الأحد، 13 يوليو 2008

Home – Accueil

 

TUNISNEWS
8 ème année, N°2973 du 13.07.2008
 archives : www.tunisnews.net 

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع القيروان القيروان :بيــــــــــــــــــــــــــــــــان

العرب:قضية ثامنة ضد صحيفة «الموقف» التونسية المعارضة

المشاغب : الرديّف بوم 6 جوان:عندما تصرخ الصورة

آرابيكا : فتح المعابـــــــر الى الرديّف

المشاغب: الــــــــــــــرديف.. الحياة تسكبُ الجنوب بعيدًا

كلمة:الحوض المنجمي: رحلة البحـــــــــــــث عن العدالة

الصباح : التجمع الدستوري الديموقراطي: الترفيع في عدد أعضاء اللجنة المركزية

الوقت :  تـراجــــــــــــــع واردات تونــس مــن الشــعـــير 81%

الصباح : عن العنف في الملاعب: من أجل مقاربة موضوعية ومتكاملة

الصباح : عرض «لمة وزهو» في افتتاح مهرجان قرطاج: دون سمعة وتاريخية المهرجان!

د. منصف المرزوقي: الطبيب أمام ضحية التعذيب مرّة أخرى العاهة والآفة

الصحبي عتيق : الهـــــــوية والدولة والديمقراطية

الطاهر الأسود : ألم تحن بعد مرحلة “ما بعد 18 أكتوبر”؟ العدد الثاني والعشرون

محمد فوراتي: الوقوع في مستنقع التفكك الشباب التونسي: الثروة المبددة

عبد الطيف الفراتي : بعد اجتماع الثمانية الكبار: خيبة أمل مرة

الصحافة:«من بلادي… يوميات مواطن عادي» لخميس الخياطي

هشام منور: حقيقة الجهاد في الإسلام … وجهة نظر كاتب مسيحي 

العرب : منظمات دولية قلقة إزاء الصمت السوري حول أحداث سجن صيدنايا

القدس:منظمات حقوقية سورية ومصرية تطالب بتحقيق في احداث سجن صيدنايا

موقع “المسلم: “جبهة علماء الأزهر”: سوريا التي جمعها نهار بني أمية يمزقها اليوم ليل النُصَيْريِّين

 اسلام أونلاين : ثانوية “النجاح” بباريس تستغيث! اسلام أون لاين : فرنسا ترفض منح الجنسية لمغربية منتقبة

الجزيرة.نت : لوفيغارو: فرنسا تساعد الأسد على صعود خشبة المسرح الدولي  

العرب:مطالبات حقوقية للرئاسة الفرنسية بالربط بين الاتحاد المتوسطي وحقوق الإنسان

محمد الحداد :انتخابات الولايات المتحدة لتحديد وجهة العالم


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


 

أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين تتواصل معاناتهم ومآسي عائلاتهم وأقربهم منذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاع. نسأل الله لهم وللصحفي سليم بوخذير وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات إيقافهم منذ أكثر العامين الماضيين فرجا قريبا عاجلا- آمين 

 

21- الصادق العكاري

22- هشام بنور

23- منير غيث

24- بشير رمضان

25 – فتحي العلج  

16- وحيد السرايري

17-  بوراوي مخلوف

18- وصفي الزغلامي

19- عبدالباسط الصليعي

20- لطفي الداسي

11-  كمال الغضبان

12- منير الحناشي

13- بشير اللواتي

14-  محمد نجيب اللواتي

15- الشاذلي النقاش

6- منذر البجاوي

7- الياس بن رمضان

8- عبد النبي بن رابح

9- الهادي الغالي

10- حسين الغضبان

1- الصادق شورو

2- ابراهيم الدريدي

3- رضا البوكادي

4-نورالدين العرباوي

5- الكريم بعلوش


 

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع القيروان القيروان

 في 13 جويلية 2008 بيــــــــــــــــــــــــــــــــان  
إن أعضاء فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المجتمعين اليوم 13 جويلية 2008 ، وبعد استعراضهم للمضايقات الأمنية الخطيرة التي يتعرض لها الأستاذ مسعود الرمضاني ، رئيس الفرع ومنسق اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي والمتمثلة في: ·محاصرة سكناه من طرف عناصر أمنية بالزي المدني، مرابطين حول المنزل ليلا نهارا وذلك منذ بداية شهر ماي الماضي، ·ملاحقته بصورة لصيقة بسيارات مدنية وأحيانا بدراجة نارية- تمطيها عناصر أمنية- حيثما يتحرك ومنعه في أحيان عديدة بالقوة من حرية السفر والتنقل، ·استدعائه لمركز الشرطة بالمنصورة لتحرير محضر ضده على خلفية تدخله بقناة الجزيرة يوم 22-06-2008 حول الإحداث الأخيرة بالحوض المنجمي وموقفه منها، ·منعه  اليوم 13 جويلية 2008 من التنقل للاتحاد الجهوي للشغل بالقيروان لحضور تجمع مساندة لأهالي الحوض المنجمي اقره المجلس الجهوي للاتحاد الأسبوع الماضي ،  يعبرون عن مساندتهم للأخ مسعود الرمضاني ولعائلته  وأبنائه، الذين يخضعون لمضايقات يومية. كما أن أعضاء الفرع الذين يدينون هذه الاعتداءات  اللاقانونية ، يدعون كافة مكونات المجتمع المدني لشجب هذا التضييق والتضامن مع كل نشطاء المجتمع المدني الذين يخضعون لمثل هذا الحصار الأمني. أعضاء هيئة فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالقيروان


قضية ثامنة ضد صحيفة «الموقف» التونسية المعارضة  

 
تونس – محمد الحمروني  علمت «العرب» من مصادر قريبة من الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض أن السلطات القضائية استدعت المدير المسؤول عن صحيفة «الموقف» أحمد نجيب الشابي الناطق باسم الحزب لمساءلته في قضايا ثلب ونشر أخبار زائفة. وفي تصريحات خص بها جريدة «العرب» قال عصام الشابي الأمين العام المساعد للحزب إن نجيب الشابي رفض الإجابة عن أسئلة المساعد الأول لوكيل الجمهورية. وأضاف أن الشابي تعلل في رفضه بـ : – عدم سماح الجهات القضائية بحضور محامين معه في عملية الاستنطاق. – عدم تضمّن الاستدعاء للبيانات الكافية مثلما هو معمول به في العرف القضائي. – اعتباره أن هذه القضية كيديّة وأن لها خلفيات سياسية. وتم تأجيل النظر في القضية إلى يوم 5 أكتوبر القادم. ويعود سبب رفع القضية الأخيرة على «الموقف» إلى مقال نشر يوم 11 يناير الماضي تحدث فيه كاتبه عن تلوث بيئي خطر حصل في إحدى المناطق الفلاحية بمحافظة القيروان. واتهم صاحب المقال القائمين على المحافظة بالتسبب في ذلك التلوث بعد سماحهم بإنشاء مصنع لتكرير الورق المستعمل وذلك رغم رفض وزارة البيئة التونسية لذلك كما قال. وأوضح المقال أن صاحب المعمل متورط في قضايا فساد وأنه سجن سنة 2005 بسبب ذلك، وبين أن عديد المحافظات رفضت انتصاب المصنع على أراضيها بسبب خطره الشديد على البيئة أولا، ورفض الجهات الرسمية ممثلة في وزارة البيئة لإقامة هذا المصنع ثانيا. وهذه هي القضية الثامنة التي ترفع ضد صحيفة «الموقف» في أقل من 6 أشهر. وكانت 5 شركات لتعليب الزيت قد رفعت في وقت متزامن 5 قضايا ضد الصحيفة اتهمتها فيها بالثلب ونشر أخبار زائفة نتج عنها تراجع حاد في مبيعاتها. وطالبت الشركات بتعويضات أولية بما يقارب 500 ألف دولار في انتظار أن يحدد خبير تعينه المحكمة حجم الضرر الحقيقي. وكان كلّ من رشيد خشانة رئيس تحرير الصحيفة والمنجي اللوز مدير تحريرها قد شنا إضرابا عن الطعام في أبريل الماضي استمرّ 15 يوما احتجاجا على ما قالا إنه تضييق على الصحيفة ومحاولة إسكاتها. (المصدر: صحيفة “العرب” (يومية – قطر) الصادرة يوم 13 جويلية 2008)


الرديّف بوم 6 جوان:عندما تصرخ الصورة

 

 
صمت الكلمات معان صمت الأحزان حوار صمت الأكفان صراخ والفجر سيأتي من خلف الجدران اضغط على الرابط للمشاهدة: http://perturbateur-romdhane.blogspot.com/2008/07/blog-post_12.html (المصدر: مدونة “المشاغب” (*) الالكترونية بتاريخ 7 جويلية 2008) الرابط: http://perturbateur-romdhane.blogspot.com (*) تعريف المشاغب أو رمضان (من الرديف) كما ورد في المدونة : هذا أنا رجل بلا جيش ولا حرب ولا شهداء منسجم مع اللاهوت والناسوت والحانوت لا أعداء لي وأشك أن قصيدتي مسموعة وحكايتي تعني أحد.  


 

فتح المعابر الى الرديّف

 
علاش ما عادش نحكيو على الرديّف , قفصة , تبديت, أم العرايس, نخافو من العصا السحريّة والغيابات غير المبررة من نوع خرج ولم يعد من تدريه الخواطر متاع التتبيع والتلييع والقايمة تطول ولنفرض جدلا انو حبينا نحكيو شاهين نعبرو ونتكلمو منين باش تجي المعلومات ؟ يهبط عليك الوحي في الليل ؟ والاّ تستنى قناة تونس 7 تجيبلك تقرير مضروب بالسّفود في شريط الأنباء متاع الثامنة مساء يرزينا فيه ؟؟؟ بعد ما خرج الجيش اللى كان مرابط في البلاد باقي الحصار هو بيدو ما تبدل شيء ما تنجمش تدخل لغادي كان كي تبدى ولد البلاد عدّهم باش يطلبو تأشيرة دخول منين باش تعرف علاش وكيفاش وشنوة صار واش فمّة ؟؟؟ وقريب باش نوليو ندعو لفتح المعابر الى الرديّف حتى أحنا … المسألة اذا أبعد من تعتيم وتظليل المسألة ولاّت ترهيب وخوف وزرع الرعب في نفس كل من تسوّل له نفسه أن يتكلّم ويسأل ما الذي يحدث؟ وقت تقرى ما كتبو “المشاغب” (1) من وسائل استنطاق عجائبيّة ما تنجمش ما تخافش امّا ما نراش انو الناس اللي تعرضت للتعذيب والاغتصاب يلزمها تشعر بالعار هذى وقائع تثبت همجيّة وغطرسة وجبروت المعتدي وما يلزمهاش تمرّ مرار الكرام وان كان أبناء الرديّف ما سكّتهمش الرصاص اللي عششّ في ركايبهم  وسيقانهم وظهورهم فانو الاغتصاب والتعذيب ماهواش باش يسكتّهم ايضا (المصدر: مدونة “آرابيكا” (*) الالكترونية بتاريخ 8 جويلية 2008) الرابط: http://fatma-arabicca.blogspot.com (*) تعريف “فاطمة” أو آرابيكا” كما جاء في المدونة: انسانة بسيطة تحاول تقفي أثر البوح (1) Menu  المقترح (أو الوجبة المقترحة، التحرير) على الموقوفين قي منطقة الأمن بقفصة فظاعات عديدة يرويها بعض من حالفه الحظ من شباب الرديف حول ما ارتكب في حقهم من طرف أعوان الأمن أثناء الأيقافات من تجاوزات خطيرة عجز حياء البعض عن وصفه. البداية تنطلق مع لحظة الايقاف حيث تأخذ الهراوات و الماتراك و المشطة نصيبها قي الأجساد النحيلة و قد يكون ذلك على مرأى من الوالدين اذا تم الايقاف في المنازل ثم تنطلق رحلة العذاب بكل الأساليب الكف و البونية و المشطة في جميع الأماكن و الركل و الجر و كوكتال من الكلام البذئ لا تسلم منه الأم و الأخت والزوجة ثم كل واحد و زهروا الحرمان من النوم البزاق في الفم التركيز في الضرب على الأعضاء التناسلية و نتف الشعر الحرق بأعقاب السجائر و البريكية وضع دجاجة الروتي لكن يبقى الأفظع هو الاغتصاب بالعصي نعم صدقوا؟؟؟ ثمة برشة موقوفين يحشموا باش يحكوها لكنها تكررت مع العديد منهم سامحوني باش نكون بذيء شوي قالك الموقوف يدخلوه لستوديو التعذيب و يمدولو عصا و يقولولو دخلها والا ندخلوهالك ما نكملش الباقي و بدون تعليق؟؟؟؟ (المصدر: مدونة “المشاغب” (*) الالكترونية بتاريخ 7 جويلية 2008) الرابط: http://perturbateur-romdhane.blogspot.com (*) تعريف المشاغب أو رمضان (من الرديف) كما ورد في المدونة : هذا أنا رجل بلا جيش ولا حرب ولا شهداء منسجم مع اللاهوت والناسوت والحانوت لا أعداء لي وأشك أن قصيدتي مسموعة وحكايتي تعني أحد.  

الرديف.. الحياة تسكبُ الجنوب بعيدًا

 
يصدر خلال هذه الأيام كتاب شعري جديد للشاعر التونسي وليد الزريبي تحت عنوان: “الرديف.. الحياة تسكبُ الجنوب بعيدًا”   سنوصد الأبواب، ونسدّ شقوق الحيطان. حتى إذا ما أوجعتنا يا بلدي لم يصل نواحنا إلى أذن الجار. نحن نبكي سرّا يا بلدي غير أنّ الذي يُسمع من بعيد، عصافير قلوبنا الصغيرة، التي تخربش داخل أقفاص صدورنا، لم نفعل شيئا سوى أننا كسرنا لها أضلعنا لتطير، وطلينا لها بالأزرق السقف والجدران ********* وطني أيها السر الكبير.. ما هذه العقدة التي سبّبتها لنا، لنتصرف في كل شيء كاللصوص وقطاع الطرق. وأنا نحيا بسرية تامة، نكتب بسرية.. نبكي بسرية.. حتى أصابتنا عقدة السر الكبير. فهجرنا زوجاتنا، وأدمنا العادات السرية *********** انظر إلى شكل هذه المدينة: شعرها من حرير ثغرها لين وشفّاف أصابعها ذهب خالص صباحاتها تُسمع من بعيد موسيقاها تتدفّق باستمرار قِبابها من اللاّزورد. إنّها تفرط في كلّ شيء تلك الجاحدة، في ليلها قمر ناعم سجون وأظافر كثيرة (المصدر: مدونة “المشاغب” (*) الألكترونية بتاريخ 10 جويلية 2008) الرابط: http://perturbateur-romdhane.blogspot.com (*) تعريف المشاغب أو رمضان (من الرديف) كما ورد في المدونة : هذا أنا رجل بلا جيش ولا حرب ولا شهداء منسجم مع اللاهوت والناسوت والحانوت لا أعداء لي وأشك أن قصيدتي مسموعة وحكايتي تعني أحد

الحوض المنجمي: رحلة البحث عن العدالة

 
بقلم: الصحبي صمارة “كلمة” كانت بين أهالي الحوض المنجمي الغاضبين والذين تجمّعوا أمام محكمة قفصة منذ صباح الخميس الماضي 27 جوان إلى آخر ساعات الليل ينتظرون التصريح بالحكم على أبنائهم. وذلك بعد إحالة 28 منهم بتهم تتعلّق بالتظاهر والاعتداء على الأمن العام وعلى موظّفين أثناء أدائهم لمهامّهم وإلقاء موادّ صلبة وغيرها من التهم التي صاغتها الأجهزة الأمنية في مدن الحوض المنجمي. وقد تعلّقت المحاكمة الجماعية ليوم الخميس المنقضي بآخر المستجدّات التي شهدها الحوض المنجمي وبالتحديد بمعتمدية الرديف يومي 5 و6 من شهر جوان المنقضي. وتستمرّ منذ مطلع السنة الجارية انتفاضة أهالي معتمديات الحوض المنجمي الأربعة، المظيلة، الرديف، أم العرايس، المتلوّي والتي انطلقت في 6 جانفي الماضي بنصب أبناء الرديف لأكثر من خمسين خيمة في اعتصام جماعي احتجاجا على التلاعب بنتائج مناظرة الالتحاق بشركة فسفاط قفصة. من الاحتجاج إلى الانتفاضة  الاحتجاجات تواصلت بين التوتّر الشديد والهدوء النسبي وغيرت مكانها من معتمدية إلى أخرى وتحوّلت إلى كرة ثلج تضمّ في جسمها أصنافا من المعطّلين من خريجي الجامعات ومن دونهم ومن المعوقين في حوادث شغل ومن المطرودين من عملهم ومن المتضرّرين من سياسة المناولة باليد العاملة وضحايا الطرد النقابي وضحايا الفقر والأمراض المزمنة. وتحوّلت هذه الاحتجاجات إلى انتفاضة حقيقية لجهة كاملة من جهات البلاد التونسية خصوصا وأنّها لم تعد تقتصر على شريحة ما أو فئة معيّنة بل شملت جميع السكّان بما أكسبها صفة الانتفاضة. وقد أحالت السلطات الأمنية العشرات من الموقوفين من الجهة ينتمون إلى شرائح  عمرية مختلفة وإلى مستويات تعليم مختلفة بعد أن احتدّت المصادمات يوم 5 جوان وتمّ استعمال الرصاص في مواجهة المحتجّين على الأوضاع الاجتماعية الصعبة والتي ازدادت حدة خصوصا في هذه الجهة من البلاد التونسية. وانتهت المصادمات بمقتل الشاب الحفناوي المغزاوي الذي لم يكن أوّل ضحايا مواجهة الجائعين بالرصاص إذ سبقه إلى الموت الشاب هشام العلايمي قبل شهر واحد بصعقة كهربائية بينما كان معتصما للمطالبة بحقّه في الشغل. وينضاف إلى القتلى أكثر من عشرين جريحا مصابا بطلق ناري كان الهدف منه على حدّ تعبير الرواية الرسمية للسلطة وتصريحات وزير العدل التونسي الردّ على اعتداءات بزجاجات مولوتوف استهدفت أعوان الشرطة. ولم تتوقف كرة الثلج هذه رغم مرور ستّة أشهر عن بداية الاعتصام بل أنتجت صراعا حقيقيا بين الدولة ومنظوريها من مواطني هذه الجهات المحرومة من التنمية الحقيقية، فيما تطوّرت الأحداث إلى محاصرة هذه المناطق بعشرات الآلاف من أعوان الشرطة والانخراط في توجّه قمعي لهذه التحرّكات الاحتجاجية السلميّة التي يقف سقف مطالبها عند حدود الحق في الشغل الكريم والتنمية الجهوية. آخر التطوّرات في مدن الحوض المنجمي شهدتها مدينة الرديف التي أدّى فيها النهج القمعي إلى سقوط قتيل وعشرات الجرحى أثناء المواجهات التي استعملت فيها قوات الشرطة الرصاص الحيّ يوم 6 جوان الجاري واستمرّ نفس الأسلوب بالقيام باعتقالات جماعية ومداهمات للمنازل واستيلاء على أملاك المواطنين وعلى محلاّتهم. وأعدّت السلطات سيناريو عقاب الجائعين بملفّات ومحاضر موجّهة إلى المحتجّين ضمّنتها تهما لا أساس لأغلبها من الصحّة ولا تفسير لها سوى أنّ عجزها عن القيام بواجبها تجاه أبناء هذه الجهات المفقّرة ورفض هؤلاء لاستمرار إقصائهم جعلها تمعن في التنكيل بهم حتّى يتوقّفوا عن المطالبة بالقوت. العدالة المحاصرة      بوجوه واجمة عليها سمات المعاناة والمكابرة استقبلتنا أمهات الموقوفين في انتفاضة الحوض المنجمي تحت شجرة البلّوط المنتصبة بشموخ أمام المحكمة الابتدائية بقفصة تضلّل على الممنوعين من الولوج إلى رحاب العدالة، قاعة المحكمة، التي انتصبت فرق الشرطة السياسية أمامها تطرد الأهالي وتسمح لمن تشاء بالدخول. وفي حرارة طقس تتجاوز 40 درجة تجمّع العشرات من عائلات المتهمين، أمهاتهم وآباؤهم وأشقاؤهم وشقيقاتهم، تحت الشجرة ليبايعوا أبناءهم من أجل عدالة قضيّتهم. إحدى الأمهات تبلغ من العمر 70 عاما وتحمل وشما جميلا على جبينها استدارت إليّ ورفعت صوتها بعد أن علمت من الشباب الحاضر أنّي صحفي ممنوع من دخول قاعة المحكمة “لسنا نحن الخائفون بل هم، وأبناؤنا طالبوا بالشغل فأطلقوا عليهم الرصاص..” وأضافت “عليهم أن يرحّلوا عساكرهم ويطلقوا سراح أبنائنا ويدعونا بسلام..”   ويقبع في مدينة الرديف المحاصرة، والتي تعدّ قرابة 35 ألف ساكن، منذ ستة أشهر، آلاف من أعوان الشرطة موزعين بين وحدات التدخّل والتدخّل السريع والشرطة السياسية والحرس والشرطة. وقدّر الأهالي أنّ عدد عناصر الأمن في الرديف يتجاوز 7 آلاف عون وأنّ العشرات من أبناء الجهة يحتمون بالجبل بعد أن تمّ اعتبارهم من المطلوبين لدى السلطات الأمنية ومن بين هؤلاء بشير العبيدي وهو أحد أعضاء لجنة التفاوض باسم أهالي المنطقة وقد احتمى منذ يوم 22 جوان صحبة ابنه مظفّر العبيدي بالجبل رفقة العشرات الذين تجاوز عددهم حسب تصريحات بعض الأهالي 194 فارّا كلّهم مطلوبون للمحاكمة. وأوقف خرّيج الجامعة المعطّل عن العمل الحفناوي بن عثمان منذ أسبوعين وقد تمّ الاستحواذ على حاسوبه الخاص وعلى آلة الطبع التي لديه ومصادرتهما دون تسجيلهما في محضر الإيقاف كما فرّ شقيقاه المهدّدان بالسجن.   تحرّكات النساء تكسر الصمت هذه الوضعية دفعت بنساء الرديّف إلى محاولة الخروج عديد المرات في مسيرات تضامنيّة مع أبنائهن وأزواجهنّ وآبائهن المطاردين. هذا وقد أكّد لنا الأهالي أنّ قوات الشرطة تقوم بشكل مستمرّ باقتحام المنازل والاعتداء بالعنف المادي واللفظي على العائلات وخصوصا عائلات المطلوبين ويتمّ الاستحواذ على أجهزة الهواتف الجوّالة وعلى أموال من يقع بين أيدي الشرطة. وقد منعت كلّ المسيرات النسائية بما دفع العائلات إلى الاعتصام في منازلهم وقرع الأواني احتجاجا على سلوك الأمن المرابط في أنهج الرديف وحولها بكثافة ورفضا لاستمراره في البقاء بعد ما ارتكبه من ممارسات في حقّ الأهالي. وقال أحد النشطاء الحقوقيين في مدينة قفصة أن 17 تلميذا من معتمدية الرديف حرموا من إجراء امتحان البكالوريا وهم من بين المسجلين في معاهد خاصة وذلك لوجود أسمائهم ضمن قائمات المطلوبين لدى المصالح الأمنية. للشرطة السياسية المحكمة وللأهالي الشمس الحارقة أمام المحكمة الابتدائية بقفصة حيث تمّ عرض الشبان الموقوفين ومنذ ساعات الصباح الباكر ليوم قائظ شديد الحرّ رفضت فرق الشرطة السياسية السماح لأغلب أهالي الموقوفين بالدخول إلى قاعة المحكمة بعد أن سدّت الباب الرئيسي للمحكمة وبقي أهالي الموقوفين في الشمس الحارقة ينتظرون ما ستقوله المحكمة فيما يتعلّق بمصير أبنائهم. ورغم أنّ شرط علنية المحاكمة في هذا النوع من القضايا مكفول قانونا فإنّ فرق الشرطة قرّرت الاستحواذ على سلطة المحكمة وبقي أهالي الموقوفين إلى حدود العاشرة ليلا في الشارع. وجرت المحاكمة التي حضرها أكثر من ثلاثين محاميا متطوّعا في وضع أقلّ توتّرا من المحاكمات السابقة حيث لوحظ تجاوب نسبي مع مطالب الدفاع من طرف القاضي فيما يتعلّق بتسجيل حالات التعذيب والسماح للمحامين بالمرافعة بشكل عادّي رغم أنّ القاضي نفسه كان في المحاكمة التي سبقتها أكثر تشدّدا ورفضا لقبول طلبات الدفاع. اجتياح وحالات تعذيب في اتصال مباشر بأهالي الموقوفين الذين منعوا من حضور المحاكمة وصف لنا البعض منهم الأحداث التي عاشتها الرديّف في الأسابيع الأخيرة مؤكّدين أنّ هذه المدينة المقفلة اليوم تعيش تحت وقع حكم أمني مطبق تمارسه قوات الشرطة ويتمّ التضييق على السير العادي واليومي لحياة الأهالي حيث يمنع التجوال في شوارعها بعد الثامنة مساء ويقع إيقاف الناس بشكل عشوائي والاعتداء عليهم وسلبهم أمتعتهم. البعض من الأهالي عادوا إلى سرد حيثيات ما وقع أيام 5 و6 و7 جوان من مداهمات للمنازل واعتداء على المحلاّت ونهب لممتلكات المواطنين إلى حين قدوم الجيش الذي لعب دور الجدار الفاصل بين الآلاف من عناصر الشرطة والأهالي العزّل خصوصا وأنّ الاجتياح الذي قامت به قوات الشرطة في الأيام الثلاثة أدّى إلى نتائج كارثية. وصرّح بعض الأهالي بوجود حالات تعذيب استهدفت الشبّان الموقوفين ومنهم جابر الطبابي 26 عاما أوقف في الليلة الفاصلة بين 4 و 5 جوان في العاشرة والنصف ليلا على مقربة من مركز شرطة الرديف من قبل دورية وتمّ نزع ثيابه بالكامل في الشارع والاعتداء عليه بالضرب وتمّ سحله في الشارع ثمّ نقل إلى المتلويّ عاريا حيث نال نصيبه من التعذيب في غرفة تحت الأرض ومن هناك تمّ نقله إلى منطقة الشرطة بقفصة وقد صرح بأنّ مركز التعذيب الأساسي في المتلوي علما وأنه قد تمّ وضع كيس على رأسه يغطي كامل وجهه ثمّ وضعوا العصا في دبره 3 مرات وقد أدّت عملية التعذيب إلى انتفاخ كبير في خصيتيه ورغم توجّهه بطلب إلى قاضي التحقيق _ مختار سعود ـ بإحالته على الفحص الطبّي فإن هذا الأخير رفض مقتصرا على معاينة الآثار وقد تمّ عرضه حافيا على حاكم التحقيق الذي أمر بالإفراج فعاد إلى المستشفى الجهوي بقفصة وأجري عليه عمليتين جراحيتين فشلتا في إنقاذه. وقال الأهالي أنّهم اتصلوا يوم السبت المنقضي بعائلة أحد الموقوفين من رجال الصوفية أعلمهم أفرادها بأنّ والدهم عرض مقيّدا على حاكم التحقيق وأبرز له آثار التعذيب والتنتيف والحرق البادية على لحيته وصرّح للقاضي بأنه عندما طلب شربة ماء من العون الذي عذّبه بال له هذا الأخير في فمه. هذا وقد تأكّد من قبل الشهود العيان ومن قبل بعض المحامين أنّ عددا من الموقوفين أحيلوا على حاكم التحقيق وهم يحملون كسورا واضحة لم تتمّ معالجتها. ولم يغب على المحاكمة ملح السلطة وميليشيات الحزب الحاكم إذ قام محامي الحق الشخصي عبد الرزاق الدالي الذي جاء للدفاع عن أعوان الشرطة بالاعتداء بالعنف اللفظي على الأستاذة سعيدة قراج المحامية وعضوة جمعية النساء الديمقراطيات كما سعى إلى توتير أعصاب بقية المحامين لاعبا دور وكيل النيابة بمقاطعته لهم واستفزازهم بالتلفّظ بألفاظ نابية. البحث عن العدالة تمّ التصريح بالحكم في جلسة الخميس الماضي في ساعة متأخّرة من الليل وعجزت المحكمة عن إثبات أيّة حادثة استعمال للمولوتوف أو الزجاجات الحارقة فيما أثبت الأهالي أنّهم قادرون على الصبر أكثر في محنة سببها مطالبتهم بحقّهم في العيش وفي الشغل وتراوحت الأحكام بين 10 أشهر سجنا وعدم سماع الدعوى في قضيّة لا تزال حلقاتها مفتوحة ومحاكماتها تتالى لتعيش البلاد في الفترة المتبقية من العام الحالي على وقع محاكمات لأبناء جهة محرومة من التنمية ويعاني أهلها الفقر والبطالة والأمراض المنتشرة، جرّاء إنتاج الفسفاط.  
انتفض أبناء الحوض المنجمي من أجل حقوقهم وبحثا عن العدالة في الماء والغذاء والدواء فأدمتهم سراديب قاعات المحاكم وأنفاق “العدالة” بعد أن قابلهم الرصاص الحيّ والرصاص المطّاطي ومسلسلات التعذيب وأقبية السجون والقنابل المسيلة للدموع التي انتهت صلاحيتها منذ 10 سنوات وأصيب أطفال الرديف بحساسية ظاهرة جرّاء الاستعمال المكثّف لهذه الغازات الحارقة.  
أحداث الحوض المنجمي جعلت من الرديف شهادة إدانة حقيقية للسلطات ونزعت الستار عن كذبة التنمية الشاملة وقد تأكد من خلالها أنّ توجّه السلطة هو نفسه فيما يتعلّق بمطالب الحريات والحقوق السياسية ومطالب التنمية والحقوق الاجتماعية. (المصدر: مجلة “كلمة” (أليكترونية شهرية – محجوبة في تونس)، العدد لشهر جويلية 2008) الرابط: http://www.kalimatunisie.com/ar/4/30/136/?tpl=50


التجمع الدستوري الديموقراطي: الترفيع في عدد أعضاء اللجنة المركزية

 

قرطاج (وات) كان تقدم الاستعدادات الجارية للاعداد لمؤتمر التحدي للتجمع الدستوري الديموقراطي محل اهتمام متجدد ومتابعة من قبل الرئيس زين العابدين بن علي لدى اجتماعه صباح أمس السبت بالسيد الهادي مهني الامين العام للتجمع. وفي هذا الاطار أعلن الامين العام أنه اعتبارا لارتفاع عدد المنخرطين في التجمع الدستوري الديموقراطي وتطور عدد الهياكل القاعدية منذ مؤتمر الطموح أذن الرئيس زين العابدين بن علي بالترفيع في عدد أعضاء اللجنة المركزية بكل لجنة تنسيق بعضو واحد وعرض هذا الموضوع على اللجنة المركزية في اجتماعها القادم.   المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 13 جويلية 2008  


  

تـراجـع واردات تونــس مــن الشــعـــير 81%

 
تونس – رويترز – أظهرت أرقام رسمية أمس تراجع واردات تونس من الشعير 81% على أساس سنوي في أبريل/ نيسان لتصل إلى 61.5 ألف طن . وبحسب المعهد الوطني للإحصاء الذي تديره الحكومة تراجعت قيمة مشتريات الشعير إلى 28.1 مليون دينار تونسي (24 مليون دولار) في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى ابريل وذلك قياسا إلى 1.87 مليون دينار في الفترة ذاتها من العام السابق. وقال المسؤول بالاتحاد الوطني للفلاحة مصطفى لسود ان ”ارتفاع أسعار واردات الشعير دفع الحكومة إلى تقليص المشتريات والتحول إلى الذرة وأنواع أخرى من علف الماشية. (المصدر: صحيفة “الوقت” (يومية – البحرين) الصادرة يوم 13 جويلية 2008)


عن العنف في الملاعب: من أجل مقاربة موضوعية ومتكاملة

 

 
بقلم: د.محمد نجيب بوطالب   مقالات كثيرة تناولت ظاهرة العنف في الملاعب ببلادنا، وهي تعكس مقاربات مختلفة، من زوايا نظر متنوعة، واذا كان الحوار والتفكير في القضايا الاجتماعية، علامة صحة وعافية الا انه لابد من الانتباه الى خطورة تعميم بعض الاحكام المسبقة والمجحفة، الامر الذي يبتعد بنا عن اهدافنا النبيلة،  ويجعلنا نجانب الصواب فقد صدر على سبيل المثال مقال بجريدة الصباح بتاريخ الجمعة 11 جويلية 2008 بعنوان: «بعد احداث العنف التي شهدها ملعب رادس: هل من حوار وطني شجاع وجاد حول مسألة الشباب والعنف» ومدار هذا المقال ان ظاهرة العنف في الملاعب تعود الى «مشاكل البطالة والخصاصة والتهميش الاجتماعي والسياسي والثقافي» والى «تهجير الشباب عن العمل السياسي والمشاركة في الشأن العام» وطالب المقال «بمشروع ثقافي جديد يعيد ترتيب العلاقة بين الشباب والمجتمع والدولة» ووضع موضع الشك نجاعة آليات الحوار والاستشارة المتوخاة مع الشباب في بلادنا.   ويبدو لي من وجهة نظر سوسيولوجية ان هذا الطرح تنقصه الدقة، وانه لا ينفذ الى عمق الظاهرة، فالاجوبة السياسية الجاهزة لا تساعد على الاحاطة بمشاغل المجتمع.   ظاهرة العنف قديمة ازلية لازمت الانسان منذ قابيل وهابيل، واستمرت عبر التاريخ تتخذ اشكالا مختلفة وتبلغ درجات متفاوتة من مجرد رمي السهام الى القاء القنابل النووية.. وتتمظهر في مظاهر متنوعة ووفق غايات متباينة كمصارعة الحيوان ومصارعة الانسان.. وقد يكون العنف شرعيا وقد يكون لغايات الترفيه وقد يكون جانبا من جوانب التنشئة الاجتماعية في حلقات صراع الاقران.. وقد يكون «العنف ثوريا» لبلوغ ما يعتبره معتنقوه فضيلة الحرية.. وقد يكون «انتحاريا» لبلوغ ما يعتبره معتنقوه فضيلة الحق.. ظاهرة متشعبة معقدة قد لا نتفق الا على نبذها ورفضها..   والثابت ان تمظهرات العنف تظل دائما مرتبطة بحركية المجتمع وبمقتضيات التحول الاجتماعي.. وهي تزداد تنوعا وتعقيدا في ظل تغيرات العولمة المعقدة التي تتفق اغلب الدراسات على انها خلقت حالة تطبيع مع العنف بل هي حولته الى بضاعة اعلامية.. فليس اشد عنفا وترسيخا لثقافة العنف من المادة الاعلامية القائمة على الشجار والهرج والمرج.. تحت غطاء حرية التعبير..   نعود الى مسألة العنف في الملاعب.. هي بلا شك ظاهرة سلبية وتتطلب المجابهة ولكن علينا تحليلها بواقعية وموضوعية.. فهي ليست خاصية مجتمع دون آخر.. ناهيك ان هنالك مجتمعات جد متقدمة وجد ديمقراطية تحتضن جماعات «الهوليغنز» او عصابات «حليقي الرؤوس» (سكين هاد) وهي جماعات ما انزل الله بها من سلطان.. تتكون من شرائح اجتماعية مختلفة تجمع بينها ظاهرة ذات خصوصية في الرياضة هي الانحياز الاعمى للفريق والتطرف في التعبير عن هذا الانتماء.. الاعلاميون والباحثون في شأن هذه الظاهرة لم يضعوا الديمقراطية الغربية موضع الشك، بل اعتبر بعضهم ان الافراط في التعبير عن المشاعر بعنف هي من خصائص الليبرالية الاجتماعية والسياسية.. كادت هذه الجماعات تفسد تظاهرة كأس العالم بفرنسا وبالمانيا.. ولا اعتقد ان احدا شكك في طبيعة النظام السياسي الفرنسي والالماني.. وطالب باعادة النظر في حداثته برمتها.   المقاربة السوسيولوجية الوصفية تعطينا الصورة التالية: العنف في الملاعب ظاهرة معقدة ومركبة، ترتبط اصلا بطبيعة روح المنافسة التي تقوم عليها الرياضة.. وتذكيها خاصية المراهنة.. التي تحرك نوازع العنف الكامنة في الانسان مهما كان انتماؤه الاجتماعي، فهل ان جمهور الملاعب يتكون فقط من العاطلين والمبعدين عن النشاط السياسي؟ لا اعتقد ذلك.. لان جمهور الملاعب يتكون من العاطل والتلميذ والطبيب والسياسي والمهندس ورجل الاعمال والرضع والفتيات والنساء.. هذا المجتمع المصغر يخضع في مقابلة كرة القدم لتأثيرات «الجمهور» la foule التي تستوعب الفرد في جماعة انتماء فرعية تتحرك وفق منطق التنافس والصراع.. ومعلوم ان الجمهور يوفر اطار يتمتع فيه هذا الفرد «بالنكرة» «Annonymat» وهو يسمح له بالانفلات من دائرة الضبط الاجتماعي.. هذا الانفلات يقوي ويضعف بمحفزاته المختلفة.. وقد يصل ال العنف والتخريب..   هذه منطلقات تساعد على الفهم، يجب ان نضيف اليها ان ميزة المجتمع التونسي هي ادراك مختلف مكوناته لخطورة هذه الظاهرة ثم ان الدولة لم تدخر جهدا لمجابهتها بوسائل التوعية والتأطير والحرص على حفظ سلامة الناس، وما فتئت الهياكل الرسمية ومكونات المجتمع المدني تعمل على الحد من تأثيراتها السلبية.   ان قضايا الشباب التونسي وتطلعاته تستحق منا الالتزام بالموضوعية وان ما تقوم به الدولة من استشارات وما تم تنظيمه منذ عشرين سنة من حوارات يعكس مستوى النضج الذي بلغته هذه الفئة. وان حرص الرئيس بن علي شخصيا منذ التحول على تنزيل الشباب المكانة اللائقة به لا يختلف في شأنه اثنان. بل تكاد ارادته الشخصية في هذا المجال تكون مضرب الامثال. في كلمة اخيرة ان بلدا يقرر رئيسه ان تضم اللجنة المركزية للحزب الذي يرأسه 60 شابا اقل من 30 سنة اي ما يمثل تقريبا خمس العدد الجملي من هذه القيادات السياسية بلد يعطي المثل لكثير من الديمقراطيات التي تعيش قلقا في مجتمعاتها تجاه الشباب.. ولا يجوز لنا ان نتغافل عن الانجازات الكثيرة التي حققها العهد الجديد للشباب فقد وجهت كل المخططات لفائدته، بدءا بالتربية والتكوين وصولا الى الادماج الاقتصادي والاجتماعي، وان ما بلغته السياسة الشبابية من شمولية وتقدم هي نتيجة حرص رئاسي دائم على ان يظل الشباب قلب المجتمع النابض ان شبابنا يعيش تحولات عالمية متزايدة مثله مثل كل شباب العالم، والاجدر بنا ان ننكب على دراستها بموضوعية ونزاهة مثمنين ما حققناه من نجاحات ومتطلعين الى الافضل.   المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 13 جويلية 2008

 

عرض «لمة وزهو» في افتتاح مهرجان قرطاج: دون سمعة وتاريخية المهرجان!

 

 
محسن الزغلامي تونس – الصباح: الحكم (لِـ أو على) «لمة وزهو» الفني الفرجوي الذي افتتح ليلة أمس الأول الدورة 44 لمهرجان قرطاج الدولي يمكن أن ينطلق فيه المتابع من اعتبارات مختلفة..   – الاعتبار الأول أنه  مجرد عرض فني فرجوي لذاته حاول من خلاله المخرج البشير الدريسي ومساعداه منير العرقي وسليم الصنهاجي وكذلك واضع الموسيقى فيصل القروي صياغة شكل من أشكال الاحتفالية الركحية بما تعنيه من مزيج يجمع بين أنماط فنية وفرجوية مختلفة: الاستعراض – السيرك – الألعاب السحرية – التنشيط – الرقص – الكوريغرافيا – التمثيل – الفلكلور..   – والاعتبار الثاني أنه عرض بمناسبة – وليس لذاته – وهو موصول باسم وتاريخية وسمعة مهرجان فني وثقافي عريق هو مهرجان قرطاج الدولي..   انطلاقا من الاعتبار الأول فإن عرض «لمة وزهو» يعد محاولة فيها من الطرافة والبحث والفنية ما يجعلها ترتقي الى مستوى العرض الفرجوي الطريف.   فمجموع اللوحات، سواء منها الراقصة أو الفرجوية أو التنشيطية التي فاق عددها 15 لوحة شدت – في مجملها – الجمهور الحاضر بل ان بعضها ارتقى الى مستوى من الفنية والخصوصية جعلها تبدو – لا فقط – طريفة بل وأيضا ممتعة ومؤنسة ومسلية أحيانا مثل لوحه «الهلالو والمطهّر» (الختان».   وما من شك في أن محاولة صياغة عرض فني فرجوي وايحائي من «فكرة» مادتها الأساسية الموسيقى – لا غير – يعد امرا صعبا… اذ لا يجب على المتابع ان يغفل ان «سيناريو» عرض «لمة وزهو» هو مكتوب موسيقيا – ان صح التعبير -… فالمادة الموسيقية التي صاغها فيصل القروي وعهد بها الى المخرج البشير الدريسي ومساعديه منير العرقي وسليم الصنهاجي كان يجب أن تتحول الى مجموعة لوحات فرجوية «تحكي» من بين ما تحكي ألوانا من اشكال خصوصيات «الاجتماع والعمران» في حياة الانسان التونسي ماضيا وحاضرا… واذ يتوفق الثلاثي الدريسي والعرقي والصنهاجي في صياغلة مشاهد فرجوية ممسرحة – حتى ولو كانت في أغلبها راقصة واستعراضية – انطلاقا من نص موسيقي صرف فانهم بذلك يكونون قد اجتهدوا – فعلا – واستحقوا على الاقل الاجر الواحد..   اما اذا ما نظرنا الى عرض «لمة وزهو» من زاوية انه عرض افتتاحي للدورة الرابعة والاربعين لمهرجان قرطاج الدولي فانه بهذا الاعتبار سيبدو وبكثير دون حجم اسم وعراقة وتاريخية هذا المهرجان الدولي العريق – وذلك لسببين – على الأقل -.   – السبب الأول: أن عرض «لمة وزهو» لا يتوفر بأي حال من الأحوال على معايير العروض الفنية الدولية الضخمة والمبهرة التي سبق لركح مسرح قرطاج الأثري الروماني ان احتضنها على مدى دوراته السابقة سواء وهو في اوج سمعته الدولية او حتى وهو يفقد مع الايام جوانب من بريقه وصيته الدولي.   – السبب الثاني: ان عرض «لمة وزهو» هذا يبدو انتاجا فنيا متواضعا موغلا في المحلية وتبدو عليه «امارات» الحشو والفبركة ذلك ان بعض اللوحات بدت فنيا وكأنها بلا معنى ولا دلالات (لوحة الدراجات النارية – مثلا -).   ولولا ان الجمهور الحاضر – ليلة امس الاول – بالمسرح الاثري الروماني يكون قد تسامح – في رأينا – مع العرض على اعتبار انه عرض «هواة» وانه عرض تونسي من نوع «عندكشي – عندي!» لا أكثر ولا أقل – لما كان ليواصل معه الى نهايته ولكان قد احتج عليه وعلى اصحابه كما فعل ذلك مع الشاعر الشعبي الذي وقع اقحامه ضمن بعض لوحات العرض!!!   ولأننا لا نريد ان نكون كمن يتعسف على اجتهاد أصحاب هذا العرض فاننا – من جهة – سنحيي – رغم كل شيء – جهود الفتيان والفتيات (اكثر من 120 راقصا وراقصة) الذين شاركوا في تجسيد مختلف لوحاته وسنهمس – من جهة أخرى – في أذن سلطة الاشراف والقائمين على التنظيم والبرمجة: أما آن لمهرجان قرطاج ان يستعيد مجده وبريقه وسمعته الدولية من خلال برمجة واختيارات فنية وتنظيمية لا مجال فيها للارتجالية وللاعتبارات غير الثقافية والابداعية.   المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس) بتاريخ 13 جويلية 2008

كتاب ضروري للأطباء العرب والعموم الطبيب أمام ضحية التعذيب مرّة أخرى العاهة والآفة الاحد 13 تموز (يوليو) 2008

 
د. منصف المرزوقي عرض مباشر : الطبيب أمام ضحية التعذيب سنة 1991 عندما كانت السلطة في تونس تتعامل معي بصفتي رئيس الرابطة لحقوق الإنسان ، دعاني لمكتبه الرجل الذي كان يحتل آنذاك منصب وزير الداحلية ،سيء الذكر عبد الله القلال، ليثبت لي أن ما أعلنته الرابطة عن موت شخصين تحت التعذيب عار من الصحة. وللتدليل على موقفه مدّني بشهادتين طبيتين أمضاهما نفس الطبيب العسكري . ما نساه الرجل أنني أستاذ في الطب وأن قراءة سريعة للشهادتين أكدت قناعتي بكذب الممضي والوزير.لما ورد فيهما من تناقضات وأشياء لا يصدقها العقل . وقد علمت فيما بعد أن الرجل أدعى أنني رميت بالورقتين على وجهه . للأسف. لم يكن ذلك صحيحا وإنما رميتهما على الطاولة لا أخفي انفعالي وخاصة احتقار لا حدّ له للطبيب الذي قبل بالتستّر على جريمة ببشاعة قنل إنسان تحت التعذيب. مما أذكره ايضا أن هذا التعيس لما أوصلني لباب مكتبه حدّق في طويلا ثم قال : لا تتركنا “نشلكك”. فنظرت إليه لأخطب فيه عن لا جدوى تهديد امثالي ،ثم امسكت لساني قائلا لنفسي لا يجب أن اردّ على قليل أدب يهددني وانا ضيف في مكتبه ، لكن سيرى هل بوسعه هو او سيده إرهابي أو “تشليكي ” للحقيقة ، الحادثة حيرت وقتها كل أوجاعي ، أوجاع المناضل العاجز عن وقف هذه الجرائم النكراء التي يرتكبها أناس بلا إحساس ولا ضميبر، اوجاعي كطبيب لا يفهم كيف يمكن للأطباء أن يكونوا ضالعين في شيء كهذا. المؤلم أكثر أنه لا شيء أكثر ابتذالا من ضلوع الأطباء في الجريمة الكبرى. وقد كانت أطروحتي عن التجارب الطبية على الإنسان والتي نشرت في كتاب بالفرنسة وهو على موقعي في القسم الفرنسي * أول اطلاع على ما يمكن لأطباء بلا إنسانية ارتكابه في حق البشر. هناك أيضا اطباء السجون الذين يتسترون على ما يجري فيها وهناك من يحضرون حصص التعذيب وهناك أخيرا من يمضون الشهادات الطبية للتغطية على الجريمة التي لا تغتفر. من حسن الحظ لشرف المهنة والإأنسان أن هناك على الخط الآخر، أطباء نذروا أنفسهم لتأهيل المعذبين ولا أتحدث عن الجانب الحقوقي وإتما الطبي ورمزهم بالنسبة لي الدكتورة هيلين جافي. حصل لي شرف التعرف على هذه المرأة الكبيرة سنة 1994 وكنت وقتها أبحث في كيفية بعث مركز لعلاج ضحايا التعذيب في تونس – الأمر الذي اسنحال طبعا نظرا لطيبعة السلطة- وكان أول مركز زرته للغرضز مؤسسة السيدة جافي في باريس . وهناك أخذت من جهة فكرة عن التقنيات الطبية والنفسية لمعالجة الآثار الجسدية والنفسية الرهيبة للتعذيب ، ومن جهة أخرى عن بؤسنا الحضاري .على ضفة البحر الجنوبية التعذيب وعلى ضفته الشمالية علاجه. بعد أكثر من عشرين سنة تتصل بي السيدة جافي لتطاب مني خدمة : ترجمة دليل علاج ضحايا التعذيب الذي عملت عليه سنوات من الفرنسية للعربية. قلت لها هذه ليست خدمة وإنما واجب وشرف. احتفالا بصدور النسخة العربية استدعتني السيدة جافي لعشاء في باريس وتناولنا ذكرياتنا . فجأة توقفت لتحكي لي والدموع في عينيها قصة سوري فرّ من بلاده ووصل لباريس في حالة نفسية متدهورة جراء التعذيب. هذا الرجل أصرّ لشكرها على دعوتها هي وزوجها لعشاء سوري وأعدّ لهما في غرفة خادمة تحت السطوح ألذّ عشاء أكلته في حياتها. ولم تكن تعرف أنها سهرة وداع ،لأن الرجل وجد من الغد ميتا في مربض حافلة . انتحر لأن دمار التعذيب كان فوق كل علاج ومن سيقرأ هذا الكتاب فسيفهم عمّا أتحدّث هذا الكتاب الموضوع على موقع جمعيتها التي توقفت للأسف عن العمل www.avre.org وعلى موقع وزارة الصحة الفرنسية التي مولت المشروع، ،هو آخر خدمة قامت به هذه المرأة المتواضعة التي عملت اكثر من ثلاثين سنة في صمت لعلاج أبشع أصناف الأمراض التي يتسبب فيها متوحشون في خدمة متوحشين ورغم الصبغة العلمية للكتاب فإنني أرحو أن يطلع عليه الجميع ليعلموا ما تكلفة الأمر إنسانيا ،ولكي نضع كلنا صوب أعيينا الا يدخل في المستقبل ورزارات الداخلية امثال عبد الله القلال والقصور الحكومية أمثال بن علي ليصبح التعذيب كالكوليرا من علامات ماض كريه تجاوزناه (المصدر: موقع الدكتور منصف المرزوقي بتاريخ 13 جويلية 2008)

ألم تحن بعد مرحلة “ما بعد 18 أكتوبر”؟ العدد الثاني والعشرون

الطاهر الأسود (*) الحدث الاجتماعي في قفصة: مجرد مؤشر آخر على الأزمة الذاتية والموضوعية للهيكل المعارض كما نعرف جميعا تعيش منطقة قفصة وخاصة معتمديات ما أصبح يعرف بشكل واسع بـ”الحوض المنجمي بقفصة” منذ جانفي هذا العام تحركات مست بشكل لافت شرائح واسعة من المواطنين البسطاء. الامتداد الزمني للتحركات الإجتماعية، والتي لم تكن فيها نتائج مناظرة الإنتداب في “شركة فسفاط قفصة” إلا القطرة التي أفاضت الكأس، يشير إلى حالة إصرار لم يسبق، و هنا أختار بعناية واثقة كلماتي، أن عرفت البلاد مثيلا لها من حيث الإستمرارية والثبات على مواجهة ردود الفعل العنيفة أو الترغيبية المليئة بوعود لم تعد تلقى الثقة بين شرائح المواطنين، الممسكين حتى هذه اللحظة عن رفع مطالب سياسية. هذا الإصرار على المواجهة ورفض التوقف عن الاحتجاج دون مقابل لا يمكن من ناحية إمتداده الزمني والثبات المترافق معه مقارنته  حتى بأحداث جسام هزت البلاد بأكملها مثلما كان الحال في أحداث 26 جانفي 1978 وأحداث الخبز في جانفي 1984. غير أن السؤال الأقل تمحيصا في علاقة بما يجري في قفصة هو السؤال الأكثر ترددا بين الألسن، جميعها حاكمة ومعارضة: برغم واقعية كل العوامل السياسية المحيطة بهذا الحدث الإجتماعي لما لازالت تمثلاته الحاضرة في أذهان الأهالي المحتجين أو في علاقة بحقيقة موازين الصراع أساسا غير سياسية؟ فمقابل كل التحاليل التي تحرص على الترديد الإنتصاري (تقريبا) بأن ما يحدث دليل على “أزمة النظام”، وهو الأمر الأقل حاجة للبرهنة على كل حال فما بالك بالجدال، دعني هنا أختبر البحث في النقطة المسكوت عنها في كل هذا الخضم: أليست التحركات الراهنة دليلا في الوقت ذاته على أزمة مفارقة لمعارضة غير قادرة على الإستثمار في ظرفية لا يمكن الشك بأي حال في خصوبتها السياسية؟ يمثل هذا السؤال، الذي أعرف كم لا يود البعض حتى الاستماع إليه فما بالك طرحه، أمامنا بشكل أكثر بروزا عندما نستحضر الظروف والتداعيات السياسية لأحداث إجتماعية سابقة في تاريخ بلادنا المعاصر سواء تلك المعاصرة للإستعمار أو تلك المعاصرة لما بعد الإستعمار. هل يجب أن نتذكر دور التداعيات الإجتماعية لأزمة سنة 1929 (التي جاءت متأخرة لفرنسا ومن ثمة مستعمراتها) في إحداث حركية سياسية جديدة بما في ذلك تأسيس حزب الدستور الجديد؟ هل يمكن التغافل عن العلاقة الوطيدة بين التحركات الاجتماعية لما بعد الحرب العالمية الثانية ونشأة إتحاد الشغل بالنهوض السياسي اللافت الذي سمح بنشأة جبهة وطنية واسعة ورفع مطلب الإستقلال بوضوح غير مسبوق؟ ثم هل يمكن التغافل عن علاقة التحركات الاجتماعية/النقابية بنهضة “اليسار الجديد” في سبعينات القرن الماضي والتي توجت بأحداث 26 جانفي 78؟ هل يمكن إنكار الإستثمار السياسي من قبل حركة “الاتجاه الإسلامي” (آنذاك) للأزمة الإجتماعية في الثمانينات والحصاد السياسي لتداعيات جانفي 1984 مثلا في مناطق التأزم الاجتماعي الملتفة حول العاصمة؟ في كل هذه المحطات كان الإجتماعي محركا للقطاعات الأوسع من التونسيين غير المسيسين والذين كانوا يندفعون من موقع اللامبالاة نحو موقع رد الفعل بدافع من مراحل التأزم الإقتصادي التي يمرون بها. غير أن الأطراف السياسية المختلفة كانت تلتقي إلى هذه الدرجة أو تلك مع تلك المطامح الإجتماعية وتنجح (إلى هذه الدرجة أو تلك) في تحويلها إلى تحركات سياسية. غير أن ما يميز ما يجري في حوض قفصة هذه المرة عما كان يجري دائما هو أمر لافت للغاية: إصرار الأهالي المحتجين على الاستمرار في الاحتجاج لا يوازيه سوى إصرارهم على الامتناع عن رفع مطالب سياسية؟   ودعني هنا أمر مباشرة إلى الإعتراضات الأساسية التي ستلقاها الكلمات أعلاه: “أليست شعارات التحركات في ولاية قفصة سياسية؟”، “ألا توجد أطراف سياسية منخرطة في قيادة التحركات؟”، “أليست هناك تداعيات سياسية للتحركات؟”. لا يمكن لي أن أرتاح للتساؤل/الاعتراض الأول: هل أن “الشعارات” المعنية هي تلك المرفوعة على بعض لافتات المحتجين، كتبها من كتبها، وتتحدث عن “القصور” و”السراق”؟ أم هي شعارات “خبز حرية كرامة وطنية” رفعها من رفعها بين جماهير ترغب في كل الأحوال في قول شيئ ما، أي شيئ، ذي مغزى وإيقاع إحتجاجي؟ يتعين هنا أن نجيب بكل الصراحة الممكنة حول السؤال/الاعتراض الثاني: هل أن الإنتماء السابق أو الراهن للسيد عدنان الحاجي لـ”حزب العمال الشيوعي التونسي” هو ما خول له انتزاع ثقة أهالي مدينة الرديف للحديث باسمها بين الحين و الآخر أم هو ببساطة عدم توفر المكاتب القيادية للاتحادات الجهوية أو المحلية لـ”إتحاد الشغل” على قيادات كثيرة ترغب في تبني واحتضان تحركات مواطنين يرغبون في أي إحتضان، بأي إسم كان؟ سيكون من غير الجدية، حتى بالنسبة للمناضل الأكثر إلتزاما بـ”الإنضباط الحزبي اللينيني” في “حزب العمال”، أن لا يفكر، هذا إن لم يصرح، بأن التنظيم الشيوعي في معتمديات الإحتجاج هو من الضعف بمكان حتى يمكن له فهم ومجاراة ما يجري فما بالك قيادته. وينطبق ذلك على بقية التنظيمات المنخرطة إلى هذه الدرجة أو تلك في الاحتجاجات بما في ذلك التيار القومي. لقد حان الوقت، حتى من باب “النزاهة الثورية” ولننسى للحظة فحسب واجب “الدعاية الثورية”، أن يقر الجميع بأن تحركات الحوض المنجمي بدأت ولازالت تحركات عفوية لم ولا يقدر حسب المعطيات الراهنة أي طرف سياسي تأطيرها. أمر إلى التساؤل/الاعتراض الأخير: هل هناك تداعيات سياسية لأحداث قفصة؟ هنا نحتاج لإجابة مركبة تصعب على الاختزال بالرغم من كل الإغراءات للركون للتبسيط المتضمنة في السؤال. طبعا مبدئيا يجب أن توجد تداعيات سياسية ذات معنى. وهنا لا أقصد أشياء غير ذات قيمة على مستوى موازين القوى السياسية من نوع “تشوه صورة النظام” أو “الإنتباه دوليا لما هو سياسي في الوضع الراهن من خلال التغطية الإعلامية لما هو إجتماعي” أو حتى “إيجاد مكان في كنش مواعيد شخصيات أوروبية رفيعة من أجل مقابلة شخوص من المعارضة”. ما أعنيه هنا تحديدا مستوى آخر من التداعيات التي يجب، مبدئيا، أن تحدث. أي التأثير على موازين القوى السياسية لمصلحة معارضة أكثر جدية، عملياتيا، على حساب السلطة القائمة. ذلك ممكن، مبدئيا، لسبب أساسي: أن الامتناع الراهن عن رفع مطالب سياسية في خطاب المحتجين يرجع فيما يرجع إلى معارضة تفتقد خيالا حركيا يتناسب مع طبيعة التحركات القائمة. دعنا هنا نتوقف للحظة لنقيم سلوك المعارضة تجاه ما يجري. إذا وضعنا الكم البياناتي الحقوقي/الإعلامي إلى جنب فإن أبرز ما حدث من الناحية السياسية وجود “لجان تضامن جهوية” مع ما يجري في الحوض النجمي، والمتكونة من ذات الأسماء التي تظهر للعيان في كل حدث يحتاج “لجانا جهوية”، توجد في كثير من أنحاء البلاد إلا في المجال الجغرافي للتحركات. فحتى هذه اللحظة لم توجد لجنة سياسية من أبناء معتمديات الاحتجاج تأخذ المبادرة في اتجاه تحقيق العلاقة الطبيعية بين الإحتجاجي الاجتماعي والاحتجاجي السياسي. توجد طبعا اختلافات كثيرة بين مختلف الأطراف السياسية، الميكروسكوبية كما، في معتمديات الإحتجاج. غير أنه لم يتوفر لها الخيال السياسي اللازم حتى تفهم أنه فقط عبر لجنة ذات طابع سياسي صرف تجمع كل الطاقات السياسية المعارضة سيمكن لها أن تتجاوز إنعزالها المزمن والمضي نحو أفق جديد. فإصرار الأهالي على الإمتناع عما هو سياسي جزء أساسي من أزمة السياسي في الواقع الراهن. وهو سلوك ليس جهويا بالمرة إذ يعني بقية جهات البلاد. لكنه ليس سلوكا مزمنا بل هو مشروط بفقدانهم الصبر من أسلوب “حل الأزمة” لدى السلطة. عندها فقط سيكون للجنة السياسية مكانا جذابا. بيد أن ثانوية العامل الإرادي بين العوامل المحركة للصراعات السياسية والاجتماعية يجعلنا نرجع لمربع آخر ليس لدى المعارضة، حتى عندما تكون في أحسن حالاتها الممكنة، ما تفعله إزاء التداعيات السياسية لأزمة الحوض المنجمي. حيث هناك عددا من النقاط التي تميز التحركات الإجتماعية الراهنة والتي تدفعنا للتريث خاصة إزاء تبني أطروحات من نوع “الأزمة الخانقة للنظام” أو “إنهيار النظام” والتي سرعان ما ينشدها الكورال الأكثر ثورية وطفولية في مشهد المعارضة. يكفي الانتباه مثلا إلى أنه مقابل الامتداد الزمني غير المسبوق لهذه التحركات فإنها بقيت بالأساس جهوية منحصرة في جهة قفصة رغم الحدث العابر، ورغم كل شيئ المعبر، الذي حدث في معتمدية فريانة من ولاية القصرين المجاورة. عندما نتذكر أن أحداثا إحتجاجية إجتماعية مثل “جانفي 84” اشتعلت بسرعة ملفتة وانطلقت كالنار في الهشيم من شرارة أشعلت بجهات الجنوب الغربي الصحراوي لتمتد بسرعة لاهبة، من دون كل وسائل الاتصال المتوفرة اليوم، يجب حينها أن نتوقف عن التحليلات التطمينية من قبيل “أن التونسيين لم يعرفوا ما يحصل ولو عرفو لتحركت بقية الجهات”. لا أعتقد أن هناك مجالا يمكن للمتابع النزيه فيه أن يفكر في أن يمنح “نجاحا” ما لقوى المعارضة التونسية في العشرية ونصف الأخيرة غير القدرة على الإعلام. الحقيقة التي لا يمكن أن تهزمها تطور التقنيات هي أن الناس ستعرف إن أرادت أن تعرف. أو بمعنى آخر فهي ستخلق المعلومة، حتى وإن لم توجد، إذا رأت ذلك ضروريا. الحقيقة الموضوعية التي لم يعد من الممكن التغافل عنها بعد أشهر من الاحتجاج “المنجمي” هي أن البلاد ليست جاهزة بعد، وبالرغم من كل ما هو بادي، لتعميم الإحتجاج. وهكذا، حتى لو عدل هيكل المعارضة ذاتيا في وسائله العملياتية، فإن زمن تعديل ميزان القوى السياسي في البلاد لم يتوافر بعد. وهنا آتي للنقطة الأخيرة التي أود طرحها في هذا الإطار. عندما ننتبه إلى إمتناع البلاد عن الدخول في احتجاج إجتماعي عام (لننسى الاحتجاج السياسي) ماذا يعني ذلك بالنسبة لقوى سياسية ترغب في “فرض الحريات”؟ من الطبيعي أن يستمر البعض في هذا السياق على مستوى الممارسة في أقل الأحوال فيما سميته في مقال سابق بـ”المنابرية” التي تضع على رأس قائمة مهامها “السياسية” المسألة الحقوقية. و”المنابرية” بما هي فعل إفتراضي بالأساس تستأنس بالمجالات الافتراضية البعيدة عن مجال الفعل السياسي على الميدان داخل البلاد. ورغم فاعليتها الواقعية إلا أنها لا تحسم المعارك. ويمكن هنا أن نشبه الأمر، ولو بسطيحة مقبولة، بالمعارك العسكرية التي وإن يكون فيها للمتفوق في معارك الجو أسبقية كبيرة إلا أنه يعرف أنه لن يسكب معاركه من دون خوض معارك البر. ولكن هل يوجد لدى الهيكل المعارض ما يفعله غير ذلك مادامت البلاد لم تتهيأ بعد لتعديل موازين القوى؟ 18 أكتوبر: ما قبلها وما بعدها كانت لحظة “18 أكتوبر” بلا شك لحظة فارقة. غير أن ذلك لا يعني ضرورة أن هناك إجماعا عما يجعلها كذلك. فقد اتخذ المسار الذي شكل “18 أكتوبر” أبعادا متنوعة تختلف باختلاف نوايا وأهداف الأطراف السياسية التي أنجبته (وأعادت إنجاب نفسها من خلاله). مقابل الرغبة الجامحة للحركة الإسلامية لتعميدها في حوض “نصرة الحريات والديمقراطية” من قبل من بدا   أنه يملك وكالة حصرية في توزيع ألقاب مماثلة كانت الأطراف المتهالكة من بقية المشهد السياسي في حاجة لتيار يدفع عمليا من خلال مساجينه ومنفييه الضريبة الأكثر تكلفة في ملف “الحريات” و يملك إمكان الشعبية حتى وإن كان محاصرا في الظرف الراهن. لكن رغم تنوع التقييمات المختلفة المتوقعة لمعنى حدث “18 أكتوبر” فإنه لا يمكن أن يختلف إثنان أن “الصفقة” التي أنتجته كانت مؤسسة على اتفاق عمومي حول إمكان تشكيل تحالف ما (بمعزل عن تسميته التي سيحرص البعض ألا تقترب بأي شكل من الأشكال بالذات من كلمات مثل “تحالف” أو “جبهة”) حول محور “الحريات” و”إنهاء الدكتاتورية”. كان “18 أكتوبر”، إذا، تتويجا لهذا المسار ولهذه العلاقة المعقدة بين أطراف تحاول أن تنسى تنافرها الآن بنفس القدر الذي كانت تتذكره في مراحل سابقة. غير أن الأطراف اليسارية التي كان انخراطها ليس ابتعادا فحسب عن نهج “إستئصال الظلامية” الذي كان عنوان علاقتها بالحركة الإسلامية حتى وقت قريب بل أيضا ابتعادا عن يسار آخر مازال “مؤتلفا” حول “إستئصال الظلامية”، كان إذا هذا الانخراط متبوعا بشعور عميق من الذنب الإيديولوجي الذي استحضر ضرورة إنشاء “منتدى 18 أكتوبر” (الإيديولوجي). “منتدى” لحسم مسائل معقدة لا يمكن حسمها فيما بين مشاركين في ندوة أكاديمية طويلة الأمد في العلوم والفلسفة السياسية (خاصة إذا ألقينا بينهم ببعض أتباع “ما بعد الحداثة”) فما بالك بين فصائل وتنظيمات بالكاد تستطيع الإجتماع إلى نفسها والإجتماع فيما بينها (عندما يسهى بعض مدنيي البوليس السياسي الساهرين على الباب). وهكذا في اللحظة التالية للحظة التي ولد فيها ما هو سياسي في “18 أكتوبر” قام “18 أكتوبر” الايديولوجي بإنهائه. إثر ذلك تكفلت مؤشرات الإستعداء المستديم لـ”الظلامية” في قطاعات لازال يحظى فيها هذا اليسار بوجود مشهدي مثل بعض نقابات “إتحاد الشغل” أو ما تبقى من “إتحاد الطلبة” أو تحالفات انتخابات المحامين بإعدام أي معنى واقعي لـ”18 أكتوبر”. لم يبق، في الواقع، سوى إعلان موته. لكن لم يكن ذلك بالتحديد ما شكل مقتل “18 أكتوبر” المبكر. ما قام بهذه المهمة هو المحور الذي كان موضوع وجوده. فالآن يجب التحلي بجدية أكبر عند الإجابة عن سؤال مثل: ماهي المهام السياسية الأساسية المطروحة في البلاد في الظرفية الراهنة؟ وحيث كان الجواب الذي يمثل “18 أكتوبر” ومرحلته هو بكل التبسيط الممكن: “الحريات” و”إنهاء الدكتاتورية”، فإن تجربة “18 أكتوبر” قامت بما يكفي لتثبت فشلها الذاتي. بمعنى آخر كان لـ”18 أكتوبر” أن يحدث حتى نتحقق من الوهم الذي يشكل موضوعه: لا يمكن أن تتحقق تحالفات على أساس محور “الحريات” وحدها. ليس موضوع المرحلة الراهنة “إنهاء الدكتاتورية” بالتحديد بقدر ماهو يتصف أيضا بمعاني أكثر دقة يمكن مثلا إضافة مسائل الهوية الثقافية والاحتجاج الاجتماعي ضمن مستويات لا تقل قيمة عن موضوع “طبيعة السلطة السياسية”. وهذا لا يعني أن موضوع “الحريات” ثانوي بقياسها بل يعني أن تحالفا “من أجل الحريات” لا يمكن أن يشكل موضوع الجبهات السياسية المنظورة. يعني أيضا أنه حان الوقت للأطراف الأساسية (كما ونوعا) المتعرضة لانتهاك “الحريات” أن تستثمر سياسيا ما هي بصدد دفع ثمنه منذ سنين وهي التي لا يجمعها إنتهاك حرياتها فحسب بل أيضا خطوط عامة في محاور ثقافية واجتماعية. (*) باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالي المصدر موقع أقلام أولاين السنة السادسة  العدد 22/ بتاريخ جوان – جويلية 2008
 

 

الهوية والدولة والديمقراطية

 
 (*)الصحبي عتيق 1- الهوية واستحقاقاتها: إنّ الهوية هي الحقيقة المميزة المعبرة عن الخصائص الذاتية لكل مجموعة بشرية، وتظهر بصورة جلية في الأنموذج الحضاري ومن خلال الثقافة العامة وأنماط العلاقات السائدة بينها؛ وهي شعور بالخصوصيّة يتجسّد في تعابير ثقافيّة واجتماعيّة وفنيّة، وهي نتاج يتشكّل من طبيعة العلاقات الاجتماعية وطبيعة التّكوين التّاريخي المترسّب في الذّاكرة الجماعيّة. فالهوية إفراز لتصور فلسفي، وتنظيم لمناشط الفرد والأسرة والعلاقات العامة وعلاقة المجموعة بالجهاز الحاكم ولغة التخاطب وجملة القيم التي تنظّمها. ولقد كانت تونس مهدا لتجارب حضارية كبرى (بربرية؛ قرطاجية؛ رومانية)، وهذه المراحل من التاريخ تستحق الاحترام والاعتراف. ثمّ جاء الإسلام بثقافته الكونية، وتمكن من استيعاب هذه الثقافات وهضم ما تحمله من عناصر الحقّ والخير والجمال دون إلغاء أو نفي لها. وتمكّن الإسلام من نفوس الشّعب، ومثّل النّاظم الحقيقي للأفراد في كيان الأمّة الإسلاميّة، بعد أن أشربت نفوسهم قيمه وتصوّراته ومقاصده. وظلّ الإسلام يترسّخ حتّى استقرت تونس على الهوية العربية الإسلامية، وأصبح الانتماء العربي لتونس في نطاق الانتماء للأمّة الإسلامية عنصرا ثابتا في هوية البلاد لا يرتقي إليه الشكّ، ولا يقبل المراجعة، بعد أن قام الإسلام ببلورة الشّخصيّة العربيّة من جميع جوانبها، ولعب دورا محوريّا في تشكيل الهويّة، وتحوّل عبر الزّمان إلى نظام أنظمتها في المعرفة والأخلاق والسّياسة. ومثّلت العروبة بعدا أساسيا من أبعاد الهويّة وامتزجت بالإسلام إلى حدّ الانصهار التّام، بعد أن ملأها بروح التّوحيد الجامع، وألغى كلّ معايير التّفاضل على أساس اللّون أو الجنس أو العرق، ونزع عنها العصبيّة الضيّقة، مع الاعتراف بتعدّد الشّعوب والألسنة والأقوام، في ظلّ وحدة الأمّ الإسلاميّة وعالمية الإسلام (1). يقول الدّكتور محمّد عابد الجابري:”…شعوب شمال إفريقيا لا ينفصل في وعيها الإسلام عن العروبة ولا العروبة عن الإسلام” (2). ولقد مثلت هذه الهوية العربية الإسلامية الفضاء الحضاري والمرجعية في رسم النّظم التربويّة والثّقافيّة والاقتصاديّة والعلاقات الدّوليّة، وفي تنظيم شبكة العلاقات القانونية والاجتماعيّة، وضبط التّشريعات المنظّمة للحياة، وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلات الواقع المتغيّر. والهوية كما نفهمها ليست تعبيرا عن موقف تمجيدي نرجسي جامد، إنّما هي مفهوم متطوّر ينسجم مع الواقع الحضاري، ويتأثّر بمعطيات المعرفة والفكر المعاصر، ومحصلة التّغيّرات الحضارية، والتّجارب المترسّبة عبر التّاريخ. فهذه الهويّة بكل هذه المكوّنات عمادها الإسلام والعروبة، هي عامل توحيد ومصدر إلهام وتفتّح على العصر ومكتسبات الحداثة، وقادرة على استيعاب أفضل ما أنتجته البشريّة. ولئن حاول الاستعمار طمس هوية البلاد وتفكيكها، وتطوّرت أساليب نفوذه من خلال العلاقات الاقتصادية والثّقافيّة، بعد خروج العسكر، وتواصل هذا الأمر مع الدّولة القطريّة، حيث كان الاستبداد قرينا للتغريب الذي سعى جاهدا لفصل الشّعب عن هويته، وفصل الدّين عن السّياسة، وتكريس العلمانية، وتهميش الإسلام، وإبعاده عن مجالات السياسة والتّربية والثّقافة والقانون، رغم إعلان الدّستور أنّ الإسلام دين الدّولة، فقد بقي الإسلام مقررا في وجدان الشّعب وفي لاوعيه وثقافته وتقاليده، قبل التّنصيص عليه في دستور البلاد. فتونس جزء من الأمّة الإسلاميّة، ومازالت الهويّة حيّة في ضمير شعبها، رغم عهود الانحطاط الحضاري وحقب الاستبداد والتغريب الممنهج والمتواصل، وبقي الإسلام موصولا في أعماق النّفوس، حيّا في ضمائر الشعب، مرتبطا في ذهنه بالعدل والتّقدّم والمجد. فمن هذه الهوية نستلهم، وبها نتطوّر، وليست مجرّد شعار، إنّما تستلزم من كلّ المتصدّرين للفعل والتأثير الاعتراف بها كمكوّن رئيسي للمنطقة، وكوجود سياسي، ونفوذ في القوانين الأساسية للدّولة، وحضور على مستوى التّربية والثّقافة، وكضرورة للتنمية والرقيّ والإبداع، وخدمة للوحدة العربيّة الإسلاميّة، وتمكين هذه الوحدة من سبل التّحقّق الثّقافي والاقتصادي والسياسي، ودفاعا عن قضايا الأمّة، وتعزيز الانتماء إليها. كما إنّ الجميع مدعوّ لدعم اللّغة العربيّة وتطويرها والارتقاء بها، حتّى تنهض باقتدار بقضايا الفكر المعاصر، وقضايا العلم والتّكنولوجيا، وتكون لغة الاستعمال الإداري، ولغة التربية والتعليم، ولغة البحث العلمي، ولغة الثقافة والإبداع، وألاّ تعلو عليها لغة أخرى، فإنّه لا تطوير للثّقافة بغير اللّغة الوطنيّة، لذلك فإنّ التّعريب وإحلال اللّغة العربيّة المكانة التي تليق بها مطلب حضاري وأداة للنّهضة، من غير انغلاق ولا تعصّب ولا انهزام. فالانفتاح على الحضارات الأخرى، والتّفاعل الإيجابي مع اللّغات الأخرى ضرورة للتّطوّر والتّجدّد.  2- الدين والدولة في الفكر الإسلامي: “وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله” (الزخرف84) أ- الإسلام منهج حياة لقد تناول الإسلام حياة الإنسان من كل جوانبها، وجاء حاكما على جميع أفعاله من العبادة إلى الأسرة إلى المجتمع إلى الدولة. فكل الحياة مقصودة بالتّوجيه والتّشريع في نصوص الكتاب والسّنّة. والإسلام لا يقبل أن ينعزل عن الحياة والواقع ليكون مجرّد شعائر أو عقائد في الضمائر لا علاقة لها بحياة الإنسان والمجتمع والدّولة: إنّه تنظيم للحياة في مختلف جوانبها، بل هو أشمل تعبير إلهي، وآخر صياغة لإرادة الله في إرشاد الإنسان – الذي هو صناعة إلهيّة – إلى الحقّ في الاعتقاد والتّصوّر، والصّلاح في السّلوك والمعاملات والعلاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة. ومن أهمّ تجليات السّياسة قيام الدّولة، فالدّولة بصرف النّظر عن شكلها، الذي أفرزه التّاريخ هي فريضة دينيّة: “الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور” (الحجّ 41)، “إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس بما أراك الله” (النّساء105). يقول ابن تيمية: (يجب أن يُعرَفَ أنّ ولاية أمر النّاس أمر من أعظم واجبات الدّين، بل لا قيام للدّين ولا للدّنيا إلاّ بها، فإنّ بني آدم لا تتمّ مصلحتهم إلاّ بالاجتماع بحاجة بعضهم إلى بعض، ولابدّ عند الاجتماع من رأس، حتّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم :’ إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم’، تنبيها على سائر أنواع الاجتماع ) (3). ويقول الإمام ابن عاشور: (إنّ إقامة الحكومة للأمّة الإسلاميّة أمر في مرتبة الضّروري… فكان الإسلام من مبدإ انبعاثه مقدّرا له أن يكون نظاما … فالإسلام دين قائم على قاعدة الدّولة.) (4). فلم يعرف الإسلام من خلال نصوصه وتجربته التّاريخيّة الواقعيّة دينا بلا دولة، ولا أقام دولة بلا دين. ويقول ابن خلدون: (إنّ نصب الإمام واجب قد عُرف في الشّرع بإجماع الصّحابة والتّابعين)(5). ولئن لم يعرف الفقه الإسلامي التّفرقة الواضحة في القوانين الحديثة بين القانون العام والخاصّ وقواعد التّنظيم الدّستوري أو الإداري على أسس مضبوطة ومدوّنة فقد تناول العلماء والفقهاء موضوع الإمامة في كتب أصول الدّين وفي كتب الفقه، فكتب الباقلاني والبغدادي والإمام الجويني والإمام الغزالي وهم من علماء الكلام … وأفرد لها فقهاء المذهب السّنّي كتبا خاصّة باعتبارها من فروع الفقه (6) كالماوردي وابن الفرّاء وابن تيمية وابن قتيبة والكواكبي ومحمّد رشيد رضا … إلى جانب ما تناثر في ثنايا مسائل الفقه المتعلّقة بالحكم والدّولة كالحسبة والخراج والجهاد والوزارة والقضاء. ب- فكرة فصل الدّين عن الدّولة لم يعرف الإسلام في نصوصه ولا تاريخه فصلا بين الدّين والسّياسة أو بين الزّمني والروحي. فالسّياسة منشط يرتقي إلى أعلى درجات العبادة، وبُعدٌ لتحقيق مقاصد الإسلام في العدل والحريّة. قال تعالى “ياأيّها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدِلوا هو أقرب للتّقوى” (المائدة 8). وقال عليه الصّلاة والسّلام : (أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر ) رواه التّرمذي وأحمد. وإذا تناولنا نصوص الوحي والتّجربة التّاريخيّة فنلحظ بيسر مدى ارتباط الدّين بالدّولة بصرف النّظر عن شكلها وتطوّرها وفقا للظّروف المتغيّرة، فالفصل بين الدّين والدّولة يناقض رسالة الإسلام ومقاصد الشّريعة، فلا يمكن أن يكون الدّين شأنا خاصا في الضّمير الدّاخلي، إنّما هو نظام عام ومنهج للحياة يحكم المجتمع، والدّولةُ إحدى وسائله، وبالتالي فإن ّفكرة الفصل بين الإسلام والدّولة منطق غير مستقيم، إذ إنّه يخوّل الإسلام للمقاومة وتحرير البلدان ولا يخوّله لبناء الدّولة ورسم السّياسة العامّة. فهذه الفكرة إشكاليّة مستوردة وغريبة عن روح الإسلام ومقاصده وتاريخه، ولا تدرك تخالف المفاهيم بين المسيحيّة والإسلام في ما يتعلق بجوهر الدّين وأبعاده ووظيفته الاجتماعيّة، ولا تعي الفوارق الجوهريّة بينهما، واختلاف العوامل الزّمنيّة التي رافقت تشكّل وتطوّر التّاريخ السّياسي لكل منهما. فحتّى داخل الفضاء الغربي فهي تختلف من بلد إلى آخر كفرنسا وبريطانيا وأمريكا مثلا، والنّموذج الفرنسي كان أكثرها تطرّفا وعنفا ومصادمة للدّين، لاعتبارات تاريخيّة. يقول الدّكتور رفيق عبد السّلام : (وجماع القول إنّ القراءة المتأنّية للحالة العلمانيّة بما في ذلك في أوروبا الغربيّة، التي تعدّ أكثر مواطن العالم علمنة تبيّن أنّ دول أوروبا الغربيّة – إذا استثنينا الحالة الفرنسيّة – تراوح أمرها بين ملازمة الصمت إزاء المرجعيّة الدّينية للدول وبين تنصيص واضح وصريح على الدّين الرّسمي، وهذا يعني أنّ فرنسا تظلّ حالة فريدة من نوعها واستثنائيّة حتّى بالمقاييس الغربيّة عامّة والأوروبية خاصّة ) (7)، فهذه الفكرة (فصل الدين عن الدولة) نشأت من خارج الفضاء الإسلامي وكلّ من رام عزل الإسلام ومقاصده عن الواقع فقد مسّ من بنية الفكر الإسلامي. 3- مدنيّة الدولة في الفكر السياسي الإسلامي: أ- التشريع الإسلامي والدولة لقد عني الأصوليّون بطرق الاستنباط من خلال ضبط القواعد التي يستعان بها على فهم الأحكام الشرعيّة واستخراجها من مصادرها فكانت للتشريع الإسلامي أنواع ثلاثة : – نوع اشتمل على ثوابت الدين وقطعيات الوحي ولا خلاف في معانيها ودلالتها على المراد منها. – نوع اشتمل على نصوص تحتمل التأويل في دلالتها بصرف النظر عن قوة ورودها. – نوع متروك للاجتهاد ويتطور بحسب المصالح ومراعاة الأوضاع والعصور، فإدارة الدولة وشكلها وتفاصيل أنشطتها المختلفة موكولة للاجتهاد البشري. ففي هذا المجال يكون للواقع والخبرات البشرية والعقل ومقاصد الشريعة دور كبير في تمثل الإسلام وتنزيله على شروط المكان والزمان وحالات الإنسان، اعتبارا للمصالح والواقع. يقول ابن عقيل 🙁 السياسة ما كان فعلا يكون الناس فيه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي ) (8). ويقول ابن القيّم : (الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ) (9). ومن كمال الدين وخاتميّته أن الله تعالي فوّض للعقل البشري الاجتهاد في شؤون حياته، ولم يجعل الوحي ملغيا للعقل أو بديلا عنه. يقول الفيلسوف محمد إقبال 🙁 إن النبوة في الإسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا إلى الأبد على مقود يقاد منه، وإن الإنسان لكي يحصل كمال معرفته لنفسه ينبغ أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو .) (10). لذلك لم يضع الوحي نصوصا تضبط أشكالا معينة للحكم، ولا لكيفية مشاركة الأمّة، ولا طرقا للحكم محدّدة، لذلك تبقى كل الصيغ التاريخية التي طبقّت اجتهادا بشريّا غير ملزم، ويظل هذا المجال مفتوحا للتطور والإبداع الإنساني، وما يتيحه المحيط الحضاري والتقدم العلمي، بما يحقق مقاصد الإسلام، ويعبّر عن توجهاته الأساسية. يقول ابن القيّم :(وإذا ظهرت أمارات الحقّ، وقامت أدلة العدل، وأسفر وجهه بأيّ طريق، كان فثمّ شرع الله ودينه …فأيّ طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له) (11). ب- الأساس التعاقدي للدولة في الإسلام إن نظام الحكم في المنوال السنّي للإسلام لا يستمدّ مشروعيّته من قوة غيبية، ولا من وصاية ومعرفة عالم الغيب، ولا يزعم أحد أنّه ناطق باسم السماء أو يملك حجّة دينية تعطيه وحده الحقّ في تولى السلطة السياسية، وإنما يعود الأمر في ذلك إلى الأمّة عبر الشورى العامة. فالدولة في الإسلام دولة دستورية باعتبارها تقوم على دستور وعلى سلطة الأمّة أو الشعب، والحاكم يستمدّ سلطته من الشعب. يقول الماوردي :(إن الإمامة عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار) (12). فالدولة في الإسلام تقوم على أساس الاختيار الحرّ، والحاكم فيها لا يملك عصمة ولا قداسة، والسلطة وكالة عن الأمّة، تؤسّس فيها الشرعية على إرادة الشعب، وأساسها التعاقد والتوافق بقصد تلبية حاجات الأمّة ومطالبها وإدارة شؤونها لتحقيق مقاصد الإسلام في العدل والحرية والأمانة والاستقرار والمناعة. جاء في بيان الذكرى الرابعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة (6/6/2005) :”إن مصدر المشروعية السياسية هو الشعب الذي له الحق وحده في تولية الحاكمين ومحاسبتهم وعزلهم واستبدالهم، من خلال الانتخاب الحر النزيه، ولا يمكن لأيّ سلطة وتحت أيّ عنوان أن تلغي أصوات الناخبين، وتحلّ محلّها شرعية أخرى”. ويقول الدكتور حسن الترابي :”…فأن يباشر المجتمع حقه مصدرا أعلى في واقع السلطان والحكم بهدى الشريعة واجتهاداته فيها، وعلومه في ظلّها، مبدأ راسخ في دين الإسلام .” (13) ويقول الإمام محمد الطاهر بن عاشور :”وحقيقة الولايات كلّها عامها وخاصّها أنها من جنس الوكالة عن المسلمين… فطريقة انتخاب الناس نوّابا عنهم للدفاع عن مصالحهم، وإبلاغ طلباتهم… أفضل الطرق وأضمنها للتعبير عن إرادة الأمّة… ولا يحول دون أحد ودون الولاية حائل من طبقة أو نسب” (14). فلا يكون حاكم الأمّة إلاّ من اختاره جمهور الأمّة، ولا تعدّ شرعيته صحيحة إلاّ على أساس الاختيار الحرّ، بعيدا عن الإكراه أوالإجبار أو الاستيلاء. لذلك تعتبر الدولة من المنظور السنّي مدنيّة. يقول الإمام محمد عبده :”إن الإسلام لم يعرف تلك السلطة الدينية.. التي عرفتها أوروبا.. فليس في الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة، وهي سلطة خوّلها الله لكل المسلمين .. والأمّة هي التي تولّي الحاكم، وهي صاحبة الحق في السيطرة عليه، وهي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها، فهو حاكم مدنيّ من جميع الوجوه.. فليس في الإسلام سلطة دينية بوجه من الوجوه” (15). ج- مرجعية التشريع لئن كانت الدولة في الفكر السياسي السنّى مدنية، سندها الأمّة التي تستمدّ من إرادتها الحرّة سلطانها وشرعيّتها، ولئن كان نمط الحكم مجال نظر واجتهاد من حيث إدارة الدولة وشكلها وسياستها، فإن ثوابت الإسلام ومقاصده وأحكامه تظلّ المرجع الأعلى، والمصدر الرئيسيّ للتشريع، إلى جانب الاجتهاد فيما وراء ذلك، تأويلا وتجديدا وتنزيلا، ولا يفرض فيه أيّ طرف رؤيته على المسلمين. وإن قيام الدولة على مرجعية الإسلام لا يعني أنها تعرف نظاما من الكهنوت أو تملك سدنة من “رجال الدين” … فهذا مصطلح غريب عن روح الإسلام. وهذه المرجعية للدولة في الإسلام لا تتناقض مع ديمقراطية الدولة، ولا تعني أن تتحول الدولة إلى دولة دينية، وإنما هي تعبير واحترام لهويّة الشعب، التي لا تقبل المراجعة، وإن كانت السلطة في الإسلام للوحيّ مع عدم انفكاك السياسة عن مقاصد التشريع، ومع سعة مساحات الاجتهاد فإن هذه القداسة ليست وقفا على الإسلام، فكل دولة لها ثوابت ومرجعية لا تتجاوزها، وهناك قداسات أخرى أكثر إعلاء وأشدّ تحكما في العقول، وتغلغلا في النفوس، وتستند إلى مرجعيات عليا كقيم الجمهورية والقانون الدولي وحقوق الإنسان والمصلحة الوطنية وقيم الحداثة … إن هذه المرجعية العليا لا تمنع انفتاح المشروع الإسلامي على منجزات الحضارة الإنسانية إلى جانب ما يتيحه الواقع والعقل والمصالح من اجتهاد في تنزيل أحكام الوحيّ، نشدانا للحقيقة، وطلبا للإضافات النافعة للبشرية. “فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها أينما وجدها”. ثمّ إن هذه المرجعية ليست مفروضة على الأمّة بل هي التي اختارتها إيمانا واقتناعا. يقول الشيخ الترابي: “الشريعة هي المصدر الجامع الأعلى لهدى الحياة، ولكنها بقدر الله لا تنفذ في الدنيا إلاّ طوعا بإيمان النّاس ومجتمعهم، الذي يصدقها بسياسة أمره العام. فالمجتمع لذلك في ظاهر هذه الأرض وعاجل هذه الدنيا هو المصدر الأعلى للحكم والسلطان من خلال إيمانه وإرادته وقوته السلطانية النافذة في الواقع المشهود” (16). د- التجربة التاريخية للدولة في الإسلام لقد تحقق الجانب النظري في الفكر السياسي لدولة الإسلام على أرض الواقع في مراحل محدودة من التاريخ، فكانت التأسيس لنموذج للشورى والعدل، يستلهم منه المسلمون المفاهيم والمناهج والرّوح والمقاصد، لأن “الأشكال المؤسساتية والآليات الدستورية والاجتماعية والاجتهادات التشريعية والسياسية هي نتاج بشريّ محكوم بالسياق التاريخي والظروف الحضارية والمناخ الثقافي لعصرها” (والتعبير لطارق البشري). ولئن مثلت هذه المراحل نماذج راقية تجلت فيها القيم الإسلامية، وتلاحمت فيها النصوص بالواقع، فقد حصل الارتداد سريعا، ولم تتطوّر الأنماط والأشكال، بل تضاءلت مساحات الشورى والعدالة لتنتهي إلى ملك عضوض، لا يعتمد على إرادة الشعب فحسب، وإنما يقف موقفا متباعدا عن روح الإسلام وفلسفته ومقاصده في الحكم، ويفتح المجال للوراثة والشورى الشكلية والإكراه في البيعة والتشريع للاستيلاء والغلبة والاستبداد والتنظير لـ(إمارة الاستيلاء التي تعقد عن اضطرار)، مقابل (إمارة الاستكفاء بعقد عن اختيار)، كما ذكر الماوردي مماّ أثار الشكوك والالتباسات في القيّم الإسلامية المتعلقة بالنظام السياسي والحريات العامة والشورى. ولقد فرض الظلم على الأمّة، في أغلب مراحل الحكم، على الرغم من مخالفته لنصوص الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة، واستمرّ استحواذ الحكام المستبدّين على السلطة والثروة بحكم فردي مشرب بالروح القبلية والتوريث. يقول الدكتور أحمد الريسوني: “إن الفراغ التنظيمي والفقهي في مسألة إدارة الشورى وإدارة الاختلافات السياسية، شكّل على الدوام سببا لتحكم منطق القوة والغلبة بكل ما يعنيه ذلك من فتن وصراعات وتصفيات دموية”(17). ورغم هذا الواقع فإنّ الإسلام لا يحمل أصولا مؤسسة للاستبداد في مفاهيمه ولا تشريعاته. ولقد كانت سلطة وضع القانون بيد العلماء إلى جانب استقلال القضاء واستقلال التعليم والثقافة وانتشار عدد من المؤسسات الأهلية المستقلة تأسيسا وتمويلا كمؤسسات الأوقاف والمساجد والتعليم والنشر. هـ- الديمقراطية والمواطنة لئن تبلورت الديمقراطية من خارج الثقافة الإسلامية فإنّها لم تعد تحمل مدلولا يحيل على سياق حضاري معاد للدين أو مرتبط بالعلمانية ولا انفكاك لها عنه، إنّما هي (الديمقراطية) “قريبة من جوهر الإسلام”، بتعبير الشيخ القرضاوي، من حيث اختيار الحاكم والانتخاب والتمثيل النيابي والتداول على السلطة واستقلال القضاء وحرية التعبير والتنظّم … فإن الديمقراطية “هي أحسن صورة ابتكرتها البشرية لتطبيق الشورى الإسلامية”، وهذا الرأيّ هو السائد في دائرة الفكر الإسلامي المعاصر(الشيخ القرضاوي، الشيخ راشد الغنوشي، الشيخ الترابي، طارق البشري، محمد سليم العوّا، عبد الله الحامد …)، إلى جانب عدد من قدامي المفكرين من أمثال الكواكبي وخير الدين التونسي والشيخ بن عاشور القائل: “فلا ريب أن الحكومة الإسلامية حكومة ديمقراطية على حسب القواعد الدينية الإسلامية المنتزعة من أصول القرآن ومن بيان السنة النبوّية ومماّ استنبطه فقهاء الإسلام في مختلف العصور “(18). ويقول الشيخ راشد الغنوشي :”ليس في الإسلام عند التأمل في تعاليمه ومقاصده وتجربة تطبيقه النموذجية في عصر النبوّة والراشدين ما يمنع الترتيبات التي جاء بها النظام الديمقراطي علاجا لآفة الدكتاتورية التي اكتوى بنارها معظم تاريخ الإسلام وبقية شعوب الأرض” (19). وورد في بيان الذكرى الرابعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة (6/6/2005) :”لابدّ من التأكيد أن الديمقراطية بحكم أنها آليات إجرائية لإدارة الاختلاف سلميّا بما يضمن حقّ الأقليّة وتداول النخبة على الحكم عبر الانتخاب الحرّ في ظل مناخ من حرية التعبير واستقلال القضاء وشفافية التسيير الإداري والاقتصاد، فهي بالتالي لا ترتبط بإيديولوجيا دون أخرى”. و”إلي جانب ما تتيحه الديمقراطية من نظم وآليات فإن الإسلام يثريها بقيم تعطيها السموّ الأخلاقي والعمق الإنساني الذي يحميها من سلبيات الرأسمالية المتوحشة والتلاعب بالضمائر والذمم والأصوات”. يقول الشيخ راشد الغنوشي :”قيام النظام السياسي على أساس مبدإ المواطنة بمعنى اشتراك أهل البلاد جميعا في امتلاك الوطن وحقوق متساوية فيه وعلى تعاقد صريح بينهم- باعتبارهم شعبا – على إقامة نظام سياسي (دولة) هم أصحاب السلطة عليها.”(20). ويطرح الشيخ القرضاوي في كتابه “الدين والسياسة” المواطنة “كمفهوم بديلا عن مفهوم “أهل الذمّة”. ويرى الشيخ مهدي شمس الدين فكرة “ولاية الأمّة عن نفسها” بديلا عن نظرية “ولاية الفقيه”. وفي الأخير نؤكّد حسب مقاربتنا لمسألة الدّين والدّولة: 1-إنّ الدّولة الإسلاميّة مدنيّة وديمقراطيّة، والأحزاب فيها مدنيّة كذلك، والممارسة السياسيّة مستقّلة عن أيّ سلطة باسم الدّين. 2-إنّ المواطنة قيمة أساسية وعلى أساسها يقوم النّظام السياسي. 3-إنّ الديمقراطية هي أسلوب الحسم في الخلافات في ظلّ مناخ من حرية التّعبير واستقلال القضاء وحياد الإدارة، وهي أحسن أسلوب لتطبيق الشورى الإسلاميّة. 4-إنّ الشعب هو مصدر المشروعية العليا للسلطة، وهو يستلهم باختياره من هويّته وثقافته ومن مكاسب الحداثة ومنجزات البشريّة ليمارس سيادته الوطنية. وختاما فإنّ المسلمين مكلّفون بفهم الإسلام وتنزيل أحكامه ومقاصده على الواقع، في ضوء ما يتحمّله، دون تعسّف عليه، ودون إكراه للنّاس، وعيا بالمقاصد والموازنات والمآلات وفقه التّنزيل. كاتب وباحث تونسي (*) هوامش 1) انظر د. النجار عبد المجيد، صراع الهوية في تونس نشر شركة ديجيتال للنّشر والطباعة 2 ) الجابري محمد عابد، مسألة الهوية العروبة والإسلام …والغرب، مركز دراسات الوحدة العربية ط.2 3) ابن تيمية ، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعيّة 4) ابن عاشور محمد الطاهر، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام – الدار العربية للكتاب- 1979- ص206-21 5) ابن خلدون – المقدمة ، اعتناء أحمد الزعبي، دار الأرقم بيروت لبنان ص223 الخوارج والأصمّ من المعتزلة لا يرون وجوب نصب الإمام، ومن المعاصرين على عبد الرازق 6)الإمامة عند الشيعة ركن من أركان العقيدة والإمام معيّن بالوصيّة وهو معصوم 7) انظر كتاب د. رفيق عبد السلام –في العلمانية والدّين والديمقراطيّة- الدار العربية للعلوم، ناشرون ط1 بيروت 2007 ص 35 – 40. وانظر كتاب د. فتحي القاسمي : العلمانية وانتشارها غربا وشرقا- الدار التّونسيّة للنّشر 94 8)ابن القيم ،إعلام الموقعين عن رب العالمين دار الجيل بيروت 73 ج4 ص283 9)ابن القيم ،إعلام الموقّعين دار الجيل بيروت 73 ج3 ص3 10) إقبال محمد، تجديد الفكر الديني 11) ابن القيم الطرق الحكمية طبعة القاهرة ص 14 12)الماوردي ، الأحكام السلطانية ،مطبعة الوطن مصر ص5 13)الترابي حسن ،السياسة والحكم ص52 14) ابن عاشور، أصول النظام الاجتماعي ص 210-212 15) عبده محمد، الأعمال الكاملة ،تحقيق وتقديم د.محمد عمارة ط 2 -1980 المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ،ج1 ص 107 16) الترابي حسن، السياسة والحكم ص 52 -السنهوري عبد الرزاق ،فقه الخلافة وتطورها 17) الريسوني أحمد ،الشورى في معركة البناء 18) ابن عاشور، أصول ص213 19) الغنوشي راشد، مقال ، الإسلام والإسلاميون والديمقراطية 20) الغنوشي راشد، الإسلام والإسلاميون والديمقر المصدر موقع أقلام أولاين السنة السادسة  العدد 22/ بتاريخ جوان – جويلية 2008

 

الوقوع في مستنقع التفكك الشباب التونسي: الثروة المبددة

 
محمد فوراتي تبلغ نسبة الشباب أكبر شريحة في المجتمع التونسي ويمكن أن تصل إلى ثلثي المجتمع. وفئة الشباب في مجتمع متعلم ثروة لا يمكن تقديرها بثمن وإذا أحسنت أي دولة وأي مجتمع استغلالها أحسن استغلال فإنها ستكون لا محالة أكثر تطورا وتقدما. ولكن إصابة هذه الفئة بعدة فيروسات وأمراض محبطة تجعل المجتمع مكبل ومهدد ويمكن لهذه الثروة النعمة أن تتحول إلى نقمة عندما يصبح شبابها منحرفون أو متطرفون أو عالة على المجتمع. والمتأمل في المجتمع التونسي في السنوات الأخيرة وما تعيشه هذه الفئة الهامة من المجتمع من عراقيل ومعوقات يصل إلى قناعة بأن تونس فعلا في طريقها إلى خسارة ثروة لا تقدر بثمن إذا لم يقع تجاوز الأزمة ودراستها بسرعة وبوعي تام. إن طاقة العطاء لدى الشباب والتي يمكن أن تساهم في تنمية الدولة وتطويرها يمكن تحديدها بسن العشرين إلى الخامسة والثلاثين سنة، وهذه السن بالتحديد  يقضيها  القسم الأعظم من الشباب التونسي عاطلا عن العمل أو مندمجا في مجتمع التسلية واللهو (المقاهي والملاهي وملاعب كرة القدم ومعاكسة الفتيات) أو منجذبا إلى المقولات السلفية المتشددة وهو ما كشفته المحاكمات الأخيرة والتي يتراوح فيها سن الشبان بين 20 إلى 30 سنة في الأغلب. ولا يتفطن الكثير من الشبان لأنفسهم في غياب التأطير والبيئة المساعدة على الرشد إلا وقد تقدم بهم العمر فلا نفعوا أنفسهم ولا قدموا لمجتمعهم ما يفيد في أي من مجالات الإبداع. بل أن عددا من هؤلاء يجد نفسه على مشارف الأربعين بدون شغل ولا زواج ولاعائلة محطم نفسيا ولا يفكر إلا في نسيان آلامه (الهروب من الواقع) بمعنى اللجوء للانحراف أو الهجرة أو الوقوع في القلق النفسي وما يمثله من تفشي لأمراض اجتماعية غريبة كالعنف اللفظي أو العنف المادي أو اللجوء للسرقة والمخدرات وغيرها. ويبدو أن الحكومة التونسية وصلتها مؤشرات كثيرة على أن فئة الشباب التي كثيرا ما عول عليها الخطاب الرسمي أصبحت طاقتها مبددة، بل ربما تتحول إلى قنابل موقوتة ليس فقط على مستوى التشدد والميل للعنف بل وأيضا على مستوى الانحراف الأخلاقي والقيمي والميل للشذوذ بمختلف مفاهيمه. وكانت الحكومة التونسية قد أعلنت في 20 مارس الماضي بمناسبة عيد الاستقلال والشباب أن هذه السنة ( 2008) ستكون سنة الحوار مع الشباب، مطالبة بالشروع في تنظيم منتديات للاستماع إلى اهتمامات كل الفئات الشبابية في الداخل والخارج بدون استثناء.  ومنذ ذلك الحين لاحظنا أن الحكومة فعلا أتاحت لعدد كبير من الشباب التعبير عن مشاغلهم وآرائهم بكل حرية والتي كان فيها أحيانا الصواب وأحيانا أخرى مؤشرات على الضياع الحضاري والفكري.  وتراوحت نقاشات الفئات الشبابية أثناء المنتديات المباشرة أو عبر موقع الحوار على الإنترنت، بين الحديث عن تفشي البطالة والهجرة السرية وضعف المشاركة السياسية وبين المحسوبية والرشوة وتفشي العنف اللفظي والرفض للكبت والقمع والتمسك بالهوية العربية الاسلامية والمطالبة بالحرية وغيرها من الآراء التي تؤكد أن الشباب التونسي لديه درجة كبيرة من الوعي أو على الأقل قسم كبير منه. وقد عبر الكثير من الشباب عن عدم ثقتهم في الحكومة في تلبية مطالبهم أو القضاء على الظواهر المتفشية في المجتمع كالعنف والجريمة والانحراف. وتبقى الكرة الآن في مرمى الحكومة التي استمعت إلى صوت الشباب وهي تعرف جيدا مشاغلهم وهمومهم وعليها السعي لتجاوز فشلها طيلة العشرين سنة الماضية في تحقيق رؤية متكاملة للتحديات التي تواجه الشباب ومن ورائهم المجتمع بأسره. وفي الحقيقة لا تتحمل الحكومة وحدها المسؤولية عن ضياع هذه الثروة فجمعيات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة بمختلف ألوانها تتحمل جزءا كبيرا في الوصول إلى هذه النقطة من أزمة المجتمع. فالمتأمل في نشاط مختلف المنظمات ومنها الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وأحزاب المعارضة المعترف بها وغير المعترف بها يجد في الأغلب الأعم أن قياداتها ونشطائها بل ومنخرطيها هم من فئة الكهول والشيوخ ولا تكاد تجد في بعضها منظمة شبابية إلا ماندر. بل إن بعض الأحزاب وعمرها حوالي 40 سنة من العمل والتجارب المتنوعة تكاد مؤسساتها تضم فقط تحف من التاريخ لم يسمعوا بخطاب الشباب ولا روح الشباب وبقوا أسيري المقولات القديمة وتوقفت حياتهم في مرحلة تاريخية معينة. والأدهى من ذلك أن المعارضة الناشطة لم تضع الشباب في برامجها كأولوية وخلت مقراتها من الشباب. والمتتبع لنشاط هذه الأحزاب حتى التي كان لديها أذرع شبابية ( المعارضة اليسارية والإسلامية ) يجد أن المد الشبابي لديها قد توقف أو انحسر إلى أعداد قليلة جدا، مع اتساع لرقعة الشباب العازف عن العمل السياسي والباحث عن الحلول الفردية ( دبر راسك.. سلك أمورك..أخطا راسي وأضرب…) غول البطالة لا يختلف اثنان في تونس اليوم على أن غول البطالة وخاصة في صفوف الحاصلين على الشهادات العليا أصبح التحدي الأكبر للمجتمع والهم المؤرق للعائلة التونسية. ورغم وعي الحكومة بهذه الخطورة فإنها بقيت تقدم الحلول المسكنة ( بنك التضامن، صندوق 21 ، التكوين المهني)  ولم تخطو خطوات حقيقية نحو التقليص من حجمها، بل أن بعض وجوهها من ناطقين غير رسميين ووزراء  يقللون في تصريحاتهم من مأساة البطالة ويقولون أنها في انخفاض مستمر لا نرى إلا عكسه في الواقع. ولا تمثل البطالة خسارة على المستوى الاقتصادي فقط للدولة التي تخسر الكثير بعطالة هذه الفئة، وهي أعزّ فترة من عمر الإنسان للبذل والعطاء، وإنما تتحول جحافل العاطلين إلى رصيد ثري للجريمة والانحراف والتطرف بمختلف أنواعه، وهذا ما يفسر إلى حدّ ما كثرة الجرائم وفظاعتها في السنوات الأخيرة، وجرائم التحيل والسرقة وقطع الطريق (البراكاج) والميل للشذوذ الاخلاقي الذي يعتبر أحيانا هروبا من حالة العطالة والعجز عن الزواج وتصريف الطاقات الجنسية بشكل شرعي وطبيعي.  وأصبحت قضية البطالة ككرة الثلج كلما طال أمدها وتدحرجت كبرت أكثر، وربما ما حدث من احتجاجات في الحوض المنجمي أحد المؤشرات القليلة الظاهرة على اتساع هذه الظاهرة المرشحة أكثر للانفجار باعتبارها من أكثر الظواهر الاجتماعية تأثيرا على المجتمع. ويؤلمني جدا وأنا اتحدث في هذا الملف أن استحضر الآلاف من خريجي الجامعة التونسية من مختلف الاختصاصات ( فلسفة وعلم اجتماع وتاريخ وعربية وفرنسية وانجليزية وفيزياء وعلوم وإعلامية وطب وهندسة ورياضيات وغيرها من الاختصاصات)  فالدولة تخصص ميزانية ضخمة للتعليم في مختلف مراحله وكذلك العائلة التونسية الحريصة كل الحرص على تعليم أبنائها والتي تخصص كل إدخاراتها أحيانا لهذه الغاية ولكن في النهاية وبعد سنوات من الكدّ والتعب تكون النتيجة الحيرة بحثا عن وظيفة، وبعض العائلات يتخرج منها الابن تلوى الآخر حتى يصبح لديها ثلاثة أو أربعة حاصلين على الإجازة بدون شغل. ويسعى البعض من هؤلاء ضمن أفق الحلول الفردية إلى القبول بأي وظيفة حتى تلك التي لا تتناسب مع اختصاصه أو الدخول في دوامة الرشاوي لبعض المتنفذين بحثا عن فرصة. وهناك الكثير من الحاصلين على هذه الشهائد وبعد أن يئسوا تماما، وبعد قضاء السنوات الطوال في الجري وراء السراب تمكنوا من بعث مشاريع صغيرة هي عبارة عن مسكنات تمنعهم من الجوع والاحتياج (عدد منهم فتحوا دكان حماص يشتغل فيه من الخامسة صباحا حتى الثانية عشر ليلا). والأدهى من كل ذلك أن بعض الطاقات الشبابية والكوادر في بعض الاختصاصات وبعد أن كلفوا ميزانية الدولة مبالغ طائلة في تكوينهم وتعليمهم تستفيد منهم دول أجنبية عديدة حيث تتاح لهم الفرص التي لم يجدوها في بلدهم. 10 آلاف يحاولون الانتحار سنويا ومن الظواهر الخطيرة المسجلة في المجتمع التونسي ظاهرة الانتحار، وحسب ما أوردته دراسة حديثة حول هذه الظاهرة فإن واحداً في الألف ساكن سنويا يقوم بمحاولة انتحار، بمعني أن قرابة عشرة آلاف تونسي يحاولون الانتحار كل عام تنجح فرق الإسعاف في إنقاذ اغلبهم.  وجاء في الدراسة التي أجراها ثلاثة من كبار أطباء الأعصاب والأمراض النفسية التونسيين أن نسب الانتحار ارتفعت في تونس وأصبحت تفوق ما هو عليه الوضع في أغلب الدول العربية. وتضيف الدراسة أن البطالة وما تسبـــــبه من إحباط وإحساس بالانكسار، تأتي في مقدمة دوافــــع الإقدام علي الانتحار، رغم أنها رأت أن تلك الدوافع تختلف حسب الأشخاص والظروف الاجتماعية التي يعيشونها. هذا وتعتبر النساء المعنفات أو المطلقات والأمهات العازبات الأكثر إقداما علي الانتحار، إضافة إلي فاقدي السند والمدمنين علي المخدرات ومرضي الإيدز والسرطان. ويفسر الباحثون الاجتماعيون الإقدام المطرد علي عمليات الانتحار بالضغوط الاقتصادية القاسية من فقر وبطالة، ويرون بأن القلق والكآبة وعدم الاستقرار تزداد بين العاطلين، وأنّ هذه الحالات النفسية تنعكس سلبياً علي العلاقة بالزوجة والأبناء، وتزايد المشاكل العائلية في حالة المنتحر المتزوج، أما بالنسبة للمنتحر الأعزب فتنعكس هذه الحالات النفسية علي محيطه الاجتماعي المصغر وهو العائلة ثم علي محيطه الاجتماعي الموسع وهم الأصدقاء والأقارب وباقي علاقاته الاجتماعية. العنف لا تكاد تخلو صفحات قضايا ومجتمع في الصحف التونسية من أخبار العنف والبراكاجات والمعارك بالأسلحة الحادة بين مجموعات من الشباب وخاصة في الأحياء الشعبية، كما تكون بعض المناسبات الرياضية فرصة لممارسة العنف المادي من تكسير وتهشيم واعتداء على الأبرياء والتلفظ بكل الألفاظ المنافية للحياء وسب الجلالة ( قام شبان بأعمال شغب خطيرة اثر فوز الترجي الرياضي بالكأس-  أنظر الصباح يوم الأحد 6 جويلية: إحراق جزء من غابة رادس وإلحاق أضرار بعدد من السيارات). ويعيش مستعلموا وسائل النقل الجماعي من حافلات ومترو وقطار لحظات عصيبة بين الحين والآخر عند اقدام بعض الشبان على اعتراضهم وسلب ما يملكون، ويكون النصيب الأكبر من هذه الاعتداءات الفتيات وخاصة من كانت منهن ترتدي سلسلة ذهبية أو تحمل هاتف جوال “يحلى في العين”، أو تحمل حقيبة يديوية يعتقد أن بها مبلغا ماليا، حتى أصبح الناس يتندرون وهي حقيقة بأن المرأة التونسية أصبحت عاجزة عن لبس الذهب في الشارع. وتحضرني قصة طريفة عن هؤلاء الذين يقتنصون الفرص فبعد الفراغ الحاصل في الشارع من مرتديات الذهب فكر بعضهم في طريقة جديدة، فأثناء حفل عرس في أحد قاعات أريانة وعند منتصف الليل قامت مجموعة من الشباب بإخراج المدعوين من قاعة الحفلات بدعوى “أن الحفلة عائلية”  ثم هاجموا كل النساء في قاعة الحفلات وسلبوهن ما يرتدين من قطع ذهبية ثمينة وغادروا المكان بكل اطمئنان وثقة في النفس، ونشرت بعد ذلك القصة في الصحف التونسية كمشهد عادي. وقد أصبح القتل أحيانا بغاية السلب أمرا عاديا ولا يثير أية غرابة فهذا يقتل بسبب هاتف جوال وهذا سائق تاكسي يقتل لسلبه مبلغا بسيطا وهذه فتاة تقتل لدفاعها عن شرفها (أنظر قصة جريمة قتل الفتاة سهام الرطيبي التي نشرتها الصباح الأسبوعي يوم 30 جوان الماضي تحت عنوان: استبسلت في الدفاع عن شرفـها فخـرّب جسدهـا بالطـعنــات) وهي نموذج لعشرات القصص التي نشرت في الصحف التونسية وذهبت ضحيتها فتيات في عمر الزهور من قبل وحوش آدمية. وسيقول العديد أن الجريمة توجد في كل المجتمعات وهي الاسطوانة المشروخة التي يستعملها البعض من الذين يخيرون سياسة النعامة وعدم مصارحة أنفسهم بما نحن فيه. ونقول لهؤلاء إن عدد ونوعية الجرائم التي أصبح يشهدها المجتمع التونسي لم يشهدها المجتمع من قبل سواء من جانب اتساعها أوبشاعتها، كما أن المجتمعات العربية وحتى الغربية لا تشهد مثل ما نشهده في شوارعنا والكثير منا يزور أو يقيم بدول عربية أخرى تترك فيها سيارتك مفتوحة لساعات ولا يقترب منها احد وتترك باب بيتك مفتوح ولا يتجرأ احد على الاقتراب منه. والسؤال الذي يجب أن يطرح هنا لماذا لا تكلف الحكومة التونسية هيئة من علماء الاجتماع والنفس وغيرهم بإعداد دراسة تحتوي على احصائيات قريبة من الواقع وتشرح الظاهرة التي أصبحت حقيقة لا تطاق ولا يمكن تحملها ؟ ويمكن اعتماد هذه الدراسة في معالجة المشكلة والبحث عن الحلول المجدية. 88 بالمئة يستخدمون العنف اللفظي   أما ما يصطلح عليه بالعنف اللفظي فقد أصبحت ظاهرة تونسية بإمتياز ولا يمكنك وأنت تتجول في شوارع تونس مع أسرتك أن لا تتأذى بعبارات نابية وايحاءات جنسية تصل في بعض الأحيان إلى حدّ الاستفزاز. وقد أظهرت دراسة أجراها باحثون من تونس أن 88 بالمئة من الشبان التونسيين يستخدمون العنف اللفظي. وكشفت دراسة للمرصد الوطني للشباب (هيئة حكومية)  أذاعها التلفزيون الحكومي ونشرتها الصحف وشملت 600 شاب وشابة من مناطق ريفية وحضرية أن نحو 88 بالمئة من الشبان المستجوبين أقروا أنهم يستخدمون العنف اللفظي. وأضافت أن 62 بالمئة منهم قالوا أنه يوجد في عائلاتهم من يمارس هذا السلوك. وأشاروا الى أن نسبة الآباء الذين يستخدمون العنف اللفظي داخل العائلات تبلغ 21 بالمئة. والعنف اللفظي المتفشي في أوساط الشبان بالاساس هو استعمال عبارات منافية للحياء أو سب الجلالة. فكيف يمكن أن نتصور مجتمع به 88 % من شبابه يستعملون العنف اللفظي بالإضافه أيضا إلى كهوله وشيوخه وحتى نخبه، ولم يعد غريبا ان تسمع مثل هذه العبارات حتى من الفتيات حيث أصبح التلفظ بهذه العبارات من علامات التقدم والتحرر. المخدرات أصبحت تنتشر في أوساط الشباب ظاهرة المخدرات بأنواعها “الخفيفة” (مثل الزطلة) و”الثقيلة” (مثل الكوكايين والهيرويين) فضلا عن تناول الحبوب المخدرة دون وصفة طبية. ورغم غياب أرقام دقيقة وإحصائيات يمكن الاعتماد عليها فإن بعض التقارير وملفات القضاء تشير إلى اتساع الظاهرة وانتشارها في الأحياء الفقيرة خاصة وحتى في الأحياء الميسورة.   وقد أثبتت الدراسة الحديثة التي أنجزها المعهد الوطني للصحة العمومية وأجريت على عينة من 2953 شابا أعمارهم بين 15 و24 عاما، أن 10 بالمائة منهم تعاطي المخدرات و أن 3.3 يواصل تعاطيها حاليا. بالإضافة إلى أن 3.5 منهم يتعاطاها عن طريق الحقن.  كما أشارت الدراسة أن نسبة استهلاك الذكور للمخدرات تفوق أربع مرات النسبة المسجلة لدى الإناث. كما أظهرت الدراسة أن 15.2 في المائة من الشباب صرحوا باستهلاكهم للمخدرات مقابل 3.8 من الفتيات اللاتي كشفن عن إدمانهن. وبخصوص الطريقة المعتمدة في تعاطي هذه المواد ذكرت الدراسة أن 3.5 في المائة من الشبان المستجوبين صرحوا باستخدامهم للحقن، وأظهرت الدراسة أن الفئات العمرية الأكثر عرضة للانجراف في المخدرات ولسلوكيات أخرى محفوفة بالمخاطر كالعلاقات الجنسية غير المحمية هي الفئة الشبابية من أبناء المعاهد الثانوية  والمدارس. وبالتوازي مع الدراسة الأولى، أجريت دراسة ثانية لنفس المعهد الطبي وشملت عينة من 376 مدمنا وامتدت لخمس سنوات. وأثبتت الدراسة الثانية أن 93 بالمائة من العينة هم من فئة العزّاب وأن 78 بالمائة منهم تعاطوا المواد المخدرة قبل سن العشرين. وتقول تقارير صحفية إن “حي ابن خلدون” و”حي فرنسا” و”العمران الأعلى” و”حي التحرير” و”حي التضامن”، أسماء لسلسلة من الأحياء المتلاصقة الواقعة بالعاصمة وتعرف بكونها معاقل معروفة لتجار المخدرات والمدمنين على “الزطلة”. قوارب الموت ظاهرة قوارب الموت أو “الحرقة” كما يسميها “التوانسة” أصبحت من المعضلات التي تشغل الرأي العام الوطني (وحتى الأوروبي) الذي يطالب أيضا بضبط هذه الظاهرة. والغريب في هذا الملف هو إصرار الشباب التونسي رغم الخطر المحدق بالحراقة على الهروب من بلدهم مهما كان الثمن ولو كان الموت غرقا. ولم تعد قضية الهجرة السرية مجرّد خرق للقوانين والترتيبات الإداريّة المنظّمة للهجرة، أو مجرّد حالات شاذة تحصل بين الفينة والأخرى، إذ تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة اجتماعيّة لها مبرراتها الاقتصادية والسياسيّة والثقافية. وتتواتر الأخبار والتقارير الصحفية كل صيف عن ضبط أعداد من الحارقين أو العثور على جثث أو القبض على شبان يحاولون التسلل وإعادتهم إلى البلاد. وطبعا هناك قسم لا بأس به من السجون التونسية أصبح يعج بهذه الفئة من الشباب الذين لم يسعفهم الحظ في الوصول إلى “لمبادوزا” أو غيرها من المدن الأوروبية، ومنحهم الموت شهادة تأجيل مؤقتة حتى يعيدوا الكرة مرة ثانية. وأورد في هذا الإطار هذه الشهادة التي نقلها الزميل إسماعيل دبارة وتؤكد هذا الإصرار الغريب على الهروب لدى الشباب وهي مثال لما سجل عن الكثير منهم خلال أبحاث اجتماعية نشر بعضها في الصحف.  يقول أحد العينات وهو شاب في العشرينات من عمره سجن مرتين بعد فشل محاولته التسلل إلى ايطاليا: “حاولت مرتين وعوقبت وإلى اليوم لم أدر لم عوقبت بالضبط؟ هل يعاقب الإنسان في تونس لأنه طمح إلى تحسين مستوى عيشه؟ هل يعاقب لأنه حاول البحث عن شغل في مكان آخر بعد أن عجز أخوته وأهله عن إيجاد شغل شريف له؟ هذا منطق لا يمكنني فهمه بتاتا…مستعدّ لتكرار التجربة للمرة الثالثة لو أتيحت لي الفرصة فالسجن والبطالة أضحيا سيّان بالنسبة لي… الحرقة هي الحلّ الأمثل إلى أن يأتي ما يخالف ذلك”. وطبعا يكشف هذا الإصرار وتكرر المأساة كل سنة بدون توقف في السنوات الأخيرة عن حالة الانسداد واليأس التي تصيب الشباب في هذه الظروف من إمكانية تحسين وضعهم المادي والعيش بكرامة. الشباب والسلفية المتشددة يعتبر هذا الملف من أخطر الملفات المطروحة اليوم على المجتمع التونسي لما يمكن أن يخلفه من آثار مستقبلية على البلاد والعباد. فقد أثبتت المحاكمات والإيقافات الأخيرة ضمن ما يسمى “بحملة مكافحة الإرهاب” والتي شملت الآلاف من الشباب التونسي، انه في غفلة من النظام والنخبة المغيبة، ونظرا لأن الطبيعة تأبى الفراغ تسرب الخطاب السلفي المتشدد إلى قناعات الشباب التونسي وامتد ليشمل كل الجهات تقريبا من بنزرت حتى بنقردان، وهذا في رأيي أمر طبيعي ومتوقع لسببين على الأقل الأول هو فشل خيارات السلطة الثقافية والسياسية والاقتصادية والفجوة الكبيرة التي أصبحت تفصلها عن هموم شعبها، والثاني هو غياب تيار وسطي يمكن أن يرشد ويؤطر الشباب المتدين بالإضافة إلى غياب علماء الدين والمفكرين المستنيرين والذين لهم سلطة معنوية على الناس.  أما الأمر غير الطبيعي فهو سعي السلطة المحموم لاستغلال هذه الظاهرة سياسيا ودوليا عبر المنهج الأمني ومعاقبة هذه المجموعات من الشباب حتى من لم يتورط منهم في عنف، فأغلب المحاكمات تتم بناء على المعتقدات والأفكار، أو بنيّة الذهاب للعراق أو فلسطين للجهاد. ومن الطبيعي في ظل هذا المنهج الأمني وتغول سلطة الدولة أن يصاحب هذه الحملة التعذيب والأحكام القاسية، هذا بالإضافة إلى المنع من الدراسة والشغل بعد قضاء العقوبة، وهو ما يجعل هؤلاء الشباب يحسون بظلم واستهداف وتشف غير مبرر، مما سينجر عنه حتما شعور بالغبن والحرمان والإقصاء ليس لديهم فقط بل لدى عائلاتهم ومحيطهم وهو ما يمكن أن يزيد من تشدد هؤلاء ولجوئهم للانطواء، وربما الانخراط في ردات فعل غير محسوبة العواقب. والمؤلم في هذا الملف أن كل هؤلاء الشباب هم من المتفوقين في دراستهم (أغلبهم طلبة جامعات) ومن المشهود لهم بحسن السيرة والأخلاق مما يجعل خسارتهم بهذا الشكل كبيرة على مجتمع طموحه في التقدم والاستقرار كبيرا. وكان من الممكن ترشيدهم بأساليب أخرى غير الأسلوب الأمني الذي ثبت فشله سابقا في كل الدول عبر الحوار ومحاولة الإقناع والتشجيع على الانخراط في مشاريع علمية وتربوية وثقافية ورياضية مفيدة لهم وللبلاد. فيجب أن تكون هناك قناعة لدى الدولة والمجتمع أن هؤلاء “الارهابيين المفترضين” هم نتاج لسياستها الفاشلة وعليها أن تأخذ بيدهم وان تستفيد من طاقاتهم لا أن تعمق لديهم الجرح والمهانة ولدى عائلاتهم الذين يعيشون في الحقيقة مأساتين الأولى خوفهم على صحة وحياة أبنائهم والثانية الرعب والترهيب المسلط عليهم كعقاب جماعي غير مبرر. فالدولة هنا ارتكبت الجرم في موقعين الأول عندما فشلت في تأطير الشباب وتحقيق طموحاتهم والثانية عندما عاقبته على اعتناقه لأفكار هي السبب غير المباشر في انتشارها. المثليون الجنسيون ربما البعض منكم سوف سيصاب بالصدمة وهو يقرأ هذه الأسطر الأخيرة ولكنها حقيقة ومظهر آخر من مظاهر الضياع والفراغ الروحي والثقافي الذي أصاب فئة الشباب. فرغم غياب إحصائيات دقيقة أيضا يمكن الاعتماد عليها إلا أن ظاهرة “اللواطيين” و”السحاقيات” في توسع مستمر بسبب بداية تفكك الأسرة وعجز الشبان والفتيات عن الزواج والانحلال الاجتماعي والأخلاقي الذي من مظاهرة أيضا كثرة الطلاق والأمهات العازبات والعنوسة وتأخر سن الزواج وغير ذلك. وتشير بعض الإشارات غير العلمية إلى أنه ربما تكون تونس هي الأولى في عدد المثليين عربيا وإسلاميا وهذا حسب ما ذكره نادي اللواطيين بكولن في ألمانيا، ونتمنى أن لا يكون ذلك صحيحا. ورغم أن العديد من قراء هذا المقال يعرفون أمثلة عديدة على المثليين (راديو6 الذي يبث على الانترنت استقبل احدهم على الهواء ليتحدث عن تجربته) كما أن السجون التونسية تعج بهذه الفئة والكثير ممن خبروا السجون في السنوات الأخيرة من الإسلاميين وغيرهم رووا قصصا عن هذه الفئة من المجتمع تكشف بوضوح عن اتساع حجم هذه الظاهرة، نورد هذه الشهادات التي نقلتها الزميلة أمال الهلالي في تقرير صحفي لها تحت عنوان “المثلية الجنسية بين الشباب التونسي … كيف ولماذا؟” جاء في التقرير أن عادل أو ‘صافيناز’ كما يطلق عليه أصدقاؤه، يعمل حلاقًا، فهو قد تجاوز عتبة الثلاثينات، ويقول: “منذ صغري كنت دائم التعلق بوالدتي، كما لا تحلو لي الجلسات إلا مع فتيات الحي، وحين بلغت سن المراهقة بدأت أشعر بميل خاص جدًا نحو الفتيان، وصلت إلى حد المعاشرة. “سألته عن علاقته بعائلته حاليًا فأجاب: “هم لا يحبونني ولا يتشرفون بي، لذلك هجرتهم لأعيش برفقة أصدقائي الفتيان حياتي الخاصة والحميمية”. وعن نظرات الاحتقار التي يلمحها في عيون الجيران يقول عادل هم يطلقون علي أبشع عبارات السب والشتم خاصة الذكور، ولا أبالي بأحد وأعيش عالمي الخاص في الليل مع مجموعة من الفتيان المثليين، صراحة أرتاح كثيرًا بصحبتهم وأحب أن أقوم بدور الأنثى”. وإذا كانت دوافع عادل نتيجة لترسبات وظروف نشأته، فإن الأمر مع وليد 23 سنة يختلف تمامًا، فبنيته الجسدية وطريقة حديثه توهمانك بأنك أمام فحل مكتمل الرجولة، وهو ما دفعنا لسؤاله عن أسباب اختياره لمثل هذه العلاقات المثلية، فأجاب: “لقد تعرضت لصدمة عاطفية أصابتني في مقتل، ونتيجة لخيانة صديقتي لي صرت أكره معاشرة الفتيات وأحس بالوفاء والحنان للرجال وقد كانت البداية مع صديق مثلي عرفني على آخرين وصرنا نمارس هذه العادة بشكل جماعي اذ نلتقي مرة أو مرتين كل أسبوع في منزل أحدنا. أما نادر فيعمل طبيبا بأحد المستشفيات وقد بدأ بممارسة هذه العادة منذ الصغر مع ابن الجيران وكانت البداية بدافع الاكتشاف لكنها تطورت شيئا فشيئا لتصل إلى حد النفور من معاشرة الفتيات ‘على حد قوله’ وعما إذا كان هذا الأمر يقلقه أو يسبب له إحراجا يقول نادر بكل ثقة “أنا مقتنع تماما بما أقوم به ولا أبالي بما يقول الآخرون”. أما آن الأوان؟ لو تيسر أن نقوم بإحصائية بسيطة وعلمية عن عدد الشبان التونسيين الذين شملتهم البطالة وآثارها وأعمال العنف (المجرم والضحية) وضحايا الهجرة السرية والمخدرات والانحراف الأخلاقي والانتحار وضحايا قانون الإرهاب وغيرها فإنه من المؤكد أن العدد لن يكون يسيرا وسنكتشف أن عددا مهولا من شبابنا ضاع عمره ومستقبله وخسره المجتمع بشكل أو بآخر، وأننا كمجتمع ودولة ضيعنا الكثير من الوقت في النظر للمشكلة دون البحث عن الحل، وخيرنا الحلول الأمنية السهلة التي لن تزيد الأمور إلا تعقيدا. طبعا هذا ليس تشاؤما أو تضخيما  فالحمد لله أن عددا محترما أيضا من شباب تونس شق طريقه نحو النجاح بفضل المبادرة الفردية ودور مؤسسة العائلة، ومازال في المجتمع الخير الكثير، ولكن هدفنا التنبيه إلى أن مواصلة الصمت على اتساع هذه الظواهر التي تأكل من أعمار شبابنا ومن طاقة مجتمعنا سوف يصيبنا في مقتل وسوف يجعلنا عرضة للتفكك والانهيار لا قدر الله، فما يحدث من تفاعل في المجتمع بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما يسلط على المجتمع من أفكار وقيم سطحية ومادية ليس هينا ويحتاج إلى تكاتف الجهود بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وأحزابه لدراسة حقيقية لوضع الشاب التونسي وتوفير سبل كرامته لا تحميله المسؤولية ومعاقبته. كما أنه من الضروري اليوم التأكيد على دور الأسرة وتماسكها، وتشجيع المؤسسات الثقافية التي أصبحت خاوية على استقطاب الشباب، وإعادة دور المسجد وعلماء الدين المستقلين لممارسة دورهم في التوعية والتوجيه والارتقاء بالوعي، وإعطاء دور ريادي للمثقفين والكتاب والإعلاميين لممارسة دورهم الرقابي والتربوي بكل حرية. وبدون ذلك وبدون توفر الإرادة السياسية التي يسبقها وعي بحجم المشكلة فإن مثل هذه الظواهر سوف تتوسع وكلما توسعت أكثر يصعب علاجها والحدّ من آثارها المدمرة على المجتمع.
المصدر موقع أقلام أولاين السنة السادسة  العدد 22/ بتاريخ جوان – جويلية 2008  


 

بعد اجتماع الثمانية الكبار: خيبة أمل مرة

 
عبد الطيف الفراتي (*)    انفض اجتماع الثمانية الكبار في اليابان وانتهى ” بذيل سمكة “على حد المثل الفرنسي بمعنى دون نتيجة تذكر. والثمانية الكبار ـ والمقصود صناعيا ـ انطلقوا في سنة 1975 بدعوة من الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان على إثر “الأزمة ” البترولية الأولى، بعقد اجتماعات سنوية لبحث المشاكل الكبرى التي تواجه العالم والسعي لحلها، وقد توسع العدد تباعا من 5 إلى 8، وانضمت روسيا التي لم تعتبر قط من الدول الصناعية الكبرى، فيما إن رئيس الاتحاد الأوروبي يعتبر العضو التاسع، وإن كان هذا العام هو الرئيس الفرنسي الذي يمثل بلاده وكذلك أوروبا، كما انضمت في السنة الحالية وما سبقها 5 من الدول الناشئة الكبرى هي الصين والهند والبرازيل والمكسيك وجنوب إفريقيا، ودعيت ثلاثة أطراف من الدول الناشئة من المقام الثاني للحضور ليس من بينها أي دولة عربية. وقد كانت القضايا المطروحة والمعلن عنها قبل الاجتماع من الأهمية بمكان، وتهم أساسا التهاب أسعار البترول، وكذلك التهاب أسعار المواد الغذائية، وتأثير ذلك على البلدان الفقيرة التي لا تتوفر على ثروات بترولية ولا إنتاج زراعي يحقق لها الاكتفاء الذاتي، وهو ما يهدد هذه الدول وخاصة في إفريقيا بالمجاعة، وتوقف الحياة الاقتصادية، وربما استقرارها عامة بما في ذلك السياسي، حيث إن الشعوب لا تدرك أمام الجوع أن الحكومات ليست هي السبب في ما يصيبها من انخفاض شديد في مستويات العيش، وما يجري من غلاء للأسعار ليس للحكومات في البلدان الفقيرة أي تأثير على الحد منه، باعتبارها مستوردة لمواد لا غنى عنها وأسعارها شارفت حدود السماء. ولقد ساد شعور عميق قبل قمة الثمانية بأن حلا لمواجهة هذه الحالة ولو بصورة جزئية سيهتدي إليه الكبار، وسيخرج من هذه القمة، مثل التأثير على ارتفاع أسعار البترول أو على الأقل لجمها عند الحدود المرتفعة التي وصلت إليها، أو التأثير على أسعار المواد الغذائية، وهو ارتفاع ناتج عن عوامل متضافرة، منها تأثير أسعار البترول الملتهبة على استعمال الميكنة التي لم يعد هناك مجال للاستغناء عنها، وأيضا التأثير غير المباشر المتمثل في انصراف عدد من الدول المنتجة للغذاء لاستعمال الحبوب في صناعة وقود بيولوجي لا يضطرها لدفع سعر الطاقة التي تستعملها بالعملة الصعبة، ولكن يقلل من المعروض من الحبوب خاصة في السوق العالمية مما يقفز بأسعار الغذاء ثلاث أو أربع مرات عما كانت قبلا. وكانت الدول المستضعفة تأمل خيرا من انعقاد مؤتمر الدول الثماني الكبرى أو الصناعية، وتتوقع أن تتخذ قرارات في اتجاه إيجاد حلول للقضايا الكبرى التي تشغل بال العالم بما فيه المتقدم، إلا أن شيئا من ذلك لم يحصل وانفض الاجتماع دون اتخاذ أي إجراءات من شأنها تخفيف عبء ثقيل على بلدان أصبحت مهددة بالمجاعة وتدهور المستوى الاقتصادي وربما حتى الثورة وتهديد الأنظمة القائمة، العاجزة بدورها عن مواجهة هذه الأحوال التي لا يمكن للبلدان منفردة أن تجد لها حلولا، وإذ تقرر نثر مساعدات للبلدان الأكثر فقرا خاصة في إفريقيا، فإن تلك المساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع، هذا إضافة إلى أنه ليس مؤكدا أن تلك المساعدات ستصرف فعلا، وستخفف عن تلك البلدان معاناتها، فالمساعدات المقررة منذ سنوات لم تصرف من قبل فرنسا ولا الولايات المتحدة، ولا عدد آخر من الدول الأعضاء في مجموعة الثمانية الكبار، وهي مجموعة ليست لها هياكل، أو من يشرف على تنفيذ القرارات المتخذة بوصفها لا تمثل جهازا كمنظمة إقليمية أو أممية، وإنما مجموعة لتنسيق السياسات والنظر في استشراف مستقبلي لتطورات الأمور المقبلة وتوقع تأثيراتها على الاقتصاد العالمي. وبما أنها تعتبر ناديا للكبار في هذا العالم فإن حرصها منصب أساسا على مواجهة ما يعنيها أولا، وما يمكن أن يعرقل مسيرتها، ولنذكر أن الاجتماع الأول الذي انعقد بقصر رامبويي الفرنسي قرب باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي الأسبق كما رأينا، كان موضوعه كيفية مواجهة ارتفاع أسعار البترول بعد الهزة الأولى التي حصلت أواخر 1973، والتي اهتزت لها الدول الكبرى، واجتمعت لضمان الحد من تأثيراتها وتحقيق التراجع في أسعار هذه المادة الحيوية بالنسبة للاقتصاد فيها دون غيرها. وإذا كان صحيحا أن ارتفاع أسعار البترول اليوم يعتبر هما دوليا، لا تستفيد منه سوى الدول المنتجة ويؤثر سلبا على كل البلدان الأخرى، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وخاصة القمح والذرة والأرز، تعود فائدته غالبا على الدول ذات الفائض الإنتاجي الغذائي أي الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، التي تنتج أكثر بكثير من حاجياتها الذاتية، والتي تجد نفسها مستفيدة من هذا الارتفاع في الأسعار، ما يعوض عنها ما تدفعه من فائض في السعر بالنسبة للبترول. وإزاء هذا الوضع فإن عددا من الدول الإفريقية لا يستهان به ومن بينها دول عربية بعضها كبير جدا، عدا دول عربية أخرى في آسيا غير منتجة للبترول، تبدو كلها متضررة جدا ومهددة في توازناتها المالية واستقرارها السياسي، ولا ملجأ لها اليوم ـ وقد تركها كبار العالم لحالها، غير قادرة على مواجهة التطورات الحاصلة والمهددة بكل الأخطار ـ، إلا في تضامن عربي واسع، وإلا إذا أخذت بيدها ولو جزئيا الدول ذات الفوائض المالية الكبيرة في إطار تضامن عربي مفترض، ليس متمثلا في غالب الأحيان في مساعدات تنفق جزافا، بل في استثمارات مباشرة صناعية أو عقارية أو فلاحية يمكن أن تخفف عنها العبء وتمكنها من خلق ثروات، تمكن من توفير فرص عمل حقيقية تنتشل الكثيرين، عملا بالمثل الصيني الذي يقول :”لا تعطه سمكة ولكن علمه كيف يصطاد”. ولكن تبقى قضية قائمة، تتمثل في كيفية التصرف في الأموال الموضوعة على ذمة البلدان الفقيرة والتي يمكن أن تقدمها الدول المانحة، إذ كثيرا ما تذهب هذه الأموال لجيوب الحكام، وقل من تلك البلدان ما يفلت من الفساد، غير أن ذلك موجود وموثق من حسن الحظ في تقارير الهيئات المتخصصة التي تنشر ترتيبا سنويا لمستوى الفساد في مختلف بلدان العالم. وهذا هو مربط الفرس كما يقال، فتلك الدول عربية أو غير عربية التي تستحق المعونة مهما كان شكلها، لا ينبغي حرمانها منها بحجة تعميم في غير محله، أو عقابها لأن حكام بلدان أخرى غرقوا في سوء تصرف أو سرقات في بعض الأحيان تدعو إلى الشك في الجميع. (*) كاتب تونسي (المصدر: صحيفة “الشرق” (يومية – قطر) الصادرة يوم 13 جويلية 2008)

«من بلادي… يوميات مواطن عادي» لخميس الخياطي

 

 
جميلة القصوري عين ناقدة تفحص «تسربات الرمل» صدر مؤخرا للاعلامي والناقد خميس الخياطي كتاب بعنوان «من بلادي … يوميات مواطن عادي» وقد اختصر خميس الخياطي المسافة حتى نتجاوز عناء تصنيف هذا الكتاب لما عنونه بـ «يوميات مواطن عادي» غير ان هذا التصنيف يبدو مفخخا فلا هي يوميات كتلك التي يكتبها زائر لبلد ما وهو المقيم بيننا ولا هو مواطن عادي كما يقول لانه صحفي مثقف وصاحب تجارب عديدة وتقلب في عديد المهام حاملا هموم المثقف. فهو معتز بجذوره وفي الان ذاته موجوع من جذوع هذه الجذور. «خميس الخياطي» في كتابه الجديد هذا اختار ان يتحدث عن اخطر المسائل دون ان يثيرها. لقد اختار الطريق الاخر الذي يوصلك الى بيت الداء دون ان يبوح باسمه تاركا وخز الاسئلة للقارىء الذي لم يعد يتساءل رغم ان كل دلائل ما يعانيه بيّنة أمامه. من أين يبدأ التخلف؟ اين نحن من الأمم الأخرى؟ من هذا ينطلق خميس الخياطي من قاع المدينة وهو يكاد يقول ان سلوكنا اليومي يشوّه وجه كل شيء ومن فساد الذوق يستشري الفساد في كل شيء. وأنه لا أمل في أمم ليست لها مقاربات جمالية في مرتبة القيم لتخترق حاجز التخلفُّ وتنهض. وخميّس الخياطي صحفي وله باع معرفي في فن السينما فهو من ابرز النقاد العرب في هذا المجال. وفي هذا الكتاب ذاب الصحفي في عين الكاميرا وكأننا به ينقل الينا اياما عادية بالابيض والاسود القاتم وعلى طول الشريط يرى كل تونسي نفسه لانه ببساطة «بطل هذه اليوميات». فساد الذوق موزع ديمقراطيا على كل الشرائح والفئات وقد اصطاد «خميس الخياطي» نماذج عديدة حوّط بها كل ما ينتجه المجتمع من سلوك وغاص في أدق الجزئيات التي تبدو للوهلة الاولى غير ذات اهمية ولكن الكاتب حمّلها بذكاء كل تداعيات ما يعتمل في المجتمع. اشياء بسيطة تفسر اشياء خطيرة واشياء صارت معتادة وروتينية على بذاءتها وضررها. ولكن «الخياطي» التقطها ووضعها في سلة واحدة ليقول « لهذا نحن هكذا» فالقيم الجمالية انسانيا هي المحددة للخير والشر، للقبح والجمال للعنف والسلام للتسامح والتطرف، للابداع والتخريب وللبناء والهدم. والبناء المعماري ليس وحده المستهدف بل ان البناء الحضاري للانسان هو المستهدف النظافة ليست في البدلة النظيفة لانها تحتوي شخصا قذرا من الداخل. قد يحسب القارىء ان خميس الخياطي اعلن في كتابه هذا انه انخرط في جمعية حماية البيئة وهو بالفعل فعل هذا لانه احاط بكل الجوانب لتنمو زهور الصدق والمواطنة والغيرة على العباد والجماد في البلاد. الغيرة على اخضرار البلاد بكل المعاني وكأننا به يؤاخذ الطبقة المثقفة الفاعلة على استقالتها وحتى انجرارها في سياق يعيد تكرار انتاج اسباب التخلف. واسباب التخلف لا تبدو في البورصة والارقام فحسب كما يقول الخياطي وانما في سلوك الناس وذوقهم وهنا يدخل العنصر الثقافي في تحديد نوعية الاداء وعقلية التغيير نحو الافضل ولكن هذا لا يمرّ الا عبر نقد ذاتي لا يهمل ادق الجزئيات ومنها من كنّا والى اين نمضي؟. وهذا مشروع ضخم خاضته عديد الامم المتقدمة ومنها اليابان التي انجزت عدة ثورات ثقافية لتبلغ الموقع الريادي الذي تحتله. هناك مشكلة ما مع الحاضرين اي التاريخ والجغرافيا وهناك اسئلة يجب ان تحدد ولا تحتمل مواربة ولا يمكن الاجابة عنها الا بمشاريع ذكية وصلبة تزرع في الفعل الثقافي والدراسي والاعلامي مشاريع لا تشبه حملات النظافة التي تدوم اسبوعا ولا تشبه الومضات السطحية الركيكة في التلفزيون لان من ينتظر موسم «الصابة» عليه ان يحرث في العمق وان يستيقظ باكرا ويستبق الاحداث حتى لا ينعم انحراف الذائقة والاداء الاجتماعي بهدنة الروتين فيتحول الى شيء عادي يسرق الآمال ويحبط العزائم. «خميس الخياطي» الذي يكتب بالعربية والفرنسية بنفس الكفاءة ونفس السيولة يضع ثقافيا عينا على ضفة شمال المتوسط وعينا على ضفة جنوبه وهذا ما جعله ينتبه الى كل هذه الجزئيات في وطنه ومع كل هذا فهو لم ينزلق في المقارنة مع دول اخرى لانه يضع التونسي امام المرآة ليقارن نفسه بنفسه وحبذا لو ان التونسي لا يتهم المرآة. كتاب خفيف ظريف يشكل مدخلا لعشرات القضايا المطروحة في مجتمعنا وليت «الخياطي» يصدر ترجمة عربية لهذا الكتاب حتى تعم الفائدة ويبلّغ الكاتب أوجاعه في وطنه حتى يزيد مضمون هذا الكتاب انتشارا. (المصدر: جريدة “الصحافة” (يومية – تونس) الصادرة يوم 13 جويلية 2008)  


حقيقة الجهاد في الإسلام … وجهة نظر كاتب مسيحي

 

 
هشام منور     لم تكن قضايا من قبيل مفهوم الجهاد وأحكامه، وأسلوب التعامل مع النص القرآني وأدواته، والعلاقة مع الآخر ونموذج الدولة الإسلامية، والمناهج التعليمية، وغيرها من القضايا لتنال كل هذا الاهتمام لو لم يتحول الإسلام إلى مركز الحدث بعيد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). ويندرج كتاب «وجهة نظر مسيحية دفاعاً عن الجهاد، حقيقة الجهاد»، لمؤلفه أرشي أوغستاين، (دار صفحات، دمشق، ط1، 2008م) في سياق الدراسات المتناسلة حول القضايا المذكورة، ويركز على قضية مشروعية الجهاد والتهم الملصقة به، وكيفية تعامل الغرب مع هذا المفهوم ومدى شرعية سعي بعض التيارات الإسلامية لاستعادة نظام الخلافة الإسلامية. وتنبع أهمية الكتاب من خلال تمثيله وجهة نظر غير إسلامية منصفة، عايشت عذابات المسلمين في عدد من البلدان (البوسنة وفلسطين) من خلال عمل المؤلف الحاصل على إجازة في الحقوق في عدد من البرامج التطوعية، ومعاينته المباشرة لمنعكسات سوء فهم الإسلام على علاقة الآخرين بأبنائه. وفي لهجة غير مألوفة، يحاول المؤلف تبديد المخاوف المتنامية حول خطر «المد الإسلامي» في أوروبا والولايات المتحدة فيعزو وجودها إلى جهل غير المسلمين بالإسلام، مؤكداً أن الاستنتاجات والحقائق التي توصل إليها في بحثه جاءت من خلال معاينته ومطالعته النص القرآني وبناء على دراسة معمقة له. ينطلق المؤلف في فصله الأول من بيان ماهية الأصولية الإسلامية التي تهاجم في الغرب على نطاق واسع، فيرى أنها تقوم على اعتقاد التفسير الحرفي لآيات القرآن الكريم كما تنزلت تماماً رغبة في إعطاء المعنى الظاهر للآيات، وهو ما يعده توافقاً مع القواعد المعاصرة لتفسير نصوص القانون، ويخوض في محاولة بيان أسباب حرص وسائل الإعلام الغربية على تشويه مصطلح «الأصولية الإسلامية» وإظهار الأصوليين الإسلاميين في شكل مغاير للواقع، في الوقت الذي لا تقوم وسائل الإعلام الغربية بالشيء نفسه مع «الأصوليين المسيحيين». ويرد ذلك إلى إسقاط غالبية الحكومات الغربية الدين من دائرة اهتماماتها في سياق سعيها وراء الثروة التي تعتبر دعامة للمعتقدات التي ترتكز عليها. ويقرر المؤلف أن الدين الإسلامي هو «آخر الديانات التي تتمسك بأصولها»، وأن تيار «الأصولية» يسعى في سبيل «الحفاظ على التغيرات ضمن نهج السنّة المتفق مع القرآن»، و «حماية الإسلام وطقوسه من أي هجوم خارجي أو فتنة داخلية». ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى التأسيس لمشروعية المقاومة (أو الجهاد) بغية توضيح ذلك للإنسان الغربي، معتبراً أن مقاومة الاحتلال أمر شرعي من وجهة نظر إسلامية تستند في شكل واضح وبسيط إلى الأمر القرآني: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» (البقرة 190). فالجهاد في الإسلام، من وجهة نظر المؤلف، مشروع لغايات دفاعية، من دون أن ينفي إمكانية شن الهجوم وحتى القيام بضربات وقائية، إن استدعى الأمر. مقارناً بينه وبين قانون الدفاع عن النفس كما هو معروف في شكل شائع في المحاكم العلمانية. ويرى الكاتب في الفصل الرابع أن تنامي المشاعر الإيمانية في المجتمعات الإسلامية هو الحاضن الرئيس للحفاظ على مشروعية حركات المقاومة واستمرارها على رغم ما تعانيه من ضربات وهزات، الأمر الذي يفرض على الإنسان في الغرب ضرورة زيادة الوعي بالإسلام، وتجاوز محاولات «نبذه» المتعمدة استناداً إلى الخوف من سرعة تمدده وانتشاره. فبسبب تلك المخاوف الغربية والرغبة في تحجيم تعاظم انتشار الإسلام، قام الصرب بجرائم إبادة جماعية بحق مسلمي البوسنة لاعتقادهم بعدم وجود عواقب لجرائمهم، فيما لم يكن تدخل الغرب في نهاية المطاف إلا خدمة لمصالحه الخاصة. في الفصل الخامس، يؤكد المؤلف أن محاولات الفهم والاحترام المسيحية للإسلام إنما تتأتى فقط من المسيحيين التقليديين غير المتشبعين بالرؤية النفعية للأمور، وفي الوقت الذي تشهد الديانة المسيحية تراجعاً على صعيد المكانة داخل مجتمعاتها، فإن منعكسات ذلك على الإسلام تتمثل في العداء المفتوح والمقرون بالدعاية المضادة. ويرى المؤلف أن اتخاذ المواقف المشتركة حول المبادئ الأخلاقية الدينية وعلاقتها بالمنشآت السياسية الاجتماعية الوطنية إنما يندرج في مصلحة كل من الديانتين (الإسلامية والمسيحية)، ليؤكد بعد ذلك ضرورة أن يكون المسلم محكوماً بالقرآن لا بالمؤسسات العلمانية، وأن من غير الصحيح أن ما يشاع حول رغبة المسلمين في فرض نظام إسلامي على كل شخص دون استثناء، وأن تعاليم الإسلام تمنح الحق لغير المسلمين بإدارة شؤونهم الخاصة التي لا تتعارض مع مبادئ النظام العام الإسلامي. أما عن سعي المسلمين لإقامة دولة إسلامية واحدة من خلال إزالة الحواجز الإقليمية بين الدول الإسلامية، فيرى فيه المؤلف حقاً مشروعاً، مبرراً ذلك بعدم اعتراف المسلمين بحدود وهمية رسمها الاستعمار الأوروبي لتسهيل سيطرته ونهبه لثروات الشعوب الإسلامية. ويشير في الفصل الأخير إلى أن القرآن الكريم «يشكل مرآة للبشر، حيث نرى الرجل على حقيقته ونرى كل عيوبه وظلمه وجبنه». متبنياً وجهة النظر السائدة في تبرير ما قد يأخذه الغرب على المسلمين من تطبيق للحدود؛ كبحاً للأعمال الآثمة للبشر من خلال الحدود الصارمة. قد يبدو الكتاب للوهلة الأولى مجرد محاولة جريئة من جانب «الآخر» لسبر أغوار واحدة من أعقد القضايا التي تشكل رهاباً نفسياً بالنسبة اليه، بيد أن أسلوب التناول والمعالجة من المؤلف يرسم الكثير من إشارات الاستفهام حول مدى قناعة الطرف الآخر (المسلمين) بجدية هذه المحاولة وموضوعيتها في ظل واقع مؤلم بات فيه البحث عن نقاط الالتقاء كسراب يحسبه الظمآن ماء. * كاتب وباحث فلسطيني (المصدر: صحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 5 جويلية 2008)

 منظمات دولية قلقة إزاء الصمت السوري حول أحداث سجن صيدنايا

 

 
(وكالة الأنباء الألمانية – DPA) – أعربت منظمات حقوقية ومراكز إنسانية عن قلقها العميق إزاء الصمت السوري الرسمي والتعتيم المستمر حول نتائج الأحداث المؤسفة التي جرت يوم السبت الماضي داخل سجن صيدنايا العسكري (شمال غرب العاصمة دمشق حوالي 20 كم). وكانت مصادر متعددة قد أفادت أن هذه الأحداث خلفت العديد من الإصابات والضحايا. وقال بيان صادر عن المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا تلقت وكالة الأنباء الألمانية في دمشق نسخة منه، إن المنظمات الموقعة على هذا البيان تدين بشدة الاستخدام المفرط للقوة الذي لجأت إليه قوات الأمن والشرطة العسكرية السورية خلال احتوائها للعصيان والتمرد الذي قامت به مجموعة من نزلاء السجن. وطالبت المنظمات الحقوقية بفتح تحقيق فوري في ملابسات الأحداث المؤسفة، وتحديد الأطراف التي تسببت بها وتقديم جميع المتورطين والمسؤولين عنها إلى القضاء العادل سواء كانوا من النزلاء أم من كتيبة حراسة السجن، وإصدار بيان رسمي حول نتائج إنهاء حالة العصيان يتضمن كشفا بأسماء كافة الضحايا والمصابين من الطرفين. كما طالبت المنظمات بفتح باب الزيارة أمام أهالي المعتقلين في سجن صيدنايا العسكري بالسرعة الممكنة، والعمل بشكل جدي وفعال على تحسين ظروف النزلاء، ومراعاة الاحتياجات الإنسانية الأساسية لهم، والتحقيق في أسباب الإضراب وإزالة هذه الأسباب لمنع تكرار ما جرى. واعتبرت المنظمات الموقعة على هذا البيان أنه في حالة العصيان التي شهدها سجن صيدنايا العسكري إشارة واضحة على تردي الأوضاع الإنسانية للنزلاء ومؤشر قوي على عدم قيام إدارة السجن بتطبيق الحد الأدنى من المعايير الدولية الخاصة بالسجناء. (المصدر: صحيفة “العرب” (يومية – قطر) الصادرة يوم 13 جويلية 2008)


منظمات حقوقية سورية ومصرية تطالب بتحقيق في احداث سجن صيدنايا

 
نيقوسيا – “القدس” ، ا ف ب – طالبت ثماني منظمات سورية ومصرية تدافع عن حقوق الانسان السلطات السورية بفتح “تحقيق فوري” في ملابسات الاحداث التي جرت في سجن صيدنايا قرب دمشق وبكشف اسماء الضحايا وفتح باب الزيارة امام اهالي المعتقلين. واعربت هذه المنظمات في بيان لها عن: “قلقها العميق ازاء الصمت الرسمي للاجهزة الحكومية السورية والتعتيم المستمر حول نتائج الاحداث المؤسفة التي جرت داخل سجن صيدنايا العسكري”. كما دانت “الاستخدام المفرط للقوة الذي لجأت اليه قوات الامن والشرطة العسكرية السورية خلال احتوائها للعصيان والتمرد الذي قامت به مجموعة من نزلاء السجن”. وطالب البيان الحكومة السورية “بفتح تحقيق فوري في ملابسات الاحداث المؤسفة وتحديد الاطراف التي تسببت بها وتقديم جميع المتورطين والمسؤولين عنها الى القضاء العادل سواء كانوا من النزلاء ام من كتيبة حراسة السجن” كما دعاها الى “اصدار بيان رسمي حول نتائج انهاء حالة العصيان يتضمن كشفا باسماء كافة الضحايا والمصابين من الطرفين”. ولم تتوفر معلومات واضحة عن عدد ضحايا العصيان الذي نفذه معتقلون اسلاميون واحتجزوا خلاله رهائن الاسبوع الماضي فيما ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان القريب من المعارضة السورية ومقره لندن بان نحو 25 لقوا مصرعهم في المواجهات. ودعا بيان المنظمات الحقوقية الى “فتح باب الزيارة امام اهالي المعتقلين في سجن صيدنايا العسكري بالسرعة الممكنة” و”العمل بشكل جدي وفعال على تحسين ظروف النزلاء”. والمنظمات الموقعة على البيان هي: “الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الانسان” و”المنظمة العربية للاصلاح الجنائي” (مصر) و”المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة” (مصر) و”المنظمة الوطنية لحقوق الانسان” في سورية و”المركز السوري لمساعدة السجناء” و”المنظمة العربية للإصلاح الجنائي” في سورية ومنظمة حقوق الانسان في سورية (ماف) وجمعية حقوق الانسان لمساعدة السجناء (مصر). (المصدر: صحيفة “القدس” (يومية تصدر في مدينة القدس) الصادرة يوم 13 جويلية 2008)

“جبهة علماء الأزهر”: سوريا التي جمعها نهار بني أمية يمزقها اليوم ليل النُصَيْريِّين

 

 
نددت “جبهة علماء الأزهر” في بيان لها نشر على موقعها بالأحداث الأخيرة التي شهدها سجن صيدنايا السوري، ووجهت انتقادات شديدة إلى النظام السوري العلوي، مستنكرة إقدام هذا النظام على قتل أكثر من 20 شخصا، في الوقت الذي “لزم فيه الجبن أمام الغارة “الإسرائيلية” الأخيرة على بعض معالم دولته، بل وفي عاصمتها دمشق. وأضافت الجبهة أن ” النظام اسـتأسد هذه المرة على الأسارى السوريين لديه، المعتقلين ظلما وبغيا وعدوانا في أقبية زنازينه، وكهوف سجونه، لغير جرم ارتكبوه، أو ظلم جنوه، غير أنهم كانوا من أصحاب المصحف الظاهرين به، ومن أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته الذين أخلصوا له قلوبهم، وطووا عليه حناياهم، فأغاظ ذلك النظامَ السوري  الذي تتراكض في صدره أبالسة الجحيم، فاستأسد عليهم النظام  وهم عنده في الأغلال يرسفون، لما ظهر له من بقاء حبهم للقرآن الذي من أجله ظُلِموا، وبسببه إلى المعتقلات سيقوا، فقام عسكر هذا النظام بجمع نسخ القرآن الكريم من مخابئها كما جمعوا أصحابها من قبل؛ ونزعهم من محاضنهم؛ ومساكنهم، وفعل بنُسخ القرآن الكريم الذي يُعدُّه النظام من الأسلحة المحرمة، والمواد المجرَّمة– على وفق ما نشر له- فعل به على أنظارهم ما لا تحتمله نفس حر، حيث قام جنود إبليس  بإهانة المصحف ووطأوه بالأقدام أمام أنظار المأسورين المعتقلين، فلما أهاجتهم الجريمة الشنعاء على كتاب ربهم –بعد أن صبروا على ما نزل بهم وبذراريهم – جرَّد النظام الظلوم  لهم ثلاثين دبابة من دباباته التي لم نر لها أثرا في غزو؛ أو رسما في كرامة، جردها وعددا كبيرا من قوات حفظ النظام الفاجر، معززة بالقناصة والآليات والدروع، ثم أعمل بهذا الجيش العرمرم في المسجونين والمعتقلين السوريين من الذبح والتقتيل على مرأى ومسمع من العالم”.  واستنكرت الجبهة إقدام النظام السوري على قتل أكثر من 20 شخصا، في الوقت الذي “لزم فيه الجبن أمام الغارة “الإسرائيلية” الأخيرة على بعض معالم دولته، بل وفي عاصمتها دمشق، فدمرتها له، ثم تولت “إسرائيل” الإعلان عن ذلك، بعد أن جبن هذا النظام حتى عن الصراخ على كرامته المداسة بأقدام اليهود من يوم أن سلم لهم الجولان بغير مقابل”. وذكرت الجبهة في بيانها أن “سوريا التي جمعها نهار بني أمية بقبضة العز والكرامة، يمزقها اليوم ليل النُصَيْريِّين العلويين بقبضة المذلة والهوان، بعد أن جمعوا عليهم الأمة بالخديعة والكذب ثم ساقوهم أمام عرش الموت بغير رحمة ولا خلق ولا اعتبار”. ووجهت الجبهة نداءً إلى “البائسين المظلومين المغلوبين على أمرهم في هذا النظام وأشباهه”، قائلة: ليس لنا ولكم أفضل من كتاب الله نتعزى به، فقد تعددت الأصنام والشرك واحد،(ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين)(وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين). وأضافت: “إن نفوسنا وهي تتحمل ما بها فإنها تقاسي ما بكم، فأجمعوا على الحق أمركم، وأخلصوا لله نياتكم، واعلموا أن عذاب النفس بثباتها على الحق ومصاعبه، لهو أشرف من تقهقرها إلى حيث الأمن الكاذب الذي طالما خُدِع به عن الحق غيرُكم، والطمأنينة الرخيصة التي تُستهدف بها الرقاب، وتغتال بها شرف الأمة وحياتها”.  [1] نددت “جبهة علماء الأزهر” في بيان لها بالأحداث الأخيرة التي شهدها سجن صيدنايا السوري، ووجهت انتقادات شديدة إلى النظام السوري العلوي، مستنكرة إقدام هذا النظام على قتل أكثر من 20 شخصا، في الوقت الذي “لزم فيه الجبن أمام الغارة “الإسرائيلية” الأخيرة على بعض معالم دولته، بل وفي عاصمتها دمشق. (المصدر: موقع “المسلم” بتاريخ 13 جويلية 2008 )


 ثانوية “النجاح” بباريس تستغيث!  

 
هادي يحمد باريس – على أبوب إعدادية وثانوية النجاح بإحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس يقف الشيخ “ضو مسكين” مدير الثانوية عاجزا عن الإجابة على سؤال: هل ستفتح الثانوية أبوبها العام القادم أم لا؟ فالثانوية -التي تعد أول ثانوية إسلامية بفرنسا، والتي كانت أول حاضن للمحجبات المطرودات من المدارس العمومية- تعيش اليوم أزمة مالية خانقة، خاصة أمام رفض السلطات الأكاديمية مد المؤسسة بالتمويل الحكومي حتى الآن. وعلى خلاف ثانوية “ابن رشد” في شمال فرنسا؛ والتي جاءتها الموافقة بالتمويل الحكومي هذه السنة، فإن ثانوية النجاح؛ والتي فتحت أبوابها في سنة 2001 لم تتلق إلى اليوم أي رد من السلطات التعليمية الفرنسية بشأن حقها في التمويل العمومي. ويقول الشيخ ضو مسكين؛ والذي يعد أحد أكبر المراجع الدينية في فرنسا: “لا ندري الأسباب التي تمنعنا من حقنا في التمويل العمومي، خاصة أن القانون ينص على مضي خمس سنوات من أجل تلقي التمويل العمومي”، ويضيف الشيخ مسكين بصوت حائر: “لا نعلم الأسباب، وكلما نرسل لهم لنذكرهم بحقنا يردون علينا بطلبات تكوين ملف، وهو الملف الذي أرسلناه أكثر من ثلاث مرات منذ أن تجاوزنا الخمس سنوات من الوجود”. ولم يتسن الاتصال بأكاديمية التعليم الفرنسية، بينما تشير بعض الجهات القريبة من ملف ثانوية النجاح إلى أن “شخصية الشيخ ضو مسكين في الضواحي الفرنسية، وتأثيره كمرجعية روحية محترمة يعد معرقلا في تمكين الثانوية من حقها في التمويل الحكومي”، خاصة بعد “إيقاف الشيخ ضو مسكين قبل حوالي سنتين من السلطات الأمنية الفرنسية وإخلاء سبيله بعد اكتشاف التهم الباطلة التي ألصقت به فيما سمي وقتها بتمويل الإرهاب”. وتضم إعدادية وثانوية النجاح هذه السنة 120 طالبا وطالبة، وهي في الوقت الحالي عاجزة كما يقول الشيخ مسكين على تقديم رواتبها للمدرسين، ونتيجة الاداءات والضرائب التي نطالب بدفعها سنويا “فإننا سقطنا في مديونية تصل إلى حوالي 360 ألف يورو وهو ما يعني أننا أصبحنا أمام حالة لا نحسد عليها، قد تهدد بغلق أبوب الثانوية العام القادم”. وحول الخيارات المطروحة في الوقت الحالي يقول مسكين: “إذا لم تنصفنا الأكاديمية فإننا مضطرون إلى التوجه إلى رئيس الدولة، ثم في مرحلة أخرى إلى المحكمة الإدارية، كما نوجه نداءانا إلى كل أهل الخير في عالمنا الإسلامي من أجل إنقاذ هذه الثانوية، والتي تعد مكسبا تاريخيا لمسلمي فرنسا”. وبدأت أزمة ثانوية النجاح المالية منذ العام الماضي بعد أن فقدت قدرتها على الصمود أكثر أمام المتطلبات المادية. وبادر تلاميذ وتلميذات الثانوية سنة 2007 بتوجبه نداء استغاثة يقولون فيه: “نحن طالبات مؤسسة النجاح التعليمية المسلمة الحرة القائمة منذ سنة 2001، والمسجلات في السنة النهائية (بكالوريا علمي) في وضع مصيري بسبب امتحانات نهاية العام”. ويضيف النداء: “على الرغم من توفر كل الشروط التربوية والإدارية، وعلى الرغم من تزكية لجنة التفتيش الأكاديمية التابعة لوزارة التربية للبرنامج التعليمي لمؤسستنا؛ ولظروف الدراسة داخلها، والاحترام الكامل لتوجيهات وزارة التربية الوطنية، فإن الدولة الفرنسية لا تزال تماطل في مد مؤسستنا بالمساعدات القانونية كغيرها من المؤسسات التعليمية المعترف بها”. على الرغم من تحقيق ثانوية النجاح لهذه السنة من نسبة نجاح مائة في المائة، خاصة بالنسبة لتلاميذ وتلميذات الباكلوريا فإن مستقبل الثانوية يبدو غامضا العام القادم، وسط غياب أي أفق مادي أمام غياب التمويل الحكومي، وعدم قدرة مسلمي فرنسا بإمكانياتهم المادية المتواضعة على توفير الدعم لمثل هذه المدارس والثانويات الخاصة، والتي مثلت بارقة الأمل الوحيدة للفتيات المحجبات المطرودات من المدارس الحكومية. (المصدر:  موقع اسلام أونلاين (قطر) بتاريخ 13 جويلية 2008)

 


 

لوفيغارو: فرنسا تساعد الأسد على صعود خشبة المسرح الدولي
 
قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لفرنسا والاستقبال الحار الذي ينتظر أن يخصصه له الرئيس نيكولا ساركوزي اليوم السبت يثيران جدلا واسعا في الأوساط الفرنسية, مشيرة إلى شجب اليسار الفرنسي والمنظمات غير الحكومية لاستمرار سوريا في انتهاك حقوق الإنسان. وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر عبر عن “ارتباكه” بسبب هذه الزيارة, في حين حذر آخرون من أن تكون فرنسا قد لطخت صورتها مجددا باستقبالها الأسد بعد ستة أشهر على استقبالها الزعيم الليبي معمر القذافي. أما ساركوزي فرد على منتقدي هذه الزيارة بالقول إنها تحظى بمباركة حلفاء فرنسا بمن فيهم الولايات المتحدة, مشيرا إلى أن من يدعو الدول الواقعة على البحر الأبيض المتوسط إلى اجتماع لا يمكنه أن يستثني سوريا. لوفيغارو ذكرت أن سبب الانتكاسة التي أصابت مستوى العلاقات السورية الفرنسية منذ العام 2006 كان اتهام الغربيين لدمشق بالمسؤولية عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري رغم نفي السوريين لهذا الاتهام. وأضافت أن ما يبدو من غياب أدلة تورط سوريا في هذه العملية, جعل ساركوزي يفضل اتباع منهج جديد أكثر واقعية مع دمشق. وقد دفع هذا النهج وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى التعبير عن ارتياح السوريين للموقف الفرنسي الجديد، قائلا إن بلاده “لم تعد تحس بأن فرنسا تسعى لتسييس المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري”. الصحيفة قالت إن ساركوزي حرص على أن يكون استقباله للأسد مواكبا للتطورات الإيجابية في السياسة السورية, مشيرة إلى المباحثات التي تجريها سوريا مع إسرائيل برعاية تركية واللقاء المرتقب بين الأسد والرئيس اللبناني ميشال سليمان في باريس. ويأمل ساركوزي قبل أن يتقدم خطوة إلى الأمام في علاقته مع دمشق بزيارة سوريا، أن تعترف هذه الأخيرة بسيادة لبنان وتعين سفيرا لها في بيروت. فباريس –حسب لوفيغارو- مقتنعة بأن عزل النظام البعثي السوري لن يزيده إلا انغلاقا على نفسه، ولذلك تراهن على إجراء حوار صريح مع هذا النظام الذي أثبت أنه محوري في تسوية أزمات الشرق الأوسط. (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 جويلية 2008)  


مطالبات حقوقية للرئاسة الفرنسية بالربط بين الاتحاد المتوسطي وحقوق الإنسان

 

 
تونس – محمد الحمروني  ناشدت مجموعة من المنظمات الدولية الناشطة في الدفاع عن حرية الصحافة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، «عدم التقليل من شأن الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان في تونس». وطالبت نحو 20 منظمة تمثل 102 دولة الرئيس الفرنسي عدم إغفال أوضاع حرية التعبير في تونس «خلال سعيه لإنشاء اتحاد من أجل المتوسط في مؤتمر القمة الأوروبية – المتوسطية التي تنطلق أعمالها في العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الأحد 13 يوليو الجاري». ووجهت هذه المنظمات رسالة إلى قصر الإليزيه عبرت فيها عن بالغ قلقها إزاء ما تتعرض له حرية التعبير وحرية الصحافة في تونس من انتهاكات خطرة بالإضافة إلى ما تلجأ السلطات التونسية من رقابة وترهيب وعنف. وجاء في الرسالة أن المناشدين يتوجهون إلى الرئيس الفرنسي باعتبار أن فرنسا تسلمت رئاسة الاتحاد الأوروبي ونظرا «لرئاستكم لقمة باريس الأورومتوسطية التي تهدف إلى تأسيس الاتحاد المتوسطي». ودعت الرسالة إلى أن «تتبنى فرنسا سياسات تتماشى وقيم الجمهورية وتعمل على تعزيزها. وذلك عن طريق حثها السلطات التونسية على احترام التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان وخاصة المتعلقة بحرية التعبير وحرية الصحافة». ووضع القائمون على هذه الدعوة على ذمة الرئيس الفرنسي وثيقة تتضمن «سجل انتهاكات حرية التعبير في تونس منذ العام 2003» كما قالوا. ووقع على الرسالة كل من تيموثي بالدن المدير المكتب التنفيذي للجمعية العالمية للصحف، وروهان جاياسكيرا رئيس مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس، إضافة إلى 18 منظمة يشكلون أعضاء «مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس» المعروفة اختصارا بالـ (ifex). وفي سياق متصل عبّرت منظمة العفو الدولية عن مخاوفها من أن تؤدي مبادرة الاتحاد المتوسطي، التي سيتم تبنيها خلال القمة، إلى «خرق خطير من جانب الاتحاد الأوروبي لواجباته في إثارة بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان في علاقاته الثنائية». وقالت المنظمة في بين حصلت «العرب» على نسخة منه إن المشروع المتوسطي المقترح لا يتضمن أية إشارة إلى حقوق الإنسان وهو ما يعني في نهاية المطاف أن زيادة التعاون والحوار بين بلدان الضفتين سيقوم على اعتبارات تجارية ومالية فقط، وهو ما يخالف مسار برشلونة أو ما يعرف بـ 5+5 الذي يربط بين التقدم في المبادلات الاقتصادية والتجارية وأوضاع الحريات. وأعربت المنظمة في رسالة وجهتها إلى الرئاسة الفرنسية عن قلقها الشديد من هذا التمشي وطالبت الاتحاد الأوروبي بتعزيز التزامه بمبادئ حقوق الإنسان في علاقاته الخارجية عوضاً عن إضعافها عبر أية مبادرات جديدة. (المصدر: صحيفة “العرب” (يومية – قطر) الصادرة يوم 13 جويلية 2008)

فرنسا ترفض منح الجنسية لمغربية منتقبة

 

 
محمد حامد   قرار الرفض جاء بعد سنوات من السعي رفضت فرنسا منح امرأة مغربية منتقبة الجنسية الفرنسية؛ بحجة أن مفاهيمها “المتشددة” للإسلام لا تتماشى مع القيم والمبادئ الفرنسية الأساسية، خاصة مبدأ المساواة بين الجنسين. وقالت صحيفة “ذا جارديان” البريطانية في عددها الصادر اليوم السبت: إن مجلس الدولة في فرنسا، وهو أعلى هيئة قضائية إدارية في البلاد، صادق أمس على قرار الحكومة رفض منح الجنسية لـ”فايزة م” (32 عامًا) المتزوجة من فرنسي، والتي وصلت إلى فرنسا عام 2000، وتتحدث الفرنسية بطلاقة، ولها ثلاثة أبناء ولدوا في فرنسا. وجاء الحكم برفض منحها الجنسية التي تسعى فايزة للحصول عليها منذ سنوات على أساس “أن مفاهيمها المتشددة للإسلام لا تتماشى مع القيم الفرنسية الأساسية، حيث حضرت فايزة المغربية الأصل مقابلاتها مع الشئون الاجتماعية والشرطة للحصول على طلب الجنسية، وهي ترتدي النقاب”. بحسب ما نقلته الصحيفة البريطانية عن نظيرتها الفرنسية “لوموند”. وفي تعليق على قرار الرفض، أعلن مصدر حكومي مطلع على ملف القضية أن المصادقة على “رفض منح الجنسية إلى تلك المرأة المقيمة ليس مرتبطًا بمشكلة دينية، وإنما بسلوك أدى إلى عدم التكيف مع المجتمع الفرنسي”. وبرر المصدر ذاته الموقف بأن “هذه ليست المرة الأولى التي تُرفض فيها عملية منح الجنسية بحجة عدم التكيف”، مستطردًا “ربما تكون المرة الأولى التي يتعلق فيها الأمر بارتداء النقاب”. النقاب والجنسية ومن جانبها تساءلت صحيفة “لوموند” الفرنسية: “هل يتعارض النقاب مع الجنسية الفرنسية”؟ وتابعت أن الخبيرة القانونية “إيمانويل برادا بوردينيف” التي قدمت تقريرًا رسميا بشأن القضية لمجلس الدولة كتبت أن المقابلات التي أجرتها الخدمات الاجتماعية مع المرأة كشفت أنها “تعيش في عزلة عن المجتمع الفرنسي، وليس لديها فكرة عن معنى الدولة العلمانية أو الحق في التصويت، تعيش في خضوع كامل لأقاربها الذكور، ويبدو أنها تجد أن هذا أمر عادي، ولم تفكر في مواجهة هذا الأمر على الإطلاق”. ونقلت صحيفة لوموند عن دانييل لوتشاك أستاذ القانون قوله: “من الغريب اعتبار الخضوع المبالغ فيه للرجال سببًا لعدم منح الجنسية، وهذا يعني أن النساء اللائي يضربهن أزواجهن أو أصدقاؤهن لسن جديرات أيضًا بأن يصبحن فرنسيات”. وكان طلب المرأة المقيمة بضاحية “إيفلين” بباريس بالحصول على الجنسية الفرنسية قد رُفض عام 2005 على أساس الاندماج “غير الكامل” مع المجتمع، واستأنفت الحكم أمام مجلس الدولة الذي رفض طلبها. حرية الديانة وتوقعت صحيفة “ذا ديلي تليجراف” البريطانية في عددها اليوم أن تُشعل تلك القضية من جديد النقاش بشأن كيفية التوفيق بين حرية الديانة التي ينص عليها الدستور الفرنسي والحقوق الأساسية الأخرى. جدير بالذكر أن فرنسا تفرض حظرًا على الحجاب والرموز الدينية الأخرى داخل مدارس الدولة منذ عام 2004. ودائمًا ما تردد الحكومة الفرنسية نظرية أن المواطنين الفرنسيين متساوون داخل الدولة، وأن الخلفيات الدينية أو العرقية هي أمور خاصة للأفراد، ولكن عددًا من الجماعات الحقوقية ينتقدون المجتمع الفرنسي؛ نظرًا لانتشار التمييز فيه بقوة في الآونة الأخيرة. (المصدر:  موقع اسلام أون لاين (قطر) بتاريخ 12 جويلية 2008)

انتخابات الولايات المتحدة لتحديد وجهة العالم
 
محمد الحداد (*) لو كان العالم قائما على العدل حقا وكانت الديموقراطية أكثر من شعار، لسمح لكل الأفراد البالغين من سكان المعمورة بالمشاركة بالتصويت في الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة الأميركية للفصل بين المرشح الديموقراطي والمرشح الجمهوري. لم يحدث أن تحمس الناس لانتخابات أميركية كما يحدث اليوم: هـذا الحماس بدأ أميركيا ثم انتشر في العالم كله. ومن الواضح أن أوباما نفسه لم يكن يتوقع ما ستثيره مشاركته من حماس لدى الناس، بدليل أنه أعلن في بداية حملته الانتخابية اختياره للتمويل الحكومي، أعلنه باللفظ الصريح الذي لا يقبل التأويل وتفاخر بـذلك على خصمه ثم اضطر الآن إلى التراجع تراجعا سافرا عن وعده السابق، فهو قد حصل على تمويلات خاصة تبلغ ثلاثة أضعاف الدعم الحكومي وتتجاوز دعم الجمهوريين، وهو أمر غير معهود في مثل هده المناسباتِ! لو كان مسموحا للمرشحين أن يقبلوا الدعم من غير مواطنيهم لهرعت الدول والمنظمات وتسابق الرجال والنساء من كل المعمورة لتقديم المساهمات، ولا أحد يعلم مع ذلك ماذا ستكون سياسة أوباما الخارجية وكيف ستكون مواقفه. لكن ملامحه الشابة والمسالمة أوحت للأميركيين أولا ولبقية الناس ثانيا أنه سيكون رجل السلام، أو على الأقل أنه سيعمل على إيقاف هـذا الاتجاه الجنوني للعالم نحو العنف في السياسة والمضاربة في الاقتصاد والمغالطة في الإعلام. وقد يكون أوباما عاجزا عن تحقيق كل هـذه الآمال وقد لا يصل إلى منصب الرئاسة أصلا. لكن شيئا ما قد حصل في أميركا وفي العالم هو هـذا التعبير غير المسبوق عن الرغبة في السلام، إنها رسالة واضحة يوجهها عشرات الملايين في العالم، يوجهها المواطنون الأميركان بالدعم المتحمس لأوباما ويوجهها المواطنون غير الأميركيين بالاهتمام المتحمس لانتخابات ليسوا مدعوين للإدلاء بأصواتهم فيها. إن المسار الذي فرض على العالم السير في اتجاهه في السنوات الأخيرة أصبح واضح الخطورة ولا ينبغي أن يدوم ولا أن يصبح جوهر النظام العالمي الجديد، لا يمكن لنظام استثنائي فرضته الهجمات الإرهابية سنة 2001 أن يصبح القاعدة في العلاقات بين البشر. أجل، الإرهاب مشكل حقيقي وضخم لكنه ليس المشكل الوحيد للبشرية. وضحايا الإرهاب هم مظلومون وجديرون بتضامن كل إنسان يؤمن بأن الحياة حق مقدس، لكن ضحايا الجوع المترتب على السياسات الزراعية الأنانية وضحايا المرض المترتب على تلوث البيئة وضحايا اليأس الذي دفع إليه الامتناع عن حل النزاعات المزمنة، هم أيضا من البشر الدين لهم نفس الحق في الحياة والكرامة. دعنا نعيش على أمل السلام إلى أن يحين الموعد الرسمي للانتخابات، وكيفما كانت النتيجة فإن ما رأيناه إلى حد الآن يؤكد أن إرادة السلام تعبر عن نفسها بقوة في كل المجتمعات ومنها المجتمع الأميركي. وما رأيناه يقف شاهدا من جديد على تهافت تفسير واقع السياسة الدولية بنظرية صدام الحضارات، أنه تفسير لا معنى له ولا يمثل إلا غطاء لصدام المصالح. فالنزوع إلى العنف مستأصل في كل الحضارات وكل المراحل الحضارية لأنه من طبيعة الإنسان الحميمة فلا يغيره إلا الإيمان ببرنامج أخلاقي أعلى يقوم على الخير المشترك لبني الإنسان. والاستثراء السريع باعتماد كل الوسائل والتنصل من كل القيود الأخلاقية هو أيضا نزوع قديم، لدلك كانت المضاربة في البورصات اليوم، وقد أحدثت أزمة الوقود وأزمة المواد الغذائية، نشاطا غير محدد العنوان، لا يختص بمواطني دولة دون أخرى أو منتسبي حضارة معينة. والمستفيدون من الانحرافات الخطيرة للاقتصاد العالمي هم من كل الجنسيات والأعراق، والمتضررون أيضا موزعون على كل أنحاء المعمورة. كذلك الكذب كان رذيلة أشار إليها الحكماء ورجال الأخلاق في كل الحضارات، وقد أصبحت اليوم صناعة ثقيلة تستعمل في السياسة خاصة، فمند أن منح المواطن في الغرب الحق والحرية في إبداء الرأي في السياسة تضخمت صناعة التلاعب الخفي بالعقول كي يكون الرأي الحر موافقا في القضايا الكبرى لما هو مطلب الكبار. لقد رأينا الرغبة في التغيير تنبعث من كل مكان وتعبر عن نفسها بكل ما يتاح لها من وسائل، كي تواجه العنف والمضاربة والتضليل، وهي آفات الزمن الحاضر. فمن كان يؤمن حقا بعالم أكثر إنسانية فعليه أن يعزز فكرة تحالف الحضارات لتحقيق إنسانية الإنسان كائنا ما كان ويردأ عنه مضار الانحرافات البادية للحضارة الحديثة. ومن كان يستعمل مآسي البشر في الحاضر ليعود بهم إلى مآسي عرفتها العصور الماضية ويحرض جزءا من الإنسانية على حساب الجزء الآخر، فهل يستطيع أن يفسر لماذا يثير السيد روبرت موغابي الاشمئزاز في كل النفوس ويثير فيها السيد أوباما شعور الارتياح والتعاطف، لو لم يكن الإنسان إنسانا مهما كان جنسه وعرقه وانتماؤه الحضاري، والمصالح هي التي تحيد به عن التفكير السليم؟ (*) كاتب تونسي (المصدر: ملحق “تيارات” بصحيفة “الحياة” (يومية – لندن) الصادرة يوم 13 جويلية 2008)

 

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

10 novembre 2003

Accueil TUNISNEWS   4 ème année, N° 1269 du 10.11.2003  archives : www.tunisnews.net النهضة.نت: دعوة إلى القنوت لرفع الظلم عن

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.