السبت، 19 أغسطس 2006

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2280 du 19.08.2006

 archives : www.tunisnews.net


كلمة: من أم زياد إلى تعاونية التأمين للتعليم الصباح: الإعلام الموجّه إلى الجالية التونسية بالخارج – نقائص في المنظومة الإعلامية الحالية الشروق: المطلوب شيء من المصداقية وكثير من الحياء !!! توفيق العيّاشي: إعترافات من دولة « الخرب .. و المؤسّسات » !.. عادل القادري: خمسة عشر برهانا دفاعا عن المساواة في الإرث ميدل إيست أونلاين: المراة التونسية: نصف قرن من الريادة جمال الشريف: المرأة التونسية: نصف قرن من الانجازات التونسية
سليم الزواوي: في منتدى الجاحظ – المجتمع الليبي وتحديات التحول الديمقراطي محمد بو عود: بوش الله المختار الحبيب أبو وليد المكني: بين شواهد النصر و الدمار .. يحتدم السجال في لبنان عمار عوني: أسئلة النهضة العربية الحديثة – حول أسبقية الإصلاح الثقافي والتعليمي بين سالم بوحاجب ومحمد عبده! القدس العربي : الابراهيمي يدعو الي التحاور مع المنظمة اللبنانية وتشجيعها لدخول العملية السياسية الشرق الأوسط : ليبيا: عودة مفاجئة للمزيد من المعارضين بعد اتصالات سرية إسلام أون لاين: قانا وحزب الله يمهدان لرحيل أنظمة عربية مصطفى الأنصاري: الجيش الإسرائيلي يترجم «العهد القديم» على أجساد الطفولة! سليم عزوز: انتهي الدرس أيها الحكام العرب! فهمي هويدي: آن لزمان الضفادع أن يولي


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


 

نعلم قراءنا الأعزاء  أن قائمة مراسلة تونس نيوز قد وقع قرصنتها السبت  19أوت 2006  مساء الرجاء عدم فتح آي رسالة   تأتي من عنواننا القديم

 


 لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »  

حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:

 


 

بسم الله الرحمان الرحيم

نداء

تعريفا بمحنة المرضى التي طالت سجناء الرأي في تونس

يعتزم المكتب الحقوقي والإعلامي لجمعية الزيتونة — سويسرا– انجاز التقرير السنوي حول مرضى سجناء الرأي في تونس يسلط الضوء على الأوضاع الصحية المتردية التي يكابدها السجناء طيلة مدة حبسهم وبعد خروجهم من السجن.

وذلك سعيا للكشف عن أبعاد محنة مرت في صمت محلي ودولي عجزت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية الوقوف على حقيقتها أمام محاولات السلطة المتكررة لإخفائها ومداراتها وحتى إنكارها.

إننا نرجو من السادة القراء إتماما لهذا الجهد مساعدتنا بكل الإمكانيات المتاحة ، سواء كانوا ضحايا مباشرين لهذه المحنة أو شاهدين عليها ،عن:

– أسماء لسجناء ضحايا لأمراض طاولتهم في السجن

– وثائق لسجناء شهادات طبية صور فوتوغرافية

– أسماء أطباء أو محامين أو عائلات سجناء لهم علاقة بالموضوع

– شهادات أو رسائل مخطوطة أو شفوية في الغرض

– لمدنا بإسهاماتكم واقتراحاتكم الرجاء الاتصال على العنوان الالكتروني التالي

tuniswiss@yahoo.fr

وذلك قبل 15 أكتوبر 2006


 

 

تونس في 19 أوت 2006

 

من نزيهة رجيبة حرم الجلالي (أم زياد) صاحبة شهادة التأمين رقم 055885 على سيارة الرونو 4 خيول رقم 2139 تونس 92

 

إلى

 

تعاونية التأمين للتعليم فرع 128

 

 

بعد أداء واجب التحية أعلمكم آسفة بما يلي:

 

بعد حياة مهنية طويلة في التعليم (30 سنة) تسنّى لي لأوّل مرة أن أملك شيئا يؤمّن عليه وهو سيارة شعبية حصلت عليها في أكتوبر 1999 فأمّنتها لديكم دون أي تردّد ولم يكن اختياري لكم لأنّكم أفضل أسعارا أو أحسن خدمات بل احتراما للمبادئ التعاونية التي أقيمت عليها مؤسستكم في الأوّل. واحتراما للتعليم الذي تحلّون مؤسستكم باسمه. وقد تسنّى لي طيلة مدة تعاوني معكم أن ألاحظ في خدماتكم عيوبا مثل البطء وقلة النظام والمحاباة حتى في استقبال الحرفاء في مكاتبكم ولكن كل ذلك لم يثنني عن مواصلة التعامل معكم باعتباره ليس خاصية لكم بل جزءا من الرداءة العامة التي تستفحل في البلاد.

 

اليوم أرى_مع الأسف_ أنّكم تحوّلتم من مؤسسة تأمين رديئة إلى جلاّد سياسي يمارس القمع على المناضلين الشرفاء. فقد عمدتم بإيعاز من النظام البوليسي وبإعانة من القضاء غير المستقل إلى محاولة تشريد محام حرّ ومناضل وطني من خيرة أبناء تونس الوطنيّين.

 

فرفعتم قضية ضد المحامي الشريف الأستاذ عبد الرؤوف العيادي وأخرجتموه بلا موجب من مكتبه الكائن رقم 34 شارع باب بنات الذي شغله طيلة 14 سنة. وبهذا صار يستحيل عليّ أخلاقيا أن أستمرّ في التعامل معكم ومن ثم فإنّي أطلب منكم فسخ عقدي معكم بعد شهرين من وصول رسالتي هذه إليكم بالبريد المضمون الوصول كما تنصّ عليه شروطكم.

 

كذلك أرى أنّه من الأخلاقي إعلامكم بأنّ رسالتي هذه ستكون أيضا مفتوحة أي معروضة على عموم الناس في الوسائل الإعلامية التي تقبل نشرها وليس غرضي من ذلك الانتقام ولا الثأر للأستاذ العيادي فقد انتقل إلى مكتب آخر عرضه عليه زميل له شريف وهذه البلاد لن تخلو من المروءة مهما حاول الجلاد تجريدها منها بل غرضي من نشر هذه الرسالة هو تحسيس الناس بالهاوية الأخلاقية التي تجرّ إليها السلطة مؤسسات البلاد التي تحيد باستمرار عن مهمّاتها لتضطلع بوظائف مشبوهة لا ناقة لها فيها ولا جمل.

 

وإنّي أنتهز فرصة نشر هذه الرسالة لأطلب من قرائي وأصدقائي المتعاملين مع تعاونيتكم ومع غيرها من المؤسسات الموظفة لقمع الأحرار أن يفعلوا ما يرونه صالحا لإعطائكم بعض الإشارات القويّة الجديرة بتحسيسكم بانحرافكم عن مهامكم وكذلك لمساندة المناضلين الأحرار ولو بأضعف الإيمان.

 

وختاما وإذا أردتم رأي كأستاذة لغة عربية في اسم مؤسستكم، أعلمكم أنّكم لم تعودوا في نظري جديرين لا بلفظة تعاون ولا بلفظة تأمين ولا بلفظة تعليم بما هو تنوير عقول وقلوب. بل إنّكم تخذلون وترهبون وتتصرّفون تصرّفا يتعدّى الجهل ليلامس الأمّية.

ولهذا أرى أنّه من الأنسب لكم أن تتخلّوا عن اسمكم الحالي لتسمّوا أنفسكم مركز شرطة أو شعبة دستورية أو الاثنين معا وهو الأصحّ.

 

والسلام على من اتبع الهدى

 

نزيهة رجيبة حرم جلالي (أم زياد)

(المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية، العدد 45 بتاريخ 19 أوت 2006)

 


إلى نصر الدين بن حديد

ملاحظة بسيطة وسؤال قصير

 

الملاحظة: أنا أعرف مقامي جيدا كامرأة بالنسبة لك و لحزب الله : نصف ميراث، نصف شهادة، ناقصة عقل و مسك الختام:  اضربهن. و قد شرّفتني حضرتك بالتنقيص من منابي الإنساني للربع و مع ذلك صغّرت عقلك و بعثت لي برد.

السؤال: ما هو مفهومك للانتصار؟ أنرنا أنار الله عقلك الكبير.

 

سلوى الشرفي

 


الإعلام الموجّه إلى الجالية التونسية بالخارج:

نقائص في المنظومة الإعلامية الحالية… فماذا عن المقترحات العملية لتطويرها

منى اليحياوي 

 

تونس ـ الصباح

 

الهجرة شهدت وتشهد في السنوات الاخيرة متغيرات عديدة وعميقة لكن هل واكب اعلامنا الوطني ومن خلفه مختلف وسائل الاعلام الوطنية هذه المتغيرات؟ وكيف تبدو الملامح الحالية للبرامج والمضامين التي تستهدف الجالية المقيمة بالخارج؟ وهل تستجيب لتطلعاتهم وانتظاراتهم سيما الأجيال الجديدة للهجرة؟ وماهي الأساليب الممكنة والمتاحة لتطوير الاعلام الموجه للجالية؟

 

هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن تلخص الأهداف العامة للقاء الذي جمع يوم أمس وزير الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين وثلة من المسؤولين على عدد من وسائل الاعلام الى جانب عدد من الاعلاميين والذي خصص لمتابعة توصيات اليوم الدراسي السابق حول الاعلام الموجه للتونسيين بالخارج الى جانب مزيد التشاور والتعمق في تقييم آداء وسائل الاعلام الوطنية المختلفة في التعامل مع هذا الموضـــــــــوع.

 

 نقائص في المنظومة الاعلامية الحالية

 

تعرضت بعض المداخلات الى الوضع الحالي الذي يميز المنظومة الاعلامية الحالية الموجهة للتونسيين بالخارج والتي تبرز فيها عديد النقائص منها ما يتعلق بمحدودية القنوات والبرامج التي تستهدف الجالية ومنها ما يشمل عدم القدرة على الوصول الى الجمهور المستهدف وذلك مثلا جراء عدم وصول الصحف الوطنية بالأعداد الكافية وبالسرعة اللازمة للجالية في بلدان اقامتها هذا فيما يتعلق بالصحافة المكتوبة لكن حتى على مستوى الارسال التلفزي والتواجد على الأنترنات لا يتوفر أحيانا وقد لا يشمل جميع المناطق. وتتعلق النقائص الأخرى التي تم التطرق اليها خلال الاجتماع بمضمون البرامج والمواد الاذاعية والتلفزية الموجهة للتونسيين بالخارج التي تفتقر في بعض الأحيان الى التخصص والجدوى وتكون غالبا في شكل منوعات أو برامج خدماتية لا غير قد تغفل أحيانا التعرض الى مشاغل الجالية ولا تعبر عن تطلعاتها وميولاتها وتقتصر على مواكبة رجوعها الى تونس وعودتها الى بلدان الاقامة…

 

مقتــرحـــات

 

وأمام هذه النقائص التي تشوب أحيانا الاعلام الموجه للجالية تضمن اللقاء كذلك عدد من المداخلات قدمت بعض المقترحات العملية لتطوير وتحسين آداء وقنوات الاتصال مع الجالية عبر الفضاء الاعلامي ،بعض هذه المقترحات صادرة عن ورشات العمل التي انبثقت عن اليوم الدراسي ليوم 4 أوت الفارط وشملت الاعلام المكتوب والاعلام السمعي البصري والاعلام الالكتروني وبعضها الآخر تقدم به بعض الاعلاميين الحاضرين في الاجتماع.

 

في مجال الاعلام المكتوب تطرقت هذه المقترحات الى الدعوة الى مزيد توفير الصحف التونسية في بلدان اقامة التونسيين بالخارج بأعداد كافية وبالسرعة المطلوبة والقيام بجرد لوسائل الاعلام بالخارج و التي يشرف عليها تونسيون لربط الصلة معهم وتشجيع الاعلاميين التونسيين بالخارج لتغطية الأحداث الوطنية والتواصل مع الجالية في بلدان اقامتها.

 

أما في مجال الاعلام السمعي البصري تؤكد التوصيات على ضرورة تنويع طرق البث والارسال عبر أقمار اصطناعية جديدة وفي اتجاه أماكن مختلفة من العالم  وتنويع المضامين واستعمال أكثر عدد ممكن من اللغات الأجنبية في البرامج الموجهة للجالية للتواصل خاصة مع الأجيال الثالثة التي قد لا تتقن اللغة العربية الى جانب العمل على ادخال الديناميكية على هذه البرامج لتتطابق مع ما تعود عليه التونسي في وسائل الاعلام الأجنبية في بلدان اقامتها واعداد دراسات لمعرفة ميولاتها.

 

وقد تم التركيز فيما يتعلق بالاعلام الالكتروني على الدعوة الى اعتماد الوسائل التكنولوجية الحديثة للتواصل مع الجالية وخاصة عبر الأنترنات وعدم الاقتصار في هذا المجال على مواقع الواب بل تطوير العمل ليشمل بث اذاعي وتلفزي عبر الأنترنات اضافة الى العمل على التعريف بمواقع الواب التونسية لدى الجالية بالخارج…

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 19 أوت 2006)


 

المطلوب شيء من المصداقية وكثير من الحياء !!!

 

اذا كانت الطرفة في المسرح مضحكة، فإن الناس يستجيبون معها ويضحكون لها، واذا لم تكن كذلك فإنهم لا يضحكون… أما في الاعلام المكتوب فعندما تقرأ بعض الأخبار السخيفة يصعب عليك ان تعرف ما اذا كان جمهور القرّاء يضحك للطرفة أم على راويها!!

 

وإن نتفهم رغبة بعض وسائل الاعلام في البحث عن الاثارة بحكم سيطرة منطق الربح والخسارة والتجارة على خطها التحريري، ولكن ان يتحول الاختلاق والتلفيق الى مادة اعلامية في منابر تدعي العصمة واحتكار الحرفية والمصداقية والموضوعية، فإن الامر وللأسف يحوّّل المادة الصحفية الى مجرد كوميديا سخيفة.

 

تلك هي الحال مع خبر أوردته بعض الصحف أشار الى زواج السيدة سهى عرفات من السيد بلحسن الطرابلسي، أحد رجال الاعمال التونسيين المعروفين، علما انه متزوج ويشهد الجميع باستقراره العائلي وتماسك أسرته، وان مجلة الاحوال الشخصية التونسية قد ألغت منذ خمسين عاما ـ لمن لا يعلمون ـ تعدد الزوجات في تونس.

 

ولئن كنا ندرك ان توقيت هذا الخبر قد يكون جاء ليشوّش على احتفالية المرأة التونسية باحتلالها مكانا متقدما ومتميزا تحت شمس المساواة والشراكة التي تزين سماء تونس، ولا نستبعد ان يكون مصدره أصحاب المحاولات البائسة واليائسة لإسدال ستار الحجاب على عقول نصف مجتمعنا، فإنا لا نملك مع كل التونسيين الا ان نقهقه على راوي هذه النكتة السمجة.

 

إن التونسيين الذين ناصروا قضية الشعب الفلسطيني دون قيد او شرط وبعيدا عن كل توظيف ذاتي او سياسي، واستضافوا القيادة الفلسطينية لسنين عديدة، وقاسموهم الآمال والهواجس، لن ينال من مصداقية كرم الضيافة والوفادة المتجذر فيهم مثل هذا الخبر «البايخ»…

 

ونحن لا نحتاج الى جمع القرائن وعرض البراهين حتى ننفي بشدة ونكذّب خبر الزواج هذا، خبر هو مجرد طرفة لا تثير من الضحك الا ما يعني الشفقة والرثاء لأصحابها!!؟

فالمطلوب شيء من النزاهة الفكرية وكثير من الحياء…

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 19 أوت 2006)


 

 

ايلافـ: اعتقال خمسة رجال في قضية غرق زورق مهاجرين في ايطاليا

روما، القدس: أفادت وكالة أنسا الايطالية عن اعتقال خمسة رجال يشتبه في أنهم نظموا عملية عبور مهاجرين انتهت بغرق الزورق ووفاة ما لا يقل عن عشرة أشخاص اليوم في جزيرة لامبيدوزا جنوب جزيرة صقلية. وأضافت أن « المهربين » المفترضين من اصل ليبي وقد يكونون قاموا شخصيا بعملية العبور. وافادت الشهادات الاولى للناجين ان الزورق ابحر من ميناء ليبي معروف بمثل هذه العمليات لتهريب المهاجرين الى اوروبا. وكان القارب يحمل على متنه مغاربة وصوماليين واريتريين. وبعد ساعات قليلة من الماساة، وصف وزير الداخلية الايطالي جيوليانو اماتو تهريب المهاجرين غير الشرعيين بانه « جريمة ».

واعلن الوزير في بيان « انها ليست فقط ماساة بل جريمة ايضا. واذا لم نتوصل الى انزال العقاب بالمجرمين فانهم سيعيدون الكرة. وهكذا تتكرر المآسي ». ودعا « الى القضاء نهائيا على المنظمات الاجرامية التي تعرض يوميا للخطر هذا العدد الكبير من الارواح البشرية في عبور المتوسط ».

اعتقال فلسطيني يشتبه في انه قتل ايطاليا في القدس من جهة ثانية اعلنت الشرطة الاسرائيلية اليوم انها اعتقلت فلسطينيا يشتبه في انه قتل ايطاليا طعنا بعد ان ظن انه يهودي في العاشر من اب(اغسطس) في القدس. وقال الناطق باسم شرطة القدس شمويل روبين لوكالة فرانس برس ان المشتبه فيه اشرف حنايشة (24 سنة) المتحدر من بلدة قباطية في شمال الضفة الغربية « اعترف بجريمته وشارك في عملية تمثيلها ». واكد ان المشتبه فيه اعلن انه كان « يريد قتل يهودي » وانه اعرب عن اسفه للخطأ. ويشتبه في انه على علاقة بحركة الجهاد الاسلامي. واعتقل في نهاية الاسبوع في مخيم قلنديا شمال القدس حيث كان يختبئ بعد العملية. وكان الايطالي القتيل انجيلو فرامرتينو (24 سنة) من دعاة السلام اليساريين وصل مطلع اب(اغسطس) الى اسرائيل للمشاركة مع 11 متطوعا اخر في مخيم صيفي في القدس الشرقية تنظمه الجمعية الايطالية للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وقتل بطعنتين قبل ثلاثة ايام من عودته الى ايطاليا عندما كان يسير في شوارع القدس الشرقية مع رفاقه قرب احدى بوابات القدس العتيقة.  

(المصدر: موقع ايلافـ  يوم 19 أوت 2006)

 www.elaph.com

 


 

إعترافات من دولة « الخرب .. و المؤسّسات » !..

 

 
    بقلم : توفيق العيّاشي   مازلنا إلى حدّ هذه الّحظة ننتظر بلاغ السلطات التّي ستعلن بمقتضاه إستغناءها عن مخافر و مناطق الأمن ذات السمعة الطيبة و الإستعاضة عنها  ب »الخرب » و الأزقّة المُظلمة  لإختطاف و إستنطاق و تأديب »مُجرمي الرأي الحرّ »و خاصة هؤلاء الصحفيين الذين يسعون و العياذ إلى تعقّب الحقيقة و هتك سترها و من المنتظر أن تكون منطقة الوردية (حيث منزل المحامي السجين محمد عبّو) ، هي المقر الدائم مستقبلا، لقيادة الأجهزة المتخصّصة في ملاحقة الأقلام السليطة و عيون الكاميرا الوقحة التي لا ترى إلاّ الجرائم التي يراد منها حفظ النظام حفظه الله و أدام لنا دولة القانون و المؤسّسات . و لا غريب في ذلك ، فقد إحتضنت منطقة الورديّة « عمليّة بيضاء » ( و لو أنها في الواقع سوداء) ، بغرض إجراء التجربة على « الخربة » و مدى فاعليّتها ، و إنتهت العمليّة  بالنجاح  بشهادة الأوامر « ال..من..فوقيّة »  . و في إنتظار صدور هذا البلاغ ، و إلى حين البتّ فيه من قبل أجهزة النُصح و الإرشاد ذات المُسمّيات الوديعة وداعة التماسيح ذات الأعين الدّامعة ، إليكم إعترافاتي ب »جرم عظيم » قد إقترفته صحبة أخطر « مجرمي الرأي » ، »صاحب السّلاح الفتّاك » أبعد الله عنّا و عنكم البلاء و غمركم ب »التنمية الشاملة و الرعاية المُستديمة » ، صاحب القلم الحرّ ذي الحبر النووي الذي يستطيع تعقّب الفضائح العائمة و روائح اليخوت القادمة من الشمال … أمّا من أعني ، فطبعا الصحفي سليم بوخذير  المحكوم بالجوع الدّائم في بلد الفرح الدائم … و كنت أنا و العياذ بالله مراسل إحدى القنوات التي تختصّ في نشر الغسيل التونسي على  الحبال الدولية بعد أن عمدت سلطتنا البهيّة إلى قطع جميع الحبال في الداخل و جعلت ما تبقّى منها مختصا في تنصيع الغسيل بإعتماد مساحيق سحريّة ، فيُشابه في نصاعته نصاعة سجلّات حرية التعبير و حقوق الإنسان في البلد . المهم أنني كنت مساء ذلك اليوم ، الإربعاء 17أوت 2006 ، مُدجّجا بكاميرا رقميّة فاقت في حجمها حفظكم لله من شرّها حجم علبة السجائر ،  و هي كاميرا وقحة أبت على نفسها منذ إستعملتها إلا أن تنشر « وباء » الحقيقة حفظكم الله في دولة الأمن و الأمان  ، و كنت قد عقدت العزم أنا و « الإرهابي » سليم بوخذير على الإقدام على « جريمة بشعة » كانت ستودي برؤوس المئات  لو نُفّذت .. هذه الجريمة هي زيارة السيدة سامية عبّو زوجة « مجرم الرأي » محمد عبّو الذي تجرّأ و نشر مقالا على شبكة الأنترنت  ذات النوافذ المُغلقة في تونس ، لتجنّب الريح التي لا تترك نظامن الموقّر يستريح ، و كان قد زجّ به في السجن و إستراح الجميع من بلاء رجل قيل والعياذ بالله إنّه يحمل أفكارا حرة . ..المهمّ أننا كنّا ننوي زيارة زوجته للتضامن معها في محنتها بعد إرتفاع وتيرة « العناية الأمنية السديدة  » بها و بزوجها في السجن مؤخرا ، و لحظّنا العاثر ، لم نكن نعلم أنّ القانون التونسي يحاسب على النوايا قبل الأفعال ، وكنّا على وشك تنفيذ هذه الجريمة لولا أنّنا وجدنا « فرسان الحرية و القانون » يُرابطون منذ الثامنة صباحا (و الحقّ علينا ، فقد تأخرنا عنهم) ، في إنتظارنا مُدجّجين بأوامر من فوق . فأدام لنا الله هذا الفوق الذي يُمطر أوامر لا يعرف طعمها إلاّ أنا و العياذ بالله سليم بوخذير و السيدة السامية سامية عبّو .  .. و إنطلق « فرساننا » أصحاب العضلات المفتولة التي تقتات من جيوبنا و النظّارات السوداء التي تُخفي عيونهم « البريئة »  ونواياهم « الحسنة » ، و إنطلق مهرجان الصّفع و الدفع لإبعادنا عن المكان دون أن ننسى السبّ و الشتم ، و إلاّ فكيف ستكتمل عندهم صفات الرجولة و المروءة دون هذه « المزايا » . و إنقسموا إلى فريقين ، طبعا  ليسا كفريقي كرة القدم حيث  يتكوّن الفريق من « عشرة و غول » ، ففي هذه اللّعبة كان كلّ فريق يحتوي على 40 لاعبا أساسيا بالإضافة إلى « الكادر » علي بابا ، أمّا عن اللّعبة فقد تأكّدت من إسمها لاحق ( لعبة الدّيمقراطيّة ) .. فإنشغل الفريق الأول بالصحفي الحرّ خيّب الله قلمه ، فيما إنشغل الثاني بي انا و العياذ بالله … دفعوني في بداية الأمر في إتّجاه محطة المترو ، ثمّ تغيّرت « خطّة الديمقراطية » ليعرجوا بي إلى أحد الازقّة الضيّقة بدا و كأنّه مهجورا أو وقع تهجير سكّانه لغرض كهذا ، و لم لا إذا كان الشعب في خدمة الديمقراطية ( مثل الشعبة تماما) .. الأهم  في هذا الزقاق هي « الخربة » التي حلت محلّ مركز الأمن في بلد لقانون و المؤسّسات ، و قد تسابق « فرساننا الأاشاوس » نحوي متشوّقين للكمي و رفسي و لطمي و سبي و شتمي مُستعرضين كلّ قواهم  هم يتسابقون في غطار منافسة أشهد أنها نزيهة (لا أعني نزيهة رجيبة ). و قد تأكّدت أن العون صاحب القميص الأحمر كان الأقدر يومها على الأفتراس مدفوعا بشحنة نفسية منذ الصغر عندما تفتّحت عيناه في حاوية للفضلات .. و صاحب القميص الأحمر لا يقلّ شُهرة لدى نشطاء المجتمع المدني في تونس  شُهرة « الكوّارجية » لدى جمهور المللاعب من فرط ما شاهدوه  يجول الشوارع و يقتحم سكة  لمترو بدراجته النارية « إيكس تي » ، أمّا « الكوادر » فقد إنشغلوا ساعتها بصرف النّاس الذين تجمهروا حول المكان يُشاهدون مشدوهين « لعبة الديمقراطية »  ، و قد إنصرف أغلبهم خوفا من ان يحلّ محلّ في هذه الّلعبة . و قد تأكّدت من « رجولة » هؤلاء عند قدوم السيدة عبّو التي أربكهم صياحها الإحتجاجي  و تحلّق  الناس حولها ، فإنصرفوا عن فريستهم (الذي هو أنا) صاغرين ، و أدركت  حينها أنّ لعبة الديمقراطية لا تلعب جيدا أمام أعين الناس و وسط « الشوهة » رغم أنها لعبة »قانونية » تُلعب بأوامر فوقية . و بعد لحظات معدودات  عادوا إلى الدفع و الصفع من جديد و الأوامر الفوقية تتهاطل عبر الهاتف تُلحّ عليهم بضرورة إختطافي  و إنتزاع  هاتفي الجوال بعد الكاميرا ، فقد بلغ بهم « التطوّر التقني » درجة القدرة على التنصّت على هواتفنا و إعطاء  الأاوامر في ضوئها بسرعة قياسية ، بشهادة « كوادرها »  ، و كنت في سرّي سعيدا ببلوغ هذه الدّرجة العُليا من سلّم هذا « الرقيّ الحضاري » لطالما سمعته يتردّد في خطاباتهم »العصماء » ، و الفضل يعود إلى شركات الإتصال تقوم ب »واجبها الوطني » رغم خصصة أغلبها  و تساعد على « تكريس قيم حرية الإتصال  و سرية المراسلات » .. أجبروني  على  النزول  في المحطّة  المُوالية بعد أن سفّروني بالقوة من محطة « 13 أوت »  ، و ارغمني سيّدي « الكادر الذي أخطأت في تقييم رُتبته و ناديته بالعون « أعانه الله على كسر رقاب كلّ أصحاب الرأي الحرّ » ، على النزول ، و قد علمت من خلال مُكالماته إلى جواري ، أنه لم يُغفل في تقريره عن إنجازات يومه الرائدة القول إنه ضبطني بصدد التصوير المهمّ ، أنهم اعادوا لي آلة التصوير الوقحة و سفّروني إلى وسط العاصمة و كلّفوا احد « الكوادر »  بالمهة التالية : « حوّس معاه حتى تأتي الأوامر »  … ثمّ جُلّست بالقوة ، في مقهى داخل أحد الأزقة المتفرّغة عن شارع المجاهد الأكبر  لا أعرف إسمه و لكني تأكّدت لاحقا أنها بجانب المطعم « الذي أن يفطر فيه الأستاذ المختار الطريفي » ..هكذا وصفه « الكادر » لأحد زملائه .. و لا أصف لكم سعادتي بتطبيق  « الكوادر » لما جاء في الدستور التونسي الذي أقرّ حرية التنقل و تأكّدت من ان الشرطة في خدمة الشعب ، خاصة عندما نزلت الأوامر من فوق بأن يصطحبني الكادر حتى باب المنزل ، و استسمحكم بأن أؤكّد ل « الكادر »  المرافق بأن باب المنزل لم يكن بنّي اللون ، بل كان برتقالي ، لأن الألوان تختلف بين الليل  و النهار تماما كما تختلف لعبة الديمقراطية في السر و العلن . أما عن زميلي سليم بوخذير ، فقد حُظي هو أيضا بتشريف « فرساننا الابطال  » ف « زوّروه » « الخربة » رغم أنفه و أنوف روّاد المقهى المجاور  و الذي إختطفوه من أمامه ، و قد نال  نصيبه ممّا كتبت له الأوامر الفوقية من اللّكم و الرّكل و الرّفس ، ثمّ رُحّل لى منزله رغم أنف حرية التنقل  بصحبة مرافقين  أُمروا بأن يوصلوا « الأمانة »  إلى مكانها .. لذلك ، أقدم  إعترافي بأنّ  كلانا إرتكب مع سابقية الإضمار و الترصد : جريمة مطاردة الحقيقة و نشرها للعموم  و زيارة زوجة  محمد عبو و التي تعتبر « خيانة عظمى » في بلد القانون و المؤسسات .. عفوا « الخرب و المؤسّسات » ..


 

خمسة عشر برهانا دفاعا عن المساواة في الإرث

عادل القادري

 

بمناسبة خمسينية مجلة الأحوال الشخصية وفي إطار الحملة الوطنية من أجل المساواة في الإرث نظمت يوم 11 أوت 2006 جمعية النساء الديمقراطيات وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية ندوة صحفية حول المساواة في الإرث تحت عنوان ( خمسة عشر برهانا دفاعا عن المساواة في الإرث).

 

السيدة خديجة الشريف رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات أشارت في كلمتها إلى أن العمل في إطار هذه الحملة ـ التي انطلقت بعريضة سنة 1999 جمعت في وقت قصير 1000 إمضاء ـ لم يقتصر على الجمعيتين المنظمتين لهذه الندوة الصحفية بل شاركت فيه العديد من المنظمات والجمعيات مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة المحامين والاتحاد العام التونسي للشغل… مؤكدة أنه لا أحد ينكر مكاسب المرأة التونسية وأن الافتخار بمجلة الأحوال الشخصية والتمسك بها يفرضان علينا تجاوز النقائص ومزيد التقدم لمواجهة عقليات تدعو إلى الرجوع للوراء. وفي هذا السياق فإن اللامساواة في الإرث مشكل مطروح في القانون وفي المجتمع لا يمكن تجاهله واعتبار المسألة ثانوية أو قضية وهمية كما يزعم البعض بل هي ظاهرة مجتمعية شاملة متعددة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية والسياسية. ومن هنا لا بد من التأكيد أن المساواة غير قابلة للتجزئة كما أن المساواة تسير مع الديمقراطية وتكريس الحريات العامة وفصل الدين عن السياسة أو عن الدولة. وقد تضمنت حملة المطالبة بالمساواة في الإرث طيلة هذه الفترة عدة أنشطة تحسيسية وبحوث (حوارات جهوية ، ندوات استبيانات ووبحوث حول الحقوق والسلوكات الاجتماعية والعقليات بخصوص الإرث) . و تم تتويج العمل بإصدار كتابين في انتظار صدور كتاب ثالث كما تم الاتصال للغرض بالمسؤولين السياسيين ونواب البرلمان والهيئات المعنية ( مثل الهيئة العيا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية) .

 

السيدة سعاد التريكي رئيسة جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية طرحت من جهتها سؤالين : هل استوفت مجلة الأحوال الشخصية كل ضمانات عدم التمييز بين الجنسين؟ وهل إن تطور وضعية المرأة التونسية اجتماعيا وثقافيا ما زال يسمح بالتغاضي عن مسألة اللامساواة في الإرث؟ وأوضحت أن الدراسة المنجزة حول الموضوع قد استغرقت خمس سنوات تضمنت مرحلتين نظرية وميدانية أسهم فيهما عدد من الجامعيات والجامعيين المختصين في علم الاجتماع والقانون والتاريخ … وقد كانت الثمرة الأخيرة لهذا العمل الاستدلال الصادر باللغتين العربية والفرنسية بالتعاون مع مؤسسة فريديريك ايبرت والذي تم توزيعه على المشاركات والمشاركين في هذه الندوة الصحفية .

 

وقد تولت السيدة سناء بن عاشور تقديم هذا الاستدلال في خمسة عشر برهانا دفاعا عن المساواة في الإرث بين النساء والرجال. حيث تم تقسيم هذه البراهين إلى ثلاثة محاور:

 

أولاها اجتماعي واقتصادي ( تحولات الأسرة التونسية والفارق بين الواقع الزوجي وبين الأنموذج التشريعي للإرث ـ المشاركة الاقتصادية للنساء ـ اللامساواة في الإرث عائق اجتماعي وعامل مؤثر في تدني الوضع الاجتماعي للنساء )

 

والثاني قانوني ( التمييز في الإرث ينافي المبادئ الدستورية للمساواة بين المواطنين وضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية ـ اللامساواة في الإرث تنافي المقاييس الإنسانية المعترف بها في المعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية ـ اللامساواة في الإرث تنافي الروح التحررية للمشرع التونسي ـ اللامساواة في الإرث تتناقض مع التطورات الأخيرة لفقه القضاء العدلي ـ اللامساواة في الإرث تعكّر صفو العلاقات الاجتماعية والعائلية)

 

أما القسم الثالث فقد تضمن براهين ثقافية ( تاريخ توريث الأملاك في المجتمعات الإسلامية أو نشأة نظام التوريث ـ التحايل القانوني لإقصاء النساء مثل الأحباس والأوقاف ـ التطور التاريخي لنظام الإرث بالبلاد التونسية وإقصاء النساء ـ حركة الإصلاح الإسلامية والمواقف النقدية للطاهر الحداد والتشدد الثقافي تجاه النساء ـ استبعاد النساء من الإرث والممارسات التمييزية)

 

وبناء على تلك البراهين والحجج تم التأكيد على أنه حان الوقت لإبطال الامتيازات وإلغاء قانون الإرث وإقرار المساواة في الإرث بين الجنسين. وأكدت السيدة سناء بن عاشور أن الأدلة والحجج المقدمة في الاستدلال يمكن أن تكون أكثر من 15 وهي قابلة للتطوير هدفها الإقناع والنقاش والحوار حول مسألة ندرك حساسيتها وإن كنا مقتنعين أنها لم تعد سابقة لأوانها.

 

وبالفعل فقد أثار هذا الاستدلال الذي وجد صدى طيبا لدى الحضور حوارا مستفيضا شارك فيه عدد هام من ممثلات وممثلي المجتمع المدني والأحزاب السياسية و وسائل الإعلام . حيث تساءل البعض عن خلفيات الحملة المضادة الموجهة في الأيام الأخيرة من بعض الصحف التونسية ضد الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات حول مسألة المساواة في الإرث وهي ليست مجرد قضية نسوية مما يستوجب خوض معارك إعلامية أكثر جرأة في مواجهة تنامي المد الأصولي والتيار المحافظ الذي سرعان ما يكشف عن نفسه في مثل هذه المواضيع ، كما طرحت مسألة المؤسسة الدينية الرسمية وغياب رأيها الصريح حول الموضوع وإن كان الأصل في الإسلام عدم وجود مؤسسة دينية ولا يحق لأحد الوصاية على الدين كما اعتبرت إحدى المتدخلات أن التشريع الإسلامي هو بصدد التشكل الدائم وينبغي أخذ النص الديني ومقاصده في كليته دون اجتزاء ولذلك فإن قدرة المرأة على الإنفاق و واقع مساهمتها في مصاريف الأسرة تسقط الحجة التقليدية لدواعي التمييز في الإرث . في حين رأى البعض أن الأجدر الانطلاق من مرجعية واضحة حقوقية إنسانية بعيدا عن أي منطق ديني لأن العائق الأكبر الحقيقي هو النظام الأبوي والفكر الذكوري.

 

ودعت إحدى النقابيات إلى العمل على إيصال هذا الطرح الحقوقي الذي ما زال نخبويا إلى الشرائح الوسطى والشعبية مشيرة إلى الرد السلبي القوي حين طرح الموضوع في بعض المجالس والهيئات الرسمية مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي. في المقابل أكدت بعض الجامعيات أن الدراسات المنجزة قد أثبتت أن العقليات التونسية قد تطورت إيجابيا وهي اليوم ليست بعيدة عن تقبل قيم المساواة وفي هذا المجال يبقى دور الجمعيات والأحزاب التقدمية والمؤسسات التربوية ووسائل الإعلام هاما جدا لتثمين ذلك التطور وإبراز الأمثلة المجسدة له. وكل ذلك ينبغي أن يكون في إطار حوار وطني يمكن أن يتوّجه في الأخير قرار سياسي حاسم يعبر عن إرادة تشريعية تستند إلى ديناميكية مجتمعية أقوى من سنة 1956.

 

(المصدر: صحيفة « الوحدة » الأسبوعية العدد 512 بتاريخ 19 أوت 2006)

الرابط: http://www.elwahda.org.tn/wehda.php?link=14&id_watania=1211

 


 

المراة التونسية: نصف قرن من الريادة

 
الكاتبة اللبنانية ماري ناصيف الدبس تبحث في مقاربة بن علي بان حقوق الانسان لا تكتمل ولا معنى لها في اي غياب لحقوق المرأة. بيروت – صدر عن دار الميثاق للدراسات والنشر ببيروت مؤلف جديد للكاتبة اللبنانية الدكتورة مارى ناصيف الدبس اختارت له عنوان « المراة التونسية: نصف قرن من الريادة ». ويتناول الكتاب الذي اتى في عشرة فصول موزعة على مائتي صفحة ما حققته المرأة التونسية من مكاسب عززت حضورها في مختلف ميادين الحياة العامة سيما في مجالات السياسة والنشاط الجمعياتي والمجتمعي. وتطرقت الكاتبة في هذا المصنف الى المراحل التاريخية التي ميزت نضالات المرأة التونسية وجعلتها اولى نساء العرب تحصل على جزء اساسي من حقوقها وفي مقدمتها المساواة. وكتبت الدكتورة ماري ناصيف الدبس تختزل مراحل النضال النسوي في تونس « ان اليسار عليسة تجسدت في عشرات بل في مئات والوف حفيداتها اللواتي برهن في مرحلة ليست ببعيدة في النصف الاول من القرن الماضي انهن على مستوى كبير من المسؤولية الوطنية فهن خضن غمار النضالات في مجالات شتى وكن في مقدمة الصفوف من اجل التحرير كما كن كذلك مع طلائع البنائين الذين اعادوا لتونس دورا مهما في الثقافة العربية …لذا لا مجال للاستغراب في كون النساء التونسيات قد حصلن على جزء اساسي من حقوقهن وفي مقدمتها المساواة قبل غيرهن من الاخوات العربيات… هذه الحقوق تجلت في صدور مجلة الاحوال الشخصية منذ خمسين عاما بالتمام والكمال ». ويبرز الكتاب ايضا المكانة المتميزة التي تحظى بها المرأة في تونس التغيير بفضل المقاربة السياسية والتنموية التي انتهجها الرئيس زين العابدين بن علي والتي مكنت المرأة من المشاركة الفاعلة في تونس الحديثة. واكدت الكاتبة في معرض سردها للاصلاحات التي شملت مجلة الاحوال الشخصية منذ التحول ان ما اضافه الرئيس زين العابدين بن علي من فصول وملاحق يكاد يتجاوز الحجم الذي صدرت به قبل نصف قرن مبينة « ان الرئيس بن علي لطالما اعتبر ان حقوق الانسان لا تكتمل ولا معنى لها في اي غياب لحقوق المرأة ولهذا عمل على نشر ثقافة حقوق الانسان في كافة الاوساط وعلى اوسع نطاق لضمان الاحترام الفعلي لها ». وتناولت الكاتبة بالتحليل والمقارنة مشاركة المرأة التونسية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ودورها الفاعل في مسار التنمية مستنتجة ان هذه المشاركة تعود اساسا الى المنهج التحرري لمجلة الاحوال الشخصية والى المبادرات الرائدة للرئيس زين العابدين بن علي التي ارتقت بالمرأة الى مستوى الشريك كامل الحقوق والواجبات. وتجدر الاشارة الى ان الدكتورة ماري ناصيف الدبس هي جامعية وكاتبة لبنانية لها مؤلفات عديدة حول قضايا المرأة العربية كما تعد ناشطة متميزة في الدفاع عن قضايا المرأة عل الصعيدين العربي والدولي.  

(المصدر: موقع ميدل إيست أونلاين بتاريخ 18 أوت 2006 )


المرأة التونسية: نصف قرن من الانجازات

التونسية، نصف المجتمع ومربية نصفه الاخر، تحتفل بذكرى صدور مدونة الأحوال الشخصية.

 
بقلم: جمال الشريف
 
إذا كانت تونس قد حازت السبق والريادة في مجال من المجالات فإنه قطعا مجال التحديث المجتمعي وعنوانه الأبرز والأبلغ أثرا تحرير المرأة وتوطيد مكانتها في الأسرة والمجتمع.. وهو مسار فتحت به دولة الاستقلال مشروعها الإصلاحي إيمانا من المضطلعين بأعباء الحكم في هذا البلد سنة 1956 بأن خروج الاستعمار ليس نهاية المطاف وبأن الاستقلال الحقيقي والتحرير الفعلي هو تحرير المجتمع من التخلف وسطوة الجهل والأمية ومظاهر الغبن والحيف التي تنخر كيان المجتمع وبالدرجة الأولى العناية بالمرأة… نصف المجتمع ومربية النصف الآخر. وقد وجد هذا الإيمان صداه على أرض الواقع السياسي والاجتماعي التونسي قبل خمسين سنة من خلال فتح تشريعي جريء وغير مسبوق في الفضاء العربي الإسلامي يتمثل في « مجلة الأحوال الشخصية » التي كرست حقوق المرأة ونظمت العلاقات داخل الأسرة التونسية وفقا لرؤية اجتهادية تحديثية جسدت مع بواكير مسيرة البناء الوطني (13 اب/اغسطس 1956 تاريخ إصدار المجلة أي بعد أشهر قليلة من الاستقلال في 20 اذار/مارس 1956) إلتقاء إرادة النخبة السياسية ممثلة بالأخص في الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس المستقلة بتطلعات رموز الإصلاح الفكري والديني بما أتاح الارتقاء بالطروحات والرؤى الاجتهادية التي عجت بها ساحات تونس وأصقاع العالم العربي الإسلامي من مستوى الخطاب الثقافي والفكري إلى مرتبة القانون الملزم الذي كان له الأثر العميق ضمن سيرورة البناء السياسي والتنموي والمجتمعي في تونس. وليس من قبيل المبالغة في شيء القول بأن تلك المجلة تعد نصا « تأسيسيا » ينطق بجرأة الفكر وتقدميته.. نص آثر عدم الاستكانة لدعوات الشد إلى الوراء التي لم يخل منها أي مجتمع من المجتمعات في كل العصور ولم يتهيب تبعات زعزعة البنى الاجتماعية التقليدية وزعزعة ما بها من جمود وحيف ونشد التأسيس لواقع مجتمعي جديد أكثر عدلا وتوازنا يحلق فيه المجتمع بجناحيه.. الرجل والمرأة ولا يظل فيه نصف المجتمع معطلا مشلولا. وإن الدارس المتمعن لمضامين « مجلة الأحوال الشخصية » في تونس من أهل المعرفة والاختصاص ليس بوسعه سوى الإقرار بأن تلك « المجلة » التي توخى واضعوها منهجا قوامه حلول تلائم العصر واعتمدوا التأويل المبني على المقاصد مسايرة لروح الإسلام السمحة لم تخالف نصا صريحا في القرآن الكريم والسنة النبوية وذلك انسجاما مع ثوابت تونس المستقلة التي ينص دستورها على ان الإسلام هو دين الدولة والمصدر الأساسي للتشريع. ومع تأصلها في تربتها الحضارية والثقافية انطبعت هذه المجلة القانونية بروح التحديث مبنى ومعنى عبر توخيها صياغة تشريعية عصرية وتركها المجال مفتوحا لمزيد التطوير بواسطة الاجتهاد القضائي مع توحيد التشريع وتوحيد القضاء بالنسبة إلى كل التونسيين. كما تبرز حداثة هذا التشريع من خلال المضمون وذلك بفرض حضور القانون الملزم في الزواج والطلاق والتشديد على حماية حقوق المرأة مثلما يتجلى من خلال تحديد السن الدنيا للزواج ومنع تعدد الزوجات وتأسيس الطلاق بالتراضي. وتعد أحكام هذه « المجلة » التي عاشت مراحل عديدة من التطوير والتحسين مسايرة للتحولات المجتمعية بمثابة علاج قانوني اجتماعي لوضعيات متأزمة إذ أنها عالجت أوضاع المرأة والطفل والأسرة عند قيام رابطة الزوجية وانحلالها بفرض المحاولة الصلحية. وفي هذا الباب تعد « المجلة » أول تشريع عربي إسلامي أوجب المحاولة الصلحية البت في آثار الطلاق بالنسبة إلى الزوجة والأطفال وخاصة التعويض عن الضرر الناجم عن الطلاق وجراية المطلقة. وتأكيدا لطابعها التأسيسي وأبعادها الشمولية كان لـ »مجلة الأحوال الشخصية » أثرها الكبير على سائر مكونات المضمون التشريعي التونسي باتجاه ضمان تلاؤمه مع الأحكام التي أتت بها إذ تم تعديل التشريعات السابقة لصدورها مثل مجلة الالتزامات والعقود والمجلة الجزائية كما أعطت من روحها للتشريعات اللاحقة كقانون الحالة المدنية وقانون الجنسية ومجلة حماية حقوق الطفل وقانون الاشتراك في الأملاك بين الزوجين. ومن ابرز خصائص هذا التشريع التقدمي الذي عرف على مدى سنوات نصف القرن الماضي محطات عدة للإثراء والتطوير أنه يتميز بتناغمه مع التشريعات الدولية في مجال حقوق الإنسان وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتكرس منظومة التشريعات التونسية ذات الصلة مكاسب البشرية في مجال الحقوق الفردية والجماعية ومنها حقوق المرأة إذ صادقت تونس على الاتفاقيات الدولية التي تمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة وأرست مبادئ حماية الطفولة وضمنت حقها في الرعاية الصحية والتعليم والعمل وحرية الزواج مثلما وفرت لها الحماية من الاعتداءات الجنسية. وقد مثلت حقوق المرأة والمكاسب التي خولتها لها تشريعات دولة الاستقلال وثمار تجربة العقود الثلاثة الأولى من الفعل التنموي ثابتا أساسيا أعلن تغيير 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 الدستوري بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي تمسكه به بأن رفع شعار « لا للتراجع » عما تحقق للمرأة التونسية من حقوق ومكاسب ونعم لـ »المراجعة » في اتجاه تطوير تلك الحقوق والمكاسب وإثرائها وضمان تلاؤمها مع المنزلة الهامة التي أضحت تحتلها المرأة في كل ساحات العمل والإنتاج والإضافة ومواقع القرار والمسؤولية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وقد برهنت تلك الإرادة التي تحظى بحضور بارز في الخطاب السياسي للرئيس بن علي على أن تغيير 7 نوفمبر كمشروع سياسي ومجتمعي يعد بالدرجة الأولى امتدادا لموروث الفكر الإصلاحي الوطني ومدارس الفكر الاجتهادي المستنير عربيا وإسلاميا ومن رموزها الأعلام خير الدين التونسي وأحمد ابن أبي الضياف ومحمد عبده وقاسم أمين وعبد العزيز الثعالبي وصولا إلى الطاهر الحداد الذي يعتبر مؤلفه الشهير « إمرأتنا في الشريعة والمجتمع » الصادر في ثلاثينات القرن الماضي المرجع الأساسي الذي نهلت منه تجربة تحرير المرأة في تونس واستندت إليه « مجلة الأحوال الشخصية ». ومن شواهد هذه الإرادة التي تقطع الطريق أمام أي ارتداد عن المبادئ وتعمل على الحيلولة دون انتكاس التجربة أو النكوص عن خيارات الإصلاح مبادرة بن علي بإدراج « مجلة الأحوال الشخصية ».. الوثيقة والتجربة والرمز ضمن نص الدستور التونسي في تنقيح 1997 وعزز مكانتها القانونية في التنقيح الدستوري الجوهري لشهر جوان 2002 بأن كرس تلك المجلة إلى جانب مبادئ أخرى مشتقة من إنجازات التحرير والتنوير والتحديث مثل حقوق الإنسان والتسامح والتضامن قيما دستورية عليا يحتم على الجميع دولة ومجتمعا مدنيا واجب احترامها وصيانتها ومسؤولية ترسيخها وتنميتها. وفي هذا الباب بالذات ارتقت تونس بمقتضى التنقيح الدستوري المؤرخ في 27 أكتوبر/تشرين الاول 1997 بمجلة الأحوال الشخصية إلى مرتبة الدستور تأكيدا لإلزامية التقيد بها من قبل كل الأطراف الوطنية ولاسيما تلك المعنية بالشأن السياسي. ووفقا لهذا التعديل أصبح الفصل الثامن من الدستور التونسي ينص على ما يلي « تساهم الأحزاب السياسية وتنظم على أسس ديمقراطية وعليها أن تحترم سيادة الشعب وقيم الجمهورية وحقوق الإنسان والمبادئ المتعلقة بالأحوال الشخصية وتلتزم الأحزاب بنبذ كل أشكال العنف والتطرف والعنصرية وكل أوجه التمييز.. ». وقد تجلت إرادة إثراء مكاسب المرأة وتطويرها في عهد بن علي في زخم من المنجزات التشريعية والمؤسساتية لعل من علاماته الكبرى التعديلات الهامة التي أدخلت على « مجلة الأحوال الشخصية » في 12 يوليو/تموز 1993 وهو تعديل أكد الدور المركزي للأم في الأسرة وأحاطها بالحماية مهما كان الوضع الذي تمر به الأسرة في حالتي التماسك والتمزق فجعل الأم شريكة للأب في الولاية على الأبناء ومكنها من حضانة الأبناء القصر وتصريف شؤونهم. كما كرّس التعديل مبدأ التعاون بين الزوجين في الواجبات المالية وغير المالية من أجل حماية أجيال المستقبل. وفضلا عن ذلك جاء تنقيح يوليو 1993 ليضفي نفسا حداثيا أكبر على مجلة الأحوال الشخصية بأن أرسى مفاهيم ورؤى جديدة داخل العائلة تتماشى والتغيرات الهيكلية التي شهدها المجتمع التونسي إذ غير مفهوم رئاسة العائلة وألغى التنصيص على واجب الطاعة وأقر واجب التعاون والشراكة ومساهمة الزوجة في الإنفاق على الأسرة. وترجمانا لمرتكزات المقاربة التونسية في هذا المجال والتي تعتبر الإصلاح والتطوير مشروعا منفتحا على المستقبل جاء البرنامج الذي تقدم به بن علي إلى الشعب التونسي في انتخابات الرئاسة لشهر أكتوبر/تشرين الاول 2004 مؤكدا لهذا المنحى بأن تضمن إصلاحات وتدابير جديدة تثري رصيد مكاسب المرأة التونسية. ومن بين هذه التدابير ذات الدلالة والتي ترمي إلى إتاحة فرصة أكبر للمرأة للتوفيق بين الحياة الأسرية والحياة المهنية إقرار نظام خاص للأم يمكنها حسب رغبتها من العمل نصف الوقت مقابل ثلثي الأجر مع الحفاظ على حقوقها في التقاعد والتغطية الاجتماعية ووضع إجراءات جديدة وحوافز إضافية لبعث محاضن الأطفال وتعزيز شبكة رياض الأطفال والرفع من مستوى خدماتها. كما تستهدف التدابير المدرجة ضمن هذا البرنامج الخماسي (2004 ـ 2009) تأمين حماية أكبر للرباط الأسري من خلال تخصيص فضاء مستقل في مقرات المحاكم لقضاء الأسرة والطفولة قصد حفظ كرامة الأطفال وحماية خصوصية الشؤون العائلية والزوجية. كما نص برنامج بن علي على تعديل مجلة الأحوال الشخصية بغرض إقرار حق الجد والجدة في زيارة الأحفاد علاوة على الأبوين في حالة الحضانة. وقد وجد هذا المشروع الأخير بعد طريقه إلى التنفيذ بمصادقة البرلمان التونسي (مجلس النواب) يوم 21 فبراير/شباط 2006 على التعديل المقترح. إصلاح.. وتحديث… وتطوير.. رددت أصداءه الآفاق التونسية.. على مدى خمسين سنة من الاستقلال.. والتغيير.. حقبة خصبة ثرية كان فيها التشريع المدخل والوسيلة للارتقاء بالمرأة .. ومثل التعليم.. الرافعة الأقوى لتحرير العقل وتبديل العقليات… وقد كان من ثمار تلك « المغامرة » الإصلاحية التي أسندتها إرادة سياسية ثابتة على عهدي بورقيبة وبن علي أن حازت المرأة في تونس سبقا أكيدا على نظيراتها في جل دول العالم العربي الإسلامي وربما أكثر من هذا المجال الجغرافي الحضاري الثقافي لا على صعيد التشريعات والقوانين المنظمة لحقوقها ولمكانتها في الأسرة والمجتمع فحسب وإنما أيضا على مستوى الواقع الوطني التونسي حضورا فاعلا وقدرة على الإضافة ودورا حقيقيا في مسيرة البناء الوطني السياسي والاقتصادي والاجتماعي… وإن الناظر في واقع تونس اليوم ليدرك حجم النقلة النوعية التي أدركتها المرأة التونسية في سائر المجالات كما ونوعا وهي نقلة تترجمها أرقام موثقة ومؤشرات عميقة الدلالة تنبئ عن إدراك هذا البلد العربي بجوهر التقدم الاجتماعي والاقتصادي تضعه في مدارات أقرب ما تكون إلى المستويات التي بلغتها الدول المتقدمة العريقة على صعيد التحديث الاجتماعي والسياسي. فالمرأة في تونس لا يقل اليوم حضورها عن الثلث في بعض المهن والقطاعات التي كانت مع بدايات الاستقلال حكرا على الرجل من ذلك أن حضورها السياسي قد بلغ نسبا تناهز 23 بالمائة في مجلس النواب (البرلمان) (34 امرأة) وزهاء 19 بالمائة داخل المؤسسة التشريعية الوليدة « مجلس المستشارين » و26 بالمائة في اللجنة المركزية للحزب الحاكم في تونس « التجمع الدستوري الديمقراطي » (64 امرأة) و26 بالمائة في المجالس البلدية و18 بالمائة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وعلى مستوى اقتحامها فضاءات العمل والإنتاج المادي والمعرفي تمثل المرأة حاليا نسبة 51 بالمائة في سلك التعليم الابتدائي و48 بالمائة في التعليم الثانوي و40 بالمائة في التعليم العالي و42 بالمائة في المهن الطبية (فاقت 70 بالمائة في بعض الاختصاصات مثل طب الأسنان والصيدلة) و31 بالمائة من المحامين و27 بالمائة من القضاة وقرابة 57 بالمائة من مجموع طلبة الجامعات والمعاهد العليا ونسبة 32 بالمائة في قطاع الفلاحة والصيد البحري و43 بالمائة في الصناعات المعملية. ومن مؤشرات تعزيز حضور المرأة في الفضاء العام ضمن هياكل ومؤسسات المجتمع المدني الارتفاع المطرد لعدد الجمعيات النسائية التي تنشط في مجالات الثقافة والعلوم والهندسة والاتصالات والتقنية والاقتصاد والتصرف إلى جانب تكثف البرامج والخطط التي تستهدف دعم انخراط المرأة في مجتمع المعرفة والمعلومات وإتاحة الفرص أمامها لتوظيف كفاءاتها في المجالات المستحدثة والمجددة التي ترتكز على استخدام التكنولوجيات والمعلوماتية. وفي هذا المضمار وتأكيدا لمكانة التعليم بمختلف مستوياته كبوابة لاقتحام مواقع جديدة متقدمة شهدت تونس خلال السنوات الأخيرة تطور عدد المختصات في تكنولوجيا الاتصال من 28 بالمائة من مجمل الطلبة سنة 1999 إلى 40 بالمائة سنة 2004 وتعزيز موقعها في منظومة البحث العلمي والتكنولوجيا إذ يفوق عدد النساء العاملات في هذا الميدان 1180 امرأة أي ما يمثل 27 بالمائة من مجموع موظفي القطاع. وتحتل المرأة مواقع التسيير والقيادة في هيكلة المؤسسات الخاصة الناشطة في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال. وقد تواترت على مدى العقود الماضية وخاصة خلال السنوات العشرين الأخيرة شواهد التقدير عربيا ودوليا لتجربة تونس في مجال النهوض بالمرأة وتكريس حقوقها وإثراء مكاسبها على مختلف الأصعدة. ومن هذه الشهادات ذات الدلالة تلك التي صدرت عن الأمينة العامة للمنظمة العربية للأسرة التي أكدت خلال ندوة نظمها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في 27 ديسمبر/كانون الاول 2005 تحت عنوان « الأسرة التونسية من حلم الحداد إلى إنجازات بن علي » أن القانون التونسي في مجالي الأسرة والمرأة « يبقى الأكثر تقدما والأشد حداثة والأوفر ملاءمة لروح العصر ومنطق الأحداث » سيما أنه قد أثمر نقلة نوعية في الإصلاح تتطلع المرأة العربية « التي بقيت حقوقها مهضومة في أغلب المجتمعات العربية » إلى السير على خطاه واستلهام مبادئه ومرجعياته وتطبيقاته. جمال الشريف جامعي تونسي  

(المصدر: موقع ميدل إيست أونلاين بتاريخ 14 أوت 2006 )


في منتدى الجاحظ:

المجتمع الليبي وتحديات التحول الديمقراطي

سليم الزواوي

 

كلّ من يزور ليبيا في الوقت الراهن أو حتى في السنوات القليلة الماضية يقف على مؤشرات واضحة عن تحوّل ما أو مخاض ما يتفاعل في صلب المجتمع الليبي. غير أنّ التحديد الدقيق لاتجاهات هذا التحول ولطبيعة المولود الذي سيتمخض عن الولادة الجديدة أمر يستعصى الإمساك بخطوطه العامة بشكل يدعو للإطمئنان واليقين.

 

لتبديد هذه الرؤية الغائمة والضبابية، كان من الضروري التماس الأجوبة عن الشأن الليبي وتحولاته المرتقبة من خبراء ومتخصصين ليبيين عاشوا التجربة من الداخل وساهموا بقدر ما في نحت معالمها ومحاولة توجيه مسارها.

 

في هذا السياق كانت استضافة منتدى الجاحظ يوم السبت 29 جويلية 2006 لأستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازي السيد زاهي بشير المغربي فرصة مناسبة للتعرف عن قرب على ما يعتمل في عمق المجتمع الليبي وسطوحه من تحولات وتطورات تختلف التقييمات بشأنها في الخارج دون أن تستند في الغالب لتحاليل ملموسة ربما يكون أهل الداخل أدرى بتفاصيلها.

 

الأستاذ زاهي بشير المغربي كما نوهنا سابقا أستاذ جامعي يدرّس العلوم السياسية ومؤلف لعديد الكتابات المتمحورة حول قضايا المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في ليبيا وهو بالإضافة إلى ذلك مناضل مستقل لا يمثل حزبا أو جمعية وإنما يعبّر عن حساسية ما فتئت تتوسع ضمن قاعدة محترمة من النخب الليبية الطامحة لإحداث تحولات إصلاحية تنطلق من أولوية الإصلاح السياسي بوصفه المدخل الضروري والشرط الكافي لتوفير المناخ المناسب للإصلاح الاقتصادي والمجتمعي علما وأن كلمة الإصلاح ليست أمرا منبوذا في ليبيا اليوم فهي متداولة على نطاق واسع بل يمكن القول إنها الشعار المرحلي الذي يستقطب إجماعا ليبيا، غير أن هذا الإجماع المجتمعي حول مفردة الإصلاح لا يخفي غاية الاختلافات والتناقضات التي تفجرها لحظة التحديد الدقيق لمضامين الإصلاح واتجاهاته والقوى المؤهلة للنهوض بأعبائه وتحقيق بنوده.

 

بالعودة إلى موضوع الندوة، فقد ارتأى الأستاذ زاهي المغربي قراءة الواقع الليبي في تحولاته الراهنة انطلاقا من تشخيص عوامل الإخفاق والتعثر في المرحلة السابقة منذ قيام الثورة سنة 1969 إلى أواسط التسعينات وانفراج أزمة لوكربي باعتبارها محطة هامة لبداية المراجعات الممهدة لانطلاق مرحلة جديدة عنوانها الأبرز الإصلاح والبحث عن مخارج وحلول للأزمات السابقة.

 

في قراءته للحقبة السابقة ولثلاثة عقود من الحكم الجماهيري في ليبيا يرى الأستاذ زاهي أن منطلق الأزمة وأسباب تفاقمها إنما تكمن أساسا في بنية الدولة وطبيعة النظام بخياره الإيديولوجي بشقيه السياسي والاقتصادي. فالمشكلة لا تتحدّد كما غيره من المحللين في سوء التطبيق للكتاب الأخضر أو الممارسة المحرفة لتعاليمه وإنما تكمن في جوهر الرؤية الإيديولوجية الموجهة للسلوك السياسي والنشاط الاقتصادي… وإذا تجاوزنا الشق السياسي وما عرف به النظام الليبي من منع للتعددية الحزبية وللجمعوية ومن إعلان صريح بأن التمثيل النيابي والاقتراع الانتخابي مصدر تدجيل وتحايل على الشعوب المخدوعة والمغرر بها.

 

فإن الجانب الاقتصادي المرتهن لسياسية الدولة الريعية كما هو الحال في النموذج الليبي فقد أفرز نتائج بالغة الضرر على مسار التنمية في القطر الليبي خصوصا بعد تراجع أسعار النفط واستبداد قبضة الحصار على ليبيا خلال عقد التسعينات من القرن المنصرم.

 

يخلص الأستاذ زاهي من هذا التشخيص للحقبة الماضية بأن الدولة في ليبيا وهي تحاول الإصلاح في السنوات الأخيرة وجدت نفسها عاجزة عن التقدم المدروس في المسار الإصلاحي نتيجة لوطأة ما تراكم من أخطاء في الماضي ولوجود قوى نافذة ومحافظة تستفيد من بقاء النموذج الريعي في توزيع الثروة وبسبب مخاوف هذه الجهات المتنفذة من أن يكون الإصلاح الاقتصادي الموعود على حساب مصالحها وما تعودت عليه من روتين بيروقراطي في إدارة الشأن الاقتصادي تضاف على ذلك توافر رؤى أخرى اقل محافظة ولكنها تمثل في نهاية المطاف معيقا إضافيا لمسار الإصلاح بما أنها مازالت تراوح مكانها وتعرقل الحراك المجتمعي الحادث في ليبيا حين تصرّ على إمكانية القيام بإصلاحات اقتصادية يدرج ليبيا في اقتصاد السوق من دون المساس بمرتكزات النظام السياسي وما يفترضه من توجه شمولي ورقابة دائمة على الأفراد والمجتمع.

 

قد يوحي هذا التشخيص الموضوعي لواقع الحال في ليبيا بنوع من التشاؤم لدى الأستاذ زاهي غير أن الخاتمة التي أنهى بها الباحث من طرابلس مداخلته أبرزت انطباعا ايجابيا ومتفائلا حول اتجاهات التطور في ليبيا.

 

هذا الانطباع الايجابي له مرتكزاته في صلب ما يعتمل من إرهاصات وتحركات داخل السلطة والمجتمع المدني. ـ فظاهرة ـ سيف الإسلام وما يقوم من مساعي وحركات ومبادرات ذات منحى إصلاحي باتت ملفتة للانتباه وهي فعلا معقد آمال الكثير من الليبيين. فإصلاح النظام من داخل أحد أجنحته ومراكز النفوذ فيه قد تكون طريقة ليبيا المبتكرة في التغيير السلمي والإصلاح السياسي والاقتصادي تجنبا لهزات اجتماعية ومغامرات سياسية لا تحتملها ليبيا في ظل أوضاع إقليمية ودولية متقلبة وغير مثالية للاستقرار والجمود في أي بقعة من العالم ناهيك ما يمثله الوطن العربي بموقعه وثرواته في معادلات التقسيم العالمي للنفوذ الامبريالي.

 

أما المؤشر الثاني الذي يدعم الانطباع التفاؤلي لدى الأستاذ زاهي فيتمثل في اليقظة المتزائدة والوعي المتنامي في أوساط النخبة النيّرة وبعض الشرائح الطلابية وقد ظهر هذا الوعي بضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي في كتابات على المواقع الالكترونية وحتى في بعض الجرائد والمجلات المحسوبة على السلطة والحكم خصوصا بعد توسع فرص التعبير عن الرأي بفعل الاختراق الحاصل في جدار الإعلام الحكومي بفضل ثورة المعلومات التي تجتاح العالم بأسره

 

(المصدر: صحيفة « الوحدة » الأسبوعية العدد 512 بتاريخ 19 أوت 2006)

الرابط: http://www.elwahda.org.tn/wehda.php?link=10&id_article=1234


بوش الله المختار

محمد بو عود

 

اثر سريان وقف إطلاق النار في لبنان كان كل العالم يتهم إسرائيل بارتكاب المجازر في لبنان، ما عدا صفي الله المختار بوش عليه السلام، نبي العالم الجديد هذا يرى ما لا يراه غيره من الأغيار، باعتبار انه يوحى إليه وباعتبار أن سبق له أن حاكاه الرب وأمره بأن يضرب أفغانستان ويدمر العراق، فهذه المرة أيضا ألهمه الرب أن سوريا وإيران هما اللتان دمرتا لبنان، لا حول ولا قوة إلا بالله، هل يُعقل أن يظهر رئيس أكبر دولة في العالم ويقول هذا الكلام في ندوة صحفية تنتظرها كل وسائل الإعلام العالمية؟

هل ما زال في العالم شيء من المنطق والعقل؟

ألا يكفي أن بوش قد جند كل العالم ليقف مع الكيان الصهيوني الغاصب وسخّر لها الفلك تجري في البحر بعلمه وأمره وتحمل له من يأتمرون بأمره من وزراء الخارجية العرب والعجم وغيرهم من الأمم ليدينوا الضحية ويتباكون على الجلاد؟

ألا يكفيه أن منحه الله ملاكا طاهرا هي بالتأكيد إحدى حوريات الجنة، فترى رؤساء وزعماء ووزراء ومسؤولين من كل أصقاع العالم يتهافتون على نيل رضاها ولو بابتسامة صفراء، وهي تنقل إليهم تعليمات بوش التي تلقاها من الرب في منامه، وهم يقولون على الضالين آمين.

الا يكفيه أن منحه الله السيد بولتون الذي لا يشق له غبار في الفيتو، ورامسفيلد الذي لا يُضاهى في فنون التعذيب وابتكار أنواع جديدة من السجون والمعتقلات ما أنزل الله بها من سلطان، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.

ألا يكفيه أن منحه الله ليفني وأولمرت وبيريتس وغيرهم من المؤمنين بقداسة رسالته في إذلال الشعوب واحتلال الأقطار وقتل الصغار والكبار، ألا يكفيه ما منحه الرب عز جل من موالاة أكثر من 20 مسؤولا عن أكثر من عشرين جهاز مخابرات عربيا لا يأتمرون بأمره فقط، بل ينفذون تعليماته في مواطنيهم قبل أن ينطق بها، فهو لقدسيته الخارقة صارت تعليماته تسري عند أكثر الحكام العرب في العروق، ولا يحتاج أن ينبههم إلى واجباتهم في مكافحة الإرهاب وإخضاع الناس إلى منطق الديمقراطية والحرية ولو غصبا عنهم، بل هم إذا نسي يذكرونه بأنه نسي شعبا من شعوبهم لم يجد عليه بنعمة الديمقراطية.

ألا يكفيه أن حروبه في العراق وأفغانستان تمولها الدول النفطية العربية دون مقابل ودون أن يسمح لها حتى بالتدخل في شؤون العراق حتى بمجرد تصريح للاستهلاك الداخلي..

ألا يكفيه أن ينظر الى آبار النفط وحقول الغاز وحدائق الموز ومناجم الذهب ويقول: معدني حيث شئت فخراجك آت اليّ لا محالة أحب حكامك أم كرهوا..

ألا يكفيه ان يكون وحده ولا نكون نحن ابدا… ألا يكفيه أن يعلن ذات يوم انتهاء الحياة البشرية على الأرض…

لا أعتقد ذلك فمن شيم شعب الله المختار أن يعيش لكن بشرط ان يكون غيره من الشعوب الأغيار خدما وعبيدا عنده وذلك حتى يتحقق وعد الله.

 

 (المصدر: صحيفة « الوحدة » الأسبوعية العدد 512 بتاريخ 19 أوت 2006)

الرابط: http://www.elwahda.org.tn/wehda.php?link=21 


 

بين شواهد النصر و الدمار .. يحتدم السجال في لبنان

الحبيب أبو وليد المكني

 

تشير الأخبار الواردة من لبنان و فلسطين المحتلة  أن القرار الأممي 1701م قد صادقت عليه الأطراف المتحاربة و أن الحرب السادسة قد أوشكت على الانتهاء ، وهو ما سيفتح المجال واسعا لتناول ما بعد الحرب بالتحليل و الاستنتاج ..

 

أعلنت دولة إسرائيل الحرب على لبنان ، وهي تتوعد بتدمير حزب الله و فرض شروطها على لبنان ، وإعدام الخاطفين و تحرير جنودها و إرجاع البلد ثلاثين سنة إلى الوراء و تجريد المقاومة من سلاحها ، و أطلقت يد الآلة العسكرية الضاربة لتفعل بلبنان ما شاءت ، وتوفر لهذا الجيش غطاء دوليا قلما وجد في حرب سابقة .

 

و في المقابل  وقف حزب الله بما يمثله من مقاومة إسلامية و ثقافة الكرامة والشرف و الصمود . ومعه الديمقراطية اللبنانية التي حافظت على وحدة البلد و رفضها لشروط العدو فسطرت آيات في البطولة و التضامن و الالتحام .رغما عن التدمير و الهمجية و آلاف الشهداء و المصابين .و أراد بعض الحكام العرب ــ و قد ظنوا أن الهزيمة محققة ــ أن يحفظوا عروشهم و ينالوا  رضا أوليائهم في أمريكا و بريطانيا ، فما كان منهم إلا أن يعلنوا أن المقاومة الإسلامية   طائفة خارجة عن القانون و أنهم أول من يسعى للتخلص منها . أما الجماهير فقد أدركت بحسها الوطني الشريف أن المعركة معركتها و أن الحرب تستهدف كرامتها و كبريائها و وجودها فعبرت عن تضامنها مع المقاومة و أصبحت جزء من معادلة القوة لصالح المقاومة ، مما فرض تعديل بعض المواقف الرسمية العربية و أكد للدوائر الاستعمارية  أن سكوتها عن الهمجية في لبنان قد يؤدي إلى دعم قوى الإرهاب و ينتهي إلى الإضرار بمصالحها الحيوية .

اليوم سكتت المدافع وعادت الطائرات إلى مواقعها ، و عاين كل طرف حجم الأضرار التي لحفته ،و بدأ الفصل الثاني من المعركة . كل طرف يحاول أن يفرض قراءة  المشهد من وجهة نظره …

هذا المقال يحاول أن يستقرئ المشهد في لبنان في أعقاب الحرب السادسة ، و ينظر في تداعياتها على الجبهة الداخلية و كاتبه يدرك أن الشأن اللبناني لا يمكن تناوله بمعزل عن المحاور الإقليمية و المخططات الدولية لكن ذلك يتجاوز حدود هذا المقال .

 

1 ــ الاتجاه نحو الاستقطاب والخلاف .

 

حرصت  قوى المقاومة أن تعلن عن انتصارها قبل أن تتوقف المعارك . و هي تعلم  جيدا ما تعنيه من هذا الانتصار ، وهي التي سبق لها أن بينت حدود الانتصار و الهزيمة  منذ  البداية من خلال الأهداف التي سطرها العدو وبعد استعراضها لملامح  السياسة الأمريكية  في المنطقة القاضية بتشكيل شرق أوسط جديد . و تتلخص هذه  الملامح في ضمان سيطرة الكيان الإسرائيلي على المنطقة و وضع ثرواتها تحت تصرف الإدارة الأمريكية  و القضاء على قوى المقاومة والصمود  و الممانعة ومن تمّ تعميم ثقافة الهزيمة  .

لم  تنجح  إسرائيل و حلفاؤها في تحقيق الأهداف التي أعلنتها قبل الحرب  , بل على العكس تدعمت قوة حزب الله بما أثبته من قدرة قتالية عالية ، أفلح بها في الدفاع عن بلاده  و أوقع في صفوف عدوه خسائر فادحة ، وأنهى بها أسطورة الجيش الذي لا يقهر و تقليد الحرب الخاطفة التي تدور على أرض العرب و تظل فيها المدن الإسرائيلية آمنة …

لم تدع المقاومة أنها قادرة على منع التقتيل و التدمير و الهمجية ، فهي تعترف منذ البداية بأن الدمار سيكون كبيرا لكنها تعد بالقيام بواجبها في إعادة البناء …

و تجاوبت الشعوب شرقا و غربا مع هذه المقاومة و أعلنت تضامنها معها دون تحفظ و عبرت عن سرورها بانتصارها .. و بدا ذلك واضحا في وجوه العائدين إلى بيوتهم المدمرة في الجنوب .

و في المقابل حرصت القوى الأخرى على إعلان تباينها مع المقاومة و تحميلها مسؤولية هذه الحرب ، وهي بذلك تتناغم مع الثقافة التي تشربتها من زمن بعبد ، ثقافة الهزيمة و الاستسلام  للعدو التي تخشى صولته و جولته ، وهو ما فهمته إسرائيل  بأنه ضوء أخضر من هذا الفريق العربي للقيام بمهمة تصفية المقاومة ، ولو أنها لم تكن في حاجة لأي لون من الأضواء . و  كان واضحا أن هذا الفريق لا تعنيه  روح المقاومة و لا فكرة الصمود و الممانعة ، ولا تهمه قيم الكرامة والشرف ، و لا معاني الهزيمة والنصر . لذلك ركز منذ البداية على الذريعة التي منحها حزب الله لإسرائيل حتى تدمر لبنان و أكد على ما أسماه   » بأجندا « إيران .ثم أخذ يبحث في قوات المحور دون أن يقول شيئا عن قوات الحلفاء . ليقنعنا أن خيار المقاومة قد مات منذ زمان في أرض العرب ، ومن يقدم نفسه اليوم على أنه مقاومة في لبنان  ليس إلا رأس حربة للمحور الإيراني الذي هو أخطر على العرب من إسرائيل مبرزا الطابع الطائفي و الأطماع الفارسية  ومتناسيا الحديث عن الأطماع الأمريكية و الإسرائيلية .

و راهنت إسرائيل و أمريكا على  قوى 14 آذار في الحكومة اللبنانية و خارجها لانتزاع شرعية المقاومة و إدخال البلد في حرب أهلية ستمكن الدولة العبرية من التحكم في خيوطها و بالتالي إغراق لبنان في بحر من الدماء سيتحمل سلاح المقاومة وحزب الله وزرها التاريخي و من هناك القضاء للأبد عن شيء اسمه مقاومة الاحتلال  و لكن الحس الوطني البنان استيقظ طوال الحرب لحكمة أرادها الله أولا ولحسابات قام بها البعض و أملت عليه الالتزام بالموقف المتضامن .

 

و كان واضحا أن إسرائيل لم تنجح في إشعال الحرب الأهلية على الأقل أثناء حربها العدوانية رغم كل الدمار الذي أحدثته  و كل الشهداء الذين سقطوا ، فكان ذلك نصرا للمقاومة أضيف لانتصاراتها في ميادين المعارك و نأمل أن لا تنجح الجهود المشبوهة الذي تبذل الآن من أجل شق الصفوف الوطنية و إحداث شرخ في الجبهة الداخلية . و الخوف أن تتمكن قوى الحلفاء من اختطاف النصر العسكري و تحويله إلى هزيمة سياسية محورها الإصرار على نزع سلاح المقاومة و من تم اندلاع الحرب الأهلية

 

2 ــ هل نحن بصدد مواكبة نصر استراتيجي ؟

 

المشهد السياسي اللبناني هذه الأيام تتجاذبه رؤيتان متعارضتان . الأولى تؤكد على فشل العدوان الإسرائيلي  ، و تحقيق نصر استراتيجي من شأنه أن يقوي الجبهة اللبنانية و يمنح المناعة للبلد ،وتؤكد أن الجهود يجب أن تنصب الآن  على مساعدة  السكان وكسب معركة إعادة الإعمار ، تركز هذه الرؤية على أن جميع اللبنانيين يحب أن يعبروا اليوم عن ابتهاجهم بما تحقق على أرض المعركة ، و أن يعملوا على تحقيق  انتصار سياسي و دبلوماسي يمكن الدولة من أسباب القوة المادية والمعنوية و يوفر حظوظها في تبوء المكانة التي تستحقها على الصعيدين الدولي و العربي و من تم الاستفادة من ذلك في إعادة  الاعمار و تحقيق الازدهار والتنمية  ..

الثانية  ، لا يهمها مما تحقق من نصر عسكري في الجنوب  باعتباره  حدثا تحقق لحساب المحور الإيراني  ، بينما تركز على مشاهد الدمار الواسعة لتقدمها على  أنها مظاهر العزيمة . أما من الناحية السياسية  فإنها ترى في الأحداث التي جرت نصرا لحزب الله على حساب الأطراف الأخرى و بالتالي فإنها تحرص على تجريده من  ثمرات هذا النصر  ، بالضغط من أجل تحقيق مطالبها القديمة المتمثلة في نزع سلاحه و فرض ما تسميه بفرض سلطة الدولة على الجنوب  .

الحديث كثر عند هذا الفريق عن الدولة في مقابل الدويلة ، والدفاع عن المصالح العربية في مقابل المطامع الإيرانية . و الغريب أن هذا الفريق يرفض الحديث عن نصر لحزب الله لكنه يمتدح ما يسميه بالنصر السياسي و الدبلوماسي الذي تحقق للبنان في الأمم المتحدة مع صدور القرار 1701 .

هناك ولا شك جهود كبيرة  تبذل من الحلفاء لتحقيق الأهداف التي لم تتحقق بقوة السلاح و الدمار ، و تستثمر من أجل ذلك قوى المحور المعادي للمقاومة  و لا ندري هل ستنجح في مسعاها أم تفشل . ما مؤكد فقط هو أن التحالف الدولي سوف ينجح إذا وجد في الداخل اللبناني من يشعل فتيل الحرب الأهلية بما سيؤدي  إلى كسر إرادة الصمود و حمل الشعوب العربية و الإسلامية  التي ناصرت المقاومة  وابتهجت بانتصارها على الشعور بالإحباط .

التصريحات التي تصدر من فريق 14 آذار و الحكومة اللبنانية  لا تبعث على الارتياح و لكنها تدفع على الاعتقاد بأن حربا حول مفهوم الدولة و المقاومة و السيادة والجيش قد تندلع من تحت الأنقاض المتراكمة  ، حربا إذا اندلعت لن يكون بعدها مجال للحديث  إلا عن الهزيمة  . و من المرجح أن لا يستخدم السلاح في هذه الحرب نظرا لاختلال التوازن العسكري بين الفرقاء لكن تواصله لمدة طويلة على المستوى السياسي وما يتصل به من تحالفات شرعية و مشبوهة و ما يتخلله لا سمح الله من مسلسلات الاغتيال لم تبق معنى الانتصار الاستراتيجي .

 

و عليه  فيبدو أن إعلان النصر الاستراتيجي  حتى بالمعايير التي تطرحها المقاومة يجب أن ينتظر قليلا وفي الأثناء من الواجب على مختلف القوى الوطنية أن تبشر بنجاح صمودها و احتفاظها بشرفها و كبريائها و كرامتها  .خاصة و  نحن لم نعرف بعد حجم الخسائر التي تكبدها حزب الله وهي خسائر لا بد أن تؤثر على دوره المستقبلي  بعد انتشار الجيش اللبناني والقوات الدولية و فك الحصار و في ظل المعادلات الجديدة .

 

كما أن طبيعة العلاقة التي ستتأسس بين سوريا و لبنان سوف يكون لها تأثير مباشر على نتيجة المعركة ، لأن عملية قطع لبنان عن عمقه الطبيعي والاستراتيجي لن يكون بأي حال من الأحوال  نصرا للبنان و سورية  و المقاومة . و نأمل أن تنجح القوى الوطنية اللبنانية بمختلف انتماءاتها على التوافق فيما بينها بما يخدم مصلحة الوطن و يضر بمصلحة العدو.


 

أسئلة النهضة العربية الحديثة:

حول أسبقية الإصلاح الثقافي والتعليمي بين سالم بوحاجب ومحمد عبده!

عمار عوني (*)

 

هل نحن في حاجة ماسة الي إعادة قراءة المدونة الإصلاحية العربية الحديثة التي أنتجها المصلحون والعلماء المجددون منذ أواخر القرن التاسع عشر والي الربع الأول من القرن العشرين؟ وما مشروعية إعادة النظر في أدبيات المصلحين العرب التي تأسست في نطاق استشراف آفاق النهضة العربية خروجا من واقع الانحطاط وبحثا عن سبل الرقي والتقدم رغم الهوة الحضارية الشاسعة بين العالم العربي الإسلامي والغرب الأوروبي المنفرد بآليات الحداثة والتقنية من جهة والمندفع بعقلية الاستعمار والهيمنة نحوالعالم الخارجي؟

 

هذان السؤالان وغيرهما من الأسئلة ربما تنهال علي أي تفكير تنويري نقدي إذا ما اعترضته بعض الأطروحات الجديدة حول أفكار المصلحين العرب عند بدايات اليقظة أواخر القرن التاسع عشر باعتبار أن الدفاع عن حرمة المعرفة ليس ادعاء نظريا أجوف ينكر علي الإيديولوجيا شرعية استيطان القول الفكري أو جزء منه، لكنه دفاع عن الموضوعية والنسبية والتاريخية وروح النقد… .

 

قراءة جديدة للإصلاح الحديث

 

هذا المعطي الذي يلح علي أهمية إعادة تقييم المواقف من الفكر الإصلاحي العربي الحديث والحفر مجددا انطلاقا من مرجعية نقدية في المدونات التي أنتجها رجال الإصلاح العرب مشرقا ومغربا يجد أكثر من مشروعية في هذا السياق المنهجي نقديا ومعرفيا. ولعل ما توصل الي استنتاجه مؤخرا الدكتور كمال عمران في دراسة علمية جديدة خلاصتها أسبقية المصلح التونسي الشيخ سالم بوحاجب (ت 1924) في الدعوة الي اصلاح التعليم وتحديثه عن المصلح المصري الشيخ محمد عبده (ت 1905) يعتبر طرحا ملفتا لنظر الباحثين ودافعا الي التفكير ومراجعة بعض المسلمات التي

هيمنت علي كتابات الدارسين لأطروحات المصلحين العرب ومشاريعهم التحديثية.

 

فقد استخلص هذا الباحث التونسي في دراسته التي قدمها في ندوة علمية نظمتها الجمعية التونسية للدراسات والبحوث حول التراث الفكري التونسي أن الشيخ سالم بوحاجب كان سباقا عن الشيخ الإمام محمد عبده في الوعي بضرورة بلورة مشروع اصلاح تحديثي محوره اصلاح التعليم وتجديد الثقافة الاسلامية.

 

فقد استند الدارس في بناء هذه الفكرة الجديدة التي تقول بريادة الشيخ سالم بوحاجب التونسي في تبني فكرة التحديث وتطوير المنظومة الثقافية والتعليمية في تونس والعالم العربي الإسلامي وأسبقيته في ذلك عن الشيخ الإمام محمد عبده الي نصين مركزيين للشيخين المذكورين هما عبارة عن محاضرتين علميتين ألقاها كل منهما علي منبر الجمعية الخلدونية ( معهد للعلوم العصرية أنشئ بتونس سنة 1897م) باعتبار أن محمد عبده قد زار تونس مرتين ، الأولي أواخر 1884 بعد ايقاف مجلة العروة الوثقي بباريــس والثانية في ايلول (سبتمبر) 1903، حيث ألقي محاضرة في معهد الخلدونية بتونس ووقف علي النشاط العلمي والثقافي المتطور في أوساط النخبة التونسية.

 

والمتأمل في نص المحاضرة التي ألقاها الشيخ سالم بوحاجب في افتتاح الدروس بالجمعية الخلدونية يوم 15 ايار (مايو) 1897 يستنتج العمق الذي يميز الطرح الفكري والمعرفي حيث ينبه الي ضرورة الأخذ بأسباب التقدم ووعي قوانين الرقي والنهوض التي تدير صيرورة المجتمعات والأمم وتفرض غلبة بعضها وتفوقه علي البعض الآخر  » لولا القلم (التدوين) ما وصلت الينا علوم سوالف الأمم حتي عرفنا أطوار العمران وأسباب تقلبات الأزمان، ولولا كتب التاريخ ما علمنا أن نموالاستعمار انما كان بتعارض الأنظار وتلاحق الأفكار بحيث أن كل أمة تستخدم نبلها من الغاية التي انتهت اليها الأمة من قبلها .

 

هذا ونقف خلال نص هذه المحاضرة علي أفكار وأطروحات أخري تقدمية مثيرة للاهتمام وجالبة للنظر منها المقارنة التي أجراها بين حالة الانحطاط التي يعيشها العرب المسلمون وحالة الرقي والنهضة العلمية والتقنية والاجتماعية التي تعيشها أوروبا مشيرا الي الأسباب الكامنة وراء ذلك: ونسج علي منوالهم (أي العرب والمسلمين الأوائل) الأوروبيون أمور دنياهم فتقدموا فيها التقدم المشاهد وتأخرنا من سوء البخت ولا نري الا اعتقاد كثير منا أن التقدم في العلوم الدنيوية ينشأ عن التأخر في الدين والحال أن الواقع بالعكس فإن الدين إنما تقهقر عند تأخر المسلمين في تلك العلوم… .

 

الإصلاح بين التعليم والثقافة

 

إن المعطيات والاستنتاجات التي بسطناها فيما سبق حرية بالنظر والتفحص لا سيما إذا استحضرنا المكانة البارزة التي يحتلها الشيخ محمد عبده في مسار الحركة الاصلاحية العربية الحديثة حيث أنه: ترك في العالم الاسلامي ولا سيما في مصر مدرسة فكرية في التجديد والاصلاح كان لها الأثر الكبير في تطوير الأزهر وبناء قطاع فاعل من مؤسسات التعليم والخدمة الاجتماعية.. . ذلك أن الأفكار الاصلاحية التي أثارها الشيخ سالم بوحاجب في محاضرته المشار اليها سابقا تؤكد الوعي المبكر الذي نشأ لدي النخبة التونسية ـ في ظل التواصل الذي جري مع النخبة المثقفة في المشرق العربي ومصر علي وجه الخصوص ـ من علماء وشيوخ بأخطار الإنحطاط والتخلف وضرورة التوجه الي المنحي الاصلاحي نحوالثقافة والمجتمع بمختلف مؤسساته ومجالاته.

 

ولعل من بين التساؤلات التي تطرح في هذا السياق النقدي المتعلق بالفكر الاصلاحي العربي الحديث الذي تشكل تحت وطأة الاستعمار الأوروبي من جهة وفي ظل الانحطاط الاجتماعي والثقافي العربي من جهة أخري: هل استفاد الشيخ الامام محمد عبده في أفكاره الاصلاحية وخصوصا ما يتعلق منها باصلاح الثقافة والتعليم وتحديثهما من أفكار الشيخ سالم بـــوحاجب؟ وهل اطلع علي نص محاضرة الشيخ سالم بوحاجب السابقة قبل القاء محاضرته في معهد الخلدونية لدي رحلته الي تونس سنة 1903.

 

إذا تتبعنا نص المحاضرة التي ألقاها الامام محمد عبده علي منبر معهد الخلدونية بتونس في شهر أيلول (سبتمبر) 1903 فإننا نقف علي تشابه في الأفكار الاصلاحية بينه وبين الشيخ سالم بوحاجب الذي سبقه زمنيا في محاضرته حول الموضوع نفسه بحوالي ست سنوات: إن بعض اخواننا الذين عرفناهم في تونس قد طلبوا من الفقير مسامرة أومحاورة… ثم قالوا درسا فسألني بعضهم عن ذلك فقلت: نعم هودرس ولكن لا تظنوا أنه درس في تحقيق مسألة علمية فإن عندكم من جلة العلماء من نعترف بفضلهم فمن أراد تحقيق مسألة علمية فليراجعهم ، أما هذا الفقير، فرجل سائح ، قصدت هذه الديار للتعرف ببعض المسلمين والنظر في أحوالهم وأمور دينهم من حيث العلم والتعليم .. .

 

ولكن الناظر في أعطاف نصي المحاضرتين يتفطن الي التباين في زاوية النظر حيث يتجه اهتمام بوحاجب الي التركيز علي تحديث التعـليم والثقافة من حيث تنبـيهه الي أهمية استيعاب العلوم الدنيوية العصرية خاصة الطب والهنـدسة والفلاحة والصناعات الحربية والتقــــــنية في حين أن توجه محمد عبده منصب علي احياء العلوم الدينية وتجديدها بالاعتماد علي اصلاح اللغة العربية وطرائـــــــق تدريسها من جهة وتوخي المنهج العقلي في فهم العلوم الاسلامية واستنباط غايـاتها ومقاصدها: علي كل من له غيرة علي ملته أن يبذل ما في وسعه لتسهيل طرق

تعليم اللغة العربية وتحصيل الملكة فيها قولا وكتابة حتي يتكلم بها غالب أهلها ويكتبوا بها بالطريقة الصحيحة لأن في انحطاط لغتنا انحطاطا لنا ولديننا وعقائدنا وأخلاقنا وانحطاط ذلك مفسدة لجميع أمورنا… .

 

ولعله من المهم التأكيد في هذا السياق علي أن الملاحظات التي جرت اثارتها فيما سبق ليست إلا قراءة مقتضبة لبعض الآراء التي تضمنها نصان من النصوص القليلة المثيرة للنقد والتفكير في نطاق أدبيات الحركة الاصلاحية العربية منذ القرن ما قبل الماضي، كما تنبغي الاشارة الي أهمية الافكارالإصلاحية التي تبناها كل من الشيخين سالم بوحاجب ومحمد عبده والتي ان نظرنا اليها بأكثر شمولية فإننا نجدها لا تتـــوقف عند اصلاح التعليم فقط انما تتجاوز ذلك لتؤسس لتحديث البنـية الاجتماعية والثقافية ككل في نطاق معادلة تطمح الي المواءمة بين الأصالة والتحديث والتوفيق بين الخصوصية ومقتضيات المعاصرة وهذا ما يظل مفتوحا علي قراءات نقدية أخري في المستقبل.

 

(*) كاتب وصحافي من تونس

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 19 أوت 2006)


 

سقوط الأساطير الصهيونية

محمد العماري – إيطاليا

 

في عرف ثلاثين يوما من القتال البطولي الشرس والصمود الأسطوري الرائع إستطاع مقاتلو حزب الله أن يمحوا من ذاكرتنا المثخنة بالجراح ثلاثين عاما من الهزائم والانكسارات والهوان، وأن يثبتوا لنا، بالفعل المقاوم لا بالخطابات الرنانة، ان الأمم لا تنتصر بالجيوش فقط وأن بامكان عدة مئات من الرجال المسلحين بارادة فولاذية وبايمان عميق بعدالة قضيتهم، أن يمرغوا في الوحل أنف جنرالات وجنود أكثر الجيوش بربرية ودموية في العالم كالجيش الصهيوني، المدجج باحدث الاسلحة المتطورة وصاحب الخبرة الطويلة في القتل والتخريب والتدمير والتي إكتسبها في الضفة الغربية وفي هافانا الفلسطينية غزة الصامدة. بل أن مقاتلي حزب الله أسقطوا الي الابد إسطورة الجيش الاسرائيلي، الذي لا يقهر، وحولوا دبابة ميركافاه، فخر الصناعة العسكرية الاسرائيلية والتي تعتبر من أكثر الدبابات تطورا في العالم، الي حطام من الحديد المشتعل، وإقتلعوا من رؤوس القادة الصهاينة وبشكل نهائي فكرة الانتصارات السريعة علي العرب. كما تحول المواطن الاسرائيلي من ملاك لا يمكن أن تقول له علي عينك حاجب الي بشر عادي جدا.

 

إن هذه الانتصارات العسكرية الباهرة التي حققها حزب الله ستخلق علامة فارقة ونقطة مضيئة في تاريخنا الذي سوده حكام لا عمل لهم الا السمسرة والتآمر علي الأوطان وقمع الشعوب.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 19 أوت 2006)


حزب الله اعاد صياغة خريطة الشرق الاوسط ..ايران وسورية في مركزها ضد الغرب

الابراهيمي يدعو الي التحاور مع المنظمة اللبنانية وتشجيعها لدخول العملية السياسية

لندن ـ القدس العربي :

 

كتب الباحث الفرنسي في شؤون الحركات الاسلامية ومؤلف كتاب عولمة الاسلام اوليفييه روي، مقالا في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية عن معني انتصار حزب الله، حيث جاء عنوان المقال ليعكس اثر الانتصار الذي حققه حزب الله علي خريطة الشرق الاوسط حزب الله يعيد رسم الشرق الاوسط . وقال روي ان النصر الذي يفترض حزب الله انه حققه، وان كان قصير المدي الا انه اشار لكثير من التطورات المهمة منها انه اثبت ان الجيش الاسرائيلي لم يكن قادرا علي الانتصار في حرب شاملة، اما التطور الهام، فهو حزب شيعي (ليس دولة) مدعوم من سورية وايران، بخلاف حروب اسرائيل السابقة منذ عام 1948 التي واجهت فيها انظمة عربية، ومن هنا فمحاولة اسرائيل تدمير وسحق حزب الله لم تكن اعادة تمثيل لحروبها السابقة مع العرب، ومن هنا فالمواجهة مع حزب الله علمت عددا من التطورات منها اشارة لظاهرة احياء في التيار الاسلامي الراديكالي الرافض للتسوية مع اسرائيل، اما الامر الثاني فهو زيادة الانقسام السني ـ الشيعي في دول الخليج، والثالث ان هناك تغييرا في الدينامية السياسية بعد دخول حماس وحزب الله في المعادلة السياسية الرسمية .

 

وقال ان التحالف الثلاثي بين حزب الله وسورية وايران في جبهة راديكالية تستخدم الشعارات الوطنية وترفض السلام مع اسرائيل وتثير المشاعر المعادية للغرب ولامريكا تترك اثرا اكثر من ايديولوجية اسلامية. فقد برز حسن نصر الله، الامين العام لحزب الله، باعتباره البطل العربي الجديد ناصر هذا الزمن ، ولكن الكاتب لاحظ ان صعود حسن نصر الله سيؤثر علي جاذبية اسامة بن لادن زعيم القاعدة للشباب الغاضبين من سياسات بلادهم. كما قال ان قيادة الجبهة المعادية لامريكا من قبل تيار شيعي متدين، حزب الله وايران، وعلماني، مسيحي امر مهم في هذا السياق. وتنبع الاهمية من ان ايران منذ احتلال امريكا للعراق وهي تحاول توحيد شيعة العالم تحت قيادتها، ومن هنا جاءت تصريحات بعض المسؤولين العرب في الاردن والسعودية من تحذيرات تتعلق بالهلال الشيعي، مما يعني تأثير ايران علي الدول النفطية في الخليج والعراق.

 

واشار الكاتب الي الفتاوي التي دعت لعدم دعم حزب الله، واضطروا فيما بعد الي التخلي او الصمت في وجه المواجهة الشعبية والدعم الشعبي لحزب الله. اما علي المستوي الرسمي، فان الصمت الكامل لدول مثل السعودية والاردن ومصر دليل علي ان انتصار حزب الله احرجها. وجاء هذا الموقف علي خلاف سورية وايران اللتين سارعتا لادعاء الانتصار.

 

وبالنسبة لسورية خاصة فانها تريد استعادة تأثيرها في لبنان وتريد ان تراقب حزب الله وهو يقضي علي ما تبقي من الحكومة اللبنانية الضعيفة. ويعلق الكاتب قائلا ان ما يحمي سورية اليوم هو ضعفها، فان انهيار النظام يعني ان البديل عنه سيكون نظاما تتزعمه جماعة الاخوان المسلمين، وحتي لو كانت هذه الجماعة معتدلة واكثر اعتدالا من الجماعة الام المصرية او الاردنية، فانه لا الغرب او اسرائيل او امريكا يرغب في اعطاء فرصة جديدة للاسلاميين للوصول للسلطة. اما ايران، فهي تريد ان تثأر لهزيمتها في عام 1988 في الحرب العراقية ـ الايرانية، عندما دعمت الجماعات الوطنية الاسلامية والقومية النظام العراقي ضد نظام الدولة الاسلامية، كما ان الحرب ضد ايران لم يدعمها الا جزء بسيط من شيعة العراق.

 

وقال روي ان طهران لم تكن قادرة علي توحيد الشيعة وضمهم تحت جناحيها من خلال العامل الديني او السياسي، اما الان فانها تقوم بلعب لعبة الشارع العربي ، وتقوم من خلاله بالتأثير علي الانظمة العربية من خلال الدمج بين ما هو قومي واسلامي. ويعتقد روي ان ايران من خلال حزب الله تقوم بتصفية حساباتها مع الانظمة العربية وبنفس السياق تقوم بادارة صراعها مع الغرب عبر حزب الله، فطهران ترغب بتجنب ضربة عسكرية لمنشآتها النووية، ولهذا فان ايران تقوم بتخفيف حدة وجودها وتدخلها علي الحدود مع افغانستان والعراق علي امل ان تمر الازمة بسلام.

 

ويعتقد روي ان الايرانيين كانوا الرابحين الحقيقيين من الحرب في لبنان، حيث سيعطي انتصار الحزب علي اسرائيل ايران اليد العليا التي من خلالها ستؤثر علي الشارع العربي. ومن هنا فالعامل الرئيسي سيظل حزب الله الذي يقوم بتحصين نفسه من خلال ثلاثة مستويات، اولا فالحزب اعلن تضامنه مع شيعة ايران، اما الثاني فأعلن عن نفسه من خلال مفاهيم الوطنية اللبنانية، والثالث يقوم الحزب بتعزيز مشاعر المعارضة ضد اسرائيل وامريكا في الشارع العربي، ولكن حزب الله ومن خلال خطاب النصر الذي القاه حسن نصر الله حرص علي التزام بالمفاهيم والعناصر القومية والوطنية اللبنانية. وعليه فحزب الله لن يتخلي عن سلاحه او يتعرض للتهميش. والطريقة الوحيدة للتعاطي مع الحزب هي ولادة سياسة جديدة في لبنان. ودعا الغرب ان يقوم بخطوات لدفع كل من حماس وحزب الله للعملية السياسية، مما سيؤدي لبروز حل داخلي في لبنان يضم كل الفاعلين في السياسة اللبنانية بدون تدخل سوري. كما ان اسرائيل مطالبة بالتخلي عن سياسة التخندق خلف حدودها وضرب اي تهديد مفترض لها خارج هذه الحدود.

 

وفي مقال اخر دعا ممثل الامين العام للامم المتحدة السابق في العراق، والدبلوماسي الجزائري الاخضر الابراهيمي الي بدء التحاور مع حزب الله. حيث عبر عن خيبة امله في بداية المقال الذي نشر في صحيفة نيويورك تايمز من تأخر الامم المتحدة في التوصل لقرار وقف اطلاق النار. وقال انه في الوقت الذي قتل فيه المدنيون، رفضت امريكا استخدام تأثيرها لوقف اطلاق النار، بل وقفت مع الحرب علي امل ان يتم من خلالها نزع ما اسمته امريكا جذور الازمة .

 

ويري الابراهيمي انه بدلا من ان تساعد الاحداث الاخيرة في لبنان الحرب علي الارهاب فانها زادت من اعداء امريكا.

فالمنطقة تعاني من الغضب والاحباط والمشاعر التي لن تقود الشباب العربي الي ما يسمي الشرق الاوسط الجديد . ومثلما لن تساعد الاحداث الغرب فلن تساعد بالقدر نفسه اسرائيل، فمع اعتراف الكاتب بحق اسرائيل في الامن الا ان هذا الامن لن يتحقق من خلال الحرب الشاملة التي لم تفرق بين احد، ويمكن لاسرائيل بحسب الكاتب ان تقوم بالتفاوض مع جيرانها للتوصل الي تسوية مشرفة. ويعترف الابراهيمي انه من الباكر الحديث عن دروس من الحرب الاخيرة، الا ان الظاهر ان حسن نصر الله وحزبه حققا نصرا سياسيا، وصار نصر الله اشهر زعيم في العالم الاسلامي فيما لم تحقق اسرائيل اي هدف سياسي. ومن اجل الاستفادة من الوضع دعا الابراهيمي المجتمع الدولي لاتخاذ عدد من الخطوات، اولاها العمل علي الحفاظ علي وحدة وسيادة لبنان علي حدوده، من خلال تطبيق مباديء اتفاق الطائف عام 1989. اما الامر الاخر، فان حزب الله الذي ولد اثناء الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وحدثت عليه العديد من التطورات، حيث لم يعد منظمة عسكرية فقط بل حزبا سياسيا ومنظمة اجتماعية. ومن هنا فبدلا من عزل الحزب علينا كما يقول الابراهيمي تشجيعه للعب دور سياسي مهم في لبنان، وبعدها فالحزب سيتقبل فكرة سيطرة الدولة علي السلاح. اما الامر الاخر، فقد قال انه من التناقض الطلب من سورية وايران كي تقطعا علاقتهما مع الحزب في الوقت الذي نطلب منهما التأثير عليه للموافقة علي اطلاق النار، والطريقة الافعل هي الطلب منهما التوقف عن التدخل في الشأن اللبناني. اما الأمر الرابع، فان اهم ما يمكن ان تقوم به اسرائيل وتؤدي لتسوية شاملة هي الانسحاب من كل الاراضي التي تحتلها الان بما فيها مزارع شبعا. اما الامر الاخير، فدعا الابراهيمي الي التركيز علي الملف الفلسطيني، وهنا حاجة لعقد مؤتمر دولي لهذا الغرض.

 

(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 19 أوت 2006)

 


ليبيا: عودة مفاجئة للمزيد من المعارضين بعد اتصالات سرية

القاهرة – خالد محمود

 

قالت مصادر ليبية مسؤولة إن السلطات الليبية نجحت عبر اتصالات ومفاوضات سرية على مدى الشهور القليلة الماضية في إقناع عدد من معارضيها في الخارج بالعودة إلى البلاد والتخلي عن فكرة الإطاحة بنظام حكم العقيد معمر القذافي، فيما كشفت المصادر أن محمد صالح بويصير نجل وزير الخارجية الليبي الذي لقي حتفه في حادث إسقاط إسرائيل للطائرة الليبية فوق صحراء سيناء مطلع السبعينات والرئيس السابق لمنظمة ألفا «التحالف الليبي الأميركي من أجل الحرية» بالإضافة إلى رمضان أبو زعكوك احد المؤسسين التاريخيين للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا سيعودون إلى ليبيا خلال اليومين المقبلين بشكل نهائي.

 

وقالت إن بويصير وأبو زعكوك سيحضران الاحتفالات التي تعتزم السلطات الليبية تنظيمها مطلع الشهر المقبل بمناسبة مرور 37 عاما على تولي القذافي السلطة عام 1969.

 

ومن المقرر أن يشارك الاثنان أيضا في ندوة تعقد برئاسة اللواء سيد قذاف الدم ابن عم القذافي ورئيس ما يسمى بالقيادة الشعبية الاجتماعية في ليبيا تحت عنوان «من الثورة إلى الدولة».

 

وقالت المصادر إن المهندس سيف الإسلام نجل القذافي ورئيس مؤسسة القذافي للتنمية يقود تيارا داخل السلطات الليبية يدعو لاحتواء مختلف المناوئين لنظام والده ويطالب بإجراء حوار معهم بهدف استمالتهم للعودة مجددا إلى ليبيا.

 

وسجل شهر ابريل (نيسان) عام 2004 آخر عودة للمعارض الليبي البارز بشير الرابطي مسؤول التنظيم الوطني للإصلاح، منهيا بذلك خمسة وعشرين عاما من نشاطه المناوئ لنظام حكم القذافي.

 

وطبقا لما أكدته مصادر ليبية رفيعة فان العودة هي جزء من حملة مصالحة وطنية غير معلنة بين السلطات الليبية ومناوئيها في مرحلة إعادة ترتيب البيت الليبي من الداخل بعد حسم الخلافات العالقة مع الولايات المتحدة والغرب وتخلي ليبيا طواعية عن أسلحة الدمار الشامل في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2003 واتجاهها لتطبيع العلاقات الديبلوماسية الكاملة مع إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش.

 

وعلمت «الشرق الأوسط» أن السلطات الليبية أسقطت الاتهامات الرسمية بحق من عادوا كما أعادت لهم منازلهم التي كانت مصادرة قبل سنوات وأنها في طريقها إلى إعادة النظر في عودة ممتلكاتهم التي كانت قد استولت عليها بعد خروجهم من ليبيا.

 

وكان الرائد عبد المنعم الهوني أبرز العائدين إلى ليبيا بعد مصالحة تاريخية مع القذافي رعتها القاهرة، علما بأن الهوني الذي كان مرشحا لرئاسة ائتلاف المعارضة الليبية في الخارج يتولى حاليا منصب مندوب ليبيا الدائم لدى الجامعة العربية.

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 19 أوت 2006)

 


قانا وحزب الله يمهدان لرحيل أنظمة عربية

 
أحمد فتحي – إسلام أون لاين.نت مظاهرة في بيروت بعد مجزرة قانا  
توافق محللون سياسيون عرب على أن صمود جماعات المقاومة العربية، وتراكم المجازر الإسرائيلية في فلسطين ولبنان، وأحدثها المذبحة الثانية في بلدة قانا، يعجل برحيل بعض الأنظمة العربية الحاكمة، وهو ما يمكن أن تحدث من خلال انقلابات عسكرية أو على يد نخب إصلاحية داخل هذه الأنظمة تتبنى خيار المواجهة مع إسرائيل. وتوقع هؤلاء المحللون، في تصريحات خاصة لـ »إسلام أون لاين.نت » الأحد 30-7-2006 ظهور حركات مثل « الضباط الأحرار » المصرية تقود تحرك النخب الإصلاحية لاستعادة هيبة العرب. وقال الدكتور محمد ضريف، المحلل السياسي المغربي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة المحمدية: « إن استمرار الصمت الرسمي العربي إزاء توحش العدوان الإسرائيلي بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني، وصمود جماعات المقاومة في البلدين، سيعجل برحيل بعض الأنظمة الحاكمة ». وعن كيفية وأسلوب تغيير هذه الأنظمة أوضح د. ضريف لـ »إسلام أون لاين.نت » أن « النخب الإصلاحية داخل تلك الأنظمة ستقوم باستبدال القادة الحاليين أو دفعهم إلى تغيير أجندتهم السياسية بأجندة أخرى تضع في قمة أولوياتها قرار المواجهة ورفع سقف التحديات أمام إسرائيل، وكذلك وضع حد لتحالف الحكومات العربية المشبوه مع الغرب ».
الضباط الأحرار

ولم يستبعد المحلل السياسي المغربي « ظهور حركات ضباط أحرار مجددًا في العالم العربي كتلك التي ظهرت من قبل في مصر وقادت ثورة 23 يوليو 1952، وأنهت عهد الملكية في البلاد ». وشدّد على أن « ما يجري الآن في لبنان لا يعني عجز الحكام العرب وحسب، بل أيضًا إهانة للمؤسسة العسكرية العربية ». وقال د. ضريف: « إن الحل الوحيد للخروج من الوضع الراهن يكمن في تحرك نخب قد تكون سياسية أو عسكرية تحافظ على الوضع الداخلي، وتواجه التحديات الخارجية، وفي مقدمتها العدوان الإسرائيلي الذي يستهدف المنطقة بأكلمها، وليس دولة بعينها ». ورأى أن تأخير ظهور نخب التغيير في العالم العربي، واستمرار الصمت الرسمي العربي على المجازر الإسرائيلية « سيوفر بيئة خصبة لازدياد نفوذ حركات التطرف »، موضحًا أن « الأنظمة العربية باتت مبتورة الشرعية، وعمق أزمتها ظهور متغير جديد في الحرب الإسرائيلية على لبنان، وهو صمود حركة مقاومة صغيرة (حزب الله) أمام ما يوصف بأنه أعتى جيش في المنطقة ».
تغييرات طاحنة
ضياء رشوان، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، توقع بدوره أن « المنطقة العربية بعد مجزرة قانا الثانية في لبنان الأحد على مشارف تغييرات طاحنة تصل لحد الانقلابات العسكرية أو الفوضى الشاملة ». ودلّل على توقعه بأن « الحكام العرب لم يكتفوا بعدم الاستجابة لإرادة شعوبهم، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بانتهاج خط مغاير لرغبات هذه الشعوب ». واتفق عبد العزيز الخميسي، المحلل السياسي السعودي، مع رشوان في أن « استمرار صمت معظم الأنظمة العربية الحاكمة، وانتقادها لجماعات المقاومة بما يتناقض مع رغبات شعوبها، سيقود إلى تحرك النخب الإصلاحية، متمثلة في قيادات بالجيوش أو ساسة؛ لتصحيح الوضع الراهن، واستعادة هيبة العرب ». وتوقع الخميسي في تصريحات لـ »إسلام أون لاين.نت » « أن تغيير الأنظمة العربية سيتحقق من داخل هياكلها، وليس عبر ثورات شعبية ». وشدّد على أن مجزرة قانا الثانية « نسفت شرعية معظم الأنظمة العربية ». وأوضح بقوله: « الشارع العربي فقد ثقته في أنظمته؛ لأنها فشلت بصمتها وعجزها في أن يكون لها دور حيوي فعّال لوقف آلة الحرب الإسرائيلية ». وأكد أن « المقاومة في لبنان نجحت فيما فشلت فيه جيوش عربية بكامل عتادها، حيث كبّد حزب الله العدو الإسرائيلي خسائر فادحة ».
استسلام الأنظمة العربية
وفور وقوع مذبحة قانا، وجهت جماعة الإخوان المسلمين، أكبر قوى معارضة في مصر، رسالة تحذيرية إلى الحكام العرب. وقالت الجماعة في بيان لها الأحد 30-7-2006: « تتحمل الحكومات العربية المتخاذلة والمستكينة وزرها عن مذبحة قانا؛ لتقاعسها عن القيام بدورها في الرد على العدوان والعربدة الصهيونية ». وأضاف البيان: » منذ أعلنت النظم العربية استسلامها أمام العربدة الصهيونية، وقررت خذلان الشعبين الفلسطيني واللبناني وتركهما فريسة للعدوان الصهيو – أمريكى، كان من الطبيعي أن يتمادى العدوان في غيّه واستكباره، وأن يوجه صفعة جديدة من المهانة للمستكينين الذين رضوا لأنفسهم بالدنية وحاولوا جر شعوبهم إلى هاوية الانحطاط ». وكانت دول عربية رئيسية في المنطقة مثل السعودية ومصر والأردن قد انتقدت حزب الله بشكل ضمني، وحملته مسئولية العدوان الإسرائيلي على لبنان بعد أن أسر مقاتلوه جنديين إسرائيليين، وقتلوا 8 آخرين، في عملية نوعية عبر الحدود يوم 12 يوليو الجاري. ووصفت تلك الدول هذه العملية بأنها « مغامرة غير محسوبة لا تخدم المصالح العربية ». ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على المدنيين اللبنانيين، وتدمير البنية التحتية اللبنانية، أقامت عدة دول عربية جسورًا جوية لنقل المواد الطبية والأغذية، إلى جانب السماح بحملات لجمع التبرعات المادية والعينية، في خطوة اعتبرها محللون سياسيون بمثابة تعويض عن حالة العجز، ومحاولة لإخفاء تواطؤ عربي رسمي مع الولايات المتحدة وإسرائيل في العدوان على لبنان.
غضب شعبي مظاهرة في غزة دعمًا للمقاومة اللبنانية والفلسطينية وتتواصل المظاهرات في العديد من دول العالم تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على الشعبيين اللبناني والفلسطينيين، وسط غضب شعبي عربي من صمت الحكام العرب. وأسفر العدوان إلى الآن عن استشهاد حوالي 750 في لبنان، غالبيتهم العظمى من المدنيين، وإصابة أكثر من 1800، ونزوح ما يزيد عن 650 ألفًا، بالإضافة إلى تدمير بنية تحتية تقدر قيمتها بأكثر من ملياري دولار. وقصف الطيران الإسرائيلي الأحد بلدة قانا بجنوب لبنان، مما أسفر عن استشهاد ما يزيد عن 60 مدنيًّا، معظمهم من الأطفال والنساء، وهو ما أعاد إلى الأذهان مذبحة إسرائيل الأولى في قانا عام 1996 حينما قتلت 105 مدنيين. وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة بدأت إسرائيل عملية عسكرية عدوانية على قطاع غزة بعد 3 أيام من أسر المقاومة الفلسطينية يوم 25 يونيو الماضي جنديًّا إسرائيليًّا، وقتلها اثنين آخرين، في عملية نوعية استهدفت موقعًا عسكريًّا إسرائيليًّا بجنوب القطاع. وسقط إلى الآن ما لا يقل عن 144 شهيدًا فلسطينيًّا، كما دمرت إسرائيل قسمًا كبيرًا من البنية التحتية للقطاع، واختطفت وزراء ونواب في المجلس التشريعي (المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 19 أوت 2006)


امتلاك القوة يمتحن قيم الإنسانية النظرية في ثقافة «الديانات» …

 الجيش الإسرائيلي يترجم «العهد القديم» على أجساد الطفولة!

 
الرياض – مصطفى الأنصاري      الحياة    
 
تمتلك الشعوب و الديانات على الأرض كافة، إرثاً من الإنسانية والتسامح في الناحية النظرية، إلا أن تطبيقه على مر القرون ظل دائماً هو الاختبار الذي سقطت فيه معظم الديانات والشعوب، خصوصاً في حال الغلبة وامتلاك القوة، وليس المسلمون بطبيعة الحال استثناء في بعض حقبهم التاريخية. لكن بعض «اليهود» بحسب نصوص من أسفار «العهد القديم»، ضربوا المثل الأعلى في غياب أي حس إنساني وأخلاقي، حتى غدا سلوكهم مع الله وخلقه صاحب الصدارة في البشاعة، على نحوٍ لم تبلغه أمم أقل شأناً، لم يكن لها إرث تاريخي كإرثهم (منهم الأنبياء والرسل)، ولا كتاب مقدس ككتابهم، فكانت النتيجة أن «باؤوا بغضب من الله» وقُضي عليهم بـ «الذلة والمسكنة». وإذا تجاوزنا تساؤلاً بديهياً عن: كيف استطاعت شرذمة «لعنها الله وغضب عليها» أن تكون شوكة في حلوق أمة ذات تاريخ وسيادة كالمسلمين؟ فإن السؤالين بعد ذلك: لماذا تواترت الأمم كلها على «كره» اليهود ونبذهم؟ ولماذا بات ضحايا أمس وحوشاً في هذا العصر؟  يفترض أن يكون إحساسهم بمعاناة «الحرق والتشريد» مدعاة لأن لا يذيقوا أحداً – لم يكن طرفاً فيها – ما ذاقوه! فالذين تعرضوا للتعذيب والويل في تاريخ الحضارة المعاصرة، كانوا أكثر الناس دفاعاً عن المعذبين والمهمشين. هنالك عشرات الفنانين واللاعبين الذين نذروا أنفسهم لخدمة صوت الضعفاء، عندما أصيبوا بإعاقة أو حادثة سيارة أو مرض عضال. أي أنهم جربوا المأساة فقرروا الوقوف إلى جانب أهلها، إلا «اليهود» شُردوا وأحرقوا ثم عادوا يمارسون الجرائم نفسها ضد الآخرين، بنحو أبشع وأسوأ مما كان يُمارس ضدهم! وحول التساؤل الأول، يشير الدكتور راشد المبارك في كتاب أصدره حديثاً إلى أن «المتصفح لأوراق التاريخ تستوقفه ظاهرة غريبة لا يشاهد وقوعها الا على مجموعة واحدة من البشر، لم يشاركهم فيها غيرهم، هذه الظاهرة هي ما تعرضت له هذه المجموعة من السبي والجلاء والتشريد الذي لحق بها على مدى فترات متطاولة من الزمن، وفي اماكن متعددة من الارض، ومن امم مختلفة من البشر. (..) المجموعةهي اليهود، إذ على امتداد تاريخهم القريب والبعيد تعرضوا لذلك على يد (الآشوريين) و (البابليين) و (الرومان) في الماضي البعيد، كما تعرضوا في الماضي القريب للمطاردة والاجلاء من (فرنسا) و (بريطانيا) و (بلجيكا) و (هنغاريا) و (إسبانيا) و(النمسا) و(هولندا) و(ايطاليا) وبافارية (ألمانيا قبل ان تتحد) و(البرتغال). اجلوا من هذه البلاد مرة او مرات، واحرقت اسفارهم في الميادين العامة في كثير من المدن». الموروث الديني وإذ يعتبر المبارك متعذراً تفسير واقع الطرد المتكرر لليهود بأنه «اتفاق غير مكتوب على ظلم بغير سبب، يقع على فئة من الناس من دون سواها»، رجح في كتابه «التطرف خبز عالمي» أن ما حدث لليهود «له اسبابه الموضوعية، التي جعلت هذه الشعوب تقف الموقف نفسه وتسلك السلوك نفسه في تعاملها مع فئة معينة من البشر، ومن المرجح كذلك ان ما ازدحمت به كتب تاريخ وادب هذه الامم من مثل رواية شكسبير المعروفة باسم (تاجر البندقية) لم يكن صادراً عن تجن بلا سبب املاه خيال عليل». السبب في نظر آل مبارك يجده الباحث عنه «في امر واحد» هو «الموروث الديني بإسفاره المختلفة، وما ورد فيها من نصوص تحدد وتحكم الموقف من الآخر وطريقة التعامل معه والحكم عليه، لقد جعلت هذه النصوص لليهود إلهاً يختلف عن إله البشر الذي خلقهم وقدر اعمالهم ومصائرهم وضلالهم او هداهم، فهذه الاسفار جعلت إله اسرائيل معادياً لكل البشر ومحابياً لشعب واحد، يقاتل بهم ومعهم، يستنفرهم بكل وسائل الاستنفار، ويحرضهم كل التحريض على معاداة سواهم وابادتهم وتدميرهم»، مشيراً في مكان آخر إلى أن الموروث نفسه «لا يزال النبع الذي تستقي منه طوائف من اليهود (وليس كلهم) مشاعرها وأهدافها، ويصوغ سلوكياتها تجاه الآخر». ولم يتردد الكاتب في الجزم بأن أي «قارئ لتاريخ اليهود وما عانوه خلال هذا التاريخ، يجد عجزاً عن فهمه وتعليله، اذا قرأه معزولاً عن ذلك الارث الديني، واثر ذلك الارث في اتباعه». والنظرة المستمدة من الموروث الديني، يؤكد المبارك أنها لم تعد مقصورة على طوائف من اليهود المستلهمين لروح العهد القديم، وإنما «صارت سياسة دولة وفلسفة مجتمع وبرامج تعليم بعد قيام دولة اسرائيل، لقد صارت نبتة تسقيها الدولة وتحميها، تجعلها محوراً رئيساً للتعليم، ومطلباً من مطالب التربية، وحقاً من حقوق الوطن»! وأضاف أن «هذا المسلك الذي انفردت به اسرائيل راجع إلى الشعور بأنها قامت على أرض اغتصبتها من أهلها، وتحافظ على وجود غير مشروع، وتستبقيه بين البقية الباقية من شعب شردت أكثره، وتعامل بالقتل والترويع البقية الباقية منه. وضع كهذا يلجئ صاحبه إلى اتخاذ كل وسيلة لحجب أي شعور بالخطيئة والذنب يخالط وجدان من يقوم بذلك، أو يدعو اليه، أو يشاهده، ولذلك تكون تغذية الناشئة بما يخلق حصانة تحجب هذا الشعور مطلباً لا غنى عنه». لكن المبارك طمأن قراءه بأن «ما وصلت اليه اسرائيل من استيلاء على أرض، والسيطرة على شعب، وانتصار على مجاور، لم يعطها شعوراً بالأمن والاستقرار، بل إن درجة مخاوف اسرائيل وتوترها، المتمثلين في تراكم ما تحشده من وسائل حرب، تزداد بمقدار ما تصل إليه سيطرتها من توسع وامتداد، إذ إن المقاومة لعدوانها يزداد بازدياد هذا التوسع، سواء لدى من يقع عليه هذا العدوان إبادة وتدميراً، أم من يشاهده من بعد قهراً وإذلالاً وشعوراً بالعجز، وقصوراً عن نصرة قريب يظلم وحماية وطن يغتصب». بينما يفسر عالم النفس اليهودي الشهير دان بارعون هوس «اليهود» للقتل والتهجير الذي كان يمارس ضدهم في السابق، – ولكن في سياق غير هذا – بأن الإسرائيليين لا يزالون يعتبرون أنفسهم ضحايا على وجه الحقيقة لا المجاز. وقال: «أصبح الإسرائيليون منذ اختطاف جنودهم يشعرون من جديد بأنهم ضحية للظروف. فهم يتجاهلون أن حكومتهم غير مستعدّة لإجراء محادثات وللتوصّل إلى حلول وسط». وإذ يؤكد إقرار بارعون هذا ما أشار إليه المبارك من أن الإسرائيليين على رغم كل المساندة الدولية والعتاد العسكري لم يشعروا بالاستقرار، بل لا يزالون يرددون أنهم ضحايا (!!)، يضيف العالم النفسي: «يتمحور وعي الكثيرين من الإسرائيليين ضمن شرعية الضحية هذه». وأضاف في مقالة له عن العدوان الدائر ضد لبنان منذ أسابيع: «يمتاز الضحايا عن الفاعلين بميزة حاسمة: هي أنهم لا يجبرون على تحمّل أيّة مسؤولية عن أفعالهم، وذلك لأن أفعالهم هذه هي مجرّد رد فعل على الأفعال الشريرة التي يقترفها الآخرون. لذا يجب علينا في أيّام الغارات والمعارك الدائرة في غزّة ولبنان أن نتذكّر، أن سلوكنا في لبنان والمناطق المحتلة هو الذي أدّى إلى قيام كلٍّ من «حماس» وحزب الله. تشكّلت بشكل جزئي هذه المنظّمات المسلّحة كردّ فعل على استخدامنا للعنف بصورة وحشية. أصبحنا بعد أن وصلت هذه المنظّمات إلى حجم صار يهدّدنا، نشتكي ونعتبر أنفسنا من جديد كضحايا، ونعتبرهم إرهابيين لا يمكن الحديث معهم».  وإذا كان هذا المنطق مستفزاً لكل عربي يشهد ما يجري في فلسطين ولبنان، فإنه ربما يكون محفزاً معنوياً للأنفس المحبطة في كل العالم الإسلامي، فالإسرائيليون لا يزالون يعتبرون أنفسهم ضحايا. ليسوا ضحايا أنفسهم، ولا ضحايا من زرعهم وسط العرب والمسلمين، ولكن ضحايا «حماس» و «حزب الله»!

 

(المصدر: صحيفةالحياة  الصادرة يوم18 أوت 2006)


 

انتهي الدرس أيها الحكام العرب!

 
سليم عزوز
 
كنت أتأهب لاغلاق جهاز التلفزيون يوم الاثنين الماضي، عندما أعلنت مذيعة الجزيرة الجميلة، نقل خطاب الهزيمة لرئيس وزراء اسرائيل أولمرت في الكنيست علي الهواء مباشرة. وبالمناسبة فان كل مذيعات الجزيرة جميلات، وخذوا عيني شوفوا بيها ، علي قول الأغنية التونسية الشهيرة، التي تنتمي الي التراث، لكنها ارتبطت في أذهاننا بمن سمعناها منه لأول مرة خارج تونس، المطرب لطفي بوشناق! تراجعت عن فكرة اغلاق التلفزيون، واستمعت الي خطاب المذكور مترجما من قبل مدير مكتب الجزيرة في فلسطين المحتلة وليد العمري، والذي كان قد ظهر في صباح هذا اليوم واستبعد ان يلقي اولمرت بيانا، علي الأقل هذه الأيام، فماذا يمكن ان يقول وهو المهزوم، والمضروب علي قفاه، وهو من أتي لاسرائيل ـ بحماقته ـ بالعار الي باب الدار، وجعلها تبدو أمام ناظرينا كبيت العنكبوت، حسب قول زعيم هذه الأمة بلا منازع حسن نصر الله (ربما ينازعه زعامة الأمة العربية هوغو شافيز). وليد العمري كان منطقيا عندما استبعد ان يلقي رئيس وزراء اسرائيل بيانا في الأيام الأولي لوقف اطلاق النار، فالشارع الاسرائيلي يغلي من جراء الهزيمة النكراء، التي مني بها الجيش الذي لا يقهر، لكنه نسي ان هناك لغة أخري لا علاقة لها بحديث المنطق الذي اعمله، وهي لغة البجاحة ، وقد بدا لي اولمرت انه يتمتع ببجاحة منقطعة النظير، لكن هذه البجاحة لم تدفعه الي التعامل علي انه حقق نصرا عسكريا فتاكا، فالنصر الوحيد الذي ادعاه هو نصر دبلوماسي، وهو الخاص بقرار وقف الحرب. لقد كان اولمرت يسعي ليكسب تعاطف الشارع الاسرائيلي، وهدد هذا الخائب وتوعد حزب الله، وقال انه سيطارده في كل مكان، مع انه عجز عن مواجهته عندما التقي الجمعان، ومني جيشه، ومعه السلاح الأمريكي، بهزيمة يتغني بها الركبان، جعلتنا نستيقظ علي أعظم مقلب تعرضت له الشعوب العربية، وهو الخاص بأن اسرائيل زُرعت في المنطقة لتبقي وتنتصر، وكان من روج لذلك هم حكام العرب، الذين هم اسود علينا، وفي الحروب نعامات، او حمامات لزوم القافية ، وكأنهم أعجاز نخل خاوية. اولمرت في سياق سعيه لاكتساب أي تعاطف، علي طريقة: لله يا محسنين، ذكر أهالي الجنديين المخطوفين، وكيف انه التقي بهم، وتعاطف معهم، وشاهد الحزن في عيونهم. وكانوا حضورا وهو يلقي خطابه، ووعد انه، وبنفسه، سيبذل قصاري جهده، حتي يعيدهما الي ذويهم! والمعني انه سيسعي بالحلول التفاوضية، بعد ان فشلت الحرب في أهدافها، والتي كانت بهدف استرجاعهما بقوة السلاح، وبدون تبادل للأسري. عندما انهزم جمال عبد الناصر تحمل المسؤولية، وأعلن تنحيه عن الحكم، وظننت ان المذكور بعد ان تحمل مسؤولية ما جري، سيفعلها لكنه لم يفعلها، ربما لان عبد الناصر كان يعلم ان الجماهير ستخرج لتحمله علي الرجوع، والمذكور يعلم انه لو فعل فسوف يكسر أعضاء الكنيست خلفه دستة من القلل القناوي المعتبر، تعبيرا عن الابتهاج. ولانني شرير بالفطرة، فقد كنت اضحك عندما يهدد اولمرت، وعندما يتوعد، وعندما قال انه انتصر دبلوماسيا، وعندما يتسول التعاطف، وعندما يستعيض بقوة الاحبال الصوتية عن القوة في ساحات الوغي، فقد بدا كالديك الرومي المنفوش، وفكرت ان اجعل عنوان هذا المقال: انتهي الدرس يا اولمرت ، وبعد تفكير اكتشفت ان الأحق به هو بوش، الذي لا يكاد يخرج من حفرة حتي يهوي في دحديرة ، فقد غرق في أفغانستان فجري الي العراق، ليغرق هناك، ليدفع اسرائيل لان تقود له حربا بالوكالة في لبنان، والتي كانت القاضية، لكن وجدت ان الأحق بالعنوان هم جماعتنا الحكام العرب، الذين ظنوا ان حزب الله لن يأخذ في يد القوة الاسرائيلية الجبارة سوي غلوة ، ويصبح أثرا بعد عين، فحرضوها وطلبوا منها ان تخلصهم منه، وأطلقوا شيوخهم يتحدثون عن السنة والشيعة، وحسنا أننا اكتشفنا ان لهم في اللون ، وكنا نظن انهم لا سنة، ولا شيعة، ولا حتي كفارا. حتي لا نتهم بازدراء القوم، وهي تهمة شنيعة حسب قانون النشر في مصر، فانني أبادر الي القول انني عندما فكرت في العنوان، وأنا أشاهد اولمرت عبر شاشة الجزيرة ، لم يكن قد تبادر الي ذهني اطلاقا اسم المسرحية الشهيرة: انتهي الدرس يا غبي ! وصدقوني اذا قلت انني لست شامتا فيهم، فأنا متعاطف معهم لأسباب انسانية، فمكانتهم لدي أهالي البيت الأبيض مستمدة من انحيازهم لاسرائيل، وعندما كانت كوندوليزا رايس تريهم العين الحمراء، في الليلة الظلماء، بسبب فيلم الاصلاحات الهابط كانوا يتقربون الي اسرائيل بالنوافل، حتي لحست كل كلامها ومطالبها، وارتضت منهم باصلاحات شكلية، لا تتعدي سوي الكلام مثل موشح الفكر الجديد في مصر، ثم كان ان تم توصيل رسالة بأن الديمقراطية من شأنها ان تأتي بالاسلاميين الي سدة الحكم في البلدان العربية، مما يمثل خطرا داهما علي اسرائيل، وكان ان ناداهم البيت الأبيض: للخلف در. اسرائيل الآن ضُربت ضرب غرائب الابل، ولم يملك لها القوم نفعا ولا ضرا، وكانوا وهم يحرضونها علي ان تخلصهم من حزب الله، كأنهما منهوك علي منهوك، واذا جاءت ادارة أمريكية رشيدة فسوف تعيد النظر في وجود اسرائيل كحامية للمصالح الأمريكية في المنطقة، وقد استقر في الأذهان ان مواجهة المخاطر التي تخيم علي اسرائيل كما يقول كتاب صهاينة من عينة جدعون ليفي، ويوسي بيلين، وايتان هابر، لا تكمن في المزيد من ممارسة القوة، وان تحقيق الأمن لها لا يكمن في عشر عمليات سور واق، وانما في احترام حقوقهم، بعد ان ثبت ان القوة لم تعد تجدي، علي حد تعبير جدعون ليفي في هآرتس ! حزب الله لم يحقق هزيمة علي اسرائيل وأمريكا وحدهما، وانما هزم معهما من ظنوا انه بين غمضة عين وانتباهتها سيتحول هذا الحزب علي يد القوات الاسرائيلية الباسلة الي عهن منفوش، ومن يتابع الاعلام العربي الرسمي طوال الأيام الماضية يلاحظ ان هناك تركيزا متعمدا علي القصف الاسرائيلي، للتأكيد علي ان اسرائيل لا تزال جبارة وفتاكة، وكانت أخبار الانتصارات اللبنانية تنشر منزوية حتي عندما تم ارتكاب مجزرة الدبابات التاريخية، وثبت ان هذا الاعلام أكثر حرصا علي صدقية الجيش الاسرائيلي، من الصحف العبرية التي تصدر في اسرائيل، ومن هنا فأنا اختلف مع ما ذكره رئيس اليمن علي عبد الله صالح من ان انتصار حزب الله رفع معنويات القادة العرب. فالقادة سالفو الذكر استخدموا حروبهم الكلامية مع اسرائيل في قمع الشعوب تحت لافتة: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، كما تم تغييب الديمقراطية وتبرير الحكم بالحديد والنار، تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية، لان الديمقراطية من شأنها ان تمكن من الحكم من يعتبرون خطرا علي وجود اسرائيل. لقد شعرت وانا أشاهد أولمرت يلقي بيانه عبر قناة الجزيرة انه ينعي دولة اسرائيل، ولأسباب انسانية بحتة، وباعتبار ان الناس لبعضها، فانني أتقدم بخالص العزاء لمن كان السهر علي حماية مصالح اسرائيل في المنطقة مبررا لاستمرارهم في مواقعهم، ولغض سكان البيت الأبيض الطرف عن استبدادهم. شهيد لا وريث! هل شاهدت حسن نصر الله؟.. لا لم أشاهده. فاتك نصف عمرك! هذا ما قاله لي احد الزملاء، عندما اخبرني بخطاب الانتصار للسيد حسن نصر الله في يوم الاثنين الماضي، والذي ألقاه عبر قناة المنار وتناقلته قنوات فضائية أخري لا اظن ان بينها قناة فضائية رسمية تنتمي الي القصور الحاكمة. لقد استمعت الي مقتطفات من خطاب الرجل، ولم أتمكن من مشاهدته كاملا، وفي اليوم التالي كان حديثه هو كلام الناس في المقاهي، والمنتديات، وفي المواصلات العامة، وعلي الأخص تواضعه. انه رجل انتصر في معركة علي عدو غاشم، تقف أمامه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، القوة الوحيدة في العالم، وبشكل لم تفعله الجيوش العربية فرادي ومجتمعة، ومع هذا يبدو متواضعا، تواضع عمر بن الخطاب عندما جاء لاستلام مفاتيح بيت المقدس. لقد كان مهتما بمن تأذوا بسبب الحرب، وبالثكالي، والمشردين، ومن هدمت بيوتهم، لم ينسهم في لحظة النصر، كأننا امام بطل اسطوري، مثل أولئك الذين قرأنا عنهم في كتب التاريخ، كأننا في زمن السلف الصالح، كأننا في العصر الأول للاسلام، عندما كان القرآن حيا في النفوس والعقول. ان هذا التواضع شيء طبيعي من رجل يعتبر النضال رسالة وليس حرفة، وقد قدم ابنه شهيدا، لا وريثا! منافع الحلويات اللبنانية! رئيس تحرير صحيفة حكومية، من اختيار لجنة السياسات (حوالينا لا علينا)، ومن الذين ذهبوا لمناصرة لبنان فيما عرف بالوفد الرسمي والشعبي (ولأول مرة اعرف ان وفدا شعبيا يتشكل بقرار من السلطة ، لا بأس فقد كانوا يريدون ان يفعلوا أي شيء ليداروا به سوءاتهم التي تبدت للناظرين. هذا المذكور عاد من بيروت ليكتب مقالا تمدد علي صفحة كاملة، بعبارات ركيكة وجمل غير مستقيمة، وكان ان تحدث عن الحلويات اللبنانية التي قدمت لهم في (عزومة السنيورة، ولا بأس فهذه هي احد تجليات الفكر الجديد، وواضح ان رئيس التحرير همه علي معدته، ومن قبل كتب مقالا طويلا عريضا عن مائدة طعام أعدها لهم الملــك عبد الله، فأحاطنا علما انه من (اللحميين وانه (يشعر بالاعياء وعدم التوازن، والزغللة اذا لم يتناول اللحم يوميا ، ثم استفاض في وصف المائدة المباركة والتي كانت تحتوي علي الخرفان والمحمر والمشمر. البأس الشديد ان المذكور ذكر حوارا جري بينه وبين رئيس قناة المنار علي المائدة اللبنانية، ثم ذهب يسخر من الرجل ويصفه بأنه مثل احمد سعيد رئيس اذاعة صوت العرب، والذي تنســـب له البيانات المضللة في حرب حزيران (يونيو 1967، قبل ان تتكشف الهزيمة، مع ان احمد سعيد كان ينقل ما يصله من قيادة الجيش، ولم يؤلف او يفبرك أخبارا او انتصارات، ومع ان هناك فارقا بالطبع وهو ان حزب الله حقق انتصارات مذهلة بشهادة العدو ذاته، ومع ان قناة المنار كانت مثالا للموضوعية بشهادة اعتي أعدائها! لا أستطيع ان اسلم بما قاله المذكور علي لسان رئيس فضائية المنار ، والذي استخدمه للسخرية والتشهير، فربما لم يكن في وعيه ساعاتها، بعد ان تذوق الحلوي اللبنانية (الأصلية وليست التقليد التي كان يتعاطاها قبل ذلك. وربما تكون اللحوم قد كبست علي مراوحه فلم يتبن ما يقوله، وقديما قيل: ساعة البطون تغيب العقول. كاتب وصحافي من مصر azzoz66@maktoob.com (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 19 أوت 2006)

 


 

آن لزمان الضفادع أن يولي*

 
فهمي هويدي** سجلت الحرب إصابة أكثر من 4 الاف جندي إسرائيلي لا أستطيع أن أفترض البراءة‏،‏ ولا حتى الغباء في أولئك الذين يصرون على التهوين في شأن الإنجاز الكبير الذي حققه حزب الله في مواجهته الباسلة للانقضاض الإسرائيلي على لبنان‏.‏ ولأن ذلك الإنجاز واضح لكل ذي عينين،‏ فقد اقتنعت بأننا لسنا بإزاء مشكلة قصر في النظر أو ضعف في البصر، ولكننا بإزاء أزمة ضمير وافتقاد للبصيرة‏.‏ ‏(1)‏ الرسالة واضحة في قرار رئيس الأركان الإسرائيلي عزل الجنرال « أدوي آدم » قائد المنطقة الشمالية‏،‏ الذي تخوض قواته المعركة ضد حزب الله‏،‏ وهو ابن الجنرال « يوكتئيل آدم » الذي كان نائبا لرئيس الأركان‏،‏ وقتل بنيران حزب الله‏ في أثناء غزو لبنان في عام ‏1982.‏ القرار وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه زلزال في الجيش‏.‏ وبثت إذاعة الجيش صباح يوم ‏8-9‏ تعليقا عليه لمراسلها روني شيلدهاف‏،‏ قال فيه: إنه يعبر عن حجم الإحباط الذي يسود القيادة العسكرية والسياسية من تعثر المعركة في مواجهة حزب الله‏،‏ وعجز الجيش عن حسمها‏ بعد مضي شهر على الحرب‏،‏ برغم أن الرجل يعمل إلى جواره من الجنرالات وتحت إمرته أكثر من عشرة آلاف جندي‏،‏ يواجهون عدة مئات من مقاتلي حزب الله‏. المفكر الإسرائيلي والكاتب الساخر « يونتان شام أور » كان أكثر صراحة في تقييمه للموقف‏،‏ فقد نشرت له صحيفة معاريف في 8-2‏ مقالة قال فيها‏:‏ لقد خسرنا‏..‏ ولم يعد مهما إذا كان الجيش سيصل إلى نهر الليطاني أو أنهم سيأتون إلينا برأس نصر الله‏،‏ فقد انتصروا وأصبحنا نحن الخاسرين‏.‏ ثم أضاف قائلا: إن المواجهة الحالية لن تقضي على المستقبل السياسي لحزب كاديما الذي يقوده أولمرت‏،‏ ولكنها أيضا ستلقي بظلالها على مستقبل المواجهات القادمة بين إسرائيل وحركات المقاومة العربية‏.‏ ذلك أن إسرائيل بعدما فقدت قوة الردع سيصبح بمقدور أي جماعة من خصومها أن تتغوط عليـــنا بأي عـدد من الصواريخ يروق لهـا‏. في الوقت ذاته، فإن ثمة اتفاقا بين المعلقين في الدولة العبرية على أن الزلزال سيشمل المستوى السياسي فضلا عن العسكري في إسرائيل؛‏ إذ يتحدث البعض عن تشكيل لجنة تحقيق في خيبة الجيش‏،‏ قد تطيح برأس رئيس الأركان ذاته « دان حالوتس » لضعف أدائه؛‏ حيث يرجح أن توصي بعدم تعيين رئيس للأركان مثله قضى خبرته العسكرية في سلاح الجو‏.‏ وقد تحدث الصحفيان « أفي زخاروف » و »عاموس هائيل » عن انتقادات حادة في قيادة الجيش لطريقة إدارة الحرب‏.‏ ونقلا عن بعض القادة في مقالة مشتركة نشرتها هاآرتس في ‏8-2‏ انتقادهم لما سموه بـ خطيئة الغرور التي تصور معها مخططو الحرب أنه بالإمكان القضاء على خطر صواريخ حزب الله بالغارات الجوية‏.‏ في حين أشار أولئك القادة إلى الإهمال المتواصل لتدريبات وحدات الاحتياط ومعداتها‏،‏ وتوقعوا أن يحدث التحقيق في ملابسات الحرب ومسارها صدمة كبرى في الجيش الإسرائيلي‏.‏ ‏(2)‏ الصحفي « يوئيل ماركوس » نشرت له صحيفة هاآرتس مقالة في ‏8-7‏ أشار فيها إلى أن التأييد الجارف من جانب الجمهور الإسرائيلي للحرب‏،‏ يذكر بالنكتة المعروفة عن جمهور للأوبرا ظل يصفق طويلا للمغنية‏،‏ حتى صاح واحد من الحاضرين قائلا‏:‏ لن نسمح لك بالنزول عن المسرح حتى تتعلمي الغناء‏!‏. أضاف ماركوس المعروف بكتاباته اللاذعة أن الأغلبية أيدت الحكومة رغم أن ما بين ‏100‏ إلى ‏200‏ صاروخ تضرب إسرائيل يوميا من المطلة وحتى حيفا‏.‏ وذلك كابوس لم نتوقعه حتى في أسوأ أحلامنا‏.‏ وحذر من الأسئلة المحرجة التي سيطرحها الناس حول المكسب والخسارة في الحملة العسكرية‏.‏ مثل هذه التعليقات التي تعبر عن فقدان الثقة وخيبة الأمل باتت تحفل بها وسائل الإعلام الإسرائيلي‏؛‏ ففي صبيحة الخميس ‏8-2‏ قال معلق الإذاعة العبرية: إن نجاح المقاومة في استهداف العمق الإسرائيلي بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على الحرب يمثل فضيحة للدولة وجيشها‏،‏ وفي اليوم نفسه نشرت صحيفة هاآرتس في افتتاحيتها تعليقا على خطاب رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي قال فيه: إن إسرائيل حققت في الحرب الحالية إنجازات غير مسبوقة‏.‏ وفي التعليق ذكرت أن قادة إسرائيل يعتمدون لغة الخطابة‏،‏ في حين أن حزب الله يعتمد لغة الفعل بالدرجة الأولى‏. وفي نفس العدد نشر المؤرخ والمفكر الإسرائيلي « توم سيغف » مقالة مسكونة بالمرارة تحدث فيها عن انعدام مصداقية قادة الجيش وترددهم‏،‏ وعجزهم عن إقناع الجمهور بأنهم حققوا إنجازا في الحرب‏.‏ « هاآرتس » نشرت أيضا مقالة للمفكر والمؤرخ « زئيف شترنهال » قال فيها بصراحة: إن هذه الحرب هي الأكثر فشلا التي تخوضها الدولة العبرية طوال تاريخها‏.‏ وأضاف أنه بعد ثلاثة أسابيع تحدث أولمرت على نحو موغل في التفاؤل‏،‏ في حين أنه هو وحكومته وجيشه تحولوا وأصبحوا يخفضون من سقف الأهداف التي وضعوها للحرب‏.‏ فبعد أن قالوا: إنه يجب تحقيق هدفين رئيسيين هما‏:‏ استعادة قوة إسرائيل الردعية في مواجهة العرب‏،‏ وتصفية حزب الله نهائيا‏،‏ وجدنا أن الهدفين تراجعا ليصبح هدف الحرب الرئيسي هو مجرد إبعاد مواقع حزب الله الأمامية عن الحدود الشمالية لإسرائيل‏،‏ ونشر قوات دولية على الحدود‏.‏ الجنرال « زئيف شيف » كبير المعلقين العسكريين في صحيفة هاآرتس كتب مشيرا إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية وأركان الإدارة في واشنطن كانوا من أكثر المتحمسين لمواصلة إسرائيل للحرب حتى تنجح في إخضاع حزب الله واستسلامه،‏ لكن الأداء العسكري الإسرائيلي خيب آمال المسئولين الأمريكيين‏،‏ الذين استغربوا قدرة المقاومة اللبنانية على مواصلة حرب الاستنزاف ضد الدولة العبرية بعد مرور أربعة أسابيع على المعارك‏.‏ ‏(3)‏ إضافة إلى الاعتراف بالهزيمة‏،‏ وفقدان الثقة في أداء القوات المسلحة وقرارات الحكومة الإسرائيلية‏،‏ فإن الصدمة أحدثت اهتزازات وأصداء أخرى‏،‏ كان من بينها على سبيل المثال‏: ‏*‏ اتهام أمريكا بتوريط إسرائيل‏:‏ هذه الفكرة ترددت في كتابات عدد من المحللين والخبراء‏.‏ عبر عن ذلك « تسفي بارئيل »، محرر الشئون العربية في هاآرتس‏،‏ الذي قال صراحة: إن واشنطن تحاول توريط إسرائيل في حرب دينية ضد العالمين العربي والإسلامي‏.‏ وهذه الفكرة عبر عنها آخرون ممن حذروا من مغبة وقوع إسرائيل ضحية إغراء التأييد الأمريكي لها في الحرب‏.‏ وكانت « زهافا غلون »، رئيسة كتلة حزب ياحد اليساري وعضو الكنيست قد وصفت التأييد الأمريكي بأنه توريط في المستنقع اللبناني‏.‏ الموقف ذاته تبناه المؤرخ البارز « توم سيغف » الذي قال في مقالة نشرتها هاآرتس: إن للولايات المتحدة دورا كبيرا في توريط إسرائيل في الحرب‏.‏ وأعاد إلى الأذهان حقيقة أن الولايات المتحدة تنقصها الدراية الكافية بكيفية التعامل مع العالم العربي‏،‏ بخلاف أوروبا‏.‏ وقال إنه كان من الأفضل لإسرائيل الدخول في مفاوضات لإطلاق الأسيرين‏.‏ وللعلم، فإن عددا غير قليل من الساسة اليساريين في إسرائيل اعتبروا أن هذه حربا تشنها بلادهم بالوكالة عن الولايات المتحدة‏،‏ وهي في النهاية لن تخدم لا إسرائيل ولا أمريكا‏،‏ كما قالت زهانا غلون‏.‏ ‏*‏ رسائل مغازلة سوريا‏:‏ أجمعت التقارير الصحفية على أن إسرائيل منذ بداية الحرب حرصت على طمأنة سوريا إلى أن الحملة ضد حزب الله ولن تشملها‏.‏ ولكن أصواتا إسرائيلية عدة ذهبت إلى أبعد‏،‏ فدعت إلى إحياء المسار التفاوضي مع دمشق وعقد صفقة معها حول هضبة الجولان‏،‏ بما يؤدي إلى عزلها عن حزب الله وإيران‏.‏ ومن أبرز الداعين إلى ذلك الجنرال « أوري ساغيه »، رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق‏،‏ الذي رأس فريق المفاوضات مع سوريا على عهد رئيس الوزراء الأسبق باراك ‏(عام ‏1999).‏ وقد أعلن الرجل عن ذلك في تصريحات للإذاعة العبرية‏،‏ دعا فيها حكومة تل أبيب إلى أن تكون مستعدة لدفع الثمن المناسب لإقناع سوريا بعقد الصفقة‏.‏ ‏*‏ « أمل » بديلا عن حزب الله‏:‏ تحدث خبراء آخرون عن عزل حزب الله‏ عن طريق التعامل مع حركة أمل‏،‏ واعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشيعة في لبنان‏.‏ دعا إلى ذلك الدكتور يسحاك بيلي‏،‏ المستشار السابق لوزارة الحرب لشئون الشيعة؛‏ إذ حث تل أبيب وواشنطن على التعاون في جذب حركة أمل والتركيز على تمثيلها للشيعة في الجنوب بوجه أخص‏.‏ وركز على أن ثمة فروقا بين الحركتين‏،‏ أبرزها أن حركة أمل علمانية وذات قيادة معتدلة‏،‏ في حين أن حزب الله له توجهاته الأصولية المتطرفة‏.‏ حلم أم علم؟ ‏(4)‏ حلم هذا كله أم علم؟ -السؤال طرحه العم أمين هويدي وزير الحربية ورئيس المخابرات الأسبق‏،‏ الذي عاصر كل حروب العرب مع إسرائيل‏،‏ وقال‏:‏ من كان يحلم بأن ينقل طرف عربي الخوف والوجع إلى إسرائيل‏،‏ فيهددها لأول مرة في تاريخها‏،‏ ويضرب عمقها واصلا إلى صفد وطبريا والعفولة‏،‏ ويدفع بسكانها إلى المخابئ التي لم يدخلوها منذ نصف قرن،‏ بل ولا يتردد في التصريح بضرب تل أبيب إن هي قصفت بيروت؟- من كان يخطر له أن تنجح المقاومة الإسلامية في هدم نظرية الأمن الإسرائيلي‏،‏ وإفقاد العدو قدرته على الردع‏،‏ وإسقاط هيبة الجيش الذي قالوا إنه لا يقهر‏،‏ وأيضا إسقاط هيبة أجهزة المخابرات الثلاثة‏:‏ الموساد والسي آي إيه ‏(الأمريكية‏)‏ ومخابرات حلف الناتو؟، من كان يتصور في أجواء الإحباط والهزيمة المخيمة أن تقلب المعارك بالكامل في المنطقة‏،‏ على نحو يحدث نقلة نوعية مهمة في موازين القوى‏،‏ تجاوزت بكثير ما حققه العبور المصري إلى سيناء عام ‏73.‏ وهي النقلة التي أكدتها بنجاح على الأراضي‏‏ وستحقق هدفها‏،‏ وستجني الأمة العربية ثمارها‏ إذا أحسن السياسيون توظيفها بنفس درجة الكفاءة التي شهدناها في ساحة القتال‏.‏ المفاجأة في الإنجاز كان لها صداها القوي في أوساط عرب ‏48‏ الذين يعيشون في ظل الذل والعنصرية داخل إسرائيل. صحيفة القدس العربي استكتبت عددا من أدباء حيفا ‏(في عدد ‏8-8)،‏ فقال الكاتب سليم أبو جبل: إنه حين يهرول اليهود إلى الملاجئ خائفين‏،‏ فإن العرب يخرجون لمشاهدة القذيفة القادمة‏،‏ كأنها هدية جاءتهم بعد طول انتظار‏.‏ وقال الشاعر حنا أبو حنا: إنه بعد الذي جرى‏،‏ فقد آن لزمان الضفادع أن يولي‏.‏ هذه المشاعر الجياشة التي تملأ الشارع العربي‏،‏ وهذه الروح الجديدة التي سرت في أوصال الأمة‏،‏ لم يصل شيء منها إلى دعاة التهوين‏.‏ وإذا كنت قد فسرت موقفهم في البداية بحسبانه تجسيدا لأزمة البصيرة وليس البصر‏،‏ إلا أنني صرت أفكر في أمر آخر‏،‏ حين قرأت تحليلا نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت ‏‏(في 7-8)‏ للمحررة السياسية سيماكرمون‏،‏ ذكرت فيه أنه لأول مرة وزع مكتب رئيس الوزراء‏،‏ رسالة مطبوعة على الوزراء،‏ نبهتهم إلى ضرورة التأكيد في تصريحاتهم الصحفية على أن إسرائيل انتصرت وألحقت الهزيمة بحزب الله‏.‏ وهو ما دفعني إلى التساؤل عما إذا كانت نسخ من تلك الرسالة وزعت على عناصر المارينز في دوائر الإعلام العربي أم لا؟. * نقلا عن جريدة الأهرام بتاريخ 15-8-2006. ** كاتب ومفكر مصري. (المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 19 أوت 2006)


Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

20 décembre 2008

Home – Accueil TUNISNEWS 8 ème année,N° 3133du 20.12.2008  archives : www.tunisnews.net   AFP: Droits humains: l’UE critiquée pour le « statut

En savoir plus +

28 mars 2006

Home – Accueil – الرئيسية TUNISNEWS 6 ème année, N° 2136 du 28.03.2006  archives : www.tunisnews.net  FIDH : Tunisie : La

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.