السبت، 27 يناير 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2441 du 27.01.2007

 archives : www.tunisnews.net


 أكاذيب « مدنيّة » وكالة (أكي) الإيطالية للأنباء :وزير الشئون الدينية التونسي: لم نتصادم مع النص الديني بشأن اللبس « الجريدة »:وزراء الداخلية العرب:برنامج موحد لمكافحة الإرهاب ؟ قدس برس: الأمم المتحدة تشيد بتبرع تونسي ‘تاريخي’ لمساعدة الفقراء فخرى شليق: النداء العاجل من أجل هذا الوطن الجريح الحوار نت: حوار مع المناضل لسعد الجوهري الطاهر الأسود: المزيد من السذاجة و الإنكار (في سياق التعليق على تعقيب عبد الرؤوف العيادي) عبدالحميد العدّاسي: لو كنت شجاعا مخلصا لقلت: « صليبنا وهلالهم » طالبة نقابية راديكالية:رسالة الى السيد نجيب الشابي ابو خليل: لما ينغلق الحوار في قناة الحوار اللندنية – الدكتور منصف المرزوقي مثالا سريريا « الجريدة »:الفلاحة في تونس:البنك العالمي يشخص المعوقات ويقدم الحلول « الجريدة »:الـ«BIAT» والاستقالة المنتظرة:صراع بين نويرة ومبروك ؟ جريدة الصباح:ينظمها المرصد الوطني للشباب:خبراء من تونس والخارج يضعون مشاغل الشبــاب على طاولــــة الدرس احميدة النيفر :الإسلاميون في الوطن العربيّ ومأزق الحضارة مرسل الكسيبي:تمجيد الماضي والتغني بالقوة والخضوع للمحور السوري الايراني توفيق المديني: رأي ودراسات  :لماذا يصر شيراك على التفاوض مع إيران؟

صحيفة الشرق :وزراء وجامعيون ومثقفون بصوت واحد:إلغاء فكرة المغاربية خسـارة لا مجال لتعويضها.. والاندماج ضرورة حيوية ومستقبلية


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


 

قناة الحوار التونسي (الكلمة الحرة ,قوام الوطن الحر)    برامج حصة يوم الأحد 28 جانفي 2007 تبث الحصة من الساعة السابعة إلى التاسعة مساء وتعاد يوم الأربعاء على نفس التوقيت. الأخبار:تقديم اياد الدهماني  متابعة لآخر الأحداث الاجتماعية والسياسية وللتحركات النضالية الميدانية. أخبار واقع  الحريات تغطية لأخر التطورات الاجتماعية تحركات اتحاد أصحاب الشهادات العليا المعطلين عن العمل موسيقي: راب تونسي تحقيق ميداني حول اعتصام عاملات وعمال :ساماك بتونس ريبورتاج حول أربعينية المناضل الاشتراكي التونسي واحد قيادات حركة آفاق التونسية الهادي سلامة فيلم :الصمت     قناة الحوار التونسي باريس في 28-01-2007

 


أكاذيب « مدنيّة »

 
الأكاذيب الواردة في البيان المنسوب لجمعيات تونسية  والمؤرخ في 26 جانفي/يناير 2007 ردّا على بيان فريق « مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس » دليل آخر على صحّة ما ورد في البيان الصادر عن فريق « أيفيكس » بتاريخ 19 جانفي 2007. يتأكّد بمراجعة البيان الصادر في 19 جانفي عن أيفيكس أنّ الجمعيات التونسية الوهمية الموقّعة على البيان لم تطّلع على ما كلّفت بالردّ عليه واكتفت بتشغيل الاسطوانة المعهودة. وأوهمت القارئ بما لا وجود له بالقول إنّ بيان أيفيكس تحدثت عن مواجهات مع متظاهرين مدنيّين. والغريب أنّ البيان يتحدّث بلهجة الواثق من نفسه. لقد اتهمت هذه الجمعيات المستكتبة أيفيكس بأنّها  » تتحدث عن بلد آخر غير تونس ». والأصحّ أنّ ادّعاءات هذه الجمعيات الواردة في بيانها تؤكّد أنّها هي التي « توجد في بلد آخر غير تونس ». وفي ما يلي مقارنة بين ما ورد في بيان « أيفيكس » وما نسب إليه في بيان الجمعيات الوهمية دون حياء.

بيان أيفيكس في 19 جانفي 2007

و قد أثار أعضاء المجموعة بعض الاهتمام حول ما تقوم به الحكومة التونسية من تعتيم حول الاشتباكات الدموية بين قوات الأمن و الجماعات المسلحة التي وقعت في نهاية ديسمبر 2006 و بدايات يناير 2007 في ضواحي جنوب تونس.

بيان الجمعيات التونسية     في 26 جانفي 2007

 نشجب بوصفنا جمعيات في المجتمع المدني التونسي الإدعاءات الغريبة جدا التي تضمنها هذا التصريح المؤرخ في 19 جانفي والتي زعمت فيه مجموعة أيفكس أنّ اشتباكات دامية جدّت بين أعوان الأمن ومجموعات مسلحة ومتظاهرين مدنيين في أواخر ديسمبر 2006 وأوائل جانفي 2007». ويبدو أن الأمور اختلطت على مجموعة أيفكس أو إنها كانت تتحدث عن بلد آخر غير تونس.

بيان أيفيكس بالفرنسية 19 جانفي

Les membres du TMG ont également exprimé leur inquiétude face à la  censure exercée par le gouvernement tunisien à l’occasion des altercations  meurtrières entre des agents de sécurité et groupes armés qui ont eu lieu fin  décembre 2006 et début janvier 2007 dans les banlieues du sud de Tunis بيان أيفيكس بالأنقليزية 19 جانفي TMG members also highlighted concerns about the Tunisian government’s censorship of deadly clashes between security forces and armed groups in the end of December 2006 and in early January 2007 in the Southern suburbs of Tunis . بيان الجمعيات التونسية بالفرنسية 26 جانفي Les associations de la société civile tunisienne tiennent, également, à dénoncer les allégations fantaisistes contenues dans cette déclaration du 19 janvier, faisant croire à  « des altercations meurtrières entre des agents de sécurité et groupes armés et des manifestants civils qui ont eu lieu fin décembre 2006 et début janvier 2007 ». L’IFEX-TMG doit certainement se tromper de pays. Les opérations de neutralisation du groupe terroriste armé de décembre et janvier dernier n’ont concerné aucun « manifestant civil »

 
مراسلة خاصة
 

بـــرقـية
لقد علمنا بنبأ وفاة المناضل الديمقراطي السيد الطيب الفقيه اثر نوبة قلبية فجر يوم الخميس 24/01/2007 وكغيرنا من مكونات الساحة الديمقراطية التقدمية في تونس صعقنا بهذا الخبر لما يمثله من خسارة حقيقية ليست فقط لعائلته أو لأصدقائه وإنما للحركة الديمقراطية عموما لما تميز به هذا المناضل من عطاء مستمر طيلة حياته و منذ تجربته التلمذية وداخل الحركة الطلابية ثم في الحركة اليسارية والتقدمية والقومية. وإننا بالمناسبة نتوجه بتعازينا الحارة لعائلة الفقيد ونتمنى لهم ولنا جميعا الصبر و السلوان. فهنالك من قضى وهو على قيد الحياة وهنالك من رحل لكنه سيضل إلى الأبد في القلب و الذاكرة. النقابيون الراديكاليون دائرة الاعلام

وزير الشئون الدينية التونسي:

لم نتصادم مع النص الديني بشأن اللبس

 
تونس (26 كانون الثاني/يناير) وكالة (أكي) الإيطالية للأنباء – أكد وزير الشؤون الدينية التونسي أن بلاده « لم تتصادم مع النص الديني إطلاقا في مسألة اللباس الطائفي ولها في أزيائها التقليدية خير رد على أولئك الذين يمتطون الزى الطائفي حجة لتمرير أغراض سياسية ». ودعا أبو بكر الأخزوري، في محاضرة ألقاها ظهر اليوم الجمعة بتونس بعنوان (تطور الخطاب الديني في تونس المقومات والأبعاد) إلى أن « ينتزع الإعلام الديني حيزا كبيرا لتنوير العقول حتى يتصدى لسهام الفضائيات التي تبث أفكارا الرجعية وتسلب وجدان الأجيال الصاعدة لتقودهم إلى منابع الظلامية والتحجر والانغلاق ». وأكد أن « الحوار والانفتاح على الآخر واحترام حق الاختلاف تعد أسس الهوية المتحركة الرافضة لمنطق التزمت والانجذاب إلى الماضي »، مضيفا « أن الدين الإسلامي نادى دوما بمثل هذا التفتح ». كما شدد الأخزوري على أهمية أن » يعمل الخطاب الديني على التسويق للقيم الإسلامية النبيلة، وأن يحض على امتلاك أسباب القوة والعلم والمعرفة، وأن يمتلك مقدرة مخاطبة العقل والوجدان معا بما يكسبه صدى طيبا لدى المتقبلين » . من جهة أخرى، أعلن الوزير التونسي أن وزارته تعمل حاليا على استحداث أساليب لـ »تطوير » الخطاب الديني ولتقريبه أكثر إلى الناس. (المصدر: وكالة (أكي) الإيطالية للأنباء بتاريخ 26 جانفي 2007) الرابط: http://www.adnki.com/index_2Level_Arab.php?cat=Religion&loid=8.0.380380784&par=0


وزراء الداخلية العرب برنامج موحد لمكافحة الإرهاب ؟

 
بقلم جمال العرفاوي  من المفترض أن تكون قد انطلقت أمس الجمعة (26 جانفي 2007، التحرير) الاجتماعات التحضيرية للدورة الرابعة والعشرون لمجلس وزراء الداخلية العرب التي ستنطلق أعمالها يوم الثلاثاء القادم بالعاصمة التونسية. ووفقا للبيان الصادر عن المكتب الإعلامي للمجلس وتلقت « الجريدة » نسخة منه فان جدول أعمال المجلس سيتضمن خمسة بنود وهي : – الاستراتيجية الأمنية العربية. – الاستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية. – الاستراتيجية العربية للسلامة المرورية. –  الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب. ومن المنتظر أن تناقش الدورة الحالية ولأول مرة البرنامج التدريبي النموذجي الموحد حول سبل وأساليب مكافحة الإرهاب التي أعدتها لجنة تابعة لمجلس وزراء الداخلية العرب خلال شهر جوان الماضي ويتضمن هذا البرنامج خمسة عشر بندا وهي التالية : 1- أبعاد ظاهرة الإرهاب وصورها المعاصرة وأساليب مواجهتها الاستخباراتية. 2- أبعاد الظواهر الإجرامية المرتبطة بالإرهاب. 3- أساليب مكافحة الإرهاب والمهارات الميدانية. 4- طرق حماية الشخصيات الهامة من العمليات الإرهابية. 5- طرق تامين المنشات الاستراتيجية والحيوية والهامة ضد العمليات الإرهابية التخريبية. 6- منظومة إدارة الأزمات في الأحداث الإرهابية. 7- فن التفاوض. 8- الأمن الفكري. 9- التحري عن الخلايا الإرهابية ومراقبتها. 10- مكافحة مصادر دعم وتمويل الإرهاب. 11- الأمن الجوي والبحري وتأمين المنافذ. 12- تأمين المؤتمرات. 13- المتفجرات والشراك الخداعية. 14- مسرح الجريمة. 15-التحقيق في جرائم الإرهاب. ويتوقع أن يكون للوزراء المغاربة لقاء على هامش الدورة وذلك للتباحث في المستجدات الأخيرة التي عرفتها المنطقة المغاربية إذ هذه الدورة تزامنت وارتفاع تحذيرات العديد من الخبراء من تنامي ظاهرة الإرهاب وانتقاله للمنطقة المغاربية. وخلال الأسبوع الماضي اعترف يزيد الزرهوني وزير الداخلية الجزائري بوجود علاقات بين الجماعة السلفية للدعوة والقتال ومجموعة إرهابية بتونس سيطر عليها الأمن التونسي بعد أكثر من أسبوع من المطاردات وانتهت بمقتل 12 عنصرا وإلقاء القبض على 15. وكشف وزير الداخلية التونسي في حينه أن ستة أعضاء من المجموعة قدموا من الجزائر ومن بينهم موريطاني واحد. ويتفق العديد من المتخصصين في الجماعات الإسلامية أن الايقافات الأمنية التي شملت العديد من الإسلاميين في الآونة الأخيرة في العديد من البلدان المغاربية تشير إلى أن بذور قيام تنظيم مغاربي حليف لتنظيم القاعدة بدأت تطفو على السطح. (المصدر: « الجريدة » (أسبوعية اليكترونية – تونس)، العدد 59 بتاريخ 27 جانفي 2007) الرابط:  http://www.gplcom.com/journal/arabe/article.php?article=1374&gpl=59

 

الأمم المتحدة تشيد بتبرع تونسي ‘تاريخي’ لمساعدة الفقراء

 تونس – قدس برس – رحب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأول تبرع تقدمت به الحكومة التونسية منذ عام 1997، من أجل تقديم يد العون إلى الفقراء حول العالم، وهو تبرع وصفه برنامج الأمم المتحدة بالـ »التاريخي ». وأفاد بيان لبنامج الأغذية العالمي أن تونس تبرعت بمبلغ قدره 100 ألف دولار إلى برنامج الأغذية دون أي شروط. وتستهدف معظم التبرعات التي يتلقاها البرنامج ومنظمات الإغاثة الإنسانية الأخرى مشاريع أو بلدان بعينها ولكن التبرعات التونسية بحسب البيان، غير محددة بمكان معين مما يمكّن البرنامج من أن يستخدم تلك الأموال في أي مشروع يواجه عجزا في الموارد المالية، معربا عن أمله في أن يكون هذا التبرع بمثابة بداية شراكة مستمرة مع تونس. ونقل بيان برنامج الغذاء العالمي عن عبد الوهاب عبد الله وزير الخارجية التونسي، قوله « نحن نأمل أن تقدم مساهمتنا دعما إضافيا للبرنامج حتى يتمكن من الاستجابة للحالات المختلفة التي تتطلب تدخله الفوري، ولاسيما في تلك المجتمعات التي لا تحظى بالرعاية الكافية والتي تنتمي لأكثر المناطق ضعفا على كوكبنا ». ومن جهته قال نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي جان جاك غريسي « من الرائع أن نجد دول تنضم إلى قائمة المانحين من أجل مساعدة الفقراء الجوعى، ولكن التبرعات التونسية هامة أيضا وذلك لأن التبرعات النقدية تعزز من قدرتنا على التحرك بشكل أسرع حيثما تظهر لدينا مهمة جديدة، ولنأمل أن نوطد هذه العلاقة قريبا ». وقال موقع برنامج الغذاء العالمي الإلكتروني إن البرنامج وهو أكبر منظمة للشئون الإنسانية في العالم، يعتمد بشكل كامل على التبرعات الطوعية من الدول والشركات والأفراد. وفي العام الماضي، جمع البرنامج ما يزيد على 3 مليارات دولار من الجهات المانحة، من الحكومات بصفة أساسية، من أجل توفير مساعدات غذائية لنحو 100 مليون فقير حول العالم. (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (لندن) بتاريخ 27 جانفي 2007)


 

النداء العاجل من أجل هذا الوطن الجريح

فخرى شليق/ لاهاي هولندا

 

         إلى تجمع 18 أكتوبر و مبادرة الدكتور المنصفالمرزوقي مرورا بكل المبادرات

 الوطنية وناشطي الجمعيات الحقوقية وأصحاب المدونات الالكترونية التونسية

 

يمر وطننا الحبيب بمرحلة دقيقة ومحنة عصيبة ونطقت الأحداث الأخيرة التي جرت على أرضه بالكلام المباح والغير المباح فأربكت الجميع ودفعتهم إلى الاسهاب في السجالات المعقدة من أجل استجلاء الحقيقة ومعرفة السينريوهات الدقيقة لما حدث حتي يتسني للجميع اتخاذ الموقف المناسب والتحرك عبر الممكنات المتاحة لمحاصرة هذا الانفلات الذي يقود باتجاه الحسم في الصراع بين السلطة والمجتمع عبر القوة مما يترتب عليه السقوط في أتون المواجهات المفتوحة والتي لا تقود إلا إلى تأزيم الواقع واستنزاف الطاقات والارتهان إلى التجاذبات الدولية المتسمة بالوحشية وجنون الغطرسة والاستعلاء ووراء هذه المبررات والمخاوف تمترست أغلب البيانات المنددة بالحدث.

 

غير أن المتتبع للتفاعلات الاعلامية للحدث من بيانات وتصريحات ومواقف يشعر بمراوحة المعارضة مكانها وعدم خروجها عن المؤلوف في التعاطي مع الأحداث وأكتفت بتكرار مواقفها التي حفظها القاسي والداني من تنديد باختيار العنف كمنهج للتغيير وإدانة السلطة في اصرارها على الهروب إلى الأمام وانحيازها إلى الخيارات الأمنية في التعاطي مع المخالفين وانفراد منهجها بلغة العصا الغليظة في تركيع المعارضة واجبارها إما الدخول تحت العباءة أو تجرع مرارة الاقصاء والتنكيل والتيهان في المنافي والأمصار.

 

والحقيقة أن الآمال كانت أكبر من ذلك وكان الاعتقاد جازما أن هذه المعارضة الطلائعية ستنتفظ بسرعة البرق من أجل انقاظ الوطن من امكانية انحداره إلى الاقتتال الداخلي واجبار السلطة على مراجعة منهجها الذي قاد إلى الافلاس ودفع بفئات من المجتمع على الانتفاض والانتقام ممن ضيق عليها الخناق وحاصرها في أدق شؤونها الخاصة.. ذلك أن اللحظة التاريخية التي يعيشها الوطن محددة لما هو آت وممسكة بمآلات التداعيات المترتبة عن ما جرى في المدة الأخيرة.. فبقاء المعارضة الجادة مخدرة بترف النضال الاعلامي و المناوشة بالبيانات السياسية الممجوجة ترسم صورة حزينة لواقع هذه المعارضة التي تجود من ضعفها بعناصر القوة لسلطة تتمعش من تشتت الأطياف السياسية وانشغالها بنرجسية مصالحها الداخلية مما جعل هذه السلطة تتمادى في استخفافها بكامل مكونات المجتمع وعدم اكتراثها بحجم الضغوطات المسلطة عليها قناعة منها بعدم وجود من  ينافسها من هذه الأطياف السياسية ولا من هو بإمكانه الارتقاء إلى ذلك حتي يدفعها إلى مراجعة   حساباتها والاعتبار قبل فوات الأوان. 

 وأحسب أن بالامكان تدارك هذا التراخي والانشداه وضخ الدماء الساخنة في العروق وإحداث الحركية المطلوبة عبر تفعيل الآليات والخروج من صالونات طبخ الأفكار ومعانقة الواقع عبر  النضال الميداني ورص الصفوف وجمع الكلمة على برامج مشتركة تلتقي حولها أغلب الأطياف السياسية والحقوقية دون حسابات ضيقة تذهب بحق الوطن في الانعتاق الاستقرار والحرية.     

    

 فأولى النداءات إلى جبهة 18 أكتوبر: التي أغرقت رجالاتها وطاقاتها الحيوية في سجالات فكرية تهدف إلى رسم ملامح المجتمع المستقبلي وحسم الخلافات الفكرية من أجل بناء شراكة نضالية تأمن لكل طرف مصالحه في التعبير عن نفسه وحيازة موقع يدافع به عن وجوده إذا تهددته المتغيرات والتقلبات الاجتماعية بعد سقوط الدكتاتورية.. ونحن إذ لا نختلف في أحقية كل طرف بذلك ولكن دون الانشغال عن واجب الدفاع عن هذا الشعب وهو في أمس الحاجة إلى تدخلاتكم ونضالاتكم الجماعية ودون السكوت عن حملات الاعتقال وما يصحبها من تجاوزات خطيرة تصل إلى حد التنكيل بالمخطوفين من ابناء الشعب حتي الموت… فمن غير المعقول أن تتعالى أصوات المستضعفين من أبناء شعبنا بطلب النجدة وتستغيثكم العائلات المقهورة في سجنها الكبير وأنتم تغلقون أبوابكم في انغماس مريب لتمارسوا ترفكم الفكري والسياسي.. فيشبه حالكم حال البزنطيين العدو يحاصر أسوارهم وهم غارقون في الحوار الفكري.. هل المرأة بها روح؟ أم ليس بها روح؟ ومعذرة على التشبيه وأحسب انكم أرقي من ذلك.. ومن أهم المقترحات المطروحة هو تفريغ بعض الطاقات المختصة لحسم الحوارات الفكرية وانشغال الباقي من الفعاليات في النضال الميداني الحقوقي.     

 

أما الثانية من النداءات فإلى الدكتور منصف المرزوقي: الذي أستحثه إلى مزيد من المرونة من أجل أن تلتقي مبادرته مع مراكمات المبادرات السابقة وردم الهوة التي بينه وبين الأطراف الأخرى وفسح المجال مجددا أمام حوار مستفيض يجمع الكلمة ويوحدها ويدفع العجلة باتجاه رص الصفوف والاستفادة من كل كدح نضالي يصب في مصلحة الوطن وهذا الشعب المضطهد.                             

أما الثالثة فإلى الشخصيات الوطنية: والتي لا أرغب أن أسميها بأسمائها لكي أترك لها فرصة التحرك المثمر من أجل هذا الوطن ومن أجل الأجيال القادمة التي لها علينا حق الاجتهاد في تأمين السلم الاجتماعية وخدمة الأهداف الوطنية التي تحقق الرخاء وتضمن التداول السلمي على السلطة ليحسوا بمعني الحرية وطعم الممارسة الديموقراطية.. ولعل صفة الاستقلالية  وغيرتكم على هذا الوطن تمنحكم الفرصة الأكبر في جمع الكلمة وردم الهوة وقيادة المبادرات الجادة لانقاذ هذا الوطن.

 

أما الرابعة فلنشطاء الجمعيات الحقوقية: وأسماؤهم كثيرة الذين أبهرونا بنوعية تحركاتهم إبان ملحمة 18 أكتوبر وأثبتوا قدرة فائقة في انتاج الأفكار النضالية والتي سمحت بمخاطبة المجتمع السياسي الغربي وأجبرت الصحافة المكتوبة والمرئية على متابعة التحركات وتغطيتها ونحن إذ نثمن ذلك فإننا نستغرب أمر هذا الركود ونطرح أسئلة حارقة  كيف؟ ومتي؟ ترى نضالاتكم النور من جديد من أجل المئات من المساجين من شباب تونس العزيزة فكل مسجون مضطهد من طرف السلطة من واجبنا الدفاع عنه مهما كانت تهمه الملفقة من طرف السلطة.                                                        

 

أما الخامسة فلأصحاب المدونات الذين لا يدخرون جهدا في تجلية الواقع التونسي وفضح ممارسات السلطة والدفاع عن حقوق المستضعفين والمظلومين  ونحسب أن دورهم في الحث على إنشاء التكتلات الوطنية وجمع كلمة الفرقاء مهم جدا وفتح صفحاتهم لكل المبادرات البناءة التي تهدف إلى  رص الصفوف في مواجهة المخاطر التي تهدد الوطن مهما كان مأتاها ونتمني أن نرى على صفحاتهم صوت كل الأطياف وتنوع مشاربهم  ليمثلوا الخييمة التي يستظل تحتها كل صوت حر.           

إن التقاء كل هذه المكونات .. هيئة 18 أكتوبر أصحاب مبادرة الدكتور المرزوقي ناشطي الجمعيات الحقوقية أصحاب المدونات وغيرها من المنشغلين بالهم الوطني على صعيد واحد من التحركات وفتح المجال أمام مبادرات العمل المشترك سوف يدفع عجلة التغيير إلى الأمام ونحسب أن واقع البلاد يدعونا إلى المسارعة في رص الصفوف وتنويع التحركات وتشجيع اللامركزية في العمل الحقوقي حيث تتوسع دائرة المشاركة والاستفادة من كل الطاقات المنتشرة عبر التراب الأوروبي لصناعة ملحمة نضالية تجبر أرباب السلطة على الرضوخ إلى مائدة الحوار من أجل مصلحة الوطن أو الذهاب إلى الجحيم غير مأسوف عليها.

 

ودون ذلك من الكدح المتوجب علينا سنصبح متاجرين بعذابات الوطن ونخب منبتة عن هموم شعبها ومتمعشين من ويلات المستضعفين الذين تحرقهم سياط الجلادين وقد لا يغفر لنا هذا الشعب الأبي تقصيرنا وعجزنا حينما يحين وقت الحساب فتتيبس الكلمات في أفواهنا ولا نجد لتقصيرنا تبريرا فهل يحق لنا وقتها أن نلتمس إمكانية المشاركة في قيادة دواليبه.. حتما ستكون الإجابة وقتها قاسية ومخزية… فمن تقاعس اليوم في الدفاع عن هذا الوطن تحت أي لافة من لافتات التبرير فإن التاريخ لا يرحم… ومن لا يرحم نفسه فإن التاريخ لا يرحمه.

 

فخرى شليق/ لاهاي هولندا

Fakhri_chellig@hotmail.com 

Telf nr: 0031707786039

 


           خاص بالحوار نت  

        بالحوار نت:   حوار مع المناضل لسعد الجوهري شقيق الشهيد سحنون الجوهري

        بمناسبة الذكرى الثانية عشر لاستشهاده في سجون تونس

حاوره الهادي بريك – ألمانيا

نص الحوار :

الحوار نت :  مرحبا بك أستاذ لسعد ضيفا كريما على موقعنا شاكرين لك فضلك بقبولك إجراء حديث معنا بمناسبة الذكرى الثانية عشر لاستشهاد شقيقك سحنون عليه رحمة الله تعالى.

الجواب :

السلام عليكم.

السلام على أرواح شهدائنا.

السلام على الأسود في قيدها.

السلام على الخلص من الرجال.

أبدأ بتحية هذه اللفتة الكريمة إلى الشهداء فينا من ارتحل منهم و من ينتظر.

                        عش في الأرض شريفــــــــــــا                     من غدا في الناس حــــــــــــــــــــــرا

                        و يرى بالصبر حلــــــــــــــــوا                      ما يراه الغيــر مـــــــــــــــــــــــــــرا

الحوار نت : هل يمكن للقراء أن يتعرفوا على عائلة الشهيد سحنون؟ من هم أبناؤه و كم أعمارهم و بماذا يشتغلون و غير ذلك من المعطيات التي يعسر أن تتوفر لغيرك؟

الجواب : إرتحل الشهيد عن عمر يناهز 41 سنة و ثلاثة أشهر و خمسة أيام . و ترك خلفه أرملة و ثلاثة أبناء كان عمرهم يوم ارتحاله (11 سنة ،8 سنوات ،و صغيرهم 6 سنوات ) و قد اشتد عودهم اليوم بفضل من الله و منة.

– عطاء الله 23 سنة طالب بالسنة النهائية.

– أمان الله 19سنة طالب بالسنة الأولى .

ـ سلسبيل 17 سنة تلميذة باكلوريا.

الحوار نت :هل يمكن لك أن تصف لنا حالة التضامن مع أسرة الشهيد بعد استشهاده؟

الجواب : عن أي تضامن تتحدث؟ عن القريب أم عمن  يدعون أنهم  رفاق درب؟

أظنك تنسج من أمانيك. فالشهداء و عائلاتهم لهم الله أولا و آخرا. أما عن الرفاق فالفاضل فيهم يذكرهم بالدعاء و الرحمة إذا ما عرض لذكرهم. أما  سماسرة « السياسة » مثلهم مثل غيرهم يذرفون دموع التماسيح في حضرة الرجال الحافظين للعهد و إذا ما انصرفوا رأيتهم يتهامسون : كيف التخلص من هذا الإرث الثقيل و لا عجب.

أضرب لك بعض الأمثلة حتى تفهم:

1-     أحدهم سكت دهرا و نطق قهرا.

ففي سعيه الدؤوب للخلاص الفردي لترضية الجهات الأمنية المبتزة صرح في معرض حديثه عن المحنة داعيا إخوانه إلى  » عفو القلوب « .

فماذا تقول للأرامل و الأيتام. نسيت أنك لست في حاجة أن تقول لهم شيئا و أنت الذي امتنعت عن زيارة العائلات و مواساتهم بدعوى أنه ليست لك صفة؟

2-     أحد المحامين ضغط على زميله كي لا يتقدم بدعوى ضد الداخلية على النفقة الشخصية لأسرة الشهيد و أن يجيبهم بالتسويف حتى انقضى الأجل القانوني (10 سنوات من تاريخ حفظ القضية ).

3-     أخرون أقعدهم عجزهم فقاموا بمراسلة …… معتبرين شهداءنا   » قتلى « . فمن القاتل ياترى ؟ هل يرجى بهذا وجه الله ؟ لست أدري.

فإن كان هذا فعل القريب فماذا ينتظر من غيره و حال أغلب عائلات الشهداء متشابهة ؟

أعن هذا التضامن تتحدث ؟ فأين ارتحل الرجال ؟

أما عن المجتمع فهو طيب مرهف الإحساس كما عهدناه حافظا للخير و لكن قلوبهم معك و…

و كذلك حالة المكر السيئ التي يكيد بها قاتل الشهيد عليكم.

ماذا تنتظر من العدو و الخصم ؟ إذا كان هذا ما نلقاه من  » الصديق « .

فبعد حرمان شهيدنا من الإسعاف و الرعاية الطبية الضرورية حيث ترك ينزف لما يزيد عن الخمس ساعات إلى أن صعدت رو حه إلى ربها شاكية ظلم العباد …

و لكن أضرب لك بعض الأمثلة عن مكر الطاغية و أعوانه:

1- فبعد حرمان زوجته من زيارته في السجن بعدم تمكينها من بطاقة تعريف وطنية استمر الحرمان من بطاقتها بعدة سنوات بعد استشهاده.

2- رغم مراسلاتها العديدة لرئيس السلطة من أجل تمكينها من حقها في العمل كطبيبة بالصحة العمومية لم تتلق إلا ردا يتيما عن طريق وزير الصحة يعلمها بأن باب الانتدابات اغلق و يعدها بأنه سيولي أولوية لمطلبها إذا مافتح الباب لاحقا و ذلك منذ سنة 2000. أتصدق هذا الادعاء؟ ألم يكن أولى بالوزير أن يقولها صراحة  » إعتراض الجهات الأمنية « ؟.

3- الإدرة العامة للسجون ترفض تمكين العائلة من شهادة إيقاف باسم الشهيد حتى يتسنى لها تسوية ملف المنحة العائلية لدى الصناديق الإجتماعية (CNSS et  CNRPS  ).

4- وزير التعليم العالي يحرم أبناء الشهيد من حقهم في المنحة الجامعية.

5- أرملة الشهيد محرومة من جواز السفر إلى حد هذا اليوم.

6- أغرب ما حدث : حجب دار الصباح نشر رسالة عائلية مرفوقة بصورة للشهيد إحياءا للذكرى السادسة.

فهل لديك ما تضيف؟ و هذا سار على كل عائلات الشهداء.

الحوار نت:  كيف تحيي عائلة الشهيد ذكرى استشهاده في كل عام ؟

الجواب : دأبت العائلة على إحياء الذكرى سنويا و ذلك بالاجتماع حول مرقد الشهيد للدعاء و التذاكر و قليلا ما حضر بعض الأصدقاء.

 الحوار نت : هل سنحت الظروف الأمنية القاسية التي تعيشها البلاد منذ عقدين كاملين بجعل ذكرى استشهاد سحنون عليه رحمة الله سبحانه ملكا لقطاعات واسعة من الشعب سيما من إخوان دربه على كل السكك التي سلكها الشهيد من مثل :الحركة الاسلامية و الرابطة التونسية لحقوق الانسان و زملاء المهنة (أساتذة تربية إسلامية بالمعاهد الثانوية)؟

الجواب : عندما تتدخل السلطة الأمنية لمنع نشر تحية لذكراه في إحدى الصحف و تذهب بعيدا في توبيخ رئيس تحريرها و لا ينزعج هذا الاخير من المحضر الذي حبر في شأن  العدل المنفذ لامتناعه عن نشر إعلان قبض ثمنه تفهم مدى حساسية الموضوع.

أما من ترجو استفاقتهم فالتقاعس صفة غالبة عند بعضهم. لقد أسمعت لو ناديت حيا …..

الحوار نت: هل تشعر عائلة الشهيد بأنها على طريق الوفاء بوصيته المفهومة حتى لو حالت ظروف سجنه و قتله دون النطق بها و ذلك من مثل الثبات على الحق في كل المواقف مهما كانت دمدمة العواصف من حولكم؟

الجواب : لم يعد بين أشبالنا صغير. فقد شبوا عن الطوق. كبروا و كبر معهم همهم ووعيهم و الأمل في عدالة من الجلاد يوما يوطنهم على الصبر وفاءا للذاكرة و سيرا على نهج النبوة الصادقة عسى الله أن يجمعنا في موكب الشهداء.

 توارثت أشبالنا التضحية و الوفاء خدمة للأسمى و هذا قدرنا و قدرهم أن نحترق مثل الشموع كي نضيئ بدمائنا درب الخيار العابرين إلى شاطئ الأمان شاطئ الحريّة.

شعارهم : لا يحقد إلاّ عاجز أو جبان.  دأبهم : عش عزيزا …

الحور .نت : و هل ترك الشهيد وصيّة أخرى؟

الجواب :  قد أفاجئك . إذ لم يكن لشهيدنا وصيّة في أسرة و لا همّ سوى انشغاله الدائم بعائلة الشهيد : سيّد شهدائنا عبد الرؤوف العريبي إذ تعهّد بأن يخلفه فيهم حتى اللقاء يوم الأجر و الجزاء.

أنجـز حرّ ما وعـد

نرجو من الله أن يجمعهما في الآخرة كما اجتمعا في الدنيا.

الحوار نت :  هل لك أو لعائلة الشهيد كلمة أخيرة تتوجّه بها إلى قتلته أو إلى الذين يحملون قضيّة سحنون (الإسلام و الحريّة) من بعده أو إلى طرف آخر؟

الجواب : كلمة قبل الأخيرة :

1-     إنّ دماء الشهداء و أعراض الثكلى و كرامة الأيتام خطّ فاصل بين الجدّ و اللعب.

2-      إنّ كل أشبال الشهداء يرقبون يوما يعاد لهم فيه الإعتبار فلا تقطعوا أملهم و لا تفرّطوا في حقوقهم.

3-     بالتونسي  « يا ظالم ليك يوم « .

كلمة أخيرة:

سبق أن أطلقت دعوى عبر إحدى الصحف  لتشكيل لجنة وطنيّة للحقيقة و المصالحة من أجل الوقوف على حقيقة ما حدث حتى لا تتكرّر المأساة و تزول الحصانات و تنقشع المغالطات و يعرف كلّ منّا ما له و ما عليه.  تعرّضت على إثرها إلى حملة شرسة من القريب قبل البعيد فها أنا ذا أدعوكم من جديد إلى التفكير في أمر يصلح به حالنا و مستقبل أجيالنا عوضا عن اللهاث وراء السراب (سلطان،غرب،18 أكتوبر و يسار..) فحال هؤلاء يقول لكم : لو خرجت من جلدك ما عرفتك و أنا أقول : ما حكّ جلدك مثل ظفرك.

طرفة أسوقها لمن كان له عقل :

توهّمت دجاجة أنّ هناك ديكا يغازلها فأخذت تتساءل :  هل يرغب فيها أم لا و هي تنزع ريشها الواحدة تلو الأخرى إلى أن انتبهت للفح البرد بعد أن استغرب الديك من  صنيعها و اشمأزّ من منظرها. فلا تكونوا دجاجا.

شكرا على رحابة صدركم.  

الحوار . نت : شكرا جزيلا للمناضل لسعد الجوهري على ما أولانا به من حوار صريح سائلين المولى الكريم ولي النعمة سبحانه أن يمن على بلادنا وسائر بلاد المسلمين بشآبيب رحمة تندمل فيها جراحات المعذبين فيتحرر سجين وطريد ويشبع جائع ويأمن خائف وتحتضن أرضنا أهلها من جديد.

(المصدر: موقع الحوار . نت  بتاريخ 27 جانفي 2007)


 
 

المزيد من السذاجة و الإنكار

 (في سياق التعليق على تعقيب عبد الرؤوف العيادي)

 

الطاهر الأسود—باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية

laswadtaher@yahoo.com

 

ربما لا يستحق النص القصير الذي كتبه السيد العيادي مؤخرا (للرد على أحد مقالاتي) تعليقا مطولا. و لكن أعتقد أن هذه مناسبة لإبراز الى أي حد لا يعتني بعض السياسيين في تونس بما يكتبون و الى أي حد يمكن لهم أن يغرقوا في الارتجال و الردود السياسوية. كما أن هذه مناسبة على ما أعتقد لإعادة تحريك موضوع المواجهات الأخيرة و التي لا يزال يتعامل معها الطيف الأوسع من الساحة السياسية (سلطة  و معارضة) بصمت و رغبة في النسيان و تهميش ما جرى ثم و خاصة بالإصرار على عدم الاعتراف بالفشل في توقع بروز تيار السلفية الجهادية و في تقييم جدي للمعاني السياسية العميقة للـ »الصحوة الدينية » التي تعيشها تونس منذ نهاية التسعينات. مرة أخرى علي أن ألاحظ أن السذاجة و حالة الإنكار لازالت السمة الأبرز في غالبية ردود الأفعال و أن أهم المؤشرات على ذلك هو حرص الغالبية على المضي مجددا في روتين « العمل السياسي » السائد: مزيد من الاعتقالات العشوائية و من البروباغندا من جهة السلطة و التي تحمل الجميع المسؤولية باستثناء ذاتها على الأقل على المستوى العلني و على مستوى الممارسة حتى هذه اللحظة، و مزيد من البيانات الحقوقية و الكلام السياسوي و المناورة من قبل المعارضة. الأكثر من ذلك، كما هو حال السيد العيادي، لا يتم الاكتفاء بالروتين المعتاد و مزيد الانغماس في السذاجة بل يتم نعت من يصف الأشياء بمسمياتها بـ »التسرع » و « العقائدية ». و في الحقيقة هناك مكان وسط ممكن: حيث الى جانب الدفاع عن حق الجميع بما في ذلك المتهمين تعسفا بالانتماء للسلفية الجهادية أو السلفيين الجهاديين في محاكمات عادلة يمكن التنديد بممارسات الأخيرين على أنها إرهابية و هو الأمر الحاصل في المغرب الأقصى مثلا. حيث يجب الفصل بين الممارسة الحقوقية و الممارسة السياسية ولا يمكن الإحجام عن القيام بالثانية بدعوى حماية ظروف الأولى. و لكن الخلط بينهما يبقى المرض الطفولي لطيف واسع من المعارضة التونسية.  

 

سأتعرض هنا الى النقاط التالية:

أولا، عرض النقاط التي ركز عليها السيد العيادي في تعقيبه.

ثانيا، التذكير بالفقرة التي تعرضت فيها لمواقف السيد العيادي في مقال سابق و التي يبدو أنها استدعت تعقيبه.

ثالثا، تعليق على تعقيب السيد العيادي حسب ترتيب النقاط التي عرضها في تعقيبه.

رابعا، ملاحظات أخيرة.

 

1

كتب السيد عبد الرؤوف العيادي (« تعقيب على مقال الطاهر الأسود » تونسنيوز 23 جانفي 2007) يرد على مقال أخير كتبته حيث يصفني بما يلي: « واعظ عقائدي ، جعل لنفسه وصاية فكرية على الأمّة وهو بدل أن يحاول فهم ما يجري يسارع إلى تقويم الأحداث بقوالبه العقائدية دون تمحيص و تدقيق شأن ما كتبه الطاهر الأسود الذي قرن اسمه بصفة الباحث« . و قد برر هذا التوصيف بعدد من المآخذ التي كان علي أن أعيد تنظيمها و تقديمها للقارئ و هي كالتالي:

 

1- أنني كنت « متسرعا » و لم أقدم أدلة من « الداخل » (عوض الأدلة التي قدمتها و هي  من « الخارج ») و أدلة من « الخاص » (و ليس كما فعلت من « العام ») تشير الى أن « الظاهرة السلفية في تونس » هي من « جنس تيار الفتنة الأهلية » و هو ما يصب في إطار « الموقف العقائدي » و ليس « الموقف العلمي » و من ثمة لا يوجد هناك داعي لكي أقرن اسمي بـ »صفة الباحث »:  » و الواضح أن المواقف المسبقة قد أدّت بصاحبنا إلى خلع وصائف متسرعة من جنس  » تيّار الفتنة الأهلية  » دون تأييد حكمه بأدلة خاصة بالظاهرة التي تعرف  » بالسلفيّة  » في تونس ، و إنما كان المنهج الإكتفاء بالعام دون الخاص و بما هو خارجي على حساب ما هو داخلي وهو ما جعل السيّد الأسود يخرج عن إطار البحث الجدّي و الموضوعي إلى إسقاط أحكامه و شتان بين الموقف العلمي و الموقف العقائدي « 

 

2- أنني استعملت مصطلح الارهاب بشكل غامض مما يعكس عدم أخذي بعين الاعتبار الخلط الذي يمكن أن يثيره البعض بين المقاومة و الارهاب: « و لسائل أن يسأل السيّد الأسود ما هو تعريفك  » للإرهاب  » إذ من المعلوم أن تلك الظاهرة ليس محلّ إجماع في تعريفها بل أن كلّ جهة تحاول أن تعرفها طبق معايير تتفق و خياراتها السياسية بما أثار جدلا حول الخلط بين الإرهاب و المقاومة و إرهاب الجماعات و إرهاب الدولة« 

 

 

3- أنني أيضا كنت غامضا (« لم يحدد المقصود ») أيضا عندما تحدثت عن تيار الفتنة الأهلية خاصة و أن السيد العيادي يعتبر أن السلطة السياسية في تونس تصلح للاتصاف بذلك ربما أكثر من غيرها  (« فتنة بوليسية ») و هو ما يعني أن استعمالي لهذا المصطلح لا يعكس أن لي موقفا من ممارسات السلطة و أنني لا أحملها المسؤولية فيما وقع:  » أمّا عن  » الفتنة  الأهلية  » فإن هذا المصطلح هو أيضا لم يحددّ المقصود به تحديدا فإذا كانت الفتنة تعني فيما تعنيه الدعوة إلى المواجهة العنيفة فإننا فعلا نعيش فتنة بوليسية بمعنى هجمة بوليسية على المجتمع المدني و السياسي بتونس منذ حوالي عشرين سنة …« 

 

4- أنني على ما يبدو أقع في الخلط السائد (« و هو أمر قائم ») بين الجهاد و الارهاب أو السلفية و الارهاب و يرى السيد العيادي أن ذلك تحديدا ما تقوم بها الأجهزة الأمنية في تونس في محاضر بحثها مع المعتقلين الجدد على أساس « قانون مكافحة الارهاب »:  » أمّا عن تشويه الجهاد و قرن السلفية بالإرهاب فهذا أمر قائم و لا جدال فيه إذ أن من هم محالون بموجب قانون مكافحة  » الإرهاب  » لا ينتمون إلى تنظيم معين ، و إن كــــــــــانت الأبحاث تجري بتهمة الإنتماء إلى  » تنظيم إرهابي  » إذ أن قراءة المحاضر أو ما تسمى كذلك « 

 

5- أنني لا أعرف معنى « السلفية » و لهذا يضطر السيد العيادي (لكي أعرفها) للاستشهاد بمقتطفات من أحد مؤلفات محمد عمارة حيث تتم الاشارة بالمناسبة مرتين لمؤسس المذهب « بن حنبعل »(!):  » و السلفية هي كما ورد في مؤلف الدكتور محمد عمارة  » تيارات الفكر الإسلامي  » هي المذهب الذي وضعه أبو عبد الله أحمد بن حنبعل ، إذ جاء بالصفحة 137 ما يلي :  » و لقد صاغ حنبعل منهج السلفية النصوص الذي يأخذ الإسلام أصولا و فروعا من النصوص و المأثورات و ذلك في مواجهته منهج المتكلمي المعتزلة الذي كان للعقل و التأويل شــــــــــــــــأن عظيم في المنهج الذي أخذوا بواسطته الإسلام .. » كما جاء في آخر الفصل المتعلق بالسلفية قوله :  » على أن أكثر مدارس الحركة السلفية خطرا و عـــظمة و أثرا – في العصر الحديث – كانت تلك التي قادها جمال الدين الأفغاني و الإمام محمد عبده.. و التي كان من أعلامها عبد الرحمان الكواكبي ..و عبد الحميد بن باديس ..ذلك أن هذه المدرسة السلفية قد ذهبت في عقائد الدين و أصوله مذهب السلف القدماء و بحث في مشكلات الدنيا و قضايا الحضارة و المعتزلة .. « 

 

6- أنني أستحق التذكير أن مبدأ الجهاد كفرض عين في الإسلام « ليست (قناعة) خاصة بالسلفيين »، و الأهم من ذلك يستخلص السيد العيادي أن الاتهامات الموجهة لـ »السلفيين » حول خصوصية علاقتهم بـ »فريضة الجهاد » و نعتهم من ثمة بـ »السلفية الجهادية » هو على هذا الأساس غير دقيق:  » أما فيما يتعلق بالقناعة أن الجهاد فرض عين فإنها ليست خاصة بالسلفيين و إنما هي تشمل جميع المذاهب دون استثناء فكيف تتم إحالة هؤلاء الشبان من أجل الانتماء إلى  » السلفية الجهادية  » وهي لا تشير إلى تنظيم محددّ يحمل هذا الإسم ، بل لمجردّ الانتماء العقائدي ؟ فهل أن الأمر يحتاج أن ندللّ على وجود نيّة في الخلط بين  » الإرهاب  » و الانتماء العقائدي إلى السلفية ؟« 

7- أخيرا أنني أميز طبيعة العمل المسلح الذي ينخرط فيه المتطوعون « السلفيون » التونسيين في العراق (أي تحديدا ضمن « تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين ») ليس على أساس طبيعته و طبيعة برنامجه و ممارسته بل على أساس العقائد المذهبية لأصحابه. و من ثمة فإنني لم أفهم أن الخصوصية « السلفية » للمتطوعين الآن لا تعني أن الظاهرة هي نفس ظاهرة التطوع التي دأب عليها التونسيون (و لهذا كان عليه الاستشهاد بمقتطفات من كتاب للهادي التيمومي يشير لتطوع التونسيين خاصة من طلبة جامعة الزيتونة في حرب فلسطين سنة 1948):  » و لم يسلم السيّد الأسود لحركة تطوع السلفيين للعراق من التجني بجعلها ظاهرة منفصلة عن ظاهرة التطوع التي لازمت المجتمع التونسي فيما مضى سواء إلى فلسطين أو الجزائر أو لبنان و ذلك قولا بأنها لا تستهدف في الوقت الحاضر  » تحرير العراق و استعادة دولته الوطنية الشاملة لكلّ طوائفه بل لأجل دولة العراق الاسلامية   » وهو قول يستند في الواقع إلى تقويم عقائدي يسقط جوهر حركة التطوع بما هي دفاع عـــــــــن الأرض المحتلّة ، و ذلك عبر التركيز عن القناعات المذهبية و جعلها المعيار الأول و الأخير ، و الحال أن الظاهرة لها امتدادها التاريخي بما هي ردّ فعل لمجتمع له روابط الانتماء إلى الأمة العربية الإسلامية و في هذا السياق أورد ما كتبه المؤرخ الأستاذ الهادي القيمومي في كتابه  » النشاط الصهيوني بتونس بين 1897 و 1948  » إذ استقى من أحد تقارير أعوان الحماية قوله :  » مــــــــــن الشبان ( المتطوعين ) الذين أعمارهم بين العــــــشرين و الخمسة و العشرين سنة و بعضهم من العاطلين تماما و بعضهم من يشتغلون بالخدمات اليومية  » و اضاف الكاتب  » و يوجد بين هؤلاء المتطوعين عشرات من طلبة الجامعة الزيتونية .. » و اشار إلى النشاط الفياض الذي بذلته  » جمعية الشباب المسلمين  » لفائدة القــــــــــضية فهذه المنظمة استطاعت أن تكسب بسرعة تأييدا كبيرا في أوساط طلبة الجامعة الزيتونية و أساتذتها و قد أسست بالاشتراك مع بعض هؤلاء الأساتذة مثل الشاذلي بلقاضي و الفاضل بن عاشور تنظيمين هما  » لجنة الدفاع عن فلسطين العربية  » و فرع المؤتمر الإسلامي بتونس لحماية القدس الشريف .. » فالتاريخ و إن يفرد بعض الظواهر بخصوصية ما ، إلاّ أن الظاهرة في أسبابها و تشكلها تبقى هي هي في جوهرها و لا يجدي انتقاء ما هو من أثر الظرف و فعله للقول بتغير طبيعتها« 

2

قبل التعليق على هذه النقاط يهمني كباحث اعتاد شيئا من المنهجية و لكوني أحترم أي ناقد لما أكتب وضع هذا الجدل في إطاره حتى نعرف على ماذا عقب السيد العيادي. ففي مقال سابق تمثل في « تعليق حول مجمل المعطيات الاعلامية و السياسية المرافقة لظهور المجموعة الارهابية في تونس » (أنظر تونسنيوز و عدد آخر من المواقع الالكترونية التونسية بتاريخ 9 جانفي 2007) تعرضت بشكل مطول لمجموعة من المعطيات المحيطة بالأحداث الأخيرة و انتهيت الى التأكيد « على الوضعية العامة التي تعرضت اليها في مقال سابق (« حول الانطلاقة المحتملة لأعمال إرهابية في تونس: استمرار التعامل الساذج في أوساط الطبقة السياسية التونسية مع تيار الفتنة الأهلية  » 29 ديسمبر 2006) و هو ما أعيد تعريفه هنا بأنه استمرار لـ »حالة إنكار » (state of denial) و عدم قدرة على تصديق مستجدات الساحة و هي حالة تشمل أطراف السلطة و المعارضة على السواء. » و من جملة الظواهر المتنوعة الدالة على ذلك و التي تعرضت اليها هي ظاهرة « الانغماس المتزايد في السذاجة (أو المناورة؟) » و هو ما أفردت له فقرة خاصة بهذا العنوان. و في هذا الإطار تعرضت الى ثلاثة نماذج تتميز بتعبيرها المكثف (حيث يوجد غيرها) على هذا « الانغماس المتزايد في السذاجة ». و كانت تصريحات السيد عبد الرؤوف العيادي أحدها.

 

لأجل الدقة أود بداية التذكير بتصريحات السيد العيادي المنشورة في موقع إسلام أون لاين ثم بمضمون تعليقي عليها و الذي أثار حفيظة السيد العيادي (أعيد نشر هذه المقتطفات من مقالي السابق كاملة في نهاية هذا المقال):

« ويرى العيادي أن مصطلح « السلفية الجهادية » هو « مفهوم غربي غير محايد معرفيا والقصد منه تشويه الجهاد وفي نفس الوقت النيل من فكرة الانتماء إلى السلف بربط الكلمتين إلى بعضهما وجعلهما تعنيان الإرهاب، فمن يقول اليوم السلفية الجهادية يقول إرهابا في حين أن الانتماء إلى السلف ليس جريمة بل إن أغلب علماء الأمة من أحمد بن حنبل إلى ابن تيمية وصولا إلى زعماء الإصلاح مثل محمد عبده وعبد العزيز الثعالبي هم أبناء هذا التيار« . تعليقي على هذه التصريحات تمثل في نقطتين:

 

 أولا، و هنا أكتفي بما قد كنت كتبته: « ما يقوله السيد العيادي خاطئ بكل بساطة  حيث أن « السلفية الجهادية » ليست مصطلحا غربيا مسقطا كما يشير و يكفي التذكير بالجماعة المغربية المشاركة في أحداث 2002 في الدار البيضاء و التي تسمي نفسها بـ »السلفية الجهادية » (و لا يسميها أحد بذلك بشهادة شيوخها) كما هو معروف لكل الدارسين للظاهرة (هناك الكثير من المقالات و الدراسات في هذا الشأن و لكن يمكن الاكتفاء بالمقالات التفصيلية للسيد منتصر حمادة في هذا الموضوع خاصة في صحيفة القدس العربي) ».

ثم أضفت في نهاية الفقرة معطى آخر يؤكد هذه النقطة و من ثمة الخطأ البين للسيد العيادي: « و يمكن الرجوع في هذا الإطار الى كتابات و أحاديث أحد أهم المنظرين القاعديين و تيار الفتنة الأهلية و هو مؤسس تنظيم « بيعة الإمام » الأردني أبو محمد المقدسي و الذي يتعرض بشكل متواتر و محدد لمصطلح « خط السلفية الجهادية » بما يحمله بالتحديد من معاني « تكفير الحكام » و إسقاط الشرعية عن « حكام الطواغيت » و « الجهاد » ضدهم.

 

ثانيا، و هنا أشرت الى نقطة أخرى أكثر أهمية و هي كالتالي: « المشكل، إذا، لا يقتصر على خطأ مماثل و لكن يهم تحديدا الرغبة في و الاصرار على تصور تيار الفتنة الأهلية كطرف ليس إرهابي و الخلط بين مدارس مختلفة يعمل القاعديون عمدا الخلط بينها مثل مدارس « السلف الصالح » (بمعناها بالغ العمومية) و « السلفية العلمية » و « الحنبلية » و « الوهابية » و السلفية القاعدية أو الجهادية ». فالسيد العيادي يخلط تحديدا بين مدارس مختلفة من السلفية عندما يرد على هذا « المفهوم الغربي » (أي « السلفية الجهادية ») بالدفاع عن تيار السلفية بشكل عام (« الانتماء للسلف ليس جريمة« ) بل يمضي بعيدا في الخلط حيث يضع « زعماء الاصلاح » (و هم فعلا كذلك مثل الشيخين عبده و الثعالبي) بل و أكثر من ذلك « أغلب علماء الأمة » (و هذا ليس دقيقا) ضمن نفس خط و تيار السلفية الجهادية الراهن و هو تيار له أدبياته المعروفة و شيوخه و ليس من الصعب التعرف على خصوصياته (و هو ما سأتعرض له لاحقا). و كما أشرت أعلاه فإنه من اللافت أن شيوخ السلفية الجهادية يمارسون خلطا مشابها للخلط الذي يمارسه السيد العيادي حيث يعتبرون أنفسهم امتدادا لـ »أغلب علماء الأمة » و أنهم يعبرون عن التيار السلفي « الحقيقي ».

 

أود هنا إضافة ملاحظة جانبية خاصة بما أشار اليه السيد العيادي حول انتماء « أغلب علماء الأمة » للرؤية الفقهية التي تجمع الامامين بن حنبل و بن تيمية. فإذا كان المقصود من الربط بين الامامين بن حنبل و بن تيمية (الأول في القرن التاسع ميلادي و الثاني من القرن الثالث عشر ميلادي) الإشارة الى أحد المدارس الكلاسيكية الفقهية أي « الحنبلية » فإنه من البديهي بالنسبة للعارفين بتاريخ الفقه الاسلامي أن الرؤى الفقهية التي يشترك فيها الامامين (المعروفة بالمدرسة »الحنبلية ») تمثل أحد الخطوط الاجتهادية الأربع لا غير في الفقه الاسلامي السني و لا يمكن أن تمثل « أغلب علماء الأمة« .  

 

3

سيكون من المتوقع (فقط بالنسبة لأولائك الذين لا يعرفون السيد العيادي) أن يرد في تعقيبه قبل أي شيئ على تعليقي عما صرح به في اسلام أون لاين. غير أن لا شيئ من ذلك، للأسف، قد حصل. حيث لم يرد على أي شيئ قلته حول مسألة أن السلفية الجهادية ليست « مفهوما غربيا » أو على أنه خلط بين مدارس السلفية بشكل عام و أدبيات و شيوخ القاعديين و السلفية الجهادية بشكل خاص. و علي أن أقول أنني لم أكن أتوقع أن أقرأ شيئا يفاجئني في علاقة بالسيد العيادي بما في ذلك ردا جديا عما كتبته. فالرجل مناضل حقوقي ليس في ذلك شك و هو أمر يستحق الاحترام. و لكنه يتصف، و هذا مجرد تقييم لا يعكس أي توصيف عدائي أو شخصي، على مستوى تحليله بسذاجة ملفتة لا يمكن لي أن أمر عليها مرور الكرام (و هو « الشخصية السياسية » التي يؤخذ بتصريحاتها) و خصوصا متى كنت باحثا. كان من المعقول لأغراض « التمحيص » و « التدقيق » و « الموقف العلمي » أن أبحث عن أي شيئ في التعقيب المعروض أعلاه من قبل السيد العيادي يمكن أن يشير الى أنه عقب عما علقت به على تصريحاته في اسلام أون لاين. غير أن السيد العيادي لم يكلف نفسه عناء التعقيب على تعليقي على تصريحاته بل كان يرغب في أن يعقب على مسائل أخرى وردت في مواضع أخرى في مقالي و هي مسائل مختلقة عندما نرى كيف أعاد السيد العيادي صياغتها. و ليس ذلك مجرد صدفة. فالسيد العيادي من النوع الذي يكرر نفسه و لا يستطيع أن يراجع ما قاله على ضوء أي معطيات لم يكن يعرفها. حيث سيمضي دائما في التكرار و الاجترار. في نفس الوقت لا بأس في الأثناء من الاستشهاد من هذا المؤلف أو ذاك للتعقيب في حين كان الأجدر بالسيد العيادي أن يعيد هو نفسه قراءة تلك الفقرات التي نسخها في تعقيبه و أن يحاول أن يرينا كيف يرد بذلك على النقاط التي تعرضت اليها. و للمفارقة تشير تلك الاستشهادات تحديدا الى قصوره المعرفي (و حقيقة لم يعد هناك داعي لإخفاء هذه الخاصية المميزة للسيد العيادي عنه) في علاقة بظاهرة مميزة للمرحلة التاريخية التي نعيشها مثلما هي السلفية الجهادية. قصور رغم كل التوقعات يبقى مفاجئا، على أن أقول، بالنسبة لمحامي يتخصص في قضايا سياسية و خاصة في قضايا « السلفيين » و الأكثر من ذلك بالنسبة لشخص يقدم نفسه كـ »نائب رئيس حزب ».

 

أمر هنا للتعليق على النقاط التي أثارها السيد العيادي تباعا حسب الترتيب أعلاه.

 

1- بداية لم أعمم وصف « تيار الفتنة الأهلية » على مجمل « الظاهرة السلفية في تونس » فهذه مسألة مختلقة من قبل السيد العيادي حيث خصصت وصف تيار الفتنة الأهلية بالسلفية الجهادية. و في الحقيقة تندرج هذه المسألة المختلقة في إطار الخلط الذي في ذهن السيد العيادي بين « السلفية » عموما و « السلفية الجهادية » خصوصا. فبالنسبة اليه أي توصيف للسلفية الجهادية ينطبق على السلفية حتى لو كنت أكدت أكثر من مرة على أن هناك فرقا بين الظاهرتين. و كان على السيد العيادي إذا كان حقا جادا في كتابة تعقيبه أن يطلع على ما كتبت بدقة و أمانة أكبر. و أتمنى حقا أن لا يحضر السيد العيادي تعقيباته و مداخلاته في المرافعات التي يقوم بها بنفس الأسلوب الذي قام به في تعقيبه هذا على مقالي. و أورد هنا فقرات من نصوص كتبتها في علاقة تحديدا بالنقاشات الدائرة حول الساحة التونسية (و ليس مكان آخر خارجها) أين أقر و أؤكد على التمييز بين الظاهرتين.

 

في مقالي الأخير « تعليق حول مجمل المعطيات… » أشرت الى ما يلي:

« و هنا يجب التذكير بمجموعة من النقاط المتوقع أنها معروفة لكل الأطراف. بداية الغالبية العظمى من التونسين المتطوعين (و الذين يمثلون خمس في المائة من « المقاتلين الأجانب » في العراق) و حسب بيانات الذين قتلوا أثناء عمليات حربية هم ينتمون تحديدا لتنظيم « قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين » أو كما كان يسمى قبل بيعة الزرقاوي لابن لادن أي « جماعة التوحيد و الجهاد ». إن ذلك ليس مجرد صدفة حيث أن قرار الذهاب للعراق يأتي في معظمه في إطار شبكات التنظيمات القاعدية و خاصة في الأوساط التي تتبنى الفكر السلفي. و هنا ليس كل من يتبنى الرؤى السلفية يتبنى ضرورة السلفية الجهادية (أو مسك السلاح كجزء أساسي لممارسة « الدعوة ») و لكن كل السلفيين الجهاديين هم قبل كل شيئ سلفيون »

 

و في مقالي السابق « حول الانطلاقة المحتملة… » أشرت الى ما يلي:

 » و قد أدى استمرار التعامل الأمني الاستئصالي في المساهمة بجدية في إقحام عناصر جديدة كانت في هامش تيارات السلفية قبل اعتقالها ضمن مسار السلفية الجهادية من خلال الممارسات المتهورة و التعذيب و الاهانة الشخصية للمعتقلين و عائلاتهم. »

 

و في الأثناء و في تعليق كتبته أثناء حوار في منتدى نواة (بتاريخ 1 جانفي 2007 و أعيد نشر الحوار في موقع تونسنيوز 2 جانفي 2007) مع السيد محمد الحمروني (المتحدث باسم « جمعية أهل البيت الثقافية » الشيعية التونسية) خصصت ليس على السلفية بشكل عام بل على الوهابية تحديدا حيث أكدت على التمييز بينها و بين السلفية الجهادية:

«  من جهة أخرى ليست « الوهابية » ضرورة طرفا طائفيا يمكن وصفه بدون تردد بـ »المروق » حيث توجد ضمنه تيارات مختلفة و ليست السلفية الجهادية إلا تيارا من تياراته المتناقضة في كثير من الأحيان إلا إذا كان هذا التقييم بتأثر تجربة الصراع السعودي الايراني و التي نتج عنها لغة صراع خاصة أجدها كما هي في الخطاب الذي تتبنونه. و في الحقيقة لا يمكن التعامل مع الوهابية بشكل دوغمائي يدفع منتسبيها أكثر نحو التطرف من خلال وضعهم بشكل فوقي في صندوق واحد نسميه « المروق ». حيث لن يساعد ذلك على تغذية الآراء المعتدلة على قلتها فيها كما لا يقوم إلا بخلق نهج متطرف على الضفة الشيعية« 

 

و هكذا الاشكال الذي يتوجب على السيد العيادي أن يطرحه بوضوح هو التالي: هلى أن تيار السلفية الجهادية في تونس هو تيار فتنة أهلية أم لا؟ غير أنه مهتم، كما يجب أن نتوقع، بتهويمات عامة تتجاوز خصوصية التيار السلفي الجهادي للتأكيد على الطابع « الاصلاحي » للسلفية عموما و (ضمنيا) في تونس بناء على معطيات من « الخارج » و من « العام » (بن حنبل، بن تيمية، عبده… الخ). من جهتي فقد أجبت بالإيجاب على هذا السؤال و ذلك بناء على معطيات محددة (تبين بالمناسبة أن لا فرق بين « الخاص » و « العام » و « الداخل » و الخارج » عند طرح هذه الاشكالية الفقهية و السياسية ذات الاستتباعات العملية) سأتعرض اليها بالتفصيل في النقطة الثالثة أسلفه (و لو أن تلك ستكون معطيات سبق أن عرضتها و لم يهتم بها السيد العيادي فهي ليست مفيدة بالنسبة له و هو الذي يقرأ فقط ما لا يقدم له إضافة).

 

إذا اعتراض السيد العيادي كما عرضه بنفسه لا يحتاج حتى للرد بفعل أنه خارج الموضوع من حيث أنه يعترض على مسألة وهمية. و لكن حتى يمكن أن يكون اعتراض السيد العيادي على طريقة صياغة موقفي مبررا علينا أن نعيد صياغة ما قاله و أن نفترض: أولا، أنه يعتبر أنني كنت متسرعا و لم أعتمد على معطيات « داخلية » و لا « خاصة » في وصفي للمجموعة التي كانت وراء الأحداث الأخيرة بأنها تتبع السلفية الجهادية. ثانيا، علينا (لكي يكون اعتراض السيد العيادي على منهجي في تحليل الأحداث الأخيرة مفهوما) أن نفترض أنه يعتبر من التسرع أن أصف التابعين للسلفية الجهادية بأنهم يصنعون الفتنة الأهلية. و رغم أن هذه لم تكن اعتراضات السيد العيادي حسب نص ما كتب فإنني سأجيب عليها فقط رغبة مني في التفاعل الجدي معه.   

  

للإجابة على النقطة الأولى (التسرع في وصف عناصر المجموعة بأنهم ينتمون لللسلفية الجهادية) ينبغي أن أذكر أن المقال الذي كتبته يوم 9 جانفي (« تعليق حول مجمل المعطيات…. ») و الذي بنيت فيه تحليلي على أساس انتماء عناصر المجموعة لتيار السلفية الجهادية كان بناء على تقارير اخبارية محددة نُشرت خاصة منذ 6 جانفي. و قد حرصت في مقدمة المقال على تحديد التقارير الصحفية التي تتسم بشكل خاص على حد أدنى من المصداقية الإخبارية و كنت علقت بشكل مفصل على أهمية التحقيق الميداني و تميز عدد محدود جدا فحسب بهذه الميزة. و هكذا لم أختلق أي علاقة بين هؤلاء العناصر بالسلفية الجهادية بل أكثر من ذلك كتبت مقدمة كاملة لتمييز التقارير الاخبارية عن غيرها التي تروج الاشاعة. و طبعا التقارير الصحفية التي بنيت عليها تحليلي تتصل تحديدا بمعطيات من « الداخل » و من « الخاص ». الآن آتي للمقال الأول الذي كتبته في شأن الأحداث الأخيرة و ذلك يوم 29 ديسمبر 2006 (« حول الانطلاقة المحتملة… ») فقد أشرت في بدايته الى أنه: « و بغض النظر عن صحة الأخبار المتداولة أخيرا من حيث نسبها لتيار السلفية الجهادية— هذه الأخبار التي يجب التعامل معها بحذر كبير من خلال رفض التعتيم المحلي المعتاد و الذي يمس السلامة الأهلية في هذه الحالة و لكن أيضا من خلال تجنب التضخيم و التوقف عن التعامل مع هذه الأحداث كمجرد مناسبة للمناورة ضد النظام القائم—قلت بغض النظر عن صحة و دقة نسبها للسلفية الجهادية فإن هذه الأعمال ستحدث لامحالة لوجود ما يكفي من العوامل و المؤشرات و المعطيات لحدوثها ». أما العوامل و المؤشرات التي أتحدث عنها فهي أيضا متعلقة بـ »الخاص » و بـ »الداخل » و ليست مجرد تهويمات عمومية. و التقويم الذي قدمته مبني على رصد مستمر للساحة منذ فترة طويلة و ليس من المستغرب بل من المفترض أن يقدم أي باحث توقعات معينة بشرط تقديم حد أدنى من المعطيات التي تبرر مثل تلك التوقعات . و قد أثبتت توقعاتي في هذه الحالة صحتها و لم يكن ذلك ناتجا عن الصدفة كما أنني لا أعتقد أنني كنت وحيدا في هذا الإطار. و المعطيات التي دفعتني للتوقع (في مقال 29 ديسمبر) لم تكن مستقاة إلا من معطيات سابقة كنت أشرت اليها في مقال كتبته أشهر قبل الأحداث الأخيرة (نشر في أقلام أون لاين عدد 19) و كلها تشير الى  أنه في حالة وجود مجموعة مسلحة في تونس فإنه من المتوقع أن تكون تابعة للتيار السلفي الجهادي. و تنحصر هذه المعطيات باختصار فيما يلي: أولا، أنه ببساطة كان هناك قبل الأحداث الأخيرة تونسيين ذي خلفيات سلفية جهادية متمركزين في تونس و قد برزوا إعلاميا من خلال انضمامهم لتنظيمات سلفية جهادية تتبع تحديدا القاعدة. كان هناك مؤشرين على ذلك: القبض على أكثر من مجموعة من الشبان التونسيين منذ سنة 2005 (على الأقل) بصدد الالتحاق بالجماعة السلفية للدعوة و القتال و ذلك على التراب الجزائري (و لا يتعلق الأمر هنا بمجرد أشخاص لايزالون في تونس و تم اعتقالهم على أساس نية الالتحاق بالتنظيم الجزائري كما يحدث الآن في بعض المحاكمات في تونس). المؤشر الثاني هو أن معظم الذين تطوعوا في العراق و لقوا حتفهم من التونسيين كانوا من « تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين » دون أي من التنظيمات المسلحة الأخرى و ذلك حسب البيانات التي ينشرها التنظيم بين الفينة و الأخرى حول « الشهداء المهاجرين » (أي المسلمين غير العراقيين). ثانيا، أن كان هناك في السنوات الأخيرة مؤشرات على نية القاعدة في توسيع عملياتها على مدى الأقطار المغاربية و تحديدا من خلال تأسيس ما سمي آنذاك بـ »تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ». و كانت هذه المؤشرات تقتصر في البداية على تقارير صحفية مبنية على الأرجح على تقارير أمنية سربت للصحف الجزائرية و المغربية (على إثر الكشف على سلسلة من الخلايا المغربية منذ 2005 ذات العلاقة بتنظيم الجماعة السلفية للدعوة و القتال) و لكن خيمت بعض الشكوك على هذه التقارير على خلفية احتمال وجود مرامي سياسوية لدى الحكومتين المغربية و الجزائرية وراء تسريبها. غير أن صحة هذه المؤشرات أصبحت مؤكدة تحديدا في سبتمبر 2006 و ذلك عبر تصريحين متلاحقين: الأول كلمة الظواهري بمناسبة أحداث 11 سبتمبر حيث أعلن فيها انضمام الجماعة السلفية للدعوة و القتال و الثانية تصريح أبو مصعب عبد الودود (أمير الجماعة) بعد ذلك ببضعة أيام يؤكد فيها البيعة و الأهم من ذلك يشير الى أن الجماعة أصبحت مكلفة من قبل تنظيم القاعدة بالعمليات على كامل التراب المغاربي. و تم التأكيد على كل ذلك مرة أخرى مؤخرا (في 26 جانفي الجاري) عندما نشرت الجماعة بيانا تعلن فيه تغيير اسمها من الجماعة السلفية للدعوة و القتال الى « تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي ». 

 

و هكذا ليس من الضروري أن نكون علماء فضاء حتى نتوقع ما حدث و لا يجب أن نتفاجئ: فإن وجود عناصر تونسية تخرج في السنين الأخيرة من تونس لتنضم للتنظيم الجزائري (السلفي الجهادي) المكلف بقيادة عمليات مسلحة على مستوى كافة الأقطار المغاربية (بما في ذلك تونس) يجعل أي متتبع جدي أن يتوقع ظهور مجموعة مسلحة في علاقة بالسلفية الجهادية في تونس تستهدف تحديدا تنفيذ استراتيجية القاعدة في الفتنة الأهلية. طبعا لم تخرج تلك المجموعات من فراغ بل كانت سلفية قبل التحول للسلفية الجهادية. و التيار الأخير حسب أي متتبع للساحة في السنوات الأخيرة و كل من يختلط مع الأوساط الشبابية المتدينة هو تيار واسع و لو اقتصر على الكلام حتى 23 ديسمبر 2006. و هو الأمر الذي أكدت عليه في مقالي يوم 9 جانفي (« تعليق حول مجمل المعطيات… ») و تم التأكيد عليه في مقال نشر بتونسنيوز (11 جانفي) من قبل « عدنان العيدودي » (أكد و أضاف على معطيات سابقة حول طبيعة التيار السلفي في تونس نشرت في مقالات للسيد علي بن سعيد). 

 

 آتي الآن للنقطة الثانية: هل من التسرع و مجرد معطيات « عامة » و « خارجية » أن نقول أن تنظيم القاعدة يستهدف عربيا الفتنة الأهلية؟ طبعا هنا على السيد العيادي أن يقرأ بشيئ من الجدية و يتوقف عن قراءة محاضر الأمن التونسي لكي يتعرف على استراتيجية القاعدة. حيث ليس عليه سوى قراءة كتابات شيوخها المعروفين مثل الظواهري و المقدسي. و يجب أن أضيف هنا شيخا جديدا علينا الاهتمام بها منذ أصبحت الجماعة السلفية للدعوة و القتال تنظيما قاعديا يستهدف الأقطار المغاربية و هو « المسؤول الشرعي » للجماعة أبو البراء أحمد. و هنا فقد كتبت كثيرا عن استراتيجية القاعدة حول أولية « حاكمية الشريعة » على المستوى البرامجي و ما يتبع ذلك من ضرورة ملحة حسب وجهة نظر التنظيم في إقامة « إمارات إسلامية » بقوة السلاح عوض ما تراه من « حكومات كفرية » و هو الأمر الذي لا يجب أن ينتظر نهاية الاحتلال الأمريكي في العراق: فاستراتيجية القاعدة لا ترى أي فرق بين « الحكومات الموالية للكفر » و « الكفر الأمريكي » على سبيل المثال. و هذا تحديدا ما يميز تنظيم الجماعة السلفية للدعوة و القتال حيث أنه تنظيم يستهدف في الآن ذاته محاربة النظام الجزائري و إسقاطه ككل (و ليس فقط حكومة الرئيس بوتفليقة) بوصفه « نظاما يحكم بما لم ينزل الله » كما يحاجج المسؤول الشرعي للجماعة أبو البراء أحمد (و الذي تتوفر له تسجيلات في هذا الشأن و خاصة رفض التخلي عن حمل السلاح ضد النظام الجزائري عبر مواقع تحميل الفيديو الأساسية في شبكة الانترنت). في نفس الوقت الذي يرسل فيه ببضع مقاتلين لدعم « تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين » ذي المشروع الطائفي (الأمر الذي يتشكك فيه السيد العيادي و الذي سأتعرض له أسفله في النقطة (7)). إن عمليات القاعدة كما هو معروف الآن لا تستهدف العناصر الأمنية فحسب بل أيضا مواقع مدنية بتبرير فقه التترس المعروف و الذي يبرر استهداف المدنيين. و علينا أن نتذكر هنا أن ايديولوجيا السلفية الجهادية و من ثمة القاعدة تقسم المجتمع الى طوائف بالفعل و لا ترى إلا في التطبيق المحدد للوهابية السلفية الجهادية التطبيق الحقيقي للإسلام و لهذا فمصير هذه الرؤية هي بشكل آلي استهداف معظم المجتمع كما حصل بسرعة مذهلة في الجزائر خلال أواسط التسعينات عندما كفر جمال الزيتوني ثم الزوابري (أمراء الجماعة الاسلامية المسلحة) كافة المجتمع الجزائري ممن لا يوالون الجماعة. كل هذه معطيات و مؤشرات مترابطة لا يمكن الفصل بينها لأن الظاهرة السلفية الجهادية هي كذلك، فهي ظاهرة عابرة للحدود يداخل فيها « الداخل » مع « الخارج » من حيث كونها جزائرية، و عراقية، و افغانية، و تونسية… الخ، كما أنها ظاهر يرتبط  فيها « العام » النظري و الفقهي و العقائدي بـ »الخاص » العملي و الممارسة و التنفيذ. إن الرؤية السلفية الجهادية العقائدية هي من تحتم تقييم ممارساتها لأن ممارساتها ليست إلا تنفيذا لصياغاتها العقائدية. لا نحكم حكما عقائديا على طرف لا تنفصل عقائده عن ممارساته الإقصائية التكفيرية.  

 

و هنا علي أن أسأل السيد العيادي: كيف يمكن وصف من يحمل السلاح بنية القتل ضد العناصر الأمنية وفق رؤية السلفية الجهادية التكفيرية؟ هل يبرر اختلافك مع السلطة سياسيا أن تتجاهل أن عمليات من هذا النوع تعني تحديدا الفتنة الأهلية في نهاية الأمر؟ أليس من السذاجة الملفتة أن تقتصر على تحليل هذه الظاهرة من خلال بعض المحاضر الأمنية التي لا تؤكد شيئا بقدر ما تؤكد فشل أسلوب الأجهزة الأمنية (كما يجب أن تتوقع) في كشف الشبكات التونسية للسلفية الجهادية بما في ذلك المجموعة المسلحة المعنية بالأحداث الأخيرة؟   

 

2- أعتقد أن وصف المجموعة المسلحة المعنية بالأحداث الأخيرة بأنها إرهابية توصيف دقيق. يعترض السيد العيادي بأن ذلك يتجاهل أن تعريف مصطلح الارهاب « ليس محل إجماع ». لكن هل يجب أن يوجد هناك إجماع على تعريف ظاهرة محددة لكي يعبر أي كان عن تبنيه لتعريف محدد لها يراه مناسبا للحقيقة؟ هل كان يجب أن ننتظر حتى يتفق كل سكان العالم، مثلا، على أن الأرض كروية حتى يمكن تبني ذلك المصطلح. إن الإشكال هو في مبررات أي تعريف لمصطلح محدد و ليس في تبني ذلك المصطلح بالذات. و لهذا كان على السيد العيادي أن يقدم ماهية تعريفه أو لماذا لا يتبنى أي تعريف للارهاب. و هنا تمظهر آخر لضحالة تحليل و كتابة السيد العيادي الذي يكتفي بإشارات عامة لا تعبر عن العمق المطلوب لمن هو في موقعه. أمر الآن لتعريفي للإرهاب و الذي يجعلني في النهاية أصف به المجموعة المسلحة المعنية بالأحداث الأخيرة.

 

هناك، حسب رأيي، مستويين ضروريين لكي يمكن وصف أي ظاهرة بأنها إرهابية: الأول سياسي متعلق بأهداف و المعاني الاستراتيجية لتلك الظاهرة، و الثاني إجرائي يتعلق بطبيعة أسلوب تحقيق تلك الظاهرة. و المستوى الأول يحظى ببعض الأولوية أحيانا على حساب المستوى الثاني و لكن في ضوابط و حدود سياسية معينة. كم أن هناك إرتباطا ضروريا بين المستويين. و يمكن تقديم تعريف عام لا أعتقد أنني أبتدعه: فالممارسة الارهابية هي التي تحمل مشروعا للفرض بالقوة و بممارسة القتل بهدف إقصاء شعب كامل بمبرر وجود سلطة أخرى تلغيه خارجه و هنا يصبح هذا الشعب بجميع مدنييه تحت رحمة هذا المشروع من خلال إجراء القتل العمد.

 

لكي أنتقل من « العام » الى « الخاص » يتعلق المستوى الأول بطبيعة الأهداف السياسية و الاستراتيجية المعلنة (و ليس مجرد نوايا عقائدية ذاتية) لأي مجموعة مرتبطة بتيار السلفية الجهادية. و هنا فإن كون هذا التيار يعلن بدون مواربة أنه يستهدف إقامة « دولة إسلامية » مقابلة لكل المظاهر « الكفرية » الأخرى و التي تشمل حسب الأدبيات المعلنة و المعروفة للسلفية الجهادية أي سلطات ذات طابع ديمقراطي أو تستمد شرعيتها من « غير ما أنزل الله » (أي مصادر شعبية للحكم) فإننا بصدد استراتيجية تعمم إرهاب المجتمع على قاعدة تأويل فئوي و طائفي لطبيعة « الحكم الاسلامي ». و بهذا المعنى يقع إلغاء شعب كامل للاعتقاد في أنه غير مؤهل لأي تعبير سياسي مباشر. و هنا نأتي للمستوى الثاني أي الإجرائي: حيث أن « ربانية » الأهداف بالنسبة لتيار السلفية الجهادية يتيح قتل المدنيين، فهذه الرؤية الإقصائية تشرع ممارسة العنف بدون مواربة و بشكل أقصى من خلال فقه التترس و الذي يبيح تقريبا قتل كل شيئ تقريبا بما في ذلك قتل »العامة من المسلمين » إذا كان ذلك « في حكم الضرورة المكروهة ». و قد تم تقديم هذا التبرير (بصيغ مختلفة) في كل الميادين التي يسقط فيه مدنيون بشكل عام (من كل الأديان بما في ذلك المسلمون) جراء عمليات القاعدة سواء في الجزائر و العراق أو لندن و نيويورك. كما أن عمليا السلفية الجهادية تستهدف بشكل مركز مواقع مدنية بغض النظر عن وجود المدنيين فيها من عدمه (المنشآت السياحية و الاقتصادية عامة). الى جانب كل ذلك فإن قتل عناصر الأجهزة الأمنية في بلد لا يخضع للإحتلال العسكري هو عمل إرهابي لأن تكفير رجال الأمن و الجيش في أقطارنا الاسلامية و إباحة دمائهم بشكل شامل على أساس تكفير الحاكم يدخل في نطاق العمل الإرهابي لأن هؤلاء هم بمقام المدنيين ماداموا لا يمثلون إرادة خارجية لا تنبع من ظروف الداخل. حيث يمكن آنذاك (أي في ظرف الاحتلال العسكري) ممارسة المقاومة العسكرية للتحرير بما أن الطرف الأجنبي المحتل مارس القوة العسكرية لفرض نظام لا يعترف لا قانونيا و لا فعليا بأي شكل من الأشكال بوجود شعب كامل على تلك الأرض. و أرجو من السيد العيادي أن يوضح موقفه في علاقة بكل هذه المعطيات: هل يعتقد أن وضع القوى الأمنية و العسكرية في وضع الاحتلال العسكري مماثل لوضع القوى الأمنية و العسكرية الممثلة لأطراف داخلية مهما كانت ممارساتها دكتاتورية؟ أما إذا كان هذا الأمر غامض بالنسبة للسيد العيادي فعليه أن يبادر الى تفسير ذلك خاصة أنه يدعو لاستراتيجية « المقاومة السلمية » على مستوى الداخل التونسي.

 

و تعريف الارهاب الذي أستعمله ليس مفصلا على مقاس السلفية الجهادية فهو ينطبق على حالات تبدو متباينة.حيث أن المستووين الذين ذكرتهما يجعلاني أصف بصفة الإرهاب ليس فقط السلفية الجهادية بل إرهاب جيوش الاحتلال كما هو الحال في العراق و هي الجيوش التي تقيم أنظمة عسكرية عنصرية بما هي تلغي شعبا كاملا و لهذا تحديدا هناك تبرير يصل لتشريعات في القانون الدولي لاستعمال السلاح ضد الاحتلال الأجنبي. و هنا بالمناسبة رغم أن هناك إجماع دولي على مستوى المواثيق الأممية فإن مبدأ مقاومة الاحتلال شرعي من الناحية السياسية قبل إقرار هذه المبادئ في القوانين الدولية. و المستوى السياسي الأول في هذه الحالة (أي إلغاء وجود شعب كامل) يتناسب مع المستوى الإجرائي و الذي كان و لا يزال يبيح حصد الأرواح المدنية بفعل أنه يحتقر وجودها أصلا. و في حالات المقاومة في المقابل توجد حالات خاصة يصبح فيها استهداف الأجنبي المحتل المدني مشروعا (حسب خيارات و ظروف الأطراف المقاومة) متى كان وجوده على أساس إستيطاني يؤكد إلغاء الشعب الأصلي صاحب الأرض. و هي الحالات التي كان يمكن ملاحظتها في الجزائر إبان الاحتلال الاستيطاني الفرنسي و منذ سنة 1948 في فلسطين.

 

و هكذا يمكن تقديم تعريف للإرهاب، و يمكن وصف المجموعات المرتبطة بالسلفية الجهادية به (بما في ذلك المجموعة المسلحة في تونس) من دون أن يعني ذلك « الخلط بين المقاومة و الإرهاب ».

 

3- في علاقة بمسألة نعت تيار السلفية الجهادية بأنه تيار الفتنة الأهلية كنت قد تعرضت لذلك في معرض تعليقي على النقطة (1). يبقى الآن أن أتساءل على أساس ما كتبه السيد العيادي و الذي يبدو أنه يعترض على وصف تيار السلفية الجهادية بأنه تيار الفتنة الأهلية: في حالة الافتراض بأن السلطة في تونس تتحمل كل المسؤولية فيما يجري (و هو موقف سياسوي و غير دقيق) فهل ينفي ذلك على تيار السلفية الجهادية أنه تيار للفتنة الأهلية؟ أرجو منه توضيح ذلك بعيدا عن العموميات و المناورة السياسية. لكن في نهاية الأمر هل يمكن المماثلة بين مشروع السلفية الجهادية في تونس و مشروع السلطة حتى يمكن اختزال الأخيرة في أنها أيضا، حسب ما يلمح السيد العيادي، تيار فتنة أهلية لا تختلف عن الأولى سوى بكونها صادرة عن من هو في موقع السلطة (« الفتنة البوليسية »)؟

 

لقد تعرضت بوضوح و بشكل بارز لمسؤولية السلطة عما يجري و على بروز تيار السلفية الجهادية في البلاد. و لكنني أعتقد أنه يجب الالتزام بشيئ من الجدية و عدم الخلط بين مواجهة الممارسات الاستبدادية و تفسير ظاهرة السلفية الجهادية: فقد حاججت بأن مسؤولية السلطة هي جزئية و أن غياب الديمقراطية ليس المعادل الميكانيكي لظهور السلفية الجهادية كما هو واضح في أقطار عربية مضت جديا في إصلاحات سياسية (المغرب و الجزائر و الأردن). حيث توجد أسباب أخرى سياسية خارجية و أخرى لاسياسية مسؤولة عن ظهور هذا التيار (تعرضت لها بالتفصيل خاصة في مقالي « تعليق حول مجمل…. » تحديدا في العنصر الأخير: « ملاحظات أخيرة »). بل أكدت على أن تيار السلفية الجهادية تستفزه الممارسات الديمقراطية و هو يستهدف النظام الديمقراطي بالأساس و يعتبر مجرد النص الدستوري في أغلب الأقطار العربية على « حق التعبير » و « الانتخاب الحر » و أصلا وجود مجالس تشريعية (حتى و لو صورية) جميعها قرائن رئيسية لتكفير الأنظمة القائمة. إن ممارسات السلطة و إن كانت ساهمت و تساهم في ظهور السلفية الجهادية من خلال الامعان في الانغلاق السياسي و المعالجة الأمنية المتعسفة في أحيان كثيرة فإن ذلك لا يعني أن السلطة تستهدف على مستوى برنامجها السياسي الدخول في حرب أهلية في البلاد مثلما هو الحال مع السلفية الجهادية و التي تدعو لـ »الجهاد ضد الطاغوت » و تشريع ممارسة العنف المنفلت من عقاله. و بمعنى آخر هناك اتفاق بين مجمل الأطراف السياسية في تونس بما في ذلك السلطة حول اللغة و المبادئ التشريعية بشكل عام (نظام دستوري قائم على الفصل بين السلطات) بالرغم من التباين على مستوى الممارسة فإن تيار السلفية الجهادية ينعزل عن هذا التوافق و يدعو لرفض كامل لذلك بل و تكفير كل الداعين لإقامة نظام دستوري مماثل. و لا يتوقف هذا الموقف على مستوى التعبير العقائدي حيث يقع ترجمة ذلك عبر الممارسة العنيفة. بل أنه جزء عقيدي أساسي ممارسة هذا الرفض و ذلك تحت مفهوم مشوه عنوانه « إقامة فريضة الجهاد ضد الطاغوت » أي بمعنى آخر العمل على إشعال الحرب الأهلية.

 

4- يعتقد السيد العيادي من دون أن يقدم أي قرائن على أنني أخلط بين: أولا، الجهاد و الإرهاب. ثانيا، بين السلفية و الارهاب. هذه أيضا مسألة مختلقة من قبل السيد العيادي تعتمد الخلط بين مفاهيم عقائدية و شعارات تيارات سياسية و ما ينجر عن ذلك من تعميم و عدم الدقة و ربما حتى بعض الجهل.

السؤال الأساسي هنا هو التالي: هلى أن نعت تيار السلفية الجهادية بالإرهاب يعني أن السلفية أو (و) الجهاد ممارسات إرهابية؟ إن ذلك يكون ممكنا في حالة واحدة: أن ما أعنيه من تيار السلفية الجهادية يعبر عن تيار السلفية بشكل عام و هذا غير صحيح (و هي المسألة التي تعرضت لها في النقطة (1)). كما أن ذلك يعني أن تيار السلفية الجهادية يمارس حقا الجهاد في حين أنني أفرق بين المقاومة و هي أيضا جهاد و بين الارهاب (و هي المسألة التي تعرضت لها في النقطة (2)). غير أن المشكل هنا في ماهية هذه المفاهيم و علاقتها بطروحات السلفية الجهادية حسب فهم السيد العيادي. حيث يبدو أن رفض الأخير لنعت السلفية الجهادية بالإرهاب و من ثمة اعتقاده أن نعت هذا التيار بتلك الصفة تعني نعت السلفية ذاتها و الجهاد ذاته بالارهاب إنما يعكس اعتقاده أن تيار السلفية الجهادية هو « التيار السلفي » و هو المعبر عن « السلفية » بشكل عام. كما أنه يعكس أنه يعتبر ممارسات هذا التيار هي فعلا « جهادية ». 

 

5- أعتقد أن السيد العيادي هو الذي يحتاج أكثر مني لمزيد التعرف على التيار السلفي بشكل عام و السلفية الجهادية بشكل خاص. و في الحقيقة أرجو أنه لا يقتصر في ذلك على مؤلف « تيارت الفكر الإسلامي » للمصري محمد عمارة. و لا يرجع ذلك لأن كتابات الأخير لا تحتاج الاهتمام. على العكس حيث أعتقد أن قراءاته متوازنة عموما و فيها الكثير من الجدية و البحث مقارنة بكتاب آخرين. و لكن الكتاب الذي أشار اليه السيد العيادي ترجع طبعته الأولى لأكثر من ثلاثين سنة و هو تحديدا ما يمكن أن نصفه بتقييم يركز على « العام » عوض « الخاص ». حيث شهدت السلفية المعاصرة تحولات كبيرة في الثلاثين سنة الأخيرة و شقتها صراعات قوية و بالتأكيد فإن السيد العيادي يحتاج الى مراجع محينة (up to date). و في الحقيقة تعكس هذه الرؤى الضبابية و المغرقة في العمومية لدى السيد العيادي في علاقة بفهم التيارات المعاصرة في الفكر الاسلامي بنفس الطريقة التي ينظر بها و غيره الكثيرون من النخبة السياسية التونسية التقليدية للوضع الفكري في تونس و هي النخبة التي تعتقد أنها فاهمة لكل ما يحدث و أن لا شيئ يستدعي المراجعة و مزيد التعمق خاصة في ظواهر مثل « الصحوة الدينية » الراهنة.   

 

 و في هذا الإطار علي هنا أن أسوق بعض الملاحظات شديدة الاختصار فيما يخص العلاقة بين السلفية عموما و السلفية الجهادية بشكل خاص على مستوى الساحة التونسية. حيث، و كما أشرت الي ذلك أعلاه، فإنه رغم أن ليس كل سلفي هو بالضرورة سلفي جهادي فإن السلفيين الجهاديين هم تحديدا سلفيون. و هنا علي أن أحدد بشكل خاص أني أقصد من مصطلح « السلفي » على الساحة التونسية معنى « السلف الصالح » شديد العمومية (حيث يعتبر الصوفية أنفسهم سلفيون بل أن الشيعة يعتبرون نفسهم كذلك أيضا) بل أقصد أساسا تيار « السلفية » حسب التأويل الوهابي ليس فقط حسب كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب أوائل القرن التاسع عشر بل أيضا ما تراكم عليها من كتابات و رؤى تستمر حتى الفترة الراهنة في أوساط كثيرة من الأوساط الفقهية المتركزة في أقطار الخليج و خاصة في السعودية (فقط للملاحظة من المعروف للمتتبعين للشأن الفقهي و السياسي الخليجي و السعودي أنها لا تقتصر كما هو شائع على الأوساط الوهابية بل هناك أوساط أخرى تتميز برؤى متمايزة مثل « السرورية » و « القطبية » و « الاخوان »…). و « السلفية » التي نتحدث عنها في تونس تعني تحديدا هذا التيار ذي التأثر بشكل أو بآخر بالرؤى الوهابية. و كما هو معروف أيضا فضمن السلفية الوهابية هناك تيارات مختلفة تمايزت أكثر خاصة في ظل انطلاق عمليات « قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية » من أهمها تيار « السلفية العلمية » (الذي يرفض تكفير الحاكم في السعودية) و « السلفية الجهادية » (التي تكفر كل الحكام العرب و مثل تكفير العائلة المالكة في السعودية حجر زاوية في فكر هذا التيار خاصة منذ كتابة أبي محمد المقدسي لرسالة « الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية » و التي عممت صفة التكفير على جميع الحكام بعد الصمت الطويل و الاجماع في الصفوف الوهابية لفترة طويلة على التوصيف الشرعي للحكم في السعودية). و في علاقة بالساحة التونسية و لأن « تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي » المعلن عنه حديثا (سابقا: الجماعة السلفية للدعوة و القتال) أصبح منذ سبتمبر 2006 معنيا بالمجال المغاربي ككل بما في ذلك الساحة التونسية (و هو ما تجسد عمليا في المجموعة المسلحة المعنية في الأحداث الأخيرة) فإنه التعبير السياسي و العقائدي الرئيسي عن السلفية الجهادية في تونس.  أخيرا من الضروري الإشارة الى وجود تيارين في السعودية ضمن « السلفية العلمية » من الضروري أن يتركا أثرهما على مستوى أتباع السلفية مغاربيا و تونسيا و هما: أولا، ما يطلق عليه البعض بـ »السلفية النصية » و هي رؤية أقطاب ما يمكن تسميته بالبيروفراطية الفقهية في السعودية و المتركزة خاصة في المؤسسة الرسمية المسماة « هيئة كبار العلماء » و في عدد من أساتذة كليات الشريعة السعودية و من أشهر ممثليها شيوخ طاعنون في السن مثل الشيخين محمد العثيمين و عبد العزيز آل الشيخ. في الأثناء يعتمل تيار آخر في الأوساط الفقهية السعودية يطلق عليه البعض تسمية « السلفية الاجتهادية » يمثلها دعاة مصلحون أقل عمرا (مثل سليمان بن فهد العودة) و أكثر استعدادا لتقبل آراء جديدة متفهمة للظروف المعاصرة و هي رؤية تهتم بشكل متزايد بنصوص نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين لكل من رشيد رضا و محمد عبده و الأفغاني و هم لذلك قريبون جدا من تيار « الاخوان ».  

 

6- لا أحتاج للتذكير بأن فريضة الجهاد هي فريضة إسلامية تشمل جميع الطوائف فليس هناك في أي من مقالاتي أي مجادلة لذلك كما أنه حسب علمي لا يوجد أي مذهب أو طائفة تجادل في ذلك. و عندما أستعمل في مقالاتي اصطلاح « السلفية الجهادية » يتم ذلك لوصف تيار و ليس لوصف تميز ذلك التيار بظاهرة الجهاد. حيث يوجد مجاهدون من طوائف مختلفة. و لكن مصطلح السلفية الجهادية هو الطريقة التي يسمي بها كثير من السلفيين الجهاديين أنفسهم و ليست مسقطة من قبلي أو هي مفهوم غربي كما سبق أن بينت. و الأهم من كل ذلك أن أهداف و برنامج و ممارسات تيار السلفية الجهادية لا تمت بصلة للجهاد بقدر ما تقوم بالفتنة الأهلية و الارهاب على عكس مجاهدين آخرين عبر العالم الاسلامي سواء كانوا سنة (المقاومة الحقيقية في العراق و المقاومة الفلسطينية) أو شيعة (حزب الله في لبنان). و لهذا يواصل السيد العيادي عناده في علاقة بهذه النقطة بشكل يلامس الجهل.

 

7- يعرض السيد العيادي موقفي من قضية تطوع تونسيين للقتال في العراق بشكل مشوه يجعله مبني ليس على معطيات بل على موقف مسبق من عقائدهم يتجاهل الممارسة. ثم ينتهي لأن يجعل هذه الظاهرة و لو أنها تتميز « بخصوصية ما » في نفس سياق التطوع المعتاد و التاريخي للتونسيين في معارك العرب و المسلمين الكبرى. طبعا السيد العيادي لا يخوض في هذه « الخصوصية » و في المقابل يرى من الضروري الاستشهاد بفقرة حول تطوع تونسيين من طلبة جامع الزيتونة في حرب فلسطين سنة 1948 من مؤلف حول الحركة الصهيونية في تونس للهادي التيمومي. فذلك كافي حسب السيد العيادي للتدليل على موقفي العقائدي.

 

للتثبت من إدعاء السيد العيادي حول أني أميز على أساس عقائدي من موجة المتطوعين الراهنين للقتال في العراق دعني بداية و لتفادي التكرار إعادة نسخ الفقرة التي تحدثت فيها حول هذا الموضوع الشائك من مقالي الأخير فحسب (حيث تحدثت على موضوع دور القاعدة في العراق في عدد من المقالات في السابق و هي الإشكالية الرئيسية في تقييم مسألة التطوع الجارية الآن).

 

« و هنا نأتي لمسألة التطوع للقتال في العراق و انعكاسه على تشكل تيار سلفي جهادي يثير الفتنة الأهلية. حيث لا يمكن لأي متتبع سياسي أن يفصل الخطاب الشمولي و في كل تفاصيل الحياة لمنتسبي السلفية الجهادية و قرار التطوع للقتال في العراق. و هنا يجب التذكير بمجموعة من النقاط المتوقع أنها معروفة لكل الأطراف. بداية الغالبية العظمى من التونسين المتطوعين (و الذين يمثلون خمس في المائة من « المقاتلين الأجانب » في العراق) و حسب بيانات الذين قتلوا أثناء عمليات حربية هم ينتمون تحديدا لتنظيم « قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين » أو كما كان يسمى قبل بيعة الزرقاوي لابن لادن أي « جماعة التوحيد و الجهاد ». إن ذلك ليس مجرد صدفة حيث أن قرار الذهاب للعراق يأتي في معظمه في إطار شبكات التنظيمات القاعدية و خاصة في الأوساط التي تتبنى الفكر السلفي. و هنا ليس كل من يتبنى الرؤى السلفية يتبنى ضرورة السلفية الجهادية (أو مسك السلاح كجزء أساسي لممارسة « الدعوة ») و لكن كل السلفيين الجهاديين هم قبل كل شيئ سلفيون. و هذا يعني تحديدا أن الذهاب للعراق لا يتم في هذا الإطار من أجل المساعدة على تحرير العراق و استعادة دولته الوطنية الشاملة لكل طوائفه بل لأجل إقامة « دولة العراق الاسلامية » و التي تعني تحديدا دولة « أهل السنة و الجماعة » بمعانيها الطائفية (هذا المشروع القديم في أدبيات القاعدة و لكن المعلن عنه مؤخرا فقط). و كما كتبت قبلا أكثر من مرة فإن هناك مشروعا حقيقيا للتحرير و المقاومة في العراق و هو بصدد التقدم و ضرب الاحتلال و لكنه يفرق بين محاربة الشيعي بحسب دوره في مشروع الاحتلال و محاربته لأنه « رافضي » كما فعل و يفعل القاعديون. و هنا نأتي للنقطة الأساسية: إن الذهاب للعراق بالنسبة للسلفي الجهادي لا ينفصل تحديدا عن مشروع إثارة الفتنة الأهلية في أي مجتمع « جاهلي » يحكمه « الطاغوت ». و هو ما ينطبق بالنسبة لهذه الرؤية ليس على السلطة السياسية في تونس فحسب بل و خاصة على النظام الدستوري المنظم للدولة ذاتها. إنه من الغريب حقا عدم قدرة الكثير من الأطراف السياسية الربط بين معني ذهاب منتسبي هذا التيار للعراق و الانعكاس المباشر لذلك على رؤية هؤلاء لطبيعة الوضع في تونس. و بمعنى آخر الحالة السابقة في السنوات الأخيرة للذهاب الى العراق لم تكن إلا المقدمة الضرورية لمشروع الفتنة الأهلية و « الجهاد المحلي ». و هكذا لم يكن هناك فرق بالنسبة لمنتسبي السلفية الجهادية بين الذهاب الى « الفلوجة » و الذهاب الى « جبال تزي وزو » حيث معاقل « الجماعة السلفية للدعوة و القتال » و الذهاب لـ »جبل الرصاص ». هنا من الضروري أن أؤكد مجددا على الفرق بين موجات التونسيين الذي شاركوا عبر سنين في المعارك القومية و الاسلامية الكبرى في فلسطين و لبنان و حتى العراق (خاصة مع بداية الحرب) و بين ذهاب السلفيين الجهاديين الى العراق. و لكن للأسف لم تستطع عديد الأطراف للدواعي التي أشرت اليها أعلاه التمييز بين الموجتين »

 

فهل موقفي هذا مبني على معطيات عقدية أو واقعية؟ هل يشكك السيد العيادي في أن الغالبية العظمى من المتطوعين التونسيين في القتال في العراق إثر الاحتلال و من خلال بيانات القتلى (حسب قوائم تنظيم القاعدة و ليس محاضر الأمن التونسي) ينتمون لـ »تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين »؟ هل يشك السيد العيادي في المشروع الطائفي للقاعديين في العراق؟ ألم يعلن القاعديون في العراق جمهوريتهم « السنية » في الأنبار (الوهابية السلفية الجهادية) الطائفية بامتياز (و المسماة بـ »دولة العراق الإسلامية »)؟ ألم يبادر القاعديون في العراق الى القتل على الهوية (و ليس فقط على أساس « الولاء للكفر » أو الاحتلال) من خلال تكفير « أئمة الرافضة » و تحليل دماء أتباعهم بشكل معلن (و ليس سري) و هو ما تجسد في تفجيرات عشوائية رهيبة تستهدف بدون أي شك جموع المدنيين الشيعة (في أسواق و مساجد و أحياء شعبية) في مجازر طائفية غير مسبوقة في تاريخ العراق نددت بها كافة فصائل المقاومة في العراق؟ هل يمكن تبرير هذا الموقف الطائفي المعلن بولاء بعض الأطراف الشيعية (كما هو الحال حتى مع بعض الأطراف السنية) للاحتلال؟ أليس في النهاية المشروع الطائفي للقاعدة في العراق يساهم في التقليل من التركيز على الاحتلال و التركيز في المقابل على الاقتتال العراقي الداخلي و هي بالمناسبة الورقة الأخيرة التي التجأت اليها الادارة الأمريكية في استراتيجيتها في العراق؟

 

كل هذه الأسئلة متعلقة بالممارسة و ليس ببعض الجوانب العقدية المجردة فحسب. غير أن السيد العيادي لا  يناقش أيا منها في تعقيبه بما في ذلك عندما ينعت موقفي بالعقائدية. لقد ذهب التونسيون من خلفيات سياسية و عقائدية (بمعنى ايديولوجية) شديدة التنوع و في موجات متعاقبة للمشاركة الطوعية في القتال في فلسطين و لبنان (1982 و حتى بعد ذلك بما في ذلك خلال التسعينات) و مصر (في حروب 1956 و 1967 و 1973) و سوريا (حربي 1967 و 1973) و الجزائر (حرب التحرير) و العراق (خلال العدوان الثلاثيني ثم خلال بداية العدوان الأخير) للمشاركة في معارك واضحة المعالم تستهدف مواجهة العدوان الأجنبي و التحرير بمعزل عن أي خلفيات عقائدية أو اييولوجية. في المقابل جير القاعديون في العراق مشاعر التطوع في اتجاه جزء من المعركة الدائرة منذ بداية الاحتلال الأمريكي في العراق لمصلحة مشروعهم الطائفي. و ليس هناك شك في أن الكثير من الشبان التونسيين ذوي الخلفية السلفية يذهبون بدافع تحرير أرض محتلة و لكنهم عمليا و من حيث الممارسة يتم استخدامهم من قبل تنظيم القاعدة في مصلحة مشروع طائفي مقيت يساهم في تحويل البوصلة من قتال الاحتلال الى قتال طائفي سني شيعي و الأكثر من ذلك يتم تغطية برنامج « الجهاد ضد الطواغيت » المحليين بما يعنيه ذلك من فتنة أهلية في إطار التعبئة لمصلحة القتال في العراق. و عوض أن تكون المعركة في العراق مناسبة للوحدة الوطنية و تصدير نموذجها لبقية الأقطار يتم استخدامها من قبل القاعديين لمصلحة تصدير الفتنة الأهلية. و في المحصلة لا يفعل القاعديون و من ثمة السلفية الجهادية سوى خلق معارك تركز على الداخل و بالتالي الفتنة الأهلية حتى في الميادين التي يوجد فيها إحتلال عسكري مباشر واضح المعالم. و لهذا لا يمكن فصل ممارستهم عن رؤاهم العقائدية لأنهم لا يقومون بذلك الفصل حيث تستجيب هذه الممارسات لأولية مبدأ « حاكمية الشريعة » كما يطرحها شيوخهم. و هكذا لا يمكن للباحث و السياسي الرصين تقييم مسألة التطوع الراهنة بمعزل عن كل هذه المعطيات الفاقعة في واقعيتها و التي لا تتعلق بمجرد عقائد مفصولة عما هو سياسي.

 

4

من بين المسائل التي يمكن التركيز عليها في نهاية هذا المقال و تحديدا في علاقة بالنقاش الذي يثيره تعقيب السيد العيادي هو ضرورة التمييز بين حكم الجهات القضائية و مسار الدفاع القضائي و بين التقدير السياسي. و في الحالتين لا يمكن أن توجد أحكام مطلقة فلا يضمن « مسار العدالة » و جهاز القانون حتى في ظل غياب التعذيب و الاعتقالات التعسفية أحكاما عادلة في المطلق (مثلا إمكانية الحكم بشكل عادل على المتهمين في تونس بالانتماء لتيار التنظيمات القاعدية) كما ليس من المفترض أن يضمن التقدير السياسي توصيفات نهائية (مثلا أن السلفية الجهادية لن تتغير بفعل ضغط الواقع و تتراجع عن أطروحاتها أو بعضها). و بمعزل عن القضية الحقوقية العادلة المناهضة للتعذيب مهما كان ضحيته فإن هناك مجال ضروري للقيام بالتقدير السياسي. و القيام بالتقدير السياسي لا يتم بناء على ترسانة كاملة من المعطيات (لأن ذلك غير ممكن) بل على ما يتوفر منها و لذلك هو تقدير و ليس حكما. و لهذا لا يمكن تقييم التقدير السياسي بأدوات التحليل الجنائي و القضائي. هذين المسارين مختلفين و لا يبدو أن السيد العيادي يدرك ذلك. حيث يخلط بين صفته كمحامي للمتهمين في القضايا الراهنة الخاصة بـ »قانون الارهاب » لسنة 2003 و ما يستدعي ذلك من أدوات قضائية و قانونية خاصة و بين مجال التحليل و البحث السياسي و الاستراتيجي أي « فهم ما يجري » على المستوى البنيوي و هو مسار متمايز في الجوهر عن المسار الذي يعالج إشكال من ينتمى حقا للقاعدة و من لا ينتمي. و هذا الخلط تحديدا هو أحد المؤشرات على السمة المميزة التي أشرت اليها في مقدمة المقال الخاصة بالمرض الطفولي لأوساط عريضة في المعارضة التونسية.  و لو أن المفارقة أن أي مرض طفولي من المفترض أن يرافق قيادات جديدة و ليس تقليدية.

 

أريد أن أختم بملاحظة أخيرة حول ما يمكن أن يعنيه خطاب مماثل للسيد العيادي و الذي لا أعتقد أنه خطاب معزول في أوساط المعارضة. حيث أصبح من غير الممكن أن أقيم ردود فعل من نوع التي قام بها السيد العيادي ضمن إطار السذاجة فحسب و عدم ملاحظة رغبة بعض هذه الأوساط في ممارسة خطاب سياسوي يفكر في المناورة بالحدث و كيفية تسجيل نقاط على حساب السلطة أكثر من محاولة تقديم مقاربة جدية و عميقة لما يجري بعيدا عن الحسابات السياسية. المشكل في الحقيقة أشار اليه السيد العيادي نفسه: حيث هناك حاجة حقيقية « لفهم ما يجري ». غير أنه و غيره يقومون بكل شيئ  إلا محاولة « فهم ما يجري ». في الحقيقة أصبح من غير الممكن عدم طرح سؤال مقلق و متشائم بعض الشيئ: هل توجد حتى القابلية و الاستعداد في الطبقة السياسية التقليدية للتخلي عن المقاربات السياسوية و العمل بجدية أكبر على « فهم ما يجري »؟    

 

(المقتطف الخاص بتعليقي على تصريحات السيد العيادي في مقال سابق)

تعليق حول مجمل المعطيات الاعلامية و السياسية المرافقة لظهور المجموعة الإرهابية في تونس

(….)

انغماس متزايد في السذاجة (أو المناورة؟)

 

أحيانا يصبح الرصيد النضالي الحقوقي لبعض الوجوه عائقا أمام تقييم جدي لما يقولونه و يقومون به. و لا يمكن التشكيك في صدق أشخاص مثل السيد المنصف المرزوقي على سبيل المثال و لكن ذلك لا يعني أن ما يقولونه لا يلامس السذاجة بل و يستغرق فيها. لفتت إنتباهي ثلاثة أمثلة في هذا السياق و الذي لا يتصف بالسذاجة المتوقعة فحسب بل يتجاوزها للانغماس في سذاجة مفاجئة و صادمة أحيانا تشيرالى التشبث المعاند بتصور قديم لما يجري و من ثمة المضي أكثر في « حالة الإنكار ». أول النماذج بدون منازع هي « حكومة » السيد المرزوقي « المؤقتة ». و لا أعتقد أنه من الضروري هنا التذكير بأبسط الدواعي التي يمكن أن تدفع أيا كان للقيام بدعوة مماثلة عدى الترف البلاغي و عدم القدرة على التفكير. حيث ليست البلاد في وضع فوضى سياسية شامل تنقسم فيه بين فرقاء يملكون نصيبا مؤثرا في الشارع. و لا أعتقد أن السيد المرزوقي يعتقد حتى (أرجو على الأقل ذلك) أنه يملك قسطا جماهيريا في حالة عصيان و من ثمة يفكر في إنقاذ البلاد و حل الأزمة القائمة (من مظاهرات و اضرابات يومية) من خلال الدعوة لحكومة مؤقتة تنتقل بنا نحو انتخابات نزيهة (؟!). حقا لا أستطيع التفكير في أي تعليق مناسب هنا إلا أن الساحة السياسية المعارضة في حالة جدب حقيقية خاصة عندما يكون السيد المرزوقي أحد « وجوهها السياسية الرئيسية ». النموذج الثاني هي تصريحات للسيد عبد الرؤوف العيادي (في تقرير للسيد محمد الحمروني لصالح « إسلام أون لاين ») و التي أسوقها كما هي: «  ويرى العيادي أن مصطلح « السلفية الجهادية » هو « مفهوم غربي غير محايد معرفيا والقصد منه تشويه الجهاد وفي نفس الوقت النيل من فكرة الانتماء إلى السلف بربط الكلمتين إلى بعضهما وجعلهما تعنيان الإرهاب، فمن يقول اليوم السلفية الجهادية يقول إرهابا في حين أن الانتماء إلى السلف ليس جريمة بل إن أغلب علماء الأمة من أحمد بن حنبل إلى ابن تيمية وصولا إلى زعماء الإصلاح مثل محمد عبده وعبد العزيز الثعالبي هم أبناء هذا التيار« .  » و هنا المشكل لا يكمن فقط في أن ما يقوله السيد العيادي خاطئ بكل بساطة  حيث أن « السلفية الجهادية » ليست مصطلحا غربيا مسقطا كما يشير و يكفي التذكير بالجماعة المغربية المشاركة في أحداث 2002 في الدار البيضاء و التي تسمي نفسها بـ »السلفية الجهادية » (و لا يسميها أحد بذلك بشهادة شيوخها) كما هو معروف لكل الدارسين للظاهرة (هناك الكثير من المقالات و الدراسات في هذا الشأن و لكن يمكن الاكتفاء بالمقالات التفصيلية للسيد منتصر حمادة في هذا الموضوع خاصة في صحيفة القدس العربي). المشكل، إذا، لا يقتصر على خطأ مماثل و لكن يهم تحديدا الرغبة في و الاصرار على تصور تيار الفتنة الأهلية كطرف ليس إرهابي و الخلط بين مدارس مختلفة يعمل القاعديون عمدا الخلط بينها مثل مدارس « السلف الصالح » (بمعناها بالغ العمومية) و « السلفية العلمية » و « الحنبلية » و « الوهابية » و السلفية القاعدية أو الجهادية. و يمكن الرجوع في هذا الإطار الى كتابات و أحاديث أحد أهم المنظرين القاعديين و تيار الفتنة الأهلية و هو مؤسس تنظيم « بيعة الإمام » الأردني أبو محمد المقدسي و الذي يتعرض بشكل متواتر و محدد لمصطلح « خط السلفية الجهادية » بما يحمله بالتحديد من معاني « تكفير الحكام » و إسقاط الشرعية عن « جكام الطواغيت » و « الجهاد » ضدهم.

 

 


لو كنت شجاعا مخلصا لقلت: « صليبنا وهلالهم » (*)

كتبه عبدالحميد العدّاسي سوف لن أتكلّم كثيرا حول الصليب والهلال، فهما رمزان لمجموعتين من النّاس إحداهما على الإسلام الذي هو دين الله القويم الخاتم المشهود له بالحفظ من الله، خالق النّاس وربّهم ومالكهم ومليكهم. وأخرى على دين نخر عظمه التحريف والتدليس. فمن اختار الهلال وعمل بما في رمزيته، كان بإذن الله من المهلّين المهلّلين، وكان من أتباع محمّد صلّى الله عليه وسلّم. ومن اختار غير ذلك حشره الله مع من أحبّ ومن اختار. وجدير بالمؤمن أن يتحرّى الصدق والحقّ ويتخيّر له قدوة تقرّبه من الله سبحانه وتعالى وتذكّره باليوم الآخر وتعينه على سلوك الطريق الموصلة إلى رضوان الله وجنّته، رغم كثرة الأشواك والحواجز التي قد تحيل حياة المسلم إلى مجاهدة مستمرّة. ولم يشهد التاريخ الإسلامي خلوّ الساحة الإسلامية من الدّعاة الصالحين الصادقين المذكّرين بالله وباليوم الآخر وبالجنّة، الذين لا يتردّد مسلم، قد أراد الله به خيرا، في اتّباع نهجهم والاقتداء بهم على ضوء ما ترك فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كتاب الله وسنّته. وبلادنا التونسية – بلاد عقبة والزيتونة – لم تعدم وجود هؤلاء السادة الأجِلاّء ممّن وقفوا صامدين على طريق الحقّ دعاة له، لعلّ من أواخرهم ومن أبرزهم شيخنا الفاضل الكريم سيّدي عبدالرحمن خليف محفّظ القرآن الكريم، معلّم النّاشئة والناس الخير وصاحب كلمة الحقّ عند السلطان الجائر، رحمه الله ورحم كلّ شيوخنا الأفاضل الذين حازوا على حبّ الله – نحسبهم ولا نزكّيهم – فجعل لهم القبول عند أهل الأرض من المؤمنين الذين أحبّوهم لطهرهم ونقائهم، دون أن ينافسهم في ذلك منافق درج على كره الإسلام وأهله. والحقيقة أنّ لكلّ أيباعه ومريديه: فأتباع خليف رحمه الله هم هؤلاء الملايين من المسلمين ممّن عرفه عن قرب أو عن بعد، وأتباع هنري غرواس هم أولئك الملايين كذلك ممّن عرفه عن قرب أو عن بعد. وإذا كان عبدالرحمن خليف شهيرا عندنا نحن المسلمين، فإنّ هنري قد يكون نكرة عند الكثير من النّاس، لذلك فسوف أذكّر بصورة الشيخ وأورد صورة هنري ولمحة عن حياته وبعض مواقفه نقلا لا تحريرا. وقبل الختام أذكّر المسلمين بأنّه لا يجوز للمسلم الترحّم على غير المسلم… وإلى لقاء…
 

Biographie de l’abbé Pierre :  Henri Groues , dit  Abbé Pierre

Henri Grouès, sous le nom de l’abbé Pierre, s’engage dans la résistance où il aide des juifs à se cacher. Recherché par la Gestapo, il rencontre le général De Gaulle en 1943 à Alger. Après la guerre, il est élu député de Meurthe-et-Moselle de 1945 à 1951. En 1949, il fonde « Emmaüs » communauté de chiffonniers construisant des logements provisoires pour les « sans domicile ». Lors de l’hiver rigoureux de 1954, l’abbé Pierre lance à la radio un appel à « l’insurrection de la bonté » en faveur des sans-logis, déclenchant un vaste mouvement de solidarité. Il est également entendu par le Parlement qui, quelques semaines plus tard, décide de lancer un programme de 12000 logements d’urgence. L’association d’Emmaüs s’internationalise et comprend de nombreuses communautés dans près de quarante pays. En 1988, il crée la « Fondation de l’abbé Pierre » pour le logement des défavorisés. Le Président de la République le fait Grand Officier de la Légion d’Honneur en 2001. Le 1er février 2004, cinquante ans après son appel pour « l’insurrection de la bonté », il réitère son appel, et s’engage avec Emmaüs pour un nouveau « Manifeste contre la pauvreté » dans un pays où il y a cinq millions d’exclus, dont un million d’enfants. Toute sa vie durant, avec son franc-parler qui tranche avec le langage policé des autorités catholiques, l’abbé Pierre mène une croisade pour défendre les plus pauvres. Aujourd’hui, il passe un mois sur deux dans la solitude austère et la prière dans un couvent de capucins en Normandie. Dans son recueil de méditation, « Mon Dieu… pourquoi? » (Plon, 2005), l’abbé Pierre affiche des positions relatives au célibat des prêtres, à l’ordination des femmes et à l’homosexualité, à l’opposé de celles du pape Benoît XVI. Voir les articles de Libération (28/10/05), L’abbé Pierre lui aussi est monté au septième ciel et du Canard enchaîné (02/11/05), Copulons !… Pourquoi ?.

L’abbé Pierre lui aussi est monté au septième ciel (Ludovic Blecher

Libération – 28 octobre 2005 – (1/4 de page) Dans son dernier livre, « Mon Dieu… pourquoi? » (Plon), l’abbé Pierre avoue avoir cédé « de manière passagère » au désir charnel. « Mais je n’ai jamais eu de liaison régulière », précise le Français préféré des Français.

Coécrit avec Frédéric Lenoir, son livre, un recueil de méditation, « aborde, de façon pas très catholique, des thèmes comme le pêché, l’enfer ou le bonheur ». Il pense qu’autoriser l’ordination des prêtres mariés pourrait relancer les vocations. N’ayant « jamais compris pourquoi Jean Paul II et le cardinal Ratzinger avaient affirmé que jamais l’Eglise n’ordonnerait des femmes », l’abbé Pierre est aussi un partisan de l’ouverture de la prêtrise aux femmes.

Comprenant que les couples homosexuels veuillent faire reconnaître leur amour par la société, il préfère parler d' »alliance » homosexuelle, terminologie moins traumatisante, plutôt que de « mariage ». En outre, il « laisse la porte ouverte à l’adoption d’enfants par des homosexuels » dans la mesure où les enfants ne subissent pas de préjudices psychologique ou social.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*): قرأت لبرهان بسيس مقالا بعنوان  » صليبهم وهلالنا « ، وقد ورد على صفحات تونس نيوز بتاريخ 26 يتاير جانفي 2007.


رسالة الى السيد نجيب الشابي

 
باسمي الخاص بصفتي نقابية راديكالية أنتمي للاتحاد العام لطلبة تونس أتوجه لكم  بهذه الرسالة المفتوحة لتكون شاهدا أمام التاريخ و الحركة الديمقراطية على حقيقة ما نتعرض له بسببكم من مضايقات. حيث لم تفوت صحيفتكم أي مناسبة للتهجم على رفاقنا و رموزنا وتشويه مواقفنا و التعتيم على تحركاتنا و تجاهل ما نتعرض له من قمع منظم من قبل قوات البوليس و محاكمه حتى أصبحنا اكثر طرف سياسي يتعرض للمحاكمات في الفترة الأخيرة .

اكتب لكم هذا لإعلامكم أنه مباشرة بعد كل هجمة تبتدأونها ضدنا يأخذ عليكم حزب الدستور المشعل ليقوم بسلسلة ايقافات و محاكمات و ملاحقات و كأنه ينتظر الفرصة لذلك مستعملا نفس تهمكم التي حرصتم على الدوام بإلصاقها بنا و نحن لا نطلب منكم التدخل لفائدتنا أو الدفاع عنا فقط ما نرجوه هو أن تكفوا أذيتكم عنا أما أذى السلطة نحن نتكفل به و لنا القدرة على تحمله و مواجهته.

أعلمكم أستاذنا الفاضل,أنه بعد الحملة غير المبررة التي شنتها علينا صحيفتكم الموقرة اثر أحداث غرة ماي و ما تخللتها من مقالات متشنجة ومن وشايات معلنة تحرض السلطة ضدنا و تؤلبها علينا محتجين على عدم تدخلها لحسم خلافات نقابية داخل منظمة جماهيرية هي ملك لكافة القوى و الحساسيات النقابية والسياسية و قلبتم كعادتكم الحقائق و كلتم لنا من التهم ما حرك آلة القمع التي شملت قبلنا رموز المعارضة النقابية (الحبيب بسباس و علي الضاوي) و أصبح جراد هو المناضل و أصبحنا نحن أدوات السلطة وأصبح الدستوري محمد الدامي الذي يحصد من التجمع المسؤوليات والمناصب ومن صحيفتكم الموقرة صفة النضال و المبدئية لنعاقب نحن على حضورنا و حجم انتشارنا الذي عجزتم عن تحقيقه بامكاناتكم و خبراتكم و صداقاتكم و تحالفاتكم في الداخل وفي الخارج و كانت بداية الهجمة بحملة من مجالس التأديب و الطرد التعسفي شملت عديد الجهات(تونس-بنزرت-ماطر-زغوان-صفاقس-قفصة-قابس-جندوبة) وثم تلتها حملة مركزة في مختلف الجهات شملت عائلات رفاقنا و أوليائهم الذين تم جلبهم بالقوة الى مخافر البوليس و إجبارهم على تو قيع التزامات للضغط على أبنائهم في محاولة لثنيهم عن مواصلة نضالهم في التنظيم الذي سمته جريدتكم « مشبوها » ومن ثمة بدأت سلسلة المحاكمات بالجملة لتشمل كل من الرفاق نجيب الدزيري و نزار بوجلال ثم فؤاد الورغي ثم عصام السلامي و الشادلي الكريمي بصفاقس للمرة الثانية ثم حسين بن عون الذي لفقت له تهمة مفضوحة أثارت استغراب جل المراقبين خصوصا عند تقدم طالب دستوري للمحكمة معترفا أنه قدم شكاية كيدية بطلب من البوليس السياسي ومن مدير المبيت(محمد العربي بن عياد الذي أصبح مختصا في تقديم القضايا ضد النقابيين) ليحاكم مع ذلك بشهر سجن نافذ و لا يطلق سراحه بعدها بتعلة أن النيابة العمومية قد استأنفت الحكم ليحال مجددا وفي كنف السرية للمحاكمة بدون حضور محامببه لتضيف له محكمة الاستئناف شهرا آخر قبل أن يطلق سراحه ليعاد إيقافه عشية يوم الأربعاء الماضي أي بعد خروجه بأربعة أيام فيحال مجددا بنفس التهمة.

السيد نجيب الشابي المحترم, لقد تعرضنا علاوة على ما تنشره جريدتكم لحملة موازية في مواقع مختلفة تارة باسم غسان بن خليفة مسؤولكم الطلابي الذي لا نسمع عنه  الا في الانترنيت وتارة بأسماء مستعارة أو شخصيات وهمية تتهجم على رفاقنا و على رموزنا و تطالب علنا وزارة الداخلية بالتدخل وأحيانا أخرى عن طريق نكرات لا تربطنا بهم أي صلة و لا نعرف عنهم شيئا كالأستاذ الجامعي البعثي في السابق أو السجين السياسي الإسلامي نبيل الرباعي أو غيرهم ممن دفعوا للتحرش بنا دون موجب  لتكون الحصيلة اثرها ملفات جديدة تراكم و قضايا بالجملة تكدس بشكايات عادة ما يتقدم بها كاتب عام إحدى الكليات أو مدير مبيت جامعي أو حارس يتم اجباره على ذلك أو طالب دستوري فتلتقي قصدتم ذلك أم لا عصا القمع و أبواق التشويه في سنفونية واحدة باختلاف أدوات الإرهاب (الارهاب البوليسي+ »الارهاب الديمقراطي »).

الأستاذ المحترم نحن نختلف معكم في التوجه و نختلف معكم في المنطلقات و كلانا يدعي النضال من أجل الديمقراطية لذا نرجوكم أن توقفوا هذه الاساليب و تكفوا عنا أذيتكم و لا موجب لصحيفتكم أن تركب على تحركاتنا و تمجد نضالات و انتصارات طلابية و تهاجم الواقفين وراءها.نحن لا نطلب منكم أن تفتحوا لنا جريدتكم أو أن تنقل ما نتعرض له من محاكمات و مضايقات فهذا مطلب ماعدنا نطمح في تحققه لكن ما نطلبه أن تنسونا كما تتجاهلوا محاكماتنا و معاناتنا وألا تعاقبونا على مواقف مختلفة عن مواقفكم و ان تتركوا مهمة إرهابنا للبوليس و القضاء فهما كفيلان لفعل فعلهما فينا,نكتب لكم هذا وننشره علنا و أملنا أن تعفونا عناء واجهة نحن في غنى عنها و نشهد أصدقائنا قبل خصومنا أننا فعلنا بهذا وبصمتنا السابق ما يقيم الحجة على غيرنا فلنا معاركنا و لنا أهدافنا ولا مصلحة لنا في الانسياق وراء معارك دونكشوطية لا تقدم بنا و لا تخدم إلا اعداءنا.

نتمنى أن يكون هذا كفيل بغلق الباب نهائيا فالساحة تتسع لنا جميعا و لغيرنا وان اخترتم النضال ضدنا فتحملوا أستاذنا تبعاته فنتحاسب في العلن و نتحاجج في الوضوح بعيدا عن نميمة الصالونات و ثرثرة العجائز و ليكشف الكل أوراقه و ليفتح ملفاته. معذرة أستاذنا الفاضل ان كان في لهجتي نوع من التشنج لكن قمعكم و قمع السلطة علينا كثير.

شكرا على رحابة صدركم والسلام. طالبة نقابية راديكالية


لما ينغلق الحوار في قناة الحوار اللندنية

الدكتور منصف المرزوقي مثالا سريريا

ابو خليل من عاداتي السيئة اني لا اريد الاستماع للمرزوقي اصلا لانه لا يتحدث لغة سياسية مفهومة ولا يطرح بديلا لغويا مفهوما للغة الخشبية السائدة.وهذا طبيعي جدا لان الرجل طبيب وجاء لمجال العمل العام من مسارب الرابطة وعن طريق اناس  قد يسامحهم الله يوما ما.ولانه لا يملك روية سياسية بل طموح جامح للعمل السياسي فان حواره الكبير في قناة لندنية يوم الجمعة تجاوز مرحلة خطيرة من مسيرته ووصل الامر بالدكتور ان اصبح يقدم نفسه ناطقا رسميا باسم الشعب التونسي ولم يختلف في ذلك مع بورقيبة او بن علي الذين قدموا انفسهم ممثلين للشعب التونسي وكان هذا الشعب مجموعة حريم في الجاهلية لا بد لهن من مدير سيوسهم ويعرف مصلحتهم اكثر منهم.. 

 

ولان القناة اسمها الحوار فان المطروح كان حوارا..ولكننا لم نسمع الا خطابا موتورا ولخبطة فكرية ومرجعيات ذهنية تارة علمانية تصلي على النبي وتارة دينية متزمتة تتحدث عن الديمقراطية النيابية

وكان الدكتور اراد ان يجمع كل ما تقوله المعارضات يمينا ويسارا ووسطا ويقدمه باسمه الخاص في حين انه يعرف –على الاقل بالسماع-ان عشرات ومئات وربما الافا سبقوه في مجال النضال السياسي ضد بورقيبة وبعده وشردوا وعذبوا وماتوا ولكنهم زرعوا نباتا سيزهر يوما ما..وليعلم الدكتور ان العمل السياسي والنضال الديمقراطي والثوري بداته اجيال الستينات حين كان تلميذا لا يفقه الفرق بين الشعبة والوطن والرئيس والمعارضة..ولا يمكن لخطاب متشنج وملخبط ان يكون بديلا يسير على هديه الشعب التونيسيين في نضالهم من اجل الخبز والكرامة والحرية… ولست ادري كيف يجرا المنصف المرزوقي ان يمارس علينا رجولته من لندن بالذات في حين انه اختار الانطواء وغلق باب بيته على نفسه ورفض الخروج للشارع مطالبا برحيل النظام كشرط لخروجه لحي الخزامة وقضاء لوازمه من عطار الحي لان كمشة من الحفتريش قذفوه بالحجارة واعتدوا على سيارته خلافا للموظفين الامنيين الذين يحترمهم ويحترموه…هل نغير النظام السياسي لان 5 منحرفين عاديين اعتدوا على سيارة مواطن ليس اكثر من عادي..الا ترى يا دكتور ان جنون العظمة مرض لا يعالج وانت الطبيب…من كلفك بالحديث عن الشعب التونسي ومن مكنك من احقية تمثيله في حين انك تطالب برئيس يتحصل على 51 في المائة فقط…الا ترى انك منحت نفسك منذ الان وقبل ان تصل نتائج الصندوق  100 في المائة وجاوزت في ذلك بورقيبة وبن علي..

 

في الاخير لست ادري   هل ان كرهك للشيوعية والشيوعيين ناتج عن  الزواج العرفي بينك وبين النهضة والسلفيين ام عن عدم فهمك اصلا لمصطلح الشيوعية..فمثالك الذي قدمته عن انتخابات يتقدم فيها الرسول محمد ولا يكسب فيها 99 في المائة فيه كثير من التجني والحقد الدفين..ففي قولك ان السكيرين والشيوعيين لن يصوتوا لمحمد اعتداء قبيح على مئات المناضلين الشيوعيين في تونس وفي غيرها الذين قدموا حياتهم فداءا لاوطانهم في العراق وسوريا ومصر وفلسطين والسودان واليمن الجنوبي وفي نيكاراغوا والبرازيل وروسيا وكوبا وبوليفيا وغيرها من ساحات المقاومة الباسلة لطغمة راس المال المتوحش والديكتاتوريات الفاسدة…ولا يمكن ان نوازي بينهم -حتى على سبيل المثال-وبين السكيرين وكلاب السوق والمعربدين..لكنك فعلت ذلك وعن قصد وقلتها في العلن وهذا دليل على جهلك بالشيوعية  من جهة وعلى عدم تذوقك للخمر من جهة اخرى وهما جهالتان تنظافان الى بقية جهالاتك..وعلى كل حال فحديثك يوم الجمعة حرث في وادي مهجور والنظام الحاكم لا يهمه كلامك ولن يعترض سبيلك  باكثر من 6 حفتريش يقلقون عليك نومك حتى تقتنع ان الطبيب لا بد وان يبدا بعلاج نفسه..


رئيس الجمهورية يعين السيد منصر الرويسي رئيسا للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية

قرطاج 27 جانفي 2007 (وات) اكد الرئيس زين العابدين بن علي لدى استقباله صباح يوم السبت السيد منصر الرويسي الذى عينه رئيسا للهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الاساسية خلفا للسيد زكرياء بن مصطفي، دعمه لعمل الهيئة حتي تقوم بدورها علي الوجه الاكمل بما يتناسب ومكانة حقوق الانسان ضمن الثوابت والخيارات الوطنية. (المصدر: وكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات – رسمية) بتاريخ 27 جانفي 2007)  


هيئة نبذ الحقوق والتفويت فى الحريات

بقلم: صابر أوردت الوكالة الرسمية التونسية  » وكالة تونس أفريقيا للأنباء  » على موقعها على الأنترنت أن رئيس الجمهورية عين منصر الرويسى رئيسا للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية خلفا لزكرياء بن مصطفى وقد ورد النص كالتالى : رئيس الجمهورية يعين السيد منصر الرويسى رئيسا للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية – قرطاج 27 جانفى 2007 (وات) أكد الرئيس زين العابدين بن على لدى إستقباله صباح يوم السبت السيد منصر الرويسى الذى عينه رئيسا للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية خلفا للسيد زكرياء بن مصطفى , دعمه لعمل الهيئة حتى تقوم بدورها على الوجه الأكمل بما يتناسب ومكانة حقوق الإنسان ضمن الثوابت والخيارات الوطنية « فعلا اللّى يستحوا ماتوا.. وعظامهم بليت زادا  » أين هي الحقوق والحريات التى يتحدثون عنها ؟!!!!!!!! ما هي إنجازات الهيئة المنصبة وأين أثرها على واقع البلاد ؟ هذا مجرد نموذج لإغتراب خطاب سلطة  » سبعة حناش »؟؟؟ … لعب على الذقون وتسويق للوهم وإحتراف الكذب … حرية الإنسان وحقوقه فى تونس لا أثر لها إلا على ألسنة سلطة ليس فى أجندتها السير خطوة واحدة في هذه الإتجاه فالواقع شاهد على الوضع الكارثى التى وصلت إليه حقوق الناس وحرياتهم … فأكذب أكذب يا بن على حتى ترحل أنت ونظامك وسيسجل التاريخ أنك  » بروباقندا فى كسوة بوليس موش حتى متروبى … الله لا يوفقك ولا تدفنلك رجل مع أختها » (المصدر: موقع نواة بتاريخ 27 جانفي 2007) الرابط: http://www.nawaat.org/portail/news_dernieres_nouvelles.php3?postid=39880&react=0&tpcref=13482


 
الـ«BIAT» والاستقالة المنتظرة

صراع بين نويرة ومبروك ؟

بقلم محمد عمار
المعلومة تم تداولها في بعض الأوساط وتناقلتها بعض المواقع الالكترونية المختصة، السيد شكيب نويرة الرئيس المدير العام للبنك العربي الدولي لتونس « BIAT » قدم استقالته يوم 17 جانفي 2007. هذه الاستقالة صاحبها ضجيج في الأوساط البنكية وخاصة لدى فروع الـ »BIAT » (وعددها 104) إضافة إلى جملة الشركات الأخرى التي يساهم البنك في رأس مالها. وقد ترك السيد شكيب نويرة مهلة إلى غاية 1 مارس 2007 قبل أن يغادر رئاسة البنك فعليا وهي مهلة كافية لتنظيم اجتماع لمجلس الإدارة يقوم بتعيين رئيس جديد له. ويبقى اللافت للانتباه أن هذه الاستقالة تلتها عملية بيع نحو 200 ألف سهم بمبلغ جملي ناهز 7,6 مليون دينار أي بقيمة 38,020 دينار للسهم الواحد في حين كانت أسهم الـ »BIAT » في ذاك اليوم (18 جانفي 2007) تتراوح بين 38,280 دينار و40 دينار. ولدى اتصال « الجريدة » بالبورصة لمعرفة من قام باقتناء هذه الأسهم، بين لنا مسؤول بارز أن العملية يجب أن يقع تسجيلها في ظرف مدته 5 أيام إذا بلغت أو تساوت القيمة الجملية للأسهم المقتناة 5% من رأس مال الشركة وإن لم تبلغ هذه النسبة فإن المقتني له الحق قانونيا في عدم الإفصاح عن صاحب العملية وعدم تسجيلها. وبما أن رأس مال البنك وقع الترفيع فيه أواخر الشهر الماضي عندما وقع طرح نحو 5 مليون سهم بقيمة اسمية تناهز 10 دينارات حيث يبلغ حاليا نحو 170 مليون دينار، فإن كمية الأسهم المفوت فيها لم تبلغ سوى نسبة 4,47% وهو ما يدل على حنكة ودراية كبيرتين بالميدان للشخص أو الشركة التي كانت وراء هذه العملية، وبقي التكتم سيد الموقف. لنعود إلى استقالة السيد شكيب نويرة -الذي لا تمر مناسبة حتى يذكر باستراتيجيته المستقبلية ذات البعد الجهوي المغاربي (ليبيا والجزائر)- والتي رافقتها عدة أسئلة لعل أهمها كيف يمكن لمهندس الـ »BIAT » –ثالث بنك تونسي من حيث حصته في السوق التونسية وأول بنك خاص- تقديم استقالته لولا وجود عدة مشاكل في البنك وربما داخل مجلس الإدارة ؟ مسؤول رفيع المستوى داخل البنك لم ينف فعلا تواجد بعض الإشكاليات داخل مجلس الإدارة بين السيد شكيب نويرة وأنصاره وبين السيد إسماعيل مبروك صاحب نصيب الأسد في أسهم الـ »BIAT » بنحو 20% من رأس المال نتيجة عدة عمليات تفويت لأسهم عديدة قام باقتنائها السنة الماضية حيث كانت قيمة السهم في ذاك الوقت تفوق 40 دينارا. وفي انتظار اجتماع مجلس الإدارة المتكون من السادة شكيب نويرة وإسماعيل مبروك ومختار الفخفاخ وعزيز ميلاد ومحمد بوصبيع ومحسن الحشيشة والهادي الجيلاني وامحمد إدريس إضافة إلى فرانسيسكو سارفاتي Francesco Cervetti ممثل البنك الإيطالي وجون ميسنازيJean Messinezi (HSBC France) وميشال فاروجيا (Banque Populaire France)، الذي سيكشف الأسباب الحقيقية وراء هذه الاستقالة، يمكن التذكير أن المساهمين في رأس مال الـ »BIAT » هم كالتالي : – 30% من رأس مال البنك ذات مساهمة أجنبية تمثلها بنوك فرنسية وإيطالية وعدة شركات أجنبية أوروبية وخليجية (إماراتية تحديدا) وغيرها… -70 % مساهمين تونسيين خواص تستأثر منها الشركات التونسية الخاصة العاملة في العقارات والسياحة والنقل الدولي وشركات خدماتية متنوعة أخرى بنسبة 39,5% في حين يساهم الأشخاص الطبيعيون بنسبة 30,5%. (المصدر: « الجريدة » (أسبوعية اليكترونية – تونس)، العدد 59 بتاريخ 27 جانفي 2007) الرابط: http://www.gplcom.com/journal/arabe/article.php?article=1379


ينظمها المرصد الوطني للشباب: خبراء من تونس والخارج يضعون مشاغل الشبــاب على طاولــــة الدرس

 
تونس ـ الصباح بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي ومنظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وصندوق الامم المتحدة للسكان والمعهد الفرنسي للتعاون ينظم المرصد الوطني للشباب يومي 13 و14 مارس القادم ندوة حول «تمكين الشباب ـ الامكانيات والتحديات». وفي ورقة تمهيدية لهذه التظاهرة التي ينتظر أن يشارك فيها خبراء من تونس ومن الخارج ومتدخّلون في مجالات (الصحة، التربية، التكوين المهني، التشغيل، الثقافة، الرياضة، الترفيه…) وممثلون عن المجتمع المدني وممثلو وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئيّة فسر المرصد سبب وضعه الملتقى الشبابي تحت شعار التمكين بأن استعمال عبارة التمكين في السّنوات الاخيرة ساهم في إلمام أفضل بأوضاع الشّباب وفي اعتماد نظرة مغايرة في التعامل مع مشاغلهم وهويهتمّ خاصّة ببناء العلاقات بين الاجيال وبين المرأة والرّجل في اتجاه تطوير القدرات الذّاتيّة لتسيير حياة الافراد والمجموعات كما يساهم التّمكين كذلك في دفع وتطوير استقلاليّة الافراد حتّى يتسنّى لهم الاستفادة من الفرص المتعلّقة باتخاذ القرارات التي تهمّ حياتهم ورفاهها.  وتفيد عبارة التمكين المعتمدة اليوم في المنظّمات الدّوليّة في ذات الوقت معاني الاستقلاليّة والمشاركة والتحرّر الفردي والجماعي والمساواة والدّيمقراطيّة والمواطنة وإثبات الذّات.  وتبيّن بالكاشف أنّ مسارات الشباب في تونس كما في سائر بلدان العالم ما انفكت تتنوع منذ سنوات وتختلف لا من جيل إلى آخر فحسب، وإنما داخل الجيل الواحد أيضا. ولكن تظل هناك دوما سمات مشتركة تشمل مجموع الشباب وتجمع كذلك بين مختلف أجيالهم. ويدعو هذا التعدد لاصناف الشباب، إلى بلورة مقاربة دقيقة ومتعددة الابعاد لوضعياتهم وإلى مزيد الانصات لهم من أجل الاخذ بعين الاعتبار لمشاغلهم والاستجابة لتطلّعاتهم وانتظاراتهم. كما تغيرت أشكال الانتقال من طور الشباب إلى طور الكهولة وذلك بفضل تعميم أساليب التربية خارج الاسرة، وتطور العمل المأجور، وتأخر سن الدخول إلى الحياة المهنية. وأدى هذا الواقع السكاني الجديد بدوره إلى إطالة مدة كفالة الاولياء لابنائهم وإلى تأجيل سن الزواج والخصوبة بين الشباب التونسي. على هذا النحو، حلّت لدى جيل الشباب فترة غير معهودة في السابق، وهي فترة انتظار واختبار يشكّل خلالها الافراد هوياتهم ويمتحنوها، وذلك خلافا للنموذج «التقليدي» الذي كان يميّز التنشئة الاجتماعية في السّابق. حوار شبابي أمام هذا الوضع ارتأى مرصد الشباب فتح باب الحوار حول تمكين الشباب في تونس.. وستساهم فيه وزارة الشّباب والرّياضة والتربية البدنيّة (الادارة العامّة للشّباب) ووزارة المرأة والاسرة والطّفولة والمسنّين ووزارة الصحّة العموميّة وديوان الاسرة والعمران البشري والمرصد الوطني للرّياضة والمرصد الوطني لحقوق الطّفل والاتحاد التونسي لمنظّمات الشّباب وعدة مؤسّسات جامعيّة وجامعة الدول العربية والمعهد الوطني للشباب والتربية الشعبيّة بفرنسا ومرصد الحياة الطّالبيّة بفرنسا ومركز الاعلام والتوثيق حول الشباب بباريس.  بوهلال (المصدر: جريدة الصباح (يومية – تونس)، الصادرة يوم 27 جانفي 2007)

الإسلاميون في الوطن العربيّ ومأزق الحضارة

 
احميدة النيفر (*) في أوائل الثمانينات من القرن المنصرم بينما كانت الحركة الإسلامية في تونس تواجه أولى محنها مع النظام سئلت زوجةسسس رئيس الجمهورية السابق عن رأيها في هذه الحركة. فأجابت بما أدهش سائلَها قائلة: «ماذا عساك تفعل لو أن بعض أبنائك انخرط في ما اعتقد أنه عمل في سبيل الله؟!». أوّل ما تنمّ عنه هذه الإجابة هو رفض ما انساقت فيه نخب عربية حاكمة ومثقفة من ضرورة قمع مخالفيهم الذين يرفعون عقيرتهم باسم قيم ومرجعية يعتبرها الحكّام خاصة بهم يدعمون بها شرعيّتهم. لكن هذه الإجابة تثبت أن لا صلة لمفهوم «السياسة» في الفضاء العربي بالمعقول، فلا غرابة ألاّ تُدرس الظاهرات المجتمعية ولا يعتَدّ بها فضلاً عن أن ينبني عليها توجّه سياسي مغاير. لذلك، فإنّ السياسة حين تغادر حقول المعقول تغدو امتيازاً تنفرد به خاصة الخاصة التي تنقطع بها السبل عمّا يحيط بها فلا تُلقي بالاً لما يعتمل خارج دوائرها المعروفة والخاصة. من ثمّ يصبح سرّ الحكم – كما قيل – أن يكون الحكم سريّاً فلا يرقى إلى فهمه أو صنعه عمومُ الناس، لا غرو عندئذ ألا يحرص الحاكم على تعليل فعله وإبانة دوافعه وأهدافه. إنّه لا يرى جدوى من الإنصات إلى «عامّته» وإشراكهم في القرار لأن الحكم في تقديره شأن خاصّ. أهم ما يبدو في هذه الإجابة الأولى هو أنها في تصوّرها للظاهرة الناشئة أمسكت بجزء بسيط من الحقيقة وتغافلت عن أجزاء أشدّ أهمية. لقد كان احتجاج الإسلاميين في تونس في قسمه الأهمّ متعلقاً بطبيعة نظام الحكم الفردي وبالتحديث التعسّفي الذي شمل الحياة الاجتماعية وبانسلاخه عن جملة من القيم والمعاني الثقافية والدينية. ما تبرزه هذه الإجابة هو اعتبار ظاهرة «الإسلام الحركي» غير ذات صلة بالإشكال السياسيّ فلا تحتاج إلى درس أو حوار لأنها «حماسة إيمانية» أقرب إلى نزق الشباب. في الوقت ذاته كانت جهات تونسية أخرى تنظر بكثير من التوجّس إلى الحركة الإسلامية فلا تراها إلا صنيعة من صنائع النظام الحاكم اختلقها لمواجهة التيار اليساري وتقليص أهميته بخاصة في صفوف طلبة الجامعة. لذلك لم يُمسك عدد من المنظّرين اليساريين المعتمدين عادة على آليات تحليل اجتماعي وتاريخي بأهم ما في تلك الظاهرة فلم يقفوا على أهم ما تعبّر عنه في مرحلة أولية من نموّها. لقد انساقوا في نوع من التفسير التآمري وخلطوا بين ما يمكن أن يكون قد استفاده النظام من تلك الظاهرة وبين طبيعتها وأبعادها. هنا أيضاً لا نلمس توقّعا لأيّ مستقبل حقيقيّ لهذه الحركة التي بدت أقرب إلى الوهم الكبير، وَهْمِ التصدّي للعقلانية الحديثة باسم معتقد ديني. هاتان مقاربتان كانتا – منذ ربع قرن – تعبّران عن رفض نخب عربية مثقفة وحاكمة لظاهرة قلّما وقعت استساغتها سياسياً لراديكاليتها الحالمة والعاملة على تغيير عالمها كليّاً عبر مراجعة التحديث المعتمد من الدولة وقسم من النخب. اليوم لم تبق «الحركات الأصولية أو الراديكالية» متعلّقة بقطر أو منطقة بل تحوّلت إلى معضلة دولية شديدة التعقيد، متنوعة التعبيرات، مفزِعة لأكثر من جهة، فهل ساعد هذا التوسّع على تحديد أكثر لما اعتبره البعض وهماً ورآه آخرون طيشاً؟ من الغرب اخترنا أربع محاولات متباينة في رؤيتها للظاهرة: الأولى نستخرجها من جواب وزير الدفاع الأميركي السابق عن سؤال طُرح عليه متعلّق بالظاهرة وأسبابها. لم يتردد في القول بأنه لا يعتني بالإجابة عن سؤال: «لماذا» هذه الظاهرة المهدّدة لأمن الولايات المتحدة وللعالَم؟ ما يشغله هو القضاء عليها، فالأهمّ هو معرفة «كيف» تعمل عناصرها، كيف تجمع الأموال والسلاح وأين ينبغي أن تكون مواجهتها؟ جوهر هذه المقاربة لا يختلف عن تشخيص بعض اليساريين العرب الذين رأوا أنهم يواجهون في الراديكالية الأصولية إجراماً لا يستحقّ إلا الاجتثاث. هنا أيضاً لا معنى للسؤال: «لماذا هذه الظاهرة؟ ولا فائدة تُرجى منه لأنّه لا حلّ إلاّ باستئصال «الوهم الخطير». في الجانب الآخر من المشهد السياسي – الثقافي الأميركي يرى جون إسبوزيتو أستاذ الأديان والعلاقات الدولية في جامعة «جورجتاون» أن الأصولية الإسلامية مصطلح غير دقيق لأنه لا يصدق إلاّ في سياق مسيحيّ، إنّه لا يحيط بما يعتمل من حراك فكريّ واجتماعي وديني في العالم العربي الإسلامي. هو تعبير مضلّل لأنه لا يتّصل بأسباب تنامي الظاهرة وبجملة العوامل التي ولّدتها داخلياً (ثقافية – دينية – سياسية – اقتصادية – اجتماعية) وخارجياً (أولّها هزيمة الأنظمة العربية في مواجهة التوسع الصهيوني وآخرها فقدان الغرب كل صدقية سياسية وتنموية وقِيَميّة لدى عموم المجتمعات والنخب الصاعدة). يلخّّص إسبوزيتو في النهاية طبيعة هذه الحركية «الراديكالية» في كونها تسعى للإجابة عن سؤالين رئيسين هما: أيّ مؤسسات للعالم الإسلامي المعاصر؟ وأيّ معنى ينبغي اعتماده اليوم للشريعة؟ المعالجة الثالثة من الغرب لبرونو إيتيان أحد المختصّين في الشأن الإسلامي، سئل عن الموضوع ذاته في بعده العالمي، فأجاب محيلاً على القولة المنسوبة إلى المفكّر والأديب الفرنسي أندري مالرو (1901-1976). استشهد إيتيان بقولة مالرو الشهيرة التي تنصّ على «أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن تديّن بامتياز». كان له بعد ذلك تفسير وتعليق، إذ وضّح أن «القولة – النبوءة» تحدّثت عن «عودة للروح» (spiritualité) ولم تذكر «التديّن» (religiosité). ما أراده مدير مرصد الشأن الديني في جنوب فرنسا من خلال تمييزه بين الروحي والديني هو ضرورة التفريق بين المجالين على رغم تقاطعهما في علاقتهما بالتوق الإنساني إلى المتعالي. ذلك أن حقل «الديني» في السياق التاريخي الغربي بعامة والفرنسي بخاصة ملتصق بالجانب الطقوسي الكنسي الموصول بنمط اجتماعي ثابت، بينما يفيد «الروحي» التحرّرَ من الضوابط المؤسساتية الجماعية. ما يراه الباحث الاجتماعي المعجب بتأملات الأمير عبدالقادر الصوفية هو أن عنفوان الظاهرة الدينية في سياقها العالمي المعاصر مستمدّ من النزعة المادية الجامحة التي هيمنت طوال القرن العشرين. تلك الهيمنة هي التي أفضت إلى بحث عن المعنى وعبّرت عن ضرورة مراجعات جوهرية أكثر من أيّ حاجة إلى وثوقية عقدية متلبّسة بمنظومة طقوسية تكرّس أوضاعاً اجتماعية عفا عليها الدهر. أهمّ ما في قراءة «إيتيان» إعراضها عن اعتبار الظاهرة خطراً أو وهماً، إنّه إقرار بأنّ موجة التديّن في العالم روحانية أساساً، تكشف عن درجة من الوعي الموضوعي بأزمة الحضارة فهي سعي إلى صيَغٍ من الفعل يسكب فيها الباحثون عن الحريّة والعدل استشعارهم لروح العصر الجديد ومتطلباته بعيداً من التعابير الدينية والاجتماعية التقليدية. رابعة المقاربات للفيلسوف الألماني المعاصر يورغن هابرماس الذي أبرز في حوار له عن «الإرهاب ودلالاته» أنّ راديكالية الأصوليين الإسلاميين «تمرّدٌ عاجزٌ» يواجه به أصحابه عدوّاً غاشماً لا يمكنهم التغلّب عليه وأنّ أهمّ ما يميّز حركة هؤلاء أمران: «افتقارهم لأهداف واقعية وقدرتهم على الاستفادة من مواقع الهشاشة في المنظومة المعقّدة للحضارة العصرية». يواصل هابرماس بعد ذلك تحليله للمسألة عبر شرحه مأزق الحضارة بما تحمله من عنف بنيوي تصاعدي ناجم عن قصور في الفعل التواصلي. ما يعنينا من هذا التحليل هو أن فيلسوف «إيتيقيا التواصل» لم ير في الراديكالية الإسـلامية إلا إحدى نتائج الإخلال التواصلي بين الأطـراف الأقوى والأخرى الأضعف في المستوى الدولي. ظاهرة الراديكالية إذن عارض من عوارض أزمة الأخلاق والحوار في الفكر الغربي. وعليه فمقولة «صراع الثقافات» ليست إلاّ تستّراً على المصالح الماديّة الغربية في سعيها للتصرّف المطلق في ثروات النفط والطاقة في العالَم. في منظور هابرماس، الراديكاليون ليسوا سوى ضحايا «معقولية تقنية استراتيجية لم تتغير منذ عهد الاستعمار»، إنهم لا يضيفون شيئاً الى الفيلسوف الذي لم يفقد الثقة في العقل وفي الدور الاجتماعي للفلسفة. قصارى قيمة ردّ فعل الراديكاليين هو تدعيم مهمّة الفـلسفة المطالبة ببناء مشروع إنساني يتجاوز المركزية الثقافية الغربية. هذه النماذج على اختلافها تنظر إلى الحراك الإسلامي على أنّه حالة عابرة، هي في أسوأ الأحوال، خطر ينبغي استئصاله وفي أفضلها إرهاص لحركة مراجعة وتجديد عرفتها من قبل الديانتان: اليهودية والمسيحية. لكن هذا الاختلاف على أهميّته ينبغي ألاّ ينسينا ما اتفقت عليه جملة هذه المقاربات ضمناً: نحن أمام حركة يمكن أن يفهم البعض دوافعَ غيظها واحتجاجها لكنها لا تحمل عناصر مستقبل حقيقيّ لأنها لمّا تنشئ بعدُ خطاباً عقلانياً معاصراً تنفتح به على مجتمعاتها وخصوصاً على العالَم. إنّ الحركية الإسلامية منظوراً إليها بعيون خارجية تبدو غير حاملة للهمّ الإنساني فكراً وثقافةً، هي في أفضل الحالات كالمِسَنِّ تشحذ ولا تقطع، تحسن مخاطبة ذاتها مكرّرة في سرّها عبارة «إنما نُصِرْتُ بالرعب» مقتطعة إيّاها من سياقها. إنّها لا يمكن أن تحجز نفسها بمنأى عن مراتع الاستبداد أو الفوضى إلاّ متى وضعت شروط مشروع تجديدي يقوم على الارتفاع الفكريّ إلى مستوى الأحداث الإنسانية. (*) كاتب وجامعيّ تونسي (المصدر: ملحق « تراث » بصحيفة الحياة (يومية – لندن) الصادرة يوم 27 جانفي 2007)  

تمجيد الماضي والتغني بالقوة والخضوع للمحور السوري الايراني

 
مرسل الكسيبي (*) يبدو أن الحركات الاسلامية في كل من لبنان و »فلسطين » والعراق قد دخلت في لعبة التجاذبات الدولية الخطيرة ,حيث لم تعد أجندة حزب الله والجماعة الاسلامية-حركة سنية-في لبنان ,وأجندة حركة حماس الفلسطينية وبدرجة أقل حركة الجهاد الاسلامي-حركتان سنيتان- في فلسطين والأحزاب الاسلامية الشيعية في العراق ,لم تعد بمعزل عن تجاذبات وتوجيهات وتعليمات أطراف اقليمية معروفة وعلى رأسها كل من ايران وسوريا. كانت انطلاقة الكثير من هذه التيارات انطلاقة فكرية وسياسية معبرة عن التحولات الاجتماعية التي شقت المنطقة منذ بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي ,وتطورت مسيرة هذه التيارات لاسيما في القطرين اللبناني والفلسطيني المحتل الى التفاعل المباشر والوطني مع قضايا الاحتلال العسكري الذي فرضته الدولة العبرية في ظل سياسات توسعية وطموحات مستمرة الى فرض الهيمنة على دول المنطقة,غير أن ماعرفته السنوات الأخيرة من تورط حماس الفجئي وغير المحسوب في المسؤولية عن السلطة الوطنية الفلسطينية ,ثم النجاحات العسكرية التي حققها حزب الله في لبنان في مقابل تطور قاعدته المذهبية والشعبية على خلفية هذه الانتصارات وارتباط وجوده عسكريا بالتسلح السوري الايراني ,يضاف الى ذلك احتلال العراق وماتطلبه أمريكيا من الاعتماد على العنصر المذهبي والطائفي في تصفية تركة صدام العسكرية والتنظيمية والسياسية بدعوى تمثيليته للمحور السني ,كل هذه العوامل عجلت بتقوية النفوذ السوري الايراني في المنطقة عبر تفعيل أدوات الضغط العسكري والمالي من أجل مواجهة مشروع وصف بأنه المشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط. عرفت الحركة الاسلامية عموما بكثرة تمجيدها للماضي الى حد الهيام فيه والبكاء عليه أحيانا,وهو ماجعل من خصومها يستسهلون صفة اتهامها بالماضوية والرجعية برغم أن هناك محاولات جادة في أقطار عربية واسلامية -ولو في اطار محدود- من أجل اخراج الخطاب الاسلامي من البكائية والرثائية في مقابل تطوير مساحات الفعل في الواقع المعاصر وتقديم نموذج تطبيقي يصلح لمخاطبة مشكلات الناس والاستجابة لحاجاتهم التنموية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والمعرفية …في اطار لايخرج عن الرصانة والهدوء اللذان أهدرا كقيمة ضرورية في أي فعل تقدمي وانساني ولاسيما في ظل محاصرة الكثير من الأنظمة العربية لمناخات التفكير الحر والاستقرار السياسي النابع من السلطة الاجتماعية الارادية والشرعية المجتمعية التي تفترض ضرورة تمثيلا سياسيا واسعا ومتجددا.  هذا النموذج الاسلامي الهادئ الذي يمكن أن نجد أمثلة له في المغرب الأقصى وتركيا والأردن وماليزيا…,أصبح في ظل مصادرة مناخ الحريات نموذجا مهددا بالاختطاف من قبل جماعات العنف الأعمى ,والتي كانت في معظمها استجابة لواقع اسن صادر الحق السياسي والفكري لليبراليين العرب والاسلاميين المعتدلين على حد سواء ومن ثمة أضعف موقع هؤلاء لفائدة مجموعات صغيرة ومسلحة ومتشددة ومغالية في فهمها للدين ,وهو ماأعطاها فرص التأثير بأقدار واسعة في السنوات الأخيرة على شرائح شبابية معتبرة في ظل تداعيات أحداث 11 سبتمبر على واقع الحريات في مختلف أنحاء العالم. عاد التغني بالقوة الى أجندة صنفين من الحركات والمجموعات الاسلامية ,حيث لم يعد منطق الركون الى السلاح مقصورا على النموذج السلفي للجماعات الاسلامية المتشددة والتي سجلت حضورا بارزا في أقطار العراق وأفغانستان والصومال والجزائر وسابقا مصر ومؤخرا تونس ,بل ان هذا المنطق أصبح ديدن حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني والتيار الصدري وتيار عبد العزيز الحكيم في العراق بعد أن أصبحت بيد هؤلاء امكانيات مالية متدفقة من المحور الايراني وامكانيات عسكرية تتدفق عبر الة التصنيع العسكري في طهران. الغريب في الأمر أن أجندة « مقاومة الاحتلال » لم تعد لوحدها مغرية في الخطاب السياسي « الاسلامي »  في مستوى ثلاثة أقطار تشهد وجودا واختراقا عسكريا أجنبيا معلوما,بل ان فرض النفس على الشارع والجماهير بقوة السلاح في كل من لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة تارة بدعوى اسقاط الحكومة « العميلة » -لبنان- وتارة باسم القضاء على الانفلات الأمني في الشارع والتصدي للجريمة وتأديب حملة السلاح من العنصر الفتحاوي-الأراضي المحتلة-. ظاهرية المشهد تقول بأن كلا من حماس وحزب الله والجماعة الاسلامية اللبنانية والأحزاب الشيعية العراقية -والحزب الاسلامي السني العراقي-حزب اخواني- ,تتحرك ضمن أجندة وطنية داخلية بمعزل عن الأجندة الخارجية ,ولكن حقيقة الدلائل والتقاطعات تقول بأن أغلبها ,ان لم نجزم بقول الكل فيها يتحرك ضمن دائرة العطاء المالي والامداد المسلح والدعم السياسي والاعلامي الذي تتيحه ايران وسوريا ,وهو مايعني أن الحركة الاسلامية المشرقية لم تعد بمعزل عن شكل جديد من محاور الحرب الباردة والذي بدأ يتشكل في ظل صراع أمريكي ايراني في بسط النفوذ على المنطقة وكسب الولاءات والدول والجماعات والأحزاب فيها لفائدة هذا الطرف أو ذاك. ان الحركات الاسلامية المعاصرة تكون قد دخلت لعبة دولية خطيرة من شأنها أن تسهم في تهرئة مصداقيتها وتعرية امتدادها الشعبي ولاسيما اذا ماتحولت هذه الحركات من طور تمجيد الماضي المفهوم الى طور التغني بالقوة في غير موضعها السليم-تحويل وسائلها تجاه عناصر التوازن والاستقرار السياسي الداخلي ,بعد أن كانت هذه القوة وسيلة في الفقه الاسلامي القديم والمعاصر لصد العدوان الخارجي وحماية الثغور . ان الواقع لايحمل بشائر لهذه الحركات -وخاصة السنية منها-ولاسيما اذا أفلحت ايران في فرض مشروعها النووي ومن ثمة مزيد من بسط نفوذها العسكري والسياسي والمذهبي على المنطقة ,حيث ستصبح دول بأكملها في مهب الابتزاز الداخلي في ظل تفعيل اثارة موضوع الأقليات والأغلبيات بالارتكاز على ديناميكية العنصر المذهبي ,ووهو مايرشح دولا بحجم السعودية وامارات خليجية أخرى وسوريا نفسها الى الوقوع في الأسر الايراني المباشر ,لتكون المنطقة بعدها على فوهة بركان ستشكل فيها محاور اسرائيل ومصر والسعودية وايران أبرز أطراف الصراع في صورة مااذا خرجت الولايات المتحدة من المنطقة بهزيمة عسكرية مريرة في العراق وقدرة ايرانية على فرض نفسها كقوة نووية عسكرية وعالمية جديدة. (*) رئيس تحرير صحيفة « الوسط التونسية » الالكترونية (المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » الالكترونية بتاريخ 26 جانفي 2007)


لماذا يصر شيراك على التفاوض مع إيران؟

 
توفيق المديني في سبتمبر الماضي استقبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك في قصر الإليزيه هاشمي  سماريح المبعوث الخاص للرئيس الإيراني أحمدي نجاد ، الذي يجسد الخط المتشدد داخل النظام الإيراني.و كان  موريس غوردو –مونتاني المستشار الدبلوماسي  للرئيس شيراك قد التقى سامريح  في جينيف في أكتوبر الماضي. و خلال شهري  نوفمبر-ديسمبر، أي الفترة  التي كانت فيها الأمم المتحدة تناقش فرض العقوبات على إيران ، تبلورت في قصر الإليزيه  فكرة زيارة وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي  إلى طهران. وعلى هامش المؤتمر الدولي الذي عقد في البحرين في ديسمبر الماضي ، التقى السيد   غوردو –مونتاني مع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي ، وبحث الرجلان  مسألة زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى طهران في أواسط يناير الجاري، « لمناقشة بعض القضايا الإقليمية » وعلى رأسها الموضوع اللبناني مع السلطات الإيرانية. وفي ديسمبر 2006، حين كان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى يقوم  بوساطته في بيروت لحل الأزمة السياسية اللبنانية، قال لدبلوماسي فرنسي في بيروت ، أنه كان بصدد التوصل إلى تسوية بموافقة حزب الله،بيد أن هذه التسوية تقتضي عدم التصويت على أية عقوبات ضد إيران في الأمم المتحدة خلال الأيام التي تلي الاتفاق على تلك التسوية.و منذتلك المسلسلات،و على إثر الناقشات المكثفة بين المسؤولين الفرنسيين، تأجلت زيارة وزير الخارجية الفرنسي.و كان  أحد أسباب التأجيل، المعارضة الصريحة التي أبدتها كل من المملكة العربية السعودية ومصر،الشريكين اللذين تمت استشارتهما. وخلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي إلى كل من الرياض و القاهرة في 6 يناير الجاري ،استطلع آراء  السعوديين و المصريين حول جدوى زيارته إلى طهران .وكان جواب محاوريه هو الرفض الكامل.و السبب في ذلك ، هو تنامي ، الدور الإيراني وتوجهاته في المنطقة، ومعضلة القوة الإيرانية التي أصبحت قوة إقليمية مستفيدة من أخطاء السياسة الأمريكية في العراق والمنطقة عموما  ، ومن الكراهية الشعبية في المنطقة للسياسة الأمريكية ، وبات دورها حاسما في العراق وغيرها، إضافة إلى إصرار إيران على مواصلة برنامجها النووي الذي سيقود آجلا أو عاجلا إلى امتلاك السلاح  النووي، مما يعني في حال إنجازه، أن تتحول إيران إلى قوة إقليمية رئيسة  تشكل تهديداً لحالة الأمر الواقع في المنطقة وللنظام الدولي. ولذلك باتت الحكومات العربية تنظر إلى تنامي النشاط الإيراني في كل منطقة الشرق الأوسط،بقلق شديد، وباتت ترى في زيارة وزير الخارجية الفرنسي لطهران ، أنها  ستقود إلى شرعنة الدور الإيراني في لبنان. ولم تكن الولايات المتحدة الأميركية على علم بالمبادرة  الفرنسية  التي ظلت تطبخ في قصر الإليزيه بين الرئيس شيراك و مستشاره الدبلوماسي موريس غوردو –مونتاني  ،فضلا عن أن  قصر الإليزيه يعتقد أنه « ليس بحاجة إلى أخذ إذن من أحد ». وهذا ما جعل مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي الذي التقى السفير الفرنسي  في واشنطن ،جان دافيد ليفيتي، يعبر عن شجبه للمبادرة. لاشك أن هذه المبادرة الفرنسية تعكس ابتعادا كبيرا من الرئيس شيراك عن الخط السياسي الذي تبنته إدارة الرئيس بوش مؤخرا، و الذي أصبح متشددا في مواجهة التحركات الإيرانية في الشرق الأوسط و المسألة النووية.و تعتبر باريس أن الوقت الآن مناسب لفتح باب الحوار مع إيران لعدة اعتبارات، أولها تصاعد التهديد الأميركي لطهران، كما يوفر للوساطة الفرنسية فرصة القول أن باريس تخير طهران ما بين الوسائل الدبلوماسية و بين تصعيد العقوبات و القيود المفروضة عليها، وربما الضربة العسكرية. من  خلال هذه المبادرة الفرنسية الانفتاحية على إيران ، يريد جاك شيراك تحقيق هدفين . أولهما: ضمان أن نظام آيات الله في طهران لن يبحث في التعرض للجنود الفرنسيين العاملين في القوات الدولية على حدود فلسطين المحتلة بوساطة حزب الله.و ثانيهما:السعي إلى كسب  مساندة الإيرانيين  من أجل استقرار ديمقراطي في لبنان ، حيث أن المعارضة بقيادة حزب الله تخوض معركة إسقاط حكومة فؤاد السنيورة  المدعومة من العالم الغربي و الحكومات العربية.وترى باريس أن « العلاقة الخاصة : » القائمة بين إيران و حزب الله تخولها أن تقنع حزب الله :بتفادي التصعيد جنوبا، و تفادي دفع الوضع السياسي الداخلي في لبنان إلى مزيد من التأزم ». و فيما تعتبر باريس أن « ثمة اختلافات بين الأهداف السورية والأهداف  الإيرانية في لبنان: ترى أنه « من الممكن أن يفضي الحوار مع إيران إلى شيء ما بينما أظهرت التجربة أن الحوار مع سورية لم يعط شيئا و أن الأوروبيين خرجوا خالي الوفاض ». إذا كانت هذه الأهداف مفهومة، بل تستحق الثناء، فإن الطريقة التي اتبعها الرئيس شيراك للوصول إلى تحقيقها تبدو غريبة.ففرنسا تصرفت بطريقة انفرادية، بينما حتى الوقت الحاضر،كانت سياستها  اللبنانية منسقة بصورة وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية، و كانت في أصل  الترويكا الأوروبية التي ضمت ألمانيا و بريطانيا، و التي تفاوضت حول الملف النووي الإيراني لأكثر من ثلاث سنوات. إنه في الوقت الذي فرض فيه مجلس الأمن عقوبات على إيران ،رغم أنه تم تخفيفها بسبب إصرار موسكو،قررت باريس أن تتصرّف بمفردها. و يمكن أن تكون الخشية من شرك العقوبات الذي يمكن أن يقود، كما حصل في العراق عام 2003، إلى تدخل عسكري من قبل الولايات المتحدة الأميركية  في إيران ، ينجم عنه تدهور في لبنان ، هو الذي يفسر لنا إصرار شيراك على القيام بآخر محاولة لإيجاد تسوية للمسألة الإيرانية عبر التفاوض. ويرى المحللون الغربيون أن سيناريو هذه المبادرة، يقوم على زيارة  وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي لطهران، التي أقر ت في الوقت الذي يستعد فيه شيراك  استقبال المؤتمر الدولي حول لبنان في باريس،    يوم 25 يناير الجاري  ، إذ يلتقي الوزير  الفرنسي مع « المرشد الأعلى » علي خامنئي ، ويبلغه أن « الأنكلوساكسونيين »، أي الولايات المتحدة و بريطانيا يستعدون للقيام بإجراء عسكري ضد الجمهورية الإسلامية. و سيسر له ببعض المعلومات التي يفترض أنها سرية حول الموضوع، و سيشير إلى تزايد وجود و نشاط البحرية الأميركية في منطقة الخليج كعلامة أكيدة على أن شيئا ما على وشك الحدوث. وبعدئذ سيطلب الوزير الفرنسي من خامنئي أ ن يسمى شخصية رفيعة المستوى، يفضل أن تكون الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، الذي يعتبر رجلا براغماتيا بامتياز، ومفضلا لدى شيراك، لمعالجة الملف النووي نيابة عن الجمهورية الإسلامية. و إذا ما توصلا الطرفان لإجراء صفقة، يكون جوهرها إعلان طهران  أنها اتفقت على إيقاف تخصيب اليورانيوم حتى سبتمبر المقبل ، عندئذ سيدعو شيراك إلى إلغاء اجتماع مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، المقر في مارس لتفادي تصعيد العقوبات ضدها و التي نص عليها القرار 1737، ويدعو الولايات المتحدة و بريطانيا إلى سحب قواتهما البحرية من الممرات المائية القريبة من إيران. لكن ماذا يمكن أن يقدم  شيراك إلى  طهران مقابل تعاون محتمل في لبنان؟الاعتراف  بالجمهورية الإسلامية كقوة إقليمية؟الإيرانيون يبحثون عن ذلك ، لكنهم ينتظرون هذا الاعتراف من الولايات المتحدة الأميركية . و الرئيس الفرنسي ليس بمقدوره أن يتحدث باسمهم. إذا كانت إيران لها الحق في تطوير صناعتها النووية، فإن القوى العظمى التي تمتلك أسلحة نووية ليست مؤهلة لإعطاء الدروس في هذا المجال، بل إن السلاح النووي هو عامل استقرار إذا كان الردع متبادلا.  لكن الرئيس الفرنسي يقدم لنا خطابا متناقضا حسب ما تمليه الظروف. فقد كانت فرنسا في طليعة الدول التي هددت إيران بالعقوبات إذا ما استمرت في الازدراء من قرارت مجلس الأمن ، لكن منذ الحرب الصهيونية على لبنان ، و الأزمة السياسية المستمرة في لبنان ، تغير خطابها.و هذا التبدل في المواقف يفقد الدبلوماسية الفرنسية مصداقيتها
 
 

(المصدر: صحيفة الخليج الصادرة يوم 27 جانفي 2007)


وزراء وجامعيون ومثقفون بصوت واحد: إلغاء فكرة المغاربية خسـارة لا مجال لتعويضها.. والاندماج ضرورة حيوية ومستقبلية

 
** انتقادات لتعطل الإرادة الوطنية لبناء المغرب العربي، مقابل الرهان على مسار إقليمي بأجندة أجنبية ** مقترحات بتوحيد العملة بين الدول المغاربية.. وتمهيد الأجواء لشراكات بين المؤسسات ورجال لأعمال تونس : صالح عطية : أجمع عدد من الجامعيين والمتخصصين في الشأن المغاربي، على أن  » كلفة اللامغرب خسارة لا تعوض « ، ودعوا إلى إدراك خطورة وضع التشرذم الذي تعيشه المنطقة، في وقت تنشأ فيه تجمعات وتقام وحدات إقليمية هنا وهناك.. وانتقد نحو عشرين جامعيا، في ندوة دولية أقيمت بالعاصمة التونسية، البنية الاقتصادية الهشة لدول المغرب العربي، وهيمنة ثقافة التشتت والتفرقة التي كرستها الحكومات على مر تاريخ المنطقة، منذ استقلال هذه الدول مطلع الخمسينيات والستينيات من القرن المنقضي.. وهيمنت على مداخلات المحاضرين خلال ندوة مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات (مؤسسة بحثية خاصة)، هيمنت مسحة من التشاؤم، وغابت فسحة الأمل التي كانت تراود ما يعرف بـ « فقهاء ومنظري مشروع المغرب العربي »، وذلك نتيجة تراجع المشروع المغاربي، وعدم توافر مؤشرات على التقدم في هذا الاتجاه، سواء من قبل الحكومات أو من جانب النخب والأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني في المغرب العربي.. وبرزت خلال الندوة مقاربات متباينة، بعضها راهن على الجانب السياسي في بناء المغرب الكبير، عبر تكريس الديمقراطية وتنشيط المجتمع المدني، فيما اعتبر آخرون أن العامل الاقتصادي مهم في ضبط بوصلة المنطقة باتجاه التقدم والنهوض، وهو الأمر الذي رفضه قسم من المتدخلين ممن طالبوا بوضع حد للمنطق الاقتصادي في التعامل مع الموضوع المغاربي، على أساس هشاشة البنى الاقتصادية في المنطقة، وغياب إرادة سياسية جادة للحكومات، المطالبة بأن تعمل بشكل مكثف من أجل تشريك المؤسسات ورجال الأعمال في جهود البناء الاقتصادي المغاربي.. تساؤلات حول التفكك الإقليمي. وقال الدكتور عبد الجليل التميمي، مدير المؤسسة التي نظمت هذه الندوة الدولية، إن فعاليات عديدة التأمت خلال الفترة الأخيرة في الفضاءين المغاربي والأوروبي، لتدارس مسيرة الاتحاد المغاربي، وبحث العوامل التي حالت دون التوصل إلى إنجازه منذ إعلانه بشكل رسمي في فيفري من العام 1989 بمراكش.. غير أن السؤال الذي انتهت إليه مختلف هذه المؤتمرات والندوات، هو « أين هي النتيجة « .. وأوضح التميمي في ندوة  » كلفة اللامغرب « ، التي حضرها ما يربو على عشرين باحثا من منطقة المغرب العربي وأوروبا، أن المرء يحتار إزاء هذا الفشل الذريع الذي منيت به جهود ومحاولات البناء المغاربي، على الرغم من استيفاء كل الشروط الأساسية المطلوبة لتحقيق الوحدة المغاربية، بدءا باللغة والدين والتاريخ المشترك والعوامل الجغرافية المشجعة، بل رغم الإحساس العارم بدقة وخطورة تداعيات التكتلات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والمعرفية الكبرى على الفضاء المغاربي.. وأشار إلى أن الرأي العام المغاربي بأكمله يتساءل عن دواعي الإصرار على حالة التفكك الإقليمي خلال الأعوام الثلاثين الماضية ؟ قائلا: إن جميع الدول المغاربية تتجه منذ الحصول على استقلالها، إلى الحفاظ على الحالة الراهنة المتسمة بالتشرذم والوطنيات الضيقة، والحسابات الأنانية على الرغم من الكلفة الباهظة لذلك على شعوب المنطقة وحكوماتها على حد السواء… رؤية جديدة … من جهته، لاحظ الدكتور هاردي استري (ألمانيا)، أن عوامل إنجاح الوحدة المغاربية، تبدو أوضح وأقل كلفة من حالة اللامغرب .. مشيرا في هذا السياق، إلى عدد سكان المغرب العربي الذي تجاوز الآن أكثر من 80 مليون نسمة، ووجود لغة واحدة، وكفاءات بشرية جد عالية، عززها بروز قطاع خاص ديناميكي، إلى جانب وفرة الطاقة وقربه الجغرافي من الاتحاد الأوروبي ذي السوق الاقتصادية المهمة بالنسبة للمنطقة المغاربية، بالإضافة على وجود اتفاقيات للتبادل الحر بين البلدان المغاربية والاتحاد الأوروبي، وهي عوامل من شأنها أن تؤدي إلى بروز فضاء اقتصادي مندمج، بعيدا عن الحديث عن مغرب عربي على الورق، على حد قوله.. ولم يخف الدكتور استري في مقاربته، غياب الإرادة السياسية الكافية لبناء الاتحاد المغاربي، لكنه اعتبر أن كل الآمال باتت معلقة في المستقبل، على القطاع الخاص الذي بدأ يستثمر بحيوية بالغة، تؤكده عملية إنشاء  » الاتحاد المغاربي للمؤسسات  » في الآونة الأخيرة، في وقت تعاظم الوعي لدى المستثمرين ورجال الأعمال في المنطقة، بأن الفضاء المغاربي، يعدّ سوقا نشيطة ومستقبلية، وهو تصور جديد لم يكن متوافرا في أذهان رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية قبل عدة سنوات، على حد تعبيره… تطلعات رئيسية … ووصف الأستاذ الشاذلي العياري، وزير التخطيط والاقتصاد التونسي الأسبق، كلفة اللامغرب بكونها  » قضية مزمنة وعصية على الحل ومثقلة بالهموم المعلنة والدفينة « .. وبيّن أن البحث في هذه القضية، يمر عبر تشخيص تطلعات الشعوب المغاربية وفق رؤية مستقبلية، ترتب الأولويات وتمهد لخلق الفضاءات المطلوبة لتحقيقها.. وقال إن ما تتطلع إليه شعوب المنطقة، يمكن اختزاله في ثلاثة تطلعات أساسية هي: ** التوصل إلى تحقيق الرخاء المادي، إذ على الرغم مما تحقق لكل بلدان المغرب العربي من تحسين مستوى الدخل الفردي، والتطور المسجل على الصعيد الاقتصادي في غضون العقدين الماضيين، ثمة عوائق عديدة تم تسجيلها في السنوات الأخيرة في هذه البلدان، بينها ضعف نسق خلق الخيرات، وجنوح الدخل الفردي إلى الركود، وبلوغ بطالة الشباب في صفوف خريجي التعليم العالي بمستويات مزعجة من شأنها الحيلولة دون الرخاء المادي المطلوب، إلى جانب تواصل هجرة الشباب لطلب العلم والرزق، الشيء الذي أثمر تفشي ظاهرة  » الحرقان  » أو ما يعرف بـ  » الهجرة غير المشروعة « ، بالإضافة إلى معاناة الكثير من الشرائح الاجتماعية من آفة الفقر نتيجة الافتقار للعدالة في توزيع الثروات.. وأوضح الشاذلي العياري في هذا السياق، أن موقع دول المغرب العربي من حيث التنمية البشرية تتراوح بين 64 و115 ، من بين 177 دولة في العالم .. ** أما التطلع الثاني لشعوب المنطقة فيتمثل في النفاذ إلى الرقي المعرفي والثقافي.. ولاحظ الوزير السابق، أن النظم التربوية والثقافية في الدول المغاربية، غير متأقلمة مع تطورات الساحة الدولية، إلى جانب ضعف التجهيزات والمعدات والتكنولوجيات الحديثة، الأمر الذي قلص من مستوى المعرفة التي ازدادت تدهورا، بفعل استفحال الأمية ببعديها القديم (أمية الكتابة والقراءة) والحديث (الأمية الرقمية)، إلى جانب الصراع الخفي بين الرغبة في ركوب موجة العولمة، والتشبث بالتراث، وهو ما أدى إلى ظهور أزمة نفسية ووجودية صلب الشباب المغاربي.. ** فيما يكمن التطلع الثالث في تحقيق الحريات للمواطنين، وهو من بين العوائق الأساسية التي تعوق نهوض شعوب المنطقة وشبابها ونخبها.. ولاحظ الدكتور العياري، أن التطلع إلى الحريات لا يمكن أن يطرح إلا في فضاء وطني، في إشارة إلى ارتهان أجندات بعض المعارضات وبعض منظمات المجتمع المدني إلى الخارج، لكنه شدد كذلك على أن القضاء على الفقر والبطالة، وسن التوجهات الكبرى في المنظومات التربوية للحد من الأزمة في أوساط الشباب، كلها من صلاحيات الدولة ولا دخل لأي جهة أجنبية فيها، لكن الوزير السابق، رحّب بالتعاون الأجنبي والحصول على التمويلات الخارجية، غير أنه شدد على ضرورة أن يبقى الخيار والقرار، وطنيا صرفا.. فضاءات مختلفة.. من جهة أخرى، تطرق الشاذلي العياري إلى ما أسماه بـ « الفضاءات المتاحة لتحقيق طموحات شعوب المنطقة المغاربية « ، متسائلا عما إذا كان من الممكن، الارتباط بالفضاء المتوسطي أو الأوروبي أو الأمريكي، أم التقوقع في إطار وطني ضيق ؟ واعتبر أن تنفيذ تطلعات الشعوب المغاربية، يستوجب قدرا من العمل المشترك مع فضاءات أجنبية من أجل الرفع من نسبة النمو الإجمالي، التي تحتاج إلى زيادة بنقطتين، بغاية الحد من الهجرة غير المشروعة والتقليص من حجم البطالة.. وأشار إلى وجود خيارات عديدة أمام دول المغرب العربي لنسج علاقات وتعاملات مع فضاءات جغرافية دولية، بينها الفضاء المغاربي الذات، بالإضافة إلى الفضاءات المشرقية سيما الخليجية منه، إلى جانب الفضاء الأوروـ متوسطي والفضاء الأمريكي والآسيوي والأمريكي اللاتيني والأمريكي الشمالي، وقال إن الهدف من التعامل مع هذه الفضاءات، هو التوصل إلى تحقيق متطلبات السوق الجديد الذي تمليه تطورات الاقتصاد العالمي.. وأوضح العياري أن كسب التنافسية المعولمة، تتطلب الانفتاح على التبادل الحر والرأسمالي، لكنه أكد أن أي زيادة في نمو الاقتصاديات المحلية، لا بد أن يمر عبر تكثيف عوامل الإنتاج وتحسين الإنتاجية من خلال استيعاب التكنولوجيات المتطورة. وتساءل الأستاذ الشاذلي العياري، عن الأسباب التي تجعل الدول المغاربية كسولة ومترددة في الاتجاه نحو التعاون المغاربي المغاربي، ملاحظا أن ثمة نوعا من التقاعس في الذهاب التعاون المغاربي .. وبيّن أن من بين الأسباب التي تقف وراء هذا التقاعس، هو التفاوت الكبير بين الدول المغاربية على مستوى الموارد الطبيعية والمالية والبشرية، وفي نسب انفتاحها على التبادل التجاري الحر، والتباين في مستوى الإصلاحات الاقتصادية، الأمر الذي نتج عنه ضعف قياسي على مستوى التجارة البينية، بما لا يشجع على إقامة التعاون الإقليمي. ودعا الوزير والخبير في الملف الاقتصادي، كل البلدان المغاربية إلى الإسراع بالدخول في منظمة التجارة العالمية، وإقرار مبدأ الحرية كقاعدة والرقابة كاستثناء في تعاملاتها الداخلية والخارجية، وطالب بأن يكون قطاع الأعمال مسؤولا عن الاستثمار، لكن على قاعدة الاستفادة من الحرية مقابل المغامرة بأمواله والمشاركة في البحث العلمي، فيما يكون من مسؤوليات الحكومات المغاربية، تقوية البنية التحتية وحماية جميع الأطراف المعنية بنجاح المؤسسة الاقتصادية.. لكن السيد العياري، لم يخف بأن دمج المؤسسات، ليس وحده الكفيل بتحقيق التنمية المطلوبة، وأن الوحدة الاندماجية غير مجدية بشكل مطلق، قائلا  » إن المغرب العربي يمكنه أن يقوم بتعاون ثنائي وليس بالضرورة أن يكون هذا التعاون بصورة جماعية « .. وألح الوزير السابق، على أهمية القيام ببحوث اقتصادية واجتماعية وسياسية لمعرفة كلفة اللامغرب، مشيرا إلى أن المنطقة تدخل العام 2007 مع انطلاق « سياسة الجوار » مع الاتحاد الأوروبي، حيث بات مطلوبا من الاتحاد المغاربي، التعاون المشترك لبعث أسس مغرب التكنولوجيات الجديدة، في غياب إمكانية إقامة تكتل مغاربي على قاعدة الموارد والإمكانيات غير المتوافرة في بلدان المنطقة. بين خيارين أساسيين.. ورفض مصطفى الزعنوني، وزير التخطيط التونسي السابق، أن تكون المؤسسات الاقتصادية هي البديل عن الحكومات المغاربية رغم فشلها في بناء المغرب العربي، وقال إن ثمة أسبابا أساسية تحول دون قيام هذه المؤسسات بدور البديل عن الحكومات، في مقدمتها، أن المؤسسات في الأقطار الخمسة، ذات صبغة عائلية، رأس مالها ضعيف ونسبة تداينها عالية وعدد كفاءتها المسيّرة قليل، إلى جانب كونها غير مسجلة في البورصة، ولا هي تتسم بالشفافية أو بروح المغامرة، بالإضافة إلى أن تكاليفها عالية وقدرة التنافسية ضعيفة ومحدودة، فهي لا تميل إلى التحالف أو الاندماج على الصعيد المحلي، فكيف يمكن أن تندمج على مستوى مغاربي إقليمي؟؟ وبيّن الزعنوني أن الوحدة المغاربية ينبغي أن تبدأ بدولتين أو ثلاث دول ثم تتبعها البقية، تماما مثلما حصل في التجربة الوحدوية الأوروبية، التي انطلقت عبر مسار تدريجي.. وشدد الزعنوني الذي يعدّ أحد الخبراء الاقتصاديين في المنطقة المغاربية، على أن مبادرات الحكومات، تمثل شرطا أساسيا لنشاط المؤسسات الوطنية في الفضاء المغاربي.. داعيا الحكومات المغاربية إلى الإسراع بملاءمة التشريعات والإجراءات والتراتيب الإدارية والمالية والنقدية والجمركية والمصرفية، لإنهاء حالة التباين والتباعد الموجودة بينها حاليا، والتي تعوق توسع أنشطة المؤسسات في الجسم المغاربي.. واعتبر أن من أولويات الحكومات في المغرب العربي خلال الفترة القادمة، تحقيق البنية الأساسية للنقل البري والسكك الحديدية، ومنح تشجيعات مالية وإعفاءات ضريبية للمؤسسات النشيطة في الفضاء المغاربي، إلى جانب التخطيط المستقبلي لإزالة التباين الحالي في المجالات الإستراتيجية، على غرار التطور الديموغرافي والأجور والتغطية الاجتماعية وظروف العمل، وذلك بغاية التوصل إلى تجسيد مرحلة الاندماج الكامل بين اقتصاديات الأقطار الخمسة، من خلال إقامة منطقة التجارة الحرة والوحدة الجمركية والسوق المشتركة في العام 2010 .. وأوضح وزير الاقتصاد التونسي السابق، أن ثمة خيارين اثنين أمام المنطقة : إما تحقيق الاتحاد المغاربي وبلوغ مستوى العيش الأوروبي في ظرف 30 سنة، على شرط أن ترتفع نسبة النمو من 4.5 بالمائة حاليا إلى 8 بالمائة خلال الخمسة عشر عاما القادمة، أو البقاء على نسبة النمو الحالية وبلوغ مستوى العيش الأوروبي بعد مضي 50 سنة بالنسبة لثلاثة أقطار ( هي تونس والجزائر والمغرب)، و70 سنة بالنسبة لاثنين ( ليبيا وموريتانيا)، مع احتمال حدوث هزات اجتماعية خطيرة « . الكلفة السياسية.. على صعيد آخر، تحدث الدكتور محمد العربي المساري الوزير المغربي السابق، عن التكلفة السياسية للامغرب، منتقدا عدم التنسيق بين دول اتحاد المغرب العربي، حيث يصرف كل بلد من بلدان المغرب العربي علاقاته الخارجية مع مختلف البلدان والتكتلات الإقليمية والدولية، بمعزل عن باقي بلدان المنطقة، وقال إن هناك سعيا من طرف كل بلد على حدة لضمان مصلحته الخاصة بغض النظر عن الآخرين، وهو ما يفسر عدم التنسيق بين بلدان المنطقة.. واستغرب الوزير المغربي السابق، وجود تكتلات أخرى تنشط وتتفاوض في إطار مجموعة (حالة الاتحاد الأوروبي)، فإن بلدان المغرب العربي تتفاوض بصورة فردية، الأمر الذي أحدث توازنات مختلة، معتبرا الخلاف المغربي الجزائري بشأن الصحراء الغربية، يعدّ المثال الأكثر وضوحا لعملية الاختلال هذه… وقال عبد الله التركماني، الباحث في الشؤون الإستراتيجية، أن  » الدولة الوطنية هي أساس تحقيق تطلعات الشعوب المغاربية، غير أن ذلك يجب ألا يحول دون التعاون مع فضاءات مختلفة، في مقدمتها الفضاءات الأقرب جغرافيا وتاريخيا وثقافيا، لأن هذه التشكيلات الإقليمية هي التي تساعد الشعوب على تحقيق طموحاتها »… وذكر الأستاذ خالد دحراس (منتدى البيئة والمحيط في المغرب العربي)، أن استقلال الدول المغاربية الخمس، (تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا )، مضى عليه زمن طويل، غير أن ذلك، لم يؤشر إلى حد الآن، لبوادر اتفاق سياسي فعلي فيما بينها، معتبرا أن مشكل الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب، يمثل العائق الحقيقي لقيام المغرب العربي ؟ وانتقد عبد الله العبيدي (جامعة تونس)، غياب أفق واضح في علاقات دول المغرب العربي وتحالفاتها الدولية، مؤكدا أن إيجاد ما أسماها بـ  » المرتكزات السياسية « ، و »ملامح مغرب عربي اجتماعي  » على حد قوله، سيجعل جميع المبادرات والتحركات والمقاربات، من دون نتيجة، وهو ما بينته السنوات والعقود الماضية منذ تأسيس لبنات الاتحاد المغاربي على الأقل.. تنكر الدولة الوطنية لتطلعات النخب.. وتطرق المهندس والسياسي التونسي، محمد بلحاج عمر، الزعيم السابق لحزب الوحدة الشعبية (معارض)، إلى « دور المجتمع المدني في تأخير بناء المغرب العربي « .. ولاحظ أن المغرب العربي منطقة إستراتيجية مهمة، وأن هذا الجناح الغربي للأمة العربية، كان سبّاقا في الجهاد ضد المستعمر والغزاة الأجانب، وفي بعث مكونات المجتمع المدني والزعماء الذين لم يهدأ لهم بال إلا عندما تخلصوا من المستعمرين والطامعين في خيرات أوطاننا.. وأشار إلى أن النخب المغاربية التي حاولت ـ إثر عودتها أواخر القرن العشرين من الخارج ومن المنافي والسجون ـ أن تبعث التجمعات لتنسق أعمالها داخل مجتمعاتها، سرعان ما تنكرت لما وعدت به، وسارعت بوضع مشكل الحدود في مقدمة المعضلات، وبدلا من أن تهيئ شعوبها للوحدة، مهدت السبيل أمامها للتفرقة، فتشتت الدول والشعوب وتباعدت مصالحها .. وانتقد بلحاج عمر مكونات المجتمع المدني، التي قال إنها عوضا عن وقوفها في وجه النظم الرسمية، مارست التصفيق لها، وهو يسمح بالقول بأن  » ساعة تحقيق المغرب العربي ازدادت بعدا، فلا الأحزاب السياسية تلعب دورا إيجابيا عن طريق المؤسسات الدستورية (البرلمانات ومجالس المستشارين)، ولا النقابات تؤدي رسالتها في المطالبة بوضع أرضية عقد اجتماع مغاربي، ولبقية المنظمات (مهندسون، أطباء ومحامون… وغيرهم)، يعملون على تحريك الشارع والضغط على الحكومات حتى تقوم بتفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي.. وانتهى السياسي التونسي المخضرم، إلى الإقرار بـ « الخسارة التامة على جميع الواجهات في المنطقة « ، بحيث أصبحنا لا نملك حرية القرار، ولم نتخلص من التبعية وفشلنا في معركة التنمية والقضاء على التخلف، ولم نحقق ما هو مرجو على مستوى التشغيل والتربية والبحث العلمي، وهي عوامل من المفروض أن تقوم بها مكونات المجتمع المدني، لكن هذه الأخيرة باتت تدور في حلقة مفرغة « ، على حد تعبيره.. من جهته، بيّن الحبيب الجنحاني الكاتب والمحلل السياسي والمتخصص في الشؤون المغاربية، أن الفكر الوحدوي قديم في المنطقة العربية لأسباب حضارية معروفة، وهو أكثر رسوخا وأشد وضوحا في مناطق جغرافية محددة، في طليعتها منطقة المغرب العربي.. ولاحظ أن أمل التوحد المغاربي، يعود لعوامل طبيعية وبشرية وحضارية تمتد جذورها إلى حقب تاريخية بعيدة، قبل أن يغذيها التحام حركات التحرر الوطني والاجتماعي طيلة القرن الماضي، وهو ما يفسر مبادرة الأحزاب السياسية المغاربية، غداة الاستقلال إلى السعي المبكر لوضع اللبنات الأولى لوحدة أقطار المغرب العربي، غير أن هذا الحلم سرعان ما انهار وذهب أدراج الرياح .. واعتبر الجنحاني، أن أولى الأسباب التي وقفت دون تحقيق الحلم المغاربي، هو غياب الديمقراطية.. وقال في هذا السياق: صحيح أن هناك تجارب تحديثية في بلدان المغرب العربي، لكنها تجارب عرجاء، لأنها أهملت البعد الديمقراطي، ولم تفصل بين الدين والسياسة، حسب قوله.. حول الوحدة الاقتصادية.. وتخللت الندوة الدولية حول  » كلفة اللامغرب  » مقاربات تناولت الجانب الاقتصادي في علاقته بالاتحاد المغاربي، وهي مقاربات جاءت متباينة إلى حد التناقض.. فقد تساءل ساهر الحاج عيسى، المستشار بمركز جامعة الدول العربية، عما إذا كانت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ستساعد على قيام الفضاء الاقتصادي المغاربي، مثلما أن السؤال المطروح على اتحاد المغرب العربي هو ما إذا كان سيساعد على قيام السوق العربية المشتركة.. واعتبر محمد الصالح التركي، الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية في تونس، أن بإمكان رجال الأعمال في بلدان المغرب العربي، القيام بدور كبير في بناء الصرح المغاربي المشترك، عبر بعث مشاريع اقتصادية متكاملة.. لكنه تساءل عن دور البنوك المركزية في الدول المغاربية في تدعيم التعاون المغاربي، وتأسيس سوق مالية مغاربية .. واستفسر خالد دحراس، أحد مؤسسي منتدى البيئة والمحيط في المغرب العربي، عن دواعي طلب القاهرة الانضمام للاتحاد المغاربي، في وقت توجد مبادرات من داخل المغرب العربي، بينها مبادرة رجال أعمال تونسيين وجزائريين، تشكلت بموجبها أكثر من 400 شركة تونسية في الجزائر، وهو ما يعني وجود ديناميكية وأرضية تعاون اقتصادي مغاربي يمكن الانطلاق منها لبناء كتلة تعاون اقتصادي في المنطقة.. وكشف الدكتور خالد دحراس، عن مساع يجري بذلها في الوقت الراهن، لبعث جمعية مغاربية غير حكومية، تجمع رجال الاقتصاد والمثقفين والجامعيين، بهدف الضغط على القرار السياسي في شتى بلدان المغرب العربي، من أجل تحقيق التكامل الحقيقي المنشود.. وذكر السيد عيسى البكّوش، الجامعي التونسي، أن مئات اللقاءات حول مستقبل المغرب العربي، تم تنظيمها منذ نحو خمسين عاما، أي منذ استقلال الدولة الوطنية في شمال إفريقيا، غير أن ذلك لم يحقق شيئا على الصعيد العملي، باعتبار هيمنة الشعارات واللغة السياسية على مثل هذه المقاربات، مشددا على إمكانية تحقيق فضاء جغرا ـ اقتصادي في شمال إفريقيا، فالاقتصاد ـ في نظره ـ يمكن أن يحقق تطلعات الشعوب المغاربية، ويوفر حلولا لمشكلاتها.. (المصدر: صحيفة الشرق (يومية – قطر) الصادرة يوم 27 جانفي 2007)

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

2 février 2005

Accueil   TUNISNEWS   5 ème année, N° 1719 du 02.01.2005  archives : www.tunisnews.net التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات:

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.