الأربعاء، 20 ديسمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2403 du 20.12.2006

 archives : www.tunisnews.net


 

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان- فرع بنزرت: بيـــان الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان: تونس- السيد عبو محتجز في السجن وأقاربه يتعرضون لمضايقات إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل: بلاغ إعلامي الصباح: إقرار الحكم الابتدائي للمتهـم بالمشاركــة في تفجيرات معبد الغريبة بجربة وات: تجميع المساهمات العلمية المتعلقة بمجلة الالتزامات والعقود الصباح: يحدث في معهد المنزه السادس:لعبة القط والفأر بين الإدارة والأساتذة.. ضحيتها تلامذة أبرياء الشروق: في صفاقس:مخموران يتسلحان بساطورين ويمتطيان جوادين ويتقمصان شخصيات تاريخية الأنوار: انتخاب تونس لمنصب الأمانة العامة في الهيئة الاسلامية للسلامة المعلوماتية سليم بوخذير: تونس:بعد إعتقال الزميل لطفي حجّي أمس الإثنين و الإفراج عنه لن تكسِرُوا أقلامنا الحُرّة . . هندة العرفاوي: على هامش المؤتمر 21 للاتحاد العام التونسي للشغل – أي دور للنقابات في ظل العولمة؟ محمد حرمل:  “المهدي المنتظر” النائب عادل الشاوش: شروط الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة فتحي الهمامي:  كرة القدم – تلاعب ومضاربات وسوق سوداء منذر الشارني: ليست لبرلماننا أي سلطة على الحكومة عمر الماجري: من أجل تعميق الخيار التقدمي للحزب الديمقراطي عبد المجيد المسلمي: المؤتمر الرابع للديمقراطي التقدمي: رسالة أمل للتونسيات و التونسيين محمد الصالح فليس: الخطأ … الحضاري! خالد إبراهيم العمراوي: تَذكِرة و تَبصِرة لحجاج بيت الله الحرام جمال الدين أحمد الفرحاوي:  خـضـرائـي هـل تذكُـــريـن الطاهر الأسود: في تقييم جدوى الدكتاتورية (بعد رحيل بينوشيه) توفيق المديني: المعارضة وجدلية السلطة د. أحمد القديدي: حروب كيدية لا حروب أهلية فتحي الرحماني: إصلاح التعليم جزء من الإصلاح السياسي والثقافي د. المنجي الكعبي: ابن خلدون في آثاره المطبوعة بتونس في مائويته السادسة (2)  


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 


 

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان- فرع بنزرت

75 شارع فرحات حشاد بنزرت

بيــــــــــان

 

 

يعلم فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن قوات البوليس بمدينة بنزرت اعتقلت الأخ لطفي حجي نائب رئيس الفرع و رئيس نقابة الصحفيين التونسيين  مساء الاثنين 18 ديسمبر 2006 من أمام مقر سكناه بحي الصحة ببنزرت و تم اقتياده إلى  منطقة الأمن بباب بحر بتونس العاصمة للتحقيق معه حول مراسلته لقناة الجزيرة دون ترخيص من وكالة الاتصال الخارجي مع تحذيره بفتح قضية عدلية ضده إن واصل عمله كمراسل للقناة.

 

إن فرع بنزرت إذ يحيط الرأي العام علما بهذا الإجراء القمعي الخطير فانه يعبر عما يلي:

 

– إن الإدارة التونسية  ممثلة في الوكالة التونسية للاتصال الخارجي هي التي تخرق القانون برفضها تمكين الصحفي لطفي حجي من حقه في العمل كمراسل على الرغم من مرور قرابة الثلاث سنوات من اعتماده من قناة الجزيرة  كمراسل لها من تونس.

 

– إن ما أقدمت عليه قوات الأمن  يعد خرقا خطيرا لمبدأ حق الشغل  في الوقت الذي تتبجح فيه السلطة التونسية بسعيها لتشغيل الإطارات و توفير أكثر ما يمكن من مواطن الشغل.

 

–  إن سياسة الترهيب  و التجويع التي تعتمدها السلطات التونسية ضد الأقلام الحرة و الصحفيين المستقلين  تهدف إلى مزيد قمع حرية التعبير، و تبرز إن السلطة لم تتعظ  من خطورة الانغلاق و كبت الحريات  بجميع أصنافها على المجتمع. و على مسار التنمية الشاملة الذي يقتضي إشاعة الحريات العامة و الفردية.

 

– إن مسار قمع الحريات الذي اختارته السلطة لم يقتصر على حرية الصحافة و على منع الصحفيين من العمل و تهديدهم في قوتهم اليومي بل تجاوز ذلك إلى  جميع أصناف الإبداع في البلاد من كتب

 و مسرح  و سينما و فنون جميلة و غيرها.

 

– إن فرع بنزرت و بناء على ما تقدم يدعو السلطة إلى الكف عن مضايقة النشطاء الحقوقيين

 و الصحفيين المستقلين حتى لا يكون مصيرهم مثل مصير العشرات من المناضلين في كل الميادين ممن تعرضوا للتعذيب و سوء المعاملة و الإهمال و الانتقام بكل أصنافه وأقلها التجويع.

 

– يؤكد مرة أخرى أن فرع بنزرت لن يتخلى عن أداء واجبه في إطار ميثاق الرابطة ولن بثنيه عن ذلك التنكيل المبرمج  من قبل السلطة للقضاء على الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبقية المنظمات المستقلة.

 

عن هيئة الفرع

الرئيس

علي بن سالم


 

الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان  

تونس: السيد عبو محتجز في السجن وأقاربه يتعرضون لمضايقات

 التاريخ: 13-12-2006 السيد محمد عبو هو محامي، وعضو في الجمعية الدولية لدعم السجناء السياسيين، ومدير المجلس الوطني للحريات في تونس. وبالنسبة للسيدة سامية عبو، زوجة محمد عبو، فإن كل زيارة لزوجها في سجنة البعيد عن مكان سكنه مسافة 170 كيلو متر، تشكل كابوسا قاسيا. فقد تعرضت لقيود ومضايقات تهدف إلى منع السيد عبو من الاتصال مع العالم الخارجي وترهيب الأشخاص الذين يدعمونه. وأحيانا يتم حشد كبير من عناصر الشرطة، كما حدث في 7 كانون الأول/ديسمبر إذ احتشد ما يزيد عن 40 عنصر من الشرطة! بعد تسع ساعات من ركوب السيارة وعبور تسع نقاط تفتيش، حدثت مشادة عنيفة أمام مطعم مع بعض “الزعران”. وصل كل من السيدة عبو والسيد المرزوقي والسيد بنعمور والسيد بوخضر إلى منطقة كيف وكانت أمامهم مفاجأة غير سارة، إذ أحاط بهم ما يقارب 30 رجلا. حاولت السيدة عبو ومرافقوها دخول السجن، ولكن تم الاعتداء عليهم وذلك بحضور العديد من عناصر الشرطة الذين صوروا الاعتداء دون أن يتدخلوا. لجأت السيد عبو ومرافقوها إلى سيارة السيد بنعمور، ولكنهم تعرضوا لوابل من الحجارة كان يرشقها المهاجمون. وقيد أصيبت السيدة عبو ومروافقوها بذهول شديد في هذه الحادثة التي تمثل حلقة في سلسلة من الاعتداءات التي تثير الذهول يتعرض لها أقرباء السجناء. بعد ذلك، طلبت منظماتنا من السلطات التونسية الإيقاف الفوري لتصرفات المضايقة والعنف التي يتعرض لها أقارب السجناء، وطالبت بالإفراج عن السيد عبو بأقرب وقت ممكن.

إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل
بلاغ إعلامي
                                                                                 تونس في 19 ديسمبر2006 بعد المماطلة المتكررة من وزارة التربية ووزارة الشؤون الإجتماعية ومكتب تشغيل الإطارات بتونس قرر إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل تنظيم تحركات احتجاجية أمام الوزارات المعنية من أجل المطالبة بمقابلة المسؤولين. حيث توجه كل من الرفاق الحسن رحيمي ومسلم الفرجاني ووليد العزوزي ومحرز الخميسي الى مكتب تشغيل الإطارات بتونس أين تواجد البوليس في محيطه منذ الصباح وبالتحديد في المقهى التي ارتادها الرفاق قبل المغادرة الى مكتب التشغيل،وقد تبعهم البوليس عند مغادرتهم وقام بمطاردتهم في الشوارع المؤدية الى المكتب مما اضطر الرفاق الى الإنقسام الى مجموعتين لتشتيت انتباههم و دخول مكتب التشغيل،أين قام الرفاق بتوزيع ورقة تعريفية بالإتحاد وأرقام هاتف الرفاق أعضاء التنسيقية الوطنية. كما توجه كل من الرفاق سالم العياري والفاضل العايش ومسعود الباشا الى وزارة التربية والتكوين المحاصرة منذ أشهر بفيالق البوليس للتأكيد على تمسك المنظمة بلغة الحوارورغبة الرفاق في مقابلة نجيب الصخيري من أجل تدارس الملفات التي قدمت للوزارة ولم تعرها هذه الأخيرة انتباهها.وكعادة هذه الوزارة التي غدت ثكنة لا يرتادها الا موظفيها، تم رفض مطلب الرفاق بحجة  وجود هذا الأخير في اجتماع مع الوزيروتدخل البوليس وخاصة المدعو معز العوني لطرد الرفاق من أمام مدخل الوزارة وكعادته قام باستهداف الرفاق الموجودين بألفاظ  النابية تحت حجة عدم تلقيبه ب”سي معز”. و توجه الرفاق عضوي التنسيقية المحلية ببن قردان الى نفس الوزارة في وقت لاحق أين تم طردهم بالقوة وفي نفس الإطار توجه كل من الرفاق فلة الرياحي وشريف الخرايفي وقيس العثماني الى وزارة الشؤون الإجتماعية من اجل متابعة الملفات التي أودعت لدى هذه الوزارة،وقد تدخل البوليس في البداية لمنعهم من الدخول ولكن استماتت الرفاق مكنتهم من مقابلة أحد المسؤولين في ديوان الوزير والذي وعد بدراسة الملفات والحالة الإجتماعية ولكن بشرط عدم التخاطب معه بصفة نقابية خاصة مع عدم اعتراف وزارته باتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل كحال كل المنظمات الوطنية التي لم ترق أهدافها للسلطة وهو ما يتناقض والدستور التونسي الذي يبيح حق التنظم والحصول على القانونية من سلط الإشراف.هذا وقد غادر الرفاق الوزارة بعد استيفاء لغة الحوار مع هذا المسؤول الذي أثبت عقلية الفرز التي تتعامل بها السلط مع مطلب التشغيل ومع مناضلي الإتحاد خصوصا. ومع كل هذه الممارسات يؤكد أعضاء إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين على: §                           تمسكهم بمنظمتهم ومواصلتهم النضال من أجل حقهم في العمل رغم التهديدات المتواصلة من قبل البوليس §        يحمل مسؤلية سلامة الرفاق و تبعات ما قد يلحقهم من اعتداء بأي شكل من الأشكال للمدعو معز نائب رئيس منطقة باب سويقة. §        دعوة السيد وزير الداخلية إلى كف جنون و هيجان هذه العصابة و رد أذاها عن المواطنين  . إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل التنسيقية الوطنية المكلف بالإعلام الحسن رحيمي 21918197

 


 

إقرار الحكم الابتدائي للمتهـم بالمشاركــة في تفجيرات معبد الغريبة بجربة

احيل يوم الاثنين 18 ديسمبر الحالي امام انظار الدائرة الجنائية 23 بمحكمة الاستئناف بتونس المتهم بالمشاركة في تفجيرات معبد الغريبة بجربة موقوفا.

وبالتذكير بوقائع القضية فإنها جدت في 11 افريل 2002 حيث قرر أحد الاشخاص وخطط لتفجير معبد اليهود بجربة وفعلا قد اعد العدة ونفذ مخططه وقد نتج عن تلك العملية مقتل 19 شخصا وقد توفي هو كذلك.

وبانطلاق التحريات والكشف عن ملابسات الواقعة تم ايقاف عم منفذ العملية واعترف امام الباحث الاول بأن ابن شقيقه اخبره بأنـه ينــوي تفجير معبد الغريبة بجربة.

لكنه تراجع  في تلك الاعترافات امام الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس والتي قضت بثبوت ادانته  وسجنه 20 سنة فاستأنف المتهم الحكم المذكور وحضر مجددا موقوفا أمام  محكمة الاستئناف بتونس امس وانكر أن يكون على علم بتلك العملية.

وبعد المفاوضة  قررت محكمة الاستئناف بتونس إقرار  الحكم الابتدائي والقاضي بسجن المتهم مدة 20 سنة.

صباح ش

(المصدر: جريدة “الصباح” التونسية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2006)

 

 


 

تجميع المساهمات العلمية المتعلقة بمجلة الالتزامات والعقود

 

تونس 20 ديسمبر 2006 (وات) أكد السيد البشير التكارى وزير العدل وحقوق الانسان لدى اشرافه يوم الثلاثاء رفقة السيد الازهر بوعوني وزير التعليم العالي على لقاء بالعاصمة بمناسبة تجميع المساهمات العلمية المتعلقة بمجلة لالتزامات والعقود أن المجلة خلاصة مجهود تاليفي للقوانين الصادرة في القرن التاسع عشر وكانت سباقة في اقرار نظريات عصرية فضلا عن كونها مجهودا توثيقيا لمختلف المدارس الفقهية الاسلامية.

 

وأبرز أن تونس اختارت المحافظة على هذا المعلم الحضارى والقانوني فكانت اول مجلة تندرج منذ التحول في برنامج تحيين التشريع مذكرا بقرار الرئيس زين العابدين بن علي سنة 1992 بعث مجلس وطني لتنظيم الاحكام التشريعية والترتيبية.

ولاحظ ان مجلة الالتزامات والعقود خضعت بعد ذلك لمراجعات متتالية أفضت الى تطوير شكلها ومضمونها لتنسجم مع الخيارات الوطنية في مجال حقوق الانسان.

ومن جهته أكد السيد الازهر بوعوني وزير التعليم العالي أن هذه المجلة التي مر قرن على ظهورها تعد ذات قيمة قانونية عالية لكونها وفقت بين الاخذ بأبرز المدونات القانونية الاوروبية ومبادىء الفقه الاسلامي مما جعلها مراة لتطور المجتمع التونسي وشاهدة على روح أجياله المتعاقبة.

وذكر بما أولاه العهد الجديد من عناية بهذه المجلة من خلال اعادة صياغة كامل فصولها وتخليصها من الصياغات المنافية لسيادة تونس بالاضافة الى ادراج تنقيحات جوهرية لجعلها مواكبة للحقوق الاساسية للفرد ومنها حق المساواة بين الرجل والمرأة.

وثمن الوزير المجهود المتميز الذى قامت به وحدة البحث بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس في جمع مساهمات الجامعيين والباحثين حول مختلف جوانب المجلة دعما للمكتبة القانونية وتسهيلا لعمل الطلبة والباحثين في مجال القانون المدني التونسي.

 

(المصدر: وكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات) بتاريخ 20 ديسمبر 2006)


 

يحدث في معهد المنزه السادس:

لعبة القط والفأر بين الإدارة والأساتذة.. ضحيتها تلامذة أبرياء

المعروف أن كل نظام تربوي يحتوي على ثغرات او قل مشاكل جسيمة تتفاقم من سنة الى اخرى اذا لم نحاول القضاء عليها بطريقة جذرية وعلمية. ولعل من ابرز مشاكل نظامنا التربوي: الدروس الخصوصية التي حوّلت التلميذ الى اصل تجاري Fond de Commerce لدى الاساتذة.. وبالتالي فان الاولياء تحولوا الى بقرة حلوب vache laitière باتم معنى الكلمة.. ومصدر ثراء.. نعم ثراء العديد من الأساتذة.. والامثلة لا تحصى ولا تعد خاصة في مناطق معروفة من الجمهورية وتحديدا المنازه والمنارات وعلى سبيل الذكر لا الحصر المعهد الثانوي بالمنزه السادس.

ودعني اتعرض في هذا المقال الى ما يجري في المعهد الثانوي بالمنزه السادس.. واعتقد ان هذه التفاصيل تشمل  وتضم مختلف المعاهد الثانوية.. وتحديدا الاقسام النهائية (الباكالوريا).. ويتألم منها الاولياء.. ويمثل التلاميذ الضحايا الوحيدين.. ولعل ما زاد في الطية بلة وجعل الموقف يتفاقم.. طريقة احتساب معدلات الباكالوريا.. وخاصة نسبة 25% خلال السنة الدراسية.. وهي نسبة جعلت الاساتذة يستغلون الموقف.. ويوظفونه لمزيد الاثراء والبحث عن الدروس الخصوصية باثمان خيالية غالبا ما يكون الاولياء مضطرين لتوفير ثمنها.. خوفا على مصير ابنائهم.. فهم «مكره اخاك لا بطل» كلفهم ذلك ما كلفهم. اما التلاميذ الذين لا يخضعون الى نظام الدروس الخصوصية المفروضة بذكاء من طرف الاساتذة، فان اعدادهم غالبا ما تكون منخفضة.. و«اشرب والا طيّر قرنك»، وبهذا الدهاء.. وهذا التكتيك الجهنمي والاستراتيجية «المثالية» وضعت الادارة في موقف حرج.. تجعلها مطالبة بايجاد الحلول.

 «حسنا تفعل.. شرا تجد»

وبالفعل فقد ظنت الادارة الجديدة للمعهد الثانوي بالمنزه السادس ان تصرفها الجديد والذي هو في نهاية الامر سليم ـ اذا كنا في ظل نظام تربوي سليم هو بدوره لم تنخره آفة الدروس الخصوصية لمدة سنوات عديدة خلت ـ سيقضي على آفة.. وظاهرة الدروس الخصوصية و«يفرهد» الاولياء من مصاريف ما انزل الله بها من سلطان.. باعتبار ان التعليم خاصة خلال السنة النهائية (الباكالوريا) تحوّل بالنسبة للأولياء من مجاني.. الى تعليم خاص.. وخاص جدا يتكلف مئات الدينارات للتلميذ الواحد.. واسألوا جميع الاولياء مهما اختلفت الطبقات الاجتماعية التي ينتمون اليها.

والنتيجة التي افرزها تصرف الادارة الجديدة ـ التي لم تأخذ بعين الاعتبار ان هذه الظاهرة قديمة جدا ومكنت الاساتذة من مستوى عال ورفيع جدا من الدهاء ـ ان هؤلاء الاساتذة قبلوا عن مضض تمكين التلاميذ من دروس خصوصية «قانونية».. في اطار منظمة التربية والاسرة داخل المعهد.. مقابل بضعة دينارات رمزية لا تمثل سوى اقل من 10%.. مما كان يتحصل عليه الاستاذ في نظام دروس خصوصية خارج منظمة التربية والاسرة.. وهذه الكارثة الحقيقية التي تضرر منها جميع التلاميذ.. بدون استثناء تقريبا جعلت الاساتذة يخططون على طريقتهم.. ويتصرفون بدهاء سواء داخل الفصل خلال الدروس العادية او خارجه، حتى يثبتوا «جدوى» الدروس الخصوصية مما ادى الى نتائج كارثية يمكن ان تتأكد منها وزرارة التربية.. نتيجة لغياب الضمير المهني.. والاحساس بخطورة هذه التصرفات على مستقبل تلاميذ ابرياء..  انها تصرفات مشينة.. وغير معقولة بالمرة.. ونكتفي بسرد هذه التصرفات الخطيرة.. لاننا نحتفظ بتصرفات اخرى اخطر بكثير..

والمطلوب هو تدخل حاسم وسريع وعاجل لوزارة الاشراف للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة والتي ستؤدي حتما الى نتائج وخيمة في نهاية السنة الدراسية الجارية.. وهو تدخل ضروري خلال الايام القليلة القادمة.. قبل انتهاء العطلة الشتوية.. قبل ان يقضي هذا «التسونامي» على مستقبل فلذات اكبادنا.

وهذا لا يعني بالمرة العودة الى الفوضى.. وفرض الدروس الخصوصية.. وانما ايجاد حل عملي يضمن مصالح التلاميذ.. قبل اي طرف اخر باعتبار ان الادارة حاصرت الاساتذة للقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية.. فقضى الاساتذة على التلامذة الذين تحولوا الى كبش فداء.. والى متضررين وحيدين.

ابن سليمان

(المصدر: جريدة “الصباح” التونسية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2006)


 

في صفاقس:

مخموران يتسلحان بساطورين ويمتطيان جوادين ويتقمصان شخصيات تاريخية

«الشروق» – مكتب صفاقس:

امتزج شعور بعض متساكني إحدى ضواحي مدينة صفقاس ليلة أول أمس (الثلاثاء 19 ديسمبر) بين الهلع والتندر بعد إقدام شابين متسلحين بساطورين على امتطاء جوادين على أنهما من الفرسان البواسل…

والواقع أن الشابين احتسيا كمية كبيرة من الخمر كانت كافية ليشعر كل واحد منهما بأنه بالفعل فارس مقدام وبطل من أبطال التاريخ، وللغرض تسلح كل واحد منهما بساطور طويل وحاد و»اقترضا» جوادين على ملك أحد الفلاحين من المنطقة ثم تحولا إلى بعض المناطق السكنية المستهدفة وعاثا في المكان فسادا…

كانا يمتطيان الجوادين ويركضان بهما طولا وعرضا في الطريق العام، والويل الويل لكل من اعترض سبيلهما حتى بالصدفة إذ يعمدان إلى تخويفه على أنهما أبطال من التاريخ فمرة يشبه أحدهما نفسه بـ»حنبعل» ومرة بـ»خالد بن الوليد» ومرة بـ»حمزة» ورابعة بـ»صلاح الدين الأيوبي» التاريخ تداخل في ذهنيهما… المهم هما من أبطال الماضي والواقع المترهل للأمة العربية يحتاج الآن إلى مثليهما…

هكذا زينت لهما الخمرة أن يتقمصا هذه الأدوار من تراثنا المجيد بعيون محمرة بالخمرة بل وبسقوط من ظهري الجوادين في أكثر من مناسبة… المهم أنهما أبطال من التاريخ جاءا في الوقت المناسب لإنقاذ الأمة أو لتخويف الأهالي…

الفرقة العدلية الجنوبية بصفاقس تفطنت لصولاتهما وجولاتهما فتحول الأعوان على عين المكان بسرعة فائقة وتمكنوا من إيقاف الشابين وشل حركتهما ليتحولوا بهما إلى مقر الفرقة وتنطلق معهما الأبحاث وسط استغراب الأهالي وامتزاج شعورهم بين الضحك والتندر حينا والخوف حينا آخر..

الشابان الآن رهن الإيقاف طالبين الصفح بعد أن استفاقا من «سكرتهما التاريخية».
* حمدي

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2006)


 

 

انتخاب تونس لمنصب الأمانة العامة في الهيئة الاسلامية للسلامة المعلوماتية  

تقديرا لسياستها في مجال السلامة المعلوماتية تمّ مؤخرا في العاصمة الماليزية كوالا لمبورا انتخاب تونس لمنصب الأمين العام للهيئة الاسلامية للسلامة المعلوماتية التي تضم كافة البلدان المنضوية تحت لواء منظمة المؤتمر الاسلامي.

وقد تم تقدير تلك السياسة التي جعلت من تونس أول بلد في العالم بأسره تسنّ التدقيق الاجباري والدوري للمنظومة المعلوماتية وتحدث هيكلا هو الأول من نوعه في العالم العربي وافريقيا يهتم بالاحاطة والمساندة المجانية للخواص والمؤسسات والمتخصصين على حدّ سواء وذلك على مدار الساعة وبعدة وسائل اتصال.

فايمانا منها بأهمية السلامة المعلوماتية في الحفاظ على المنظومات المعلوماتية مهما كان استعمالها وخاصة في مجالات البحث والاقتصاد والادارة وحمايتها من المخاطر المتمثلة في محاولات الاقتحام والقرصنة والتحيّل والاجرام على الشبكة بصفة عامة، صاغت تونس منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي سياسة في هذا المجال بايعاز من الرئيس بن علي وهو الخبير بشؤون المعلوماتية والتكنولوجيات الحديثة للمعلومات والاتصال.  

وقد توّجت تلك السياسة في شهر (شباط) 2004 باصدار قانون السلامة المعلوماتية الذي أحدثت بموجبه الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية كما فرض نفس النص اجبارية التدقيق الدوري لسلامة المنظومات المعلوماتية من خلال مواصفات عالية وعلى يد خبراء مدققين مصادق عليهم دوليا. الاحاطة والمساندة المجانية  

وقد وضع القانون جملة من الضمانات لفائدة المؤسسات التي تجري داخلها عمليات التدقيق لحماية كل معطياتها اذ انه أجبر المدققين على احترام السر المهني وتوعّد المخالفين بعقاب بدني.  

ويهدف التدقيق الدوري الى اعطاء صورة واضحة عن القدرات الدفاعية للمؤسسة لحماية منظومتها المعلوماتية من حيث وعي مستعمليها بالمخاطر المعلوماتية مدى كفاءاتهم التقنية في هذا المجال، ومن حيث كفاءة ويقظة المسؤول على سلامة المنظومة ووجود اجراءات سلامة ومدى تطبيقها، وأخيرا لمعرفة هل ان المؤسسة تمتلك سياسة للسلامة المعلوماتية وخطة لمجابهة المخاطر.

والى جانب هذا عملت الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية على توفير المعلومات اللازمة عن المخاطر، وكذلك الدعم التقني اللازم لتفعيل سياسات السلامة المعلوماتية لدى الأفراد والمؤسسات والهياكل الادارية. لذا فقد تمّ اعداد خطة وطنية تشتمل على عدّة جوانب منها الترفيع في الكفاءات في المجال وذلك عبر تنظيم الدورات التكوينية وتكوين الخبراء المدققين واعدادهم لاجتياز اختبارات المصادقة الدولية وذلك الى جانب الدور التحسيسي الهام والمكثف الذي تلعبه تجاه المواطنين بصفة عامة ومستعملي الكمبيوتر والشبكة بصفة خاصة.

لهذا الغرض تمّ انتاج مجموعات من الوسائل التحسيسية والتثقيفية في مجال السلامة المعلوماتية لكافة الاعمار وكافة الأصناف، كما تم وضع مجموعة من الأدوات المعلوماتية سهلة الاستعمال لحماية معداتهم وشبكاتهم سواء من الفيروسات والاحتراقات والهجمات بصفة عامة أو المحتويات المشبوهة الداعية للفساد الأخلاقي والعنف وكل أنواع التطرّف والكراهية، هذا الى جانب ما يوفّره موقع الوكالة على الشبكة من معلومات ونصائح www. ansi. tn.

كما أحدثت الوكالة منذ مدة مركز احاطة ومساندة مجانية يعمل على مدار الساعة ويمكن الاتصال به سواء حضوريا أو عن طريق وسائل الاتصال الحديثة (الهاتف الأخضر المجاني – الفاكس – البريد الالكتروني) وهو أول مركز من هذا النوع في العالم العربي وأفريقيا، وينتمي الى شبكة دولية لرصد المخاطر والانذار المبكر منها ويتمتع بفضل ذلك بالمعلومات الضافية عن حركة المخاطر والاختراقات، وكل ما ينطلق على الشبكة من برامج مغرضة وهدّامة بامكانها احداث الأضرار للمستعملين.

ومن جهة أخرى سعت الوكالة ولا تزال الى استنباط برامج معلوماتية تونسية لتمكين المؤسسات من التمترس ضد الهجمات والاختراقات بأبخس الأثمان لكي لا تكون الامكانيات المادية حجر عثرة في طريق حماية المنظومات المعلوماتية. لهذا فقد أصبحت تونس تقدم الدعم التقني في المجال لعدة بلدان شقيقة وصديقة أعربت في عديد المناسبات عن اعجابها بالتجربة التونسية واستعدادها للاقتباس منها.

 

 

(المصدر: صحيفة الأنوار اللبنانية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2006)

الرابط: http://alanwar.com/ar/article.php?id=12486

 


 

 

تونس:بعد إعتقال الزميل لطفي حجّي أمس الإثنين و الإفراج عنه لن تكسِرُوا أقلامنا الحُرّة . .
  
تونس-19-12-2006: أطلقت على الساعةالتاسعة ليلا تقريبا بتوقيت تونس من مساء أمس الإثنين 18 ديسمبر 2006 ، مخافرالبوليس في تونس سراح الزميل لطفي حجّي رئيس نقابة الصحافيين التونسيين و مراسل “الجزيرة” في تونس . و كان عدد من أعوان البوليس قد إختطفوا الزميل لطفي منذ عصر أمس من مقرّ إقامته بمدينة بنزرت-60 كلم شمال العاصمة تونس- إلى جهة لم يعلنوها لعائلته ولا لنُشطاء الرابطة ببنزرت، ليتّضح بعد ذلك أنّ الجماعة إختطفوا لطفي نحو ما يدّعون أنّه “مقرّ الشرطة العدلية” باب البحر بالعاصمة بينما الذين إستجوبوه هم عناصر أمن الدولة. و قال الزميل لطفي بعد إطلاق سراحه إنّ أهل البوليس أرادوا توقيعه على “محضر تنبيه” بأن يتوقّف مستقبلا عمّا وصفوه بعمله مراسلا ل”الجزيرة” بطريقة “غير قانونية” على حدّ زعمهم ذاكرين أنّهم سمعوه يحدّث “الجزيرة” عبر الهاتف و هو إثبات جديد على ممارسة دوائر البوليس في تونس للتنصّت على مكالمات المواطنين في إطارعادة يتميّزون بكثافة ممارستها عالميا و تعوّدوا أن ينكروها، فيما تمسّك الزميل بحقّه في مواصلة عمله و رفضه القاطع التخلّي عن واجبه كصحفي ينقل الأحداث بأمانة رغم ما عاناه جرّاء ذلك من متاعب في بلده تراوحت بين الإختطافات الأمنية المتكرّرة في السنتين الماضيتين و قطع مكالماته الهاتفية و مراقبته و منعه من بطاقته الصحفيّة و التضييق بكلّ الوسائل على مورد رزقه و حرمانه من عديد الحقوق الأخرى . و رفض الزميل لطفي التوقيع واصفا السلطات بأنّها هي التي تمارس ضدّه وسائل غير قانونية منذ فترة طويلة آخرها و أبسطها أن يقع إختطافه و إستنطاقه أمس خارج التوقيت الإداري و دون توجيه إستدعاء كتابي فيه تحديد السبب بوضوح . و كان الزميل حجي قد رفض ظهر أمس الإثنين و قبل إختطافه ، الإستجابة لإستدعاءين من دوائر البوليس الأوّل كان عبر الهاتف و الثاني كان كتابيا لم يحترم باعثوه فيه حقّ المُستدعى في أن يعرف الموضوع .و هذه هي أوّل مرّة تعلن فيها السلطات بشكل مباشر و صريح مُحاسبة لطفي حجّي على عمله كصحفي و تحديدا كمراسل ل”الجزيرة” لأنّها في العادة كانت تمارس عليه مضايقاتها البوليسية و غير البوليسية دون إعلان أنّها تفعل ذلك بسبب عمله الصحفي المحايد الذي يؤدّيه منذ سنوات ، و هذه المحاسبة الصريحة تأتي لتزيد كلّ العالم أدلّة على أدلة على حجم مُعاداة الحكومة التونسية للصحافيين المُحايدين المُتمسكين بإستقلاليتهم المهنية و حجم ما بلغته من أشواط في التضييق عليهم و هرسلتهم و مُحاولة ترويعهم لإثنائهم عن أداء رسالتهم رغم الصعوبات ، و ذلك على خلاف ما يُحاول الحُكم إدّعاءه دائما في وسائل إعلامه المُؤتمرة بأمره . و تُحيلنا محاولة محاسبة لطفي حجّي أمنيا على عمله مراسلا ل”الجزيرة” ، من جديد إلى مسألة إسناد بطاقات إعتماد مراسلي وسائل الإعلام الخارجية من تونس ، ففيما يجد المراسلون في دول عديدة في العالم حتى تلك التي لا تحكمها أنظمة ديمقراطية ، مرونة في السماح للمراسلين بالعمل ، تُعامل السلطات في تونس المراسل و كأنّه جاسوس لجهات أجنبية إذا ما قرّر رفض الإنصياع للضغوط التي تمارسه عليه ما يُسمّى ب “وكالة الإتصال الخارجي” و جهات حكومية أخرى ، و لذلك تمارس عليه مختلف التضييقات . و قد إبتكرت الحكومة التونسية سلاحا حسبته فعّالا يتمثّل في إحتجاز بطاقات إعتماد مراسلي وسائل الإعلام لديها حتّى و لو إستوفى الصحفي منهم شروط الحصول عليها من ذلك توجيه رسالة من مدير مؤسسته الإعلامية بإعتماده مراسلا لها . إلاّ أنّ هذا السلاح لم ينفع مع عديد الصحافيين المُتشبّعين جيّدا بميثاق شرف المهنة و قيم الواجب المهني في إحترام قدسيّة نقل الحقيقة كلّفهم ذلك ما كلّفهم و في مقدّمتهم الزميل لطفي حجّي الذي واصل عمله الصحفي رغم ذلك ، و قبله الزميل محمد الفوراتي مراسل وكلة “قدس براس” و كاتب هذه السطور مراسل “العربية نت” . و من المخجل لبلد ينصّ دستوره على إحترام حريّة التعبير و أمضت حكومته على فائق المعاهدات بإحترام حرية الإعلام ، أن تخرُق فيه ما يسمّى ب”وكالة الإتصال الخارجي” نفسها القانون بإحتجازها لبطاقات إعتماد الصحافيين عندها “رهينة” في رُفوفها ، ثمّ حين يعمل المراسل منهم دون الحصول عليها يُتّهم هو بخرق القانون. و لكن إذا كانت السلطات تأمل من خلال محاولات التضييق مثل التي إستهدفت أمس الزميل لطفي ، في أن يتوقّف من لم يحصل من المراسلين في تونس على بطاقات إعتمادهم -للأسباب المعروفة- عن نشر الحقيقة و عن أداء رسالته الإعلامية المقدّسة ، فلتحلم سلطاتناطويلا بهذا ، لأنّ ذلك لن يتحقّق أبدا ، و لن تُكسر أقلامنا الحرّة مهما حاولوا. . لن تُكسر . . لن تُكسر
 . . *القلم الحرّ سليم بوخذير  
 
المصدر :  موقع المنظمة العربية لحرية الصحافة بتاريخ 16 ديسمبر 2006
 
الرابط 

 

 

 


 

على هامش المؤتمر 21 للاتحاد العام التونسي للشغل أي دور للنقابات في ظل العولمة؟

هندة العرفاوي     يعقد هذا الأسبوع الاتحاد العام التونسي للشغل مؤتمره الحادي والعشرين، وبعيدا عن الخوض في أدائه وتقييم مسيرته فان وجود هذا التنظيم النقابي في حد ذاته يعد مكسبا. ويكتسي أهميته من وجوده كضامن للدفاع عن العمال والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن وجعل المسالة الاجتماعية من أولويات بقائه. لكن الحديث عن أداء اتحاد الشغل يتزامن مع العودة القوية التي شهدها في أوروبا الاهتمام بالمسالة الاجتماعية (تغطية صحية، سكن، أجور، حرية العمل النقابي…).  وقد كان وجود النقابات في حد ذاته اكبر ضامن لحقوق العمال حتى في أعتى الرأسماليات خاصة في الولايات المتحدة وفرنسا. وقد عمل اليسار الجديد في نهاية الستينات على معارضة صدام الحركات الاجتماعية مع سلطة الدولة، ونادى بضرورة إنشاء مؤسسات سياسية أكثر تمثيلية وبفتح آفاقها الفكرية على احتجاجات ومطالب جديدة. وقد جاء ذلك في مواجهة مركزة السلطة الاقتصادية والسياسية والتأثير الثقافي بين أيادي أقلية. وتنشط النقابات اليوم بقوة وتعتبر مكسبا كبيرا في بلدان أوروبا الغربية والبلدان الاسكندنافية إلى حد ان   الأمر وصل في النرويج مؤخرا ، على سبيل المثال إلى اعتبار نسبة الرفاه العام ارتفعت بارتفاع الأجور بنسبة 5 في المائة. كما أن البطالة تكاد تمّحي من البلد حيث تراجعت في نوفمبر المنقضي إلى 2.1 أي إلى أدنى مستوياتها منذ ثمانية عشرة شهرا سواء على المستوى المحلي أو العالمي. ويتزامن ذلك مع  وصول   يسار الوسط إلى السلطة. كما يجب ألا ننسى المكتسبات التي حققتها النرويج في ظل نظام اقتصادي من أكثر الأنظمة عدالة ومراعاة للمسألة الاجتماعية. ولم تكن هذه العودة مستقلة عن الأداء السياسي للمجتمعات الغربية خصوصا خلال العشرية الأخيرة التي شهدت الكثير من الأحداث السياسية التي تسببت في التراجع عن عديد المكتسبات العمالية خصوصا بعد صعود المحافظين الجدد إلى السلطة في الولايات المتحدة وأحداث 11 سبتمبر وهيمنة اليمين في كل من فرنسا وايطاليا واسبانيا واستراليا. وقد تزامنت مع هذا التوجه الاقتصادي دعاية سياسية تسعى إلى التأثير على العقليات في اتجاه ترسيخ فكرة النجاح حسب الأنموذج الأمريكي، واستغلال العامل في البلدان الفقيرة مقابل اجر زهيد يدفع له لقاء ساعات عمل طويلة وهو ما يؤدي إلى الإجهاد والوصول إلى حال الاستعباد مثلما هو الشأن في بعض البلدان الآسيوية. وبقدر ما ساهمت أحداث 11 سبتمبر 2001  في إعطاء ذريعة لليمين الأمريكي والأوروبي لتمرير سياسات وقوانين تهدف إلى الهيمنة والحد من الحريات الفردية بقدر ما كشفت للعيان نوعية هذه الأنظمة ومشاريعها لمواطنيها قبل غيرهم. لقد استُغلّ “غول” الإرهاب من أجل سنّ قوانين تحد من الحريات وتبرر القمع وتساهم في التراجع عن بعض المكتسبات التي حققتها الشعوب والمتعلقة بحرية التعبير وحرية التنقل وحرية العمل السياسي والنقابي وعديد الحريات الأخرى. وفي نفس الوقت الذي أوجدت الولايات المتحدة – بدعم من عديد الأنظمة اليمينية الأوروبية- مبررات للهجوم على دول ذات سيادة بهدف القيام بحروب استباقية لدرء الخطر القادم من الشرق بقدر ما استبسلت الشركات المتعددة الجنسيات في توسيع أنشطتها وتوسيع احتكارها للأسواق في العالم الثالث. وبقدر ما عملت من خلال المؤسسات الدولية التي صنعت منها شماعة للدفاع عن مصالحها بقوة المنطق وبمنطق القوة على السواء لفرض قوانين تلغي حق الدول في حماية صناعاتها المحلية بتسهيل انتقال البضائع و الاستقرار في المناطق التي توجد فيها يد عاملة رخيصة وأنظمة سياسية قادرة على حماية مصالح هذه الشركات الكبرى. بقدر ما ظهر للعيان الطابع الانتهازي والمعادي للذوات البشرية ولمكتسباتها التي راكمتها عبر السنين والتي مكنت من ظهور اطر تحمي العمال وتعمل على تحديد ساعات العمل بشكل يسمح للإنسان بما هو إنسان من التمتع بإنسانيته بعيدا عن تبضيعه وتراكم القوانين التي تحمي العامل في شيخوخته أو في حال مرضه وتسمح له بتوفير دخل قار وان لزم الأمر بالادخار لتحسين وضعيته الاجتماعية…هذه المكتسبات التي راكمتها الإنسانية عملت الإدارات اليمينية التي هي أدوات تسيير أمور اقتصادية مثلما هو الشأن بالنسبة للإدارة الأمريكية التي يعمل جل أفرادها تقريبا من بوش إلى رايس إلى ديك تشيني في شركات للنفط. هذا الكلام ليس بجديد لكن الجديد هو عودة الوعي لدى المواطن الأوروبي بضرورة العمل على الحفاظ على مكاسبه، ومن هنا عودة الحديث عن المسالة الاجتماعية التي تزامنت مع الحديث عن ازدياد عدد المسرحين من الشركات الرأسمالية الكبرى رغم تحقيق هذه الشركات لأرباح كبيرة. فشركة هاولت باكارت للتقنيات المعلوماتية مثلا و رغم ازدياد أرباحها تخلصت هذه السنة من عدد كبير من العمال، وشركة تويز المتخصصة في لعب الأطفال شجعتها أرباحها على التخلص من 3000 من عمالها تقريبا، وشركة صناعة السيارات دايملر الفرنسية الألمانية أعلنت التخلص من 8500 من العمال خلال هذه السنة في إطار مشروع لها للإصلاح الهيكلي. إذن فالسياسة التي اتبعتها الشركات الأوروبية خلال الثمان سنوات الأخيرة أدت إلى نتائج سيئة على مستوى الطاقة الشرائية والحد من البطالة. من هنا نفهم العودة القوية للمسالة الاجتماعية في أوروبا ونفهم صعود الحكومات اليسارية التي تضع المسالة الاجتماعية في سلم اهتماماتها في كل من أسبانيا وايطاليا وبريطانيا ولما لا قريبا في فرنسا.    كما ازداد الحديث عن التراجع عن مكسب الخمس وثلاثين ساعة عمل والعودة إلى الأربعين ساعة بتعلة الحفاظ على القدرة التنافسية في فرنسا التي يتحدث مرشح الرئاسة فيها عن رغبته في إعادة إحياء القيم الأساسية لاحترام العمل والوطن وذلك من خلال إعطاء الفرنسيين قيمة الإحساس بطعم النجاح حسب النموذج الأمريكي…. وهو الخطاب الذي يبشر به سركوزي الذي من ناحيته يعد حسب الكثيرين امتداد طبيعي لبوش ولسياسته، فان كان الأول يخوف مجتمعه بهالة الإرهاب فان الثاني يخوفهم من جنوح الشباب خصوصا المهاجر.والاثنان يعملان على محاصرة الحريات الفردية باسم الأمن وخصوصا استعمال سلاح الخوف لتبرير قمع الحريات.
 
(المصدر: صحيفة الطريق الجديد عدد 55 – ديسمبر 2006)


“المهدي المنتظر”
محمد حرمل هل أصبح الحزب الواسع المنشود ذلك “المهدي” الذي ينتظره أنصار الشيعة والإمام علي؟·· طبعا ليس مشروعنا دينيا ولا حلما وهميا، لكن عندما فتحنا باب الاجتهاد على مصراعيه حول القضايا الوطنية والديمقراطية ووظيفة الحزب والمعارضة في هذه المرحلة التاريخية الجديدة، في إطار الإعداد لمؤتمر حركة التجديد، أصبح السؤال عندنا أهم من الجواب، وكل  التساؤلات واردة، ولقائل أن يقول لنا: كيف أصبحتهم تفضلون السؤال عن الجواب كأنكم تتهربون من المسؤولية، وكأنكم تتجنبون الوضوح في المواقف·· وأنتم حزب يعمل على الساحة منذ سنوات، وهو مطالب دائما بالجواب!! وكأنكم تميلون الى التضحية بحركة التجديد؟! أردنا أن نضع القضايا في مناخ الأسئلة والتساؤلات حتى نهتدي من خلال النقاشات والاجتهادات الفكرية والسياسية الى الجواب الصحيح والمفيد مع حركة  التجديد وشركائها، وهذا الأسلوب العقلاني بقي راسخا في تقاليدنا منذ زمان·· فتدعم وتعمق وتحسن مع  الأيام والتجارب·· خلافا للممارسات والتقاليد السائدة على الساحة في السلطة وحتى في أجزاء من المعارضة، بمنطق “ليس في الامكان أبدع مما كان”·· وهي تعتمد حقائق قطعية وثابتة تنطلق من يقين “لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”! وخلافا لتقاليد الشك والتشكيك في كل شيء وفي كل مجهود،، فلم نساير هذه العادات السلبية المتأصلة في الثقافة السياسية، ولم نكتف بما قدمناه وإن كان صحيحا في غالب الأحيان·· والصحيح اليوم قد ينقلب غدا الى خطإ!  لأن السياسة في معناها العصري والتقدمي حركية وحيوية متواصلة وهي مواكبة مستمرة للتحولات في مختلف المجالات··· فالاشكاليات والمواقف والأجوبة التي تنجر عنها وعن البحث والنقاشات تتقدم بحسب الأسئلة التي نطرحها عليها ويطرحها الناس·· ونحن في خدمة الناس والبلاد·· لا في خدمة أنفسنا، والعمل الحزبي عندنا ليس مناصب ومنافع ومواقعأ و”روتين”، وقد اخترنا في هذه المرة أن نطور تقاليدنا وأن نعقد مؤتمرا مفتوحا لبناء حزب واسع مع مجموعات من المستقلين المناضلين·· مواصلة للتأسيس الذي بدأناه وحدنا، وأقدمنا على هذه المغامرة رغم اخطارها وملابساتها ومفاجآتها·· إيمانا منا أن البلاد والمعارضة الديمقراطية في حاجة الى هذا المشروع الرائد·· وربما يخطئ البعض في فهم مقاصدنا، ويظن أنها تصفية حسابات حزبية أو >ترتيبا للبيت< بالمعنى الضيق·· أو منافسة عقيمة وانتخابوية تؤدي الى تشويه صورة >التجديد< وفسخ مكاسبه ونسف المشروع، باسم الحزب الجديد!!؟ أردنا أن لا نتناول من الشيء مظهره وإنما نحاول أن نتناول جوهره·· بعيدا عن القشور و”وسخ الدنيا”·· والسياسة في أتسع معانيها·· دورنا في هذه الحركية المشتركة أن نوفر لها أحسن الظروف حتى تكون الرؤية أشمل والمقاربة والخطة أعمق والنضالية أنجع·· فماذا سينتج عن هذه المغامرة يا ترى؟ في مواجهة هذا التحدي نصطدم بهذا السؤال وبأسئلة أخرى مرتبطة به لم تلق جوابا مقنعا·· السؤال الخطير هو: لماذا لم توفق  المعارضة الديمقراطية، والتجديد جزء منها، في اخراج الحياة السياسية من المأزق وتعديل التوازنات المختلة التي جعلت الانغلاق السياسي متواصلا؟ لا يشك أحد في الرأي العام أن السلطة بخطتها أرادت هذا التواصل في الانغلاق وفرضته على المجتمع وعلى المعارضة·· وهذه هي مسؤوليتها! ولكننا في المعارضة لنا مسؤولية الطرف المقابل والمعارض·· فكيف لم نتمكن من ترجيح الكفة وتعبئة المجتمع في سبيل الديمقراطية؟ هناك من يظن أن هذا “العجز” ناتج عن ضعف في تنظيم الأحزاب، وآخر يحسب أنه ناتج عن قلة >الديمقراطية< فيها·· وثالث يذهب الى نفي كل المكاسب التي تحققت في الأحزاب، والتبشير بـ”شيء”، كأنه “المهدي المنتظر”، نقيضا للتجديد ومخالفا له، وتتعددت التفسيرات و”الحلول”·· وفي هذه الأجواء المتفائلة أو المتشائمة، لدى أصحاب النوايا الحسنة وأصحاب النوايا المشبوهة·· يتسرب هذا السؤال الخطير: ما الفائدة من أحزاب “عاجزة”، بل وما الفائدة من مشروعكم المكتوب عليه بالفشل مادام حلما جميلا؟·· سؤال يوظفه من يسعى لنسف التعددية ودور الاحزاب والمعارضة!·· في حين لا تقدم دون ديمقراطية ولا ديمقراطية دون أحزاب· لقد أفرز عصرنا الديمقراطية مثالا لتعويض الأنظمة الاستبدادية على اختلافها والتعددية أسلوبا للتعامل بين الدولة والمجتمع والاحزاب أداة لا بديل لها لتنظيم هذا التعامل وما يترتب عنه من تداول على السلطة·· تخطئ الاحزاب وتصيب، تنجح وتخفق في أداء مهمتها، تنجح الأحزاب التقدمية إذا كانت تعبيرا صادقا عن طموحات الفئات التي أرادت أن تكون تمثيلا لها، بتوجهاتها الديمقراطية والتحديثية··· و”تنجح” الأحزاب الرجعية في بعض الفترات بأساليبها الخاصة!  ولا تنجح الاحزاب التقدمية إلا بخطة فكرية وسياسية وميدانية تقدمية موفقة تتسم بالجرأة والواقعية في نفس الوقت·· حتى لا تنفصل عن المجتمع والفئات التي تمثلها، وهي تصارع الرجعيات وتأصلها في التراث والمجتمع في عملية ثورية مستقبلية·· وتخفق الاحزاب وإن كانت ديمقراطية وتقدمية ومعارضة، إذا >رضيت< بدور  على هامش المجتمع، تكتفي بالاحتجاج دون التأثير على مجرى الأمور·· ويفقد  الحزب الوظيفة الأساسية الراجعة اليه وإن كان مناضلا وصاحب تنظيم محكم وخطاب معارض·· إذا لم يتمكن من الالتقاء بالفئات الواسعة من الشعب، وتفوق على التوجهات الرجعية·· هي مفارقة يجب أن نجد لها تفسيرا يؤدي الى الجواب الصحيح·· التفسير الأول هو أنه من خاصيتنا في تونس أن الاحزاب اليسارية برزت على الساحة وتعددت قبل أن يكتمل تأسيسها وبقيت  كأنها أقرب الى مشاريع منقوصة·· وهي تتصرف وكأنها مكتملة وكأن معها نصيب هام من الجماهير، هذا باستثناء النزعات التي توظف الدين ومعتقدات الشعب وحيرته الوجودية، تعويضا لدور الأحزاب· ومن خاصيات الساحة السياسية عندنا أن لنا معارضة نشيطة وشجاعة·· يتعاطف الرأي العام مع  انتقاداتها كلما وصلته، ولكنه لا يلتقي بها ولا يشارك في نضالاتها النخبوية·· والتفسير الثاني  لا يقل أهمية عن الأول أن الاحزاب ومعارضتها الديمقراطية لا تمثل قطبا قويا في الامكان الاحتماء به والاعتماد عليه·· فالنخبة المناضلة تغامر ولكن عامة الشعب لم  يغامر، ولم يتبلور هذا القطب لأن الفضاء الديمقراطي والتقدمي بقي مشتتا·· هذا الذي دفعنا الى العمل على معالجة هذا المرض العضال، مرض التشتت والانشقاق ورفض الرأي المخالف وعدم القدرة على التعايش مع  الخلافات في حزب موحد أو جبهة واسعة· وقد استعصى العلاج على “أطباء” السياسة، “المخصلين” منهم و”الدخلاء”·· وقد اقتنعنا أن العلاج ممكن، بل ضروري وطنيا وديمقراطيا! بالعمل الدؤوب على التوحيد والتجميع لا بالاشكال القديمة ولا بالمقولات الفكرية التي كانت  صالحة في مراحل سابقة، وقد جرب اليسار مختلف المقولات! الحزب الواسع المنشود يكون تعدديا أو لا يكون أعني أنه يكون إطارا تتعايش فيه الحساسيات الديمقراطية والتقدمية المختلفة على أرضية فكرية وسياسية موحدة·· فلا يكفي تحسين التعامل الديمقراطي الداخلي··! لتتدفق عليه الجماهير، معجبة بـ”انجازاته” الداخلية، وقد اتضح من خلال النقاشات أن الأساس في بناء الحزب الواسع والأساسي في الانفتاج على المجتمع، وهي القدرة على التوفيق بين التعدد والوحدة، بين المكاسب والرموز القديمة الجديدة ومواكبة العصر، فكريا وسياسيا وتنظيميا·· فلا سياسة بدون فكر متجذر ولا حزب واسع بدون تنظيم عصري وتعددي·· هل أن التجديديين وشركائهم قادرون على القيام بهذه الخطوة وهذه النقلة النوعية؟ ليس بدينا عصا سحرية لشق البحار والصعاب·· وليس الحزب المنشود “المهدي المنتظر” و”المنقذ من الضلال”، لكنه الحل الوطني ولنا إرادة راسخة لم يدمرها المشككون، والمتشائمون والحلول المغلوطة·· لقد فتح لنا السؤال الصحيح، في خضم الحيرة والاجتهاد والنقاشات الساخنة، أبواب الجواب العقلاني والحداثي، فشاركوا معنا في السؤال وفي الجواب!

 

النائب عادل الشاوش:                  

شروط الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة

صوّت نواب حركة التجديد للمرة الثالثة على التوالي بالاعتراض على مشروع قانون المالية لسنة 2007 وقد جاء تصويتهم هذا بناء على التوجه المعارض الواضح الذي يمارسونه للتمشي السياسي المنتهج· اذ يذهب هذا التصويت أبعد من الاعتراض على فصول قانون المالية من الناحية الفنية ويتعداه ليعبر عن موقف وبرنامج سياسيين انتخب على أساسهما نواب الحركة في إطار المبادرة الديمقراطية في انتخابات 2004· وقد كانت مداخلة النائب عادل الشاوش في النقاش العام ترجمة لهذا التوجه حيث خاض في مجمل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسة وجاء فيها بالخصوص: >لئن حققت بلادنا نتائج تنموية ايجابية خاصة في مجال نسبة النمو التي ناهزت 5% ووفقت في السيطرة على نسبة العجز وحافظت على التوازنات الكبرى في ظل ظروف عالمية صعبة وارتفاع لأسعار المواد الأولية والمحروقات ومراكمتها عبر السنين لعديد المنجزات والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية·· فإنه لا بد من الإقرار أن هناك معضلتين على الأقل بقيتا مستعصتين عن الحل، الاولى تتعلق بنسبة البطالة التي بقيت مرتفعة وهي الان في حدود 14% حسب الأرقام الواردة في وثيقتي الميزانية والميزان الاقتصادي وهي مرشحة لمزيد الارتفاع اذا لم تتطور نسبة النمو السنوية من 5% الحالية الى أكثر من 6% على الأقل·· والثانية تهم مجال الاستثمار المتوقف عليه حل المشكلة الأولى أي البطالة·· فرغم الحوافز وعديد الاجراءات الهامة في مجالات تطوير المنظومة التشريعية وتحديث البنية التحتية واصلاح منظومة التربية والتكوين وتأهيل مؤسسات التمويل·· يبقى واقع تباطؤ نسق الاستثمار الخارجي المباشر والخاص التونسي ماثلا أمامنا، ولم تتمكن بعض عمليات الخوصصة وحتى الهامة منها (التفريط في 35% من اتصالات تونس لمستثمر أجنبي) من حجب هذه الحقيقة·· كما أن التوقعات بتطور الاستثمار خلال سنة 2007 مبنية علي بعض المؤشرات فحسب، مثل زيادة الطلب على توريد المواد نصف المصنعة ونوايا الاستثمار· وقد أقرت وثيقة الميزان الاقتصادي بهذا الاشكال حيث جاء فيها >على الرغم من المجهودات المبذولة في السنوات الأخيرة وما أبرزته الدراسات القطاعية على مستوى الجهات من وجود عديد الفرص الممكنة للاستثمار يبقى نسق الاقبال على انجاز المشاريع المجدية دون المستوى المطلوب< (ص79) مما دفع بالبنوك الى  الاستجابة لمطالب القروض الاستهلاكية بأكثر سهولة ـ نـظرا لتوفرها علي سيولة زائدة surliquidité ـ على حساب الاستثمار في المشاريع المنتجة ونتج عن ذلك ظاهرة تداين العائلات وفي ذلك استجابة للرغبات والتطلعات المشروعة، ولكن لا بد من الملاحظة أن نسبة التداين هذه اذا تعدت المعقول وتجاوزت القدرات الواقعية تضغط على الادخار وبالتالي على الاستثمار·· هذا ما يفسر قرار البنك المركزي بالرفع في نسبة الفائدة من أجل الحد من تفاقم هذه الظاهرة·· فأين تكمن المشكلة اذن؟ أهي مسألة تواصل، أم هي أزمة ثقة؟ هل هي مسؤولية البنوك؟ أم مسؤولية القطاع الخاص؟·· كل هذه القضايا الحيوية المتعلقة بالمسيرة التنموية يجب تطارحها في إطار حوار وطني شامل، لكن ما نلاحظه أن شروط قيام هذا الحوار منعدمة نظرا لعجز الخارطة السياسية بوضعها الحالي على الاستجابة لمتطلبات المرحلة· فالتعددية أصبحت تدور في دائرة مفرغة وضيقة رغم وجود احزاب، منها الممثل في البرلمان وتصدر جرائد ومنها من يتمتع بالدعم من المال العام لكنها محاصرة·· فالبلاد في حاجة أكيدة الى اجراءات عاجلة لم تعد تحتمل التأجيل على جميع الأصعدة التشريعية وفي مجال الممارسة والتعامل مع الأحزاب المعارضة، في البرلمان وخارجه·· وما كان صالحا في الماضي وقٌبل مرحليا قد تجاوزه الزمن·· ولا بد اليوم من ايجاد الآليات القادرة علي مواكبة التحديات استجابة لتطلعات الشعب التونسي وتناغما مع عالم يتغير·· ومن الأولويات اليوم فتح الاعلام الوطني وتجاوز طابعه الدعائي والأحادي، حتى يعكس رجع الصدى القادم من المجتمع الى السلطة ولا يبقى مجرد بوق دعاية فاقدا لكل مصداقية·· أما الوقوف ضد الاعلام الخارجي فما عادت تنفع معه الاحتجاجات، بل وحده الاصلاح الجاد والفعلي هو القادر على تحسين واقع اعلامنا الوطني القادر على مصالحة المواطن التونسي مع هذا الإعلام·· والمتأكد اليوم ضرورة فتح قنوات الحوار مع مكونات المجتمع المدني والكف عن محاولات الحد من استقلاليته·· ورفع العراقيل على أنشطة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والسماح لها بانجاز مؤتمرها السادس لتتمكن من القيام بدورها كاملا في الكشف عن التجاوزات والتنديد بها والدفاع عن ضحاياها ونشر ثقافة حقوق الانسان·· ولا بد من اطلاق سراح المساجين السياسيين وأن يتوجه العفو الرئاسي في حق البعض منهم لاصدار عفو تشريعي عام قد كان نواب التجديد قدموا مشروعا بشأنه للمجلس· لفتــة وفـــاء     جاء في تدخل النائب عادل الشاوش لدى مناقشة ميزانية وزارة المرأة في إطار ميزانية 2007 ما يلي: “وتونس تحتفل بخمسينية اصدار مجلة الأحوال الشخصية، هذا المكسب الحضاري والتحديثي العظيم، لا يجب أن ننسى ذلك الرجل الذي عاش فقيرا ومات فقيرا وذهب ضحية أفكاره الاصلاحية الجريئة· لكن في الحقيقة ذهب الذين شردوه وجوعوه وأهانوه وكفّروه وأماتوه حسرة وكمدا·· وبقي هو منقوشا في عقول وأفئدة التونسيين الى الأبد·· كما لا يفوتني بهذه المناسبة أن أذكر الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي استغل نفوذه السياسي وشعبيته الكبيرة ليجسم ما اعتمل في ذهن المصلحين الأوائل وثبت المبادئ الاصلاحية في نص قانوني (مجلة الأحوال الشخصية) خمسة أشهر فقط بعد حصول البلاد على الاستقلال وكان ذلك في أوت 1956· وعلينا أن نتذكر أيضا الدور الكبير الذي قام به ثلة من علماء تونس المصلحين والمستنيرين من أمثال المرحوم الفاضل بن عاشور الذين ساهموا من موقعهم بأن أعادوا للاجتهاد دوره بعد أن مات وانقطع طيلة عصور الانحطاط، مما ساعد على أن يكون الحلم ممكنا· وبعد 7 نوفمبر 87 تصاعدت بعض الأصوات المنادية بالتراجع عما تحقق للمرأة التونسية من مكاسب الا أن الرئيس بن علي تمسك بها وطورها فأدرجت في نص الميثاق الوطني ثم ضمنت في نص الدستور صونا  لها من مخاطر التراجع  والانتكاس· اليوم، علينا التأكيد على ضرورة إشاعة الحرية وتوسيع مجال المشاركة وتعميق الحوار الوطني باعتبارها أقوم المسالك للحفاظ على المكاسب التحديثية وتطويرها في اتجاه تكريس المساواة التامة والكاملة والفعلية بين الرجل والمرأة وباعتبارها أيضا شروطا أساسية لجعل انخراط الشعب والشباب بالخصوص في التوجه التحديثي طوعيا ومبني على الاقتناع بعيدا عن كل أشكال الوصاية والإكراه”·  خمسون طالب  النائب عادل الشاوش برفع الحظر عن مسرحية “خمسون””  للفاضل الجعايبي وجليلة بكار معتبرا أن حرية الابداع هي حرية مطلقة هذا من حيث المبدإ واعتبارا كذلك لقيمة هذه المجموعة المسرحية “فاميليا” وريثة المسرح الجديد ودورها في تركيز مدرسة فنية متفردة يمكن نعتها وبدون مبالغة باحدى المعالم الهامة في الثقافة التونسية المعاصرة ونظر لما قدمته من إبداعات متميزة (مثل كمبوديا، عرب، جنون، فاميلا، خمسون) فرفعت بذلك من شأن الثقافة التونسية في الخارج وشرفتها، فقد عرضت مسرحية “خمسون” الممنوعة في تونس في مسرح “الأوديون” الباريسي· وفي هذا السياق أشار النائب عادل الشاوش لآخر تتويج للنوري بوزيد بالتانيت الذهبي في أيام قرطاج السينمائية للمرة الثانية وهو تتويج قلما  تحصل عليه مخرج آخر·  التعليم العالي كما أعاد النائب عادل الشاوش طوح قضية التمثيلية في الجامعة التونسية للسنة الثانية على التوالي، اذ توجه بالسؤال التالي للسيد وزير التعليم العاليم والبحث العلمي: كيف تفسرون وتبررون موقف الوزارة من الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي المتمثل في رفض الحوار معها، في الوقت الذي تعترف الحكومة بالاتحاد العام التونسي للشغل كطرف مفاوض في كل ما يهم مشاغل الشغالين وتجري معه المفاوضات وتعقد معه الاتفاقيات بما في ذلك تلك التي تتعلق بالجامعيين وترفض في الوقت ذاته وزارة من هذه الحكومة التفاوض مع نقابة في صلب هذا الاتحاد؟ وطالب بإيجاد صيغة دائمة للحوار مع  الجامعيين فيما يتعلق بالاصلاح الجاري والمسمى >امد< على غرار ما هو معمول به في جامعات الدول المتقدمة· ودعا الى وضع مقاييس موضوعية تعتمد عند تمتيع الجامعيين بالتمديد بعد سن التقاعد· ولاحظ أن العديد من الأساتذة المشهود لهم بالكفاءة لم يتمتعوا بهذا التمديد مما يدعو  للاعتقاد أن وراء هذا الاستثناء أسبابا تتعلق بأنشطتهم السياسية والنقابية· وأشار  كذلك الى ضرورة تدعيم الإطار التدريسي لاسيما في الجامعات الحديثة بالمدرسين من صنف >أ< والتخفيض من نسبة المدرسين الوقتيين والعرضيين خاصة أن الوزارة تضع في مقدمة شعاراتها تحسين جودة التكوين في التعليم العالي· كما تساءل عن سبب تغييب ممثلي الاتحاد العام التونسي للشغل والجامعيين من المرصد الوطني للبحث العلمي·
(المصدر: صحيفة الطريق الجديد عدد 55 – ديسمبر 2006)

 


 

 

كرة القدم:

تلاعب ومضاربات وسوق سوداء

فتحي الهمامي تعرضت جماهير النادي الصفاقسي والجمهور الرياضي عموما الى خيبة أمل عريضة بعد النتيجة السلبية للقاء نهائي كأس رابطة الابطال الافريقية وفشل ممثل بلادنا في هذه المسابقة في احراز اللقب القاري وتجسيم تطلعات أحباء فريق عاصمة الجنوب في الوصول الى التتويج··· وبعيدا عن التحاليل الفنية، نقول كانت  تلك أحكام الرياضة، منتصر ومهزوم، وما على مسيري ومدربي ولاعبي وأيضا أحباء النادي الصفاقسي الا النهوض من جديد وإعادة تنظيم الصفوف، وهذا ما يمكن تداركه نظرا لما يختزنه هذا الفريق العريق من تجربة وحنكة وثراء في الزاد البشري، اضافة لالتفاف جماهيري هام· ولكن ما يصعب تداركه أو تجاوز آثاره ما حدث قبل المقابلة لأحباء النادي الصفاقسي من قرصنة وتلاعب بتذاكر دخول الملعب، فقد استغل البعض حماس الأحباء واستعدادهم المطلق لمساندة ناديهم وحرصهم على حضور هذا الحدث  الرياضي الهام·· فانقض أصحاب >الأفاريات< على هذه المناسبة للاستفادة منها وشعارهم في ذلك >نغنم الأرباح في هذا الجو من الأفراح<، اذ انتصب هؤلاء وكلاء على بطاقات الدخول متحكمين في مصيرها بيعا وتوزيعا وثمنا·· لذا من الحيف ـ حقيقة ـ تناسي ما جرى خصوصا وقد تكرر الأمر في مقابلات رياضية سابقة ولم تتخذ بعد الاجراءات اللازمة ذات الطابع القانوني والتنظيمي·· ويذكرنا احتكار التذاكر بممارسات تشبهها تخص أنواعا معينة من المواد تٌشترى وتٌحبس انتظارا لغلائها وخاصة في ذروة طلبها والإقبال عليها· إنه شكل من أشكال الفساد المتربص والمستعد للانقضاض متى توفرت الظروف والمناسبات· هذا وقد واكبت كل وسائل الاعلام تقريبا اشكالية غياب تذاكر مقابلة النهائي منذ اليوم الأول لبيعها وأفردت مساحات هامة للموضوع بعدما بلغتها تشكيات وتذمرات الناس واعترفت بازدهار السوق السوداء التي ألهبت سعر التذكرة وتحدثت عن معاناة مشجعي النادي في سعيهم للحصول على مبتغاهم وتحقيق حلمهم في حضور  نهائي درة المتوسط·· ولكن ما يثير الاستغراب ردود الفعل والتدخل العاجل للسلط بكل مستوياتها من دوائرة المراقبة الاقتصادية الى سلطة القرار الرياضية والجهوية لملاحقة المفسدين!! فممارسة الاحتكار ثم الغش تمت في وضح النهار وذلك ببيع التذكرة بأضعاف ثمنها، زيادة على ممارسة البيع المشروط الذي يمنعه القانون، وذلك بإجبار المواطن على دفع معلوم النقل ذهاب وإيابا الى الملعب علاوة على قيمة بطاقة الدخول وهذا لفائدة محترفي اقتناص الفرص الذين كلفوا أنفسهم تنظيم التنقل الى الملعب، وقد ذهبت احدى وكالات الأسفار الى حد اشتراط قضاء ليلة بأحد نزل الحمامات بعد أن تحصلت على عدد من التذاكر أهلتها للمقايضة بها··· هكذا يكون التكسب و”الشطارة”·· ولاستجلاء الأمر من الناحية القانونية طلبنا استشارة من أحد المختصين حول الاجراءات القانونية الواجبة لمحاصرة الظاهرة في حينها فأجابنا: “انه حتى في صورة عدم تقديم بلاغ تظلم في الموضوع من طرف احد المواطنين يمكن للنيابة العمومية أو الضابطة العدلية أن تأذن بفتح  تحقيق بمجرد أن تناهى الى سمعها معلومات عن تصرف مخالف للقانون···” أما عن جمعية الدفاع عن المستهلك فلم نسمع لها صوتا ولم نر لها تحركا·· ألا يعتبر ذلك المواطن المسكين الراغب في شراء تذكرة مستهلكا يجب حمايته والذود عن مصالحهح من الأوساط “المافيوزية”؟· على كل كان لبعض المواطنين موقف هام يثلج الصدر برفضهم الخضوع للابتزاز ولو على حساب التعلق بفريقهم، فمن القرار الشخصي تبدأ مقاومة كل الظواهر السلبية والعبرة في انتباه كل الاطراف دولة ومجتمع مدني الى الظاهرة للتصدي لها قبل أن تستفحل وهذا في مصلحة الجميع·
(المصدر: صحيفة الطريق الجديد عدد 55 – ديسمبر 2006  

 


 

 

المؤتمر الرابع للديمقراطي التقدمي: رسالة أمل للتونسيات و التونسيين

عبد المجيد المسلمي

 

ينعقد في نهاية هذا الأسبوع المؤتمر الرابع للحزب الديمقراطي التقدمي في ظروف تتسم بالانغلاق الشديد على المستوى السياسي وبتدهور الظروف الاجتماعية للطبقات الشعبية و بالصعوبات الكبيرة التي يواجهها الإقتصاد الوطني إضافة إلى التوترات التي يشهدها الوضع الإقليمي و الدولي.

 

و سيكون من أهداف مؤتمر الحزب الديمقراطي التقدمي أن يوجه رسالة أمل إلى التونسيين والتونسيات مفادها أن التغيير ممكن و أن تونس الديمقراطية و الحرية ممكنة و أن الانغلاق و الاستبداد ليس قدرا محتوما على بلادنا و أن شعبنا أصبح ليس منذ الآن و إنما منذ سنوات عديدة جدير بحياة ديمقراطية حقيقية على غرار شعوب أخرى عربية و غير عربية لا تفوقنا في شيء. و أنه من حق شعبنا الذي بلغ مستويات متقدمة في التعليم و من تحرير المرأة و من التطور الاقتصادي…و كان في محيطه العربي و الإفريقي سباقا لتأسيس جمعيات و منظمات عريقة مثل الإتحاد العام التونسي للشغل و الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان..من حقه أن تكون له وسائل إعلام حرة و جمعيات أهلية و أحزاب مستقلة و من حقه انتخاب من يحكمه في ظروف شفافة و ديمقراطية تنهي احتكار الحزب الحاكم لكل السلطات و التي تجاوزت نصف قرن و تكرس التداول السلمي على الحكم.

 

و سيكون المؤتمر أيضا فرصة لتشخيص الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها بلادنا و بصورة خاصة تراجع الاستثمار الداخلي و الخارجي و انعكاساته على النمو بصورة عامة و التشغيل بصورة خاصة نتيجة تراجع مناخ الاستثمار و الصعوبات التي يجدها المستثمرون التونسيون نظرا لتدني البنية التحتية و غياب التوازن الجهوي و أوضاع النظام البنكي و البيروقراطية الإدارية و واقع الجباية و الصعوبات التي تعيشها قطاعات اقتصادية أساسية مثل الفلاحة و النسيج و السياحة. وإن هذه الأوضاع تتطلب إصلاحات جوهرية و جريئة حتى ينطلق اقتصادنا و يتعزز من جديد. فشعبنا الذي عرف بكده و نشاطه عبر تاريخه العريق و الطويل و بناء على المكتسبات التي راكمها عبر السنوات الماضية يمتلك كل المقومات البشرية و المادية حتى يتجاوز الصعوبات الحالية و يندفع نحو النمو من جديد ليتبوأ المكانة التي تليق به لا فقط ضمن البلدان الصاعدة على غرار بلدان جنوب شرق اسيا و إنما أيضا ضمن البلدان المتقدمة على غرار بلدان جنوب أوروبا.

 

و من المنتظر أن يتناول المؤتمر أيضا تدهور الأوضاع الاجتماعية للشغالين و لعموم الطبقات الشعبية التي لم تنل نصيبها كاملا من ثمار النمو و التي أصبحت تعاني من النزيف المتواصل للقدرة الشرائية و من تدهور مستوى المعيشة و تدني الخدمات الاجتماعية مثل الصحة و التعليم و النقل….و تردي الخدمات البلدية و الأوضاع البيئية إضافة إلى استشراء البطالة و تفاقم ظاهرة غلق المؤسسات وتسريح العمال و ظاهرة التشغيل الهش و انتشار العديد من مظاهر الفقر و التهميش. و هي أوضاع سيكون على المؤتمر صياغة خطط و برامج لمواجهتها. ذلك أن الإرث و التقاليد الاجتماعية العريقة في بلادنا و التي مثل الإتحاد العام التونسي للشغل إحدى ركائزها الأساسية تبوأ بلادنا لأن تكون قريبة في نمط تنميتها و نموها من أرقى البلدان التي حافظت على توازنات اجتماعية قوية و على تضامن اجتماعي متين و حافظت على خدمات اجتماعية أساسية مثل الصحة و التعليم و لم تنسق إلى تيارات الليبرالية المتشددة التي تكرس الحيف الإجتماعي و التفاوت الطبقي الفاحش.

 

إن أوضاع بلادنا اليوم لا تحتاج إلى مجرد اقتراحات أو نداءات لتحسين الأداء و إدارة الشؤون العامة. إنها تحتاج إلى إصلاحات جوهرية و جذرية في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية تقطع مع الانغلاق الاستبداد السياسي و تؤسس لحوار وطني حر و ديمقراطي حول الخيارات التنموية و الاقتصادية و الاجتماعية لبلادنا.. و إن جميع فئات الشعب التونسي من شباب و نساء و شغالين و أربا ب عمل و صناعيين و حرفيين وعاطلين…معنيون جميعا بالنضال من أجل تحقيق تلك الإصلاحات لأنها أصبحت ضرورة حيوية لبلادنا حتى تنطلق على سكة الديمقراطية و التقدم و العدالة الاجتماعية.

و إذا كان الحزب الديمقراطي التقدمي يطرح على نفسه أن يكون في طليعة القوى المناضلة من أجل الإصلاح فإن تكاتف جميع القوى الخيرة من كل الأحزاب و التيارات و الجمعيات و الشخصيات الوطنية… و توحدها في كتلة تاريخية صماء و موحدة و مصممة من أجل الإصلاح السياسي و الإجتماعي و الاقتصادي هو الكفيل وحده بتحقيق النجاح في هذه المهمة التاريخية التي أصبحت مصيرية لشعبنا و وطننا حتى تنفتح أبواب الأمل مجدا أمام التونسيات و التونسيين.

 

(المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 20 ديسمبر 2006)

 


 

من أجل تعميق الخيار التقدمي للحزب الديمقراطي

عمر الماجري

 

مع انطلاق التحضيرات لمؤتمر الحزب الديمقراطي التقدمي، أعيد طرح مجموعة من المسائل الفكرية والسياسية المتعلقة بتوجهاته البرامجية وخياراته الفكرية . وشكل موضوع هوية الحزب أبرزها إلى درجة أصبحت تطرح مسألة”تقدمية الحزب” للنقاش وذلك نتيجة للمراجعات الفكرية الهامة والعميقة لخيارات الحزب خصوصا الاجتماعية منها وتأثير تلك الخيارات على باقي التوجهات النظرية والسياسية .

 

إن الخيار التقدمي الذي أقرّه المؤتمر التأسيسي عام 2001، حدّد الاتجاه العام للحزب باعتباره حزبا يؤكد على الخيار الديمقراطي بشكل يجعل الشعب مصدر الشرعية ، وعلى الخيار الاجتماعي بالدفاع عن مصالح الفئات والطبقات الشعبية في اطار نظام اقتصادي يشجع المبآدرة الخاصة ويضمن توزيع ثمرة الإنتاج بشكل عادل على الأطراف المشاركة في العملية الإنتاجية ، كما يضمن تطوير القطاع العام.

 

إن الخيار التقدمي هو خيار أيديولوجي بامتياز راهن عليه الحزب منذ تأسيسه وهوالقاسم المشترك بين مكوّناته ذات الخلفيات الفكرية والايديولوجية المتعددة . “فالتقدمية” هى الأرضية الفكرية المشتركة التي توحد نظرة تلك المكوّنات إلى مختلف المسائل، وتنحت شخصية هذا الحزب الذي مايزال الرهان على تطويره وتصليبه قائما ويواجه بمجموعة من العقبات والعراقيل بعضها فكري والآخر سياسي.

 

و أهم التحديات التي تواجه حزبنا هي تأصيل مسألتين تشكلان ركيزتي لتقاء القيادات المتعدّدة داخل الحزب. هما مسألة الديمقراطية السياسية والمسألة الاجتماعية. إذ هل يعني اختيارنا للتحرّرية السياسية حتما اختيار التحرّرية الاقتصادية ورديفها “اقتصاد السوق “؟

 

يرى الأمين العام في كتاباته تلازما بين الخيارين بينما نرى في مقال الأخ رياض البرهومي حسما في تبني الديمقراطية السياسية وتخوفا بل ورفضا لتوءمها الليبرالي لاقتصادي. والرأيان يعبران في اعتقادنا عن قلق فكري داخل الحزب وعدم وضوح رؤيا في تأصيل مسألة الديمقراطية السياسية في برنامج حزبنا، والخلل الأساسي ناتج عن ذلك الربط بين الحرية السياسية والليبرالية. وهو وليد رواسب ايديولوجية سابقة مازالت ترى تناقضا دائما بين الإسلام ، والقومية والماركسية من جهة والديمقراطية السياسية من جهة ثانية. وهو ما أنتج لدينا أفكارا ملفّقة تتبنى مسألة لديمقراطية السياسية بدون بذل الجهد الكافي لتأصيلها في أي مشروع فكري.

 

وفي رأينا أن أفكار الديمقراطية السياسية أو التحرّرية السياسية تطورت وانتشرت نتيجة تحولات اجتماعية أولا وفكرية ثانيا، أحدثتها الثورات التحرّرية الوطنية ومعاداة الاستعمار، بل إن الثورات الديمقراطية المنتشرة في انحاء العالم تقوم اليوم في وقت بدأت الديمقراطيات الليبرالية تتحول إلى قلاع من العنصرية والسجون السرية والتعذيب وقوانين الإرهاب … الخ.

 

إن استمرار النظر إلى التحرّرية السياسية كرديف لليبرالية هو الذي سيمنعها من التأصل في فكرنا السياسي. فلكي نكون ديمقراطيين علينا أن نطرح القضايا الحقيقية لشعوبنا ونتبناها لنخلق من تلك الفئات والطبقات الاجتماعية حاملا ورائها لقيم الديمقراطية.

 

فمسألة اقتصاد السوق مفهوم فلسفي متكامل ينظر الى الإنسان كجزء من سلع السوق. وإذا كانت شعوب الحزب تسلحت بتجارب نضالية تجعلها قادرة على مواجهة استحقاقاته فإننا بتبني اقتصاد السوق سنخسر كل مكتسبات نضال شعوبنا.

 

إن تونس التي يجب أن نطمح لإعادة بنائها هي تونس مشروع الاستقلال الوطني القائم على أركان حقوق ثلاثة : التعليم والصحة والشغل ، واقتصاد السوق يتنافى مع هذه المبادئ.

 

(المصدر: صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 385 بتاريخ 15 ديسمبر 2006)


 

 

ليست لبرلماننا أي سلطة على الحكومة

منذر الشارني

 

حسب الأعراف الديمقراطية تكون السلطة التنفيذية موزعة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة . وفي النظام البرلماني يكون رئيس الوزراء عادة من كتل الأغلبية النيابية الفائزة في الانتخابات وهو من يتولى تقديم حكومته وبرنامجه الحكومي إلى البرلمان للحصول على ثقته ثم ينطلق في عمله تحت الاشراف الرمزي للرئيس ولكن تحت رقابة البرلمان . وبالرجوع إلى مواد الدستورالتونسي، يفهم من المادة 37 أن الرئيس وحده يمارس السلطةالتنفيذية ودورالحكومة هو مساعدته على ذلك لا أكثرولا أقل ، وهوما ينفي أي إزدواجية داخل هذه السلطة ، إذ يتولى الرئيس اختيار الوزيرالأول ، دون أن يكون ملزما باختياره من ضمن الكتلة النيابية صاحبة الأغلبية.

 

بل قد يختاره ولوكان من حزب تحصل على اقلية مقاعد المجلس. وهومن يعين بقية الوزراء باقتراح غيرملزم من الوزير الأول وقبل سنة 1969 كان الوزراء في الحكومة يلقبون “بكتآب الدولة ” تأثرا بالنظام السياسي الرئاسي الأمريكي وذلك قبل أن يحدث الرئيس بورقيبة منصب الوزير الأول في السنة المذكورة بسبب وضعه الصحي وربما لحاجة العمل الحكومي إلى المنصب المذكور.

 

ويتولى الوزير الأول مهمة تنسيق أعمال الحكومة وهو ليس رئيسا للوزراء ولا يرأس مجلس الوزراء، إلآ إذا أنابه الرئيس لذلك.

 

وليس للوزير الأول سياسة مستقلة أو برنامج حكومي خاص ليعرضه على مجلس النواب للحصول على ثقته بل هو يعرض سياسة الرئيس ويدافع عنها ويجيب عن أسئلة النواب أو يتولى الوزيرالمعني ذلك بنفسه.

 

وطبقا لمبدإ توازي الشكليات فإن الرئيس هو الذي ينهي مهام كامل الفريق الحكومي دفعة واحدة أو أي عضو منها لأي سبب من الأسباب ، وحتى بدون أي سبب ويمكن أن يكون هذا العزل باقتراح من الوزير الأول إذا ما رأى أن أحد الوزراء لا يقوم بعمله كما يرتضيه.

 

والرئيس غير مقيد باقتراح عزل الوزير أو الوزراء الصادر عن الوزير الأول. ولا شيء يمنع الوزير الأول أو أحد الوزراء من تقديم إستقالته للرئيس إذا أصبح غير راغب في مواصلة العمل ضمن الفريق الحكومي.

 

وفي غياب منصب نائب الرئيس ، وحسب المادة 56 من الدستور فإن للرئيس أن يفوض سلطاته إلى الوزير الأول بآمر يصدر عنه وهو تفويض مؤقت في الزمن إلى حين زوال حالة التعذر مثل المرض أوغيره من الحالات. ويبقى تقدير حالة “التعذر” من مشمولات الرئيس دون سواه .

 

سلطات الحكومة ومسؤولياتها

طالما أن الحكومة في بلادنا غيرمنبثقة عن البرلمان ، بل معنية من الرئيس ،اذ يمكن القول بأنه ليس لها سياسة خاصة بها لنقول بأنها “سياسة الحكومة”، فالمادة 58 من الدستور تنص على أن الحكومة تسمرعلى تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجيهات والاختيارات التى يضبطها الرئيس. ومن هذه المادة يستنتج أن السياسة العامة المطبقة في البلاد هي سياسة الرئيس سواء في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أوالسياسية أو العلاقات الخارجية …

و دور الحكومة هو السهر على تنفيذ هذه التوجهات ووضعها موضع التطبيق. وتبعا لذلك فالحكومة مسؤولة عن تصرفها أمام الرئيس بخصوص تنفيذ سياسته ، وهو من يملك محاسبتها إن أخطأت أو أصابت وطبقا للقواعد الكلاسيكية للنظام الرئاسي فإن البرلمان لا يحق له أن يوجه للحكومة أي أسئلة أو استجوابات طالما أنها مجرد أداة للتنفيذ، وأن أي فشل سياسي يلحق بالرئيس وليس بالحكومة. ففي الولايات المتحدة يحاسب الرئيس على اي إخفاق في السياسة الداخلية أو الخارجية يحآسب عليه الرئيس وهو المعني بشرح توجهاته ومدى صوابها أو خطئها أمام الكنغرس ، مع ان هذا الدفاع سياسي محض لاتترتب عنه أي آثار دستورية أو قانونية . إلاّ أن الدستور التونسي، بعد العديد من التعديلات التي أدخلت عليه ،أختار أن يحمل الحكومة مسؤولية توجهات لم ترسمها، إذ أنه طبق المادة 55 من الدستور فالأوامر الترتيبية (التي لها قيمة القانون ) لابد أن يؤشر عليها بالإمضاء كل من الوزير الأول والوزير المعني حتى يكونا مسؤولين عن تنفيذها وتحمل المسؤولية الناجمة عن ذلك التنفيذ. اما بالنسبة للمؤسسة التشريعية فإن البرلمان لا يوجه أسئلة كتابية أو شفاهية للرئيس بل يقدمها للحكومة لتجيب عنها، ويمكن للبلرمان أن يقدم لائحة لوم ضد الحكومة ، ليس في حالة إخفاقها أو فشلها في أداء مهامها، ولكن في حالة مخآلفتها السياسية العامة للدولة والاختيارات الأساسية التي ضبطها الرئيس .

وبذلك غدا البرلمان رقيبا على مدى وفاء الحكومة لسياسة الرئيس. وفي هذه الحالة يقبل الرئيس استقالة الحكومة إذا صادق البرلمان على لائحة اللوم بالأغلبية المطلقة . وعند المصادقة على لائحة لوم ثانية أثناء نفس المدة النيابية فإن بإمكان الرئيس أن يقيل الحكومة أو يحل البرلمان . وفي هذه الحالة الثانية فإن البرلمان يتسبب في “قتل نفسه” وفاء لسياسة الرئيس .

إذ أن الإصرار على الإطاحة بالحكومة ، لعدم تنفيذها سياسة الرئيس ، قد يعصف بالبرلمان فيتم حله.

وهكذا نلاحفذ أن السلطة التنفيذية في تونس مجسمة في مؤسسة الرئاسة ، أما الحكومة فإن دورها تنفيذي لا أكثر ولا أقل . وهذا الوضع الدستوري هو الذي يفسر ضعف الأ داء الحكومي مقابل تضخم الأجهزة الإدارية للرئاسة حتى أصبحت المشاريع الحكومية تسمّى “بالمشاريع الرئاسية”. وأصبحت كل السياسات ترسم من طرف الرئاسة مما ألغى – أو يكاد- كل مبادرة من جانب الحكومة.

ولم تعد الوزارة مؤسسة سياسية بل أصبحت مجمعا من الأجهزة الإدارية المركزية والجهوية كما لم تعد مصدرا للمبادرة والاقتراح بقدر ما صارت أجهزتها أدوات تنفيذ تقني.

إن هذا الوضع يلغي مبررات وجود حكومة طالما أنها غير منتخبة وليس لها برنامج مستقل أو رئيس وزراء ذي نفوذ دستوري وليست مسؤولة أمام البرلمان عن برنامجها. وكون السلطة التنفيذية برأس واحد هو ما يكرّس الحكم الفردي ويلغي حكم المؤسسات.

 

(المصدر: صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 385 بتاريخ 15 ديسمبر 2006)


 

 

الخطأ … الحضاري!

محمد الصالح فليس

 

من يعرف منطقة “الرحبة” في قلب المفترق المؤدي الى جانب تاريخي هام من أنحاء المدينة العتيقة القديمة يضمّ القصيبة وحي الأندلس والحدّادين وباب الخوخة والمنزه … لا يمكن أن يفارق ذاكرته انتصاب التوتة التي حمل المقهى المجانب لها اسمها واستمدّ رمزيته ومواظبة الناس عليه من أهمية هذه التوتة .

وهي شجرة يقدر عمرها بمائة وخمسة وثلاثين عاما تزيد أوتنقص قليلا، إحتلّت كامل هذه الردهة الزمانية مكانها وضربت عروقها بعيدا في ذاكرة أجيال عديدة من سكان المدينة وزوارها ومحبيها، ورمت أغصانها في شموخ و اباء.

و بمناسبة إنجاز أشغال اعادة تبليط أرضية الرحبة هذه الأيام تعرضت هذه لشجرة الرمز إلى اعتداء حضاري، تاريخي عنيف أدى إلى اجتثاث الشجرة لأسطورة ! لماذا حصل ما حصل ؟… ومن يملك الجرأة الحضارية والتاريخية لتحمل أبعاد مسؤولية هذا الاجتثاث ؟

لا أحد بالطبع ، وكما هو الحال كلما جرّت اللامبالات الى ارتكاب شتى صيغ لاعتداءات! قالوا أن سائق الجرافة لامس على وجه الخطأ جوانب من عروق التوتة فوجد نفسه مجبرا على الاجهاز عيها جملة وتفصيلا! نقرل … ولأم سيسي خرافات لم تعد تخدر…

ففي كل مرة تتسببون في مكاريه حضارية تحسبونها على الصدفة والخطأ وتحمّلونها لغيركم من البسطاء! والواقع أننا نحمّلكم ، أنتم يا من تدعون في شعاراتكم أنكم وأنكم … كامل المسؤولية حاضرا ومستقبلا، لأنكم تتصورون المشاريع بصفة انفرادية وعجولة وتلزمون أموال دافعي الضرائب ثم تسندونها لمقاولين كل همهم إنهاء الأشغال في أقرب الآجال والتضحية بعناصرعلى غاية من الرفعة من أجل ربح لحظة وقت ووراءها حفنة أموال بدون رقابة ولا متابعة ولا حرص يذكر.

إن التوتة ، وهي ملقاة ضمن الأتربة المعدة للزبالة ، أثارت مشاعر سخط واشمئزاز المواطنين من درجة الهبوط الحضاري عند أولئ ك وهؤلاء على حدود سواء، ولو كانت في بلادنا مؤسسات سمعية بصرية تسمع وترى وتتحلى بحد ضئيل من الجرأة والشجاعة وتحترم نفسها وقضايا البلاد ومواطنيها لقامت الدنيا من أجل توتة تمثل ، مثل غيرها من العناصر التي أغتالتها الكانيبالية ، جزء من ذاكرة البلاد وعلامة من علامات حياتها وتاريخها.

وبهذا المعنى فليس من حق الوعي العدمي والفكر الهابط أن يغتال للبلاد رموزها ومكونات تاريخها وجوهر ذاكرتها.

لأنه كلما فعل ذلك فإن البلاد كلها هي المستهدفة وشعبها هو المقصود مادامت البلدان برموزها وتخيلاتها والشعوب بذاكرتها.

وسيظل المخطئون ، عمدا أو قصورا، دائما خارج دائرة التاريخ والفعل المؤسس … انهم عابروا سبيل لا أكثرولا أقل …

بعد أن تجمّعت حشود من الأحياء المجاورة في حركة احتجاج صارمة ، لم تخلو منها آلرحبة خلال ساعات يوم لثلاثاء 22 نوفمبر الفارط ، وصور الشباب مكان التوتة ، وصوروها وهي جثة هامدة ووثّقوا الاعتداء، وندّدوا بمعاينة حدث اقتلاع التوتة التي أثثت فضاء الرحبة لمدة تجاوزت القرن بكثير، انطلق شباب حي القصبة في حركة تلقائية محضرين توتة صغيرة السنّ وقاموا بزرعها رغم تواصل الأشغال ، دون استشارة أي كان ولا إعلام جهة ما.

وفي ذلك وعي مواطني رفيع رافض لاجتثاث المؤسسات والمرجعيات الحيّة للذاكرة الجماعية لهذه الأحياء و لهذه المدينة ولو كانت المؤسسات جميعها تحترم التزاماتها السياسية تجاه المواطنين ، وتجاه ناخبيها بالتحديد، ولو كان للشعارات الفضفاضة التي ملؤوا بها الشوارع أي مصداقية لتبرأت من نية الاعتداد على التوتة بما هي رمز، وجزء من الذاكرة ، ولا أصدرت بلاغا- وذلك أضعف الإيمان – تندّد فيه بعملية الاقتلاع وتعتذر للمواطنين وللمدينة .

 

ولكنها الرداءة ، والغياب الباهت ، وفقدان الروح والوعي بمكونات الزمان والمكان … ولكنها الوظائفية وحضارة التعليمات تفعل بأصحابها ما يفعل … الذي ننر حياته على فتات الأوامر وشحن ذاته بنبذ المبادرة وركّز السجن بمعانيه فير أسه وكيانه … أليس أفضل ما يفعله الذي لا يعرف أن يبحث عن أفضل الفضاءات للتعلّم؟

 

(المصدر: صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 385 بتاريخ 15 ديسمبر 2006)


 

 

إصلاح التعليم جزء من الإصلاح السياسي والثقافي

فتحي الرحماني، أستاذ تعليم ثانوي

 

رصد ابن خلدون في مقدمته ازدهار العموان وخراب الدول والحضارات من خلال تطورالتعليم أو انقطاعه معتبرا “أن العلوم إنما تكثرحيث يكثرالعموان وتعظم الحضارة” لأن التعليم عنده هو”صناعة الصنائع”، فكأن التعليم من مؤشوات النمو والتطور. ولذلك فإن المتصدي لهذا الملك ينبغي أن يدرك أن أي مشروع تربوي أو تعليمي لا يستهدف الإجابة عن الأسئلة التربوية فحسب أي: لماذا نربي؟ وأي مدرسة نريد؟ ولكنه يستهدف بالتوازي مع ذلك الإجابة عن سؤال: أي مجتمع نريد؟ لأن الخطاب التربوي – كما يقول بورديو-أخطر من الخطاب السياسي، فالتدريس والتعليم يروضان الإنسآن وفق ما يسمى بالأهداف والغايات.

وبعيدا عن منطق التحامل أو الإطراء فإن نظامنا التربوي والتعليمي في تونس يعاني أزمات حادّة تكشّفت من خلال توالي مشاريع الاصلاح التي رافقته منذ بداية الاستقلال (إصلاحات 1958) والملاحظ أنها اختلفت في صياغة غاياتها انسجاما مع الظرفية التاريخية والشروط الايديولوجية ، لكن الواضح أن هذه المشاريع لم تترجم حتى الآن تطلعات المجتمع ولم تحقق له التوازن والنمو المرجو، بل إنها لم تلبّ حتى طموحات شريحة اجتماعية واسعة من المدرسين الذين ما فتئوا ينتفضون ويحتجون في كل مرة عبر اضراباتهم المتكرّرة ومعارضتهم للبرامج والمناهج والتنظيم التربوي التي تضمنتها اللوائح والبيانات الصادرة عن نقاباتهم المهنية ، والسبب في ذلك شعورهم الحاد بالاقصاء والاستبعاد، إذ أن هذه المشاريع قد صيغت بمعزل عنهم وحوّلتهم الى مجرد أدوات تنفيذ وجردتهم من سلطتهم ومكانتهم ، وظلّوا يفتقرون الى الأمن المادي والنفسي والاجتماعي. بل إن هذه المشاريع قد حولت المدارس الى “مختبرات”، وأجيالا من التلاميذ الى “فئران تجارب”.

ومع ذلك فإن الخطاب الرسمي في تشخيصه لأزمة النظام التربوي يتميز بالتبسيط والاختزال اذ لا يرى فيها إلأ مجرّد “اختلالات وظيفية” أو “ثعثرات في المسار” تساهم في إنتاجها واستفحالها أسباب مادية “تقنية” من قبيل مشكلة التمويل ونقص الأطر وهشاشة البنيات التحتية الضرورية ومحدودية التجهيزات وهو تشخيص للأزمة يحولها من أزمة اجتماعية شاملة متعدّدة الأبعاد والدلالات والعوامل الى “عطب تقني” بالغ التبسيط.

في حين ان نظامنا التربوي والتعليمي في مساره منذ الاستقلال حتى اليوم قد عرف ثلاثة منعرجات أو مفاصل كبرى هي:

– مرحلة تمرير إيديولوجيا الدولة والتحديث القسري للمجتمع .

–  مرحلة تجفيف المنابع.

 – مرحلة الارتهان لأجندات خارجية.

 

 

1) مشروع التحديث القسري وفرض إيديولوجيا الدولة :

تنزّلت هذه المرحلة المعروفة بإصلاحات 1958 في إطار الصراع البورقيبي-اليوسفي من جهة والبورقيبي-الزيتوني من جهة ثانية وقد ارتكزت على موقف بورقيبة من المجتمع التونسي إذ اعتبره “غبارا من البشر” وطرح على نفسه إعادة تشكيله وبنائه معتمدا في ذلك على التعليم الذي صاغه وفق رؤيته العلمانية ونظرته القطرية التي قدمت تونس على أنها أمّة قائمة بذاتها، فكان التركيز على مفاهيم قطرية شديدة الخطورة من قبيل “الوحدة القومية الصمآء” و”الشخصية التونسية” وهي المفاهيم التي ساهمت في انبتات أجيال من التونسيين عن انتمائهم الحقيقي، خاصة وأن حكومة ما بعد الاستقلال قد عهدت اصلاح التعليم الى الفرنسي “جون دوبياس” الذي بشّر فيما صاغه من برامج بهذه الهوية الجديدة لتونس “ذات الموقع المتوسط بين الغرب والشرق” والتي “لديها ميل إلى ازدواجية اللغة”، كما أوصى باجتثاث المؤسسات التعليمية التقليدية مثل الكتاتيب والزيتونة ، وبذلك كانت تلك الإصلاحات استئنافا لمشروع استعماري ثقافي هدفه فك الإرتباط بين تونس ومحيطها العربي والإسلامي، وتعميم آفكار الدولة ليسهل عليها بسط نفوذها وهو المعني الذي عبر عنه آحد رموز النظام البورقيبي آنذاك بقوله : “بعد عشرين سنة من آلاستقلال نجد شبابنا متمتعا بنفس التكوين وبنفس الإيديولوجيا… فوحدة التعليم تعني وحدة الأرضية وليس هناك خطر في اختلاف وجهات النظر بعد ذلك لأن المقاييس والقوالب الذهنية والمنهجية هي نفسها”. إنّه إصلاح يتعّد سياسة إفراغ الشعب وملئه : إفراغه من هويته وقيمه وأطره الأصيلة ، وملئه بإيديولوجيا تحديثية فرنكفونية لم تخلّف إلا استلابا حضاريا وتمزقا في الشخصية والهوية وتداخلا في القيم والمثل.

 

2) مشروع تجفيف المنابع :

تعتبر إصلاحات التسعينات المنعرج الثاني في مسار التعليم في تونس وقد تنزّلت في سياق صراع حادّ بين الدولة والظاهرة الإسلامية ، فجاء إصلاح التعليم. وتحديدا البرامج – لتستكمل المعالجة الأمنية لهذا الملف من خلال ما سمي “بتجفيف المنابع” فبإسم العقلانية ومحاربة التطرّف تحول ذلك الصراع السياسي الى حملة شعواء ضد هوية الناس ودينهم ، وتغوّلت الدولة ومارست مزيدا من العنف المادي والرمزي على المجتمع ترافق مع أجواد القمع والإقصاء والتهميش مما ضاعف مشاعر الاحتقان وفاقم من أزمة التعليم من خلال تنامي ظواهر العنف في الوسط المدرسى لغياب الوازع أومن خلال ارتفاع مؤشر الفشل المدرسي، وقد أفرزت تلك الحقبة ظاهرة أخرى زادت من أعباء المجموعة الوطنية وقصمت ظهرها وهي تفشي البطالة في أوساط خريجي التعليم العالي.

 

3) مرحلة الارتهان :

أدى توقيع بعض الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية مع أطراف خارجية (مثل اتفاق الشراكة مع أوروبا – معاهدة برشلونة ..) إلى اطلاق مشروع إصلاح تربوي جديد صدر في كتابين بعنوان “مدرسة الغد” و”القانون التوجيهي” يرفعان شعار (بيدواغوجيا النجاح ) ويستبطنان استيراد تجارب لا تتلاءم مع إمكانياتنا ولامع حاجات مجتمعنا، بل إنها مهّدت للتفويت في ما تبقى من مكاسب “مدرسة الأمس” مثل المجانية والعمومية والكفاءة وغيرها… إنّ هذه الإصلاحات المتوالية لم تؤد الى تبيئة قيم الحداثة بل أنتجت مجتمعا مشوّها تنامت فيه ثقافة اجتماعية تستعظم قيم المال والوجاهة الاجتماعية والسلطة وجاذبية المنصب ، وتعتمد آليات غير عقلانية منافية لقيم الحداثة والديمقراطية مثل الرشوة والمحسوبية وعلاقات القرابة والولاءات المخلفة .

والملاحظ في كلّ هذه المشاريع استئثار الدولة والنخب الدائرة في فلكها بملف التعليم حفاظا على مواقعها ومصالحها، وتعمّدها سياسة الاحتكار والمصادرة وتزييف الوعي والتعتيم والتستّر.

كما ان الخطاب التربوي قد تحول إلى وسيلة لتمرير توجهات النسق السائد قطريا أو دوليا والى أداة لبسط نفوذ الدولة و اخضاع المجتمع.

ولم يكن المنهج التعليمي نابعا من دراسات ميدانية وبحوث تطبيقية فهو لذلك يفتقر إلى تصور فلسفي للتربية بمعطياتها الأخلاقية والسياسية الأمر الذي جعل كل مشاريع الإصلاح تتميز بسوء تقدير السلوك المستهدف أو صياغته وفق غايات نخبوية ضيقة.

إن مشاريع الاصلاح التي طرحت عل نفسها إخراج المجتمع من مأزقه وأزمته انتهت الى حلقة مفرغة، فعوض تنمية المجتمع نمت الأزمة ، فتاريخ التربية والتعليم في تونس هو تاريخ الأزمة : أزمة نخب التحديث وأزمة دولة ما بعد الاستعمار.

إن التربية والتعليم يجب أن ينطلقا من الحاجات الفعلية للمجتمع ويجب أن يكونا جزءا من إصلاح سياسي يستهدف تحريرالإرادة المكبلة واطلاق الحريات الفردية والعامة ، بل جزءا من إصلاح ثقافي يعيد الاعتبار لهوية الناس ويتصالح مع قيمهم ويستجيب لحاجاتهم في الأمن المادي والنفسي والاجتماعي ويربطهم بمحيطهم العربي والاسلامي دون تقوقع أو انغلاق ولكن دون تفسخ وارتهان أيضا، لأن هدفنا اليوم ليس القضاء على أمية القراءة والكتابة فحسب ولكن القضاء أيضا على الأمية الثقافية ، كما أن غايتنا ليس أن نقول “ل” بلغتهم ولكن نريد أن نقو لها و بلغتنا.

 

(المصدر: صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 385 بتاريخ 15 ديسمبر 2006)

 

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تَذكِرة و تَبصِرة لحجاج بيت الله الحرام

الكاتب : خالد إبراهيم العمراوي

الحمد لله القائل في كنابه العزيز ] وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ[  [الحج : 22/7 ].  والصلاة والسلام على النبي الكريم الذي جاء على لسانه الشريف قوله ”  مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنِ الْحَجِّ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا “.

 

أما بعد أيها الأخوة المستمعون, ها نحن في هذه الأيام المباركة، من الأشهر الحرم. نعيش حالة تأهب واستنفار لحشود غفيرة من المؤمنين، تذكرنا بالاستنفار للجهاد في سبيل الله. غير أن هذه الحشود الغفيرة هي حشود الحجيج وليست حشود المجاهدين، وهي تستعد لمغادرة أوطانها لأداء فريضة الحج, وليس للجهاد والقتال في سبيل الله. وهم الآن في طريقهم إلى بيت الله الحرام، وليس إلى ساحات القتال. وبعد أيام معدودات سيعودون إلى ديارهم وأهليهم بعد فراغهم من أداء هذه الشعيرة العظيمة. ونحن إذ نرجو الله العلي القدير أن يتقبل من الجميع هذه النسك، نود أن نرسل رسالة إلى كل الحجيج، نستهدف بها لفت أنظارهم، ونشد بها أذهانهم إلى محطات غاية في الأهمية في موسم الحج, قد يمرون بها دون أن تسترعي انتباههم.

 

وأول هذه المحطات، محطة الاستعداد والنفير لشد الرحال إلى بيت الله الحرام. فعلى الحجيج وهم في خضم هذا الاستنفار والاستعداد أن يستحضروا أحوالهم، ويربطوا حاضرهم بماضيهم. ليروا كيف كانت نفسيات سلفهم الصالح وهم يتأهبون لأداء هذه الشعيرة, وكيف أصبحت نفسيات خلفهم. إذ الملاحظ على المسلمين أنهم فقدوا الكثير من معاني هذا المنسك العظيم، وأفرغوه من أبعاده العقدية والفكرية والسياسية، ليحولوه عن مساره الصحيح، فينقلب إلى مجرد طقوس وترانيم واهية. وهذه الحالة لا أظنها تخفى على من يتابع ويراقب أحوال المسلمين. إذ أنكم لترون كيف صارت الفرائض تعلل بعلل باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، حتى عادت في قاموس المعللين مجرد منافع بدنية ومصالح دنيوية. فتساوت الصلاة عندهم  بالرياضة, والوضوء بالنظافة, والصيام بالحِمية، والحج بالسياحة والتجارة. ولهذا فإننا نتساءل بأية عقلية سينطلق هؤلاء الحجيج إلى بيت الله الحرام، وبأية نفسية سيعودون. فهل يا ترى سيرجعون إلينا بمشاعر فياضة، وبهمة عالية، وروح ملتهبة، وقلوب محترقة، على حال المسلمين وما آلت إليه أوضاعهم؟ أم يا ترى سيعودون إلينا بمتاع الدنيا وزخرفها, من ذهب وعطور، وحرير وبخور؟ . 

 

أما المحطة الثانية في هذا الموسم, فإن على الحجيج أن يقارنوا زمانهم هذا بزمان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ , والخلفاء من بعده . فالرسول – عليه الصلاة والسلام- وبالتحديد في موسم الحج , كان يتفقد أحوال المسلمين, ويرعى شؤونهم ويعلمهم مناسكهم ويصلي بهم ويتضرع إلى الله ويدعوا لهم. ثم جاء من بعده الخلفاء فساروا على نهجه وهديه وقاموا بعمله, ولم يهملوا الرعية في هذا الموسم العظيم. ومن هؤلاء الخلفاء العظام نذكر الخليفة العباسي هارون الرشيد, رحمه الله ورضي عنه، إذ اشتهر عنه أنه كان يحج بالمسلمين عاما ويغزو بهم عاما. ومن اللطائف المعروفة عنه أنه كانت له قلنسوة مكتوب عليها – حاج * غازي – فكان في السنة التي يريد فيها الحج بالمسلمين يلبسها من الجهة التي كتب عليها حاج, وأما السنة التي يغزو فيها ويجاهد في سبيل الله  فيلبسها من الجهة المكتوب عليها غازي. هكذا كان خلفائكم من قبل أيها الحجيج, فرحمة الله عليهم جميعا. أما في زماننا هذا وما أدراك ما هذا الزمان, فإني أسألكم بالله عليكم أين هم حكامكم الذين تحبونهم وتوالونهم وتدعون لهم ؟ أين موقعهم بينكم في هذا الموسم العظيم؟ فهل أقاموا لهذه الشعيرة وزنا، وخرجوا معكم لأدائها، وهل اهتموا على الأقل بشؤونكم ويسّروا لكم الطريق وذللوا لكم العقبات، ورفعوا عنكم الحرج ؟ أم أنهم ضيّقوا عليكم المنافذ، ووضعوا لكم العراقيل والتعقيدات لكي لا يتيسّر لكم تحقيق هذا الفرض ؟  أوَ لم يتجاهلوكم ويتركوكم وحجكم، ليتيمموا البيت الأبيض، يحجون إليه ويطوفون بصحن حرمه العفن، تلبية لنداء أسيادهم وتسبيحا بحمدهم؟.

 

وأما المحطة الثالثة في هذا الموسم العظيم, وفي أجواء هذا المؤتمر السنوي، فإنه ينبغي على الحجاج أن لا تطغى عليهم المسحة الروحانية والمشاعرية فحسب, وإنما يجب أن تبرز فيهم الناحية الفكرية والسياسية كذلك. فلا بد أن يستغلوا هذه الفرصة التي يجتمع فيها قدر هائل من المسلمين لإلقاء الكلمات والخطب لاستقطاب العقول واستنفار الهمم للتفكر في الأوضاع السياسية للعالم الإسلامي ومشاكله، ومد المسلمين بالحلول والمعالجات النابعة من المبدأ الإسلامي. وعليكم أيها الحجيج أن لا تنصتوا إلى المرجفين الذين يزعمون أن هذه الشعيرة هي شعيرة روحية ولا علاقة لها بالسياسة. لا تسمعوا لهؤلاء فيما يدعون. فإنه لا يوجد في الإسلام شيء إسمه دين وسياسة، ولا فصل بينهما، وإنما السياسة والدين ممزوجان ومختلطان. والدليل على ذلك الكتاب والسنة. ففي الكتاب سورة [ براءة ] التي نزلت في موسم الحج الأكبر, وهي تحمل ما تحمل من الأحكام المتعلقة بشؤون الحرب والسلم, والهدنة والمعاهدة, والأسر والجزية, وغير ذلك من الأحكام. وأما السنة فإن ما جاء في خطبة حجة الوداع  لرسول الله r يؤكد هذا الأمر. فالرسول طرح في هذه الخطبة المشهورة  جملة من النقاط الهامة التي تتعلق برعاية الشؤون وأنظمة الحكم. فقد تطرق عليه الصلاة والسلام في خطبته إلى النظام الإقتصادي  فقال ” إِنَّ كُلَّ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ “. ثم تطرق إلى النظام الإجتماعي فقال ” َاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ “. وتطرق إلى نظام العقوبات والجنايات فقال ” فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ  أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدٌ عَلَى وَالِدِهِ “. وتطرق إلى الوحدة السياسية والتمسك بالمبدأ الإسلامي فقال ” أَلَا إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ فَلَيْسَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا مَا أَحَلَّ مِنْ نَفْسِهِ  وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ ” إلى غير ذلك من الأحكام. فكان لا بد على المسلمين اليوم وهم يؤدون هذه الفريضة في هذا الموسم العظيم أن يتأسّوا بسنة نبيهم الكريم r.

 

المحطة الرابعة في موسم الحج , هي تلك التي يمر بها المسلون في موكب التلبية والتكبير والتهليل. ” لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ “. فقد يوجد من بين الملبّين من يتناقض لسان حاله مع لسان مقاله, وظاهره مع باطنه. وقد يستمر على هذه الحال بعد الحج، وتغلب عليه شقوته, فلا يفوز بمغفرة ربه والعياذ بالله. إذ أنك تجد أعمال هذا الشخص وتصرفاته في الحياة، لا تخضع لمقياس الشرع, أي للحلال والحرام, وأن التزاماته الإيجابية والسلبية لا تسير وفق أوامر الله ونواهيه, وأن بعض قناعاته غير مبنية على أساس الإسلام، وهكذا. فكم من ملبّ يلهث لسانه بالتلبية – لبيك اللهم لبيك – والملائكة ترد عليه –  والعياذ بالله – لا لبّيك و لا سعديك , فمأكلك من حرام وملبسك من حرام. لا لبّيك ولا سعديك , فإنك أمرت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكنك تخاذلت وتقاعست.لا لبّيك ولا سعديك, إنك أمرت بأن لا تشرك مع الله شيئا وأن تكفر بالطاغوت, ولكنك لازلت على ضلالك وعهدك مع الطواغيت، تؤيدهم على ظلمهم وجبروتهم، وتدعوا لهم بالبقاء وطول العمر, ولا تعمل على كسر قوائم عروشهم وإزاحتهم عن الحكم. لا لبّيك  ولا سعديك, فقد أمرت على العمل لتمكين دين الله في الأرض ليظهر على الدين كلّه, ولكنك تكاسلت واستنكفت عن القيام بهذا الواجب. لا لبّيك ولا سعديك, لقد أمرت بأن تكفر بأفكار الكفر والإلحاد, من اشتراكية وديمقراطية وقومية, ولكنك لازلت تعمل على نشرها وترسيخها في أذهان المسلمين. لا لبّيك ولا سعديك, فقد أمرت أن توطّد أواصر الأخوة الإسلامية, وتعمل على توحيد الأمة ولحم أجزاءها ببعضها, ولكنك لازلت تذكّي النعرات الجاهلية, وتدعوا للفرقة العرقية والوطنية. فلا حول ولا قوة إلا بالله .

 

أما المحطة الخامسة أيها الحجيج فهي المحطة التي تجمعكم ببعضكم وتزول فيها كل الفوارق بينكم. فيختلط الرجل الأبيض بالرجل الأسود, والعربي بأخيه الأعجمي, والغني بالفقير, وصاحب الجاه بالعامي، والعالم بالأمي. فكلكم سواسية في المظهر والملبس والمنسك. فأنتم عباد الله, تؤمنون بإله واحد, ونبي واحد, وكتاب  واحد, وتنتمون لأمة  واحدة. فأنتم في هذا الموسم كالجسد الواحد. ولكن يا للأسف، ويا للحزن على أمتنا بعد هذا الموسم العظيم, الذي تنقطع معه استمرارية مظهر هذه الوحدة  بين المسلمين. وأنتم أيها الحجيج لتكابدون المشقة والمعاناة في طريقكم للحج وإيابكم منه لما تلاقونه على الحدود المصطنعة, التي مزقت وحدة الأمة وفككت أعضاءها، فانفصل المسلمون عن بعضهم البعض. وهذا لعمري ما كان ليحدث, لو كان على رأس المسلمين خليفة يسوسهم ويرعى شؤونهم. وما كنتم لتتكبّدوا عناء السفر ووعثاء الطريق, لقول الرسول ” إنما الإمام جُنّة , ( أي وقاية ) , يتقى به ويقاتل من ورائه “. ولقوله عليه الصلاة والسلام ” وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ “. وهذا يدل على أن أمن المسلمين واحد, وبلادهم واحدة. ورحم الله ” الرشيد ” الذي قيل له مرة, وهو في إحدى غزواته, وقد أنهكتهم كثرة الثلوج وبرودة فصل الشتاء, أما ترى يا أمير المؤمنين ما نحن عليه من الجهد، والرعية وادعة, فقال له أسكت, فعلى الرعية المنام  وعلينا القيام ولا بد من حراسة الرعية, فقال الشاعر في ذلك :

 

غَضِبتْ لغضبتكَ القواطعُ والقنا  *** لمّا نهضتَ لِنُصرةِ الإسلامِ

ناموا إلى كَنفٍ بعدلكَ واسعٌ   ***  وسَهرْتَ تحرسُ غفلةَ النُوامِ

 

أما محطتكم السادسة يا حجاج بيت الله الحرام، فهي المحطة التي نراكم فيها شعثا غبرا, على أبهى صورة تكونون, فنَحِنُ بمظهركم هذا إلى مواقف أخرى يكون فيها المسلم المجاهد في سبيل الله أشعث أغبر, في ميدان القتال. تلكم المواقف التي تذكرنا بقعقعة السيوف وصهيل الخيول. فنتشوق إلى الجهاد لقول الرسول r ”  مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنْ جِهَادٍ لَقِيَ اللَّهَ وَفِيهِ ثُلْمَةٌ “. نتشوق إلى اللحظات التي  يدكّ فيها الجيش الإسلامي حصون الكفر والإلحاد, حصون الأعداء اللئام, حصون – بوش- وبلير- وبوتين- , لحظة استئصال شأفة يهود من أرض الإسلام, لحظة إعادة الأندلس بعدما دنسها الكفار, لحظة نصرة إخواننا وأخواتنا في كل بقاع الدنيا. فيومها نطوي صفحات الخزي والعار ونستبدلها بصفحات العز والإنتصار. ونستبدل رايات الذل والتابعية  للكفار, براية العقاب , راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. فتذكروا أيها الحجاج في هذا الموقف إخوانكم المجاهدين المخلصين، وحملة الدعوة الصادقين بالدعاء، وحدثوا أنفسكم باللحاق بصفوفهم، والعمل على نصرة دين الله وعزة أمتكم، لتلقوا الله وهو راض عنكم.

 

وأما المحطة السابعة يا حجاج بيت الله الحرام، فهي محطة الإقرار بالولاء لله وشكر نعمته عليكم وفضله، إذ أختاركم من بين عباده لتكونوا من نسل خير أمة أخرجت للناس، وهو الذي طهر لكم البيت الحرام ليكون خالصا لكم دون أن يزاحمكم عليه الكفار والمشركون، فاستحضروا أيها الحجاج بيان الله وآذانه في الناس يوم الحج الأكبر, إذ قال جل من قائل ] وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(  [التوبة :9/ 3] فقولوا، وبصراحة  متناهية , وأعلنوها مدوية على رؤوس الأشهاد, بأنكم تبرؤون إلى الله من المشركين والكافرين, و تبرؤون ممن  والاهم واتخذهم بطانة له, و تبرؤون ممن يستكين للأعداء ويسير في ركابهم, وتبرؤون من علماء السوء الذين يصوغون الفتاوي ذات – البلاوي- لحكام الجور والظلم. وإننا وإياكم نتبرأ من هؤلاء جميعا. فاللهم أشهد بأننا نبرأ إليك من خيانة الخائنين, ومن تآمر المتآمرين, ومن خداع المنافقين .

 

أما المحطة الثامنة، وهي المحطة التي تجتمعون فيها أيها الحجاج لزيارة قبر الرسول والتسليم عليه وعلى أصحابه. فعليكم في هذا الموقف أن تدركوا أنكم في حالة تغضب رسول الله ولا يرضاها لكم، فقد قدمتم لزيارته وأنتم أشتاتا كالغنم القاصية التي لا تجد لها راع يحفظها من الذئاب ويعيدها للقطيع. لأنكم لستم في جماعة، وليس على رأسكم أمير، وليس في عنقكم  بيعة. فصاحب القبر الذي تستقبلونه وتسلمون عليه هو القائل عليه – الصلاة والسلام – ” … عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ ”  وقال ” من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية “. وقال ” مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً “. وقال – عليه الصلاة والسلام – ” إني  آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ قَالَ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ ” . وغير ذلك من الأحاديث الواردة عنه – صلوات ربي وسلامه عليه. ومفهوم الجماعة هنا كما يفسرها أهل العلم. هي جماعة المسلمين وإمامهم العادل الممكن في الأرض, وليس معناها الكيانات المعنوية كالجماعات والأحزاب الإسلامية. وعليه يجب أن تبادروا فورا برفع هذه المعصية من أعناقكم وتعملون بجهد وجد في إيجاد الأمير الذي تبايعونه على كتاب الله وسنة رسوله.

 

هذه إخوتي وأحبابي, بعض المحطات الهامة في موسم الحج, يجب على الحجّاج  أن يقفوا عندها ويتدبروا في معانيها. ويعاهدوا الله الذي منَّ عليهم بزيارة بيته العتيق، أن لا يعصوه مجددا بعدما طهرهم وزكاهم. فيا حجاج بيت الله الحرام عليكم أن تحرصوا على نقاء وطهارة صحائفكم كما حرصتم على تحقيق هذا الفرض العظيم. فلا تفوتوا على أنفسكم فرصة التوبة والولادة من جديد، وتعودوا إلى برك المعاصي لتلطخوا صحائفكم وتسودوها بما يغضب الله. عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ” مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ” و عنه أيضا  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ” حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ وَعُمْرَتَانِ تُكَفِّرَانِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الذُّنُوبِ “، وعن عمرو ابن العاص قال : ” َلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ مَا لَكَ يَا عَمْرُو قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ تَشْتَرِطُ بِمَاذَا قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ “. فهذه منّة وفضل من الله، وحظ عظيم. وتعس عبد أهديت  له فرصة للتوبة ولم يغتنمها, ولم يراجع نفسه ويثوب إلى رشده. تعس عبد شغلته الدنيا وأغواه الشيطان ولم يتدبر في أمر آخرته, ” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ …” الحديث . فاللهم لا تجعلنا لا من التعساء ولا من الأشقياء.

 

فاللهم أرزق إخواننا حجا مبرورا, وسعيا مشكورا, وذنبا مغفورا, وتجارة لن تبور, بعفوك ومنّك وكرمك, يا أرحم الراحمين, اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه, اللهم أرزقنا إيمانا لا يتزعزع , وشجاعة لا تلين, وإرادة لا تقهر, اللهم ثبتنا على دينك وحمل دعوتك إلى أن نلقاك وأنت عنا راض. اللهم عميت عين لا تراك عليها رقيبا, وخسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبك نصيبا. اللهم هذا حالنا لا يخفى عنك, وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك, اللهم انصرنا بك لك , وحِلْ بيننا وبين غيرك, يا مولانا استجب لنا ولا تكلنا إلى غيرك ممن لا يرحمنا. اللهم يا حي يا قيوم، يا جبار السماوات والأرض، نسألك أن تفقهنا في ديننا, وتجعلنا من الملتزمين به, والعاملين على نشره بين الناس والتمكين له في الأرض. اللهم أصلح أحوالنا, واجعل الهداية فينا وفي ذرياتنا. اللهم حول سقمنا إلى صحة, وأمراضنا  إلى عافية, وضعفنا إلى قوة، وفقرنا إلى غنى. اللهم أرحم موتانا, وعافي مرضانا. اللهم آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 


 

. 

خـضـرائـي هـل تذكُـــريـن

جمال الدين أحمد الفرحاوي

  

أوتذكرين 

حينما غضاّ

 

تعلمت الحروف

 

على راحتيك

 

وعشقا ترنّمت

 

بالقرآن

 

من شفتيك

 

وشوقا إليك

 

تعلّمت

 

نسج الكلام 

على وقع

 

نغمات العروض

 

مراكب شوق

 

تبحر

 

إلى شاطئ

 

مقلتيك

 

فعولن/حقولن

 

فعولن/ نسيم

 

فعولن / مياه

 

تسافر فيك

 

وتنبت وردا

 

يزيّن أرضك

 

ويرسي الجمال

 

على وجنتيك

 

فهل تذكرين ؟

 

وهل تذكرين

 

دروب الصبى

 

وإبكارنا للدروس

 

المليئة بالكلمات

 

وعشقنا للّعب

 

بالجداول

 

وحب الحياة

 

وغفلتنا

 

عن حديث الحروب

 

عن النائبات

 

صغارا  يجمّعنا

 

عشّك دون شتات

 

فهل تذكرين؟

 

وهل تذكرين؟

 

إنعتاق الفتى

 

حين شبّت

 

عناقد الرّفض

 

في مقلتيه

 

وفاضت

 

بعشق التّحدي

 

وعشق الحروف

 

حبلى تجيئ

 

بالفخر ملئ

 

مضمّخة بالعبير

 

تدفّق من ناظريه

 

اوتذكرين

 

خضرائي

 

يا بلاد الورود

 

وأرض الأحبّه

 

ويا أمّنا حين

 

نمضي نهاجر

 

نظلّ بعيدا

 

ولكنّنا

 

في هواك

 

نسافر

 

ونبقى بعشق

 

ثراك نكابر

 

ونهواك شيبا

 

وكنّا شبابا

 

نعيش الهوى

 

ونبقى نسافر

 

فيك بعشق

 

كبير كبير

 

يفوق المدى

 

ويكبر فينا

 

بكبر إغتراب

 

المسافات فينا

 

وبعد المهاجر

 

ترسي بنأي

 

يسافر فينا

 

ونمضي برغم

 

البعاد

 

إليك وفيك

 

نظل ّنهاجر

 

 لاهاي خريف 2006

 


 

 

 

 


 

في تقييم جدوى الدكتاتورية (بعد رحيل بينوشيه)

الطاهر الأسود، باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية

 

إثر وفاة دكتاتور الشيلي السابق عاود الجدل حول تقييم “الدكتاتورية و مساوئها و منافعها” البروز و خاصة في علاقة بمسألة جدوى الدكتاتورية من جهة تحقيق الأمن و النمو الاقتصادي. و السؤال في غاية الأهمية و لهذا تحديدا لا يمكن التعامل معه بمنطق شعاراتي سطحي فحسب من قبيل الاكتفاء بترديد مقولات من نوع “لا أمن في ظل الخوف” و “لا توجد حريات اقتصادية من دون حريات سياسية” و هي المقولات المناسبة لمسيرات شعبية و ليس لبرامج جدية تطرح بدائل جذابة. إن “الأصالة التاريخية” للتصرف الدكتاتوري في أمور الدولة و الوجود الواقعي لعديد الدكتاتوريات في الواقع الراهن و إثباتها قدرتها على البقاء و الاستمرار بل و أيضا ضمان دعم محلي (و لو  حتى من خلال الصمت) و دعم دولي بما في ذلك من قبل أنظمة ديمقراطية يحث بالضرورة على محاولة فهم الظاهرة بشكل أكثر جدية و أكثر تجردا من الحسابات السياسية.

 

إن الوضع في تونس يفتقر بالتحديد لنقاش جدي في علاقة بهذه المسألة. و هو النقاش الذي يمكن أن يحدث حتى لو صمم الطرف الرسمي على الامتناع عنه. حيث يمكن أن يكون الموقف الرسمي جزءا من مواضيع النقاش حتو لو رفض الرسميون الجدل للشعور بعدم جدواه.

 

من الجهة الرسمية و بغض النظر عن الخطاب الظاهر يبدو أن هناك قناعة جدية لدى الكثيرين أن وضعا دكتاتوريا (أو “حازما” كما ينطقه البعض) يسمح بضمان الأمن و من ثمة بتوفير انضباط سياسي و اجتماعي (نقابي) ضروري لتمرير اجراءات و سياسات محددة (خوصصة، نظام الأجير المؤقت…) وحدها تسمح بحد أدنى من النمو الاقتصادي. و لأن المعادلة الدولية جوهرية في هذا النمو فإن عدم السماح بأي معارضة للاستراتيجية الرسمية الخارجية يسمح بالقيام بأي شيء تقريب دون “ضوضاء غير ضرورية” تضر بـ”المصلحة العامة”. إن أي انفتاح سياسي جدي من وجهة النظر هذه (أي انتفاح يسمح بتعبير سياسي معارض نقدي حقيقي) سيهدد في أقل الاحوال “الاستقرار الاقتصادي و الأمني”. و من هنا بالتحديد توجد أوساط دولية تشارك في هذا الرأي سواء بشكل رسمي (مثلما فعل الرئيس شيراك في تصريحات قليلة الديبلوماسية) أو ضمنيا من خلال الممارسة العملية و طبيعة العلاقة القائمة بين الطرفين.

 

في المقابل لا يبدو هناك أي رؤية مفصلة تعالج بجدية و بشكل معمق هذه الرؤية. كما لا توجد أي رغبة في نقاش الرؤية الرسمية أعلاه بشكل جدي و غير سياسيوي أي لا يطمح لتسجيل نقاط تعبوية بقدر ما يطمح قبل كل شيء الى فهم الظاهرة. إن الخطاب المعارض للنظام و الذي يتميز بصبغة “حقوقية” باردة و جافة في الأساس لا يعكس رؤية استراتيجية و واقعية للوضع التونسي و يفسر جزئيا على الأقل سبب انحسار القوى المعارضة. إن المسألة المطروحة ليست أخلاقية (من هو “السيئ” و من هو “الجيد”) كما أنها لا تتعلق بـ”الجزاء” الواجب فرضه على “الظالم” حيث تحدث الكثيرون في ذلك و لا أعتقد أن هناك خلاف جدي حول هذا الجانب بما في ذلك من قبل بعض الأطراف الرسمية المؤثرة. إن من الضروري الاجابة الجدية (و ليس “الحقوقية”) على أسئلة بنيوية من نوع: لماذا الدكتاتورية ممكنة و ناجحة حتى لو تعلق ذلك بالمدى “القصير” (الذي يعني أعمار أجيال أحيانا)؟ هل إسقاط الدكتاتورية ممكن في كل الظروف فقط لأن “لا أمن في ظل الخوف”؟ و ما معنى “إسقاط” الدكتاتورية من الناحية العملية: هل يمكن لذلك أن يتحقق من دون مشاركة حقيقية من قبل أوساط الدكتاتوريين أنفسهم؟ هل هناك درجات مختلفة للأنظمة الدكتاتورية: حيث يفرق بعض الباحثين في العلوم السياسية عند تقييم الأنظمة المعاصرة بين أنظمة “توتاليتارية” (Totalitarian) و أخرى “سلطانية” (Sultanic)؟ و هل أن الأنظمة الأخيرة أكثر قدرة على التكيف و تحقيق الشرعية و من ثمة آليات بقائها و زوالها أكثر تعقيدا مما يعتقد البعض؟

 

مقابل هذه الأسئلة البنيوية تأتي المقالات القصيرة للعدد الأخير لمجلة “الايكنوميست” المحافظة أسفله لتطرح معطيات أولية ليس من جهة تقييم بينوشيه (كنموذج للدكتاتور) كرجل “سيء” أساسا و لكن أيضا من خلال طرح معاني “سوئه” و التي تتخطى التقييم الأخلاقوي و الحقوقي. ولأن “الايكونوميست” كنشرية بريطانية مهتمة بالمسألة لأسبابها الخاصة (الاحساس بالعار من جراء الدعم التاريخي لثاتشر لبينوشيه ثم سماح غرفة اللوردات سنة 1998 بترحيل بينوشيه لاسبانيا) فإن النقاط المطروحة مفيدة خاصة من زاوية مقارنة وضع الشيلي بأوضاع أخرى (الصيني مثلا). 


المعارضة وجدلية السلطة

 

 
توفيق المديني * يبدو الوعي السياسي العربي محكوماً بعنصرين أساسيين هما: أولاً –  اللاشعور السياسي: يقول محمد عابد الجابري في هذا الموضوع « إذا كانت وظيفة » مفهوم «اللاشعور السياسي» كما أشار ريجيس دوبريه ( في كتابه نقد العقل السياسي ) هي إبراز ما هو عشائري وديني في السلوك السياسي في المجتمعات الأوروبية المعاصرة، فإن وظيفته بالنسبة إلينا ( العرب ) ستكون بالعكس، من ذلك: إبراز ما هو سياسي في السلوك الديني والسلوك العشائري داخل المجتمع العربي القديم منه و المعاصر. فاللاشعور السياسي المؤسس للعقل السياسي العربي يجب أن لا ينظر إليه فقط على أنه «الديني » و«العشائري» اللذان يوجهان من خلف الفعل السياسي بل لا بد من النظر إليه أيضاً على أنه السياسي الذي يوجه من خلف التمذهب الديني والتعصب القبلي ». ثانياً –  المخيال الاجتماعي: الذي هو « جملة من التصورات والرموز والدلالات والمعايير والقيم التي تعطي الأيديولوجيا السياسية في فترة تاريخية ما، ولدى جماعة اجتماعية منظمة بنيتها اللاشعورية ». إن اللاشعور السياسي والمخيال الاجتماعي اللذين يربطان العقل السياسي بمحدوداته، يتغذيان من بنية إيديولوجية لا تزال مسيطرة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، من أبرز سماتها محاربة الفكر الحر، وطردها كلّ ما هو جديد. فالتاريخ العربي الإسلامي فيه ظواهر إيجابية، كانت تتخللها صراعات دموية عنيفة.  فمقولة الفرقة الناجية، هي تعبير مكثف عن التقليد السياسي العربي الإسلامي، بصرف النظر عن القوى المتصارعة في المجتمع العربي. وليس غريباً أن تظهر حركة التكفير والهجرة، وما يماثلها على الصعيد العربي، وهي صورة عن الحركات السياسية العربية، ولكنها مدفوعة إلى الحد الأقصى على مستوى التطرف. ويدل تشظي المجال السياسي في معظم البلاد العربية دلالة قاطعة على أن اللاشعور السياسي الذي أنتجته عهود الاستبداد الطويلة ما يزال قائماً على مبدأ العشيرة والغنيمة والعقيدة، كما أشار إلى ذلك محمد عابد الجابري في كتابه المهم « العقل السياسي ». هذا التشظي السياسي عندنا، وهذه البنية السياسية الاستبدادية، مرتبطان بثلاثة عوامل أساسية: أولاً :   البنية الاجتماعية التقليدية، الناجمة عن التأخر التاريخي للمجتمع العربي بوجه عام. ثانياً :   انهيار الفئات الوسطى التي تؤلف أكثرية الشعب، بسبب سياسة الخصخصة والاندماج في نظام العولمة الرأسمالية المتوحشة. ثالثاً :   طابع العلاقة بين المثقف والسلطة، ذلك أن المثقف هو كلمة السر لأي تقدم سياسي. غير أن المثقف العربي الذي هو في حال خنوع وتصالح مع الواقع الآن، فيما يتعلق بالسياسة والثقافة، لا يمكن أن يكون مفكراً نقدياً يقدم مشروعاً مجتمعياً بديلاً، يتخطى جدلياً، السائد من القيم والمفاهيم. ولذلك، فإن السياسة – بوصفها نفياً للحرب، والمعنى الذي تنعقد عليه وحدة المجتمع والدولة، ووحدة الحكم والشعب، ووحدة السلطة والمعارضة، والتعبير عن ما هو عام ومشترك بين جميع المواطنين – والفكر، والمنطق، والعقل، والمجتمع المدني، ودولة الحق والقانون، مقولات تتقدم معاً وتتراجع معاً، لأن مقولة السياسة ومقولة المنطق تنتميان إلى جوهر واحد، والى أصل واحد.   وعلى الرغم من أن السياسة العربية المعاصرة استخدمت مفاهيم حديثة، إلا أنها ما زالت محكومة بالمحددات الآنفة الذكر. إن السياسي الراديكالي في بلادنا المتأخرة تاريخياً، يجب أن تتوافر فيه ثلاث مواصفات متلازمة لا غنى عن إحداها: السياسي الراديكالي، والمحلل الاجتماعي، والمفكر العقلاني. ونعتقد أن هذه الصفات لا تتوافر في الأحزاب المعارضة ، ولا في الأحزاب الحاكمة ، فيالعالم العربي. إننا بحاجة إلى سياسة تمارس بالمعنى اليوناني للكلمة، أي مجموعة من المسؤوليات، والحقوق، والواجبات السياسة كفاعلية اجتماعية ومجتمعة، لا كفاعلية سلطوية ولا كفاعلية حزبية فقط، سياسة بوصفها مرآة المجتمع ، إنها اعتراف بإفرادية الواقع ومعقوليته، وإنطواء كليته ووحدته الجدلية على التعدد والاختلاف والتعارض، وسياسة بما هي مشاركة إيجابية في الشأن العام، هي حق من حقوق الإنسان والمواطن.   فلا مشروعية لأي حزب معارض ولا مشروعية للسلطة القائمة، أو لأي سلطة محتملة إلا بتوافر هذه المواصفات في السياسة، وتأسيسها. بما تتحدد المعارضة ؟ تتحدد المعارضة بالسلطة ذاتها، وتحمل أهم خصائصها، وإلا لما جاز أن تكون سلطة بالقوة.  ويؤكد لنا التاريخ السياسي الحديث في العالم العربي أمثلة عديدة على إنتاج السلطات الاستبدادية الحاكمة معارضات من نوعها، أو على صورتها وشاكلتها.  ولكن بم تتحدد السلطة ؟ لكي نفهم المعارضة يجب أن نفهم السلطة.  إن فهمنا للسلطة هو الذي يزيح اللثام عن وجه المعارضة القائمة فيأي بلد عربي . تتحدد السلطة السياسية سلباً وإيجاباً بثلاثة عناصر أساسية: 1 –     بمستوى تقدم المجتمع أو تأخره، أي بمستوى نمو المجتمع المدني أو ضموره. 2 –     وتتحدد بالنظام الدولي الجديد، لا سيما في عصرنا الراهن، حيث لا سلطة خارج هذا النظام. 3 –     وبنسبة القوى الاجتماعية السياسية. هذه العناصر التي تحدد السلطة هي التي تحدد كذلك المعارضة، وبقدر ما تعي المعارضة هذه المحددات، ترتقي إلى مستوى معارضة حديثة وعقلانية، أي معارضة تضع برنامجها وتحدد مهماتها بدلالة المجتمع المدني ودولة الحق والقانون، وليس بدلالة السلطة فحسب. وفضلاً عن ذلك فإن السلطة السياسية، بحصر المعنى، لا تستمد شرعيتها من أي مصدر أقوى وأهم من شرعية المعارضة.  فليست السلطة والمعارضة تعبيرين متكاملين عن المجال السياسي المجتمعي فحسب، بل هما قطبان جدليان في وحدة تناقضية، يحمل كل منهما إمكانية أن يصير الآخر.  فالمعارضة هي معارضة بالفعل وسلطة بالقوة.  والسلطة هي سلطة بالفعل ومعارضة بالقوة.   وجدلهما هذا هو جدل الكينونة الاجتماعية ذاتها، جدل تعارضاتها الملازمة، وقد اتخذت شكلاً سياسياً سلمياً مُتمدناً أو متحضرا، يكاد لا يلحظ فيه العنصر الاجتماعي الطبقي المباشـر. كل معارضة لسلطتها الحاكمة تكره الدولة، في حين أن المعارضة العقلانية تضع في أساس تصوراتها أهمية الدولة، وضرورتها في الوقت عينه، التي تنتقد فيه السلطة القائمة ، وتؤسس لعدم التماثل، أو التماهي مع الاستبداد.  فالمعارضة العقلانية تعتبر أن قوة السلطة الحقيقية، في المجالين الداخلي والخارجي، من قوة المعارضة، وضعفها من ضعفها وإضعافها، وهي تتناقض على طول الخط مع الوعي الزائف لدى السلطة العربية ، التي تعتقد أنها قوية، بفضل قوة بطش القمع العارية، التي لا يمكن لها أن تصمد في أي مواجهة مع العدو الصهيوني و الإمبريالية الأميركية، والتي في جميع الأحوال ليست سوى قوة وهمية.  من هنا نقول إن ضعف المعارضة العربية هو في الوقت عينه قوة السلطة الأمنية الوهمية. إن العلاقة بين السلطة والمعارضة مفهومة فهماً جدلياً سليماً تقر بأن قوة المعارضة هي قوة السلطة الفعلية، كما أنها تتطلب وجود مجال سياسي مفتوح تتطابق حدوده مع حدود المجتمع المنفتح.  وفي مثل هذا المجال السياسي المشترك الذي ينتجه المجتمع، والذي تتجابه وتتقاطع  فيه تيارات واتجاهات وأحزاب سياسية مختلفة ومُتخَالِفة، تتحقق الوحدة الجدلية بين السلطة والمعارضة على قاعدة التعدد والاختلاف والتعارض، ويتحقق في الوقت عينه الاستقرار السياسي، والتداول السلمي للسلطة، باعتبارهما من أهم المداخل السياسية إلى بناء ديمقراطية فعلية فيالعالم العربي. غير أن الدولة العربية ، التي ربطت مصيرها بالرأسمالية المحلية والعولمة، وأنتجت أوضاعاً مخالفة للقوانين والأعراف والمعيارات السياسية الديمقراطية والأخلاقية، ودمرت المجال السياسي إلى درجة التشظي والتذرر، لا تعرف هذه الوحدة الجدلية بين السلطة والمعارضة، ولا تعترف بها، وتستهجنها الطبقة السياسية الحاكمة ومثقفيها أيضاً، علماً بأنها تفضي إلى الاستقرار الفعلي وإلى تداول السلطة السلمي. وحدها المعارضة العقلانية، هي التي تؤمن بالتداول السلمي للسلطة من داخلها، وذلك أساس ضمان أن تقبل هي تداول السلطة السياسية في المجتمع.  ولكن في مواجهة سلطة قمعية قائمة ونمطية لا تقبل بالمعارضة، ماذا تفعل المعارضة العقلانية هذه ؟ أمام هذه المعارضة العقلانية ذاتها خياران أساسيان على الأقل: أولاً   –  أن تختار أسلوب السلطة ذاته، فتنفي السلطة كما نفتها، وتُنتج خِطاباً سياسياً مغلقاً ومتوتراً، وهو أقرب إلى الهجاء منه إلى لغة السياسة، ويؤدي في الغالب إلى ضرب من العصاب السياسي. ويسترضي هذا الخطاب المخيال الاجتماعي لجمهور المقموعين، من دون أن يضيف هذا إلى الجمهور شيئاً، أي أنه يوقد فيه نزعة العنف الغريزية، مثل هذه المعارضة على اختلاف الأسماء، التي يمكن أن تسمى بها، والأزياء التي يمكن أن ترتديها، ليست سوى مشروع سلطة استبدادية، قمعية فهو خيار السلطة ذاته. ثانياً  :   وإما أن تختار المعارضة خياراً آخر هو خيار العقلانية، وتغيير المجتمع راديكالياً، وصوغ المستقبل. فتعمل أولاً على تأسيس وعي ماهية السلطة، وأساليب عملها، وتناقضاتها الداخلية على أن يكون لدى هذه المعارضة وَعْيٌ برسالتها، وبدورها التاريخي المشتق من اسمها كمعارضة.  وتعمل ثانياً على تحقيق وحدة المعارضة – على ما بين أحزابها وتنظيماتها وتياراتها ( الإسلامية والقومية والماركسية والليبرالية ) من تباين واختلاف إيديولوجي و سياسي يعبران إلى هذا الحد أو ذاك عن التعارضات الملازمة للمجتمع في كل بلد عربي –   على الأسس التالية: 1 –   اعتبار المصلحة العامة الوطنية / القومية، مرجعية واقعية مشتركة لكل أطراف المعارضة. 2 –   الالتزام بمبادئ الحرية والعدالة والمساواة. 3 –   اعتراف كل أحزاب المعارضة وتنظيماتها بالآخر وبحقوقه وحريته. إن وحدة المعارضة على قاعدة الحرية بوصفها وعي الضرورة وموضوعية الإرادة وحرية الاختيار، هي التي تعبر عن وحدة المجال السياسي للمجتمع في كل بلد عربي ، وتطلق جدله الداخلي بإعادة إنتاج تعارضاته في المجال السياسي، والعمل على حلها بالطرق السياسية المتحضرة.  المعارضة العقلانية من هذه الزاوية ، تعني في أحد معانيها الجدل السياسي الاجتماعي، وهو الانشقاق الذي يولد الوحدة، والشر الذي ينتج الخير، والصراع الذي ينتج التقدم، وليس ذلك النوع من » الصراع على البقاء « كصراع الحيوانات في الغابة. إن المعارضة العقلانية هي التي تضمن دورها السياسي والتاريخي، وتوجه جل نضالها السياسي من اجل القيام بالإصلاح الديمقراطي المنشود فيالعالم العربي .  لأن الدول  العربية  أوصلت الشعوب العربية إلى مفترق طرق، إما الإصلاح الديمقراطي، وإما الكارثة. وهناك علاقة جدلية بين عملية الإصلاح الديمقراطي الواجبة والضرورية وبين المشروع الديمقراطي النهضوي، الذي هو الحركة التي يتعين بها موقع الأمة العربية في التاريخ وفي العالم، التي يُعاد بها إنتاج الوجود الاجتماعي – السياسي للأمة وتتحدد هويتها القومية بما هي النمو والتغيير، هوية التعدد والاختلاف والتعارض. الإصلاح الديمقراطي ومهمات المعارضة : قبل الحديث  عن الإصلاح الديمقراطي، علينا أن نعترف بأن الهزيمة التي نعيش في كنفها منذ استقلال البلدان العربية ، هي تحول الدولة القطرية التابعة والمرسملة والكمبرادورية إلى محض سلطة أمنية غاشمة منفصلة عن المجتمع ومسيطرة عليه، وخصوصاً في المرحلة الحالية.  فقد بات على الحكومات العربية أن تعترف بفساد الأوضاع القائمة ، وبقسطها الرئيس في المسؤولية عن هذا الفساد.  وبالمقابل بات على المعارضة العقلانية المطالبة بتحقيق الإصلاح الديمقراطي في أي بلد عربي ، أن تتوقف عن الرفض للرفض، وتعمد إلى الاختيار الحر، وتكف عن النظر إلى الفساد و السلطوية القائمين  ،على أنهما  أحد مبررات معارضتها فقط، وعلى أنهما  ضروريان  لخطابها. إن الإصلاح الديمقراطي في البلدان العربية يتقدم بتوافر الشروط الأساسية التالية: 1 –       وحدة قوى المعارضة، ومِن ثُم الوحدة الجدلية للمعارضة والسلطة، التي أسلفنا الحديث عنهما. 2 –       تحويل الدولة العربية ، القطرية والمرسملة إلى دولة وطنية هي تعبير حقوقي وسياسي عن هوية المجتمع الوطنية والقومية.   ولا يتحقق ذلك إلا بسيادة القانون والحرية، وفصل السلطات، واستقلال مؤسسات المجتمع المدني، على قاعدة حرية الفرد وحقوق الإنسان والمواطن. 3 –       نمو الحركة الشعبية في مناخ الحرية الفكرية والسياسية. فلا يمكن التقدم في مجال الإصلاح الديمقراطي من دون القوى الحية في المجتمع المدني، واحترام حقوق المواطنين بوصفها أهم واجبات الدولة، واحترام حقوق المعارضة بوصفها أهم واجبات السلطة.   الدولة الوطنية يجب أن تتأسس على قاعدة احترام الحريات العامة والفردية، ومبادئ العدالة، والحقوق المطلقة للمواطنين التي لا يجوز التصرف بها، فليس للدولة أن تَفرُض أيّاً من الواجبات على مواطنيها، وليس للسلطة أن تَفرُض أيّاً من الواجبات على المعارضة. ذلك لأن قوام الدولة والسلطة الممسكة بزمامها هو القانون ، والسهر على حسن تطبيقه، فهما أي الدولة والسلطة تعبيران مباشران عن الكلية العينية، كلية المجتمع والشعب. والقانون لا يقوم إلا على قاعدة الحقوق، وهذه تنتمي إلى دائرة الموضوعية، أما الواجبات فتنتمي إلى دائرة الذاتية. القانون لا يعنى بالواجبات لأنها جزء من الحياة الأخلاقية الفردية والاجتماعية، ومبدؤه هو الحرية أو الإباحة. من مهمات المعارضة العقلانية  أولاً :   التثقيف أو الإسهام في التثقيف، لأن المثقفين غالباً مستقيلون من مهمتهم. ومع ذلك يجب على الأحزاب السياسية أن لا تكون بديلاً عن الأنتليجنسيا، شريطة أن تملك وعياً بمخاطر الثقافة الحزبوية الضيقة، والدوغمائية الإيديولوجية الكفاحية.  هذا مع التأكيد على مسؤولية المثقفين الذين ينبغي عليهم صياغة سياسات جديدة مستوحاة من حاجات المجتمع، وليس من قوانين العولمة، أو الليبرالية الأميركية المتوحشة، التي تعتبر أنها » المحطة النهائية« في مسيرة تطور » المنظومات « الاقتصادية و الاجتماعية الإنسانية. ثانيا ً:    التسييس، أي تسييس الشعب، رداً على واقع عزوف كتلة من الشعب عن السياسة، ولاسيما النساء والفلاحون والأميون.   وتتصل هاتان المهمتان بالبعد التاريخي للمعارضة السياسية العقلانية أي الاقتصاد والنظام الدولي الجديد، ولا ينهيان إمكانية الفعل السياسي، وأن الفئات الأكثر فقراً لا تتحرك، فقط عبر الانتفاضة ضد الدولة القائمة، وإنما أيضا عبر المطالبة بحقوقها، وخاصة الثقافية منها، مؤكدة بذلك أنها تملك مفهوماً تَحْدِيثياً » وليس نقدياً « فقط للمجتمع. إن المعارضة العقلانية مطالبة باستبدال منطق النضال العنفي الذي مارسته طيلة بعض العقود الماضية  ، بمنطق الفعل الاجتماعي و السياسي، لتقديم الرّد المطلوب على فظاظة هذه الدولة الأمنية والعولمة الرأسمالية المتوحشة على حد سواء.  فالبؤس الموضوعي الذي تفرزه الخصخصة الرأسمالية في الواقع العربي الراهن، لا بد وأن يؤدي إلى تكون قوى فاعلة جديدة، ستؤدي بدورها إلى إعادة تنشيط الفعل الاجتماعي الراكد منذ عقد من الزمن، بسبب سياسة التدجين التي مورست على النقابات العمالية، والمنظمات الشعبية، والحركة الطلابية، بالبعد التاريخي للعملية السياسية، باعتبارها عملية تغيير جذرية شاملة في بنية المجتمع. ثالثاً:     النضال السياسي اليومي بمستوييه، الدعوة الإيديولوجية والدعائية، أي التحريض السياسي، وملاحقة الأحداث اليومية، وتحليلها وتعبئة المواطن، وهذه المهمة تتصل بالبعد العملي، أي السطح السياسي. وأي معارضة سياسية تتخلى عن إحدى هاتين المهمتين، تواجه خطر التحول إما إلى نخبة مثقفة معزولة عن الشعب، وإما إلى معارضة تعيد إنتاج التقليد والتخلف. رابعاً:    أن تنطلق المعارضة في رؤيتها وبرنامجها، وممارستها، من المثلث الجدلي، أو «الثالوث المقدس: الوطن والقانون والحرية »، والمساواة الحقوقية وليس الأخلاقية بين المواطنين، ومن مفهوم الحقوق وليس الواجبات. فللمواطنين حقوق متساوية بصرف النظر عن الواجبات،  فالواجبات تنتمي إلى دائرة الأخلاق، وليس إلى دائرة السياسة، على ما للأخلاق والسياسة من علاقة. فالمواطنون يطالبون باعتماد مزيد من الشفافية والمساءلة، وبناء أطر قانونية، تدعم هذه التوجهات من أجل مساءلة المسؤولين الحكوميين في شأن الفساد وسوء التصرف. خامساً:   لما كان مصدر قوة ومشروعية ومبرر وجود المعارضة العقلانية هو الوطن والقانون والحرية، فلا بد للإصلاح الديمقراطي الذي تطرحه المعارضة من أن يستجيب لتطلعات الأجيال الجديدة إلى التعددية والديمقراطية، ويواكب التطورات الإقليمية والدولية التي جعلت من الديمقراطية المدخل الأسلم للمحافظة على استقرار البلد وتماسكه المجتمعي. إن قوام الديمقراطية هو فصل السلطات، فعندما لا يكون استقلال السلطة القضائية مضموناً، لا يستطيع الناس أن يتمتعوا بحماية قانونية.  ويعتبر وجود سلطة تشريعية مستقلة في الديمقراطية الفتية، وتشكل حرية التعبير عن الرأي، وضمان الحقوق المدنية والسياسية، وتأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات والانضمام إليها لتمكين الفقراء من المطالبة بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أمراً حيوياً للديمقراطية الشاملة. سادساً:  ولما كانت القوانين وحدها لا يمكن أن تضمن حقوق الإنسان، فلا بد من بناء مجتمع مدني مفتوح بالتلازم مع دولة الحق والقانون، ووجود وسائل إعلام حرة ومستقلة، يدعمان القانون، وثقافة وأعراف وأخلاقيات اجتماعية ترسي دعائمه، وبيئة اقتصادية تعززه، وتدريب أجهزة الأمن على احترام حقوق الإنسان للحؤول دون ممارسة الوحشية بحق المواطنين. وتشكل حماية حقوق المعارضة، وتحقيق الفصل بين السلطات، واعتماد مبدأ المساءلة العامة ضماناً لحقوق الإنسان، خصوصاً وأن اعتماد مبدأ الانتخابات لا يكفي وحده لتحقيق هذه الغاية.  ولكي تفي الدولة الوطنية بالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان، لا بد لها من الالتزام بتنفيذ سياسات تضمن تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأشد حرماناً ولمشاركتهم في عملية صنع القرار. فالنمو الاقتصادي وحده لا يكفي، بل لا بد من أن يَقترنَ بإصلاحات على صعيد السياسيات تُفضي بتوجيه الأموال للقضاء على الفقر، وتنشيط التنمية الاجتماعية، وبناء المؤسسات، وإصلاح القوانين لتعزيز حقوق الإنسان، واعتماد الشفافية في وضع السياسات. لأن وضع السياسات الاقتصادية، وراء أبواب مغلقة يشكل انتهاكاً للحق في المشاركة السياسية، وغالباً ما يكون عرضة للتأثيرات المفسدة التي تمثلها السلطة السياسية والأموال الضخمة، مما يؤدي إلى بيئة غير قادرة على الإنتاج، ومهيأة لانتهاك حقوق الإنسان. وليس القضاء على الفقر غاية إنمائية فحسب، بل يمثل تحدياً أساسياً لحقوق الإنسان في القرن الحالي. وبما أن حقوق الإنسان في عالم مندمج تتطلب عدلاً عالمياً، لذا يجب توسيع نموذج المساءلة المتمحور حول الدولة لتشمل التزامات العناصر والمنظمات غير الحكومية، والتزامات الدولة التي تتجاوز الحدود الوطنية. سابعاً:    وفيما يتعلق بمضمون برنامج المعارضة السياسي، لا بد من عودة جديدة إلى مفهوم الواقع. فللواقع أي واقع على الإطلاق بعدان عالمي أو كوني، وتاريخي، ويضيف بعضهم بعداً ثالثاً مهماً هو البعد العقلاني، وكل ما هو عقلاني هو واقعي حقاً. لذلك لا يمكن أن تضع المعارضة برنامجاً مطابقاً، مناسباً أو مقارباً للواقع، إلا إذا فهمت المعارضة في أي بلد عربي العالم الذي نعيش فيه، والصراعات، والتناقضات التي تولد حركة تطوره، والقوى التي تؤثر فيه الخ..   لاسيما وأن العالم يتوحد بوتائر سريعة فلم يَعد ثمة مشكلات أو قضايا أساسية محلية خالصة خارج سياق عملية العولمة الرأسمالية الجديدة، أو الهيمنة الإمبريالية الأميركية.  ولذلك كان مفهوم البرنامج الوطني الديمقراطي، المنطلق من خصوصية محلية أو طائفية ، لا تربط بين ما هو خاص وما هو عام عربي، أي بين ما هو محلي وما هو عالمي، ولا ما هو ماض بما هو حاضر ومستقبلي، أي بالبعد التاريخي للواقع، هو مفهوماً قاصراً، وغير واقعي، أي بمعنى أنه يقطع جزء من الواقع عن كونه، ويكرس الوضع الذي أنتجه التأخر التاريخي والأوضاع الإمبريالية الناجمة عنه.  إن مشروعية هذا البرنامج الديمقراطي ، وهذا المفهوم، تنبع من المهام الملقاة على عاتق المعارضة العقلانية العربية ، وإسهامها في بناء أوطانها ، وتحقيق الاندماج القومي والاجتماعي، وعقلنة الفكر والسياسة، وتحديث الفكر الديني، وتحرير المرأة ومساواتها بالرجل، وتحقيق الوحدة القومية للأمة، وبناء اقتصاد قومي مستقل. أي تجديد بنيان الأمة ووضعها في العصر الحديث، وتلافي تأخرها التاريخي. * كاتب تونسي.

(المصدر: صحيفةالأخباراللبنانية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2006)
 


حروب كيدية لا حروب أهلية

د. أحمد القديدي (*)

alqadidi@hotmail.com

 

لكثرة ما يروجه الاعلام الدولي والعربي ولكثرة ما تتداوله الدبلوماسية الدولية والعربية هذه الأيام كدنا نصدق أن العالم العربي يدخل في حروب أهلية. فالعراق ولبنان وفلسطين بالتحديد تقدم للعالم مشاهد تقاتل وتناحر بين الاخوة في الوطن الواحد، ولكن هل هذه الأزمات الدموية بالفعل حروب أهلية!

 

ثم لماذا كانت هذه الشعوب امنة الى مدى قريب ثم اندلعت فيها ما يسمونه اليوم حروب أهلية؟ ألم يكن السني يتعايش في العراق مع الشيعي؟ والكردي مع العربي؟ والمسيحي مع المسلم؟ وفي لبنان ألم تتآلف قلوب المسلمين مع المارونيين مع الدروز؟ ألم يجتمع شمل السنة والشيعة في كل مجالات الحياة ومنذ قرون؟ وفي فلسطين، ألم يهجر عام النكبة الفلسطيني المسلم مع الفلسطيني الكاثوليكي مع الفلسطيني الأرثوذكس بنفس الوحشية؟ ألم تتشكل نواة منظمة التحرير الأولى من كل الطوائف لرفع السلاح من أجل تحرير فلسطين؟

 

ماذا وقع حتى انفجر هذا النسيج القوي المشرف الذي كان يضرب الغرب والشرق به المثل في التسامح والقبول بالآخر والأمان والسلام الأهلي؟ من الذي قرر من وراء الحجب وفي مخابر الموت أن يقحم الشرق العربي في أتون العنف ثم يطلق على ما يجري بفعله وبتدبيره نعت الحروب الأهلية؟ ألم يسأل العرب أنفسهم عن طبيعة ما يحدث في العراق ولبنان وفلسطين؟ هل هي حروب أهلية كما يقدمها الأعداء الذين هندسوها أم هي حروب كيدية أوقدتها أياد أثيمة من غير العرب وخططت لها مراكز دراسات مشبوهة بالتفاصيل ووضعت لها الاخراج الاعلامي والتسويقي حتى يخالها العالم وحتى النخبة العربية حروبا أهلية ! فتنتقل تلك الجهات المريبة انذاك الى المرحلة الثانية من المؤامرة الكبرى وهي مرحلة استثمار الأزمات الدموية وصرف جثث الضحايا في بنوك المزايدات لحصد الأرباح وجني الفوائد على أنقاض الخراب العربي!

 

بالطبع لا ينكر عاقل أمين مسؤولية العرب الكبرى فيما يحصل، فأخطاؤنا أخطر من أن نتجاهلها، لكنها مهما عظمت فانها تظل ثانوية أمام المخططات الجهنمية التي تمكنت منا وانجرفنا اليها باعتقادنا بأن العراق ولبنان وفلسطين دخلت في حروب أهلية. فالحالة العراقية يجب أن نقرأها اليوم بعيون جامس بيكر ولي هاملتون، وهما شخصيتان أمريكيتان لديهما خبرة في ادارة الشأن العام وشخص تقريرهما التاريخي أسباب الحرب العراقية للاستخلاص بأنها كانت حربا مفروضة على الشعب العراقي تحت حجة تخليصه من النظام البعثي! فاذا بالدولة تنفجر والجيش يحل والبنية التحتية تدمر والمدارس تغلق والمدرسون يغتالون والمتاحف تنهب والخيرات تسلب وشركة هاليبرتون التي يرأس ديك تشيني مجلس ادارتها تملأ خزائنها بالذهب. ثم نتحدث عن حرب أهلية! أية حرب أهلية لا رأي فيها للشعب ولا قرار؟ بل ان العراقيين الكرماء هم الضحايا لحرب تداخلت في شنها وإذكاء لهيبها كل مخابرات الغرب واسرائيل، وأرادوها حربا انتقامية جائرة من العراق كوطن لا من العراق كنظام، وسمعنا يوم السبت الماضي رئيس الوزراء نوري المالكي ينادي بصوت عال: أيها العسكريون البعثيون تعالوا والتحقوا بالجيش، واغفروا لنا ما فعلناه بكم وبعيالكم حين لاحقناكم وظلمناكم وشردناكم!

 

أما الذي يحدث في لبنان وينذر بالويل والثبور فهو أيضا ثمرة التحالف الغربي (الأمريكي-الأوروبي) لاستنباط حلول للبنان دون الرجوع للوفاق اللبناني الذي أثبت التاريخ أنه قادر دائما على الوصول للحلول التوفيقية والسلمية والمدنية، حتى في ظروف أعسر وأدق من هذه! أما الذي وقع منذ اتفاق الطائف فهو مصادرة القرار اللبناني لصالح مخطط ايديولوجي للمحافظين الجدد همه الوحيد كان عزل سوريا وايران اقليميا ودوليا استعدادا لتوسيع حرب العراق الى كل من سوريا وايران لأسباب لا دخل فيها للبنان أو المنطقة! والنتيجة هي اليوم واضحة للعيان: فوضى تهدد بما هو أخطر، أمام القوى العنصرية والمتصهينة في الغرب التي تنتظر أن تؤدي الأيدي اللبنانية مهمة قذرة خططت لها تلك القوى الشريرة وتنفذها الطوائف بدون وعي لما يحاك ضد لبنان لضرب تلك الجنة العربية والواحة المسالمة والدرع الواقي لكرامة العرب. انها في لبنان لن تكون حربا أهلية بل حربا كيدية.

 

في فلسطين، ماذا كان ذنب الفلسطينيين؟ قيل لهم انتخبوا بحرية فانتخبوا حماس بحرية، وتشكلت حكومة منبثقة عن التشريعي الذي تم باجماع الشعب. لكن قالت نفس تلك القوى الغربية العنصرية والمتصهينة للفلسطينيين : لقد أسأتم الاختيار والمطلوب منكم اجبار الحكومة على الاعتراف باسرائيل، وحين تطلب حكومة اسماعيل هنية من اسرائيل الاعتراف بفلسطين كدولة قادمة حسب كل المواثيق الدولية الموقعة، يكون الرد بالرفض بل وبالاغتيال وقتل الأطفال ومواصلة بناء جدار العار المدان من قبل محكمة العدل الدولية! هل هذه عدالة دولية؟ والنتيجة قطع المعونات وتجفيف منابع الزراعة والانتاج وغلق المعابر، الى أن تدق ساعة ما يخططون له وهو إرباك الجميع بالتجويع والتركيع ثم الترويج لمقولة الحرب الأهلية التي تأذن بـ” تدويل القضية ” وارجاعها الى مربع الانطلاق، بينما لا حرب أهلية ولا حتى خلاف في الغايات البعيدة ما بين ابو مازن وهنية! انها ليست حربا أهلية بل حرب كيدية.

 

هل من صحوة عربية!

 

(*) كاتب وسياسي من تونس

 

(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2006)


ابن خلدون في آثاره المطبوعة بتونس في مائويته السادسة (2)

بقلم الدكتور المنجي الكعبي

 

متابعة لما نشر يوم 9/12/2006 يواصل الدكتور المنجي الكعبي نقده للنشرة التي أصدرتها الدار العربية للكتاب بالاشتراك مع دار القيروان للنشر من كتاب ابن خلدون «التعريف» بتحقيق محمد بن تاويت الطنجي الذي راجعه وأعدّه للنشر الأستاذ إبراهيم شبوح بمناسبة احتفالية تونس بالمائوية السادسة للعلامة ابن خلدون.

 

شروح لغوية خاطئة

جاءت هذه المراجعة فقيرة إلا من زيادات طفيفة بين معقّفين. وأكثرها وجدنا الاستغناء عنه أفضل من إثباته. بل من هذه الزيادات ما إلغاؤه يمثّل أكثر مطابقة للأصل وأفضل في القراءة.

ويصدُق هذا القول كذلك على شروح لغوية كثيرة، غيرها من الألفاظ أدْعى للشرح والتوضيح منها.

ونأخذ أمثلة قليلة على ذلك :

 

1- «النصيح: الناصح»، و «قصف الريح : اشتد صوته» (ص 266). فهذه ألفاظ لا موجب لشرحها، لأنها ليست بالغريبة، والسياق أدلّ عليها، ولا نحتاج لإثقال الكتاب أو شَغل القارئ بها في تأليف مثل هذا.

 

2- «السفين». يقول الطنجي في التعليق على هذه الكلمة (ص 266 تع4) : «السفين جمع سفينة ؛ غير أن ابن خلدون يستعمل السفين ويريد السفينة».

 

فهذا التعليق يفهم منه أن ابن خلدون يستعمل الجمع ويريد المفرد. وهذا لعمري غريب، لأنه استعمال لغير وجه بلاغي، هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى فقد كان ينبغي منهجيا أن يضع الطنجي ملاحظته هذه عند أوّل استعمال للكلمة، وقد تقدّمت في ص 43 (الطبعة الجديدة). وكان عليه كذلك أن يحيل على الموضع الأول الذي وردت فيه ملاحظته لدى كل ذكر للكلمة في المرّات التالية بالكتاب، وقد تكرّرت خمس مرات. والأستاذ المراجع لطبعته، كان بإمكانه، باستخدام الأساليب الحديثة للبحث في برمجيات الكتابة بالحاسب الآلي، أن يستدرك على الطنجي ذلك، لأنه ألزم بالمنهج.

 

ولكن فات الأستاذ ابراهيم شبّوح شيء آخر وهو التحقق من التخريج اللغوي الذي قدّمه الطنجي للفظ «السفين». فقد بدا لنا اجتهاد الطنجي ينقصه التثبّت مما في الأصول. فصحيح أن «سفين» جمع، واحدُه سفينة، وتُجمع سفينة كذلك على سفائن وسفُن، وهو الأشهر، ولكن الاستعمال الخلدوني هنا لكلمة «سفين» جاء في المفرد، على أصل لغوي يقرره اللغويون بوضوح، وفي ذلك يقول سيبويه: «أما سفائن فعلى بابه، وفُعُل داخلٌ عليه، لأنّ فُعُلاً في مثل هذا قليل، وإنما شبّهوه بقَلِيب وقُلُب، كأنهم جمعوا سفينًا حين علموا أن الهاء ساقطة شبّهوها بجُفْرة وجِفار حين أجروها مجرى جُمْد وجِماد. انتهى كلام سيبويه، نقلا عن ابن منظور.

 

وعليه، فابن خلدون أعلم باللغة ممن يَظنّ للوهلة الأولى أنه يخالف الاستعمال الأمثل، فسفين هنا عند ابن خلدون هو اللفظ المفرد الساقط هاؤه، لا كما وهَم فيه الطنجي. وابن خلدون – كما قلت-  كرّر هذه الكلمة عدة مرات غير أنه في مرة واحدة، عندما أراد سفينة بعينها، لم يستعمل كلمة سفين على الاطلاق، بل قال «سفينة» بهذه الصيغة؛ وذلك في قوله : «وكانت بالمرسى سفينة لتجّار الإسكندرية» (التعريف، الطبعة الجديدة، ص 252س7).

 

إذن، فالطنجي غير محقّ في ملاحظته، بأن ابن خلدون يستعمل السفين ويريد السفينة، في تعقيبه على قوله: «وصلوا من المغرب في السفين». فكل استعمال له وجه بلاغي ووجه لغوي، قد يكون التخصيص أو التعميم. ألا ترى أن الاستعمال يثقُل لو خالفنا بين الاستعمالين في العبارتين اللتين تقدّمتا – مثلاً – من كلام ابن خلدون، أو لو وحّدنا الاستعمال غير مراعين للتخصيص والتعميم؟

 

والغريب أن أحد أشهر قواميس اللغة العربية، وهو قاموس هانس فيهر (Hans Wehr) للغة العربية، وهو مستشرق ألماني، يذكر «السفين» للجمع وللمفرد.

 

3- «قط». تعليق للطنجي غير صائب على لفظ «قط» في قول ابن خلدون: «فإني كنت قد أهملت الشعر وانتحاله وتفرّغت للعلم قط…» (ص 240 س10).

 

يقول الطنجي : «استعمل ابن خلدون «قط» في الإثبات، وهو استعمال جائز، ووردت به أحاديث صحيحة، وانظر تاج العروس «قط»، ودرة الغواص، 29-31».

 

لكن أبسط القواميس نجد عندها الصحيح في هذا الاستعمال الذي يريده ابن خلدون من الكلمة. فإن «قط» تكون ظرف زمان لاستغراق الماضي ، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة، وتختص بالنفي. يقال ما فعلتُ هذا قطٌّ: فيما مضى وانقطع. وواضح أن هذا ليس هو المعنى في ابن خلدون.

 

يبقي أن «قط» تكون بمعنى حسب: أي كافٍ، وهذه بفتح القاف وسكون الطاء. وقلّما تذكر غير مقرونة بالفاء، يقال أخذت درهمًا فقط. وعليه فالاستعمال الجاري للكلمة عند ابن خلدون هو «قط» بمعني حسب وكاف، مع تخفّفه من اقترانها بالفاء جريًا على بعض الأساليب التي ربما تراعي الاختصار وظهور المعنى المقصود من السياق، دون التباس بـ «قط» التي لا استعمال لها الاّ مشددة الآخر ومضمومة.

 

فترى هنا أن «الإثبات .. الجائز» و»الأحاديث الصحيحة» في كلام الطنجي، عن هذا الاستعمال لكلمة «قط» في أسلوب ابن خلدون، مجاوزٌ لما هو ضروري من التعليق على كلام ابن خلدون، ومخالف لمعاجم اللغة، ومنها تاج العروس الذي ذكره. إذ لا ينبغي أن يكتفي المرء بالقراءة في المعاجم وغيرها من كتب اللغة عند بعض ما تقوله دون بعض.

 

ففي ابن منظور، يقول الليث: قطْ خفيفة بمعنى حسب. مثل قدْ، وهما لم يتمكّنا من التصريف، فإذا أضفتهما الى نفسك تقول قطْني – أي حسبي – وقدْني.  

ثم يقول : وأما قطٌّ، فهو الأبد الماضي، تقول ما رأيته قطّ، وهو رفع مثل قبلُ وبعدُ.. وقطُّ معناها الزمان. قال ابن سيده إذا كانت في معنى حسب، فهي مفتوحة القاف ساكنة الطاء. قال سيبويه : قطْ ساكنة الطاء معناها الاكتفاء.

 

 

4- وتقرّبًا (إلى) خواطرنا بالجواهر النفيسة من ذاته الحسَنة» (ص259 س2).

هذه الزيادة بين معقفين غير لازمة وسنبيّن لماذا؛ لكن الغريب تعليق الطنجي عليها بما يلي: «ما بين حاصرتين زيادة اقتضاها وجوب «صلة» للكلام».

ونحن هنا لسنا أمام صلة وموصول ، ولكن أمام تعدية الفعل – وما في معناها هنا المصدر- «تقرّب». فما في الأصل هو الصحيح، وهو : «تقرّبًا خواطرَنا بالجواهر…»،  من تقرّب الشيءَ، دنا منه، يقال تقرّب فلان فلانًا. ويكفي وجود «تحبّبًا إلينا» قبل عبارة «تقرّبًا»، لعدم قصد التكرار من هذه العبارة الأخيرة، ولعدم الابتذال حتى يكون التقرّب من جهة السلطان بالتبادل لا من جهة ابن خلدون فقط. وهو المعنى المقصود عندما نقرأ الجملة بكاملها في رسالة السلطان برقوق الى سلطان تونس أبي العباس من أجل السماح لعائلة ابن خلدون بالالتحاق به في مصر، يقول السلطان برقوق إذن في هذا الموضع : «وقد هاجر الى ممالكنا الشريفة، وآثر الإقامة عندنا بالديار المصرية، لا رغبة عن بلاده، بل تحبّبًا إلينا، وتقرُّبًا خواطرَنا بالجواهر النّفيسة من ذاته الحسنة وصفاته الجميلة …».

فالتقرّب واضح من السلطان لا من ابن خلدون، لأنه سبقها تحبّب ابن خلدون الى السلطان وبلاده.

 

 

5- ومثال آخر : يقول ابن خلدون في التعريف: «وقد شقّ علي ّ ذلك إلا أني لم أجد محيصًا، فخرجت معه» (ص 251 س13)، زاد المحقق «عنه» بين معقفين بعد محيصًا، وأشار في التعليق أنها زيادة من طب. وهو رمز الى إحدى نسخ الكتاب.

 وهنا، يبدو لنا أن هذه الزيادة لا تحقق الاستعمال اللغوي الأمثل للكلمة، أو على الأقل بغير حــــــــــرف «من» على تقدير الفعل خلّصه. كما في تفسير قوله تعالى : «وليمحّص الله الذين آمنوا»، أي يخلّصهم من الذنوب. ومحّصت الذهب بالنار، أي خلّصته مما يشوبه.

ويجب أن نتأكد من النسخ الخطية قبل أن نحكم بأنها هنا من سبق القلم أو زلة اللسان ! لأننا نجد تعدية الفعل «محص» بهذا الحرف في موضع آخر وهو : «فلا يجد محيصًا عنه ولا مرامًا» (ص 301 س12).

 

 

6- «… فأشار عليّ بعض بطانته بشُرب الكافور، فاغترفت منه غُرفة، فشربتها، فاختلطتُ…» (ص 35 س10)

 والكلام هنا للآبلي أستاذ ابن خلدون، حكاية عنه. والذي أشار على الآبلي بذلك الدواء رجل من بطانة رئيس من أهل كربلاء كان عائدًا من المغرب بعد أن انسدت الآفاق أمامه في إقامة الدعوة لبني الحسين، وكان الآبلي برفقته يركب البحر من تونس الى الاسكندرية في طريق الحج .

 والأصح هنا : غَرفة، بفتح الأول، اسم مرّّة. وفي التنزيل : «إلاّ من اغترف غَرفة واحدة» (برواية قالون، وهي قراءة تونسية أقرب الى ابن خلدون) الآية 248، سورة البقرة. والغُرفة، بالضم، ما اغترف.

 

 

7- مثال آخر:

 «واضطرب الظاهر أخْبِيته» (ص 340 س5)، يقول الطنجي في التعليق رقم (1) على هذا الموضع : «كذا في الأصول».

 

 

وهذا معناه لدى المحقق توقّف في صحة الكلمة أو في المعنى المقصود. وليس شيئًا من ذلك في رأينا، لأن اضطرب وضرب بمعنى واحد، وهو نصب الخيام أو الأخبية. وهو من ضربَ الوَتِد يضربه ضربًا : دقّه حتى رسب في الأرض، وهو افتعل من الضرب، والطاء من التاء. وفي الحديث : اضطرَب خاتمًا من ذهب، أي أمَر أن يُضرب له ويصاغ ؛ وفي الحديث : يضطرب بناءً في المسجد، أي ينصبه ويقيمه على أوتاد مضروبة في الأرض.

 

 

ومع ذلك فالعبارة واضحة من سياقها، فابن خلدون، متحدّثا عن استعادة الظاهر برقوق ملكه من بعض الثائرين عليه، يقول : «وفرّ منطاش الى دمشق، واضطرب الظاهر أخبيته ونزل على دمشق».

 

 

8- «فرحلتهم معي إلى أن نزلنا» (ص 237س 16)

 تقديري أن القراءة : «فرحلتُ معهم» في  النسخة «ب» التي أشار إليها الطنجي أصحّ، لأن الحديث عن ارتحال ابن خلدون وهو في صحبة آمنة من الجماعات القبلية، للخطر منها في الرحلة وحده!

 

 

9- «بينا أصلُ الى حضرة أبيه» (ص 238، س 3)، وإنما هي في الحقيقة «ريثما»، إذ لا استعمال لابن خلدون لـ «بينا»، بهذا اللفظ ، وهي كذلك في الطبعات التي رجعنا اليها، ولأن المعنى في «بينما» هنا غير موجود. إذ «بينما» – و«بينا» اختصارًا لها –  ظرف زمان بمعنى المفاجأة؛ في حين «ريثما» تدلّ على البطء. وهذا هو المعنى هنا، وهو واضح من السياق،  فابن خلدون يتحدّث عن عودته من قسنطينة بعد تغّرب طويل الى تونس، التي يصفها بحنين شديد بقوله : «…  تونس حيث قرار آبائي ومساكنهم وآثارهم وقبورهم» (ص237 س9)، فهو يقول إذن : «وأذِن لي (يقصد الأمير ابراهيم ابن السلطان أبي العباس) في الدخول الى قسنطينة، وإقامة أهلي في كفالةِ إحسانه ريثما أصل الى حضرة أبيه».

 

 

10 –  شعر عومل معاملة النثر:

 ص 259 س4 : هناك بيت شعر لم ينتبه الطنجي الى أنه كذلك ولا الأستاذ شبّوح ، فجاء في هذه الطبعة في صلب الكلام المسترسل،

 وهذا البيت هو :

 يا له من غريبِ وصْفٍ ودارٍ    قد أتى عنكمُ بكلّ غريبِ

 وقد ورد هذا البيت في الكتاب الذي وجّه به الملك الظاهر سلطان مصر (الذي وفَد ابن خلدون الى بلاده لعشر من أيام جلوسه على التخت) الى سلطان تونس، أبي العباس، يلتمس تَخْلية سبيل أهل ابن خلدون وولده للالتحاق به. لم يتفطن المحقق ولا المراجع الى هذا البيت (وهو من البحر الخفيف)، في حين خصّ المحقق عجُز البيت الذي بعده بالتعليق عليه حيث ردّه الى بيت لبشّار وذكر صدره، وهذا البيت هو :

 يا قومي أُذْني لبعض الحيّ عاشقة      والأذن تعشق قبل العين أحيانا.

 

 

11- الضرورة في الشعر. يظهر أن الطنجي لا يعرفها. وهنا ندرك الفرق بين الطنجي في أول عهده بابن خلدون والطنجي العلامة في استدراكاته اللاحقة على أعماله العلمية في شبابه:

 مثال ذلك هذا البيت :

وهاك منها قوافٍ طيّها حِكَمٌ      مثل الأزاهر في طيّ الرياحين.  

يقول الطنجي في تعليقه على لفظ «قواف» في البيت (ص 90، س2): «كذا في الأصل وحقه أن يكون منصوبًا. لأن هاك بمعنى خُذ».

 فهذا التعليق يدل على عدم تمكّن الطنجي من أحكام الضرورة في الشعر، وإلا لقال وذلك لضرورة الشعر؛ لا أن يجعل تعليقه في شكل مخالفة غير مسوّغة ِمن ابن خلدون في حق قواعد اللغة. ولكن هنا لابن خلدون وجهٌ من الاستعمال دون وقوع في ضرورة شعرية، وهو الفصل القائم بين الفعل وما بعده بجار ومجرور، فتكون الجملة «منها قواف»، وهي جملة حرفية قائمة بذاتها، في محل المفعول به؛ ولا مخالفة للقواعد باسم العروض أو باسم النحو.

 

 

12- «والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نُكتة الأكوان وجمالها (…) فجاء خاتمَ أنبيائها وأرْسالها»، (ص 287 س12)

 وفي التعليق (رقم 2) على «أرسالها»، يقول الطنجي: «ورد في كلام كثير من علماء الأندلس، جمع رسول على «أرسال». ولم يرد في معاجم اللغة هذا الجمع».

وهذا التعليق غريب. ويخلو من الصحة ولا يستند الى حقيقة. فأهل الأندلس والمغرب ليسوا بدعة في اللغة. وهذا التعبير أصيل في اللغة ومذكور في كتبها على اختلافها. وإن كان حسن ظنّنا بالمحقق لا يتخلّف. ففي ما نقل ابن منظور في اللسان عن ابن الانباري قوله : الرسول : معناه في اللغة الذي يتابع أخبار الذي بعثه أخذًا من قولهم : جاءت الإبل رَسَلاً، أي متتابعة، ويقال جاءت أرْسالا، إذا جاء منها رَسَلٌ بعد رَسَل. والإبل إذا وردت الماء وهي كثيرة فإن القيّم يوردها الحوض رَسَلا بعد رَسَل، و لا يوردها جملة فتزدحم على الحوض ولا ترْوى.

 فنقول إذن، الكلمة «أرسال» لها أصل في اللغة. ومعناها المتتابعون بالإخبار عن الله عزّ وجلّ. فهي من رسَلٌ وجمعها أرسال لا من رسول وجمعها رسُلٌ وأرْسالٌ. والرَّسَل معناه لغة القطيع من كل شيء والرّسَل، قطيع بعد قطيع.

 وفي الحديث : «أن الناس دخلوا عليه بعد موته أرْسالاً.

 وقد جاءت الكلمة في لفظ ابن خلدون في موضع آخر (ص 349 س13) في قوله : «ولما فَصَل أرْسال ملِك المغرب، وقد قضوا فرْضهم …». ويحيل فيها الطنجي على تعليقه المتقدم .

 

 

13- يقول ابن خلدون، يصف حاله بعد تخلية السلطان سبيله من ولاية القضاء الأولى: «ورتعتُ فيما كنت راتعًا فيه قبلُ من مراعي نعمته وظل رضاه وعنايته…» (ص  267 س6).

 يشير الطنجي أن قراءة أخرى في أحد الأصول ليس فيها كلمة «قبلُ».

 ولكنه لم يلاحظ أنها القراءة الأكثر استرسالا في الكلام ، فاستعمال «قبلُ» في الجملة هنا يثقلها، والأصل في التعبير بها للخفة «من قبلُ» ولكن لوجود «من» بعدها في قوله «من مراعي نعمته» لزم التخفّف من لفظ «قبل» في الجملة، خصوصًا والتعبير يقوم بنفسه عن المعنى لبناء الفعل قبلها الى الماضي في قوله «ورتعتُ فيما كنتُ راتعًا فيه».

 وعدم التخيّر لما هو الأصح تعبيرًا لا ينفي التقيّد بنقل ما في الأصل المعتمد دون الاستعانة بما في النسخ الأخرى من صيغ قد تكون أوفق لعدة أسباب.

 

 14- «هلمّ» في قول ابن خلدون (ص 310 س3): «وأقبل مالك على تهذيب كتابه وتوطئته؛ فيقال إنّه أكمله في أربعين سنة؛ وتلقّت الأمة هذا الكتاب بالقبول في مشارق الأرض ومغاربها، من لدن صُنّف الى هلمّ، وطال ثناء العلماء في كل عصر عليه».

 توقف الطنجي بالتعليق على «هلمّ» وجاء تعليقه بما يلي: «كذا في الأصلين، وهو استعمال غريب. وقد استعمله في مقدّمته في فصل الكيمياء 273 (بولاق). وانظر شرح الشريشي على مقامات الحريري 1/105، تاج العروس (جر)».

 

هذا كل ما قاله الطنجي. فهو في هذا التعليق أشبه به في مواضع أخرى تقدّمت لنا، وضَع علامات استفهام حول استعمالات لغوية لابن خلدون لم يتردّد في وضع علامات استغراب أمامها.

 

ونقول، هلمّ في هذا الاستعمال له أصل من اللغة، وليس من هلّم جرا التي أشار الطنجي الى أن ابن خلدون استعملها أيضًا في مقدمته بفصل الكيمياء؛ وإن كانت إشارته اليها ليست دقيقة، فالكلمــــــــــــة المستعملة في المقدمة ليست «هلم» بهذا اللفظ وحده، وإنما هي في ذلك الموضع وفي ثمانية مواضع أخرى في المقدمة بلفظ «هلم جرا»، مضـاف ومضاف اليه.

 

والمعنى يختلف بين اللفظين، وابن خلدون انما يشير الى قوله تعالى: «هَلُمّ شُهَدَاءَكُمْ» (الآية150 ، سورة الأنعام) أي هاتوا شهداءكم وقرّبوا شهداءكم.

 

فالآية تتحدث عن وقائع يوم القيامة. وقول ابن خلدون «.. الى هلمّ»، أي الى يوم القيامة، ولا يقصد الى عصره أو كما نقول اليوم الى الآن، كما هو المتوقع في الحديث العادي، أي في غير الفقه وعلوم القرآن.

 

(المصدر: جريدة “الصباح” التونسية الصادرة يوم 20 ديسمبر 2006)

 

Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.