الأحد، 27 سبتمبر 2009

في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس 

Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie. Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia

TUNISNEWS

9 ème année, N 3414 du 27.09 .2009

 archives : www.tunisnews.net


حــرية و إنـصاف:اعتداء جبان ومحاولة يائسة لتدنيس الأقصى المبارك

حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس

محمد معالي:البوليس السياسي يمنع صحافيين مستقلين من دخول مطار تونس قرطاج

حــرية و إنـصاف:البوليس السياسي يحاصر المطار ويمنع 3 صحافيين من استقبال أم زياد

وات: المجلس الدستوري يعلن قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية ومصطفى بن جعفر خارج المنافسة

 قائمة الصمود ببنزرت:الانتخابات التشريعية 2009:إعــــــــــــــلام

بلاغ صحفي:إسقاط 20 قائمة من قائمات التقدمي

رويترز:حزب تونسي معارض يتهم السلطة بعرقلته في الانتخابات البرلمانية

منير الجلالي:الوعود الإنتخابية للحزب الحاكم لم تتحقق

رشيد خشانة:لا يؤمنون بالديمقراطية

إسماعيل دبارة:انتخابات تونس: قوائم المعارضة تتساقط والحزب الحاكم يستعدّ للإحتفال بالفوز

البدل عاجل:الرفيق حمّة الهمامي على قناة « فرانس 24″وحملة مقاطعة المهزلة الانتخابية تتواصل في باريس

قصيدة أحمد فؤاد نجم:نؤيد سيادتك

أ.مروان قواص:صلاة استسقاء من أجل الديمقراطية

الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس:بـــــــــلاغ

قصة الاسلام:تونس وقصة الحرب على الحجاب !!

المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية:بيان نقابي

  طلبة تونس:أخبار الجامعة

البدل عاجل:أخبار الرديف بعد الفيضانات التي اجتاحت المدينة

إذاعة هولندا العالميّة:فيضانات مُباغتة تُحوّل « الرديّف » التونسية إلى منطقة منكوبة

الدكتور الصحبي العمري:هل يعلو حكم القضاء قرار سيادة الرّئيس في شأن قضية الدكتور أحمد العش ؟

الحركة الإسلامية في تونس…من الاخوانية إلى التركسكية

عماد بوخريص:حين تضيع الجامعة التونسية في الخميسينية هيبتها

موقع شريط:التلفزة التونسية في مفترق الطرق

محمد علي الحباشي:فصول من تاريخ تونس المعاصر (7): بورقيبة والجدل مع الفقهاء والمشايخ

رياض الشعيبي:تحديث الدعوة من خلال مفهوم ‘التوحيد السياسي’ في كتاب ‘السياسة والحكم’ لحسن الترابي (3/3)

الصحبي عتيق:السياسة بين التباسات التاريخ و الواقع ومقاصد الشريعة

 طارق الكحلاوي :في ضرورة التعمق في معضلة التحول الديمقراطي (1)

توفيق المديني:التغير المناخي.. التحدي الأكبر للانسانية

نداء الحرية:القوميّون.. ومعركة التاريخ: مقدّمات منهجيّة 

فتحي بالحاج:استقلالية التيار القومي

صلاح الجورشي:الإسلاميون العرب وإيران: جسورهم مقطوعة مع الإصلاحيين؟

عدي جوني:أميركا والإبادات الثقافية

    مالك التريكي:الوعظ الليبرالي، أو أحبوا بعضكم بعضا!


 (Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivan : Affichage / Codage / Arabe Windows)To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


               
    جانفي 2009  https://www.tunisnews.net/17fevrier09a.htm        
فيفري 2009    
    مارس 2009     https://www.tunisnews.net/08avril09a.htm           أفريل 2009      https://www.tunisnews.net/15Mai09a.htm 
    ماي  2009     https://www.tunisnews.net/15Juin09a.htm         
جوان2009

      جويلية 2009                                         

 
 
 
 

الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 08 شوال 1430 الموافق ل 27 سبتمبر 2009

اعتداء جبان ومحاولة يائسة لتدنيس الأقصى المبارك


تصدى المسلمون المرابطون بالمسجد الأقصى لمجموعة متطرفة مدعومة بوحدة من الجيش الصهيوني صباح اليوم الأحد 27 سبتمبر 2009 جاءت لاستباحة الحرم القدسي والدخول إلى باحة المسجد الأقصى المبارك في يوم  »غفرانهم » المزعوم، وقد وقعت اشتباكات بين الجانبين نتج عنها جرح ما لا يقل عن 16 شخصا أغلبهم من المسلمين، قررت على إثرها سلطات الاحتلال الصهيوني غلق أبواب المسجد الأقصى ومنع المصلين من الوصول إليه. وفي مقابل الصمت الرسمي العربي والإسلامي ومعزوفات التطبيع التي نسمع صداها صباحا مساء، يعمل الصهاينة بكل ما أوتوا من قوة وبطش لتهويد القدس وطرد المقدسيين وحفر الأنفاق وهدم الأقصى المبارك وبناء الهيكل المزعوم. وحرية وإنصاف: 1)   تدين بشدة جريمة استباحة الصهاينة للحرم القدسي الشريف كما تدين الصمت الرسمي العربي والإسلامي على هذه الجريمة النكراء. 2)   تعبر عن غضبها الشديد وتدعو العالم العربي والإسلامي إلى التعبير عن تضامنه مع المقدسيين لنصرة الأقصى المبارك ولوقف كل محاولات الغدر والبطش الصهيوني. 3)   تطالب النظام الرسمي العربي والإسلامي للوقوف وقفة جادة لمنع تهويد القدس وترحيل المقدسيين وحفر الأنفاق وهدم الأقصى.    عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري

الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 08 شوال 1430 الموافق ل 27 سبتمبر 2009

أخبار الحريات في تونس


1)   تدهور صحة السيد علي رمزي بالطيبي: يواصل سجين الرأي السابق السيد علي رمزي بالطيبي إضرابه المفتوح عن الطعام لليوم السادس على التوالي للاحتجاج على الممارسات غير القانونية التي يعمد إليها لاعب كرة القدم السابق عادل السليمي الذي يدعي أنه مدعوم من جهات عليا وأنه فوق القانون. وقد تدهور الوضع الصحي للسيد علي رمزي بالطيبي بعد الأيام الستة وأصبح يشعر بالدوار عند الوقوف، وقد نصحه طبيبه الخاص بتجنب الإجهاد حتى يستطيع الاستمرار في إضرابه. 2)   التزام بمنع الحجاب ببعض المؤسسات الجامعية: اتفقت أغلب المؤسسات الجامعية على منع ارتداء الحجاب واعتباره لباسا طائفيا مخالفا للتقاليد التونسية ولكنها اختلفت في طريقة تنفيذ هذا المنع، حيث عمدت بعض الأجزاء إلى طرد الطالبات المحجبات، وعمدت أجزاء أخرى إلى توزيع التزامات تقضي بنزع الحجاب على الطالبات لإمضائها، فيما اكتفت أجزاء أخرى بتعليق الالتزام دون الجبر بالتنفيذ.   عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري  


البوليس السياسي يمنع صحافيين مستقلين من دخول مطار تونس قرطاج


محمد معالي
 
منعت جحافل من البوليس السياسي، مساء يوم الأحد 27 سبتمبر  الحالي الصحافيين المستقلين محمود الذوادي ومحمد معالي وسليم بوخذير من دخول مطار تونس قرطاج الدولي لاستقبال الصحفية الحرة نزيهة رجيبة (أم زياد) لدى عودتها إلى تونس بعد حصولها على الجائزة السنوية للجنة الدولية لحماية الصحافيين. ويأتي هذا المنع ليؤكد مرة أخرى حجم معاداة السلطة التونسية للصحافة الحرة وأفراح من يخالفها.   Mohamed MAALI Journaliste et écrivain démocrate – Tunisie


الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 08 شوال 1430 الموافق ل 27 سبتمبر 2009

البوليس السياسي يحاصر المطار ويمنع 3 صحافيين من استقبال أم زياد


ضرب أعوان البوليس السياسي مساء اليوم الأحد 27 سبتمبر 2009 طوقا أمنيا على مداخل مطار تونس قرطاج الدولي لمنع الصحافيين الثلاثة سليم بوخذير ومحمود الذوادي ومحمد معالي من استقبال الصحفية السيدة نزيهة رجيبة أم زياد رئيسة تحرير مجلة كلمة الالكترونية ونائبة رئيس المرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع، وعند احتجاج الصحافيين الثلاثة على هذا المنع تم إبعادهم من أمام مدخل المطار بحجة  »تنفيذ التعليمات ». يذكر أن السيدة أم زياد عادت مساء اليوم إلى تونس بعد تكريمها من قبل لجنة حماية الصحافيين بجائزة حرية الصحافة لعام 2009 صحبة ثلاثة صحافيين آخرين من الصومال وأذربيجان وسريلنكا. وحرية وإنصاف: 1)   تدين بشدة منع البوليس السياسي للصحافيين سليم بوخذير ومحمود الذوادي ومحمد معالي من استقبال السيدة أم زياد وتعتبر ذلك اعتداء على الصحافيين وحرية الصحافة. 2)   تهنئ السيدة أم زياد على حصولها على هذه الجائزة الهامة متمنية لها المزيد من العطاء من أجل كسر كل القيود المفروضة على حرية التعبير والنشر.     عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري


 

المجلس الدستوري يعلن قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية ومصطفى بن جعفر خارج المنافسة


رفض المجلس الدستوري التصديق على ترشح الدكتور مصطفى بن جعفر الأمين العام للتكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات للانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 25 أكتوبر 2009 ،  فيما قبل ترشح كل من السيد زين العابدين بن علي  والسيد محمد بوشيحة و السيد أحمد اينوبلى  والسيد أحمد ابراهيم. وفيما يلي الخبر كما نشرته وكالة تونس افريقيا للانباء:        المجلس الدستوري يعلن قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية           باردو 27 سبتمبر 2009 (وات) أصدر المجلس الدستوري يوم الأحد قراره بشأن صحة الترشحات للانتخابات الرئاسية ليوم 25 أكتوبر 2009 واعلن عن قائمة المترشحين لهذه الانتخابات.   وفى ما يلى نص قرار المجلس :   « إن المجلس الدستورى بعد اطلاعه على الدستور وخاصة الفصول 38 و 39 و 40 و 75 منه   وعلى القانون الدستورى عدد 52 لسنة 2008 المؤرخ في 28 جويلية 2008 المتعلق بتنقيح الفصل 20 من الدستور وباحكام استثنائية للفقرة الثالثة من الفصل 40 من الدستور   وعلى القانون الاساسي عدد 52 لسنة 2004 المؤرخ في 12 جويلية 2004 المتعلق بالمجلس الدستورى وخاصة الفصلين 30 و 31 منه   وعلى المجلة الانتخابية وخاصة الفصول 63 و 64 و 66 و 67 و 67 ثانيا منها   وعلى الامر عدد 2067 لسنة 2009 المؤرخ في 7 جويلية 2009 المتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية واعضاء مجلس النواب وخاصة الفصل الثالث منه   واستنادا الى قراره عدد 1 – 2009 المؤرخ في 26 اوت 2009 في قبول مطلب ترشح السيد زين العابدين بن على لانتخابات رئيس الجمهورية المعينة يوم الاحد 25 اكتوبر 2009 وتسجيله بالدفتر الخاص المعد للغرض   والى قراره عدد 2- 2009 المؤرخ في 28 اوت 2009 في قبول مطلب ترشح السيد محمد بوشيحة لانتخابات رئيس الجمهورية المعينة ليوم الاحد 25 اكتوبر 2009 وتسجيله بالدفتر الخاص المعد للغرض   والى قراره عدد 3 -2009 المؤرخ في 9 سبتمبر 2009 في قبول مطلب ترشح السيد احمد اينوبلى لانتخابات رئيس الجمهورية المعينة ليوم الاحد 25 اكتوبر 2009 وتسجيله بالدفتر الخاص المعد للغرض   والى قراره عدد 4 -2009 المؤرخ في 17 سبتمبر 2009 في قبول مطلب ترشح السيد احمد ابراهيم لانتخابات رئيس الجمهورية المعينة ليوم الاحد 25 اكتوبر 2009 وتسجيله بالدفتر الخاص المعد للغرض   والى قراره عدد 5 -2009 المؤرخ في 27 سبتمبر 2009 في رفض مطلب ترشح السيد مصطفى بن جعفر لانتخابات رئيس الجمهورية المعينة ليوم الاحد 25 اكتوبر 2009   وبعد المداولة   1/ حيث ان عملية التثبت في صحة الترشحات تعقب مرحلة قبول مطالب الترشحات والتي تمت وفقا لاحكام الفصل 66 من المجلة الانتخابية   2/ وحيث ان النظر في صحة الترشحات يقتصر على من تم القبول بشأنها   3/ وحيث ثبت للمجلس ان جميع الوثائق المطلوبة قانونا قد قدمت له من المترشحين المذكورين بقرارات قبول مطالب الترشح المشار اليها اعلاه وهى الوثائق التي تم ذكرها بتلك القرارات   4/ وحيث بعد دراسته للوثائق الخاصة بكل مترشح تم قبول ترشحه وتفحصها والتمعن فيها وتحققه بما له من صلاحيات من ان كل مترشح من المترشحين المعنيين تتوفر فيه الشروط الدستورية والقانونية المستوجبة لصحة الترشح لرئاسة الجمهورية قرر صحة الترشحات الاربعة المذكورة ويعلن عن قائمة المترشحين على النحو التالي :   / السيد زين العابدين بن علي   / السيد محمد بوشيحة   / السيد أحمد اينوبلى   / السيد أحمد ابراهيم   وصدر هذا القرار بمقر المجلس الدستورى بباردو يوم الاحد 27 سبتمبر 2009  »     (المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء الرسمية بتاريخ 27 سبتمبر 2009 )  


الانتخابات التشريعية 2009  قائمة الصمود
إعــــــــــــــلام
بنزرت في 26|09|2009


توجّه وفد من مناضلي بنزرت  رفقة مجموعة من السياسيين والحقوقيين مساء اليوم   26سبتمبر 2009 في حدود الساعة الثالثة مساء انطلاقا من مقهى بوحلاب إلى مقرّ ولاية بنزرت لتقديم ترشّح قائمتهم  » الصمود  » والمتكوّنة من ثمانية أعضاء هم: رئيس القائمة – 1محمد الهادي بن سعيد       وكيل مؤسسة تجارية   – أعضاء – 2محمد الزّار                   عامل وقتي بشركة – 3 طارق السوسي              أستاذ معطل عن العمل – 4 محمد علي بن عيسة         صاحب تاكسي –5 علي الوسلاتي                متقاعد – 6 حسان الصفاقسي            نجار – 7 يوسف البجاوي              قصاب – 8 محمد زياد بن سعيد          طالب وقد كان في استقبال الوفد ومرافقيهم السيّد المعتمد الأوّل والسيّد حبيب الوسلاتي معتمد بنزرت الشمالية وأشرف على إتمام كلّ الإجراءات رئس المصلحة السياسية ولم يستقبل السيّد الوالي سالم الجريبي المرشّحين وسلّم رئس المصلحة السياسية لرئيس القائمة السيد محمد الهادى بن سعيد وصل التسليم في أجواء تميّزت بكثير من البرود وكان حضور  القياديين الأمنيين بالجهة وأعوان البوليس السياسي بالزى المدني و مختلف الفرق الأمنية ملفتا للانتباه خارج مقر الولاية.   رئيس القائمة محمد الهادي بن سعيد


بلاغ صحفي إسقاط 20 قائمة من قائمات التقدمي

 


عمدت السلطة إلى إسقاط 20 قائمة من القائمات الست والعشرين التي تقدم بها الحزب الديمقراطي التقدمي حتى ساعة إغلاق باب الترشحات في السادسة من مساء اليوم السبت 26 سبتمبر. وقُبلت خمس قائمات فقط في خمس دوائر هي الكاف وسليانة وقابس وزغوان وقبلي. أما القائمات التي تقدم بها الحزب في المدن الرئيسية فتم رفضها جميعا، من دون إعطاء أي تفسير، بما فيها قائمة تونس 1 التي تترأسها الأمينة العامة للحزب الأخت مية الجريبي، وقائمات صفاقس 1 وصفاقس 2 وأريانة وتونس 2 ونابل وسوسة والقيروان وبن عروس وبنزرت ومنوبة والمهدية والمنستير والقصرين وقفصة وتوزر وباجة وجندوبة وسيدي بوزيد وتطاوين. أما قائمة سوسة فيحل غدا أجل رد الإدارة عليها. وقام المترشحون في 12 دائرة بتقديم قوائم جديدة في الآجال القانونية وتحصلوا على وصولات مؤقتة، رغم أن القائمات الأولى كانت سليمة من الناحية القانونية بدليل أن الإدارة لم تُقدم أي طعن فيها واكتفت بالإدعاء شفويا أنها « غير مطابقة لأحكام المجلة الإنتخابية ». ومعلوم أن الحزب الديمقراطي التقدمي حرص على التثبت من أن جميع المترشحين على قائماته مرسمون بالقائمات الإنتخابية وسلموا مع ملفات الترشح نسخا من بطاقة الناخب تتضمن أسماء مكاتب الإقتراع التي هم مسجلون فيها وأرقامها. وبرهنت السلطات الإدارية في مختلف الدوائر عن تعامل غير حضاري مع مرشحي الحزب ومع قيادييه الذين ترأسوا القائمات بتعمد تجاوز الآجال القانونية للرد على الترشحات سواء بالسلب أو الإيجاب، وتركهم ينتظرون في مقرات الولايات فترات طويلة بمعدل أربع ساعات. إن الإسقاط الجماعي لقائمات الحزب هو قرار سياسي اتخذه الحكم وأعطيت التعليمات للإدارة الخاضعة له لتنفيذه من غير تجشم الجهد حتى لإكسائه لباسا قانونيا، في تحد كامل لقواعد التعامل السياسي وفي تعد صارخ على أحكام المجلة الإنتخابية التي وضعها الحكم نفسه. ويدل هذا التعامل الفظ مع الديمقراطي التقدمي، الذي لم يسبق له مثيل في المواعيد الإنتخابية السابقة، على التمادي في محاولة إقصاء الحزب من المؤسسات التمثيلية لأن خوض قائماته للمعركة الإنتخابية في 26 دائرة أو حتى في 20 دائرة سيجعل استبعاده من المجلس المقبل أمرا لا يستقيم بجميع المقاييس. وبات واضحا الآن أن الحكم الذي أقصى مرشح الحزب للرئاسية الأستاذ أحمد نجيب الشابي بقانون سنه على المقاس، يُعيد الكرة اليوم بشل القائمات التي تقدم بها الحزب للتشريعية وإخراجها من السباق الإنتخابي بغير وجه حق، في دوس صارخ لقواعد اللعبة السياسية. وستُدعى اللجنة المركزية للحزب للإجتماع فور استيفاء الردود على القائمات التي أعيد تقديمها لاتخاذ القرار المناسب في شأن المشاركة في الإنتخابات التشريعية.  
تونس في 26 سبتمبر 2009   الأمينة العامة مية الجريبي  

حزب تونسي معارض يتهم السلطة بعرقلته في الانتخابات البرلمانية

 


 (رويترز) – اتهم الحزب الديمقراطي التقدمي وهو أحد أبرز تشكيلات المعارضة في تونس يوم الاحد السلطة باستهدافه وقطع كل الطرق امامه كي لا يكون له نواب في البرلمان من خلال تعمد اسقاط أغلب قوائمه المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في 25 من الشهر المقبل.   وقال الحزب في بيان حصلت رويترز على نسخة منه « السلطة عمدت الى اسقاط 20 قائمة من القائمات الست والعشرين التي تقدم بها الحزب حتى ساعة اغلاق باب الترشحات في السادسة من مساء (أمس) السبت. »   وأضاف البيان الذي حمل توقيع الامينة العامة مية الجريبي انه لم يتم اعطاء اي تفسير حول رفض هذه القوائم مما يؤكد « تلقي الادارة لتعليمات تهدف لاقصاء الحزب من المؤسسات التمثيلية (البرلمان). »   واتهم الحزب السلطة « باكساب القرار لباسا قانونيا في تحد كامل لقواعد التعامل السياسي وفي تعد صارخ على أحكام المجلة (اللائحة) الانتخابية التي وضعها الحكم نفسه. »   ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من مصدر رسمي حول اتهامات التقدمي.   وأعلن الحزب العام الماضي اعتزامه ترشيح القيادي نجيب الشابي للمنافسة في انتخابات الرئاسة لكن تعديلا دستوريا اقصاه من المشاركة في الانتخابات لانه لم يعد أمينا عام للحزب وتخلى عن منصبه لمية الجريبي.   وقال الحزب في وقت سابق هذا الشهر انه انسحب من المشاركة في الانتخابات الرئاسية ولن يقدم اي مرشح لمنافسة الرئيس زين العابدين بن علي لكنه أعلن انه سيشارك في الانتخابات البرلمانية في كل الدوائر الانتخابية.   الا أن اسقاط 20 قائمة من مجموع 26 قائمة جعل امال مسؤولي الحزب تتضاءل في امكانية الفوز بمقاعد داخل قبة البرلمان.   ولا يملك التقدمي اي مقعد في البرلمان من بين 189 مقعدا يهيمن علي 80 بالمئة منها حزب التجمع الدستوري الحاكم.   (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 27 سبتمبر 2009 )  


الوعود الإنتخابية للحزب الحاكم لم تتحقق


 قبل أيام من انطلاق الحملات الانتخابية يطرح الرأي العام والمتابعون للشأن السياسي الوطني أسئلة عديدة تخص البرامج الانتخابية للأحزاب، وخاصة منها مصير الوعود التي أطلقها الحزب الحاكم في الانتخابات السابقة والتي من المفترض أنه فاز على أساسها في تلك الانتخابات. ويحق للمراقب أن يتساءل أي جديد سيأتي به الحزب الحاكم في برنامجه الانتخابي هذه المرة بعد أن ضمن برنامجه السابق كل الوعود الممكنة؟ البطالة أولا كانت المعضلة الأولى التي عرض برنامج « تونس الغد » التصدي لها هي معضلة البطالة، مؤكدا أن التشغيل هو أولوية الأولويات. وبعد خمس سنوات من إطلاق هذه الوعود يؤكد الاقتصاديون أن هذه البرامج لم تحقق أي اختراق لمواجهة البطالة، إذ لم تتزحزح نسبتها عن سقف 14 بالمائة، وهي نسبة عالية مقارنة بالمستويات العالمية حتى باعتماد تعريف العاطلين الذي وضعه معهد الإحصاء، وهم « أولئك الذين لم يشتغلوا في الأسبوع السابق للإحصاء وهم في حالة بحث عن شغل »، وهو تعريف يلقى الكثير من النقد لدى المختصين. ولكن حتى باعتماد هذا المقياس، فإن المتأكد هو أن هذه الظاهرة باتت تشكل أهم تحد يواجهه الاقتصاد الوطني، إذ تشير آخر التقارير التي أصدرها معهد الإحصاء (المسح الوطني حول السكان والتشغيل) إلى اتساع البطالة، خاصة لدى المستويات التعليمية العليا. بل إن النسبة العامة للبطالة سجلت ارتفاعا بعد أن أظهرت نتائج المسح أن عدد العاطلين عن العمل من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق في منتصف شهر ماي 2008 بلغ 522,3 ألف، وتكون بذلك نسبة البطالة في حدود 14.2 بالمائة، في حين كان عدد العاطلين سنة 2005 لا يتجاوز 501 ألف عاطل. واللافت في هذا المجال هو ارتفاع عدد العاطلين من ذوي المستويات التعليمية العليا فقد تطور عددهم من 66 ألف سنة 2005 إلى 128 ألف سنة 2008 منهم 113 ألف من حاملي الشهائد الجامعية (44 ألف تقني سام و22 ألف مجاز في الحقوق والاقتصاد والتصرف و حوالي 19 ألف مجاز في الإنسانيات و8 آلاف من أصحاب الشهائد العليا الأخرى : طبيب ، مهندس، صيدلي وشهائد الماجستير)، وهو ما يساوي 21 بالمائة من العدد الجملي للعاطلين.  ويُنتظر أن ترتفع هذه النسبة مع تطور عدد الخريجين الذي سيصل في السنوات القليلة القادمة إلى 100 ألف طالب كل سنة في ظل ضعف قدرة الاقتصاد الوطني على امتصاص الطلبات الجديدة فما بالك بالأعداد الكبيرة التي تراكمت طيلة السنوات الماضية. ويقدر الاقتصاديون أن تلبية الطلبات الجديدة تستوجب نسبة نمو اقتصادي لا تقل عن سبعة في المائة، في حين تراوحت هذه النسبة بين الأربعة والخمس بالمائة طيلة السنوات الماضية، بل إن هذه النسبة ستتراجع هذه السنة إلى ثلاثة بالمائة أو أقل حسب بعض المصادر الاقتصادية.  يُذكر أن نسبة البطالة تتضاعف في المناطق الداخلية للبلاد. أما التشجيع على الانتصاب الحر وذلك عبر آليات الإدماج المهني الذي ركز عليها البرنامج فسجلت الإحصاءات الرسمية أن ما يزيد عن 38 بالمائة من المشاريع التي مولها بنك التضامن كان مآلها الإفلاس لأسباب عديدة أهمها ضعف مستوى التمويل والمتابعة وعدم التدخل لإزالة العقبات التي تعترض المستثمرين الشبان. النجاح المفروض أما القطاع الثاني الذي ركز عليه البرنامج الانتخابي فهو قطاع التعليم واضعا هدفا له « مدرسة للجميع لكل فيها حظ » ومؤكدا الحرص على « الارتقاء بمؤشرات المنظومة التربوية إلى مستوى البلدان الأكثر تقدما ». لكن شتان بين حساب البيدر وحساب الحقل، فقد تحسنت بالفعل بعض المؤشرات العامة مثل انخفاض عدد التلاميذ بالأقسام، ويعود ذلك بالأساس إلى انخفاض عدد التلاميذ الصغار نتيجة تراجع النمو الديمغرافي إلى مستوى 1,03   بالمائة، فأغلقت نتيجة لذلك بعض المدارس الابتدائية أبوابها وتم تحويل بعضها إلى إعداديات. كما تحسنت نسب النجاح في كل المستويات سواء في الإعدادي، حيث يندر الرسوب أيا كان مستوى التلميذ أو في الباكالوريا باحتساب المعدل السنوي مع معدل المناظرة. لقد صار النجاح حقا وليس نتاج جهد. كما « اجتهد » المديرون في كل المستويات من أجل رفع نسب النجاح لتحقيق وعود البرنامج الانتخابي، فآل الأمر إلى مستوى كارثي للتلاميذ والطلاب سجلته تقارير دولية (اختبارات بيزا وتقرير الأمم المتحدة حول الشباب وتقرير البنك الدولي حول التعليم في الشرق الأوسط). أما التعليم العالي فقد تحول إلى محضنة لتخريج العاطلين، جعل أغلبية الطلبة يحلمون بالهجرة مثلما أشارت إلى ذلك مؤخرا جملة من البحوث الميدانية. و في حين ارتفعت الإعتمادات المخصصة للبحث العلمي لتتجاوز الواحد بالمائة، إلا أن الحصيلة لا تكاد تُذكر، فبراءات الاختراع لا تتجاوز سنويا عدد أصابع اليد، كما أن البحث العلمي التطبيقي في عديد القطاعات لم ينجح في رفع التحديات أو في إيجاد حلول للمشكلات. أما اقتصاد المعرفة أو الثقافة الرقمية التي سعى البرنامج لتكريسهما فبقيا أقرب إلى الآمال، إذ رغم انتشار الربط بشبكة الهاتف ومن ثم شبكة الإنترنت إلا أن ذلك لم ييسر بروز ثقافة رقمية حقيقية تساعد على تنمية بقية القطاعات. و تشير المعطيات المتوفرة إلى ضعف التجارة الالكترونية والتي صارت أحد أوجه الحداثة الاقتصادية. ذلك أن عدد المواقع التجارية الألكترونية لم يتجاوز 360 موقعا إلى أواخر سنة 2007 في حين بلغ عدد هذه المواقع بفرنسا في الثلاثية الأولى من نفس السنة 22 ألف موقع ارتادها 19 مليون ونصف مستهلك أي ما يزيد عن 37 بالمائة من سكان فرنسا.  أما الربط بشبكة الأنترنت فتشير الإحصاءات أن عددها قارب 267 ألف خط إلى حدود 25 ماي الماضي، في حين تجاوز عددها في البحرين 600 ألف في بلد لا يتجاوز عدد سكانه المليون نسمة، أما في فرنسا فتجاوز الرقم 18 مليون ونصف مشترك سنة 2008. أما على مستوى البنية التحتية فوضع البرنامج هدفا له إنشاء شبكة طرق سريعة وأخرى للنقل الحديدي وتحسين شبكة النقل العمومي إضافة إلى برامج لحماية المدن من الفيضانات. ولئن تم تسجيل نجاح معتبر في إنشاء الطرق ومد الجسور إلا أن قطاعات اخرى لم تعرف نفس المصير، فالنقل العمومي يسير من سيء إلى أسوأ ونسبة التأخير وحوادث الحافلات العمومية خير مؤشر على ذلك. كما عرفت الكثير من المدن فيضانات مدمرة، وبقيت مشكلة السدود دون حل جذري بعد أن تجاوزت أغلب السدود عمرها الافتراضي ، وباتت وضعيتها حرجة في مواسم الأمطار. يبدو من خلال ما تقدم أن البرنامج الانتخابي للحزب الحاكم بقي في أغلبه وعودا لم تتحقق، ولا شك أنه سيعود إليها مع إضافات بلاغية لا تسمن ولا تغني من جوع دون أمل في الخضوع إلى مساءلة الناخب وتقييمه، والالتجاء بدلا عن ذلك إلى وسائل الترغيب و الترهيب، وهو ما يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الحقيقي كآلية من آليات تنافس حقيقي على السلطة، وسيلته البرامج الواقعية والوعود القابلة للإنجاز. منير الجلالي  

لا يؤمنون بالديمقراطية


رشيد خشانة تسلم السادة الولاة قائمات المترشحين من الأحزاب التي ستتبارى في الإنتخابات المقبلة، وخير بعضهم تفويض العُمد لتلقي ملفات الترشح. ليس هذا هو المهم، وإنما ما يستوقف المرء هو أن بعض الولاة الذين أظهروا التزامهم بحزبهم طيلة السنوات الخمس الماضية بأشكال مختلفة، لم يتحملوا الإبقاء على مسافة دنيا معه خلال أسابيع الإنتخابات احتراما للمنصب الذي تقلدوه وانضباطا للقوانين التي يُفترض أنهم الساهرون على تطبيقها. فرغم أن المسافة الزمنية التي باتت تفصلنا عن يوم الإقتراع تقل عن أسابيع تُعد على أصابع اليد الواحدة، انبرى بعض السادة الولاة لإظهار انحيازهم لأحد الفرقاء وولائهم للحزب المهيمن على الساحة السياسية بما يتعارض تعارضا مطلقا مع الدور المنوط بهم في مثل هذه الظروف. هذه بعض العينات التي تتحدث وحدها عن الموقف المرتقب للإدارة في الإنتخابات المقبلة، ففي صفاقس كان والي الجهة أبرز الحاضرين في اجتماع انعقد بمقر لجنة تنسيق الحزب الحاكم  يوم 12 سبتمبر الجاري بإشراف الأمين العام لـ »التجمع » في إطار الإستعداد « لإنجاح الإنتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة وفي أجواء حماسية ومفعمة بالإبتهاج والإعتزاز بما تحقق من مكاسب ». وفي المهدية أشرف والي الجهة بمقر الحزب الحاكم في أواخر أيام رمضان على حملة انتخابية اجتماعية تمثلت في تسليم 400 سلة وعددغير معروف من الطرود المحتوية على مواد غذائية وغيرها بقيمة جملية قدرتها صحيفة « الحرية » لسان حال الحزب بعشرة آلاف دينار (من تكفل بتوفير المبلغ: هل هي الإدارة أيضا؟). وطبعا نسج السادة المعتمدون على منوال الوالي، وهو المسؤول الأول بالجهة، فانغمسوا في اجتماعات الحزب الحاكم وشمروا على سواعدهم لإنجاح حملته في الصغيرة والكبيرة حتى أن معتمد منزل تميم مثلا لم ير غضاضة في حضور « حفل موسيقي شعبي ساهر » أقامته الجامعة الدستورية بالمكان احتفالا بتقديم مرشح « التجمع » ملف ترشحه إلى المجلس الدستوري (الحرية بتاريخ 15 سبتمبر).  من  وهذا يعني الإاتزام بإنجاح مرشح « التجمع » للرئاسية وقائمته للتشريعية في الجهة. ولا نستغرب في مناخ التعبئة الحزبية هذا أن يُجر المسؤولون الإداريون الجهويون للإنخراط في الكرنفال الإنتخابي فإذا بعديد الإطارات الإدارية الجهوية، الذين يُفترض فيهم الحياد، يُنشطون الندوات عن « مكاسب التنمية » في جهاتهم طيلة السنوات الماضية ويُشرفون على الورشات وما يُسمى بـ »منابر الحوار » أي البروباغندا التي شكلت حملة انتخابية صريحة خارج أي مواعيد أو ضوابط قانونية. إن النصوص القانونية واضحة لا غبار عليها ولا مجال لتأويلها ، فقد أسندت للسلط الإدارية بدءا من وزير الداخلية وانتهاء بسلك العمد مهمة الإشراف على سير العملية الإنتخابية بجميع أطوارها، من مرحلة التسجيل وتوزيع البطاقات إلى يوم الإقتراع. لكن الممارسات التي نراها ونسجلها كل يوم تنسف هذا الحياد وتضع السلط الإدارية بكل ثقلها في كفة طرف من الأطراف، بما يجعل الميزان الإنتخابي مختلا اختلالا جوهريا. واللافت للنظر أن الحكم لا يحترم حتى الظواهر ويصر على تحدي المجتمع والتباهي بتجنيد الإدارة إلى جانبه، مما يدل على قلة إيمانه بالتعددية، ويبرهن على أنه يعتبر الشعب التونسي غير ناضج للديمقراطية وغير مؤهل للتداول على الحكم مثل سائر شعوب الدنيا. فهل يمكن أن يُحقق الديمقراطية حزب لا يؤمن بها؟  

انتخابات تونس: قوائم المعارضة تتساقط والحزب الحاكم يستعدّ للإحتفال بالفوز


إسماعيل دبارة
تونس التي يحتل رئاستها الأولى منذ العام 1987 زين العابدين بن علي ولخمس دورات متتالية على موعد مع معركة ديمقراطية في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، قد لا تحمل جديدًا من حيث سيطرة الرئيس وقدرته على الفوز،   لكنها تحمل جديدًا من حيث وجود أربعة مرشحين منافسين لبن علي. تلك الإنتخابات ليست الوحيدة بل ستترافق معها إنتخابات تشريعية لا تقل عنها أهمية، وتلك الإنتخابات بالذات تشهد صراعًا أكبر وإجراءات أكثر من قبل السلطة بحق القوائم والمرشحين بحسب من قابلتهم إيلاف. علمت « إيلاف » من مصادر قيادية بالحزب الديمقراطي التقدمي المعارض أنّ المكتب السياسي الطارئ الذي عقد مساء الجمعة قرّر « القيام بحملة إعلامية وسياسية للتشهير بمحاولة إقصاء الحزب من الانتخابات التشريعية المقبلة بعد أن تمّ إقصاء مرشحه إلى الانتخابات الرئاسية ».     وكشف ماهر حنين عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التونسي (يسار الوسط) لإيلاف عن استعداد الحزب لعقد لجنة مركزية استثنائية (اعلي سلطة اتخاذ قرار بين مؤتمرين) يوم 10 أكتوبر تشرين الأول المقبل.     ويأتي التصعيد الجديد بين الديمقراطي التقدمي والحكومة بعد أن رفضت الإدارة في تونس قبول ثماني عشرة قائمة انتخابية من بين القائمات الثلاث والعشرين التي قدمها الحزب الديمقراطي في اليومين الأوّلين من تقديم الترشّحات.     يقول القيادي بالحزب ماهر حنين لإيلاف: » لقد تعمدت السلطة إسقاط قائماتنا الانتخابية، ونحن نعتبر أن لهذا الإسقاط المتعمد انعكاسات خطرة على الحياة السياسية بالبلاد ». ودان حنين بشدة إسقاط القائمات واعتبرها ذات « خلفية سياسية ودون أي مسوّغ قانوني ».     وسيقوم الحزب الديمقراطي التقدمي الذي أعلن مشاركته في الانتخابات التشريعية في جميع الدوائر الانتخابيّة بالطعن في قرارات الإسقاط لدى المجلس الدستوري والقيام بحملة إعلامية وسياسية للتشهير بمحاولة إقصاء الحزب على حد تعبير ذات المصدر.     وتواترت الأنباء في الساعات الأخيرة عن سقوط عدد من القائمات الانتخابية لبعض أحزاب المعارضة على غرار خسارة الحزب الديمقراطي الوحدوي ذي التوجه القومي لخمس قائمات كان تقدم بها في وقت سابق ، كما رفضت الإدارة قبول خمس قائمات لحزب الوحدة الشعبية الموالي للحكومة في دوائر جندوبة وباجة وتطاوين وصفاقس وسيدي بوزيد، كما أسقطت أربعة قائمات لكل من حزبي « الخضر للتقدّم » و »الاجتماعي التحرري » وهما من أحزاب الموالاة.     وتنتهي السبت المهلة التي ضبطها القانون لإعادة تقديم القائمات المُسقطة، وسط أنباء عن استعداد معظم الأحزاب لملمة القائمات التي تم رفضها ووضع بدائل لها.     « المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدّم » التي تقودها حركة التجديد اليسارية شهدت هي الأخرى تطورًا لافتًا، إذ انسحب الحزب الاشتراكي اليساري من هذا التحالف اليساريّ الذي أعلن عن ترشيح السيد أحمد إبراهيم للانتخابات الرئاسية.     واندلع سجال كبير وخلافات بين حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) والحزب الاشتراكي اليساري بسبب رئاسة القوائم الانتخابيّة.     وذكر بلاغ لحركة التجديد حول انسحاب الاشتراكي اليساري أنّ « أن احترازها على ترأس نوفل الزيادي العضو القيادي بالحزب الاشتراكي اليساري لقائمة المبادرة في دائرة « منوبة « مردّه مواقف سياسية وتحركات قام بها السيد الزيادي منذ مدة وآخرها حضوره النشيط في المؤتمر الذي انعقد بتشجيع من السلطة للقضاء على مكتب النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين- أول نقابة مستقلة يتمكن الصحفيون التونسيون من إقامتها، فعملت السلطة على القضاء عليها بشتى الوسائل بما فيها تسخير القضاء وترغيب الصحافيين وترهيبهم ».     ويرى متابعون أنّ التصدّع الذي أصاب القطب اليساري في تونس مردّه التحالفات المغلوطة مع الحزب الاشتراكي اليساري الذي يوصف بأنه « مقرّب من الحكومة و لا يمكن أن يضطلع بدور المعارضة المستقلة ».     ومن المتوقّع أن يؤثّر انسحاب الاشتراكي اليساري بشدة على أداء « المبادرة » خلال الانتخابات المقبلة و إن تمكنت عمليا من إعلان قائمات في كافة الدوائر البالغ عددها ستّا و عشرين دائرة. وفور انسحابه من المبادرة اليسارية تقدّم أنصار الحزب الاشتراكي اليساري بقوائم مستقلة في الدوائر الكبرى.     حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم قدّم من جهته مساء الجمعة 25 سبتمبر/أيلول ملفات قائماته المترشحة للانتخابات التشريعية في كافة الدوائر ، وبلغت نسبة التجديد في قائمات « التجمّع » 60 في المئة حسب مسؤوليه ، في حين بلغت نسبة حضور المرأة حدود الـ 30 في المئة ، كما لوحظ ترشّح بارز لعدد من رجال الأعمال المعروفين إلى البرلمان على غرار السيد صخر الماطري صهر الرئيس بن علي.     وأشارت تقارير صحافية محلية إلى أنّ حزب « التجمع » يستعدّ من الآن لإقامة احتفالات ضخمة بعد الإعلان رسميًا عن ظفر الرئيس بن علي بولاية رئاسية خامسة وقد تم تشكيل لجنة فنية للأعداد لتلك الاحتفالات.     وفي ما يخصّ الانتخابات الرئاسية، اختتم تقديم الترشحات بالمطلب الأخير الذي تقدّم به الدكتور مصطفى بن جعفر الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الخميس الماضي مع إمكانية كبرى لرفض ترشحّه من قبل المجلس الدستوريّ.     وكان الرئيس زين العابدين بن علي أول من قدّم إلى المجلس الدستوري في 26 أغسطس الماضي ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها يوم 25 من الشهر المقبل ليتلقى المجلس بعدها أربعة ترشحات لكل من محمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية في 28 من الشهر نفسه ، واحمد الاينوبلي الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الوحدوي في 9 سبتمبر- أيلول الجاري واحمد إبراهيم الأمين الأول لحركة التجديد في 17 سبتمبر – أيلول.     أما الحزب الديمقراطي التقدمي، وعلى الرغم من أنّ القانون يجيز له ترشيح أمينته العامة الحالية مية الجريبي ، إلا أنه تمسّك لوقت قريب بمرشحه المعلن المحامي أحمد نجيب الشابي الذي أكد أنّ التعديل الدستوري الذي أعلن عنه الرئيس بن علي في 2007 يهدف إلى « إقصائه شخصيًا من السباق الرئاسي ». و أعلن الشابي في أغسطس آب الماضي انسحابه من الانتخابات الرئاسية لـ »عدم توفّر شروط دنيا للتنافس النزيه ».     يشار إلى أنّ عددًا من تشكيلات المعارضة التونسية غير القانونية اختارت مقاطعة الاستحقاق الانتخابيّ المقبل على غرار حزب « المؤتمر من أجل الجمهورية » الذي يتزعمه الدكتور منصف المرزوقي و »حزب العمال الشيوعي التونسي » و حركة « النهضة » الإسلامية المحظورة.     ويرى الملاحظون في تونس أنّ الانتخابات المقبلة التي تشرف عليها وزارة الداخلية ،تخلو من أية إثارة أو تشويق كونها معروفة النتائج ولا يبدو أنها ستتضمن أية مفاجئات تذكر ، فالحزب الحاكم يستعدّ لإعلان فوزه الساحق لمرشحه وقوائمه البرلمانية وسط انتقادات من المعارضة المستقلة بتعبئته لأجهزة الدولة لخدمة حملته قبل الانتخابات بأكثر من سنة.     ومن المتوقع أن يحصل حزب الرئيس بن علي على 75 في المئة من المقاعد في مجلس النواب (259 مقعدا) في مقابل 25 في المئة للمعارضة (53 مقعدًا)، مع إمكانية واردة جدا لإبقاء « الحزب الديمقراطي التقدمي »، الذي صنفه المراقبون على أنه أهم حزب معارض، خارج قبة البرلمان، ولعلّ رفض الإدارة قبول معظم قوائم الحزب للانتخابات التشريعية دليل على توجّه الحكومة غير الراغب في وصول « أحزاب مشاغبة » إلى مجلس النواب.     أما حركة « النهضة » فيبدو أنها اختارت إدارة الظهر لكل من الاستحقاق الرئاسي والتشريعي، فهي لم تدعم أي مرشح بصفة علنيّة ولم يسجّل ترشح أي من كوادرها لا ضمن قائمات المعارضة ولا ضمن قوائم مستقلة كما حصل في انتخابات سابقة.     وتعكف حركة « النهضة » على الاهتمام بوضعها الداخليّ في أعقاب الضربة الأمنية التي تلقتها في تسعينات القرن الماضي وأدت إلى انهيار جهازها التنظيمي بشكل شبه كليّ و تهجير معظم قياداتها إلى الخارج ، أما القيادات والكوادر في الداخل فتشير تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى أنهم يتعرضون لمراقبة أمنية مشددة تمنعهم من ممارسة العمل السياسي.     (المصدر: موقع ايلاف  ( بريطانيا) بتاريخ 27 سبتمبر 2009 )  

أخبـار

الرفيق حمّة الهمامي على قناة « فرانس 24 »

و

حملة مقاطعة المهزلة الانتخابية تتواصل في باريس

 


الرفيق حمّة الهمامي على قناة « فرانس 24 »
 
استضافت يوم أمس السبت 26 سبتمبر 2009 قناة فرانس 24 (France 24) الناطقة بالعربية الرفيق حمّة الهمامي، الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي، أثناء حصّتها الاخبارية. تطرّق الحوار إلى موضوع الانتخابات القادمة والوضع السياسي في البلاد، وقد جدّد خلاله الرفيق الدعوة إلى مقاطعة المهزلة والنضال من أجل التخلص من الدكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي يكفل الحريات لأبناء شعبنا. حملة مقاطعة المهزلة الانتخابية تتواصل في باريس قام « الائتلاف من أجل مقاطعة انتخابات أكتوبر 2009 في تونس » بتوزيع بيان للأسبوع الثاني على التوالي في العاصمة الفرنسية باريس يدعو إلى مقاطعة المهزلة الانتخابية. فبعد ساحة « كورون » (Couronnes)، تحوّل يوم أمس السبت 26 سبتمبر مناضلو الائتلاف إلى سوق « باربيس » (Barbes) الذي يرتاده عدد هام من المهاجرين المغاربيين ووزّعوا مئات المناشير. وقد لقيت هذه العملية صدى إيجابيا لدى الجالية التونسية وقوبلت بتشجيع من قبل الأشقاء الجزائريين والمغاربة.  

 
(المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 27 سبتمبر 2009)

نؤيد سيادتك  

 
نؤيد سيادتك لفترة جديدة نكمل خلالها المسيرة السعيدة و بالمرة فيها نبيع الحديدة مفيش حاجة تانية نبيعها خلاص ***** نؤيد سيادتك لأجل المزيد من اللي تحقق بفضلك أكيد بقينا خلاص ع الحميد المجيد و ربك لوحده ف ايده الخلاص ***** نبايع سيادته ولا حد غيره كفايا علينا نبرطع في خيره و نوم شعب مصر العظيمة و شخيره يقول للحرامي ما تسرق كمان ***** نبايع سيادته وابنه وحفيده مفيش زي فكره قديمه و جديده خرابك يا مالطة حيحصل بايده ومين فيكي يعني بيسمع آذان ***** نبوس ايد سيادتك و رجلك كمان تخليك معانا يا ريس عشان وجودك ضرورة فرضها الزمان و من غير وجودك حقيقي نضيع ***** دي مصر بتاعتك و احنا ضيوفك كفايا علينا يا ريس نشوفك و عاذرين سيادتك و فاهمين ظروفك عليك بس تؤمر و احنا نطيع ***** في جزمة سيادتك كلابك يبوسوا و فوق الغلابة بجزمهم يدوسوا و شعبك ليلاتي يا ريس غموسه مذلة و مهانة و حوجة و مر ***** لكن يعني ما دمنا شعب انتساب و دايما وأبدا ف حالة غياب متعملش لينا يا ريس حساب دي عزبة سيادتك و فيها انت حر ***** و دستور مدستورش مش فارقة خالص كلام فاضي كله يا فندم بناقص كفايا علينا الفساد اللي ماصص عرقنا و معشش و ضارب جذوره ***** و ايه يعني تهري جتتنا البلاوي يوماتي كوارث فضايح رشاوي كفايا علينا القعاد في القهاوي بنستنى لما الوريث ييجي دوره
 
قصيدة أحمد فؤاد نجم

صلاة استسقاء من أجل الديمقراطية


  أ, مروان قواص
كلما أنحبس المطر، وذهبت ريحه، وضاعت غيومه، وتشققت سماؤه فيبست الأرض وما عليها وماتت أحياؤها. كانوا يخرجون للعراء وراء شيوخهم يستمطرون السماء. يصلون لها، يبتهلون ويتوسلون – لتسقيهم، فهم العطاش، وهي واهبة المطر، وسواقة الغيوم. لماذا في هذا الوطن الكبير الممتد كجثة قتيل من الخليج إلى المحيط لا يخرج العطشى إلى الديمقراطية صلاة استسقاء من أجلها. ألم يشتاقوا إليها اشتياقاً لغائب طال غيابه وسجين تأبد سجنه، وقتيل تفننت الأنظمة في طعنه. ألم يملوا الحاكم الفرد وأساليبه وفنونه وأجهزته وقد طال ركوبه على ظهورهم فأدماها، ألم يحنوا إلى تعبير حر – وأقلام لا تباع وإعلام لا يزمر. كلما جاءنا حاكم بدأ عهده بعهود ووعود، ثم تناسى عهوده ووعوده لأن للاستبداد طبائع، وهو أجدى وأسلم وأبقى، والرعية لا تستحق والأخطار المحدقة – وفق أقوال طبالي السلطان- تبرر الاستبداد. وكأن الخطر الخارجي لا يقاوم إلا بعبيد موشومة ظهورهم بآثار السياط.  الخلق جميعاً أجمعوا على أن صناديق الاقتراع هي الوسيلة التي توصل الأصلح للحكم وفق مبادئ دستورية، وشرعة عالمية اتفق عليها العالم أجمع. وما زال بعضنا يعتبرها بدعة وضلالة، ويعتبرها البعض الآخر عيداً للتزوير والتضليل. نصلي استسقاء إذا انقطع المطر وحل الجفاف. ماذا نفعل عندما يغلف الاستبداد عقولنا فيذيبها، وينشب مخالبه في آدميتنا فيحطمها، ماذا نفعل وكلما ظننا أن رياح الديمقراطية قد هبت علينا اتجهت عكساً أو تلاشت. ما ذا نفعل ولا رأي ولا رأي آخر، ولا حزب ولا حزب آخر، ولا منبر ولا منبر آخر. فالحكام بأمرهم لا يخطئون وكل رأي مخالف ضلالة. وكل ضلالة في أقبية التحقيق. الكلمة الحرة جريمة، وأحكام القضاء جاهزة، والسجون هي المأوى الأنسب لأصحاب الرأي الحر. ماذا نفعل والعالم كله في تقدم مستمر، ونحن نتمنى أن نراوح مكاننا. فالتنمية في وطننا الكبير مستحيلة، ما دامت مرتعاً وملاذاً ومنتجعاً لكل أنواع الفساد. عندما تغيب الديمقراطية، وتذهب ريحها – وتتلاشى غيومها- وتضيق السبل بالمدافعين عنها وتسد في وجههم المنافذ، وعندما لا يجدون لفكرهم ومبادئهم نصيراً من نظام داخلي أو عالمي. عندها فليس أمامهم إلا الخروج (بمن يغامر منهم بالخروج) بصلاة استسقاء طلباً للديمقراطية. لمن يوجهون صلاتهم ودعواتهم واستغاثاتهم، لمن بيده الأمر بالسماء أم إلى ظلاله الكثر في الأرض. ماذا ينشدون، ماذا يرتلون، فلينشدوا بصوت عذب – سلس – ناعم – جميل – ذليل – (عسى أن يرق الآلهة جميعاً لهم فيتكرمون عليهم). اسـق العطــاش …تكــرماً.  
(المصدر: نداء الحرية صوت التيار القومي التقدمي عدد سبتمبر 2009 )  

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين

الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس

بلاغ


تبلغ الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس جميع علماء الأمّة وأئمتها وفقهاؤها ودعاتها ومشايخها ومفكريها في العالم العربي والإسلامي، وكافة أحرار العالم بهذا النّداء الموجّه إليهم من عفائف تونس رجاء أن يخفّوا سراعا لنجدتهنّ وإغاثتهنّ، وذلك بالعمل على إلزام حكّام تونس بالكفّ عن فتنتهنّ! نداء استغاثة من طالبات المدرسة الوطنية للتجهيز الرّيفي بمجاز الباب تونس بعد اجتياز المناظرة الوطنية للدخول لمدارس تكوين المهندسين بنجاح٬ وُجهت إلى المدرسة الوطنية للتجهيز الريفي بمجاز الباب إثر الإعلان عن نتائج التوجيه يوم 2 سبتمبر 2009. ومن الغد اتجهت إلى مجاز الباب للإستفسارعن التسجيل بالسكن الجامعي٬ وما إن تجاوزت باب المركب الجامعي حتى صاح بي الحارس ومنعني من الدخول بحجة أنّني أضع وشاحا فوق رأسي  »فولارة تونسية » أنا وزميلة لي٬ وأصرّ على منعنا من الدّخول أصلا. فلمّا ألححنا وذكّرناه بأن من حقّنا الدخول بالفولارة التونسية٬ رافقنا إلى المسؤول عن التّسجيل بالمبيت الجامعي. بادرته بالتحية فأجابني حرفيا:  » لا يمكنني أن أكلّمك وأنت على هذه الحال »!!  قلت :  »و ما بي »!؟ . فقال :  »رأسُك ليس عاريا »٬ والله هذا ما أجابني…وأضاف أن من شروط التسجيل بالسكن الجامعي أن أُمضي على التزام ينصّ أحد بنوده – حرفيا – على أن يكون  »الرأس عاريا »!!  قلت له  »لا يمكنني أن أمضي على التزام كهذا‼ » فأجابني ببرود : » إذا كان تحبّي تقرءي٬ تعالي يوم الإثنين بلا حجاب! والإيمان في القلب »!! أخبرت عائلتي بما حصل وأخبرتهم بعزمي على الإبقاء على حجابي٬ فلامني بعضهم لأنّ السّكن الجامعي ضروري نظرا لظروفنا المادية التي لا تسمح لي بالسكن الخاصّ، إضافة إلى أن المساكن الخاصّة تبعد عن المدرسة حوالي 7 كم. أصبحت في حيرة من أمري: –   هل أتنازل عن حجابي الذي أمرني الله بإرتدائه بقوله تعالى:’ (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) [النور : 31] وأرضخ لأمر المسؤول بنزعه للتسجيل وبالتالي الدراسة؟ –   حجابي أم دراستي الهندسية؟! يعلم الله أنني ما تجاوزت هذه المناظرة إلا بجهد جهيد!! (فقدت وعيي خلال المناظرة 3 مرّات بسبب الإرهاق) . وجاء يوم العودة الجامعية الإثنين 7 سبتمبر 2009 . اتّجه زملائي جميعهم إلى مدارس تكوين المهندسين واتّجهت إلى الله أدعوه أن يرزقني الصّبر والثبات. اتصلت مساء بزميلة لي بالمدرسة الوطنية للتجهيز الريفي بمجاز الباب فأخبروني أن الكاتب العام أجبرهم على إمضاء إلتزام واشترط أن يكون الإمضاء معرّفا (بمكتب في البلدية) وينصّ أحد بنوده على نزع غطاء الرّأس٬ وفعلا عند الدّخول إلى المدرسة٬ أخبروني أنّ عددا كبيرا من الطالبات نزعن غطاء رؤوسهنّ! ولا حول ولا قوّة إلا بالله. قالوا لهم:  »أحنا ما نسكنوش متحجّبات٬ وما نحبّوا كان لعرا »[1]. وبلغني أنّ بعض الطالبات رفضن نزعه فمُنعن من الدّخول٬ وأيضا بعضهن بكين، وهنّ ينزعن خمرهن ويدخلن ليدرسن. أتساءل: بالله من يرضى بهذا الذل والهوان؟ هل العفّة الحياء والتستر صاروا عيبا في زمن أصبحت الفتيات يبدين أكثر ممّا يغطّين؟ هل ماتت ضمائر مدير المؤسسة وأعوانه ليجترئوا على طالبات يبعدن مئات الكيلومترات عن ديارهنّ وأهلهنّ لينزعن خمرهنّ!؟ كيف يمكن لأساتذتنا أن يدرّسوا والطلبة ممنوعون من دخول المؤسسة للدراسة؟ وأين بقية الطلبة والطالبات وهم يرون رفيقاتهم يعدن أدراجهن بسبب تعفّفهنّ ورفضهنّ التعري؟.. أقول لكم قول الرسول عليه السلام:  »مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ . أقول وأنا على يقين بأنّه ما يزال من الأخيار من يستجيب لنداء الحق: أريد أن أصبح مهندسة متستّرة بحجابها٬ أريد أن يُزال هذا الظلم عن رفيقاتي اللواتي نزعت خمرهنّ قسرا‼ أليس عيبا أن نتخذ (القيروان) عاصمة للثقافة الإسلامية ثم ننزع عن الطّالبات لباسهنّ!؟ أنْ نقول إن الشباب هو الحلّ، ثم نقول للطالبة  »إلزمي دارك » لأنّها تغطي شعرها؟ أنْ يدور جدال في فرنسا العلمانية حول لبس الطّالبات للنّقاب في الكليّات! في حين يُنزع في تونس المسلمة غطاء الرأس!؟ وأخيرا أقول : حسبي الله و نعم الوكيل .   التوقيع : طالبة بالمدرسة الوطنية للتجهي [1] –  عبارات باللهجة العامية التونسية ومعناها : نحن لا نسكّن بالمبيت الطلابي المحجبات وما نحب إلا العري!! [1] – عن لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس: protecthijeb@yahoo.fr  
عن الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي Mohamed-zemzemi@hotmail.de

تونس وقصة الحرب على الحجاب !!

 


إنه لغز معقد جدًّا، ومحيِّر للغاية.. هذا الذي نراه في تونس! إنها حرب منظمة ومستمرة دون كلل أو ملل ضد حجاب المرأة المسلمة!! فتونس دولة إسلامية منذ الأيام الأولى للإسلام، وليست دولة إسلامية عادية، بل إنها دولة رائدة كان لها السبق في الإسلام في منطقة شمال إفريقيا، وكانت قاعدة مهمَّة لانطلاق الجيوش والدعاة والعلماء إلى أقطار إفريقيا المختلفة، وبها القيروان من أعظم الحواضر الحضارية الإسلامية، وفيها جامعة الزيتونة المنارة الإسلامية الشاهقة، والتي كان لها أبلغ الأثر في نشر الدعوة الإسلامية، وفي الحفاظ على ثوابت الدين والعقيدة، لا في تونس وحدها ولكن في العالم الإسلامي بأسره.    تونس المسلمة بشعبها الذي يعشق الإسلام بالفطرة، والذي يمثل الأغلبية الكاسحة من إجمالي عدد السكان، حيث يصل المسلمون في تونس إلى 98% من العشرة ملايين الذين يسكنون تونس الحبيبة؛ لهذا كله نقول إن الحرب على الحجاب في تونس لغز معقد !وآخر فصول هذه الحرب ما رأيناه مؤخرًا في الأسبوع الماضي من قرار الجامعات التونسية أن توقِّع الطالبات الملتحقات بالجامعة على أنهن لن يدخلن الجامعة إلا « برأس مكشوف »!! هكذا.. فليس الممنوع هو الحجاب فقط، ولكن الطاقية أو القبعة أو المنديل أو أي شيء يغطِّي الشعر للمرأة!! والطالبة التي لن توقع على المرسوم لن تدخل الجامعة، بل وستتعرض لملاحقة قضائية على حدِّ وصف المرسوم. كما لم يغفل المرسوم الطلاب الذكور، حيث شرط عليهم دخول الجامعة « بذقن محلوق »؛ حيث إن اللحية تُعَدّ خطرًا داهمًا على الجامعات التونسية!!     ما هذا الذي نراه في تونس الحبيبة؟!     إنه انتهاك خطير لحرمة المرأة المسلمة، بل إننا لا نرى مثل هذا الانتهاك في دول غير إسلامية معروفة بعدائها للمسلمين، فهل صارت الحرب ضد الإسلام في تونس أشد ضراوةً من حروب غير المسلمين؟! ولكي نفهم هذا اللغز المعقد لا بُدَّ من العودة إلى الجذور، ولا بد من دراسة القصة من أوَّلها، وهي في الواقع قصة مؤلمة غاية الإيلام.   جذور قصة الحجاب في تونس   لقد عاشت تونس قرونًا طويلة تحافظ على الإسلام وقيمه ومبادئه، ولم تهتز فيها الثوابت الإسلامية على مر عصورها السابقة، غير أنه في سنة 1881م ابتليت تونس بالاحتلال الفرنسي الذي غيَّر كثيرًا من الأوضاع في الشقيقة تونس.   إن الاستعمار الفرنسي استعمار خاص جدًّا، له سمات معينة معروفة للدارسين، ولعلَّ من أهم سماته أمرين مهمَّين..   أما الأمر الأول -وهو الأخطر- فهو الاهتمام بتغيير ثقافة المجتمع الذي تقوم فرنسا باحتلاله، وتحويل مبادئه وثوابته وقيمه إلى النظام الفرنسي، ويشمل ذلك اللغة والأخلاق وطرق التعليم والإعلام، وغير ذلك من أمور تحدد هوية البلد. ولا يسعى الفرنسيون -بخبثٍ شديد- إلى مهاجمة الدين بأنفسهم، ولكنهم ينتقون بعض الرموز والنُّخب السياسية والدينية والفكرية من أهل البلد المحتَلّ ليقوموا هم بتشجيع أهلهم على هجر ثوابتهم، والاتجاه إلى الثقافة الفرنسية بكل طاقاتهم.   وتهتم فرنسا أن تتابع هذا التغير الثقافي حتى بعد خروجها من البلاد المحتلة، ولا تتوانى عن توفير وسائل الاتصال الدائم بين الشعوب المحتلة وبين الجامعات والمراكز الثقافية والمنتديات الفرنسية؛ حتى يستمر المد الثقافي الفرنسي في البلد حتى بعد خروج الجيوش الفرنسية، وهذا ما يفرز مواقف سخيفة للغاية مثل التي نراها الآن في تونس من حرب على الحجاب والإسلام، مع أن الجنود الفرنسيين خرجوا من 53 سنة!     وأما الأمر الثاني الذي يميز الاحتلال الفرنسي فهو الضراوة الشرسة، والعنف المبالَغ فيه مع الذي لا يسير وفق المخطط الفرنسي؛ ولذلك ليس عجيبًا أن ترى عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من الشهداء في البلاد التي تحتلها فرنسا، بل تجاوز العدد رقم المليون في الجزائر الحبيبة، وهذا العنف منهج أصيل تورثه فرنسا إلى أتباعها في أيِّ بلد محتل، فتصبح هذه القبضة الحديدية هي وسيلة الإدارة للبلاد بعد تحررها من المحتلين الفرنسيين.    هذا هو الاحتلال الفرنسي.. علمانية تكره الإسلام وتمقته وتسعى إلى هدم ثوابته، وعنف ظاهر يكسر عظام كل من يقاومه.     دخل الاستعمار الفرنسي تونس سنة 1881م بهذه المبادئ، وواجهه الشعب التونسي الأصيل بمقاومة شرسة، وسقط الشهداء والشهداء، ولكن فرنسا بدأت في تدرج في ممارسة سياستها الماكرة باستقطاب رموز تونسية تتولى تحطيم الثوابت الإسلامية.. وكانت فرنسا تعلم أن إفساد المرأة التونسية المسلمة هو أحد أهم معاول الهدم في المجتمع؛ ففساد المرأة سيدمِّر الأسرة، وسينشر الإباحية بين الشباب، وسيلهي هؤلاء الشباب عن أدوارهم تجاه وطنهم وأمتهم ودينهم.   وبدا الفرنسيون وكأنهم يقرءون أحاديث رسول الله r المحذِّرة من فتنة النساء أكثر من قراءة المسلمين أنفسهم لهذه الأحاديث، فوضحت أمامهم الرؤية، بينما غابت الرؤية عن كثيرٍ من المسلمين.. روى الترمذي وحسنه عن عبد الله بن مسعود t أن رسول الله r قال: « المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ».   وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: « واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ».    فهذه هي أول فتنة، ثم تأتي الفتن بعد ذلك تباعًا.   وروى مسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: « صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدون ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ».   إن هذا العقاب الشديد لهذه النساء ليس مردُّه إلى وقوعهن في ذنب يخصهن فقط، بل إن هذا الذنب الذي ارتكبنه أدى إلى إفساد المجتمع الذي يعشن فيه؛ لذلك فالمرأة الكاشفة لشعرها وجسدها تحمل من السيئات بقدر من يراها من الناس، وهذا يثقل كاهلها، فتقع بأوزارها في النار، ولا تجد ريح الجنة. . روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري t أن رسول الله r قال: « كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا » يعني زانية. وفي رواية النسائي تصريح بأنها زانية، حيث قال رسول الله r: « أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية »؛ ذلك لأنها دفعتهم إلى النظر إليها، وأوقعتهم في زنا العين، وقد يدفع هذا بعد ذلك إلى الزنا الحقيقي.     إن الأمر جِدُّ خطير!     لقد كانت فرنسا تقرأ -بخبث شديد- هذه المعاني والتوجيهات فعلمت أن إفساد المجتمع المسلم يعتمد على إفساد المرأة، ومن ثَمَّ اجتهدت بكل طاقتها في إخراج المرأة التونسية المسلمة من حجابها وحشمتها وعفتها، واجتهدت في إيجاد جيل من المفكرين العلمانيين والسياسيين الفاسدين الذين يحملون هذا الملف الدنيء، ويدافعون عنه أكثر من الفرنسيين ذاتهم.   علمانيو تونس والحجاب كانت البداية في أوائل العشرينيات (بعد 40 سنة من الاحتلال الفرنسي) عندما دفع الفرنسيون أذنابهم من العلمانيين التونسيين لكي يناقشوا مسألة حجاب المرأة، وأعلن هؤلاء أن تغطية وجه المرأة فيه اضطهاد لها، كما أنه يعطِّل مسيرتها في خدمة المجتمع.. وثار علماء الزيتونة في وجه هؤلاء المخرِّبين، واحتدم جدال شرس بين الفريقين، واعتبر العلماء الأفاضل أن هذا هجوم على الإسلام ذاته، ومن ثَم تكاتفوا لكشف هذا المخطَّط الفرنسي الخبيث.   ثم حدث تطور نوعي في الحرب ضد الحجاب عندما عقدت جمعية « الترقي » الثقافية -وهي جمعية علمانية متفرنسة- ندوة بعنوان « مع أو ضد الحركة النسوية »، وذلك في 15 يناير سنة 1924م، وفوجئ الجميع بدخول « منوبية الورتاني » -وهي إحدى التونسيات المتفرنسات- القاعة، وصعود منبر الجمعية، وهي كاشفة وجهها، داعية المرأة التونسية إلى « التحرر » من الحجاب! إنه نفس السيناريو الذي قامت به قبل ذلك بسنوات قليلة في مصر هدى شعراوي وصفية زغلول.. {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53].   مظاهرات لنصرة الحجاب وقامت الدنيا ولم تقعد في تونس، واحتدم النقاش والصراع، وطرحت القضية بعنف في الصحف والمجلات، وناقشها الشارع التونسي، واستنكرها أغلب الشعب، لكنها كانت بداية.   مرت خمس سنوات كاملة دون أن تتجرأ امرأة تونسية أخرى على تكرار تجربة « منوبية الورتاني »، ولكن في يوم 8 يناير سنة 1929م عقدت نفس الجمعية (جمعية الترقي) ندوة بنفس العنوان (مع أو ضد الحركة النسوية)، وقامت « حبيبة المنشاري » بإلقاء محاضرة في هذه الندوة وهي كاشفة لوجهها، وتحدثت عن تعاسة الفتاة التونسية التي تغطِّي جسدها بالحجاب، بينما تعيش الفتاة الفرنسية في حرية وانطلاق.   طاهر الحداد والتحرر من الحجاب   وفي سنة 1930م حدث تطور نوعي آخر عندما قام منحرف علماني يُدعى « طاهر الحداد » بإصدار كتاب تحت عنوان « امرأتنا في الشريعة والمجتمع »، وفي هذا الكتاب تهجَّم بشدة على ثوابت الدين، ودعا المرأة إلى نبذ الحجاب والتحرُّر منه، ودعا إلى نزع حق الطلاق من يد الرجل وإعطائه إلى القضاء، ودعا إلى رفض تعدد الزوجات، ودعا أيضًا المرأة إلى الخروج إلى كل الساحات بما فيها الساحات الرياضية، ومنافسة المرأة الأوربية في الألعاب المختلفة، وهاجم الإسلام الذي يفرض قيودًا كثيرة على المرأة تعوق مسيرتها في المجتمع.     ومع كون تونس محتلة في ذلك الوقت من فرنسا إلا أن الكتاب أحدث ثورة مضادة قام بها العلماء والإعلام والشعب نفسه، فقد كانت ثوابت الدين واضحة إلى حد كبير في عيون المجتمع برغم الاحتلال..   لقد صدرت عدة كتب تهاجم هذا الكتاب المضلّ، كان منها « الحداد على امرأة الحداد » للشيخ محمد الصالح بن مراد، وكتاب « سيف الحق على من لا يرى الحق » للشيخ عمر البري المدني، وقامت عدة صحف مثل « الزهرة » و »النهضة » و »الوزير » بمهاجمة طاهر الحداد بشدة، ووصل الأمر إلى إصدار فتوى وقّع عليها العلاّمة الكبير « الطاهر بن عاشور » بتكفير الحداد، وضرورة مصادرة الكتاب.   وفتح هذا الكتاب الباب أمام العلمانيين الآخرين للكلام بجرأة في حق الحجاب، وهذا ما يدعو العلمانيين الآن إلى اعتبار طاهر الحداد « رائد نهضة المرأة التونسية »، ومع ذلك فمظاهر السفور لم تتفشَّ بشكل كبير في المجتمع التونسي الذي ظل محافظًا على ثوابته الإسلامية برغم التغريب المستمر، وتحررت تونس من فرنسا سنة 1956م.   بورقيبة والتشريعات المخالفة للإسلام لكنها -للأسف- لم تتحرر من العلمانيين المتفرنسين، الذين يحملون أسماءً إسلامية، ويتخذون شكلاً تونسيًّا، لكنهم يحملون قلوبًا تمتلئ بالضغينة على الإسلام أشدَّ من الفرنسيين أنفسهم!   لقد تولى حكم تونس « الحبيب بورقيبة »..   وما أدراك مَن الحبيب بورقيبة!!     لقد أصدر هذا الرجل بعد ثلاثة أشهر فقط من الاستقلال مجلة أسماها « مجلة الأحوال الشخصية »، وفي هذه المجلة بدأ يصدر التشريعات التي تعيد تشكيل المجتمع التونسي وفق الرؤية الفرنسية، بل وأفسد!!   وهكذا صدرت التشريعات المخالفة للإسلام منذ الأيام الأولى لحكم بورقيبة، فصدر قانون منع تعدُّد الزوجات، وحدثت القصة الهزلية التي داهمت فيها الشرطة بيت رجل أشيع عنه أنه تزوج بامرأة ثانية، فلما وجدوه مع زوجته الثانية قال لهم: إنها عشيقتي! فتركوه معتذرين؛ لأن اتخاذ عشيقة حرية شخصية، بينما اتخاذ زوجة ثانية جريمة يعاقب عليها القانون!!  وصدر قانون يبيح التبني، وصدر أيضًا قانون يمنع الزوج من العودة إلى مطلقته التي طلقها ثلاثًا بعد طلاقها من زوج غيره، وصدر قانون يمنع الزوج من طلاق زوجته إلا بإذن من القضاء. وسمح بورقيبة للمرأة بالإجهاض، بل سمح للزوجة أن تجهض نفسها دون استشارة زوجها، ورفع سن زواج الرجال إلى عشرين سنة، والبنات إلى 17 سنة، بل إن تونس صادقت على اتفاقية نيويورك المؤرخة في 10 ديسمبر سنة 1962م، والتي تقضي بأن من حق المرأة أن تتزوج من أي رجل دون اعتبار للدين، ومن ثَم يمكن للمرأة التونسية المسلمة أن تتزوج من غير مسلم!   لقد صدرت هذه القوانين تباعًا في مجلة الأحوال الشخصية، وحدثت اعتراضات كبيرة جدًّا في المجتمع التونسي، غير أن بورقيبة الذي تشرَّب المنهج الفرنسي كاملاً واجه هذه الاعتراضات بدموية شديدة، وبقسوة بالغة، ولم ينظر إلى أن الدستور التونسي يعتبر الإسلام دين الدولة، ولعب بمشاعر الشعب بشكل لم يره الشعب من المحتل الفرنسي! ووقعت المرأة التونسية -للأسف الشديد- في شراك فرنسا وبورقيبة، وخرجت من حجابها وحشمتها، وانزلق المجتمع التونسي في هاوية الإباحية، واتجهت الكثير من التونسيات إلى فرنسا بعقولهن وقلوبهن، ورأت البلاد شرًّا مطيرًا.   بورقيبة وحظر الحجاب في تونس   ولكن -يا إخواني وأخواتي- الإسلام قد يضعف، ولكنه أبدًا لا يموت.. لقد ظهرت في السبعينيات الصحوة الإسلامية في تونس كما ظهرت في بلاد إسلامية عديدة، وبدأ المخلصون والمخلصات من أبناء تونس يعملون لإعادة المجتمع التونسي إلى الله U، فهل سكت بورقيبة على هذه الأوضاع الجديدة؟!   لقد تحرك بورقيبة -في تهور عجيب- تحركًا مشينًا، وقام في سنة 1981م عندما رأى ظاهرة انتشار الحجاب – بإصدار قانون عُرف بالقانون رقم (108) يحظر فيه ارتداء الحجاب على المرأة التونسية!!     لقد أصبح الحجاب مجرَّمًا في تونس بحكم القانون!!   والسبب الذي أعلنه بورقيبة لهذا التهور هو أن الحجاب زي طائفي، يؤدي إلى انقسام المجتمع، مع أن نسبة المسلمين في تونس أكثر من 98%، ونسبة النصارى 1%، ونسبة اليهود أقل من 1%!     إنها الجريمة المنكرة، والبلية العظمى!    ونشطت الشرطة في مطاردة المحجبات في الشوارع، ومنعت المحجبات من الأعمال الحكومية، وتعرض الأزواج والآباء للمساءلة في حالة وجود محجبة في بيوتهم، بل إن المحجبة كانت لا تستطيع أن تلد في مستشفيات الحكومة!!   لقد كانت حربًا سافرة على العفة والمرأة المسلمة، بل إن الحرب في الحقيقة كانت على الإسلام ذاته؛ فبورقيبة لم يكن يضرب الإسلام في هذا الباب فقط، بل كان يهزُّ كل ثوابت الدين، حتى إنه كان يدعو شعبه إلى الإفطار في رمضان؛ لأن الصيام -على حد تعبيره- يقلل الإنتاج!   وفي خطوة تأكيدية لهذا القانون الإجرامي صدر قانون آخر يُعرف بقانون (102) في سنة 1986م يؤكد على خطر الحجاب على نساء تونس!!   ونتيجة لهذا الاضطهاد غير المسبوق، والذي لم نره من التتار أو الصليبيين أو الفرنسيين، قَلَّ الحجاب جدًّا في تونس لدرجة تقترب من الانعدام، وتراجعت الصحوة الإسلامية خطوات كبيرة، وامتلأت السجون بالمعتقلين الإسلاميين الذين وقفوا في مواجهة هذا الإفساد. وفي عام 1987م -وبعد 31 سنة من حكم بورقيبة- قام وزير الداخلية « زين العابدين بن علي » بانقلاب على الرئيس بورقيبة ليتولى زمام الحكم في البلاد، من وقتها وإلى زماننا هذا!    تُرى ماذا فعل زين العابدين في فترة رئاسته؟ وهل التزم بقوانين بورقيبة أم خالفها؟ وما هو مصير معركة الحجاب في تونس؟ وما هي الآثار المتوقعة لهذه الحرب الضروس على ثوابت الدين؟ وأخيرًا ما هو دورنا تجاه هذه الهجمة الشرسة على الحجاب والإسلام؟   هذه الأسئلة مهمَّة تحتاج إلى مقال خاص، وستكون بإذن الله موضوع مقالنا القادم.     وأسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين.    (المصدر: موقع ( قصة الاسلام) بتاريخ 26 سبتمبر 2009 )  

بيان نقابي     بنزرت في 27 – 9 – 2009  

عندما تتواطأ النقابة الجهوية للتعليم الأساسي ببنزرت مع الإدارة الجهوية للتعليم ببنزرت تصبح حركة النقل الإنسانية حركة نقل انتقامية فقد طالعتنا الغدارة الجهوية للتعليم ببنزرت في مفتتح هذه السنة الدراسية 2009  2010  بنمط جديد متجدد للحركة الإنسانية لنقل المعلمين يتمكن من خلالها كل معلم ليس له من الأقدمية العامة في التعليم أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات من التمتع بنقلة إلى أحد المدارس بمدينة بنزرت أو على محيط لا يبعد عن مركزها أكثر من 4 أو 5 كلم على أقصى تقدير بينما يظل المعلم الذي أفنى أكثر من عقدين مناضلا شامخا يدرس أبناء الشعب على قمم الجبال وفي أدغال الأرياف متكبدا مصاريف جمة في التنقل للوصول إلى مركز عمله حالما سنين طويلة بنقلة ربما ينعم بها عليه القدر أما المسؤول الإداري إو النقابي وكل على حد السواء ينأى بذهنه عن ذلك لينغمس في مستنقع المحسوبية والارتزاق والتمعش والسمسرة لعله يستطيع من خلالها الاقتراب من عائلته والتخفيف من ثقل مصاريف التنقل وتحسين وضعه المادي وسوف نمد كل من يرغب في الإطلاع على جملة التجاوزات التي أسميها غير عابئ باللأخلاقية وبالأسماء والمراكز وكل الحيثات التي لا يستطيع السيد الجيلاني العايدي ولا السيد عبد الكريم الخالقي الذي يمثل الغطاء النقابي الذي من خلاله تقوم الإدارة الجهوية للتعليم ببنزرت بكل هذه التجاوزات التي لا شك أنه من ورائها سيجني مرتكبوها النفع المادي والمعنوي حتى أننا أصبحنا نسمع عن أثمان للنقل قد تل إلى 1000 دينار للنقلة الواحدة — وكل قدير وقدروا  — 1 ــ السيد طه البوكاري معلم مترسم الأقدمية العامة 3 سنوات ينتقل للعمل بتاغرمان تبعد 4 كلم عن بنزرت 2 ــ السيدة ايمان الماجري معلمة مترسمة الأقدمية العامة  الأقدمة العامة 3 سنوات بدون عدد قاعدي   تنتقل للعمل من تسكراية  إلى بني مسلم  تبعد 5 كلم عن بنزرت 3 ــ السيدة سناء بوصبيح  معلمة مترسمة الأقدمية العامة 6 سنوات تنقتل للعمل بمنزل عبد الرحمان تبعد 4 كلم عن بنزرت 4- السيد محمد المثلوثي معلم تطبيق الأقدمية العامة تساوي 20 سنة لا يتحصل على أي مركز. 5 ــ السيدة  سامية الماجري  معلمة مترسمة الأقدمية العامة  4 سنوات    تنتقل للعمل بتاغرمان  تبعد 4 كلم عن بنزرت وفي المقابل نجد المغضوب عليهم والغير المصنفين ضمن قامة المعلمين الذين من حقهم أن يتمتعوا بما يضمنه لهم القانون وما جرت عليه الأعراف نسوق لكم نماذج منهم على سبيل الذكر لا الحصر 1ــ السيدة ثريا الخرباش معلمة تطبيق 20 سنة أقدمية تعمل بمدرسة فروة لا تتحصل 2 ــ السيدة بسمة الفوغالي 20 سنة أقدمية أجرة عمليتين جراحيتين على مستوى الظهر تعمل في فروة لا تتحصل 3 ــ السيدة حبيبة الطبربي معلمة تطبيق 20 سنة أقدمية لا تتحصل 4ــ السيد صالح الهمامي معلم تطبيق أكثر من 20 سنة أقدمية يتحصل على مدرسة بني عمر حوالي 20 كلم عن بنزرت والحال أنه يرغب في الحصول على مدرسة تاغرمان التي تسند للسيد طه البوكاري 3 سنوات أقدمية الذي من أجله تغالط النقابة الجهوية وعلى رأسها عبد الكريم الخالقي الإدارة الجهوية خلال الجلسة الأولى بين النقابة والإدارة بذكرها ان السيد طه البوكاري هو الوحيد الذي طلب الحصول على مدرسة تاغرمان والإدارة تعلم الحقيقة وتغض الطرف رغم علمها الأكيد أن هذه المدرسة يتنافس من أجلها العديد من المعلمين من ولاية بنزرت فهل يعقل أن يطلب الحصول عليها معلم واحد! ! ! ! قادم من مدينة القصرين 5  ــ السيد محجوب الصالحي معلم تطبيق أكثر من 20 سنة أقدمية لا يتحل  
نقابي من بنزرت                             الحلقة الأولىالمرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicals  

طلبة تونس WWW.TUNISIE-TALABA.NET أخبار الجامعة
العدد الأول – السنة الرابعة – الجمعة 25 سبتمبر 2009

السنة الجامعية الجديدة 2009 – 2010 : انتظارات الطلبة لا ترتقي إلى مستوى آمالهم …  
ماذا ينتظر الطالب الجديد و القديم في مفتتح السنة الجامعية الجديدة في ظل حالة الإحباط العامة بسبب الإكتظاظ و ارتفاع تكاليف الحياة الجامعية من سكن و تغذية و نقل و مصاريف مستلزمات الدراسة و انسداد الآفاق بالنسبة للآلاف منهم فيما يتعلق بمواصلة الدراسة في مرحلة الماجستير و الدكتوراه و … و الأهم من كل ذلك مرحلة ما بعد التخرج حيث يتهدد شبح البطالة الجميع في ظل وجود ما لا يقل عن 300 ألف عاطل عن العمل من أصحاب الشهادات العليا يقال أن الآلاف منهم يشتغلون و لكن الحقيقة الساطعة المرّة أنهم في وضعية بطالة مقنّعة حيث لا يشتغل أغلبهم في الإختصاصات التي تكوّنوا من أجلها كما أنهم لا يتلقون أجورا مجزية حيث لا يتجاوز مرتّب أغلبهم دخل عامل يومي ( 300 دينارا )    سنة جامعية جديدة و محاكمات جديدة : محاكمة خمسة طلبة …..
مثل يوم الإربعاء 23 سبتمبر 2009 أمام هيئة المحكمة الإبتدائية بالمهدية خمسة مسؤولين نقابيين في الإتحاد العام لطلبة تونس بتهم  » الإعتداء على ملك الغير و الإعتداء على ودموظف دولة  » و الطلبة المحلون على المحكمة هم : محمد السوداني و أيمن الجعبيري و رمزي السليماني و حسن السمايري و جواهر شنّة   الدورة الجديدة لمناظرة  » الكاباس  » : أكثر من مائة ألف مترشح ….  
يتقدم يوم الجمعة 2 و السبت 3 و الأحد 4 أكتوبر 2009 قرابة مائة ألف مترشح إلى مناظرة  » الكاباس  » التي تمثل طوق النجاة من واقع البطالة المرير الذي يطحن أصحاب الشهادات العليا و حسب ما هو مقرر و مخطط له سيتم قبول أقل من 2000 مترشح فقط أي بنسبة نجاح لا تتجاوز 2 في المائة   في اليوم الأول من العودة المدرسية : تسجيل 15 إصابة بإنفلونزا الخنازير ….
حصل ما كان يخشاه الجميع و ما كان متوقعا حيث تم إحصاء 15 حالة لإنفلونزا الخنازير في صفوف التلاميذ في اليوم الأول لانطلاق السنة الدراسية يوم الثلاثاء 22 سبتمبر 2009 و قد تكتمت الوزارة على الموضوع ربما حتى لا ينتشر الهلع في أوساط التلاميذ و الإطار التربوي و الإداري و واصلت في نفس الوقت الحملة الإعلامية و التوعوية لتفادي مخاطر انتشار الوباء بشكل كبير خاصة و أن الفترة الصعبة و الحرجة لتفشي الوباء عالميا قد قرب موعدها من ناحية أخرى أعلن معهد  » بيار منداس فرانس  » بتونس يوم الإربعاء الفارط عن تسجيل 10 حالات لإنفلونزا الخنازير   و في اليوم الثاني من العودة المدرسية : إضراب الإطار التربوي في معهدين ….  
احتجاجا على ظروف العمل السيئة ( عدم جاهزية قاعات الدراسة – انقطاع الماء و التيار الكهربائي – عدم توفر دفتر المناداة – …. ) أقدم أساتذة معهدي ابن أبي الضياف و علي الدوعاجي بالمرسى يوم الإربعاء 23 سبتمبر 2009 على الإضراب معبرين عن استعدادهم على مواصلة النضال حتى تتوفر ظروف عمل تحفظ كرامة الإطار التربوي و تسمح بالقيام بالواجب على أحسن وجه   فاجعة في الوسط الطلابي : طالبة تهلك في الفياضانلت الأخيرة بالرديف ….
غادرت طالبة جامعية صحبة والدها المنزل العائلي يوم الثلاثاء 22 سبتمبر 2009  باتجاه محطة الحافلات قصد الإلتحاق بالمؤسسة الجامعية التي تدرس بها و كان ذلك خلال هبوب العاصفة الهوجاء و ارتفاع منسوب مياه الأودية إلى أكثر من متر و اقتحام سيول مياهها للمنازل  … و لدى محاولتها اجتياز الوادي جرفتها المياه بسرعة مذهلة جعلت والدها عاجزا عن نجدتها حيث بقي متسمرا في مكانه مذهولا من هول الفاجعة وهو يشاهد بأم عينيه ابنته تهلك أمامه و قد جرفها التيار   و أخرى تهلك في حادث مرور ….  
و في صباح نفس يوم الثلاثاء 22 سبتمبر جد حادث مرور أليم بالطريق الرابطة بين سيدي بوزيد و القصرين قرب منطقة وادي  » معيو  » التابعة لمعتمدية سبيطلة حيث اصطدمت شاحنة من نوع  » ايسيزي  »  كانت تمتطيها طالبة جامعية صحبة والدتها بسيارة أجرة قادمة في الإتجاه المعاكس و قد توفيت الطالبة على عين المكان في حين أصيبت والدتها بجروح متفاوتة الخطورة نقلت على إثرها إلى المستشفى الجهوي بالقصرين و كانت الوالدة و ابنتها التي تدعى كوثر أولاد أحمد – أصيلة مدينة سيدي بوزيد و تقطن بحي النور الغربي – متجهتين إلى مدينة القصرين قصد زيارة أحد أفراد العائلة….و نرجو من زملاء الطالبتين أن يقوموا بزيارة مواساة لعائلاتي الفقيدتين لمواساتهم في هذا المصاب الجلل رحم اللّه الفقيدتين رحمة واسعة و رزق أهلهما جميل الصبر و السلوان و إنا للّه و إنا إليه راجعون                     و في الختام :                  بقدر الكدّ تكتسب المعالي         ومن طلب العلا سهر الليالـــي                تروم العـزّ ثم تنام ليــــلا         يغوص البحر من طلب اللآلي مراسلة موقع طلبة تونس  

أخبار الرديف بعد الفيضانات التي اجتاحت المدينة

الرديف 27 سبتمبر 2009  أهالي الرديف مرة أخرى على أبواب كارثة أخرى ، تتمثل أساسا في الأوبئة التي ستنتشر انتشار النار في الهشيم، خاصة بعد تعفن جثث الضحايا التي تنتشل بعد، وجثث الحيوانات (ماشية، أحمرة، دواجن…) التي تملأ المدينة، ويتبيّن القاصي والداني ذلك من خلال الروائح العطنة المنتشرة في فضاءات المدينة. وعليه فإن الآهالي يناشدون العالم لمؤازرتهم في التصدي لما قد لا يحمد عقباه في الأيام القادمة بعد أن عجزت سلطة الإشراف على ذلك..  منطقة السقدود التي تبعد حوالي 15 كلم عن مدينة الرديف فقدت كل محاصيلها الشتوية وطمرت السيول الجارفة آبارها، وأتلفت الآليات الفلاحية، وهي لازالت محاصرة حدّ هذه اللحظة…  لازالت شوارع المدينة وأحياءها تملؤها الأوحال ولليوم الخامس…  بعض الوفود النقابية وبعض الوجوه الحقوقية بدأت تتوافد على المدينة لمؤازرة أهاليها محملة ببعض المساعدات…  من بين الأسباب التي تبيّنت للعيان أخيرا والتي ساهمت في حجم هذه الكارثة هي السدود أو البرك الكبيرة التي خلقتها آليات شركة فسفاط قفصة في الجبال المحيطة بالمدينة لشق طرقات لها لنقل الفسفاط، والتي امتلأت بسيول الأمطار إلى الحد الذي تهدمت فيه جوانبها وتدفقت منها السيول وبسرعة مدمّرة جارفة معها الحجر والبشر في المدينة، وعليه فإن شركة فسفاط قفصة تتحمل كل مسؤوليتها في ذلك. الرديف 26 سبتمبر2009  لازالت المدينة ولليوم الرابع تعاني من شحة المياه ، ومن عدم قدرة السلط على إصلاح العطب الذي أصاب الشبكة المائية بالمدينة جراء الإعصار… الرديف 25 سبتمبر2009  الأهالي في مدينة الرديف يملؤون الشوارع بحثا عن المياه الصالحة للشراب، ولا من مغيث لهم ، لولا نقابيو أم العرائس وأهاليها الذين كانوا في مستوى ما هو مطروح عليهم… فتحية شكر وتقدير…  الشباب ينتفض محتجا على 3 من أعوان البوليس الذين كشف عنهم متلبسين أحد المواطنين وهم يضاجعون امرأة. حيث تجمهر الشباب قرب مكان الواقعة وبأعداد تفوق 500 نفر مطالبين محاكمتهم خاصة في ظروف محنة المدينة. مدير الأمن الذي كان على عين المكان طمأنهم قائلا أن القانون سيتخذ مجراه تجاه هؤلاء. أحد الشباب يردّ عليه قائلا: « القانون لا يطبق إلا على عدنان الحاجي ».  الأهالي لازالوا ينتظرون آليات البلدية والمعتمدية لمساعدتهم على إزالة الأوحال من منازلهم ومن شوارع الأحياء…  أعداد مهولة من البوليس لازالت تتقاطر على مدينة الرديف في حافلات نقل منم أغلب ولايات الجمهورية وهي الآن متمركزة أساسا أمام البريد في المدينة.  الإعلام التونسي كعادته غائبا كليا وبأمر من أسياده في الداخلية عن ما يحدث في المدينة وما خل بها من خراب. ما عدا الإعلام الرسمي الذي يطبّل ويزمّر لرئيس الدولة على وقع خراب وضخايا المدينة… الرديف في 24 سبتمبر 2009  صباحا: وأثناء توزيع المساعدات التي وصلت متأخرة، والتي تمثلت في الماء، مواد غذائية، أغطية وأفرشة، على المتضررين، شهدت عملية التوزيع « فوضى عارمة » حيث أنها لم تتم وفق التنظيم الذي يجب أن تكون عليه. وفي محادثاتنا مع البعض من سلط الإشراف حول هذه الوضعيات، قالوا لنا أنهم لم يستطيعوا أن يحصروا عدد المتضررين وأماكن سكناهم. فقلت في داخلي: أين هي شعبكم التجمعية وعمدكم الذين كانوا يعلمون عنا كل صغيرة وكبيرة، لا بل يعلمون حتى ألوان ومقاسات ألبستنا الداخلية…؟؟؟  فرقة الأنياب تصل ظهر هذا اليوم بكلابهم للبحث عن المفقودين الذين جرفتهم السيول بعد أن نفذ صبر المواطنين في البحث والتفتيش.  لم تسكت مآذن المساجد في كل الأحياء في مدينة الرديف منذ ظهر يوم أمس الأربعاء 23/09/2009 حتى اليوم عن إعلام المواطنين بتوقيت ومقابر دفن الضحايا… والعويل لازال يملأ أحياء وسماء المدينة…  شباب مدينة الرديف الأبطال أبلوا البلاء الحسن كعاداتهم في عملية الإنقاذ ومساعدة المتضررين ابتداء من الساعة السادسة صباحا من يوم الأربعاء 23 سبتمبر 2009 حتى هذه اللحظة، في حين لم تتدخل أو بالأحرى لم تصل فرق النجدة الرسمية إلا بعد الظهر وبشكل محتشم لا يرقى إلى مستوى ما هو مطروح. وللعلم فإن الضحايا الـ19 تم انتشالهم من قبل الشبان الأبطال. فشكرا لهم، ولهم كل التحايا.  فيالق البوليس المتعددة والمتنوعة كانت على أهبة الإستعداد منذ صبيحة يوم الأربعاء، خاصة بعد احتجاج المتضررين أمام المعتمدية على تباطؤ سلط الإشراف في عملية الإنقاذ.  المدرسة الإعدادية حي النجاح والمباني المجاورة لها التي يناهز عددهم 30 منزل بما فيهم منزل المناضل عدنان الحاجي، أحد قادة انتفاضة الحوض المنجمي بالرديف، هدّت السيول الجارفة أسوارها وأجزاء مهمة من الغرف وكافة محتوياتها.  الإذاعة والتلفزة التونسية وبحضور الوزراء الثلاثة الذين وصلوا إلى مدينة الرديف عصر يوم أمس الأربعاء 23 سبتمبر 2009 قامت بتصوير ما حل بالمدينة سواء كان ذلك بالكاميرا المحمولة جوا أو التحتية ولمدة ساعة كاملة، لكن ما نشر على شاشتها ليلة أمس لا يتعدى 30 ثانية.  مساء اليوم الخميس 24 سبتمبر 2009 الساعة 4.30 مساء وصول الوزير الذي أوفده رئيس الجمهورية للمرّة الثانية لتقييم الأضرار، إلى قاعة الأفراح السابقة مقابل منزل معتمد المدينة، والذي أشرف على عملية توزيع بعض المساعدات، حيث تجمّع العديد من الشبيبة التي تراوحت أعمارهم بين 08 سنوات و17 سنة، وفي مناوشات بينهم وبين فرق التدخل العديدة العدد والعدة، رفعت الشبيبة شعار  » بالروح بالدم نفديك يا عدنان » و »شادين .شادين لإطلاق المساجين »…  في تبديت القرية التي تبعد 14 كلم عن مدينة الرديف. وهي موطن شهيد انتفاضة الرديف المجيدة هشام بنجدو وبالتحديد في « السواني »، ووادي حاشي وبيت بنجدو جرفت السيول العارمة ليلة الثلاثاء 22 سبتمبر 2009 كل المحاصيل الشتوية لهذه المناطق الشبه مفقرة.  حافلات التدخل والبوليس المدجج بالأسلحة تتقاطر على مدينة الرديف بأعداد غفيرة ومن كل الولايات « المحافظات » (باجة، الكاف، القيروان، نابل، قابس، قفصة) إلى حد كتابة هذه الأسطر. ولا يزال البحث جاري عن المفقودين… الذين هم طبعا في عداد الأموات… الرديف يوم 23 سبتمبر 2009  تعرضت مدينة الرديف من محافظة قفصة والتي تعدّ 27.000 نسمة ليلة الثلاثاء 22 سبتمبر 2009 إلى أمطار غزيرة وصلت إلى ما يفوق 164 مم مشفوعة برياح عاتية، حيث عمّت السيول الجارفة كل المدينة، وخلّف هذا الإعصار 22 ضحية وفقدان العشرات وعدد من الجرحى والمصابين بكسور يفوق 15 مصاب، وخسائر مادية شملت المنازل وأغراضها والمحلات التجارية والجسور…  ومن أسماء الضحايا التي استطعنا الحصول عليها: 1- وسيلة بنت الحاج العربي مغزاوي. 2- سليم بنبلقاسم خليفي. 3- عبد المجيد بنصر بنبلقاسم خليفي. 4- وزوجته صحراء بنت الطيب. 5- وابنه علي بن عبد المجيد. 6- فاطمة فجراوي زوجة عبد الله بريشني الطبابي. 7- وابنتها. 8- عدي بن عثمان بن عبد الرحمان بالأسود، ابن السيد عمار بنعثمان شقيق المناضل الطيب بنعثمان أحد قادة انتفاضة الحوض المنجمي السجين حاليا. 9- الربعي الطبابي. 10- رضا بن الطيب طبابي. 11- مبارك بنمبارك العميدي. 12- وزوجته. 13- علجية الطبابي زوجة صالح بن بوساحة الطبابي. 14- وابنتها سنية زوجة حسن بن محمد بن أحمد المرزوقي. 15- وابنتها الصغرى الجاري البحث عنها حد كتابة هذه الأسطر. 16- حفصية بن أحمد ماجدي زوجة الأخضر بن الساسي. 17- الطيب بالعياشي الزنايدي. 18- وابنته العطرة بنت الطيب بالعياشي الزنايدي. 19- رقية بنت ابراهيم الخليفي.  في مطالعتنا الميدانية شملت كل الأحياء في مدينة الرديف تبيّن لنا أن عدد المنازل التي جرفتها السيول أو حطمت جزء منها أو هي الآن على وشك السقوط ناهز 2000 مسكن، علما وأن المدينة تعد 5000 عائلة وفقا للإحصائيات الأخيرة. وأن عدد المواشي والدواب يفوق 750 رأس… أمّا الدواجن فحدث ولا حرج… وبلغ عدد السيارات التي جرفتها السيول 45 سيارة… أما المحلات التجارية فأكاد أجزم أنها تقريبا كلها المتواجدة في سوق المدينة (السوق المركزية، المحلات المجانبة لشارع الحبيب بورقيبة، والمحاذية لوادي حومة السوق إلى حدود محطة القوافل..) وفي الأحياء (حومة السوق، نزلة السوافة، حي المغرب، حومة الطرابلسية، الحي الأوروبي..).  السكك الحديدية الرابطة بين مدينة الرديف والمتلوي مقطوعة منذ ليلة الثلاثاء.  سور المستشفى المحلي بالرديف الشرقي هدمته هو أيضا الأمطار. علما وأن هذا المستشفى لم يكن في وسعه أن يستوعب عدد الضحايا والمصابين جراء السيول الجارفة. كيف له ذلك وهو يفتقر إلى أبسط مقومات المستشفيات في تونس « بن علي ». فثلاجات الموتى عددهم 02 الشيء الذي جعل ممرّضي المستشفى يكدّسون الضحايا في باحة القسم ملزمين أهالي الضحايا بالإسراع في عملية الدفن.. مراسلة من الرديف  
(المصدر: « البديـل عاجل » (قائمة مراسلة  موقع حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 27 سبتمبر 2009)


فيضانات مُباغتة تُحوّل « الرديّف » التونسية إلى منطقة منكوبة

 


من تونس إسماعيل دبارة– إذاعة هولندا العالميّة/   بدأ سكـّان مدينة « الردّيف » التابعة لمحافظة قفصة التونسية (350 كلم جنوب العاصمة تونس) في إحصاء قتلاهم وجرحاهم ومفقوديهم وخسائرهم الماديّة بعد مرور يومين من الفيضانات التي اجتاحت مدينتهم الصغيرة والمناطق المحيطة بها. وشهدت عدة مدن تونسيّة في ثالث أيام عيد الفطر (ليل الثلاثاء- الأربعاء ) فيضانات وسيول جارفة بسبب تهاطل للأمطار باغت الجميع، إلا أنّ مدينة « الرديّف » التابعة لمحافظة قفصة كانت الأكثر تضرّرا في حين تضاربت الأنباء حول العدد الحقيقيّ للقتلى والجرحى والمفقودين.   خسائر بشريّة   تشير المصادر الحكوميّة إلى ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في تونس إلى 21 قتيلا وهي إحصائية غير نهائيّة. و قتل 17 شخصا في مدينة الرديّف وفُقد آخرون، في حين سقط 4 أشخاص في مدينة « الرقاب » من محافظة « سيدي بوزيد » بالوسط. وأجمع عدد من شهود العيان والمتابعين ممن تحدّث معهم القسم العربي لإذاعة هولندا العالميّة على أنه « لا يمكن في الوقت الحالي ضبط عدد نهائيّ للضحايا ». و ذكر سكان من « الرديّف » لوسائل إعلام محليّة إن العدد يتجاوز بكثير ما ذكرته المصادر الطبيّة الحكوميّة. وفي اتصال هاتفيّ من محافظة « قفصة  » الجنوبيّة مع القسم العربي، ذكر الناشط الحقوقي بفرع تونس لمنظمة العفو الدولية محمد الخميلي أنّ « الأرقام المقدمة إلى حد الآن حول الأعداد الحقيقية للقتلى تختلف من مصدر إلى آخر »، ويتابع: « الموضوعية تقتضي ألا نحكم بصفة نهائية على تلك الأرقام سواء كانت من السلطة أو من جهات معارضة أو حقوقية، وبقطع النظر عن عدد الضحايا تبقى الكارثة حاليا نوعية وغير متوقعة بالمرّة ». الهادي ردّاوي مراسل إذاعة « كلمة » التونسية الذي كان متواجدا بمدينة « الرديف » المنكوبة في اليوم الذي تلا الفيضانات ذكر للقسم العربي أنّ « شهود العيان أكدوا أنّ عدد القتلى يتجاوز 25 قتيلا في « الرديف » وحدها في حين تجاوز عدد المفقودين الخمسين شخصا ».   الرديّف.. مدينة منكوبة     منازل متهاوية، جدران تشققت، متاجر ومُنشآت عمومية فقدت سلعها وأثاثها بسبب المياه والسيول، وديان ومجاري لفظت جوفها، خراب هنا وهناك، ماء و كهرباء وخطوط هاتفيّة مقطوعة عن الأهالي بسبب 3 ساعات متواصلة من الأمطار التي بلغت كمياتها 100 ملم في الساعة، ورياح عاتية تجاوزت سرعتها الـ 150 كلم في الساعة.   هذه بعض من الصور التي بثها التلفزيون الرسميّ من مدينة الرديّف، ولازالت فرق الإنقاذ تحاول انتشال المفقودين ومساعدة العالقين في الأوحال الطينية والمحاصرين بين المياه في بعض المناطق البعيدة، خصوصا وأن الفيضانات تسببت في قطع معظم الطرق التي تربط « الرديف » بالعالم الخارجيّ. ولم تعرف هذه المدينة المعروفة بمناخها الصحراويّ الجاف مثل هذه الأمطار الطوفانيّة منذ أكثر من 20 عاما.     جُهود للإغاثة   منذ صباح الأربعاء تدخلت مختلف المصالح واللجان لتنظيم عمليات النجدة والإغاثة لفائدة المواطنين المنكوبين الذين اجتاحت المياه مساكنهم وحولتهم إلى مُشردين. واجتمعت « اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث الطبيعية » بمحافظة قفصة وذكرت في بلاغ لها إنها » جندت مختلف الإمكانيات البشرية والآليات والمعدات اللازمة للتدخل على عين المكان ».   الرئيس زين العابدين بن علي يتابع بنفسه تداعيات الأحوال الجوية السّيئة التي ضربت البلاد حسب ما ذكرت وكالة الإنباء الرسميّة، و أمر بن علي بـ « إرسال 3 طائرات مساعدة للمنكوبين بالرديف على نحو عاجل مُحمّلة بالأغطية والمواد الأساسية ». كما أرسلت الحكومة وفدا من 3 وزراء و شخصيات كبار في الدولة، لمعاينة الأضرار ومواساة العائلات المنكوبة وتقديم المساعدات الأولية للمتضررين.     مدينة أزمات   عادة ما يقترن ذكرُ مدينة « الرديف » في تونس بالأزمات والنكبات. وأعادت الأمطار الطوفانيّة الأخيرة إلى الأذهان ذكريات احتجاجات الرديف ومنطقة المناجم على البطالة وسوء توزيع الثروة والتي أدت إلى مجابهة دموية مع قوات الجيش والشرطة أدت إلى مقتل ثلاثة من سكان المنطقة وجرح واعتقال المئات ومن ثم محاكمة رموز الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في العام 2008.   ودعت النقابة العمالية الأكبر في تونس (الاتحاد العام التونسي للشغل) مختلف هياكلها إلى « التجنّد لمساعدة أهالي المناطق المنكوبة وتوفير كل الدعم والحماية للجهات المتضررة ». أما الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض فدعا من جهته السلطات إلى « الإفراج فورا عن قادة الحركة الاحتجاجية في محافظة قفصة اثر هذه الفيضانات ». الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة حقوقية قانونية) اعتبرت « هذه المناسبة الأليمة، فرصة ومقدمة لتضميد جراح أهالي المنطقة » كما أكدت « الرابطة » في بيان وقّعه رئيسها المختار الطريفي، على ضرورة « تنظيم حملة وطنية لمساعدة أهالي الرديف بصفة خاصة وتعويض الخسائر التي تكبدوها وإعادة إعمار ما هدمته الفيضانات في أسرع الآجال ».   اتهامات للحكومة    عدد من التونسيين عبّر عن حيرته واستغرابه من « عدم تكهّن مصالح الرّصد الجوي بهذه العاصفة، لاتخاذ إجراءات الإعلام اللازمة »، خصوصا و أنّ البلاغات اللاحقة للمرصد الحكوميّ والتي أنذرت بتواصل التقلبات الطبيعية لغاية يوم الخميس وادّعت أنها ستكون بنفس الخطورة، لم تتحقق وخلفت ذعرا هائلا بين المواطنين. يقول الصحفي الهادي الردّاوي أنّ ما قامت به السلط الجهوية والمحلية « غير كاف و لم يكن آنيا »، ويتابع: »قوات الأمن لم تكن تتواصل مباشرة مع المواطن وتعاملت معهم باحتراز نظرا للعلاقة المتوترة أصلا، فالوضعية التي تعيشها منطقة المناجم بعد الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة، جعلت الأمن يتعامل باحتراز شديد مع المواطنين الذين لا يثقون في طريقة تعامل القوات النظامية معهم ».   أما الحقوقيّ محمد الخميلي فيرى أنّ « ما يُعيبه على حركة الإغاثة هو بُطؤها، لكنّ من قُتل قتل ومن فُقد فُقد الآن، والتقييمات الحزبية والسياسية لا تجدي نفعا في هذه اللحظات على حدّ تعبيره. ويختم: « أعتقد أنّ الأهم هو كيف نساند ماديا ومعنويا من بقوا على قيد الحياة ».  
(المصدر: موقع إذاعة هولندا العالمية  بتاريخ 25 سبتمبر 2009)  

هل يعلو حكم القضاء قرار سيادة الرّئيس في شأن قضية الدكتور أحمد العش ؟

بعد غياب قسري ناهز العشرين سنة في ديار الغربة ,وقع إلقاء القبض على الدكتور أحمد العش في 30 جويلية 2009 عند حلوله بمطار تونس قرطاج قادما من باريس عن طواعيّة وبكلّ مسؤوليّة رغم التطمينات الصّادرة له عن دوائر  ديبلوماسيّة لا غير إلاّ أنّ صدمة المفاجئة حوّلته من طبيب ذو إشعاع في المنابر العلميّة الدّوليّة إلى سجين محكوما عليه بثمانية سنوات في تونس وستّة سنوات في صفاقس من أجل تهم لا تستند إلى الواقعيّة والموضوعية. كان ينتظر السّماح له بالقيام بإجراءات الإعتراضات القانونيّة  للدفاع عن نفسه وهو في حالة سراح في خصوص أحكام جنائية قضائية صادرة ضدّه غيابيا. لكنّه إكتشف في مدّة سبع أسابيع من الإيقاف والإنتظار عالما غريبا لم يكن يعرفه سابقا. كانت له فرصة لتقييم الذّات والإختلاء بنفسه في محيط غريب عنه وعن تربيته وأخلاقه وتكوينه. سلّم أمره لله وملأ  قلبه إيمانا بمشيئة الله وقدره إلى أن جعل الله له مسلكا لم يكن ينتظره بعد أن  قرّر العودة إلى وطنه وأرض أجداده ومنبته دون أن يلتجئ إلى وسائل تحرج سلطة بلاده للحصول على جواز سفر تونسي يمكّنه من زيارة أهله وأحبابه بعد غياب طويل . ما إن علم سيادة الرّئيس زين العابدين بن علي بوضع الدكتور أحمد العش والظروف التي حفّت بإيقافه حتّى أذن سيادته بالإفراج عنه فورا رغم أنّ المألوف لديه التّدخّل بعفوه السّامي بعد صدور حكما نهائيّا في عديد الحالات السّابقة. لقد إجتهدت بعض الأطراف من أجهزة السّلطة لكبح نسق عودة اللاّجئين السّياسيين في هذه الصّائفة ونجحت في سعيها و ذلك حتّى يكونوا وقودا لحملات إحتجاجيّة لاحقة  تعكّر صفو الحملة الإنتخابيّة الرّئاسيّة القادمة عبر الأبواق الإعلاميّة المترصّدة ببلادنا وبأهلنا بين الدّاخل والخارج تحت مظلّة الدّفاع عن حقوق الإنسان وعباءة المعارضة الغوغائيّة. وإذ أشكر في هذا الصّدد السّيدة عفيفة مخلوف زوجه الدّكتور أحمد العش وعائلته وأصدقائه وزملائه والعديد ممن عبّروا عن تضامنهم معه لتجاوز الإشكال المطروح بأسلوب متحضّر فإنّني لم أكن أستغرب شخصيّا مواقف وتصريحات عديد الغوغائيين والمتحايلين والمتحيّلين والسّماسرة المتذيّلين لأوكار لم تعد تخفى على القاصي والدّاني. لم ينجح تجّار المآسي في تسويق أطروحاتهم  الإبتزازيّة وحقدهم الدّفين بعد أن وقع سحب البساط من تحت أرجلهم بعفو من لدن سيادة الرّئيس زين العابدين بن علي جعل تقارير الملحق الأمني بباريس في التّسلّل بعد أن رفض الدكتور أحمد العش مقابل الحصول على جواز سفر تونسي إمضاء بيانات المزايدين والسّماسرة والإنتفاعيين من حق العودة المشروعة في كنف الإحترام والأمان والمسؤولية. دفع الدكتور أحمد العش ضريبة إصراره على الحصول على جواز سفره الذي وقع إسناده إليه في ظرف سويعات من تسليمه للإدارة الوثائق اللاّزمة لإستخراجه يوم الجمعة 25 سبتمبر 2009 من وزارة الدّاخلية في إدارة لا يشتغل موظّفوها يوم الجمعة والسّبت بعد الزّوال في حين أنّ عشرات أو مئات اللاّجئين السّياسيين ما زالوا ينتظرون منذ شهور وسنوات الحصول على جواز سفر تونسي دخل مند عقود مجال الضغوطات والمقايضات والإنتهازيّة السّياسيّة في المهجر وحتّى في الدّاخل. إنّ سيادة الرّئيس زين العابدين بن علي يترفّع عن مثل هذه الممارسات المخلّة بأبسط حقوق المواطنة وما أنفكّ يتدخّل شخصيّا بجرأة وسرعة وصراحة لمعالجة الإشكاليات المطروحة  التي تبلغه ولكن في الحقيقة والواقع لا يبلغه كلّ ما يحدث في إبّانه نتيجة الإرباك والتردّد وغياب الضمير الإنساني لدى عناصر في أجهزة الدّولة تعمل جاهدا على إجهاض مسيره التّحول. ولكن أصبحت مثل هذه الممارسات مكشوفة وأصحابها معرفون. إنّ التيّار المتصدّي  لعودة اللاّجئين السياسيين الرّاغبين في الرجوع إلى أرض الوطن جعل من غول الأمن والقضاء حاجزا يزيد في الإحتقان بين الدّاخل والخارج لدى عديد الفئات السّياسيّة والاجتماعيّة وذلك حتّى يقع العدول نهائيا عن التّفكير في لقاء الأهل والأحباب في أرض تونس الطيّبة بعد عياب قسري في ظروف نترفّع عن ذكرها . إنّ هذه العودة المفترضة للاّجئين السّياسيين سوف تجرف أنفار غير مرغوب في عودتها وتفضح عديد وجوه النّفاق والبهتان في أجهزة السّلطة كانت ومازالت لها علاقات مباشرة وغير مباشرة مع أطراف معارضة في المهجر تدعمها ماديّا وتستعملها أداة لمناورة قيادة البلاد وخاصة منها أعلى هرم السّلطة بتسريب معلومات وأخبار في شدة الخصوصيّة لا يمكن لأي كان إستيقائها ليقع تداولها في نشريات إلكترونية وصحف أجنبيّة حتّى تحوّلت الأرصدة لطباعة ونشر الكتب المناوئة للنّظام القائم وعائلة رئيس الدّولة. إنّ التّصدّي لرغبة عودة اللاّجئين السّياسيين إلى أرض الوطن بذرائع الأمن والقضاء لا يزيح مسؤوليّة بعض الأطراف المتنفذة في أجهزه السّلطة في التّعبير عن تعاطفها المقنّع مع رموز يساريّة و أشلاء قيادة حركة النّهضة في المهجر وذلك  بتوفير مادة تحرّك سواكن جمعيّة اللاجئين التونسيين بالمهجر حتّى تكون الغوغاء الخارجيّة عارمة بين ضحايا التعذيب والمهجّرين المزعومين والمعطّلين عن العمل من خرّيجي الجامعات والمطرودين من العمل ومساجين الحوض المنجمي ومساجين السّلفية الجهادية وإشكالية نقابة الصّحافيين واشكاليّة مؤتمر إتّحاد الطلبة والسجين الدكتور الصّادق شورو والضغوطات الأمنيّة المفروضة على النهضوي عبد الله الزواري … و..و..و…والضغوطات الإجتماعية بعد شهر رمضان وعيد الفطر ومصاريف العودة المدرسيّة والجامعية. كلّ هذا وذاك يمثّل أوراق تجاذبات ومناورات يحترف إدارتها أنفار متنفّذة  لها رجل في المعارضة وأخرى في أجهزة السّلطة. إنّ تحدّيات الفترة المقبلة على النّطاق المحلّي تستوجب تحديد الأولويات في التعاطي بصدق ومسؤوليّة مع الأحداث والمستجدّات الوطنية بعيدا عن تهميش المساعي الصّادقة التي تفرز إنعكاسات سلبيّة على مجريات نسق التّحول حتى لا تكون القيادة السّياسيّة عبءا على شعبها رغم ظاهرة المناشدات التي تحرج رئيس الدولة لتضعه المسؤول الوحيد والمباشر أمام الشّعب أمام ضحالة ثقافة التعاطي مع مؤسّسات الدّولة لدى المواطن التّونسي نتيجة بروز هوة بين القمّة وقواعدها. لذلك يبقى مصير الدكتور أحمد العش رهين مدى تجاوب القضاء مع العفو الصّادر من لدن سيادة الرّئيس زين العابدين بن علي لجرم وهمي غير ثابت إلاّ بإخراج أمنيّ في محاضر عدليّة تعترف بوقائع خياليّة يختفي ورائها رفض الإبتزاز السياسي والأخلاقي بعدم إمضاء الدكتور أحمد العش بيانات السماسرة والمزايدين في الميدان السياسي والأمني  للحصول على جواز سفر قبيل عودته إلى أرض الوطن في    30 جويلية 2009 . ترى لمن ستكون كلمة الفصل في معالجة إشكاليّة الدكتور أحمد العش الذي داهم بابا مفتوحا ؟ للعفو الرّئاسي أم لقرار القضاء ؟ وبعبارة أوضح لقرار سيادة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي أم للقاضي المعيّن للبتّ في الملف العدلي  نهائيّا يوم 05 أكتوبر 2009 في إحدى دوائر محكمة الإستئناف بتونس ؟ سوف تكشف لنا الأيّام القادمة مدى إحترام و إلتزام القضاء بقرارات سيادة الرئيس زين العابدين بن علي.
الدكتور الصحبي العمري.


بسم الله الرحمن الرحيم

الحركة الإسلامية في تونس…من الاخوانية إلى التركسكية


لما أطلت الحركة الإسلامية على المشهد السياسي في تونس أواخر السبعينات من القرن الماضي, كانت دولة الاستقلال قد حسمت صراعها من أجل البقاء. فالرئيس الراحل بورقيبة نجح في جعل دولة الاستقلال وشعاراتها الحداثية تتماهى مع آمال وطموحات قطاعات شعبية واسعة و فئات اجتماعية عديدة محدثا بذلك وحدة مصير شكلت عماد قوة هذه الدولة الفتية ودفاعاتها الأمامية. في الوقت ذاته لم تنجح قوى المعارضة المحا فظة والتقليدية التي واجهت بورقيبة في أن تصيغ مشروعا مجتمعيا ولا أن تؤلف حوله مراكز ثقل داخل البلاد, بل حشرت نفسها في شكل معارضة نخبوية لا امتداد لها واضطرت إلى ممارسة العنف مما يسر على بورقيبة محاصرتها وتهميشها و القضاء عليها من خلال المحاكمات والإعدامات والاغتيالات. وقد بلغ الغرور بالرئيس بورقيبة آنذاك حد إعلان مسؤوليته عن اغتيال الزعيم الراحل صالح بن يوسف شعورا منه أن ميزان القوة وطنيا وإقليميا قد رجح لصالحه دون رجعة وأن عملا كهذا ورغم مخالفته للأعراف لن يكون قادرا على زلزلة أركان حكمه.   ولكن حسم صراع الوجود لم يكن نهاية متاعب دولة الاستقلال. فسرعان ما تحركت القوى الشعبية والفئات الاجتماعية التي شكلت قاعدتها احتجاجا على أسلوب بورقيبة الفردي والاقصائي ولتطالب بحق المعارضة وحرية التعبير وواجب احترام حقوق الإنسان وبالتوزيع العادل للثروة.وتوّجت هذه الإرهاصات باستقالة مجموعة من الوزراء أواسط السبعينات أفضت إلى تكوين حركة الديمقراطيين الاشتراكيين كحركة معارضة أساسية حينها ولتكوين الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهي أول منظمة من نوعها في أفريقيا والوطن العربي ولبعث جريدة الرأي كأول جريدة حرة ومستقلة تدافع عن حرية التعبير وعن حق الاختلاف وبرزت طبقة سياسية جديدة تدافع عن الإصلاح وترفع رايته منطلقة من مقولات الحداثة ذاتها مؤكدة أن الحداثة كل لا يتجزأ وأنه لا معنى لحق التعليم دون حق التعبير عن الرأي و أنه لا معنى لحق المبادرة الاقتصادية إن لم تترافق مع حق المشاركة السياسية.  وقد جاءت أحداث جانفي  1978 الاجتماعية لتؤكد انسداد الوضع السياسي والاجتماعي ولتعطي لمطالب المعارضة زخما ومشروعية ولتضع السلطة في موضع حرج. فمطلب إطلاق الحريات والتنفيس عن الكبت السياسي والاجتماعي لتجنب تكرار ما حدث من انفجار ولعدم إعاقة تطور المجتمع أصبح أرضية مشتركة تلتقي حولها هذه النخب الإصلاحية الجديدة وهى أطروحات تجد لها صدى داخل الحكومة وداخل هياكل الحزب الحاكم.   حينها كانت الحركة الإسلامية تغادر مرحلة الصبا وتتلمس طريقها فكريا وسياسيا وتبحث عن موقعها على الساحة الوطنية والإسلامية وكانت تتجاذبها مرجعيات متعددة. فالحركة الإسلامية تشترك مع دولة الاستقلال اشتراكا واسعا في قاعدتها الشعبية, أبناء الطبقة الوسطى, المتعلمون, الوسط النسائي وهي دوائر تفاعلت ايجابيا مع مطالب المعارضة الوطنية الديمقراطية باعتبارها دفاعا عن مصالحها و عن حظوظها. وقد مدت زعامات هذه المعارضة يدها دعما وتشجيعا للتيار الإسلامي من خلال ما توفرت عليه من فضاءات إعلامية تقديرا منها بأن هذا التيار سيكون دعما لمشروع الإصلاح وتوسيعا لدائرته وهي التي أطلقت عليه تسمية الاتجاه الإسلامي وهي تسمية تبناها الإسلاميون لاحقا. ولكن الثقل الأكبر داخل التيار الإسلامي لم يكن مرتاحا إلى تيار الحداثة ودولة الاستقلال وكانت تشده أفكار حركة الإخوان المسلمين المؤسسة على مبدأي القطيعة والتأسيس, القطيعة مع الواقع الذي تخلى على الإسلام حكما وشريعة وخلافة وتأسيس تنظيم يكون بمثابة البذرة التي تحضن حتى تنبت وتنمو وتتسع فتعيد بناء المجتمع ثم الدولة الإسلامية. وزاد من إغراء الحركة الإسلامية وهج ثورة الخميني القادم من الشرق حاملا معه الدليل على أن دولة الحداثة ليست نهاية المطاف لشعوبنا حتى وان دعمها الغرب وأن الشعوب بوسعها تغيير المعادلة وتقديم هويتها ومصالحها الوطنية على بعض الاعتبارات السياسية والدولية.  كان على الحركة الإسلامية أن تحدد موقعها وموقفها ضمن المشهد السياسي التونسي, هل تكون إلى جانب قوى المعارضة الوطنية و الديمقراطية تطالب بإصلاح الدولة وتحسين أداءها لتقدّم خدمات أحسن للتونسيين أم أنها ستدير ظهرها لهذا الحراك الاجتماعي والسياسي وتطرح نفسها قوة ثورية تعمل على تغيير هذه الدولة بدولة إسلامية ترفع راية الإسلام وتحكم شريعته وتعيد أمجاده. ولكن الخيار جد صعب فالقاعدة الأوسع للحركة الإسلامية منخرطة ضمن دولة الاستقلال وتتداخل مصالحها وحظوظها معها وهي بحكم ثقافتها ومواقعها الاجتماعية والمهنية أميل إلى المدافعة السياسية وأبعد ما تكون على خيارات القطيعة والثورة.ثم إن مشروع الإصلاح الذى ترفع رايته المعارضة لم يعد وهما يحلم به مراهقون بل هو مشروع واقعي مهيأ ليكون أرضية عمل وطنية تغير وجه تونس المعاصرة. ثم إن   الموروث الثقافي الذي تتحرك ضمنه الحركة الإسلامية وزعاماتها يتناقض تماما مع هذه الوجهة فهي تخشى أن تذوب وتتحلل هويتها إن انخرطت في هكذا مشروع وتفقد خصوصيتها التي تمثل مصدر مشروعيتها وتفضل التأكيد على بعدها الإسلامي قبل بعدها الوطني وترسم بذلك محور الصراع على أنه ليس صراعا داخل العائلة التونسية أو ضمن الدائرة الإسلامية أو داخل مشروع الإصلاح والتحديث وإنما صراع بين الإسلام من ناحية والعلمانية ومشاريعها الحداثية من ناحية أخرى وبذلك يكون الحراك الذي يشهده المجتمع والتدافع داخل الطبقة الحداثية صراعا جانبيا لا معنى له مقابل الصراع الحقيقي والذي من خلاله فقط يكون الخلاص أي بانتصار الإسلام على الطرف العلماني الحداثي. فعوض أن تتفاعل الحركة الإسلامية مع مطالب المجتمع التائق نحو الإصلاح اختارت أن تختلق صراعا وهميا, صراع تونس ونخبها مع الإسلام وأن تنصب نفسها مدافعا ومنافحا عنه رافعة خطابا شعبويّا (populiste) في محاولة لإثارة فتنة دينية و لتأليف كل الغاضبين عن الدولة لأسباب اجتماعية وجهوية وثقافية مستغلة في ذلك شطحات الرئيس الأسبق بورقيبة فيما عبر عنه من مواقف تتعلق بجوانب من الدين موقعة خلطا بين ما كان من سياسات تحديثية التزم فيها الرئيس بورقيبة الحدود الشرعية و إن أخذ بأقوال غير مشهورة وبين ما صدر منه من شطحات فردية كان فيها تأثره بالمدرسة العلمانية الفرنسية واضحا دون أن يتجاوز الأمر تلك الشاطحات الكلامية. وفي محاولة للإجابة على الاستفزاز البورقيبى الذي اعتبر أن تونس قد ولدت مع دولة الاستقلال وان الحداثة قد بدأت مع البورقيبية سقطت الحركة الإسلامية في فهم سطحي لطبيعة المجتمع التونسي ولطبيعة و عمق العلاقة التي تربطه مع الحداثة فإحداث تقابل بين الحداثة ودولة الاستقلال من ناحية والإسلام والمشروع الاسلامى من ناحية أخرى جعل القطاع الأوسع من التونسيين وخاصة منهم المنخرطين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لا يرون في المشروع الإسلامي مشروعا واقعيا حتى وان كانت عندهم مؤاخذات جوهرية عن أداء الدولة وآلية اشتغالها فالحديث على أن البورقيبية قوس في تاريخ بلادنا جاءت الحركة الإسلامية لإغلاقه حديث يغفل أن البورقيبية هي تعبير عن توق التونسيين نحو الحداثة توقا انطلق قرنا كاملا قبل دولة الاستقلال وكان مدار حلم و فكر ونضال أجيال متعاقبة وان نجح بورقيبة في أن يحققه وأن يطبعه بطابعه.وأن ادعائه أبوة الحداثة ليس إلا استفزازا ومكابرة.   وكرد فعل عن الاستفزاز البورقيبى وفي مكابرة لا تقل هجانة عن مكابرته ادعت الحركة الإسلامية أنها ستؤسس لدولة إسلامية تعيد بها أمجاد الماضي بعد انقطاع ووظف الإسلام كإيديولوجية صراع يتعسف فيه على النص وعلى التاريخ و يستعمل بطريقة انتقائية لدحض الآخر وتبرير موقف ألذات. ولا شك أن الماضي الناصري لبعض زعامات التيار الإسلامي و ما تكنه الناصرية من عداء شخصي للرئيس بورقيبة من ناحية وانتماء بعض الزعامات إلى مناطق من البلاد لم تنل حظها من التنمية بداية العهد البورقيبي شكلت حواجز نفسية واجتماعية عقدت علاقة التيار الإسلامي بدولة الاستقلال ورئيسها بورقيبة وما ترمز إليه من مشروع حداثي. هذا الخيار أوقع الحكة الإسلامية في انفصام ألذات وازدواجية الخطاب إذ هي لم تجرأ عن الدفاع عن هذا التصور بشجاعة ووضوح وأن تتحمل مسؤوليته فكريا وسياسيا فأفرز هذا حركة تخاطب الإعلام والساحة السياسية في النهار تؤكد على قيمة الديمقراطية واحترامها لإرادة الشعب وقبولها بمبدأ التداول على السلطة… و حركة أخرى في الليل تأسس للأجهزة الخاصة و تجذر موقفها ألصراعي تجاه دولة تتهمها بإدارة ظهرها للإسلام بل التطاول على مقدساته وتعطيل مؤسساته. وهذا التذبذب ساهم في قطع الحركة الإسلامية عن واقع الناس وعن حاجاتهم في الصحة والتعليم والشغل وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية إذ هي لم تكلف نفسها فهم آليات التطور ومحاولة التأثير فيها قصد تحقيق القدر الامثل من المصلحة ضمن دائرة الممكن بل جنحت إلى تصور كنسي للدين يقوم على ضبط الدولة القائمة على الدين لكل مناحي الحياة من أجل فرض الفضيلة والتصدي للرذيلة وحمل الناس على الاستقامة وهذا تصور غريب على الإسلام وعلى تاريخه. إن هذا الوضع الذي استقر عليه وضع الحركة الإسلامية لا يبعث على الراحة وأعطى المبرر للدولة لتواجهه بالمحاكمات والسجون والمنافي وارتابت تجاهه المعارضة وان كان موقفها المعلن يرفض المحاكمات السياسية ويدافع عن حق الإسلاميين في التعبير إلا أنها لم تجمع يوما على حق الإسلاميين في العمل السياسي لا حسدا وغيرة كما يحلو للبعض تأويله ولكن لان واقع الحركة الإسلامية يخيف أطرافا عديدة داخل البلاد وخارجها.  لا بل هذا الواقع لم يكن يبعث على الراحة داخل الصف الإسلامي ذاته فقطاع واسع من كوادر الحركة الإسلامية و من قواعدها فضل الانكفاء والاستقالة الصامتة تعبيرا لرفضه لهذه الوضعية ولما تحمله من مخاطر. فضلوا ذلك لغياب أطر الحوار والمصارحة داخل الحركة الإسلامية وخشية الاتهام بالجبن أو التخاذل والتساقط أو شق الصف إن هي حاولت صياغة رأى آخر وكانت حينها تجربة ما سمي بالإسلاميين التقدميين وما اتهموا به من خروج عن الدين حاضرة في الأذهان. هكذا كانت عشرية الثمانينات عشرية النزيف الصامت تغيرت خلالها التركيبة الاجتماعية لقاعدة الحركة الإسلامية فأبناء الطبقة الوسطى والكوادر العليا وأبناء الأرستقراطية الحضرية تركوا مكانهم لأجيال جديدة من الحانقين عن الوضع الاجتماعي الباحثين عن شرعية الثورة والجهاد بعد أن فشلوا في امتلاك شرعية البناء والأعمار ولعل هذا يفسر جزءا من مغامرات الحركة الإسلامية نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي إذ لا يخفى على أحد الرابط بين التركيبة الاجتماعية لتيار ما و بين موقفه السياسي والاجتماعي حتى وان أعطي لموقفه غطاءا  ديني. فلو رسمنا خطا بيانيا لتواجد الكوادر العليا وللفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين داخل صفوف الحركة وآخر لدرجة التشدد والراديكالية في موقفها السياسي لوجدنا الخطّين تقاطعا الأول نزولا والثاني صعودا في مرحلة الثمانينات           ولا زلت أذكر لقاءا عاصفا انعقد صائفة 1986 بمدينة سوسة جمع مجموعة من كوادر الحركة بمنطقة الساحل برئيس الحركة حينها, دافع خلاله شباب الحركة آنذاك عن حقهم في ممارسة دورهم كشركاء داخل هذه الحركة باعتبارهم وضعوا أنفسهم في خدمتها وما استلزمه ذلك منهم من تضحيات ومن صعوبات…فكان رد رئيس الحركة؛ )إنكم جنود وان الجندي يجب أن لا يطالب إلا بما يعينه على أداء دوره كجندي وما عدا ذلك فضول لا مبرر له(. ثم حمل بشدة على أبناء منطقة الساحل واصفا إياهم ) بأصحاب طموحات برجوازية و أن الواحد منهم يبلو البلاء الحسن داخل الحركة طالما كان تلميذا أو طالبا حتى إذا تخرج ودخل الحياة العملية يتقلص عطاؤه ويتحول مركز اهتمامه ليضع وضعه المادي والمهني والاجتماعي في محور اهتمامه ذاكرا الدكتور فلان وفلان…(ثم أضاف ,) إن ما قمتم به من احتجاج على طريقة تعاطي القيادة مع انكشاف صائفة 1986 هو تمرد بل تمرد خطير لأنه تمرد تقوده قيادة ولو قمتم بذلك في ظل دولة لأرسلت إليكم الدبابات من البر والطائرات من الجو والبوارج من قبل البحر..( وأمام هذا العنف وجم البعض من هول ما سمع وأجهش البعض الآخر بالبكاء وانتهى اللقاء باستقالات جديدة وخسرت الحركة دكاترة وكوادر أخر. فالحركة الإسلامية في تونس كانت ولا تزال نموذجا للحركات الإيديولوجية التي تستعمل فيها الايديولوجا لتبرير كل الخيارات ولقطع الطريق عن كل المراجعات حتى وان أدى الطريق المسلوك إلى كوارث حتى وان تخلى البعيد والقريب.فبعد أن رأينا الترتسكية اليسارية وما فرّخته من مجموعات جعلت من الاحتجاج سلعتها ترانا اليوم أمام لون جديد من الترتسكية الإسلامية الفاقدة لكل مشروع ولكل تصور وتكتفي بأن تقتات من بضاعة الاحتجاج والمزايدة .    فبعد ثلث قرن من التواجد على الساحة التونسية وبعد أن أهدتها تونس أجيالا من خيرة أبنائها بما ذا يمكن أن تفتخر الحركة الإسلامية ؟ بعد الضحايا والمعلولين أم بواقع الجمود على الساحة التونسية؟ إن الحركة الإسلامية لم تنجح إلا في أن تكون الفزّاعة التي خوفت بها السلطة المجتمع وبررت بها مصادرة الحريات وأعاقت نمو المجتمع الطبيعي في اتجاه تكريس قيم التعدد والتنوع. إن تونس اليوم متخلفة عما كانت عليه أواسط السبعينات من القرن الماضي وهي متخلفة عن آمال وطموحات أبنائها. فلماذا لم تنجح الفئات الاجتماعية الأخرى والتي شكلت لوقت طويل القوة الأساسية داخل الحركة الإسلامية في تغيير المعادلة وفرض تصورها للإصلاح ؟  أهي طبيعة الحركات الإيديولوجية حيث يمسك بالحقيقة من يمسك بالقيادة؟  أم هي ضعف ثقافة ومشروعية المبادرة أمام قوة ومشروعية التنظيم ؟  أم أن ضيق دائرة الحريات وزهد السلطة وبقية قوى المجتمع تجاه ما يحدث من حراك داخل الصف الإسلامي جعل هذه القوى تزهد في القيام بواجبها تجاه مشروع الإصلاح؟     عبد المجيد الميلى / باريس   
 

حين تضيع الجامعة التونسية في الخميسينية هيبتها


عماد بوخريص (*) ورد بجريدة الموقف في عددها 513 الصادر يوم 18 سبتمبر 2009 و بركن « أخبار حريّات » خبر مفاده أنّ بعض الجامعيين اتصلوا بالجريدة واعلموها أن الكتاب العامين للمؤسسات الجامعية طلبوا منهم الالتحاق بمراكز عملهم قصد إمضاء وثيقة إدارية هامة و ذلك على جناح السرعة. و حين اتّصلوا فعلا بهؤلاء الكتاب العامين اكتشفوا أنّ الوثيقة هي عريضة مساندة لمرشح الحزب الحاكم للانتخابات الرئاسية، وقد عبّر الجامعيون حسب ما جاء في الخبر عن استيائهم الشّديد للتغرير بهم أولا و لاستعمالهم ثانيا في أغراض لا صلة لها بالجامعة و لا بالجامعيين. ..عجبا لأساتذة صاروا يلتجئون لجريدة  » الموقف » للتعبير عن مواقفهم أو استيائهم ! إنّ مصدر الغرابة لا يكمن في أن تنشر جريدة الموقف الخبر المذكور فهو واجبها في إيصال المعلومة إلى الرأي العام ولا حتى في لجوء هؤلاء الأساتذة إليها لإبلاغ رأيهم سرا، فقد يكون لذوي الأوضاع الهشة أعذارهم التي لا يعلمها غير من يكتوي بنار المهانة في عصر لكأن خلق » الحرة التي تجوع ولا تأكل بثدييها  » قد مات فيه ، بل مصدر الغرابة بلا شك أنّه يوجد على حدّ علمنا – إلى أن يأتي ما يخالف ذلك – هيكل نقابي للجامعيين يسمّى  » الجامعة العامة للتعليم العالي و البحث العلمي  » فلا ندري إن كان هؤلاء الأساتذة قد تظلّموا إلى هذا الهيكل باعتباره المخوّل للدفاع عنهم و حمايتهم، أم لم يتظلّموا و لكنّ الأكيد أنّه لم يصدر إلى حد الآن وحتى بعد نشر الخبر المذكور- الذي ليس في الواقع غير صدى لما يغلي في الصدور- أي بيان أو موقف من الجامعة يوضح المسألة للرأي العام الجامعي وغير الجامعي و تتحمل فيه مسؤوليتها الأخلاقية والنقابية في حماية كرامة الأكاديميين و استقلالية الجامعة من خلال تحييدها عن أي صراع سياسي يستخدم فيه المدرسون بضاعة. الأكيد إذا أنّ الجامعة العامة للتعليم العالي و البحث العلمي لا حسّ و لا خبر …إمّا لأنّها لا علم لها بالأمر وهو أمر مستبعد جدا ا أو أنّها علمت بالموضوع و صمّت آذانها .إذ يبدو إنّ رفاقنا في الجامعة العامة على قدر كبير من  » الاعتدال »، و من أصول هذا  » الاعتدال  » ألا يثيروا أيّ مشكل يمكن أن يغضب السلطة أوّلا، خاصّة أنّ المسألة تتعلّق بقضيّة حسّاسة تمسّ مرشّح الحزب الحاكم للانتخابات الرئاسية، أو يغضب المركزية ثانيا، و هي التي ساندت و ثمّنت و دعت العمال إلى التصويت لصالح الرئيس المنتهية ولايته. ألا يحرج الجامعة الموقّرة أن تداس كرامة الجامعيين وان يضحى باستقلالية الجامعة و حيادها عن الصراعات السياسية على مذبح مصالح غير جامعية ؟ من المستفيد من السكوت عن تحويل الجامعة التونسية، على غرار بقية البلاد، إلى مكان للبيعة ؟ أيّ بلاد هذه التي نعيش فيها و يجبر فيها صفوة القوم على الاصطفاف كالخراف لتقديم البيعة ! و أيّ ديمقراطية هذه التي ينتزع فيها إمضاء المساندة في خلوة الكتاب العامين عوض تصويت الضمير الحر في خلوة صندوق الاقتراع ! إنّ موقف » الجامعة العامة للتعليم العالي و البحث العلمي » بخصوص هذه المسألة على غرابته هو بلا شك منسجم تمام الانسجام مع موقف المركزية النقابية المتعلّق بالتزكية المنتزعة قسرا و منضبط لقرارات الأمين العام للاتحاد الداعية لإنجاح الانتخابات الرئاسية و التصويت لمرشح الحزب الحاكم. لقد اكتفى البيان الأخير للهيئة الإدارية لاتحاد الشغل المنعقدة يومي 16 و 17 جويلية 2009 بالإشارة إلى مشكل الجامعة التونسية مجرد إشارة عابرة وكأن مشاكل الجامعيين لا تعني الاتحاد ولا تأثير لها على مصير البلاد والعباد …. إذا عوض أن تواجه الجامعة العامة سكوت أو شبه سكوت الاتحاد في هيئته الإدارية الأخيرة عن مشكل التمثيل النقابي بالجامعة الذي عمره الآن أكثر من عشر سنوات تفضل الاصطفاف وراء موقف المركزية من قضية المساندة المنتزعة غصبا من ممثلي العمال وذلك بسكوتها غير المبرر مطلقا عما يصنع بالجامعيين أمام أنظار الجميع. ومن له القدرة بعد هذا على لوم المركزية عن تخليها عن قضيتهم إذا كانوا هم أنفسهم ممثلين في هيكلهم غير معنيين بوضعهم أو مكانتهم ولا يحرجهم بالمرة أن تقايض الوزارة مكانا للتدريس بالجامعة بصيغة متعاقد أو نصف متعاقد أو مساعد مرسم أو غير ذلك من » المنافع » مقابل إمضاء يضعه الأساتذة قسرا على ورقة بيضاء لا يعرفون المصير الذي ستلقاه، خوفا من المجهول ويأسا من أية حماية تأتيهم من أية جهة كانت ؟. وهل هؤلاء هم الأساتذة الذين ستعول عليهم الجامعة في نضالاتها المستقبلية القادمة حين يتوبؤون مكانا قارا في الجامعة ؟. أي زمن زمننا الذي ضيعت فيه الجامعة التونسية هيبتها وكرامتها ، فلم يبق منها في ذكرى الخمسينية غير ذكرى بعيدة باهتة  ! (*) أستاذ متعاقد بالجامعة التونسية (المصدر:جريدة الموقف ليوم الجمعة 25 سبتمبر 2009   المصدر  :  إعادة نشر منتدى » الديمقراطية النقابية و السياسية  » الرابط  : http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p  

التلفزة التونسية في مفترق الطرق

 


إيهاب التونسي من تونس: ريش كثير، تركته برمجة القنوات التلفزية التونسية خلال شهر رمضان. فالإنتقادات التي انهالت على المسلسلات الرمضانية و بعض البرامج الأخرى، من كل حدب و صوب، لم تعبد الطريق امام الإنتاج الرمضاني، وهو امر طبيعي، تعودنا عليه كل رمضان، حيث تجد بعض الأقلام المادة الدسمة، لمقالات و تقارير تكاد تكون موسمية. و غالبا ما تركز هذه الكتابات على زوايا تقنية، كطريقة الإخراج و المونتاج و الحبكة الدرامية، الخ، او تركز على الزاوية القيمية، مثل الأخلاق و المشاهد العنيفة، او تراجع مسلسل لصالح آخر، و هذا ايضا امر طبيعي. و عادي بحكم طبيعية عمل النقد الدرامي. اما في مستويات اخرى، فإن ما عكسته طبيعة الإنتقادات هذه السنة، ينبئ بأن المشهد السمعي البصري التونسي، يتجه نحو تحديد هويته،واختيار منهجه و « أخلاقيات عمله »، و توقعه وسط المشهد الإعلامي العام. فالمشهد السمعي البصري الذي كان الى سنوات غير بعيدة، منحصرا في بوتقة تلفزيون عمومي وحيد، يقول « لا ترون الا ما اقدم لكم »، اصبح يشهد منافسة حادة من تلفزيونات خاصة، تعمل بمبدإ العرض و الطلب. لذلك فهي تسعى الى كسب ود المشاهد، بكل الوسائل، فهذا الأخير لا يعتبر الا رقما استشهاريا في معادلة صاحب القناة. و اذا ما اعتبرنا ان هذا ايضا امر طبيعي بالنسبة للتلفزيون الخاص، فإن التلفزيون العمومي التونسي الذي وجد نفسه، منقادا الى رحى الصراعات التجارية، ترك على ما يبدو و بحسب عديد المقالات و الإنتقادات، دوره التربوي و التثقيفي. الصحفي التونسي جمال العرفاوي، يقول لشريط » التلفزيون العمومي ليس مطالبا بتحقيق ارباحا لأن لديه مهمة اخرى و هي الإخبار و التثقيف. و هذا هو الإستثمار الناجح و علينا ان نعود الى ما تبثه القنوات العامة في كل من ايطاليا و فرنسا و بريطانيا لنفهم طبيعة و اهداف التلفزيون العمومي و اعتقد ان تلفزتنا في حاجة الى مراجعة جادة و انا اتساءل اين المجلس الأعلى للإتصال لوقف هذا النزيف ». جنس و مخدرات على طاولة رمضان: علق المدون التونسي « مرمضن » هل أصبحت المخدرات « عنصرا اساسيا لنجاح المسلسلات التونسية خلال شهر رمضان؟ ». بالفعل فقد تسابقت التلفزات التونسية، في ما اعتبرته عكسا للواقع التونسي، فكانت قضايا الإغتصاب و الخيانات الزوجية و استهلاك و ترويج المخدرات و العنف، الطبق الرئيس على الموائد التونسية، من خلال مسلسلات، « مكتوب » على التلفزيون التونسي في جزئه الثاني و « نجوم الليل » و « بريزون بريكا » على قناة حنبعل الخاصة. اما قناة نسمة تي في،ذات التوجه المغاربي، حديثة النشأة، فما زالت تتحسس طريقها رغم ان برنامج « ناس نسمة » فيه كثير من الجرأة. و اذا كانت التلفزيونات الخاصة حرة، في اختيار منهجها، فهل يحق للقناة العمومية، التي يدفع التونسي ضريبة لمشاهدتها، ان تعالج دراميا، هذه القضايا الإجتماعية، في حل من كل القيود الأخلاقوية، ومتجاوزة المخزون الثقافي و الحضاري ككل؟. او بالعكس فإن من أؤكد أدوارها، هو تعرية الحقائق حتى و ان كان ذلك سيجرح الوازع الأخلاقي الجماعي للمشاهد التونسي؟ انطلاقا من قاعدة انه لا يمكن الإصلاح دون تحريك المياه الساكنة داخل هذه القضايا. مهما يكن من امر الإجابة، فإن الحقيقة التي تبدو جلية الآن هو ان التلفزيون، و نخص به العمومي، بتعريفه التقليدي، هو ضيف كل المنازل، و حوله يمكن ان يجتمع كل أفراد العائلة، وهو ليس كالسينما الذي يحمل في ذاته امكانية الإختيار بين المشاهدة و الرفض. و في هذه الحالة كيف يمكن ان نفهم علامة ممنوع على الذين سنهم اقل من 12 سنة التي وشح بها التلفزيون العمومي التونسي شاشته اثناء عرض مسلسل مكتوب. هل يعني ان نحرم كل هذه الشريحة من مشاهدة تلفزيونهم؟، ام نحن نطالبهم بتغيير القناة، ثم نقول، لماذا يسافر التونسيون نحو القنوات الأخرى؟؟؟ هذه الأسئلة، لا بد و كما يرى مراقبون تونسيون، ان تدفع الجهات المختصة في تونس من المجلس الأعلى للإتصال ووزارة الإتصال، الى اعادة النظر في مفهوم التلفزيون العمومي،خاصة مع الحديث عن امكانية بعث قناة تلفزية جديدة، من قبل شركة كاكتوس، و هي صاحبة نصيب الأسد من البرامج الاجتماعية التي يبثها التلفزيون التونسي الى جانب مسلسل انتاج مكتوب. و يعتقد على نطاق واسع ان تحمل القناة الجديدة برامجها و مسلسلاتها معها، و بذلك سيكون لزاما على التلفزيون العمومي، اعادة النظر في توجهاته وربما الإتجاه نحو القنوات المتخصصة، و الإقتصار على البرامج السياسية و الإخبارية الى جانب تغطية نشاط الحكومة… كعكة الإشهار: التسابق المحموم نحو كسب ود المشاهد التونسي، عن طريق « جرأة القضايا » رافقته، حرب اشد ضراوة لتقاسم كعكة الإشهار.و كشفت مؤسسة سيغما، لقيس نسب المشاهدة، ان « قرابة 3ساعات،هي المدة الزمنية للإشهار اليومي بالتلفزة التونسية.في حين حصلت مؤسسة « كاكتوس » المنتجة لمسلسل مكتوب لوحدها، خلال شهر رمضان، » ما قيمته 16 مليار دينار. و في الوقت الذي بدأت عديد التلفزيونات العمومية في العالم تتخلى عن منح نسب من الإشهار لقنواتها العمومية، حتى تركز جهودها على التثقيف و التربية و بث قيم حضارية و ثقافية معينة، فإن وابل الومضات الإشهارية تساقط على رؤوس التونسيين، دون استئذان خلال الشهر الفضيل، حتى ان الومضات بدأت تتسلل بين مقاطع البرامج و المسلسلات، مسببة تململا و سخطا بين المشاهدين. نور الدين المباركي، رئيس تحرير صحيفة الوطن الناطقة باسم الحزب الديموقراطي الوحدوي يقول لشريط » قناة تونس 7 هي قناة عمومية، تمول في جانب كبير منها من المجموعة الوطنية. و عليه من المفروض ان يكون الخط التحريري لمختلف برامجها و الفقرات التي تقدمها يخدم المجموعة الوطنية و يعكس تطلعاتها في برمجة مفيدة و متنوعة و تعددية.و ان لا يكون الجانب التجاري هو الواجهة الأولى في اهتماماتها كما هو الشأن في برمجة رمضان هذه السنة ». و بخصوص ما وصفه بّتخمة الإشهار » يرى المباركي « إن التشكيات التي صدرت عن المشاهدين بسبب » تخمة الإشهار  » هي تشكيات مشروعة فقد حظيت الومضات الإشهار بالنصيب الأوفر في البرمجة الرمضانية، فهي « تملك سلطة الدخول والخروج » متى شاءت دون موعد مسبق أو استئذان، لتحدث التشتت والتقطيع خاصة في صلب مسلسلات ، إلى جانب أن عديد الومضات لا تحترم ذكاء المشاهد. إن هيمنة الومضات الاشهارية في مؤسسة عمومية يتعارض مع دور المؤسسة و يجعلها منخرطة بالقوة في التشجيع على الثقافة الاستهلاكية اما المنتج و المخرج التونسي، ابراهيم اللطيف اعتبر الإشهار في تونس »برنامجا يوميا »، بسبب ضخامة حجمه. و حول اذا ما كانت تخمة الإشهار تؤثر سلبا على المنتوج، تذهب ايمان سليم، صاحبة مؤسسة للإتصال، الى القول ان الومضات الإشهارية، ورغم غزارتها يمكن تبقى في ذاكرة المتلقي. معتبرة ان التقنيات المستعملة و الأفكار، تطورت في حين توجد بعض السرقات من قنوات تلفزيونية غربية. و مهما اختلفت الآراء في مسألة الإشهار في التلفزيون التونسي، فإن غياب قانون ينظم هذا القطاع، يبقى العائق الأهم في تحديد الأدوار، بالنسبة للقطاع الخاص و العمومي.وهو ما عبر عنه صراحة، فاروق كتو مدير الإنتاج و الإشهار و التسويق بالتلفزة التونسية، حين قال خلال سهرة الدراما التونسية » لا يوجد قانون يحدد توقيت الإشهار و نرجو ان يقع تنظيم هذا القطاع و الى ذلك الحين لا يمكننا ترك المستشهرين يبحثون عن قنوات اخرى لتمرير ومضاتهم ». (المصدر:موقع شريط الإلكتروني بتاريخ 25 سبتمبر 2009 ) http://www.shreet.com/articles/view/thread/id/4830  

فصول من تاريخ تونس المعاصر (7):  بورقيبة والجدل مع الفقهاء و«المشايخ  الحج إلى القيروان و«التضحية» بربع خـروف!


إعداد: محمد علي الحباشي   بعد الجدل الذي اثاره موضوع إفطار  رمضان، واصل الرئيس بورقيبة محاولة ايجاد غطاء ديني والزج بالمشائخ والفقهاء في صفه «ولا يسعني الا أن أنوه بكل اكبار وتقدير بالمواقف النزيهة التي وقفها كثير من المشائخ والفقهاء»..   وفي المقابل فقد تعرّض بعض رموز جامع الزيتونة الى وابل من التهجمات الى حد اتهام بعضهم «بالتساهل عندما أفتوا بإباحة الفطر للجنود الذين يحاربون لفائدة فرنسا المستعمرة أثناء الحرب العالمية الثانية».    واستظهر بورقة قال انها نسخة من وثيقة الفتوى، كما استظهر بورقة أخرى قال ايضا أنها نسخة من وثيقة لفتوى في «إباحة الفطر للعملة الذين يعملون لفائدة فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى».   «قدوة» لغيره من القادة   ويظهر واضحا من خلال السياق الذي استظهر فيه الرئيس بورقيبة بتلك الوثائق، أنه كان في حالة قصوى من الحنق لادراكه، بلا شك، أنه استحال عليه فرض ما كان يريد فرضه وانتزاع ما كان يريد انتزاعه من فتاو، وهو الذي كان في ذهنه أن يقتدي به قادة آخرون «وقد علمت أن المسؤولين في الباكستان والصين وغيرهما يتطلعون الى ما أنجزته تونس في هذا الميدان، وقد أبلغني سفرائي في الخارج أن الأغلبية الساحقة من المفكرين لدى تلك الشعوب تتفق معنا في الرأي، ولكنهم يحجمون عن قطع الخطوات الايجابية قائلين « إن ما يستطيعه بورقيبة في تونس لا يستطيعونه في بلدانهم » (…) إننا لم نفرض الافطار على الناس، ومن استطاع الصيام فإن الله يجزيه خيرا اذا شاء أن يجمع بين العمل وبين الصوم، أما من لم يستطع ذلك ومال الى الافطار فإنه لا يجب أن يتعرض الى أذى يجعله يركن الى الافطار في معزل عن الانظار ويسلك مسالك النفاق مما يحط من قدر الدين ومقامه (…).   رؤية الهلال   بقي أن أتحدث اليكم عن الأمر الذي أصدرناه في ضبط رؤية الهلال بطرق علمية، حيث أن الله لم يمنعنا من استثمار العلوم الصحيحة، وقد اعتمدنا في ذلك على أساس حسابي مضبوط، وكان الأمر متوقفا في الحجاز أيام الاسلام الأولى على رؤية الهلال بالعين المجردة لانعدام كل وسيلة أخرى. أما اليوم فلنا أن نضبط ساعة ظهور الهلال بدقة نتيجة لضبطنا سير القمر في دورانه لا سيما بعد أن اهتدى العلماء الى توجيه الصواريخ الى القمر دون أن تحيد عن طريقها الممتد آلافا من الكيلومترات (…).   وقد ذكر لي بعض الاخوان أن البايات كانوا يتشاءمون من وقوع العيد في يوم الجمعة ويتطيرون منه ويعتقدون أن الحول لا يحول حتى يلقوا حتفهم(…) هذا ما وصلنا اليه وهذا هو الحضيض الذي بلغناه، لذلك قررنا الأخذ بالوسائل العلمية وأصدرنا قانونا وأصبحت الأشهر معروفة البدء والنهاية، اعتمادا على ضبط ميقات ظهور الهلال ضبطا دقيقا وضبط امكانية رؤيته بالعين المجردة وذلك ممكن عادة في اليوم الثاني من ولادته…».   التأثر بأتاتورك   تتفق مختلف المصادر على أن الزعيم الحبيب بورقيبة كان ربما يراهن على ما كان لديه من تأثير أدبي على جموع التونسيين والتونسيات غداة الاستقلال، وأنه كان متأثرا الى أبعد حدود التأثر والاعجاب بكمال أتاتورك ومواقفه اللائكية، وأنه كان ميالا الى اتخاذ مواقف ـ من وقت الى آخر ـ تباغت وتفاجئ وتصدم وتثير الدهشة والاندهاش..   ولا يختلف اثنان في أن الرئيس الحبيب بورقيبة كان مدفوعا بفكر تحديثي واضح، لكن ـ ومثلما سبقت الاشارة الى ذلك ـ فإن ما تتفق حوله مختلف المصادر، أنه ذهب بعيدا أكثر من اللزوم في مسألة الصوم والأفطار..   وقد عاد الى هذه المسألة وغيرها من المسائل الشرعية التي لا تحتمل التأويل والاجتهادات البشرية، ومنها الحج والاضحى وذلك بعد أربع سنوات من بيانات فيفري 1960 الشهيرة.    نصف أو ربع خروف   سنة 1964 كانت البلاد تعاني من قلة الموارد، والدولة تسعى إلى استحثاث أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار.   وفي خطاب ألقاه بمدينة صفاقس يوم 29 أفريل 1964 تمادى الرئيس الحبيب بورقيبة في السماح لنفسه بإصدار الفتوى تلو الأخرى، ملاحظا في مستهل بيانه «ما بالُ الاستهلاك نما في شهر رمضان الأخير عمّا كان عليه في السنين الخوالي؟ ولماذا ذلك التهافت على اللحم والبيض والمواد الدسمة من دون أن يزيد استهلاكها أيّة قوّة في الإنتاج لأنّ معظم الصّائمين إذا أتخموا بالليل قضوا جلّ نهارهم وهم نيام… ومن هنا جاهرت بفكرتي التي أرى فيها تحقيق صالح المسلمين… وإنّي كمسلم مجتهد يجوز لي أن أدعوك يا ولدي للعمل والزيادة في الانتاج والتقليل من الإخلاد إلى الكسل والرّقاد، وإذا لزم أن تفطر في رمضان وتعوّض إفطارك ببذل المزيد من الجهد في العمل(…)، ولنتعوّد الإقلاع عن الأمور التي لا تليق من نوع الأمعان في اتّباع الشهوات من لحم وبيض للبريك وغير ذلك ممّا يعود استيراده علينا بنضوب مواردنا الحيويّة.   ولنَقْتَدِ في هذا المجال بما دعت إليه شقيقتنا الجزائر من وجوب الاقتصار في الأضاحي على أقلّ عدد ممكن(…)، فما المانع يا سيّدي إن أنت أردت أن تجمع من حولك «ذرَارِيك» في يوم العيد أن تكتفي بنصف خروف أو بربع خروف(…)؟   الحج.. الى القيروان!   وإذ قد حلّلت لكم هذا الموضوع، وأحسب أنّكم فهمتموه، فإنّي أريد أن أنتقل بكم إلى موضوع آخر له به شيء من الصلة. ونعني به مسألة الحج التي يبالغ بعض الناس في الوفاء بها لا مرّة واحدة بل أحيانا أربع مرّات حتى تبلغ عدد الحجّات عند بعضهم ست عشرة حجّة. لماذا هذا يا ولدي؟ فهلاّ تكفي حجّة واحدة؟ وأنا في وسعي أن أفتيك يا سيّدي بصفتي إمام المسلمين في هذه البلاد بأنّ نصف المليون الذي ستنفقه في حجّتك إذا أنت رصدته في صندوق التضامن الاجتماعي أو أقرضت به دولتك التي هي بصدد تصنيع بلادك بما من شأنه أن يزيد في ثروتها، لقمت بواجبك نحو هذه الأمة، وفي مقدورك أن تذهب إذا شئت التبرك، لزيارة قبر أحد أصحاب رسول الله ممّن تضمّ رفاتهم الطاهرة تربة بلادك كأبي زمعة البلوي دفين القيروان أو تقتصر مثلا على حجّة واحدة في العمر(…).   (المصدر: جريدة الصباح ( يومية – قطر) بتاريخ 27 سبتمبر 2009 )  

تحديث الدعوة من خلال مفهوم ‘التوحيد السياسي’ في كتاب ‘السياسة والحكم’ لحسن الترابي (3/3) 21-9-2009

رياض الشعيبي / باحث جامعي تونس والكتاب الذي يضعه الترابي بين أيدينا قد يدشن عهدا جديدا من الكتابات السياسية النظرية الإسلامية في مجال يعكس عمق الأزمة التي يعيشها الإنسان المعاصر، وهو القضية الحقوقية. فهل يكون المدخل الحقوقي الأنسب في فتح أبواب الدعوة السياسية؟ والكتاب عبّر عن التجربة السياسية التي عاشها الترابي في السودان والتمحيصات النظرية التي أبداها، والتي دفعته للخروج باستنتاج، مفاده عمق الهوة الفاصلة بين الفقه السياسي النظري وبين إمكانية تحويل هذا الفكر إلى ممارسة مشروعة للسلطة. IIـ آليات الدعوة ومفهوم التوبة السياسية: نخلص الآن إلى مسألة في غاية الأهمية في كتابه وهي المتعلقة بآليات الدعوة أو ما يطلق عليه في المصطلح السياسي الحديث بمنهج التغيير. لقد عظّم الترابي الجرم السياسي المتمثل حسب رأيه في الانقطاع عن مصادر الدين في ممارسة السياسة العامة والخاصة. وإنه يذهب في هذا التجريم بعيدا حتى نخاله يكفّر القائمين على هذه الرؤية. فهم في نظره بين ثلاثة أصناف: مجرمون أو ظالمون منافقون أو كافرون. وللتعامل معهم آليات أفرزتها التجربة قبل أن يتعرض لها التنظير. فالحوار والدعوة بالكلمة الطيبة والحجة العقلية والسيرة السلوكية، كلها مسائل الأخذ بها واجب والصبر على إبلاغها ضرورة « فالدّعوة إلى حكم الإسلام خطاب في مجال حرّ تتفسّح فيه قلوب الجاهلين الغافلين في الأرض ما دام يبيحه نظام سلطان مجتمعهم القائم ». إن العودة إلى مفهوم الحرية هنا يعد ضروريّا. وذلك من جهة نظرية كما هو الأمر من الناحية الواقعية. فالترابي يرى أن الله قادر على أن يخلق مخلوقات تعبده ولا تشرك به شيئا، وقد فعل ذلك مثلا في شأن الملائكة. غير أن الفرق بينها وبين الإنسان هو التخيير، إما الإيمان أو الكفر. فلذلك يعدّ إيمان الإنسان أكثر قيمة عند الله من إيمان الملائكة. فالملائكة خلقت لتؤمن وتتعبد إذ هي منقادة في ذلك فلا فضل إذن إلا لصانعها أن أحسن خلقها لتمام أدائها واجبها. أما الإنسان فهو يمتلك أمر نفسه وتستوي عنده القدرة على الإيمان وعلى الكفر ومع ذلك يختار الإيمان فأي جزاء يضاهي هذا الاختيار الإرادي؟ إن الحرية هي الشرط الأول للإيمان والعودة إلى الله. لذلك انبنى مفهوم الدعوة على الحوار والإقناع لا الإكراه والجبر. أما من الناحية الواقعية فان ما يجده الكاتب من اضطهاد سياسي وفكري يدفعه إلى إعطاء الحق في الحرية الأولوية القصوى. ذلك أنها مطلبا دنيويّا فضلا عن كونها مطلبا دينيا. ولا اكتمال لكرامة الإنسان ولا ضمان لحقوقه غير توفر الحرية التامة. *مشروعية الدولة وممارسة السلطة: مشروعية السلطان: ربما لم تحظ قضية في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي بالاهتمام كما حظيت مسألة الشرعية السياسية. فالخلافة الأموية والعباسية، وكل الفرق المعارضة لهما، كلّهم جميعا كانوا يؤسسون سلطتهم على تصّور معيّن للشرعيّة الدينيّة أو النسبيّة أو المذهبيّة أو حتى الخرافيّة. لكنّهم في نهاية المطاف مجمعون على ضرورة وجود خطاب تسويقي لشرعيّاتهم جميعا. بل حتى الخلافة العثمانيّة والتي اعتمدت على شرعيّة القوّة الماديّة أكثر من اعتمادها على أيّة شرعيّة أخرى كانت توازي بين منطق القوّة ومنطق الشرعيّة. وأمام اصطدام الترابي بكلّ هذه الإشكالات، كان عليه أن يتلمّس منطقا جديدا لهذه الشرعيّة. فالكاتب يرفض الشرعيّة المبنيّة على التصوّر الدّيني (التقوى / الالتزام) وحده. كما يرفض الشرعيّة العائدة إلى الانتساب لقريش أو لآل البيت كما يرى أغلب الفقهاء المسلمين القدامى، ومنهم الماوردي، الذي يعتبرها محل إجماع. هذا فضلا عن كون الترابي يرفض أيضا، وبكلّ حدّة، الشرعيّة القائمة على القوّة الماديّة أو العسكريّة خاصّة، ويحاول تأسيس منظور جديد للشرعيّة السياسيّة يقوم على مبادئ الحريّة والشورى الملزمة. وهو يعود في ذلك إلى مفهوم معيّن للشرعيّة هي تلك القائمة على الأغلبية. إن الذهاب إلى القاعدة الجماهيريّة لتحكيمها في شرعيّة السلطة السياسيّة من خلال الاستحقاقات الانتخابيّة بحسب الكاتب هو الحلّ المناسب لقضيّة الشرعيّة. غير أنّ هذا الموقف تواجهه عدة صعوبات، أهمّها المسلّمة التي يبني عليها الترابي تصوّره، إذ يعتبر أنّ غالبيّة الشعوب المسلمة ستختار حتما المشروع السياسي الإسلامي إن ترك لها حريّة الاختيار. وفي هذا مأخذان كبيران: أمّا المأخذ الأول، فيتمثّل في المصادرة ذاتها التي انطلق منها الكاتب. فهو يعتبر أن كون الإنسان مسلما يعني ضرورة أن يتبنّى فهما معيّنا للإسلام يتّفق مع فهم الكاتب له. غير أنه لا يمكن الجزم بأنّ غالبيّة المسلمين يتفقون على فهم معيّن للشريعة ولا على تطبيقاتها ولا أنّهم مجمعون على شكل ما للسّلطة. إذ من المسلمين من يفضّل مراجعه الفقهيّة والمذهبيّة دون تخيير ولا تردّد. أمّا المأخذ الثاني، فإنّ جوهر قيمة الاستحقاق الانتخابي أو الدّيمقراطي، أنّه يقوم على تساوي الفرص من جهة وعلى ضرب من ضروب المقامرة من جهة أخرى. فإذا استحال مبدأ تساوي الفرص عند انطلاق العمليّة الاستحقاقيّة، فإنّ ذلك يعدّ خللا يتجاوز ما يبدو من استقامة شكليّة للعمليّة الانتخابيّة إلى المساس بجوهرها والمتمثّل في الممارسة الحرّة للاختيار، دون اعتبارات غير تلك الدّاخلة في ممارسة الحرّيات. يبدو أنّ الكاتب أعاد المسألة كلّها إلى حريّة الاختيار لكن بعد أن جعل من هذا الاختيار ضرورة تنتفي في إطارها أيّ مقامرة قد تدفع باتجاه مشروع آخر غير الذي يتصوّره الترابي إلى السطح. هذا من جهة قضيّة الشرعيّة السياسيّة. مشروعية السلطة: أمّا من جهة مشروعيّة ممارسة السلطة ذاتها أو ما يسمّى بوظائف الدّولة، فإنّنا وقبل الذهاب إلى رؤية الترابي في المسألة، نستحضر تصوّرين اثنين للدّولة الحديثة. يقوم التصوّر الأول على مفهوم دولة الرّفاه welfare state، أي نظام الحكم الذي يقوم على تصورات ديمقراطية ليبرالية اجتماعية تسند لنفسها مهمة توفير الخدمات الاجتماعية والصحية لمواطنيها، وما يعنيه ذلك من تضخم للضرائب، ولكن أيضا حدّ من الحريات الخاصة والعامة. وتصور آخر للدولة، هو دولة الحد الأدنى minimum state، أي الدولة التي وإن أخلت بمسؤولياتها الاجتماعية والكفالية والصحية، فإنها تعطي أهمية أكبر لاحترام حق كل فرد في ممارسة حريته كاملة. بين هذا التصور وذاك، تكمن رؤية الترابي للدولة ولمشروعية أدائها لواجباتها ولوظائفها ولحدود هذه الوظائف. والكاتب يعتبر الحرية أساسا تقوم عليه كل ممارسة سياسية، لكن هذا الفهم للحرية لا يتنافى عنده مع السلطات التي تمارسها الدولة. فمهمتها جمع الضرائب والمساهمة في إعادة توزيع الثروة وخلق تكافؤ للفرص بين الجميع وإقامة سلطان العدل. وقد حدّد الترابي الوظائف الموكول للدولة القيام بها في نقاط تفصيلية وتوضيحية. * »ديناميكية » الدعوة السياسية: لقد عودتنا أدبيات الدعوة الدينية على نوع من التفكير الانقلابي الذي يحاول تقديم قيم بديلة عن تلك السائدة من قبل. وإذا كان من المشروع لكل صاحب فكر جديد أن يفعل ذلك، فإن المسألة تختلف من منظور حقوقي سياسي. فمن حيث مضامين الخطاب الدعوي التقليدي، نلاحظ أن هذا الخطاب يقدم نوعا من الحقائق ذات الطابع الوثوقي، التي لا تقبل المختلف وتكرس بالضرورة انغلاقا على مستوى العقائد والتصورات. أما التوجه الذي يحاول صياغته الترابي من خلال مفهومه للدعوة السياسية، فهو محاولة الانفتاح على الآخر وتجاوز انغلاق ووثوقية الدعوة الدينية. هذا الانفتاح يأخذ عدة أشكال. فهو انفتاح على مشاغل الناس وحاجاتهم. وهو انفتاح أيضا على التفسيرات المختلفة للدين. لكنه كذلك انفتاح على المواقف والتصورات الأخرى اللادينية. وقد أكّد الترابي في أكثر من مكان من كتابه على هذه المعاني، مستندا في كل ذلك على ضرورة اعتبار الحرية ركنا من أركان أي دعوة سياسية ممكنة. لكن هذا العمل بذاته غير كاف. فالدعاة للتوبة السياسية بقوا عاجزين إلى حد بعيد عن ترجمة المبادئ العامة التي يدعون إليها إلى برامج واقعية سياسية واقتصادية واجتماعية. لذلك يلاحظ الترابي أن التجارب التي تمكن فيها المسلمون من إقامة سلطان الإسلام في السياسة فشلت في نهاية المطاف وتحولت إلى نتائج كارثية على أصحابها. ويعود في ذلك إلى عدّة تجارب ادّعت إقامة سلطان الإسلام على الأرض، وهي لازالت بعيدة عن إدراك ذلك من مثل التجربتين السودانية في عهد عمر البشير والأفغانية تحت سلطة طالبان. فالتجربة الإسلامية السودانية تحولت إلى حكم عسكري قصري تناقض أصلا مع مبدأ الحرية الذي ينادي به الإسلام. فبحسب رأيه « في السودان الفئة المنظمة الإسلامية التي دبرت الانقلاب الثوري تعسر فيها الانفتاح لأي مسلم متذكر من عامة الجماهير أو لاحقا يتزكى عبر حركة الثورة المتطوّرة ». كما أن التجربة الأفغانية قد تحولت إلى حكم العصابات، الفئات التي غلب فيها منطق العنصر الاثني على التصور الديني. لذلك يرى الكاتب أن من لوازم الدعوة السياسية انجاز عمل نظري يقدم المبادئ الإسلامية في شكل برامج قابلة للتطبيق. غير أن تمام هذا العمل مشروط بتوفر الحرية. هذا من جهة آلية الحرية الداعمة لتحقيق الدعوة السياسية. أما فيما يخص الجانب الآخر الجوهري في كتابه، فإن الترابي يعرض لمسألة « التوحيد والفصال بين الدين والسلطان » ومنهج تحقيق هذا التوحيد وتجاوز الفصال. ومع أن الترابي كان واضحا في ضرورة توفر شرط الحرية، إلا أنه بدا مترددا فيما يخص الدّعوة التي تواجه بالعنف السياسي من طرف الدولة. فهو يجيز الخروج عنها ردا للصاع صاعين ودفعا عن النفس « ومنهج التحول الإسلامي الجهادي مشروع في وجه القديم الذي يحرس باطله بطاغوت لا يسمع دعوة الهدى الجديد ». إلا أنه مع ذلك ينصح باتخاذ وسائل أخرى، مثل المصابرة والهجرة، خاصة إن توقع أصحاب الدعوة عدم قدرتهم على صد عنف السلطة. وهنا نتوقف لنسجل أن الترابي لم يرفض العنف أو حسب مصطلحه « جهاد الدفع » رفضا مبدئيا في العمل السياسي، بل ترك للتقدير أمر هذه المسألة كلها. فمن جهة مشروعية قيام الدعوة السياسية على مفهوم الجهاد فقد عزاه لغير الحرية. غير أنّ ذلك أمر تقديري، ففي كل المجتمعات يختلف الناس في موقفهم من حيز الحرية المتاح، هذا فضلا عن أن الدولة ليست وحدها المحدّد لمجال الحرية بل المجتمع أيضا يساهم في ذلك بقدر لا بأس به. ومثال ذلك مقاومة أصحاب المذاهب السنية أو الشيعية أو السياسية المخالفة من طرف المجتمع بمؤسساته ونخبه. فهل يجيز هذا الرفض الاجتماعي إقامة الجهاد؟ ـ الخاتمة: لقد وعى الترابي أهمية التفكير في تطوير الخطاب الدعوي لتجاوز سلبيات الماضي، ولكن أيضا تماشيا مع حاجات الواقع المتطورة وما تفرضه من تحديات. فالاكتفاء بالعموميات في الحديث عن مشاركة الأمة في العمل السياسي وعن حقوقها ودورها في الشورى والمراقبة، دون التطرق إلى الكيفية التي تمنح الناس حق الاعتراض وحدوده من الناحية الدستورية والقانونية، وكيف يكون الموقف إزاء المعارضين بمختلف توجهاتهم، يشير إلى القلق الذي اعترى الترابي، والذي أشار إليه تصريحا أحيانا وتلميحا غالبا حول المخاوف الجدية من إطلاق الحريات السياسية للناس، كي يمارسوا حقوقهم الاجتماعية التي تنتظم في الإطار الشرعي. إن اهتمام الترابي بالدعوة السياسية عائد بالأساس إلى تأثير نظرة الفقه السياسي الإسلامي التاريخي وإن خالفه في بعض المسائل. مثال ذلك اعتراضه على ضيق المساحة الفقهية المخصصة لرفض الانصياع لسياسات الحكام أو ما يطلق عليه بالعصيان المدني. فعوض التأكيد على ضرورة التمسك بالقيم والمقاصد الإسلامية العامة في المحافظة على العدل وعلى حقوق الناس أفرادا وجماعات، عوضا عن كل ذلك يستغرب الترابي تنصيص المدوّنة الفقهية الإسلامية التقليدية على لزوم الحفاظ على وحدة الأمة بالطاعة المطلقة لأولي الأمر، بغض النظر عن صلاح سياساته من فسادها. إن العمل الدعوي إذن في مفهوم الترابي يقوم على التفاعل مع الواقع الاجتماعي والسياسي وصهر الخطاب الدعوي حتى يبقى منفتحا وقابلا للتطور. وهذا الكتاب الذي يضعه الترابي بين أيدينا قد يدشن عهدا جديدا من الكتابات السياسية النظرية الإسلامية في مجال يعكس عمق الأزمة التي يعيشها الإنسان المعاصر، وهو القضية الحقوقية. فهل يكون المدخل الحقوقي الأنسب في فتح أبواب الدعوة السياسية؟ ثم هل تمثل الدعوة السياسية مرحلة جديدة من مراحل الدعوة الدينية أم نقضا لها وإقفالا نهائيا لمفهوم نشر الإسلام عقيدة بين الناس؟ سواء أكان الأمر بهذا الشكل أو ذاك، فإن كتاب « السياسة والحكم » عبّر عن التجربة السياسية التي عاشها الترابي في السودان والتمحيصات النظرية التي أبداها، والتي دفعته للخروج باستنتاج مفاده عمق الهوة الفاصلة بين الفقه السياسي النظري وبين إمكانية تحويل هذا الفكر إلى ممارسة مشروعة للسلطة. بالفعل، وبالعودة لبعض الحقائق التاريخية، نكتشف هول الفشل الذي أصاب كلتا التجربتين اللتين عاشهما الترابي في السلطة، واللتين حاول خلالهما انجاز قناعاته السياسية. فالتجربة السياسية التي انطلقت خلال بداية الثمانينات مع الرئيس جعفر النميري، قد أبانت عن جهل واضح لدى القائمين على مشروع تنزيل التصور الإسلامي في فكر الترابي للحياة السياسية والاجتماعية. ثم إن التجربة الثانية التي حصلت خلال التسعينات لم تكن أكثر نضجا. وفي الحقيقة، إن المتأمل في التجربتين ليكتشف جامعا مشتركا بينهما، ألا وهو غياب قيمة الحرية. ومن هنا قد نفهم محاولة هذا المفكر التأكيد على مركزية مسألة الحريات في تصوره السياسي للفكر الإسلامي استفادة من تجارب الماضي وتجاوزا لمعوقات الواقع. http://http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentid=11080  

                     

السياسة بين التباسات التاريخ و الواقع ومقاصد الشريعة


الصحبي عتيق* يُطرح السؤال من جديد حول طبيعة أنموذج النظام السياسي في الإسلام…والتمثيل النيابي الذي يستند إلى قوّة الانتخاب أي إلى الجماهير أم إلى قوّة السلطة التي تقف وراء النائب فترشحه وتزكّيه فيعمل تبعا لذلك على تأييدها لأنّه يستند إلى تزكيتها فيصبح ممثلا للسلطة لا للشعب كما هو الحال في أغلب الدول العربية. وأمام تغيّر دور الدولة ووظائفها فهل يمكن أن يستوعب الاجتهاد هذه التحوّلات لإقامة نظام يمثّل الشعب  أم يتمسّك المسلمون بنظام محدّد يبدأ ب »النسب القرشي » وينتهي بالتوريث ….والملك القهري ؟ وكيف يُدار الاختلاف السياسي في ظلّ التعددية الحزبية؟ لقد تحققت مقاصد الشريعة  في الفكر السياسي  على أرض الواقع في مراحل محدودة من التاريخ فكانت التأسيس لنموذج للشورى والعدل يستلهم منه المسلمون المفاهيم والمناهج والرّوح والمقاصد لأن « الأشكال المؤسّساتية والآليّات الدستورية والاجتماعية والاجتهادات التشريعية والسياسية هي نتاج بشريّ محكوم بالسياق التاريخي والظروف الحضارية والمناخ الثقافي لعصرها « (والتعبيرللد. طارق البشري ). ولئن مثلت هذه المراحل نماذج راقية تجلت فيها القيم الإسلامية وتلاحمت فيها النصوص بالواقع فقد حصل الارتداد سريعا ولم تتطوّر الأنماط والأشكال بل تضاءلت مساحات الشورى والعدالة لتنتهي إلي ملك عضوض لا يعتمد على إرادة الشعب فحسب وإنما يعصف بفلسفة الإسلام ومقاصده في الحكم ويفتح المجال للوراثة والشورى الشكلية والإكراه في البيعة والتشريع للاستيلاء والغلبة والاستبداد والتنظير لإمارة الاستيلاء التي تعقد عن اضطرار  مقابل إمارة الاختيار كما ذكر الماوردي مماّ أثار الشكوك والالتباسات في القيّم الإسلامية المتعلقة بالنظام السياسي والحريات العامة والشورى. لقد فُرض الاستبداد على الأمّة في أغلب مراحل الحكم على الرغم من مخالفته لنصوص الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة واستمرّ استحواذ الحكام المستبدّين على السلطة والثروة بحكم فردى مشرب بالروح القبلية والعائليّة والتوريث، يقول الدكتور أحمد الريسوني : »إن الفراغ التنظيمي والفقهي في مسألة إدارة الشورى وإدارة الاختلافات السياسية شكّل على الدوام سبب لتحكّم منطق القوة والغلبة بكل ما يعنيه ذلك من فتن وصراعات   وتصفيات دموية . » ورغم هذا الواقع فإنّ الإسلام لا يحمل أصولا مؤسِّسة للاستبداد في مفاهيمه ولا تشريعاته. ولقد كانت سلطة وضع القانون بيد العلماء إلى جانب استقلال القضاء و استقلال التعليم والثقافة وانتشار عدد من المؤسّسات الأهليّة المستقلة تأسيسا وتمويلا كالأوقاف والمساجد والتعليم والنشر . واليوم تبلورت الديمقراطية من خارج الثقافة الإسلامية ولكنّها « قريبة من جوهر الإسلام »بتعبير الشيخ القرضاوي من حيث اختيار الحاكم  والانتخاب والتمثيل النيابي والتداول على السلطة واستقلال القضاء وحرية التعبير والتنظّم …فإن الديمقراطية « هي أحسن صورة ابتكرتها البشرية لتطبيق الشورى الإسلامية « (والتعبير للدكتور محمد سليم العوّا) وهذا الرأيّ هو السائد في دائرة الفكر الإسلامي المعاصر(الشيخ القرضاوي ،الشيخ راشد الغنوشي ،الشيخ الترابي ،طارق البشري ،محمد سليم العوّا ،عبد الله الحامد …) إلى جانب عدد من قدامي المفكرين من أمثال الكواكبي وخير الدين التونسي والشيخ محمّد الطاهر بن عاشور القائل في كتابه « أصول النظام الاجتماعي » : « فلا ريب أنّ الحكومة الإسلامية حكومة ديمقراطية على حسب القواعد الدينية الإسلامية المنتزعة من أصول القرآن ومن بيان السنة النبوّية ومماّ استنبطه فقهاء الإسلام في مختلف العصور  » وإلي جانب ما تتيحه الديمقراطية من نظم وآليات فإنّ الإسلام يثريها بقيم تعطيها السموّ الأخلاقي والعمق الإنساني الذي يحميها من سلبيات الرأسمالية المتوحشة والتلاعب بالضمائر والذمم والأصوات . ويطرح الشيخ القرضاوي في كتابه « الدين و السياسة مفهوم « المواطنة  » بديلا عن مفهوم « أهل الذمّة » ويرى الشيخ مهدي شمس الدين فكرة « ولاية الأمّة عن نفسها « بديلا عن نظرية « ولاية الفقيه »في الفكر الشيعي. فالمسلمون اليوم مكلّفون بفهم الإسلام ومقاصده بقدر فهم الواقع في ضوء ما يتحمّله دون تعسّف عليه ودون إكراه للنّاس وعيا بفقه الموازنات والمآلات و التّنزيل مع الانفتاح على منجزات الحضارة الإنسانية إلي جانب ما يتيحه العقل من اجتهاد في تنزيل أحكام الوحيّ طلبا للإضافات النافعة للبشرية « فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها أينما وجدها ،يقول ابن عقيل: (السياسة ما كان فعلا يكون الناس فيه أقرب إلي الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي )و يقول ابن القيّم 🙁 وإذا ظهرت أمارات الحقّ وقامت أدلة العدل وأسفر وجهه بأيّ طريق كان فثمّ شرع الله ودينه …فأيّ طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له ) فهل يأتي على المسلمين زمن يمارسون فيه حقّ اختيار من يحكمهم ولا يجدون في أنفسهم حرجا من التلاقح بين الإسلام ومكتسبات البشريّة…ولا يفترق فيه القرآن و السلطان أم سيتواصل الاستبداد ليحول دون الأمّة ونهضتها ؟ *باحث وكاتب تونسي (نشر بملحق صحيفة « العرب »القطرية 17سبتمبر2009)


في ضرورة التعمق في معضلة التحول الديمقراطي (1)


طارق الكحلاوي جرت العادة على مشارف الحدث الانتخابي في السياق العربي بشكل عام، مع بعض الاستثناءات القليلة، أن تتضارب الآراء في المشهد العام بين مظاهر الاحتفالية واللامبالاة، وفي المشهد النخبوي بين المشاركة والمقاطعة. بعيدا عن هذا الجدال، تبدو لي الأسئلة الهيكلية، أي تلك التي تتجاوز النظر فيما هو حينيّ وراهن، بنفس الأهمية أو ربما أكثر. إذ هناك حاجة أكبر لاستقراء للوضع على مدى زمني طويل وفي سياق مقارن وبالاستعانة بدراسات في العلوم السياسية والتاريخ المعاصر تعمقت في موضوع التحول الديمقراطي. فالاستغراق فيما هو راهن سياسي وما يستتبعه من إنتاج وإعادة إنتاج البيانات المقتضبة ولغتها التقريرية التعبوية يمكن أن يعزل السياسي عن الجمهور بنفس القدر الذي يمكن أن ينعزل فيه المنظّر في برجه العاجي. إذ هناك حدان في هذه الحالة، ليس في التنظير التجريدي المحلق في الآفاق البعيدة فحسب، بل أيضا في مستوى الممارسة المجردة من أي قدرة على تجاوز التكرار واستفهام الهياكل العامة لما هو قائم لاحتمال تجاوزه. منذ حوالي العامين بالتحديد (سبتمبر 2007) كتبت ما اعتقدت وما زلت أنه مقال أولي تقديمي في موضوع التحول الديمقراطي على أمل مَوْضَعَتِه في إطار الخصوصية العربية بما في ذلك التونسية. مقال أولي في مشروع أملت أن يكون أكبر، كان يجب أن تليه مقالات أخرى ولكن لم أنجز هذا المشروع الذي لا أعتقد أنه يمكن أن يتحقق بشكل فردي. في هذا المقال التقديمي حاولت طرح السؤال الهيكلي أعلاه من خلال مساءلة بعض الطروحات الكولونيالية والنيو-كولونيالية التي انتعشت بتأثير تجربة �بناء الديمقراطية في ظل الاحتلال� في العراق. والتي اتجهت للتشكيك في إمكان بناء ديمقراطية في المجال العربي-الإسلامي من دون إعادة تشكيل هويته الثقافية مع السياسية. الأفكار التي طرحتها حينها ما زالت في حاجة لإعادة المطارحة، وهي الأفكار الثلاث التالية: أولا، اقتراح مقاربة مفهومية �فارابية� (نسبة لأبي نصر الفارابي) يمكن أن تساعد على تفكيك الشرط المستديم للمجتمع ما قبل الديمقراطي (خاصة الارتباط الحميمي بين القاهر والمقهور). ثانيا، مقاربة تاريخانية لتجارب صناعة الديمقراطية. ثالثا وأخيرا، عرض استنتاجات أولية لمقاربة الوضع العربي بشكل خاص. وهي الأقسام التي ستكون محاور هذا المقال. يبدأ الناشط السياسي، في هذه الحالة �الناشط الديمقراطي�، من مسلّمة قدرته على التغيير من خلال �توعية الشعب�، الذي هو، بطبيعة الحال، �غير واع�. ومن ثم ينتظر �الشعب� فقط مبادرة الناشط للبدء في تقبل الوعي. في هذا العالم القائم على ثنائيات تبسيطية مثل ثنائية القائمين بالتوعية والمتلقين للتوعية، أو ثنائية الشعب المحروم من الوعي والناشط المختار لترويج الوعي، يتم في نهاية الأمر تجاوز واقع التفاعل الضمني والحتمي بين مختلف مكونات أي ظاهرة اجتماعية. وبالتحديد التفاعل الضروري والحتمي حتى بين من يبدو �مفعولاً به� (مقهور) من الناحية السياسية ومن هو �فاعل� (قاهر)، وبالتالي �الفاعلية� المتضمنة في السلبية الظاهرة لمن هو �غير واع�. وبمعنى آخر تبدو المعادلة التي تجعل �الشعب� موضوعا تعبويا، لصاحب السلطة، أو لصاحب سلطة القول المعارض، المسوّغ الأساسي لجعله �الضحية�. إذ هو، وفق هذا المنطق الميكانيكي، إما ضحية التعتيم وإما ضحية الدعاية التحريضية. غير أن علاقات الكتل الاجتماعية المنخرطة في الفعل السياسي أعقد من ذلك. نُكران هذه المعادلة التفاعلية يصب في نهاية الأمر في قراءة ذات بعد واحد، لا تفقه ديناميكية أي واقع حتى ضمن أوقات ثباته. من بين الرؤى الجوهرانية، أي تلك التي تمنح �جوهراً� ثابتاً عبر الزمان لأي ظاهرة معينة، الرؤية التي ترى عدم قابلية شعب أو مجال جيوسياسي محدد لتحقيق الديمقراطية بما تعنيه من مؤسسات قيمية بما في ذلك حرية التعبير. وفي الوهلة الأولى تبدو هذه الرؤية ليس فقط جوهرانية ومن ثم غير واقعية من الزاوية التاريخية، بل أيضاً شديدة القسوة ومحبطة للآمال وحتى عنصرية. غير أنه من البلادة القفز لمثل هذه الاستنتاجات من دون الاعتراف أولا بأن �عدم القابلية للديمقراطية� هي أمر حقيقي وطبيعي طالما لم تتوافر ما يكفي من الأسباب حتى تتحقق. وهكذا هناك إمكان لأن يكون �جوهر ظاهرةٍ ما ثابتاً� حالما لم تتوافر العوامل الكافية لأن تعصف به الديناميكية التاريخية. فالأخيرة ليست أمراً اعتباطياً بقدر ما هي مشروطة وتتوقف ليس على فعل مانع الديمقراطية بل الأهم من ذلك على استعداد المعنيّ بتحققها. وبمعنى آخر عدم تحقق الديمقراطية لا ينشأ عن عامل القهر غير الديمقراطي فحسب بل بالأساس عن عامل عدم استعداد المقهور للتضحية بما هو عليه لكي يقتحم عالم غير المقهورين سياسيا. يتيح لنا ذلك أن نقارب موضوع استدامة القهر زمنيا من جهة مختلفة عن الجهة الروتينية التي تضعنا أمام صراع (وهمي أحيانا كثيرة) بين القاهر ومقهوريه. حيث تبدو استدامة القهر ممكنة بالأساس ورغم التضاد المصلحي بين القاهر والمقهور بفضل توافر بنية مشتركة بينهما، أساس واحد يجمع فيه الطرفين على �عدالة� و �وجاهة� استدامة حالة القهر. يمكن اختزال هذه الظاهرة في مفهوم �اجتماع القاهر والمقهور�. ورغم أن ذلك يبدو في غاية الغرابة وباعثا على الإحباط إلا أنه يمثل ظاهرة قديمة، ربما قدم الاجتماع البشري. وفي الحقيقة لن نحتاج لاكتشافات منهجية حديثة حتى نتوغل في هذا الموضوع الشائك. إذ يمكن أن نجد ما يكفي من الأفكار حول هذه المسألة في أحد كتب أبي نصر الفارابي (توفي 339 هجرية/950 ميلادية) أعتقد أنها ما زالت ذات جدوى حتى اليوم. كتب الفارابي كتابه �آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها� كواحد من تعليقاته المتواصلة على المقاربات النيو-أفلاطونية التي اعترضته عبر احتكاكه مع ما تبقى من مدرسة الإسكندرية في الفلسفة اليونانية. وطرح الفارابي رؤيته بناء على مبدأ جوهراني لمرحلة ما قبل المجتمع الديمقراطي (أو �الحديث�) حيث �العدوان� مبدأ يتفوق على بقية �الخصائص الطبيعية� للشخصية البشرية ومن ثم تصبح آليات إقامة التوازن بين المعتدي والمعتدى عليه هي الصيغ الوحيدة الممكنة للتعايش الاجتماعي. وضمن هذا التصور، الذي أعيد إحياؤه في المنظومة الخلدونية فيما بعد، تمت مناقشة �مضادات المدينة الفاضلة� المتركزة في مفهوم جامع هو �المدينة الجاهلة�. سأتوقف هنا تحديدا عند أحد وجوه الأخيرة وهي �مدينة التغلب� (و �المدينة الفاسقة� و �المدينة الضالة� من الوجوه الأخرى لـ �المدينة الجاهلة�). هنا تبدو كلمات الفارابي خارقة للعصور ومكتنزة لمعنى شديد الثبات وهو التعاون بين القاهر والمقهور لإعادة تشكيل معاني �العدل� و �الطبيعة� و �السعادة�. في هذا الاتجاه تبدو الفقرة التالية شديدة البلاغة للتأكيد على المعاني المفارقة التي تسود �المدينة الجاهلة� (�ما قبل الديمقراطية� في قراءتنا هذه)، إذ يقول الفارابي: �فالأقهر منها لما سواه يكون أتمّ وجودا. والغالب أبداً إما أن يبطل بعضه بعضا، لأنه في طباعه أن وجود ذلك الشيء نقص ومضرة في وجوده هو، وإما أن يستخدم بعضا ويستعبده، لأنه يرى في ذلك الشيء أن وجوده لأجله هو… وأن الإنسان الأقهر لكل ما يناويه هو الأسعد… وأنه لا ينبغي أن يكون مؤازره مساويا له، بل مقهورا؛ مثل أن يكون أقواهم بدنا وسلاحا يقهر واحدا، حتى صار ذلك مقهورا له قهر به واحدا آخر أو نفرا، ثم يقهر بأولئك آخرين، حتى يجمع له مؤازرين على الترتيب. فإذا اجتمعوا له صيرهم آلات يستعملهم فيما فيه هواه… فاستعباد القاهر للمقهور هو أيضا من العدل. وأن يفعل المقهور ما هو الأنفع للقاهر هو أيضا عدل. فهذه كلها هو العدل الطبيعي، وهي الفضيلة�. (انتهى كلام الفارابي). المعادلة الفارابية للقهر والاستعداد لتقبّل القهر السياسي التي تحكم المجتمعات ما قبل الديمقراطية ليست مجرد تهويمات فلسفية. فهي تجد تمظهراتها اليومية في الانخراط الجدي لجموع الرعايا في قبول الأمر الواقع للقاهر. وتطرح تساؤلات حقيقية حول منظومة الناشطين الديمقراطيين التي تركب مفاهيمها على مركزية الصراع السالب وذي البعد الأحادي بين القاهر والمقهور. في المقابل تبدو القراءة التاريخانية لصناعة الديمقراطية المدخل المنهجي الذي يمكن أن يضع قراءة الفارابي ضمن أطر واقعية، تخرج بها من الاحتمالات المحبطة للثبات التاريخي. فالصراع بين مكونات المعادلة الفارابية لا يمكن له أن يتجسد ويحقق تحولات سياسية فعلية دون توافر ما يكفي من الآمال الواقعية التي تجعل صراعا مماثلا مثمرا بحق لمصلحة �المقهور�. إذ إن الشعوب لا تطرح سوى المسائل التي تقدر على حلها.   tkahlaoui@gmail.com (المصدر: صحيفة « العرب » (يومية – قطر) الصادرة يوم 27 سبتمبر 2009)
 

التغير المناخي.. التحدي الأكبر للانسانية

توفيق المديني شكل الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ (64)، فرصة تاريخية لدق جرس الإنذار حول ما تتعرض له الكرة الأرضية من كوارث حقيقية من جراء انبعاثات الغازات الدفيئة، وما ستتعرض له البشرية من أخطار في المستقبل، ذلك أن التهديد الذي يمثله التغيير المناخي هو التحدي الأكبر الذي تواجهه الإنسانية، الأمر الذي يتطلب بذل جهود عالمية موحدة لمعالجة هذه المشكلة قبل مؤتمر كوبنهاغن الذي سيلتئم في كانون الأول /ديسمبر المقبل.‏ وقد بدأت الجهود لإنقاذ قمة كوبنهاغن مع اجتماع في واشنطن لممثلي منتدى أبرز الاقتصادات المتطورة والناشئة المسؤولة عن 80% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الكوكب. وكان المبعوث الأميركي حول التغير المناخي تود ستيرن صرح يوم الجمعة 18 أيلول الجاري، بعد يومين من المحادثات أنه «تم تذليل الخلافات بعض الشيء» إلا أن التباين في وجهات النظر لا يزال قائما. وقد تناولت المحادثات الجهود المبذولة لخفض انبعاثات الغازات من هذه الدول وتدابير التكيف والتكنولوجيات.‏ وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون افتتح في نيويورك قمة تغير المناخ يوم الثلاثاء الماضي، حيث خاطب زعماء العالم، قائلاً إن حضور هذا الحشد مهم إنما هو «شاهد على خطورة التغير المناخي. إنه شهادة على الفرصة التي تقدمها كوبنهاغن»، مشدداً على أن «قراراتكم ستكون لها نتائج تاريخية». ولاحظ أن «انبعاثات الغاز من البيوت الخضر تستمر في الازدياد. وسنصل قريباً الى عتبات خطرة. عواقب لا يمكننا استدراكها». وأضاف أنه «في إفريقيا، القارة الأكثر هشاشة، يهدد التغير المناخي بإعادة مكتسبات التنمية سنوات الى الوراء». وأكد أن التغير المناخي هو «القضية الجيوبوليتيكية والاقتصادية للقرن الحادي والعشرين»، ذلك أنه «يعيد كتابة المعادلة العالمية للتنمية والسلام والازدهار»، لأنه «سيزيد الضغوط على المياه والغذاء والأرض… وسيزعزع دولاً هشة ويقلب حكومات».‏ وفي خطاب هو الأول له أمام الأمم المتحدة، وصف أوباما موضوع التغير المناخي بأنه «جدي وخطر وعاجل»، وأن العالم «لا يمكنه السماح للخلافات القديمة التي ميزت النقاش في شأن المناخ سنوات طويلة بمنعنا من التقدم»، معترفاً بأن التوصل الى أي اجماع سيكون بطيئاً. وأضاف: إنها «رحلة تتطلب من كل منا المثابرة لمقاومة النكسات، والكفاح من أجل كل بوصة تقدم». وذكر أن العالم كان بطيئاً جداً في اعترافه بخطر ارتفاع درجات الحرارة، وأن «بلدي فعل ذلك أيضاً». وأكد أنه «ملتزم أن تضع الولايات المتحدة استثماراتها الأكبر في الطاقة المتجددة، والمعايير الجديدة لخفض التلوث من المركبات وجعل الطاقة النظيفة مربحة، الى مبادرات أخرى». ولكن «على الدول النامية أن تقدم أيضاً المساعدة المالية والتقنية لاعانة الباقين على التكيف مع آثار تغير المناخ ومواصلة تنمية مخفوضة الكربون». وبعدما أعرب عن «تفهمه خطورة التهديد المناخي» سجل أن الاندفاع الى التغيير يأتي في خضم انكماش اقتصادي عالمي «لذلك نواجه كلنا شكوكاً وصعوبات في عواصمنا في محاولتنا التوصل الى حل دائم للتغير المناخي».‏ ولاتزال الولايات المتحدة تتهرب من الوفاء بالتزاماتها الدولية، فيما يتعلق بمكافحةظاهرة الاحتباس الحراري، بينما لا يبدو مجلس الشيوخ مستعداً لتبني مشروع قانون حول المناخ قبل عام 2010. وشكك زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد مؤخراً في تبني مثل هذا القانون في 2009، إذ قال: إن إصلاح نظام التأمين الصحي يشكل أولوية. وفضلا عن ذلك لا تزال واشنطن ترفض تقديم مساعدة للبلدان النامية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري وانعكاساتها بينما اقترحت أوروبا من جانبها مساعدة بقيمة مئة مليار يورو سنوياً من البلدان الغنية بحلول 2020، قد تصل الحصة الأوروبية منها إلى 30.4%. وقال سفير الاتحاد الأوروبي في واشنطن دون برتون إن العالم لا يمكنه انتظار قرار بلد واحد لإبرام اتفاق.‏ من جانبه قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: «إذا لم نضبط ارتفاع الحرارة عند حد درجتين مئويتين، فإن أولادنا وأحفادنا سيواجهون كارثة لا يمكن التحكم بها على الإطلاق». وأضاف: إن «الجميع يعلمون أن هناك أربعة حجارة أساس هي، وفقاً لخريطة طريق بالي  تتيح لنا النجاح في كوبنهاغن: خفض الانبعاثات العالمية بما لا يقل عن 50 في المئة بحلول سنة 2050 الى ما دون مستويات 1990. وخفض انبعاثات الدول المتقدمة بما لا يقل عن 80 في المئة سنة 2050 مع وجود أهداف مقارنة متوسطة الأمد متلازمة مع الهدف البعيد الأمد. وخفض تنامي انبعاثات الدول الناشئة مع مواصلة الأعمال عبر المساعدة التكنولوجية والمالية من الدول المتقدمة. وأخيراً وليس آخراً، التكافل مع الدول الأكثر هشاشة وخصوصاً في إفريقيا ودول الجزر الصغيرة». وأبرز الى الخطوات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي برئاسة فرنسا من دون انتظار اجتماعات كوبنهاغن، كما أشاد بالقرارات التي اتخذتها الحكومتان اليابانية والمكسيكية، داعياً الى قرارات «تمتثل لمبادىء منظمة التجارة العالمية». وأضاف: إن فرنسا تدرس مع دول أخرى كالبرازيل القيام بعمل بالغ الأهمية لحماية الغابات من الهلاك، لأن عمليات القضاء على الغابات مسؤولة عن 20 في المئة من الانبعاثات. وقدم اقتراحاً لتوفير طاقة نظيفة لإفريقيا.‏ واعتبرت منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن ظاهرة الاحتباس الحرار ي ناتجة أيضا من من نشاطات إزالة الغابات وتدهورها لدى البلدان النامية، ذلك أن أن إزالة الغابات وتدهورها «مسؤولة وحدها عن إطلاق كمياتٍ تكاد تبلغ خُمس مجموع الغازات الناجِمة عن الاحتباس الحراري في العالم، أي ما يفوق الانبعاثات المنطلقة من كل السيارات والشاحنات والسفن والطائرات على الكوكب». فالحفاظ على الغابات يلعب دوراً مهماً في التخفيف من وطأة الظاهرة.‏ وأكدت البلدان النامية المشارِكة في الاجتماع، استعدادها الطوعي لتحقيق تقليص واسع في عمليات إزالة الغابات والحدّ من تدهورها، شرط حصولها على دعمٍ مالي كافٍ. على حين سلّط الأمين العام للأمم المتحدة الضوء على إمكان أن تشهد كميات الغازات الدولية المنطلقة في الأجواء انخفاضاً ضخماً بفضل الحؤول دون إزالة الغابات».‏ وقدّر التقرير الذي أعدته مجموعة العمل غير الرسمية في شأن التمويل المؤقت لخفض انبعاث الغازات، إمكان تقليص نشاطات إزالة الغابات 25 في المئة برصد تمويل تتراوح قيمته بين 15 و20 بليون يورو (نحو22 إلى 29 بليون دولار) بحلول عام «2015». (صحيفة الحياة 25 أيلول 2009).‏    (المصدر:صحيفة الثورة(يومية-السورية)شؤون سياسية بتاريخ 27 سبتمبر2009)  

القوميّون.. ومعركة التاريخ: مقدّمات منهجيّة بقلم


عليّ بلحاج
 
– من ثوابت المنهج الإنسانيّ أنّ الماضي مادّيّ جامد لأنّه يفلت بمجرّد وقوعه من إمكان الإلغاء أو التغيير. ولذلك لا يبقى أمام الناس في مجتمع ما في زمان ما إلاّ أن يغيّروا واقعهم عن طريق الحدّ من الاستمرار التلقائيّ للظروف التي إن امتدّت تحوّلت من مشكلات إلى عقد واستنزفت الجهود المضاعفة لتجاوزها. إنّ الماضي مادّيّ جامد، هذا صحيح. لكنّ الصحيح أيضا أنّ أحداث الماضي سواء أكانت إيجابيّة أم سلبيّة، انتصارات أم هزائم، تقدّما أم تراجعا، بطولات أم خيانات،… هي جزء من تاريخ أيّ شعب أو مجتمع تدخل في تركيب النسيج الاجتماعيّ وتدخل في رصيد الخبرات المتراكمة لذلك المجتمع أو الشعب. وعلى هذا الأساس لا يكون من العلميّة أو الموضوعيّة أن يصبح الموقف من الماضي غاية في ذاته بكاءً أو ثناءً، دفاعا أو تحاملا، تقديسا أو احتقارا… بل العلميّ والأصيل حقّا هو قراءة أحداث الماضي، مهما تكن إيجابيّتها أو سلبيّتها، قصد فهم منطق تطوّر الظروف لبناء المستقبل كما نريد. ومن هنا يكون التعويل على موقف القوى الاجتماعيّة والسياسيّة من المستقبل لا من الماضي، بل إنّ موقفها من المستقبل ومن قدرتها على الفعل فيه هو الذي يحدّد لها الموقف من الماضي وممّا تحتاج إليه منه. إنّ الماضي يصبح هكذا مصدرا للخبرات لتدعيم الانتصار أو تجاوز الانكسار. ومن الجدير بالملاحظة أنّ الأسئلة لا تطرح غالبا إلاّ في حال الهزيمة أو الفشل. وفي هذه الحال لا نجد إلاّ سؤالا واحدا يتكرّر بأشكال مختلفة: لماذا هزمنا؟ وحبّذا لو كان الهدف من السؤال أن نصل إلى جواب عمليّ نتجاوز به الأسباب التي رشّحتنا في ذلك الظرف بالذات للهزيمة أو الفشل، لكنّ السؤال على هذا النحو لا يتجاوز كونه سؤال بداية لينهال بعد ذلك الكلامُ سياطا نجلد بها أنفسنا وتستغلّها القوى المعادية في الداخل والخارج لتعمّق الجراح ولتقنعنا أنّنا أمّة هزائم وأنّنا « خلقنا » لننهزم وأنّ الأعداء أقوى منّا ومتفوّقون علينا حضاريّا أو ديمقراطيّا أو تقنيّا… لذلك انتصروا علينا وما علينا إلاّ أن نسلّم بتخلّفنا وهزيمتنا وأن ننقاد إلى الغالبين فنتبع ما يفعلون لأنّ تلك هي السبيل الوحيدة للتقدّم والرخاء والازدهار. وقد يتحوّل البعض، ردّا على تلك الأسئلة، إلى موقع المدافع حتّى أنّه يصل إلى درجة تجميل الهزيمة ورسمها في قالب نصر أو « نكسة » بسيطة لا تستحق كلّ تلك الضجّة. هذا في حال الهزيمة، أمّا في حال النجاح أو النصر فيندر – أو ينعدم – السؤال: لماذا نجحنا؟ أو لماذا انتصرنا؟ وكأنّ السؤال عن سبب النصر لا يستحقّ التأمّل لنعرف هل كان النجاح صدفة أم كان نتاجا لعمل مبرمج علميّ دقيق؟ ولا نصطدم بجدوى هذا السؤال إلاّ عندما تقع بنا الهزيمة النكراء فنكتشف أنّنا كنّا أبعد ما نكون عن النصر يوم حدث، وإنّما هي الظروف قد نضجت بما يكفي لينهزم الأعداء – ربّما – لا لننتصر نحن! وفي تلك الحال تكون الهزيمة القاسية بمرارتها أفضل من النصر يأتي ولا نعلم كيف أو لماذا أتى؟ الهزيمة القاسية تكون رجّة حتّى نفيق من غفوتنا أمّا النصر غير المعروف فيزيدنا غفلة ويخفي عنّا نقائصنا التي يكون الوقت قد تأخر كثيرا عن إصلاحها لأنّ الزمن يعمّق المشكلات إن لم تحلّ وذلك على الأقلّ بأن يضيف إليها جهلنا بها! 2- في هذا الإطار يعلّم القوميّين العربَ منهجُهم أن يتعاملوا بموضوعيّة مع الماضي. والتعامل الموضوعيّ مع الماضي هو التعامل معه على أنّه مصدر من الخبرات المتراكمة. فلا يوصدون أبوابهم دونه بل ينفتحون عليه. ولهذا الماضي – في رأينا – مستويات ثلاثة: ماض ذاتيّ خاصّ هو ماضي الحركة القوميّة العربيّة بكلّ تفاصيله ويمكن أن نسمّيه كما سمّاه من سبقنا « تاريخ الحركة القوميّة العربيّة »، وماض موضوعيّ عامّ هو تاريخ الأمّة العربيّة منذ نشأتها جنينا اجتماعيّا في « دولة » المدينة/ يثرب إلى الآن، وماض إنسانيّ هو تاريخ البشريّة. إنّ هذه المستويات المتراكبة من « التواريخ » تترابط في ما بينها ترابط الكلّ بالجزء أو الجزء بالكلّ: فالكلّ يحتوي الجزء ولا يلغيه والجزء ينضوي تحت الكلّ ولا ينقضه. فلا تناقض إذن، بل هي خبرات الذات والمجتمع تقدّم للإنسانيّة وخبرات المجتمعات والشعوب في العالم تنضاف إلى خبراتنا الذاتيّة في تفاعل خلاّق بين التجارب لمواجهة مشكلات الواقع خلقا لمستقبل أفضل. ولذلك نقول إنّ تاريخ الحركة القوميّة العربيّة هو جزء لا يتجزّأ من تاريخ الأمّة العربيّة بل إنّنا لا نستطيع الحديث عن تاريخ تلك الحركة إلاّ بالنظر في العلاقات التفاعليّة التي بينها وبين تاريخ الأمّة العربيّة السياسيّ والاجتماعيّ والدينيّ والثقافيّ والاقتصاديّ والعلميّ… 3- على أنّ ما يعنينا في هذا الحديث الموجز هو تاريخ الأمّة العربيّة. وذلك من زاويتي نظر متكاملتين. أمّا الأولى فمنهجيّة فكريّة / نظريّة لأنّ فيها إثباتا لنجاعة النظريّة القوميّة في تفسير التاريخ القوميّ للأمّة العربيّة وفي تفسير التاريخ عامّة على أساس المنهج الإنسانيّ الذي يضع الإنسان في مكانته الأصيلة قائدا لحركة التطوّر الاجتماعيّ. وأمّا الثانية فعمليّة تتنزّل في استكمال إحدى المهمّات التاريخيّة للحركة القوميّة في الوطن العربيّ وهذه المهمّة نريد أن نسمّيها « كسب معركة التاريخ ». وذلك أنّنا نلاحظ أنّ المعارك المحتدمة في ساحة النضال السياسيّ القوميّ تبدو قد استنزفت فكر القوميّين وطاقاتهم النضاليّة فانصرفوا أكثر نحو اللحظة الراهنة كسبا للمعارك الدائرة. ولا شكّ أنّ في ذلك ما يبرّره ولا يحتاج إلى اجتهاد منّا لتوضيحه. لكنّ غير الخفيّ أيضا أنّ القوى المعادية في الوطن العربيّ لا تخوض حربها الشرسة ضدّ الأمّة العربيّة والقوى القوميّة في الساحة السياسيّة أو العسكريّة فحسب بل إنّها تخوض معركة ربّما أشرس على الصعيد التاريخيّ. وممّا نسوقه مثالا على ذلك أنّ الإقليميّة اليوم في الوطن العربيّ لم تعد هي الإقليميّة في منتصف القرن الماضي أو حتّى في نهاياته. فهاهي تسعى إلى أن تصطنع لنفسها جذورا وتاريخا: إنّها – بكلّ ما أوتيت من قوّة ومن أجهزة دعاية ومن جامعات ومراكز بحوث ودراسات – تحاول أن تسرق تاريخ العرب القوميّ وتنسبه إليها وتحاول أن تقفز على أكثر من أربعة عشر قرنا من تاريخ أمّة بأكمله لتنحت لنفسها كيانات قبليّة أو عشائريّة أو شعوبيّة… ومن جهة أخرى تحاول أن تطمس جانبا كبيرا من تاريخ العرب المعاصر في النضال من أجل التحرّر صنعته القوى القوميّة تحت أسماء عديدة كانت الصفة القوميّة فيها أحيانا صريحة وأحيانا ضمنيّة. بل إنّ القوميّين إذا ما ذكروا إنّما يوصفون بالنعوت السلبيّة والهامشيّة وكأنّ الأصل هو حركات الإقليميّين العملاء للاستعمار والتجزئة. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تساق مشرقا ومغربا. زد على ذلك أنّ تاريخ النضال القوميّ اليوم يقدّم للناشئة العربيّة على أنّه تاريخ « وطنيّ » خاصّ بكلّ دولة عربيّة على حدة. ولا شكّ أنّ القوميّين على يقين أنّ من يسند هذا التوجّه الإقليميّ هو قوى الاستعمار الامبرياليّ والصهيونيّ. ولا غرابة في ذلك إذا ذكرنا أنّ الدول العربيّة الإقليميّة هي وليدة مشروع استعماريّ أوجدها وأوجد معها كيانا سرطانيّا يحرس تجزئة هذه الأمّة وتخلّفها وتبعيّتها. ولذلك لا يجرؤ إقليميّ مهما تكن وقاحته أن يدّعي أنّه هو الذي ضبط حدود دولته المزعومة أو أنّ تلك الحدود هي حدود تاريخيّة لتلك الدولة.  ولذلك فعلى كلّ القوميّين أن ينتبهوا إلى أهمّيّة هذه المعركة معركة التاريخ. إنّها وجه من وجوه معركة المصير، وهي جزء من « حرب الاستنزاف الفكريّ » – التي دعا إليها نديم البيطار – ضدّ الإقليميّة. وهي بعدُ معركة لإثبات التاريخ القوميّ العربيّ الواحد، ومن ثمّ المصير العربيّ الواحد الذي يقتضي موضوعيّا دولة واحدة، ومعركة لإثبات المشروعيّة التاريخيّة للحركة القوميّة العربيّة من خلال تأصيلها في الوطن العربيّ. إنّ هذه الحركة ليست وليدة الأحداث الراهنة ولا هي مسقطة على تاريخ الأمّة العربيّة إسقاطا بل إنّها حركة أصيلة انطلقت منذ ظهر العدوان على وجودنا الاجتماعيّ سواء من جانب الأمّة التركيّة الطورانيّة – فكان العنوان قوميّا صريحا لأنّ المعتدي مسلم – أو من جانب الأمم الأوروبيّة الاستعماريّة – فكان العنوان إسلاميّا لأنّ المعتدين كانوا غير مسلمين – فلا فرق عند العربيّ بالسليقة بين العروبة والإسلام، بل لعلّ من اللافت أنّ العرب الذين كانوا يناضلون ضدّ العدوان التركيّ كانوا يتمسّكون بالرابطة الإسلاميّة التي كان الأتراك منقلبين عليها دفاعا عن الأطماع الاستعماريّة لحماية مصالحهم مع المستعمرين الغربيّين. 4- إنّ ما نعنيه بكسب معركة التاريخ في هذا السياق يمكن أن نسمّيه أيضا « إعادة كتابة التاريخ العربيّ بمفردات قوميّة ». ذلك أنّ القوميّين يؤكّدون استنادا إلى منهجهم أنّ الأمّة العربيّة أمّة مكتملة التكوين التاريخيّ. وهذا يعني أنّهم لا ينظرون إلى المجتمع العربيّ القوميّ على أنّه معطى ثابت ولا إلى الأمّة العربيّة على أنّها خالدة بل إنّهم يدركون – ويريدون أن يدرك الناس – أنّ الأمّة عامّة والأمّة العربيّة خاصّة هي نتاج لتطوّر تاريخيّ يعيشه الناس أثناء بحثهم عن حياة أفضل. وهم لذلك ينظرون في تاريخ الأمّة بحثا عن ذلك الخيط الرابط بين المراحل أو الأطوار الاجتماعيّة المختلفة. وإنّهم – وهذا جدير بانتباه خاصّ – لا يرون أنّ الأطوار اللاحقة اعتداء على الأطوار السابقة وطمس لها. قلنا إنّ هذا جدير بانتباه خاصّ لأنّ تاريخ العرب القوميّ عادة ما يصوّر عند الكثير – جهلا أو عدوانا – على أنّه محاولة لطمس معالم الحضارات التي كانت في هذه الرقعة الجغرافيّة أو لإبادة الشعوب الأصليّة. وللأسف نقول إنّ من القوميّين من يتجاهل أو يرفض الحديث عن تاريخ تلك الحضارات السابقة لاكتمال تكوين الأمّة العربيّة بدعوى الدفاع عن القوميّة العربيّة ضدّ النزعات الرجعيّة المرتدّة إلى الأطوار المتخلّفة السابقة. إنّ الحرص على التصدّي للنزعات الانفصاليّة يجب ألاّ يخفي عنّا أنّ الطور القوميّ طور لاحق لأطوار أخرى فهو لا ينفيها بل إنّه لم يوجد إلاّ لوجودها قبله. وإنّ الطور القوميّ إن كان تجاوزا للأطوار السابقة فهو أيضا وريث لكثير من خصائصها. إنّه إضافة إلى ما سبقه وإكمال له وليس انتقاصا منه أو طمسا له. على هذا الأساس كان لزاما أن تدرس كلّ الأطوار السابقة للطور القوميّ لفهم منطق التكوين القوميّ للأمّة العربيّة ولتبيّن الإضافة التي جاء بها هذا الطور الجديد. وفي ذلك التزام للمنهج التقدّميّ الموضوعيّ للفكر القوميّ وردّ على المشكّكين ودعم للقدرة على بناء المستقبل العربيّ لأنّ الظاهرة التي لا نعرف تاريخها ومنطقها لا نستطيع تأصيلها وتطويرها. زد على ذلك أنّ كشف المنطق التطوّريّ للتاريخ سوف يبيّن أنّ التمسّك بالانتماء القبليّ أو العشائريّ أو الشعوبيّ للانسلاخ من الانتماء القوميّ العربيّ ليس مجرّد موقف أو رأي. إنّه جريمة تاريخيّة في حقّ الجيل الحاليّ والأجيال القادمة، جريمة في حقّ الجيل الحاليّ لأنّه يحرمه من إمكانات التقدّم في أمّته وجريمة في حقّ الأجيال القادمة لأنّه مصادرة لحقّها في الوحدة والرخاء والتنمية الممكنة موضوعيّا. 5- نخلص ممّا تقدّم إلى ألاّ مبرّر للخوف من إفساح المجال لدراسة تاريخ الشعوب والقبائل التي انصهرت في كيان الأمّة العربيّة وثقافاتها ولغاتها… وإنّما الخطر على الوجود القوميّ أن تكون تلك الدراسات على حساب الطور الحاليّ أي الطور القوميّ. بل إنّ تلك الدراسات القوميّة يجب أن توفّر لأبناء الجماعات التي تمارس عليها اليوم أبشع أنواع الدمغجة والدعاية لتكون احتياطيّا بشريّا يعادي المشروع القوميّ ليفشله تحت عنوان « حقّ الأقليّات في تقرير مصيرها ». ومن المهمّ أن نثبت بالبحث العلميّ أنّ التاريخ القبليّ أو الشعوبيّ الذي يحتجّ به البعض على الدعوة القوميّة لا يتناقض مع التاريخ القوميّ بل لا يمكن أن يكون حجّة في ذلك لأنّ المرحلة القوميّة والمراحل السابقة ليست على مستوى تاريخيّ واحد ولا يمكن أن يكون الماضي حجّة على المستقبل. تماما كما لا يمكن أن نحتجّ بالمرحلة القبليّة على المرحلة الشعوبيّة وهكذا. 6- في هذا المستوى تقع على عاتق القوميّين وخاصّة المتخصّصين منهم في الدراسات التاريخيّة أو القريبة منها مهمّة من أوكد المهمّات وأصعبها وهي التنقيب في التاريخ العربيّ بمراحله والبحث عن المفاصل الأساسيّة التكوينيّة للأمّة العربيّة وتقديم إجابات علميّة مقنعة تكنس كلّ الخرافات التأريخيّة المتعمّدة أو العفويّة – إن كانت هناك عفويّة – التي تنقض أو تحاول نقض الوجود القوميّ للأمّة العربيّة. ولننتبه إلى مشاريع إقليميّة لتزييف التاريخ أو القفز على حقبه تحت ستار « الموضوعيّة » التاريخيّة كأولئك العائدين إلى الفراعنة أو القرطاجيّين أو الأمازيغ… ومن المحاولات التي فتحت مجال البحث في هذا المجال محاولة عصمت سيف الدولة في كتابه « عن العروبة والإسلام » عندما نظر في تاريخ مصر بين ماضيها الإقليميّ وانتمائها القوميّ. والحقّ أنّه أكّد أنّ كلّ جزء من الوطن العربيّ يمكن أن يدرس تاريخه على هذا النحو. زد على هذا أنّ ذلك المفكّر المجتهد الرائد قد بنى على تلك المقدّمات دراسة سمّاها « المحدّدات الموضوعيّة لدور مصر في الوطن العربيّ » أبت فيها أنّ دور مصر في الوطن العربيّ ليس محاباة أو اختيارا ذاتيّا وإنّما هو دور موضوعيّ أوجدته ظروف التاريخ والجغرافيا والمجتمع والسياسة. وعلى خطى الرائد يجدر بنا أن نسير.                       عليّ بلحاج  (المصدر: نداء الحرية صوت التيار القومي التقدمي(تونس) عدد سبتمبر 2009 )  

استقلالية التيار القومي

فتحي بالحاج
خاض التيار القومي العربي في  العقود الأخيرة معركة استقلال حقيقية ضد نظم الاستبداد في النظام العربي الرسمي، التي رفعت شعاراته وتشدقت بمبادئه، وهي في حقيقة الأمر أسرت فكره وشوهت مبادئه للمزايدة، إذ لم ترفع مبادئ التيار القومي النبيلة إلا لمغالطة الجماهير العربية. لم تكن سنوات الحكم التي تسترت فيها بالقومية العربية وبمبادئ التحرير والوحدة إلا من أجل تثبيت قبضتها الحديدة الاستبدادية على الجماهير أما شعارات التحرير والوحدة العربية فبقيت حبرا على ورق، وأفرغت من مضامينها الحقيقية، وحولتها عناوين مفرغة من أية مضامين، فتحت شعارات الوحدة العربية مورست أشد الممارسات الاقليمية، وباسم الوحدة القومية تربعت أنظمة موغلة في القبلية والطائفية، وتحت شعارا الحرية والتحرير تسلط الاستبداد، ومورست أبشع الأساليب من عمليات مطاردة واعدامات في الساحات العامة. وتحت شعار تحرير فلسطين  تم كتم أنفاس الجماهير العربية وفتحت السجون والمنافي، وتم تبذير بلايين المليارات من ثروات الشعب العربي.. إن أعدى أعداء الفكر القومي هم الذين يرفعون شعاراته ويحولونه عنوانا للفشل. لقد عانى التيار القومي العربي الكثير  بفعل هذا الخلط المشين بين الاستبداد الرسمي وبين الدعوات الوحدوية القومية، وكان الجزء الأكبر من الأزمة التي حلت به. كان عليه خوض معركة الاستقلال الحقيقية من أنظمة موغلة في الفساد والتخلف، ليتمكن من استرجاع جوهر مبادئه الحقيقية. إن الفكر القومي العربي يرتكز على مبادئ  انسانية نبيلة ترتكز على فكرة الجماعة، وفكرة التكاتف والتعاون والتشاور. لم تكن المعركة السهلة، إلا بعد أن انفضحت هذه الأنظمة وسقطت ورقة التوت عليها فراحت الواحدة تلو الأخرى تتبرأ من العروبة والقومية العربية.لقد  نجح التيار القومي إلى حد ما في وضع حد فاصل بين أنظمة مفلسة تتحكم في رقاب الشعب العربي  بالحديد والنار، تتستر بالشعارات القومية لافراغها من مضامينها التحررية وبين فكر قومي عربي ديمقراطي انساني مستنير.. لقد أصبح التيار القومي العربي الآن في طليعة القوى السياسية وفي أكثر من اقليم في مواجهة الاستبداد والمستفيدين منه، وتمكن من أن يسترجع ثقة الجماهير العربية. وأن يصبح المعبر الحقيقي عن أمالها وألامها. لقد أعطت معركة تحرير الفكر القومي من أسر الأنظمة العربية نفسا جديدا، وخلق حيوية جعلت من المناضلين القوميين في الصفوف الأمامية في أكثر من واجهة وفي أكثر من معركة نقابية سياسية أو حقوقية, إن معركة الاستقلال جعلت من التيار القومي من القوى الأساسية في مواجهة الاستبداد والفساد وأصبح للملايين من الجماهير عنوان الخلاص من الفساد.  اقد هيأت هذه  المعركة أالأرضية  لانطلاقة جديدة تمكن التيار القومي العربي من قيادة عملية التغيير الحقيقي.. وارساء معالم الدولة القومية الديمقراطية..في هذه المسيرة الجديدة على التيار القومي أن ينتبه إلى صفوفه حتى لا تندس فيها العناصر التي تجذب إلى الخلف، عناصر ضعيفة تفتقد إلى النضالية تحاول تارة الانتقاص من المسيرة وما حققته بتعلات ومبررات واهية وتعمل طورا على التغرير بالقوميين وإبعادهم على الخيار الوحدوي العربي الديمقراطي. هذا يتطلب من التيار القومي مراجعة المسيرة في كل مرة وإجراء عملية فرز حقيقية. فمن داخل هذا التيار القومي الذي تتجذر يوميا داخل الجماهير العربية المسحوقة والمغلوبة على أمره، والذي أصبح  المعبر الحقيقي عن أمالها وألامها تظهر بعض الأصوات الناعقة التي مازالت تمالئ الاستبداد، وتحاول بشكل أو بأخر اعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وأنى لها أن تنجح. عناصر لا تفلح التجول إلا في المناطق الرمادية، أصبحت مدخلا سهلا للعودة إلى الوراء، فتجدها تتستر على الاستبداد وتحاول تبرير الذي لا يبرر، وتقدم تفسيرات لا يقبلها الأطفال. إن التيار القومي العربي الذي قاد معركة الاستقلال  من هذه الأنظمة لن يسمح لهذه العناصر الضعيفة بأن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء. هذا وقد حقق التيار القومي العربي استقلاله واسترجع حريته. فعليه أن يعدّ نفسه لمرحلة جديدة لانطلاقة جديدة يقود فيها الجماهير العربية لصناعة التغيير الحقيقي، لبناء النظام التحرري الديمقراطي، إن التيار الوحدوي العربي الديمقراطي الذي قاد عملية التحرير وحقق الاستقلال الأول وطرد المستعمر من أرض الوطن قبل أن تسرقه قوى الاستبداد  تحالفا مع قوى الهيمنة وتفرغه من مضامينه هو االمؤهل أن يقود عملية تغيير حقيقية،  ويحقق الاستقلال الثاني بأن ينهي أنظمة الاستبداد ويرسي معالم  النظام الديمقراطي.إنها مهمة عسيرة.. لكن شرط نجاحها أن  بحافظ على استقلاليته  من أنظمة طالما تشدقت بالعروبة وبالقومية العربية وبتحرير فلسطين وأن ينتبه إلى صفوفه حتى تبقى  مطهرة من كل ما يمكن أن يمت إلى  الفساد والاستبداد بصلة.. (المصدر: نداء الحرية صوت التيار القومي التقدمي(تونس) عدد سبتمبر 2009 )

الإسلاميون العرب وإيران: جسورهم مقطوعة مع الإصلاحيين؟


صلاح الجورشي    ما يجري في إيران يهم بدرجة أساسية مختلف الإسلاميين الناشطين في العالمين العربي والإسلامي، ويعود ذلك إلى كون هذا البلد يشكل أحد القلاع الرئيسية، إلى جانب تركيا والسودان، التي يمسك فيها أحد تيارات «الإسلام السياسي» بالسلطة وبمختلف أجهزة الدولة، بل إن الثورة الإيرانية هي التي فتحت المجال أمام الحركات الإسلامية لكي تتقدم الصفوف، وتزداد حظوظها في الوصول إلى السلطة في أكثر من بلد، وذلك بعد أن نجحت تلك الثورة في الإطاحة بأقوى نظام في منطقة الشرق الأوسط وأعتاها. إذا اكتفينا بالعالم العربي، وباستثناء بعض الأصوات القليلة، نلاحظ أن الحركات الإسلامية لزمت في الغالب الصمت تجاه ما يجري في إيران منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية ضد نتائج الانتخابات، لا يعني أنها لم تتابع باهتمام ما جرى وما يجري، ولكنها في الغالب فضلت عدم إصدار مواقف علنية وصريحة من تلك الأحداث، مع إسراع حركة الإخوان المسلمين وغيرها من الفصائل بتهنئة الرئيس أحمدي نجاد. ولعل ذلك يعود إلى اعتبارات عديدة يمكن أن نشير إلى أبرزها: أول هذه الاعتبارات، وربما أهمها، العلاقة الاستراتيجية القائمة بين النظام الإيراني وحركتي حماس والجهاد، فطهران معروفة بسياستها الخارجية الداعمة للمقاومة في فلسطين، ورغم عديد الإشكالات التي يثيرها هذا الدعم السياسي والمالي لهاتين الحركتين، فإنهما في المقابل، وفي غياب بدائل أخرى، يعتبران ذلك رصيدا مهما وورقة ضغط لا يستهان بها في المعركة السياسية ضد إسرائيل وأطراف أخرى دولية وإقليمية. وبناءً عليه، فإن الحركات الإسلامية الداعمة للمقاومة في فلسطين تعتبر أنه ليس من المصلحة تأييد المعارضة الإيرانية أو وضع نقاط استفهام حول ما يجري، مهما كان حجم الأخطاء أو التجاوزات التي تحصل. فالأولوية من وجهة نظرها تبقى مرتبطة بالمكسب السياسي، والمحافظة على التحالف الذي تأسس مع إيران منذ سنوات عديدة. الاعتبار الثاني مرتبط بالأول إلى حد ما، ويتمثل في عدم اطمئنان هذه الحركات للمشروع السياسي والثقافي الذي يدعو إليه الإصلاحيون الإيرانيون، هناك شكوك لدى هذه الحركات في خلفيات المعارضة، وقد عبر عن ذلك المحلل السياسي المعروف فهمي هويدي في مقال له بقوله: «ومن المفارقات التي تثير الاهتمام في هذا الصدد أن حفاوة الإعلام العربي بالإصلاحيين غيّبت عنهم حقيقة مواقفهم من العرب وقضاياهم. وإذ لا يشك أحد في أن بينهم عناصر وطنية مخلصة، إلا أن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن منهم عناصر لا يستهان بها متغربة وأخرى متعصبة. الأولون من دعاة الالتحاق بالغرب والآخرون قوميون لهم مشاعرهم غير الودية إزاء العرب». (صحيفة الخليج، مقال «إيران إذا اعتدلت» 23 يونيو 2009)، ولعل هذا الشك هو الذي يفسر عدم وجود علاقات مفتوحة بين معظم الإسلاميين العرب وبين الإصلاحيين الإيرانيين، في مقابل وجود صلات متقدمة نسبياً مع التيار المحافظ الممسك بالسلطة، وهو ما يجعلنا أمام كتلتين غير متجانستين فكريا وسياسيا. الاعتبار الثالث يخص الحملة الغربية واسعة النطاق التي تشنها دول ومؤسسات وهياكل مختلفة ضد النظام الإيراني، ولا شك في أن التقاء إسرائيل مع حكومات غربية وإقليمية لا يدفع إلى الاطمئنان، ولا يجعلنا نعتقد بأن كل هذه الأطراف دافعها الوحيد هو تحقيق الديمقراطية في إيران، وهو ما زاد في شكوك الحركات الإسلامية، وجعلها لا تعير اهتماما كبيرا لمسألة الحريات وحقوق الإنسان، رغم أنها في بلدانها لا تزال تطالب بوقوف العالم معها لحصولها على حقوقها السياسية، وإخراج مساجينها من المعتقلات. الاعتبار الرابع قد لا يكون بارزا بالقدر المطلوب، لكن ذلك لا يمنع أخذه بعين الاعتبار، ويخص المراجعات التي تجري داخل الساحة الدينية الإيرانية، وبالأخص في صفوف الأوساط الإصلاحية. إنها مراجعات تتسع يوما بعد، وهي تنتقل من نقد الممارسات إلى نقد المرتكزات النظرية التي استندت عليها تلك الاختيارات والممارسات. بمعنى آخر، ما عجز عنه التجديديون في العالم العربي قد ينجح في بلورته وتجسيده الإصلاحيون الإيرانيون، وقد أخذت هذه النزعة التجديدية تتسع بسرعة في السنوات الأخيرة داخل إيران التي تحولت إلى ورش فكرية لا تهدأ، والتي أخذ بعضها يشرع في تحطيم عديد الحواجز وتجاوز بعض «الثوابت». وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى المفكر الإيراني سروش صاحب كتاب «القبض والبسط في الشريعة»، الذي وجّه رسالة قد تكلفه الكثير إلى المرشد آية الله خامنئي ختمها بقوله «نحن جيل محظوظ، سوف نحتفل بانهيار الاستبداد الديني. وفي أفقنا الأخضر، يلوح مجتمع أخلاقي وحكومة غير دينية». بمعنى آخر، إن نقد الإصلاحيين للممارسة السياسية للنظام قد بدأ يتجذر ويتسع ويتقدم في اتجاه إعادة تقييم التجربة برمتها للوصول إلى مجموعة من النتائج الخطيرة مثل القول بضرورة الفصل بين الدين والدولة، وهو ما يجعلهم ليس فقط في مواجهة مع النظام الإيراني القائم، ولكنهم يعملون بذلك في غير صالح الحركات الإسلامية الداعية إلى إقامة مشروع «الدولة الإسلامية». ولا يعني ذلك وجود تطابق كامل بين المشروع السياسي للحركات الإسلامية السنّية بالمنطقة العربية وبين النظام السياسي القائم في إيران، ويكفي في هذا السياق الإشارة إلى عدم إيمان الإسلاميين العرب بنظرية «ولاية الفقيه»، كما أن هذا التعاطف مع الجناح المحافظ في إيران لا يعني انتهاء الخلافات السابقة معه، وفي مقدمتها الاتهامات التي وجهها الشيخ القرضاوي إلى مؤسسات الدولة الإيرانية ومسؤوليها بالوقوف وراء حملة التشيع في المناطق السنية. المؤكد أن الحركات الإسلامية السنّية العربية رفضت الانخراط في الحملة الإعلامية والسياسية الدائرة حاليا ضد السلطات الحاكمة في إيران، خشية منها أن تكون بذلك قد تساعد في إضعاف الدولة الإيرانية، التي مهما تعددت الملفات الخلافية معها، فإنها من وجهة نظر هذه الحركات تبقي إيران حليفا أساسيا لا يمكن التخلي عنه، حاليا على الأقل. ورغم ما تتمتع به هذه الرؤية من وجاهة سياسية، فإن المشكل يكمن في أن هذا الموقف يذكرنا بالمواقف التي كانت تتخذها الأحزاب الشيوعية العربية تجاه الاتحاد السوفييتي، حين كان زعماؤها يرددون أن أي نقد للدولة الشيوعية الأم سيكون في خدمة الإمبريالية العالمية، وهكذا استمر السكوت عن ثغرات الدولة الحليفة، حتى انهار البناء كله، ودفع الجميع ثمنا قاسيا، ومهما كانت السيناريوهات المحتملة لتطور الصراع داخل إيران، فالأكيد أن صورة إيران في الخارج قد اهتزت. كما أن ما ذكره د.بشير نافع في مقال له ستؤكده الأيام المقبلة حين اعتبر أن «الخدش الذي أصاب الصورة الإيرانية يصب في صالح القوى المناهضة للتيارات الإسلامية السياسية في العالم الإسلامي، سواء تلك المتحالفة مع إيران أو المعارضة لها»، مضيفاً أنه «لم يكن من الممكن يوماً وصف نظام الجمهورية الإسلامية بالديمقراطي، ولكن التميز الدستوري للجمهورية الإسلامية سمح بالتوكيد على أن النظام يتمتع بدعم القطاع الأوسع من الشعب، وأن سياساته تعبر عن إرادة شعبه. مثل هذه المقولة ستتعرض منذ اليوم للتشكيك، ومعها سيتصاعد الخطاب النقدي لكل التيار الإسلامي السياسي». (مركز الجزيرة للدراسات، مقال «الأزمة الإيرانية: لماذا؟ وكيف؟ وإلى أين؟»).  
• كاتب تونسي   (المصدر: جريدة العرب ( يومية – قطر) بتاريخ 26 سبتمبر 2009 )  


أميركا والإبادات الثقافية

عدي جوني « أميركا والإبادات الثقافية.. لعنة كنعان الإنكليزية » كتاب جديد للدكتور منير العكش, يتناول تاريخ نشوء الولايات المتحدة الأميركية كدولة ونظام على مبدأ احتلال الأرض واستبدال شعبها الأصلي بشعب آخر في إطار نظرية عنصرية تشرعن إبادة الآخر جسدا وثقافة وكيانا اجتماعيا باسم الدين والحضارة في إطار الفكر المنفعي الرأسمالي الذي طبقه المهاجرون الإنجليز على كافة المستوطنات التي أقاموها في العالم. يقدم الكتاب -وهو ليس الأول في هذا المجال للدكتور العكش، أستاذ الإنسانيات واللغات الحديثة ومدير الدراسات العربية في كلية الفنون والعلوم بجامعة سفك بولاية بوسطن الأميركية- لمحة تاريخية للإبادة الجماعية بحق الهنود الحمر ويكشف الأسس الأيديولوجية والثقافية التي اعتمدها المهاجرون الأنجليز الأوائل تنفيذا مباشرا لفكرة « شعب الله المختار » القادم إلى مجاهل العالم حاملا مشعلي الحضارة والتمدن معتبرا السكان الأصليين « مجموعة كنعانية » لا تستحق سوى الموت بوجهيه الثقافي والمادي كما فعل « اليهود » بشعب كنعان في فلسطين التاريخية لإقامة دولة إسرائيل. الكتاب يضم العديد من الوثائق التاريخية وخارطة تبين انتشار وتوزع المستعمرات البريطانية في العالم، واللافت للنظر أن الكتاب يتناول وثائق تاريخية تبين على لسان أصحابها الطريقة الممنهجة التي اتبعها المستوطنون في القضاء على الهنود الحمر لتثبيت احتلال الأرض على مبدأ « أرض بلا شعب » بما إن الهنود الحمر وتبعا « للأيديولوجيا الاستعمارية الإنجليزية » ليسوا شعبا وإنما مجرد حيوانات تعيش بلا أخلاق وبهمجية بربرية لا يمكنها أن تقدم سوى الخراب. الثوابت التاريخية ويعرض د. العكش –وهو سوري بالمولد فلسطيني بالاختيار كما يقول- الثوابت التاريخية الخمس التي رافقت نشوء وتأسيس أميركا، بل إن المتابع للسياسات الأميركية يرى أنها لا تزال مستمرة وإنما بأدوات مختلقة، وهي: 1-المعنى الإسرائيلي لأميركا. 2- عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي. 3-الدور الخلاصي للعالم. 4-قدرية التوسع اللانهائي. 5-حق التضحية بالآخر. هذه هي الأسس الفكرية والثقافية التي يطرحها الكتاب وبالتفصيل لولادة بلاد العم سام منذ اكتشاف كريستوفر كولومبس العالم الجديد حيث يحتفل الأميركيون بهذا المستكشف بأنه الرجل الذي قدم للبشرية تجربة إنسانية قامت على مبادئ الحرية والديمقراطية متناسين أن هذه القوة الأعظم في العالم بالمعايير الجيوبولوتيكية الحالية نشأت وترعرعت وقويت على أجساد الهنود الحمر سكان القارة الأصليين الذين حرموا حتى الحق في الاحتفاظ بهويتهم الثقافية ومجتمعاتهم، ليتحولوا بنظر المبشرين بالحضارة الإنكلوساكسونية إلى مجرد فائض تاريخي.  » يجب مساعدة الحضارة على إبادة الهنود كما أمر الله يشوع أن يبيد الكنعانيين الذين لم يكونوا يختلفون عن هنود اليوم ثم إنه عوقب على تقاعسه عن الانصياع لأمر الله  » ويقدم الكتاب استنادا على عدة وثائق تاريخية مادة غنية بالشواهد التي تعطي القارئ فكرة عن هوية أميركا، الأمر الذي يعيد طرح الأسئلة المهمة أمام هذا الامتداد العسكري الأميركي المنتشر في العالم حاليا عبر حاملات الطائرات والصادرات التكنولوجية والغزو الثقافي في كل مفاصل الحياة للشعوب الأخرى بشأن الصورة الحقيقية لا للشعب الأميركي بصفته الراهنة بالمعنى الاجتماعي أو حتى القومي بل بطبيعة الخطاب السياسي والتعامل مع الآخر عبر ما تفتخر به الولايات المتحدة وهو « المؤسسات الديمقراطية ». وهنا تأتي أهمية الوثيقة التاريخية التي يقدمها د. العكش في الكتاب ليعيد تظهير الطبيعة الفكرية والعقلية الأخلاقية التي قامت عليها هذه المؤسسات في تعاملها مع الشعب الأصلي للقارة الأميركية، حيث يقدم فقرة وردت في إحدى محاضر جلسات الكونغرس الأميركي في القرن التاسع عشر تقول: « يجب مساعدة الحضارة على إبادة الهنود كما أمر الله يشوع أن يبيد الكنعانيين الذين لم يكونوا يختلفون عن هنود اليوم ثم إنه عوقب على تقاعسه عن الانصياع لأمر الله ». كنعنة الآخر الكنعنة كمصطلح يعود تاريخيا إلى العبرانيين الذين عندما قدموا إلى فلسطين الكنعانية لم يجدوا أمامهم سوى « شيطنة الآخر » باسم الله والدين لتقديم المبرر على إبادة الشعب الأصلي الذين ألصقوا به كل الصفات الذميمة واستباحوه أخلاقيا وجسديا، وكما هو معروف أن فكرة الشيطنة تعود أصلا إلى فكرة الكنيسة في تعاملها مع معارضيها في أوروبا خلال القرون الوسطى وهذا ما ذكره الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو في كتابه الجنون والحضارة في شرحه لآليات إنتاج خطاب السلطة (الدينية أو السياسية) عبر تشنيع الآخر وتجريده من كل الفضائل الأخلاقية ومساواته بالوحش أو الحيوان. ويشرح د. العكش في كتابه مفهوم الكنعنة كسلاح اعتمده المهاجرون الإنجليز –ليس فقط في أميركا بل في كل بلاد العالم الجديد ومنها أستراليا ونيوزيلندا- من أجل « إبادة شعب واستبداله بأخر »: قد يكون هناك آلاف الآسباب لدخول شعب الله الإنجليزي مسرح الاستعمار، لكن ليس بينها سبب واحد يمكن وصفه بالأخلاقي. إن كل ما قدمته لهم عقيدة الاختيار وقصص التوراة هو أنها ألهبت عبادتهم لذاتهم وصقلت موهبة التشنيع والكنعنة لديهم، وزادتهم فجارة أخلاقية، خصوصا أن معظم أنبياء هذا الاستعمار الأخلاقي -مثل جون وايت- فسروا القصص التوراتية في الانتشار في الأرض بأنها أوامر إلهية للإنجليز باستعمار الأرض واستيطانها كلما أتيحت الفرصة وتساءلوا كيف يمكن طاعة أوامر الله دون الاحتلال والاستيطان؟ » (الفصل الرابع ص 65). ويقدم الكتاب مثالا آخر يوضح الطبيعة الوحشية لهذا الفكر القائم على استباحة الأخر مستشهدا بالفلسفة الأخلاقية للأسقف لانسلوت أندروس الذي يقول « الأرض صحن من اللحم الموضوع على المائدة يقطع منه الإنسان ما يشتهي. وما إن يضع قطعة في صحنه، حتى تصبح له. كذلك إذا اقتطعنا بلدا لا يوجد فيه سكان بيض، يصبح لنا ». (الفصل الرابع ص 65).  » فكرة شعب الله المختار وإسرائيل التاريخية وجدت من يؤسس لها في إطار البحث العلمي بما يعرف بالدراسات الأنثروبولوجية لتقديم ما يدل على صحتها وإعطائها الشرعية العلمية الرصينة بعد أن منحتها الكنيسة الشرعية الدينية والأخلاقية  » كما يبين الكتاب أن فكرة شعب الله المختار وإسرائيل التاريخية وجدت من يؤسس لها في إطار البحث العلمي بما يعرف بالدراسات الأنثروبولوجية لتقديم ما يدل على صحتها وإعطائها الشرعية العلمية الرصينة بعد أن منحتها الكنيسة الشرعية الدينية والأخلاقية. وقدم هؤلاء العلماء باسم القانون العلمي للتطور الحضاري تصنيفات تعتمد مبدأ العنصرية والتفوق العرقي لمنح الرجل الأبيض كل المسوغات الأخلاقية لاستباحة الشعوب الأصلية كما فعل فريدريك إنغلز. يقول د. العكش في كتابه « أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة » متوافقا مع ماركس وأدم سميث « واضع النظرية الرأسمالية » في « تصنيف الشعوب إلى بربر وهمج ومتحضرين » وبشكل يعطي الدليل القاطع بأنه لافرق بين أنثروبولوجي ماركسي وآخر رأسمالي. القنبلة الثقافية « اللغة والدين هما خط الدفاع الأخير للهنود ولا بد من القضاء عليهما » بهذه العبارة التي قالها مؤسس مدارس الهنود الحمر في أميركا الكابتن ريتشارد هنري برات، يقدم الفصل السادس من الكتاب الآلية التنفيذية لكنعنة الآخر، انطلاقا من القاعدة المعروفة بأن اللغة والدين هما من المكونات الحضارية والوجودية لأي أمة، فالتوالي الجيني لأمة قد يعطيها القدرة على البقاء المادي في حين أن سلخها عن هويتها الثقافية يجعلها غير قابلة للتجديد والحياة والتطور وبالتالي تصبح أكثر قابلية للتبعية والتلاشي في ظل القوة الأكبر والأقوى ثقافيا حتى لو كانت تمتلك حضارة ما عبر التاريخ. وتحديدا -فيما يتعلق بهذه الجزئية- يستعرض الكاتب القنبلة الثقافية التي أبيد بواسطتها الهنود الحمر روحيا وتحولوا معها إلى مجرد ظل في إطار الجغرافية والتاريخ وذلك بهدف احتلال أرضهم والاستفادة من ثرواتها العامرة، مع الإشارة إلى أن فهم هذه القنبلة الثقافية بمعناها المجازي الواسع -كما يشرحها الكتاب استنادا إلى أقوال مؤسسي صانعيها- تقدم وبطريقة مباشرة قراءة ولو على المستوي الدلالي فقط للتركيبة البنيوية للعقلية التي ألقت بالقنبلة الذرية على ناغازاكي وهيروشيما في اليابان. ويوضح الكتاب الهدف الذي أنشئت من أجله مدارس تعليم الهنود الحمر كما يرد على لسان ويليام جونز أحد مسؤولي مكتب الشؤون الهندية -الذي كان يعتبر بمثابة المؤسسة الراعية لمصالح الهنود أو السلطة الوطنية للهنود- بقوله إن الهدف من إنشاء هذه المدارس هو إبادة الهندي بمعناه الثقافي وخلق بديلا عنه يرضى بالأمر الواقع. لذلك يقول الكتاب إن اللغة كانت من المحرمات الأساسية على الهنود باعتبارها محركا أساسيا لتطور الهوية الثقافية والنظم الاجتماعية التي تجعل من المجتمع الهندي الأحمر يمتلك سلاح الاستمرار في التصدي للغزو الإنكلوساكسوني، كما يستعرض الكتاب شهادات لأطفال الهنود الحمر الذين انتزعوا بقوة السلاح من أسرهم إلى معازل خاصة تجردهم من كل شيء وأولها الأسم حيث تحولت الأسماء الهندية المحاكية للطبيعة إلى أسماء إنجليزية مسيحية في أول خطوات الإبادة الثقافية. وباسم الحضارة والتمدن التي ساقها المستوطنون الحالمون بإسرائيل الله استنادا إلى مبادئ وعقائد البيورتانيين « الأطهار كما كانوا يطلقون على أنفسهم » المخلصين للكنيسة البروتستانتية، كانت الإبادة الثقافية مقدمة لفكرة استبدال شعب بشعب آخر.  » اللغة كانت من المحرمات الأساسية على الهنود باعتبارها محركا أساسيا لتطور الهوية الثقافية والنظم الاجتماعية التي تجعل من المجتمع الهندي الأحمر يمتلك سلاح الاستمرار في التصدي للغزو الانكلوساكسوني  » أما أنصار التمدين فكانوا يعلمون أن اغتصاب هذه الأرض (أميركا) بغير الحرب لايتم إلا بزرع الثقافة الهندية ذات البنية الاجتماعية بالألغام لتدمير نظام التكاتف الاجتماعي (أو ما تسميه الأنثرولوجيا العرقية بالمشاع البدائي أو الشيوعية البدائية) واستبدال دماغ الهندي بدماغ أبيض يؤمن بالملكية الخاصة (الفصل السادس ص 95). ويوثق المؤلف هذه المقولة بعبارة لمفوض الشؤون الهندية جورج مانبيبني يقول فيها « لا بد للطفل الهندي من أن يتعلم كلمة أنا بدلا من نحن، وهذا لي بدلا من لنا… إلخ، ليتنازل طوعا عن ما يملك ». وهنا يوضح الكتاب الفكرة المنفعية التي قامت عليها المستوطنات الأميركية الأولى عبر شيطنة الآخر ومنح المسوغات المدعومة دينيا وأخلاقيا ومؤسساتيا لإبادة هذا الآخر وجوديا وثقافيا من أجل السيطرة عليه. ضمن هذا الإطار وبعيدا عن القراءة المتصلة بالظرف التاريخي لمأساة الهنود الحمر، يطرح الكتاب وبطريقة غير مباشرة سؤالا في غاية الأهمية ألا وهو هل تصالحت أميركا فعلا مع نفسها بانتخاب رجل أسود رئيسا لها؟ فالسود تعرضوا لنفس التشويه واللعنة الكنعانية التي تعرض لها الهنود الحمر وتتعرض لها شعوب آخرى في الوقت الراهن في العراق وأفغانستان مثلا. الكتاب يلقي وبشكل مسهب الضوء على العديد من المسائل التاريخية المتعلقة بنشوء الولايات المتحدة كنظام اجتماعي وسياسي ويترك مساحة واسعة للتفكير بالعقلية المؤسساتية التي تحكم هذا البلد الشاسع المترامي الأطراف, بل ويتساءل عن مفهوم التعددية الثقافية في المجتمعات الإنجليزية في أستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وكندا، مع تأكيد الكاتب نفسه بأنه من غير المقبول تنميط هذه المجتمعات في قالب واحد لأن ذلك يعني وبطريقة غير مباشرة السقوط في نفس الفخ وهو « كنعنة الآخر ». (المصدر: موقع الجزيرة.نت- عالم المعرفة- (الدوحة – قطر) بتاريخ 2 سبتمبر  2009)  

الوعظ الليبرالي، أو أحبوا بعضكم بعضا!


مالك التريكي ينتشر في بعض أوساط النخبة الثقافية والإعلامية الغربية ذات النيات الطيبة موقف ملخصه أن الصراع العربي الإسرائيلي عبثي لا معنى له وتراجيدي لا حل له، وأنه لا يختلف في جوهره عن الصراع الذي كان محتدما لعقود في إيرلندا الشمالية بين الجمهوريين الكاثوليك المنادين بالتحرر الوطني والوحدويين البروتستانت الموالين للتاج البريطاني. وبما أن المنطق التاريخي يقضي بأن يتعب المتحاربون يوما ويجنحوا للسلم، فلماذا لا يتعلم العرب والإسرائيليون من تجارب الأمم الأخرى فيفعلون منذ اليوم ما سوف ينتهون بفعله مهما طال الزمن؟ لماذا لا يختصرون الطريق فيتصالحون منذ الآن ويضعون حدا لكل هذه العذابات والآلام؟ أحبوا بعضكم بعضا! ذلك هو موقف النخبة الغربية المحبة للسلام. فهي ترى أن الحكمة تقضي بالتسلح بالقدرة على الصفح في وجه الرغبة في القصاص، وأن البراغماتية تقضي بالتطلع إلى المستقبل وبتغليب مقتضيات السلام العملية على مبادىء العدل التي تجعلها صعوبة تطبيقها تبدو مثالية، بل خيالية. وأيا كانت القضية المطروحة، فإن هذا الموقف يرى في مطلق الأحوال أن لا فائدة أبدا من نبش الماضي، ولا أمل يرجى من تبديد الزمن السياسي، ناهيك عن إفناء الأعمار الشخصية، في ما يسمى تهجينا وتحقيرا بـ’حسابات أشجار الزيتون’! وهذا تعبير أخذ بعض المثقفين الأنغلوساكسون -الذين هم أبعد خلق الله عن فهم ما يتبوؤه الزيتون، شجرا وثمرا ورمزا، من مقام كريم لدى عدد من أعرق الحضارات وأبقاها- يطلقونه منذ أواخر التسعينيات استهزاء بما يعدّونه حسابات ضيقة وثارات قديمة وخزعبلات من ‘أساطير الأوّلين’. ثم انتشر هذا التعبير وشاع بعد أن أصدر المعلق الأمريكي توماس فريدمان عام 1999 كتابه ‘لكسوس وشجرة الزيتون’. وكنا قد تطرقنا للمسألة آنئذ على صفحات ‘القدس العربي’ في تعليق بعنوان ‘فصل المقال في ما بين مطاعم ماكدونالدز والسلام العالمي من الاتصال’، أوضحنا فيه تهافت مقولة فريدمان، بل وغثاثة عنوان الكتاب، حيث أن سيارة لكسوس ليست من التقدمية في شئ. كما أن الزيتون ليس من الرجعية في شىء إلا في عوالم السرديات الهوليودية التي درجت على أن تقرن آليا بين مجرمي عصابات المافيا و’حساباتهم الضيقة’ وبين جزيرة صقلية الإيطالية و’أشجار زيتونها’. ورغم أن هذا ‘الوعظ’ الليبرالي بشأن انعدام الفائدة من نبش الماضي يقع على الأذن العربية (وحتى الإسرائيلية) موقع الكلام التبسيطي، بل الساذج أو الطفولي، الذي لا نسبة ولا مناسبة بينه وبين عمق قضية الصراع بتاريخيتها التراكمية وديناميكيتها الأنثروبولوجية، فإنه موقف إنساني مفهوم. إذ إن هنالك من الحالات المستعصية ما يقف أمامه المرء محتارا عاجزا لا يقدر على شئ سوى التمني، مجرد التمني، بأن يتمكن المظلوم من إقناع نفسه أو إيهامها بأن من الممكن إحلال السلام حتى لو لم يسبقه استرداد للحقوق وقصاص من الظالم. موقف التمني هذا، الذي يتحول في حالة الكلام إلى وعظ ونصح ليبرالي، هو ما يشعر به العربي عندما يشاهد اقتتال الفلسطينيين وذهابهم في الصراع على وهم ‘السلطة’ (!)، التي يواظب البعض على نعتها بـ’الوطنية’ (!)، كل مذهب. وهو ما يشعر به العربي عندما يتأكد له أن لم يعد أحد على وجه الأرض يعدّ القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني وكفاح شعبي ضد آخر تعيّنات الكولونيالية الأوروبية. بل لم يعد أحد يرى أن هنالك قضية أصلا: إن هي إلا نزاع عقاري عقيم يكفي لتسويته أن يتعهد الإسرائيلي بـ’تجميد الاستيطان’، الماضي مضاء القدر، مجرد ساعة أو ساعتين ريثما يقع العرب في غرام إسرائيل و’يطبّعون’ حبها في قلوبهم ويوثقوه في دساتيرهم. وما كان لموقف ‘أحبوا بعضكم بعضا’ هذا أن ينتشر لدى النخبة الغربية المحبة للسلام لولا أن الشعب الفلسطيني نكب بزعامة أضاعت المعنى ونسيت أبجدية القضية وركضت في غابة المفاوضات حول المفاوضات ‘ركض الوحش في البرية’. زعامة فيها مكان رحب لنماذج بشرية شتى، لكن لا متسع فيها لوطني شامخ من طراز حيدر عبد الشافي رحمه الله. زعامة غير جديرة بمصير شعبها: ‘أفلحت’ في دفع الإنسانية المعاصرة إلى فك الارتباط مع التراجيديا الفلسطينية واتخاذها نسيا منسيا. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 25 سبتمبر2009)

 

Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.