TUNISNEWS
6 ème année, N° 2155 du 16.04.2006
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ــ فرع بنزرت: بيان إلي الرأي العام الطاهر العبيدي: حوار مشقوق مع سيف بن سالم ابن عالم الرياضيات التونسي أخبار الجمهورية: ” التوريست ” في المعالم الدينية :اطلاعهم مفتاح من مفاتيح الهداية والتواصل إيلاف: التجارة الإلكترونية في تونس بين الموجود و المنشود أخبار تونس: تعاون سياحي بين تونس وإيران محمد فوراتي: ارساء النظام الديمقراطي استقلالنا الثاني محمد الحمروني: واقع اليد العاملة في القطاع السياحي الاستعباد بشكل قانوني من اجل لقمة العيش رشيد خشانة: خمسة مسالك متباعدة للتعامل مع ملف السجناء السياسيين العربية.نت: تعويضات “كبيرة” للجزائريات اللواتي تعرضن للاغتصاب من “إرهابيين” بي بي سي: نظام القذافي لم يسقط واصبح حليفا رئيسيا للغرب توفيق المديني: ماذا بعد ثلاث سنوات من سقوط بغداد ؟ راشد الغنوشي: مستقبل الوجود الإسلامي في أوروبا حقائق: هل أنقذ الماطري بورقيبة من حبل المشنقة؟ حقائق: ماذا في آخر رسالة وجهها الماطري إلى بورقيبة قبل وفاته؟ حقائق: الجامعة التونسيّة تُعيد كتابة تاريخ تونس
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
بيان إلي الرأي العام
حوار مشقوق مع سيف بن سالم ابن عالم الرياضيات التونسي
” الشيخ ” التليلي صاحب فتوى تشريع منع الحجاب يتحفنا بفتوى جديدة تبرهن على تدني مستواه الفكري والأخلاقي. ولا يسعنا الا أن نقول “ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا “
مرحبا بالسياح في مساجدنا (؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)
تفتح بعض المعالم الإسلامية والتاريخية أبوابها للسياح الجانب لاكتشافها والتعرف عليها وهم من المنتمين للديانة المسيحية في اغلبهم. هذه الزيارات خلقت جدلا حول مدى إجازتها خصوصا ان هناك من يعتبرها بمثابة التدنيس للاماكن التي يمارس فيها المسلمون شعائرهم. هذا الموضوع ورد علينا في سؤال سنتطرق إليه بالتفصيل كما سنجيب عن سؤال يتعلق بما يسمى بمراسم الأربعينية التي تقام بعد وفاة أحد الأشخاص وهل تدخل في باب البدع المكروهة أو المحرمة.
” التوريست ” في المعالم الدينية :
اطلاعهم مفتاح من مفاتيح الهداية والتواصل
* السؤال : هل يجوز السماح للسياح بزيارة المعالم الدينية في البلاد الإسلامية؟
* الجواب :
* أولا: يبذل السائحون في الأرض أموالا طائلة لزيارة الكون– كون الله-والتعرف الى أسراره وجماله الخلاب، والى ما شيد فيه من آثار ومعالم تاريخية وحضارية ودينية وعمرانية …فريدة، نادرة، ناطقة، هم” فنانون” وذواقون ويملكون فقه الإطلاع وثقافة البحث وحس التعرف… إضافة إلى ملكة المغامرة والمغالبة … فكأنه نزل فيهم قول الله تعالى :”أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها…(الحج46). أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم، كانوا من أشد منهم قوة…(غافر:21). (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق…) (العنكبوت: 20).
* ثانيا: أنهم يدركون أهمية الإنجازات الإنسانية عبر التاريخ المديد، ويحترمون صناعها وأبطالها وان كانوا مسلمين … يقدرون الإبداع حق قدره … ويريدون ملامسة الماضي البعيد من خلال تأمل وتدبر ومشاهدة يعرفون سرها ومقتنعون بأنها تزيدهم علما ضروريا الى عملهم … (أنهم ليسوا مثل أولئك الذين ليس لهم من هم الا البطن او الجهاز الذي يحاوره … يلد الواحد في سجن ويعيش بين أربعة جدران بلا هدف، بلا غاية ولا طموح…).
ليس لنا وبكل المقاييس – أن نمنعهم او ان نصدهم او ان نعطل شغفهم وسعيهم وحب تشوفهم وتطلعهم وولعهم بالتراث والميراث … وكون الله الفسيح.
* ثالثا: في الوقت الذي تفجر فيه بيوت الله في العراق الجريح، يقبل غير المسلمين على المعالم الدينية بكل إجلال وإعجاب واحترام، في هدوء منقطع الشبيه، يصورونه بأفضل تكنولوجية التصوير، ويغادرون وهم مشدوهون، معجبون، وتتزاحم الأسئلة حول المعمار والزخرف الهندسي أو الخط أوالكم والكيف … ويطرحون بفكر ثاقب ما الدافع، من الدافع، من المؤثر حتى كان المعلم والصرح وكان المعمار…ويغادرون وهم يثنون خيرا على أسلافنا وأجدادنا، ويقرون بالخلق والإبداع والإضافة والتميز ويسجلون لنا –ونحن نيام، ونتآمر و نتدابر! أن حضارة الإسلام حضارة علم وسلم لا حرب وحضارة بناء وتعمير لا تخريب وتدمير، وحضارة دنيا وآخرة، وحضارة عقل وروح … ولربما أثمرت دهشتهم إيمانا، وحيرتهم ثقة هو خير من إسلام وإيمان الوراثة أو بطاقة التعريف…
* بأي حق يمنع العرب هؤلاء الباحثين عن الحقيقة والشغوفين في طلب المعرفة وقد اتخذوا (أي العرب) القرآن مهجورا وجعلوا المساجد وراءهم ظهريا فإذا تصورنا – جدلا- ان السياح آثمون بسبب الزيارة ومحاولة اكتشاف المخبوء في حضارتنا وموروثنا … فعلى أي أساس سيثاب العرب وأغلبهم لا يفرق بين المنبر والمحراب قبلة هذه المعالم إلا إذا بلغ من العمر عتيا.
وحتى الذين يؤمون بيوت الله، هم بين ساذج، ومتطرف ومسجل للحضور إن لم يكن مهربا وتافها (هكذا !!!!!)… وآخر صيحة تفجيرها!!!
* لقد استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران (وهم نصارى) في ثاني الحرمين الشريفين، في مسجده الشريف بالذات بالمدينة المنورة، وأكرمهم وحاورهم وجادلهم فأحسن جدالهم … بعد أن بسط لهم الفرش وأكمل الوفادة وأتم الضيافة… وفي هذا أكثر من دلالة ومعنى… وحديثنا قياس…
* وزيارة الأجانب المعالم إن لم تنفع فلن تضر… وهي حجة لهم – إن اهتدوا- وان كانت الأخرى، فقد قال تعالى:[فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ].
– إن قال قائل : أنهم على غير طهارة، قلنا، حسبنا طهارة خلقهم وسلوكهم وحسبنا أنهم عابرو سبيل، وضيوف … وللضرورة أحكامها…
” وبيني وبينك” حتى العرب وفي مقدمة هؤلاء المصلون مطالبون بمراجعة مفهوم الطهارة إذ لا تخلو قلوبهم من درن، وعقولهم وفعلهم من دخن وسلوكهم من هرج وخلقهم من عوج.
(المصدر: صحيفة أخبار الجمهورية الصادرة في 13 أفريل 2006)
التجارة الإلكترونية في تونس بين الموجود و المنشود
تعاون سياحي بين تونس وإيران
صرح السيد اسفنديار رحيم مشائي رئيس منظمة السياحة وحماية التراث الإيرانية بان بلاده تبذل جهودا كبيرة من اجل تفعيل حركة السياح التونسيين نحو إيران ترجمتها بتقديم تسهيلات كبيرة للحصول على تأشيرات الدخول إلى إيران بالنسبة للمواطنين التونسيين وإلغائها بالنسبة للسياسيين.
وأكد السيد اسفنديار رحيم مشائي في لقاء صحفي جمعه في تونس بممثلي وسائل الإعلام في اختتام أعمال اللجنة السياحية المشتركة التونسية الإيرانية الثالثة وبحضور السيد التيجاني الحداد وزير السياحة وجود إرادة سياسية من الجانبين لتطوير التدفق السياحي نحو البلدين والتفكير جديا في إقامة خط جوي منتظم بين تونس وطهران.
وأفاد أن أكثر من 1500 سائح إيراني زاروا تونس في الفترة الممتدة من 20 مارس وحتى بداية شهر أفريل الجاري التي تصادف عطلة رأس السنة الفارسية.
وقال المسؤول الإيراني أن زيارته إلى تونس التي امتدت من 12 إلى 15 أفريل الجاري “تعتبر فصلا جديدا في مسيرة التعاون الثنائي” ملاحظا أن تبادل الزيارات بين المسؤولين ورجال الأعمال في البلدين “يمكن أن يمثل نقطة تحول كبيرة في هذا المجال “.
وبين أن المباحثات التي أجراها مع المسؤولين التونسيين كانت جد ايجابية مشيرا إلى الجهود التي بذلها الجانبان التونسي والإيراني من اجل دفع حركة التعاون والتبادل السياحي نحو الأمام.
أما بخصوص التوجهات المستقبلية للسياحة في إيران فقد أفاد السيد اسفنديار رحيم مشائي بان هناك خطة مستقبلية لتطوير السياحة تمتد لفترة عشرين سنة من ابرز معالمها تطوير طاقة الإيواء بالوحدات الفندقية التي تقدر حاليا ب 100 ألف سرير وإقامة العديد من النزل في مختلف المناطق السياحية الإيرانية إلى جانب منح تسهيلات لدخول السياح إلى ايران.
وأكد السيد التيجاني الحداد من جهته ان زيارة السيد اسفنديار رحيم مشائي والوفد المرافق له إلى تونس تعد لبنة جديدة تنضاف لدعم العلاقات الثنائية مشيرا إلى المستوى المتميز والايجابي للعلاقات السياسية التي تجمع البلدين.
وأبرز رغبة الجانبين في استغلال كل الفرص المتاحة لتطوير التبادل السياحي والثقافي بين تونس وإيران مشيرا إلى التوصيات المثمرة التي خلصت إليها اللجنة المشتركة في مجال التبادل السياحي والترويج والتكوين السياحي والسياحة الاستشفائية.
وقد اتفق الجانبان على عقد اجتماع اللجنة السياحية المشتركة القادمة في طهران في سنة 2007.
(المصدر: موقع “أخبار تونس” الرسمي بتاريخ 15 أفريل 2006)
اختتام أشغال اللجنة السياحية المشتركة التونسية الإيرانية
انبثقت عن اللجنة السياحية المشتركة التونسية الإيرانية المنعقدة بتونس من 12 إلى 15 أفريل الجاري جملة من التوصيات التي أكدت بالخصوص على دعوة منظمي ووكلاء السياحة والأسفار لوضع برامج زيارات سياحية بكلا البلدين والتشجيع علي المشاركة في المعارض والمهرجانات والمناسبات السياحية في تونس وإيران على غرار الصالون السياحي المتوسطي بتونس.
كما اتفق الجانبان على تنظيم أسبوعين سياحيين ثقافيين تونسيين بكل من مدينتي شيراز وأصفهان خلال النصف الأول من شهر جويلية 2006 وآخرين إيرانيين بكل من مدينتي تونس والحمامات خلال النصف الثاني من نفس الشهر.
ويتم علي هامش هذه التظاهرات تنظيم لقاءات بين مهنيي البلدين و ورشات عمل حول التعريف بالمسالك السياحية وفرص الاستثمار والشراكة المتاحة في القطاع السياحي بكلا البلدين.
أما في مجال التكوين السياحي فقد تم التأكيد على تبادل الخبرات والدراسات والبحوث في مجالات هندسة التكوين والهندسة البيداغوجية وتقييم نظم التكوين والبرمجة والتشغيل والشراكة بين القطاعين العمومي والخاص وتمويل التكوين المهني وتسيير مراكز التكوين.
وفي مجال السياحة الاستشفائية عبر الجانب التونسي عن استعداده لوضع الخبرات التونسية علي ذمة الجانب الإيراني بخصوص تكوين السلك شبه الطبي وتكوين أطباء إيرانيين مختصين في المعالجة بالمياه المعدنية بالمستشفيات الجامعية التونسية.
وسيتم لهذا الغرض إيفاد خبراء تونسيين إلى إيران في شهر جوان القادم لمساعدتها علي تقييم إمكانيات قطاع المياه المعدنية بها واقتراح الحلول لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع فضلا عن مساعدة الجانب الإيراني على القيام بالدراسات الهيدرولوجية لتحديد مناطق حماية منابع المياه المعدنية والسياحية الحموية.
(المصدر: موقع “أخبار تونس” الرسمي بتاريخ 15 أفريل 2006)
ارساء النظام الديمقراطي استقلالنا الثاني
تونس – الموقف – محمد فوراتي
أعادت الأحزاب والجمعيات الوطنية المستقلة تأكيد تلاحمها والتفافها حول مطالب “الحد الأدنى الديمقراطي” وكرست استمرار مسكها بزمام المبادرة السياسية في البلاد من خلال الأفكار والخيارات التي طرحتها للإصلاح. فقد شكلت الجلسة الإفتتاحية للمجلس الوطني للحزب الديمقراطي التقدمي التي انعقدت مساء 8 أفريل الجاري بنزل الديبلوماسي بالعاصمة، وسط حضور غفير لوجوه الحركة الديمقراطية، مناسبة لاستعراض الأوضاع العامة وتجديد التوافق على النقاط الثلاث المتمثلة في العفو التشريعي العام وإطلاق حرية الإعلام وتكريس حق العمل القانوني للأحزاب والجمعيات. وعلى رغم التعتيم الإعلامي المطلق على الإجتماع بسبب التعليمات التي أعطيت للصحف، فإنه جاء ردا غير مباشر على الحملة التي قادها أعضاء الديوان السياسي للحزب الحاكم طيلة الأسابيع الماضية لمحاولة تشويه حركة 18 أكتوبر ورموزها، مما برهن على أن الحكم في موقع دفاعي لا وسيلة له لمحاججة معارضيه سوى التخوين والمهاترات والهروب إلى الأمام. وحضرت الجلسة الإفتتاحية وفود تمثل كلا من التكتل الديمقراطي للعمل والحريات وحزب العمال الشيوعي والمؤتمر من أجل الجمهورية والوحدويين الناصريين ورابطة حقوق الإنسان ونقابة الصحفيين ورابطة الكتاب الأحرار والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين وفرع منظمة العفو الدولية وعدد من الشخصيات الوطنية من بينها أعضاء حركة 18 أكتوبر والسادة والسيدات محمد الشرفي وأحمد ونيس وخميس الشماري وزياد الدولاتلي وسناء بن عاشور وخديجة الشريف وسهير بلحسن ومختار الجلالي وسليم بن عرفة وتوفيق حويج وأحمد الكيلاني. وأكد الأستاذ رشيد حشانة الذي أدار كلمات الضيوف في مستهل الجلسة أن هذا الاجتماع يعقد في ظرف دقيق تمرّ به البلاد كما أنه يتزامن مع حدثين عزيزين على قلوب التونسيين هما خمسينية الإستقلال و ذكرى أحداث 9 أفريل. و في كلمته أكد الامين العام للحزب الديمقراطي التقدمي الأستاذ أحمد نجيب الشابي خطورة المرحلة التي تمر بها البلاد قائلا أن الحكومة مازالت تصرّ على ممارسة الانغلاق السياسي رغم تحرك قطاعات المجتمع التونسي من أجل الإصلاح والديمقراطية. وذكّر باعتصام المحامين تضامنا مع محمد عبو الذي أصبحت قضيته رمزا للديمقراطية في تونس. كما تحرك القضاة وشن الجامعيون إضرابهم الشهير وصمدت الرابطة في وجه الاعتداءات المتعددة ومنع الصحفيون من عقد مؤتمرهم التأسيسي. و أضاف الشابي أن السلطة كانت تعتقد أنها بهذه الممارسات ستلجم الحركة الديمقراطية المطالبة بالحريّة فتتنازل عن حقها في التعبير ولكن شخصيات وطنية خاضت تحركا ناجحا من أجل ثلاثة مطالب أساسية هي حرية التنظم وحرية الصحافة والعفو التشريعي العام. وكان هذا الإضراب منطلق حركة تضامنية عالمية أفرزت حركة 18 أكتوبر التي تميزت بالجرأة ووضوح المطالب. وعبر عن اعتزازه وكل أنصار الحركة الديمقراطية بالاستقلال الذي كان نقطة فاصلة مع الاستعمار ولكنه استقلال جاء بعد تضحيات الشعب ودماء شهدائه كما حقق هذا الاستقلال منجزات مهمة في التعليم والصحة وغيرها من المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية التي تعود إلى طموحات الشعب التونسي وتعطشه للعمل والإبداع. وأشار الشابي إلى أن هذه المنجزات لم تواكبها مكاسب سياسية بسبب هيمنة الحزب الحاكم على الحياة السياسية والتي انتهت إلى ارساء الحكم المطلق. وقال ” إننا لنعجب أن يواجه شعبنا ذي التاريخ العريق بحجج واهية لارجاء ممارسة حقوقه وتطبيق الديمقراطية وإطلاق الحريات”. وحول الابعاد الاقتصادية في سياسة الدولة قال أن الاستثمار لا يمكن أن يتطور إلا في مناخ من حرية المبادرة وحرية الصحافة واستقلال القضاء وتشريك الاكاديميين ورجال الأعمال والنقابات والأحزاب السياسية في بلورة الإختيارات وإنجاز التنمية. وقال إن الحزب الديمقراطي التقدمي إلى جانب تمسكه بالمطالب التي رفعتها حركة 18 أكتوبر فإن له مطالب أخرى ملحة لإصلاح الحياة السياسية بالبلاد هي تعديل الدستور تعديلا جوهريا ينهي نظام الحكم الفردي المطلق واختلاط السلطات بيد واحدة ويرسي استقلال القضاء ويقيم محكمة دستورية، واصلاح تشريعي يقتضي مراجعة كلّ القوانين المنظمة للحياة العامة كقانون الجمعيات والاحزاب ومجلة الصحافة، ثم العودة إلى الشعب من خلال انتخابات حرة ونزيهة حتى يتولى اختيار من ينوبه في الحكم. وبخصوص مطلب الإصلاح قال انه ليس اختلاقا امريكيا بل هو مطلب أصيل منذ خيرالدين باشا ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعبد العزيز الثعالبي. وأكد الشابي ان الحزب الديمقراطي التقدمي سيعرف تداولا ديمقراطيا على منصب الامين العام خلال مؤتمره الوطني في الخريف القادم. أما الدكتور مصطفى بن جعفر الامين العام للتكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات فأكد في كلمته على ضرورة العمل المشترك بين الاحزاب الديمقراطية من اجل فرض الحريات والتعددية التي تعتبر مطالب ملحة للشعب التونسي. كما قال ان حركة 18 اكتوبر أصبحت واقعا ملموسا والمطلوب من الجميع توفير عوامل النجاح لها. ولكنه وضع لهذا النجاح شرطين هما الوضوح وعدم القفز على نقاط الخلاف بين مكونات الحركة وكذلك عنصر الثقة بين جميع الاطراف. واكد ان مشاركة حركة “النهضة” في الحراك السياسي أمر خلافي بين بعض الاطراف ولا يقع حله إلا بالحوار، ولكن الحوار مع “النهضة” ليس تحالفا بل هو وحدة عمل حول اهداف معينة. و نبه السيد حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي من جهته إلى خطورة المرحلة التي تمر بها البلاد. وقال أن الهجوم غير المسبوق على المجتمع المدني وأعضاء حركة 18 أكتوبر يدل على أننا نسير في الطريق الصحيح. وأشار إلى أن الحركة نجحت في كسر الاستقطاب الثنائي الذي أرادته السلطة وان الالتقاء بين اليساريين والإسلاميين فرضته طبيعة السلطة الاستبدادية، وهو نتيجة طبيعية لهيمنة الحزب الحاكم على مختلف مناحي الحياة. وأضاف أن المطلوب اليوم من حركة 18 أكتوبر هو الالتحام بأوسع فئات الشعب. وبخصوص حملة التخوين و الاستقواء بالاجنبي التي تروج لها الأقلام المسمومة قال الهمامي أن المعارضة الوطنية هي الاحرص على استقلالية البلاد وهي التي تناضل ضدّ التطبيع وتغلغل المصالح الاجنبية في البلاد. وختم بالتأكيد على أن الحرية يحققها الشعب التونسي بنفسه ولنفسه. أما الأستاذ عبد الرؤوف العيادي نائب رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية فأكد في كلمته أن الحزب الواحد الذي هيمن على الحياة السياسية طيلة خمسين سنة كان يهدف إلى تجريم العمل السياسي والاستفراد بكل شيء وهو ما تسبب في استشراء ظاهرة العنف والفساد و الانحدار القيمي والأخلاقي. وأكد السيد زياد الدولاتلي في كلمته على أهمية العمل السياسي المشترك في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد مؤكدا أن حركة “النهضة” تعتبر العمل مع مكونات حركة 18 أكتوبر خيارا استراتيجيا وليس تكتيكيا. وقال ” نحن نؤمن بالمجتمع التعددي والرجوع إلى إرادة الشعب ولن نعقد أي تحالفات ضد مصالح هذا الشعب”. وأضاف ” أطمئن الجميع بأن خيارنا هو خيار الدفاع عن الحرية والديمقراطية، وان تونس تتسع لجميع التونسيين مهما كانت انتماءاتهم”. من جهته شدد السيد خميس الشماري على نجاح تجربة العمل المشترك في حركة 18 أكتوبر مؤكدا ضرورة بقاء اليد ممدودة لجميع الأطراف والحساسيات حتى تتسع هذه التجربة لتشمل الجميع. وقال أن مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسيبة أصبحت واقعا ملموسا في عديد الدول العربية والإسلامية مثل مصر وتركيا و المغرب وفلسطين وأن الاشكالات التي تطرحها هذه المشاركة يقع حلها بالحوار. أما السيد حبيب مرسيط الذي تكلم باسم حركة 18 اكتوبر فقال إنها أصبحت تمثل رسالة أمل للجميع وهي خطوة لتحقيق وحدة كل القوى من أجل الخير والحرية. و انتقد الاستاذ بشير الصيد هيمنة الحكومة على الحياة السياسية قائلا انها لا تريد الاصلاح وهو ما يستوجب توحد الجميع تحت راية واحدة. وأضاف أنه يتبرأ من كل من يتحدث بإسم الوحدويين ويتقرب من السلطة للاستقواء بها على المعارضة الحقيقية. أما الأستاذ لطفي حجي رئيس نقابة الصحفيين التونسيين فتحدث مطولا على وضع الصحافة التونسية التي قال أنها أصبحت في أسوإ مرحلة في تاريخها منذ صدور أول صحيفة تونسية، خاصة بعد أن التحقت أغلب الصحف بخيار الثلب والتجريح وحملات التشويه. وأضاف قائلا” إننا نريد أن نكون في مستوى الصحافة العربية والافريقية والعالمية التي تجاوزتنا بأشواط كبيرة”. وتحدث الأستاذ صلاح الدين الجورشي نائب رئيس الرابطة عن المحنة التي تمرّ بها الرابطة والتي قال إنها مدرسة تربى فيها الكثيرون. وأكد انه منذ تأسيسها وهي في اشتباك متواصل مع السلطة وقد عجزت كل الهيئات المديرة المتعاقبة عن اقناع الحكومات التونسية بانها منظمة حقوقية يجب أن تُحترم استقلاليتها. وأفاد الأستاذ محمد النوري رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين في كلمته أن ثمانين سجينا سياسيا في مختلف السجون يشنون إضرابا عن الطعام منذ خمسين يوما بالنسبة لبعضهم، بالإضافة لسجناء مفرجا عنهم يخوضون إضرابا مماثلا للمطالبة بحقوق المواطنة الدنيا وفي مقدمتهم الدكتور منصف بن سالم وأفراد عائلته.
(المصدر: قائمة مراسلة الحزب الديمقراطي التقدمي نقلا عن صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 355 بتاريخ 14 أفريل 2006)
خمسة مسالك متباعدة للتعامل مع ملف السجناء السياسيين
واقع اليد العاملة في القطاع السياحي الاستعباد بشكل قانوني من اجل لقمة العيش
مرسوم لن يُـنـشـر “حفاظا” على كرامتهن
تعويضات “كبيرة” للجزائريات اللواتي تعرضن للاغتصاب من “إرهابيين”
دبي – العربية.نت
شدد الرئيس الجزائري بوتفليقة في أمره الموجه لوزير العدل على أن تكون المبالغ المالية التي ستمنح لما ما بات يعرف بـ”مغتصبات الإرهاب” تتجاوز الـ2 مليون دينار لكل ضحية تعويضا عن الأضرار المعنوية التي لحقت بهذه الشريحة من المجتمع، على أن تسبق هذه العملية بتحقيقات وإحصاء لهذه الفئة من قبل المصالح المخولة بذلك، وذلك بحسب ما ذكرت مصادر جزائرية قضائية.
ونقلت صحيفة “الخبر” الجزائرية عن تلك المصادر رفض الرئيس الجزائري أن ”ينشر المرسوم المتضمن التكفل بهؤلاء النساء المغتصبات مثل الضحايا الآخرين للمأساة الوطنية، للحفاظ على حياتهن الشخصية ولكي لا يلفظهن المجتمع، مؤكدا على ضرورة التكفل ومعالجة هذا الملف بكل عناية وتبصر”·
وبحسب الصحيفة يأتي قرار بوتفليقة التكفل بهذه الشريحة بعد أن همشت مراسيم ميثاق السلم والمصالحة الوطنية هذه الشريحة من النساء وإثر مراسلة وجهها له رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، السيد فاروق قسنطيني، في بداية الشهر الجاري يذكره فيها بما أسماه ”بتجاهل النساء المغتصبات من قبل الجماعات الإرهابية في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية”·
ووفقا لفاروق قسنطيني فإن هيئته اقترحت على الرئيس أن يكون تعويض هذه الشريحة من النساء أكثر من التعويض الذي تلقته كل الشرائح المعنية في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والتي حظيت بمرسوم خاص صدر في 5 أبريل/ نيسان الماضي، وأرجع رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان ذلك إلى الأضرار المعنوية التي لحقت بهؤلاء النساء بداية من الآثار الناجمة عن الاغتصاب وعقاب المجتمع الذي أدانهن بشدة، إضافة إلى الأضرار المادية والجسمية التي لحقت بهذه الفئة عند الاغتصاب الذي تم في كثير من الحالات بعد الاختطاف·
وأكد قسنطيني أن مسؤولي اللجنة يستقبلون يوميا هذه الشريحة من المجتمع لذلك فهم واعون بالأضرار الجسيمة التي تتخبط فيها هذه الفئة من النساء·
وكانت الصحيفة الجزائرية قد أشارت في 30 مارس/ آذار الماضي إلى أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أقصى مئات النساء المغتصبات من قبل الجماعات الإرهابية والأطفال المولودين من العلاقات غير الشرعية، وهو الأمر الذي دفع رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان إلى مراسلة رئيس الجمهورية يذكره بهذا الإقصاء واقتراحه التكفل بهذه الفئة من النساء، اللائي يعدن الأكثر تأثرا من المأساة الوطنية نظرا للآلام الجسمية والنفسية التي لحقت بهن خلال سنوات العنف.
(المصدر: موقع العربية.نت بتاريخ 16 أفريل 2006)
نظام القذافي لم يسقط واصبح حليفا رئيسيا للغرب
كمال بن يونس بي بي سي – تونس توقفت وسائل الإعلام الامريكية والاوربية عن اتهام الزعيم الليبي معمرالقذافي بالارهاب منذ موفى عام 2003 . وتوافد على خيمة القذافي في العامين الماضيين عدد من كبار مسؤولي الدول الغربية التي خاضت طوال عقود صراعا عسكريا وسياسيا وإعلاميا ضد نظامه، بينهم بالخصوص مجموعة من المسؤولين الحكوميين الأمريكيين ، و رئيس وزراء بريطانيا بلير والرئيس الفرنسي شيراك والمستشار الالماني السابق شرودر. وأوردت أنباء متضاربة إجراء سياسيين ليبيين محادثات سرية مع شخصيات اسرائيلية.
ماذا بعد ثلاث سنوات من سقوط بغداد ؟
مستقبل الوجود الإسلامي في أوروبا
راشد الغنوشي
على خلفية مضاعفات الرسوم الدانماركية المحقرة للإسلام وللمسلمين وما سبقها من أحداث وبالخصوص منذ زلزال 11 سبتمبر/أيلول 2001، يتعرض الإسلام والمسلمون في الغرب وفي أوروبا بالذات لحملات من التعبئة الجماعية المشحونة بالكراهية والتخويف والتشويه والازدراء والاحتقار.
تشارك في هذه الحملات شبكات إعلامية ومراكز بحثية وأكاديمية ومجموعات عنصرية ولوبيات صهيونية يهودية وصهيونية مسيحية وجماعات سياسية تغذي حملات الكراهية ضد المهاجرين تربط بهم وبدينهم كل مشكلات الجريمة والبطالة والفوضى والوساخة.
ولقد جاءت رسومات الكرتون التي نشرتها صحيفة دانماركية متخذة من شخصية رسول الإسلام عليه وآله السلام مجالا للهزء والتحقير والتشويه لتصب الزيت على مخزونات متراكمة في العقل الجمعي الغربي من الصور الشائهة حقدا على الإسلام وتحقيرا له ولرموزه ومعتنقيه، مما جعل السؤال عن مستقبل الوجود الإسلامي في الغرب مطروحا بقوة؟
إن سياسة التخويف من الأقلية المسلمة المستضعفة في أوروبا تتأسس على خلفية ترسبت فيها العداوات بأثر الحروب وبأثر الإرث الديني الكنسي الذي ناصب الإسلام العداء منذ البداية وظل مصرا على نفي الاعتراف به جزءا من الرحمة الإلهية التي تنزلت على النبي العربي صلى الله عليه وسلم، كما تنزلت على غيره من الأنبياء والرسل عليهم جميها السلام.
ولم يفلح الإسلام رغم اعترافه باتساع تلك الرحمة لكل النبوات وأتباعها في أن يبادله الآخرون ذلك الاعتراف بل بلغ بهم الأمر إلى تفضيل عقائد الشرك والوثنية على التوحيد الإسلامي وبذل الدعم لها.
أما في هذا العصر فكلما أعياهم التبشير بدين التثليث وسط أمة التوحيد طفقوا يشجعون نزعات العلمنة والإلحاد إذا كان بديلها هو الإسلام.
ورغم ما حققته المجامع الفاتيكانية من انفتاح على كل الديانات منذ ستينيات القرن الماضي فإن ممثليها ظلوا مصرين على رفض الاعتراف بالأصل السماوي للإسلام. أما الإصلاح الديني فقد كان حقده أشد على الإسلام وأهله.
وخلافا لذلك اختلط في التنوير منحى الاستمرارية في تحقير نبوة الإسلام، كما هو حاصل لدى أبرز رموزه كالفرنسي فولتير وعدد من المستشرقين مثل رينان، مع اتجاه إلى السماحة إزاء الإسلام لدرجة التنويه به وبنبيه وبالخصوص من قبل عدد من كبار الأدباء مثل غوته وكارليل ولامارتين.. إلى عدد من الدارسين المنصفين.
وبالجملة يمكن اعتبار فكر رجال التنوير، رغم ما شابه من خلط دافعه الجهل مع ما تعارفوا عليه من مواريث دينية كبلت العقول ومثلت عائقا في وجه ثورات الشعوب التحررية، السند الأساسي للدفاع عن الوجود الإسلامي في الغرب تأسيسا على ما أثمره من حداثة وديمقراطية فكّت قيود العقول وأقرت حقوقا متساوية للإنسان والمواطن وطوت سلطة رجال الدين حتى حصرتها في أضيق نطاق ودافعت عن حقوق الأقليات وصولا إلى مشارف الإقرار بأوروبا متعددة الألوان والديانات والثقافات.
إنه ليس من باب المسيحية بل من باب التنوير المتمرد عليها دخل الإسلام أوروبا مرة ثانية بعد أن طرده منها التعصب شر طردة.
كما أن الحركات اليسارية رغم الاختراقات الصهيونية لصفوفها وبالخصوص حركات أقصى اليسار والخضر والجماعات المناهضة للعولمة وللحرب وجماعات حقوق الإنسان تبقى هي الحليف الأقرب للوجود الإسلامي، لا حركات اليمين على اختلاف توجهاتها بسبب خلفياتها ومواريثها الاستعمارية والفاشية.
ومع ذلك تبقى ضرورات النمو الاقتصادي الرأسمالي هي التي كان لها النصيب الأوفر في حمل القوى الرأسمالية على جلب مئات الآلاف من أبناء المستعمرات لتلبية احتياجات الآلة الصناعية.
ولا تزال تلك الضرورات تمثل أكبر عقبة في وجه نيران العداوات والتحريض المتصاعدة ضد المهاجرين والمقصود المسلمون، تلك النار التي يعد الكيان الصهيوني وحلفاؤه اليمين العنصري موقدها الأساسي، والتي تعمل ليل نهار على نفخ سعار العداوة على الإسلام وأهله وبالخصوص داخل القلعة التي حسبوا أنهم أتموا السيطرة عليها وتوظيفها عصا لقمع عالم الإسلام أعني أوروبا وامتدادها الأميركي.
إن دأبهم حثيث على عزل الإسلام في أوروبا وتشويهه ومنع نموه الكيفي والكمي إذا ما أمكن تهجيره.
إن الذي يقف موضوعيا في وجه هذا المخطط ليس فقط بقايا فكر التنوير المنبثة في الثقافة السياسية السائدة في العصر التي لم تعد تقبل شن حروب إبادة وتطهير عرقي كما حصل في البوسنة.
فالعقبة ليست من نوع فكري، إنها العقبة الاقتصادية المتمثلة في الحاجة الثابتة والمتزايدة إلى اليد العاملة المهاجرة بسبب تفاقم العجز السكاني في القارة الشائخة، غربها وحتى شرقها بما يجعل دول الاتحاد الأوروبي محكوما عليها رغم كل الضجيج المثار ضد المهاجرين باستيراد ملايين العمال سنويا، فكيف والحال هذه يمكن تصور تهجير 30 مليونا معظمهم مواطنون؟
ليس ذلك بالأمر الهين، وهو ما يجعل الهدف الموضوعي من الحملات ضد الوجود الإسلامي في أوروبا من قبيل المزايدة السياسية الحزبية، إذ المهاجرون كبش فداء، يلقي عليهم اليمين -مناكفة لليسار- مسؤولية انتشار البطالة وحتى الوساخة أحيانا فضلا عن الإرهاب.
ويرد اليسار مدافعا عن قاعدته الانتخابية بالتضييق على المهاجرين الموجودين وتشديد الرقابة على استيراد المزيد منهم، لكن الجميع عندما يحكمون يفتحون الباب لمهاجرين جدد ربما مع الحرص على النوعية.
ولا يخلو الأمر من تنامي اتجاه التنافس على التقرب من المهاجرين خلال الحملات الانتخابية للظفر بأصواتهم إلى درجة التنافس على ترشيح بعضهم للبرلمانات، ولم يتخلف عن هذه السياسة حتى زعيم الجبهة الوطنية الفرنسية، إذ رشح مهاجرين من أصل جزائري على قوائمه والزعيم الجديد للمحافظين البريطانيين اتخذ مسلما أحد نوابه.
وما يفتأ عدد المرشحين المسلمين في البرلمانات والبلديات والأحزاب يتصاعد، ما يقض المضجع الصهيوني ويحرمه النوم، فيمعن في تسعير النيران ضد الوجود الإسلامي متحالفا مع أشد خصومه التقليديين، اليمين العنصري والديني بهدف عزل هذا الوجود أو ترحيله.
وما قصة الصحيفة الدانماركية اليمينية السيئة الذكر في علاقتها برموز من المحافظين الجدد الليكوديين الأميركان أمثال دانيال بايبس بغريبة.
الإسلام الأوروبي أصيل من حيث الوجود والإسهام الحضاري، لأن الوجود الإسلامي في القارة ليس وجودا حديثا، إذ تلقى الفاتحون المسلمون منذ القرن الثامن الدعوة من قبل الموحدين الإسبان ثم من الموحدين البوشناق في وسط أوروبا لإنقاذهم من الاضطهاد الروماني بغطاء ديني تثليثي.
ولبى الإسلام النداء وفتح تلك البلاد بيسر كبير وأقام فيها حضارات تعددية زاهرة، حتى أوشك في القرن الثامن أن يصل إلى قلب فرنسا وسويسرا.
ورغم أنه رد على الأعقاب فلقد أنشأ في شبه الجزيرة الأيبيرية واحة حضارية مثلت أهم الجسور والقنوات التي نقلت الأنوار إلى أوروبا وأخرجتها من ظلماتها.
ولم ييأس الإسلام من الوصول إلى قلب القارة، فلم تمض غير ثلاثة عقود على سقوط غرناطة بعد أن سقطت الممالك الإسلامية في الجنوب الإيطالي حيث كانت جسرا مهما لنقل الأنوار إلى القارة المظلمة، حتى وقف الإسلام على مشارف روما ثم فيينا مخترقا بلادا أوروبية كثيرة بعد أن كان قد سبقت فتوحاته إلى البلقان.
ورغم أن الإسلام رد مرة أخرى على أعقابه فقد حافظ على واحات حضارية في البلقان مثلت نماذج حضارية رائعة في التعايش بين الكنائس والمساجد والبيع وكانت سراييفو نموذجا حضاريا متفوقا قاوم، ولا يزال، كل بقايا مواريث التعصب العرقي والديني الأوروبي.
ورغم ما عاناه الإسلام في القارة من آثار الجهالات والتعصب فإنه تمكن من نقل الشرارات الأولى للتنوير إلى القلاع الغربية المظلمة التي تفاعلت هناك وصنعت ثورات أمكنها أن تدك الحصون التي فشلت جيوش الإسلام في الإطاحة بها، حصون التعصب الكنسي والجهل والإقطاع مفسحة المجال أمام كل فكر حر بما في ذلك الإسلام.
والإسلام من أكبر المستفيدين من الفتوحات العلمية والفكرية والديمقراطية بما جعل القارة منذ أزيد من قرن في حكم البلاد المفتوحة من وجهة نظر الشريعة الإسلامية التي أعلت من شأن الحريات الدينية واعتبرت دار الإسلام حيث تسود الحريات الدينية والإنسانية وحيث تسود سنن العدالة، المقصد الأعظم من بعثة الرسل، “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر”.
والوجود الإسلامي اليوم في أوروبا حقيقة ومعطى ثابت لا تحميه كما كان من قبل جيوش، إذا ضعفت وخسرت معركة انحسر معها ذلك الوجود، وإنما يحميه بفضل الله تطور حضاري متجه قدما رغم كل العوائق للقبول بقوانين ومواثيق إنسانية دولية عادلة تقر لكل البشر على اختلاف دياناتهم وأعراقهم وحضاراتهم وثقافاتهم بحقوق متساوية تفرض على الجميع احترامها واحترام حقوق ومقدسات أهلها.
إنه الاتجاه الذي بشر به الإسلام الذي نادى ولا يزال بعالم تتعايش فيه بسلام الحضارات والديانات والأعراق والقبائل والشعوب، “يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”.
إنه التعدد في إطار وحدة الرب والأصل الإنساني والكون وما فرضته تقنيات المواصلات من مصير لا بد أن يكون مشتركا إذا أريد له أن يكون ممكنا.
وما من شك عندنا أن المشروع الصهيوني الذي تغلغل في العمق الغربي وفكك كثيرا من آليات دفاعاته لفرض الاستسلام عليه لما يستكمل نجاحاته لأنه ليس من اليسر تفكيك هويات الشعوب.
وهذا الكيد الصهيوني الذي تماهى مع النزوع إلى السيطرة الغربية الرأسمالية فوضع نفسه في خدمتها لفرض السيطرة على منطقتنا وتفكيكها وإعاقة كل مشروع لنهوضها وصولا إلى التحكم فيها شأن كل جرثوم خطير يغزو بدنا فيشل مقاومته ليهمن عليه، ليس مرشحا لغير الفشل.
وكل الذي سيحقق في النهاية هو المزيد من استفزاز وتحريك عوامل المقاومة في هذا الجسم حتى يتمكن من طرد الدخيل واستعادة عافيته ووحدته وتحقيق نهضته.
تلك وظيفته المقدرة له، وربما سيكون ذلك هو السبيل الأقرب لفك قبضة ذلك السرطان على الكيان الغربي وتحرير علاقته بالإسلام من أهم العوائق، أي العائق الصهيوني الذي يعد اليوم العامل الأول في التحريض على الإسلام جملة وصحوته وبالخصوص على الأقلية المسلمة في الغرب والتشويش عليها لمنعها من كل نمو سوي تقديرا منه أن الغرب ورقة اشتغل عليها طويلا ليوظفها في خدمة مشاريعه واتخاذها عصا لقمع الإسلام وأهله.
وهل كان من محرك للحروب الغربية التي شنت على العراق مثلا أشد من اللوبي الصهيوني مما جعلها تشبه أن تكون حربا بالوكالة.
إن المخطط الصهيوني لضمان استمرار تواصل الدعم الغربي للكيان الصهيوني لفيه هاجس يقض مضجعه كلما نظر إلى الوجود الإسلامي المتنامي في الغرب، معتبرا إياه خطرا وجوديا عليه من خلال ما يمكن أن يصل إليه من نفوذ كمي وكيفي لا يستبعد أن يكون له تأثير على القرار الغربي الداعم بلا حدود لا لبقاء الكيان الصهيوني وحسب، بل لفرض سيطرته على المنطقة ولجم الإسلام ونموه.
إن ذلك الدعم الموصول يمكن أن يتعرض للتهديد بوقف وتجفيف منابعه إذا تواصل النمو الإسلامي في الغرب، ولذلك لا عجب أنه عند انتهاء الحرب الباردة وانهيار القومية العربية حليفة السوفيات بدأ ظهور تفكير في الغرب بانتهاء الوظيفة الصهيونية الغربية في صد النفوذ الشيوعي وحليفه القومي!
عندها انطلقت الإستراتيجية الصهيونية الجديدة تدفع الإسلام إلى الواجهة وترشحه العدو الجديد للإستراتيجيات الغربية والصهيونية التي دشنها رابين بخطاب في البرلمان الأوروبي أكد فيه هذا الخطر، شاجبا ضعف الوعي الغربي بهذا الخطر المتنامي على كل صعيد بما في ذلك الصعيد الغربي، داعيا إلى الاعتماد على الخبرة الصهيونية في هذا الصدد.
وهكذا انطلقت الآلة الصهيونية الرهيبة في التحريض على الإسلام وعلى العرب مستفيدة من كل تراث العداوات الغربية مقيمة تحالفات حتى مع أعدائها التقليديين في اليمين العنصري والديني المتعصب الذي يعتبر اليمين المسيحي المحافظ “الصهيونية المسيحية نموذجه”، إذ تحولت بلمح البصر عناصر يهودية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين متغلغلة في الإدارات اليمينية لتمتطي الظهر الأميركي وتسوقه في حروب ليس لها من مبرر غير خدمة المشروع الصهيوني.
وتعد شخصيات مثل بول وولفيتز ودوغلاس فايث ودانيال بايبس ومارتن كرايمر وأستاذهم جميعا برنارد لويس، أهم رموز اليمين المحافظ المنظر للحرب على العراق وعلى الإسلام بكل حركاته.
وهم ليكوديون معروفون نجحوا في التغلغل إلى قلب مؤسسة الفكر الإستراتيجي والأميركي والقرار السياسي وحتى الحربي موظفين الزعماء التقليديين لليمين المسيحي المحافظ الغبي مثل رمسفيلد وديك تشيني وجون كروفت وبوش الصغير.
ولم ينجحوا في أن يسوقوا وراءهم أميركا فحسب، بل وأوروبا ودولا عربية وإسلامية لدمجها ضمن إستراتيجية الحرب على الإسلام، بل الحرب على كل الحضارات والقوى الدولية لفرض سيطرة أميركية صهيونية على العالم تحت مسمى الحرب على الإرهاب.
ولم يقصّر عدد من حمقى المسلمين والعرب في سوق المياه إلى مجاريهم وتقديم الفرصة وراء الأخرى لهم من خلال تصريحات نارية وأعمال إجرامية باسم الجهاد ضد أناس وشعوب أبرياء هم مثلنا ضحايا المخططات الإمبريالية خرجوا معنا في مسيرات مليونية احتجاجية على قرارات حكوماتهم في لندن ومدريد وروما وباريس وسياتل، وهكذا يفعل الأحمق بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه.
ومع كل هذه المكايد والمخططات والحماقات فإن الغرور الصهيوني الإمبريالي بإخضاع الإسلام وكل الشعوب والحضارات والديانات لمخططاتهم الهيمنية لن يكتب لها النجاح لأنها تتصادم مع سنة العدل الإلهي التي قام عليها بنيان الكون، سنة العدل والتعدد، كما تتصادم مع صحوة الشعوب في عصر انسياب المعلومات وصحوة الإسلام وفشو مبادئ وقيم حقوق الإنسان والديمقراطية.
ومن ذلك ما كشف عنه سبر للآراء في دول اتحاد أوروبا، إذ كشف عن وجود رأي غربي يعتبر إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة أكبر عدو للسلام العالمي، وهو ما سعّر المخططات الصهيونية للهجوم على الإسلام ورموزه وأقلياته المسلمة في الغرب.
وفي هذا الصدد تتنزل الرسومات السيئة الذكر، لاسيما أمام تنامي صحوة الإسلام وانتصاراته الديمقراطية وتنامي تحالفاته مع القوى التحررية المناضلة داخل عالم الإسلام ضد الاستبداد والمشروع الصهيوني أو على الصعيد الدولي مع القوى المناهضة للعولمة المتوحشة واتجاهها.
وهذه الصحوة تتوجه إلى اللقاء الإستراتيجي بين قوى مناهضة العولمة والإسلام وحركاته التي تخوض على الخط الأول الصراع ضد المخطط الصهيوني الإمبريالي وعملائه في المنطقة متحالفة مع كل قوى التقدم والتحرر في اتجاه عالم تحكمه شريعة العدل “يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
(*) كاتب تونسي
(المصدر: ركن “المعرفة” بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 13 أفريل 2006)
أربعة مجلّدات جديدة عن تونس عبر التاريخ :
الجامعة التونسيّة تُعيد كتابة تاريخ تونس
”تونس عبر التاريخ” هو مولود أكاديمي جديد في أربعة أجزاء فاخرة أصدره مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية تحت إشراف وزارة البحث العلمي والتكنولوجيا وتنمية الكفاءات. وتعرّض فيه مؤّلفه إلى مختلف المراحل التاريخيّة التي مرّت بها البلاد التونسية من العصور القديمة إلى اليوم مع إبراز خصوصيّة كلّ مرحلة من تلك المراحل وتشعّب أحداثها تقديما لصورة شاملة عن تونس بداية من العصور الحجريّة إلى القرن الحالي. وقد ركّز الرئيس زين العابدين بن علي في الورقة التمهيدية على مسألة بعينها وهي أن تاريخ تونس في هذا المرجع تم وضعه برؤية علميّة تونسيّة محضة ليس اعتمادا على مؤرّخين أجانب مثلا، وإنّما اعتمادا على أطروحات ومقالات وشهادات جامعيّة وضعتها نخبة من المؤرخين والباحثين التونسيين بعد أن تحرّوا بموضوعيّة في ما كتبه الآخرون تحيينا لمعرفة تاريخ تونس. فالكتاب هو نتاج الجامعة التونسيّة بعد أن بلغت سنّ الرشد حسب وصف د.خليفة الشاطر، وهذا ما يصفه الرئيس بن علي أيضا على أنّه ”قراءة موضوعية وتحليل منهجي قويم يتجاوز تأثيرات قراءات التّاريخ الذي كتبه غيرنا عنّا، هو في حدّ ذاته نقلة جوهرية تكرّس تطوّر المدارس الفكريّة التونسيّة في مختلف المجالات”. وهو نتاج يرى فيه الرئيس ”بعدا حضاريا يتجاوز قيمته العلمية ومكانته الأكاديمية إلى دلالات تكرّس تعلقنا بهويتنا وبأمجادنا التاّريخيّة وتستلهم مآثر أجدادنا ومكانة تونس عبر العصور”.
تمّت طباعة هذا المؤلف في أكتوبر 2005 بتونس، وهو عصارة مجهود وحدة بحث علميّ ضمّت ثلاثة وعشرين مؤرّخا جامعيّا تونسيّا تشهد لهم أعمالهم بكفاءتهم العلميّة، في حين تولّى الدكتور خليفة الشاطر مهمّة الإشراف على العمل. فكان من البديهي أن تفرز هذه النخبة نتاجا بهذه القيمة يعتبره المشرف عليه ”بمثابة إعلان تاريخي، لأنّه يعتمد على البحوث التّاريخيّة التونسيّة في جامعتنا، من أطروحات ومقالات وشهادات جامعيّة مختلفة، ويقدّم الرّصيد المعرفي الذّي أنتجتْه أجيال الاستقلال بعد التحرّي بموضوعيّة في ما كتبه الآخرون لتحيين معرفة تاريخ تونس”. العصور القديمة …
ذلك هو عنوان الجزء الأوّل من المجلّدات، رصد فيه مؤلّفوه تاريخ تونس بداية من العصور الحجريّة، مُثبتين أن البلاد شهدت جميع فترات ما قبل التّاريخ بمراحلها الأربع مستندين في ذلك على عينات أثرية بالنسبة إلى العصر الحجري القديم الأسفل وعلى آثار الحضارة القبصية نسبة إلى قبصة قديما أي قفصة . وقد بيّن المؤرخ د. عبد الرزاق قراقب أهمية موقع تونس الجغرافي الذي جعل منها قبلة للحضارات و تجذّرها في القارة الإفريقية طيلة أغلب فترات ما قبل التاريخ مما جعل التأثيرات الحضارية فيها تأخذ منحى جنوبيا شماليا إلى حدود فترات زمنية متقدّمة من العصر الحجري الحديث حيث اكتسب البحر أهمية واكتشفت الملاحة مما قلب موازين الحضارة التي أصبحت تسير في اتجاه عكسي من الشمال إلى الجنوب. كما انطلق فريق التأليف من تاريخ سكان بلادنا الأوائل واهتم بالشعوب التي حلت بالبلاد واندمج في النواة العرقية التي عمّرتها منذ العصور الحجرية. وإثر الحديث عن قرطاج، انطلق المؤرخ نبيل قلالة من عائق كثيرا ما يتعرض إليه دارسو تاريخ قرطاج وهو مشكل إتلاف المصادر، ذلك أنّ بعد إحراق الرومان المؤلفات البونية وأرشيف الدولة القرطاجية لم تتسن كتابة تاريخ قرطاج إلا بالاعتماد على المصادر الأجنبيّة وخاصة الرومانية التي تمثل العدو اللّدود لقرطاج. فكان لزاما على المؤرخين التونسيين استقراء تلك المصادر بكل دقّة وحذر. وأثبت د. محمد حسين فنطر أن قرطاج هي أول دولة بالبلاد التونسية، اشتهرت آنذاك بتجارتها النشيطة وفلاحتها المتطورة، وإثر ظهور قوى عظمى جديدة اضطرت تلك الحضارة إلى الدخول في نزاعات للدفاع عن مصالحها التجارية والاستراتيجية. فكان الصراع مع اليونانيين الغربيين أوّل صراع تدخله قرطاج. في حين كان الصراع الثاني والأخير مع روما حاسما خلال الحروب البونيّة التي انتهت بسقوط قرطاج نهائيا وفوز الرومان. .. ولم يفت الباحثين الحديث عن مساهمة تونس في الحياة الثقافية الرومانية وتفتحها الثقافي والتعايش الديني بين النومديين والرومانيين إلى حين تبني الإمبراطورية الرومانية الدين المسيحي فصارت آنذاك تونس بلدا مسيحيّا مستقرّا إلى حين زحف الوندال واستيلائهم على البلاد .كانت تلك أهم الأبواب التي تطرق إليها كل من المؤرخين التالي ذكرهم منصور غاقي و احمد مشارك والهادي سليم وعبد اللطيف مرابط. من العهد العربي الإسلامي إلى حركات الإصلاح
يمثل هذا الجزء من مجموعة تونس عبر التاريخ بداية العهد العربي الإسلامي الذي مثّل قطيعة مع الحضارات القديمة القرطاجية والرومانية والبيزنطية والعهد الوسيط الأوروبي. في تلك الفترة من التاريخ تغيرت خارطة تونس. واتخذت حدودا جديدة . بدأ البحث – في هذا الجزء – من عصر القيروان بداية من الانتشار العربي الإسلامي بأفريقية إلى نهاية الدولة الأغلبية. وتعرض فيه الباحث راضي دغفوس إلى الانتشار العربي الإسلامي خارج الجزيرة العربية الذي كان سببا في فتح إفريقية وكامل المغرب. وعصر القيروان الذي استمر إلى حين انهيار الإمارة الأغلبية التي شهدت فيها بلادنا استقرارا بعد نزاعات الجيش البيزنطي والمقاومة البربرية إثر انضمام البربر إلى الجيش ومساهمتهم في انتشار العرب والمسلمين في المغرب وجزيرة صقلية ومالطة، ووقوعها تحت سيطرة الفاطميين الشيعيين الإسماعليين، وبذلك أصبحت تونس- في نظر المؤرخ علي عبد القادر- آنذاك مركزا لخلافة شيعية حضارية، شهدت لشدّة تعصبها وفرضها المذهب الشيعي ورفضها التنوع المذهبي عدم استقرارها في البلاد، فانطلقت في اتجاه مصر حيث أسّست القاهرة . ثم تعرّض المؤرخ علي عبد القادر إلى تاريخ تونس في عهد الموحّدين وتناول المؤرخ محمد حسن عهد الحفصيين، حيث أصبحت إفريقية إمارة حفصية شهدت فيها بلادنا فترة الاستقرار والبناء وتحولت تونس فيها إلى قاعدة تجارية هامّة. غير أن كثرة الصراعات بين القبائل والسلطة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، جعلت الدولة الحفصية تعيش أزمة سرعان ما تجاوزتها إلى حين أصبح المتوسط مجال صراع عثماني إسباني فكانت الفرصة، بالتالي، سانحة لإسبانيا لفرض احتلالها تمهيدا لنهاية الدولة الحفصية…. ولدراسة تاريخ تونس في العصر الحديث، أشار الباحث لطفي عيسى إلى أنه ليس من السهل على الباحث في تاريخ تونس الحديث عامة إدّعاء القدرة على الخوض في تفاصيل الأحداث التاريخيّة التي عاشتها البلاد طيلة القرن السادس عشر. ذلك أن الأخبار الموثّقة في خصوص ذلك القرن بإفريقيّة لا تزيد غالبا عن واقعتين عسكريتين محوريتين هما : حملة شارل الخامس وحملة سنان باشا التي حسمت مجرى التنافس بين القوّتين العسكريتين وحولت حسب المؤرخين القطر الإفريقي وفقا لتوصيف كتب الحوليات إلى إيالة تابعة لدولة الأتراك العثمانيين، مشيرين إلى أن اهتمام المؤرخين بدراسة تونس في عهد حمودة باشا لا يعود إلى ثراء في الوثائق بهذه الفترة، بقدر ما هو نابع من تساؤل عن موقع هذا العهد من حركة التّطور التي شهدتها البلاد التونسية في أواخر الفترة الحديثة من تاريخها. مثّل القرن التاسع عشر قرن تراجع وأزمات بالنسبة إلى اغلب الدول العربية والإسلامية خاصة منها تونس وذلك لانقلاب موازين القوى لفائدة الدول الأوروبية التي تمكنت من احتلال بلدان المغرب العربي التي أصبحت حسب تعبير ابن أبي الضياف إيالة ضعيفة لا ثروة لها إلا من الحبوب وزيت الزيتون. وكردة فعل على المدّ الأوروبي، نشأت حركة إصلاحية لمواجهة تسرّبه وتحديه . لقد تواصلت محاولات الإصلاح في تونس طيلة القرن التاسع عشر لكن مناخ التسرب الاقتصادي والتبعية لم يوفرا للإصلاح ظروف النجاح… ثم كان انتصاب الحماية الذي مثل حسب المؤرخين نهاية تلك المساعي. غير أن فكرة الإصلاح غذّت طموح الحركات النضالية التونسية وأضفت مزيدا من الشرعية على مطالب النخب.
الحركة الوطنية ودولة الاستقلال
اهتم هذا الجزء الذي وضعه د. يحيى الغول بجذور الحماية الفرنسية على تونس إثر تجاوزها معاهدة قصر السعيد واعتمادها معاهدة المرسى التي مكنتها من التدخّل في الشؤون الداخليّة للبلاد التونسيّة بإعلان نظام محدث يعتمد على إدماج البلاد التونسية داخل الدورة الاقتصاديّة الفرنسيّة في شكل ينمّ على عدم التكافؤ والهيمنة. ذلك التدخل المباشر في الشؤون الداخلية التونسية أثار حفيظة الشعب التونسي الذي عبرّ في البداية عن حركة رفض تلقائية ومحدودة الفاعلية سرعان ما احتدت نتيجة لتتالي أخطاء فرنسا وسوء معاملتها للشعب التونسي، ممّا جعل الحركة الوطنية التي انطلقت محدودة تكتسب بعدا وطنيا ووعيا سياسيا تجسم في ظهور حركات نضالية. تناول د.محمد لطفي الشايبي مراحل النضال الوطني بداية من الحركة النخبوية التي مثلتها حركة الشباب التونسي إلى حركة سياسية مهيكلة تحمل مواصفات الحزب السياسي العصري وهو الحزب الحرّ الدستوري التونسي ثم الحزب الحر الدستوري الجديد. وقد مثلت كل حقبة حلقة في سلسلة تطور الحركة الوطنية التي شهدت سلسلة من التجارب منها المطالبة بتشريك الأهالي في تسيير شؤونهم أثناء الحقبة الأولى، ثم المطالبة بحكومة مسؤولة أمام مجلس منتخب ثم المطالبة بالاستقلال الداخلي فالاستقلال التام. كانت تلك النقاط التي خاض فيها د. خليفة الشاطر. كما أشار الجزء إلى مساهمة الصحافة والاجتماعات وغيرها في تدعيم المطالب الوطنية مما رسّخ الروح الوطنية لدى كل فئات المجتمع إرغاما لسلطة الحماية على قبول مبدإ الحوار والتفاوض. وقد تحمست لهذا المبتغى أجيال من المناضلين استشهد الكثير منهم….وتمكنت الحركة الوطنية بفضل التعبئة الداخلية والخارجية من نيل الاستقلال تدريجيا وبناء الدولة . ومرت دولة الاستقلال بتجارب متنوعة وتحولات جذرية في محاولة لتدارك الوضع السيّئ الذي تركه الاستعمار الفرنسي. فتمكنت من تحقيق الجلاء التام وبعثت عملة خاصة بها وأممت الأراضي الفلاحية التي كانت بحوزة المعمرين. وحاولت تونس في العقد الأول أن تقوم بإصلاحات مرجعية تلتها إصلاحات تنموية اقتصادية في العقد الثاني غير أن ظروفا عديدة أفرزت أزمة شاملة في البلاد، احتدّت في الثمانينات.
تونس التحول
اعتبر المؤرخان لهذا الكتاب د. عبد الجليل بوقرة ود. يحيى الغول أن تحوّل السابع من نوفمبر كان منقذ البلاد من أزمة العجز الرئاسي. واعتمدا في دراستهما لهذه الفترة من تاريخ تونس على مقاربة تاريخية تشمل التطرّق لظروف التّحول ودواعيه وإنجازاته في المدّ ة الفاصلة بين سنتي 1987 و2004 مبرزين خطة الإصلاح في أطوارها الثلاثة. كان أوّلها منذ التأسيس إلى نهاية الثمانينات وركز فيه الباحث عبد الجليل بوقرة على الجهود الإصلاحية التي بدأت- في اعتباره- على الإصلاح السياسي والمصالحة الوطنية ثم إرساء النظام السياسي الجديد بوضع حلول للأزمات الاقتصادية. وهو محور الجزء الأوّل من الكتاب بعنوان التحول والتأسيس للإصلاح ، نحو التحرّريّة منذ أواخر الثمانينات. وثانيها اتّسم بطابع التّأسيس والإنشاء خلال التسعينات وأخذ في الكتاب عنوان النقلة الاقتصادية والتحولات الاجتماعية والسياسية، وتدعيم الإصلاحات في التسعينات. وفيه تطرّق المؤرّخ يحيى الغول إلى التنمية الاقتصادية التي عرفتها تونس اليوم ثمّ تولّى الحديث عن تحقيق الرّهانات الاجتماعية وفتح آفاق جديدة أمام المرأة ورفع التحديات السياسيّة. أما الجزء الأخير فكان عن دخول تونس في القرن الواحد والعشرين، التطورات المتكاملة من 2000 إلى 2004 . وتعرض الباحثان في هذا الجزء إلى تحول دستور جوان 1959 من نص وفاقي إلى نص خلافي بسبب رئاسة مدى الحياة والخلافة الآليّة وإحداث محاكم جديدة وفق حاجيات كل جهة تكريسا لمبدإ تقريب القضاء من المتقاضين. كما تعرضا إلى الإصلاحات الاجتماعية من ذلك اعتبار التربية أولوية مطلقة وإجبارية التعليم من سن السادسة إلى السادسة عشرة. …. .. تلك كانت أهم محتويات هذا الجزء الرابع من تونس عبر العصور الذي يؤرخ لفترة زمنية لم تزل متواصلة حاول فيه المؤرخان إبراز معالمها وما عرفته من تطورات تبرهن على جهود الإصلاح.
الفة جامي
(المصدر: القسم العربي بمجلة حقائق التونسية، العدد 1059 بتاريخ 13 أفريل 2006)
خلاف الدكتور والزعيم :
هل أنقذ الماطري بورقيبة من حبل المشنقة؟
لا تزال الحقيقة التاريخيّة للنضال الوطني ضدّ المستعمر الفرنسي تستنفر القوى وتثير الجدل وتدفع للسؤال بحثا عن الحقيقة التاريخيّة، ومن هذه الحقائق ما تعلّق بصحّة الشهادة، شهادة محمود الماطري ضدّ الزعيم الحبيب بورقيبة بعد أحداث 9 أفريل .1938 وإن كان هذا جوهر الخلاف فإنّ الخلاف الأكبر كان في الوسائل لا في الأهداف وهذا ما تحدّث عنه الباحث الحبيب الجنحاني في لقاء عن كتاب الأستاذ محمود الماطري ”مذكّرات مناضل” بفضاء المركز الثقافي لمدينة تونس (دار الحزب سابقا). اللقاء نظّمته جمعيّة قدماء الصادقيّة وافتتحه بكلمة موجزة معبّرة عن المناضل محمود الماطري السيد فؤاء المبزع رئيس مجلس النواب. كما تحدّث عزالدين قلوز مقدّم الكتاب والأستاذ محمد لطفي الشايبي مدير معهد الحركة الوطنيّة.
في هذا المقال نتوقّف عند ما قاله المحاضرون في تلك الجلسة المفتوحة ونوسّع الجدل حول المسألة الخلافيّة بين الماطري وبورقيبة بالعودة إلى رأي سابق للأستاذ عدنان منصر الباحث في التاريخ المعاصر وردّ محمود الماطري عن إحدى خطب بورقيبة التهجميّة فقد نزّل السيد عزالدين قلوز كتاب السيرة للمناضل الدكتور محمود الماطري منزلة الأدب السياسي الذي يقوم على وضوح الفكرة ودقّة المقصود وسلاسة التعبير وكان كتابه قد نشر باللغة الفرنسيّة ثمّ باللغة العربيّة. كتابة سياسيّة أم أدب سياسي ؟
ولم يرم الأستاذ الماطري كتابة كلّ شيء في الكتاب، بل اختار أهمّ الأحداث وما يريد أن يبلّغه للقرّاء وهو الذي يحتفظ بعدّة وثائق ونصوص ومؤيّدات لما كان قد تحدّث عنه. وخاصّة في الفترة بين 1926 و .1942 وتحدّث مقدّم الكتاب عن بعد النظر ومتعة الكتابة عند محمود الماطري وقد تنافذ خطاب الأستاذ عزالدين قلوز مع ما تحدّث عنه الأستاذ فؤاء المبزع رئيس مجلس النواب الذي أثنى على خصال هذا المناظل الكبير محمود الماطري وما قدّمه للبلاد من خدمات جليلة. وخارج هذه الجلسة يمكن العودة إلى نصّ الباحث عدنان منصر في خصوص مذكرات محمود الماطري. فهو يرى أنّ مذكّرات الدكتور الماطري تخرج عن السياق العادي. فصاحبها لا يستحضر الماضي بنفس الحماس الذي نكتشفه في المذكّرات الأخرى، وهو مؤمن بالدور الذي لعبه في سبيل التحرّر التونسي مثل إيمانه بدور الآخرين، كما إنّنا لا نكتشف في هذه المذكّرات إحساسا متضخّما بظلم التاريخ أوّ الرّفاق أو سعيا إلى تبرير سلوك معيّن، معتقدا أنّه لم يرتكب من الأخطاء ما يستوجب التبرير.
لقد مكّنتنا مطالعتنا لهذه المذكّرات الهادئة من تبيّن معالم شخصيّة متفرّدة في تاريخ الحركة الوطنيّة التونسيّة وفي نفس الوقت مغمورة في وعي أكبر جانب من الدارسين وأجيال ما بعد الاستقلال. فقد كان للوسط الإجتماعي الذي نشأ فيه محمود الماطري أبلغ التأثير على شخصيّته المستقبليّة. ولعلّ أهمّ مميّزات هذا الوسط طابعه البلدي ذا الأصول التركيّة والأندلسيّة الذي أنتج شخصيّة رقيقة تؤمن بالأخلاق الفرديّة وتقدّس التعلّم كمجهود عقلي يميّز الذات البشريّة عن غيرها من المخلوقات، وسوف يطبع ذلك كامل المسيرة العلميّة والسياسيّة لهذه الشخصيّة التي سترى أنّ من الصعب عليها التأقلم مع أيّة شخصيّة أخرى لا تشاطرها تلك المنطلقات. وتبدو أخلاقيّة السلوك العام أبرز هذه السمات على الإطلاق. فنحن لا نجد أيّ التزام أقوى من الالتزام الأخلاقي لدى صاحب هذه المذكّرات. وهو التزام جعله لا يقرّ باختلاف الوسائل عن جوهر الغايات التي ترمي إليها ولو كانت تلك الغايات تتضمّن التحرّر من الظلم ذاته. من فرنسا إلى تونس
تنطلق أحداث المذكّرات من عودة الدكتور الماطري إلى تونس في أواخر العشرينات بعد إنهائه لدراسة الطبّ بفرنسا مهملة الفترة السابقة التي قضاها في فرنسا والتي لم تكن في نظرنا أقلّ ثراء. فقد ظهر التزامه السياسي الإنساني منذ بداية هذه العشريّة في إطار اليسار الفرنسي وشارك في مؤتمر تور الذي شهد انشقاق الشيوعيين عن الاشتراكيين متحمّسا لتطوّرات الفكر اليساري ومؤمنا بتروتسكية مثاليّة هادفة إلى نشر العدالة الاشتراكيّة بين كلّ الشعوب. وبديهي أنّ اليسار كان يمثّل في تلك الظروف شكل الحركة الإنسانيّة الغالب في فترة تميّزت بتواصل الصراع على المصالح بين الإمبرياليّات وبتدهور وضعيّة شعوب المستعمرات. لكن عودة الدكتور الماطري إلى تونس كما يرى عدنان منصر، وإن تزامنت مع عزوفه عن النشاط السياسي الصرف فإنّها واصلت العمل في نفس الأفق الإنساني الذي اتّخذ هذه المرّة طابعا مهنيّا. فهو يشير إلى اقتصار نشاطه إلى حدّ 1930 على ممارسته المهنيّة دون أن ينسى أنّ الوضع التونسي يتطلّب الانخراط في حركة سياسيّة هدفها تحسين الوضع العام. موضوعيّة الكتابة
أمّا الأستاذ الحبيب الجنحاني فقد رأى أنّ هذه المذكّرات نموذج جادّ في باب كتابة السيرة الذاتيّة السياسيّة فكانت أقرب منه إلى الحقيقة العلميّة والتاريخيّة وبعيدا عن التمجيد والتوقّف عند البطولات الذاتيّة. وكان محمود الماطري في أقواله وأفعاله منسجما مع الأدوار الوطنيّة التي كان يؤدّيها بصدق وتطرّق إلى علاقته بالمنصف باي ومشاركته في حكومة شنيق التفاوضيّة من 1950 إلى 1952 وهو يتحدّث عن ذلك بكلّ تجرّد وموضوعيّة. وتوقّف الباحث الحبيب الجنحاني عند تجربته الصحفيّة ككاتب صحفي لا كصحفي ناقل للخبر وربط ذلك بدفاعه عن حريّة التعبير والتنظيم دفاعا مستميتا عند وضع أوّل دستور للبلاد وعند كتابته من طرف المجلس التأسيسي. قطيعة بسبب الوسائل
وتحدّث كذلك عن القطيعة بينه وبين الزعيم الحبيب بورقيبة إذ كان الاختلاف في الوسائل لا في الأهداف وخاصّة بعد مظاهرات 8 أفريل 1938 التي اتّهم فيها بورقيبة الماطري بالشهادة ضدّه (انظر توضيح محمد الهادي الشريف في المؤطّر). ولعلّ نقاط الضغط في مشروع بورقيبة عامّة انطلاقا من العلاقة المتوتّرة مع الراحل محمود الماطري، تمكّن في ضعف أو غياب الديمقراطيّة وعدم دفع الحرّيات العامّة إلى الأمام حيث كان الماطري قد صاح في جلسة كتابة الدستور في باب حريّة التعبير والحرّيات العامّة وأمام ”تزمّت” أغلبيّة الأعضاء : ”ماذا بقي من هذا الفصل إذا ما حذفنا منح كلمة الحريّة” ؟ !. وذكر السيد الحبيب الجنحاني أنّ محمود الماطري كان مقربا من حركات يساريّة تحرريّة في فرنسا وأوروبا لكنّه لم ينس عروبته وإرثه الحضاري حيث التقى بباش حامبة المقرّب من شكيب أرسلان. وفي باب الصراع بين الماطري وبورقيبة لابدّ من العودة إلى ما كتبه الباحث عدنان منصر بمجلّة الصادقيّة وكان يمكن الاستعانة به في تلك الجلسة. اختلاف وجهات النظر بين الشبّان والقدامى لم تلبث أن ظهرت خاصّة بمناسبة قضيّة دفن المتجنسين بالمقابر الإسلاميّة ليشرع الشبّان في مسار تجديد الحركة الوطنيّة عن طريق الدعوة إلى مؤتمر للحزب الدستوري انعقد دون حضور القدامى وأسّس لما أصبح يعرف في ما بعد بالانشقاق (مؤتمر قصر هلال 2مارس 1934). لم يطمح إلى الزعامة
إنّ تزعّم الماطري لهذه التشكيلة السياسيّة المتجددة لا يمكن تفسيره بطموح إلى الزعامة بقدر كونه اقتناعا من طرف الدستوريين الشبّان بأنّ من شأن تزعّم الماطري لهذه الحركة أن يوفّر لها الاحترام والسمعة التي كان يبدو أنّها تفتقر إليها في البداية. لكن ذلك لم يكن كافيا لإحداث اللّحمة الضروريّة بين عناصر الاتّجاه الجديد. إذ سرعان ما تبيّن اختلاف وجهات النظر بينها، وهو اختلاف تركّز في النهاية بين الماطري وبورقيبة. ولا يمكن في نظرنا إهمال هذه المسألة التي يحصرها الدكتور الماطري في مذكّراته في اختلاف الوسائل. فالأمر يتعدّى ذلك إلى طبيعة شخصيّة كلّ من الزعيمين، ففي حين يميل الماطري إلى اعتماد الوسائل السلميّة لتحقيق الغايات الوطنيّة مقتنعا بإمكانيّة التوصّل إلى تعايش حقيقي بين التونسيين والفرنسيين وذلك تجانسا مع رؤيته الإنسانيّة للعمل السياسي وعدم إبرازه لأيّ طموح فردي إلى الزعامة، نجد لدى بورقيبة استعدادا لتغيير الوسائل مهما بدت متناقضة من أجل الوصول إلى الأهداف المرسومة، كما نجد لديه طموحا جارفا للزعامة لن تفلح في تهدئته التطوّرات اللاحقة للقضيّة التونسيّة. التعايش لم يستمر
ولم يكن بإمكان التعايش بين الشخصيتين أن يستمرّ لولا سعي الماطري إلى الحفاظ على وحدة المجموعة وتجانسها،وهو سعي سوف يفسح المجال في ما بعد إلى عجز كامل عن التواصل بين الزعيمين، خاصّة عند بروز تناقضات صارخة بين السلوك السياسي والأخلاق الإنسانيّة التي لا تبرّر العنف مهما كانت الدواعي. وقد برز ذلك في موقفه من عودة الشيخ الثعالبي إلى تونس وسعيه إلى توحيد الحركة الوطنيّة من جديد. وهو سعي قاومه بورقيبة . ومن هذا المنطلق الإنساني يرى عدنان منصر، موقف الماطري من أحداث سبتمبر 1934 وأفريل 1938 مرورا بمؤتمر الحزب لسنة 1937، حيث يبدو ممزّقا بين الحرص على استمرار الحركة الوطنيّة موحّدة وقويّة وبين الانتصار لمبادئ إنسانيّة لم يكتسبها ثقافة وإنّما نشأ بها طبيعة. وبالرغم من صعوبة الاختيار في تلك الظروف المتميّزة بضغوط جديدة، يمكن القول إنّ الماطري لم ينتصر إلاّ لمبادئه الإنسانيّة رغم ما بدا للبعض من انهزاميّة باستمرار بالنسبة إلى الزعيم الحبيب بورقيبة. مصطلح الأحياء القصديريّة
في تلك الجلسة التي حضرها عدد هام من الوزراء القدامى والمهتمين بالحركة الوطنيّة والباحثين عن الحقيقة التاريخيّة تحدّث كذلك الأستاذ محمد لطفي الشايبي مدير معهد الحركة الوطنيّة الذي لم يرم الدخول في القضايا الخلافيّة التي جمعت الماطري بالمناضلين الآخرين. وقسّم الباحث مراحل حياة الماطري إلى عدّة مراحل منها مرحلة النضال الصحفي ذلك أنّه أوّل من ”استنبط” مصطلح الأحياء القصديريّة وهو المدافع المستمبت عن كلّ التونسيين دون إقصاء ولا تهميش لهم من قبل المستعمر ثمّ كانت مرحلة النضال الحزبي التي تواصلت إلى سنة 1938 ومنها التحضير لعدّة مؤتمرات منها مؤتمر قصر هلال ونهج الجبل ومؤتمر نهج التريبونال في نوفمبر .1938 تهدئة الخواطر ولكن… إلاّ أنّه وبعد استقلالته لم يتوان في الدفاع عن كيان الوطن وكان وراء نجاح مظاهرة 8 أفريل إذ سعى إلى تهدئة الخواطر بعد الخطاب التاريخي لزعيم الشباب علي البلهوان. وكان الماطري من جيل تعلّم في فرنسا إثر الحرب العالميّة الثانية تماما مثل آخرين أثّروا في الحركة الوطنيّة ومنهم من تأثّر بفعل ثورة عبد الكريم الخطّابي وقوّة الريف وخاصّة بعد مساندة الحزب الشيوعي الفرنسي لها. ومن المراحل الهامّة كذلك في حياة محمود الماطري المناضل ومرحلة التسيير الوزاري كوزير للداخليّة لفترتين متتاليتين، وفي كلّ مرّة ورغم استقالته من الحزب فقد كان محلّ ثقة من القواعد الدستوريّة وقد كان رجل حوار مع المقيمين العامين التحرريين. وتعرّض السيد إبراهيم الغربي إلى نضال محمود الماطري الطبّي والإنساني وهو الذي كان أوّل عميد لعمادة الأطبّاء وكان الغربي أوّل كاتب عام لها وعن الصعوبات التي وجدها في السبعينات قصد تكريمه كطبيب أوّلا”.
ناجح مبارك
(المصدر: القسم العربي بمجلة حقائق التونسية، العدد 1059 بتاريخ 13 أفريل 2006)
ماذا في آخر رسالة وجهها الماطري إلى بورقيبة قبل وفاته؟
في رسالة مفتوحة إلى السيد الحبيب بورقيبة رئيس الحزب الإشتراكي الدستوري قال محمود الماطري في ما اعتبر الرسالة التاريخيّة : ”عزيزي السيد الرئيس، انزعجت مرارا عديدة خلال السنوات الأخيرة عندما وجدت نفسي في العديد من خطبكم موضوع تهجمات غير عادلة ولا مبرر لها. واحتراما للمهمّة السامية المنوطة بعهدتكم رأيت أن أمسك عن القيام بأيّ ردّ فعل. مرّة واحدة قمت فيها بتوجيه بيان توضيحي إلى جريدة -لابريس- ولكن رئيس تحريرها آنذاك السيد ليشيا أعلمني أنّ نشر مثل ذلك الإيضاح من شأنه أن يسبب له مضايقات ورجاني أن أقبل عذره، ولقد نصحني كثير من الإصدقاء وحتّى أصدقاء مشتركين بيينا بأن أتّجه إلى صحف فرنسا ولكنني لم أفعل اعتبارا منّي أنّه ليس من اللائق أن أدخل في جدال مع رئيس دولة بلدي على صفحات جريدة أجنبيّة. ومرّة أخرى وبشأن الزيارة التي كنت أدّيتها لكم بجزيرة ”غروا” سنة 1954 اكتفيت بوضع الأمور في نصابها بمقتضى رسالة أوصلتها لكم عن طريق كاتبكم الخاص سي علالة العويتي وبعثت بنسخ منها إلى بعض أعضاء الحكومة في ذلك العهد. وكانت آخر هجوماتكم حتّى الآن ما ورد في خطابكم يوم 3 سبتمبر بالمنستير وهذه هي عباراته كما سمعتها من التلفزة وكما نشرتها جريدة ”لابريس” بتاريخ 5 و 6 من الشهر الحالي : ”جاءني يوما محمود الماطري وكان ذلك في شهر أفريل تقريبا وقال لي : ”لقد تغلبنا الآن يا سي الحبيب على محي الدين وربحنا المسألة ولا فائدة إذن في الاستمرار على جولاتك في داخل البلاد” وكنت أظنّ أنّ الأمر صادر من عنده فأجبته : ”لا والله مازالت لهم عروق يجب اجتثاثها وأعرفهم جيّدا بينما أنت في مكتبك وقلت له تشجيعا غير أنّه بعد مضي فترة من الزمن بمناسبة الشهادة التي أدّاها محمود الماطري بين يدي دوقيران قد استفدت أنّه كلّف من طرف المقيم العام بابلاغي وجوب الكفّ عن عقد الاجتماعات. وأدركت عند ذلك أنّ نصحه لي كان بتأثير من المقيم الفرنسي وفي الوقت الذي كنت أتصدّى فيه لمكافحة فرنسا كان رئيس الحزب متصلا بالمقيم العام يكلّفه بالمأموريّات كي يكفّ بورقيبة عن اجتماعاته بالشعب الدستوريّة، تفطّنت لذلك عندما اطّلعت على شهادة الماطري”. لا يمكنكم أن تقولوا ذلك إذ لم تقع الإشارة إلى هذا السعي أو أيّ سعي مماثل في محضر شهادتي التي نشر مختصر منها بفضل عناية اجهزتكم للدعاية في الجزء الأوّل من الكتاب الذي عنوانه ”قضيّة بورقيبة”. إذن فهناك احتمال من اثنين :
-فإمّا أنّكم لم تقرؤوا محضر هذه الشهادة، وعندئذ فإنّكم تخطئون في اتّهامي دون رويّة بأنني كنت متواطئا مع ”بيروتون” وذلك بالاستناد إلى وثيقة غاب عنكم محتواها.
– وإمّا انّكم اطلعتم اطّلاعا دقيقا على الشهادة وعندئذ يصبح الأمر أكثر خطورة إذ أنّكم في هذه الحالة، تكونون قد تعمدتم النيل من كرامة وشرف رفيق لكم في الكفاح كنتم أشدتم على رؤوس الملإ بنزاهته وإخلاصه عندما توليتم بنفسكم تقليده الصنف الأكبر من وسام الاستقلال. ومن جهتي فإنني أودّ أن يكون الاحتمال الأوّل هو الصحيح.
والآن ونحن بصدد هذه الشهادة الشهيرة (التي لم أطلب الإدلاء بها لإثقال كاهلكم كما يوحي بذلك خطابكم) لماذا لا تتحدّث عنها قليلا؟
لقد كانت خلافاتنا، كما تعلمون، معروفة لدى الجميع ولم تكن أسباب استقالتي من رئاسة الحزب سرّا، فليس إذن من باب إثقال كاهلكم في شيء، إعلاني عن معارضتي لعبارات تلفظتم بها أو كتبتموها أسود على أبيض. ومعارضتي لطرق عمل ناديتم بها علانيّة. فعندما قلت في شهادتي ”لم يتعرّض بورقيبة مطلقا لفكرة الاستقلال خلال مناقشاتنا بالديوان السياسي، فإنّه لا يمكن لأحد أن يصدّق أنّ ذلك كان بهدف جرّ بورقيبة إلى المشنقة. وكذلك فإنني لم أكن أبغي أن يحكم عليكم بالإعدام عند ما قلت لحاكم التحقيق ”لقد سألت بورقيبة قبل مدّة قليلة من حوادث 9 أفريل، عن العبارات التي نسبت إليه في ما يتعلّق بموضوع إضراب الآداء والخدمة العسكريّة وتخريب وسائل المواصلات، وهي العبارات التي دلّني عليها السيد المقيم العام بمقتضى تقارير سلط الإيالة وقد أنكر بورقيبة أن يكون قد تفوّه بعبارات مماثلة أبدا”. وكما ترون فإنّها ليست شهادتي التي كان يمكن أن تزيد وضعكم خطورة، ولو كنت أريد الإضرار بكم حقّا، لكنت نقلت إلى حاكم التحقيق هذه العبارات التي قلتموها لي أثناء الزيارة التي أديتها لكم يوم 9 أفريل والتي ارتعدت لها فرائصي : ”يجب أن يسيل الدم، نعم. يجب أن يسيل الدم”.
(المصدر: القسم العربي بمجلة حقائق التونسية، العدد 1059 بتاريخ 13 أفريل 2006)