضليل عادي بالنسبة لأناس يرفعون علم حزب الله كرمز للبنان بأكمله. هكذا تحث قناة الجزيرة، وبقسوة نادرة، على عودة لبنان إلى الوضع العبثي الذي أوصله إلى هذه الحالة التراجيدية. بل إنها، وربما، من حيث لا تدري تحثه على أبشع من ذلك. تحثه على التناحر الطائفي. فحزب الله المحسوب على الشيعة الذين لا يمثلون سوى أربعين في المائة ديمغرافيا، قرّر بمفرده ودون استشارة بقية الشعب والحكومة التي ينتمي إليها والبرلمان الممثل فيه، الدخول في حرب ضدّ إسرائيل، المدعّمة مباشرة من طرف أقوى دولة في العالم، والتي تساندها أوروبا معنويا وتشجعها الدول العربية والإسلامية بصمتها. فكانت النتيجة العودة إلى أوضاع ما قبل تحرير الجنوب، وإلى عشية خروج المقاومة الفلسطينية صائفة عام 1982، وليلة اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975 مجتمعة. فإذا كانت الحرب الأهلية قد اندلعت بسبب الوجود الفلسطيني في لبنان ومساندته آنذاك من طرف اليسار والعروبيين اللبنانيين من كل الطوائف، فإنها اليوم يمكن أن تندلع بسبب الوجود السوري والإيراني المختفيين تحت جلباب حزب الله الذي لا يمثل سوى الإسلاميين الشيعة. وإذا كانت حرب 1982 وحصار بيروت الغربية من طرف إسرائيل قد اندلعت بسبب وجود منظمة التحرير الفلسطينية كدولة داخل الدولة، فإن حرب تموز 2006 حصلت لنفس الأسباب مع إضافة مهمة تتمثل في أن دويلة حزب الله التي تتصرف باستقلال تام عن الدولة اللبنانية، تضم شقا من المواطنين اللبنانيين. أي أنه إذا كان اللبنانييون قد تمكنوا من تجاوز مخلفات دمار حرب 1982 بمجرد خروج الفلسطينيين، فإنهم اليوم سيجدون أنفسهم وجها لوجه مع طائفة وطنية محسوب عليه دمار هذه الصائفة المروعة الفظيعة. وإذا كانت المقاومة ينظر إليه بعين الرضي بعد تحرير الجنوب سنة 2000، فإنها قد نجحت في تبديد رصيدها هذا بإعادة الجنوب تحت السيطرة الإسرائيلية بطريقة غير مباشرة. أليس من المضحك المبكي المطالبة اليوم بكل سفاقة بالانقلاب على حكومة “فؤاد السنيورة” المنتخبة، لا لذنب ارتكبته، سوى تمثيلها قولا وفعلا لأغلبية اللبنانيين وسوى تنبؤها بالعواقب الوخيمة لتشبث حزب الله بالراعيين السوري والإيراني؟ ويعني هذا الكلام أن اللبنانيين، إذا كانوا قد تمكنوا من تجاوز مآخذهم على حزب الله بعد مجزرة “قانا” وهم يجتهدون لضبط النفس وعدم الدخول في مهاترات ومحاسبات يمكن أن توصلهم إلى وضع “الكنتونات” الذي خبروا قسوته في السبعينات، فإنه يصعب عليهم قبول العودة إلى العيش في وضع أدى بالبلد إلى دمار غير مسبوق في ظرف بضعة أسابيع. أليس من الخطير أن تفتح وسيلة إعلامية منبر حصريا، للذين يتمتعون بمنابر في دولتين خارج بلدهم إضافة إلى منابرهم المتعددة داخلها، لا ليعبروا عن رأي بل ليقولوا كلاما يعتبر قانونا من قبيل الحثّ على التناحر الطائفي في هذا الظرف بالذات؟ وفي الحقيقة فإن قناة الجزيرة قد عودتنا ، وهي ترفع شعار الرأي والرأي الآخر، على تقديم حقيقة وحيدة ممكنة للأحداث الدموية التي يعيشها العالم العربي. وتقوم هذه الحقيقة على مجموعة من الأفكار تخدم أجندة طرف سياسي معين، يتم ترسيخها في ذهن المتلقي بأساليب متعددة، تتلخص في التهويل والترهيب والإلحاح والتضليل والتكفير. ولا تكتفي الجزيرة بهذا الخطاب لخلق إجماع، بل تسانده بإفراغ فضاءات الرأي، التي تفتحها، من التنوع والاختلاف. فقد لعبت خلال الحرب على لبنان على وتيرة الإجماع، بتجاهل الأصوات المعارضة ونجحت في إفراغ ذهن المتلقي من بذور الشك. وقد تم بهذه الطريقة قولبة فكر المتلقي بطريقة تسمح بالتصريح بأي شيء دون الخوف من السخرية. وسدت كل المنافذ أمام المتفرج ليرى حقيقة واحدة مطمئنة متمثلة في وجود شخص واحد يعرف الحقيقة الحقيقية، وهو”حسن نصر الله” البطل، حامي الوطن ومحرر الشعب اللبناني (من ماذا ومن من؟ ). إنها تقنية فعالة تسمح بخلق إجماع مزيف حول حقيقة اخترعها السياسيون يتم على أساسها قولبة فكر المتلقي في الاتجاه المحدد سلفا. وهي عملية مغشوشة في جانب كبير منها، ومع ذلك يظل سلطانها جبارا وحتى قاتلا. وقد عودتنا الجزيرة على نسج إجماع مغشوش وأساطير لأبطالها اللذين تخصصوا في ذبح شعوبهم. فقد بثت أكثر من مرة خطب “أسامة بن لادن” التي تعترف ب”الضربات المباركة ضد الكفر العالمي” وتزخر بالدعوات إلى “الحرب على الصليبيين” و”الإرهاب المحمود” والتي تدين “الغرب عامة” لأنه “يحمل من الحقد الصليبي على الإسلام ما لا يوصف” (من حديث لأسامة بن لادن بثته قناة الجزيرة بتاريخ 27-12-2001) كما دأبت على النفخ في صورة “صدام حسين” التي صنعت له أسطورة على عجل. ولم تتوانى عن التأكيد باعتزاز على امتلاك العراق أسلحة دمار دون التفطن إلى الانعكاسات الخطيرة لهذه التهمة. فدعمت بذلك الدعاية الأمريكية الهادفة إلى كسب إجماع عالمي بالعدوى والتهويل وتضخيم قوة العدو لتضخيم الإحساس بالرعب والدفع إلى القضاء عليه قبل أن يقضي عليهم. كما عملت قناة الجزيرة خلال الحرب على العراق على تكوين مشهد يظهر أن الإسلام كدين هو الهدف الوحيد لمخططات الحكومة الأمريكية. وقد سقطت بذلك في فخ الدعاية الأمريكية التي تعمل على ترويج فكرة صراع الحضارات كسبب للعنف بين الشعوب وكمحرك للتاريخ، للتغطية على السبب الحقيقي وهي مصالحها البترولية في المنطقة. إن المثير في هذه الظاهرة هو أن الأدبيات الإعلامية لقناة الجزيرة تكاد تتطابق مع أدبيات الفاعلين المهيمنين على الساحة السياسية شرقا وغربا. ورغم ذلك، يعتقد عدد كبير من المتلقين العرب إلى اليوم بأن قناة الجزيرة هي الوحيدة المعبرة عن الحقيقة. ولنا أن نتساءل :حقيقة ماذا؟ وحقيقة من؟ فلنتذكر كيف همشت قناة الجزيرة الوقائع على الأرض، خلال الحرب على العراق، وكيف ركزت وجهتها على نقل مؤتمرات وزير الإعلام العراقي “محمد سعيد الصحاف” المعتمدة فقط على دعاية النظام العراقي التي تعج بشتم “العلوج” وتعاملت مع تضليله كمسلمات. وعندما كانت المدرعات الأمريكية تتوغل في قلب بغداد، كانت قناة الجزيرة تنقل صور مدرعات أمريكية تحترق، موهمة المتلقي باندحار العدو أمام القوة العراقية التي لا تقهر. وهكذا أعادت قناة الجزيرة اللعبة الممجوجة لإذاعة “صوت العرب” المبشرة بالنصر على إسرائيل خلال حرب 1967، التي نسميها اليوم هزيمة، والتي أنتجت آثارا مدمرة على نفسية العرب. هل تكمن الحقيقة إذن في تصوير بعض العربات المحترقة وأقوال “الصحاف” فقط؟ إنه جزء من الحقيقة البديهية. ولكن من يعرف اليوم حقيقة المفاوضات السرية المريبة بين الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف عربية وإسلامية للتمكن من القبض على صدام حسين ووصول الشيعة إلى الحكم وما ينتج عنه من عنف ودمار يمكن أن يؤدي بالعراق إلى حرب أهلية؟ أما في قضية اغتيال “رفيق الحريري” ومخلفاتها على النظام السوري فقد تجنّدت قناة الجزيرة للدفاع عن النظام السوري التي تقدمه كضحية مؤامرة أمريكية هدفها معاقبة هذا النظام الصّامد، كما تصفه، تجاه السياسة الإسرائيلية. وهذا جزء من الحقيقة أما الجزء الباقي المسكوت عنه فهو عدم إطلاق النظام السوري خرطوشة واحدة لتحرير الجولان ومساندته لأمريكا في حربها الأولى على العراق مقابل السماح لها بالبقاء في لبنان واستغلاله ما يسمى بالمقاومة الإسلامية “حزب الله” خدمة لمصالحه. ومن يعرف كذلك معاناة الشعب السوري واللبناني والفلسطيني من فرض للأوامر الأمريكية والقمع والفساد المسلط عليهم طيلة ثلاثين عاما من طرف النظام السوري تحت ذريعة تحرير الأرض المغتصبة بحجة ” لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”؟ من يعرف أنّ النظام السوري قدم لإسرائيل خدمات لم يقدمها بعض قادة إسرائيل أنفسهم. هذا النظام قتل ما يزيد عن 100 ألف سوري بدعوى أنهم أخوان مسلمين وقتل من الفلسطينيين في تل الزعتر وطرابلس وصبرا وشاتيلا أكثر مما قتلت إسرائيل منذ نشأتها، ناهيك عن شق الصف الفلسطيني وبعثرة الصف العربي عبر مساندة إيران ضد العرب. كم من عربي يعرف اليوم حقيقة تلك الممارسات الاستبدادية التي كانت تغطيها وتسكت عنها دعاية حلفاء الأمس من فرنسيين وأمريكان والتي أزهقت بسببها آلاف الأرواح والتي تم سحبها اليوم بعد انتهاء دور النظام السوري في المنطقة؟ وتواصل اليوم الجزيرة تجويقها حول الزعماء العرب الصامدين، بحجة معارضة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، عوض الكشف عن ممارسات العدوين الداخلي والخارجي. وينتج مثل هذا الخطاب الإعلامي المتخصص في صنع بطولات وهمية للأنظمة الاستبدادية مزيدا من الخداع والتجهيل للشعوب العربية المغبونة. وهوما تسعى إليه الدعاية الأمريكية لإظهار العرب ككل في صورة جنس متخلف ودموي يدافع عن جلاديه ويكمم الأصوات الحرة. وفي الحقيقة فهي لا تجانب الصواب كثيرا. فذهن الشعوب العربية مقولب في جزء هام منه على هذا الأساس بفعل دعاية الأنظمة العربية المحتكرة أيضا “للحقيقة” المتمثلة في “تفانيها من أجل شعوبها” وتعرضها “لافتراءات عملاء الغرب” المعارضين لسياستها “الحكيمة” والمبررة لغلق فضائها الإعلامي خوفا من تسرب جرثومة الخيانة داخل الوطن. وهي تسمح في الحقيقة بذلك بتسريب جرثومة الجهل. لم يتعود العرب إذن، بفعل هذه الممارسات، على وجود خطاب بديل مما حال دون تدربهم على معنى الشك والتساؤل وتنسيب الأحكام. فقد تداولت عليه الأنظمة المستبدة والحركات المتشددة، اليسارية والإسلامية، الحاملة لأفكار مطلقة ولوعي مزيف. وزاد الإعلام العربي الجديد الطين بلة عندما فتح أبوابه أمام مجتمع حامل لمرض احتكار الحقيقة وعمل جاهدا على ترويجها في البلدان التي نجت منها بطريقة أو بأخرى. وهكذا تحالفت على هذه الشعب دعاية وسائل إعلامه ودعاية أنظمته الاستبدادية ودعاية السياسة الأمريكية التي تصب جميعها في نفس الخانة الفكرية المطلقة والمفرملة للمعرفة. ونحن هنا لم نعد تجاه ظاهرة إعلامية وإنما تجاه إعلام ممسوخ اسمه الحقيقي هو الدعاية. وما بين الإعلام والدعاية يوجد تعارض مطلق. فالإعلام وظيفته الإخبار والمساعدة على تكوين الرأي. أما الدعاية فوظيفتها التأثير على العقول بهدف السيطرة على سلوك الأفراد وإخضاعهم إلى أغراضها الخاصة. والدعاية هي حكم القيمة التي تصنع الإضافة تفضيلا أو تبخيسا. وعندما تدخل المعيارية من الباب يخرج الإعلام من الشباك. فالدعاية هي التي صنعت حضارة القيمة التي نعيشها اليوم والتي يتم بموجبها توزيع صكوك الطهارة والخير أو النجاسة والشر على الشعوب، من خلال وسائط الإعلام تحديدا، التي تروج بوعي أو بدونه وعلى مدار الساعة خطابا ثقافيا معياريا لدعاة الصدام شرقا وغربا. والدعاية تخلق تفكير أهل الكهف الأفلاطوني الذي لم يكن لهم بد من الاعتقاد بأن الأشياء المتراقصة على جدران الكهف هي الأشياء الحقيقية.
أستاذة جامعية من تونس salouacharfi@yahoo.fr http://geocities.com/salouacharfi/index.html
(المصدر: موقع إيلاف بتاريخ 15 أوت 2006)