TUNISNEWS
9 ème année, N° 2904 du 05.05.2008
اعتداء على الأستاذة إيمان الطريقي :جمعيات حقوقية تندد بفظاعة الاعتداء و تعتبره انتهاكا لحرية و استقلال المحاماة
حــرية و إنـصاف منظمة حقوقية مستقلة:أخبار الحريات في تونس
سعــــــاد القوســــامي:إضراب جوع في اليوم العالمي لحرية الصحافة
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: من يوقف التجاوزات في سجني المرناقية و برج العامري ..؟
الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب :بيان مساندة
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع القيروان :بيــــان
علــــي النفــــاتي: أخبار الجهات منــــزل جميــــل:رعب أمني وشائعات
ضحية من ضحايا العدوان :نداء استغاثة من فتاة: هل مات البشر أم أصبحت القلوب حجر
يوميات الصمود 8
يوميات الصمود 9
موقع – ن و ص ت – التقرير السنوي حول حرية الصحافة في ( تونس)
القدس العربي:مراسلون بلا حدود : الصحافي التونسي سليم بوخذير مصاب بالجرب ومضرب عن الطعام
الشرق:إنشاء مرصد لانتهاكات حقوق العمال وتصاعد وتيرة الانتقادات النقابية لاتحاد العمال
رويترز:ثمانية قتلى و15 مفقودا بغرق مركب للمهاجرين في تونس
الجزيرة.نت:الرقابة التونسية تمنع جميع الكتب الدينية التي تطرح مواضيع سياسية وتنتقد أنظمة الحكم في الدول العربية
الشعب:محطة جديدة لإنتاج الكهرباء ببنزرت
واس :الاداء الاقتصادي في تونس
ا ف ب:معرض تونس الدولي للكتاب: شكاوى من تراجع المبيعات
الجزيرة.نت: منصف المرزوقي : حول العصيان المدني
وحيد تاجا: لقاء مع المفكر الإسلامي التونسي د. راشد الغنوشي أمين عام «حزب النهضة الإسلامية» في تونس 2 (3)
عبدالحميد العدّاسي:انتبهوا! إنّهنّ يُـردْن الـمُـسـاواة!…
توفيق المديني : المقدمة من كتاب “القضية الفلسطينية أمام خطر التصفية”
المنجي الفطناسي :الحكام معادن
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين تتواصل معاناتهم ومآسي عائلاتهم وأقربهم منذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاع. نسأل الله لهم وللصحفي سليم بوخذير وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات إيقافهم منذ أكثر العامين الماضيين فرجا قريبا عاجلا- آمين
21- الصادق العكاري
22- هشام بنور
23- منير غيث
24- بشير رمضان
25 – فتحي العلج
|
16- وحيد السرايري
17- بوراوي مخلوف
18- وصفي الزغلامي
19- عبدالباسط الصليعي
20- لطفي الداسي
|
11- كمال الغضبان
12- منير الحناشي
13- بشير اللواتي
14- محمد نجيب اللواتي
15- الشاذلي النقاش/.
|
6- منذر البجاوي
7- الياس بن رمضان
8- عبد النبي بن رابح
9- الهادي الغالي
10- حسين الغضبان
|
1- الصادق شورو
2- ابراهيم الدريدي
3- رضا البوكادي
4-نورالدين العرباوي
5- الكريم
|
اعتداء على الأستاذة إيمان الطريقي جمعيات حقوقية تندد بفظاعة الاعتداء و تعتبره انتهاكا لحرية و استقلال المحاماة
وقع الاعتداء مساء هذا اليوم الاثنين 5 ماي 2008 على الأستاذة إيمان الطريقي أمام مدخل العمارة الكائنة بنهج المختار عطية عدد 33 بتونس حيث يوجد مكتبها و تتصل بحرفائها و ذلك على مرأى و مسمع من عدد كبير من المواطنين الذين تجمعوا لإنقاذها من براثن أعوان البوليس السياسي و التي قامت بمحاصرة المكتب بأعداد غفيرة و حصل الاعتداء بعدما تلقت مكالمة هاتفية من إحدى حريفاتها التي أتت في الموعد المخصص لها و تم منعها من دخول باب العمارة التي يوجد بها المكتب فنزلت الأستاذة الطريقي للاستفسار عن سبب المنع و لاحظت لأعوان البوليس السياسي بأن ما يقدمون عليه هو اعتداء على حق المواطنين في الدفاع فما كان من أعوان الأمن إلا أن تلفظوا إزاءها ببذيء الكلام و دفعها أحدهم بشدة قصد إرجاعها إلى العمارة التي تأوي مكاتب خمس محامين و غلق الباب من جديد ، و ما أن شاع الخبر حتى تنقل عدد من المحامين و في مقدمتهم العميد الأستاذ بشير الصيد و رئيس فرع تونس الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني و عدد من المناضلين الحقوقيين و على رأسهم عميد المقاومين السيد علي بن سالم لمواساتها و قد عبر الجميع على مساندتهم للأستاذة إيمان الطريقي. و قد استاء المواطنون الذين شاهدوا واقعة الاعتداء و سمعوا بذاءة الألفاظ الصادرة عن أعوان البوليس السياسي و ما أن انبرى أحدهم للاحتجاج على ما حصل محاولة منه للدفاع عنها و عن شرفها حتى وقعت محاصرته من طرف الأعوان الذين اعتدوا عليه بكل فظاعة. و الجمعيات الحقوقية الممضية أسفل هذا تعبر عن بالغ انشغالها لما آل إليه وضع الحريات بتونس و تعتبر أن الاعتداء على المحامين و منعهم من ممارسة نشاطهم بصورة طبيعية فيه اعتداء فظيع على حرية الدفاع و استقلال المحاماة و أن ما حصل هذا اليوم يعتبر انزلاقا خطيرا و اعتداء من طرف قوات الأمن على حرمة مكاتب المحامين التي تعتبر مرافق عمومية يؤمها المواطنون للاسترشاد حول وسائل الدفاع المتاحة لهم ، و تنبه إلى تفاقم ظاهرة الاعتداء اللفظي و الجسدي على النساء من طرف أعوان الأمن كما تحذر من ظاهرتي الانفلات الأمني و الإفلات من العقاب.
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المجلس الوطني للحريات الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب جمعية قدماء المقاومين منظمة حرية و إنصاف الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تونس في 5 ماي 2008
أنقذوا حياة السجين السياسي المهندس رضا البوكادي أطلقوا سراح القلم الحر سليم بوخذير حــرية و إنـصاف منظمة حقوقية مستقلة 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 05/05/2008 الموافق ل 29 ربيع الثاني 1429
أخبار الحريات في تونس
تعرض التلميذ عبد العزيز الجلالي المرسم بالسنة الرابعة تقنية ( باكالوريا ) بمعهد سيدي بوزيد للرفت نهائيا من المعهد المذكور بتهمة ضبطه متلبسا بصلاة العصر داخل حرم المعهد ، و قد وقع اعتقاله منذ ثلاثة أيام بولاية نابل بعد أن رسم بأحد معاهدها من قبل أعوان بالزي المدني و تم اقتياده إلى جهة مجهولة علما بأن التلميذ عبد العزيز الجلالي البالغ من العمر سبعة عشر سنة حسن الخلق و متميز في دراسته. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري
إضراب جوع في اليوم العالمي لحرية الصحافة
جامعـــــة بنـــــزرت
بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، واحتجاجا على ما تتعرض له جريدة الموقف لسان الحزب الديمقراطي التقدمي من مضايقات مختلفة، وتضامنا مع المضربَيْن عن الطعام السيدين المنجي اللوز مدير تحرير الصحيفة ورشيد خشانة رئيس تحريرها ووقوفا إلى جانبهما في مطالبهما المشروعة والمتعلقة بحرية الصحافة والتعبير ورفع المضايقات على الجريدة وعلى الحزب ككل، نفذ منخرطو جامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي إضرابا عن الطعام كامل يوم الأحد 4 ماي 2008 وشاركهم في ذلك عدد كبير من مناضلي الجهة من مختلف الحساسيات السياسية والحقوقية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني وبعض المستقلين وبعض المساجين السياسيين السابقين وأمهات الشباب المساجين والمعتقلين على خلفية قانون مقاومة الإرهاب… وقد تواصل توافدهم على مقر الجامعة طيلة اليوم. وكانت فرصة لنقاش عديد المسائل التي تتعلق بالحريات والحياة السياسية والاقتصادية بالبلاد.
سعــــــاد القوســــامي
“ أطلقوا سراح جميع المساجين السياسيين “ “الحرية للصحفي المنفي في وطنه عبدالله الزواري“ الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 43 نهج الجزيرة تونس
e-mail: aispptunisie@yahoo.fr تونس في 05 ماي 2008
من يوقف التجاوزات في سجني المرناقية و برج العامري ..؟
لا تزال إدارة سجن برج العامري مصرة على حرمان مساجين ما يسمى ” مكافحة الإرهاب ” من أبسط الحقوق التي يضمنها لهم قانون السجون و تفرض احترامها المواثيق الدولية ذات الصلة ، و من عينات الإنتهاكات اليومية ما يتعرض له السجينان أحمد المرابط و جمال الدين الملاخ من معاملة سيئة حيث يحرم أحمد المرابط من تلقي الرسائل منذ شهور طويلة كما ترفض الإدارة تمكينه من التداوي ( و لو على حسابه الخاص..! ) مما عكّر حالته الصحية و خلف تعفنا بصرّته و آلاما مبرحة بفكه الأسفل ..، كما تعرض جمال الدين الملاخ إلى المنع من إتمام الزيارة لسبب وحيد هو أن والدته أخبرته بـ ..إطلاق سراح سامي الحاج ..! كما علمت الجمعية أن مساجين ما يسمى ” مكافحة الإرهاب ” بجناحي ” ح ” و ” ج ” بسجن المرناقية قد بدأوا إضرابا عن الطعام احتجاجا على ما يتعرضون له من سوء معاملة و تعنيف و عقوبة السجن الإنفرادي التي تسلط عليهم بشكل تعسفي و للمطالبة بتمكينهم من فراش فردي لكل سجين ( حيث يتم إجبار كل 3 سجناء على النوم بفراش واحد حاليا..! ) و بفصلهم عن مساجين الحق العام بالإضافة إلى تمكينهم من حقهم في التداوي و العلاج المناسب . و الجمعية إذ تطالب بوقف سياسة التمييز المطبقة على المساجين حسب نوعية التهم التي حوكموا من أجلها فإنها تطالب بفتح تحقيق حول الإنتهاكات المرتكبة و محاسبة كل من تثبت مسؤوليته فيها . عن الجمعيـــة الهيئــــــة المديـــــــرة
الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب بيان مساندة
تعرضت عشية اليوم الأستاذة إيمان الطريقي المحامية إلى الاعتداء بالدفع العنيف و السب و الشتم من قبل أعوان البوليس السياسي لما احتجت على منع هؤلاء حرفائها من دخول مكتبها الكائن بنهج المختار عطية عدد 33 و الذي هو في نفس الوقت مكتب الأستاذ محمد النوري و قد عاينت رئيسة الجمعية التي أدت زيارة مساندة للأستاذة الطريقي حضور عدد من الأعوان أمام المكتب المذكور. إن الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب إذ تندد بهذه الممارسات اللاقانونية و التي تهدف إلى عزل المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان و حرمانهم من حقهم في ممارسة نشاطهم المهني بكل حرية تطالب بفتح بحث في الموضوع و إحالة المعتدين على القضاء حتى لا يتكرر مثل هذا السلوك الذي أصبح ظاهرة يومية تستهدف النساء خاصة من الناشطات في مجال حقوق الإنسان. تونس في 5 ماي 2008 عن الجمعية الكاتب العام منذر الشارني
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع القيروان
بيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان
دخل السيدان رشيد خشانة ، رئيس تحرير الموقف والمنجي اللوز، مدير تحريرها في إضراب مفتوح عن الطعام منذ يوم السبت 26 ماي 2008، احتجاجا على التضييقات العديدة التي تتعرض لها الجريدة ، من حجز ومصادرة وافتعال قضايا ضدها، لعل أخرها هي دفع شركات تعليب الزيت وترويجه لرفع قضايا عدلية ضد الصحيفة. إن فرعنا الذي يندد بهذه التضييقات ويعتبر أن استهداف جريدة الموقف هو ضرب لحرية الصحافة والتعبير في البلاد ، يؤكد على تضامنه التام مع السيدين خشانة واللوز ويحمل السلطة مسؤولية التأثيرات الصحية السلبية التي قد تحدث لهما. ونحن إذ ندعو السلطة – مرة أخرى – لاحترام الصحافة المعارضة والمستقلة ورفع كل أشكال التضييق عنها والكف عن استعمال القضاء ضد المعارضين والمستقلين ، فإننا ندعو كل الإعلاميين وكل القوى الديمقراطية لتكثيف تضامنهم مع جريدة الموقف ومع أسرة تحريرها، دفاعا عن حرية الإعلام وتعدده في بلادنا. 05 ماي 2008 عن هيئة الفرع مسعود الرمضاني
أخبار الجهات منــــزل جميــــل
رعب أمني وشائعات
تعيش مدينة منزل جميل التابعة لولاية بنزرت منذ يوم الثلاثاء 22 أفريل 2008 في ظل “إرهاب الأمن”. حيث تم اعتقال الشاب أكرم الكامل صباحا ثم خُطف الشاب باسم التركي من مقر عمله في نفس الليلة، وفي يوم الأربعاء 23 أفريل اختطف الشاب أيمن بلقاسم من مقر عمله أيضا، وفي نفس اليوم اعتقل الشاب أحمد الشحيمي، ويوم الخميس 25 من نفس الشهر اختطف كلّ من أحمد الزموري ومراد القيزاني صباحا. وموازاة لهذه الاعتقالات والاختطافات، تمّ استدعاء بعض الشبان ثم إطلاق سراحهم أو الاتصال بهم هاتفيا للتهديد والوعيد، ومن بينهم بلال العبيدي ونجم الدين طليبة ونادر الخميسي.
وقد صاحبت هذه الحملات إشاعات كثيرة ومتنوّعة قلبت حياة الناس اليومية وأرعبت العديد كبارا وصغارا: فأصبح الحديث عن خلية تابعة للقاعدة وأخرى خلية إرهابية ستقوم بأعمال تفجيرية في الأسواق العامة وأخرى خلية تروّج أقراصا لتعليم تفكيك السلاح….
وفي هذا الجو المشحون بالرعب هجر الناس المساجد وخاصة الشباب. وممّا زاد في توتر الجوّ العام بالمدينة والإمعان في الشائعات ذات الانعكاسات الخطيرة، إنكار الأمن معرفة مصير المعتقلين والمخطوفين وسوء معاملة العائلات التي مافتئت تسأل عن مصير أبنائها دون نتيجة.
وتواصل هذا الرعب إلى يوم الجمعة 2 ماي حيث تم إطلاق سراح كل من أيمن بلقاسم وأحمد الشحيمي وباسم التركي.
ومن خلال تصريحاتهم أيقنا أن الجبل تمخض فولد فأرا: فكل هذا الترعب والإرهاب الأمني والاختطاف وسوء المعاملة…. سببه أن الشباب الذين أبقوا عليهم رهن الإيقاف متهمون بمشاهدة أشرطة عن الجهاد والمقاومة في حين أنكروا ذلك إنكارا كليّا.
فإلى متى ستتواصل هذه المسرحيات الأمنية؟ ومتى يتوقف ترويع العائلات بهذه الأشكال غير القانونية وغير الإنسانية؟
علــــي النفــــاتي
نداء استغاثة من فتاة: هل مات البشر أم أصبحت القلوب حجر
استصرخ بندائي هذا كل من لا تزال في قلبه ذرة من الحياة لقد ضاقت بنا الدنيا بما رحبت –أوجه صرختي هذه بعد أن تعرضت صحبة ثلة من أخواتي إلى اعتداء فضيع على أمننا النفسي و الجسدي لم يكن ليخطر على بال أحد منا، فقد التقينا اثر صلاة الجمعة (يوم 2 ماي) بمنزل أحد زميلاتنا لقضاء أمسية ممتعة نتجاذب فيها الحديث ككل لقاء عفوي يجمع بين الأصدقاء لتجاوز رتابة الحياة و للترويح على النفس…وقد كان عددنا حوالي 8 أخوات من العائلات الأصيلة بمدينة صفاقس (بكار، غربال، والي، ذياب، دريرة،جلولي،القلال، شعبان….) التقينا في بيت إحدى الأخوات وقد فوجئنا بمداهمة المنزل من قبل عدد كبير من قوات البوليس السياسي الذي حشرنا جميعا داخل السيارة الشرطة و لم تسلم حتى امرأة كبيرة وهي حماة الأخت صاحبة المنزل وكذلك زوجها وهو طبيب مختص في الأمراض النفسية وقد بدأت الإهانات المرعبة منذ تلك اللحظة و خلال عمليات التحقيق التي استمرت لساعات طويلة رأينا فيها كل أشكال الإهانة و الضرب و الصفع بأسلاك بلاستيكية لاستخراج اعترافات لم نسمع بها إلا خلال التحقيق. وقد فوجئنا بوجود مجموعة أخرى من الأخوات تم اختطافهن من الطريق العام وهن في طريقهن من مسجد المنار إلى المنزل وحشرهن في سيارة شرطة ونقلهن إلى مركز الإقليم بباب البحر حيث حشرنا جميعا في مكان ضيق لا يليق بالكرامة البشرية. لقد تركت تلك الممارسات أثارا نفسية مرعبة في نفوسنا كما أن التعنيف المادي خلف آثارا وزرقة و انتفاخا في مواقع من الخد لدى البعض منا نتيجة الضرب والصفع. كما بدت آثار الضرب بالسوط على أرجل بعض الأخوات جلية و عاكسة لهمجية التعامل لانتزاع اعترافات لا ناقة لنا بها، ومما زاد من همجية وبشاعة المشهد الكلام البذيء الذي أمطروه على آذاننا و التهديد بالاعتداء على الشرف، تمارس كل هذه الاعتداءات و كل الفتيات لا تعرف ما هو سبب اقتحام البيت عليهن و حشرهن في سيارة الأمن ثمّ التحقيق معهن بهذه البشاعة و خاصة أنهن لم يقومن بأكثر مما يقوم به الشباب و الشابات في سنهن من الالتقاء مع أقرانهم في البيوت، فلماذا يقع استهدافنا لالتقائنا وعددنا لم يتجاوز أصابع اليد في حين يلتقي العشرات في حفلات أعياد الميلاد بالرغم ما قد يشوب ذلك من انحراف و مجون في عديد الحالات. لقد أطلقوا سراح بعضنا بعد قضاء ليلة لم تخطر على بال أحد منا ونستحي أن نورد تفاصيلها وبعد أن أجبرونا على إمضاء 6 أوراق ومطوية والويل لمن يسأل عن فحواها، و تمسكوا بالبعض الأخر من الأخوات والزوج حتى تكتمل فصول المسرحية بخاتمة تبرر ما حصل من اعتداء وتبين حقيقة الحوار مع الشباب الذي يروجون له. إننا نستصرخ الشرفاء من هذه الأمة من علمائها و رجالها ممن بقيت لهم قلوب حية وغيرة على بنات هذا الجيل، فإما أن تتحملوا مسؤولياتكم وتعملوا على إيقاف هذا النزيف و تمنعوا استمرار دوران هذه العجلة الأمنية التي تطحن كل من يعترض طريقها غير آبهة بما يترتب عن ذلك من دمار وإفساد لمستقبل البلاد و العباد وإما أن تستعدوا إلى أن يلفظ هذا البلد الجريح أنفاسه الأخيرة على مرأى و مسمع من المتفرجين وتحت أناة الشاكين أمرهم إلى الله من تواطؤ المتخاذلين.
ضحية من ضحايا العدوان
رشيد خشانة ومنجي اللوز في إضراب مفتوح عن الطعام من اجل حرية التعبير في تونس
يوميات الصمود 8 السبت 3-05-2008
واصل الأخوان رشيد خشانة ومنجي اللوز إضرابهما عن الطعام لليوم الثامن على التوالي الذي تزامن مع إحياء الإعلاميين اليوم العالمي لحرية الصحافة . ندوة صحفية عقد الأخوان منجي اللوز ورشيد خشانة ندوة صحفية بمقر الموقف لتسليط الضوء على أحداث الأسبوع الأول من إضراب الجوع وقد توجها بالشكر إلى كل الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية والشخصيات الإعلامية الوطنية والدولية التي ساندت المضربين ومطالبهما المشروعة كما توجها بالشكر إلى كل وسائل الإعلام التي ساهمت في تسليط الضوء على ما تتعرض له جريدة الموقف من تضييقات ومصادرة . وقد حضرت جل وكالات الأنباء والصحف الوطنية هذه الندوة. لجنة دولية للتضامن مع المضربين : بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير تشكلت لجنة عربية دولية للتضامن مع الأخوين رشيد خشانة ومنجي اللوز وتتألف اللجنة من السادة نادر الفرجاني وفيوليت داغر وعبد الوهاب بدر خان ومنصف المرزوقي وهيثم مناع وخالد السفياني ومحمد السيد سعيد ومحمود معروف ورشيد مصلي وناصر الغزالي وحسين العودات وبشير البكر والطاهر العبيدي . مصطفي البرغوثي ينضم انضم الوجه الوطني الفلسطيني البارز الدكتور مصطفى البرغوثي (المبادرة الوطنية الفلسطينية) والوزير السابق في حكومة الوحدة الفلسطينية إلى اللجنة الدولية لمساندة المضربين عن الطعام من اجل حرية التعبير في تونس. التضييق على قناة الحوار التونسي مرة أخرى تعرض الصحفي بقناة الحوار التونسي الزميل ايمن الرزقي إلى المنع من قبل أعوان امن بالزي المدني لما كان يهم بالدخول إلى مقر الموقف لتغطية الندوة الصحفية …دليل أخر لمن كان في حاجة إلى دليل على انتهاك حرية الإعلام في اليوم العالمي لحرية الصحافة قائمة الشخصيات الوطنية أعلن السيد خميس الشماري خلال الندوة الصحفية عن قائمة الشخصيات الوطنية الممضية على إعلان مساندة الموقف وهم السيدات والسادة : 1 – احمد ابراهيم: سياسي وجامعي 2 – مصطفى بن جعفر: سياسي وطبيب 3 – حمه همامي: سياسي واعلامي 4 – مختار الطريفي: محام وحقوقي 5 – علي العريض: سياسي ومهندس 6 – خديجة الشريف: جامعية وناشطة نسائية 7 – خميس الشماري: اعلامي وسياسي 8 – سعدون الزمرلي: وزير سابق وحقوقي 9 – سعيد المستيري: طبيب وكاتب 10 – عمر الشاذلي: وزير سابق 11 – أحمد ونيس: سفير سابق 12 – محمد النوري: محام وحقوقي 13- جلول عزونة: جامعي واديب 14- لطفي حجي: اعلامي 15 – محمد علي الحلواني: جامعي وسياسي 16 – عبد الرزاق كيلاني: محام 17 – بشرى بلحاج حميدة : محامية وناشطة نسائية 18 – مصطفى يحياوي: نائب في البرلمان 19 – عادل الشاوش: نائب في البرلمان 20 – ثامر ادريس: نائب في البرلمان 21 – نور الدين الطرهوني : نائب في البرلمان 22 – سالم رجب: نائب سابق 23 – راضية نصراوي: محامية وحقوقية 24 – سناء بن عاشور: جامعية وناشطة نسوية 25 – الطاهر بن حسين: اعلامي وسياسي 26 – عبد الرؤوف العيادي: محام وسياسي 27 – عبد الستار بن موسى: عميد سابق للمحامين 28 – محمد عبو: محام وناشط سياسي 29 – محمد جمور: محام وناشط سياسي 30 – حاتم الشعبوني: اعلامي وحقوقي 31 – صالح فورتي : اعلامي 32 – زياد الدولاتلي : صيدلاني وسياسي 33 – حمادي الجبالي : اعلامي وسياسي 34 – عزام محجوب: جامعي 35 – العياشي الهمامي : محام وحقوقي 36 – بسام بونني: إعلامي 37 – سامية عبو: حقوقية 38 – العربي شويخة: إعلامي 39 – رؤوف حمزة : جامعي 40 – محمود الذوادي: اعلامي 41 – حفيظة شقير: جامعية وناشطة نسائية 42 – جليلة بكار: فنانة في الحقل المسرحي 43 – الفاضل الجعايبي: مخرج ومسرحي 44 – فاطمة بن سعيدان: فنانة في الحقل المسرحي 45 – عمر الشتوي: محام 46 – مختار اللواتي: إعلامي 47 – ناجي مرزوق: حقوقي وناشط سياسي 48 – نور الدين فلاح: حقوقي 49 – جنيدي عبد الجواد: جامعي 50 – سمير الطيب: جامعي 51 – أنور بن قدور: جامعي ونقابي 52 – سعيدة قراش: محامية وناشطة نسائية 53 – أحمد خصخوصي: جامعي وسياسي 54 – أنور القوصري: محام وحقوقي 5 – منذر الشارني: محام وحقوقي 56 – عبد الله الزواري: إعلامي 57 – عبد الكريم الهاروني: مهندس وسياسي 58 – مسعود الرمضاني: نقابي وحقوقي 59 – جمال بيدة: محام 60 – هشام موسى: جامعي 61 – توفيق الشماري: حقوقي 62 – روضة الغربي: جامعية 63 – حميدة الدريدي: طبيبة 64 – نورة البرصالي: إعلامية 65 – عبد الجليل البدوي: جامعي 66 – جمال مسلم: حقوقي 67 – عبد الرحمان الهذيلي: حقوقي 68 – عدنان الحاجي: نقابي 69 – محمد الصالح فليس: ناشط سياسي وحقوقي 70 – خالد الكريشي: محام 71 – رضا بالحاج: محام 72 – عمر الصفراوي: محام 73 – سليم بن عرفة: استاذ ناشط سياسي 74 – توفيق حويج 75 – الهادي عيادي: جامعي 76 – زهير بن يوسف: جامعي وحقوقي 77 – عبد الستار السحباني: جامعي ونقابي 78 – علي المحجوبي: جامعي 79 – سامي الطاهري: نقابي 80 – جلال صالح: نقابي 81 – العيد الماجري: نقابي 82 – الطاهر شقروش: ناشط سياسي 83 – عمر جيلاني : ناشط سياسي 84 – عمر بالهادي: جامعي 85 – عبد اللطيف عبيد: ناشط سياسي 86 -خميس سقرة: نقابي 87 – مختار كريم: جامعي 88 – عدنان منصر: جامعي 89 – منجي عزابو: جامعي 90 – بلقيس مشري: ناشطة نسائية 91 – محمد علولو: طبيب 92 – عبد الكريم العلاقي: جامعي وحقوقي إضراب جوع تضامني أعلن الصحفي محمد معالي في الندوة الصحفية عن دخول 10 صحافيين في إضراب عن الطعام ليوم واحد تضامنا مع زميليهما خشانة واللوز وتشمل القائمة السادة: محمود الذوادي ومحمد معالي وتوفيق العياشي وسفيان الشورابي وأيمن الرزقي واسماعيل دبارة وسمير ساسي وسامي نصر ومحمد الحمروني ومحسن المزليني. رسالة المضربين عن الطعام في يوم حرية الصحافة توجه الأخوان رشيد خشانة ومنجي اللوز بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة برسالة الى زملائهما الإعلاميين ذكرا فيها بانطفاء شموع كانت تضيء المشهد الإعلامي التونسي كصحف الرأي والمغرب العربي وديموكراسي والبديل والفجر ولوفار وأطروحات و15/21 والشهرية. وذكرا بما تعرض له الصحفيون من تشرد ونفي في الداخل والخارج وقالا “إننا نسعى من خلالكم ومعكم إلى عودة طيورنا المهاجرة الى موئلها … ولن يتأتى ذلك الا باستعادة الإعلام حريته وكسر الأغلال التي تقيد الصحفيين” الإعلامي محمد كريشان يتصل في اليوم العالمي لحرية الصحافة اتصل من الدوحة الإعلامي البارز بقناة الجزيرة السيد محمد كريشان بالمضربين للتعبير عن تضامنه الكامل معهما في نضالهما المشروع من اجل حرية الصحافة والتعبير في تونس . أمسية ثقافية : أحيى الفنان الملتزم ماهر بن علي أمسية ثقافية وفنية بمقر صحيفة الموقف تفاعل معها الحضور خاصة الشباب بما أنعش النفوس. ملحة الندوة الصحفية : في سؤال احد الإعلاميين المشرفين عن الندوة قال “ما هو تقييمكم لما يبدو انه نفس جديد في الإعلام من خلال الندوتين اللتين بثتا على قناة حنبعل وتونس 6…” فكان الضحك خير إجابة. فرع حمام الأنف للرابطة يصدر بيانا : اصدر فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بحمام الأنف بيانا بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة اعتبر فيه تزامن هذا الإضراب مع تاريخ 3 ماي ليس إلا دليلا أخر على سواد المشهد الإعلامي في بلادنا وعبر الفرع عن مساندته اللا مشروطة للمضربين ولأسرة تحرير الموقف ودعا إلى رفع التضييقات على “الموقف” ووضع حد للتتبّعات العدلية ضدها. إضرابات تضامنية في باريس تجمع إعلاميون تونسيون يوم 3 ماي في مقر الفدرالية التونسية لمواطني الضفتين بحضور رئيس الفدرالية الأخ محي الدين شربيب ونفذوا إضرابا رمزيا استمر يوما كاملا تضامنا مع الأخوين المضربين . .. وإضراب في الدوحة قام إعلاميون تونسيون بإضراب رمزي في الدوحة تضامنا مع الأخوين خشانة واللوز وشارك في الإضراب كل من الزملاء بسام بوننّي ونبيل ريحاني ومحمد فوراتي ونور الدين عويديدي .
المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتارييخ 3 ماي 2008
يوميات الصمود 9 تونس 4 ماي 2008
اعتصام وإضراب عن الطعام في قفصة اعتصم عدد من النشطاء في مقر الحزب الديمقراطي التقدمي بقفصة يوم السبت 3 ماي تضامنا مع المُضربين. كما شن 12 ناشطا سياسيا وحقوقيا يوم الأحد 4 ماي الجاري إضرابا عن الطعام تضامنا مع الأخوين خشانة واللوز، والمضربون هم عمار عمروسية وهادي الرداوي ورجب حاتم وفتحي تيتاي ورؤوف مزيود والحبيب التباسي وغزالة محمدي وفاهم بوكدوس وعفاف بن نصر وزكية عمروسية وحسن بن عبد الله وزياد الظاهري. … وآخر في بنزرت وفي بنزرت نظم النشطاء السياسيون والحقوقيون إضرابا عن الطعام في مقر الحزب الديمقراطي التقدمي تضامنا مع الأخوين خشانة واللوز. وتلقوا زيارات من نقابيين ومناضلين سياسيين وسجناء رأي سابقين وأمهات مساجين. … وآخر في صفاقس اعتصم الإخوة كمال عمروسيّة وهيثم المحجوبي وفتحي الشفي ومحمد العبيدي ومعز الباي، بمقر جامعة الحزب الديمقراطي التقدمي وقاموا بإضراب جوع تضامني من يوم 03 ماي إلى 04 ماي. … وآخر في قابس نفذ عدد من منخرطي جامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي إضرابا عن الطعام كامل يومي السبت والأحد ، ويعتبر هذا الإضراب احتجاجا على تتعرض له جريدة الموقف من مضايقات آخرها تعمد السلطة إقحام القضاء للانتقام من الحزب وصحيفته. وكان الإضراب فرصة لإطارات جامعة قابس للقاء بعض الأطراف السياسية بالجهة ناقـشوا معهم التطورات السياسية في تونس وخاصة منها تنقيح الفصل 40 من الدستور وتقييم عمل هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات. زيارات من تطاوين وسوسة وأدت وفود عديدة زيارات للمضربين في مقرهما وخاصة من سوسة الأختين أحلام جفال ونهلة القرفي والأخ رياض الحوار ومن تطاوين الأخ محمد بن فرح ومن تونس الإخوة مصطفى التليلي عضو الهيئة المديرة لرابطة حقوق الإنسان وجلول المسعودي الناشط الحقوقي ومليكة عاشور. حديث لإذاعة فرنسا الدولية أجرت الزميلة كارين فرانك من إذاعة فرنسا الدولية (فرانس أنتر) حديثا مطولا مع الأخ رشيد خشانة رئيس تحرير “الموقف” تطرقت خلاله لدوافع الإضراب عن الطعام وحالة الإعلام في تونس والضجة التي أحدثتها تصريحات الرئيس الفرنسي ساركوزي عن حقوق الإنسان في تونس والتي مازالت أصداؤها السلبية تتردد في وسائل الإعلام الفرنسية وكذلك للوضع الصحي للمضربين بعد ظهور بوادر إرهاق عليهما. وأكد الأخ خشانة أنه وأخيه اللوز مستعدان لأي حل يضمن عودة الأمور إلى المربع الأول قبل انطلاق حملة المضايقات ويحفظ “الموقف” من الإستنزاف وشدد على أنهما سيمضيان في الإضراب طالما لم تظهر بوادر تسوية تنقذ الصحيفة من الخنق المالي. … ولموقع “سويس أنفو” الناطق بالفرنسية تطرق الصحفي مارك أندري ميسراز في حوار طويل تصدر موقع “سويس أنفو” أكبر المواقع الألكترونية السويسرية مع الأخ رشيد خشانة إلى تداعيات الإضراب عن الطعام والظروف التي تعمل فيها الصحف المعارضة والمستقلة في تونس. وسلط الحوار أضواء كاشفة على تجربة “الموقف” الإعلامية وانواع المضايقات التي تسلط عليها لمحاصرتها وإجبارها على الإحتجاب. بدرخان ومعروف ينضمان للجنة المساندة انضم الإعلاميان البارزان عبد الوهاب بدرخان رئيس تحرير صحيفة “الجزيرة” الدولية التي تستعد شبكة “الجزيرة” لإصدارها من الدوحة ومحمود معروف مدير مكتب “القدس العربي” في المغرب العربي إلى اللجنة الدولية للتضامن مع الأخوين خشانة واللوز. تقرير نقابة الصحافيين تعرض التقرير السنوي الذي أصدرته النقابة الوطنية للصحفيين إلى التضييقات التي عانت منها “الموقف” وأشار بشكل خاص إلى المصادرات المتكررة التي لم تستند إلى أي قرار قضائي.
المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتارييخ 4 ماي 2008
موقع – ن و ص ت – التقرير السنوي حول حرية الصحافة في تونس 3 ماي 2008
توطئـة ………………………………………………………….. المناخ السياسي العام ………….…………………………………… التوجّهات العامة للصحافة التونسيّة………………..…………….…… الصحافة المقارنة………………………………………………….. الإطار التشريعي…………………………………………………… الصحافة العمومية .………….……………………………………. الصحافة الخاصة ………………………………………………….. صحافة الأحزاب والمنظمات………………………………………… الانتهاكات……………………………………………………….. أخلاقيات المهنة ……………………………………………….… الصحافة الإلكترونية……………………………..……………….. توصيــــات …………………………………………………….. توطئـــة انعقد المؤتمر الأوّل للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين يوم 13 جانفي 2008 بعد حلّ جمعية الصحافيين التونسيين لاستيفائها شروط تطوّرها التاريخي، وجاءت النقابة استجابة لتطلّعات عموم الصحافيين التونسيين وهي تصدر, بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة, تقريرها السنوي حول حرية الصحافة في تونس, لترصد من خلاله أوضاع الحريات الصحفية في البلاد ومختلف الانتهاكات والتضييقات التي واجهت ممارسة هذه الحريات. إن هذا التقرير الأول للنقابة, السابع للمهنة (بعد إنجاز ستة تقارير في إطار جمعية الصحافيين), هو حلقة في سلسلة نضالات الصحافيين التونسيين من أجل صحافة حرة ومواصلة لالتزاماتهم كما حددوه منذ أول تقرير في ماي 2002 إذ جاء في ديباجته أننا “نضطلع بدورنا الطبيعي ونتحمل مسؤولياتنا في النهوض بقطاعنا بكامل الموضوعية وبعيدا عن التحامل. فالغاية هي أولا وأخيرا السعي إلى الارتقاء بواقع الإعلام ببلادنا وتأكيد قدرة الصحافيين التونسيين على المساهمة في ترسيخ صحافة وطنية تليق ببلادنا وتخدم قضايانا وتحترم حق مواطنينا في إعلام حر وتعددي وديمقراطي”. وتعتبر النقابة أن ممارسة حرية الصحافة ليست عملية معزولة عن المناخ السياسي العام وعن سائر الحريات مثل حرية التنظم وحرية التظاهر وحرية الرأي والتعبير بشكل عام , في إطار يحترم التعددية السياسية والثقافية وحق الاختلاف وحق الجميع في التعبير عن أرائهم من خلال وسائل الإعلام المختلفة. إن دور الصحافة أساسي وحيوي في ترسيخ أي بناء ديمقراطي, وذلك من خلال توفير الفضاءات الإعلامية التي تضمن ممارسة الاختلاف والجدل وتطوير حرية التفكير والعقل النقدي, وإثراء التعددية الفكرية والسياسية. كما أن من أهم أدوار الصحافة, وخاصة الصحافة العمومية, توفير فضاءات ذات مصداقية لممارسة الاختلاف ومقارعة الحجة بالحجة وإثراء النقاش والحوار الفكري والسياسي, وتطوير حرية الفكر. لذلك لا يمكن تصور مجتمع ديمقراطي دون وسائل إعلام وصحافة متطورة وتعددية قادرة على أن تعكس مختلف الآراء والمواقف وتبلغ للرأي العام مختلف الأخبار حول القضايا التي تهمه في إطار من الموضوعية واحترام أخلاقيات المهنة وميثاق شرفها. وتعتبر النقابة أنه من الضروري أن تمر بلادنا من الحديث عن حرية الصحافة إلى ممارسة هذه الحرية, وان ممارسة هذه الحرية لا يمكن أن تتم بشكل جدي, إلا إذا توفرت شروط محددة أهمها ضمانات حرية التعبير واحترام التعددية السياسية والاديولوجية والثقافية والفكرية على أرض الواقع, وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة والمعطيات التي تهم المواطن التونسي حول الشأن العام بكل حرية. المناخ السياسي العام تحت عنوان المجهود الدولي لمقاومة الإرهاب كانت مهنة الصحافة محل تضييق في مناطق عديدة من العالم. وقد شجع النموذج الأمريكي السيطرة الأمنية على عديد المجتمعات والحد من مساحة الحريات بها. وعربيا أصدر مجلس وزراء الإعلام العرب بتاريخ 14 فيفري 2008 ما سمي ب”وثيقة مبادئ البث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية” بعد توصية رفعها مجلس وزراء الداخلية العرب. وتضمنت الوثيقة ترسانة من الضوابط والإلزام والموانع غير المحددة بدقة مثل الإرهاب والسلم الاجتماعي والنظام العام والآداب العامة والمصلحة العليا والتضامن العربي… وهي مفاهيم فضفاضة وخاصة ما يتعلق بـ”عدم تناول قادة الدول والرموز الوطنية والدينية بالتجريح”, وكلها تهدف إلى تضييق الخناق على وسائل الإعلام وتوسيع دائرة القمع والمنع والمحاصرة على حساب هوامش الحرية. ولم يكن الإعلام في تونس معزولا عن المناخ العام عربيا ودوليا, إذ ظل يرزح تحت وطأة الأسلوب الدعائي الأحادي, بعد أن شهد في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي تجربة متميزة, تم إجهاضها مع بداية التسعينات, نتيجة الصراع الدائر آنذاك بين السلطة والتيار الأصولي, وهو ما أدى أيضا إلى التراجع عن عديد المكاسب التي تتعلق بالحريات. وقد تفاقمت هذه الوضعية مع ما عرف بالحرب الدولية ضد الإرهاب, وتزايد الهاجس الأمني في المنطقة. وقد سنّت تونس في 10 ديسمبر2003 القانون المعروف بمعاضدة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال, والذي كانت له انعكاسات خطيرة على بعض المحاكمات في قضايا إرهاب وخاصة ما تعلق منه بمسألة عدم مراعاة السر المهني وهو جوهر العمل الصحفي. إن إعلامنا الوطني, والعمومي خاصة, لم يتمكن إلى حد الآن من تجاوز الخطاب التبريري السطحي, ولم تستطع بعض المحاولات الجادة سواء من قبل بعض صحف الأحزاب أو المؤسسات الإعلامية الخاصة, أن تنقل إعلامنا إلى مرحلة التعددية الفعلية رغم تعدد العناوين وتنوعها. شهدت السنة المنقضية التي يشملها هذا التقرير)3 ماي 2007 ـ 3 ماي 2008) حدثا تاريخيا هاما بالنسبة إلى الصحفيين التونسيين والمتمثل في حل جمعية الصحفيين التونسيين وتأسيس النقابة الوطنية للصحفيين التي ورثت الرصيد المادي والمعنوي للجمعية. ومثّل المؤتمر الأول للنقابة يوم 13 جانفي 2008 منعرجا حاسما في تاريخ مهنة الصحافة في تونس, إذ اختار الصحفيون ممثليهم لأول مكتب تنفيذي في مناخ ديمقراطي وشفاف كان محل تقدير مختلف الأطراف الوطنية والدولية. عبرت النقابة منذ البداية عن رغبتها في العمل والحوار مع جميع الأطراف الوطنية في إطار احترام استقلاليتها. فالاستقلالية, بالنسبة إلينا, تعني رفض كل توظيف لها من أي طرف كان في السلطة أو خارجها, باعتبار أن النقابة طرفا اجتماعيا يدافع عن المصالح المادية والأدبية لمنظوريه, وعن حرية الصحافة والإعلام شرطا ضروريا لممارسة المهنة الصحفية. التوجّهات العامة للصحافة التونسيّة لم تتمكن الصحافة التونسية سواء المكتوبة أو المسموعة والمرئية إلى حد الآن من تجاوز الخطاب التبريري والدعائي أحادي الرؤية ورغم تعدد العناوين الصحفية، إلا أنها لم ترتق إلى تعددية فعلية ذلك أن العديد من الآراء والأسماء ممنوعة من الظهور. فإعلامنا مازال يرزح تحت وطأة سلسلة من الطابوهات التي تتسع حينا وتتقلص أحيانا، حسب الظروف السياسية والأمنية، الأمر الذي انعكس سلبا على المشهد الإعلامي شكلا ومضمونا، فأصبحت مضامينه في جلها متخلفة رغم وجود أعمال راقية وجريئة من حين لآخر، ولكنها تظل استثناء في مشهد سيطرت عليه اللغة التقريرية والتأكيدية، وسيطرت عليه المضامين الربحية التي تجد تجليها الأقصى في الإشهار على حساب المضامين الصحفية. إن هذه الصورة دفعت بالمتلقي سواء كان قارئا أو مستمعا أو مشاهدا إلى بعض الفضائيات ذات الاستقطابات الجنسوية واللاهوتية الخرافية حد التطرف. لقد استطاعت تلك الفضائيات “الملجأ” أن تؤثر على نسبة من المتلقين وخاصة الشباب منهم وكان تأثيرها في الاتجاهين، إما الميوعة أو التطرف الديني الذي بلغ أحيانا مداه في اختيار النهج العدمي برفع السلاح ومحاولة استهداف مؤسسات البلاد ومكاسب المواطن… إن إعلامنا خاصة الرسمي منه يقدم المعلومة الموجهة وغير الدقيقة, ولعل ما تقدمه وكالة تونس إفريقيا للأنباء خير دليل على ذلك إذ مازالت المعلومة تقدم قطرة قطرة خاصة في الأحداث الهامة، وتكون في غالب الأحيان دون دقة بل وتجانب الواقع في العديد من المناسبات مع إقصاء ممنهج للرأي الآخر. وإضافة فقدان الثقة في المعلومة التي تقدمها صحافتنا، تم خلق حالة من الفراغ في مجتمعنا عبأتها مظاهر خطيرة مثل الجريمة واللامبالاة والتطرف… ولذلك فإنه من الأكيد أن يتم تحصين مجتمعنا عبر بوابة الإعلام بقيم العلم والعلمانية والتقدم والحداثة. الصحافة المقارنة رغم عراقة التجربة الصحفية التونسية منذ “الرائد” إلى اليوم ورغم نوعية وكفاءة العنصر البشري الذي أثبت قدرة وحرفية عالية جدّا اذا توفرت له الفرصة خارج الحدود, ورغم بلوغنا مرحلة تصدير الكفاءات الصحفية إلى كبريات وسائل الإعلام والفضائيات العالمية, إلا أن صحافتنا مازالت تراوح مكانها منذ التسعينات. وقد أصبح جليا لكل متابع النقلة النوعية التي عرفتها الصحافة الجزائرية أو الصحافة المغربية وكذلك الصحافة الموريتانية, وبعض التجارب العربية الأخرى التي لم يتوفر لها تاريخ الصحافة التونسية, لكنها استطاعت أن تراكم نوعيا وكميا وتحقق نقلة هامة. فالصحافة الجزائريّة, خاصة المكتوبة, ورغم ما تعانيه أحيانا من قيود، إلا أنها تطرق كلّ المواضيع بجرأة وحرية وحرفية كبيرة، هذا فضلا عن تمكن تلك التجارب من بلوغ المعلومة بيسر عكس ما هو معمول به في تونس، إذ أصبحت القاعدة هو عدم وجود المعلومة أصلا، واستثنائيا، وان تمّ توفير معلومة، فإنّها تكون إمّا خاطئة ومجانبة للواقع أو موجّهة ومشحونة بالسياسوي. إنّ الصحافة التونسيّة لا تنقصها التجربة أو الكفاءات، ومع ذلك لم تتمكّن من مسايرة المتغيّرات العالميّة خاصّة على الصعيد التكنولوجي مما جعلها تراكم الفشل وتكرار النمطي، فأعادت إنتاج أزمتها من جديد وشكلت دورة للأزمة تتحرّك ضمنها، وهو ما تشهد به كلّ الأطراف سواء من أهل الاختصاص أو من المتلقين أو من أعلى هرم السلطة. الإطار التشريعي يعتبر الصحافيون التونسيون حلّ جمعيّة الصحافيين التونسيين يوم 12 جانفي 2008، وبعث النقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين ـ إثر هذا التاريخ بيوم واحد ـ الحدث الأبرز، لينضاف هذا الهيكل النقابي إلى النسيج الجمعياتي، واقعًا وقانونًا. وانتقلت بذلك هيكلة القطاع الصحفي من قانون الجمعيات إلى مجلّة الشغل، مع ما يسمح به هذا الأمر من توسيع مجال الفعل وقدرة التدخّل دفاعًا عن مصالح الصحافيين الماديّة والمعنويّة. خصّص المشرّع ضمن مجلّة الشغل بابًا حول «القانون الأساسي للصحافيين الصناعيين»، حين قصد بالأمر الصحافيين المحترفين «Les journalistes professionnels»، تضمّن 12 فصلا قانونيّا. نصّ الفصل 408 من مجلّة الشغل على أنّ أحكام الفصول المعنيّة بالصحافيين، بدءا بالفصل 397 إلى الفصل 405، تكتسي جميعها صفة النظام العامّ، أيّ أنّ مخالفتها تدفع النيابة العموميّة إلى إثارتها من تلقاء نفسها، دون الحاجة إلى شكاية. كما ينصّ الفصل 406 من المجلّة ذاتها على أنّ «كاتب الدولة للأخبار والإرشاد» (وزير الاتصال حاليا) يحرّر في شهر جانفي من كلّ سنة قائمة في أرباب المؤسّسات الصحافيّة التي تحترم حقوق الصحافيين. في حين يفرض الفصل 407 من مجلّة الشغل حرمان المؤسّسات غير المحرّرة بالقائمة ذاتها المنصوص عليها في الفصل 406، من المال العمومي المتأتّي من الإشهار، ومن ثمّة ينحصر التمتّع وجوبًا ضمن المؤسّسات التي تحترم هذه الحقوق. وعلى هذا الأساس تطالب النقّابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين بضرورة الالتزام بتنفيذ ما ورد بمجلّة الشغل، وبأن تقوم النيابة العموميّة في هذا المجال بدورها المنصوص عليه بالفصل 408 من المجلّة نفسها. أمّا بخصوص مجلّة الصحافة، فقد بدا واضحا أنّها لا تنسجم البتّة مع الواقع الصحفي الراهن، سواء تعلّق الأمر بالتحوّلات التكنولوجيّة التي يشهدها القطاع، أو ببروز أساليب صحفيّة جديدة، وتأكد ذلك, في أكثر من مناسبة, أنّ عديد الوقائع والأحداث كانت متجاوزة لأحكام هذه المجلّة وفصولها، ممّا دفع بعض الدوائر القضائيّة إلى اللجوء إلى المجلّة الجنائيّة أو مجلّة الاتّصالات، أو قانون معاضدة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب، في قضايا متعلّقة بالنشر. رغم أنّ المجلّة تحمل تسمية «مجلّة الصحافة»، إلاّ أنّها لا تورد لفظ «صحفي» سوى مرّتين. الأولى ضمن الفصل 30 في إشكال متعلّق بالتعقيب على ردّ الصحفي، والثانية في الفصل 31 الذي يتعلّق بحقّ المحكمة في وضع حدّ للردّ إذا تبيّن مخالفته للقانون.. أو النيل من شرف الصحفي أو من مكانته. في حين أن المشرّع يورد في مجلّة الصحافة لفظ «يُعاقب» 30 مرّة، ولفظ «السجن» 17 مرّة، ولفظ «مُخالف» 15 مرّة، ولفظ «يُحجّر» 7 مرّات… هذا الأمر يدّل بوضوح على الطابع الزجري لمجلّة الصحافة وصبغتها العقابيّة، التي جاءت محدّدة للواجبات، دون الدفاع عن الحقوق. كما أنّ المشرّع صدّر العديد من القوانين الزجريّة من مجلّة الصحافة إلى مجلاّت وقوانين أخرى، مثل المجلّة الجزائيّة وغيرها…. تطالب النقّابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين ـ بمناسبة إصدار تقرير الحريّات ـ بإجراء تحويرات جذرية على مجلّة الصحافة، كما تطالب بأن تكون النقابة شريكًا في صياغة هذه القوانين، مذكّرة بأنّ الأصل هو الحريّة وعدم وجود قوانين تضيّق على المهنة. كما وجب التذكير أن الاتفاقية المشتركة التي تمثّل الإطار القانوني المحدّد لعلاقة الصحافي العامل في مجال الصحافة المكتوبة بمؤجّره, تأتي شاملة كذلك التقنيين والفنيين والعمّال في هذه المؤسّسات. هذه المجلّة لم تعد قادرة على ملائمة التغيّرات التي يشهدها القطاع الإعلامي عمومًا، ومن ثمّة تطالب النقابة الوطنيّة للصحافيّين التونسيين بضرورة إيجاد اتّفاقيّة مشتركة خاصّة بالصحافيين جميعهم، معتبرة أنّ الأمر أصبح حتميّا، تقتضيه المرحلة الراهنة، خاصّة بعد بعث النقّابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين التي تمثّل الهيكل القانوني الممثّل لعموم الصحافيين. كذلك تفترض هذه المرحلة ـ سواء على مستوى الواقع أو القانون ـ أن تضطلع النقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين بدور المفاوض نيابة عن الصحافيين التونسيين في المفاوضات الاجتماعيّة، وفق ما ينصّ عليه الفصل 39 من مجلّة الشغل التي يجعل تعيين النقابة الأفضل تمثيلا من مشمولات وزير الشؤون الاجتماعيّة. علمًا وأنّ «أفضليّة التمثيل» تعني الأسبقيّة على المستويين النوعي والكمّي. الأوّل في مدى الاقتراب والعلاقة بالقطاع، والثاني في عدد المنخرطين. إنّ النقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيّين تستوفي الشرط الأوّل كما الثاني، ومع ذلك تسعى بعض الأطراف إلى إقصاء النقّابة من هذه المفاوضات، علمًا أنّها راسلت في أكثر من مناسبة الوزير الأول ووزير الشؤون الاجتماعيّة في الغرض، ولم تتلقّ أي ردّ. وترى النقّابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين أنّ الاتّفاقيّة المشتركة الحالية، لا يمكن أن تمثّل إطارًا قانونيّا لضمان حقوق الصحافيين، بل تمّ التفريط في بعض الحقوق الأساسيّة، مثل «عطلة المرض»، وكذلك الشأن بالنسبة للترقيات. كما يأتي الفصل 7 من الاتّفاقيّة المشتركة، خاصّة في جزئه المتعلّق بانتداب المتعاونين مشرّعا لفتح الباب أمام المؤجّر لاستغلال الصحافيين تحت عنوان «متعاون»، أو استخدام دخلاء على المهنة، بما في ذلك تمكينهم من مسؤوليات في التحرير. وتطالب النقّابة الوطنيّة بإلغاء التعامل بصيغة المتعاون، وتحديد العلاقة الشغليّة على قاعدة العقد القانوني، حصرًا ودون سواه. كذلك تنصّ الفقرة الأخيرة من الفصل 11 (جديد) من الاتّفاقيّة المشتركة، حسب الملحق التعديلي 8 على أنّه «يمكن ترقية العامل من صنف إلى صنف آخر بعد اجتياز اختبار مهني»، ممّا يمثّل تفريطا واضحًا وتنازلا عن الحقوق المكتسبة للصحافيين، إذ يمكن للمؤجّر ـ وفق هذا الفصل ـ أن يمتنع عن إجراء أيّ اختبار مهني، وبالتالي إبقاء الصحفي «حبيس» الصنف ذاته مدى حياته المهنيّة، في حين أنّ الأمر يستوجب تحديد العدد الأقصى من السنوات التي يقضيها الصحافي ضمن صنف بعينه. وتطالب النقّابة بتوسيع دائرة التمثيل في المجلس الأعلى للاتّصال باعتماد قاعدة الانتخاب عوضًا عن التعيين. إن نظر مجلس النوّاب في مشروع قانون تحويل المجلس الأعلى للاتّصال إلى مؤسّسة عموميّة تتمتّع بالشخصيّة القانونيّة والاستقلال المالي وتعزيز مهامه، تعتبره النقابة الوطنية للصحفيين أمرا إيجابيا لأنه يوسع من صلاحيات المجلس ومهامه، إلاّ أنّ اعتماد قاعدة التعيين لا تسمح بتجاوز حالة الولاء. مراجعة بعض النصوص التشريعية الخاصة بالصحفيين النظام الأساسي الخاص بمؤسستي الإذاعة والتلفزة : إن النظام الأساسي الخاص بأعوان مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية (المصادق عليه بالأمر عدد 1788 لسنة 1999 المؤرخ في 23 أوت 1999) أصبح لاغيا بعد إقرار الفصل الهيكلي داخل المؤسسة وتقسيمها إلى كل من : “مؤسسة الإذاعة التونسية” و”مؤسسة التلفزة التونسية”. وبناء عليه أصبح ضروريا انفراد كل مؤسسة بنظام أساسي خاص بها إلاّ أنه منذ إعلان الفصل فعليا منذ شهر سبتمبر 2007 إلى حد الآن لم يقع النظام الأساسي الخاص بأعوان كلا المؤسستين لم ينطلق بعد، و تؤكد النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين على ضرورة تشريكها وإسهامها في الأعمال التحضيرية لصياغة مشروع قانوني “النظام الأساسي الخاص” بكلا المؤسستين بهدف تمثيل زملائنا الصحفيين. إسناد بطاقة صحفي محترف: تحتاج النصوص التشريعية الخاصة بإسناد “بطاقة الصحفيين المحترفين” إجراء تنقيحات ومراجعة لعديد الفصول بما يتلاءم والواقع المهني للصحفي اليوم إذ تعددت المواقع والمجالات في كل من الصحافة المكتوبة والإعلام السمعي البصري والإعلام الالكتروني, وتدعو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى ضرورة أن تتحول “بطاقة صحفي محترف”إلى حصانة مهنية للصحفي أثناء أداء واجبه المهني في جميع المواقع والأوقات وأن ترفق بامتيازات حقيقية مثل الإعفاء التام من معاليم النقل في جميع وسائل النقل العمومي داخل البلاد التونسية وتمكين حامل “بطاقة صحفي محترف” من تخفيضات حقيقية في معاليم النقل الجوي والبحري. ومن الضروري إجراء تعديلات على “النظام الداخلي” الخاص بإسناد “بطاقة صحفي محترف” بما يتماشى مع واقع المهنة اليوم وتمكين كافة منخرطي نقابة الصحفيين من البطاقة باعتبار النقابة هي الطرف الذي يحدد هوية الصحفي. تعريف الصحفي المحترف من منظور نقابة الصحفيين الصحفي المحترف هو الذي يشغل بصفة أصلية ومتواصلة ومنتظمة مهنة الإبداع في تحرير نشرية دورية أو إخبارية سواء كانت مكتوبة أو إذاعية أو تلفزية أو الكترونية أو في وكالة للأنباء لقاء أجر يمثل مورده الأساسي الذي يجب أن يتجاوز 90 بالمائة من مداخيله المالية. ويعتبر المراسل بتونس أو بالخارج الذي تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها أعلاه صحفيا محترفا كما يعتبر صحفيا محترفا ممن تتوفر فيهم مقتضيات ما ذكر أعلاه الرسامون اليدويون والمصورون والمخبرون. ولا يعتبر المتعاون الظرفي والخارجي والمستشار والعامل في الاشهار وجميع من لا يقدم إلا مساعدة عرضية مهما كانت صفتها صحفيا محترفا. الصحافة العمومية واصلت وسائل الإعلام العموميّة مثل التلفزيون الرسمي (قناة تونس7 وقناة 21 ) والإذاعات ووكالة الأنباء(وات) والصحف العمومية (لابراس والصحافة) كما هو الشأن منذ سنوات إعادة إنتاج خطاب إعلامي متخلف وجامد وأحادي, وكرست السياسة التي انتهجتها منذ بداية التسعينات ولازالت وهي سياسة الرأي الواحد والتعتيم واللغة الخشبية. وكالة وات تمثل وكالة تونس إفريقيا للأنباء أهم مصدر للأخبار الرسمية، وأكبر مؤسسة مشغّلة للصحافيين المحترفين في تونس. وهي تحتل موقعا مركزيا في المشهد الإعلامي الوطني وتلعب دورا حاسما في تسطيح وتنميط الخطاب السياسي والإعلامي. فبرقيات وكالة تونس إفريقيا للأنباء، التي تشكل المادة التحريرية الأساسية بالنسبة إلى معظم الصحف الوطنية، ولنشرات الأخبار الإذاعية والتلفزية، تصاغ في شكل محاضر جلسات وتعاليق، بأسلوب جاف ورسمي، غير صحفي ومملّ، بحيث تطغى عليه اللغة الخشبية ويجانب كل القواعد المهنية والتقنية المتعارف والمعمول بها في وكالات الأنباء والتي تدرسها معاهد الصحافة. وقد تفاقمت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ أن قررت الإدارة العامة الجديدة أن تبث، يوميا، تعاليق وتحاليل سياسية، تمثل إنتاجا صحفيا تجاوزه الزمن تماما، بالنسبة لوكالة أنباء. ولا تعكس نشرة وكالة تونس إفريقيا للأنباء، وهي مؤسسة عمومية، واقع ولا تنوع الحياة السياسية والاجتماعية في تونس. و بالرغم من بعض الجهود على صعيد الإنتاج الجهوي فإن اختيار الأحداث التي تتمّ تغطيتها لا تمليه أهمية تلك الأحداث في حدّ ذاتها، بل في معظم الأحيان، التأثير والسلطة الفعلية أو المفترضة للشخصيات السياسية المعنية. فالكثير من الأحداث الهامة، ذات الطابع السياسي و الاجتماعي لا تجد أي صدى في نشرات أخبار الوكالة، في حين تجد أحداث أخرى أقل أهمية، ودون أية قيمة إخبارية بالنسبة للرأي العام، موقعا متميّزا في نشرات الوكالة. كما أن الآنية والسرعة، و هما من القواعد الذهبية لكل وكالات الأنباء غائبتان تماما في وكالة تونس إفريقيا للأنباء، التي كثيرا ما تسبقها الوكالات الأجنبية، وبوقت طويل في تغطية أحداث كبرى تهمّ تونس. فالأخبار المتصلة بأنشطة بعض وزارات السيادة تبثّ بتأخير يصل إلى 24 ساعة وأحيانا 48 ساعة كاملة. والريبورتاجات الخاصة بتلك الأنشطة يتمّ في معظم الأحيان إعادة كتابتها و صياغتها وتنميطها، دون علم الصحافيين، وحسب رغبة المسؤولين في المكاتب الصحفية لتلك الوزارات. وتتعامل الوكالة بنفس الطريقة في ما يخص بعض الأخبار الاقتصادية و الاجتماعية خاصة البيانات الصادرة عن بعض المؤسسات الدولية و التي يتطلب بثها الحصول على الضوء الأخضر من السلط المسؤولة التي تتولى تخليصها آليا من “الجوانب السلبية”. وتبقى تغطية أنشطة الأحزاب السياسية للمعارضة ولمكونات المجتمع المدني انتقائية جدّا ومنحازة. فالجوانب “الإيجابية” لتلك الأنشطة والمقبولة سياسيا هي وحدها التي تنقل و يتم إبرازها. أما بلاغات أحزاب المعارضة وكذلك بلاغات بعض المنظمات الوطنية، فإن الوكالة إذ تبثها فبأسلوب تمجيدي ورسمي لا يختلف في شيء عن الأسلوب المستعمل في تغطية أنشطة الحزب الحاكم. ويشتكي الصحافيون في وكالة تونس إفريقيا للأنباء، خاصة من التدخلات الخارجية في شؤون الوكالة فالضغوط تمارس، والتعليمات تعطى يوميا من طرف الملحقين الصحفيين وغيرهم من المكلفين بمهمّة، الذين لا يعتبرون الوكالة مؤسسة صحفية، بل مجرد صندوق بريد وصحافييها مجرد موظفين في خدمتهم. ولا توجد بالوكالة اجتماعات تحرير منتظمة والاجتماعات النادرة التي يتم تنظيمها تقتصر على كبار مسؤولي التحرير دون سواهم. أما آخر مناظرة لانتداب صحافيين أجرتها وكالة تونس إفريقيا للأنباء فتعود إلى أكثر من 15 سنة. ومعظم الانتدابات التي أجريت في السنوات الأخيرة تمت بشكل عشوائي، وغير مبرمج ومخالف للقانون الأساسي للمؤسسة، الذي ينصّ بوضوح على أن “المناظرة هي القاعدة الحصرية للانتداب”، وعلى أساس مقاييس بعيدة عن المهنية، ولا تأخذ في الاعتبار الحاجيات الحقيقية للمؤسسة. ورغم كل ذلك، فإن مصالح التحرير الرئيسية والتي تشكل عصب الوكالة، تشكو نقصا فادحا في الأعوان خاصة الناطقين بالفرنسيّة. وهذه الظاهرة تتضخّم أكثر باختلال التوازن الكبير الموجود في مستوى توزيع حجم العمل بين مصالح التحرير المختلفة، هو سبب الفوارق الكبيرة في مجال التأجير. وبالفعل، فإن عددا كبيرا من الصحافيين العاملين في مصالح، إنتاجها ضئيل، يتقاضون أجورا ومنافع متناسبة عكسا مع إنتاجهم، وتفوق بكثير الأجور التي يتقاضاها زملاؤهم في المصالح الأخرى الأكثر إنتاجا. ويبقى التقدّم في الحياة المهنية والتعيينات في الخطط الوظيفية وكذلك التعيين في الدورات التكوينية خاضعا، في أغلب الأوقات لاعتبارات خارجة عن نطاق المهنة. فالكفاءة، والتجربة والجدارة والإنتاج ليست مقاييس حاسمة للتدرج الوظيفي، ويوجد اليوم الكثير من الصحافيين من ذوي الخبرة يعملون تحت أوامر من هم دونهم كفاءة وخبرة. ويعتبر المناخ الاجتماعي داخل الوكالة على درجة كبيرة من الاحتقان, فهناك غضب خفيّ ومنتشر داخل قاعات التحرير، وهذا الواقع يثير لدى عدد متزايد من الصحافيين في الوكالة إحساسا عميقا بالقلق والإحباط والعزوف عن المبادرة. الإعلام السمعي البصري العمومي أمام كل التراكمات التي يعيشها واقع الإعلام في تونس, يتحمل المجال السمعي البصري الجزء الأكبر من المسؤولية في تردي المشهد الإعلامي التونسي, إذ نسجل نفورا متزايدا للمواطن التونسي مما تقدمه قنواتنا التلفزية أو محطاتنا الإذاعية, من إنتاج محدود, خال من النفس الإبداعي, ملتصق إلى حدّ بعيد بالطابع الرسمي الأحادي, رغم الرصيد الهائل من الكفاءات البشرية والخبرة في التعامل مع التقنيات الحديثة إضافة إلى تاريخ يتجاوز نصف قرن في العمل الإذاعي الوطني وأكثر من أربعين سنة من العمل التلفزي. وقد برزت مسألة الفصل بين مؤسستي الإذاعة والتلفزة ضمن أهم مستجدات القطاع السمعي البصري العمومي, وطرحت تساؤلات لدى بعض الإعلاميين حول الهدف الرئيسي من هذا الإجراء الذي تقبله جلّ العاملين في القطاع باللامبالاة في مؤشر يعكس القطيعة السائدة بين أصحاب القرار والصحفيين المغيبين عادة عن الاستشارات التي تخصّهم قبل غيرهم والتي تمثل آراؤهم فيها ركيزة هامة لإنجاح المشاريع والبرامج المعتمدة. ورغم جسامة المسؤوليّة الإعلامية التي يفترض أن تضطلع بها القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية العمومية, نلاحظ تعتيما لأهم الأحداث المطروحة على السّاحة الوطنية أو تناولا أحاديا يهمش الحقائق، وغيابا شبه كليّ للبرامج الحواريّة المتضمّنة للرأي والرأي الآخر حول عديد القضايا التي تطرحها الآنية على الصعيدين الوطني والدولي, كما يبقى البث المباشر مختصرا على تقديم النشرات الإخبارية دون سواها. يشتكي الزملاء الصحفيين في قناة تونس 7 من الرقابة ومن صنصرة ما يقدمون من منتوج في أغلب البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الرياضية. وتم حجب بعض البرامج الأخرى رغم نيلها استحسان المتلقي على غرار “قضايا في المجتمع” و”للحديث بقية” و”منتدى العالم”… من جهة أخرى شكل تحول قناة 21 من البث الأرضي إلى البث الفضائي مكسبا للقطاع وفضاء لعدد من الكفاءات الصحفية الشابة. وكان ينتظر أن تساهم هذه القناة في تقديم الإضافة للمشهد البصري الوطني, إلا أنها لم تقدم جديدا, وتحولت إلى فضاء يقتحمه كل الوافدين على عالم التنشيط من خلال الوساطات وليس الكفاءة. ويشتكي الصحفيون أن إدارة القناة تستولي على الأفكار الجديدة والمقترحات التي يتقدمون بها و”منحها” جاهزة إلى غيرهم. الانتداب العشوائي (نظام البيج) أدى غياب مناظرات انتداب الصحفيين في مؤسسة الإذاعة والتلفزة في السنوات السابقة, وفق حاجيات المؤسسة, إلى تفاقم الأوضاع المهنية وغالبا ما يتم إلحاق الصحفي بالمؤسسة وفق معايير شخصية وبطريقة عشوائية داخل أقسام الأخبار والقنوات الإذاعية والتلفزية. وأدّى هذا الوضع إلى ارتفاع عدد الصحفيين ذوي الوضعيات الهشة, ليبلغ عددهم اليوم حوالي 80 صحفيا تجاوزت أقدمية البعض منهم 10 سنوات. ورغم الوعود بإنهاء العمل بهذه الصيغة وتسوية الوضعيات الإدارية للصحفيين في السنوات الأخيرة, يبقى الوضع قائما في انتظار إعادة هيكلة المؤسستين وضبط مواردهما البشرية بعد إقرار فصلهما في شهر سبتمبر الماضي. وكان مطلب تسوية وضعيات الصحفيين قد طرح بإلحاح شديد في سنة 2006 من قبل جمعية الصحفيين التونسيين, وواصلت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين السعي لإنهاء هذا الإشكال بالتعاون مع وزارة الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين. وتتواصل معاناة الصحفيين المتعاونين من انعدام التغطية الاجتماعية والتأمين وارتفاع عدد ساعات العمل (معدل أكثر من 10 ساعات عمل يوميا) مقابل أجر زهيد لا يتجاوز 250 د بالنسبة إلى المتعاونين القارين أو مكافأة مالية عبر cachet ou Mémoire) تصرف للصحفي بعد مضي عدة أشهر عبر التدخلات وأحيانا تتجاوز السنة خاصة بالنسبة إلى المتعاونين الخارجيين من الصحفيين الذين يتعاملون “بالقطعة” (أي بالريبورتاج الإذاعي أو التلفزي). نظام الترقيات والتدرج المهني تتواصل معاناة الصحفي المرسم في ما يتعلق بنظام الترقيات والتدرج في السلم المهني فهو مجبر على الانتظار مدة زمنية لا تقل عن 12 سنة لإدراج اسمه في قائمة الارتقاء من درجة إلى أخرى. وقد ينتظر البعض أكثر من 20 سنة للتمتع بهذا الحق الذي لا يتم بصورة آلية بل باعتماد نظام التحاصص. كما أنّ إسناد الخطط الوظيفية لا يخضع لأيّ مقياس أو قانون، ولا يأخذ بعين الاعتبار الكفاءة والخبرة إلا نادرا, فيما تسند غالبا وفق التدخلات والميولات الشخصيّة والمحاباة مما قد يؤدي أحيانا إلى تسميات مؤقتة تدوم سنوات عديدة “Le PROVISOIRE QUI DURE” 1) غياب بعض «المنح الماليّة»: تحوّلت عديد المنح الماليّة «المشروعة» في مؤسّستي الإذاعة والتلفزة التونسيّة إلى “ترف” رغم أنّها حقّ مكتسب وفق القانون والتشريعات، ومعمول بها في القنوات الإذاعيّة والتلفزيّة الأخرى، مثل «منحة ساعات العمل بالليل وأيّام العطل» و«منحة الهندام اللاّئق» و«منحة التنقّل» و«حقّ الصورة» (Droit de visage)… 2) غياب الرسكلة والتكوين: إذا استثنينا عددًا قليلا جدّا من الدورات التكوينيّة التي يتمّ تنظيمها بالتنسيق مع «المركز الإفريقي لتدريب الصحفيين والاتصاليين» أو دورات التدريب بالخارج, التي انتفع منها صحافيو أقسام الأخبار، نلاحظ غيابًا شبه كليّ لهذه الدورات سواء في قناة تونس 7 أو قناة 21، وذلك رغم ما يشهده القطاع السمعي البصري من ثورة تكنولوجيّة تستوجب متابعة مستمرّة وتكوينًا متواصلا… الإذاعات الجهويّة إضافة للمعوقات العاديّة التي يعاني منها عموم الصحفيين ـ من ظروف عمل غير مشجّعة ـ يعمل الزملاء بالإذاعات الجهويّة في ظلّ صعوبات مضاعفة، إذ أن الوصول إلى المعلومة أشدّ صعوبة والتعامل مع السلط العموميّة أكثر تعقيدًا. و هذه الظروف لم تمنع الزملاء في إذاعات صفاقس والكاف والمنستير وتطاوين وقفصة من تقديم منتوج إعلاميّ على قدر من الحرفيّة، يتجاوز أحيانا ما تقدّمه الإذاعات المركزيّة، بالرغم من التباين الكبير في الإمكانيات. كذلك قدّمت هذه الإذاعات, وأساسًا من خلال البرامج الحواريّة, نماذج مقبولة عن تكريس صحافة القرب والالتصاق بمشاغل المواطن. أما وحدات الإنتاج التلفزيّة الجهويّة، فيقتصر دورها على تغطية الأنشطة الرسميّة، مع الإشارة إلى الإمكانيات الماديّة والتقنيّة المحدودة لهذه الوحدات. جريدة لابراس بادر مجموعة من الزملاء من صحفيي جريدة لابراس يوم 26 مارس الماضي إلى إحداث لجنة أطلقوا عليها اسم لجنة التفكير والإنقاذ لـ”لابراس” , وأصدروا تقريرا وذلك ردا على ما يتعرضون له من هرسلة وصنصرة والعمل في ظروف غير مقبولة, سببت تدهور الصحيفة التي بدأ يتخلى عنها قراؤها لما تقدمه من إعلام باهت ومجتر, يفتقد للحرفية, ولا يخدم القارئ ولا صورة البلاد إضافة للغة الخشبية المفروضة عليهم حسب ما جاء في التقرير. هذه المبادرة اعتبرها الزملاء ناقوس خطر لكي يتمّ اتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادة الصحيفة إلى مسارها الطبيعي . فحجم الأخبار والأنشطة الرسمية تجعل الجريدة تتخلى عن خصوصيتها لتصبح وكأنها جريدة للحزب الحاكم. لتؤكد تخليها عن دورها كفضاء للحوار الفكري وعلى مجالها كصحيفة قرب لأجل توجه حزبي . وقال الزملاء إن الرقابة تحولت إلى كارثة تهدد الجريدة بـ”أنيميا” عميقة. وجاء في التقريرأنه “لأننا نرفض هذه الأنيميا، قررنا أن نتحرك وأن ننبه السلطات المعنية. فالتقهقر في جودة الجريدة ليس بسبب الصحافيين ولكن بسبب الرقابة والتشويه القسري للمقالات، في كل الميادين : السياسة الوطنية والدولية، المجتمع، الاقتصاد، الثقافة، الرياضة، مجلة الأحد. وحتى ملحق الشباب وحالة الطقس”. ويقول الزملاء إن تشويه المقالات وصنصرتها عمل يوميّ. وتخضع المقالات التي تُعنى بالسياسة الوطنية والدولية وتلك المنتجة من طرف أقسام المجتمع والاقتصاد والرياضة والثقافة لرقابة شديدة الدقة، والمقالات التي تُصنصر كليا تعد بالعشرات. وحتى المقالات المتعلقة بالتوقعات الجوية أو التي تحتوي على معلومات رسمية وصلت للصحافيين من أقسام الوزارات لا تنجو من مقص الرقابة. وفي المناقشات حول الميزانية يقع حذف كل عمل صحفي ناقد وتمنع الإشارة إلى أي نائب برلماني يجرؤ على وضع إصبعه على المشاكل. فالصحافيون يقومون بعملهم بنقل فحوى المناقشات التي تدور في رحاب البرلمان. ويحذف المقال مباشرة كلما تعلق الأمر بنقد أو ملاحظة تتعلق بالمظاهر السلبية في إدارة شؤون البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وحتى أسماء النواب غير مرغوب فيها. ولا يستحق العناية غير كلام المدح والخطاب الرامي بطريقة غير مسؤولة إلى الإقناع بأن كل شيء على أحسن ما يرام وأنه في تونس ليس عندنا أي مشكل من أي نوع كان. جريدة الصحافة أما في جريدة الصحافة فإن الأمر لا يختلف كثيرا عن شقيقتها الكبرى لابراس , فالخطاب الرسمي الجامد واللغة الخشبية مازالا يمثلان السمة البارزة لهذه الصحيفة. ويشتكي الصحفيون من أن تهميشهم أمر يسير, خاصة مع غياب هيكلة واضحة للصحيفة ولا هوية قارة ولا حتى خط تحريري واضح , كما يشتكي الصحفيون من ظروف العمل السيئة التي يعملون بها مثل الاكتظاظ داخل قاعات التحرير وانعدام وسائل العمل. المؤسسات الخاصة الصحافة المكتوبة يمكننا مبدئيا أن نؤكد بأنه لا توجد أي مؤسسة صحفية خاصة تراعي القوانين المنظمة للمهنة والاتفاقية المشتركة بشكل تام, إذ تبقى العديد من الفصول القانونية متروكة لدى بعض المؤسسات فيما تصر بعض المؤسسات الأخرى على العمل خارج الأطر القانونية. الصريح ويمكن التأكيد مثلا أن جريدة “الصريح” اليومية لا تراعي أبسط القواعد المهنية سواء من جهة الشكل أو من جهة المضمون, فشكلا تسعى إلى محاكاة صحفا أخرى, أما من جهة المضمون فإن “الصريح” لا تعترف بمقاييس الأشكال الصحفية, فضلا عن نسخها لمقالات من صحف أخرى دون ذكر مصدرها بل ويعمد بعض العاملين بالصريح إلى إمضاء تلك المقالات المستولى عليها. وتتوخى هذه الجريدة أسلوب هتك الأعراض والسب والشتم وعدم احترام أخلاقيات المهنة والنصوص المتعلقة بتشغيل الصحافيين. الحدث صحيفة مختصة في ثلب الشخصيات الوطنية والمعارضين حد تخوينهم, وقد سبق للنقابة أن أشارت إلى ذلك وطالبت بالكف عن الممارسات المخلة بميثاق شرف المهنة وبالقانون, ويمكننا أن نؤكد أن جريدة “الحدث” ساهمت في إعطاء صورة سيئة عن المشهد الإعلامي في تونس. الإعلان أصبحت جريدة الإعلان منافسا جديا لـ”الحدث” في سب وشتم المختلفين في الرأي والوجهة, ولكنها تتجاوزها في استعمال أسلوب الإثارة خاصة في المادة الجنسوية. ومازالت مثل هذه الصحف تنأى بنفسها عن مربع العمل على تشغيل صحفيين محترفين, بل تعتمد بشكل يكاد يكون أساسيا على المتعاونين وبعض الأسماء التي لا صلة لها بالمهنة. الملاحظ مازالت هذه المجلة تعرف بتعديها على حقوق الصحفيين, وهي لا تراعي أبسط قواعد الاتفاقيات المشتركة, وتنتهج مجلة الملاحظ أسلوب التحصيل المادي السريع على حساب المضمون الصحفي الذي يكون في أغلب الأحيان في خدمة المادة الإشهارية, ومجلة الملاحظ هي بمثابة منبر دعائي أحادي الصوت أخبار الجمهورية قامت هذه الصحيفة الأسبوعية قبل أكثر من ثلاث سنوات بمحاولات جدية في اتجاه دعم روح المبادرة من أجل صحافة جريئة وحرة, إلا أنها تراجعت عن ذلك بشكل ملحوظ, واختارت طريق المواجهة مع الصحفيين إذ أصبحت علاقة الصحفي الشغلية والمهنية في “أخبار الجمهورية” خاضعة بالكامل لإرادة صاحب الجريدة ولمزاجه, وهو ما أثر سلبا على مضمونها وأدائها, ومع ذلك فإن افتتاحيتها تميزت في العديد من الأحيان بجرأتها وحرفيتها. الأخبار وتونس هبدو تسعى صحيفة “الأخبار” إلى تقديم مادة صحفية تلامس الدقة, إلا أنها لم تتمكن من بلوغ الحرفية المطلوبة, وذلك بسبب عدم اعتمادها في الغالب على صحافيين محترفين رغم هذا المشهد الضبابي الذي تغلب عليه الرداءة شكلا ومضمونا, فإن ذلك لا ينفي وجود بعض المحاولات الجدية, من أجل صحافة جادة ومسؤولة خاصة من خلال تجارب مثل : الشروق وافقت إدارة دار الأنوار بصحفها الأربع على تسوية الوضعيات المادية والمهنية للصحافيين وخاصة ترقياتهم القانونية ووفرت وسائل عمل ملائمة وخاصة الوسائل التكنولوجية. كما تسعى الشروق إلى تقديم مادة إخبارية جادة وإلى تطوير قدراتها شكلا. وتسجل النقابة بإيجابية ممارسة الصحفيين لحقهم النقابي والانتخابي بكل حرية في المؤسسة إلا أنها تنتظر من إدارة دار الأنوار إكمال تسوية وضعيات الصحفيين دون استثناء. وتلاحظ عل مستوى المضمون ارتفاع نسبة المقالات الإشهارية خاصة في “الشروق” و”Le Quotidien” والاعتماد على متعاونين للقيام بأعمال يمكن للصحفي القار القيام بها إضافة إلى تعيين متقاعدين وموظفين لتحمل مسؤوليات في التحرير مما يقطع الطريق أمام أبناء الدار في الترقي. كما يمكن ملاحظة انهيار مستوى التعبير اللغوي خاصة في الريبورتاجات التي تنشرها “الشروق” و”المصور” ولا تزال جريدة “الأنوار” رغم بعض الجدية والحرفية التي تبديها أحيانا لا تراعي قوانين الملكية الفكرية في ما ينشر بملحقها من مقالات يتم استنساخها من الأنترنت. دار الصباح تحاول “الصباح” تقديم مضمون صحفي جدي يهتم أكثر بالشأن الوطني والاجتماعي, وتعبر محاولات جريدة “Le Temps” التابعة للمؤسسة مدخلا لعمل صحفي قد يلامس المطلوب أحيانا, إذ قدمت حوارات مع شخصيات يعتقد أن ظهورها يتسبب في إحراج سياسي, هذا فضلا عن تقديمها لتحقيقات جدية رغم أنها لا تحيد عن أسلوب نقل بعض مقالات الغير من صحف أخرى خاصة في القسم القضائي. وتمثل “L’expression” المحاولة الأكثر جدية في طرقها لمواضيع حساسة بأسلوب جدي وبلغة راقية, إلا أن صحفا مثل “الأسبوعي” و”صباح الخير” لم تتجاوز منطق الإثارة وأسلوب الترويج للشعوذة والغيبيات والتحريض الديني المبطن أحيانا, رغم ما تبديه أحيانا “الأسبوعي” من جرأة وجدية في بعض المقالات. إلا أن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تنتظر من إدارة “دار الصباح” تسوية موضوع منحة الإنتاج للصحفيين التي ظلت عالقة منذ سبع سنوات, وتعبر عن قلقها من ظروف العمل المادية غير الملائمة في المؤسسة. ولا يزال الصحفي في دار الصباح الحلقة الأضعف أمام جميع الأطراف, فضلا عن اعتماد صحف دار الصباح على المتعاونين القارين, وتأمل النقابة أن تلغي إدارة المؤسسة عقود التعاون بالقطعة مع صحفيين يعملون منذ أكثر من خمسة أعوام بشكل مستمر ومتواصل وكامل الوقت, وتأمل النقابة في أن تبادر إدارة دار الصباح إلى تسوية وضعية الزملاء المتعاونين. الخبير رغم حداثتها فقد ساهمت هذه الصحيفة في تقديم إعلام مختص على قدر من الحرفيّة رغم وقوعها أحيانا في بعض الأخطاء المهنيّة، وتقوم هذه المؤسسة بتشغيل شبان من خريجي معهد الصحافة، إلا أن النقابة تأمل في تشغيلهم وفق مقتضيات الاتفاقية المشتركة دون سواها. وإن النقابة تنبه إلى أن تشغيل الصحفيين على أساس (SIVP) التربص للإعداد للحياة المهنية مخالف لما ورد بالاتفاقية المشتركة فضلا عن أنه يمكن أن يمثل بوابة لمراكمة مشكل بطالة الصحفيين بعد انتهاء عقود التربص على أساس تلك الآلية. حقائق رغم عراقة هذه المجلة ومساهمتها في محاولات الارتقاء بالمهنة, إلا أن نهجها في السنوات الأخيرة, أفقدها نسبيا أسلوبها وماهيتها, فيما يمكن أن تمثل مجلة “Realités” أرضية لصحافة تراعي الأساليب المهنية من خلال ما تقدمه من مادة جدية وتحقيقات وريبورتاجات تلامس مواضيع هامة. رغم ما يمكن أن تمثله المادة التحريرية في الصحافة المكتوبة من مواضيع إشكالية إلا أن كل الصحف والمجلات التونسية تتفق في تعاملها مع الصورة بطريقة اعتباطية, فهي تلتقي في عدم الإشارة إلى مصادرها في خرق واضح لقوانين الملكية الفكرية. صحافة الأحزاب في غياب صحافة رأي مستقلة وفاعلة في بلادنا يبحث الكثيرون عن البديل في صحافة الأحزاب خاصة مع تنوع العناوين بصرف النظر عن استمراريتها وظروف عملها. وعلى اختلاف الأحزاب وإمكانياتها المادية ورؤيتها للعمل الإعلامي ومدى مساهمته في التنمية بصفة عامة، نجد صحيفتي الحزب الحاكم “الحرية” و”الرونوفو” التين لا تعوقهما الإمكانيات المادية ولا الرصيد البشري ورغم ذلك يعكسان محتوى تحريريا أشبه بما تنشره الصحافة العمومية. ولا ينفي ذلك طرقها بعض المواضيع الهامة من حين إلى آخر. كما يعاني الصحافيون فيها من مشاكل وصعوبات مرتبطة بالتمتع بمختلف المنح, مع العلم وأنه تم مؤخرا تسوية وضعية الصحافيين العاملين بكلتا الجريدتين. أما صحف أحزاب المعارضة الممثلة في مجلس النواب فهي تحظى بدعم معلن وتتمتع بنصيب من الإشهار العمومي، ولكنها إما لا تحافظ على صدورها بانتظام على غرار “أفق” و “المستقبل” و”الوطن” أو أنها لا تحقق الإضافة سواء على مستوى تشغيل الصحفيين أو تطوير منتوجها الإعلامي، باستثناء جريدتي “الطريق الجديد” و”الوحدة” اللتين تصدران بانتظام وفي نسق تصاعدي على مستوى الشكل والمضمون. وفي المقابل تسجل صحافة الأحزاب وجود صحف حافظت على استمراريتها رغم افتقارها للدعم المادي مثل “الموقف” و”مواطنون” رغم التضييقات الممارسة عليها. ورغم اختلاف التصنيف يشتكي الزملاء الصحافيون العاملون بالصحف الحزبية بصفة عامة من العديد من النقائص مثل صعوبة الانتداب أو الاكتفاء بعمل بعض الموظفين بدل الصحافيين إضافة إلى الحرمان من الحصول على المنح وبطاقة الصحفي المحترف… إضافة إلى ذلك فإن الصحفيين العاملين في صحف الأحزاب لا يتمتعون بحقوقهم الاجتماعية والمادية, وتدعو النقابة صحف الأحزاب إلى التحلي بالموضوعية والمصداقية في أدائها المهني صحافة المنظمات تصدر منظمات عديدة في تونس صحفا ومجلات تحتل حيزا هاما في المشهد الإعلامي، ورغم توفر الإمكانيات المادية الضخمة لديها إلا أن مضمونها لم يرتق إلى مستوى المعايير الصحفية المتفق عليها ونادرا ما تنتدب صحافيين متفرغين باستثناء جريدة “الشعب” التي لم تتمكن من حسن استغلال الكفاءات الصحفية التي تزخر بها. الإعلام السمعي البصري الخاص رغم الإضافات التي شهدها القطاع الخاص في المجالين المرئي والمسموع يبقى عدد المؤسسات المؤشر لها بالعمل محتشما مقارنة مع عديد البلدان الأخرى عبر العالم اذ تختصر على قناة تلفزيّة وحيدة ( قناة حنبعل) و ثلاثة اذاعات (موزاييك و الجوهرة والزيتونة) في وقت يسجل فيه تزايدا في المطالب المودعة بوزارة الداخليّة للتمكين من تأشيرات لفتح فضاءات إعلامية ويبقي جلها دون ردّ: قناة حنبعل: رغم ما تبديه من جرأة خاصة في البرامج الحواريّة الاجتماعيّة والرياضيّة فإنّ قناة حنبعل تنقصها الحرفيّة. وتمثل بعض البرامج نقطة ضعف فادحة للقناة على غرار برنامج “الصراحة راحة” الذي لا يحترم أخلاقيات المهنة، فيما يعتبر برنامج “السلطة الرابعة” نقطة مضيئة في القناة. وتمثّل هذه القناة محاولة جدية وجادة للنهوض بالقطاع البصري والتميّز مقارنة بقنوات أخرى تتوفر لها إمكانيات أضخم, ويلاحظ تغييبا ملفتا للنظر للملفات السياسيّة وطنيّة كانت أم دوليّة والإخبار التي بقيت تختصر على استعراض للنشاط الرئاسي. وترجو النقابة من المسؤولين بقناة “حنبعل ” تسوية وضعيات الصحافيين خاصة المهنيّة والمادية. الحوار التونسي تبث من الخارج وأصبحت تستقطب اهتمام التونسيّين داخل البلاد وخارجها باعتبارها القناة التونسية الخاصة الوحيدة التي تنقل، رغم المضايقات التي يتعرّض لها صحافيّوها، جلّ المستجدّات المطروحة على الساحة الوطنية في مجالات مختلفة وعلى جميع الأصعدة والتي تتجاهلها بقية قنواتنا التلفزيّة العموميّة والخاصّة. وقناة الحوار تعوزها الإمكانيات مما أثر على حرفيتها. نسمة تي في قناة قناة غير محترفة ليست لها هوية ولا تقدم مادة إعلامية. موزاييك هي الإذاعة الأكثر رواجا حسب المتابعين، وقد نجحت خاصة في برامجها الحوارية على غرار برنامج “فوروم” إلا أنّها تساهم في تدنّي الذوق العام باستعمال لغة هجينة. وتعتبر موزاييك من أفضل المؤسسات الإعلامية في تونس التي توفر ظروف عمل ملائمة للصحافيين والعاملين بها. الجوهرة تسعى إلى محاكاة إذاعة موزاييك في برامجها رغم المجهودات التي يقوم بها الصحفيون العاملون بها لتقديم برامج تنافس إذاعة المنستير. وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من المطالب لبعث إذاعات وقنوات تلفزية خاصة منذ سنوات عديدة ولم تقع الاستجابة لها، واضطر بعضها إلى الهجرة إلى الأنترنات على غرار “راديو6” وتطالب النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين باعتماد مقاييس شفافة وواضحة وأن يتولّى المجلس الأعلى للاتصال النظر في المطالب. إضافة إلى أن العديد من المطالب المقدّمة للسلط المعنيّة التي تمتنع عن تسليم الوصل، وتطالب النقابة بإلغاء الفصل 13 من مجلّة الصحافة، والاكتفاء بمجرّد الإعلام، على أن يكون المجلس الأعلى للاتصال هو الجهة القانونيّة المخوّلة، مع التأكيد على دور نقابة الصحافيين في ذلك. المشروع السكني نظرا لأهمية الاستقرار الاجتماعي بالنسبة إلى الصحفي فإن إنجاز مشروع سكني في أقرب الآجال, يمثل ركيزة لهذا الاستقرار, ما ينعكس إيجابا على أداء الصحفي من منطلق الحق في السكن. وقد اشتغل عدد من الزملاء صلب جمعية الصحافيين التونسيين في لجنة السكن, على توفير المعطيات الأساسية لكل الاحتمالات الممكنة من أجل مشروع سكني لأكثر من 300 صحفي وقد أعدوا تقريرا في الغرض وتم تقديمه إلى الجهات المسؤولة المعنية. وتواصل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في النهج نفسه متبنية ما ورد في التقرير وما قام به الزملاء في هذا المجال. وتسعى النقابة إلى تحقيق هذا المشروع الذي يمثل مسعى أساسيا بالنسبة إلى الصحفيين ونقابتهم. وتعول النقابة على تفهم الجهات الرسمية لتحقيق هذا المطلب. الانتهاكات تعرض فريق تلفزي من قناة تونس7 إلى الإعتداء بالعنف من قبل أعوان الأمن يوم الأحد 6 أفريل بالملعب الأولمبي بالمنزه خلال مقابلة الترجي الرياضي التونسي والنادي الإفريقي. وراسلت النقابة وزير الداخلية للاحتجاج على هذا التصرف ولفت نظره إلى المضايقات الأمنية المتواصلة التي يتعرض لها الصحفيون الرياضيون بعديد الملاعب التونسية, ولوحظ بعد مراسلة النقابة تغييرا إيجابيا في طريقة التعامل مع الزملاء. – كما يتعرّض الزملاء الصحافيون إلى المضايقات وأحيانا الاعتداءات خلال تغطية التظاهرات الثقافية والرياضيّة وأثناء تغطية بعض المحاكمات. – تم منع الزميل أيمن الرزقي الصحفي بقناة “الحوار التونسي” يوم 13جانفي 2008 من دخول قاعة المؤتمر حيث يعقد المؤتمر الأول للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين, وذلك على الرغم من حصوله على بطاقة حضور من رئاسة المؤتمر. – تعرضت يوم 3 مارس الماضي الزميلة سهام بن سدرين عند عودتها من أوروبا إلى الإحتجاز وقالت إنه تم الاعتداء عليها بالعنف الشديد من قبل عناصر من الأمن. – منع الزميل لطفي حجي من عمله مراسلا لقناة الجزيرة القطرية, ولم يتمكن من الحصول على بطاقة الاعتماد من وكالة الاتصال الخارجي التي تمكنه من العمل كمراسل. – أقرت المحكمة الابتدائية بصفاقس يوم الجمعة 18 جانفي 2008 الحكم بالسجن لمدة عام على الكاتب الصحفي سليم بوخذير، وهو الحكم الذي كانت أصدرته ابتدائيا محكمة ناحية ساقية الزيت بتهمة الاعتداء بالقول على موظف حال مباشرته لوظيفته والاعتداء على الأخلاق الحميدة وعدم الاستظهار بما يثبت هويته . وتناشد نقابة الصحافيين السلط المعنيّة إطلاق سراح الزميل بوخذير لأنّ موقعه الطبيعي خارج السجن وبين أفراد عائلته وزملائه. – لا يزال العديد من الزملاء الصحافيين ضحايا الطرد التعسفي ينتظرون إعادة إدماجهم, على غرار الزميلة هندة العرفاوي من جريدة “لابراس” والزملاء رشيد حسني من “العرب” والعربي الصامتي من “الخبير” ومحمود العروسي من “أخبار الجمهوريّة”. وتعبر نقابة الصحافيين عن انشغالها من صدور أحكام قضائية شغلية ضدّ صحافيين مطرودين تعسفيا، مثل الزملاء من دار الصباح وغيرها. -تم حجز العدد 446 من صحيفة “الموقف” المؤرخ بيوم الجمعة 4 أفريل 2008 لدى الموزع (الشركة التونسية للصحافة) ولم توضع في الأكشاك سوى نسخ قليلة كان مصيرها الجمع من متعهدي التوزيع في صبيحة اليوم نفسه وحجزت أعداد أخرى حسب ما أكدت لنا مصادر من الصحيفة. كما تم استدعاء مديرها ورئيس تحريرها للمثول أمام المحكمة يوم 10 ماي المقبل بناء على دعوى من شركات تجاريّة, وكانت النقابة قد أصدرت بيانا في الغرض. – منع عدد من الصحفيين من القيام بتحقيقات حول قضية اختطاف السائحين النمساويين أو حتى تناولها. – لم تتناول المؤسسات العمومية أحداث الحوض المنجمي رغم تناول بعض الصحف الخاصة لها. أخلاقيات المهنة تواصل انتهاك أخلاقيات المهنة خلال الفترة التي يغطيها هذا التقرير, وتواصلت الخروقات وزادت حدتها في بعض الأحيان. وقد تلقت النقابة مراسلات من عديد الأطراف , من منظمات ومواطنين , تطرح عليها إشكاليات تتعلق بأخلاقيات المهنة. وقدم مواطنون من ولاية القصرين شكايات للنقابة تتعلق بسعي بعض الصحف “نشر قيم البغضاء واللاتسامح و إثارة النعرات الجهوية” . وعبر مواطنون من ولاية القصرين عن احتجاجهم مما نشرته صحيفة “الإعلان” حول الجهة بشكل تهكمي, معتبرين ذلك مسا بالكرامة وإهانة لجهة بأكملها”. كما عرفت بعض الصحف بممارسة السب والشتم وهتك أعراض الناس وتشويه صورتهم لدى الرأي العام الوطني, ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد التخوين والاتهام بالعمالة. ويستعمل هذا الأسلوب لتصفية الحسابات ضد شخصيات سياسية وجمعياتية, وتنشر هذه الخروقات إما كأخبار دون أن يكون لها أي سند أو إثبات أو تقدم في شكل تعاليق أو تحاليل غير مبنية على أسس موضوعية يتم الخلط فيها بين الرأي والتعليق والخبر, مع استعمال الكلام السوقي والنكت المبتذلة. وقد أصدرت النقابة يوم 03 مارس الماضي بيانا نددت فيه بأسلوب التخوين وهتك الأعراض معتبرة هذه الممارسات مخلة بشرف المهنة, وذلك على خلفية ما نشرته جريدة “الحدث”, التي واصلت حملتها بأكثر شراسة فيما بعد, إلى جانب صحف أخرى على غرار “الصريح”. ومن المؤكد أن هذه الممارسات تضر كثيرا بمصداقية الصحافة التونسية. ولا تقتصر عمليات الثلب وهتك الأعراض على الصحافة الورقية فحسب, فقد انخرطت بعض المواقع الإلكترونية في هذه الأعمال إذ تعرضت الباحثة الجامعية السيدة سلوى الشرفي إلى حملة تشويهية وتشهيرية على إثر نشرها لدراسة على الانترنات حول المكانة المخصصة للمرأة من خلال الفتاوى المنشورة على مواقع النات.وقد تميزت هذه الحملة بالعنف والشراسة إلى حد التشكيك والتخوين والتكفير والمس من كرامة صاحبة المقال وحقها في حرية التعبير والتفكير والمعتقد. المقالات الدعائية نشرت جريدة “لابراس” ، في طبعتي يومي الأحد والاثنين 23 و24 سبتمبر2007 مقالين بمناسبة تخصيص صحيفة “الهيرالد تريبيون” الأمريكية لصفحة كاملة للإشادة بإنجازات تونس في قطاع التعليم، الأمر الذي دفع ببعض المشرفين على عدد من المواقع التونسية على شبكة الانترنت إلى البحث عن الأصل الأنجليزي بغية نشره. إلا أن عمليات الاستجواب المتكررة لمحرك بحث موقع الصحيفة الأمريكية الالكتروني لم تعط أي نتيجة، ليتبين في الختام ، أن “الهيرالد تريبيون” لم تنشر أي مقال صحفي يشيد بوضع التعليم في بلادنا، وإنما باعت مساحة إعلانية بحجم صفحة كاملة حول التعليم في تونس، وهو الأمر الذي تؤكده زيارة سريعة لصفحة الواب التي تخصصها “الهيرالد تريبيون” لأجندة الإعلانات على صفحاتها، بحيث يتطابق الحجز الإعلاني مع تاريخ صدور الإعلان/المقال” وتعرف العديد من الصحف التونسيّة باستعمال المقالات الدعائيّة سواء بغرض إشهاري أو لأغراض ساسيّة تأتي في اطار التعتيم. وتقوم العديد من الصحف على غرار “الإعلان” و”الأخبار” و”الصريح” و”الحدث” و”الملاحظ”… بالتعدي على أخلاقيات المهنة وخرق قوانين الملكية الفكرية، إذ تعمد إلى “سرقة” مقالات من صحف أخرى ومن الأنترنات دون ذكر المصدر. كما تعمد بعض الصحف إلى نشر مقالات اشهارية في شكل أخبار. وتختص “الإعلان” و”الصريح” و”أخبار الجمهورية” في الترويج إلى قيم الغيبيات والشعوذة والفكر الخرافي واعتماد أسلوب الإثارة. الصحافة الإلكترونية يمكننا أن نقسم المشهد الإعلامي الإلكتروني إلى أربعة أصناف : – الصنف الأول وتمثله المواقع الالكترونية للصحف الورقية, وهي في مجملها إعادة لنشر نفس المضمون, الذي سبق نشره بالجريدة. ويقع تشغيل العديد من خريجي معهد الصحافة للقيام بهذا العمل الذي لا يعتبر عملا صحفيا, باعتباره يعيد نشر ما أنتجه صحفيون على الورق. وهو ما يطرح مسألة حماية الملكية الفكرية للإنتاج الصحفي في هذا المجال. – الصنف الثاني وتمثله بعض المواقع الإلكترونية الصرفة, التي تقدم المعلومة بشكل محين ويوميا, وهي تشغل صحفيين محترفين مثل موقعweb manager center رغم أن وضع الصحفيين فيها مازال غامضا, إضافة إلى اعتمادها أساسا على أسلوب البيع بالقطعة(البيجيست) , فيما لم يتجاوز بعض المواقع الأخرى الهواية أو الترويج الإشهاري. – الصنف الثالث وتمثله بعض المواقع والنشرات المرسلة التي تعتمد أساسا على “النسخ واللصق” والتجميع, ورغم أنها لا تقوم بعمل صحفي فعلي, وإنما يشرف عليها مبحرون افتراضيون (des cybernautes), فإنها تلقى رواجا كبيرا مثل رسائل “تونس نيوز”((tunisnews التي تقدم عملا تجميعيا يستند إلى المعلومة المفقودة في الصحف والمواقع المعترف بها, لذلك يقبل عليها القراء بشكل كبير. – الصنف الرابع والمتعلق بالمدونات والمواقع الخاصة, التي قد يشرف عليها صحافيون, لكنها لا تمثل “مؤسسات إعلامية” لعدم تشغيلها صحافيين ولإعادة نشر مقالات ودراسات متناثرة عبر شبكة الأنترنات. وقد لاقت بعض المدونات إقبالا على قراءة محتواها مثل مدونة “بودورو” واكسترا فجنسا xtra vagenca)). وعموما فإن الصحافة الإلكترونية تواجه اليوم العديد من الإشكاليات والأسئلة, سيما المتعلق منها بالجانب التشريعي, إذ أن غياب نص قانوني لتنظيم هذا الإختصاص, شرع للإدارة حرمان عدد من الزملاء الصحافيين المحترفين من البطاقة المهنية, رغم مبدأ أن” الأصل هو الإباحة والإستثناء هو المنع”.وفي هذا الإطار فإن النقابة الوطنية للصحافيين ترى أن تنظيم الصحافة الإلكترونية بقوانين, قد لا يكون المخرج الأمثل لحل الإشكاليات العالقة, إذ تتمسك النقابة بأن الأصل هو الحرية ويمكن أن يكون الميثاق المهني , الذي يؤدي إلى وضعية التزام, أفضل من القسر الإلزامي. وتؤكد النقابة أن الإنخراط الذي تسنده هو أساس هوية الصحفي المحترف وفقا لما تم تقديمه من تعريف للصحفيين. فالصحافة تمثل المكتوب والمسموع والمرئي والإلكتروني وغيره من الأشكال.كما تواجه الصحافة الإلكترونية إشكاليات تتعلق بالتمويل, إذ تحرم مواقع صحفية محترفة من الإشهار العمومي بسبب عدم الاعتراف بها رغم التعامل معها كأطر دعائية. وأمام بعض الصعوبات المالية لباعثي المواقع الإلكترونية فإن عددا منهم تلقى عروض دعم من جهات عرفت بعدائها للإعلام وهي الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ما يعرف بمشروع “الميبي” (meepi). وهي مصادر تميل ترفضها النقابة وتعتبر أن لا علاقة لها بنشر الديمقراطية وحرية الإعلام كما تدعي. من جهة أخرى مزال الدخول إلى بعض المواقع الإلكترونية غير متاح , ويتم إغلاق هذه المواقع إما لأسباب سياسية أو أخلاقية أو أمنية. وقد عبر الصحافيون عن ارتياحهم لرفع الإغلاق عن موقع الفيدرالية الدولية للصحافيين( FIJ ) بمناسبة انعقاد المؤتمر الأول للنقابة الذي حضره رئيس الفدرالية الدولية للصحافيين الزميل جيم بوملحة. وتأمل النقابة أن تسلك السلطات نفس النهج مع بقية المواقع الأخرى التي لا تدعو إلى العنف ولا إلى الإرهاب ولا إلى الجنس على غرار مواقع بعض المنظمات والصحف الوطنية والدوليّة مثل موقعي صحيفة الموقف ومواطنون, وكذلك موقع مراسلون بلا حدود. توصيــات · حصانة قانونية للصحفي · اتفاقيّة مشتركة خاصة بكل الصحفيين · التمسك بمطلب الصحافيين المتواصل “اتحاد الصحافيين التونسيين” · فرض تطبيق مقتضيات مجلّة الشغل والاتفاقيّة المشتركة. · تأهيل المؤسسات الاعلاميّة بما يضمن ظروف عمل وظروف تأجير ملائمة. · زيادة استثنائيّة في أجور الصحافيين باعتبارهم فئة نوعيّة. · التسريع بانجاز المشروع السكني للصحافيين. · مراجعة القوانين ذات الصلة خاصة مجلّة الصحافة بما يتماشى والمعايير الدولية لحرية واستقلالية الصحافة. · الإسراع بتسوية وضعيات كلّ الزملاء خاصة المتعاونين منهم. · تشريك نقابة الصحفيين في انجاز النظامين الأساسيين لمؤسستي الإذاعة والتلفزة . · رفع كلّ أشكال التضييق على المؤسسات الاعلاميّة. · إلغاء التعمل بصيغة المتعاون واعتماد مبدأ التعاقد القانوني حصريا قاعدة للتشغيل. أنجز هذا التقرير: _نجيبة الحمروني _ سميرة الغنوشي – سكينة عبد الصمد _عادل السمعلي _ منجي الخضراوي – ناجي البغوري إضافة إلى مساهمات عدد من الزملاء من مختلف المؤسسات الإعلاميّة. المصدر موقع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بتاريخ 3 ماي 2008 http://www.snjt.org/index.php?option=com_frontpage&Itemid=1
مراسلون بلا حدود : الصحافي التونسي سليم بوخذير مصاب بالجرب ومضرب عن الطعام
نددت منظمة مراسلون بلا حدود بالظروف القاسية التي يُعتقل بها الصحافي التونسي سليم بوخذير في سجن صفاقس بجنوب تونس. وقالت المنظمة في بيان تلقت القدس العربي نسخة منه الجمعة ان الظروف السيئة التي يُعتقل بها بوخذير داخل زنزانة قذرة، ومنعه من الاستحمام في الاسابيع الستة الاخيرة، أدت الي اصابته بالجرب، مشيرة الي ان الحكومة لا تمنحه العلاج اللازم. ويوجد بوخذير في السجن منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي حيث يقضي عقوبة مدتها سنة بعد ادانته بـ الاساءة للاخلاق الحميدة و التطاول علي موظف اثناء اداء مهامه . ونقلت مراسلون بلا حدود عن زوجة بوخذير قولها ان زوجها شرع في اضراب عن الطعام احتجاجا علي الظروف السيئة التي يوجد بها وعلي المعاملة التي يتلقاها. وقالت الزوجة ان موظفي السجن يستولون علي بعض الاغذية التي تأخذها لزوجها خلال الزيارات الاسبوعية. كما اشتكي محامي بوخذير، الاستاذ عبد الوهاب معطر، من منعه من زيارة موكله. ونقلت المنظمة عن معطر قوله انه وجه ست رسائل للقضاء بغرض تمكينه من زيارة موكله، ظلت كلها من دون جواب. وعمل بوخذير مراسلا لعدد من وسائل الاعلام الدولية، آخرها القدس العريي . كما عمل بصحيفة الشروق التونسية، لكنه تعرض لمضايقات انتهت بفصله عن العمل وحرمانه من جواز السفر. وقد شن اضرابا عن الطعام في النصف الاول من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي للمطالبة بانهاء المضايقات عليه ومنحه جواز سفر. وأوقف الاضراب بناء علي وعد من السلطات عبر نقيب المحامين بمنحه جواز سفر. لكن ما ان انتهي الاضراب حتي تنصلت السلطات من وعدها وتذرع المسؤولون بـ الانشغال باعداد ميزانية السنة الجديدة . وبعد أيام من انتهاء الاضراب عن الطعام، أوقفت السلطات بوخذير وهو في الطريق من صفاقس الي تونس العاصمة. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم5 ماي 2008)
إنشاء مرصد لانتهاكات حقوق العمال وتصاعد وتيرة الانتقادات النقابية لاتحاد العمال
تونس – صالح عطية : ناشد عدد من الكوادر النقابية في تونس، جميع العمال والنقابيين التحرك من أجل أن يستعيد اتحاد العمال التونسي، (المنظمة الشغلية الوحيدة في تونس)، حجمه ودوره الوطني الذي افتقده خلال السنوات الماضية. وجاء هذا النداء، بمناسبة اليوم العالمي للشغل الذي يحتفل به التونسيون مثل سائر شعوب العالم، في سياق انتقادات شديدة وجهها النقابيون لمنظمة الشغيلة، عبر عرائض متعددة وقع عليها مسؤولون نقابيون لأول مرة منذ سنوات عديدة. وأهاب عشرات الكوادر النقابية، بالعمال في جميع الهياكل والقطاعات، لتجاوز خلافاتهم و”التجنّد لإنقاذ اتحاد العمال من الانهيار والتلاشي” على حدّ وصفهم. وجاء في هذه العريضة، التي حصلت الشرق على نسخة منها، أن “الاتحاد يمرّ منذ سنوات بأزمة هيكلية وقيميّة مزمنة، أصبحت تهدد كيانه بعد أن أفقدته الكثير من مصداقيته ونجاعته”، سواء في علاقته بالفئات الكادحة التي تواجه تحديات معاشية كبيرة، أو في “القيام بدوره الوطني في القضايا الأساسية”. واعتبر هؤلاء، أن هذا الوضع انعكس على مستوى “الانخفاض الحاصل في عدد المنخرطين في الاتحاد، واضمحلال عديد القطاعات المهنية، إلى درجة أن تمثيليته باتت منحصرة في بعض فئات الوظيفة العمومية”. ولم يخف المسؤولون النقابيون، ما وصفوه بـ “عجز القيادة النقابية على تطوير الإرث النضالي للاتحاد”، و”عدم تصديها لتداعيات العولمة في جانبها الاجتماعي”، منتقدين “غياب البعد الاستراتيجي لرؤية المنظمة”، و”عدم قدرتها على التسيير اليومي العادي للعمال والنقابيين”، على حدّ تعبيرهم. أزمة بنيوية من جهته، اعتبر الحبيب غيزة، رئيس الجامعة التونسية للعمل (منظمة موازية لاتحاد العمال)، أن الحركة النقابية التونسية، تعيش اليوم “أزمة” وصفها بـ “البنيوية”، وتتسم بحالة من العطالة وانسداد الأفق، نتيجة تراكم السلبيات خلال تجربتها التاريخية التي تحكمها “ثقافة نقابية لم تخرج عن دائرة الفكر المحافظ”. وشهد مقر اتحاد العمال التونسي أمس، تجمهر نحو مائتين من الكوادر النقابية للتنديد بقيادة اتحاد العمال، والمطالبة بحوار مباشر مع المسؤولين على المنظمة، لكن قيادة اتحاد العمال اختارت عدم مواجهة النقابيين، قبل أن يتم تفريق النقابيين من طرف أعوان الأمن التونسي بهدوء. وقال الحبيب بسباس، الأمين العام السابق للاتحاد النقابي المغاربي في تصريح لـ الشرق، أن المنظمة النقابية تعاني مما وصفه بـ “عملية اغتصاب”، وهو ما يستوجب تحريرها من هذه المجموعات التي لا صلة لها بالعمل النقابي”، على حدّ تعبيره. ودعا بسباس إلى تحويل هذه الجهود إلى “جبهة نقابية”، تدافع على بديل نقابي يقود لخلاص المنظمة، واستئناف الديمقراطية صلبها، إلى جانب تعصير أسلوبها النضالي الاجتماعي. وعلمت الشرق من جهة أخرى، أن عددا من النقابيين أعلنوا أمس عن إنشاء “مرصد وطني للحقوق والحريات النقابية”، مستقل عن اتحاد العمال. وتقرر أن يتولى المرصد رصد التجاوزات والانتهاكات ضد النقابيين والعمال من دون استثناء، إلى جانب مساندة جميع النضالات العمالية. ويمر اتحاد العمال التونسي، الذي يعدّ أول منظمة نقابية في العالم العربي وإفريقيا، بفترة حرجة نتيجة الانتقادات التي توجه لقيادته، وحالة الضعف والوهن التي يمر بها منذ فترة طويلة، مما أثر على أداء النقابات في مواجهة القطاع الخاص. (المصدر: صحيفة “الشرق” (يومية – قطر) الصادرة يوم 5 ماي 2008)
الرقابة التونسية تمنع جميع الكتب الدينية التي تطرح مواضيع سياسية وتنتقد أنظمة الحكم في الدول العربية
الجزيرة نت تجولت في أروقة المعرض لتقصي الحقائق، لكن جل العارضين رفضوا إبداء رأيهم حول ما تم تداوله بشأن منع نشر الكتب الدينية من قبل السلطات التونسية، سواء كان ذلك بالنفي أو التأكيد، وكانت جلّ تصريحاتهم تدور حول فلك واحد هو تحقيق أعلى قدر من المرابيح والمبيعات. صعوبة الوصول إلى المعلومة حول هذا الموضوع طالت حتى استجواب الزوار الذين أبدوا تحفظا من هذا السؤال، لكن زائرا فضل عدم ذكر اسمه أكد وجود رقابة مسلطة مسبقا على الكتب الدينية سواء داخل المعرض أو حتى في السوق، رغم أنها كتب ذات طابع فقهي مصدرها مصر وسوريا والسعودية. ويضيف الزائر أن “أجهزة الرقابة التونسية تمنع جميع الكتب الدينية التي تطرح مواضيع سياسية وتنتقد أنظمة الحكم في الدول العربية”، مشيرا إلى عدد من الكتب الموضوعة على “القائمة الحمراء” من بينها رسائل حسن البنا ومؤلفات سيد قطب وكتب فتحي يكن وسعيد حوى وغيرهم. وفي تصريح خاص للجزيرة نت اعترف مدير المعرض بوبكر بن فرج بأنه تمّ بالفعل استبعاد بعض العناوين لأسباب “ثقافية موضوعية لا تتعلق بتاتا بالسياسة”، موضحا أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار هذه المشاركات المستبعدة مصدرها دور نشر حقيقية، بل هي مشاركات لبعض المتطفلين على عالم الكتاب همهم الوحيد المتاجرة فحسب”. واعتبر بن فرج أن “هذه الانتقادات التي صاحبت فعاليات المعرض تصب في مصلحة الأصوليين والجهاديين السلفيين الذين يسعون إلى نشر كتب سخيفة المحتوى ومتعصبة من شأنها أن تنشر أفكارا ظلامية وتشيع الفكر السلفي بين الشباب التونسي”. ورغم أن المصدر ذاته أكد إلغاء الرقابة المسبقة على الكتب المطبوعة في تونس منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والسماح بتوزيع عدد من الكتب المحجوزة في المطابع، فإن محمد علي ح. (43 عاما) يرى أن الإبقاء على الإيداع القانوني يبقى وسيلة لممارسة الرقابة المسبقة على كل ما يطبع في تونس. ويعتبر الإيداع القانوني للكتاب في تونس أمرا قانونيا يلتزم به الناشر قبل تمكينه من الترخيص ليبدأ في الطباعة وتوزيع الكتاب. وأكد بن فرج أن ذلك مجرد إجراء للحفاظ على الذاكرة الوطنية في المكتبات وأن الترخيص أصبح يتم بصورة آلية. ويقول محمد علي إن “الكتب الدينية التعليمية والتثقيفية تتوفر في المعرض”، لكنه أشار إلى أن “الرقابة تبقى مستمرة بشكل أو بآخر على كل ما يطبع في تونس أو يأتي من الخارج”، معتبرا أن “منع بعض الكتب الدينية أو السياسية أمر لابد منه لحماية المجتمع من بعض الظواهر الخارجة عن خصوصياته، حتى وإن كان ذلك فيه تجنيات في بعض الحالات”. وأوضح أن “هناك كتابا سلفيين كانوا كفّروا في السابق بعض علماء الدين أمثال القرضاوي وعمرو خالد والشعراوي لأمور سخيفة، يشحنون كتبهم بأفكار ملوّثة وخطيرة قد تفسد عقول الشباب”. شروط من جهة أخرى حددت إدارة المعرض شروطا للمشاركة في المعرض قوبلت ببعض الانتقادات، ومنها أن لا تقل نسبة المنشورات الجديدة الصادرة بين 2006 و2008 عن 80% من الكتب المعروضة. غير أن عضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين العرب محمد غياث مكتبي نفى أن يكون هذا الشرط داخلا في سياسة التضييق على الكتب الدينية أو غيرها. وأكد أن هذا الإجراء يفسح المجال أمام المنشورات الجديدة للبروز على الساحة الثقافية من أجل إطلاع القارئ على أحدث الإصدارات في عالم الكتاب. وبسؤال الجزيرة نت حول ما إذا كانت هناك رقابة مسلطة على الكتب الدينية أو السياسية في المعرض، أفاد مكتبي أن “تونس كسائر البلدان العربية تمنع نشر الكتب التي تتظاهر بالتثقيف الديني في حين أنها في الواقع تنشر أفكارا تضليلية وهدامة”. وطالب مكتبي في الوقت نفسه بلسان اتحاد الناشرين العرب “بفتح الحدود أمام الكتاب العربي وممارسة رقابة ممنهجة وغير عشوائية تحمي القارئ من الغزو الثقافي الأجنبي، مع تشجيعه على الانفتاح المعتدل على الآخر”. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 5 ماي 2008)
ثمانية قتلى و15 مفقودا بغرق مركب للمهاجرين في تونس
غرق ثمانية مهاجرين سريين، بينما لا يزال 15 آخرون في عداد المفقودين بعد أن غرق مركب كان يقلهم باتجاه أوروبا، حسب ما أفادت به عائلاتهم. وقد عثرت السلطات التونسية على جثث أربعة من الضحايا بعد أن تم الإعلان الأسبوع الماضي عن غرق أربعة آخرين قبالة سواحل مدينة الشابة الواقعة شرقي العاصمة تونس. وقال مقيمون إن الغرقى الثمانية من الشبان الصغار السن باستثناء شخص واحد عمره 37 عاما. وانطلق ما لا يقل عن 23 مهاجرا من شواطئ الشابة قبل أكثر من أسبوع في رحلة باتجاه جزيرة لامبيدوزا الإيطالية على متن مركب صغير متهالك. وتتزايد في مثل هذا الوقت من كل عام محاولات الهجرة السرية من السواحل التونسية باتجاه أوروبا مع تحسن الأحوال الجوية، وعادة ما يدفع كل مشارك لمنظمي مثل هذه الرحلات مبلغا لا يقل عن ألف دولار. (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 5 ماي 2008)
محطة جديدة لإنتاج الكهرباء ببنزرت
غسان القصيبي علمت ?الشعب? ان شركة ?سما دبي? الاماراتية قد طلبت رسميا من الشركة التونسية للكهرباء والغاز تزويدها بنحو 17000 ميغا واط من الكهرباء وذلك مدة انجاز المشروع الضخم التي ستتواصل قرابة 15 سنة. فعلى اثر دراسة قامت بها ?الستاغ? تبين ان الشركة الاماراتية تحتاج قرابة 1200 ميغا واط على امتداد 10 و 15 سنة. وامام ضخامة هذا المشروع واهميته على مستوى ما سيوفره من استثمارات قد تصل الى 14 مليار دولار واكثر من 150 الف موطن شغل، فان الشركة التونسية للكهرباء والغاز تدرس حاليا امكانية مراكز انتاج للكهرباء. وفي هذا الاتجاه سيقع بناء مركز انتاج جديد بولاية بنزرت قد يصل حجم انتاجه 500 ميغا واط من الكهرباء وسيكون مخصصا كليا لمشروع ?سما دبي?. ومعلوم ان الاستثمارات التي وعدت ?سما دبي? بضخّها في تونس بمناسبة هذا المشروع هي الاهم في تاريخ الاستثمارات الخارجية في بلادنا. وسيتم بناء هذا المشروع الضخم على مساحة تقدر بـ 873 هكتارا، مع العلم ان التحضيرات قد انطلقت وقد تبدأ الاشغال اواخر الثلاثية الاخيرة من سنة 2008 (المصدر: جريدة “الشعب” (أسبوعية نقابية ? تونس) الصادرة يوم 3 ماي 2008)
وكالة الأنباء السعودية – واس تونس: افاد البنك المركزي التونسي بأن نسق النشاط الاقتصادي تواصل في تونس خلال الفصل الاول من العام الحالى وارتفعت المبادلات التجارية مع الخارج وإن كان بنسق اقل من السنة الماضية. وذكر فى بيان عقب اجتماعه الدوري الشهرى لتقييم الاداء الاقتصادي للبلاد ان الارتفاع النشط لاسعار جل المنتجات الاساسية في العالم وتدهور الظرف الاقتصادي الدولي ادى الى تزايد الضغوط على التوازنات الاجمالية فى تونس وعلى تطور اسعار التوريد وتكاليف الانتاج. ولاحظ هبوطا للمؤشر العام لاسعار الاستهلاك بـ 4 ر0 بالمائة خلال مارس الماضي جراء استمرار الضغوط التضخمية الى جانب ارتفاع الكتلة النقدية والمساعدات للاقتصاد بـ 8 ر 2 بالمائة و 8 ر 1 بالمائة على التوالي. واتسمت السوق النقدية خلال شهري مارس وابريل الماضيين بفائض في السيولة مما استدعى تدخل البنك المركزي للحفاظ على مستوى ملائم للسيولة المصرفية وقد تراوحت نسبة الفائدة اليومية بين 13ر5 و 38ر5 بالمائة. وعلى مستوى سعر الدينار في سوق الصرف فقد ارتفعت العملة المحلية بـ 4ر4 بالمائة مقابل الدولار الامريكي وانخفضت بـ 6ر1 بالمائة ازاء اليورو. وقرر البنك على ضوء هذه المعطيات وتطورات الظرف العالمي وانعكاساته المحتملة على الاقتصاد التونسي رفع نسبة الاحتياطي الاجباري على الودائع تحت الطلب. المصدر وكالة الانباء السعودية ( واس ) بتاريخ 5 ماي 2008
معرض تونس الدولي للكتاب: شكاوى من تراجع المبيعات
تونس (ا ف ب) – شكا كتاب تونسيون وناشرون عرب شاركوا في الدورة ال26 لمعرض تونس الدولي للكتاب التي اختتمت فعالياتها مساء الاحد من تراجع المبيعات لاسباب عدة بينها ارتفاع اسعار الكتب وقلة العناوين الجديدة. وقال مدير دار نقوش عربية التونسي منصف الشابي “الايام العشرة للمعرض كانت باهتة تماما فلا مبيعات جيدة ولا اناس يشترون ويبدو ان افتقار بعض دور النشر الى عناوين جديدة اثر سلبا”. واضاف ان “الاقبال على كتب الثقافة العامة كان ضعيفا هذا العام على عكس الكتاب الديني والتراثي وكتب الاختصاص”. وعزا الشابي قلة الاقبال على الكتاب الثقافي التونسي الى “آلية النشر في تونس” التي وصفها بانها “معطلة وضعيفة جدا” ولفت الى ان لديه نحو 50 مخطوطة في الرفوف تنتظر النشر. واشار الى ان عامل اضافي ساهم في “اختناق الكتاب التونسي” تمثل في سيطرة دور النشر اللبنانية والسورية والمصرية التي “تحولت الى الة نشر للوطن العربي تغطي جميع المجالات”. ونبه من “النتائج الوخيمة على الابداع اذا ما استمر الامر على ما هو عليه”. لكن الكاتبة التونسية حياة الرايس التي اكتفت بقلة قليلة من الكتب هذا العام على عكس الاعوام الماضية اشارت الى “ارتفاع سعر الكتاب العربي والكتاب المترجم وانخفاض المستوى المعيشي في تونس وتراجع القدرة الشرائية لدى غالبية المهتمين بالثقافة والعلوم من التونسيين”. ولاحظت خلال هذه الدورة “الاقبال الاعمى على بعض الكتب الصفراء دون سواها” محذرة من “الفجوة المعرفية بين النخبة وعامة الشعب التي تقوم ثقافته على الفكر الغيبي الذي لا يرتفع بالانسان”. وهذا ما اكده المسؤول عن دار الساقي اللبنانية عصام ابو حمدان الذي دأب على المشاركة في المعرض منذ الثمانينات. ودار الساقي المعروفة اشتهرت بنشر مؤلفات الادباء والشعراء العرب على غرار محمد شكري وادونيس. وتجتذب الدار سنويا بمناسبة معرض تونس الدولي للكتاب جمهورا غفيرا. غير ان غياب القراء هذا العام ادى الى انخفاض مبيعاتها بنسبة 40 في المئة بحسب ما قال ابو حمدان. وحمل الناشر الليبي محمد المبسوط عن “جمعية الدعوة الاسلامية العالمية” التي تشارك في المعرض منذ نحو عشرين عاما “شبكة الانترنت” مسؤولية تراجع مبيعات الكتاب. ولاحظ ان “الانخراط في عصر الكتاب الالكتروني جعل الاساليب التقليدية تتراجع”. واضاف ان “العديد من الناشرين يعتمدون على الطلبة الذين كانوا يحرصون على زيارة المعرض” ولفت الى ان “غيابهم هذه السنة ادى الى تراجع الربح بعدما كانت الاعوام الماضية تقارب نسبة المئة في المئة”. وخلفت مشاركة الفلسطيني ابراهيم معروف مدير مكتبة “كل شيء من حيفا” في هذه الدورة الجديدة لمعرض تونس الدولي للكتاب “انطباعات سيئة”. وتساءل الناشر الفلسطيني الذي يشارك للمرة الاولى عن سبب “فقدان الكتاب كانتاج ادبي وفكري وعلمي وهجه في عصر لا يملك فيه كل الناس حاسوبا ولا يبحر اغلبهم عبر الانترنت”. أما الكاتب التونسي مصطفى الكيلاني فعبر عن تخوفه من ان يتحول معرض تونس الدولي للكتاب الى “ظاهرة ثقافية” سطحية. من جهتها تحدثت الصحف المحلية عن تراجع الاقبال على الكتاب خلال الدورة الحالية التي شاركت فيها بين 25 نيسان/ابريل الماضي و5 ايار/مايو الحالي نحو 1027 دار نشر تمثل 32 بلدا من العالم العربي واوروبا واسيا وعرض خلالها نحو 100 الف عنوان. وعنونت صحيفة الوطن “معرض تونس الدولي للكتاب الى اين” وكتبت “ما يكاد المرء يدلف بهو المعرض ويتمشى قليلا حتى يشعر بمرارة تنتابه (…) اين تلك الجيوش الجرارة من المتابعين الملهوفين للقاء الكتاب واصحابه”. وعزت الصحيفة هذه الظاهرة الى غياب تقليد المطالعة لدى الناشئة. واقيمت على هامش المعرض ندوات فكرية وامسيات شعرية من تونس والعالم العربي. ووقع عدد من الكتاب مؤلفاتهم في اجنحة دور النشر في قصر المعارض بالكرم. (المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) بتاريخ 5 ماي 2008)
منصف المرزوقي مفهومٌ مؤهل بعد أحداث المحلة في مصر وقفصة في تونس لدخول قاموس السياسة العربية، ومن الأفضل أن تتضح خفاياه حتى نعرف على الأقل حول ماذا سنتخاصم. هو مكوّن من كلمة عصيان، أي رفض طاعة قوانين لا تحمي الحقوق وإنما تنتهكها، ومن كلمة مدني ولها ثلاثة معان: المعنى الأول ألح عليه غاندي كثيرا، وهو ضرورة اتسام رفض طاعة القوانين الظالمة بكل خصائص التمدّن من كياسة مع الخصم واستعداد للحوار معه. المعنى الثاني للتفريق بين العسكري والمدني، مما يعني أن العصيان بالضرورة لاعسكري، غير مسلح، غير عنيف. المعنى الثالث هو المواطنة بما أن المفهوم في الإنجليزية والفرنسية يحيل إلى المدينة أي إلى ساكنها بالمفهوم الإغريقي القديم أي للمواطن. من المنظرين من يضيف بعدا رابعا بمواجهة المدني بالجنائي للتأكيد على أن العصيان المدني لا يناهض أبدا قوانين عادلة ومن ثم لا يتابع غايات إجرامية. والآن إذا نظرنا إلى طريقة ممارسته عبر التاريخ الحديث لاكتشفنا جملة من الثوابت تمكننا من إعطائه التعريف التالي: العصيان المدني على الصعيد الفردي موقف مبني على جملة من القيم أساسها رفض الظلم والخضوع للطغيان، ويصب على الصعيد الجماعي في تحرك سياسي يتسم بالوقوف الثابت والمنظم والعلني والمتواصل في وجه كل القوانين المضادة للحقوق الشرعية للفرد والمجتمع، والعمل على تعطيلها وإزالتها بكل الوسائل السلمية دون غيرها. السؤال الآن: من أين برز هذا المفهوم؟ وما محطات تطوره؟ فالفهم الدقيق له -كما هو الحال بالنسبة لأي مفهوم- يمرّ بمعرفة المنشأ والتطور، ونرى أنه مر بثلاث محطات رئيسية: الأولى ولادته من أب أميركي هو الفيلسوف والشاعر هنري ديفد طورو (1817-1862)، وكان من أكبرالمناهضين للعبودية وسخّر حياته للدفاع عن العبيد الفارين. في عام 1846 سجن لرفضه دفع الضرائب محتجا بمعارضته للسياسة الأميركية ومنها الحرب ضد المكسيك. وهو أول من استعمل المصطلح ونظّر له في كتابه الشهير “العصيان المدني” الذي يقول فيه “لو رفض ألف دفع ضرائبهم، لن يكون هذا عملا دمويا خلافا للدفع الذي سيمكّن الحكومة من مواصلة الحروب وإراقة الدم البريء. ها قد أصبحت الثورة السلمية ممكنة. وإذا سألني جابي الضرائب ماذا أفعل؟ أقول له استقل. وعندما يرفض المواطن الطاعة ويستقيل الموظف تكون الثورة قد نجحت”. هذا الحثّ على وضع الحق فوق القانون، والضمير فوق الطاعة العمياء، هو الذي سيؤثر بعمق في تولستوي وغاندي. المحطة الثانية هي تطبيق هذا الأخير لأفكار طورو وذلك عبر ملاحم معروفة منها مطالبته عام 1906 العمال الهنود في جنوب أفريقيا برفض إعطاء بصماتهم تطبيقا لقانون عنصري. في عام 1930 طالب غاندي مواطنيه بمقاطعة الملح الذي كانت جبايته مصدرا هاما للخزينة وقاد الجماهير نحو البحر ليستخرجوا منه ملحهم. وبقية معاركه معروفة إلى أن انتهت بصرخة “غادروا الهند” التي انتقل فيها الرفض من القوانين الاستعمارية إلى الاستعمار نفسه. المحطة الثالثة هي معركة الحريات المدنية التي قادها مارتن لوثر كنغ في ستينيات القرن الماضي برفض الانصياع للقوانين العنصرية للولايات الجنوبية. لا ننسى تعدد مظاهر العصيان المدني طوال القرن الماضي خاصة في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا، سواء تعلّق الأمر برفض القوات المتحاربة مواصلة إطلاق النار في الحرب العالمية الأولى، أو في فرنسا دعم البعض استقلال الجزائر، أو منع العصاة المدنيين تحرك النفايات النووية في ألمانيا، ومؤخرا التصدي لزرع الذرة المحوّرة جينيا الذي يقوده المزارع الفرنسي جوزي بوفيه. لينتبه القارئ أن أغلب هذه العمليات وقعت في بلدان ديمقراطية، فلا أحد سمع عن عصيان مدني تحت هتلر وموسوليني وتشاوسيسكو، حتى الهند ما كانت لتعرف ظاهرة غاندي لو كانت جزءا من الإمبراطورية السوفياتية. الأرجح أنه لو برزت فيها ظاهرة كهذه لما استقبل غاندي كبطل في روسيا من جماهير متعاطفة مع قضيته، ولانتهى سريعا -هو ونهرو- في محتشد في سيبريا. العصيان المدني ظاهرة تكاد تختص بها البلدان الديمقراطية! وفي ملاحظة ثاقبة، تذهب حنا أرندت (صاحبة المقولة الشهيرة: في النظام الدكتاتوري كل شيء على ما يرام إلى ربع الساعة الأخيرة) إلى حد القول إن العصيان المدني مفهوم أميركي حتى النخاع. لتدعيم موقفها تذكّر بروح إعلان الاستقلال عام 1776 وما كتبه جفرسون “نحن نعتبر هذه الحقائق بديهية بطبيعتها.. أن كل البشر يولدون متساوين، وأن الله حباهم بحقوق غير قابلة للتصرف، منها حق الحياة والحرية والبحث عن السعادة، وأنهم يستعملون لضمان هذه الحقوق حكومة تستقي حكمها الشرعي من رضى المحكومين. لكن إذا عنّ للحكومة -أيا كان شكلها- تجاهل هذه الغايات، فإنه من حق الشعب إلغاؤها وإنشاء حكومة جديدة”. ليس من باب الصدفة إذن أن يكون أبو العصيان المدني من مواليد بوسطن، فكل ثقافته السياسية تنبذ روح الطاعة لتحثّ، بل ولتشرع لرفض كل ما يشتمّ منه انتهاك الأهداف الأساسية للدستور. لكن كيف يجوز الوقوف في وجه قوانين شرّعتها برلمانات تمثل الشعب؟ أليس من المجدي الانصياع لها وتغييرها بالآلية الشرعية المتاحة وهي الانتصار في الانتخابات بعد إقناع الشعب بصواب القضية المدافع عنها؟ هنا يتضح بعدان هامان جديدان لمفهوم العصيان المدني، فبديهي بالنسبة للعصيان المدني أنه يمكن أن تكون هناك قوانين ديمقراطية وظالمة، مثل التي سنّتها البرلمانات الفرنسية والبريطانية لإدارة مستعمراتها، خاصة أن الأغلبيات التي تصنع القوانين لا تمثل الشعب ولا تدافع بالضرورة عن قيم بقدر ما تدافع عن مصالح وتمثل موازين القوة في لحظة معينة بين قوائم انتخابية متنافسة. الضامن هنا لفرض تطابق القوانين مع الحق هو ضمير المقاوم المدني الذي يستطيع أن يجهر: رغم أن الأغلبية قبلت بهذا الظلم، فإنني من موقعي كمواطن مسؤول، أرفضه وأنبّه لعواقبه. البعد الثاني سياسي ويتعلق هنا بسدّ ثغرة في عمل الآليات الديمقراطية، فرغم حسناتها التي لا تضاهى بالمقارنة مع آليات النظام الاستبدادي، هي ليست مثالية حيث لا توجد إلى اليوم ديمقراطية مثالية وإنما أنظمة تقترب أو تبتعد عن النموذج المنشود. فالمواطن “يختفي” بين استحقاقين انتخابيين حيث يعتبر دوره منتهيا بعد إدلائه بصوته.. أي سلطة له إبان الدورة التشريعية على الممثلين الذين فوّض لهم السلطة؟ أو أي خيار له إذا أدت اللعبة السياسية إلى سنّ قوانين ظالمة أو اعتماد سياسات منافية للمبادئ المصرّح بها؟ لا شيء.. سوى العصيان المدني. الخلاصة أن العصيان المدني أداة لا يمكن أن تتواجد إلا داخل النظام الديمقراطي للضغط المتواصل على هذا النظام حتى لا يحيد عن مساره في السعي إلى مزيد من الديمقراطية، فمن أين أتت الفكرة الغريبة لكاتب هذه السطور أو لقيادات “كفاية” و”الكرامة” في مصر أنه قد يصبح أداة فعالة لمحاربة الدكتاتورية؟ يكتشف كل من يدرس وطننا العربي أن الشروط الثلاثة لتوفره غير موجودة. أولا- النظم الاستبدادية تمنع استباقيا أي حركة احتجاجية توفي بمواصفات العصيان المدني، أي التنظم العلني والمتواصل لإنهاء القوانين المنافية للحقوق بما أنها ركيزة وجودها. ثانيا- لقد أضعفت سياسات القمع وحاصرت وحتى شلت المجتمع المدني القادر على قيادة وإدارة مثل هذا العصيان. أخيرا وليس آخرا- المجتمع العربي متشبع بثقافة الطاعة كما هو متشبع بثقافة التمرد العنيف. المشهد العراقي صورة كاريكاتيرية لهذا التأرجح العربي بين الخضوع والتمرد.. بين الاستبداد والفوضى. من أين لأمة كهذه أن تتبنى أو تقود خيارا يجمع بين شق عصا الطاعة وشقها بصفة سلمية؟ الردّ في اعتبار المشهد العام وخاصة في متابعة ديناميكيته. ما من شك أن النظم الاستبدادية العربية الحالية غير التي عرفتها ألمانيا النازية وروسيا الستالينية أو حتى عراق صدام أو سوريا الأسد في الثمانينيات. فنحن أمام أنظمة بالغة الاهتراء نزفت من كل مصداقية ومن كل هيبة، تعيش في حالة حصار ورعب. هذا لا يعني أن هذه الحيوانات الكاسرة -وإن ضعفت وهرمت- ليست قادرة على ضربات مخالب أخيرة موجعة. ما نعنيه أنها ماتت في العقول وفي القلوب، ودفنها في أرض الواقع مسألة وقت يطول أو يقصر لكنه آت لا ريب فيه. هذا الضعف المخفي وراء القسوة والمكر، هو الذي يفسّر تمكن المجتمعات المدنية من الوقوف على قدميها ومن التوسع المطرد ولو ببطء وصعوبة. أما ثقافة الطاعة فهي أيضا في انحسار متواصل نتيجة انهيار صورة المستبد الظالم، وإغراء الأنماط الجديدة لبطولة المقاومة المسلحة، ناهيك عن دور رياح الخارج في “تلقيحنا” بأفكار وإستراتيجيات جربتها شعوب غيرنا، وهي الآن -مثل الإعلامية- تحت تصرفنا. هنا يجب أن لا يجرفنا جذل التفاؤل بعد تخلصنا من إحباط التشاؤم، فالعصيان المدني ليس البديل المنتظر والوصفة السحرية وإنما سلاح إضافي. لنتذكّر أن المجتمع كائن حيّ، ذكي، له ذاكرة تاريخية يغرف منها لشق طريقه نحو المستقبل بوعوده وأخطاره. في هذا الإطار، مجتمعاتنا بصدد تجريب مختلف الوسائل للتخلص من عدوها الأكبر، أي نظامها السياسي الذي هو اليوم حجر العثرة الرئيسي في طريقها. هي تجرّب عبر حاملي فكر وطبع معيّن، التوجه الإصلاحي القائل بإمكانية التغيير من داخل الاستبداد بالمشاركة في “انتخاباته ” ودخول “برلماناته” وقبول تطوره البطيء “جدا”. هي تجرّب عبر فريق ثانٍ المقاومة المسلحة، وعبر فريق ثالث العمل السري داخل أجهزة النظام نفسه لحلّه على الطريقة الموريتانية. ها هي اليوم تلجأ لوسيلة رابعة لتحقيق الاستقلال الثاني. لماذا؟ بداهة لأن التغييرات من داخل السلطة تأخرت كثيرا، و لن يعجل المخاض إلا ضغط مقاومة المجتمع المدني. هناك أيضا ارتطام الخطاب الإصلاحي بحائط من الإسمنت المسلح، فالطرف الثاني يرفض أي مسّ “بالمقدسات”، أي الحقّ في التأبيد في السلطة وتوريثها، وتزوير الانتخابات، ومصادرة أجهزة الدولة، أي أنه لا يقبل إلا بالإصلاح الذي لا يصلح شيئا. أما حلّ المقاومة المسلحة كما جرّب في مصر والجزائر، فلم يثمر شيئا وربما لو أثمر لكان الدواء أمرّ من الداء. وفي كل الحالات هو لا يفعل حاليا سوى تثبيت استبداد أصبحت مقاومة الإرهاب لصالح الغرب ورقته الأخيرة. لكل هذه الأسباب ظهر خيار المقاومة المدنية، فالأفكار لا تظهر في مجتمع من عدم، وإنما تنبثق من حاجة ومن نضج الظروف، وأصحابها ليسوا سوى وسائط تنطق بما يعتمل في عمق الوعي الجماعي. كل هذا لا يعني بالطبع نجاح العصيان المدني حتميا، فالمجتمع سيواصل لعب أوراقه في نفس الوقت، والظروف هي التي ستحدد ورقته الرابحة. مسؤولية الثوار السلميين القيام بالمهمة التي أوكلها لهم المجتمع، وهم على ثقة بأن الطريق الذي ينتهجون هو الأكثر تلاؤما مع طبائع دكتاتورياتنا التي لا تستحي وإنما تخاف، والأقل تكلفة من الدم والدموع، وأكثر الخيارات قابلية للتعجيل بنهاية الكابوس.. والمستقبل وحده الحكم. (*) كاتب تونسي (المصدر: ركن “المعرفة” بموقع الجزيرة.نت (الدوحة ? قطر) بتاريخ 5 ماي 2008)
لقاء مع المفكر الإسلامي التونسي د. راشد الغنوشي أمين عام «حزب النهضة الإسلامية» في تونس 2(3)
وكيف ترى ممارسة الإسلاميين على صعيد الحكم ؟ ** عندما نأتي إلى ممارسة الإسلاميين على صعيد الحكم مستقلين به فتبرز أمامنا تجارب ثلاث: التجربة الأفغانية إن في عهد المجاهدين أو في عهد طالبان ورغم ظروفها الخاصة فهي في العموم شهادة ليست بحال لأصحابها ولا للإسلام وإنما شهادة مضادة وخصم من الحركة الإسلامية المعاصرة وليست بحال إضافة. والأسباب ليست بالغة الخفاء وتتمثل أساساً إضافة إلى المعوقات الخارجية في: أ- طبيعة الساحة التي تحرك فيها الإسلام هنا وهي ساحة تتسم بالتمزق القبلي والطائفي والتخلف الاجتماعي والثقافي، ولم تكن التشكيلات الحزبية التي حكمت في المحصلة غير نتاج لطبيعة التخلف السائدة:فالمجاهدون انحاز كل منهم للعرق والقبيلة. حكمت يار للباشتون وشاه مسعود رحمه الله للطاجيك فكانت حرباً قبلية تغذيها القوى الدولية والإقليمية. الباكستان وراء حكمت يار والهند وروسية وراء شاه مسعود والشعب الأفغاني الضحية، فكانت إسلامية الفريقين غاية في القشرية. واستخدم الإسلام استخداماً توظيفياً، وأثبتا عجزاً فاضحاً في مستوى التدين وكذا في مستوى السياسة الحديثة إذ قد راهن كل منهما على الانفراد بالأمر جملة في مجتمع متعدد. لقد شهدا على عقم موروثنا في السياسة الإسلامية: العجز عن إدارة التعدد سلمياً والرهان على السيف سبيلاً لإلغاء التعدد.. وكان من عدل الله أن يسلط عليهما قوة تزيحهما معاً: جماعة طاليبان التي كانت عقائديتها أعمق منهما وكذا تفاعلها مع تراث البلد الديني فهم طلبة علوم دينية أي هم القيادة الدينية الشرعية في البلد ولذلك سهل عليهم اجتياح كل من وقف في وجههم، إلا أن مشروعهم كان غاية في البساطة إلى حد السذاجة بينما هم يتعاملون مع عالم معقد ومجتمع متعدد ومن وراء كل فريق مصالح إقليمية ودولية لم يلق لها طلبة العلم الديني الطيبون بالاً فكان مشروعهم: جمع البلد كله فوق نقطة واحدة هم يقفون عليها هي الإسلام كما صاغته العصور الخوالي ومن خلال رؤية مذهبية ضيقة ليس وراءها في معتقدهم إلا الضلال والكفر، وهو نهج شاذ عن سنة الله في خلقه: التعدد <#وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (*) إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ{11/118:1+، 11/119:1-6}. وهكذا سرعان ما تَصَرَّمَ الأمر فكثر أعداؤهم في الداخل والخارج بسبب ضيق أُفقهم وتصورهم لإسلام مستل من بطون أسفار كتبت في القرون الخوالي أحسنوا الظن في كفايتها لتنظيم دولة حديثة ولإدارة مجتمع معقد والتعامل مع تحديات عالم متربص ومتشابك. ومن ضيق أفقهم أن مشروعهم الإسلامي لا يكاد يتضمن شيئاً غير قائمة من المحظورات الخمر والميسر وحلق الذقون وشغل المرأة وتعليمها، حتى إذا أنجزوا ذلك لم يجدوا غير الفراغ فشنوا حرباً على الأحجار المنحوتة منذ القرون الخوالي في الجبال ومرت من عندها أجيال من المسلمين لم يفكر أحدهم في محاربتها. ومن بساطتهم وضيق أفقهم فتحهم البلاد لجماعات المجاهدين الذين لفظهم النظام الدولي بعد أن قضى وطره منهم وعقدوا معهم العهد، فلما طولبوا بتسليمهم لمعاقبتهم على ما اقترفوا تمسكوا بما قطعوا على أنفسهم من عهد فكانت نهايتهم، وكان حالهم شبيهاً بقوم مكثوا مئات السنين في كهفهم ثم غادروه وتمكنوا من دخولهم المدينة وفرضوا عليها حكمهم بحسب ما استقر في ثقافة القرون الغابرة. إن السنن غلابة ومنها سنة التطور <#وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً{71/14:1-3}. أما التجربة الثانية فهي التجربة السودانية وفشلها الذريع أمر واقع، وهل يتوقع ممن فشل في إدارة الحوار في صلب جماعته توصلا معهم إلى وفاق يصدق فيه، أن ينجح في التوافق مع جماعات طالما أعلن عليها الجهاد ولم يدخر وسعاً في التعبئة ضدها وتضليلها وتخوينها والحلف جهاراً نهاراً أمام الملأ إنه لن يعيد تلك الأحزاب الطائفية؟ هل يتوقع ممن أسس مشروعه على استبعاد الآخرين والانفراد بالسلطة ونظّر لذلك ورتب عليه أمره أن يتراجع عن ذلك ويتحول إلى ديمقراطي يحترم حقوق الآخر ويفي بما يعاهد عليه؟ إن الفشل في هذه التجربة خلافاً لسابقتها مثير للغرابة وحتى للاستهجان رغم أن المشروع الإسلامي يتحرك هنا أيضاً في بيئة ممزقة في وطن لم يستكمل مقومات وجوده بعد بما جعل بنيان الدولة هشاً والالتفافاف حولها هينةً فليست هي محور الاجتماع وإنما القبيلة والطائفة واللون، ورغم أن شدة المكايد الدولية والإقليمية وتشابك المصالح وتصادمها، رغم ذلك فالثابت أن المشروع الإسلامي ولئن كانت له بعض إنجازات مثل توفقه في استغلال ثروة البترول رغم التعويق الأمريكي، ومثل توسيع دائرة التعليم وتعريبه، ومثل وقف زحف التمرد بل دحره في مواقع كثيرة، بما صنع توازناً معه أقنعه بضرورة التفاوض والرضى باقتسام البلد وإطفاء حريق لم يعد مقبولاً استمراره بجوار حقول للنفط واعدة تتعلق بها مصالح دولية ضغطت على الجميع لإطفاء الحريق والقبول بقسمة السلطة، بينما كان كل من التمرد وجماعة الإنقاذ طامعاً في الانفراد بالأمر كله. إلا أن النجاح المنجز في الاتفاق مع التمرد لاقتسام السلطة والثروة معه على أهميته لا يعني في المحصلة شيئاً حسماً للداء من أساسه ما استمر فشله في اقتسام السلطة مع بقية المكونات الرئيسية للبلد عبر الحوار والتفاوض توصلاً للإجماع الوطني. إن البلد اليوم أشد انقساماً من اليوم الذي استولى فيه الإنقاذ وكأن الجسم الوطني يتفجر من جميع أقطاره عنفاً وتمرداً على السلطة المركزية وقد استقر في ذهن جميع الفئات أن السلطة لا تفاوض إلا من يحمل السلاح حتى إن زعيم أكبر حزب بالبلد السيد الصادق المهدي هدد بحمل السلاح إذا لم يلق من الحكم ما يستحق، وهو ما يبدو أنه أغرى أيضاً جماعة المؤتمر الشعبي رفاق الدرب وقد أقصوا ولوحقوا بالطرد من الإدارات وتجريدهم من كل مركز قوة هم فيه من قبل إخوانهم متهمين بأنهم وراء فصائل من التمرد في دارفور، وقد يلامون إن هم فعلوا ذلك ولكنَّ للصاحب مقالاً. هل تبرر الظروف الداخلية والخارجية الصعبة التي عمل فيه المشروع السوداني فشله؟ صعب أن يُلتمس لهذا الفريق من الإسلاميين ما يُلتمس لجماعة طالبان من الأعذار؟ لأن هذا الفريق لم يخرج لإدارة الدولة الحديثة من بطون التاريخ ومدارس التقليد الفقهي بل هو فريق حديث متخرج من جامعات حديثة مقدَّرة، مستوعب للعصر، تأسس على تصور إسلامي إصلاحي وليس تقليدياً. ب- هو فريق تقلب في شؤون الإدارة والحكم وزراء وبرلمانيين ومدراء لشركات وبنوك، فكيف سولت لهم أنفسهم بعد أن نجحوا في الانقلاب على الآخرين بليل أن ينفردوا بحكم السودان وإلى الأبد مراهنين كأي جماعة من جماعات الحداثة العلمانية (وهم الإسلاميون) على الاستيلاء على الدولة والانفراد بها واستخدام مؤسساتها الحديثة في تفكيك بنية المجتمع بحسبانها متخلفة طائفية أنتجت كيانات سياسية طائفية تقليدية، فلتحل، وليخضع الشعب لمبضع الجراح الحداثي الإسلامي يفككه سبيلاً لإعادة تركيب هويته بحسب الأنموذج الذي نريد، وذلك عبر بسط التعليم على أوسع نطاق لا بتقدير العلم قيمة في ذاته أو سبيلاً للنمو وإنما أداة سياسية لتقويض بنية الكيانات التقليدية المنافسة رهاناً على صنع هوية جديدة للشعب. ذلك هو الرهان الأساسي لمؤسس المشروع الدكتور حسن الترابي الذي طالما شكا وردد تلاميذه شكواه من تغلغل الطائفية في بنية المجتمع السوداني مما جعل أحزاباً متخلفة في رأيهم مثل الاتحادي والأمة تعتصم بقواعد لها شعبية واسعة، فشلت حداثة الشيوعيين كحداثة الحركة الإسلامية في تقويضها اللهم إلا ما انتزعته منها عبر التعليم، فلتمتد الجامعات في كل أرجاء البلاد، وليستولي أبناء الحركة الإسلامية على كل مراكز القوة والنفوذ الأمني والعسكري والتعليمي والإعلامي والاقتصادي بخلفية تفكيك تلك البنية الاجتماعية المتخلفة سبيلاً لإعادة تشكيلها. إنه رهان كل صنوف الحداثات القومية والوطنية والشيوعية نفسه، رهان على الدولة محركاً للتغيير بخلفية احتقار وعي الشعب كما هو في الواقع ودمغه بالتخلف بالماضوية بالرجعية بالطائفية بما يسوِّغ إخضاعه للجراحات الضرورية، غير أن حسن الترابي ليس هو فقط رجل دولة حديثة تحتل الدولة مركز فكره مثل سائر الحداثيين ويسهل عليه تسويغ ما تقرره الدولة من جراحات على الجسم الاجتماعي المتخلف بما يقيم شبها بينه وبين ناصر وسوكارنو وبورقيبة وصدام والقذافي..إنه أيضاً حقوقي ومناضل من أجل الحرية ومن أجل المبادرات الفردية وسلطة مؤسسات المجتمع المدني والشورى والديمقراطية، وهو كلما اصطدم مشروعه الحداثي للدولة بعدّها محركاً أساسياً للتغيير بصعوبات حقيقية هنا أو هناك تذكر الجانب الآخر من شخصيته مدافعاً عن الحرية والشورى ومبادرات الفرد والمجتمع فيهم بالنهوض من كبوته ليصلح ما أثمر تدبيره ومشورته من مفاسد وإخلال ولكن يكون الوقت قد فات، فالدولة الحديثة ليست لعبة يستخدمها هذا أو ذاك ثم يلقي بها جانباً إنها كفيلة بصناعة رجالها المرتبطين بها مصيرياً والمستعدين لأن يفعلوا كل شيء من أجل استمرار سطوتها واستمرار المصالح الخاصة للرجال الذين ظنوا أنهم يوظفونها فوظفتهم. ولقد أحسن الترابي التعبير عن هذه الحقيقة في قناة الجزيرة إذ قال: «لقد أرسلنا رجالنا إلى الدولة لتوظيفها، فلما اختلفنا معها انحازوا إليها وتركونا». لقد أدرك الترابي المأزق الذي قاد إليه مشروعه والمتمثل في تحويل مشروع إسلامي يبشر بالحرية والشورى ويقود حركة التجديد في الحركة الإسلامية المعاصرة في اتجاه التأصيل لسلطة الشورى والمؤسسة وسلطة المجتمع المدني، تحوّل ذلك المشروع إلى حكم سلطوي قامع وتحولتْ طائفة كبيرة من رجاله إلى رجال دولة في حكم مستبد يزاحم كثيرٌ منهم لنفسه ولأسرته على المشاريع التجارية والشركات والمناصب والمصالح ويبذلون ما وسعهم للاستئثار بالمناصب والمصالح لأنفسهم وعوائلهم وأبناء قبائلهم. لقد عزم على العود بمشروعه التجديدي إلى أصله وربما الوصول إلى غلق القوسين اللذين فتحهما الانقلاب والقبول بمشاركة الآخرين ضمن احترام آليات الحكم الديمقراطي المتعارفة فسن لذلك دستوراً لدولة تعددية تحترم فصل السلطات بل توزع فيها السلطات على نطاق واسع على الولايات فتكون لها برلماناتها المنتخبة وتنتخب حكامها وبدأ التداول حول هذا الدستور إلا أن القائمين على الدولة من تلاميذه أدركوا أن المشروع يتجه إلى سلبهم سلطاتهم المطلقة فرجوه إرجاء المشروع إلا أنه مضى إلى البرلمان الذي يرأسه مستهيناً بما غرست يداه فوجد أبواب البرلمان موصدة وأبواب السجن مفتحة تحتضنه. ذلك هو المشروع الإسلامي في السودان؛ هو امتداد لعجز أصيل في تاريخنا السياسي العجز عن إدارة الاختلاف سلمياً والمسارعة إلى سيف الحجاج، أو أدوات الدولة العنفية والاقصائية لإقصاء الآخر، ولم تشذ تجارب الحكم في بلاد العرب- خصوصاً – على اختلاف إيدولوجياتها من ليبرالية واشتراكية وإسلامية عن هذا النهج بما يؤكد استمرار فعل التاريخ فينا جميعاً بالمسارعة إلى نقل الاختلاف من مستواه السياسي- وكل منازعاتنا الكبرى كانت خلفياتها سياسية تنازعاً على السلطة- إلى ضرب من ضروب تكفير الآخر: فإذا كانت الثقافة الدينية هي السائدة فالمخالف ضال أو مبتدع أو كافر أو خارجي أو صاحب فتنة. وإذا كانت الثقافة السائدة ثقافة وطنية فهو خائن للوطن، وإذا سادت الثقافة التقدمية فهو رجعي عميل للإمبريالية.. وكل ذلك ضروب من التكفير تهرباً من مواجهة الحقيقة هي أن اختلافنا حول السلطة ولكن ليس بأدوات سياسية سلمية تعترف بالتعدد وبحقوق في الوطن متساوية وفي حق المشاركة في السلطة. أما التجربة الثالثة للحكم الإسلامي المعاصر فهي التجربة التركية إن في عهد البرفسور نجم الدين أربكان مؤسس الحركة أو في عهد تلميذه أردوجان. ويمكن تناول هذه التجربة من خلال النقاط التالية لإلقاء أضواء عليها: أ- ما مبرر عدِّ هذه التجربة إسلاميةً رغم أنها لم تحمل مثل كثير من أخواتها مشروع تطبيق الشريعة الإسلامية؟ إن إسلامية مشروع للحكم لا يتحدد بحجم ما يطبقه أو يدعو إلى تطبيقه من البرنامج الإسلامي، ذلك أن الإسلام ولئن كان منهج حياة شاملاً من حيث المبدأ فهو عند التطبيق يخضع لقانون الممكن<#لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها{2/286:1-6}. وفي الحديث: ((ما أمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم)) وإنما تتحدد إسلامية مشروع بما يعلم عن حَمَلَتِهِ مما يحملون من معتقدات وما يتربون عليه من قيم وأخلاق والتزامات وما ينسبون أنفسهم إليه من مذاهب وأيديولوجيات. والأمر- إذا نحن نأينا بأنفسنا عن الجدل العقيم- واقتربنا من العرف السياسي في كل بلد فقرأنا عناوينه البارزة دون تكلف فهو كفيل بأن يدلنا بوضوح وبكل يسر على تصنيف واضح متعارف عليه بين عامة الناس وخاصتهم؛ تصنيفٍ للأحزاب الرئيسية ونوعية الأيدلوجية القائمة عليها. وإذا أطلق اسم الحركة الإسلامية في مصر فسينصرف أولاً إلى الإخوان المسلمين وإذا أطلق في اليمن سينصرف إلى الإصلاح؛ وإذا أطلق في تونس فينصرف إلى النهضة؛ وإذا أطلق في تركية سينصرف إلى هذا التيار الذي ظل يتبلور منذ أربعين سنة على يد أربكان وتلاميذه ومن أشهرهم أردوجان؛ فهذه مدرسة متميزة في التيار الإسلامي عرفت من بين المنتظم الإسلامي التركي بمرجعيتها الإسلامية وهي تصرح بذلك ضمن السقوف التي تتحرك تحتها ومنها السقف العلماني فهي لا يسعها أن تتحدث عن الإسلام أكثر من كونه ثقافة وتراثاً. فهل تسلب عن أهلها الصفة الإسلامية مع ما عرفوا به وأوساطهم الأسرية من حرص على الالتزام بأخلاقيات الدين وشعائره وإيمانهم بمشروعه الشامل، ولم يعرف عن واحد منهم طرحه لنظرية في الإسلام تنكر جزءاً من شريعته وتنقل ممارستها الإسلامية المحدودة بسقف العلمانية إلى تنظير ينكر الشريعة بل يتخذها هزؤا، من ادعى ذلك فليأتنا بنص واحد صادر بيقين عن رمز من رموز هذا التيار. هل لأنهم لما حكموا فلم يطبقوا كل المشروع الإسلامي تسلب عنهم الصفة الإسلامية؛ ومن ذا الذي يقدر أصلاً على تطبيق الإسلام كله في زمن هذا الاستضعاف وهل كلفنا الرحمن الرحيم بما يرهقنا ويتجاوز ما نطيق؟ كلا. هل تسلب الصفة الإسلامية عن الزعيم البوسني عزت بوغوفيتش رحمه الله لأنه حكم فلم يطبق الشريعة؟. ب- هل يعامل الطيب اردوجان وحزب العدالة بالتقدير نفسه الذي يعامل به أستاذه أربكان من حيث إنهما زعيمان إسلاميان؟ لا مسوغ للخوض في الخلافات التي لا تمس بجوهر المشروع الإسلامي والتي أفضت إلى انفصال غالبية الحزب عن المؤسس. إن انشقاقاً بهذا الحجم لا يمكن إلا أن تكون له مبررات موضوعية. ورغم أن قيمة الوحدة راسخة في قيم الإسلام وفي هوى كل مسلم إلا أن الاختلاف بين البشر سنة ثابتة وعلينا معشر المسلمين أن نروّض أنفسنا ترويضاً على النظر إلى الاختلاف على أنه سنة ثابتة وليس شذوذاً عن الفطرة التي فطر الله عليها الخلق، وأنه إذا كانت الوحدة مطلوبة وهي الوجه الآخر للتوحيد فهي ليست تلك الوحدة البسيطة الصماء التي لا عوج فيها ولا أمتا؛ فذلك مما تفرد به المولى سبحانه أنه الواحد الأحد أي واحد من كل وجه بينما الوحدة التي انتدبنا إليها الشارع ولا بد أن نسعى إليها هي وحدة نسبية أي وحدة فيما نتفق عليه مع بقاء أوجه للاختلاف يعذر بعضنا بعضاً فيها ونتراحم فيها. وطالما نقلنا موروثنا الفقير في ثقافة الاختلاف وإدارته سلمياً من الوحدة الصماء إلى التهاتر والقطيعة والاستنفار للتحارب كلما اختلفنا. ولو أننا تركنا اليوم جانباً ما يرمي رفقاء الدرب الإسلامي في تركية بالأمس بعضهم بعضاً وبالخصوص جماعة الأستاذ أربكان تلاميذَهم، وتفحصنا ملياً فروق السياسات التي سلكها الأستاذ بالأمس عندما حكم وقارناها بالتي ينتهجها التلميذ اليوم لوجدناهما في المحصلة يتحركان تحت السقوف نفسها: كلاهما التزم بثوابت السياسة التركية في الاقتصاد والعلاقات الدولية والإقليمية مثل العلاقة مع الحلف الأطلسي ومتابعة السير نحو أوربة والعلاقة مع الكيان الصهيوني، مع أنه يسجل للتلميذ نجاح أكبر في محاصرة العسكر بأوربة سواء تحقق مسعاها بالقبول بها أم استمرت المماطلة فقد تحسنت أوضاع حقوق الإنسان بما لا سابق له في أي عهد من عهود الجمهورية؛ وكفت أيدي العسكر إلى حد بعيد؛ وناور اردوجان مناورات ذكية نجَّت تركية من التورط في المستنقع العراقي ولأول مرة تبدي تركية عينا حمراء لإسرائيل فتسحب سفيرها احتجاجاً على فظائع الصهاينة في غزة، كما تحقق نمو معتبر في العلاقات التركية – العربية وبالخصوص مع سورية حتى طالبت تركية بالعضوية الشرفية في الجامعة العربية. أما الأداء الاقتصادي لهذا الفريق فهو محل إكبار. نحن إذن أمام مشروع إسلامي واحد يتحرك بذكاء ضمن المتاح لتحقيق أهداف الإسلام تدرجاً… ألم تتنزل شرائعه منجّمة؟ تقديرنا أن تجربة التطبيق الإسلامي في تركية في مستوى الدولة رغم سقطتها في الارتفاع بمستوى العلاقة مع الصهاينة بدل النزول بها إن لم يمكن قطعها مما لا يغتفر لهذا الفريق أن يأتي سياسة متحللاً من المبادئ في غير ضرورة قاهرة. ومع ذلك قد تعد التجربة التركية هي الأرشدَ بين التجارب الإسلامية الثلاث التي عرضناها باختصار. وربما يعود السبب الرئيسي إلى أنها تحركت ضمن إطار منضبطِ مجال المغامرة والطموحاتُ فيه محدودة بما حد من الرغائب الثورية المجنحة والأخيلة الجامحة التي قد تغري المتربع على عرش السلطة في لحظات انفعال أن الشعب الذي بين يديه بل العالم من حوله صلصال يمكن لجهاز الدولة العتيد أن يعيد تشكيله كما يشاء؛ كما فعلت كل الثوريات التي مرت بالمنطقة ومنها الثورية السودانية الإسلامية؛ لكنها تكتشف وغالباً بعد الأوان أن هويات الشعوب تتأبى على جهاز الدولة مهما عتا أن يفككها؛ بل هي ترد الفعل فتزداد انغلاقا، هو قابل للتغيير ولكن ببطء شديد والعالم من باب أولى ولكن خُلق الإنسان من عجل وإن العالم من حولنا قابل للتغيير. لم نعرض لتجربة تطبيق إسلامي أعقد هي التجربة الإسلامية في إيران فهي ذات خصوصية تحتاج إلى فسحة أكبر. غير أن من دروس هذه التجارب المستفادة أن التدرج في التطبيق الإسلامي بعد غربة طويلة أجدى وأن تمركز الجهد على إصلاح الإنسان ومؤسسات المجتمع أولى من التمركز حول الدولة وعدِّها أعزَّ مطالب الحركة الإسلامية، فأعز مطالب الإسلام وبالخصوص ضمن الظروف الدولية القائمة هو مطلب الحرية قيمةً إسلامية كبرى وبوابةً رئيسة لكل إصلاح. وخير من الانفراد بالحكم ولو كان ذلك مقدوراً عليه انتخابياً فالمشاركة فيه – إذا كان ولا بد منه- خير من تحمل مسؤوليته باستقلال. والله أعلم ما هي بتقديرك الأسباب التي جعلت العالم الإسلامي يصل إلى هذا الوضع؟. ** عوامل كثيرة خارجية وداخلية تراكمت تأثيراتها السلبية على أمة الإسلام أودت بها إلى هذا الحال من الضعف والتمزق صراعاً محتدماً لا هوادة فيه بين دولها وبين طوائفها وبين مذاهبها وبين نخبها القديمة والحديثة وبين شعوبها وحكامها..كل ذلك وهي تواجه حملات غربية متلاحقة منذ أزيد من قرنين بل منذ بدأ الهجوم المعاكس في معركة بواتيي.، لكنها بأثر عقيدتها لم تستسلم قط لميزان القوة الذي اختل لصالح الخارج بل ظلت تقاوم حتى في غياب كل من الوحدة السياسية الجامعة والإجماع الفكري والثقافي. ورغم أن النمو المعرفي والتطور التقني لدى أهل الضفة الأخرى ظل البون بينه وبين نظيره لدى المسلمين يتسع لصالح الطرف المقابل منذ القرن السادس عشر؛ فقد كان العامل الرئيسي في اختلال ميزان القوة هو العامل الخارجي ممثلاً في التفوق العسكري الذي أعانت عليه ظروف بيئية مثل التوافر على الثروات الغابية (الأخشاب الصلبة) المساعدة على تطور صناعة السفن العملاقة القادرة على عبور المحيطات وما أفضى إليه ذلك من كشوفات جغرافية لعوالم جديدة فاضت منها عليهم ثروات طائلة كان لها إسهامها المقَدّرُ في فرض الكساد على اقتصاديات عالم الإسلام، مقابل إحداث حركة تجارية وصناعية في الغرب مهدت لدخوله عصراً جديداً، عصرَ الثورة الصناعية والمجتمع الرأسمالي بأثر التراكم الهائل للثروات المنتهبة من العوالم الجديدة ومن شعوبها التي تعرضت للإبادة. إن القوة العسكرية في البنية الغربية هي الرافعة الأساسية والقوة المحركة للعلم والتقنية والاختراع وهي كاسحة الثلوج من طريق الرأسمال الزاحف بحثاً عن الأسواق والمواد الأولوية وبالخصوص الطاقة. وذلك رغم ما يعطى عادة من أهمية مبالغ فيها لدور التنوير الفكري في صناعة النهضة الغربية، بما حرر من عقول من إسار الخرافة والدين الكنسي؛ وبما أشاع من قيم تحررية وما طور من أنظمة ديمقراطية وما صاغ وأقر من حقوق للإنسان كالمساواة بين الناس والمساواة بين الجنسين، مما يندرج تحت مسمى التحديث والنهضة والإصلاح.على أهمية تلك الأفكار والقيم والنظم إلا أنها لم تأتِ ثمرة لتأملات فلسفية أو تلبية ليقظة ضمير أخلاقي إنساني مضّه الإحساس بالظلم وترسخ فيه وهيمنت عليه قيم العدالة بقدر ما جاءت لتلبي مطالب التفوق العسكري والتوسع الرأسمالي، جاءت بعدّها تسوياتٍ لصراعات محتدمة ما أمكن حسمها داخلياً لصالح طرف واحد من الأطراف المتصارعة فكان لا بد من ترتيبات وتسويات سلمية، حملت مسمى النظام الديمقراطي،من أجل إزاحة العوائق من طريق انطلاق رأس المال. ولا تبعد من ذلك كثيراً قصة حرية المرأة والاعتراف بحقوقها لم يكن المنطلق بحال إنسانياً بقدر ما كان مقتضى من مقتضيات التوسع الرأسمالي وتوفير يد عاملة رخيصة وبالخصوص خلال الحروب التي أخلت المصانع والإدارات من كثير من الرجال ممّن كان لابد من تعويضهم بالنساء، فكان لا بد من تحقير قيم العائلة ودور المرأة أُمّا وربة بيت، مقابل إيلاءِ قيمة عمل المرأة خارج البيت، وتركيز الأضواء حول جانب الأنوثة والإغراء من شخصيتها وتحويلها في المحصلة سلعة في السوق الرأسمالي الذي سلّع كل شيء،وتلك هي العلمانية الشاملة الترجمة القيمية والفلسفية والمجتمعية للمؤسسة الرأسمالية العملاقة ولآلتها العسكرية الفتاكة التي أمكن لها أن تعمل في الأمم والحضارات والديانات إبادة إن أمكن أو تفكيكاً واحتواء، وقطعت في ذلك أشواطاً بعيدة تغريباً للعالم أو أمركة له، إلا أن الإسلام أبدى ولا يزال استعصاء يتفاقم؛ إنهم يقولون؛ في وجه الحداثة والحقيقة أن استعصاءه ليس في وجه الحداثة بما هي علوم وتقنيات ومعارف ثابتة فقد أمكن لحركاته الإصلاحية منذ قرنين أن تحتوي كل ذلك ضمن قيم الإسلام وبشروطه ولخدمته، وإنما استعصاؤه هو أساساً في وجه آلته العسكرية الفتاكة وما يتقدمها من أضواء تعشي الأبصار لتسويغها والتمهيد لها: فلسفات وقيم مادية تحوسل الإنسان بتعبير «المسيري» أي تحوله إلى مجرد وسيلة أي مادة استعمالية. إن قوة الإسلام الروحية المتعاظمة تمثل اليوم بعد إزاحة العقبة الشيوعية عنصراً أساسياً في استعادة شيء من التوازن الدولي المختل والحؤول والدولة العظمى أن تعلن نفسها إلها لا يُسأل عما يفعل ولا رادَّ لقضائه، وذلك رغم ما يطفو على السطح من أشكال عشوائية لمقاومة تُعزى للإسلام رغم تجافيها عن قيمه وغلبة الرد الغضبي الغريزي عليها؛ المصطبغِ بصبغة وقيم ومنطق القوة التي ينازلها منطق الغاية تبرر الوسيلة مما لا يقره الإسلام بل يسيء إلى الإسلام. غير أن الثابت أنه مقابل تنامي وتسارع العود إلى الإسلام واكتشافه والالتزام به وانسياحه في العالم، هناك تراجع للحلم الغربي في الرهان على سعادة دنيوية يصنعها عقل أرضي مستغن ومنقطع عن السماء،أعلن في صلف عن موت الإله، بما يعني طموحاً إلى الحلول في المنزلة نفسها إلا أن ما حدث ليس غير سيادة نسبية القيم وتعويمها وماديتها فما يبقى من قيمة لغير المال والربح والقوة واللذة وسلطة الدولة خادماً للرأسمال في المستوى المحلي وفي العلاقات الدولية. وكل ذلك ثمرة لنهج في الإصلاح أطاح بأسس القيم والمعايير المستمدة من الدين. بينما أحد وجوه الصراع في عالم الإسلام تدور باحتدام حول الإسلام ذاته: هل يتم الإصلاح في نطاقه وبمقاييسه تأسيساً على قواعد الاجتهاد كما هي مقررة في أصول الفقه، وهو نهج الإسلاميين على اختلافاتهم؟ أم يجب أن ينطلق متحرراً من كل توجيه إلهي، حتى ولو أدى ذلك إلى إصلاح الإسلام ذاته وإخضاعه لسلسلة من العمليات الجراحية تحت مسمى الاجتهاد والإصلاح والتطوير والتحديث، وذلك على خلفية الأنموذج الغربي الذي يجب أن يستلهم بل أن يحاكى في حلوه ومره؟ إن ذلك لا يعني بحال أن مهمة الإصلاحيين الإسلاميين قد استنفدت أغراضها فلا يزال قطاع واسع من المسلمين حتى من خاصتهم مشدوداً إلى مدارس تراثية معيقة لكل تقدم وإصلاح سواء أكانت تُعزى إلى تشدد سلفي يستبيح دماء المخالفين مسلمين وغير مسلمين، أم كانت تنتمي إلى مذاهب أغنوصية غارقة في الخرافة ضاربة في التيه؟ إن غياب المرجعية الإسلامية بأثر حركة التحديث التي فككت المؤسسات العلمائية وما كان يدعم استقلالها من وقف، وذلك لصالح المركزية المطلقة للدولة الحديثة، خلَّف وراءه قدراً من الفوضى في جمهرة المسلمين ونوعاً من اليتم، وهو ما فاقم حالة الضعف والفوضى واقتضى البحث عن بدائل تمثلت في الحركات الإسلامية والجمعيات الخيرية التي لا تزال تصارع من أجل البقاء سلطةَ الدولة المركزية المتغولة المدعومة بقوى الهيمنة الدولية، وذلك رغم بدايات مبشرة بتباين المصالح بين الطرف الدولي وحاميه المحلي. في ظل هذه الأوضاع ما هي أولويات المفكر الإسلامي، ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟.. * في خضم التغيرات الكاسحة ما هي الثوابت؟ الحركة وما في معناها – من ألفاظ استخدمها القرآن الكريم – مثل التغير والتطور والتحول والتبدل والتداول والتقلب والانقلاب والتدافع، سنة من سنن الله في الأكوان والمجتمعات تقوم بوظيفة حفظهما من الفساد مثلما يحفظ المد والجزر البحار والمياه عامة من التعفن وانقلاب وظيفتها من عامل إصلاح ونفع عميم إلى عامل هلاك وفساد ذميم. ولقد قدم القرآن صورة عن كون وعن تاريخ بشر في حالة حركة لا تهدأ.. أمم تدركها فضائل بأثر من نبوة أو حكمة فتصعد على ركح التاريخ وتسود بما غلب عليها من عدل ونشاط ثم لا تلبث أن يتخللها الفساد والظلم فإذا لم تدركها مقاومة ناجعة فاستفحلا حتى غلبا عليها سلط الله عليها من يدفعها عنوة فيزيحها عن مقام الإمامة والغلبة لتحل أمة أخرى محلها قد تهيأت بالفضائل وخصائص القوة لتتبوأ موقع الزعامة وهكذا دواليك.. وهذه سحائب لواقح بالخير تسوقها الرياح فتنزل مدراراً على أرض عطشى جدباء فتهتز وتربو نباتاً طرياً لا يلبث أن يزهو ويزهر ويؤتي ثماره ثم يصفرّ فتراه حطاماً تذروه الرياح، وتلك نطفة يحركها تجاذب بين جنسين فيكون لها لقاء خصيب لتمضي إثره في مسار معلوم إلى مستقر لها في قرار مكين في رحم أنثى، فتنخرط في خطة مرسومة لتتحول علقة ثم مضغة فعظاماً تكسى لحماً، ثم تنفخ فيها الروح، حتى إذا استكملت نماءها تحركت صوب عالم الناس محاطة وهي الواهنة بفيوض من عواطف الحب والشفقة ترعاها السنين الطوال حتى تبلغ أشدها، وتنهض بدورها، ثم من بعد قوة يدب فيها الضعف ولا يزال بها حتى يأذن الخلاق بانتقالها إلى الحياة البرزخية في انتظار يوم الحساب. وعبادات الإسلام ذاتها جمعت بين التأمل الفكري والاستغراق الروحي وبين حركة الجسد في المكان: فركن الصلاة الأول النية بمعنى تجريد القصد لله.. وجوهرها الدعاء والتضرع للخلاق ولي النعم، وما تبقّى فحركة، من تلاوة وركوع وسجود وقيام وجلوس وتشهد وسلام كلها حركات للجسم مع الحرص على دوام الشهود في الحضرة العلية.. وهكذا الأمر في بقية فروض الديانة؛ فقد جمعت بين العبادة المادية والعبادة الروحية ويتجلى ذلك أوضح ما يتجلى في الحج حيث تبلغ الحركة حد الهرولة، وحيث يفرض على المؤمن ولو مرة واحدة في العمر أن يتمرد على السكون والقرار في المكان والإخلاد إليه، فيخرج وجوباً من بلده ومألوفاته قاطعاً البراري والبحار أو الأجواء ليطوف (ليتحرك) حول البيت العتيق ويسعى بين الصفا والمروة ويظل متنقلاً من مكان إلى آخر طوال الحج حتى عودته إلى بلاده بما يجعل السير في الأرض والسياحة فيها فريضة من فرائض الإسلام لها مقاصد دينية من مثل التوبة والإنابة عوداً بالفطرة وبالدين إلى أصلهما، كما له غايات إنسانية مثل التعارف وهو مقصد من مقاصد الخلق <#وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا{49/13:8-11} الممتحنة. وله مقاصد معرفية علمية: التأمل في ملكوت الله والتعرف على أحوال الأمم الحاضرة والغابرة. وله مقاصد تجارية. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ{2/198:1-8}، فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ{67/15:7-12}، وله مقاصد خلقية دينية: الاتعاظ والاعتبار بأحوال الأمم البائدة وما حل بها من سخط الله بسبب الكفر والظلم. ولكل ذلك تكررت في القرآن الدعوة الملحاحة إلى السير في الأرض <#قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ{30/42:1-4}، <#أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ{40/82:1-4}. وتيسيراً لهذا المقصد يسّر الشارع الحكيم على المستجيبين لندائه إلى السفر والتمرد على السجن في المكان طلباً لتجارة أو سياحة أو لعلم ودعوة، فسنّ لهم تخفيف العبادات بالتشطير والجمع كالصلوات أو بإرجائها جملة مثل الصوم.. ولقد أثمرت هذه الدعوة في أجيال الأمة الأولى ثماراً عظيماً فكان من أبناء الصحراء من جيل الصحابة من سار في الأرض مجاهداً داعياً حتى دفن تحت جدار القسطنطينية ومنهم من سار فاتحاً أو تاجراً حتى أدركته المنية تحت جدار الصين، ولا تكاد تخلو دار للإسلام اليوم من ضريح لصحابي أو صحابية حتى جزر البحر وصلها ابن الصحراء أو بنت الصحراء مثل الصحابية أم حرام دفينة جزيرة قبرص. فكانت الفتوحات ثمرة من ثمار هذه الدعوة إلى الحركة والسير في الأرض تمرداً على سجن المكان والإخلاد إلى الأرض. وكان من ذلك الرحالون العظام الذين كانوا الإرهاص لحركة الاكتشافات التي تابعها الرواد الأوربيون كشفاً لمجاهيل المعمورة والتي أفضت إلى كشف الأمريكتين وأسترالية ونيوزيلندة ومجاهل إفريقية. والشواهد كثيرة على أن المسلمين كانوا الرواد الأول ومؤذني الفجر الأول للحضارة المعاصرة التي بدأت بالاكتشافات الجغرافية التي مكنت الغربيين نهاية من الاستيلاء على ثروات قارات بكر راكموها فانطلقت منها الثورة الصناعية والاقتصاد الرأسمالي. ولقد كان من بين الرواد العرب الرحالان الإدريسي وابن بطوطة وابن فضالة الذي دون رحلته إلى بلاد الشمال الأوربي فكانت وقائع رحلته العجيبة كما دونها أهم الوثائق المؤرخة لتك العصور وأنماط حياة أهلها (القرن العاشر). وكان من ثمار الدعوة للحركة والسير في الأرض توسع حركة التجارة وصناعة السفن وخوض لجج البحر وتطوير الخرائط الجغرافية وأدوات ضبط المكان والاتجاه. وبأثر ذلك، ظلت لقرون طويلة حتى القرن الثامن عشر أساطيل المسلمين مسيطرة على خطوط التجارة العالمية براً وبحراً ومنها التجارة في البحر المتوسط مثلاً، وأمكن للتجار المسلمين أن يمتدوا إلى سواحل إفريقية وإلى شرق آسية حتى جزر جاوة وسومطرة واستوطنوا تلك البلاد وتزاوجوا ونشروا دينهم ولغتهم وحضارتهم، فكان أثر التجارة في نشر الإسلام رابياً أثر الجيوش؛ بل إن ما فتحته التجارة للإسلام من بلاد استقر فيها ولم يتزحزح عنها؛ أمّا ما فتحته الجيوش فإنه ما أصابها الضعف حتى تراجع الإسلام معها (الأندلس)، وكل ذلك يجعل الحركة في الأكوان والأنفس والتاريخ أساس الحضارة وجوهرها الأساسي مقابل السكون والخمول والانحباس في المكان وفي الفكر أي التقليد وعبادة الأسلاف أو موروثاتهم وتأليه الحكام بتجريم نقدهم بديلاً عما فرضه الإسلام من مراقبتهم وأمرهم ونهيهم وفرض تغيير منكراتهم عليهم لإصلاحهم، وصرفهم من الخدمة إذا هم استكبروا وعتوا بتقدير ذلك ليس حقاً على المسلم بل واجب؛ فالأمة هي المستخلفة وصاحبة السلطة نيابة عن الله وما الحاكم إلا أجير عندها يعمل لها بعقد وشروط إذا تنكب عنها وجبت إعادته إلى جادة الحق أو إنهاء خدمته. ومما أثنى به النبي عليه السلام على الروم أنهم أكثر الناس رفضاً لظلم الملوك (حديث مسلم). فالانحباس في المكان مظهراً وسبباً تخلفٌ مقابل السير في الأرض مظهرَ وسببَ تحضر. ومن التخلف الإعجاب المفرط بالذات إلى حد رفض كل خير ونافع نقتبسه من غيرنا وإن يكن عدواً. كل ذلك من معاني التخلف والانحطاط مقابل التحضر بعدِّه فضاء مفتوحاً من العدل والحرية والبحث الناصب عن أي حكمة واقتناصها وتبادلها فتجتذب إليه العقول الكبيرة والكفاءات المتميزة. إن الخمول والانحباس في المكان دوارن حول الذات ودروشة وسعي لاهث نحو فناء الذات بدل تأكيدها، جموداً في الفكر وجبراً في العقيدة وتقليداً في الفقه وزخارف لفظية في الأدب وأغنوصاً وطرقاً في التربية واستبداداً في السياسة..تلك معادلة للانحطاط قد استحكمت خيوط ظلماتها، وهو ما آلت إليه أمة الإسلام منذ أزيد من خمسة قرون غلب عليها الخمول وتباطؤ الحركة بينما العالم يضج بها من حولنا، وذلك بعد عصور زاهرة بالإبداع الحضاري مفعمة بالحركة في المكان والحرية في الفكر.. تلك هي صورة المشهد العام للتخلف والانحطاط. أما الأسباب باختصار فمتعددة منها: فساد المناخ الفكري بما انصب في المورد الإسلامي الدفاق بالحركة وحرية الإرادة والمبادرة والتوازن بين مختلف أبعاد الشخصية الإسلامية المادية والروحية والاجتماعية والإنسانية «إن لبدنك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً، فآت كل ذي حق حقه» من موارد انصبت في مجراه من روافد ثقافات تقدس السكون واحتقار الجسد والعمل اليدوي.. ثقافاتٍ يتحرك فيها الفكر إذا تحرك حركة ذاتية من خلال أنسجة قياسية مجردة عن المكان والزمان، بعيداً عن التفاعل مع الواقع الجزئي المتحرك.. أنموذج حضاري آخر يشيد بالغوص في عوالم الروح ويجعل حركة الفكر ضمن عوالم وأقيسة مجردة عن الواقع المشخص في تصادم بيِّن مع منطق القرآن التجريبي الذي يوجه العقل إلى الملاحظة الدائمة والتأمل في جزئيات الواقع المشخص لاكتشاف سننه والاعتبار به وتسخيره.. ثقافة أخرى تجعل الطريق إلى الله وعبادته والتقرب إليه سبيلُه الإعراضُ عن تيار الحياة المتدفق ونقل المريد إلى عوالم خيالية حتى يغفل عن ذاته ويصبح قابلاً كل صورة، فلا يبقى فرق بين خير وشر وجمال وقبح وعابد ومعبود وموسى وفرعون فالكل واحد، كما عبرت عنه فلسفة القطب الأكبر ابن عربي الذي يتحول في زمن الحرب على الإسلام هذا أهم ملهمي أساطين العلمانية. ولقد تدعم هذا التوجه حتى غدا ثقافة عامة للمسلمين بدواعي رد الفعل على الإغراق في عوالم اللذة والمجون والترف الفاجر التي انطبعت بها حياة الملوك الظلمة وحواشيهم وملئهم من أهل المال وأهل الفن والإدارة متأثرين بنماذج الحكم الإمبراطوري الفارسي الهالك الذي ورثوا عنه وهم الحديثو عهد بالبداوة أساليبَ إدارته وأنماطَ حياة ملوكه، وحسبوا أنهم يحتوونها فاحتوتهم وأعاد كتّابها صياغة الإسلام بما يضفي الشرعية على حكمهم الإطلاقي وانفصالهم عن الرعية واستئثارهم بالحكم والثروة دونها، فبحثت الجماهير المقهورة عن فضاءات دافئة للتطهر والهروب فكان الاغنوص بعوالمه الروحية المهوّمة. كما كان هذا الانسحاب من التدافع وصراع الحياة صوب التهويم على غير هدى في عوالم الروح ضرباً من رد الفعل أيضاً ضد المدرسة العقلية بزعامة المعتزلة التي بدافع الذب عن الدين باستخدام «منطق» الخصوم حولت الدين إلى مماحكات جدلية كلامية نالت بها الحظوة في النهاية لدى أصحاب السلطان تضرب خصومها بسوطهم وتغريهم بالتسلط على معتقدات الناس لتفرض مجادلاتها ديناً ملزماً لهم، وبذلك قدمت مثلاً سيئاً جداً للمذهب العقلي عبأ الجماهير ضده وهيأ ظروف الانقلاب عليه، بما مثل دعماً آخر لدفع الجماهير إلى كهوف الأغنوص والخرافة. ولقد مثل انهيار بغداد تحت سنابك التتر انتصاراً ساحقاً للاغنوص على كل ما هو حركة وعقل إذ قدم نفسه ملاذاً لجماهير حائرة يمضّها الأسى حتى ليكاد يمزقها ويدفعها إلى الانتحار، فكانت عوالم الاغنوص جاهزة بفكرها و«حضراتها» لتقدم السلم الذي يعرج به المسلم من هذا العالم الشقي إلى أجواء البهجة الروحية بمثل ما يفعل المخدر. وإذن فالاستبداد الداخلي ومواريث هابطة لحضارات بائدة أسهما إلى حد بعيد إما في إخماد الحركة في مجتمعات الإسلام أو الانحراف بها عن موجهات الإسلام وهو ما جعل المجتمعات الإسلامية عصوراً مديدة أراضيَ منخفضة ومهبطاً لمختلف الغزاة حتى إذا دبت الحركة فيها عبر إصلاح عقدي أعاد التقدير لإرادة المسلم الحرة ولعقله وفعله في التاريخ ولآليات الاجتهاد والجهاد أي للحركة بدأت رحلة الإسلام مجدداً للقاء مع التاريخ وليفعل فيه تأسيساً لدورة حضارية إسلامية جديدة. ولا تزال حركة الإصلاح الإسلامي تعمل جاهدة على تحرير المزيد من الطاقات المعطلة في الإسلام وتراثه، شانة حرباً على أكثر من جبهة: جبهة الانحطاط وجبهة التغريب وجبهة الاستبداد.. والمعركة متواصلة في الإسلام بين قوى شد إلى الوراء وقوى دفع إلى الأمام، بين الحركة والسكون، وبين قوى الاستضعاف وقوى الاستكبار وبين تجديد أصيل يتمسك بثوابت الإسلام مع القبول بـ«اقتباس» كل ما ثبت صحة ونفعاً من حضارة العصر وتجربته وبين تيارات تزعم أنها تجدد من داخل الإسلام ولكنها لا تنطلق عند التحقيق من داخله ولا تتحرك على أرضيته بل تنطلق من خارجه لتفرض عليه منطقاً غير منطقه ومناهج غير مناهجه بمثل ما يفعل قوم ينتسبون إلى الإسلام ويتحدثون باسمه بل يدّعون فيه علماً يفوق مالكاً والشافعيَّ وجعفر الصادقَ بينما لا يعرف لهم موقع في مسجد ولا شهد لهم مؤمن بتقوى مثل محمد أركون ونصر حامد أبو زيد وعبد المجيد ومحمد الشرفيين وأمثالهم ممن جمعهم ناد للفكر والتجديد والاجتهاد تولت دوائر أمريكية تمويله؛ وأحياناً ينشطون تحت مسمى الليبراليين العرب وهم في محصلة عملهم يبغون إفراغ الإسلام من شريعته التي جاءت لتنظم حياة الناس وسحب الدين جملة من العام إلى الخاص حيث يكون لكلٍّ إسلام يفصِّله على مقاسه.. بكلمة أخرى يبغون علمنة الإسلام وتمسيحه بزعم القيام فيه بحركة إصلاحية على غرار ما فعل بالمسيحية حتى أقصيت من المجال العام، وحتى في المجال الخاص انتهى فتح باب الاجتهاد دون تقيد بضوابط الاجتهاد ومنها لا اجتهاد مع النص فانتهى الأمر إلى أن الإعلام يتحدث هذه الأيام عن قساوسة شذاذ وعن قس يعقد قرانه على آخر على أساس أن المسيحية حب، وهذا نوع من أنواعه؟ وعن ثالث لا يؤمن باللهّ ولم لا؟ ما تم الانفكاك من صرامة منطق اللغة وبقية أصول الاجتهاد؟مع أن الجدير بالتذكير أن الإصلاح الديني في أوربة جاء ليعيد المسيحية إلى نصوصها الأصلية مستهدفاً المؤسسة الكنسية التي احتوت الدين وتماهت معه فكان الإصلاح ثورة تحرير للعقول من هذا الأسر بينما ليس في الإسلام كنيسة ولا رجال دين يحتكرون النطقَ باسمه.غير أن حركة التجديد الإسلامي عبر كل العصور كانت مهمتها: العود بالدين إلى أصله وتحريره مما علاه من غبار التاريخ وانتحالات المبطلين والمبتدعين وتسريح قنوات التفاعل بينه وبين ما استجد من معارف يتم احتواؤها ومن مشكلات يبحث لها عن حلول. عبر إحياء وتفعيل آليات الاجتهاد.
(المصدر: كتاب “الخطاب الاسلامي الى أين” لمحرره الاكاديمي السوري وحيد تاجا وتولت نشره دار الفكر في 500صفحة)
انتبهوا! إنّهنّ يُـردْن الـمُـسـاواة!…
كتبه عبدالحميد العدّاسي عندما وقفت أكثر من مرّة مندّدا بتوجّه “الديمقراطيين التونسيات” المدعومات بثلّة من “المثقّفين الديمقراطيين” ذوي التوجّهات النسويّة، لم أكن أعني ? بموقفي ذلك ?عدم قبولي تورّطهنّ في محاربة النّصوص الشرعية القطعيّة المتحدّثة عن الميراث فحسب، بل وأيضا لفهمهنّ المبسّط جدّا للمساواة بين الرّجل والمرأة والذي اكتفى بالوقوف عند الظّاهر المادّي دون التوفيق في فهم الكيانين ومعاملة كلّ منهما بما يناسبه حسب ما أراد له ربّه، وليس حسب ما أراد بعض الشواذ من الذكور، وقد أقنعوا بعض النساء – بمعسول كلامهم – بإدراجهنّ في قائمة المبيعات الاستهلاكية، في عصر نادى فيه الجميع بحريّة الإنسان وحقوق المرأة والطفل…. ولعلّي اليوم ? وأنا أرقب الخارطة التونسية ? أزداد إصرارا على مقاومتي تلك. فالمرأة (بعض النّساء) ? وهي تنشد المساواة مع الرّجل ? أصبحت تصرّ على كلّ ما يقترف الرّجل، ليس تأسّيا به وإنّما معاندة له ومبارزة: فلمّا تردّى في لباسه تردّت، ولمّا فحش في كلامه فحشت، ولمّا زنى زنت، ولمّا قتل قتلت (قتل في أبشع صوره)، ولمّا سهر الليالي خارج البيت سهرت ثمّ أدّبت الوالد الأبويّ المتخلّف الذي نهاها عن ذلك وأخذت عليه المواثيق الصارمة لدى الشرطة، خادمة الشعب، على ألاّ يعود للتدخّل في شؤونها أبدا، ولمّا تعاطى التدخين والمخدّرات والأرجيلة تعاطتها بإدمان منقطع النّظير… كلّ ذلك وصدر أسرة النّظام الحاكم يعذرها ويرقبها بشفقة منتظرا منها مواصلة تخدم المصلحة العامّة للتغيير!… غير أنّ الأنباء الأخيرة التي لا أشكّ في صدقيتها والتي نشرها أستاذنا الكبير عبدالوهّاب معطّر على صفحات تونس نيوز بتاريخ 4 ماي 2008، تبيّن بأنّ المرأة ? وقد أعماها تقليد الرّجل للّحاق به في كلّ الميادين التي يرتادها – قد تجاوزت الحدود، حيث عمدت ثلّة من الفتيات بتزكيّة ثلّة من النّساء، المفترض تمتّعهنّ بالحكمة والصلاح التونسيين، إلى اقتراف بعض الأعمال الهدّامة للمجتمع بعد أن سُمِح لمثيلاتهنّ بالأعمال التي قد لا تضرّ إلاّ بذواتهنّ (وهي تلك التي ذكرتها سابقا، كالقتل وغيره)، فقد تبيّن – بعد مهاجمتهنّ من طرف المصالح المختصّة أثناء مغادرتهنّ مسجد المنار بمدينة صفاقس بعد أداء صلاة الجمعة وإخضاعهنّ لبعض الأبحاث “الجدّية” ? أنّهنّ يتّخذن محلّ سكنى السيّدة مريم بنت منصف والي حرم الدكتور غانم بن عزالدين المطيبع لمزاولة “طقوس دينيّة” لا تنسجم أبدا مع السلم الإجتماعي. ما دفع حماة الوطن أصحاب العيون التي لا تنام إلى مداهمة المحلّ المذكور حيث بُوغت عدد من الفتيات اللاّتي لا يقدّرن الانتماء إلى البلد حقّ التقدير متلبّسات بممارسة تلك الطقوس المسمّاة عندهنّ “حفظ القرآن الكريم”… هكذا، حفظه، كي يخرجن فيما بعد على المجتمع ربّما (شأنهنّ شأن الشباب الذي ملأ علينا سجون الخضراء) بنغمة قد تشكّك في إسلاميّة مَن لا يحفظ القرآن أو مَن لا يقرأه أو مَن لا يعمل به أو مَن لا يؤمن به في أرض عقبة والزيتونة المباركين…. إنّه تقليد مخيف اقترفه هؤلاء الفتيات وهؤلاء النسوة المتعلّمات اللاتي قد يكنّ تأثّرن ? دون رويّة – بدعوة “الديمقراطيات” للتحرّر من كلّ شيء أو بتأكيدات التغيير المبارك على حريّة التعبير والتجمّع والتفكير وغيرها من الحريّات، ولكن دون تمييز منهنّ بين الحريّة والفوضى، أو بما تنثره الفضائيات “الخليجيّة الظلاميّة” التي لا تراعي خصائص المجتمع التونسي المتفتّح والمبني أساسا على احترام الآخر من دون التونسيين وأهل الطوائف (بلغ الاحترام للآخر حدّ السماع للعراة عارضات الأزياء منهم بالدّخول إلى حرم الزيتونة الذي كان معمورا). ولعلّهنّ لتبرير غلطتهنّ الفادحة هذه، احتججن مثلا بمشاركة الشابّ التونسي حسن بن عبد القادر الغديفي في مسابقة نيل جائزة محمد السادس الدولية في القران الكريم لسنة 1429 هجرى/ 2008 التي انتظمت مؤخرا بالمملكة المغربية (*)، أو بسماعهنّ عن رعاية الرئيس زين العابدين بن علي للقران الكريم… لعلّهنّ فعلن ذلك للدّفاع أو للاحتجاج!… ألا فليعلمن بأنّ الرّعاية الرّئاسية الكريمة كانت وستظلّ دائما تحت الأضواء الكاشفة التي يسهر على إضاءتها وتعهّدها ثلّة من أهل الاختصاص كما في وزارة الشؤون الدينية ? على طريق الذكر وليس الحصر – حيث تنظم لفائدة الرّاغبين في حفظ القرآن الكريم لتلميع صورة البلاد دروس في الحفظ والتلاوة والتفسير، هناك في المعهد الأعلى للشريعة بتونس وليس في بيت الطبيب، وعلى أيدي أساتذة مختصين في علوم القراءات والتفسير وليس على أيدي نسوة في صفاقس… بقي أنّ الحادثة، في حدّ ذاتها، قد لا تخدم الخطاب الرسمي المنادي دائما بالحريّات وبالمساواة بين الرّجل والمرأة وبالحوار بين الشباب (أو الحوار مع الشباب فالحوار بين الشباب بلا رقابة قي يأتي بالمفاجآت)، كما قد لا تنفي ردود أفعال من أهل صفاقس دفاعا ? بتعصّب ? عن بناتهم ونسائهم وأطبّائهم، وهم يرون دفاع أهل الرديّف عن شبابهم وسجنائهم ونقابييهم الصادقين، وكيف أنّ أعوان النّظام نكّسوا عصيّهم وأخرسوا كلابهم بإزاء عزائمهم. لعلّ التراجع عن هذا الفعل – الذي قد يسمّيه البعض ممّن لم يتذوّق حلاوة شهد التغيير، ظلما -، يكون أرجح سيّما في وقت أكثر فيه الصفاقسية حسب ما قرأت ترديد “حسبنا الله ونعم الوكيل”، المعبّرة لا محالة عن تململ قد يصادف انفجارا!… بل التراجع يكون نوعا من العدل، إذ لا ضير ? حسب رأيي – أن نحرّر حفظ القرآن وتلاوته تماما كما السرقة والقتل والتهريب والتبييض والزنى والفحش والكهانة والعرافة وكلّ المستحدات التي واكبت التغيير المبارك!…
المقدمة من كتاب “القضية الفلسطينية أمام خطر التصفية”
توفيق المديني – 1 – «إسرائل» واقع استعماري.وقد أجمع المثقفون العرب من اليمين واليسارأن«إسرائيل » هي جزء من «الظاهرة الاستعمارية »الأوروبية. وقد تبنى هذا الموقف العالم الثالث على أوسع نطاق.ويحارالمرء في الانتقاء من بين التأكيدات العربية.فها هوعبد الناصرفي كتابه «فلسفة الثورة» يحكي أفكاره كضابط في الثلاثين من العمرعند عودته من حرب فلسطين عام 1948:«لقد كان ذلك كله على توافق طبيعي مع الرؤيا التي رسمتها في ذهني التجربة.(فالمشرق العربي) يشكل منطقة واحدة تعمل فيها الظروف نفسها والعوامل نفسها و حتى القوى نفسها المتألبة عليها جميعا.ومن البديهي أن تكون الإمبريالية أبرزهذه القوى.ولم تكن«إسرائيل» ذاتها سوى نتيجة من نتائج الإمبريالية » (1). «إسرائيل» في نظر العرب قاعدة امبريالية أقامتها في الشرق الأوسط الإمبريالية البريطانية بالاتفاق مع الإمبرياليات الأخرى.وهي جزء من النظام الإمبريالي العالمي.ونشاطها في العالم هومنذ وجودها مرتبط بالنشاط الإمبريالي سواء أكان لمصلحتها الخاصة أو لحساب الإمبرياليات الأوروبية والأميركية.هذاهوعلى الأقل التصورالأكثر شيوعاًً في العالم العربي. ويشعرالعرب من محيطهم إلى خليجهم بالمهانة من جراء فرض عنصرغريب في قلب أمتهم تسانده قوى العالم الأوروبي – الأميركي. إن مأساة الشعب الفلسطيني كانت نتيجة لمعطيات وأهداف الاستعمارالأوروبي الذي خطط وباشرفي تنفيذ خططه في الاستيلاء على المنطقة العربية، وفي إقامة دولة «إسرائيل»،على أرض فلسطين. ومن هنا، فإن أوروبا لاتفهم قضية شعب فلسطين أكثرمن غيرها فحسب، بل لابد و أن تستشعر بما مارسته من أعماق المأساة للشعب الفلسطيني. وقد بدأت فكرة الكيان الصهيوني عندما كانت الإمبرياليتان الفرنسية والبريطانية تصارعان من أجل اقتسام تركة الرجل المريض عامة بينهما، والعالم العربي خاصة، وترعرعت مع ازدياد النفوذ الاستعماري وقوته.وأعلن قيام «دولة إسرائيل» بعد الحرب العالمية الثانية ،وخروج الحلفاء منتصرين على المحور. وجاء قيام الكيان الصهيوني عام 1948 ضمن مخطط استعماري استهدف المنطقة كلها بما فيها فلسطين.وكان الوجود الصهيوني في فلسطين جزءاً منه، إذ قام المخطط الاستعماري على تجزئة العالم العربي،وضمان تخلفه،وتنصيب فئات رجعية قيادات في كل «دولة» من دوله.وهدف الوجود الصهيوني الحفاظ على هذه الفسيفساء.وظل الكيان الصهيوني مرتبطاً بحركة الرأسمالية العالمية عندما كان مركزها في أوروبا،وأصبح جزءاً من المخطط الإمبريالي الأميركي حين انتقل مركز هذه الرأسمالية العالمية إلى أميركا بعد الحرب العالمية الثانية. ففي أيلول – تشرين الثاني 1947،بدأت الجمعية العمومية دراسة التقريرالمقدم بشأن المسألة الفلسطينية،وقد أكدت هذه الدراسة من جديد الفرق المبدئي بين مواقف الدول الإمبريالية الأوروبية والاتحاد السوفياتي. فتحت ستار الحل « المتفق عليه» (أي الحصول على موافقة العرب و اليهود) راحت بريطانيا تحاول بشتى الوسائل التخلص من قرارات هيئة الأمم المتحدة.أما الولايات المتحدة الأميركية فقد أيدت من جانبها «مشروع الأكثرية» للجنة الفلسطينية، ولكنها استمرت تحاول الوصول إلى أية أسس «قانونية» بغية تنفيذ أطماعها الإمبريالية في فلسطين في المرحلة الانتقالية، وهذا ما تجلى- جزئياًً- في الاقتراحات الأميركية حول تأسيس قوات بوليسية في فلسطين عن طريق «التطوع». وفي 29 تشرين الثاني 1947، وانطلاقا من المبادىءالأساسية في النظام الداخلي، قررت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة بنسبة ثلثي أعضائها إلغاء الانتداب على فلسطين، وتقسيمها إلى دولتين منفصلتين: عربية ويهودية، مع الإبقاء على الوحدة الاقتصادية فيما بينهما. وقد صوتت إلى جانب المشروع 33 دولة، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة الأميركية،وعارضته 13 دولة، وامتنعت10 دول عن التصويت بما في ذلك بريطانيا. وقد جاء في القرار:« يلغى مفعول الانتداب على فلسطين في أقرب وقت ممكن،ولكن ليس بعد 1آب 1948.وسحب الجيوش الإنكليزية ليس بعد 1 آب 1948» (2). وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفييتي كان متبنياً للرؤية الإيديولوجية الماركسية اللينينية التي حاربت الحركةالصهيونية العالمية على الدوام،فإن مندوبه السابق في الأمم المتحدة أندريه غروميكو أيدّ قرارالتقسيم. وكشفت أرشيفات وزارة الخارجية السوفييتية الدعم الكبيرالمقدم من جانب الرئيس الأسبق للاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين بالسلاح والعمل الدبلوماسي وتخفيض نسبة العرب، علماً أن الحزب الشيوعي السوفييتي في عهد لينين حارب بشدّةحزب البوند بوصفه حزباً رجعياً مرتبطاً بالحركة الصهيونية العالمية. وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشرت تقريراً موسعاً *عما قالته إنه دور ستالين استناداً لوثائق سرية كشف عنها الأرشيف الروسي مؤخراً وفيه استذكرت «الصحوة» اليهودية في الاتحاد السوفييتي بالنصف الثاني من عام 1947 وطيلة عام 1948 واعتبرتها نتيجة للسياسات السوفييتية بقيادة ستالين التي شملت تشكيل الدولة اليهودية والتعاون الوثيق مع قادة الاستيطان اليهودي في فلسطين. ويلفت التقرير إلى أن عام 48 شهد تحولاً مهماً في العلاقات بعدما كان الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي يعاديان الأفكار الصهيونية وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وأشار التقرير إلى أن تصريحات غروميكو فاجأت قادة الحركة الصهيونية والغرب والبلدان العربية ونوه إلى أن مندوب موسكو في الأمم المتحدة طرح أربعة بدائل لمستقبل فلسطين في خطابه في أيار/مايو47 ولفت إلى أن الدولة المشتركة لليهود والعرب هي المفضلة بالنسبة لبلاده ،وإذا تعذر ذلك فلا بد من فحص فكرة تقسيم البلاد لدولتين. وأضاف «وبذلك اعترفت موسكو لأول مرة بإمكانية قيام دولة يهودية في فلسطين وهذا موقف سوفييتي جديد». وقال التقرير إن الخطاب المذكور عكس مجمل الموقف السوفييتي في حينه ولفت إلى مذكرة داخلية موقعة في 30/7/،1947 من قبل مسؤول الشرق الأوسط في وزارة الخارجية إيفان باكولين تؤكد أن الخطاب هذا يشكل موقفا رسميا وتدعو للسماح بهجرة مائة ألف يهودي روسي الى فلسطين. وأضاف التقرير أن مولوتوف يبلغ نائبه بالتنسيق مع ستالين في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1947 بضرورة التفاهم مع اليهود في القضايا المهمة ولاسيما القدس، وأضاف :« كما لا بدّمن الاهتمام بألا تتشكل أقلية عربية كبيرة في «إسرائيل» وفي كل الحالات ألا تتجاوز نسبتها 50% والعمل على تسريع جلاء البريطانيين». في ضوء ذلك، يعتبرالموقف السوفييتي الذي صوّت لمصلحة قرارتقسيم فلسطين خطيئة إيديولوجية ماركسية كبرى، ألحقت الضررالكبيربالشعب الفلسطيني.وقد رفض العرب الموقف السوفياتي المؤيد لقرار التقسيم في 29 تشريم الثاني /نوفمبر 1947-الذي على الرغم من تشريد شعب فلسطين،فإن الاتحاد السوفييتي اعترف بالكيان الصهيوني عام 1948- و رأوا في قرارالتقسيم «غبناً تاريخياً». إن شعورأوروبا بالذنب و الندم على ما اقترفته لاساميتها من مجازروحشية بحق اليهود ، والتي بلغت ذروتها مع ما سمي بالمحرقة النازية، جعلتها تقدم الدعم المكثف ل«إسرائيل» التي باتت شرعية وجودها ناصعة البياض في مواجهة المطالب العربية الشرعية. ذلك أن هذا الغرب، لا يريد أن يعي جوهر الثقافة العربية الإسلامية ، والتي لم تعرف طيلة تاريخها مثل هذه العنصرية و الإقصائية تجاه اليهود أو غيرهم من الجماعات السكانية. فعندما سقطت الأندلس، وطرد اليهود منها، انتقلوا للعيش في البلدن العربية والإسلامية، وعاشوا في كنف من السلام والوئام مع العرب و المسلمين، ولم يعرف تاريخ الإمبراطورية العثمانية التي حكمت العالمين العربي و الإسلامي طيلة أربعة قرون متواصلة أي اضطهاد لليهود في عهودها. هل كل ما لقيه اليهود عبر تاريخهم من اضطهاد،عائد فقط الى اللاسامية والعنصرية التي جوبهوا بها في أوروبا منذ القرون الوسطى وحتى الحرب العالمية الثانية ،أم إنهم يتحملون قسطا ًمن المسؤولية في ذلك؟ وهل هم «شعب الله المختار» المثالي أخلاقياً والمُنزّه عن ارتكاب أي أخطاء أو ذنوب، أم إنه شعب مثل كل شعوب الأرض، يخطئ ويصيب، ويخضع لشروط علاقاته مع الشعوب الأخرى؟ في كتابه الجديد: *(التغلب على الصهيونية: إقامة دولة ديمقراطية واحدة في «إسرائيل» -فلسطين)، يشيرالكاتب الأميركي جويل كوفيل إلى أن المفكر اليهودي الراحل، «إسرائيل» شاحاك، الشديد الانتقاد للصهيونية، أجرى دراسة مستفيضة للنتائج التي خلفها النظام الحاخامي عندما استحكم في أوروبا منذ العصور الوسطى وحتى العصر الحاضر. ويعرض الكاتب بعضاً مما توصل إليه شاحاك، ومن ذلك: إن اليهود محظور عليهم امتداح الأغيار (غير اليهود)، بل إنه مطلوب منهم أن يطلقوا الشتائم واللعنات عندما يمرّون بمقابرالأغيار،أوتجمعاتهم. وبالمثل، يجب عليهم ألاّ يعطوا الأغيار هدايا، ويجب عليهم أن يأخذوا من الأغيارأقصى فائدة عندما يقرضونهم مالاً. إن الاتصال الجنسي بين الرجال اليهود ونساء الأغيارلا يعتبر زنى، بل بهيمية، لأن نساء الأغيار لا يُعتبرن من البشر،ولذلك فإنهن غير مؤهلات للزواج. ولكن ذلك لا يخلّص نساء الأغيار من المأزق، حيث يجب إعدام الواحدة منهن حتى لو كانت قد اغتُصبت من قبل اليهودي اغتصاباًً: «فإذا عاشر اليهودي امرأة من الأغيار، سواء كانت طفلة عمرها ثلاث سنوات أو بالغة راشدة، وسواء كانت متزوجة أو لم تكن، وسواء كان اليهودي طفلاً عمره تسع سنوات ويوم واحد فقط، لأنه عاشرها عن رغبة منه، فإنه يجب قتلها، مثلما هي الحال مع بهيمة، لأنه من خلالها دخل اليهودي في بعض المتاعب». أمّا اليهودي ذاته، فيُكتفى بجلده، شأنه شأن من عاشر بهيمة من البهائم. وهكذا، فإن معاداة السامية، والمعاناة التي فرضتها أوروبا على اليهود، كانت بدوافع عنصرية في بعض الأحيان، ولكن معاداة اليهود كانت في أحيان أخرى، بسبب ممارسات غير طبيعية لليهود أنفسهم، فاليهود بشر مثل سائر البشر،يصيبون ويخطئون، غير أنه ينبغي عدم تحميل تبعات أخطائهم لليهودية ككل، ووصم اليهودية بحد ذاتها، كما يقول الكاتب. والعبارات التي وردت أعلاه، وأمثالها، هي جزء من كل أكثراً، ويمكن فهمها في ظل ظروف معينة، بما فيها الظروف المتعلقة بتاريخ الصهيونية، التي دمجت هذه العبارات بطرق معينة لكي تعزز فكرة الاستثنائية اليهودية بصيغة خبيثة. ويفصّل الكاتب ذلك قائلاًً، إن اليهودية الكلاسيكية تولي أهمية فائقة لإنقاذ الحياة البشرية. وقد بات ذلك يعتبر أمراً محورياً ًفي التفوق الأخلاقي لليهود. ولكن هنالك شرطاًً في هذا الجانب، هو أن اليهود فقط هم الذين يُعتَبَرون بشراًً. وتنص القبالا، (وهي علم التأويلات والصوفية عند اليهود)، التي تحظى بشعبية كبيرة لدى مثقفي الجيل الجديد ونجومه، وتأثير كبير في أوساط اليهود الحسيديين والجماعات «الإسرائيلية» الممعنة في يمينيتها مثل حركة «جوش امونيم»،على أن «أرواح غير اليهود تأتي كلياًً من الجزء المؤنث من العالم الشيطاني. ولهذا السبب تُعتبرأرواح غير اليهود شريرة، وأنها تُخلق من دون علم الإله». ويترتب على ذلك أن المقصود من إنقاذ الروح البشرية هو إنقاذ أرواح اليهود فقط. ويستشهد الكاتب كذلك في هذا الصدد بقول الحاخام إبراهام كوك الأكبر (1865 1935) وهو من كبارالشخصيات في الحركة الصهيونية، وأبو التوجه الأصولي اليهودي «إن الفرق بين الروح اليهودية وأرواح غيراليهود، أكبر وأعمق من الفرق بين الروح البشرية وأرواح البهائم». ويستشهد المؤلف كذلك بما كتبه الحاخام ميناحيم مِندِل، زعيم الحسيديين المبجل «إن جسم الشخص اليهودي ذو نوعية مختلفة تماماً عن أجسام جميع أفراد أمم العالم». ويرى الكاتب ، أن المنطق الصهيوني،هو الذي جمع بين شخصين مثل موسى بن ميمون، الفيلسوف والمفكر،الذي عرض المؤلف عينة من فكره، وبين مئير كاهانا، أشدّ المتطرفين في التاريخ اليهودي، وذلك، من أجل تطبيق أجندة صهيونية ذات أهداف مستقاة من ظروف العصر الحاضر.كما أن الصهيونية هي التي ركزت على هذا التمييز بين اليهودي وسائر الجنس البشري، لتصم اليهود باستثنائية وتميز عنصري، انعكسا على تكوين الدولة العبرية وممارساتها حين سنحت الفرصة لقيامها أخيراً. ويقول الكاتب اليهودي اسحاق باشيفيس سينغر *الذي تكرهه «إسرائيل» في آخر مقابلة قبل وفاته مع نورمان غرين، وقد انصب السؤال على إرادة الانسان الحرة،أعظم عطايا الرب للإنسان: «ينبغي أن نكون قادرين على اتخاذ قرارات والإلتزام بها. والوفاء بها. إذ لا يكفي أن تتخذ قرارات، فالشيء الرئيسي هو أن تفي بها. فالوصايا العشر كانت بمثابة قرارما، قراراتخذه موسى ويهود آخرون. نحن لم ننفذه بالكامل.وعندما ذهبوا إلى «إسرائيل»، فعلوا في الغالب دائما ً العكس» . ويضيف «إنني أُؤمِنُ بالإرادة الحرة،وأُؤمن في نفس الوقت بالقدر. قد يبدو ذلك متناقضاً ولكنه ليس تناقضاًً. ويقول آخر،إن جميع عواطفنا وكل شيء لم نخلقها وحدنا. فقد خلقتها قوى أعلى.وفي نفس الوقت،أعطينا بعض الخيارات، وعلينا أن نختار بين العمل الطيب والشر. وإذا لم نُعط هذا الخيار،لن نستطيع أن نوجد».وقد أبدى محاوره ملاحظة أنه قلّما أشار في كتاباته إلى الهلوكوست بشكل مباشر،فَرَدّ سينغربقوله: «آه بلى، لقد ذكرته مرات كثيرة في كتابي «الأعداء: قصة حب» فالشيء الوحيد هو أنني أُؤمن بأن التاريخ الإنساني برمته هو هلوكوست كبير. فهو ليس التاريخ اليهودي وحده.ونستطيع أن نسمي تاريخ الإنسان «تاريخ الهلوكوست الإنساني». وسواء قتل روس أو ألمان أو يهود أو عرب أو آخرون، فهو هلوكوست واحد كبير. وهذا هو ما فعلناه بالحياة. فنحن لم نختر أي شيء أفضل، ولم نفِ بوعودنا ولم نسلك طبقاًً لاختيارنا». إنه انطلاقاًً من عقدة اضطهاداليهود،وتحت تأثيرهذه العقدة، يعتبرالغرب الأوروبي أن قيام «إسرائيل»،قد شكل حلاًً نهائياًً للمسألة اليهودية التي لم يعرفها العالم العربي والإسلامي، وهو لا يريدأن يستوعب موقف العرب والمسلمين من هذا الحل الذي قام على أرضية المشاريع الاستعمارية المتعلقة بالمنطقة،وبالتالي فهويذهب في عدم فهمه،إلى مواقف الدعم المطلق للعدوانية الصهيونية تجاه شعوب المنطقة، وإلى وصم مقاومة هذه الشعوب ردّاً على العدوان الواقع عليها بالإرهاب، معتبراًً هذا الرد،على أنه نتاج رفض هذه الشعوب «للحل الإنساني» لتلك المسألة،على أساس أن الإسلام هو الذي يعيق تقبل شعوب المنطقة للفكر الحداثي والعصري والإنساني الذي هو نتاج الحضارة الغربية(؟). لقدتولد لدى الوعي الأوروبي قناعة، جوهرها أن معافاة المجتمعات الأوروبية من معاداة السامية بعد قيام الدولة اليهودية، قد أوصل هذه المجتمعات إلى أعلى مراحل ليبراليتها وذلك من خلال تخلصها من آخر نزعاتها غير الليبرالية المتعلقة بمعاداة السامية. وبالنسبة لعداء شعوب المشرق والعالم العربي والإسلامي للدولة اليهودية لكونها قاعدة استعمارية عدوانية وكياناًً اغتصابياًً تم زرعه في قلب المنطقة، فهو في نظر الغرب الأوروبي، مرتبط بتخلف هذه الشعوب عن ركب الليبرالية التي تتعارض حسب رؤيتهم التبسيطية والاستعلائية والعدائية، مع جوهرالإسلام، ومع جوهر الحضارات الشرقية بوجه عام التي لا تنتج غيرالثقافة والنظم الاستبدادية. إن استجابة القوى الأوروبية لحركة المطالبة بفلسطين من قبل بعض الشخصيات الأوروبية اليهودية، في نهاية القرن التاسع عشر،تحت يافطة الحركة الصهيونية ،ثم قيام دولة «إسرائيل» في عام 1948، تؤكد لنا عدم أمانة الغرب للقيم والمفاهيم التي حملتها في سيرورتها التاريخية الثورة الديمقراطية البرجوازية الأوروبية من الليبرالية والعلمانية والديمقراطية. وهكذا رأى الوعي التاريخي الأوروبي والثقافة السياسية التي أنتجها،في المطالبة بدولة «إسرائيل» وبقيامهالاحقاًًأساساًً ديني الطابع،واستناداً إلى ذاكرة جماعية يهودية،ظاهرة طبيعية جداً وشبه بيولوجية .ولم يشكل ألفا عام من الانقطاع وعدم التواصل الزمني ،ولاسكن جماعات غير عبرية في الأرض الفلسطينية ولازوال اللغة العبرية كلغة حية،عائقاًً أمام مشروع قيام الدولة «الإسرائيلية».الحقيقة أن تحقيق المشروع لم يكن بالأمرالسهل،وهذاما ستبينه الدراسة،وسيما في أوساط الطوائف اليهودية التي ظلت مرتبطة بالمعتقد الديني الثابت ،القائل بأن العودة إلى أرض الميعاد لا يجب أ ن تحصل بفعل بشري ، إنما بالتدخل الإلهي وحده . لكن ما إن بدأ مشروع العودة اليهودية إلى فلسطين يأخذ مجراه والدولة الناشئة تظهر إلى الوجود وتنتصرعلى أعدائها و تثبت وجودها في أراض جديدة ،حتى عادت صورالتاريخ التوراتي المقدس تظهرفي واجهة الذاكرة الجماعية لأوروبا العلمانية .وتصادمت زمانية قديمة من طبيعة توراتية ، ومحصورة حتى ذلك الحين ضمن حدود دينية و صوفية في الوعي الأوروبي مع زمانية حديثة نشأت في القرن العشرين ومعاشة على نمط دنيوي – علماني في عالم أزيل عنه طابع الأثر « السحري» للدين(3) ، لينجم عن هذا التصادم تشوش في المقولات والمفاهيم وإدراك الحقيقة التاريخية و طبيعة الأحداث الحاصلة في الشرق الأدنى .« إسرائيل واقع استعماري ؟» *، هذا ما تجاسر على طرحه مكسيم رودنسون عام 1967 ، أم هي « اكتمال التاريخ » واكتمال الإرادة الإلهية كما تجلت منذ فجرالأزمنة وأنكرتها العجرفة البشرية ؟ وما زال التشوش في قراءة أحداث المنطقة المعاصرة وفي اختيار سياقها مستمراً حتى اليوم. – 2 – ومنذ نهاية تشرين الثاني /نوفمبر1947،ازدادت حدة الإرهاب الصهيوني. وبعد صدور قرار التقسيم ،اتخذت الصهيونية كل التدابيرالكفيلة بإعاقة تأسيس دولة عربية فلسطينية، لكي يستولوا في المستقبل على الأراضي التي خصصتها هيئة الأمم المتحدة لهذه الدولة، وتشير صحيفة «نيويورك تايمز»إلى أن الإرهابيين الصهاينة قد هاجموا واحتلوا قبل 15 أيار 1948 ثمانية عشر مدينة و قرية . وهكذا بدأ العنصريون الصهاينة تحت ستار «الدفاع عن النفس» اعتداءات مكشوفة : فقد كان الإرهاب موجهاً نحو التنكيل بالعرب أو طردهم. ففي 10 نيسان 1948 ذبح جميع سكان قرية دير ياسين العربية، و فيما بعد اعترف بيغين رئيس ال«ايرغون نسفي ليومي» أن المجازر الصهيونية الدموية وما كان يرافقها من إشاعات مرعبة قد تمخضت عن هروب 650 ألف عربي وصل بهم الذعر إلى درجة الجنون(4). و في 14 أيار 1948 رفع قادة الصهيونية في واشنطن ،على مبنى الوكالة اليهودية راية بيضاء ذات نجمة زرقاء سداسية ،كمركز لتأسيس دولة «إسرائيل». وفي اليوم التالي، 15 أيار،بدأت الحرب العربية- الصهيونية،التي تمخضت عن احتلال «إسرائيل» لمساحات من الأراضي تزيد كثيراًعن تلك التي خصصت لها بموجب قرارالتقسيم الصادر بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947. وكان رؤساء «إسرائيل» يطمعون من وراء ذلك إلى تنفيذ عملية جديدة، بدأها الصهاينة في سنوات الحرب-«تصفية»الأراضي العربية من العرب، بغية تأسيس دولة يهودية، يمكن للصهاينة أن يوطدوا سيطرتهم فيها. وهكذا ظهرت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين وصل عددهم، نتيجة العمليات الأخرى في «إسرائيل» إلى مليون ونصف مليون شخص (حسب الإحصائيات الرسمية لهيئة الأمم المتحدة). وقد أصبحت سياسة المذابح الجماعية ضد العرب، السياسة الرسمية للدولة اليهودية الجديدة. وتحولت «إسرائيل» منذ ظهورها إلى عش للعدوان والتطهيرالعرقي والحرب، ضد البلدان العربية.وما أن تأسست الدولة الصهيونية،حتى أعلن بن غوريون رئيس وزراء الحكومة الصهيونية في الأيام الأولى لرئاسته،أن تأسيس «إسرائيل» ليس سوى بداية للنضال من أجل تأسيس الدولة اليهودية« من النيل إلى الفرات» ولم ينكر أن دولة «إسرائيل» ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الهدف. إن تشكيل دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين العربية هو نتيجة لتطور يمكن إدراجه تمامًا في حركة التوسع الاستعماري الأوروبية والأميركية في القرنين التاسع عشروالعشرين للسيطرة الاقتصادية والسياسية والعسكرية على الأمة العربية. فقد تم إسكان اليهود الصهاينة على أرض فلسطين من ناحية ، وتم إجلاء السكان الأصليين أي الفلسطينيين الذين أُجبِروا بقوة السلاح الأوروبي على الارتحال،والتشرد من ناحية أخرى. إن الاستعمارالاستيطاني الصهيوني في فلسطين ،هو اقتطاع ظالم لأرض شعب فلسطين ،حصل بقوة و دعم القوى الاستعمارية الأوروبية. فخلق «إسرائيل» إنما كان إهانة للعرب كشعب، فضلاً عن أن الدول الاستعمارية الأوروبية بررت وجودها كأداة قمع لحركة التحررالوطني العربية.ثم إن وعي الطبيعة الاستعمارية لدولة «إسرائيل» هو البدء الحقيقي في يقظة الوعي الأوروبي من سباته العميق . ماهي الأسباب التي تدفعنا إلى اعتبارالقضية الفلسطينية من القضايا التي تتيح في نظرنا تقييم كرامة الخطاب السياسي العربي ومسؤوليته؟ إن القضية الفلسطينية قضية قومية عربية وإسلامية وكونية. «إسرائيل» ـ إحدى أقوى الدول عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط ،وصاحبة التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة والحائزة أفضل تشكيلات الحرب الحديثة ووسائلها ـ قامت في عام 1948، وشنت حرباً على الشعب الفلسطيني،وطبقت خططها البعيدة المدى للتطهير العرقي. بينما يزعم المؤرخون «الاسرائيليون» في قراءتهم المتناقضة مع الحقائق التاريخية ، بمن فيهم «المؤرخون الجدد»، أن الحرب قد شنها العالم العربي ضد دولة «إسرائيل» لكي يقضي عليها، وأنها أسفرت عن عمليات طرد للفلسطينيين،علماً أن العالم العربي حين حاول أن يمنع ذلك التطهير العرقي، كان ممزقاً مشتتاً غارقاً في شؤونه الداخلية، وغير قادر على وقف اقتلاع نصف سكان فلسطين من وطنهم، وتدمير نصف قرى فلسطين وبلداتها وقتل الألوف من سكانها الذي كانت تقوم به القوات الصهيونية. ولما كان ذلك التطهير العرقي قد طبق بنجاح في ما يقارب 80% من أرض فلسطين دون أن يكون لذلك أي أصداء عالمية أو إقليمية،فإن «إسرائيل» تواصل تطبيق هذه السياسة منذ سنة 1967 على مساحة ال 20% الباقية من البلاد.ولا يزال خلق دولة يهودية خالصة في فلسطين التاريخية المطهرة من الفلسطينيين،هو البنية التحتية الأيديولوجية التي تقوم عليها «إسرائيل». ولايزال اليوم أكثرمن ثلث الفلسطينيين يعيشون لاجئين تعساء في غالب الأحيان من دون أن تقر لهم دولة الكيان الصهيوني بأي حق في العودة،على الرغم من صدور القرار 194 ،ومن دون أن تقدم الدول العربية على استيعابهم ومنحهم حقوق المواطنة الفعلية، مخافة من التوطين. الشعب الفلسطيني أكسبته الكارثة التاريخية الجماعية التي حلت به منذ نكبة 1948، وهزيمة 1967 ،وعياً وطنياً وهو ينتظر أن يفي المجتمع الدولي بوعده لإيصاله إلى الاستقلال ضمن دولة قابلة للحياة. ولم يكن أحد ليتخيّل أن الدولة الصهيونية ستستمرفي احتلال الأراضي العربية التي سيطرت عليها خلال تلك الحرب الثالثة 1967،وأنّها ستتواجه بشكلٍ عنيفٍ مع المقاومة الفلسطينية طيلة العقود الأربعة الماضية. – 3 – كان انبعاث السياسة الفلسطينية،الذي تكلّل بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964،والعمليات العسكرية الأولى لحركة فتح التي انطلقت في 1 كانون الأول / يناير عام 1965 ، بمنزلة أول إعادة نظر في انتصار «إسرائيل» في عام 1948-1949، واعتبرته «إسرائيل» فعلاً إعلان حرب.وقدّم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي وصل إلى السلطة في سوريا سنة 1963، في راديكاليته اليسارية ،الدعم للفلسطينيين ،واعترض بدوره على الأمر الواقع الذي كان الأكثر هشاشةً،لأنه الأقل قبولاًمن المجتمع الدولي: أي سيطرة «إسرائيل» على المنطقة المجرّدة من السلاح بين البلدين (5). في حرب 1967الخاطفة حققت «إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية نصراً كبيراً على الزعيم الراحل عبد الناصروالحركة القومية العربية. كانت «إسرائيل» هي التي اتخذت المبادرة بتدمير الطائرات المصرية وهي جاثمة في المطارات. هكذا بدأت «حرب استباقية» احتلّت «إسرائيل» في نهايتها أربعة أضعاف مساحة أراضيها، في الضفة الغربية والقدس الشرقية وسيناء والجولان. وتم تشريد 400 ألف لاجئ فلسطيني جديد . ورفضت «إسرائيل»إعادة الأراضي المحتلة ،وأبقت تحت سلطتها شعباً فلسطينياً مقاوماً معتبرة أن اللجوء إلى القوة وحده يحلّ المشاكل؛ وهذا ما أغرقها في أزمة سياسية وأخلاقية عميقة، ليست فضائح الفساد المتكررسوى واحدة من ظواهرها. في الأيام الأولى من حزيران/يونيو1967 شرح وزيرالخارجية الأميركي دان راسك موقف إدارته،في مذكّرة برقية إلى السفارات الأميركية في العالم العربي بتاريخ 3 حزيران/يونيو، قائلاً: لم يعد هناك من حلّ منطقي حيال عقلية «الحرب المقدسة» لدى العرب وما يعادلها لدى «الإسرائيليين» من «عقلية نهاية العالم». لم يعد باستطاعة الولايات المتحدة تشجيع «إسرائيل» على ضبط النفس في ما تعتبره هذه الأخيرة دفاعاًعن مصالحها الحيوية. العرب كما «الإسرائيليون» واثقون من قدرة السلاح على الحسم. إذاً هناك من ارتكب خطأ جسيما ً في الحسابات. وفي 4 حزيران/يونيو، تناول والترروستو، مستشارالرئيس الأميركي،مآل الأمور في مذكرة دبلوماسية؛فاستخدم كل التحفّظات البيانية الضرورية لجعل الحرب الانتصار«الإسرائيلي» مجرد فرضيات.وشرح أنّ العرب المعتدلين،وهذا يعني جميع العرب الذين يخشون توسع عبد الناصر،يفضّلون رؤيته مهزوماً على يدّ «إسرائيل» وليس على يدّ قوى خارجية.عندها ستفتح احتمالات جديدة: سيسود الاعتدال في الشرق الأوسط بحيث تُركّزالدول على التنمية الاقتصادية والتعاون الإقليمي.إضافة إلى ذلك، إذا حُلّت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، سيتم قبول «إسرائيل » كجزء من المنطقة. وإننا حيال مرحلة تحولات تاريخية في المنطقة. هكذا، لم تعد «إسرائيل» بحاجة للانتظار، إذ إنها تلقّت جميع التطمينات الضرورية من واشنطن. واتخذت الحكومة القرارالنهائي في 4 حزيران/يونيو1967 (6). في فرنسا أعلن الجنرال ديغول أمام مجلس الوزراء في 2 حزيران/يونيو 1967: «إن الدولة التي ستكون البادئة في استخدام السلاح لن تلقى تأييداً ولا دعماًمن فرنسا». وفي خطوة منطقية،أعلن مع انفجارالحرب حظراًعلى إمداد أطراف النزاع بالسلاح. وبعد أشهر،وخلال مؤتمر صحافي – لم تُحفظ منه سوى جملة مثيرة للجدل عرّف فيها اليهود بأنهم «شعب واثق من نفسه ومتسلّط» – أضاف أن «إسرائيل» «تنظّم الاحتلال في الأراضي التي غزتها، وهذا ما سيؤدي إلى الظلم والقمع والنفي، وحين ستلقى مقاومة ستسميها إرهاباً ». ومع مرورالوقت، أصبح هذا التحليل أقرب إلى النبوءة، مع أنّه كان له وقع الصدمة في حينه. حتىّ قالت مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور»في عنوانها بتاريخ 7 حزيران/يونيو: «لماذا تخلىّ ديغول عن «إسرائيل»، موضحة: «ليس لفرنسا الديغولية أصدقاء بل لديها فقط مصالح». صحيح أن خيارالجنرال كان بمنزلة قطيعة مع عقودٍ من الدعم غيرالمشروط لزعماء «إسرائيل» الذين سمحت لهم فرنسا بالتزوّد بالقنبلة النووية ومن بعدها الهيدروجينية. وقد اصطدم ديغول لدى البعض بشعور الذنب – المشروع – الذي خلّفته مشاركة حكومة فيشي في حملة الإبادة على اليهود؛ في حين خرّب لدى آخرين فرحة الثأر من «العرب»الذي وفرّته «إسرائيل» لمن كان الحنين إلى الجزائر الفرنسية يسكنهم(7) . ويجب انتظاراجتياح لبنان ومجازرصبرا وشاتيلا عام 1982،ومن بعدها انتفاضة الحجارة ابتداء من 1987،كي يتخذ الفرنسيون مسافة من «إسرائيل» ويدعون إلى قيام دولة فلسطينية مستقلّة مجاورة تكون عاصمتها القدس الشرقية. ولا يزال العالم العربي يلملم الشظايا المتناثرة لتلك الهزيمة المدوية.. وحين نتذكر هزيمة حزيران /يونيو 1967 ،نتذكرثلاثة أمور متلازمة : أولها :من المؤكد أن الذي استعار عبارة «النكسة» من عالم الطب لينقلها إلى عالم السياسة، كان يقصد يومها أن التحدي السياسي والحضاري والمعنوي والاقتصادي الذي كان يقوده عبدالناصر (في مواجهة كل الضغوط الخارجية والتحالفات الداخلية، من أهل البيت العرب)، كان يلاطم الأمواج، ويحقق إنجازات مؤكدة (كسر احتكار السلاح، بناء السد العالي، تأميم قناة السويس، رفع حجم الأمة العربية في المحافل الدولية إلى أعلى مستوى في التاريخ العربي المعاصر في كتلة عدم الانحياز والقارات الثلاث إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وإطلاق حركة توحيدية لم تشعر الجماهير العربية يوماً، قبلها أو بعدها، بوحدة مصيرها ومستقبلها ومصالحها)، لكن كل هذه المسيرة تعرضت بعد كل هذه الإنجازات للتهديد بعد الهزيمة العسكرية المدوية في يونيو/ حزيران ،1967 بسبب تراكم أخطاء مؤكدة، تحمل عبدالناصر في خطاب التنحي مسؤوليتها كاملة دون تنصل، فأدت الهزيمة العسكرية، إلى انتكاس الخط البياني الصاعد في عقدي الخمسينات والستينات(8). ثانيها:هزيمة « المشروع القومي العربي» بشقيه الناصري و البعثي،وهي هزيمة تاريخية عادلة.والواقع أن « المشروع القومي العربي» كان يعاني من تأخرالوعي الإيديولوجي السياسي للبلدان العربية التي رفعت لواء الحركة القومية العربية في مصروالمشرق العربي . إذ إن هذا التأخر التاريخي كان عاملاً حاسماً في استمرارالوعي المحافظ الامتثالي والتقليدي الذي يرفض تجسيد القطيعة المنهجية والمعرفية مع كل نزعة ماضوية وتقليدية في تطورمستقبل المسألة القومية العربية على أسس ديمقراطية ،عقب الهزيمة العربية أمام الإمبريالية الغربية والكيان الصهيوني . علماً أنه من الناحية السياسية والتاريخية،كان العالم العربي من محيطه إلى خليجه منجذباً بحماسة عاطفية لأهداف الحركة القومية العربية في التحرروالاستقلال والوحدة.وكانت مصر الناصرية في مرحلة الستينيات من القرن الماضي مركزاً إقليمياً طليعياً من الناحيتين السياسية والتاريخية،ومرجعية قومية موثوقًاً بها وقادرة على تفعيل الحيوية الشعبيةالكامنة،إذ حوّلت هزيمة حرب حزيران التلقف الطوعي، الذي ارتآه الرئيس عبد الناصرتعاطفاً دافئاً مع رغبة في المشاركة في التعدد وتصحيح الثغرالتي من خلالها حصل النزف ومهد لمراجعات تبلورت في الصمود وحرب الاستنزاف. لكن الثقافة السياسية السائدةبعد حزيران 1967 بقيت إلى حدٍ كبيرٍ مدمنة عدم المساءلة،وترفض عملية التحديث في البنية الفكرية والثقافية للدولة العربية المعاصرة،ذلك أن كل عملية تحررية ثورية حديثة تقتضي بلورة فكرية حديثة.فالتأكيد على الحداثة الفكرية ،هي بمنزلة التأكيد على جذرية البرنامج السياسي،وبالتالي راديكالية العملية الثورية ذاتها في ظل عالم عربي متأخر.واستمرالنقد للبنية الفكرية، وبالتالي« للمشروع القومي العربي»مشبوهاً بكونه معارضة يسارية أو تقدمية أووطنية راديكالية.وحتى يومنا هذا لا تزال عملية نقد الذات حتى من موقع الالتزام مدخلاً لدى معظم السلطات العربية إلى التشكيك وبالتالي اعتبارالنقد من موقع الالتزام بالمشروع القومي العربي نوعاً من التربص. ثالثها: صدور قرارمجلس الأمن الدولي رقم 242 في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 لمعالجة آثار الهزيمة ،والذي تضمن ما اعتبر «مبادئ حل سلمي» للصراع العربي- الصهيوني.وبعد انتصار العام 1967، قال الجنرال موشيه دايان، أبرزمسؤول سياسي في تلك الحقبة،هذه الجملة المشهورة: «نترقّب اتصالاًهاتفياًمن العرب». كان يريد أن يحمل على الاعتقاد بأنّه بعد هذا الإتصال، ستنسحب «إسرائيل» من الأراضي المحتلّة – من سيناء وقطاع غزّة والضفّة الغربية والجولان- مقابل اتفاقيات سلام مع العالم العربي. لكن المؤرّخ طوم سيغيف كشف في كتابه 1967 (غير مُترجَم إلى الفرنسية Tom Segev, 1967, Denoel, Paris, 2007)، بأنّ تلك لم تكن في الواقع نيّة الحكومة «الإسرائيلية». مع أنه جرى النظر إلى موقف «إسرائيل» على هذا النحو، سواء في العالم أم في الداخل. إنه ينتظر اتصالات الدول العربية معلنة الاستسلام. فما الذي حدث، منذ حزيران/يونيو 1967وحتى الآن ؟ على العرب أن يعترفوا بخطورة المشروع الصهيوني في المنطقة وأهدافه التي تتكشف كل يوم من تفكيك للمنطقة وعزلها وتجزئتها.ومنذ هزيمة 1967،انكفأت الدول العربية كل منها على ذاتها،وظهرت تيارات انعزالية تسيطرعلى تفكيرها، بحيث التفتت كل دولة لذاتها، وأسهم في ذلك ما يسمى بالعولمة التي ترمي في مصالح المخطط الأميركي -الصهيوني ،أبرزها المصالحة مع الكيان الصهيوني ، بحيث تحول الأمرإلى أن بعض الدول أصبحت تابعة ل«إسرائيل». لقد انتصرالمشروع الصهيوني في حرب حزيران 1967، ونجح في إحداث الفرقة بين العرب ،إذ بات يتصوربعضهم أن البعض الآخر يسرق ثروته. وباتت مفردات « النكسة» تعني الهزيمة في وجه «إسرائيل»، لكن أيضاً – وخصوصا ً- نهاية قاسية للمشروع القومي العربي بإقامة دولة عربية تقدّمية قوميّة وحديثة كان ينادي بها جمال عبد الناصر (1918-1970) الذي تسلم الحكم في مصر في العام 1952، مع الضبّاط الأحرار،وأصبح الداعي إلى الوحدة العربيّة. وكان لحزب البعث، الذي أُسّس في العام 1947 تحت شعار«أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» »، نفوذ في صفوف العسكريّين وأوساط الطبقات الوسطى، إذ تمكّن هذا الحزب الذي يتمتّع بـ«فروع» تابعة له في الدول العربية كافة ،من تسلم السلطة في سوريا والعراق في مرحلة الستينيات.غيرأنّ العلاقات السيئة والخلافات بين دمشق وبغداد ،ولا سيما داخل الحركة القومية العربية ستحول دون أيّ تحقيق لوحدة عربيّة. وقد بلغ هذا المشروع ذروته مع إعلان قيام الجمهورية العربية المتحّدة بين مصر وسوريا (1958-1961). فخلال نحو عقديْن من الزمن، بين العاميْن 1950 و1967،أمل العرب في الحصول على فرصة ثانية للـ«تعويض» عن «النكبة» الأساسية في خسارة فلسطين بين العاميْن 1948-1949. ومع العام 1967، أصبح وجود الدولة العبريّة حقيقة لارج
الحكام معادن
بقلم: المنجي الفطناسي زار الرئيس السوداني عمر البشير مصور الجزيرة الزميل سامي الحاج الذي نقل إلى أحد المستشفيات بعد أن سلمته السلطات الأميركية إلى نظيرتها السودانية فجر اليوم بمطار الخرطوم بعد أن ظلت تعتقله لأكثر من ست سنوات دون أن توجه له أي تهمة رسمية. وزار الرئيس البشير يرافقه عدد من الوزراء والمسؤولين سامي الحاج في أحد مستشفيات العاصمة حيث لا يزال يتلقى العلاج منذ وصوله للبلاد، ووصفت حالته بأنها مستقرة.
وتعليقا على تلك الخطوة، قال سامي الحاج إنه سعد بزيارة رئيس البلاد والوزراء التي رفعت معنوياته وأعادت إليه الحياة وجاءت استكمالا لكل الجهود التي بذلت من أجل الإفراج عنه. وأضاف سامي الحاج أن الزيارة كان لها حافز كبير على نفسه بعد أن كان في حالة نفسية يرثى لها طيلة رحلته من غوانتانامو إلى الخرطوم والتي استغرقت حوالي 24 ساعة. وكان سامي الحاج حظي باستقبال رسمي في المطار حضره وزراء ومسؤولون، لكن غابت عنه شبكة الجزيرة بسبب رفض السلطات الأميركية حضور ممثلي الشبكة أثناء تسليم الزميل الحاج. شتان ثم شتان ثم شتان بين هذا الإستقبال الحضاري الرائع الذي لقيه سامي الحاج ورفيقيه في الخرطوم وبين الإستقبال الذي لقيه السجينان عبدالله الحاجي ولطفي الآغا لدى عودتهما إلى تونس قادمين من سجن غوانتنامو. سامي الحاج ورفيقيه استقبلوا استقبال الأبطال حيث كان كبار رجال الدولة في انتظارهم في حين أن عبدالله الحاجي ولطفي الآغا وجدا في استقبالهماعتاة الجلادين والقتلة. سامي الحاج ورفيقيه نقلوا مباشرة من المطار إلى المستشفى لإجراء فحوصات وعلاجات ومنها إلى بيوتهم أحرارا في حين أن عبدالله الحاجي ولطفي الآغا نقلا من سجن غوانتناموا البشع السيء الذكر إلى سجون بن علي الأبشع منه ، وسلما من قبل جنود أمريكيين مارسوا أشنع وأقذر أنواع الإنتهاكات إلى سفاحين تونسيين أشد منهم فتكا وبأسا.. سامي الحاج ورفيقيه لن يمثلوا أمام المحاكم السودانية لعدم ثبوت تهم ضدهم في حين أن عبدالله الحاجي ولطفي الآغا ورغم تبرئة المحاكم الأمريكية لهما فإن القضاء التونسي المتواطىء والغير المستقل والغير النزيه والداشر في فلك الإستبداد أعاد محاكمتهما بتهم ملفقة لينالوا أحكاما قاسية وجائرة. سامي الحاج ورفيقيه التقوا أهلهم وذويهم من أول يوم في حين أن أهالي عبدالله الحاجي ولطفي الآغا بقوا لأشهر طويلة لايعلمون عن مصير ابنيهما شيئا. الأنظمة العربية والإسلامية وحتى الغربية ( ليبيا ? الجزائر- المغرب- موريتانيا – السودان – تركيا – اليمن الأردن – باكستان- أفغانستان- طاجيكستان- الفليبين- دول الخليج- ألمانيا- بريطانيا ? كندا- استراليا.وغيرها ) كلها تحركت من أجل استعادة أبناءها إلا النظام التونسي الذي يكن حقدا دفينا وعجيبا لشعبه لم يحرك ساكنا. كل هذه الأنظمة أعلنت منذ البداية عن وجود رعايا لها في معتقل غوانتنامو وقامت بمساعي حثيثة ومكثفة لتحريرهم إلا النظام التونسي فقد تكتم على هذا الأمرلسنوات طويلة ولم يعلنه إلا عندما كشفت منظمات أمريكية عن وجود ثلاثة عشر معتقلا تونسيا بالجزيرة الكوبية ، عندها تحرك بكل قواه لا لتحريرهم وإنما لاستعادتهم من أجل تعذيبهم ومحاكمتهم وقتلهم بالوكالة. وتناقلت بعض وكالات الأنباء المستقلة أن الإدارة الأمريكية استعانت بخبرة بعض الأنظمة العربية القمعية في دنيا التعذيب وانتزاع المعلومات ( على رأسها النظام التونسي ) وهذا ما صرح به العديد من المفرج عنهم من سجن غوانتناموا أنهم تعرضوا للإستجواب والإعتداء على يد محققين عرب. وهذا ليس غريبا على نظام يقوم أساس حكمه على الظلم والفساد والجريمة المنظمة والقمع والخطف والهرسلة ومطاردة أبناءه المشردين في المهاجر. أكثر نظام طالب الغرب بتسليمه المعارضين السياسيين هو النظام التونسي ، الحمد لله أن كل مطالبه باءت بالفشل ورد الله كيده في نحره. كما أن أكبر قائمة للمطلوبين في العالم لدى الأنتربول هي قائمة النظام التونسي التي تحتوي على ستين مطلوبا.. الصين التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من مليار ليس لها مثل هذا العدد من المطلوبين لدى الأنتربول هذا هو الفرق بين عمرالبشير الرئيس المؤمن وبين غيره من الحكام الفسقة المرتدين. هذا هو الفرق بين عمر البشير الذي يصلي الفجر بأحد مساجد العاصمة ويصوم الإثنين والخميس ويقوم الليل وبين الرئيس الذي يغلق المساجد ويحارب الحجاب ويدنس المصحف في عهده ويهدي لجورش بوش أرقى أنواع الخمور التونسية. هذا هو الفرق بين عمر البشير الذي يحترم كرامة المواطن السوداني ويشعر بقيمته ويدافع عنه حيثما كان وبين الحاكم الذي يهين شعبه ولا يكترث لحاله ولمشاكله في أي مكان من العالم. هذا هو الفرق بين عمر البشير الذي يقول لا للهيمنة الصهيوأمريكية وبين الحاكم الغاطس للنخاع في النذالة والعمالة وخدمة الأسياد.( كان يمشي إلى جانب ساركوزي كالعبد المطيع ). لهذه الاسباب تجد عمر البشير هو الرئيس العربي الوحيد الذي يتنقل يوميا في طول البلاد وعرضها ويحتك بالشعب دون حراسة تذكر ودون خوف من التعرض للإعتداء أو الإغتيال. غيره من الحكام تجد عدد حراسهم يساوي أو يفوق في بعض الأحيان عدد مستقبليهم من المصفقين والمطبلين والمزمرين والمتمعشين. هنيئا للشعب السوداني ولكل الشعوب الحرة بعودة هؤلاء الرجال رمز العزة والأنفة. أسال الله عز وجل أن يفك أسر كل المظلومين في العالم مهما كانت معتقداتهم وأفكارهم وانتماءاتهم. (المصدر: موقع “الحوار.نت” (ألمانيا) بتاريخ 5 أفريل 2008)