الاثنين، 7 ديسمبر 2009

TUNISNEWS

9 ème année N 3485 du 07.12.2009

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو

ولضحايا قانون الإرهاب


حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس

السبيل أونلاين :صورة من إعتداءات عناصر البوليس السياسي على نشطاء بنزرت

التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات:بيان المكتب السياسي

النقابة الأساسية للتأطير و الإرشاد التربوي:لائــــــحة

عبد الكريم العزابو:مــــاذا يــــريـــــدون؟

الأسبوعي:مصدر مسؤول بالخطوط التونسية:صخـب إعلامي حول عطـب فني بسيـط

أم زياد:ورفعت عنّي “حصانة المطار”

 البحري العرفاوي: الذهاب إلى المستقبل أو حتمية التفاؤل

طــه البعزاوي:تحيا الأقدام وتسقط العقول

  إيلاف:مؤتمر عربي في تونس لقادة الشرطة والأمن الاربعاء

الأسبوعي:اتصالات تونس تحتفل بحنبعل

الأسبوعي:على مبدإ الحطّ من العقوبة إلى النصف  سلم عقوبات جديد لمن سنهم بين 18 و21

العرب أونلاين:صندوق التضامن الوطني في تونس: نموذج تنموي يكرس قيم التضامن والتكافل

توفيق المديني:تصويت العار في سويسرا يغذي الإسلاموفوبيا

عبد الباري عطوان:مصر والجزائر: اعتراف متأخر

القدس العربي:مصر: البرادعي يتعرض لـ’حملة منظمة’ تطالبه بعدم التفكير بالترشح لمنصب الرئيس

حسام تمام:عن النكسة وضرب اليسار وتفسير الصعود الإسلامي


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows)To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


منظمة حرية و إنصاف

التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

جانفي2009
فيفري2009    
أفريل 2009     
جوان2009  https://www.tunisnews.net/20juillet09a.htm      جويلية 2009  https://www.tunisnews.net/23Out09a.htm   أوت/سبتمبر2009    
أكتوبر 2009

 

الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 19 ذو الحجة 1430 الموافق ل 07 ديسمبر 2009

أخبار الحريات في تونس


1)   اعتصام عدد من المحامين أمام مكتب نائب الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بتونس: اعتصم منتصف نهار اليوم الاثنين 7 ديسمبر 2009 عدد من المحامين أمام مكتب نائب الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس للاحتجاج على حرمانهم من زيارة منوبهم الصحفي توفيق بن بريك المعتقل حاليا بسجن سليانة من خلال عدم تمكينهم من بطاقة الزيارة، وقد طالب الأساتذة مختار الطريفي ومحمد عبو والعياشي الهمامي وخالد الكريشي وعبد الناصر العيوني الذين لن يقتنعوا بالتبرير المقدم من قبل مكتب الوكيل العام حول عدم وجود ملف القضية. وقد تدخل عميد هيئة المحامين لإقناع الأساتذة المعتصمين بضرورة فك الاعتصام والعودة في الغد للحصول على بطاقات الزيارة. 2)   حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو عيدا آخر وراء القضبان: لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور.    عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري  

صورة من إعتداءات عناصر البوليس السياسي على نشطاء بنزرت


السبيل أونلاين – تونس – خاص   حصل السبيل أونلاين على صورة شمسية ، يظهر فيها مجموعة من أعوان البوليس السياسي بقيادة حسني بحري رئيس منطقة بنزرت ، أثناء إعتداءهم على سيارة الحقوقي طارق السوسي في شارع فرحات حشاد ببنزرت ويجبرونه على التراجع .   وهاجم العشرات من أعوان البوليس السياسي صباح يوم السبت 28 نوفبر 2009 ، نشطاء حقوق الإنسان في مدينة بنزرت حين كانوا في طريقهم إلى بيت المناضل الأستاذ علي بن سالم لتقديم التهاني بمناسبة عيد الإضحي المبارك .   وقام الأعوان بالإعتداء باللكم على مراسل قناة الجزيرة في تونس الصحفي لطفي حجي وإلحاق أضرار بسيارته الخاصة وتهشيم بلور سيارة طارق السوسي الناشط الحقوقي وعضو “الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين” ، كما قاموا بالحاق أضرار مادية ببقية سيارات نشطاء حقوق الإنسان ببنزرت وهي أربعة .   كما أقدمت عناصر البوليس السياسي في بنزرت على مضايقة نشطاء حقوق الإنسان في المدينة ، عند جلوسهم في أحد المقاهي ، واوقفوا الناشط الحقوقي محمد الهادي بن سعيد لبعض الوقت قبل أن يخلوا سبيله .    الصورة الشمسية على الرابط التالي : http://www.assabilonline.net/images//tunisie-policepolitique-agresion.jpg   (المصدر : السبيل أونلاين ( محجوب في تونس) ، بتاريخ 07 ديسمبر 2009 )


 

بيان المكتب السياسي

تونس في 4  ديسمبر2009


اجتمع المكتب السياسي للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات مساء الجمعة 4 ديسمبر 2009  واستعرض مجموعة من القضايا التي تهمّ  الوضع العام بالبلاد ومسائل داخلية تتعلّق بالخصوص بوضعية صحيفة “مواطنون “، وأفضت مداولات أعضائه إلى ما يلي: 1- يعبّر  المكتب السياسي عن شديد قلقه إزاء التوتّر السائد حاليا في علاقة السلطة بالعديد من مكوّنات المجتمع المدني والمتمثل خاصة في محاصرة التنظيمات المستقلة ومسلسل المضايقات والاعتداءات والمحاكمات التي طالت عددا من الصحفيين والنشطاء الحقوقيين والسياسيّين والناشطين في الاتحاد العام لطلبة تونس .وقد جاء هذا التوتّر في سياق الانتخابات الأخيرة التي خيّبت ظروف إجرائها ونتائجها آمال كلّ من راهن على أن تمثل نقلة نوعية للحياة السياسية في اتجاه الإصلاح الديمقراطي المنشود.  2 – يدعو التكتّل السلطة إلى اتخاذ الإجراءات العاجلة الكفيلة بتحقيق الانفراج الضروري في الحياة السياسيّة وذلك بإطلاق سراح مساجين الرأي وخاصة منهم الصحفيين توفيق بن بريك وزهير مخلوف اللذين تعرّضا في المدة الأخيرة إلى قضايا عدلية مفتعلة، كما يدعو المكتب السياسي السلطة إلى  رفع القيود التي تشلّ الإعلام وتحدّ من حريّة التعبير .  3 – يجدّد التكتل دعوته إلى ضرورة طي ملفّ الحوض المنجمي  وذلك بإرجاع كلّ المسرحين إلى سالف أعمالهم وتمكينهم من كافّة حقوقهم المدنية.  4 – يعبّر التكتل عن أمله في أن تفضي الاتصالات والتحركات الأخيرة بخصوص أزمة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى حلّ جذري وجدّي .وإنّ التكتل ليشجع كلّ حلّ من شأنه أن يعيد إلى الرابطة مكانتها وحيويّتها ووحدة صفوفها، في كنف الاستقلاليّة التامّة. 5  – سجّل المكتب السياسي مجدّدا مختلف الصعوبات والتضييقات التي ما فتئت صحيفة “مواطنون” تتعرض لها منذ صدور العدد الأوّل منها في جانفي 2007؛ وقد تفاقمت هذه الصعوبات والتضييقات  في الأشهر الأخيرة قبل الانتخابات وبعدها. وهو إذ يثمّن تضحيات مناضلي التكتل  ومناضلاته  وأعضاء فريق التحرير ومؤازرة أصدقاء “مواطنون” وقرائها الأفاضل  الذين ساعدوها على الصمود والبقاء طيلة ثلاث سنوات، فإنّه بسبب حرمان الصحيفة من التمويل والإشهار العموميين اللذين لم ننفكّ نطالب بحقّنا فيهما على غرار ما تحصل عليه الصحف الحزبيّة الأخرى ، وبسبب ما نتج عن محاصرة الصحيفة في وصولها إلى مشتركيها بالبريد وإلى قرّائها عبر أنحاء البلاد بالحجب من الأكشاك أو التقليص الممنهج من عدد النسخ الموزّعة  و ما ترتب على ذلك من عجز مالي فادح تراكم منذ صدورها، فإنّ المكتب السياسي قد قرّر، مضطرّا ، توقيف “مواطنون ” عن الصدور الأسبوعي بداية من العدد 127 ، والاقتصار على صدور شهري رمزي ، على أمل أن يجد تمويل صحيفتنا الحلّ المناسب.   وإنّ المكتب السياسي إذ يعبّر عن أسفه الشديد لاضطراره إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء، فإنّه يعتبر  أنّ  الوضع الذي تردّت إليه صحيفة “مواطنون” إنّما يعكس غياب التعدّدية الحقيقية  السياسية والإعلامية التي تفترض تعامل السلطة مع كلّ الأحزاب ومنابرها الإعلامية معاملة عادلة منصفة على مستوى التمويل والإشهار العموميين ورفع كلّ القيود على التوزيع، بما ينسجم مع روح الدستور ونصّه عندما حدّد مهام الأحزاب ودورها في المجتمع وفي إرساء الديمقراطية ببلادنا.   عن المكتب السياسي  الأمين العام        
د. مصطفى بن جعفر 

الإتحاد الجهوي للشغل بمدنين الإتحاد المحلي للشغل ببنقردان النقابة الأساسية للتأطير و الإرشاد التربوي بنقردان في 07/12/2009 لائــــــحة  

نحن القيّمون و المرشدون التربويون و أعوان المخابر و الإدارييون المجتمـــعون اليوم الجمعة 04/12/2009 بدار الإتحاد المحلي للشغل ببنقردان تحت إشراف نقابتنا الأساسية و بحضور الإتحاد المحلي للشغل ببنقردان والفرع الجامعي للتأطير و الإرشاد بعد تدارسنا لأوضاع القطـــاع محليّا فإننا نطالب الإدارة الجهوية للتربية و التكويــــن بمدنين و السلط المحلية ببنقردان ب : 1- الكف عن إعتماد هذه الأشكال الهشة من التشغيل داخل قطاع التأطير و الإرشـــاد . 2- العمل على تنقية القطاع من كل أشكال التشغيل الهش , إما بإنتدابهم بصفة رسمية أو بإخراجهم لأعمال أخرى خارج القطاع 3- التطبيق الكامل للمذكرة عدد 348 الصادرة عن الإدرة الجهوية هذا و إننا نعلن عن رفضنا القاطع التعامل مع الأعوان المنتدبين وفقا لآلية التشغــيل الهش و نعرب عن إستعدادنا للدفاع عن حرمة القطاع بكل أشكال النضال المشروعة بما في ذلك الإضراب إذا لم تستجب الإدارة لمطـــــــالبنا المشروعة و نوكل للمركزية النقابية الجهوية تحديد موعده . عاش الإتحاد العام التونسي للشغل حرا مستقلا و مناضلا عاشت وحدة التأطير و الإرشاد التربوي عن الإتحاد المحلي الكاتب العام المساعد منصور الورشفاني عن النقابة الأساسية الكاتب العام ذياب زغدود المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية البريد الإلكتروني marced.nakabi@gmail.com : تونس في 06 / 12 / 2009


مــــاذا يــــريـــــدون؟

صدر عن بعض” النقابيين ” بجهة صفاقس على إثر المؤتمر الرابع والعشرين للاتحاد الجهوي الذي انعقد أواخر جوان الماضي نصا أظهروا من خلاله انزعاجهم لنتائج هذا المؤتمر وأفصحوا فيه عن نواياهم تجاه الاتحاد عموما وتجاه الحركة النقابية بجهة صفاقس والاتحاد الجهوي بالخصوص. تحدثوا في هذا النص عن “الحاجة لقيادة بديلة عن القيادة البيروقراطية المتفسخة” والحديث هنا عن قيادة الاتحاد الجهوي.. واعتبروا أن المؤتمر الـ24 للاتحاد الجهوي أفرز “نتائج خطيرة” تتمثل حسب تعبيرهم في “تعَزُز مواقع التيار المعادي للديمقراطية والمكــرس للإيديولوجيا الإسلاموية” وهو حسب تعبيرهم “تيار أصولي متواطئ مع الاستبداد” وجب استئصاله من الاتحاد حسب رأيهم، وأن “تحالفا مقدسا” أفرزه هذا المؤتمر وصفه النص   بـ “زمرة من الفساد والإفساد مُمَررٌ عل الدوام لمواقف السلطة وأجندتها” ودعَوْا كل “القوى والفعاليات السياسية التقدمية  والديمقراطية ليس داخل الاتحاد الجهوي فقط بل على صعيد الجهة والقطر عـموما” للبحث عن “خطة نضالية لإسقاطه في أقرب الآجال”. ولم يحرم كاتبو أو بالأحرى كاتب هذا النص نفسه من استعمال أي من الألفاظ المسيئة كالـ “فساد” و”الإفساد” و”المفسدين” و”المرتشين” و”المخربين” … هذه هي إذا صورة الحركة النقابية بجهة صفاقس وهذه هي صورة الاتحاد الجهوي بها حسب هؤلاء….إنهم لا يقيمون أي وزن لعراقة النضال النقابي في هذه الجهة تحديدا ولا إلى تراثها وحاضرها النضاليين ولا إلى شهدائها الذين خرجوا من صفوف نقابيي هذه الجهة ولا إلى نضالية جماهيرها. وهذه هي صورة المؤتمر الـ24 للاتحاد الجهوي عندهم وهم يتجاوزون بذلك النقابيين أعضاء المؤتمر ويدوسون على الديمقراطية التي يدعونها. وفي الوقت الذي يقدمون فيه أنفسهم على أنهم الـ”مدافعون عن الديمقراطية وضد مظاهر الفساد” كالوا للاتحاد عموما والاتحاد الجهوي خصوصا تهم “الفساد” و”الاتفاقيات المخزية للمفاوضات الاجتماعية” و”تمرير سياسات السلطة في التأمين على المرض والتفويت في المؤسسات” وظاهرة البطالة وما نتج عنها من “مظاهر خطيرة كالمحسوبية والرشوة والجهوية” و”المواقف المتواطئة تجاه تشريعات العمل”. وقدموا أنفسهم على أنهم وحدهم من يدافع عن الحوض المنجمي ويطالب بإطلاق سراح مسجونيه. يُحمّلون الاتحاد كل سلبيات الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي القائم ويخرجون أنفسهم من دائرة المسؤولية ولا يحملون أنفسهم شيئا في القطاعات التي يديرونها ويخفون حقيقة مواقفهم ومواقف من يوالونهم. فما رأيهم في اتفاقية القطاع الخاص التي أمضاها المسؤول عن القطاع الخاص في الاتحاد والتي تبنت بند مرونة الشغل، وما موقفهم من تخلي نقابة التعليم الثانوي عن بند الترقيات فيما يخص أساتذة الرياضة وموقفها الداعم للسياسة التربوية وللمحتويات المناهضة للهوية العربية الإسلامية في البرامج التعليمية. أما في النقابات التي يديرونها في الجهة فإنها تتميز بغياب النضالات تقريبا فإضراب قطاع التجهيز اليتيم سنة 2007 على سبيل المثال تدخل المكتب التنفيذي الجهوي لإنجاحه، ثم أين هم في التصدي للملفات الكبرى ولماذا لا يناضلون في قطاعاتهم ولا يأتون بمكاسب.. ثم أين الطابع القاعدي لعملهم إذا كانت مؤتمراتهم واجتماعاتهم العامة على ندرتها لا يحضرها إلا النزر القليل والتجهيز والتعليم الثانوي خير دليل على ذلك… أما الهجوم على الاتحاد الجهوي ومحاولة تجريده من كل المكاسب التي راكمها لفائدة العمال والشغالين طيلة السنوات الماضية فان الحقائق  القائمة والوقائع الدامغة تفند هذا الزعم: -أنجزت حملة واسعة ناجحة لترسيم العمال في جل القطاعات وخاصة قطاعات البناء والكيمياء والنفط والمعادن والصحة والنسيج. – التصدي لغلق المؤسسات في عدة قطاعات مثل المعادن والنسيج والبناء… – إرجاع العمال المطرودين بصورة تعسفية. – التصدي للسمسرة . – ترسيم العمال في جل القطاعات مثل الكيمياء والنفط والمعادن والمعاش والصحة    (المصحات الخاصة) والمهن والخدمات والنسيج…. – الدفاع عن الحق النقابي وفرضه في كل من القطاعين العام والخاص. – القيام بإضرابات قطاعية  في الجهة تنعكس ايجابياتها على القطاعات في كل أنحاء البلاد في قطاعات ديوان الموانئ والكهرباء والغاز والفلاحة والصحة والسكك الحديدية فعلى سبيل المثال تم إرجاع 41 عاملا في قطاع السكك الحديدية في 10 ماي 2007 ينتمون إلى جهات أخرى هي تونس وبن عروس. – الارتفاع في عدد المنخرطين: -سنة 2005  كان عدد المنخرطين 32ألفا -سنة 2006 عدد المنخرطين 36  ألفا -سنة 2007 عدد المنخرطين 38 ألفا -سنة 2008 عدد المنخرطين 40 ألفا – 27 ألفا ( قطاع عام ) ووظيف عمومي و13 ألفا ( قطاع خاص ) – متابعة التغطية الاجتماعية للعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. – متابعة صرف أجور العمال والمنح في الآجال القانونية. – ويستخدم سلاح الإضراب في كل القطاعات إما على مستوى المؤسسة أو على مستوى القطاع وقد تنوعت الإضرابات بين إضرابات مطلبية ودفاعا عن العمل النقابي وضد المماطلة وعدم احترام الاتفاقات وضد الغلق الفجائي للمؤسسات كما استُخدمت الإعتصامات وكذلك الإضرابات التضامنية مثلما حدث سنة 2007 تضامنا مع نقابة التفتيش عن النفط في حقل الحنشة. – التصدي لمحاكمات أعضاء المكتب التنفيذي الجهوي.  -تركيم التظاهرات والمظاهرات والتجمعات والاحتفالات من أجل القضايا القومية وتجلى ذلك واضحا في مؤازرة العراق ولبنان وفلسطين وآخرها أثناء العدوان على قطاع غزة وهو ما أغفله النص تماما ولم يتحدث عنه البتة وهو ما يؤكد موقفهم من قضايا الأمة الجوهرية.  سقنا هذه الحقائق حتى نعري ركام الافتراء الذي ساقه المغرضون ضد الاتحاد الجهوي بصفاقس فهم يستهدفون قلعة النضال النقابي والوطني قصد زعزعتها والتمهيد لضربها والسيطرة عليها وكلامهم في هذا الاتجاه صريح وواضح سواء في نصهم أو التجمعات الهستيرية التي أقاموها في بهو دار الاتحاد. وكل ما سقناه يؤكد أنهم حَمَلة شعارات خاوية لا تستند للواقع وتتجاهل النضالات الحقيقية وهم مزايدون، فهم يرفعون شعارات النضال المهني وهم براء من ذلك كما أسلفنا  وهم يرفعون ومنذ مدة طويلة شعار مساندة الحوض المنجمي ولا يحركون نقاباتهم لتجسيد ما يدعون ويرفعون شعار الديمقرطية داخل الاتحاد وخارجه والحال أن انعدام انصهارهم في القواعد وانعدام تبني مطالبها يدفعهم لتبني أساليب فوقية وبيروقراطية ويلجؤون لتحالفات مشبوهة بينهم ومع جهات من خارج الاتحاد. ومثال ذلك النقابة الجهوية للتعليم الثانوي التى تلجأ لأساليب التهجم والتشويه  والتزوير. فمثلا، منذ متى لم تعقد نقابات الثانوي في الجهة مؤتمرات حقيقية تجمع فيها القواعد ويفسح لها المجال لمحاسبة ممثليها.. بل تم الانجذاب لأسلوب الصناديق في المؤسسات الذي عم قطاعات سيطروا عليها.. فعن أي ديمقراطية يتحدثون. لقد وصل بهم الوضع إلى منع النقابيين من حضور بعض الاجتماعات أو منعهم من أخذ الكلمة أو النقاش بدعاوي مختلفة بل إن الشاذلي قاري كاتب عام النقابة العامة للتعليم الثانوي حاليا عمد إلى تمزيق مشروع لائحة للصراع العربي الصهيوني قدمه أحد الحاضرين في ندوة عقدت لنقاش مشاريع اللوائح مؤخرا في المهدية وتم مطالبته  بمغادرة القاعة والتهديد بتعنيفه إن لم يفعل. أما حرية التعبير التي طالما تشدقوا بها فهي تعني التهجم وتلفيق التهم والتشويه للمناضلين كما فعلوا مع الاتحاد الجهوي بصفاقس. أما خارج الاتحاد أليسوا هم من يشاركون في صلب أحزاب معترف بها وتدور في فلك السلطة. يعتبرون الإسلاميين ظلاميين ويدعون إلى جبهة ضد الظلامية ويتقاطعون في ذلك مع أعداء العروبة والإسلام وتذهب بهم الديمقرطية الأمريكية والغربية إلى اعتبار ما حدث في العراق “تحرير” و “ديمقراطية”. أما الحرية عندهم فبمكيالين.. فحريتهم التي يطالبون بموجبها إخراج مساجين الحوض المنجمي.. لا تخول لهم الدفاع عن المساجين الإسلاميين ولا الدفاع عن حرية ارتداء الحجاب.. وهم لا يقيمون وزنا للإسلام ولا للمقدسات فلا يدافعون عن الرسول صلى الله عليه وسلم  بل يسيئون إليه ويعتبرون الإساءة “حرية تعبير”. ولا غرابة في كل ذلك فمواقفهم من الإسلام والمسجد الأقصى والمقدسات عموما معروفة وهي نفس مواقف كل المعادين للعروبة والإسلام بل إن مواقفهم هذه تدفعهم إلى الجهر بموالاة الغرب والخوف عليه من المعاداة “على أساس عنصري وديني” كما جاء في نصهم.. هم يخافون على الغرب منا أما الميز العنصري والديني والقومي الذي تعاني منه الأمة منذ عقود فإنهم لا يرونه ولا يحسون به. لذلك فهم منزعجون من مكاسب الاتحاد الجهوي بصفاقس والاتحاد العام التونسي للشغل عامة ويطلبون الإطاحة بقياداته خدمة للأطراف التي تحالفوا معها، والعدو لدى هؤلاء ليس الامبريالية والصهاينة فهم يلتقون معها في الديمقراطية.. العدو لدى هؤلاء هو “البيروقراطية” و”التصفوية” المزعومة.
 
 الإمضاء: عبد الكريم العزابو  


مصدر مسؤول بالخطوط التونسية:   صخـب إعلامي حول عطـب فني بسيـط


تونس- الأسبوعي: تناقلت بعض وسائل الإعلام المصرية ثم العربية أمس أخبارا مبالغا فيها عن هبوط اضطراري لطائرة تونسية في مطار القاهرة بعد تحطّم زجاج كابينة القيادة وبسؤالنا مصادر مسؤولة بالناقلة الوطنية أفادتنا أن ما نشر مجانبا للحقيقة حيث أن ما حصل بالضبط هو ظهور صدع في البلور الأوسط للنافذة الثابتة اليسرى لقمرة القيادة علما أن النافذة تضمّ ثلاث طبقات بلورية كل طبقة مستقلة بذاتها… وحسب توصيات السلامة المعمول بها فإنه ينصح بالنزول بأقرب مطار لتغيير البلور وهو ما تمّ إذ حطّت الطائرة في مطار القاهرة الدولي على اعتبار أنه أقرب مطار عند ظهور الصدع في الطريق التي تربط جدّة بتونس وتم تغيير البلور ومواصلة الرحلة دون تسجيل أي إشكال يذكر… وأضافت مصادرنا أن مثل هذه الأعطاب تحدث بكثرة ولا تتطلّب هذا «الصخب» الإعلامي.علما أن هذه الطائرة كانت تنقل 265 حاجا من جدّة إلى تونس ومنه إلى مطار ليون في رحلة ثانية وجلّهم من الحجيج المغاربة المقيمين بفرنسا وقد قامت مصالح الناقلة الوطنية بإعلام ذويهم بهذا التأخير والإحاطة بالمسافرين خلال فترة التوقّف في مطار القاهرة. ويبقى التساؤل عن جدوى هذا الصخب الإعلامي والحال أن الناقلة الوطنية بإطارها الفني مشهود لها بالسلامة العملياتية دوليا.

 
 
(المصدر: صحيفة “الصباح الأسبوعي” (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 7 ديسمبر 2009)
 


ورفعت عنّي “حصانة المطار”


بقلم أم زياد   مطار بلادي الدولي- كما لا يعرف بعض الناس- صار مسرحا لتصفية حسابات النظام مع المعارضين. فالمعارضون في تونس لم يعودوا يمنعون (كلّهم) من السفر، وذلك حتى يقال “إنّهم أحرار”.   وإذا سافروا كان حسابهم عسيرا في المطار أو الميناء أو أيّة نقطة حدودية. أنا أيضا من الأشخاص الذين تقع مضايقتهم عند السفر أو العودة منه. ولكن يمكنني القول إنّي –بالقياس إلى غيري من الرفاق والرفيقات- من “مدلّلي المطار” أحظى فيه “بحصانة” نسبية فلا شتم ولا تهديد ولا ضرب كما يقع للآخرين. بل مجرد مضايقات “خفيفة” كثيرا ما تنتهي بلا أضرار عدا الضرر المعنويّ المتمثل في شعور كريه بأنّي مواطنة من درجة ثانية تُتعمد معاملتها معاملة “خاصّة” قصد إذلالها وإشعارها بأنّها تحت رحمة النظام وأجهزته. يوم السبت 28 نوفمبر 2009 تغيّر الوضع ورفعت عنّي “حصانة المطار”. كنت عائدة من رحلة طويلة ومتعبة إلى الولايات المتحدة حيث تم تكريمي من قبل “لجنة حماية الصحافيين” التي منحتني جائزتها السنوية. لم ألاحظ شيئا غير عادي إلاّ بعد تجاوز نقطة الشرطة الحدودية، وبوصولي إلى منطقة تسلّم الأمتعة ونقطة التفتيش الجمركي وجدت نفسي في مطار شبه مقفر… أين الناس ؟ أين رفاق السفر ؟ لقد تبخّروا بمفعول سحريّ ! بدل رفاقي في السفر وجدت نفسي أمام عدد من البوليس بالزي المدني وعدد من عناصر الديوانة، وحتى ذلك الوقت لم أستغرب فقد اعتدت أن يفرغ المطار من أجلي حتى لا يستمع المسافرون إلى احتجاجاتي بصوت عال على الإجراءات التعسفية التي أتعرض إليها. أخذت أمتعتي واتجهت إلى نقطة التفتيش الجمركي، فجاء عون من الديوانة وطلب منّي التوجه إلى غرفة صغيرة، أدركت بسرعة وظيفتها وعرفت أنّي سأجرّب لأوّل مرة في حياتي غرفة التفتيش البدني. احتججت بشدّة وسألت الأعوان المحيطين بي عن سبب هذه المعاملة الجديدة ورفضت دخول الغرفة. وعندئذ ضاق حولي طوق بوليسي مهدد ومخيف وتقدم منّي مساعد محافظ المطار فكلّمني بغلظة ورفع يده مهددا بضربي وحاول دفعي إلى الغرفة المذكورة وقال لي إنّه يطبّق عليّ “القانون” وعلى “أمثالي”، وقد نطق الكلمة الأخير بازدراء. لم تكن سنّي ولا حالتي الصحية تسمحان لي بالتمادي في المقاومة فدخلت الحجرة وفُتشت ولم “يُعثر” لديّ على شيء وخرجت. عند خروجي وجدت مساعد المحافظ وعناصر البوليس قد انصرفوا جميعا. لقد انتهت مهمّتهم فهم لم يحضروا لمعاينة مسكي لممنوعات محتملة بل هدفهم الوحيد- أو بالأحرى هدف من أرسلهم- هو إدخالي لتلك الحجرة، قصد ماذا يا ترى ؟ – إذا كان المقصود هو إشعاري بأنّي غير مستثناة من دورة أفلام الرعب التي يديرها النظام وما يزال في هذه الأيام ضدّ الكتاب الأحرار ونشطاء حقوق الإنسان، فإنّي شاعرة بذلك تماما. فالمكالمات الهاتفية “المجهولة” ما تزال تصلني وتوقظني في آخر الليل أحيانا لتكيل لي الشتائم والتهديدات. وحملات التشويه على الجرائد ومواقع الانترنت بلغتني أصداؤها والبوليس حاصر بيتي أيّاما كما فعل مع الكثيرين. – وإذا كان المقصود هو إفساد “فرحتي” بجائزة لجنة حماية الصحافيين وإشعاري بأنّي كرّمت في الخارج وليس في بلادي إلاّ الإهانة، فليعلم الجميع أنّ الجوائز لا تفرحني إلاّ بقدر اعترافها بأنّ في تونس كتّابا وكاتبات صحفيين وصحفيات لم يسكتهم القمع والترويع، وليعلم الجميع أنّ جائزتي الحقيقية ما زلت أنتظرها وهي أن أرى بلدي ينعم بالحرية. وليعلم الجميع أخيرا بأنّي كنت كريمة قبل دخول تلك الحجرة السخيفة، ولمّا خرجت منها لم ينقص شعوري بكرامتي وبأنّ طوقا بوليسيّا لا يمكن أن ينزع عنّي تكريما نلته من قرائي قبل أن أناله من أيّ أحد آخر. – أمّا إذا القصد هو تذكيري بأنّني هُدّدت منذ أكثر من عام بأن يقع الانتقام منّي ومن زوجي وأولادي وبأنّ هذا الانتقام قد يأخذ أشكالا غادرة تستعمل فيها كالعادة إحدى مؤسسات الدولة أو إدارة أمنيّة أو غيرها من المصالح… فليعلم الجماعة أنّي لم أنس فنسيانهم “صعب كثير” كما تعنّي المعنّية (وأستغلّ هذه الفرصة لأسألهم متى سيفكرون في عمل شيء طيّب واحد على الأقلّ يتذكرهم به الناس ؟) كلاّ لم أنس التهديد وقد نبّهت إليه في حينه، وأعيد التنبيه الآن ولكنّ ذلك لن يمنعني من مواصلة حياتي، فقدري بيد الله وبيدي وليس بيد أحد آخر كائنا من كان.   (المصدر:  مجلة كلمة الإلكترونية(محجوبة في تونس) بتاريخ 06 ديسمبر 2009)  


الذهاب إلى المستقبل أو حتمية التفاؤل


  تصدير: صفحاتُ التاريخ المُمْتدّهْ لا تُطوَى لا تعــرفُ ردّهْ فليصْنعْ منْ شـــاءَ مَجْدَه ْ …………………………….. 1: الإحباط والثبات إنما تكتسب الصفات بتوفر شروط نقيضها،فالمتسامح هو من كان قادرا على المعاقبة، والمتواضع هو من كان قادرا على التكبر، والمسالم هو القادر على خوض الحروب… ولا معنى للحديث عن الثبات إلا إذا ما توفرت عوامل الإحباط واليأس والخوف… ك “الذين قال لهم الناسُ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ” والذين يُرادُ لهم أن يتحولوا إلى كائنات استهلاكية يُسهمون في تنمية رأسمال “الدواب” المعاصرة… يُرادُ لهم الإستفراغ من المعاني الإنسانية ومن القيم المعيارية ومن دفق الحب والشوق والأمل ليظلوا مسكونين فقط بطاقة التذاذية وشهوانية محمومة … يُرادُ “للإنسان” أن يُدفن في الأجساد المجففة : أجسادٌ كما القبور المتحركة أو كما الخُشُب المسندة أو كما أعجاز نخل خاوية… “الدواب” المعاصرة تضربُ بأكرُعِها في كل مجرى وتدق قرونها في كلّ مرآةٍ تَخويفا لكل ذي رأي وذي بصيرة ولكل المنشدين لمعاني الحياة… “الحياة” ليست مجرد كينونة طبيعية يستوي فيها الآدميون والأنعامُ والنباتات والأصنامُ.. وليست مُجرد عيش تحققه المواد الاستهلاكية… “الحياة” حضورٌ فاعلٌ في التاريخ وقدرة على التجدد وعلى الرفض والتمرد والتساؤال باستمرار… الإنسان الحي ليس مجرد كتلة بيولوجية تجري عليها قوانين الطبيعة كما تجري على كل الكائنات وليس مجرد رقم في تعداد الدّابين على الأرض… تمسك “الدواب” المعاصرة بأدوات صناعة المشهد العام… تسفك دماءً وتلوي أعناقا وتُعلي من شأن حفاري القبور.. بل وتجرأ على أعظم ” وظيفةٍ” إذ تدعي قدرة على تأهيل الآدميين ل “الحياة” تمارس عليهم إكراهات “ثقافية” تدمّر الأعصاب وتغيض الصدور وتدوّخُ النشأ تدفع به إلى الهستيريا الجماعية وإلى التشرد في غير وجهة وغير قرار. ـ هل أنت متشائم يا أخي؟ سؤال يستله الواقفون على التشريح المُوجع للجسد المجفف… هل أنت متشائم إذ ترى أقداما من صلصال تتعالى كما الأبراج في كل منبت زرع أو مهبط ماء؟ هل أنت متشائمٌ  إذ ترى العلماء والمثقفين والأسوياء والمحبين والحالمين يصطفون جميعا على حافة المشهد كما لو أنهم فضوليون غيرُ مرغوب في حضورهم ويُشرّدون إذا ما لامسوا المشهد ذاك بفكرة أو نقد أو سؤال؟ ـ هل أنت متشائم أمام عروض التجريب السياسي ـ طويلة الأمد ـ  في مختبرات الجغرافيا وعلى شعوب ذات حضارة وتاريخ وعقيدة وتجارب في الإصلاح والتنوير تساق معصوبة البصائر والأبصار إلى نهايات دموية وإلى ظلمات تدكّ فيها النجومُ وتمزق السماوات بشواظ من نار؟  ـ هل أنت متشائم أن ترى جهود عقود في تقليب التراب وانتخاب المشاتل وتصليب الأغصان تذروها عَصْفة ٌ من ريح صرصر في ليل ماكر؟ ـ هل أنت متشائم أن ترى الدينار فوق الأفكار والأحذية فوق الأدمغة والفارغين فوق العارفين والخاطفين فوق المتعففين؟ هل أنت متشائم إذ ترى جيلا من الفتيان والفتيات في عمر الماء ينجرفون إلى صحار يشربهم شجر الزقوم وتمُورُ فيهم عواصفُ القلق والحيرة ؟ ـ هل أنت متشائمٌ أن رجالا ونساءً تكادُ تميدُ بهمُ الأرض وتكاد تتخطفهم الصّيْحاتُ من كل مكان يمشون بغير وقع ويهمسون بالأمل ولا يُسمِعُون كما لو أنهم متلبسون بالخطيئة دائما ؟ هل أنت متفائل يا أخي رغم المختبرات السرية يتجندُ فيها خبراءُ صناعة اليأس والحُمق والأمراض العصبية ورغم كل فنون تدمير الأعصاب وتخليط الطبائع وتعكير الأمزجة وتدويخ العقول وترهيب الأنفس؟ 2 : حتمية التفاؤل الهزائم ترقد في الذوات حين تزين لها الاستقالة والصمت ومجاراة وقع الواقع وحين يستنبط المرء لنفسه مبرراتٍ لإسكات ضميره إذ يؤنبه عن سكوته وحين تصبح الواقعية من مشتقات الوقيعة والوقوع، وتصبح العقلانية من مشتقات العُقال والعُقلة … عقلة على الحقيقة وعلى المصلحة . تبدأ المعركة داخل الذات للتحرر من الوعي الزائف والمبررات الخادعة والتفاؤل الواهم… تبدأ بطرح الأسئلة الحقيقية الجريئة حول طبيعة المشهد وأسراره والأيادي التي تحركه وحول مآلاته المرتقبة ـ منطقيا ـ وحول مدى مسؤوليتي أنا الصامتة أو الناطقة في صناعته وحول الواجب التاريخي والشرعي الذي يتحتم علي آداؤه… تمتد المعركة إلى ما حولنا ممن نخاطبهم يوميا ونتعامل معهم حين نتحرر من “عيب” المجاملة والاستحياء من الحق “إن الله لا يستحي من الحق” وحين نقف الموقف الذي يجب وكما يجب وحين لا نزين للخاطئين خطأهم حتى لا يتمادوا فيه ولا يغتروا بما هم عليه من أوهام وأخطاء…وحين نستجمع إرادتنا وهِمّتنا فنتحرر من الجُبن والطمع والتردد والبرود.. وحين لا ترتخي لنا قامة أمام أقدام الصلصال وحين لا ينتابنا شك في جوهر “الإنسان” وفي صوابيّةِ خيار الذهاب إلى “الحياة” والتمرد على “الدواب” المعاصرة تريدُ احتباسنا في الأجساد المجففة لا نتجاوز حالة “العيش” ……تلك مغالبة للنفس ومغالبة لل”ماحوْل ” مما كبر ومما نحسبه هينا…ـ وهل الأحداث الكبرى إلا نتاج أسباب صغرى وهل الحرائق إلا عود ثقاب ـ؟  الذهاب إلى المستقبل يحتاج طاقة روحانية ووقودا تفاؤليا ودرجة من المغامرة الشجاعة وقدرًا من الاستهزاء بمكر الماكرين وقدرة على “النسيان” : نحتاج نسيان إيذاء المقربين وتآمر الأقرباء وغدر الأقربين حتى لا يسكننا حقد ولا تتداخل روح المغالبة بروح الثأر… نعم… ثمة محاسبة في صياغات التاريخ وسياقات الحوادث، ثمة محاسبة للذين أوقعوا السقوف على الغافلين وأرسلوا الذباب على الجفون يصيبُ العيون برمدٍ فلا يرى الصديق صديقا ولا يبصر الذاهبون طريقا… ثمة محاسبة حين تعتدل العقولُ وتنطلق الألسن ويجد الناس متسعا لسماع روايات شهودِ عيانٍ عاينوا  دخان الروح وعصير اللحوم الآدمية وطحين عظام الواقفين… ثمة محاسبة حين ينفرط الحبر وتنطلق الأجيال في “ترتيل” نصوص الأوجاع كما لو أنها تكتشف القراءة لأول صيحة. هل أنت متفائل يا أخي؟ أما زلت ممتنعا عن الغيبوبة وعن “التدبّب” تقسمُ إنك ستظل مستقيم القامة مبتسما متفائلا نكاية في الذين غالبوا عزيمتك وخاتلوا وعيك وتآمروا على جهازك النفسي وأليافك العصبية… تحلف إن مداد حُلمك لا ينضب مستمدا من مداد كلمات ربك يُغالبُ مداد البحر ولو مُدّ سبعة ً…. تعب الذين تفننوا في إتعابك ولم تتعبْ… تعب شهودُ الزور، والعسسُ، والحمّالون لحساب الغير، واللاغطون في الوسائل المرئية والسمعية ،والماشون في جنازات الضحايا،والراكضون عراة في مسارب السياح، والمُسْرَجُون طبولا من جلود الضباع، والنافخون في مزاميرَ من حناجر الذئاب، والساهرون يترصدون حركة النجوم… ومازلتَ أنت مثقلا بالشوق وبالحب وبكبرياء “الإنسان” تضيئه نفخة من روح الله لا تقوى عليها ريحٌ ولا تُبدّدُها ظلمة ولا يسِيحُ زيتها خارج مدارات النور ومسارات التحرر.                                           البحري العرفاوي                                        تونس: 03 ديسمبر2009
 

تحيا الأقدام وتسقط العقول


طــه البعزاوي على هامش الموضوع ترددت كثيرا في نشر هذا النص بعد فراغي من كتابة جل فقراته قبل العيد وذلك من باب تجاوز الأزمة وتوقع أن يمحو العيد بعضا من آثارها، ولكن بعد مرور العيد استأنف الإعلام المشبوه حربه! حتى أنني رأيت أحد الإعلاميين على القناة الفضائية المصرية يوم 3 ديسمبر 2009 أي بعد أسبوعين من الأحداث وهو يستنكف من أن يقول كلمة الإخوة الجزائريين فيقطعها من منتصفها ويراجع نفسه ليقول الدولة الأخرى! … وقد سبق للإعلامي ثامر أمين أن أنب متدخلا مصريا في برنامج “البيت بيتك” قائلا :”أرجوك بلاش كلمة الإخوة الجزائريين علشان الحساسية …” هذا وغيره من التفاهات هو الذي حملني على نشر هذه الكلمات!   حالة من المشي بالمقلوب بدأت تنتشر في الشارعين الجزائري والمصري منذ الإعلان عن موعد المباراة الأولى التي جمعت فريقي البلدين لكرة القدم في الجزائر! ثم توسعت الحالة وانتشرت انتشارا شديدا بحلول مقابلة القاهرة! واستفحل الداء وعم البلاء إثر مقابلة الخرطوم! … فقد انقلب الشارعان على رأسيهما وسقطت العقول ورفعت الأحذية والأقدام! … شاذ أو خائن وعميل من حافظ على اتزانه وترك عقله مكانه! ولم يساير الهستيريا! … هستيريا لم تقبل حتى بالذين حاولوا أن تكون لهم منزلة بين المنزلتين! … الذين لم يحافظوا على اتزانهم التام ولم ينقلبوا على رؤوسهم مرة واحدة! … منطق “بوشي” جديد: “إنها الحرب ولا مجال فيها للحياد! ومن ليس معنا فهو ضدنا”!   التاريخ السيء يعيده الحمقى ما يجري من حرب إعلامية بسبب تصفيات كرة القدم بين مصر والجزائر أحضر التاريخ أمامنا وأعاد إلى ذاكرتنا سباق “داحس” حصان قيس ابن زهير و”الغبراء” فرس حذيفة ابن بدر ، وقد تدخل “جمهور” الغبراء لمساعدتها في الفوز على “داحس” فكانت الحرب التي دامت حوالي أربعين سنة بين عبس وذبيان  حتى كادت الحرب أن تفنيهما وهما أبناء عم! ولم تكن تلك الحرب هي الوحيدة التي قامت بين أبناء العم من أجل سبب تافه وكادت تفنيهم فحرب “البسوس” التي نشبت بين بكر وتغلب من أجل قتل ناقة دامت أربعين سنة! وكادت تفني الحيّين تلك بعض حروب الجاهلية ولم تخل الحقبة الإسلامية من حروب لأسباب تافهة بين الإخوة وأبناء العم! ولكن لسائل أن يسأل ما علاقة حروب الجاهلية والإسلام بما يحدث اليوم من مناوشات بين الإعلامين المصري والجزائري وبين الجمهورين! … والجواب أن ما نعيشه اليوم لا علاقة له بالرياضة أو المنافسة النزيهة بين إخوة أو أصدقاء! قد طغت لغة الحرب على ما يحدث وأصبح القاموس المتداول: “القتلى؟ … الناس بتموت! … الجرحى! … المصابين!…  المحاصرين!… المهاجمين!… الضحايا! … المعركة! …  الموقعة! … الحرب! … السكاكين! … السيوف! …. المطاوي! … الطائرات الحربية! … الرايات! …. الأعلام!   هي حرب إذا! … وليست حربا تحكمها قوانين وأخلاق وإنما حرب جاهلية بامتياز! … ولستُ هنا بصدد حشد الأدلة على صحة زعمي فما أكثرها، ولكنني أكتفي بمشهد لإعلامي  مصري من برنامج “القاهرة اليوم” هو السيد أحمد موسى وهو ينادي بقتل الجزائريين في القاهرة وإماتتهم ثأرا “لقتلى” المصريين في الخرطوم من قبل الجمهور الجزائري ساعات بعد انتهاء مقابلة الخرطوم، (انظر الرابط) هذا الذي ينادي بالثأر الجاهلي ورفيقه “عمرو اديب” وبقية الذين على شكليهما قد صدعوا آذاننا  بأن المصريين علّموا اللغة والدين لبقية الشعوب العربية؟ ولا أدري هل من الدين أن يَقتل مصريّ جزائريا في القاهرة  لأن جزائريّا “قتل” مصريا في الخرطوم؟ ـ على افتراض وقوعه ـ هل هذا  دين “لا تزر وازرة وزر أخرى” أم هذا هو دين المهلهل التغلبي وجساس البكري؟! أما مشهد السيد عمرو اديب وهو يدعو لهزيمة الفريق الجزائري ليلة مقابلة القاهرة :”يارب نفسي الجزائريين يتنكّدوا! … نفسي الجزائريين يتهدّوا! … نفسي الجزائريين يخسروا …” فيذكّر  باستفتاح  أبي جهل يوم بدر حين قال:  “اللّهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، اللهم أيّنا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم” فأنزل الله عز وجل قوله في سورة ابراهيم “واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد”! اشتعلت “الحرب” والحمد لله الذي باعد بين البلدين ولم يجعل لهما حدودا مشتركة!   معركة مجهولة القادة هذه الحرب التي حمي وطيسها خاصة من جانب وسائل الاعلام المصرية، قنوات فضائية على مدار الساعة، الراديو، الجرائد والمجلات لا حديث إلا عن الكرة وتبعاتها! … رفعت الأحذية وأسقطت العقول، نطق الجهال والإنتهازيون والمزايدون وتضاءلت أصوات العقلاء والحكماء! … يقول بملء فيه النصر لأحفاد الفراعنة على حساب البربر! … ثم يفاخر بأنه من عرّب البربر وأدخلهم  في الدين، ولا ندري عن أي دين يتحدث وعن أي عروبة؟ … دين الفراعنة وعروبتهم؟ أم عروبة عدنان ودين محمد (عليه الصلاة والسلام) … ألا يكفينا فراعنة زماننا في شرق أمتنا وغربها حتى نستحضر الفر اعنة القدماء؟ … يا له من سخف وغباء! من يحرك “اللعبة” ويقود المعركة الساسة أم الرياضيون أم الجماهير المحبطة! أم أن كل يؤجج من جانبه وليس فيهم رجل رشيد! عظم في عين الصغار مواجهة أعداء الأمة ومناصرة الإخوان الأقربين وفك الحصار وإطعام الجوعى، وصغر في أعينهم صناعة عداوات وهمية وإذكاء نار الفتنة وتعميم التجاوزات وأخذ الأبرياء بجريرة غيرهم من الحمقى والمغفلين! وساد منطق “انصر أخاك ظالما أو مظلوما” بمفهومه الجاهلي! اتسعت الذاكرة “البسوسية” إلى كل الحماقات القديمة بين الشعبين الشقيقين وتصر على استحضار  الإعتداء على طبيب مصري من قبل أحد اللاعبين الجزائريين سنة سنة 1989 رغم حدوث الصلح! وذلك لتأجيج العداوة بين الشعبين! ولكن هذه الذاكرة كان بمقدورها أن تنسى الحروب والعدوان والقصف والتدمير والسير على أجساد الأسرى بالدبابات ودفنهم أحياء في الصحراء! بل وتنسى ما يحدث بين الفينة والأخرى من قتل لمواطنين  مصريين داخل حدود وطنهم بنيران “الصديقة” إسرائيل! وتنسى كذلك اختلاط الدم المصري والجزائري في مواطن عديدة!     التوظيف السياسي كرة القدم التي يسمونها “الساحرة المستديرة”  سحرت عقول الناس وسلبت ألبابهم وقلبتهم على رؤوسهم، فتحول مركز الجاذبية لديهم من مركز الأرض إلى مركز “الجلدة المنفوخة”! الكرة أصبحت أفيونا للشعوب تشغلهم عن مآسيهم وعن مشاكلهم الحقيقية! وقد أحسن الساسة توظيفها لخدمة أغراضهم ومزيد إلهاء الشعوب بها عن استبدادهم وحماقاتهم! أكيد أن كثيرا من الساسة والجنرالات في الجزائر  يوظفون الكرة للتعمية عن الفساد وعن المشاكل الحقيقية للجزائريين! وكذلك عوّل ساسة مصر شديد التعويل على أن يقطع بهم ترشح الفريق المصري “للمونديال” خطوات عملاقة على طريق مرور آمن وسلس لملف توريث جمال مبارك على “عرش” أبيه! … فحرص وشقيقه “علاء” على مواكبة المباريات والمبالغة في التشجيع ودفع الأموال الطائلة من أجل نقل المشجعين للسودان! ولما أراد الله لهم غير ما أرادوا تظاهروا بمظهر القادة الواقفين مع شعبهم ضد العدوان “البربري الهمجي ” من “بلطجية” الجزائر! …. السيد علاء مبارك الذي اتسع صدره للقبول بالعلم الإسرائيلي مرفرفا في سماء القاهرة، يطالب بإنزال العلم الجزائري وطرد السفير! … الصهاينة أصبحوا رفاق سلام وأصدقاء استراتجيين،  وأما الجزائريون فلن يقبل اعتذارهم ولا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض معهم! … استخف كثيرا من أبناء قومه فأطاعوه ….! وأشادوا به وبشقيقه فهنيئا لهم هذا الكسب السياسي الكروي! أموال طائلة تنفق على الكرة من أجل التشجيع ونقل الجماهير في وقت يعاني فيه الشعبان من الفقر والحاجة! … وكان أولى أن تنفق تلك الأموال على المساكين والمحتاجين وأن يوسع عليهم في أيام العيد هذه، فكثير من أرباب الأسر في البلدين يحلم بتوفير كيلو غرام واحد من اللحم لعياله فضلا عن أن يوفر لهم أضحية كاملة! … والأمر في مصر أشد! أموال طائلة تنفق على “اللّعيبة” الذين كل مؤهلاتهم في أحذيتهم وأقدامهم! … ويوعدون بالملايين إن هم جلبوا النصر! … في حين لا يجد كثير من العلماء وأصحاب الشهائد العليا ما يسدون به رمقهم أو ينفقون منه على عيالهم! اذا اشتكى لاعب ركبته فأموال الدولة على ذمته ومستشفيات الداخل والخارج في خدمته! … في حين يموت عملاق من عمالقة الأمة مثل عبد الوهاب المسيري (رحمه الله) وهو عاجز عن توفير ما يكفي من مال لعلاجه!  (ولكل أجل كتاب)! إذا اختل التوازن وساد الجهال رفعت الأقدام وأسقطت العقول! وما يحسب لانجازات الكرة على الساحة المصرية هو عودة السيد علاء مبارك للأضواء بعد غياب طويل ولعلنا نشهد في مقبلات الأيام والسنين تنافسا بينه وبين شقيقه على عرش مصر “أم الدنيا” والفراعنة!     المبالغة لا شك أن الهوس الإعلامي من الجانبين قد بالغ في تعظيم الأحداث وترويج الإشاعات والأراجيف! …. فبين توابيت القتلى الجزائريين في القاهرة وقتل وإصابة المصريين في الخرطوم ضاعت الحقيقة وهيّجت المشاعر! … واشترك الحابل والنابل والجاهل و”العالم” في المعركة دون وعي أو على غير علم ولا هدى! أكيد أن هناك حالات عدوان حصلت من الجانبين في مصر والجزائر والخرطوم ولكنها بحمد الله لم تزهق أرواحا ـ حتى الآن  على الأقل ـ وأن ما حدث يمكن أن يحدث مثله بسبب أحداث شغب داخل بلد واحد أو بين أنصار فريقين من مصر أو فريقين من الجزائر! … بل ويحدث مثله وأكثر منه في ملاعب أوروبا من طرف جموع “الهولقنس” المتخلفة، ولكن الأمر يعالج في إطاره دون أن تتحول المسألة إلى حرب دولية! أما من يسمع الإعلام وخاصة الإعلام المصري يقول أن ما حصل في الخرطوم هي “غزوة” جزائرية ضد المصريين أطاحت بالرؤوس والأعناق! فقد قدم الجمهور الجزائري على متن طائرات عسكرية مسلحا بالسكاكين والسيوف والمطاوي، ورغم أن الهجوم على  أشده ولكن لم تُصب ولو ضربة واحدة مقتلا (والحمد لله)!   وفي اعتقادي أن سبب التهويل الأساسي مرده إلى ما ذكرنا من توظيف سياسي وركوب للموجة والتيار! وكذلك للـ “أنا” المنفوخة جدا لدى كثيرا من النخب المصرية! والفزع من “الحقرة” (1) ومقاومتها الذي أصبح يمثل شكلا من أشكال التعصب لدى فئات عريضة من الجزائريين.   التعميم “التعميم صخرة يرتاح عليها المتعبون” قالها أنطونيو قرامشي قبل عقود طويلة وبانت واضحة جلية في الصخب الإعلامي المنحط الذي وضع كل الشعب الجزائري والمصري في كفة واحدة! … بل وسّع بعض الحمقى دائرة حربهم لتشمل الشمال الإفريقي والعرب والمسلمين! أفيقوا يا قوم إنها لعبة “لركل الهواء” * كما يصفها الشاعر التونسي بحري العرفاوي، وأن الركلات ليست صواريخ ولا قذائف! … بل قد اتسعت ساحاتنا ومياديننا وبيوتنا وصدور نسائنا وأطفالنا لصواريخ أعدائنا ولم تتسع “لركلات” إخواننا! … أسود وأعزاء بالباطل على بعضنا ونعام وخراف أمام أعدائنا!     اسقاط العقول والحماقات المتبادلة سقطت العقول ورفعت الأحذية حين بدأ الإعلام يدقّ طبول الحرب الكروية ناقلا للأجيال الماضي بآثاره وأحقاده الكروية! سقطت العقول ورفعت الأحذية حين أصبحت الكرة أولى أولوياتنا فيها نحب وعليها  نكره! … فيها نسالم وعليها نحارب! … وعليها توزع صكوك الوطنية وتهم الخيانة! سقطت العقول ورفعت الأحذية حين اعتدي على حافلة الفريق الجزائري في اعتداء قيل أنه دبر بليل لتحقيق غايات خسيسة! سقطت العقول ورفعت الأحذية حين كُذب الإعتداء جملة وتفصيلا وعرض الأمر بأسلوب كاريكاتوري ساخر من قبل الساسة والإعلاميين المصريين! سقطت العقول ورفعت الأحذية حين اعتدي على الجمهور الجزائري بعد مقابلة القاهرة! … وتجاهل الإعلام كل ذلك وركز على إشارة غير لائقة لفتاة من الجمهور الجزائري وجد إعلام “الهزائم” فيها ضالته وبقي يلوكها ويجترها! في حين تجاهل إشارة واعية من شاب مصري في شوارع الخرطوم ليلة المقابلة وهو يتوعد الجزائريين بالذبح من الوريد إلى الوريد(2)!   سقطت العقول ورفعت الأحذية حين تحدثت جريدة الشروق الجزائرية عن قتلى جزائريين في القاهرة ستصل توابيتهم تباعا لمطار الهواري بومدين في الجزائر دون تثبت من مصداقية الخبر ودون اعتذار أو تكذيب بعد تكذيب السفير الجزائري للخبر!   سقطت العقول ورفعت الأحذية لما خرجت الجماهير غاضبة في الجزائر تُدمّر كل ما له علاقة بمصر دون أن تجد من يرشدها أو يصدها! سقطت العقول ورفعت الأحذية حين دُفعت الأموال الطائلة وسخرت إمكانيات البلدين لنقل الألوف من الجماهير في أسطول جوي مجاني لم يعرف له مثيل! والناس يتضورون جوعا وبردا ومرضا وجهلا في البلدين! سقطت العقول ورفعت الأحذية حين اعتدي على حافلات الجماهير المصرية في الخرطوم من قبل الجماهير الجزائرية ثأرا لما حصل في القاهرة وردا على  “الحقرة”!   سقطت العقول ورفعت الأحذية ثم غابت الحكمة والرشد وسقطت الأقنعة وأُعلي “هبل” في أيام حُرم لم يكن الجاهليون يتقاتلون فيها، ولكن جاهلية القرن الواحد والعشرين لم تستنكف من ذلك! فهول الأمر وأجج الإعلام  المأجور النار ووجد الساسة المنبوذون فرصة لتثبيت أقدامهم من جديد!   وما أكثر المواطن التي أسقطت فيها العقول ورفعت فيها الأحذية، وليس المجال مجال استقصائها ولكن نكتفي بما أشرنا! آملين أن يأتي على أمتنا يوم تنزل فيه الأحذية منازلها وترفع فيه العقول إلى مواضعها!   توضيح ختامي قد يجد القارئ الكريم فيما خططت ميلا على الجانب المصري أكثر من الجانب الجزائري، ولكن مرد ذلك إلى أنني كنت بالقاهرة في تلك الأيام حيث وصلتها بعد نهاية مقابلة القاهرة بساعات قليلة وغادرتها بعد ثلاث أيام من مقابلة الخرطوم وعايشت الحملة الإعلامية التعبوية حتى أصابتني بالصداع! واستغربت كيف استطاع الإعلام أن يستخف بعقول الناس ويحشدهم كل ذلك الحشد! وقد تابعت الإعلام الجزائري ـ قدر استطاعتي ـ ولم أجد غير بعض جرائد ولغت في الفتنة  ولكن ليس بالحجم والقدر الذي فعلته وسائل الإعلام المصرية! حيث شاركت جلها، رسمية و”خاصة” وزايدت على بعضها في الوطنية “الكروية”! … وأصبح الذين قزّموا مصر وروضوها وقلموا أظافرها ونزعوا أنيابها! يذكروننا “بمصر الكبرى” و”مصر العظيمة” ومصر التي لا يقبل من أحد أن يستخف بها وبعظمتها أو يستهين بدورها! … وليته كان كلام حق لا يراد به باطل!   في مصر شعب طيب جله شغلته لقمة العيش فلم يُسمع له ركزا، وبعضه استُخِفَّ وأوتي من ثغرة حبّه لمصر وشوقه للانتصارات وإن كانت وهمية! كما أن في مصر من النخبة رجال ونساء عقلاء وإعلاميون وأساتذة كبار تكلموا ونبهوا للكارثة ولكن أصواتهم كانت خافتة وسط الهدير الصاخب المستخف بالعقول الناطق بالسخف والإبتذال وما أتيح له من وسائل لم تتح لغيرهم من العقلاء. وفي الجزائر أيضا شعب طيب ونخب عاقلة ولكن العقل يغيب إذا تعلق الأمر بـ “الحقرة” … وقد لا تكون!   أنا مصري ويشرفني أن أكون حتى آخذ على يد كل مصري تأخذه العزة بالباطل، وأقف في وجه كل متعصب يهاجم مصر وشعب مصر ويخلط بين بين مصر وحكام مصر وبعض إعلامييها الفاسدين! وأنا جزائري ويشرفني أن أكون حتى آخذ على يد كل جزائري تأخذه العزة بالباطل، وأقف في وجه كل متعصب يهاجم الجزائر  وشعبها وشهداءها الأبرار!   “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم “! دعوها فإنها منتنة!     ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مصطلح جزائري يفيد الإحتقار (2) يمكن الرجوع إلي تقرير الطاهر المرضي مراسل الجزيرة من الخرطوم ليلة المقابلة   (بعض الروابط لما ذكرت) http://www.youtube.com/watch?v=H2liF63R5D8&feature=related    http://www.youtube.com/watch?v=UsgUFHVLwjs   http://www.algeriatimes.net/news/algernews.cfm?ID=2868   * قصيد لبحري العرفاوي هذا نصه:   هــــــدفٌ…. هـــدفْ   الإهداء: إلى الشعبين العظيمين في مصر والجزائر   “وتعظمُ في عين الصغير الصغائرُ         وتصغرُ في عين العظيم العظائمُ ” ـ أبو الطيب المتنبي ـ   كلما اهتزتْ شِباكٌ ب “هدفْ” صفق الجمهورُ غنى… وهتفْ: إنهُ فوزٌ مُبينٌ وانتصارٌ للشرفْ إنهُ مجْدٌ يُشادُ فوق عُشبٍ بحذاءٍ…. وكتفْ ÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷ كلما ركض بجلدٍ راكضٌ خفق الفؤادُ … وارْتجفْ وتسمرتْ في الأرض حينا أعْيُنٌ وتشوّفتْ في الجوّ حينا تكتشفْ وتعالتِ الصّيْحاتُ في جبهاتها وتجنّد الإعلامُ… وازدانتْ صُحُفْ حرْبٌ إذنْ سنخوضها…. بشهامةٍ وسنمسحُ عار العُروبةِ في جنينَ…. وفي النجَفْ حرْبٌ إذنْ هذي “الجُيُوشُ” نُعِدّها مُذ ْ كمٍ سنينَ ل”تنهزمْ”؟ ونُعيدُها من غير “خُفْ”؟ سنُعِدّها لمعارك أخرى إذنْ وسنعترفْ: لا شئ يُشغلنا… ولا أطفالنا عن لعْبة “ركل الهواءْ” وعن التسلي بالتحفْ حربٌ إذنْ ها الوهْمُ يطفحُ عاليًا والأرضُ تحتنا ترتجفْ   طـه البعزاوي 3 ديسمبر 2009    (نشر بمجلة “كلمة” الإلكترونية)


مؤتمر عربي في تونس لقادة الشرطة والأمن الاربعاء


وكالة الأنباء السعودية – واس تحتضن تونس يوم الأربعاء المقبل مؤتمرا عربيا لقادة الشرطة والأمن وسيناقش المؤتمر العديد من الموضوعات المتعلقة باستراتيجية عربية لمواجهة الجرائم الالكترونية. تونس: ينعقد المؤتمر الثالث والثلاثون لقادة الشرطة والامن فى الدول العربية بعد غد الاربعاء بمقر الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب فى العاصمة التونسية . ويرأس مدير الامن العام الفريق سعيد بن عبد الله القحطانى وفد المملكة العربية السعودية المشارك فى المؤتمر الذى يستمر يومين . وافاد بيان اصدرته الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب اليوم بأن المؤتمر سيدرس جملة من الموضوعات تتعلق بمشروع استراتيجية عربية لمواجهة الجرائم الالكترونية وحقوق الانسان ومستلزمات العمل الامنى الميدانى والعنف الاسرى بين الواقع والاعلام الى جانب توصيات مؤتمرات رؤساء القطاعات الامنية واللجان التى انعقدت فى نطاق الامانة العامة خلال العام الحالى .. كما سيتم عرض نماذج من النجاحات والتجارب المتميزة التى حققتها الشرطة العربية . ومن المنتظر ان تصدر عن المؤتمر مجموعة من التوصيات حول الموضوعات المطروحة سيتم احالتها الى الامانة العامة تمهيدا لرفعها الى الدورة المقبلة لمجلس وزراء الداخلية العرب المقرر عقدها فى مارس القادم للنظر فى اعتمادها .  
(المصدر: موقع “إيلاف” (بريطانيا) بتاريخ 7 ديسمبر 2009)
 


اتصالات تونس تحتفل بحنبعل


نظم ر م ع اتصالات تونس مؤخرا حفل استقبال بمناسبة انطلاق مشروع الكابل البحري حنبعل حيز العمل.. ويعتبر هذا الكابل المتكوّن اول كابل بحري تونسي مائة بالمائة وقد أنجز باستثمارات في حدود 16 مليون دينار تكفلت بها اتصالات تونس بمفردها ويعتبر من ضمن أكبر الانجازات في مجال الاتصالات بحوض البحر الابيض المتوسط اذ يبلغ طوله 180 كلم من الالياف البصرية وتقدر طاقته الاولية بـ 40 جيغابيت في الثانية قابلة لبلوغ 3200 جيغابيت ويربط بين مدينتي قليبية ومازارا الايطالية. ويعد هذا الانجاز بالنسبة الى تونس خيارا حتميا من اجل اكتساب قدرات ارسال متطورة تستجيب لمقتضيات الحاضر والمستقبل ويلبي هذا الكابل حاجيات تونس في مجال الاتصالات كما يواكب التطور السريع لشبكة الخطوط ذات السعة العالية لا سيما وأن عدد المنخرطين قد بلغ في موفي سبتمبر 2009 حوالي 313 الف منخرط. ويمكن هذا الكابل تونس من ضمان سلامة الارتباط بشبكة الانترنات الدولية والارتقاء بتنافسية خدماتها في مجال الانترنات وتسهيل عملية الابحار في المواقع الدولية فضلا عن الاستجابة الى حاجيات المؤسسات التونسية الراغبة في تطوير انشطتها التصديرية. وقد حضر الحفل كل من تعاون مع اتصالات تونس في الانجاز وهناك من حضر من الصين خصيصا لهذا الحدث هذا وقد أعلن ر م ع الشركة ان هذا الكابل سيرفع من سرعة الاتصال الصوتي وتبادل المعلومات الى حدود 3200 جيغابيت في الثانية. (المصدر: صحيفة “الصباح الأسبوعي” (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 7 ديسمبر 2009)  

على مبدإ الحطّ من العقوبة إلى النصف  سلم عقوبات جديد لمن سنهم بين 18 و21


تونس ـ الأسبوعي: ستشرع وزارة العدل وحقوق الإنسان قريبا في وضع التصورات التشريعية والعملية لتنفيذ ما جاء في البرنامج الانتخابي لرئيس الدولة من قرارات تهمّ تطوير حقوق الإنسان من بينها إحداث نظام جزائي خاص بالشبان الصغار Jeunes majeurs المتراوحة أعمارهم بين 18 و21 سنة إحداث نظام جزائي خاص.  ذلك ما أعلن عنه وزير العدل وحقوق الإنسان خلال مناقشة ميزانية الوزارة بمجلس النواب، وعلمنا من جهة أخرى أن إحداث نظام جزائي خاص بهذه الفئة العمرية سيمرّ عبر إدراج أحكام خاصة بهذه الفئة وتجنيبهم صرامة القانون الجزائي وهو ما يعني إيجاد نظام عقابي خاص يتضمّن تخفيضا في العقوبة المسلّطة على الكهول الذين تفوق أعمارهم 21 سنة. سلم عقوبات ومعلوم أن النظام الجزائي التونسي يتوفّر على سلّم عقوبات مصنّف حسب الفئة العمرية للماثلين أمام العدالة حيث يبدأ نظام المؤاخذة الجزائية حاليا بالفئة الأولى من مرتكبي الجرائم، مهما كان نوعها، وهي الفئة التي يقلّ أعمارهم عن 13 سنة، إذ لا يؤاخذ هؤلاء على أفعالهم ولا يعاقبون من أجل ما يرتكبونه من أفعال إجرامية نظرا لصغر سنّهم وعدم إدراكهم لما يفعلون ويكتفي القضاء غالبا بإجراء محاولات صلحية لإسقاط الدعوى أو إيداعهم بمراكز إصلاح الأطفال الجانحين بهدف إصلاحهم. أما الفئة الثانية التي تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة فإنّ المشرّع التونسي أوجب أحكاما جزائية خاصة تتمثّل في مؤاخذتهم عمّا يرتكبونه من أفعال إجرامية وتسلط عليهم تدابير خاصّة بالأطفال وهي مضمّنة غالبا في مجلة حماية الطفل الصّادرة سنة 1995 بمقتضى قانون وتجري محاكمتهم في فضاءات قضائية شبه مغلقة حتى لا تتداخل هذه القضايا مع قضايا الكهول وخصوصا القضايا الخطيرة منها. وبصورة أدقّ فإنّ المشرّع التونسي ونسجا على منوال الأنظمة الجزائية الأوروربية بالخصوص أقر حماية خاصّة لفائدة الأطفال الجانحين خلال سائر مراحل التقاضي الجزائي، ويعتبر طفلا على معنى مجلة حماية الطفل كل من لم يبلغ ثمانية عشر عاما كاملة. المؤاخذة الجزائية وتبدأ المؤاخذة على الأفعال الإجرامية بأنواعها بمجرّد بلوغ الشخص الماثل أمام العدالة سنّ 18 عاما وتسلّط عليه العقوبات نفسها التي تسلّط على الشخص الكهل وهو مرور سريع يقدّر بسويعات من سنّ الطفولة إلى سنّ الكهولة. واستنادا إلى بعض الدراسات القانونية المقارنة فإنّ المرور من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد القانوني يمثل قطيعة بين نظامين جزائيين مختلفين يعتمد الأول منهما الحماية كمبدأ قانوني في حين يغلب على الثاني الجانب الزجري الذي يطبّق فيه سلّم العقوبات المنصوص عليه في مجلة الإجراءات الجزائية. ويؤدي هذا التغيير في نظام المسؤولية الجزائية للشبان الجناة الذين تجاوزوا بقليل سن الرشد الجزائي، إلى خضوعهم لسلّم العقوبات الخاص بالكهول والحال انّه غالبا ما يكون الشاب من 18 إلى 25 سنة بصدد مواصلة تعليمهم كما أنّ ظروفه النفسية والاجتماعية والاقتصادية تجعله عرضة للاستغلال من قبل محترفي الإجرام وخصوصا موزعي ومتعاطي المخدرات ومرتكبي السرقات المنحرفين وعرضة للانزلاق في عالم الانحراف. تجارب أوروبية وقد بيّنت بعض الدراسات العلمية والنفسية والطبية بالخصوص أنّ الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25  سنة لا يمكن اعتبارهم كهولا بسبب عدم نضجهم الفيزيولوجي والسيكولوجي. وأقّرت الكثير من التشريعات الجزائية في عديد البلدان أنظمة قانونية خاصّة بالشباب الجانح فبعض البلدان الأوروبية أقرّت ضمن تشريعاتها إمكانية سحب نفس العقوبات المقرّرة للأطفال وذهبت بلدان أوروبية أخرى إلى إقرار عدم تسليط عقوبة السجن على مرتكبي الأفعال الإجرامية من الفئة العمرية (18ـ21) وتطبيق ظروف تخفيف خاصّة. وقال بعض رجال القانون تعليقا على هذه المقترحات أنه بالإمكان استنباط نظام عقابي وسجني خاص للفئة العمرية الجانحة (18 ـ 21 سنة) يتّجه الرأي فيه نحو التخفيض في بعض العقوبات القصوى مثل إبدال عقوبة السجن المؤبد بالسجن مدة 15 سنة إبدال عقوبة السجن لمدة معيّنة بالسجن لنصفها. بالرغم من أنّ إقرار مثل هذا المقترح سيؤدي إلى وجود ثلاثة أنظمة جزائية مختلفة: نظام أول لفائدة الأطفال ونظام ثان لفائدة الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و21 سنة ونظام ثالث لفائدة الأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم 21 سنة، فإنّ وجود هذه الأنظمة من شأنه أن يجعل المنظومة العقابية أكثر ثراء ومرونة وتلاؤما مع مختلف الوضعيات الإنسانية. وقال بعض رجال القانون أن إقرار نظام جزائي ثالث خاص بالشبان المتراوحة أعمارهم بين 18 و 21 سنة لا يتناقض مع الإجراءات التي تعتزم وزارة العدل وحقوق الإنسان اتخاذها لتخفيض سن الرشد إلى 18 سنة لأنّه أدرج نظاما عقابيا خاصّا بالفئة العمرية المتراوحة أعمارهم بين 18 و21 سنة ولم يغير في سن المسؤولية الجزائية أو من سن الرشد المدني.  
(المصدر: صحيفة “الصباح الأسبوعي” (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 7 ديسمبر   2009)  


صندوق التضامن الوطني في تونس: نموذج تنموي يكرس قيم التضامن والتكافل


تونس24-لبنى الحرباوي- تحتفل تونس يوم 8 ديسمبر/كانون الأول من كل عام باليوم الوطني للتضامن. وقد أصبح التضامن في تونس مطلبا ضروريا، ورهانا جماعيا مرتبطا بالتوجهات الاجتماعية التي تكرس قيم التضامن والتكافل بين الأفراد، وتهدف إلى مقاومة الفقر والقضاء على مناطق الظل، وتحقيق مزيد من التقدّم. وأمكن بفضل برامج الصندوق الوطني للتضامن 26-26، من إعادة التوازن في هياكل المجتمع وإحداث تغييرات جذرية في حياة العائلات المعوزة وفاقدة السند. و تعزز صندوق التضامن الوطني التونسي خلال السنوات الاخيرة بمجموعة من البرامج تهدف كلها الى مساعدة الفئات الضعيفة وتتمثل في البرنامج الوطني لمساعدة العائلات المعوزة الذي ينتفع منه أكثر من 114 ألف أسرة وبرامج رعاية المسنين والأشخاص الحاملين لاعاقة أو المساعدات المقدمة لتلاميذ الأسر الضعيفة الدخل بمناسبة العودة المدرسية. كما تم تدعيم الصندوق باليات جديدة كالبنك التونسي للتضامن والصندوق الوطني للتشغيل ونظام القروض الصغيرة المسندة من قبل الجمعيات لمعاضدة السياسة الاجتماعية لتونس التي تتطلع الى القضاء نهائيا على بؤر الفقر وعلى مناطق الظل المتبقية بعد أن ساهم صندوق التضامن الوطني في انتشال 1762 منطقة ظل و240 ألف عائلة سنة 2000 مما كانت تعانيه من عزلة وتهميش وفقر مدقع. وساهم هذا الصندوق الذي تم تاسس ببادرة من الرئيس التونسى زين العابدين بن علي يوم الثامن من ديسمبر 1992 في تغيير وجه تونس وفي دعم المشاريع المحدثة لموارد الرزق ودفع حرية المبادرة والحفاظ على جهاز الانتاج في مناطق التدخل بما مكن سكان هذه المناطق من مقومات الكرامة وعزز المساواة بين المواطنين. وتهدف هذه الالية وما حققته من نتائج في اطار التكامل بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي للتنمية الى النهوض بالانسان وبناء المجتمع المتوازن والمتضامن. وقد اصبح صندوق التضامن الوطني 26-26 عنصرا اساسيا في المنظومة الوطنية التونسية للتضامن بوصفه احد دعائم المقاربة التنموية لتونس، وقد وفر منذ انطلاق تدخلاته وحتى سنة 2004 حوالي 784 مليون دينار تونسي (حوالي 604 مليون دولار امريكي) من الاستثمارات في العديد من المشاريع الخاصة والعامة لاسيما في المناطق الاقل نموا التي يطلق عليها في تونس مناطق الظل. وشملت تدخلات الصندوق خلال الفترة 1993-2006، 1800 منطقة باعتمادات بلغت 818,53 مليون دينار منها 697,8 م.د. موّلها الصندوق و 98.6 تحملتها الوزارات والهياكل الأخرى المتدخلة. وارتفع عدد العائلات المستفيدة بتدخلات الصندوق خلال هذه الفترة 243.642 عائلة أي حوالي 1242000 شخص. وحقق صندوق التضامن الوطني التونسي (26-26) العديد من الانجازات التنموية الهامة مكنت أكثر من 1.2 مليون شخص من الخروج من الفقر والخصاصةا، ومن تعبيد 4397 كيلومترا من الطرقات لفك العزلة عن مناطق الظل بالاضافة الى انجاز 61 ألف مشروع محدث للثروات. كما مكنت البرامج المنجزة من تحسين مجالات التغطية الاجتماعية التي تطوّرت كذلك بفضل سن التشريعات القانونية الملائمة وإقرار الحوافز والتشجيعات المناسبة من أجل ضمان التلاؤم بين متطلبات التضامن بين الأفراد من جهة، والتكيف مع خصوصيات المرحلة الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم والتي تتميّز بتعقدها وعمقها. ويبدو واضحا، انطلاقا من الأرقام والمؤشرات المسجلة، مدى نجاح التوجه الاجتماعي في تحقيق أهدافه وقدرته على تطوير مستويات الترابط بين الأفراد. ولقد صنّفت تونس في هذا السياق ضمن كوكبة الدول المتميزة في مجال التنمية البشرية فهي تحتل المراتب الأولى مقارنة بغيرها من الدّول الإفريقية والعربية، كما أن تونس تعدّ أوّل بلد يسجل أحسن تطورّ في مؤشرات التنمية البشرية. ويضمن القانون الشفافية في مستوى مقابيض الصندوق ومصاريفه. وبالإضافة إلى المراقبة المسبقة التي يقوم بها مراقب المصاريف العمومية في الولاية والمراقبة المواكبة التي يقوم بها قابض المالية محتسب المجلس الجهوي ومصالح المراقبة للمصالح العمومية وهيئتي الرقابة للمالية ولأملاك الدولة والمراقبة اللاحقة التي تجريها دائرة المحاسبات، يتم في آخر كل سنة نشر كشف مفصل عن مبالغ ومصادر الهبات التي قدمت لهذا الصندوق ما لم يطلب أصحابها خلاف ذلك. كما يتم نشر كشف مفصل بالنسبة لمصاريف الصندوق. واكد العديد من المسؤولين التونسيين على ان التضامن في تونس أصبح فلسفة اجتماعية تهدف الى تحقيق أرقى أشكال التوازن الاجتماعي والتنمية كما انه مؤسسة اجتماعية تنموية وعامل من العوامل الأساسية للازدهار والتقدم بالبلاد. لقد تأكدت الرغبة الجماعية في التضامن و تزايدت الحاجة إلى مزيد تفعيل خدمات المؤسسات التضامنية نتيجة القناعة الراسخة بأن التضامن الوطني في تونس إنما هو مدخل رئيسي يساعد على معالجة قضايا التنمية و يمهد مسالك جديدة للقضاء على الفقر و تحسين الظروف المادية و الاجتماعية للمحتاجين. كما من الطبيعي أن يتحول بفضل حسن كفاءة القيادة السياسية و النظرة العميقة للرئيس زين العابدين بن علي الى نموذج عالمي يطبق و قاعدة متبعة في عديد الدول. يذكر ان العديد من الدول الافريقية قد بدات تؤسس مثل هذه الصناديق للتضامن الوطني اسوة بالتجربة التونسية الرائدة والناجحة في هذا المجال علما ان الامم المتحدة كانت قد تبنت على اقتراح تقدم به الرئيس التونسي بن علي في وقت سابق لانشاء صندوق للتضامن العالمي لتقديم الدعم للدول والمناطق الاشد فقرا في العالم.  
 (المصدر: موقع صحيفة “العرب أولاين” (يومية – لندن) بتاريخ 7 ديسمبر 2009)  

تصويت العار في سويسرا يغذي الإسلاموفوبيا


توفيق المديني   سوف لن يكون بمقدور المسلمين بناء المآذن في سويسرا، بعد التصويت للناخبين السويسريين الذين أيدوا بنحو57.5 في المئة منع بناء مآذن جديدة.وجاءت هذه المبادرة من قبل اليمين المتطرف والعنصري الذي ينادي بتسجيل مادة في الدستور تمنع بناءهذه المآذن. وأحدث هذا التصويت العار،مفاجأة كبيرة بالنسبة للحكومة السويسرية والأوساط السياسية والاقتصادية التي نادت بالتصويت ضد«هذا الموضوع»نظراً لما يثيره من حساسية عند المسلمين، وما يسببه من تلطيخ صورة سويسرا في الخارج، فضلاً عن أنه يضع السلام بين الأديان في خطر. وجاءت المبادرة هذه من قبل الاتحاد الديمقراطي الفيدرالي:وهي منظمة إنجيلية صغيرة، ومن قبل قسم من الاتحاد الديمقراطي الكانتوني، أي اليمين القومي الشعبوي، وسرعان ما انتقلت من الإطار الضيق الذي يتعلق بمنع بناء المآذن — حيث يوجد أربع مآذن في سويسرا فقط — إلى إطار أوسع يتعلق بفتح نقاش حول التطرف الإسلامي، حسب تسمية اليمين المتطرف السويسري. إذ إنه لأول مرة منذ عام 1893، تتم الموافقة في سويسراعلى مبادرة يتقدم بها اليمين العنصري المتطرف. فهناك 400000مسلم في سويسرا، منهم 50000 يؤدون الصلوات بانتظام، ويتمتعون بوجود 150 مركزا ثقافيا وجامعا. ويتأتي معظم المسلمين في سويسرا في أغلبيتهم من بلاد البلقان وتركيا، وهم مندمجون في المجتمع السويسري. في تعليق لها على هذا التصويت، قالت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي، أمام اجتماع المجلس الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا:إن « كل إساءة إلى تعايش مختلف الثقافات والأديان يعرض أمننا للخطر، لأن الاستفزاز قد يستدعي التطرف..ونحن قلقون بسبب هذا التصويت».وأسفت للتضييق على « حرية ممارسة الديانة الإسلامية في مستوى تعبيراتها العلنية». أما المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي، فقد رأت في التصويت بأنه ينطوي «على تمييز واضح» وكـأن نتيجة حملة انتخابية قامت على «تأجيج الخوف». وقالت في بيان إن منع بناء المآذن«قرار تمييزي ويقسم بعمق(المجتمع)وينذر بوضع سويسرا في تناقض مع التزاماتها الدولية. التصويت الأخير في سويسرا يندرج في إطار تصاعد موجة العنصرية التي تضرب معظم البلدان الأوروبية،ولا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها الاجتماعية، كما أنه يأتي في ظل احتدام النقاشات المثيرة للجدل حول الإسلام وعلاقته بظاهرة العنف، والتطرف، وحرية التعبير، والتمييز على أساس الجندر،والزواج القسري إلخ. السويسريون صوتوا على مسائل لا تزال تثير قلقاً وخوفاً بدرجات متفاوتة في مجموع البلدان الأوروبية:هل الإسلام متوافق مع المجتمعات الأوروبية؟هل سيصبح الإسلام الذي تعتبره الأوساط اليمينية المتطرفة ديناً توسعياً، عنصراً من الهويات القومية التي نحتت القارة الأوروبية، ولا سيما في ظل أزمة هوية حقيقية وعميقة تعيشها البلدان الأوروبية؟ وإضافة إلى كل ذلك،هناك كراهية الإسلام من جانب اليمين المتطرف الأوروبي،الذي يعتبر وجودالمسلمين فوق الأراضي المسيحية، تهديداً حقيقياً، ويندرج في إطارأسلمة أوروبا، في ظل تكاثر أعداد المسلمين، وترهل وشيخوخة السكان الأوروبيين. فالأوروبيون لم يعتادوا من قبل على رؤية هذه الوجوه الجديدة القادمة من عالم الجنوب، والتي تحمل رموزاً جديدة لم يألفوها.ففي فرنسا أثيرت قضية الحجاب منذ سنوات عديدة، واليوم أصبح البرقع القضية الأولى التي يستهدف من خلالها المسلمين الفرنسيين. وفي ألمانيا تثير قضية المساجد، أما في بريطانيا، فقد ارتبط في ذهن البريطانيين ظاهرة الإرهاب بالإسلاميين. وتواجه الطائفة المسلمة في الدانمارك قضية الرسوم الكاريكاتورية. من هنا تنامت ظاهرة الإسلاموفوبيا (الرهاب من الإسلام ) التي نمت في العالم الغربي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.فماهي الإسلاموفوبيا؟ في المعجم الصادر عن « مركز المساواة في الحظوظ » الموجود مقره في بروكسل نقرأ في تعريف الخوف المرضي من الإسلام أوالإسلاموفوبيا ما يلي:« الإسلاموفوبيا تعني كراهية ورفض نوع من الإسلام يتم تقليصه في ماهية شرية ( نسبة إلى الشر، أي بتشديد الراء مع كسرها وتشديد الياء مع فتحها) والحال أن الاسلام حدث جماعي، سواء نظرنا إليه في مستوياته الاجتماعية والجغرافية والتاريخية أواعتبرها في المستوى الثقافي المحض. تتغذى هذه الكراهية بأفكار قبلية وتصورات سلبية تقوم، في أغلب الأعم من الأحيان، بعملية خلط بين كل من العربي، والإسلامي، والإرهابي، والمتطرف والإسلام كما أنها تخلط بين الدين والثقافة». الإسلام هوحديث الساعة في البلدان الغربية، ولاسيما تلك التي تعيش فيها جاليات إسلامية كبيرة. ليس من قبيل المصادفة أن يستشهد الكاتب الفرنسي الشهير ألان غريش في مقالة له بصحيفة وموند ديبلوماتيك الشهرية،بقول المسؤول السياسي الهولندي فريتز بولكشتاين الذي أصبح في بضعة أسابيع الشخصية الأكثر إثارة للجدل في فرنسا، وهومفوّض أوروبي معنيّ بشؤون السوق الداخلية، الذي حذر من مشروع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، و«ضغوط الهجرة» بقوله إنه «إذا تحقّق ذلك، فسيكون تحرير فيينا عام 1683 قد ذهب سدى». لقد أوقفناهم في بواتييه… أوقفناهم على مشارف فيينا… وسوف نوقفهم أيضاً…»، ولتعزيز كلامه بالبراهين، استشهد بالمؤرّخ برنارد لويس: «ستصبح أوروبا مسلمة قبل نهاية القرن». لم يكن لا أوّل ولا آخر مسؤول سياسي يستعين بالهالة العلمية لبرنارد لويس بهدف رفع راية المقاومة ضدّ الغزوات «البربرية» الجديدة. الأحزاب اليمينية المتطرفة في معظم البلدان الأوروبية تستلهم الآن من التصويت السويسري لكي تطالب بإجراء استفتاءات شعبية حول الطقوس والرموز الدينية المتعلقة بالإسلام في كل أوروبا. فقد ارتبط في وعي هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة صورة نمطية عن الإسلام مأخوذة من الوعي الثقافي الغربي زمن الحروب الصليبية. فالإسلام من وجهة نظر هذه الأحزاب التي تعتنق إيديولوجية الإسلاموفوبيا، هو دين التطرف والغلوالشديد، والكراهية والحقد الأعمى ضد أهل الدياناتين المسيحية واليهودية. التصويت السويسري الأخير هوبمنزلة بناء جدار جديد في أوروبا على غرار جداربرلين القديم الذي انهار في عام 1989. وهاهي أوروبا المعروفة براديكالية ثورتها الديمقراطية البرجوازية التي كرست القيم الديمقراطية، من حرية العبادة بوصفها إحدى مرتكزات الحريات الشخصية والعلمانية في آن معاً، والذي يمثل فيها الإسلام الديانة الثانية بعدالمسيحية،تجد نفسها أمام بناء جدار جديد، يكرس رفض الآخر وإقصاءه، أي رفض وإقصاء المسلمين الأوروبيين، لمجرد أنهم يمارسون عباداتهم المتعارف عليها. منذ نهاية الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفياتي، دأب خبراء الخوف الجدد في البلدان الأوروبية، وفي الولايات المتحدة الأميركية:وهم بعض الساسة والأكاديميون الذين يعملون في مراكز الأبحاث، بوصفهم المنظرين للإسلاموفوبيا الذين يقدمون صورة مشوهة عن الإسلام: تارة الإسلام السياسي، وطورا ثانياً الإسلام الجهادي، وطوراً ثالثاُ الإسلام الإرهابي، عن البحث عن عدوجديد. فتحول الإسلام بسرعة إلى تهديد رئيس للسلام الشامل والأمن في العالم،إلى درجة أن أصبح هذا التهديد متشابهاً مع التهديد الذي كانت تمثله النازية والفاشية في الثلاثينيات من القرن الماضي، والشيوعية في الخمسينيات والستينيات. لقد أسهمت الإسلاموفوبيا في وضع عراقيل إضافية أمام ضرورة اندماج الإسلام في أوروبا.أوروبا التي تفاوض تركيا حول احتمال انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، مطالبة اليوم بإعادة التفكير في مكانة الإسلام. فالهوية الأوروبية،تعني أيضا الاعتراف بالديانات الأخرى وبحرية المسلمين الأوروبيين بممارسة معتقداتدهم الدينية، وهذا الاعتراف يقف على قدم المساواة مع الدفاع عن العلمانية.

(المصدر:صحيفة الشرق (يومية قطرية) ، رأي،بتاريخ 7 ديسمبر 2009)
 


مصر والجزائر: اعتراف متأخر


عبد الباري عطوان الدكتور مفيد شهاب وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية المصري فاجأنا، مثلما فاجأ الكثيرين، عندما اعترف يوم امس بان مشجعين مصريين كانوا وراء الاعتداء الذي تعرضت له حافلة كانت تقل لاعبي فريق الجزائر لكرة القدم قبيل مباراتهم مع نظرائهم المصريين على استاد القاهرة، للتأهل للتصفيات النهائية لكأس العالم الصيف المقبل في جنوب افريقيا. هذا الاعتراف ‘المتأخر’، الذي نقلته وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية، وادلى به اثناء مخاطبته اجتماعا للحزب الوطني الحاكم، جاء ردا على محطات تلفزة مصرية ‘خاصة’ اصرّت على ان لاعبي المنتخب الجزائري هم الذين قاموا بالاعتداء على الحافلة، وحطموا نوافذها من الداخل، وشجّوا رؤوس زملائهم بقضيب حديدي كان في حوزتهم لحث الاتحاد الدولي لكرة القدم على الغاء المباراة، او نقلها الى عاصمة اخرى، وهي رواية صدقها الكثيرون للأسف. الدكتور شهاب، الذي اعرفه شخصيا حيث كنت احد تلاميذه، ودرست على يديه مادة المنظمات والقوانين الدولية، لم يتردد في توجيه اللوم الى الدور الذي لعبه الاعلام المصري في الأزمة مع الجزائر، وخطورته. واشار باصبع الاتهام الى قنوات تلفزيونية خاصة، مؤكدا ان العلاقات الدولية لا تحكمها الانفعالات، وان المصالح ابقى من العواطف. هذه خطوة جيدة، تعكس توجها تصالحيا من قبل الحكومة المصرية لطي صفحة الخلاف مع الجزائر، واعادة الامور الى سيرتها الاولى، ولو بشكل تدريجي، الامر الذي يتطلب توجها مماثلا من الحكومة الجزائرية، او هكذا نأمل، لان استمرار التوتر في العلاقات لا يخدم الا ذوي النوايا السيئة في البلدين. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن صمت الدكتور شهاب، والعديد من المسؤولين المصريين الآخرين، طوال فترة الأزمة، وتجنبهم ذكر كل هذه الحقائق، حيث مارس بعض قنوات هذا الاعلام الخاص، المعزز بكتيبة من الفنانين ومقدمي البرامج المشهورين، كل انواع الكذب والدجل، والتحريض ضد شعب شقيق، بل وضد روابط الدم والعقيدة والتاريخ التي تربط مصر بأشقائها العرب والمسلمين. فظهور مسؤول مصري كبير في وزن الدكتور شهاب على شاشات التلفزة في ذروة الأزمة ساردا الحقائق، ومطالبا بلجم ‘حالة السّعار’ التي سادت قنوات تلفزيونية معينة، وبعض الوجوه الحاقدة على العرب والمسلمين، كان سيؤدي حتما الى التهدئة، وتجنب الكثير من الخسائر، ان لم يؤد الى منعها، وقطع الطريق على هذه الجوقة، والاضرار التي الحقتها بمصر ومصالحها، وعلاقاتها مع اقرب اشقائها. ‘ ‘ ‘ بعض القنوات التلفزيونية المصرية، بل وبعض مقدمي البرامج فيها بشكل اصح، ينفذون، ونقولها بأسف، اجندات خاصة، ليست لها علاقة بمصر ومصالح شعبها، ويفتقرون الى الحد الادنى من الثقافة السياسية، وفهم طبيعة العلاقات الدولية، وكل رصيدهم محصور في توجيه معلقات من الشتائم لخصومهم، او خصوم من يقفون خلفهم، الذين يحركونهم عن بعد بالروموت كونترول، هؤلاء الذين نهبوا ثروات الشعب المصري وعرقه، واقاموا دولة داخل الدولة. ولا بد من التسجيل هنا، بانه مقابل هذه الحفنة الحاقدة في الاعلام المصري، ونعترف بانها حفنة مؤثرة، هناك مخزون كبير من العقلاء في صحف ومحطات تلفزة مصرية، كانوا صوت العقل، بابرازهم الوجه المشرق والمسؤول لمصر وهويتها الوطنية العربية والاسلامية. نعم.. بعض اوساط الاعلام الجزائرية خرجت عن الاصول، وتطاولت على الشعب المصري، وحرضت ضده بطرق بشعة، وروجت لاكذوبة تعرض بعض المشجعين الجزائريين للقتل في القاهرة، ولكن هذه الاوساط الاعلامية الجزائرية محدودة التأثير، ولا تقارن مطلقا بالمدافع الاعلامية المصرية الثقيلة في المقابل، التي جيشت كتائب وفرقا من الفنانين المعروفين، لنفث السموم وحفر جروح غائرة في نفوس الاشقاء الجزائريين، مثل قول احدهم ‘انها ليست ثورة المليون شهيد.. بل المليون لقيط’، وهي كلمات معيبة لا يمكن الا ان تمثل قائلها ومستواه الاخلاقي، المتدني، وليس الشعب المصري الاصيل المعطاء الذي عانقت دماؤه دماء اشقائه الجزائريين اثناء حرب التحرير، وقدم آلاف الشهداء في خدمة قضايا امته وعقيدته. هذا الاعلام نفسه يخوض حاليا حملات تشويه، وان كانت اقل حدة لانها في بداياتها، ضد الدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لانه ‘فكر’، مجرد ‘التفكير’، بالترشح لمنصب الرئاسة في الانتخابات المقبلة منافسا للرئيس مبارك او نجله جمال. ‘ ‘ ‘ مشكلة الدكتور البرادعي من وجهة نظر المجموعة المهيمنة على معظم اوساط الاعلام الخاص، وجميع صحف الدولة وتلفزيوناتها، انه رجل مؤهل، يحظى بسمعة دولية، وقرر ان يوظف خبراته العلمية والادارية في خدمة بلاده. الدكتور البرادعي ارتكب خطيئة كبرى عندما دخل ‘المنطقة المحرّمة’ على جميع ابناء الشعب المصري، باستثناء الرئيس مبارك ونسله، ولمّح، مجرد التلميح، الى نواياه بدخول المعترك السياسي ولكن بشروط. الامر الذي فتح عليه حملة تحريض ‘مدبرّة’ يقودها بلطجية اعلام رجال الاعمال المرتبطين بالمؤسسة الحاكمة في البلاد، والمتحالفين مع لجنة السادات، ويتمتعون بعضوية الحزب الحاكم ودعمه. قالوا انه يحمل جنسية اجنبية، وعندما تبين لهم عكس ذلك، اشاروا الى انه يفتقر الى التجربة السياسية والحزبية، التي تؤهله لتولي منصب رئيس الدولة، مثله مثل علماء اجلاء كأحمد زويل، وفاروق الباز وغيرهما. فجائرة نوبل تتواضع امام جائزة الرئاسة. فإذا كان الدكتور البرادعي يفتقر الى الخبرة السياسية، وهو الذي تعامل مع اكثر القضايا السياسية العالمية خطرا وتعقيدا، مثل الملفين النوويين الايراني والكوري الشمالي وقبلهما العراقي، وقابل وتعامل مع جميع زعماء العالم الفاعلين والمؤثرين مثل جورج بوش الابن وباراك اوباما (امريكا)، وانجيلا ميركل (المانيا)، وغوردون براون (بريطانيا)، ونيكولاي ساركوزي (فرنسا) وديمتري ميدفيدف وفلاديمير بوتين (روسيا)، فمن هم الزعماء العالميون الذين قابلهم السيد جمال مبارك، وما هي المنظمات الدولية التي تولى زعامتها، والملفات الخطيرة التي تولى ادارة ازماتها؟ ‘ ‘ ‘ ربطنا بين التحريض الاعلامي ضد الشعب الجزائري والدكتور البرادعي ليس من قبيل الصدفة، لان القصد من وراء هذا التحريض واضح، وهو مسألة الوراثة، وكيفية تسهيل تمريرها بأقصر الطرق واكثرها سلامة. فالذين صعّدوا ضد الجزائر ارادوا ان يوظفوا النصر الكروي في خدمة هذه المحصلة في حال انجازه، وهذا ما يفسر تصدر نجلي الرئيس المشجعين في المباراتين الحاسمتين في القاهرة والخرطوم، او افتعال ازمة مع الجزائر لتحويل الانظار عن مشاكل مصر الداخلية المتفاقمة، بتصديرها الى عدو خارجي، وهذا ما حدث. والذين يصعّدون حاليا حملاتهم ضد الدكتور البرادعي، ونحن لسنا من اصدقائه او مريديه على اي حال، يجدون انفسهم امام ‘بلدوزر’ تتمثل فيه كل الصفات التي تؤهله للمنافسة من موقع قوة، على منصب الرئاسة في حال ما قرر خوضها. مصر وباختصار شديد، امام مخاض حقيقي، بدأت ارهاصاته بارتباك اجهزة اعلام الحكم وحوارييه في افتعال ازمات، وقطع علاقات مع معظم الدول العربية، وحالة الحراك السياسي التي بدأت تتفاعل قبل الازمة الكروية الاخيرة مع الجزائر، واطلق رصاصتها الاولى السيد محمد حسنين هيكل، بمطالبته بمجلس امناء يحكم مصر، لفترة مؤتقة، ويشرف على انتخابات رئاسية نزيهة، واطلق رصاصتها الثانية السيد عمرو موسى عندما لم يستبعد نزوله الى حلبة المنافسة في اي انتخابات رئاسية مقبلة، ولكن قنبلة الدكتور البرادعي التي انعكست في بيانه الاخير، واستعداده المشروط لخوض معترك الرئاسة، ‘جبّت’ كل ما قبلها، ووضعت مصر امام عملية التغيير، وهي قادمة لا محالة.  
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 7 ديسمبر  2009)


مصر: البرادعي يتعرض لـ’حملة منظمة’ تطالبه بعدم التفكير بالترشح لمنصب الرئيس أخباره تتصدر تعليقات المواقع الالكترونية.. و’الوفد’ يحاول ضمه لقياداته

 


القاهرة ـ لندن ـ ‘القدس العربي’: تعرض مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق محمد البرادعي، عقب اعلانه نيته الترشح لمنصب الرئاسة في مصر الى ‘حملة منظمة’، من الصحف المصرية الحكومية، وقنوات فضائية محسوبة على رجال اعمال مقربين من الحزب الوطني الحاكم. وجاءت ردود الأفعال على هيئة مقالات تهاجم البرادعي، وتوجه إليه اتهامات عديدة منها أن له جنسية سويدية، وهو ما نفاه، وأنه تآمر لضرب العراق، وأنه يشبه الرئيس الأفغاني كرزاي، كما ردت الصحف المستقلة والحزبية بهجوم مضاد على النظام والصحف الحكومية. وتصدرت أخبار البرادعي تعليقات معظم الصحف المستقلة والمواقع الالكترونية مثل ‘الفيس بوك’ و’اليوتيوب’، واذاعت مقاطع تنفي حصوله على جنسية أخرى غير المصرية رداً على الهجوم عليه واتهامه بالبعد عن مصر لمدة 27 عاماً. وانتقد وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية مفيد شهاب تفكير البرادعي بالترشح لمنصب الرئيس في مصر قائلا انه ‘مخطىء’. وقال شهاب لـ’وكالة انباء الشرق الاوسط’، امس الاحد ‘استبعد إن يكون العالم المصري محمد البرادعي يفكر في الترشيح بجدية لهذا المنصب الكبير وإن كان يفكر فهو مخطىء’. وأضاف ان ‘منصب رئيس الدولة يحتاج إلى شخصية قيادية حزبية تتفهم طبيعة العمل السياسي.. وان البرادعي مواطن مصري عالم في تخصصه، مقيم بالخارج يقول رأيه، لكنه قضى فترة كبيرة خارج البلد وتنقصه خبرة العمل السياسي والحزبي’. وتابع ان البرادعي ‘عالم مصري له قيمته وثقله في تخصصه ولا نقلل من قيمته كمواطن مصري شرّف بلده، مثله في ذلك مثل أحمد زويل ونجيب محفوظ والعديد من المصريين المبدعين، لكن هذا لا يدعو للخلط بين ما قدمه هؤلاء وبين أمر خطير مثل الترشيح لرئاسة الجمهورية’. وقال شهاب ‘أعتقد إن كل ما أثير في هذا الأمر كان وراءه مبالغة إعلامية’. وكان البرادعي وضع شروطا لترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية لعام 2011، نشرتها ‘القدس العربي’ الجمعة الماضي، منها ان تجري العملية الانتخابية بصورة ديمقراطية. ويرى مراقبون ان البرادعي يواجه مصاعب في الترشح لانتخابات الرئاسة منها انه لم يكن عضوا في الهيئة العليا لأي حزب لمدة عام، كما ان المسؤولين في مصر يرون انه لا يلقى الدعم سوى من الساحة العالمية والنخبة والاكاديميين في مصر. لكن ناشطين شبابا في حزب الوفد الليبرالي يتحركون لضمه الى قيادة الحزب تمهيدا لترشيحه للرئاسة، كما تدعو عدة مجموعات من خلال شبكة ‘فيسبوك’ المصريين الى ‘التصويت للبرادعي’. وكان شهاب رفض في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي ترشيح شخصيات مصرية بارزة من بينها العالم الحائز على جائزة نوبل أحمد زويل والبرادعي والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى للرئاسة بعد انتهاء فترة الرئيس حسني مبارك عام 2011. ويشغل الرئيس المصري حسني مبارك منصب الرئاسة منذ تشرين الاول (اكتوبر) عام 1981، ويرى مراقبون انه سيسلم الحكم الى نجله الاصغر جمال مبارك (45 عاما). ويشترط في أي مرشح للرئاسة المصرية ان يكون عضوا قياديا في حزبه لمدة خمسة اعوام على الأقل وان ينال تأييد 250 عضوا في المجالس المنتخبة، وهي شروط لا تتوفر سوى في مرشح الحزب الوطني الحاكم. وتثير مسألة الخلافة السياسية في مصر جدلا مستمرا بخاصة ان مبارك سيدخل عامه الثاني والثمانين في ايار (مايو) المقبل، في ظل شائعات حول حالته الصحية.    
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 7 ديسمبر  2009)


عن النكسة وضرب اليسار وتفسير الصعود الإسلامي


حسام تمام (*) “النكسة” و«ضرب اليسار» مقولتان شهيرتان في تفسير الصعود الإسلامي في مصر والعالم العربي. ساد القول بهما، واستقرّا في غالبية الدراسات والأدبيات في حقل الإسلام السياسي، على الأقل في الحالة المصرية، وهي التي انتقلت منها «الصحوة الإسلامية» إلى بقية الوطن العربي والإسلامي. ويبدو أن المقولتين بحاجة إلى قراءة جديدة، إن لم يكن مراجعة جذرية. يبالغ الباحثون في تقدير حجم تأثير النكسة (هزيمة 1967) في صعود الإسلام السياسي أو انبعاثه في موجة ثانية غير الموجة الأولى التي كان يمثّلها الإخوان المسلمون. حتى بدا الأمر كأننا أمام مشهد مسرحي يزخر بطقوس الإشارات والتحولات. فما إن تقع النكسة حتى تنطلق الإشارة إلى الجموع والحشود بالتوجه إلى السماء بدلاً من الأرض التي أخلدوا إليها، فتفتح أبواب المساجد التي كانت قد أغلقت أو هجرها الناس، وتخرج كتب الدين من مخابئها وتدور عجلات المطابع بالمزيد، ويصطف الخلائق يبتهلون ويصلون ويجأرون بالدعاء إلى الله ويدخل الناس ـــــ بعد سنوات الإلحاد أو العلمانية ـــــ في الإسلام السياسي أفواجا… ثم يكتمل التحول بصعود السادات إلى السلطة وصراعه مع اليسار الذي ألجأه إلى اصطناع الجماعات الإسلامية في الجامعات، التي كانت بداية كرة الثلج التي سرعان ما نزلت تجتاح الأخضر واليابس وتملأ الأرض إسلاماً سياسياً بعدما مُلئت ـــــ زمناً ـــــ أيديولوجيات وأفكاراً غير دينية أو معادية للدين! إذا توقفنا عند المقولة الأولى، يمكننا القول إن التفسير السائد بأن النكسة كانت المسؤولة عن ظاهرة العودة إلى الإسلام أو المد الإسلامي، وأنها كانت الجدار الذي انكسر فأخرج لنا المارد الإسلامي من القمقم، تبدو بنظري، وبتعبير أستاذنا عبد الوهاب المسيري، أقل قدرة على التفسير، فضلاً عما تستند إليه من قراءة خاطئة للحقبة التي سبقت النكسة ووضع الإسلام فيها. ومهما قلنا عن تأثره بالأفكار القومية والأيديولوجية الاشتراكية، فلم يكن المشروع الناصري في جوهره مضاداً للإسلام أو رافضاً له من حيث المبدأ، حتى وهو يدخل في صدام دموي مع جماعة الإخوان المسلمين التي كانت أكثر من تعرّض للظلم والعدوان، وعاين أسوأ ما في الحقبة الناصرية. إذ دائماً ما ظل للإسلام حضور وازن ومؤثر في المشروع الناصري، وإن جاء استحضاره في سياق دعم وشرعنة مشروع تحديثي جذري يمس بنية المجتمع المصري، بل ويطمح للامتداد في الفضاء العربي والأفريقي وما يعرف بالعالم الثالث. نعم، يمكن أن نتفق أو نختلف حول ما إذا كان للأمر صلة بقناعات حقيقية بالإسلام أم أنه محض توظيف للدين في خدمة المشروع الناصري. ولكن لا يمكن إطلاقاً قبول عقد مقارنة بين جمال عبد الناصر وكمال أتاتورك في تركيا، أو حتى الحبيب بورقيبة في تونس مثلاً، في الموقف من الدين ورؤية موقعه في الدولة والحياة عموماً. فلم يكن لدى ناصر هذا العداء أو الرفض المبدئي للدين، ومن ثم لم يؤسّس مشروعه على استئصال الدين أو إبعاده كاملاً عن المجال العام، بل كان واعياً لأهمية الدين في هذا المشروع «التحديثي»، فلم يقدم ـــــ حتى في لحظات التناقض ـــــ على الصدام مع الدين مباشرةً، وكان أقصى ما يفعله هو البحث عن اجتهاد ديني يتواءم ومشروعه، كما يبدو من النقاشات التي كانت تدور حول قضايا المرأة والتأميم وحجم الملكيات المسموح بها. وهي تظهر حرصاً بالغاً على تقديم اجتهاد ديني يدعم هذا التوجه الجديد، ولم يكن بها استخفاف أو قفز على سؤال الدين. لم يتصادم ناصر مع الدين في حياته الشخصية. فقد كان معروفاً بمحافظته وحرصه على الالتزام بمنظومة الأخلاق السائدة في الطبقة الوسطى الغالبة في مصر وقتها، بل كثيراً ما نصّب نفسه مدافعاً عنها ضد من ينتهكها أو يحاول التجرؤ عليها، كما فعل حين رفض في لقائه مع الصحفيين رسوماً كاريكاتورية تدور حول الخيانة الزوجية وترسم امرأة تخفي عشيقها في دولاب غرفة النوم! وفي سياسته، وخاصةً الخارجية، سنجد حضوراً مهماً للإسلام في كثير من القضايا والملفات. فناصر الذي كان يصادر الأزهر لمصلحته ومشروعه داخل البلاد، هو الذي أطلق يده خارجها، وخاصة في أفريقيا، التي عرفت أكبر حضور للأزهر في عهد ناصر متوسعاً في إرسال البعثات الأزهرية إلى دول القارة السمراء مطلقاً إذاعة القرآن الكريم التي كان لها تأثير بالغ في هذا الصدد. بل أكثر من ذلك، يمكننا القول إن النظام الناصري الذي شنّ حرباً دموية على جماعة الإخوان المسلمين، الممثل الحصري ـــــ وقتها ـــــ للإسلام السياسي، كان لديه القدرة على استيعاب قطاعات من الإسلاميين وإدماجها ضمن مشروعه، بل وتوظيفها ضمن هذا المشروع، بالقدر الذي عجز عنه النظام الحالي! يمكن أن نتكلم عن رموز إسلامية كبيرة تولّت ملء الفراغ الذي تركه الإخوان، بل وأكثر من هذا شاركت في بناء ما يمكن أن نسميه الرؤية الدينية للمشروع الناصري. يمكن أن نذكر أحمد حسن الباقوري (تولى وزارة الأوقاف) والبهي الخولي ومحمد البهي (تولى كل منهما مسؤوليات كبرى في إدارة الدعوة والإرشاد بالأزهر الشريف) وعبد العزيز كامل (تولى منصب نائب رئيس الوزراء) والشيخ سيد سابق والشيخ محمد الغزالي وعدد من الشيوخ الأزهريين الذين خرجوا من جماعة الإخوان إبان الانقسام الذي نجم عن خلافها مع الثورة وكانوا رموز الدعوة الإسلامية في العهد الناصري. ما سبق ليس محاولة لنفي تأثير النكسة وما ولّدته حالة الانكسار التي خلفتها من رغبة في العودة إلى الدين والالتزام به. إنما هي رغبة في وضع الأمور في حجمها الطبيعي الذي يظهر أن الدين لم يكن غائباً في هذه الحقبة بالشكل الذي تصوّره الكتابات الشائعة، بل كان له حضور حتى في المجال العام، وهو حضور قد لا يلبي الحد المطلوب من رغبات الإسلام السياسي، كما لم يكن بالمستوى الذي عرفناه لاحقاً، إلا أنه يبدو متسقاً مع عصر عرف بوهج الأيديولوجيات الكبرى وصراعاتها الكونية. أتصور أن الصعود الإسلامي، بدءاً من نهاية الستينيات، لا يقرأ بمعزل عن التحولات الكونية التي بدأت في هذه الفترة، والتي كانت تصب في اتجاه استعادة حضور الدين في المجال العام، على غير ما كانت عليه الحال منذ بدأ ظهور الدولة الحديثة العلمانية وسيادتها عالمياً. وهو ما استدعى لاحقاً إعادة النظر في معظم الدعاوى التي كانت رائجة عن عصر العلم وسيادة العلمانية ونهاية الدين، أو على الأدق نهاية حضوره في المجال العام، والتي مثّلتها مقولة «المدينة العلمانية». لقد عانى عالمنا أزمة هوية يعمّقها انهيار الأيديولوجيات والعقائد السياسية الكبرى التي كان بإمكانها أن تستوعب الناس في مشروعات سياسية، وهو ما فتح الباب لكي يصبح الدين الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعطي للعالم وللحياة به معنى، وهو ما أدى بدوره إلى أن يصير الدين المورد الأهم ليس للفعل السياسي فحسب، بل لكل ما يتصل بالحضور في المجال العام. نعم حدث ذلك عندنا بعد انهيار المشروع الناصري والقومي، ولكننا لم نكن بدعاً في هذا التحول الذي هو تحول عالمي يجب التوقف عنده كثيراً. يمكن أن نرصد ـــــ منذ نهاية الستينيات وطوال حقبة السبعينيات ـــــ في هذا الصدد تصاعد الحركات الكاريزمية في أميركا الجنوبية وأفريقيا، وحركات الإنجيليين الجدد (البانتكوتيزم) في أميركا الشمالية واللاتينية والجنوبية، والثورة الإسلامية الإيرانية، وحركة «تضامن» في بولندا، التي كان للكنيسة فيها دور مركزي، وتكوّن وانتشار المجموعات الأصولية المختلفة سواء المسيحية أو اليهودية أو الإسلامية، بما يؤكد أن الأمر ظاهرة عالمية لها أسباب يمكن دراستها وتحليلها بدلاً من الكلام السطحي عن الصدمة التي أحدثتها النكسة، فأدخلت الجماهير في حالة عودة إلى الدين تبدو كأنها حالة غيبية أو مرض نفسيّ بحاجة إلى طبيب أكثر منه إلى باحث في العلوم الاجتماعية! أما الأطروحة القائلة بأن الصعود الإسلامي كان صناعة سلطوية اصطنع فيها السادات الجماعات الإسلامية لأجل «ضرب اليسار»، فلا تصلح مطلقاً لتفسير هذا الصعود السريع، فضلاً عن الاستمرارية التي جاوزت ثلاثة عقود كاملة. فالتيارات الفكرية، فضلاً عن الحركات الاجتماعية، لا تُصطنع بقرار أو بصفقة، كما لا يمكن القضاء عليها بقرارات أو صفقات مضادة. كان بإمكان السادات أن يخرج الإخوان من السجون وأن يفسح للجماعات الإسلامية في الجامعات المصرية ليضرب بهم خصومه من اليسار، لكن ما كان بإمكانه أن يحولهم إلى تيار عارم وحركة اجتماعية امتدت جذورها حتى استعصت على الاقتلاع يوم أن تحولت إلى خصم النظام الأول. تماماً مثلما لم ينجح النظام الحالي في اصطناع تيارات أخرى مضادة للإسلام السياسي بعضها يقوده «يساريون»، رغم رغبته في ذلك. أتصور أن الأمر له صلة بطبيعة اللحظة التاريخية كما أسلفنا، وبشروط اجتماعية يمكن أن تفسر بعضاً من أسباب الصعود الإسلامي، بل تكاد تجعله ضرورة. وللتوضيح، فلنتوقف قليلاً عند التحولات التي مرت بها مصر مع غياب جمال عبد الناصر وصعود السادات للحكم. لقد شهدت الدولة المصرية تحولاً مهماً كان باتجاه الانسحاب المنظم والسريع من معظم أدوارها ومسؤولياتها تجاه المجتمع، فبدأت سياسات الانفتاح الاقتصادي وفتح الباب للقطاع الخاص وتفكيك مشروعات كبرى، فتخلت الدولة عن معظم التزاماتها تجاه المواطن من التعليم والعلاج إلى التوظيف والرعاية الاجتماعية، بل وانسحبت حتى من خدمات الأمن والحماية. إن هذا الانسحاب السريع والمنظم للدولة، والفراغ الهائل الذي تركته، ما كان له أن يجري دون أن تغطيه حركة اجتماعية يمكن أن تتناغم بشكل ما مع المجتمع فتسد عجزه وتلبي حاجته، وإلّا فستنهار الدولة ويتمزّق المجتمع. لا يمكن أن نقرأ حالة التمدد الإسلامي في عهد السادات دون أن نلحظ كيف كانت تملأ كل فراغ تتركه الدولة بما يمنعها من الانهيار. فالمد الإسلامي ما جاء إلا مسنوداً على شبكة رعاية تضامن اجتماعي غطت كل مناطق العجز والعوز التي انكشفت بانسحاب الدولة بعد غياب ناصر، كما كان الإسلاميون الأسرع في التعاطي مع تداعيات هذا الانسحاب. ويكفينا فقط التوقف عند ما قاموا به في هذه الفترة من حركة واسعة في المجال الاقتصادي والاجتماعي أدخلتهم في كل شبر خلا بانسحاب الدولة. لقد شهدت السبعينيات أكبر حركة لإنشاء المدارس البديلة أو الفصول التعليمية المكملة للنظام التعليمي المتدهور، والمستوصفات والمنشآت الطبية الخاصة بدلاً من نظام صحي عاجز عن تقديم خدمة علاجية، وشركات الاستثمار العقاري في وقت كان المصريون فيه يعيشون أزمة سكن ألجأت قطاعات منهم إلى السكنى مع سكان القبور! بل ومشروعات النقل الخاص تفاعلت مع أزمة المواصلات التي عرفتها البلاد طيلة السبعينات والثمانينيات. أما السياسة فلم يكن للإسلاميين يوماً أطروحة سياسية متماسكة، وما التفت الجماهير حولهم يوما بسببها، وما كان حظهم من السياسة إلا خطابا بسيطاً حد السطحية ما كان له أن يعمر أو يتمدد إلا محمولاً على شبكة اجتماعية اقتصادية واسعة باتساع البلاد. لذا سيلاحظ المتابع للحالة الإسلامية أنه بتوقف الإسلاميين، أو للتحديد، فصيل منهم، عن هذا الدور وهذه المسؤولية، ينطفئ نجمه ويخبو بريقه. وأن تراجع الإسلام السياسي الذي نشهده ليس عنوانا لنهاية الأسلمة والإسلامية بقدر ما يتصل بتحول يجري داخلها من الأطروحة السياسية التي ثبت فشلها أو تكسرت على صخرة الدولة إلى الإسلام الاجتماعي، حيث المجال الاستراتيجي للحضور والوجود والتمدد، وحيث القيمة الحقيقة للإسلاميين والمبرر الأهم لوجودهم. (*) باحث مصري في شؤون الحركات الإسلاميّة

(المصدر: “الأخبار” (يومية – بيروت) بتاريخ 18 نوفمبر 2009)
 

 

Home – Accueil الرئيسية

 

 

Lire aussi ces articles

6 février 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 6 ème année, N° 2086 du 06.02.2006  archives : www.tunisnews.net AFP: TUNIS- Boycottage des produits

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.