الأربعاء، 15 فبراير 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2095 du 15.02.2006

 archives : www.tunisnews.net


مركز تونس لاستقلال القضاء و المحاماة: بيــان دعوة إلى ميسرة سلمية يوم السبت في قابس إحتجاجا على الرسوم الكاربكتيرية المسيئة للإسلام

اللجنة التقنية للمنتدى الإجتماعي التونسي للشباب: دفاعا عن استقلالية شباب المنتدى إسلام أون لاين: « الاغتيال » يهدد صحفيين بالشرق الأوسط  الشروق: انتخابات المحامين الشبان:ثلاث قائمات في السباق وأجل الترشح ينتهي يوم 27 فيفري الشرق : تونس تتجه لترفيع استثماراتها مع بريطانيا إلى 3 مليارات دولار علي شرطاني: اليسار الماركسي في تونس والعفو التشريعي العام؟ د.خالد الطراولي: المنفيون والمشرّدون جنان معلقة أم مأساة منسية؟ الهادي بريك: الانسان المعجزة رضا المشرقي: حزب إيطالي يعرض الرسوم المسيئة للرسول في ساحة عامة و الكنيسة تنتقد و اتحاد المسلمين يرفع شكوى مرسل الكسيبي: هل نريدها حربا عالمية شرارتها الكاريكاتير !؟ د. أحمد القديدي: من الذي أساء للرسول الكريم؟ نحن أم الرسام الدانماركي؟ حسين المزوغي: قراءة في ظاهرة التطاول على نبي الإسلام الحبيب أبو وليد المكني: حماس بين شمولية المبدأ و خصوصية الملف السياسي محمد كريشان: أطلقوا سراح جيل كارول العفيف الأخضر: فداء يسوع للبشرية وفداء الحريري للبنان حاتم الطحاوي: عملة إسلامية انكليزية: الدلالة والمغزى


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

مركز تونس لاستقلال القضاء و المحاماة

بيــان

يعلم مركز تونس لاستقلال القضاء و المحاماة الرأي العام أن القضيتين المنشورتين أمام المحكمة الإبتدائية بتونس تحت عدد 62565/2 و 62872/2 بناءا على الدعوى المرفوعة من المكتب الشرعي لجمعية القضاة التونسيين باسم رئيسها السيد أحمد الرحموني و الدعوى المرفوعة من طرف القضاة المنخرطين بالجمعية السيدة ليلى بحرية و السادة محمد الخليفي و حمادي الرحماني و الراميتين إلى إبطال أعمال الجلسة العامة الخارقة للعادة المنعقدة في 4 ديسمبر 2005 بدعوة من المجموعة الإنقلابية و المنظمة من طرف وزارة العدل قد و قع طرحهما بجلسة 13 فيفري 2006.

 

و بعد الإطلاع على مذكرة شرح الأسباب المرفقة بمطلبي الطرح المقدمين للمحكمة و المتضمنة على وجه الخصوص التذكير بالأحداث التي عاشتها الجمعية منذ إنتخاب مكتبها التنفيذي خلال مؤتمرها المنعقد في 12 ديسمبر 2004 و بالأخص:

1.    رفض وزير العدل و حقوق الإنسان للحوار مع المكتب الجديد المنتخب بصفة ديموقراطية بسبب معارضته لمشروع القانون المتعلق بتحوير القانون الأساسي للقضاة.

2.    الإنقلاب المعلن على الجمعية إثر البيان المكتب التنفيذي الصادر في 02 مارس 2005 و المدين لانتهاك حرمة قصر العدالة من طرف البوليس السياسي و للإعتداءات التي تعرض لها المحامين بمناسبة تقديم الأستاذ المحامي محمد عبو لقاضي التحقيق.

3.    إخراج المكتب التنفيذي من مقر الجمعية الكائن بقصر العدالة عن طريق الإستيلاء عليها بتعليمات من الوزير البشير التكاري و في خرق سافر لكل القوانين و التراتيب.

4.    الحملة التأديبية ضد كل النشطين من الأعضاء المنتخبين في هياكل الجمعية و من ساندهم من القضاة عن طريق النقل التعسفية.

5.    الخرق الواضح للقانون بمناسبة القضية الإستعجالية المرفوعة لطلب تعطيل إنعقاد الجلسة العامة الإستثنائية في 4 ديسمبر 2005 و بالأخص رفض القاضي المتعهد بلقاسم البراح و المضمن إسمه في قائمة القضاة الممضين على الوثيقة المقدمة باعتبارها « العريضة » التي سحبت بموجبها الثقة في المكتب التنفيذي التخلي عن القضية تطبيقا للفصل 250 من مجلة الإجراءات الجزائية. باعتبار القاضي الذكور قد صرح برأيه في النزاع بالانحياز إلى جانب الإنقلابيين.

6.    تصريح المحكمة بنيتها الحكم في القضيتين بطريقة متسرعة عن طريق رفضها لمطالب التأخير المقدمة من المحامين بقصد التمكن من إستكمال وسائل دفاعهم. ( مع العلم أن أول جلسة إنعقدت في 26 ديسمبر 2005)

7.    و يذكر في الختام أن الرئيس الأول لهذه المحكمة قد دعى لجلسة عامة إستثنائية لقضاة إقليم تونس في 3 مارس 2005 لإدانة المكتب التنفيذي للجمعية المنتخب ديموقراطيا و اصدر بيانا على مطبوعة خاصة بوزارة العدل تحت عنوان « وزارة العدل – المحكمة الإبتدائية بتونس »

 

 واعتبارا لأن شروط المحاكمة العادلة و النزيهة مفقودة و اعتمادا على كل الأسباب السالفة الذكر تم طلب طرح القضية.

 

إن مركز تونس لاستقلال القضاء و المحاماة :

 

1 –  يحيي شجاعة المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين ممثلا في شخص رئيسه السيد أحمد الرحموني و كل القضاة الذين وقفوا إلى جانب هياكلهم الشرعية.

 

2 – يعبر عن تفهمه للأسباب التي بررت مطالب الطرح و خاصة الحرص الذي عبرت عليه هذه النخبة من القضاة الشرفاء و الصامدين   في صيانة شرف العدالة في بلادهم.

 

3 – يذكر أن النضال من أجل استقلال القضاء في بلادنا مازال في بدايته و يدعو الرأي العام إلى اليقظة و مزيد الدعم للقضاة الشرفاء و الصامدين في معركتهم المشروعة من أجل انتصار قيم الجمهورية في بلادنا.

 

عن مركز تونس لاستقلال القضاء و المحاماة

الرئيس : المختار اليحياوي

 
 
 
CENTRE DE TUNIS POUR L’INDEPENDANCE DE LA JUSTICE
RUE 8002 ESPACE TUNIS IMMEUBLE A MONTPLAISIR 1002 TUNIS

Tel: 00216 71 950.400 / 00216 71 950.420

Portables : 00216 98 667 463 / 00216 98 327 175
Fax: 00216 71 950.370
E-mail akilani@gnet.tn
**************
Tunis le 2006/2/14
 


 
 

قابس في 15/02/2006

على إثر الصلف و الاستكبار الذي أبدته القوى اليمينية العنصرية في الغرب التي واصلت حملتها المستهترة بديننا الإسلامي الحنيف و رسوله الكريم عليه أفضل الصلوات و التسليم و أمام رخاوة الرد الرسمي على هذا الاعتداء اجتمعت

جامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي

بمناضليها و أصدقائهم يوم الاثنين 13/02/2006 الذين قرروا تنظيم مظاهرة سلمية يوم السبت 18/02/2006 على الساعة الرابعة مساء تنطلق من ساحة جارة للاحتجاج على ذلك و إدانته و المطالبة بقوانين دولية تضمن احترام مقدسات الشعوب.

 

هذا وقد وقع إعلام السلطة الجهوية بالمكان و الزمان و المسار وفق ما يقتضيه القانون و التي لم ترد علينا إلى حد الآن.

 

عبدالوهاب عمري


 

دفاعا عن استقلالية شباب المنتدى

يخيم على الدينامية الشبيبية التونسية شبح الهيمنة والوصاية والإحتواء. ذلك أن سوء الفهم ولربما انعدام فهم مشاكلهم الفعلية علاوة على استبعاد تطلعاتهم الحيوية أصبح هما يوميا لا يكاد ينتهي. وبدلا للإستسلام لآلة الخنق والتعتيم والإبتلاع هذه تتعلق الهمة الآن بعدم الإنسجان في هذه السلبية وهذا التعطيل والعرقلة وكذلك عدم الخوف، وبلا رجعة من تفلت ارتفاع درجة الأهواء التعيسة والتخريبية بما يعني مقاومة كل ذلك الإستغناء عن المحال ورفض الهيمنة وتفعيل المبادرة. وعليه فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مواصلة التسامح مع كل أنماط البيروقراطية واللوبينغ lobbying السياسي، فإن مستقبل الشباب يتعلق بمصيرية المقاومة النشيطة والمسؤولة والإستراتيجية ضد كل أنواع تأبيد القائم وضد كل الذين يحاولون البقاء في الطابق العلوي لمدة زمنية ما. وعلى هذا النحو فإن هدفنا هو البناء الدائم والحركة الدائمة والمقاومة الدائمة، ومن هذا المنطلق لا بد من توضيح أمر أساسي وحاسم: شبيبة مستقلة وفاعلة.
وتكمن أهمية هذه الأطروحة في الفصل النهائي بين الإهتمام بالشأن العام بكل أبعاده وبعقلية المنتديات وبين اللهث الإنفلونزي وراء فرض مواقف الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات وهذا يعني الإستقلالية l’autonomie أولا وأخيرا أي تنظيما وبرمجة وتحركا وتمويلا دون انفصالية séparatisme واستقلالية بمعناها الإديولوجي autonomisme. وإن استجاب المبادرون بتأسيس المنتدى الإجتماعي التونسي للشباب لدعوة شابات جمعية النساء الديمقراطيات في أكتوبر 2005، وإعتبروا مشاركة هذا الفصيل الشبابي الجمعياتي عنصر اثراء للمبادرة فإن الأمر انقلب نظرا لسعي هذه المجموعة المتكونة من أفراد قلة إلى الإنقلاب على كل ما يتم الإتفاق عليه، واتخاذ قرارات واصدار نصوص بإسم الدينامية الشبيبية وفبركة قرارات بصيغ وهمية وبالتواطئ الواضح مع جهات من خارج المجموعة العاملة على تأسيس المنتدى الإجتماعي التونسي للشباب. ومثل آخر حدث في سلسلة التجاوزات نقطة فاصلة حقيقية ومدعاة لإعادة مراجعة جذرية لسير عمل دينامية الشبيبة ذلك أنه وبتاريخ 13 فيفري 2006 تمت دعوة عدد من أعضاء اللجنة التقنية وناشطين آخرين لإجتماع بمقر جمعية النساء الديمقراطيات بتاريخ 14 فيفري 2006 تم ترتيبه سلفا بحصر المجموعة الحاضرة في عدد محدود وترتيب سيناريو ملغوم لتحديد تمثيلية دينامية الشبيبة في الإجتماع التحضيري للمنتدى الإجتماعي التونسي المزمع عقده يوم الأحد 19 فيفري 2006، وقدمت شابات النساء الديمقراطيات ما اتفقن عليه مع أهل اللوبيات حصرا لعدد المشاركين الشباب ثم اقترحن من جانبهن من رأينه مناسبا دون المشاورة الضرورية ودون مراعاة للأهلية. وقد انسحب الحاضرون منا من هذا الإجتماع نظرا لإنقلاب الشابات على ما اتفقنا عليه سابقا، وهذا يعد تجاوزا أخلاقيا فادحا وهدرا لكل الجهود التي بذلها الشباب منذ المبادرات الأولي ودوسا للخط الفاصل بين ميثاق بورتو أليغري وما قبله بل إن الأمر يعد تجاوزا لعقلية بناء منتدى مغاربي ويعد خرقا للمشروع النضالي الجماهيري العالمي، ونعتبر –بالتالي- أن كل ما يصدر عن هذا الإجتماع مرفوض وغير ملزم مبدأ واستصدارا وتبعات. وبناء على ما تقدم نعلن نحن، أعضاء اللجنة التقنية للمنتدى الإجتماعي التونسي للشباب، الممضون أسفل هذا:
–        رفضنا القاطع لأي محاولة لإحتواء المنتدى الإجتماعي التونسي للشباب من طرف أي جهة أو مجموعة. –         نؤكد على أن أولويتنا العمل ضمن اللجان وتكوين مجموعات عمل فاعلة. –         نؤكد انخراطنا المسؤول والفعلي في مشروع تأسيس منتدى اجتماعي تونسي شرط ألا يكون تحت هيمنة أي منظمة أو جهة كانت، وألا يكون منتوج لوبيات تعمل على أسره طبق أجندتها. –         نؤكد على أن سعي عدد من الأطراف لإقصاء المجموعة المبادرة بتأسيس المنتدى الإجتماعي التونسي للشباب من دائرة الفعل هدفه خدمة مصالح ضيقة. –         ننبه نشطاء المنتدى الإجتماعي التونسي للشباب إلى ضرورة حماية هذا الحلم من كل الأيادي التي تعمل على وأده جنينا. –         المنتدى الإجتماعي ليس تحالف منظمات تتقاسم داخله المواقع، نظرا لأنه في الأصل لا مواقع فيه، إنه دائرة للفعل الإجتماعي ضدا للهيمنة بكل أشكالها ودفاعا عن المواطنة والمواطنين. –        نؤكد أنه بصفتنا نشطاء في المنتدى الإجتماعي التونسي للشباب ومن خلاله في المنتدى الإجتماعي التونسي أننا سنطرح على الرأي العام مستقبلا كل ما نعتقده وكل ما نتصوره وكل ما نرى فيه اخلالا بميثاقه وبمبادئ الديمقراطية وشروط هذا الفضاء الذي تتعثر الخطوات لتأسيسه.
 

من أجل شباب فاعل ومستقل

 
صلاح داودي                                 سفيان شورابي                                 عبد االكريم الشابي                                
زينب الطرابلسي                             غسان عمامي                                    سعيدة الشريف
حياة الطويهري                               سمير بوعزيز                                   إيناس التليلي  
     مروان المؤدب                          علي فلاح
 
ملاحظة: تتشكل اللجنة التقنية المؤقتة من 17 عضوا (يجري الاتصال بالبقية).
 


 

« الاغتيال » يهدد صحفيين بالشرق الأوسط

القاهرة – رويترز – محمد جمال عرفة – إسلام أون لاين.نت/ 14-2-2006 أفاد تقرير لجنة حماية الصحفيين الدولية عن عام 2005 أن « الاغتيال » خطر يتعرض له صحفيون في الشرق الأوسط، غير أنه أشار في الوقت نفسه إلى أن هناك بعض البوادر الإيجابية على حرية أكبر للصحافة في بعض الدول.
وفي مؤتمر صحفي عقد بمقر نقابة الصحفيين المصريين بالقاهرة الثلاثاء 14-2-2006، قال كمال العبيدي مستشار عمليات اللجنة في الشرق الأوسط: إن المنظمة اختارت القاهرة لتكون أول مدينة عربية أو إفريقية لتعلن فيها صدور تقريرها الجديد لتوجيه « رسالة تقدير وتضامن من لجنة حماية الصحفيين إلى صحفيي مصر ونقابتهم وكل الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذين ما انفكوا يدافعون عن حرية الصحافة ».
وجاء في التقرير أن نحو 47 صحفيًّا لقوا حتفهم في عام 2005 « أغلبهم سقطوا برصاص قتلة تعمدوا إخماد أصواتهم نهائيًّا لمعاقبتهم على عملهم الصحفي »، كما أن هناك صحفيين في الشرق الأوسط « على قائمة المرشحين للاغتيال ».
وأشار التقرير إلى مقتل الصحفيين اللبنانيين سمير القصير وجبران تويني اللذين كتبا مقالات مناهضة لسوريا، وكذلك استهداف الصحفية اللبنانية مي شدياق، في انفجار قنبلة زرعت تحت مقعد سيارتها؛ وهو ما أدى إلى بتر ساقها ويدها. وفي العراق، أوضح التقرير أن عدد الصحفيين الذين قتلوا منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 إلى نهاية 2005 وصل إلى 60 صحفيًّا، أغلبهم من المراسلين العراقيين الذين يعملون مع وسائل الإعلام المحلية أو العالمية.
مصر
ولم يقتل أي صحفي في مصر في عام 2005 بحسب التقرير. لكن التقرير أشار إلى قيام عناصر من قوات الأمن ومجموعة من الخارجين عن القانون، بمهاجمة صحفيين كانوا يقومون بتغطية الاحتجاجات المناهضة للاستفتاء والانتخابات البرلمانية خلال العام نفسه.
وحول اليمن، أشار التقرير إلى « تزايد حوادث الاعتداء على الصحفيين على أيدي عملاء الحكومة والجماعات المسلحة ».
أما « الأسوأ من ذلك » -وفق التقرير- فكان ما أسماه « الضربة شبه القاتلة » التي « تلقتها وسائل الإعلام الإيرانية المستقلة على يد الحكومة التي لم تكتفِ بإغلاق الصحف المؤيدة للإصلاح، بل تعدت ذلك إلى حملات اعتقالات وتعذيب ضد الصحفيين الناقدين ».
انتهاكات إسرائيلية
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، أفاد التقرير أن جيش الاحتلال الإسرائيلي واصل انتهاكاته ضد الصحفيين خاصة الفلسطينيين منهم، بما في ذلك القتل والضرب والاعتقال وتخريب أجهزتهم.
وأشار إلى أن الاعتداء الأخطر كان تعرض المصور الفلسطيني مجدي العرابيد في 2 يناير لإطلاق نار أصابه بجروح خطيرة، بينما كان يقوم بتغطية إخبارية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، لحساب القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي.
وأبلغت المراسلة الصحفية الإسرائيلية شلومي إيلدار التي تعمل مع القناة العاشرة، وشهدت الحادثة لجنة حماية الصحفيين أن جنودًا إسرائيليين هم من أطلق النار.
وتسبب إطلاق النيران من جانب القوات الإسرائيلية في مقتل عدد من الصحفيين وإصابة العشرات الآخرين منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
تونس
وفي تونس، يشير التقرير إلى أن حكومة الرئيس زين العابدين بن علي التي تحكم منذ 18 عامًا « واصلت أساليبها المعتادة، من خلال قمع الصحافة الناقدة، كما منعت اتحاد الصحفيين الذي تشكل حديثًا من عقد أول مؤتمر عام له ».
ونظمت مجموعة المراقبة التونسية التي تعمل تحت مظلة مجموعة التبادل الدولي لحرية التعبير، 3 بعثات تقص في يناير، ومايو، وسبتمبر 2005، وتوصلت إلى أن الاعتداءات على حرية التعبير وعلى الإعلام « قد تصاعدت منذ (يناير) 2005 ».
وقال صحفيون تونسيون مستقلون: إنهم تعرضوا لمضايقات من قبل عناصر أمن بزي مدني، كما كانت اتصالاتهم الهاتفية تخضع المراقبة، وكثيرًا ما كانت تنقطع بصفة عشوائية.
وفي أكتوبر 2005، دعا آمبي ليجابو، المقرر الخاص لشئون النهوض بحرية الرأي والتعبير التابع للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، السلطات التونسية إلى رفع القيود عن الصحافة المستقلة وإقرار تشريعات « لإزالة الصفة الجرمية عن مخالفات التشهير والمخالفات المرتبطة بهذا الأمر ».
ملامح إيجابية
في الوقت نفسه أشار التقرير إلى بعض الملامح الإيجابية بخصوص الصحافة في المنطقة العربية. فبخصوص المغرب، قال التقرير: « إن الصحافة الحرة تنامت وازدادت شجاعة في السنوات الأخيرة، وأخذت تتحدى التحريم بانتقاد الملكية وتشكك في مزاعم المغرب بخصوص الصحراء الغربية ».
وجاء في التقرير أنه لم يسجن أي صحفي في المغرب في عام 2005، بينما سجن 3 صحفيين في عام 2004.
غير أنه أشار إلى « الوعد الذي أطلقه وزير الاتصالات نبيل بن عبد الله بأن الحكومة سوف تلغي عقوبة السجن للمخالفات الواردة في القوانين الصارمة للصحافة. ومع ذلك، لم يترجم تعهد الوزير إلى تقدم فوري في هذا المجال ».
وأضاف أن « من التطورات الإيجابية في منطقة المغرب العربي إفراج السلطات الجزائرية… عن (الصحفي) أحمد بن نعوم ». وكان حكم قد صدر في عام 2004 بحبس بن نعوم لمدة عامين في قضية خاصة بالنشر.
والسعودية
وحول الوضع في السعودية، قال تقرير لجنة حماية الصحفيين: « تقوم الصحف السعودية حاليًا بنشر تقارير إخبارية ما كان ممكنًا التفكير في نشرها قبل 5 سنوات. وأصبح من المعتاد نشر تقارير صحفية حول الجريمة وتهريب المخدرات ومعارك قوات الأمن مع المتشددين المسلحين ».
غير أنه استدرك قائلاً: « لكن ظلت مسيرة التقدم غير متوازنة؛ إذ ما زالت هناك العديد من القضايا السياسية محظورة مثل شئون الأسرة المالكة ونفوذ المؤسسة الدينية والفساد الحكومي ».
وتأسست لجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك عام 1981 وتنشر تقارير سنوية عن الاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون حول العالم.
(المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 14 فيفري2006 )

انتخابات المحامين الشبان:

ثلاث قائمات في السباق وأجل الترشح ينتهي يوم 27 فيفري

 

* تونس ـ «الشروق»:

 

أنهت جمعية المحامين الشبان تحضيراتها المادية لجلستها العامة الانتخابية التي تقرر عقدها يومي 3 و4 مارس المقبل. وشرعت منذ الأمس في تلقي الترشحات لعضوية هيئتها القادمة وهي عملية ستتواصل إلى غاية يوم 27 فيفري الحالي.

وستعقد جلسة النقاش العام التي سيتم خلالها مناقشة التقريرين المالي والأدبي والمصادقة عليهما وكذلك انتخاب رئيس وأعضاء مكتب الاقتراع يوم الجمعة 3 مارس المقبل بنزل الأكروبول بالبحيرة أما الانتخابات فستجرى في اليوم الموالي وكالمعتاد بقصر العدالة بالعاصمة.

 

المحامون من جهتهم لم ينتظروا الاعلان عن فتح الترشحات حتى ينطلقوا في الاعداد لهذا الموعد الهام بل انهم شرعوا ـ وكما جرت العادة في المواعيد السابقة ـ في تحركاتهم وحملاتهم بصفة مبكرة حيث تكثفت الاتصالات في الآونة الأخيرة لتشكيل التحالفات الانتخابية التي يجب الانتظار إلى حين اكتمال قائمة المترشحين لعضوية هيئة الجمعية المقبلة حتى تنكشف خيوطها التي تنسج في تكتم شديد.

 

* قائمة وفاقية

 

وحسب المعطيات المتوفرة حاليا والمتداولة داخل كواليس المحامين فإن كل الجهود والاتصالات تركزت على محاولة تشكيل قائمة وفاقية موحدة تضم مرشحين عن كافة التيارات المعارضة وتمثل الخط المستقل وتقديمها لتنافس قائمة المحامين التجمعيين التي لم يتم الحسم فيها إلى الآن بصفة نهائية باعتبار ان الأستاذ لطفي العربي رئيس الجمعية الحالي والمرشح لترؤسها مازال إلى الآن يراوح بين تجديد ترشحه وعدم التجديد.

 

غير ان ما حصل إلى حدّ الآن هو فشل هذه الجهود بعد خروج أحد التيارات اليسارية عن التحالف ويسعى هذا التيار حاليا إلى تشكيل قائمة انتخابية مستقلة وهو ما يرجح انحصار التنافس في انتخابات المحامين الشبان المقبلة بين ثلاث قوائم هي قائمة المعارضة، وقائمة اليسار المنشق عن الخط المعارض وقائمة محامي التجمع التي فازت في انتخابات الجمعية الأخيرة.

 

وإجمالا يمكن الجزم من الآن بأن المشهد الانتخابي للمحامين الشبان سيميزه الصراع والتنافس بين هذه القائمات الثلاث إلا أن هذا ـ وبحكم التجارب السابقة ـ لا يمكن أن يمنع حصول بعض التغيرات وربما بروز تحالفات أخرى أو انشقاق مرشحين عن قائماتهم وترشحهم بصفة مستقلة وفردية.. كل هذا يدخل سياق «التكتيك» الانتخابي المعهود في أوساط المحامين الشبان وأسلوب خلط الأوراق الانتخابية التي ستكشفها اللحظات الأخيرة السابقة لعملية التصويت.

 

* محمد اليزيدي

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 15 فيفري 2006)


تونس تتجه لترفيع استثماراتها مع بريطانيا إلى 3 مليارات دولار

تونس ـ صالح عطية :

 

كشفت مصادر دبلوماسية بريطانية لـ «الشرق» أن محادثات تجري منذ فترة بين المسؤولين التونسيين ونظرائهم البريطانيين ومن المنتظر أن تسفر عن اتفاق يقضي بالترفيع في حجم الاستثمار المشترك إلى نحو ثلاثة مليارات دولار خلال الفترة المقبلة. ومن المقرر أن يزور وفد برلماني تونسي ضخم العاصمة البريطانية خلال الأيام القليلة القادمة، لإجراء محادثات مع برلمانيين بريطانيين ومع مسؤولين سياسيين واقتصاديين في لندن، حول سبل تطوير التعاون الاقتصادي وترفيع نسق الاستثمار البريطاني في تونس.

 

وكانت المبادلات الاقتصادية والتجارية بين تونس ولندن، عرفت تطورا لافتا للنظر خلال الفترة المنقضية.. وأفادت بعض الدوائر التونسية المسؤولة، بأن هذه المبادلات مرشحة لأن تشهد ديناميكية أكبر في المرحلة المقبلة في ضوء الاهتمام البريطاني بتونس، وانشغال الحكومة التونسية بالترفيع من نسق معاملاتها مع لندن على جميع الصعد، خاصة منها الاقتصادية والاستثمارية.

 

وشهدت السنوات القليلة الماضية، تعاونا بين الحكومتين في قطاع الطاقة، الذي يعد أحد أبرز القطاعات النشيطة في علاقات البلدين، بفضل ترفيع قيمة استثمارات شركة «ريتش غاز» في تونس من مليار دولار إلى حوالي مليار و600 مليون دولار بالنظر للدور الذي تلعبه في مستوى توسيع منطقة استكشاف المحروقات، من حقل «ميسكار» إلى حقل «صدر بعل» في مستوى السواحل الشرقية للوسط التونسي.

 

وتوصلت الحكومة التونسية في الآونة الأخيرة إلى التوقيع على عقود استكشاف جديدة عن النفط والغاز مع ثلاث مؤسسات بريطانية، هي شركات «ريب تونس» «REAP TUNISIE» وشركة «روبرتسون» «ROBERTSON»، بالإضافة إلى شركة «ميد أويل» «MEAD-OIL».

 

وتتواصل حاليا المفاوضات بين الجانبين التونسي والبريطاني، بخصوص صفقة بناء مصفاة ميناء الصخيرة «في خليج قابس» الذي تبلغ قيمته نحو مليون دولار، وهو يهدف إلى ترفيع طاقة تكرير النفط من 30 ألف برميل يوميا في الوقت الراهن «تؤمنها مصفاة بنزرت/60 كلم شمال البلاد التونسية»، إلى نحو 120 ألف برميل يوميا في المستقبل.. وهي المفاوضات التي بدأها وفد بريطاني رفيع المستوى في تونس مؤخرا، كان مثله القطاع الخاص ومسؤولون من الحكومة البريطانية لبحث إمكانية الفوز بهذه الصفقة الأكبر في قطاع الطاقة بتونس.

 

على صعيد آخر، قالت مصادر تونسية، إن المرحلة المقبلة ستشهد إمكانية الترفيع في حجم المبادلات التجارية بين البلدين التي لم تتجاوز في الوقت الحالي قيمة 650 مليون دولار، ومن المتوقع أن تعرف هذه المبادلات نسقا تصاعديا خصوصا في قطاعات الصناعات الكهربائية والميكانيكية.. وبالموازاة مع ذلك، كشف ذات المصدر، أن قطاع الخدمات المالية سيكون على رأس أجندة التعاون الاقتصادي بين البلدين في غضون الأشهر المقبلة، سيما وأن تونس تعد المقر الإقليمي لإحدى مؤسسات التأمين البريطانية «KUPA» التي تضطلع بأنشطة في كامل منطقة شمال إفريقيا.

 

الجدير بالذكر، أن عدد السياح البريطانيين إلى تونس ارتفع السنة المنقضية إلى أكثر من 330 ألف سائح، وهو رقم تعتبره الدوائر السياحية التونسية شديد الأهمية بالنظر على التراجع الذي سجله عدد السياح البريطانيين بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما أعقبها من تفجير للكنيس اليهودي بجربة في أبريل من العام 2002.

 

ويرى مراقبون، أن الحكومة التونسية ترغب في توسيع دائرة تعاونها الاقتصادي مع شركائها الأوروبيين في إطار ثنائي، بهدف تجاوز اقتصارها على التعاون الثنائي مع فرنسا الذي يعرف تقلبات خصوصا على الصعيد السياسي بين الفينة والأخرى.

 

(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادرة يوم 8 فيفري 2006)


 

اليسار الماركسي في تونس والعفو التشريعي العام؟

 

بقلم:علي شرطاني

 

بمناسبة الحملة التي أطلقها الحزب الديمقراطي التقدمي للمطالبة بالعفو التشريعي العام، استقبلت جامعة الحزب يوم الأحد 6 فيفري2005 الأستاذ سمير ديلو الذي كانت له أمام الحضور من مختلف الطيف الفكري والسياسي والحقوقي مداخلة بعنوان » العفو التشريعي العام قضية وطنية » أكد فيها على ضرورة التعاطي مع مطلب العفو التشريعي العام بكل ايجابية وبكل جدية وبكل صدق ونزاهة، واعتباره ضرورة وطنية ينبغي على كل القوى الوطنية الديمقراطية العلمانية منها والإسلامية أن تجعلها في صدارة اهتماماتها السياسية قولا وممارسة باعتبارها المدخل الرئيسي  لتنقية حقيقية للمناخ السياسي بالبلاد، باتجاه مصالحة وطنية تنتهي بالبلاد للخروج من المأساة التي تعيشها على كل صعيد ويعيشها بها مئات الآلاف من أبناء الشعب ممن يعانون الاحتجاز بالسجون كرهائن لدى نظام تحالف سبعة نوفمبر الرهيب، وممن أضناهم التشرد والتيه والتطواف بالمنافي وطول المكث بديار الهجرة و الغربة وممن حرموا حق الحياة في الوطن، ومنعوا من هذا الحق حتى بالبحث عنه أو التمتع به خارجه، ممن يراد لهم أن يظلوا في العذاب المهين من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ من المعتقلين، وممن تم اعتقالهم، ومن كل من كانت لهم بهم علاقة قرابة أو صداقة أو مصاهرة أو جيرة أو زمالة أو غيرها من العلاقات التي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بها، بقطع النظر عن المواطنة والانتماء للوطن وحقوق المواطنة.

وكانت الدعوة موجهة لكل الأحرار لاعتبار العفو التشريعي العام ضرورة وطنية، من بين جملة من الخطوات والإجراءات والمهمات التي قد تنهي المأساة وتجبر الأضرار وتعوض الخسائر، ومطلبا وطنيا يعاد فيه الاعتبار لكل من طالته آلة الاعتقال والبطش والتنكيل من أجل أي حق من حقوقه، وخاصة من الذين اضطهدوا من أجل أفكارهم ومن أجل قضايا الخلاف في الرأي مع النظام الشمولي الاستبدادي الذي ساد البلاد منذ مغادرة الغزاة الفرنسيين لها، وإنهاء وجودهم العسكري بها من كل ألوان الطيف السياسي.

وفي الوقت الذي كان ينبغي أن لا يكون هذا المطلب محل خلاف بين كل القوى والتنظيمات والأحزاب والشخصيات الوطنية والديمقراطية العلمانية منها والإسلامية، كانت المفاجأة المخجلة التي عبرت عنها بعض الأطراف وبعض العناصر والتي مازالت وللأسف الشديد تعبر عنها، والتي وقع الكشف فيها لاعتبارات كثيرة عن عدم استعداد البعض حتى من أولئك الذين كان من المفروض أنهم من المعنيين به ومن المعنيين بالموافقة عليه والقبول به والانضمام إلى المطالبين به. ولا أحسب إلا أن يكون ذلك قد بدا منها، إما بدافع الغباء السياسي، أو حرجا من نظام فاشي هي اليوم إما طرفا فيه أو معاضدة وموالية ومساندة له، أو زيادة في التنكيل بطرف سياسي لا يراد له أن يتمتع بأي ي حق من حقوقه في وطنه، بل وغير مرغوب في وجوده أصلا على أي نحو من الأنحاء من طرف بعض هذه التنظيمات والجمعيات والشخصيات والذي يمثله الإسلاميون عموما وحركة النهضة الإسلامية خصوصا، أو تعبيرا منها عن تنازل عن حق لم تعد هي اليوم في حاجة إليه، وهي اليوم طرف في السلطة بين متسلل إليها وملتحق بها ، وهي تستعد وتعد الوضع اليوم ربما لتولي الأمور بالكامل في ما يشبه السباق مع الزمن، على خلفية قطع الطريق دائما على أي عودة محتملة للإسلاميين للساحة الوطنية السياسية والثقافية والاجتماعية والإقتصادية والإعلامية وغيرها.

ولهذه الإعتبارات  وغيرها ومن خلال هذه المواقع وغيرها، تباينت المواقف بين رافض للدعوة إلى ضرورة صدور قانون للعفو تشريعي عام، ورافض للمطالبة به، مثل ما يسمى: جمعية النساء الديمقراطيات، على اعتبار أن ذلك ليس إلا في صالح الإسلاميين، وبين محول لهذا المطلب الذي أطلقته قيادات حركة النهضة بالمنفى ، وتبنته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمجلس الوطني للحريات وغيرها من الجمعيات والأحزاب ومن الشخصيات الحقوقية الوطنية الديمقراطية العلمانية اللائكية منها والإسلامية، إلى مجرد عفو إنساني مثل السيد محمد حرمل زعيم حركة التجديد – الحزب الشيوعي التونسي سابقا، وعلى نفس الخلفية كذلك وللاعتبارات السالفة الذكر.

لهذه الاعتبارات وغيرها، ومن خلال هذه المواقع وغيرها، عاش اليسار الماركسي واليسار العربي من داخل السلطة وخارجها هذا الارتباك بخصوص مطلب العفو التشريعي العام.

وفي إطار هذا الارتباك وهذا الرفض المعلن من طرف جهات، وهذا القبول المبطن بالرفض من بعض

 

 

الجهات والعناصر الأخرى، تصاعدت أثناء التدخلات والمناقشة بعد مداخلة الأستاذ سمير ديلو بمقر

جامعة التجمع الديمقراطي التقدمي بمدينة قفصة يوم 6 فيفري 2005 بعض الأصوات النشاز المختلفة المواقع والمواقف – وهي أصوات عناصر لم تروج مطلقا للعريضة التي وضعتها الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بين يدي الفرع ولم تمض عليها، بل لم يقم الفرع في هيئته القديمة المتخلية بعد مؤتمره الأخير بترويجها ولما أحضرت عريضة في الغرض وفي نفس الفترة وبمبادرة شخصية مني فمن هؤلاء من رفض الإمضاء عليها، ومنهم من أمضى عليها دفعا للحرج، ومنهم من كان يتحاشى ملاقاة من تناءى إلى مسمعه انه يتحرك بها حتى لا يكون من الممضين عليها وهكذا… وبالمناسبة تصاعدت أصوات بعض هؤلاء في محاولة لإفراغ هذا المطلب الوطني من مضمونه باتجاه إعطائه معنى مائعا يخرج به عن طبيعته وعن صيغته القانونية وعن بعده الوطني وعن أهدافه الحقيقية، واستنادا إلى الاعتبارات السالفة الذكر والى المواقف الأخيرة المشار إليهاـ وإذا كان الشيء من مأتاه لا يستغرب – فانه ليس من الغرابة في شيء أن تكون هذه الأصوات من الجهات المتبرمة في مواقفها والمتناقضة فيها – والغاية تبرر الوسيلة – والمتنقلة في مواقعها من اليسار الأصولي السلفي إلى من تعتبرهم هذه العناصر نفسها من بطون طائفة اليسار « الماركسي » الانتهازي والمهادن، من أصحاب هذه الأصوات من يتذرع في هذا التناقض، وفي هذا التنقل من جهة إلى أخرى، بحسب الأهواء والمصالح، وفق معادلة الربح الشخصي والخسارة وتحقيق المصالح الخاصة –  بالاستقلالية، ومنهم من هو بصدد الاستفادة من عدم وضوح الموقع، والانتماء إلى تشكيل معين أو فئة معينة أو تنظيم أو حركة أو فصيل أو حزب معين، ليكون له ما شاء من المواقف، وليحل بحيث يشاء من المواقع في الوقت الذي يراه مناسبا، وبحسب ما يتحقق له من مصالح، ليجد نفسه في النهاية في حل من أي التزام أمام أي جهة كانت، ومن غير أن يكون مسؤولا عن أي تقلب و أي موقف والحلول بأي موقع، أمام أي كان، مستفيدا مما يعتقد انه جهل للآخرين بذلك، أو عما يجد فيه أصحابه حرجا من التعبير عنه حفاظا على علاقة معينة، أو اجتنابا لتوتر في العلاقات ليس له ضرورة ولا تقتضيه المرحلة، أو غيرها من الأسباب المختلفة بين فرد وآخر ممن يعلمون ذلك ولهم علاقة ما بمثل هذه العناصر الانتهازية، والتي تعتبر أن ذلك من المهارات الراقية في مزاولة الأنشطة السياسية والحقوقية، والتي تريد أن تحسب لها ولا تحسب عليها – وليس ذلك في الحقيقة إلا ضمن تخطيط يتم به تقديم عناصر لمواقع معينة، وإصدار مواقف معينة في قضايا مختلفة، والإبقاء على عناصر أخرى في المواقع التي يقتضي واقع الحال وما يمكن أن يكون عليه المآل أن يكون للبعض فيها وجود ويكون لها من خلالها مواقف تحسب لها ولا تحسب عليها، وإذا كانت عناصرها الأولى بين متسلل وملتحق  ومتخندق  في المنزلة بين المنزلتين مراوحة بين العناصر الثانية المحافظة على مواقع المعارضة، بل المعارضة الراديكالية وبين السلطة، والجهات القريبة منها أو العاملة معها والداعمة ا والمساندة والمعاضدة لها، فان العناصر الثانية تعمل على أن تكون أو تظل دائما العناصر المعبرة عن المواقف الصحيحة من سياسة السلطة التي يجمع كل المراقبين المحايدين والنزهاء على أنها سياسة فاسدة بكل المقاييس، وأنها سياسة نظام فاشي مستبد معاد للهوية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وهو معاد من ثمة للوطن وللشعب وللأمة وللإنسان، وبهذه الطريقة تكون عناصر التنظيم الواحد قد توزعت عبر الزمن، بقدر ما يكون قادرا على ذلك، وبقدر ما يحالفه النجاح، وبقدر ما يكون له من عناصر بين متسلل إلى دوائر اخذ القرار أو قريبا منها، أو في مواقع مختلفة من مختلف أجهزة النظام ومؤسسات الحكم وإدارة الدولة، وملتحق في أوقات مختلفة وعبر مراحل، بقدر ما تتيحه له مؤهلاته ومهاراته ومستواه العلمي أو الإداري أو إمكانياته المادية والمالية أو غيرها، وبقدر ما يجده من مساعدة من سابقيه وممن تكون الحاجة ماسة لوجود مثله في المكان المناسب وفي الموقع المناسب، وبذلك بتعزز موقع المتسللين ويزداد ذلك التنظيم رسوخا ونفوذا، ومتخندق يأخذ موقعا من الأطراف المكونة لنظام 7 نوفمبر في مناسبات معينة يقترب فيه من السلطة وتكون له فيها مع رموز السلطة والنظام علاقات مباشرة، في محاولة في تلك المناسبات ليكون له موقع في مؤسسات النظام التي يحكم بها البلاد، ولكن بطريقة تختلف عن غيره من المتسللين والملتحقين، وبين مستقلين ملتزمين بالمعارضة، وبالمواقف الجادة، وبالدفاع عن الحقوق الكاملة للشعب في الهوية الوطنية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وغيرها من الحقوق المشروعة للشعب.

وبذلك يكون التنظيم قد تحقق له وجود في كل المواقع، ويكون قد عدد مواقفه بحسب كل تلك المواقع. ولئن

كان هذا ما يكون بكل التنظيمات السياسية العلنية أو السرية، فان ما يحدث في تونس في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخها الحديث يكتسي خصوصية معينة وفيه خطورة كبيرة، لان الجهات التي تمارس هذه السياسة سواء كانت شخصيات أو تنظيمات أو أحزاب، هي جهات كافرة بما تزعم أنها مؤمنة به ومعادية له ولما تعلنه من مواقف ولما ترفعه من شعارات. وهي جهات ماسكة بالسلطة ومسيرة وموجهة لسياساتها وبرامجها، وواضعة لمناهجها ومسيطرة على مؤسساتها ولها نفوذ كبير على دوائر اخذ القرار فيها. وهي جهات وجماعات وتنظيمات وأحزاب استئصاليه تضع على رأس اهتماماتها تهميش المجتمع وإخراجه عن دائرة الفعل الثقافي والسياسي الجاد وتؤمن بفرض نفسها عليه وقيادته إلى حيث تريد وان كان ذلك إلى حيث لا يريد. وتجعل من أوكد مهماتها فصله عن أصالته وثقافته وعقيدته وحضارته وتاريخه، وإنهاء أي دور لقواه الأصيلة المعبرة تعبيرا صحيحا وصادقا عن ماضيه وحاضره ومستقبله في الحرية والديمقراطية والمساواة والهوية العربية الإسلامية التي هي هويته الوطنية والكونية وحقوق الإنسان من حيث هو إنسان أي كان لونه أو وطنه أو دينه أو لسانه.

ولكم كانت هذه الجهات المشبوهة والتنظيمات الهزيلة حريصة على كثرة المواقع وتعدد المواقف.

حتى إذا كانت الحاجة إلى تلك المواقف وتلك المواقع، فان لعناصرها فيها وجودا ولها فيها مقالا، وإذا كانت الحاجة إلى هذه المواقع وتلك المواقف  فستجد أن لها فيها وجود ويكون لها فيها مقال، وإذا كان من الواضح والمعلوم أن هذه الأطراف والجهات لا يجمع بينها إلا العداء للإسلاميين ومن خلالهم العداء للإسلام ولهوية الشعب الثقافية والتاريخية والحضارية والقومية والدينية، فإنها لم تلتق يوما على شيء كالتقائها على العمل على محاولة إنهاء الوجود الإسلامي من خلال إنهاء الإسلاميين وإفنائهم، وإنهاء أي دور سياسي وثقافي لهم، ولم تستطع على امتداد عقود من الزمن، وفي مراحل مختلفة من تاريخ البلاد الحديث، ومن تاريخ العالم الدائم التقلب والتحول في علاقاته وموازين القوة والنفوذ فيه، وعلى ما يبدو بينها من التجانس والتقارب والقواسم المشتركة والمرجعية الواحدة والأرضية الثقافية والحضارية الواحدة أن تلتقي على شيء آخر كالتقائها على ذلك.

ولكم حاولت هذه القوى، بل ولكم حاول هذا الشتات أن يوجد صيغة للتحالف أو التقارب أو التوحيد حتى أعيته المحاولة ولم يستطع أن يجد إلى ذلك سبيلا، وفشل في ذلك فشلا ذريعا، بالنظر لطبيعة تكوين عناصره التي نشأت على معاداة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وكل قيم الحق والعدل والمساواة والأخوة بين الشعوب والأمم، وبين الإنسان وأخيه الإنسان بصفة عامة، باعتبارها مجرد شعارات كاذبة وخادعة ترفعها البورجوازية والرأسمالية لخداع الجماهير والشعوب للاستمرار في استغلالها واستنزافها ونهبها، ومؤمنة بالدكتاتورية (دكتاتورية البروليتاريا) وبالصراع ( الصراع الطبقي) وبالعنف(العنف الثوري).

فقد ظلت هذه الأطراف وهذه العناصر ساعية لتكوين ما تسميه قطبا ديمقراطيا ومازالت تسعى لذلك، إلا أنها تصطدم في كل مرة بأطماعها وأهوائها ومصالحها الخاصة المفرطة في الشخصانية والأنانية والذاتية، بعيدا حتى عن الحزبية فضلا عن الوطنية و الشعبية، كيف لا وهي الكافرة بكل ما هو معنوي وروحي وغيبي، وليس لها من إيمان إلا بكل ما هو مادي تتحقق من خلاله المتعة واللذة وإشباع الغرائز بلا حدود.

وأمام إصرار البعض على ضرورة – جمع شتات اليسار الماركسي مما أهل به لغير الله منهم، والمنخنقة الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع – ولو ظرفيا، ولو لأهداف وغايات معينة ومحددة، ولو في وقت معين ومحدد، وفي ظرف معين ومحدد، وفي مناسبة معينة ومحددة، ولأسباب معينة ومحددة، ومع جهات معينة ومحددة، تم التوصل في النهاية إلى صيغة معينة كان من اكبر مهندسيها العياشي الهمامي     (رئيس لجنة الدفاع عن الأستاذ محمد عبو) مع آخرين بجمع بعض شتات اليسار الماركسي في ما اصطلح على تسميته « بالمبادرة الديمقراطية » للمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أجريت يوم 24 أكتوبر 2004 ، في سباق مع الزمن لإظهار رموز قد تكون الحاجة ماسة إليها في وقت من الأوقات، وقبل أن يكون للإسلاميين – خاصة أي دور محتمل للمشاركة في الحياة السياسية بالبلاد. وقد كان ذلك تعزيزا منهم لمسار ديمقراطي كانوا قد التقوا عليه مع أعداء الأمس من بقايا حزب الدستور بزعامة العسكري المغامر زين العابدين بن علي » صانع التغيير وصاحب العهد الجديد »، وهم الذين البسوه تاج حامي الحمى والدين وكان ذلك إضفاء منهم للشرعية القانونية على نظام 7 نوفمبر « المبارك » الذي هو في النهاية نظام تحالف المتسللين والملتحقين من اليسار الماركسي وغيرهم من مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري والثقافي مع اليمين الدستوري ، والذي هو نظامهم ومن هندستهم وإبداعاتهم، وليس ثمة حاجة لإثبات ذلك، فالرموز والوجوه والأسماء معروفة، والخطط والبرامج والتصورات جار بها العمل.

هذه المبادرة التي اجتمعت فيها بعض عناصر ومكونات اليسار الماركسي والتحق بها منهم أو من غيرهم ممن هم خارج السلطة منهم، ومن غيرهم كذلك، كان يراد لها أن تكون جامعا لهم، وقد تم الاتفاق على أن يكون الإطار القانوني لها حركة التجديد التي هي الحزب الشيوعي التونسي سابقا.

وانطلاقا من إيمانهم بالأجنبي واستمداد الشرعية المرجعية والتنظيمية منه ف »قد تنقل بعض زعماء هذه المبادرة إلى فرنسا ليرتبوا حملتهم ‘ الانتخابية’ هناك مع أحزاب اليسار الفرنسي وكأن هذه الانتخابات هي شان فرنسي بالدرجة الأولى، وهم لا يخجلون من هذا الأمر بل يتفاخرون به ويصدرون بيانات تتحدث عن لقاءاتهم مع مختلف المسؤولين الفرنسيين »1 .

ولا غرابة في الأمر فهم غربيو المنشأ نظريا وفكريا، ثقافيا ومرجعيا، وفرنسيو الوجود تنظيميا. فلم يقفوا يوما في وجه الاحتلال الفرنسي للبلاد ولم يطالبوه يوما بالرحيل عنها، وهم الذين كانوا ينظرون إلى التحرير والاستقلال وتقرير المصير من خلال الواجهة السياسية والاجتماعية والثقافية مع الأجانب والفرنسيين أنفسهم للرأسمالية والبورجوازية على أنها مرحلة انتقالية يجب أن تمر بها حركة المجتمع حتما في النظام الرأسمالي الإستعماري الإحتكاري  باتجاه وحدة الشغيلة الفرنسية الشغيلة التونسية لإقامة الدولة « الديمقراطية » الاشتراكية فالشيوعية ولذلك كانوا ضد تأسيس الإتحاد العام التونسي للشغل والأرجح أن يكونوا هم من قتل القائد المجاهد فرحات حشاد أومن كانوا من وراء قتله، لتظل بمقتضى ذلك تونس دائما جزءا من فرنسا وامتدادا لها. وفي إطار التخبط والفوضى المنهجية والتناقض الذي أصبحت تعيشه هذه الطائفة وفي إطار الضياع والعبثية والتهريج الذي كانت عليه جل ومختلف عناصرها ومكوناتها لم يجد هذا الشتات

 

 

من إطار – كما سبقت منا الإشارة إلى ذلك سالفا – لهذه المبادرة سوى الإطار التقليدي القديم الذي كان من تأسيس اليهود والذي مرت به جل عناصر هذا الشتات ونهلت من مجاريه ومعاينه الآسنة وتلقت فيه التربية والدربة وخضعت فيه للتلقين والسمع والطاعة للخطاب الأصولي الثابت الذي أوحى به شيطان الفلسفة والفكر لكبار جهابذة النظرية العلمية الماركسية البينينية التي « لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها » حسب زعمهم. هذا الإطار الذي أنشاه الأجانب واليهود تحديدا. والذي أصبح يحلوا لأصحابه اليوم إن يطلقوا عليه حركة التجديد، بعد أن كان الحزب الشيوعي التونسي، وفي إطار مواصلة هذه الطائفة من النخبة التونسية لخداع الجماهير والشعب والكيل بمكاييل متعددة ، والارتباك الذي تعيشه، والفوضى التي أدخلت فيها البلاد، والإيغال في الانتهازية والتضليل، تبين أن أكثر عناصر هذا الشتات في هذه الطائفة أصولية وتطرفا وثورية قد كانت من المنخرطين في هذه اللعبة، في محاولة أن لا تكون محسوبة عليها. فقد انقسم حزب العمال الشيوعي التونسي ـ الذي يزعم المنتظمون فيه أنهم الوحيدين الممثلين للخط الثوري، والملتزمين بالمبادئ الشيوعية الثورية من دون بقية كل الشيوعيين في تونس، كغيره من مختلف عناصر أو بطون طائفة اليسار المتذررـ إلى جهتين على الأقل إن لم نقل أنه قد عمل على تسجيل حضور له في ثلاثة مواقع. فبالإضافة إلى وجود موطئ قدم له في السلطة اختراقا أو التحاقا عبر مراحل وفترات مختلفة من تاريخ البلاد، على الأقل منذ تكونه وتأسيسه يوم 3 جوان 1986 ، فقد كان له وجود واضح وبأسماء معروفة في قوائم حركة التجديد( الحزب الشيوعي التونسي سابقا) ـ والذي أعلن زعيم الحزب حمة الهمامي ذات يوم براءته منه وبعث حزب جديد سماه حزب العمال الشيوعي التونسي – في إطار ما أسموه بالمبادرة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفائتة التي أجريت يوم 24 أكتوبر 2004 ، وقد أبقى في نفس الوقت على الوجوه المعروفة التي تتضح الخطة من خلال وجودهم في أي موقع آخر وإبداء أي رأي وإصدار أي موقف آخر، خارج المبادرة، وبعيدا عن حركة التجديد، لتكون التعبيرة الصحيحة والحقيقية عن الحزب، ومن خلال الموقع بمواقف أخرى داعية للمقاطعة مع من دعا للمقاطعة، بحيث يكون للحزب ثلاثة مواقف ويكون لعناصره ثلاثة مواقع.                                                                                  

 – موقع في السلطة بصفة غير رسمية طبعا يرعى من خلاله بعض ما يستطيع رعايته من مصالح الحزب                                                                                         

 من داخل السلطة في حدود ما هو متاح وممكن ويكون موقف عناصره فيه من مختلف القضايا نفس موقف السلطة طبعا.

ـ وموقع في المعارضة المعاضدة للسلطة سواء في إطار أحزاب وجمعيات مختلف بطون طائفة اليسار الماركسي والقومي العربي أوفي إطار ما يسمى بالمبادرة الديمقراطية ويكون موقف مناضليه فيه نفس موقف تلك الجهات والأطراف .

ـ وموقع في المعارضة الوطنية والديمقراطية الإسلامية منها والعلمانية اللائكية والذي يكون من خلال الموقف الرسمي للقيادة وللعناصر التي ليس من السهل إخفاء مواقعها.                                                                                    

فهل زالت الأسباب التي دعت حمة الهمامي إلى البراءة من الحزب الشيوعي التونسي وتأسيس حزب العمال الشيوعي التونسي؟ أم أن هذه الأسباب لم تكن موجودة قبل عام 1986 ؟

أم آن حمة الهمامي كان جاهلا لها حتى ذلك التاريخ، وقد آن الأوان اليوم كذلك للتنازل عنها؟

ذلك أن الرفيق حمة الهمامي كان قد كتب مقالا في جريدة الإعلان لصديقه الرفيق عبد العزيز ألجريدي يوم الجمعة 23 سبتمبر 1988 تحت عنوان « لهذه الأسباب تكون حزب العمال الشيوعي التونسي »

 يقول فيه: أن انطلاقة الحزب الشيوعي التونسي لم تتم من بدايتها على أساس المبادئ الشيوعية الثورية…

 فمن المعلوم أن أهم العناصر التي أسست الحزب الشيوعي ومسكت بقيادته أجنبية وواقعة تحت تأثير الحزب الشيوعي الفرنسي. وبما أن هذا الأخير اتبع في مسالة المستعمرات خطا انتهازيا لا يقر صراحة بحقها في الانفصال عن فرنسا وفي تكوين دولها المستقلة فقد انعكس ذلك على سياسة الحزب الشيوعي التونسي الذي لم يطرح مسالة الاستقلال الوطني وتركها مرهونة بصعود الطبقة العاملة الفرنسية إلى السلطة… » ويقول أيضا « … وفي الوقت الذي أصبحت فيه المطالبة بالاستقلال شعارا مركزيا لجميع القوى الوطنية انفرد الحزب الشيوعي التونسي بمساندة ما سمي وقتها بالاتحاد الفرنسي وهو مشروع استعماري جديد يهدف إلى منح تونس وباقي مستعمرات فرنسا نوعا من الاستقلال الذاتي مع البقاء تحت مظلة الامبريالية الفرنسية وبالإضافة إلى ذلك عارض الحزب الشيوعي التونسي ظهور نقابة وطنية للعمال التونسيين بقيادة فرحات حشاد واعتبر ذلك تقسيما للشغيلة التونسية التي حشر ضمنها العمال الفرنسيين الذين كانوا يسيطرون على فرع ‘السي.جي تي’ بتونس وعلى الحركة النقابية عموما ويحاولون إخضاعها لمواقف الحزب الشيوعي الفرنسي ذات التوجه الامبريالي الاشتراكي…  » ويواصل حمة الهمامي القول »… أن الحزب الشيوعي التونسي وصل به الأمر إلى الدفاع عن بقاء المصالح الاستعمارية الفرنسية بتونس، فقد ورد في التقرير المقدم في المؤتمر السابع لهذا الحزب ما يلي ‘ فعلى قاعدة الاحترام الكامل لسيادتنا الوطنية يمكن ومن الواجب ضمان حقوق فرنسا المشروعة وحقوق رعاياها بالبلاد التونسية’ (تقرير المؤتمر السابع ص 17 و18)… » حتى ينتهي إلى القول « … فقد ظل الحزب الشيوعي يبحث عن شق وطني وتقدمي أو ديمقراطي في البرجوازية وفي السلطة ليبرر به مساعدته لها وقد شكل ذلك أساسا لكي يناهض أو ينتقد الحزب الشيوعي أهم الحركات النضالية التي عرفتها تونس بعد 1956 . فقد ناهض في الستينات نضال الفلاحين الفقراء والصغار ضد التعاضد واعتبره من وحي الملاكين الكبار كما ناهض سنة 1972 حركة فيفري المجيدة للطلاب والتلاميذ واعتبرها حركة متطرفة، وانتقد انتفاضة الخبز…الخ… وبالمقابل ساند سياسة مزالي ‘التنقيحية’ ووقف على العموم إلى جانب البيروقراطية النقابية المسيطرة على قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، وبصورة عامة يمكن التأكيد بان الحزب الشيوعي التونسي اندمج منذ 1956 ضمن النظام البورجوازي القائم وأصبحت كل أهدافه متمثلة في المطالبة بالإسهام في تسييره من خلال السعي إلى الحصول على مواقع ضمن أجهزته البرلمان خصوصا  » وإذا كان حمة الهمامي يعلم كل هذه المثالب والمفاسد والانحرافات عن الحزب الشيوعي التونسي (حركة التجديد اليوم) فلماذا لم يؤسس هو أو غيره حزب العمال الشيوعي التونسي قبل عام 1986 ؟ والكل يعلم أو من المفروض أن يعلم أن ولاء الحزب الشيوعي التونسي كان للاتحاد السوفيتي ودائر في فلكه والكل يعلم ومنذ زمان بعيد أن الاتحاد السوفياتي قائد المعسكر الاشتراكي الشرقي قد أصبح قوة امبريالية وكان ايرنستو غيفارا ديلا سيرنا قد أكد ذلك قبل إلقاء القبض عليه في بوليفيا وإعدامه في 9 أكتوبر 1967 ومن قبله اليهودي ترو تسكي إلا انه إضافة إلى الأسباب التي أوردها زعيم حزب العمال الشيوعي التونسي حمة الهمامي لتكوين الحزب ظهور الإسلاميين وخاصة حركة الاتجاه الإسلامي في ذلك الوقت والتي سرعان ما أصبحت قوة سياسية بالجامعة والمعاهد وبالبلاد وقد استطاعت تأكيد حقيقة أن علاقة اليسار الماركسي بالمعسكر الشرقي وبالاتحاد السوفياتي تحديدا لا تختلف عن علاقة أية جهة أخرى بالامبريالية الغربية وكان ومازال يسعى إلى أن يكون في المعارضة النشيطة والجادة والحقيقية للنظام في تونس طالما أن الإسلاميين بدءا بحركة الاتجاه الإسلامي في مرحلة أولى وانتهاء بحركة النهضة الإسلامية في مرحلة ثانية كانوا كذلك ويأتي هذا على رأس تبريراته للإنخراط في حركة 18 أكتوبر 2005 وهو الخيار الذي أنهى التقارب الذي أوجدته أجواء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية المنقضية في إطار ما سمي المبادرة الديمقراطية وكان الخيار الذي كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير بينه وبين المدعو محمد الكيلاني زعيم ما يسمى « الكتلة »أو من يطلقون على أنفسهم »الشيوعيون الديمقراطيون » . فهو لا يريد أن يرى الإسلاميين وحدهم في المعارضة وفي مواجهة السلطة مما يكسبهم شرعية نضالية يعمل حمة الهمامي وبعض رفاقه على أن لا تكون لهم وحدهم حتى انه لو دخل الإسلاميون جحر ضب لدخلوه معهم وإذا كان الإسلاميون إنما يفعلون ذلك اختيارا تارة واضطرار أخرى – وغالبا ما تكون المواجهة مفروضة عليهم – فان حمة الهمامي وبعض رفاقه   في حزب العمال الشيوعي التونسي كانوا إنما يفعلون ذلك اختيارا ويحشرون أنفسهم في المعترك السياسي ضد السلطة التي يفرضون عليها تتبعهم ومواجهتهم ومنعهم مما تراه تجاوزا للقانون من قبلهم. ولعل أهم أسباب ظهور حزب العمال الشيوعي التونسي وانشقاقه عن منظمة العامل التونسي اليسارية التي كان لها نشاط مكثف بالجامعة خاصة وابتعاده عن الحزب الشيوعي التونسي هو أن حمة الهمامي ورفاقه يعتقدون انه لم يكن هناك على الساحة السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية من القوى الماركسية التي تتمتع بما فيه الكفاية من الراديكالية والأصولية من هو قادر ليس فقط على مواجهة النظام البورقيبي الاستبدادي الفاشي ولكن على الوقوف كذلك في وجه الحركة الإسلامية التي ينظر إليها كذلك على أنها الأكثر خطر على الثقافة اليسارية وعلى التيار الماركسي من النظام والأكثر تناقض معه. فإذا كانت الأسباب التي ذكرها وأشار إليها زعيم الحزب ومؤسسه حمة الهمامي هي الأسباب الظاهرة المعلنة لتأسيس الحزب فان الأسباب الحقيقية غير المعلنة لذلك هي هذه. ففي وقت خلت فيه الساحة الوطنية من أي تنظيم ‘ تقدمي’ أي علماني لائكي  يملك القدرة على اخذ زمام المبادرة السياسية في مواجهة السلطة التي كان ثمة إجماع على أنها سلطة شمولية استبدادية كان حزب العمال الشيوعي التونسي يريد أن يملا هذا الفراغ ويقتسم ساحة الصراع السياسي مع الإسلاميين ضد السلطة أولا ثم ضد الإسلاميين أنفسهم ثانيا من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان كما يراها مناضلوه وعلى النحو الذي تجيزه لهم المرجعية الماركسية البينينية و في الحدود التي تسمح لهم بها . يختار هذا الحزب في هذه المرحلة – على محدودية إمكانياته البشرية وانحصاره الاجتماعي- أن تكون له ساق هنا وساق هناك – والغاية تبرر الوسيلة –

فرغم الحديث عن وجود ثقل له في الاتحاد العام لطلبة تونس إلا أن خياره الاستراتيجي اتجه نحو مهادنة السلطة والإبقاء على الجامعة على نحو أسوأ ما تكون عليه في تاريخ البلاد. ورغم موقفه من الحزب الشيوعي التونسي إلا أن مهندسي ‘المبادرة الديمقراطية’ وان لم يكونوا من عناصره ومن بعض مناضليه أتاحوا له فرصة ووفروا له إطارا مناسبا يستطيع من خلاله أن تكون له مشاركة في الحياة السياسية تحسب له ولا تحسب عليه من خلال اطر كان رافضا لها ومازال من غير أن يغادر ساحة الصراع السياسي في إطار المعارضة الديمقراطية والوطنية الإسلامية منها والعلمانية اللائكية.

فرب سائل أن يسال لماذا هذا الإطناب في الحديث عن حزب العمال الشيوعي التونسي وهذا التركيز عليه دون غيره من تنظيمات اليسار الماركسي والعربي المتعددة بالبلاد؟

والجواب هو أن مناضلي هذا الحزب الذي لا يختلف عن غيره من أحزاب اليسار الماركسي والعربي على حد السواء من حيث النخبوية والانحسار والضعف والهزال يعتبرون أنفسهم نوعية في الالتزام بالمبادئ الماركسية ويتمتعون بروح ثورية عالية وبنزعة استقلالية وتحررية تنازل عنها كل الماركسيين في تونس وربما ندر حتى على مستوى عالمي من مازال متمسكا بها مثلهم بعد الذي حصل في العالم من تغييرات جوهرية في العلاقات الدولية والإقليمية والوطنية بعد انهيار جدار برلين وسقوط المعسكر الشرقي وينظرون إلى التنظيمات الأخرى المحسوبة على اليسار الماركسي وعلى الطائفة التي أصبح حزبهم يمثل إحدى بطونها على أنها لا تمثل هذه الطائفة ولا تكاد توجد علاقة لها بالماركسية البينينية على أنها أحزاب وتنظيمات انتهازية تحريفية مساندة ومعاضدة وداعمة للدكتاتورية والبيروقراطية ومهادنة لها.

من هذا الموقع وبهذه المعاني كان ينبغي على هذا الحزب أن لا يقع في ما هو واقع فيه من انزلاق في مهاوي الانتهازية التي يعيبها على غيره مجيزا لنفسه ما يمنع على الآخرين ويحرمه عليهم وان ينأى بنفسه عن اطر كان قد فارقها لأسباب مبدئية مبنية على رؤية نقدية من قيادته التي انتهت إلى حقيقة أن انطلاقة ‘الحزب الشيوعي التونسي لم تتم من بدايتها على أساس المبادئ الشيوعية الثورية….

أفلا يجوز القول والحال هذه انه إذا كانت أحزاب اليسار الماركسي وتنظيماته وعناصره في السلطة وخارجها في مواقع المعاضدة والمساعدة والدعم للنظام الفاشي انتهازية وموغلة في الانتهازية فان حزب

العمال الشيوعي التونسي قد أصبح أكثر انتهازية بل كان موغلا في الانتهازية من الوقت الذي سمح فيه لبعض عناصره ومناضليه أو سمحت فيه لنفسها بالالتحاق بما يسمى « بالمبادرة الديمقراطية »لإضفاء شرعية على انتخابات مزورة ومحسومة نتائجها سلفا وعلى نظام معاد للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، كان ينبغي أن لا يخفى على اليساري الثوري ولاءه للامبريالية وعداءه للشعب وعرقلته لمسيرته الإنمائية وتحطيمه لآماله وطموحاته وتطلعاته ومضاعفة آلامه ومآسيه وأحزانه…

كان على الثوريين أن لا يخادعوا الجماهير. وكان عليهم أن يعملوا على الكشف على خطط الخداع وفضحها وتنبيه الجماهير إلى خطورة ذلك على مصالحها الحيوية وعلى أهدافها وغاياتها في التحرر و الإنعتاق عوض أن يسقطوا في ما سقط فيه غيرهم.

كان ينبغي على الثوريين أن تكون لهم أساليبهم الثورية في التعاطي مع الواقع في خططهم وبرامجهم الثورية وفي التعامل مع الجماهير في الساحة السياسية والثقافية والاجتماعية لا أن يقعوا مع غيرهم في ما هم واقعون فيه، وإذا كان لابد من تكتيكات معينة لظروف معينة، وإذا كان لابد من إبراز مهارة معينة في التعاطي السياسي مع الأحداث ومع الظروف والمحطات السياسية فلابد أن تكون من حيث بدا الانتهازيون وبطرقهم وأساليبهم المكشوفة، ولكن لابد للثوري من خطة معينة وأسلوب معين يسلك بهما طريقا إلى تحقيق بعض الأهداف المرحلية في إطار الثورية وبعيدا عن خداع الجماهير. ويجب أن يكون ذلك بحرفية عالية وقدرة على الإبداع ليست إلا للثوريين.

أما اعتماد الثوريين للأطر القديمة التي غادروها ورجوعهم إليها والعمل والتنسيق مع أصحابها فهو من قبيل الضحك على الذقون والسخرية من النفس وخداع لها قبل أن يكون سخرية من الجماهير وخداعا لها، وبهذه الطريقة في التعاطي مع الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي يكون حزب العمال الشيوعي التونسي قد سقط في أسوء ما سقط فيه غيره من مختلف بطون طائفة اليسار الماركسي، وهو الذي جاء: »ليقدم للطبقة العاملة والشعب التونسي صورة حقيقية عن الشيوعية المناضلة والثورية والواعدة بمستقبل مشرق »

وإذا كان حزب العمال الشيوعي التونسي قد انتهى إلى تبني مطلب العفو التشريعي العام بعد تردد كبير كغيره من تنظيمات وشخصيات اليسار الماركسي والعربي فلان الواقع السياسي المأساوي بالبلاد وشبكة العلاقات الاجتماعية والسياسية والوضع الدولي العام لا يسمح بغير ذلك. وما تباين موقف مختلف بطون الطائفة السياسية من هذا الموضوع إلا دليل على أن المرجعية لا تسمح بذلك. والمواقع محددة للموافقة عليه والقبول به أو عدم الموافقة والرفض له. وحسابات النفع والربح والخسارة باتت تلعب دورا مهما في القبول أو الرفض والاقتناع والامتناع والموافقة والممانعة، فتباينت المواقف بحسب المواقع، وبحسب الأطراف والأشخاص في البداية، فكانت الجهات المكونة لنظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب سواء من داخل السلطة أو من خارجها ومن موقع المساند والمعاضد والداعم استفادة أو خوفا أو طمعا، رافضة لمطلب العفو التشريعي العام، باعتبار انه لا مكان لذلك في تونس  » العهد الجديد- تونس الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان- تونس التحول المبارك »، ولأنه عادة ما يكون مثل هذا المطلب ذي صلة بمظالم الخلاف في الرأي ويتعلق بقضايا الخلاف السياسي التي يترتب عنها محاكمات ومظالم سياسية في حق ما قل أو كثر من أبناء الوطن الذين يصبحون بمقتضى ذلك مساجين سياسيين وضحايا كثيرين بين سجين وقتيل وشريد بالداخل والخارج وهم يوهمون أنفسهم ويعتقدون أنهم قادرون على أيهام الآخرين بالداخل والخارج على انه ليس في هذا الوطن مثل هذه المظالم ومثل هذه الضحايا ومثل هذه الأصناف التي يمنحها القانون مثل هذا الحق، ويمكن أن تستفيد من تحقيق مثل هذا المطلب،وكل ما هنالك انه يوجد لديهم مساجين حق عام، كما يوجد في كل بلدان العالم بما يجعل مثل هذا المطلب غير مجد ولا فائدة ترجى من الدعوة إليه والمطالبة به.

وبعد تردد، وكل من موقعه أعلنت الجهات والشخصيات الوطنية الأخرى موافقتها على ضرورة سن قانون لعفو تشريعي عام، وأبدت استعدادا للتمسك به لتنقية الأجواء السياسية والثقافية والاجتماعية وإجراء مصالحة وطنية تخرج البلاد من حالة الانسداد السياسي والاختناق الإعلامي والتصدع والتمزق الاجتماعي والإفلاس الاقتصادي والانهيار الأخلاقي والتربوي والضغط الخارجي ودعت إليه سواء من موقع الاقتناع على أن ذلك ضرورة وطنية حقا أو من موقع الخروج من الحرج أو من موقع المزايدة بعضها عن بعض  أو من موقع المخادع للرأي العام وتوظيف المطلب لاستمالته دون أن تكون لها حاجة فيه خارج تلك الحدود وبعيدا عنها. وقد أحرج هذا المطلب كل الأطراف والجهات والكثير من الشخصيات الوطنية، باعتبار أن ما يتبادر إلى الأذهان من خلاله أن المستفيد الوحيد أو الأكثر استفادة منه هم الإسلاميون وكانت أكثر هذه الأطراف والجهات والشخصيات تجد حرجا كبيرا في الدعوة إليه والمطالبة به، لأنها كانت في وقت غير بعيد ومازال البعض أو الكثير منها منخرطا إلى الآن في عملية هرسلة الإسلاميين وإضعافهم والعمل على إنهاء أي دور لهم في الحياة الوطنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، سواء بالمشاركة أو بالمباركة بالقول أو بالفعل أو بالسكوت أو بكل ذلك، وكان قصر النظر والغباء السياسي والانتهازية المفرطة قد أعمت الأبصار والبصائر وجعلت هذه الجهات والإطراف والفئات والشخصيات لا ترى إلا:

         أن المستفيد الوحيد من سن قانون العفو التشريعي العام هم الإسلاميون فقط.

         وأن يكون ذلك اعترافا منها بوجود مساجين رأي خلافا لما تقول به السلطة وبما لا تريد أن تخالفها فيه، وبما لا تسمح لها بمخالفتها فيه.

       ـ   وان أفضل شيء بالنسبة لها هو المحا فظة على هذا الوضع والعمل على تطويره تدريجيا إلى ما يمكن أن يكون أفضل في غياب متواصل للإسلاميين.

ولعل كل جهة من هذه الجهات وكل تنظيم أو حركة أو حزب أو جمعية من هذه الجمعيات ترى أنها كانت طرفا من الأطراف التي كان لها مع السلطة سبق تورط في هذا الملف من قريب أو من بعيد، وبصفة مباشرة أو غير مباشرة، وان مطالبتها بسن قانون للعفو التشريعي العام قد يجعلها ذات يوم – في حال حصول ذلك- في دائرة الاستهداف بالمحاسبة والتحقيق معها وما قد يترتب عن ذلك من عقاب. وحتى بعيدا عن هذه المخاوف الضعيفة الاحتمال بل غير الواردة أصلا في أذهان الجادين في الإصلاح والمسكونين بهموم الوطن والشعب والأمة والإنسان، فان كل هذه الجهات أو بعضها، وكل هذه الشخصيات أو بعضها لا ترغب على ما يبدو – وهي التي كانت طرفا في العملية- أن يكون هناك حل في هذه القضية التي قد تكون بادرة جديدة لواقع جديد يفسح فيه المجال لطرف سياسي قوي ومنافس شديد لكل هذه القوى مجتمعة، وهي تنظر إلى الساحة الوطنية الشعبية على أنها مهيأة أكثر من قبل لتجد فيها الحركة مناخا مناسبا لمزيد الانتشار والقبول رغم الجهود المضنية المبذولة لصرف الشعب وقواه الشابة خاصة عن الدين والتدين وعن الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة وعن هويته وأصالته وتاريخه المجيد ونسقه الحضاري، باتجاه ثقافة الميوعة والانحلال والتغريب باسم الثقافة الإنسانية والانفتاح والحداثة والتسامح…

وبما أنه ليس قي كل هذه الأطراف والجهات طرف واحد أو جهة ديمقراطية حقيقية واحدة ـ وهي المشكلة أما من اليسار الماركسي المؤمن دوما بالأجنبي – وبعد أن كان في القديم يراهن على الاشتراكية وعلى العلاقات الغربية مع قوى اليسار الماركسي الغربي والفرنسي كالعادة تحديدا وعلى المعسكر الشرقي الذي يعتبر نفسه طرفا فيه أو منه أو امتدادا له فقد أصبح اليوم يراهن على الصهيونية العالمية وعلى الامبريالية الأمريكية سواء من كان داخل السلطة منه أومن كان مشكلا للنظام والحكم كليا أو جزئيا لفترة حكم بن على وفي نظام العهد الجديد أو خارجه سواء في أحزاب « المعارضة » التي هي أحزاب معاضدة ومساندة ودعم، أو أحزاب المعارضة التي نشأت في المرحلة الأخيرة من تاريخ نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب أو استعادت دورها في المعارضة بعد يأس وخيبة أمل، وبعد أن كانت شريكا في صياغة هذا الوضع المأساوي بالبلاد سواء على صعيد الحريات السياسية أو الفساد الإداري والمالي أو الانحلال الأخلاقي  والإلحاق الثقافي والحضاري والتي هي كلها في النهاية أحزاب وتنظيمات وجمعيات مغالطة منصرفة إلى إجادة لعبة تكامل الأدوار بينها وبين أطراف لها منظمة وغير منظمة أصبحت تمثل عماد نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب من المتسللين والملتحقين سواء من اليسار الماركسي أو اليسار العربي أو غيرهم إذا ما استثنينا بعض هذه الفصائل الضعيفة أصلا والتي مازالت متمسكة بأسباب الضعف وعاملة بها ومحافظة عليها والذي سيظل ملازما لها حتى تلتحم بالشعب من خلال التبني الواضح والصريح لقضاياه الحقيقية أولا. ثم لثقافته العربية الإسلامية ثانيا ـ ثم للدفاع عن مكاسبه ومقدساته ثالثا.فهي التي لا يمكن أن تحدث ضغطا كافيا باتجاه فرض الحريات السياسية والديمقراطية. ولا هي قادرة على ذلك. ومن ثمة فهي بين أمرين أحلاهما مر: ـ أما الإبقاء على الوضع على ما هو عليه، وهي التي كانت طرفا مهما وناشطا في إقامته، وقد أصبح خانقا جدا وافقدها كل مصداقية كانت لها إذا كانت لها يوما ما بعض المصداقية عند بعض الجهات والأطراف والفئات بالبلاد وخارجها.ـ أو العمل مجددا على إحداث ما هي قادرة عليه من ضغوط باتجاه إصلاحات ديمقراطية حقيقية جادة ومسؤولة، وليس ذلك ممكن التحقيق إلا بالجدية والصدق والوقوف صفا واحدا في وجه السلطة، وإحداث ما يكفي من الضغوط عليها لإيجاد حل لملف حقوق الإنسان والحريات السياسية والمدنية، والذي أصبح ملازما لملف حركة النهضة الإسلامية والإسلاميين عموما وبصفة خاصة، إضافة إلى بعض المظالم الأخرى التي يلحقها بعضهم ببعض في فترات مختلفة وفي مراحل وفي ظروف مختلفة. ومن بين هذه الضغوط: تبني كل الجهات والأطراف السياسية لمطلب العفو التشريعي العام ،وإطلاق سراح المساجين السياسيين، والحرية السياسية، وحرية الإعلام والتعبير والتحرك على أوسع نطاق وبكل الوسائل الممكنة وعبر كل الجهات والقوى المحبة للحرية والعدل والحق والمساواة والأمن والسلام، والمناهضة للغدر والتسلط والاستبداد والقهر، لسن قانون لذلك. وبين الأضرار التي لحقت البلاد والعباد وكل هذه الجهات والأطراف ومازالت تلحقها بها طالما ظلت هذه الأوضاع على ما هي عليه، وهي قابلة لمزيد التردي والسوء. وبين عدم القدرة على احتمال غضب السلطة الفاشية القمعية وإعراض الأجنبي الذي تعول عليه والإشاحة بوجهه عنها ،وما تصوره لها هذه الجهات الرسمية والأجنبية ومن هم على رأيها من شخصيات وتنظيمات مختلفة من خطر الإسلاميين الداهم على الجميع إذا ما حصل من الضغوطات ما يكفي لإمضاء هذه الخطوة.

في هذا الإطار المزروع بالأشواك والأسلاك الشائكة والألغام وبين هذا وذاك وجدت الأطراف السياسية والجمعيات والشخصيات « الوطنية » وقوى « المجتمع المدني » الآخذ في التشكل والذي مازال ضعيفا جدا ـ على تباين في ما بين مكوناته ـ نفسها في مواجهة مجتمع سياسي قوي مازال يحظى بمساندة ودعم القوى الدولية أكثر مما تحظى به بعض الأطراف المعارضة وقوى المجتمع المدني،وهي التي عليها أن تختار بين ثكل  وعذر هي بينهما، والذين ليس فيهما أي حظ لمختار. أي بين القبول بواقع يزداد سوءا ورداءة يوما بعد يوم – وهي من الجهات والأطراف المتضررة فيه كغيرها من باقي الفئات وأوساط المجتمع والشعب – أو العمل على الخروج من هذا الواقع الذي تتهدد فيه البلاد المخاطر من كل صوب وحدب، إلى ما تتوهمه أو توهمها به السلطة والأجنبي المعادي من خطر إخراج القمقم الإسلامي من مخبئه، وهو ما يعتبره البعض وخاصة اليسار الماركسي واليسار العربي من داخل السلطة ومن خارجها خطرا حقيقيا وجديا والتأكيد عليه بالقول: »انه لا سبيل إلى بناء دولة ديمقراطية ومجتمع ديمقراطي في ظل الفكر الديني أو في ظل فكر لا يفصل الدولة عن الدين… »2

« وكلمة الديمقراطية تعني حكم الشعب وهو ما يتنافى مثلا مع إخضاع الأمور الدنيوية إلى أحكام سماوية وجعل النصوص الدينية معيارا لصحة المواقف السياسية أو لبطلانها. والديمقراطية تعني أيضا الإيمان بالمساواة بين الشعوب والأمم، وبين الفقير والغني، وبين الرجل والمرأة « .

فهل أن من جعل الإسلام القرآن والسنة والشريعة المنطلق الأساسي والغاية النهائية للعمل السياسي من شانه آن يضمن الالتزام الفعلي والكامل بمبدأ المساواة؟3 .

وما يعتبره البعض الآخر مجرد خطر محتمل، وما يعتبره آخرون وهما وورقة ضغط خاسرة ، من مصلحة البلاد والعباد وكل هذه الأطراف الإلقاء بها في سلة المهملات. .

ومقتضيات الديمقراطية وآليات عملها وثوابتها تقضي باستبعاد الإقصاء والتهميش والحلول البوليسية، وتؤمن بصراع الخطاب والفكر والبرامج والتنافس السياسي والثقافي والحضاري في إطار القانون الذي يجب أن تكون كل مكونات المجتمع مساهمة في صياغته.

وهكذا ظل الوضع الذي تطرح فيه المطالبة بضرورة سن قانون  للعفو التشريعي العام رهين قوة السلطة الاستبدادية. هذه القوة التي تستمدها من الدعم الخارجي الأجنبي المعادي لشعوبنا ولامتنا ولعموم الشعوب المستضعفة وللديمقراطية الحقيقية في أوطان هذه الشعوب، ومن ضعف المعارضة وتشتتها في تناغم وتنسيق وتكامل ادوار بين قوى اليسار الماركسي والقومي العربي داخل السلطة وخارجها من المعاضدة والقوى المحسوبة على المعارضة بين مؤمن بالدور الأمريكي وقابل به وبالتطبيع مع الكيان الصهيوني وبتعلات مختلفة وبذرائع وقراءات مختلفة للمشهد السياسي الوطني والإقليمي والدولي ولحسابات ومصالح ومواقع مختلفة. و حركة إسلامية عانت ومازالت تعاني من كل هذه الأطراف والجهات والقوى الداخلية والخارجية، وهي اليوم منزوعة السلاح وموجودة – وهي في موقع الاستضعاف الشديد – في دائرة الاستهداف الدولي.فلم يكن ربط الحديث عن العفو التشريعي العام بمختلف بطون اليسار الماركسي قديما، مصادفة أو في إطار استهداف خاص لهذا الشتات أوللتعريض أوالتشهيربه أو الإساءة إليه، وإنما ـ لان هذه الطائفة المنبتة الوافدة فكرا وثقافة ومرجعية هي الماسكة بالسلطة اليوم. ـ وهي الواضعة لبرامجها والمحددة لتوجهاتها. ـ وهي التي تعاضد النظام وتؤازره وتدعمه وتقوي جانبه في تناغم وتبادل ادوار بين عناصره في مختلف المواقع.ـ وهي التي أوجدت هذا الوضع البائس بالبلاد. ـ وهي التي مازالت مصرة على زيادته سوءا ورداءة لأغراض شخصية وفئوية وحزبية صرفة. ـ وهي المنقسمة اليوم حول مطلب سن قانون العفو التشريعي العام بين مؤيد وداع له وقابل به ورافض له  من داخل السلطة وخارجها. وبين من يحدوه بعض الصدق وصادق في طرحه، وبين من قبل به ليعمل به كورقة عمل قد يتحقق له بها بعض ما يمكن تحقيقه من أغراض ومصالح وأهداف. ـ ولان عناصر اليسار  الماركسي قديما معززة ببعض عناصر اليسار القومي العربي وبعض الانتهازيين الآخرين هم الذين يحتكرون الساحة السياسية، ويتحكمون في القرار السياسي واخذوا يتوجهون نحو تشكيل معارضة سياسية وحقوقية واجتماعية جادة تارة ومترددة أخرى وسلبية تارة أخرى بحسب الظروف وبحسب القضايا وبحسب الجهات والأطراف والأشخاص،وبحسب الغايات والأهداف والمصالح والتي لا تصب كلها في مصلحة الوطن والشعب.

 

1ـ أقلام أون لاين ـ أحمد السميعي : الشعوب العربية بين قمع السلطة وخداع المعارضة.

 

2ـ الطريق الجديد (مجلة) لسان حال حركة التجديد (الحزب الشيوعي التونسي سابقا).عدد: 22 /23 جانفي فيفري 2004

الإستئصالي : صالح الزغيدي :مداخلة بعنوان: الفكر أللائكي …صمام الأمان ضد كل الإنحرافات.

 

  3 ـنفس المصدر: مداخلة لهشام سكيك  بعنوان: حول هوية الحركة الديمقراطيةومكوناتها.   

                                                                                                                    

                                                                             

علي شرطاني

قفصة   

تونس


رســالة اللقــاء رقم (3) :

المنفيون والمشرّدون جنان معلقة أم مأساة منسية؟

د.خالد الطراولي

ktraouli@yahoo.fr

 

النفي والتشريد الرقم الغائب الحاضر في المعادلة السياسية

 

لا يسعنا ونحن نطالع المبادرات العديدة التي تطلقها بين الحين والأخر بعض الوجوه المناضلة دفاعا عن الأسرى والمحبوسين إلا الوقوف إجلالا وتقديرا لهذه العرائض وأهلها، لا يسعنا إلا مباركتها والتشجيع على الحراك وإطلاق المساعي وتحرير القلم لدعمها. غير أن المرء يناله بعض الاستغراب ويدفعه التساؤل حول الغياب النسبي للمنفيين والمشرّدين في العرائض المطروحة والمطالب المعروضة، حتى أنك لا تكاد تجد عريضة أو مطلبا مخصصا لهم في المشهد العام! فهل هذا منشأه حالة الاستقرار والرضا التي صاحبت الترحال وأنهت النفي وغلبت المصلحة والمنفعة، فكانت البداية بلا ألوان وانتهت بقوس قزح غليظ، فلم يعد تجد من يريد العودة وقد طال الزمان، وبدأت الذكريات تتباعد تاركة المكان لزحف أيام جديدة، ووطن جديد شهد ميلاد الأبناء، وبركة الرزق والعافية؟ أم أنه السعي الفردي للخلاص، وتفضيل الحلول الشخصية بعيدا عن الأضواء الكاشفة، وتخلص من الماضي وترك للمشروع وأهله؟ أم هي ورقة سياسية لم يحن وقتها، تتجاوز البعد الإنساني لتدخل بنا في متاهات التدافع السياسي؟

 

هذه التساؤلات وغيرها تجعل من مسألة المنفيين والمشردين حالة هامة ومعقدة تستوجب الوقوف عندها حتى ينجلي الدور المرتقب لهؤلاء الآلاف من المبعدين والذين يشكلون جزءا لا يتجزأ من الشعب التونسي رغم بعد المسافة وطول الغياب وجور الأوطان، وحتى لا يكون بعد الواقع مطية للإبعاد المعنوي والنضالي والمساهمة ولو من بعيد في حمل هموم الشأن العام الوطني. فالمنفي مهاجر ولو عن كره وهو سفير لوطنه ولما لا سفيرا لمشروع التغيير!

 

إن المنفى يبقى حالة استثنائية في حياة الفرد المضطر، لم يغادر أرض الأجداد اختيارا، ولم يبق في أرض الأحفاد اختيارا، همه التواصل مع الداخل حتى لا يموت  خارج الخيام وتحت أشعة الشمس، وحتى لا يفقد « رائحة البلاد » التي سامح الله بعض أهلها حين حرموا بعض جيرانهم وإخوانهم من تذوق نسيمها ومعايشة كرّها وفرّها والمساهمة في بناء أركان بيتها.

 

كيف أعود إليك يا وطنــي؟

 

لكم يكون غريبا حين يقص البعض منا على أطفاله وجوده على أرض غير أرضه وبين أناس غير بني ذويه، لكم كان شديدا وقاسيا أن يرافق بعضنا أهله إلى المطار وهم يعودون إلى أرض الوطن، ولا يستطيع مواصلة الرحلة، وينسحب من البوابة تاركا أهله « بين السماء والأرض »، لترافقه بسمات الكبير الصفراء، وبكاء الصغير وعويله، وتنهدات الأهل والعشيرة.. لكم كان صعبا الإجابة على أسئلة بريئة ومحيرة يطلقها أطفالك كل سنة وكل فراق : « ولماذا لا ترافقنا؟ » وكم يعجز اللسان عن الإجابة رغم سهولة الجواب، لنتوارى بعيدين عن فلذات الأكباد ونحن نخفي دمعات تتسلل من عيون تشكو إلى الله ظلم العباد!

 

إن سمك « السلمون » يعود إلى موطنه الأصلي ليموت في هجرة عودة يناله فيها كل النصب والعذاب، من تيارات معاكسة وأعداء متربصين، همه الوحيد الكامن في جيناته أن تكون هجرة حياة لغيره ومقبرة لذاته.فهمّه الأساسي ونهاية سعادته، وضع بيضه وتلقيحه وترك المشعل لغيره لمواصلة مشوار الحياة حتى وإن انتهى مشواره. فنحن لا نريد أن نكون أكفانا أو مومياء وأمواتا أحياء، ولا حتى سلمونا يموت حقيقة لا مجازا حتى وإن سلّم المقود لغيره وأنهى مهمته، ولكن نريد أن نكون  مشاريع حياة تنبض لذاتها ولشعوبها وأوطانها.

 

المنفى عودة، والعودة حياة، وهي تعني أن الرحيل المفروض علينا يوما واللجوء إلى قوم غير قومنا، لم يكن إلا منفى لأجسادنا رغم بعد المسافة..، كانت تونس في الذاكرة، تعيش معنا في صحونا وفي أحلامنا..، كانت تكبر في وجداننا مع نمو أطفالنا..، كانت تونس تزداد حلاوة وبياضا كلما زحف الشيب على رؤوسنا وأذقاننا..، كانت تونس تمشي معنا حيث نمشي، وتقف حيث نقف..، نزور الناس بصحبتها ولا نعود إلا برفقتها، لا نتركها تبيت بعيدا عنا، ولا نسلمها لغيرنا، فمن أجلها عشنا ومن أجلها هاجرنا ورضينا فراق الأهل والأحبة، ومن أجلها وقفنا عند باب الطائرة وهي تعود بالأهل دوننا، وحرمنا الصحبة والرفقة الطيبة، وتعذبنا من نظرات الأبناء، وفزع الزوجات، وحيرة الأهل والآباء…

 

 ليعذرني القارئ لهذه الشجون وقد وقفت به عند البوابة « الشرقية أو الغربية » ولم آخذ طائرة العودة، هذه العودة التي شغلتنا ونحن نطأ أرض هذه الديار الطيبة في يوم ونحن نمن أنفسنا ولا نزال بأن تذكرة العودة لا تزال صالحة ولو أن رقم الرحلة وأرقام التذكرة قد نالهم القدم وحل البياض محل السواد…

 

حتى تكون العودة مشاريع حياة ولا مومياء متحركة!

 

إننا نريد أن تكون العودة مشاريع حياة وليست توابيت وأكفان ومقابر جماعية يلمها السكون من كل جانب وفي كل حين. سهل أن تعود، سهل أن تقطع تذكرتك وتصحح وضعيتك بما تعنيه من اعتراف بالخطأ وعودة إلى الجادة والتزام على ترك الهم الوطني والعمل السياسي، لتصبح بلغة أهل البلد « خبزيزة »! لذلك فكل مبادرة للعودة وشطب مأساة التشريد إذا لم تتنزل في مشروع متكامل للتغيير وللتفاوض لا يمكن أن تؤدي في أحسن الأحوال إلاّ إلى الإحراج ولا إلى الإخراج، وتنتهي بانتهاء الحديث حول طرحها في أيام معدودة.

 

لن أخفيكم أني كثيرا ما أتساءل لماذا لا يسمح حاكم البلاد علانية بعودة المنفيين ويفتح لهم الأبواب المشروطة بترك العمل السياسي والهم الوطني؟ ويقيني أن الكثير وقد أعياه طول الرحلة، وفقد الأمل في مشروعه وأحبط في من حوله وأصبح يعيش « خبزيزة » في ممارسته رغم أنه لا يزال يشد على نظرياته بكل استحياء. هؤلاء جميعا يعيشون فعلا النجاة الفردية ولو أنهم لم يعودوا من منفاهم، أجسادهم في المنفى ولكن عقولهم وبعض ممارساتهم تعيش النجاة الفردية، يعيشون فعلا الخلاص والطلاق مع مشاريعهم التي نفوا من أجلها رغم حديثهم المتواتر عن شرعياتهم التاريخية وقصص نضالهم المتواري مع غزو الشيب للرؤوس واللحي!

 

لعل البعض منا استهوته المنفى واعتاد على الكماليات بعد أن تجاوز طور الضروريات والحاجيات وأصبح يصعب عليه الفراق، أو لعل البعض الآخر أراد الموت خارج البلاد وينعزل عن القوم، فيكفيه ما قدم وضحى، لعله ينال درجة الشهداء والصديقين؟ ( من مات غريبا مات شهيدا. حديث ضعيف)

 

 لن أبحث عن الأسباب وما أكثرها، ساهم فيها الفرد بأنانيته وساهم فيها الواقع المعيشي بصعوباته وساهم فيها الإطار السياسي بانسحابه وعدم قدرته على تفعيل فضائه وتوظيف أفراده، لن أقف مطولا عند هذا الباب فهو ليس من مشمولات حديثي، ولكن أردت التعبير عن حقيقة كثيرا ما أخفيت، وعن وقائع تجاوزت الحالة المعزولة لتصبح ظاهرة منتشرة واضحة للعيان!

 

ولقد كانت منهجية الخلاص الفردي سياسة أرادتها السلطة ونجحت إلى حد ما في كسبها، حيث نال بعض المبعدين تذكرة العودة وأصبحوا من المرضيين عنهم، ولست في هذا الورقة منددا أو مستهجنا لهذه الأفعال والرمي بأصحابها بأوصاف هابطة، فلكل منهم أسبابه ولعلها ظروفه الخاصة، وإذا كنا لائمين فلن نلوم غير أنفسنا فلعلنا لم نستطع الإجابة عن تساؤلاتهم ومشاغلهم وحتى مشاعرهم، ولعلنا تركناهم وحيدين في محنهم أو لعلنا كنا عاجزين عن الإلمام بالجميع لهول المأساة وحجم الانتشار…ولقد قرأت مرة أن انتشار المبعدين في أرض الله الواسعة وصل أكثر من خمسين دولة، حتى أنك تجد بلادا لم تطأها أقدام تونسية من قبل، مما يظهر عظم المأساة وشدة الجور، وإنك لتجد لكل فرد قصة بكاملها تحوي بين دفتها فصولا من المغامرة والأحزان والبلاوي الشيء الكثير والذي يقارب الخيال ويعجز عنه البيان!

 

إن تساؤلات عديدة تفرض نفسها وهي من بديهيات منهجية العودة وهدفها : هل إذا عدنا عادت معنا حرياتنا، عادت معنا شاشاتنا وكتاباتنا وأقوالنا وأفعالنا؟، أم نعود مغللين مكبلين لنلتحق بقافلة الأفواه المكمومة والأيادي المضمومة والأوجه الملطومة؟ لقد عشنا في منافي تنفّسنا فيها معاني الحرية ونسماتها وأشواقها، ويصعب علينا التنفس خارج إطارها والتخلي عنها بعدما كنهنا مذاقها. كيف بنا ونحن لم نعرف الحرية ولا لونها ورضينا بالمنافي والتشريد من أجلها، كيف اليوم ونحن لمسنا حقيقتها مع نسبيتها في هذه البلاد الطيبة وعشنا أيامها ولياليها، أن نرضى بانفلاتها عنا؟ لقد خرجنا من أجل الحرية، فهل نعود بدونها؟ لقد خرجنا من أجل وطن جريح، فهل نطأ أرضه من جديد دون أن نضمد جراحه؟

 

نحو تفعيل البعد المهجري في التغيير

 

إن العودة هي خلاص جماعي للأفراد والمجموعة والمشروع، وهي كذلك طي لصفحة الماضي بالنسبة للمنفي والذي نفى، وهي لا تعني رجوعا إلى نقطة الصفر ولكنها تغيير للتعامل ولقواعد العلاقة ولو بتدرج، وهو يندمج في مشروع متكامل للمصالحة يحوم حول ثلاثية واضحة المنهج والهدف، تشكل قضية المنفيين أحد أضلعها الرئيسية، من إخراج المساجين السياسيين ورد حقوقهم، وتحرير التنظم الحزبي والتعدد السياسي في البلاد، بما تعنيه من اعتراف متبادل بين الحاكم والمحكوم أيا كانت ميولات هذا المحكوم.

 

لذلك فإن أي مبادرة تسعى إلى تنشيط المعارضة وتفعيل المطلبية لا بد أن تدرج في جدول أعمالها و قائمة مطالبها هذا البعد الإنساني والسياسي حتى لا تؤدي عدم المبالاة والتهميش إلى الدفع بهذه الألوف إلى الإحباط ومغادرة السفينة ومعالجة أمورها بنفسها والنجاة الفردية على حساب المجموعة والمشروع، ونخسر بالتالي عددا لا يستهان به من مناصرين نحن في أشد الحاجة إليه في مسارنـا.

 

 

الانسان المعجزة

 

هل سألت نفسك يوما وأنت تتجول في حديقة الهجرة : لم ترك سبحانه أحب مخلوق إليه طرا عليه السلام لمصيره يعاني الذي يعاني ويلقى الذي يلقى من مطاردة قريش و  » هوانه على الناس وعدو يتجهمه وقريب ملك أمره  » ؟

أليس الحب يقتضي تخليصه من كل ذلك سيما وقد بلغت القلوب الحناجر في مرات كثيرة لا تحصى ؟

أين البراق وأين المعجزات وأين الخوارق والكرامات ؟

الان بعد أن دبر عليه السلام أمر إختفائه في الغار ونجح في ذلك أليس يستحق أن تطوى له مسافة نصف ألف ميل فيقطعها معجزة وكرامة في لحظات أوفي يوم على الاكثر بدل أن يظل نصف شهر كامل ؟

 

ملاحظة مهمة إبتدائية :

ثوران مثل تلك الاسئلة في ذهن الانسان ـ والمسلم بصفة خاصة ـ دليل إيمان نافع وعقيدة راسخة وفطرة حية بخلاف ما يظن كثير من الناس من أن ذلك من باب الوسواس القهري الذي يفسد على ملايين مملينة ـ دون أدنى مبالغة ـ صلاتهم وعباداتهم .

قال عليه السلام ذات يوم لاصحابه على هامش ذكر قصة إبراهيم في القرآن الكريم  » نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام « . هل ينقص في مسلم ـ لا بل حتى في أصحاب الديانتين السماويتين الاخريين ـ اليوم قدر إبراهيم عليه السلام بسبب قصة رحلته الايمانية في سورة التوحيد الكبرى سورة الانعام  » فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي … ».؟

طبعا ستجد تأويلات كثير إلى التحكم والتعسف أقرب من فقه علاقة الانسان بالايمان إبتداء .

هي ذات التأويلات التي تحيق بأولئك في قصة موسى عليه السلام ورؤية ربه سبحانه .

كما قال عليه  السلام ذات مرة لهم إذ جاؤوا يشكون حديث النفس بما لا يستطيع المرء أن يتكلم به ودون ذلك موت زؤام أو خسف أرض  » أوجدتموه  » قالوا  » بلى  » قال  » فذلك محض الايمان ».

السبب في كون كثير من الناس اليوم يعدون ذلك ناقضا من نواقض الايمان هو أنهم يخرجون دائرة النفس الباطنية من وغى الابتلاء وساحة التدافع السجالي الازلي الابدي بين الكفر والايمان وهي أولى به وأحق بل هي موئله ومربطه ومبعثه وحجرة قيادة بوصلته وليست آثار ذلك التدافع خارج ا لنفس الانسانية سوى صور وإنعكاسات وأبخرة وظلال لما يجري في وغى النفس.

 

وفضلا عن ذلك فإن ثوران مثل تلك الاسئلة المشروعة إسلاميا بكل المقاييس يكسب فقها ويجلب علما ويحث على بحث و » رب مبلغ أوعى من سامع  » ولايكون المبلغ ـ إسم مفعول ـ كذلك حتى يجتهد فيما سمع ويقلب على ألف ألف وجه من وجوه الحقيقة لينتهي إلى رسوخ قريب من رسوخ إيمان إبراهيم عليه السلام  » ولكن ليطمئن قلبي « . فالطمأنينة قلبية وعقلية معا . أو هي عرجاء.

 

رحلة الهجرة إذن لم تتخللها أي معجزة بحال :

أجل . إضطر عليه السلام لشراء ناقته بماله من أبي بكر برغم إدخار هذا له تحسبا وحسن إعداد وكان يمكن للمعجزة أن تتدخل فتقول لصخرة من صخرات مكة  » كوني أقوى راحلة فتكون  » .

أجل . إضطر لتشغيل عدد من الناس رجالا ونساء وشبابا ومسلمين ومشركين في رحلة الهجرة وكان يمكن للمعجزة أن تتدخل لتعزل المشرك من قيادة أخطر وأكبر رحلة غيرت وجه الحياة وتنصب بدله ملكا أو أمارة ما أو هداية إلهامية تماما كما حن الجذع ونبع الماء وكثر الاكل وإختلف عدد المقاتلين في كلا الجيشين في بدر عن الحقيقة في العيون … الخ .

أجل . حقق  » قريش بول  » نجاحا كبيرا جدا في رحلة البحث عن محمد عليه السلام لما لم يعد يفصله عنه سوى متر واحد بالتحديد ليس أكثر وكان يمكن للمعجزة أن تتدخل فتصرف البوليس الدولي لقريش عن طريق غار ثور وكان لها أن تهيئ ذات الغار من السوام قبل دخوله له عليه السلام ولكن شيئا من ذلك لم يحدث .

 

لم تثبت بحال قصة نسج العنكبوت بيتها على الغار ولكنها من الزيادات الشعبية في زمن ما وما حدث لسراقة ـ إن ثبت ـ في شأن غوصان ساقي فرسه في الرمال وهو يواجه محمدا عليه السلام لم يكن من باب المعجزة لانه لو كان كذلك لكفى ذلك محمدا عليه السلام ولما بث أمامه أكبر هدية مركبة من قرب إيمان وقرب إنتصار عارم باهر على أكبر إمبراطورية يومها وتسلمه هو بنفسه سوارى أكبر إمبراطور ولكان خوف سراقة من هلاكه وهلاك فرسه كفيلا برجوعه خاسئا .

 

لسنا هنا في مجال التحقيق العملي البحت في تلك المسائل ولكن حتى لو ثبتت قصة سراقة فإنها لوحدها لا يمكن التعويل عليها للقول بإطمئنان بأن الهجرة كانت معجزة بالمعنى الشعبي العام للمعجزة وليس بمعناها الاسلامي الذي يأتي بعد حين بإذنه سبحانه .

 

كان الانسان هو معجزة الالهية الرحمانية العظيمة في رحلة الهجرة وفي كل عمل نبوي:

ماهي المعجزة إبتداء وما الفرق بينها وبين الكرامة أو الخارقة وبينها وبين الدجل ؟

المعجزة هي الاية ـ أي الدليل أو الامارة ـ التي عرفها القرآن الكريم بقوله  » فظلت أعناقهم لها خاضعين  » . فالمعجزة هي الاية ـ الامارة ـ التي تلغي الابعاد الانسانية من عقل وروح في مناسبة ما لحمله على التصديق بقوة الصدمة النفسية وليس عبر المنافذ الاعتيادية المعروفة.

وهي إلهية رحمانية محضة فلا تنسب المعجزة لغيره سبحانه وهي كذلك لا تتنزل سوى على الرسل المكلفين بالابلاغ وهي ثالثا لا تكون في الاغلب ـ وليس دوما ـ إلا مادية محسوسة .

كما أنها في الاغلب ـ وليس دوما كذلك ـ لا تتنزل سوى إذا  » إستيأس الرسل « .

أما الكرامة والخارقة فكلاهما تشترك مع المعجزة في مخالفتها للسنن والاسباب الطبيعية المبثوثة في الكون ولكنهما تختلفان معها في أمور هي : أن الكرامة يؤتيها الله سبحانه للمؤمن إما تثبيتا وهو الاغلب أو طردا لضر أما الخارقة فيؤتيها الفاجر أو الساحر والكافر إما إستدراجا ومدا وهو الاغلب أو إمتحانا آخر وفرصة أخرى وفي حالي الكرامة والخارقة يثبت ويطرد مقصد الابتلاء منه سبحانه لمن حول صاحب الكرامة أو الخارقة . وليست الكرامة دليل قوة إيمان أبدا إلا إذا كانت قوة تحتاج إلى قوة أخرى لاجتياز عقبة أو تلبية لدعاء آن كما أنها لا تغير شريعة الاسلام أبدا ولو في جزئية صغيرة منها وتحت أي ظرف . ولا تزيد الكرامة المؤمن راسخ الايمان إيمانا أما لو حركته خارقة الفاجر أو الساحر أو الكافر فتلك داهية الداهيات وكلاهما لا يقع سوى ضمن إرادته سبحانه وبإذنه ولو بغير رضاه .

أما الدجل فهو حال ثالثة أو رابعة أخرى عادة ما يعتمد على قدرات دجلية ذاتية في الدجال ونقطة قوة كل دجال هي خلطه للصالح المقبول مع الطالح المرفوض من الاسلام من جهة وإستغلال ضعف إيمان ويقين المتفرج المشاهد فضلا عن المريض المريد الميت من جهة أخرى . وما يميز الدجل عن الكرامة خاصة هو كونه يذهب بالرقيا الشرعية المعروفة والقرآن الكريم والادعية المأثورة سيما مع شروط أخرى من مثل الاخلاص والعلم يبطلان مفعوله بالكلية ومباشرة بإذنه سبحانه. وعادة ما يكون الدجل حرفة أو مهنة للتكسب وطلب الرزق في حقيقة الامر .

 

كيف كان الانسان هو المعجزة الالهية الرحمانية الباهرة في رحلة الهجرة ؟

الانسان هنا هو النبي الكريم محمد عليه السلام المؤيد بالوحي العظيم والعبرة هنا هو أن التدبير كان بشريا صرفا منه هو عليه السلام فمن أول إحتياجات الرحلة حتى آخرها كان عليه هو عليه السلام أن يتدبر أمره من راحلة ورفيق درب وتخطيط وتمويه على الملاحق بالتوجه جنوبا بدلا شمالا وبالاختفاء ثلاثا لامتصاص حركة الملاحقة وإنتظار فتورها وجعل عين في قريش بمثابت جهاز رادار لاقط يجهز نشرة إخبارية يومية ومحو آثار الاقدام بآثار نعم أبي بكر وتأمين المأكل والمشرب من تلك النعم الراعية وتكليف أسماء بذلك وإستئجاز مشرك دليلا قائدا أمينا والتمويه على القاتل من خلال الافتداء بعلي وتكليفه برد الامانات ومباغتة دار الرفيق قيلولة وتهجير الاصحاب قبل ذلك لتأمينهم وغير ذلك مما لا يحصى وفي كل ذلك لم تتنزل معجزة واحدة .

 

معنى ذلك أنه سبحانه أراد من الانسان ـ سواء كان نبيا وخاصة رسولا نبيا أو مجرد مؤمن ـ أن يتحول إلى معجزة بشرية تحقق الايمان في القلوب والصدور وفي معالم الارض وتتجشم لحمل الرسالة بعد ما أبت السماوات والارض والجبال حملها خشية من عدم الوفاء بمقتضياتها وخوفا من عذاب الرحمان سبحانه في إثر ذلك .

 

وفعلا تبين من خلال مسيرة النبوة وخاصة النبوة المرسلة تماما كما تبين من خلال مسيرة المؤمنين أتباع كل رسول بأن الانسان خير مستأمن ومستودع على عهد الايمان وعقد الخلافة وميثاق العبادة ولا ينقص من قدر ذلك كون  » وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين  » أو  » وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون  » أو إنتهاء قصة التوحيد في مكان ما في زمن ما بمثل نهاية قصة أصحاب الاخدود …

 

لا ينقص كل ذلك من تلك الحقيقة لامرين إثنين :

1 ــ أن المطلوب من الرسول ـ عامة وليس خاصة ـ عليهم السلام جميعا ليس هو حمل الناس على التصديق فضلا عن العمل بمقتضيات ذلك التصديق ولكن المطلوب منه هو  » إن عليك إلا البلاغ  » و  » و ما أنت عليهم بوكيل  » سوى أنه توفر له عليه السلام ما لم يتوفر لاخوانه من الرسل وحتى من أولي العزم منهم وذلك بحكم ختمه للرسالات ونسخه للاديان وهيمنته على الكتب أي توفر له بناء مشروع حكم إسلامي كامل شامل أي مثال حي نابض يمكن لمن بعده من المؤمنين جميعا الاهتداء به وتلك خصوصية من خصوصياته عليه السلام تجاوزت مسألة البلاغ إلى حد إقامة الاسلام وبناء شجرة الايمان كاملة أمام الناس جذرا وجذوعا وأغصانا وورقا وثمرا وظلا .

 

2 ــ أن المطلوب الثاني من كل رسول عليهم السلام جميعا ليس هو الحمل على التصديق ولكنه إقامة الحجة على الانسان عقليا وقلبيا بالمعجزة المادية والعقلية تمهيدا لدرب الايمان أمامه أي أن المطلوب هو حسن التبليغ وإقامة الحجة وليس تولي بناء الايمان بنفسه في الصدور وذلك تكريما للانسان المدعو إلى الايمان لانه مسؤول وحر ومريد ومكلف وعاقل ومختار .

 

يظل الانسان إذن مستودع الايمان ومستأمن الاعتقاد ومشروعا جاهزا لاقامة الاسلام بأوتاد شامخة من العدل والحق والكرامة والامانة حتى لو ظل أكثر الناس غير مؤمنين  وذلك لكون الحجة قامت على الخلق من خلال بلاغ الرسل من ناحية ولكون المثال تم بناؤه من خلال محمد عليه السلام .

 

قولنا بأن الانسان في رحلة الهجرة وغيرها كان هو المعجزة الالهية ـ الكبرى حتى لولو تكن الوحيدة ـ لا يعني سوى أن تلك المعجزة البشرية خلقها الله سبحانه وهو فطرها على ذلك وأهلها لتكون كذلك وليس ذلك من باب  » إنما أوتيته على علم عندي  » وذلك هو أعلى درجات التكريم الالهي للانسان . فقولنا بأن الانسان في رحلة الهجرة هو المعجزة الالهية العظمى لا يفهم تهوينا من التوحيد أو تقليلا من شأنه أو شأن قدرة الله سبحانه بل على العكس من ذلك تماما فإن قولنا ذلك ينبئ عن عظمته سبحانه وبغرسها في النفوس فهي أثر من آثار عظمته وبديع قدرته .

ما هوالموقف الاسلامي الصحيح من قضية المعجزات ؟

1 ــ الايمان بالمعجزات مطلقا لان القرآن الكريم نطق بها في أكثر من موضع  » وإنشق القمر ».

2 ــ التمييز فيها بين المعجزات المادية المحسوسة وبين المعجزات العقلية .

3

ــ تتبع السيرة يفيد بأن كلا الضربين موجود فيما صح وثبت قطعا . 4 ــ كما يفيد ذلك التتبع أمرين كبيرين خطيرين : ــ أولهما أن المعجزة في الاسلام لم تتنزل مؤسسا للايمان ولا حافظا له وفي أحسن الحالات : مثبتا له  . كما كانت كذلك حلا لمشكلة واقعية فعلية . طبعا أعني هنا المعجزة المادية .

ــ ثانيهما أن المعجزة التي أنيط بها تأسيس الايمان في الصدور وتجديده وحفظه وإيناع ثمره كانت المعجزة العقلية في الاعم الاغلب وهي بالتحديد كلمة صحيحة صادقة من القرآن الكريم تحيل الانسان العاقل على الكون والنفس والتاريخ ثم تقول له بصراحة  » من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر  » .

5 ــ يعول القرآن الكريم إلى اليوم وحتى يوم القيامة على الانسان لحسن الايمان به وحسن فقهه وحسن تحمله سلوكا تأهلا لحسن الدعوة إليه  ونشره وبثه والاقناع به والتعاون من أجل بناء حكم إسلامي بالحق والعدل والقسط والكرامة والامانة بين الناس كافة . تعويل القرآن الكريم على الانسان في ذلك كله لا يمر سوى عبر : الكلمة . أما القوة المادية فليست وظيفتها سوى ـ بعد بناء الكلمة للحكم الاسلامي بين الناس بالعدل ـ حراسة لتلك الكلمة أن تمنع أو يفتن إنسان عن سماعها.

 

الهادي بريك / ألمانيا


 

حزب إيطالي يعرض الرسوم المسيئة للرسول في ساحة عامة و الكنيسة تنتقد و اتحاد المسلمين يرفع شكوى

 

قرر حزب (رابطة الشمال) المشارك في الحكومة الحالية عرض الرسومات المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الساحة الرئيسية لمدينة بيزارو شمالي إيطاليا. ودافع المسؤول المحلي في الحزب المذكور دانتي روشيني عن هذا القرار قائلا « لحسن الحظ نحن نعيش في بلد تتوفر فيه حرية التعبير والفكر والسخرية، لقد نشرت رسومات وكتابات وأنجزت أفلاما تسخر من المسيح ومن الكنيسة الكاثوليكية ولم يحدث شيئا يذكر ».

 

وأوضح أن « تنظيم هذا المعرض يندرج في إطار تفعيل النقاش حول موضوع استقطب اهتمام الرأي العام ».وكان وزير الإصلاحات الإيطالي روبرتو كالديرولي قد شارك يوم الثالث من الشهر الجاري في المظاهرة التي نظمها حزبه (رابطة الشمال) أمام القنصلية الدنمركية في ميلانو من أجل التأكيد على حق وسائل الإعلام الأوربية في نشر الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. واعتبر كالديرولي هذه المبادرة « دليلا على التضامن والصداقة مع الشعب الدنمركي، فحرق الأعلام الدنمركية يؤكد خيار الحرب الذي يشنه الإسلام المتطرف على الغرب »، وأضاف « أن العالم الغربي لا يريد أن ينتبه إلى هذا الخطر ».

 

وشدد الوزير الإيطالي على أهمية الدفاع عن حق الصحافة في تناول جميع المواضيع بلا استثناء، وقال « إن السخرية شكل من أشكال حرية الفكر ويجب حمايتها ».في حين اعتبر نائب رئيس كتلة حزب (المارغاريتا) المعارض لويجي لوزيتي مبادرة حزب (رابطة الشمال) عرض الرسومات المسيئة للرسول في الساحة الرئيسية بأنها « استفزازية وغير مسؤولة ».ودعا السياسي الإيطالي إلى ضرورة تهدئة الوضع في ضوء استمرار احتجاجات المسلمين وإصرار بعض الصحف الأوربية في نشر الرسوم المهينة لنبي الإسلام، وقال « يجب أن نتعلم أصول الحوار وهذا يتطلب معرفة لغة الآخر واحترام رموزه الدينية من أجل بلوغ عالم يسوده السلم ».وأكد لوزيتي أن حزب (عصبة الشمال) المشارك في حكومة سلفيو بيرلسكوني يستغل الرسومات من أجل مصالحه الانتخابية وليس دفاعا عن حرية التعبير.

 

و قد أكد الكاردينال رفايلي ريناتو مارتينو أن صدام الحضارات يصب بالدرجة الأولى في مصلحة الإرهابيين. وأوضح في مقابلة مع صحيفة (إل ماتينو) الإيطالية « أن البابا قد رفض على الدوام هذه الأطروحة لأنها تخدم الإرهابيين وذلك العالم الغني والمتكبر الذي يستغل حرية التعبير لإهانة تقاليد وثقافات الآخرين »، وأضاف « فيما يتعلق بالإرهاب، نحن نعيش حربا عالمية رابعة لأنها موجّهة للمجتمع الدولي بأكمله ».وأشار الكاردينال مارتينو، وهو رئيس المجلس البابوي للعدالة والسلام وأحد المعاونين المقربين للبابا، إلى مسؤولية الصحف الغربية التي نشرت رسومات تسئ لنبي الإسلام، وما خلفته من احتجاجات واضطرابات في العواصم العربية والإسلامية، وقال « إن الرسومات المنشورة مفعمة بالسخرية والاحتقار لمشاعر المسلمين ».

 

و من جهته دعا (اتحاد الجمعيات والمنظمات الإسلامية في إيطاليا UCOII ) -في بيان له- المساجد إلى رفع دعاوى قضائية ضد الصحف الإيطالية التي أعادت نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم . و جاء هذا النداء إثر الاجتماع الاستثنائي الذي دعا إليه الاتحاد يوم الأحد الماضي في مدينة ميلانو (شمالي إيطاليا) وشارك فيه العديد من مسؤولي الجمعيات الإسلامية التابعة للاتحاد ومن خارجه. كما تقرر إنشاء صندوق لجمع الأموال في المساجد الإيطالية لتغطية تكاليف التقاضي ابتداء من يوم الجمعة 24 شباط/فبراير.

 

وجاء في البيان أنه على الرغم من « الاعتراف بالأهمية البالغة لحرية التعبير والصحافة »، فإن المجتمعين قد اتفقوا على أن ما حدث « لا صلة له بالحرية بل هو حملة افتراء حقيقية واعية ومقصودة تمس الشعور بمحبة النبي محمد وإجلاله الذي يشترك فيه مليار ونصف من الرجال والنساء في العالم ».

 

جمعها مشكورا رضا المشرقي – ايطاليا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

هل نريدها حربا عالمية شرارتها الكاريكاتير !؟

مرسل الكسيبي

15-02-2006

السادي عشر من محرم1427هجري

اسف أن أضطر مرة أخرى للعودة الى الحديث عما خلفته أزمة رسوم الكاريكاتير الساخرة والساقطة في حق خاتم النبيين والمرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم من شرخ عميق في السياسة الدولية وفي أنفس أبناء أمة العرب والاسلام وفي أنفس كل الغيورين على الرسل والأنبياء والقيم الانسانية النبيلة من مختلف الملل والنحل والقبائل والشعوب

عودتي اليوم للحديث من جديد عن هذه الأزمة تأتي بعد أن تيقنت بأنه مالم تتدخل الأصوات العاقلة وحكماء العالم في المشرق والمغرب من أجل محاصرة تداعيات هذه الأزمة على الصعيد العالمي فاننا وبكل أسف نقف أمام مخاطر كبيرة قد تضعنا أمام حروب دينية جديدة تكون مقدمة لما هو أخطر وأعسر على أمن واستقرار سكان هذه المعمورة

ابتداء وككل مرة وحتى لايفهم كلامي على غير محمله الخيري والسليم ,فانني أجدد حبي واحترامي ووفائي وصدقي واخلاصي لدعوة خاتم الأنبياء والمرسلين والذي أرسله الله سبحانه وبصريح الاية القرانية الكريمة رحمة للعالمين

معالم رحمته صلى الله عليه وسلم في مواضع السخرية والاعراض

انه من تمام رحمة هذا النبي صلوات الله وسلامه عليه أن جعله الله سبحانه حريصا على حقن دماء الناس وعلى عدم الولوج في الحدود بالشبهات اذ ترتب عن ذلك درء لها وابتعاد عنها مادام هناك متسع لدفعها بالاتكاء على مكامن الشبهة عند اقامة أركان الأقضية والحاجات

وكما هو معلوم في السير والأحاديث فان الله سبحانه لم يبتعث نبيه منتقما ولاجبارا ولاشقيا وانما خيره الله سبحانه بين الانتقام من مكابري وجحدة أهل مكة بعد أن اضطروه للبحث عن ملجا للدعوة بين أهل الطائف والتعرض لشتى ألوان الاعراض والسخرية ,خيره بأن يأمر ملك الجبال بما شاء فيهم فقال « ان الله قد سمع قول قومك وماردوا عليك ,وقد بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم .وناداه ملك الجبال فسلم عليه ثم قال يامحمد ,ان الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك اليك لتأمرني بأمرك بما شئت ,ان شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟قال صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولايشرك به شيئا « 1*

ولقد كان ذلك بعيد مالقيه من شديد عنت وسخرية ثقيف في الطائف حيث  « قال له أحدهم عندما عرض عليهم الرسالة هو يمرط ثياب الكعبة ان كان الله أرسلك وقال الاخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا ,لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن يرد عليك الكلام,ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك « 2*,ولقد اشتدت به الأذية صلى الله عليه وسلم بعد أن لاقى من العنت والمشقة والسخرية ماجعل سفهاء الطائف يرمونه حجرا حتى أدميت عقباه واختضبت نعلاه بالدماء ولكنه صلوات ربي وسلامه عليه لم يختر أن يدعو ربه أن يزلزل الأرض من تحت أقدامهم  أو أن تأخذهم عاصفة جارفة من فوقهم ومن تحتهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولكنه بصبر الأنبياء على الأذى وحبهم لمشاعية الخير بين الناس رجع عائدا الى حيث أراد له الله سبحانه ليستظل في طريقه تحت ظل شجرة داعيا ربه سبحانه بدعاء الطائف المشهور « اللهم اليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ,ياأرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي,الى من تكلني ,الى بعيد يتجهمني أم الى عدو ملكته أمري,ان لم يكن بك غضب علي فلاأبالي,ولكن عافيتك هي أوسع لي,أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والاخرة من أن تنزل بي غضبك,أو تحل علي سخطك,لك العتبى حتى ترضى,ولاحول ولاقوة الا بك . »3* انتهى نص الدعاء

ولم يكن مثل هذا السلوك ليصدر من النبي صلى الله عليه وسلم فقط في مواضع الضعف وقلة النصير ولكنه تعداه ليكون خلقا اسلاميا ملازما له في مواطن العز والقوة والانتصار ,ولعل حدث فتح مكة كان خير برهان على ذلك ,حيث دخلها في قوة ومنعة وجيش لم تعرفه قريش من قبل ولكنه رغم ذلك لم يعمل السيف في رقاب الناس ولم يرق الدماء في السواقي بل قال يومها للعباس عندما أعلمه بأن أبا سفيان يحب الفخر « من دخل بيت أبي سفيان فهو امن ,ومن أغلق بابه فهو امن ,ومن دخل المسجد فهو امن »*4

وهذا ماكرره صلوات ربي وسلامه عليه عندما دخلها فاتحا وصعد على الصفا قائلا « من دخل دار أبي سفيان فهو امن ومن ألقى السلاح فهو امن ومن اغلق بابه فهو امن »*5

أما وقد دخل الكعبة ليقف على بابها,وقريش قد ملأت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا يصنع,وقد فتح الله عليه بكل أسباب المنعة والقوة ,فانه قد ألقى خطبة عظيمة ينبغي علينا الاسترشاد بها عندما تختلط علينا الأمور عند الأزمات والمحن كما هو حاصل في أيامنا اليوم,اذ جاء عنه في شواهد كثيرة مايلي « يامعشر قريش ان الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ,وتعظمها بالاباء,الناس من ادم وادم من تراب,ثم تلا هذه الاية -الاية 13 من سورة الحجرات-« ياأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى ,وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير »*6

ولقد أورد ابن هشام في سيرته بقية لهذه الخطبة فيها « يامعشر قريش ,ماترون أني فاعل بكم ؟

قالوا:خيرا أخ كريم وابن أخ كريم

قال :فاني أقول لكم كما قال يوسف لاخوته :لاتثريب عليكم اليوم,اذهبوا فأنتم الطلقاء

« *7

وهكذا استشف العلماء من هذا الحدث التاريخي العظيم بأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما حقن الدماء في مكة وهو في أوج القوة والغلبة ,انما أراد بذلك أن يختط منهجا في حرمتها بغير حق وعظمة الحفاظ عليها

ماذا عن المسلمين بعد حرب الكاريكاتير ؟

يقف العالم اليوم بلا شك أمام تسونامي الكاريكاتير واجما خائفا من اندلاع حروب على أساس ديني,حيث أن ماتنقله الأخبار من قصص متولدة عن كرة الرسوم بات يتوسع ليجعل المبادرة أحيانا في يد قوى اليمين الأوربي التي باتت تصر على مزيد من التحدي والاستفزاز,من باب تحين الفرص لجر المسلمين أو الأقليات المسلمة داخل أوربا نحو مسلك العنف وهو ماتبحث عنه بعض القوى المعادية كتعلة من أجل تشديد الحصار على الوجود الاسلامي المشارك والمساهم والبناء في ربوع القارة الأوربية وربما بلاد الغرب بشكل عام ثم التمهيد الى اندلاع عمليات اضطهادية خارجة عن نص وروح القانون

وحينئذ فانه ليس من مصلحة المسلمين ولا من مصلحة دعاة حقوق الانسان ودعاة احترام القانون من الأوربيين والغربيين التمادي في تصعيد روح الأزمة عبر الترويج الى ماشذ وندر من الأخبار التي تذكي روح الكراهية والحقد والعنف بين الأمم والشعوب

ولعله يطلب من الجسم الاسلامي كله عدم الوقوع في الفخ واللهث وراء أخبار مزيد من نشر الصور في بعض الفضائيات الغربية أو غيرها من وسائل الاعلام ,اذ أنه ان الأوان لطي ملف هذه الأزمة على أن يترك الأمر للجهات الرسمية في بلادنا وبالتنسيق مع الهيئات الاسلامية والعلمية في مساندة هادئة من الجماهير مسألة الضغط على دوائر القرار العالمي من أجل استصدار قوانين عالمية تحرم الازدراء والسخرية من الرسل والأنبياء

اننا فعلا الم نضع حدا لهذه الأزمة فان قوى الظلام في الضفتين ستبحث عن التوقيت المناسب من أجل تحويلها الى حرب دموية حقيقية بين الشرق والغرب وهو مالا يحبذه عاقل أوحكيم في زمن لابد أن نوطن فيه الأنفس على حل المشاكل والنزاعات بالطرق السلمية والديبلوماسية

كلمة أخيرة للغرب

لابد أن نحيي في هذا الغرب ماأعطاه لمواطنيه من حقوق وامتيازات وماأسسه من نهضة علمية وتقنية وعمرانية ومدنية ,كما ولابد أن نرفع من شأن ماأعلاه من روح مساواة أمام نص القانون والدساتير,ولانغفل أيضا عن الوقوف احتراما لما استصدره من قوانين تحمي الأقليات والديانات ,ولعله وكما هو شأن كل جهد وضعي بشري فان للغرب نقائص يجب تجاوزها بنص القانون عبر استصدار قوانين جديدة تعالج أسباب تداعيات هذه الأزمة وذلك بقطع الطريق على الازدراء بالرموز الدينية والمقدسات وذلك من باب الحفاظ على الأمن والسلم الأهليين ومن أجل ضمان تعايش وتلاقح الشعوب والثقافات ثم الحفاظ على التماسك الاجتماعي في ظل تعدد المكونات الاثنية والدينية للنسيج الغربي والأوربي

واذا وفق العقلاء والحكماء في الضفتين الى معالجة سريعة وحكيمة لتداعيات أخطر أزمة ثقافية ودينية يعرفها العالم المعاصر فان مااستعسر من القضايا والنزاعات الدولية ذات الطابع السياسي سيكون بالكاد في طريقه الطبيعي _ مع شيء من المساحة الزمنية المعتبرة_ الى الحل ضمن معادلة التعايش السلمي بين الشعوب والأعراق والتعاون والحوار الحقيقي والبناء بين الحضارات

مرسل الكسيبي

كاتب واعلامي تونسي مقيم بألمانيا

15-02-2006

16-01-1427 هجري 

المراجع

1*

القصة مروية في كل كتب السيرة ونصها أوردته حرفيا عن كتاب من معين السيرة لمؤلفه صالح أحمد الشامي والحديث الذي يروي رد النبي صلى الله عليه وسلم وارد في الصحيحين

*2

من معين السيرة ص 98 طبعة المكتب الاسلامي

 *3

المصدر السابق ص99

*4

انتهى نص الحديث كما أورد في معين السيرة ص 389

*5

من حديث أبي هريرة عند مسلم في باب فتح مكة

6*

يراجع في ذلك زاد المعاد والفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد

*7

سيرة ابن هشام الجزء الثاني الصفحة412


 

من الذي أساء للرسول الكريم؟ نحن أم الرسام الدانماركي؟

د. أحمد القديدي (*)

 

دعاني الاعلامي الفاضل عبدالعزيز السيد ضيفا خلال الاسبوع الماضي في برنامجه الذكي على أثير إذاعة قطر «قضايا ساخنة» وكنت على الهواء لمدة ساعة صحبة الزميل دكتور احمد ابومطر الذي يعيش منذ عشرين عاما في النرويج ويعرف عز المعرفة تلك المجتمعات الاسكندنافية التي نتهمها اليوم بالاساءة للإسلام ولنبيه الخاتم عليه افضل الصلاة وازكى السلام.

 

وقد آثرت التغريد خارج السرب العربي كما وافقني الزميل ابومطر لأن الواقع يختلف عن ردة الفعل، ولأن الحقيقة أعمق من مجرد الاساءة العابرة والجارحة والمخزية لمشاعر المسلمين، ولأننا أغفلنا تقصيرنا نحن المسلمين في الحوار مع الغرب، ولأن الحضارات تتقدم بالتدافع القرآني لا بالهزات المؤقتة حتى لو كانت مشروعة، والسؤال الذي طرحته في البرنامج هو: من الذي أساء اكثر للرسول صلى الله عليه وسلم مجرد رسام جاهل خلط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين بن لادن وخلط بين الاسلام وبين الارهاب وخلط بين حرية التعبير وبين المس بالمقدسات، ام الذي اساء للرسول هو بصراحة ومع الأسف نحن المسلمين عندما اهملنا فريضة التعريف باصول ديننا وامجاد حضارتنا وخصال نبينا المصطفى لدى الغرب، فتركنا رسالة موكولة لنا بالضرورة وهي رسالة الدعوة بالتي هي أحسن في أروع تجلياتها الفكرية، وتخلينا عن اداء امانة هي في أعناقنا نحن وليس لها سوانا من حافظين، وجرينا وراء السراب الخادع لنقلد الغربيين كالببغاوات لا في تقدمهم وازدهار حرياتهم وابداع مكتشفاتهم بل في اسوأ واحط ما لديهم اي تعويض الروح بالمادة وإلغاء المقدس من حياتهم واعلاء شأن الفرد فوق شأن الأمة، هذه القواعد التي قوضت صروح سعادتهم حتى ولو ملكوا من الثروات اقصاها، ومن القوات اعتاها، ويكفي ان تطوف يا قارئي العزيز في ملاجئ المسنين عندهم لتوقن بأن العلاج والرفاهية المادية لا تعوض اليد الحنونة التي يمدها الولد لأبويه ولا الابتسامة الصادقة التي تهبها البنت لأمها حين يتقدم العمر ويعجز كبير السن عن الحركة والعطاء ويسلمه عياله لمؤسسات البؤس الروحي التي يسميها هنا عقلاؤهم بيوت الموت البطيء! كما انك تفاجأ بانفجار الخلية الأسرية لديهم لتصبح المرأة تحت شعار الحرية وحقوق النساء في المساواة مجرد بضاعة في سوق النخاسة العصرية ومجرد برغي في ماكينة الاستغلال التجاري والصناعي وضحية العنف الرجالي والاجتماعي الذي لا يرحم «احصاءات وزارة العدل ووزارة الداخلية في فرنسا نشرت بالصحف يوم الاربعاء 8 فبراير الجاري وتقول انه في عام 2005 هناك امرأة فرنسية تموت ضحية تعنيف زوجها أو عشيقها كل اربعة ايام»! ثم اننا قلدناهم حتى في الفن الهابط الذي اصاب بعض قنواتنا التليفزيونية بالعدوى فتحولت بعض شاشاتنا الى كباريهات من سقط المتاع تحقن اجيالنا العربية المسلمة بسموم العنف والغرائز والتهميش.

 

لكن الجهل الغربي بنا وبنبينا الذي هو رحمة للعالمين انما هو من صنع أيدينا، فماذا لو اعطينا نحن الذين نعيش في الغرب منذ ربع قرن بعض الامكانات البسيطة في نطاق جامعاتنا أو مراكزنا العلمية أو باشراف من جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الاسلامي حتى نترجم للغات الاوروبية ومنها اللغة الدانماركية والنرويجية والهولندية أمهات الكتب التي كتبها علماء الغرب الشرفاء انفسهم حتى يعرفوا ما شهد به للاسلام شهود نزهاء من بني جلدتهم مثل الكتاب القيم الذي كتبه عالم فرنسي جليل هو الاستاذ ايتيان دينيه الذي اعتنق الاسلام في الجزائر سنة 1913 وسمى نفسه صدر الدين، والكتاب بعنوان «حياة محمد» في 250 صفحة نشر مؤسسة ميزون نوف عام 1947 من اروع ومن افصح ما كتبه قلم فرنسي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم لدينا اليوم خمسة كتب عن الاسلام ونبيه وحضارته وسماحته بقلم رجل كنيسة فاضل مايزال حيا يرزق في باريس بعد ان عاش سنوات طويلة في المغرب الاسلامي وهو الاب ميشال لولون المدافع الجريء عن مواقف العرب والمسلمين في اوروبا وكان له موقف قبل اعتلال صحته في الدفاع عن قناة المنار وتبرئة ساحتها من العنصرية ومعاداة السامية وذلك على اعمدة اكثر الصحف انتشارا في الغرب، كما انه وقف مدافعا بشجاعة نادرة عن القضية الفلسطينية في كل المحافل والبرامج التليفزيونية التي يدعى اليها، بامكاننا ان نترجم هذه الكتب ونوزعها في الاسواق والمكتبات بأسعار شعبية والقارئ في الغرب قارئ نهم يشتري الكتب اسبوعيا، خاصة وكاتبها رجل من رجال دينهم.

 

وجاءت نتائج استطلاع رأي نظمته صحيفة لوموند يوم الاربعاء الماضي يفيد بأن الإقبال على القرآن الكريم والكتب الاسلامية ارتفع بنسبة 38 بالمائة في دول الاتحاد الاوروبي منذ اندلاع ازمة الرسوم الكاريكاتورية القذرة، فماذا فعلنا نحن العرب لنغتنم مثل غيرنا الحريات المتاحة في هذه الدول ونعرف بديننا ونبينا؟ الجواب: لا شيء! فاليهود استطاعوا ان يفرضوا قانون غايسو منذ عام 1990 وهو قانون جائر يعاقب بالسجن والغرامة من يشكك مجرد التشكيك في عدد ضحايا المحرقة النازية لليهود، وذهب صديقي رجاء جارودي وعشرات الجامعيين ضحايا هذا القانون، واستطاعت الكنائس المسيحية كذلك حماية مقدساتها بمنظمات دينية نشطة تمكنت من مقاضاة صحف ووسائل اتصال ومؤسسات تجارية ووكالات اعلانية بتهمة المساس بحرمة السيد المسيح أو أمه الطاهرة مريم العذراء، وعشرات المرات تجمع ملصقات من الشوارع، ويتم حذف مشاهد من افلام سينمائية مثلما جرى لفيلم «عشق المسيح» للمخرج ميل جبسون.

 

إن لحم المسلمين هو وحده الذي يؤكل بشهية في مآدب العنصريين والمتطرفين وغلاة صدام الحضارات، والمنادين بطردنا من دائرة العولمة واعادة تفعيل الحملات الصليبية ضدنا بأشكالها العصرية وغزواتها العسكرية وهجوماتها الفكرية وتزويراتها الثقافية واليوم بالطعن في اقدس المقدسات الاسلامية، حتى نعود ملحقين واذنابا وتابعين لمن يعتقدون ان حضارتهم هي العليا وحضارتنا هي السفلى وبان رسالتهم الجديدة هي جرنا جرا الى جنات قيمهم الكونية وانماطهم العالمية، وانخرطت اقلام عربية في هذه الخديعة الكبرى بدعوى تفوق الغرب، وما هو بالتفوق لو لم نهبط نحن بمحض اخطائنا نحو الحضيض فنراه عاليا، عندما فرطنا في ثوابتنا واصولنا واوصدنا ابواب الاجتهاد وألغينا من حياتنا الفرائض الثلاث الغائبة وهي الحرية والهوية والشرعية، وهي مصادر قوة الشعوب والحل ليس في اعمال الغوغاء في احراق السفارات لأن ذلك يسئ لنا اكثر من الرسوم ويجند العالم ضدنا ويحرمنا من تعاطف شرفاء الغرب.

 

(*) كاتب وسياسي من تونس

 

(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادرة يوم 15 فيفري 2006)


 

قراءة في ظاهرة التطاول على نبي الإسلام

بقلم: حسيـــــــن المزوغــــــي

 

طلعت علينا، منذ بداية الخريف الماضي، بعض الصحف الأوروبية في الدانمارك والنرويج بسلسلة من رسوم الاستهزاء والسخرية المجانية الموجهة بحقد وشراسة نحو نبي الاسلام محمد، عليه الصلاة والسلام، ومن خلاله نحو الدين الحنيف وكافة المسلمين في هذا العصر. ثم تواصلت، تلك السلسلة، بأكثر حدة، رغم استياء العالم الاسلامي، وتوسعت لتشمل عدة بلدان أخرى كفرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرها ولتأخذ شكل حملة شعواء تنال من قيمنا وثقافتنا العربية الاسلامية وتستفز أحاسيسنا وتنشر الحقد والكراهية بين الأمة العربية الاسلامية والشعوب الاوروبية وتفسد ما بينها من مصالح التعاون والتآخي التي هي أحوج إليها الآن، أكثر من أي وقت مضى.

 

ومهما يكن من أمر ورغم كل الملابسات وما صاحب هذه الحملة الشرسة من استهتار واستفزاز واستهانة بمقدساتنا وقيمنا الحضارية وما أثارته من غضب وردود فعل هنا أو هناك، فإن هذه الحملة تعكس جملة من المعاني والحقائق لا يمكن التغافل عنها أو المرور عليها مر الكرام خاصة وأنها تحمل في طياتها أكثر من دلالة وأبلغ من معنى، لكن قبل ذلك أرجو من القارئ الكريم السماح بابداء بعض الملاحظات:

 

1) – تعيدنا هذه الحملة الى الأزمنة الغابرة وتحديدا الى فترة الجاهلية وبداية ظهور الاسلام في الجزيرة العربية حيث كان كفار قريش من أمثال العاص بن وائل وأبي لهب وأبي جهل وأمية بن خلف وغيرهم ممن كانوا يقفون أمام حركة التنوير ويصدون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجا… الخ، فكان لفيف الشرك والفساد في ذلك الزمن السحيق، يؤذي رسول اللّه بأشد ما تكون الإذاءة، فشتمه الكثير منهم وسخروا منه وتآمروا على قتله لكن اللّه نصره عليهم وفتح له الفتح المبين ودخل الناس في دين اللّّه أفواجا.

 

2) – كان سيدنا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وسلّم) يعامل لفيف الكفر وأعداءه وخصومه وحتى المنافقين من حوله، بمكارم الاخلاق ولا يقابل اساءاتهم بالاساءة بل كان يقابلها بالاحسان وبجميل القول والفعل، فقد كان عليه الصلاة والسلام يشفق عليهم ويدعو لهم بالهداية والمغفرة. وكان يؤثر عنه أنه يدعو لهم فيقول: «اللّهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون».

 

3) تنزّل قسم من القرآن الكريم، في المقابل، مواسيا لنبينا الكريم ومسليا له في محنته مع خصوم الدين. ورد عليهم في الآن ذاته بأقصى ألوان التنكيل وأبخس النعوت متوعدا إياهم بأشد صفات الخزي والعذاب قال تعالى: «ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم  ما  كانوا به يستهزءون» (سورة الأنبياء، آية 41) وتنزلت في هذا السياق سورة الكوثر وسورة المسد وكثير من الآيات الكريمة في سورة التوبة وغيرها من السور…

 

وعندما تظهر اليوم في الغرب، خاصة بأوروبا، حملة السخرية والعداء لنبينا الكريم ولمعتقداتنا وقيمنا الاسلامية فانها لا تأتي من فراغ وإنما هي تنشأ بسبب رواسب تاريخية دفينة ونتيجة واقع اجتماعي مشحون بالمتغيرات والمفارقات وفي سياق عداء عالمي للأمة العربية والاسلامية أضحى واضحا للعيان بعد احتلال فلسطين وغزو العراق والتحرش بعدد من الدول العربية والاسلامية… الخ. ان ذلك كله، يتنزل، ليعكس، للناس كافة، جملة من الحقائق نختزلها في ما يلي:

 

* يمكن القول بأن حملة الاستهزاء الاوروبي تشهد بكل تأكيد، بنبوة سيدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعظمة شخصيته وعالمية رسالته وصلاحها لكل زمان ومكان، فرغم مرور حوالي أربعة عشرة  قرنا على وفاته، ما يزال يشعّ ويصنع الحدث ويؤثر في الناس ويحرك السواكن ويحيي القلوب الميتة.

 

* تدل هذه الحملة على أن المجتمع الأوروبي بدأ يعمه الفساد (ان لم نقل فسد تماما) وتضيع فيه القيم، خاصة قيم عصور التنوير والنهضة التي تدعو، في ما تدعو اليه، احترام جميع المعتقدات والثقافات وتؤمن بكرامة الشعوب وقداسة الأفكار،… الخ، وأخذ هذا المجتمع يترهل ويفرز عوامل خرابه ودماره، وبعد أن تفاقمت فيه أخيرا ظاهرة المثليين (زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة) الاباحية والهدامة، ها هو أصبح، بدون موجب أو مبرر، يسمح بالتطاول على الأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، وعظماء الانسانية ولا يسلم من شره أحد.

 

* تبرز لنا هذه الحملة بأن الاسلام في أوروبا في  انتشار وازدهار وأنه أصبح يكتسح قلوب الناس وعقولهم بمستوى يلفت الانتباه ويثير حفيظة البعض ليرد الفعل بسلبية وبطريقة غير حضارية مما يبرهن على انعدام الحجة وضيق التفكير وانسداد الآفاق في مواجهة أوروبا لظاهرة انتشار الاسلام في ديارها.

 

* الرأي عندي هو أن هذه الحملة أمر طبيعي في المجتمع الأوروبي الذي غلب عليه الفساد والاباحية والإلحاد – والشيء من مأتاه لا يستغرب – ولا ننسى أنهم في الأصل أعداء الملة والدين. لكن الأمر الذي يحز في النفس ويندى له الجبين ولا نجده طبيعيا هو ما نراه عند لفيف من المسلمين في عدد من البلدان العربية والاسلامية من ميولات مريبة وعداء مفضوح اللعروبة وللدين الحنيف وولاء رخيص لأعداء أمتنا من الصهاينة والصليبيين وغيرهم. والأدهى من ذلك كله هو أن نرى البعض من هؤلاء لا يستنكف أحيانا (بسبب أو من غير سبب) من التطاول على لفظ الجلالة وشخص نبينا الكريم بالسب والشتم والاستهزاء بقيمنا على مرأى وعلى مسمع من هب ودب. ومما لا شك فيه، يتعين علينا جميعا، شعوبا وحكومات، أن نقوم بالرد على ما يستهدف اليه سيدنا رسول اللّه عليه الصلاة والسلام، ويجب أن يكون الرد في نظري على مستويين:

 

* مستوى أول فوري وآني وقد قامت به كل الدول العربية والاسلامية تقريبا ومازالت مظاهره وأصداؤه تتواتر وتؤتي أكلها على صعيد القنوات الديبلوماسية والاقتصادية والشعبية على حد سواء.

 

* مستوى ثان استراتيجي ومستقبلي يرمي الى مراجعة علاقاتنا الاجتماعية وطرائق تعامل بعضنا مع البعض الآخر من اجل بناء مجتمع متماسك يزخر بأسباب القوة والمناعة بفضل حرص جميع أبنائه على مزيد التحلي بمكارم الأخلاق الاسلامية الداعية الى التراحم والتحابب والتعاون والتكافل واستنارة العقل ونظافة السلوك.

 

وهكذا فانه يتعين علينا التشبث بهويتنا الحضارية وقيم ديننا الحنيف والعض عليها بالنواجذ كما ينبغي علينا الاقبال، بأكثر مصداقية واخلاص، على العلم والاجتهاد وترشيد قناعاتنا وتصرفاتنا الفكرية والثقافية بهدف تحسين العمل ومضاعفة الانتاج. ذلك أن المجتمعات العربية والاسلامية، مجتمعات مختلفة بفعل ما يطغى عليها من جهل وأمية وما تتفشى فيها من مظاهر الانفصام والانبتات وعوامل التفكك والانحلال، ليس في مقدورها التصدي لأعدائها ولا يمكنها حتى الثبات والاستمرار أمام تيارات العولمة ورياح الهيمنة وحب التوسع التي ما انفكت تعصف بشدة منذ مطلع هذا القرن.

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 15 فيفري 2006)

 


 

حماس بين شمولية المبدأ و خصوصية الملف السياسي

   الحبيب أبو وليد المكني Benalim17@yahoo.fr تواجه حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين إثر انتصارها الانتخابي العريض في يناير الماضي معضلة شديدة الحساسية ، لأن الأمر يتعلق بثوابت الثقافة الإسلامية و متغيرات الملف السياسي الفلسطيني بالغة التعقيد ،  و إن كان الكثير من الأقلام من داخل الساحة الإسلامية قد اندفعوا وراء عواطفهم و ركبوا موجة الجماهير الهادرة ليعبروا عن آمالها و تطلعاتها في التحرير و يصلون في ذلك إلى تحرير الخطب الرنانة التي عادت  بذاكرتنا الجماعية  إلى حقبة الستينات فإن فريقا من  المفكرين و غالب هؤلاء من غير الإسلاميين  … قد عملوا على التنبيه إلى الصعوبات الجمة التي ستواجهها هذه الحركة في مستقبل الأيام . أما أستاذنا فهمي الهويدي [1] و شيخنا الجليل يوسف القرضاوي [2] فأكدا على أن الإسلام الوسطي الذي يتبناه رجال حماس سيحميهم من الوقوع في التطرف و أرشدا في ذلك  إلى مخارج فقهية ممكنة حتى لا تفلت المواقف السياسية من زمام ثوابت العقيدة و تبقى الأمور في إطار ضوابط الشرع .

لكن المتابع للتجارب الإسلامية في العشرين سنة الماضية سيكتشف بسهولة أن االمآزق  السياسية يصعب أن تحل في إطار التمسك بثوابت العقيدة و تعاليم الشريعة ، فقد حاول ذلك من هم خير منا من الصحابة الكرام و لم يمنع ذلك  الاقتتال المعروف . وهذه في نظرنا أهم جوانب المشكلة التي تواجهها الحركة الإسلامية عموما و حركة حماس خصوصا  . مسألة شمولية المبدأ الإسلامي و خصوصية الملف السياسي …
1 ــ ضرورة التمييز بين الخطابين الثقافي و السياسي
           عند الحدبث عن حركة إسلامية  لا بد من الإشارة إلى أننا نميل إلى الراي الذي يجعل الدين جزء من الثقافة  لأنه مهما عظم تأثير الدين الإسلامي في مجتمعنا  يظل هامش من الثقافة عندنا خارج عن تعاليم هذا الدين و لا أظن أن المجال يتسع هنا للتفصيل في هذا الأمر ، و لأن الخطاب الثقافي  يميل دائما إلى الثبات خاصة إذا كان خطاب هوية يعمل على تأصيل المواقف و الدفاع عن المبادئ مثلما هو حال الفكر الإسلامي بينما  يكون جوهر العمل السياسي هو التفاعل مع الأحداث المتسارعة  بغية  التأثير فيها فإنه يصعب الجمع بين الخطابين إلا في الحالات التي يكون فيها السياسيون في اريحية من أمرهم كأن يكونوا بعيدين عن مواقع القرار أو أن موازين القوى  بينهم و بين خصومهم في الخارج تميل لصالهم بحيث يغيب الحديث عن تنازلات يجب أن تقدم أو هجومات يجب أن تدفع  كما  كان حال الدولة الإسلامية في  عصرها الذهبي أو كما هو الشأن في الولايات المتحدة اليوم مع الفارق بطبيعة الحال . إذ ليس من الصدف أن يكون الخطاب السياسي لبوش مشبعا بالثقافة الأمريكية التي يبشر بنشرها في العالم مثل حديثه المتواصل عن القيم الغربية المتفوقة و الديمقراطية و حقوق الإنسان و الاقتصاد الحر وما إلى ذلك من ثقافة  أفلام رعاة البقر …
 و في المقابل فليس من الصدف أيضا أن يكون البون شاسعا بين الخطاب السياسي الذي تمارسه الأنظمة العربية شرقا و غربا وبين الخطاب الثقافي[3] الذي يتحرك به شباب الصحوة الإسلامية و يعضون عليه  بالنواجد  فتنضم إليهم الجموع و يلتف حولهم الأنصار و تتحقق به الانتصارات الانتخابية …
            فالخطاب الثقافي يعبر عن التاريخ ،  عن الهوية  ،عن التطلعات و الآمال أما الخطاب السياسي المسؤول فإنه مثقل بهموم الواقع ،  منضبط لحدود موازين القوى  ، مراوغ مع الخصوم ، مناور مع الأنصار  متفاعل مع المعادلات الإقليمية والدولية … و لسنا هنا في معرض الحديث عن الفصل بين الثقافة و السياسة  كما يمكن أن يذهب في ظن البعض ، و لكن نريد أن نؤكد على أن للظروف الموضوعية الكلمة الفصل في تحديد الدرجة التي  ستباعد أو تقارب بين المثقفين و بين أصحاب القرار السياسي تحديدا . و ندعو تبعا لذلك لنشر ثقافة التسامح بين هذه الأوساط بما يدعم السلم الاجتماعية و يوفر الأرضية المناسبة ليعمل كل طرف فيما هو ميسر له … أي أن المشتغلين في الساحة الثقافية ، ساحة الدفاع عن الهوية و الحق و المبادئ التي نعتز بها جميعا مدعوون إلى القيام بواجبهم في  ترسيخ مفاهيم الأصالة و العدل و الاعتزاز بالنفس ، و تربية الأجيال على التمسك بالحقوق و الاستعداد للتضحية في سبيلها ، و ممارسة الرقابة على الأجهزة السياسية لكنهم في نفس الوقت عليهم أن يدركوا أن القرار السياسي بخضع قبل كل شيء لموازين القوى ، و على هذا الأساس فمن واجبهم أن يتفهموا الظروف الصعبة التي يعمل فيها السياسيون و لا يزيدونها صعوبة بترديد المواقف السياسوية التي من شأنها أن تلهب مشاعر الناس و تأجج عواطفهم لكنها بالتاكيد تفتقر لما يكفي من الطاقة اللازمة التي بها يمكن أن تتحقق الغلبة على الأعداء  …
2ـ دور المثقفين و العلماء
على المثقفين و علماء الإسلام   أن يقوموا بدورهم في ميادين الإبداع و الابتكار و صنع الأفكار الجديدة التي من شأنها أن تلهم السياسيين القرارات الرشيدة ، و يكونوا على استعداد دائم لتقديم المشورة و التنبيه إلى مواطن الضعف و سبل علاجها ، فيصنعون بذلك الثقافة الحية التي سينتفع بها  أفراد المجتمع بمن فيهم السياسيون ،و في نفس الوقت يعلمون علم اليقين أن دورهم لا يجب أن يتجاوز ذلك لفرض اتخاذ القرار إلا في حالة واحدة وهي أن تقوم البينة على أن أصحاب القرار خونة أو  سفهاء ، وفي تارخنا الإسلامي شواهد من ذلك نذكر منها موقف  الشيخ  العز بن عبد السلام في عهد المماليك عندما ضعف أصحاب القرار عن قتال المغول … 
 و لعلنا قد وفقنا بما تقدم إلى شرح الأسباب التي تجعل  الحركة الإسلامية  في كل مناسبة يصل فيها أحد أجنحتها إلى السلطة في هذا العصر  في معضلة جديدة ، جوهرها ذلك التماثل الشديد بين خطابيها السياسي و الثقافي في ظروفنا هذه الغير ملاءمة ، في ظل موازين القوى الدولية الحالية ،و لا يخفى على أحد  أن الزمن العربي الإسلامي الذي نعيشه   يتطلب تقديم قدر من   التنازلات  لن تعجب حتما  مثقفي الهوية العربية الإسلامية و لكنها ضريبة الاستمرار في السلطة على أمل  ما يمكن أن يحصل من تغيير في موازين القوى ،و رجاء أن تحمل الأقدار الإلاهية رحمة بعباده المخلصين
3 ـ تجارب الإسلاميين 
      و نعلم جيدا أن المخلصين لنظرية  التماثل بين السياسي والثقافي لن يقبلوا أبدا هذه المقالة  لذلك  تجدهم يسارعون إلى التشكيك في نزاهة السياسيين الإسلاميين  ، كما يفعل الناطقون بلسان القاعدة اليوم عندما ينتقدون حركة الإخوان المسلمين في مصر و حزب العدالة والتنمية في تركيا  و جبهة العمل الإسلامي في الأردن أو التجمع الوطني في السودان .
    وراينا كيف فشل أربكان في تركيا عندما أراد أن يمارس السياسة ببرنامج  سياسي يريد أن يماثل الثقافة الإسلامية التي تربى عليها و كيف عدل تلاميذه في العدالة و التنمية هذه السياسة إلى الحد الذي جعلهم ينفون عنهم الصفة الإسلامية لقطع الطريق أما م كل الذين سيطالبونهم بالالتزام بضوابط ثقافة  أحزاب السلامة والرفاه و الفضيلة  ، ورأينا كيف تتحالف الثورة الإسلامية في إيران مع سوريا الأسد ، في الوقت الذي كان فيه هذا المستبد ، يقترف المذابح ضد الحركة الإسلامية لأن الثورة في حاجة لمن يدعمها في حربها ضد العراق …
 و رأينا كيف يتعاون  نظام البشير مع الولايات المتحدة في قضية  أسامة بن لادن  فيطرده من البلاد و يقدم قائمة في العناصر التي كانت تعمل معه حتى قال البعض بأن تلك القائمة كان يمكن أن تفيد في منع أحداث 11 سبتمبر ، في حين يستفحل الخلاف الذي لم تنفع معه الوساطات على كل المستويات بين الترابي و البشير على قاعدة  الفرق بين الثقافي الذي يتشبث به الترابي و السياسي الذي يمارسه البشير . في مفارقة عجيبة بين قيم الإخاء و الوحدة التي بنادي بها الإسلام و دعوات القطيعة و العداء  التي يستجيب لها الإخوة الأعداء من كوادر ما كان يعرف  بالجبهة الإسلامية القومية  . و ليست هذه محاولة  لتبرير الأخطاء التي قد يقع فيها البعض ، و لكنه تحليل  للوقائع التي عايشناها منذ زمن قريب ، بما يقدم الدليل على أن هناك فرق شاسع بين من يصنع الآراء  من المثقفين و من يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار الذي سيحاسب عليه التاريخ .
4 ــ لا مفر من التنازلات
           لقد وجدت حركة المقاومة الإسلامية حماس  نفسها في مواجهة  مشكلة حقيقية ،  تتمثل في إشكلية مبدأ شمولية الإسلام التي في ضوئها صاغت برنامجها الانتخابي و مواقفها الاسترابيجية المعلنة  و متطلبات ملف سياسي  في لحظة زمنية تبدو فيها الأمة الإسلامية بأكملها عاجزة عن حسمه . لحظة زمنية ستحتم تقديم التنازلات و لا يصح أن يقع ذلك باسم تعاليم الإسلام و لكن لا بأس منه إن كان قرارا سياسيا ليس من الصعب فيما بعد التراجع عنه . ——————————- [1]  جريدة الشرق الأوسط 1ـ2ـ2006 [2]  في برنامج الشريعة و الحياة  حلقة  5ـ 2ـ2006 [3]  ــ لعله منالمفيد هنا أن نشير إلى التجربة الليبية على مدى ثلاثين سنة و أنتهت إلى ما يعلمه الجميع من سياسة الخضوع إلى الأمر الواقع بشكل لا يحفظ ماء الوجه ، و اليوم يمارس الرئيس الإيراني خطابا سياسيا مشبعا بثوابت الثقافة الإسلامية فيعده البعض خطابا انتحاريا و نترك نحن الحكم  للمستقبل القريب …


 
 

أطلقوا سراح جيل كارول

محمد كريشان

 

السادس والعشرون من هذا الشهر هو التاريخ الأقصي الجديد للمهلة التي حددها خاطفو الصحافية الأمريكية جيل كارول في العراق لإطلاق سراح جميع الأسيرات العراقيات من سجون الاحتلال والحكومة وإلا فإنهم سيعدمونها.

 

كارول الصحافية الشابة ذات الثمانية وعشرين ربيعا والمختطفة منذ السابع من كانون الثاني (يناير) الماضي في عملية قتل فيها مترجمها العراقي لم يذكرها أحد ممن عمل معها أو سمع عنها إلا بكل خير معددا حبها لمهنتها وإخلاصها في أدائها والأهم من كل ذلك أنها في تغطياتها الإخبارية للشؤون العربية حتي قبل ذهابها للعراق انطلقت دائما من حرص شديد علي فهم ما يجري بعيدا عن التشخيصات الجاهزة التي كثيرا ما يستسهل اللجوء إليها عدد لا بأس به من المراسلين الغربيين الموفدين إلي منطقتنا. ثم يكفي كارول أنها أقدمت علي ترك الأردن الهادئ الوديع لتذهب عن طيب خاطر إلي ما أصبح بالإمكان وصفه دون مبالغة بالجحيم سواء للصحافيين المحليين أو الأجانب أو حتي مقبرتهم الأوسع في النزاعات الدولية الأخيرة.

 

عدد كبير من الصحافيين الأجانب لم يعرفوا في الفترة الأخيرة من العراق سوي مطار بغداد ثم فندق فلسطين الذي يقيمون فيه طوال فترة بقائهم في العراق ولا يغادرونه أبدا إلا وهم عائدون إلي ذات المطار. هؤلاء وصفهم الصحافي البريطاني الجريء روبرت فيسك ب صحافيي الفنادق ، إنهم لا يتحركون إلي أي مكان، يجلسون فقط في الفندق تحت الحراسة الأمريكية ويكلفون مجموعة من المصورين العراقيين والصحافيين بتصوير الأحداث وأخذ التصريحات فيما يكتفون هم بشرب الشاي والقهوة والاكتفاء بإجراء بعض المكالمات الهاتفية مع هذه الشخصية أو تلك ثم ينطلق بعضهم لكتابة وإرسال مقاله أو الظهور علي شاشة تلفزيونه بخلفية قبة المسجد القريب من الفندق ليتحدث عن الأوضاع في البلاد والأجواء السياسية السائدة فيه. ربما لا أحد يلومهم علي ذلك بعد ما صار الموت بضاعة يومية معروضة علي قارعة الطريق في الشوارع العراقية بل وفي بيوت الله من مساجد وكنائس ولكن من المهم جدا ذكر ذلك حتي نقدر معني أن تمتلك امرأة صحافية شابة، وفوق ذلك أمريكية، من الجسارة والنزاهة الصحافية ما يجعلها ترفض التعامل بهذه الطريقة التي تتضاعف فيها احتمالات التوظيف أو التشويه أو المبالغة أو سوء التقدير لأن الصحافي ببساطة لم ير بأم عينه كذا وكذا وإنما اكتفي برواة من يعتبرهم ثقاة يعملون معه ولا أحد يمكن أن يضمن مائة بالمائة أنهم منزهون عن الأهواء والحسابات الطائفية والسياسية فــي عراق اليوم.

 

خطف أي صحافي مرفوض في المطلق ومن حيث المبدأ سواء أحببنا ما يبعث به من تقارير أو مقتناها، فكيف إن كان هذا الصحافي من طينة جيل كارول حريصا علي نقل ما يجري في العراق من معاناة يومية كما رآها بأم العين ومن آراء المواطنين وأهل السياسة كما لمسها وسجلها بنفسه في جلسات إنسانية لها أجواؤها ومعانيها. ولهذا فالرجاء ما زال قائما في أن يقدم الخاطفون علي خطوة شهمة تطلق سراحها لأنها كارول لا تتحمل مسؤولية ما يفعله الجنود الأمريكيون هناك ومن والاهم من العراقيين فضلا عن أن مقتلها، لا سمح الله، لن يخدم قضية مهما كانت بل يسيء إلي أية قضية مهما بدت صارخة في عدالتها ناهيك عن أنه يعطي المجال واسعا لألسنة السوء لتقول : أنــظروا إلي هؤلاء إنهم يقتلون حتي من يقف إلي جانبهم !!.

 

عشرة أيام كافية تماما ليتدبر الخاطفون في مثل هذا الكلام إن صادف أن طالعوه أو طالعوا مثله. أرجوكم أطلقوا سراح كارول فهي قادرة علي إفادتكم حتي بعد هذه المحنة القاسية في حين سينقلب دمها لعنة عليكم وعلي البلد وهذا ما لا نرضاه لا لكم ولا لها.

 

(*) كاتب وصحافي من تونس

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 15 فيفري 2006)


 

فداء يسوع للبشرية وفداء الحريري للبنان

GMT 7:00:00 2006 الثلائاء 14 فبراير .
 العفيف الأخضر نشرة لبنان من إذاعة الشرق من بيروت كمثل مدرسة فريدة في الإعلام الموضوعي في « الوطن العربي » الغبي والمستبد. أستمع فيها إلى بشار الأسد بصوته يتوعد لبنان بأن تكون « أولي الضحايا » لغضبه سوريا المضرية … وأستمع فيها إلى وليد جنبلاط يرد عليه بصوته أيضاً … أستمع فيها لشهادة زور حسن نصر الله يعلن »براءة سوريا من دم الشهيد الحريري » وأستمع فيها لسعد الحريري يضع سوريا في قفص الاتهام عن جميع الجرائم منذ اغتيال أبيه إلى اغتيال جبران تويني. لأنها مدرسة للإعلام الحر أحرص على الاستماع إليها رغم أن نشرتها لبنانية خالصة. لكن لا تنسوا أن هواي لبناني . في نشرة أمس 13/2/2006 استمعت فيها إلى نداء الرئيس أمين الجميل إلى أعضاء حزب الكتائب لإحياء ذكرى موت الحريري « فداء للبنان ». فوراً تداعت إلى فكري رمزية « فداء المسيح للبشرية » وفداء الحريري للبنان. في سالف الزمان وسابق العصر والأوان، كان الزوجان الأولان، جدنا آدم وجدتنا حواء، في جنة عدن ياتيهما رزقهما رغداً من ثمار أشجار الجنة الباسقة. ببعد نظر نهاهما  يهوه عن الاقتراب من ثمرة التفاحة … لكن الأفعي كانت هنا. تقدمت من الجدة الطيبة فأغرتها بمد يدها إلى تفاحة الخطيئة. بدورها أغرت الجدة – على عهدة سفر التكوين – الجد فأكل منها. فوراً نزل عليهما قصاص يهوه كالصارم المسلول. جردهما من براءتهما الأولي. فتراءت لهما عورتهما فغطياها بورقة تين – من أين أتيتم بورقة التوت أيها الرفاق؟! – ثم نوالي مسلسل العقوبات: عقوبة العمل، عقوبة مكابدة الآلام، عقوبة الولادة بالألم لحواء وعقوبة أن يسودها الرجل، وأخيراً سلط عليهما يهوه عقوبة الموت بعد أن كانا خالدين. وسلطتها أيضاً على من تناسل منهما من هابيل وقابيل إلى العبد لله الحي نصفاً والميت نصفاً: دماغ ولسان حاضران أما يمناه فقد نسته … صعد يسوع  طائعاً إلى الصليب ليفدي بموته البشرية الخاطئة المعذبة. فغسل بدمه المقدس الخطيئة الأصلية … أعاد إلى البشرية براءتها الأولي. الخطيئة الأصلية اللبنانية. كان لبنان جنة عدن لسياح الشرق الصحراوي … وملاذاً آمناً أو يكاد للمطاردين أمثالي. ذات يوم تقدمت ثلاث أفاعي، إسرائيل، سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، من آدم اللبناني لتغويه بأكل تفاحة الشقاق الطائفي فأكل باليسار واليمين … حتى التسمم الغذائي …حاول العبد لله أن ألعب دور يهوه فنهيته [انظر ما قلته لآدم في « الفتى الأحمر، فواز طرابلسي، وفي مقدمة كتاب « من كوموته باريس إلى مجازر عمان 1971] ولكن لا حياة لمن تنادي… نيابة عن يهوه قررت الولايات المتحدة عقابه ونسله بألام الاحتلال السوري الذي استباح جنته، مشت الدبابات على أشجارها الباسقة … وركلت زهورها الأحذية العسكرية … سقى الاحتلال أرضه بدماء أعز أبنائه… وحولها إلى مقبرة جماعية لذويها ومزرعة للمحتلين وعملائهم من حسن نصر الله إلى إميل لحود… يوم 14 شباط 2005 صعد الحريري إلى الجلجلة. في اليوم ذاته عاد إلى حوارييه، ملايين اللبنانيين، يستنهضهم لطرد آخر الأفاعي الثلاث … منذ ذلك اليوم دشن لبنان مسار عودته الظافرة إلى جنته الجميلة حراً مستقلاً. منذ 2006 سنة مات يسوع لتحيا البشرية ومنذ سنة مات الحريري ليحيا لبنان واللبنانيون ومعهم العبد لله ومن لف لفه من الأموات الأحياء. مبروك على لبنان دم الحريري الذي لن يذهب هدراً.

 
(المصدر: موقع إيلاف يوم 14 فيفري 2006)


 

معضلة الجيش في دولنا؟

المبروك بن عبد العزيز تونس

 

ستندم إسرائيل علي تركها السّلطة الفلسطينية بلا جيش قويّ ومدرّب، خاصّة من الحلف الأطلسي ليكون سيّد الموقف عند الحاجة إليه. فلا شك أنّ مفاجأة انتصار حماس كشفت عن فراغ كبير، يتمثل في غياب حلّ لإلغاء نتائج الانتخابات بأيّ ذريعة.

 

في نظرهم إذن الشعوب العربية تستحقّ الديمقراطية لكن بشروط، ولا بدّ من ترك شيء أقوي من أصوات الشعب ليعيده إلي رشده عند الحاجة. لذلك فهمت الدول العربية الدّرس وتسلحت بقوانين تصل إلي حدّ التناقض. من ذلك مثلا في بعض الدول يعين الرئيس ثلث النواب، و في أخري يحلّ البرلمان، وبإمكانه رفض أي قانون يصادق عليه النواب ان شاء، بينما لا يستطيع النواب الطعن في قرارات الرئيس لكي لا تُمس هيبته.

 

وهناك من يجعل من المحكمة الدستورية محكمة لا دستورية فتصبح وسيلة في يد الرئيس لا في يد الدستور. وفي تركيا الجيش يتحول من حامي الوطن والدين والشعب إلي حامي نظريّة سياسية هي العلمانية. أمّا إذا أعلن عن حالة الطوارئ وعلّق العمل بالدستور فسيتاح للرئيس كل شيء باسم المصلحة العليا، وبالطبع لا يُستحبّ في مثل هذا الرئيس أن يكون من النوع الخفيف الذي يحكم اقل من عقد من الزمن لكي يبقي كل شيء تحت السيطرة ولضمان التواصل المريح.

 

(المصدر: بريد القراء بصحيفة القدس العربي الصادرة يوم 15 فيفري 2006)


 

عملة إسلامية انكليزية: الدلالة والمغزى

حاتم الطحاوي (*)

 

قام الملك الانكليزي أوفاOFFA (757-796م) المثير للجدل بخوض الكثير من المعارك من اجل وحدة الأمة الانكليزية في العصور الوسطى كما اشتهر بنجاحاته الاقتصادية التي حمت انجازاته السياسية والعسكرية. وهكذا عقد الملك الانكليزي علاقات تجارية وطيدة مع المسلمين في الأندلس، ومع أوروبا المسيحية، وخصوصاً مع الامبراطور شارلمان، على رغم انتقاد الاخير لآراء الملك أوفا وتهجمه على الكنيسة.

 

ومنذ صعود أوفا على عرش مملكة ميرسيا Mercia الانكليزية في العام 757م، اصدر أوامره بسك عملات جديدة حملت اسمه على الوجه، وعلامة الصليب على الظهر. وفي الوقت نفسه أمر بإصدار دينار ذهبي عليه عبارات التوحيد الاسلامية، إضافة الى اسم الملك باللاتينية OFFA REX. وقد امتاز هذا الدينار بسمات خاصة جعلته فريداً من نوعه بالقياس الى كل العملات المسيحية التي تم سكها في اوروبا في العصور الوسطى.

 

ويتشابه هذا الدينار الموجود في المتحف البريطاني في لندن مع بعض الفروق البسيطة في بعض الحروف مع الدينار العباسي الموجود في متحف الفن الاسلامي في القاهرة.

 

وفيما حاول بعض المؤرخين الاوروبيين ايجاد تفسير عملي لاتجاه الملك الانكليزي الى إصدار عملته الاسلامية، فإن بعض الباحثين المسلمين حاول تفسير إقدام الملك أوفا على ذلك باعتناقه الدين الاسلامي.

 

والحقيقة ان دينار الملك أوفا اثار الكثير من الجدل عبر الدراسات والابحاث الخاصة بتاريخ انكلترا وأوروبا في العصور الوسطى، وسنحاول في هذه السطور الخروج بنتجة ما حول تلك القضية.

 

ذكر بعض المؤرخين الاوروبيين وعلى رأسهم ستنتون Stenton، ان سبب وجود هذا الدينار انما هو رغبة الملك أوفا في سك عملة ذهبية على غرار الدينار الاسلامي الشهير في التجارة الاسلامية في العصور الوسطى حتى يشعر بالتميز عن أقرانه الملوك الاوروبيين عبر مقدرته على سك هذا الدينار. كما اشار بعضهم الى رغبة الملك الانكليزي المعارض لسياسات البابوية في توجيه ضربة معنوية كبيرة لها، من طريق دفع المنحة المقررة عليه للبابوية الكاثوليكية، عبر ديناره المنقوشة عليه عبارات التوحيد الاسلامية.

 

وفي حين يذكر البعض ان الدينار تم تزويره، وان الملك أوفا لم يقم بسكه، فإن المؤرخين الاوروبيين كافة الذين تطرقوا الى اشكالية الدينار الاسلامي للملك الانكليزي اكدوا صحتـه وإن قـاموا بتبرير إقدامه على ذلك من اجل التعامل به في التجارة الخارجية مع المسلمين في الاندلس وكذلك مع التجار المسلمين في شرق المتوسط الذين يستخدمون الدينار العباسي. ويعد المؤرخ بلنت Blunt ابرز من نـادوا بهذا الرأي. بـيـنما يـرى عزيز سوريال عطية ان سك الملك اوفا لديناره الاسلامي انما يشير فقط الى مدى نفوذ أو هيمنة التجار والعملات الاسلامية على التجارة العالمية آنذاك.

 

وعلى صعيد المؤرخين والباحثين المسلمين، فإن منهم من يقول باعتناق الملك الانكليزي أوفا للاسلام، وان ذلك هو السبب المنطقي الوحيد الذي جعله يقوم بضرب عملته الانكليزية على شاكلة الدينار الاسلامي العباسي نفسه ولديهم الكثير من الحجج الموضوعية وربما الحجج العاطفية ايضاً، من اجل الوصول الى هذه النتيجة. فقد ذكروا (انظر مصطفى الكناني) ان المصادر والوثائق المعاصرة والمتأخرة عن الملك اوفا لم تشر ابداً الى هذا الدينار على رغم انه حقيقة واقعة بفضل علم النميات، كما ان المؤرخين المعاصرين كانوا بفضل ثقافتهم الواسعة يستطيعون قراءة الكلمات العربية وعبارات التوحيد الاسلامية المنقوشة على الدينار، غير انهم تجاهلوا الامر برمته. اما القليلون الذين ذكروا عملة اوفا، فقد قاموا بذلك من دون أي تعليق علمي او أي محاولة لتفسير ذلك.

 

ويمضي بعض الباحثين المسلمين في فكرتهم عن الأمر، مشيرين الى انه نتيجة آراء الملك الانكليزي اوفا ضد الكنيسة والبابوية، فقد تحالفتا مع شارلمان من اجل التخلص منه. وربما لهذا يرجع السبب في اختفاء كل وثائق عصر الملك اوفا قياساً ببقية الملوك الانكليز، وربما حدث ذلك بسبب قيام الكنيسة الانكليزية – مدفوعة بتحريض البابوية – بجمع كل وثائق عصره والتخلص منها. كما اشاروا الى ان المصادر الانكليزية المعاصرة للملك اوفا لم تشر الى اسباب موته المفاجئ عام 796م بينما ذكرت المصادر المتأخرة انه لم يدفن كعادة ملوك انكلترا في الكاتدرائية الكبرى او حتى في العاصمة، بل دفن في مبنى متواضع على حافة احد الانهار في مدينة برادفورد Bradford وفسروا ذلك بأن الكنيسة كانت تعرف باعتناقه الاسلام ولهذا فلم يجر دفنه بحسب الطريقة المسيحية في الكاتدرائية الكبرى.

 

كما ان اولئك المؤرخين والباحثين لجأوا الى المنطق العقلي في تفسير هذه الحادثة التاريخية التي اثارت وما زالت الكثير من الالتباس، فذكروا انه من غير المنطقي ان يقوم الملك الانكليزي اوفا المعادي للكنيسة والبابوية بسك هذه العملة وعليها أهم العبارات العربية الاسلامية قاطبة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له/ محمد رسول الله» من دون ان يكون قد اعتنق الاسلام بالفعل. فما الذي يدعو ملكاً مسيحياً لأن يقوم بذلك؟!

 

وبعيداً من مسألة اعتناق الملك اوفا للاسلام نكاية بالكنيسة والبابوية فقد ذكر البعض ان وجود علاقات سياسية وتجارية كبرى مع الخلافة العباسية جاء نتيجة وجود الكثير من البعثات الرسمية العباسية فضلاً عن وجود الكثير من التجار المسلمين في مملكة ميرسيا الانكليزية وموانئها حيث قام التجار المسلمون بدورهم التاريخي التقليدي عبر الدعوة لدينهم فقاموا بعرض الاسلام على الملك الانكليزي المعادي للكنيسة ولشارلمان فاعتنقه.

 

والحقيقة ان صمت المصادر الانكليزية والاوروبية المعاصرة للملك اوفا عن الحديث عن ديناره المنقوشة عليه عبارات التوحيد الاسلامية، وكذا اختفاء وثائق عصره ومكان وطريقة دفنه المختلفة لهي امور تدعو الى الريبة. وكذلك فإن صمت المصادر الاسلامية على الجانب الآخر (العباسية وكذلك الاموية في الأندلس) عن ذكر اعتناق الملك الانكليزي للاسلام، وكذا عدم الحديث عن ديناره الاسلامي في وقت كان جديراً بها ان تحتفي بهذا الحدث الجلل لهو أمر يدعو ايضاً الى الريبة والشك في حدوث الامر على هذا النحو.

 

وإذا كان يمكن الرد على ذلك جزئياً بأن المصادر الاسلامية المعاصرة قد صمتت ايضاً عن العلاقة بين الخليفة هارون الرشيد وشارلمان التي أوردتها المصادر الفرنجية فقط (انظر اينهارد Einhard مؤرخ شارلمان)، فإن سكوت المصادر الانكليزية والفرنجية وكذا البابوية، فضلاً عن المصادر الاسلامية المعاصرة الأموية والعباسية لهو أمر يصعب فهمه إلا اذا اعتنقنا نظرية المؤامرة في تفسير ذلك.

 

وفي النهاية، فإن مسألة العداء بين الملك المسيحي والبابا الكاثوليكي لهي مسألة عادية تكررت عشرات المرات في تاريخ اوروبا في العصور الوسطى. فما يعرف باسم النزاع العلماني وهو أمر لا يمكن الاتكاء عليه في حالنا هذه للقول باعتناق الملك الانكليزي اوفا الذي هو بمثابة رأس الكنيسة الانكليزية للاسلام ديناً رسمياً له ولشعبه ما دام ينقصنا الدليل التاريخي الدامغ على ذلك وإذا كان التاريخ في احد معانيه يعني الوثيقة فإن عدم وجود وثيقة واحدة في اعمال عشرات المؤرخين الاوروبيين والمسلمين المعاصرين تثبت اعتناق الملك اوفا للاسلام يجعلنا نشك في ذلك على رغم وجود الدينار/ الوثيقة الصامتة الممثلة في تلك العملة الانكليزية.

 

(*) أستاذ تاريخ العصور الوسطى – جامعة الزقازيق

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 11 فيفري 2006)


Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

31 mars 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 6 ème année, N° 2139 du 31.03.2006  archives : www.tunisnews.net Solidarité Tunisienne: La Famille Ben

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.