السنة الأولى: العدد رقم 23 الخميس 12 أفريل 2007 طلبة تونس WWW.TUNISIE-TALABA.NET أخبار الجامعة
تعبئة شاملة في صفوف المعلمين و الأساتذة و نجاح الإضراب ……
استجابة لقرارات الهيأتين الإداريتين للتعليم الثانوي و الإبتدائي دخل اليوم الإربعاء 11 أفريل 2007 أكثر من 67 ألف أستاذ و61 ألف معلم في إضراب عن العمل بسبب تلكؤ الوزارة في التفاوض و عدم استجابتها لجملة من المطالب المادية و المهنية وقد سبق يوم الإضراب هذا حملة إعلامية كبيرة قامت بها وسائل الإعلام الرسمية من صحف و إذاعات و القناة التلفزية الرسمية دون أن يقع تمكين الأساتذة و المعلمين من بسط وجهة نظرهم و إنارة الرأي العام حول الواقع المر الذي تعيشه المؤسسات التربوية نتيجة لسوء ظروف العمل و تسيب الإدارات في ضبط العمل و توفير مستلزماته و استشراء التطاول على المدرسين من قبل التلامذة و حتى المديرين و الإدارات الجهوية للتعليم و الانتقاص من كرامتهم حيث لم يعد المربي محل احترام و تقدير و قد توجه الأساتذة و المعلمون بكثافة إلى مؤسساتهم التعليمية و نظموا اجتماعات إخبارية تم خلالها من خلال الممثلين النقابيين توضيح جملة المطالب المطروحة و كان أول إجراء قامت به إدارات المعاهد هو طرد التلامذة حتى لا يتجمعوا في أشكال احتجاجية كما لوحظ تواجد البوليس بشكل خفي في بعض الأحيان و بشكل علني في أحيان أخرى أمام المؤسسات التربوية كما قامت طائرة هليكوبتر بمراقبة الوضع العام من الجو في العاصمة و تشير المعطيات الأولى المتوفرة من مصادر نقابية إلى أن نسبة المشاركة في الإضراب كانت مرتفعة جدا في مختلف جهات البلاد وقد تدارس الأساتذة المشاكل التي يتعرض لها قطاع التعليم و بخاصة الظروف السيئة للعمل و امتهان كرامة الأساتذة من قبل عديد الأطراف و حالة التسيب التي تعيشها أغلب المؤسسات التربوية و قد لوح عدد كبير من الأساتذة بالقيام بإضراب إداري إذا لم تستجب الوزارة لمطالب رجال التعليم كما تعالت الأصوات المنادية بإقالة وزيرالتربية الصادق القربي بسبب ” عدائه للنشاط النقابي وتنصله من تطبيق الإتفاقات المبرمة سابقا مع النقابات العامة للتعليم الثانوي و الابتدائي ” هذا و قد تجمع المعلمون و الأساتذة في اجتماعات جماهيرية بساحة محمد علي بتونس و بمقرات الاتحادات الجهوية و بمناسبة هذا التحرك النضالي و قع توزيع بيان تحت عنوان ” كل الحقيقة للأساتذة ” في شكل ورقة توضيحية لجملة المطالب التي كانت المنطلق لهذا التحرك و تتمثل في : – مدارس المهن – مناقشة البرامج – القانون الأساسي – منحة العودة المدرسية – النقل – مجالس المؤسسة – إدماج المعاونين و مكافأة مراقبة الامتحانات الوطنية
وزير التعليم العالي يتهجم على عميد كلية 9 أفريل بتونس …….
قام وزير التعليم العالي و البحث العلمي الأزهر بوعوني خلال أحد الأيام الاخيرة من عطلة الربيع بزيارة إلى مقر الملحق التابع لكلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بتونس لمعاينة الأضرار الحاصلة Annexe بالمباني الجديدة حيث تكاثرت الشقوق و أصبحت بالتالي مهددة بالسقوط مثلما هو الشأن بالنسبة للمدارج و القاعات الجديدة في كلية العلوم الاقتصادية و التصرف في المركب الجامعي بتونس مع العلم بأن هذا الملحق الموجود في برج زوارة بالقرب من باب سعدون أضيف إلى الكلية للتمكن من استيعاب العدد الضخم من الطلبة الذي تجاوز خلال السنة الجامعية الحالية 2006-2007 العشرة آلاف طالب و كان عميد الكلية الدكتور حميد بن عزيزة متواجدا على عين المكان أثناء زيارة التفقد و صادف أن لاحظ الوزير وجود ملصقات و معلقات عديدة في مختلف أرجاء الكلية تدعو إلى إنجاح الإضراب الذي دعت إليه الجامعة العامة للتعليم العالي ليوم الخميس 5 أفريل الجاري و كانت تحتوي على العديد من الشعارات ذات المضمون النقابي و المعبرة عن مشاغل و مطالب الأساتذة الجامعيين فما كان من الوزير إلا أن أمر العميد بإزالة المعلقات و لكن هذا الأخير رفض ذلك رفضا قاطعا معتبرا أن ذلك يدخل في إطار حرية العمل النقابي و لا يجوز له كمسؤول إداري أن يتعدى على هذا الحق الذي يضمنه دستور البلاد و القوانين الجاري بها العمل وحصلت إثر ذلك مشادة كلامية بين الطرفين عمد الوزير على إثرها إلى الاستنجاد بعمال النظافة لتقطيع المعلقات و يبين هذا الحدث مدى الاستهتار بحرمة المؤسسات الجامعية و نمط من التعامل مهين للجامعة و لنخبها السنة الجامعية أشرفت على النهاية و الامتحانات على الأبواب ……
لم يبق في عمر السنة الدراسية سوى أسابيع قليلة حيث قررت جميع المؤسسات الجامعية إيقاف الدروس يوم السبت 28 أفريل بالنسبة للبعض و يوم السبت 5 ماي بالنسبة للبعض الآخر Arrêt des Cours على أن يتم تمكين الطلبة من أسبوع راحة للقيام بالمراجعة النهائية و الاستعداد للدورة الرئيسية التي تنطلق في حدود منتصف شهر ماي وتبعا لذلك ينتظر أن يتقلص النشاط الطلابي إلى الحدود الدنيا خلال الفترة القادمة لينكب الجميع على التحضير لماراطون الامتحانات و الذي يمتد قرابة الشهرين ما بين الدورة الرئيسية ودورة التدارك …… نرجو لجميع الإخوة الطلبة النجاح و التوفيق على درب التحصيل العلمي جويلية 2007 : ربع مليون عاطل عن العمل من أصحاب الشهادات العليا ….. بالتحاق أكثر من 60 ألف متخرج جديد في نهاية السنة الجامعية الحالية 2006-2007 سيرتفع عدد حاملي الشهادات العليا المعطلين عن العمل إلى أكثر من ربع مليون في أواخر شهر جويلية 2007 القادم وهو ما سيزيد في تفاقم ظاهرة البطالة و ما ينتج عنها من توترات و أزمات إجتماعية خانقة وتفيد الإحصائيات الرسمية بالنسبة للثلاثة أشهر الأولى من السنة الحالية 2007 أن مكاتب التشغيل و العمل المستقل قامت ب 5085 عملية تشغيل لفائدة حاملي الشهادات العليا مقابل 4304 عملية تشغيل خلال نفس الفترة من السنة الماضية 2006 وهو ما يساوي زيادة ب 18 في المائة يذكر أن الأرقام الرسمية السابقة تشير إلى القيام ب : 1762 عملية تشغيل في جانفي 2007 مقابل 1382 عملية تشغيل في جانفي 2006 1852 عملية تشغيل في فيفري 2007 مقابل 1472 عملية تشغيل في فيفري 2006 1471 عملية تشغيل في مارس 2007 مقابل 1450 عملية تشغيل في مارس 2006 و تبرز هذه الأرقام بشكل واضح الفارق الشاسع بين عدد الخريجين المعطلين عن العمل و العدد القليل من المحظوظين الذين أمكن أو يمكن لهم الحصول على شغل تواصل سلسلة الإعتقالات في صفوف الطلبة ……
تم يوم الإثنين 26 مارس 2007 إعتقال الطالب جلال الدين العيدودي أصيل مدينة حفوز من ولاية القيروان وهو يدرس في السنة الأولى بالمعهد التحضيري للدراسات الهندسية بالمنستير و تشير مصادر حقوقية إلى أن عدد المعتقلين قد تجاوز إلى حد الآن الألفين أغلبهم من الطلبة و التلامذة هذا فضلا عن الذين ما زالوا مطاردين وفاة ثلاثة طلبة اختناقا بالغاز ……
في الاسبوع الأول من شهر مارس 2007 قضى ثلاثة طلبة اختناقا بالغاز على إثر قضائهم سهرة بمنزل خاص شارك فيها طالبان يدرسان بالعاصمة و فتاتان إحداهما موظفة و الثانية طالبة و قد تفطن صديق أحد الطلبة إلى عدم قيام زميله بالرد عند الإتصال به عبر الهاتف الجوال فانتابته الشكوك حول مصير صديقه و أسرع إلى المنزل الذي يقيم به و عند طرقه للباب عدة مرات و بقوة لم يجبه أحد فقام بخلع الباب الخارجي و ما إن ولج إلى الداخل حتى أزكمته رائحة الغاز المنبعثة من غرفة الإستحمام فقام بسرعة بفتح جميع الشبابيك لتهوئة المنزل ليكتشف هول المصيبة الماثلة أمامه حيث عثر على الطلبة الثلاثة و الموظفة جثثا هامدة
أضواء على الأنباء
إضاءة أمّ زياد
القمع “الميكانيكي” بينما كان فتحي الجربي يرغي ويزبد أمام أعضاء البرلمان الأوروبي فيصدم بعفويته المعروفة أصحاب النفوس الزكيّة والمعارضة المهذّبة. كان البوليس السياسي يحشو محرك سيارته رملا… وكانت النتيجة أضرارا فادحة لحقت بمحرك هذه السيارة المناضلة التي وضعها فتحي دوما على ذمّة كل نشاط بقطع النظر عن الأطراف المنظّمة. هذا القمع الميكانيكي يذكّرنا بسيّارات كثير من المناضلين التي منها ما سرق ومنها ما حُطّم تماما فكان مآله “هنشير اليهودية” ذاك المصبّ الذي زاره بن علي أوّل ما أخذ السلطة وجعل في تفقّد أحوال الرعيّة. لست أدري علاقة هذه الممارسة البوليسيّة بالزيارة المذكورة.. ولكنّها خطرات القلم العجيبة… وهات من يفهم خطرات الأقلام.
تعزيز في القمة العربية التي انتظمت مؤخرا بالرياض أعادت تونس على لسان وزيرها الأوّل على لسان رئيسها الثاني الذي لم يحضر القمة لسبب ما، طرح مسألة حقوق الإنسان ووجوب تعزيزها في الوطن العربي العزيز. لا تعليق لي على الطرح ولا على الطارح ولا على المطروح ولا على المطروح عليه بل كل ما أريد قوله هو أنّه طالما أنّنا صرنا معلّمين لسائر العرب في مادة حقوق الإنسان فإنّه لا يصعب على نظامنا العزيز أن يمرّ إلى تعزيز حقوق سيّارات المعارضين في السلامة فلا يصيبها العطب إلاّ جرّاء حُفر المعبّد أو قيادة “الغفّاصة” أو البنزين المغشوش.
مفاتيح التاريخ سُجّل في المدة الأخيرة اتفاق مكوّنات 18 أكتوبر حول جملة من القضايا الوطنية منها المساواة بين المرأة والرجل. ونظرا إلى كون مسألة المساواة هذه تعدّ من أهمّ المسائل الخلافية بين الإسلاميّين والعلمانيّين فقد حظي الاتفاق حولها باهتمام كبير من لدن المحلّلين والمعلّقين والمنتقدين والمشكّكين والمرحّبين الفرحين. بعض المرحّبين الفرحين استخفّه الطرب وهزّه الحماس فصرّح بأنّ الاتفاق المذكور يُعدّ حدثا “تاريخيّا”. هذا الاتفاق- إذا لم تخنّ الذاكرة- كان قد تم منذ جوان 2003 تاريخ ما عرف باجتماع “آكس” بالجنوب الفرنسي. وقد وقّعت عليه أكثر الأطراف الموجودة في هيأة 18 أكتوبر عدا بعض من شوّشوا على اجتماع “آكس” ومن حضروه ثم فرّوا من التوقيع. يبدو أنّ بعض الناس يملكون مفاتيح التاريخ فلا يدخلون فيه إلاّ ما يرضيهم أو بالأحرى ما يكون تحت نفوذهم… وبعد ذلك نلوم على بن علي إذ يدّعي امتلاك التاريخ والجغرافيا والماضي والحاضر والمستقبل.
عالم ستار أكاديمي العراقية “شذى” فازت بلقب برنامج ستار أكاديمي اللبناني وحصلت على 7 ملايين صوت من العراق وحده عدا الأصوات التي أتتها من سائر البلدان العربية المتعاطفة مع العراق في محنته. وفور الإعلان عن النتيجة خرج العراقيون ليحتفلوا بفوز ابنتهم. لقد حظي هذا البرنامج التلفزيوني بتغطية إعلامية كبيرة، فقناة “CNN” الأمريكية غطّت الحدث لتقيم الدليل على أنّ العراق سعيد تحت قنابلها على خلاف ما تروّجه بعض القنوات العربية. وبعض القنوات الفرنسية تابعت الحدث واعتبرت “شذى” نموذجا للفتاة العراقية المتحررة من قيود مجتمعها (مع العلم بأنّ شذى لا تعرف العراق وتعيش في المغرب مع أبيها العراقي وأمّها المغربية). أمّا بعض القنوات العربية فقد قدمت برامج حوارية حول ظاهرة “شذى” وحول حكم الغناء والموسيقى في الإسلام أحلال هما أم حرام، فقد قال شيخ منفتح إنّ الغناء حلال وإنّ “شذى” مثابة على إصلاح ذات البين بين الطوائف العراقية المتقاتلة !! وقال شيخ زمّيت إنّ الغناء حرام وإنّ مآل شذى جهنّم النار لا محالة !! ولم يقل معلّق واحد إنّ “شذى” الطالبة في ستار أكاديمي قد تكون نالت من الأصوات ما لا يقدر على نيله كثير من الرؤساء العرب دون لجوء إلى التزييف. وأنّها أتاحت فرصة التمتع بالاختيار الحر لمنطقة واسعة من الدنيا لا تعرف إلاّ الفوضى والإكراه.
المهرجان مهرجان الأغنية التونسية لهذه السنة جاء كالحا باهتا كالعادة وأكثر من العادة. كلمات الأغاني مخجلة في فقرها المدقع وافتقادها للمخيال والصورة، الألحان متذبذبة لاشرقية ولا غربية والمغنّون يذكّر أكثرهم بمغنّي ابن الرومي. أمّا هيئة الركح والأضواء والتقنيات الصوتية وعزف الفرقة المصاحبة فأنا أعجب من جرأة منظّمي المهرجان والتلفزة على عرض مثل هذا البؤس على النظارة في شتى أنحاء العالم. اللبنانيّون ينجزون حفلات فنّية أسبوعية تبهر المشاهد بجودتها من جميع النواحي ونحن عاجزون عن تقديم شيء محترم مرة في السنة. مع ذلك وكمواطنة تونسية أطالب بالإبقاء على هذا المهرجان والسبب لا علاقة له بالغناء والموسيقى بل بالصحافة وحرية التعبير. فقد رأيت من تعاليق صحفيّينا على هذا المهرجان ما بهرني بوجاهة الآراء وطرافتها وبحرّية مطلقة في النقد والتوجيه. ومن ثمّ فإنّ الإبقاء على هذا المهرجان يعني الإبقاء على مجال يكون بمثابة المحميّة التي تحفظ النوع الصحفي من الانقراض.
بورقيبة الأب بلا بورقيبة الابن ذكرى موت بورقيبة تحلّ في نسختها الخامسة. ومن جديد تُطوّق مدينة المنستير وتصير منطقة يحظر فيها الجولان مثل جميع مناطق البلاد لمّا يحلّ بها بن علي. نفس الصور تتكرر “الجماهير” التي اختيرت على “الفرّازة” لتستقبل بن علي، باقة الزهور والفاتحة… والغائب في الصورة هو الحبيب بورقيبة الابن وسلالته. يبدو أنّ المياه لم تعد إلى مجاريها بين الرئيس الحيّ وابن الرئيس الميّت منذ الخصومة التي نشبت بين الرجلين منذ 5 أعوام والتي كان سببها إصرار بن علي على تغيير مسار جنازة بورقيبة أو بالأحرى اختصار هذا المسار… وذلك ما كان. على كلّ حال التلفزة التونسية قامت بالواجب لرأب هذا الصدع فأظهرت على الشاشة صورة قديمة تجمع بين صانع التغيير وابن المجاهد الأكبر.
نشر الجزيرة من المغرب العربي في تونس لها صور وعلامات إشهارية تمثل مباني بربرية وألبسة وحلي بربرية على أشخاص يحملون الميسم البربري وهي جميلة كلّها وقد توحي بلطف بفرق ما بين العرب العاربة والعرب المستعربة. لها توقيت وهو في تونس وهو في تونس الحادية عشر قبل منتصف الليل وقد صار الآن منتصف الليل بالتوقيت الصيفي. وهذا يعني نّ هذه النشرة تبثّ في الوقت الذي يكون فيه الناطقون بلغة الضاد إمّا نياما أو يستعدّون للنوم أو لم يفيقوا بعد من النوم. ولها هيئة تحرير ومذيعون لا يستسيغون الخوض في الشأن التونسي. وإذا فرضت عليهم بعض الأحداث ذلك خاضوا في شأننا على عجل وبلا تعمّق وفي أكثر الأوقات بلا تمكّن من الموضوع المطروح ولا علم بخلفياته ورهاناته. أمّا اختيار المتدخّلين في الشأن التونسي فهو اختيار لا يخلو من الغرابة ولا نعلم مقاييسه أهي إخوانية أو موضوعيّة تعطي القوس باريها. أغلبيّة المتدخلين في الشأن التونسي هم من أبواق السلطة المشهود لها وطنيّا وربّما حتى عربيّا بالكذب والدفاع عن منافعها الشخصية. ولهؤلاء حصّة من وقت النشرة أكبر من حصّة الرأي الآخر وأحيانا ينفرد بالكلام بدون حضور الرأي الآخر. وقد أضرّ هذا السلوك الإعلامي بكثير من ضحايا قمع النظام التونسي وقدّم صورة محرّفة عن محنتهم وبرّأ جلاديهم.
أتساءل بعد هذا : لماذا تمنع الحكومة التونسية فتح مكتب الجزيرة في تونس وعلام تعطّل رئيسه عن العمل ؟ لا يظنّنّ أحد في تونس أو خارجها أنّي أشنّع على أناس بأعينهم ولا أنّي أريد لفت الانتباه حتى أطلع على الجزيرة فأنا لا أقصد التشنيع البتة. وليس لي رغبة في أي ظهور إعلامي. ومنذ الانتخابات التي أجريت بتونس عام 2004 وبعد أن وقعت استضافتي لأتحدّث عن هذه الانتخابات على قناة الجزيرة… في الساعة الخامسة صباحا. قبلت الحديث في هذا التوقيت الميت بالنسبة إلى تونس غباء منّي وجرّاء شعوري بالقهر أمام صمت وسائل الإعلام المخجل عمّا تتعرّض إليه تونس من اغتصاب في هذه الانتخابات المشؤومة. ما زلت أعتقد أنّ قناة الجزيرة كانت الترياق الذي داوانا من سموم CNN في الحرب الأمريكية الأولى على العراق وأنّ ظهورها كان بمثابة الخط الفاصل بين جاهليّة الإعلام العرب وعهد رسالة إعلامية جديدة ولكنّها ليست قطعا رسالة للحرية والديمقراطية. فالغالب على هذه القناة هو دكتاتورية الرجال على النساء ودكتاتورية المشارقة على المغاربة ودكتاتورية الإسلاميين والقوميين على الديمقراطيين. ويجب أن لا ننسى دكتاتورية الأنظمة التي لا تستحي من غلق سفاراتها بسبب مداخلة معارض على قناة الجزيرة فيستجاب لرغباتها ويُخض
(المصدر: مجلة “كلمة” (اليكترونية شهرية – تونس)، العدد 52 لشهر أفريل 2007) الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=511
المدرسون بتونس يضربون احتجاجا علي ظروفهم المهنية
تونس ـ يو بي آي: أضرب أساتذة التعليم الثانوي ومدرسو المرحلة الابتدائية بتونس عن العمل امس الأربعاء للمطالبة بحقوقهم المادية والمهنية،وذلك بعد أسبوع واحد من اضراب مماثل نفذه أساتذة ومدرسو المؤسسات الجامعية التونسية . ووصف الشاذلي قاري الأمين العام لنقابة التعليم الثانوي التونسية الاضراب بـ الناجح ، وقال ان نسبة المشاركة فيه تجاوزت 86 بالمئة علي المستوي الوطني. غير أن مصدرا مسؤولا من وزارة التربية والتكوين اعتبر ان الاضراب كان محدودا وقال في بيان ان 19.08 بالمئة فقط من اجمالي عدد أساتذة ومدرسي التعليم الثانوي والابتدائي ،شاركوا فيه. وبحسب الشاذلي قاري، فان قرار الدخول في الاضراب اتخذته القيادة النقابية بعد أن رفضت وزارة التربية التونسية بعض المطالب التي تقدمت بها النقابة. وأشار الي أن قيادة نقابة التعليم الثانوي التونسية سبق لها أن اتفقت مع الوزارة علي أن يكون آخر شباط (فبراير) الماضي، موعدا للاتفاق النهائي بشأن المطالب غير أن الوزارة لم تلتزم بالاتفاق . وأضاف أن الردود التي تلقتها النقابة من الوزارة حول جملة المطالب عكست استهتارا واستفزازا لجميع أساتذة التعليم الثانوي ،مما دفع النقابة الي تنفيذ هذا الاضراب علي حد قوله. ويطالب أساتذة التعليم الثانوي الي جانب مسألة تحسين الرواتب، والمنحة البيداغوجية (منحة الاختصاص)، بتحسين ظروف عملهم،وبضمان الحق النقابي، وباشراك نقابتهم أثناء رسم البرامج والمناهج الدراسية، بالاضافة الي تسوية وضعية عديد المدرسين وفقا للنصوص القانونية. وتقدر مصادر نقابية عدد أساتذة التعليم الثانوي،ومدرسي المرحلة الابتدائية في تونس بنحو 120 ألف مدرس علي المستوي الوطني. ويأتي هذا الاضراب بعد أسبوع من اضراب مماثل نفذه أساتذة ومدرسو المؤسسات الجامعية التونسية في الخامس من الشهر الجاري وصفته مصادر نقابية بـ الناجح ، حيث تجاوزت نسبة المشاركة فيه 80 بالمئة، بينما اعتبرته وزارة التعليم العالي التونسية محدودا ،وأن نسبة المشاركة فيه استقرت في حدود 6.3 بالمئة. (المصدر: صحيفة “القدس العربي” (يومية – لندن) الصادرة يوم 12 أفريل 2007)
إضراب ناجح في قطاع التعليم ومناداة باستقالة الوزير
نفذ رجال التعليم بمرحلتيه الأساسي والثانوي في تونس إضرابهم المقرر منذ مدة اليوم الأربعاء 11 أفريل 2007 بنجاح كبير. وقد تراوحت نسبة النجاح في التعليم الأساسي، كما قدّمها أحد أعضاء النقابة العامة للتعليم الأساسي أمام التجمع المنعقد بساحة محمد علي بتونس، بين 64% في ولاية أريانة و95% في ولاية قفصة وتصل معدل النسبة العامة إلى أكثر من 80%. أما في التعليم الثانوي فقد تراوحت بين 79% ببنزرت و92% بولاية صفاقس وتزيد النسبة العامة في هذا القطاع عن الـ 85%. ويعزى هذا النجاح زيادة عن تشبث المعلمين والأساتذة بمطالبهم إلى غضبهم من تصريحات وزير التربية الصادق القربي الذي بثت له التلفزة التونسية لمدة ثلاثة أيام متتالية لقاء تلفزيا حاول خلاله إقناع الرأي العام بلامشروعية المطالب والتلميح للنوايا السياسية التي لا تمت للمطالب بصلة على حد قوله. وقد كان لهذه التصريحات مفعولا عكسيا حيث زادت في غضب الأساتذة والمعلمين ودفعتهم أكثر للمشاركة في الإضراب. وقد عقدت نقابات التعليم من الصنفين تجمعات مشتركة صبيحة يوم الإضراب بدور الاتحادات الجهوية لتوضيح أسباب الإضراب وفحوى نتائج المفاوضات التي جرت في شأن المطالب المرفوعة. وكان التجمع الذي عقدته النقابتين العامتين للتعليم الأساسي والثانوي بتونس العاصمة أضخم هذه التجمعات حيث زاد عدد الحاضرين عن الأربع آلاف معلم وأستاذ جاؤوا للاستماع لنقاباتهم بخصوص المطالب وردود الوزارة وتصريحات الوزير والإجراءات المتخذة من قبل السلط لإفشال الإضراب. وقد بيّن كل من السيدين الشاذلي قاري وحمد حليم الكاتبين العامين للتعليم الثانوي والأساسي أمام المجتمعين بحضور أعضاء من المركزية النقابية يتقدمهم السيد منصف الزاهي عضو القيادة المكلف بالوظيفة العمومية، فحوى مطالبهم وتلاعب الوزارة أثناء التفاوض وتعاملها غير الجدي مع مقترحات النقابات. وقد استعرض كل منهما مطالب كل قطاع بكثير من التفاصيل وردود الوزارة عليها. وتخللت تدخلاتهما شعارات من الساحة دعا بعضها وزير التربية للاستقالة ومن هذه الشعارات نذكر “يا قربي يا كذاب هذا نهار على الحساب” و”الوزير يستقيل”. وتلقى المضربون قائمة طويلة من برقيات المساندة الصادرة عن النقابة العالمية لنقابات التربية وعن اتحاد المعلمين العرب وعن النقابات العامة والجامعات والنقابات الأساسية بتونس. كما تلا السيد عبد الرزاق الكيلاني برقية مساندة من عميد المحامين السيد عبد الستار بن موسى لقيت تجاوبا وترحيبا كبيرين من الحاضرين. السيد منصف الزاهي عضو القيادة عبّر من جانبه عن تأييد المكتب التنفيذي للاتحاد لإضراب رجال التعليم وركز تدخله على تصريحات الوزير الأحادية في التلفزة قائلا “يا سيدي الوزير التلفزة ليست لك وحدك التلفزة ملك للشعب”. وكان المكتب التنفيذي للاتحاد أصدر بيانا عبر فيه عن استيائه من سلوك مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية التي فتحت برامجها للوزير للتهجم على نقابات التعليم ورجاله دون أن تسمح لهؤلاء بتوضيح مواقفهم. كما ذكر السيد منصف الزاهي أن وزير التربية الذي يتشدق باستعداده للتفاوض وأن وزارته عقدت 33 جلسة تفاوض لم يحضر من هذه الجلسات سوى اثنتين فقط بل – وكما بين بلاغ المكتب التنفيذي – يرفض تقبل المكالمات الهاتفية الواردة عليه من الاتحاد العام التونسي للشغل. لقد كانت النبرة واضحة كما عبّر عنها مسؤولو القطاعين وكذلك منخرطيه وقواعده التي حضرت التجمع اليوم بساحة محمد علي بالعاصمة، إما تفاوض جدي واستجابة لمطالب القطاعين وإما تصعيد. وقد لخص هذه النبرة الشعار الذي رفعه الحاضرون “التصعيد، التصعيد والعزيمة من حديد” وكذلك “المعلم والأستاذ والوحدة من فولاذ”. تدشين مقر ومحاضرة في القصرين نظمت جامعة القصرين للحزب الديمقراطي التقدمي اجتماعا مفتوحا يوم الإثنين 9 أفريل 2007 بمقره الجديد بشارع الدولاب بمدينة القصرين حضره أكثر من مائة مواطن ومواطنة جاؤوا للاستماع إلى المحاضرة التي ألقاها الأخ أحمد نجيب الشابي بعنوان “مواطنون لا رعايا”. وقد وصل الوفد على الساعة العاشرة صباحا الذي كان يضمّ الأمين العام السابق الأخ أحمد نجيب الشابي مرفوقا بالدكتور أحمد بوعزّي عضو المكتب السياسي للحزب المسؤول على الشباب والمرأة وبالسيدة صفية المستيري عضوة اللجنة المركزية، وكان في استقبالهم السادة عباس بوعزّي وعمار حمدي والناجي غرسلّي والإطارات المحلية والجهوية للحزب وعدة عشرات من المناضلين خصوهم باستقبال حار. وقد تجوّل الوفد القيادي للحزب في المقر الجديد الذي كان مزدانا بالأعلام وبالصور وبالمعلقات التي استعملت في نشطات الحزب المتعددة وبأدبيات الحزب التي غطّت كل الجدران تقريبا. وقد تناولت المحاضرة نضال الشعب التونسي منذ قرن من أجل بناء دولة ذات مؤسسات ديمقراطية ذكّر فيها الأخ الشابي بشهداء 9 أفريل الذين بلغ عددهم يومها 122 شهيدا من بين الذين كانوا ينادون ببرلمان تونسي، وأضاف المحاضر أننا لم ننعم منذ ذلك التاريخ وإلى الآن ببرلمان منتخب ديمقراطيا في انتخابات شفافة ولم نحصل على استقلال السلطتين التشريعية والقضائية عن السلطة التنفيذية. ثم تحدّث عن نضال الشعب التونسي في القرن الواحد والعشرين وعن حركة 18 أكتوبر التي استطاعت أن تجمع المعارضة التونسية الواسعة وراء مطالب ثلاثة وهي حرية التعبير وحرية التنظّم والعفو التشريعي العام، وأضاف أننا في الحزب الديمقراطي التقدمي نزيد عن ذلك مطلبين هما أولا الإصلاح الدستوري الذي يفصل بين السلط ويبعث المجلس الدستوري الذي ينظر في شرعية القوانين وثانيا الانتخابات الديمقراطية والنزيهة لسنة 2009 التي تشرف عليها سلطة محايدة غير وزارة الداخلية. وتدخل الدكتور أحمد بوعزّي من بعده للحديث عن سياسة الحكومة التربوية التي تتصف بالارتجال والتذبذب وبعدم احترام القانون وأعطى مثالين: امتحان السنة الرابعة ابتدائي الذي صدر في موضوعه منشوران متناقضان كل التناقض في أقل من شهر، والإعداديات النموذجية التي ستبعث هذه السنة بصفة تخالف قانون 2002 من حيث بعث امتيازات غير قانونية لبعض التلاميذ والعدول عن التدريس باللغة العربية في المرحلة الإعدادية وتوفير فرص غير متكافئة للتلاميذ سيستفيد منها الذين يدفعون أموالا أكثر في الدروس الخصوصية. ثم تلى ذلك نقاش بنّاء شارك فيه عدد من الحاضرين سواء كانوا من الحزب أم من الحاضرين بما فيهم من كانوا ينتمون إلى أحزاب أخرى أو إلى النقابات، وقدّموا تساؤلات وطلبوا توضيحات أجاب عليها الأخ أحمد نجيب الشابي بكل وضوح وأريحية مذكّرا أن مقر الحزب هو خيمة لكل مناضل نزيه مهما كان انتماؤه. وانتهى الاجتماع في الثانية بعد الزوال مراسلة خاصة بالموقع (المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتاريخ 11 أفريل 2007)
تكتيك جديد هل ينجح؟
أصدرت الهيئة الإدارية الجهوية للشغل بسوسة المنعقدة مؤخرا تحت إشراف السيد علي رمضان عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل في لائحتها الداخلية مطلبا ينادي بضرورة التفكير في إيجاد الآليات اللازمة للتراجع في قرار المؤتمر الوطني الأخير المنعقد بالمنستير (ديسمبر 2006) والقاضي بحصر حق أعضاء القيادة في الترشح للمكتب التنفيذي مرتين (2) فقط بغية فتح الباب للتداول على المسؤوليات النقابية العليا وتجديد القيادة. ومعلوم أن السيد علي رمضان يُعَدّ أكثر مسؤولي الاتحاد معارضة لهذا القرار وقد بذل قصارى جهده خلال المؤتمر الماضي كي يستصدر هذا الأخير قرارا يناقض قرار جربة ولكنه فشل في ذلك إذ أقرّ المؤتمرون بأغلبية ساحقة قرار ما أصبح يسمى بـ”النيابتين” (deux mandats). الكثير من النقابيين رأوا في هذه الخطوة عنوانا لتغيير السيد علي رمضان تكتيكه في السعي إلى إعداد العدة للالتفاف على قرار جربة/المنستير. فبعد أن فشل في كل المحاولات السابقة (أنظر البديل العاجل بتاريخ 9 أفريل 2007 – هدوء الصراع داخل الاتحاد العام التونسي للشغل: مؤشر على رغبة في التجاوز أم هدنة مؤقتة؟) يتجه الآن نحو القيام بحملة “مناشدات” نقابية لمراجعة موقف المؤتمر. ويتساءل الكثير أيضا عما إذا كان من حق الهياكل القاعدية والهيئات الإدارية الجهوية المطالبة بتغيير قرار المؤتمر الذي يُعدّ أعلى سلطة في الاتحاد فضلا عن أنه لم يمض على انعقاده إلا أربعة أشهر. ولكن الواضح أن السيد علي رمضان وهو المكلف بالنظام الداخلي والمؤتمن على تطبيق القانون الداخلي لا يقيم اعتبارا للقانون كلما تعلق الأمر بهذه المسألة والدليل على ذلك أن الهيئة الإدارية بسوسة التي أشرف عليها هي الوحيدة التي ذهبت إلى اتخاذ هذا الموقف علما وأن كل الهيئات الإدارية الأخرى القطاعية منها والجهوية التي انعقدت مؤخرا تحت إشراف أعضاء آخرين من القيادة لم تطالب ولا واحدة منها بهذه المراجعة. (الهيئات الإدارية للتعليم بأصنافه الثلاث، منوبة، القيمون وأعوان التأطير، البريد والاتصالات، البلديات، المناجم، السكك الحديدية، …). واجهة جديدة يفتحها السيد على رمضان ومدخلا آخر يكتشفه لإنجاح مسعاه نحو الانقلاب على قرار المؤتمر ولعل ذلك ما يفسر حرصه على تعيين عناصر معينة للإشراف على الهيئات الإدارية المبرمجة. لكن السؤال الذي ستتكفل الأيام القادمة بالإجابة عليه هل ستكون هذه القرارات المستصدرة من الهيئات الإدارية كافية لوحدها بمراجعة قرار جربة؟ عمال زراعة التبغ: إصرار على المواصلة يواصل حوالي 80 عاملا من زراعة التبغ بجهة غارالدماء (غرب البلاد) اعتصامهم بمقر العمل احتجاجا على طرد الكاتب العام لنقابتهم الأساسية التي تم إحداثها مؤخرا، السيد محمد الصالح مصلي، وتمسكا بمطالبهم. وسبق أن كان أحيل السيد المصلي على مجلس التأديب وخير بين القبول بنقلة إلى جهة أخرى والطرد لفترة زمنية ولكنه أصر على البقاء بجهة غارالدماء وتحمل مسؤوليته ككاتب عام منتخب للنقابة. وقد حاولت السلط الجهوية بجندوبة والمحلية بغار الدماء فك الاعتصام لكنها اصطدمت بإصرار العمال على المواصلة. واستدعى معتمد غارالدماء يوم الثلاثاء 10 أفريل 2007 الكاتب العام المطرود ليزف له خبر انعقاد جلسة صلحية بتفقدية الشغل يوم الخميس 12 أفريل 2007 للنظر في الموضوع ولتذليل المصاعب مقابل أن يقع فك الاعتصام. وأمام إصرار الكاتب العام والعمال على المواصلة ناشده المعتمد تهدئة الجوال ريثما تلتئم الجلسة الصلحية المشار إليها. وللإشارة يلقى هذا التحرك مساندة المكتب التنفيذي للاتحاد والهياكل النقابية بالجهة وخارجها فيما لم تبد جامعة المالية اهتماما بالموضوع بل وأظهرت موقفا مناوئا للتحرك على حد تصريحات السيد محمد الصالح مصلي. (المصدر: البديـل عاجل، قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي بتاريخ 11 أفريل 2007)
المدرسون التونسيون يضربون دفاعا عن مطالبهم
تونس – نفذ المدرسون التونسيون الاربعاء اضرابا واسعا “للمطالبة بتحسين أوضاعهم المهنية واحترام حقوقهم النقابية كما اكدت نقابة التعليم الثانوي في تونس. واوضح فرج شباح كاتب عام مساعد نقابة التعليم الثانوي “ان نسبة المدرسين الذين شاركوا في الاضراب كانت 80% في المدارس الاعدادية والثانوية و76% في المدارس الابتدائية”. واضاف “ان الاضراب نفذ بشكل واسع في كامل البلاد وتراوحت نسبة المشاركة فيه ما بين 73 % (زغوان، وسط) و91 بالمئة (صفاقس، جنوب)”. لكن السلطات نفت ان يكون الاضراب اثر على عمل المدارس. وقال مصدر رسمي ان نسبة المضربين لم تتعد 25.8%. ويأتي هذا الإضراب الذي دعت اليه نقابتا التعليم الثانوي والابتدائي اثر مفاوضات مع وزارة التربية “استغرقت اشهر دون تحقيق النتائج المطلوبة” بحسب ما اوضح المسؤول النقابي. وقال شباح ان اضراب المدرسين جرى بهدف “وضع تصور مهام هيكل بيداغوجي” وحول “مبلغ المنحة الخاصة بالعودة المدرسية”. وتتهم النقابة العامة للتعليم الثانوي، كبرى النقابات التونسية، وزارة التربية “بالمماطلة وعدم الالتزام في التعامل مع المطالب المشروعة للأساتذة” ودعتها الى “استئناف الحوار فورا وبكل جدية وموضوعية”. وسبق هذا التحرك الاحتجاجي اضراب نفذه الاساتذة الجامعيون التونسيون في 5 نيسان/ابريل الجاري للمطالبة بتحسين ظروفهم المهنية. وسجلت نسبة المشاركة فيه 80 بالمئة بحسب مصادر جامعية تونسية. وغالبا ما يلجأ المعلمون الى ممارسة انشطة اخرى لتحسين دخلهم حيث تتراوح رواتبهم بين 300 يورو و400 يورو لمعلمي الابتدائي وتصل الى نحو 550 يورو لمعلمي الثانوي. وتعتبر تونس التي تعد اكثر من 120 الف استاذ تعليم ثانوي وابتدائي، أكثر دول القارة الأفريقية تقدما في مجال التعليم، حيث تتجاوز نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية 90% حسب أحدث الأرقام الرسمية. (المصدر: موقع ميدل إيست أونلاين (لندن) بتاريخ 10 أفريل 2007)
إضــراب فــــي التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي
تونس – الصباح: أعلنت مصادر مسؤولة بوزارة التربية والتكوين أن نسبة المضربين يوم الأربعاء 11 أفريل 2007 من مدرسي التعليم الابتدائي قد بلغت 25,63% (خمسة وعشرون فاصل ثلاث وستون بالمائة) بينما بلغت نسبة المضربين بالتعليم الإعدادي والثانوي 20,8% (عشرون فاصل ثمانية بالمائة). وتتوجه هذه المصادر إلى الأساتذة والمدرسين الذين قاموا بأداء واجبهم في المحافظة على السير العادي للمؤسسات التربوية بما يطمئن الأولياء على مستقبل أبنائهم، وتؤكد نفس المصادر حرص وزارة التربية والتكوين المبدئي على الإلتزام بالحوار خدمة لأبنائنا التلاميذ والمربين وحسن سير المؤسسة التربوية. في حين ذكرت مصادر من النقابة العامة للتعليم الثانوي لـ«الصّباح» أن نسبة المشاركة في اضراب يوم أمس بلغت حوالي 85 بالمائة في المعاهد الثانوية وتعتبر مصادر النقابة أن الاضراب كان ناجحا ويؤكد تمسك الأساتذة بمطالبهم. من جهته أشار محمد حليم كاتب عام نقابة التعليم الأساسي «أن نسبة المشاركة في الاضراب فاقت 75 بالمائة…» وأضاف كاتب عام نقابة التعليم الأساسي «أن المشاركة العالية في الاضراب تعود إلى عدم تجاوب الوزارة بشكل جدي مع المطلب النقابي المتعلق بمنحة العودة المدرسية… ورغم ذلك نحن متمسكون بمواصلة الحوار والمفاوضات للوصول إلى حلول معقولة…» (المصدر: جريدة “الصباح” (يومية – تونس) الصادرة يوم 12 أفريل 2007)
علام يمكن أن يكتب القلم ؟
كلمة أم زياد إنّه القحط والجدب.. اللامبالاة والموت.. تونس اللابيضاء واللاسوداء بل الرمادية: في جانب النظام وتوابعه ركود وجمود. طبول الدعاية لم يعد أحد يعيرها أذنا صاغية منذ وقت طويل، وجراب النظام خلا من الشعارات التي تبيع الوهم ومن “المبادرات” التي سرعان ما يبتلعها العدم… كل العقاقير قد جرّبت لإعادة الروح إلى الكيان الذي نخره سوس الاستبداد والفساد.. ولكن دون جدوى. وحتى المواجهات المساحة وما تبعها من حملة اعتقالات هوجاء خرقاء لم تستقطب الاهتمام إلاّ قليلا ومؤقتا.. شيء واحد ما يزال يسترعي اهتمام الناس وهو وجود البوليس وقدرته على الأذى في أيّ وقت.. ولكنّ هذا صار معتادا ويتعايش معه الناس كما يتعايش الإنسان مع مرض مزمن.. ثم إنّ الخائف لا يخوِّف. أمّا في جانب المعارضة والمجتمع المدني فالمشهد لا يقلّ رمادية بل لعلّه يفوق المشهد الأوّل قتامة بالنظر إلى ما يعلّق على قوى التحريك والتغيير من آمال وانتظارات. الأحزاب تدور في طاحونة الشيء المعتاد وتتوهّم أنّها تسير إلى الأمام. بل إنّ بعضها يتراجع إلى الوراء مستجديا مصالحة وحوارا لن يأتيا ولو عضّت هذه الأحزاب شحمة أذنها. الجمعيات معلّقة بين الحياة والموت وتجهد للبقاء وإنقاذ “الشقف” كما في أوّل العهد الأسود، وبعض هذه الجمعيات يتعاطى نشاطات غريبة ويطرح قضايا لا محلّ لها من الإعراب في الوقت الراهن. أصوات التعصّب والإقصاء التي خلناها قد خفتت قليلا زاد ارتفاعها في تكذيب منكر لقوى الجمع والجبهوية. بل إنّ هذه الجبهوية نفسها يشتمّ منها أحيانا ريح إقصاء آخر على خلفيات شخصية وفئوية وعلى خلفية “إن لم تكن سبقتني إلى المقاومة فلتمت”. في الأجواء هواء لا ينبئ بخير بل يؤشّر إلى عملية فرز جديد بين “المعتدلين” و”المتطرفين” تماما كما في العالم اليوم وتحت رعاية الآنسة “كونداليزا”. المشهد التونسي مذهل ومحزن خاصّة لمّا تعود بنا الذاكرة إلى ما حدث من 5 سنوات خلت. في مثل هذه المدّة من عام 2002 توفي الحبيب بورقيبة وشنّ توفيق بن بريك إضرابا مشهودا عن الطعام: أب متسلّط يموت بعد الأوان وأخ متسلّط عليه يهدّده بموته قبل الأوان، والحدثان معا وعلى ما بينهما من اختلاف جوهري يتشاركان في هدم الديكور المتحضّر الذي بناه النظام وتخفّى خلفه فيكشفان وجه الاستبداد القبيح كما يكشفان وجه تونس أخرى ناهضة إلى حريتها وكرامتها ظلّت تعمل طيلة العشرية الأولى من عهد هذا لنظام لتستردّ صوتها المصادر. ثمّ تطوّرت الأمور وقوي المدّ النضالي إلى شهر سلاح الجوع في مواجهة الخضوع… ولكن ما جنيناه هو المسغبة (أي جوع وإعياء). وقد أكون بصدد المرور بفترة تشاؤم أسود برغم تباشير الربيع الذي بدأ يشرق على الكون بأنواره وأزهاره. ولكنّي لا أرى في تونس اليوم ما يبعث على الأمل ولولا بعض النضالات الفردية مثل إضراب الأستاذ رشيد الشملي عن الطعام للمطالبة بحقوقه الأكاديمية. ولولا بعض التحركات المعزولة التي يعزلها “الأصدقاء” قبل الأعداء.. لأمكننا أن نقول إنّ تونس مقبرة بلا قبور خاصّة لمّا نقارنها بأخواتها مثل مصر والمغرب وموريتانيا. إنّ المرء ليتساءل عن سرّ كلّ هذا الشؤم الذي يلاحق الحركة النضالية في تونس فيجد أجوبة كثيرة أخرى مقنعة لأنّه- ببساطة- لا يبحث عنها ولا يريد أن يبحث عنها: فأمّا الأجوبة المقنعة المنطوق بها والتي لا يتنازع اثنان في وجاهتها فهي الظرف العالمي الذي قوّى شوكة الأنظمة الفاسدة في منطقتنا وطبيعة النظام الذي ابتليت به بلادنا والقدرة العجيبة التي ينفرد بها من دون كلّ الأنظمة على القمع القدر المزري بالقامع والمقموع معا. وأمّا الأجوبة المسكوت عنها من باب التجمّل والنفاق فهي تتلخص فيما انطوى عليه بلدنا من عناصر الإفساد والقابلية لأبشع وجوه الاستبداد لا في السلطة وحدها.. بل كذلك في الطرف المقابل لها… إلاّ من رحم ربّك… ويبدو أنّه لم يرحم الكثيرين. (المصدر: مجلة “كلمة” (اليكترونية شهرية – تونس)، العدد 52 لشهر أفريل 2007) الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=512
قانون 10 ديسمبر 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة ” الإرهاب ” ووضع التونسي تحت” نظام الشبهة ” القانوني
بقلم الاستاذ عبد الرؤوف العيادي ما تشهده البلاد من حملات القمع المتلاحقة منذ ما يقارب العقدين من الزمن تفشت خلالها ظاهرة التعذيب و تكررت سيناروهات المحاكمات الصورية و الباطلة يطرح على الحقوقيين و رجال القانون ممن يرفعون لواء الحقوق و الحريات التي تحقق بواسطتها المواطنة للتونسي معرفة حقيقة الوضع الذي يخضع لـــــه حاليا و وصف النظام القانوني الذي يتردى فيه . ما المقصود بالنظام القانوني ؟ هو مجموعة من المقتضيات القانونية التي تحددّ علاقة التونسي بالنظام السياسي القائم ، و تعرّف بالتالي بوضعه حياله من حيث الحقوق وهو مصطلح يقابله باللغة الفرنسية le statut juridique. و ما تتعيّن الإشارة إليه هو أن النظام القانوني الحقيقي الذي يخضع إليه المـــرء في الواقع و المــمارسة قد يكون مغايرا للنظام الشكلي المستمد من النصوص المكرسة و التي لا تعدو أن تكون إحدى مكونات الديكور الحداثي المضللّ و المقصود به تسويق الصورة التي يجب أن يكون عليها النظام السياسي في عيون الخارج بالأساس– فتحدث الفجوة بين النظام الشكلي المكرس في النصوص و النظام الحقيقي الذي يمارس فعلا و القائم على انتهاك الحقوق و الحريات . و يكـــون عندها دور رموز السلطة هو معالجة وجود تلك الفجوة عبر التضـــــــليل و المناورة و إنكار وجودها في محاولة التفصي من مسؤولية واقع الانفصام بل و التضارب بين النصوص و الممارسات . إلاّ أنة يحدث أن تتجرأ السلطة حتى على ما بقي في مستوى النصوص من الحقوق صلب الدستور عبر تشريع استثنائي جديد يلغي ما يعتبر مكسبا شكليا للتونسي ، وهو حال القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 / 12 / 2003 المتعلق بدعم الجهد الدولي لمكافحة ” الإرهاب ” – و عندها يصبح الأمر على غاية من الخطورة إذ تصبح السلطة في وضع يغنيها عن معالجة الفجوة بين النص و الممارسة التي تأتيها بين النظام الشكلي و النظام الواقعي اللذين أضحيا متطابقين إلى حدّ كبير و تنتهك عندئذ الحقوق الأساسية للتونسي تحت غطاء ” القانون ” و في ظلّه تحديدا . و قبل المرور إلى تعريف لخصائص هذا النظام القــــانوني الذي يخضع له التونسي بموجب قانون 10 ديسمبر 2003 السابق ذكره ، سوف نحاول و بسرعة تحديد ملامح النظام الذي خضع له سابقا في مرحلة الاستعمار ثمّ في ظلّ حقبة حكم بورقيبة . 1* نظام المستعمَر (le statut de colonisé)
خضع التونسي في ظلّ ما أطلق عليه نظام ” الحماية ” الفرنسي و الذي قـام عـلى ” معاهدة باردو ” المؤرخة في 12 ماي 1881 و ” اتفاقية المرسى ” المؤرخة في 08 جوان 1883 لنظام قانوني كرس دونيته مقارنة بما للمحتلّ الأجنبي من حقوق ، إذ اخضع لما يمكن تسميته بنظام المستــعمَر statut de colonisé le و كان يـــدعى زمنها ” بالساكن الأصــلي ” indigène و لتلخيص هذا الوضع الدونيّ نورد ما جاء بخاتمة رسالة دكتوراه الأستاذ خــــميس العرفاوي ” القــضاء و السياسية في تونس زمن الاستعمار 1881 – 1956 ” من قول : ” تأكيدا للهوّة بين ما يطبق في فرنسا و في محميتها التونسية في مجال الحقوق فختم بهذه القولة لأحد الصحفيين الفرنسيين : ” ليست البلاد التونسية البلد الذي يزدهر فيه البرتقال فحسب ، بل إنها ايضا جنة للامتيازات فهي أرض خصبة تغذى إلى حدّ السمنة كلّ التجاوزات التي اقتلعت في فرنسا و ألقيت للريح فزرعت في هذه الأرض الطيبة و تحت لافتة الحماية تقام هنا زراعة مكثفة لأعمال الحيف ” ( 1 ) و كان الاستعمار يسوغ لعلاقة عدم المساواة التي أقامها بين المـــنتسبين إليــه و ” السكان الأصليين ” بكونه حاملا لرسالة تحضير ( une mission civilisatrice ). و على خلفية تلك العلاقة قامت حركة التحررّ الوطني التي حملت حلم الانعـــتاق و الحريّة و صون الحقوق إلاّ أن قيام الدولة التونسية إثر معاهدة الاستقلال سنة 1956 و أن نشأ عنه دستور 1959 الذي أقرّ للتونسي بالحقوق الأساسية إلاّ أنه لم يكن إلاّ نظاما شكليا اتضح في الممارسة أنه خضع لنظام ما يمكن تسميته بنظام ” المتخلف ” . 2* نظام المتخلف (le statut de sous- développé)
لم تكن حقبة حكم بورقيبة تختلف عن الحقبة الاستعمارية في مـستوى ” حقوق المواطن ” إلاّ في مستوى النصوص كما أسلفنا، و كذلك في شكل الوصاية على التونسي الذي كان ينظر إليه ” الزعيم ” كقاصر لم يبلغ مرحلة التأهيل لممارسة حقوقه السياسية وهو ما عبر عنه بورقيبة في العديد من خطبه ” بعدم النضج ” و ما شهدته البلاد من مئات المحاكمات السياسية التي شملت الآلاف من التونسيين في تلك الحقبة كشف عن طبيعة النظام القمعية و التي لا تختلف في جوهرها عن نظام الاستعمار السابق . و قام حكم بورقيبة على رؤية تصورّ التونسي على أنه ينتمي إلى ” مجتمع متخلف” و لذلك طرحت النخبة الحاكمة على نفسها “تحريره من التخلف” و كأنها باتت في وضع انفصلت فيه عن المجتمع و لم تكن منبثقة منه ، لذلك كان عليها وضعه تحت نظام واقعي استثنائي إلى حين تخليصه من “التخلف ” عبر نشر التعليم و تمكينه من خدمات المعالجة بمقابل زهيد و توفير فرص الشـــغل و ما سوى ذلك من حقوق سياسية فهو كما عبرّ عنه بورقيبة في ردّه على أحمد المستيري الوزير السابق الذي شكلّ مجموعة معارضة داخل الحزب الدستوري تطالب بإصلاحات سياسية أن ما يدعو إليه ” دق حنك ” أي من قبيل الهراء. و قد عمد بورقيبة خلال حكمه إلى تفعيل القانون المتعلق بالجـمعيات المـؤرخ فـي 07 / 11 / 1959 و كذلك فصول المجلّة الجنائية المتعلقة بأمن الدولة الخارجي ( الفصل 60 و ما بعده ) و بأمن الدولة الداخلي ( الفصل 63 و ما بعده ) و كذلك أمر 09 فيفري 1956 المتعلق بالصحافة ثم مجلّة الصحافة التي صدرت بموجب قانون 28 أفريل 1975 لقمع حريّة التنظيم و حريّة التعبير . و شكلت تلك النصوص المنظومة التي حددت النظام القانوني الذي خضع له التونسي خلال فترة حكم بورقيبة و الذي وضع التونسي تحت نظام ” المتخلف ” و قد وردت فقرة تقويمية لتلك الحقبة صلب ” الميثاق الوطني ” جاء فيها : ” غير أن نظام الحزب الواحد و تهميش المؤسسات و شخصنة الحكم و الإنفراد بالسلطة كانت كلّها ممارسات مخالفة لدستور البلاد و سببا في عديد الأزمات ” فعبارة تهميش المؤسسات و ما تنطوي عليه من معاني خرق القانون و مخالفة الدستــــــور ( وهو ما يعني استصدار قوانين غير مطابقة لأحكامه التي تعتبر في أعلى السلم التراتبي للمنظومة الشرعية ) تلخص خصائص نظام ” المتخلف ” الذي كرسه بورقيبة للتونسي طيلة فترة حكمه . و لم يكن انقلاب 07 نوفمبر 1987 الذي قطع على نفسه عدّة عهود بتغيير النظام الذي خضع له التونسي طيلة حكم بورقيبة عبر إطلاق الحريات و صون الحقوق الأساسية و التقيّد بالقانون صلب البيان الذي سوغ بواسطة حركته الانقلابية ليغير في الواقع من وضع التونسي الذي سرعان ما خضع إلى نظام جديد يمكن تسميته بنظام الشبهة و هي شبهة مزدوجة داخلية و تتصلّ بعدم الولاء لــــــسلطة بن علي و خارجيه و تتعلق بالتطرف ثمّ بالإرهاب . 3* نظام ذي الشبهة (le statut de suspect)
تعتبر قرينة البراءة و حسن النيّة من الأسس التي تحرص التشريعات في البلدان الديمقراطية على التأكيد عليها صلب نصوصها الأساسية و التي ينبغي أن تحكم العلاقة بين السلطة و المواطن و بين المواطنين فيما بينهم ، إذ تعتبر ضمن الأسس التي يقوم عليها حق المواطن في الأمان ( droit de sûreté ) . و لئن كرست هذه القرينة بدستور البلاد وبالمجلّة الجزائية فإن النظام الفعلي ثم الشكلي الذي فرض على التونسي استبعد العمل بتلك القرينة وجعل مكانها نظام الشبهة أو نظام ذي الشبهة، بما نال من حق الأمان وجعل التونسي يعيش حالة دائمة من الخوف من السلطة التي قادها فقدانها للشرعية إلى اللجوء إلى تفعيل القضاء و البوليس السياسي وخرق النصوص التشريعية لفرض ذلك النظام. و في رصدنا لنظام الشبهة القانوني يمكن أن نستبين ذلك من النص القـــانوني ذاته و كذلك من تطبيقه بالرجوع إلى الملفات القضائية التي تكشف عن مرامي السلطة الحقيقية في استصدار القانون عدد 75 المؤرخ في 10 / 12 / 2003 . 3-1 شبهة عدم الموالاة تزاوجها شبهة الإرهاب : يكرس القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب شبهة عدم موالاة السلطة ، إذ أن القانون المذكور لا ينفصل عمّا انتهجته ســــــلطة بن علي من خطّة قمعيّة شاملة شرع في تنفيذها في بداية التسعينات و التي كانت مراميها السياسية واضحة في فرض هيمنة حزب السلطة عــــــبر إقصــــــــــاء و تهميش بقيّة القوى الحقوقية مـنها و السياسية و خاصّة حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي و لم يكن التشريع سوى أحدى الأدوات التي التجأ إليها لتنفيذ خطّة متعددّة الجوانب وضعت تحت مسمّى ” تجفيف منابع التطرف ” ( راجع في ذلك ما جاء بكرّاس كتبه الصادق شعبان وزير العدل الســـــــــابق ) ” بن علي و الطريق إلى التعدديّة ” ص 74 و ما بعدها. 3- 1.1 و قد اقتضت أحكام الفصل 6 من القانون المذكور ما يلي : ” تعامل جرائم التحريض على الكراهية أو التعصب العنصري أو الديني معاملة الجريمة المتصفة بالإرهابية مهما كانت الوسائل المستعملة ..” و الواضع من هذا الفصل أنه وضع لخدمة سياسة السلطة القائمة و أن عباراته متداولة بخطابها السياسي الذي تروج له يوميّا بما يضع كلّ من يخالفها في توجهاتها و خياراتها السياسية موضع شبهة جنائية خاصّة و أنه لا وجود لقضاء مستقلّ ببلادنا يوفرّ الحدّ الأدنى من الضمانات في تفعيل سلطته التقديرية الحرّة لماهيّة التطرف الذي يمكن أن يكون مجردّ وصف سياسي تنعدم المعايير الموضوعية في تكييفه . 3– 2.1 و ما يؤكد هذا المنحى هو التعريف الذي اعتمـــــــده قانون 10 / 12 / 2003 للجريمة الإرهابية صلب الفصل 4 إذ جاء به : ” توصف بإرهابية كلّ جريمة مهما كانت دوافعها ، لها علاقة بمشروع فردي أو جماعي من شأنه ترويع شخص أو مجموعة من الأشخاص أو بث الرعب بين السكان بقصد التأثير على سياسة الدولة و حملها على القيام بعمل أو على الامتناع عن القيام به أو الإخلال بالنظام العام أو الأمن و السلم الدوليين ..” فالتعريف الذي أخذ به المشرع التونسي لا يرى الإرهاب إلاّ عمل فرد أو مجموعة دون الدولة – إذ أنه من المعلوم أن شقا من شراح القانون يعتبر أن الإرهاب هو عمل فــرد و عمل دولة أيضا وهو ما يجعل الدولة في مقابل المجتمع الذي يكون أفراده موضوع تجريم بالإرهاب دونها وهي التي يمكن أن تكون في الواقع مصدر الإرهــــــــــاب و صانعه إذ أن تيارا من الفقهاء يعرف الإرهاب باعتماد معيار عدم التناسب بين الهدف المراد بلوغه و الوسائل المستخدمة نذكر بينهم David Eric الذي عرف الإرهاب كالآتي : ” عمل من أعمال العنف التي تتسم بجسامة غير عاديّة ” ( 2 ) و انسجاما مع هذه الرؤية و طلبا للهدف في تكريس شبهة الإرهاب تأتي أحكام الفـــــــصل 11 من قانون 10 / 12 / 2003 الذي جاء به : ” يعدّ مرتكبا للجرائم الإرهابية كلّ : • من يدعو إليها أو يتقارر بشأنها . • يعزم على الفعل إذ اقترن عزمه بأي عمل تحضيري لتنفيذه ..” فالواضح أن منهج التشديد في اعتبار قيام الجريمة بمجردّ التقارر ( concertation ) إنما هو يهدف إلى محاربة الأفكار و الخواطر وهو يلتقي في الحقيقة مع أهداف خطّة التصدي للتيّارات الفكرية و حتى للمعتقدات مثلما سنبين ذلك تفصيلا في الجزء الخاص بتطبيق القانون المذكور . و ما أدّى بالمشرع إلى جعل هذه الجريمة قائمة بمجردّ توفر الركن المعنوي مــــــــــن خلال ” التقارر ” أو ” الدعوة ” إليها دون ذكر وسائل الدعوة ، إنما هو اعتقاده بأن ” شبهة ” دعم المقاومة ضدّ الاحتلال الأجنبي إنما هي قناعة أغلب الشعب التونسي . كما أنه و من الناحية القانونية فإن الركن المعنوي للجريمة لا يتبدى إلاّ من خلال أعمال ماديّة ملموسة تبرز إلى الخارج ضرورة أن الركن المعنوي هو ما يضمره المرء من نوايا إجرامية فكيف يتوصل إلى القول بقيام هذا الركن في ظلّ انعدام أفعال ماديّة – أي في ظلّ غياب الركن الماديّ – إلاّ عبر خرق مبدأ افتراض البراءة . و في حالة مشابهة نظرت المحكمة الدستورية بالبحرين في طعن بعدم دستورية المادّة 157 من قانون العقوبات و الذي جاء به : ” يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت من ساهم في اتفاق كان الغرض منه ارتكاب جناية من الجنايات المنصوص عليها في المواد 147 إلى 155 .” فقضت في جلستها المنعقدة في 26 يونيو ( جوان ) 2006 برئاسة السيّد إبراهيم محمد حسن حميدات بعدم دستورية نصّ المادّة 157 المذكورة . و ممّا جاء بتعليل قرار المحكمة المذكور ما يلي : ” و كان النص المطعون فيه هو نص المادّة 157 من قانون العقوبات يقضي أن يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت من ساهم في اتفاق الغرض منه ارتكاب جناية من الجنايات المنصوص عليها في المواد من 147 إلى 155 من قانون العقوبات وهو ما ينطبق في شأن المدعين وفقا لقرار اتهام النيابة العامة لهم على النحو السالف البيان مما يكشف خروج النص المطعون فيه عن دائرة تجريم الأفعال و النواهي و معاقبة من يساهم في الاتفاق المشار إليه دون ارتكاب أيّ فعل ماديّ منهي عنه من المشرع أو الامتناع عن فعل مطلوب منه القيام به ممّا يقع في دائرة شرعية التجريم و العقاب ، الأمر الذي يجعل الركن المادي الذي لا يستوي بنيان الجريمة في غيابه مــــنتفيا و بالتالي لا تكون هناك جريمة ، ذلك أن الاتفاق الجنائي المقصود في النص يعني مجردّ تلاقي إرادتين على الأقلّ على ارتكاب إحدى الجنايات المذكورة في النص المطعون فيه حتى لو لم يرتكب المتفقان أي فعل ماديّ مما مفاده أن الاتفاق المعاقب عليه لا يخرج عن كونه مجردّ تعبير عن النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته و مكنون ضميره و لا يعكس سلوكا خارجيا أو فعلا ماديا يقع في دائرة التجريم و العقاب التي نصّ عليها الدستور ، فيكون المشرع في النص المطعون فيه قد خرج عن الضوابط الدستورية بسلطته التقديرية في مجال التـــــــــجريم و العقاب و لا يجوز القول بأن اتحاد الإرادات و تلاقيها يشكلّ الركن المادي بجريمة الاتفاق الجنائي ذلك أن الاتفاق ماهو إلاّ تعبير عن إرادتين متحدتين على الأقلّ الإرادة طبقا لما استقرّ عليه فقه القانون الجنائي نشاط نفسي يرمي إلى تحقيق غرض معــــين بوسيلة محددّة و من ثمّ لا تخرج عن كونها ” مكنونا نفسيا و أمرا معنويا بحتا ..” 3- 2 القانون يكرس انتهاك حق الدفاع :
و لم يفسح قانون 10 / 12 / 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمقـــــاومة ” الإرهاب ” أي مجال لذي الشبهة عبر الدفع بصفته كمعارض سياسي أو كمقاوم لاحتلال غير مشروع إذ جاء بالفصل 59 منه : ” لا يمكن اعتبار الجرائم الإرهابية بأي حال من الأحوال جرائم سياسية ” و الملاحظ أن النص المذكور قد استعمل عبارة الجرائم ( بالجمع ) أي أنها تشمل الجريمة الإرهابيــــــة و الجرائم التي تعامل معاملتها . و يندرج هذا التوجه التشريعي الخطير في إطار تجريم المباح من الأفعال و افتعال شبهة الجاني في جانب التونسي بما يخالف مبدأ شرعية العقوبات و الجرائم . كما أنه يتعارض مع الحق في الأمان و الذي يقتضي ألاّ يقع النيل من حق المتهم في تخير وسائل دفاعه عند المثول أمام القضاء . هذا إضافة إلى تعارضه مع مبدأ ثالث يعدّ من المبادئ الأساسية في تنظيم اختصاص القضاء وهو عدم خوض القضاء العاديّ في الجدل السياسي تطبيقا لمبدأ فصل السلط و الذي يجعل ولاية القضاء مقصورة على بسط سلطة القانون دون الانحياز إلى المواقف السياسية . و ما جاء بالكرّاس الدعائي ” بن علي و الطريق إلى التعددية ” الذي أعدّه وزير العدل السابق الصادق شعبان أحد مهندسي الحملة القمعية خلال التسعينات يؤكد ما يدور حول ” الإرهاب ” من جدل سياسي دفع بالسلطة خلال التسعينات إلى تحاشي اعتماده سندا للأحكام إذ جاء قوله بالصفحة 83 : ” و من خصوصيات المعالجة القضائية في تونس إضافة لكلّ هذا هو استبعاد عبارة الإرهاب كسند للأحكام التي تصدر باعتبار أن عبارة الإرهاب تسيست و تميعت و اصابتها التهرئة كما نقول في لغتنا المتداولة و فقدت التوافق الدولي حولها . و أصبحت المحاكم في تونس تستخدم وفقا للقانون الجديد عبارات أخرى هي التحريض على التعـــــــــــّصب و الدعوة إلى الكراهية العنــــــــــصرية و الدينية . و التعديل المشار إليه ( المقصود به إدراج الفصل 52 مكررّ بالمجلّة الجنائية) لم ينشئ جرائم مستقلّة بل أشار إلى وصف جديد لجرائم مألوفة كتأسيس أحزاب غير معترف بها أو عقد اجتماعات أو توزيع مناشير أو جمع أموال بدون رخصة تشددّ فيها العقوبة عندما يكون الهدف منها الدعوة إلى التعــــــــصب و التحريض على الكراهية على اساس عنصريّ أو دينيّ.” تلك كانت ملامح الخطة القمعية في التسعينات إلاّ أن ما حصل بعد أحداث سبتمبر 2001 جعل السلطة تراجع تلك الخطة عبر إدماج جرائم التحريض على التعصب و الدعوة إلى الكراهية و العنصرية صلب ” قانون الإرهاب ” الذي ألغى الفصل 52 مكررّ من المجلة الجزائية ( الفصل 103 مـــــــــــــــن قانون 10 / 12 / 2003 ) . و يكشف ما تقدّم من تعديل و تطويع أن ما أطلق عليه قانونا إنما هو في الواقع اقرب إلى الخطة القمعية تتغير حسب الظرف السياسي الداخلي و الإملاءات الخارجية بما يتضارب مع وصـــف الثبات أو الديمومة ( la permanence ) للقاعدة القانونية و الذي يعتبر أحد الأوصاف الثلاثة في تعريفها ( قاعـــــدة عامة مجرّدة و ثابتة ) . 3- 3 القانون يحول الشبهة أساسا لنظام سلوك التونسي :
و تأتي أحكام الفصل 22 من قانون 10 / 12 / 2003 لتقتضي ما يلي : ” يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام و بخطية من ألف إلى خمسة آلاف دينار كلّ من يمتنع و لو كان خاضعا للسرّ المهني من إشعار السلط ذات النظر مما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال و ما بلغ إليه من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية..” فالنص المذكور يحمّل التونسي واجب الوشاية بما قد يبلغ إلى علمه من أعمال تصنف في خانة الإرهاب و لو أنها لا تتعدى الخواطر كما أسلفنا بيانه فيما تــــــقدّم ، و الأخطر من ذلك أن يفرض هذا السلوك على من هو خاضع للسرّ المهني مثل المحامي الذي يتحولّ إلى مخبر بما يكون قد أفضى إليه حريفه من معلومات ، وهو ما قصد منه تعميم السلوك البوليسي بما يكرس نظام الريبة و الاشتباه بين أفراد المــــجتمع و يفتح الباب ليكيد البعض للبعض الآخر . تلك كانت بعض أوجه الخلل و المخالفة الخطيرة للحقوق الأساسية المكفولة صلب الدستور و التي انطوى عليها نصّ قانون مكافحة ” الإرهاب ” إلاّ أن الطريقة التي تطبق بها أحكامه سواء من طرف البوليس السياسي أو القضاء كفيلة بالكشف عن حقيقة الأهداف التي سن من أجلها وهو ما سنأتي على بعضه فيما يأتي . 3- 4 إزدواجية نظام الإدانة و العقوبة :
ما يتعين ملاحظته في تطبيق قانون 10 / 12 / 2003 هو الدور الأساسي الذي يقوم به البوليس السياسي ( فرقة أمن الدولة ) ليس فقط في الكشف عن ذوي الشبهة و إنما خلال الطور الإجرائي الذي يتقلص فيه دور القضاء إلى الحدود الدنيا ليصبح مجردّ مصدق قضائي على أعمال خارجة عن الشرعــية و ذلك استجابة لحاجة السلطة التنفيذية في الظهور بمظهر المتقيد بالقانون و احترام فصل السلطات . و تناولنا فيما تقدّم استباحة حرمة التونسي و الخلل الخطير الذي انطوى عليه نصّ القانون عدد 75 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 فيما يتصل بقيام الجريمة الإرهابية بمجرّد التقارر من الوجه الشرعي باعتباره يتعارض مع المبادئ الأساسية المكرسة بدستور البلاد و منها على وجه الخصوص مبدأ المساواة و مـــــــبدأ شرعية العقوبات و الجرائم وهو ما يفضى إلى قيام الجريمة دون وجود ركن ماديّ أي دون أن يتعلق الأمر بأعمال ماديّة – إذ شرّع النص المذكور – لجريمة النوايا و الخواطر . و وجه الخطر في هذا الخلل هو أنه يفتح المجال واسعا لممارسة التعذيب من طرف البوليس السياسي، و الذي تصبح مهمته الكشف عن النوايا و الخواطر و التي لا يمكن التوصل إليها عادة إلاّ عبر التقــــــصي و البحث في أعمال ماديّة و ليس كما هو في صورة الحال عبر اعترافات مجردة يفضي بها ذو الشبهة بعد تسليط شتى أنواع التعذيب الماديّ و المعنوي عليه إذ تضمنت محاضر الأبحاث التي حررتها فرقة أمن الدولة في الملفات التي باشرنا الدفاع فيها – اعترافات عمّا حصل تداوله من أفكار أمام المسجد أو بأحد المقاهي أو بمسكن قصد اقناع بعضهم البعض الآخر بالفـــــكر ” السلفي و الجهادي ” و نصرة الشعوب الإسلامية الخاضعة للاحتلال ( العراق ، فلسطين ) و من ” تكفير النظام ” و ” البحث عن سبل للالتحاق بالجماعة السلفية للدعوة و القتال بالجزائر ” الخ .. كلّ ذلك بعد تثبيت أن ذا الشبهة يؤدي فريضة الصلاة منذ تاريخ معين – بما جعل المحاضر متشابهة في بنيتها – بــداية و خاتمـة – و كذلك في مضمونها بما أكساها نمطية واضحة تنكشف من خلال أعمال التــــركيب و التزوير التي يعمد إليها البوليس السياسي . إن اللجوء بصورة منهجية إلى التعذيب و بأشكاله الوحشية من طرف البوليس السيـــاسي ، و الذي تحولّ إلى منهج عمل و معاملة لا يمكن استيعابه إلاّ من خلال مراجعة للمفاهيم القانونية و الإجرائية و التحررّ من معانيها الإصطلاحية ، بإدراك ما هو حقيقة مضمونها وفق رؤية السلطة عبر ممارستها . فالتعذيب هو عقوبة – و إن كانت لا توجد ضمن سلم العقوبات الواردة بالمجلة الجزائية – تمارسها ســـــــلطة و تراها محققة لأهدافها ليس للوصول إلى ما تعتبره ” الحقيقة ” فقط ، و إنما لتحقيق تشفي صاحب السلـــطة ( إذ يروي لنا الضحايا أن البوليس السياسي يــــتصرف باسم رئيس الدولة ) و تحطيم معنويات الضحية . فما يتحصل من هذا العمل الإجرامي – هو أن ذا الشبهة تحصل إدانته و عقابه منذ اللحظة التي يتولى فيها الأمن السياسي بحثه –و تبقى إحالته بعد تلك المرحلة الرهيبة إلى التحقيق ثم على دائرة الاتهام و على الدائرة الجنائية من قبيل المزاوجة بين المنظومة السريّة و المنظومة العلنيّة – و التي تكتسي طابعا شكليا إلى أبعد الحدود إذ يبدي القضاء سلبيّة تحول دون ردّ الأمور إلى نصابها و إعادة الاعتبار للقانون. لقد كان للقضاء دور خطير في قيام نظام ذي الشبهة و حرمان التونسي من حقوقه الأساسية عبر سلوك انتهج إما السلبيّة حيال الانتهاكات الفادحة التي يرتكبها البوليس السياسي و التسليم له في صلاحيّة وصف الجرائم بما يترتب عليه من بحث عن قرائن الإدانة دون قرائن البراءة و حتى التواطؤ معه في ” تصحيح ” إجراءات التتبع و أعمال الحجز . و لا يمكن لعاقل أن يتصور تعايش منظومتين قائمة الواحدة منهما على رؤى مناقضه تماما للأخرى ، فالبوليس السياسي هو بوليس رأس النظام وهو يده الضاربة ، أما القضاء من الناحية النظرية هو سلطة مستقلّة وهو بالتالي قضاء الدولة و ليس قضاء النظام إلاّ أن ما يحصل هو إخضاع القضاء لرؤى النظـــــام و بالتالي للبوليس السياسي الذي يعتبر أهمّ مرتكز لسلطته . و هذا وزير العدل السابق الصادق شعبان يكرس هذه الرؤية عن القضاء و ثقة النظام فيه بقوله : ” و ساهم في المحاكمات القضاة العاديون دون حصر أو تخصيص ممّا يدلّ على الثقة في القضاة ، و شمولية الاقتناع لديهم بخطورة هذه الحركات و إجرامية نشاطها “( 3 ). فبهذا القول يتأكدّ ولاء القضاة للنظام وهو يكرس عدم حيادية القاضي الذي لا يقضي بعلمه مثلما اقتضت ذلك أحكام الفصل 23 من القانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء المؤرخ في 14 / 7 / 1967 و الذي نصه : ” على القضاة أن يقضوا بكامل التجردّ و بدون اعتبار للأشخاص أو المـصالح و ليس لهم الحكم في قضية استنادا لعلمهم الشخصي ..” و في نفس السياق جاء قول وزير العدل : ” و المثير للانتباه أن الاستقلالية التي عرفتها جمعية القضاة التونسيين و الهيئة الوطنية للمحامين في عهد التغيير دفعتها إلى الغيرة الحقيقية على النظام و الدفاع عنه أمام الأجنبي في المحافل الدولية و تجاه المنظمات غير الحكومية كلما شعرت أن هناك خلفيات سياسية تريد الإضرار بمصالح تونس ( إقرأ النـظام ) أو تشويه للحقائق في مسائل تتعلق بالحــريات أو بضمانات المحاكمة العادلة ” ( 4 ) فالقضاة ممثلون في جمعيتهم يغيرون حقيقة على النظام و يخوضون في الخلفيات السياسية، فأين نحن من القضاء المحايد المستقلّ ؟ و ما يحصل في الواقع هو أن القضاء يصبح في وضع لا يستطيع معه القيام بوظيفته في بسط سلطة القانون ، و إنما هو أعجز عن القيام بذلك سواء من خلال السلبية التي يبديها حيال الجرائم التي ترتكبها فرقة أمن الدولة أو من خلال انتهاك حقوق الدفاع . 3 .1.4 قرن العقوبة الأصلية وجوبا بعقوبة تكميلية :
اقتضت أحكام الفصل 25 من القانون عدد 75 لسنة 2003 المـؤرخ في 10 / 12 / 2003 ما يلي : ” يتحتم الحكم بالمراقبة الإدارية على مرتكبي الجرائم الإرهابية مدّة لا تقلّ عن خمسة أعوام و لا تفوق عشرة أعوام ” فالنص المذكور أوجب على القاضي أن يقرن العقوبة الأصلية ( بالسجن ) بعقوبة المراقبة الإدارية وهي تصنف ضمن العقوبات التكميلية بالمجلّة الجزائية التونسية ( المادّة ) . و بما أن المشرع لم يعرف هذه العقوبة و طريقة تنفيذها فإن المجال يكون فسيحا للبوليس السياسي لفرض ” رؤيته ” و ” تصوره ” الخاص لطريقة العمل بهذه العقوبة ، و ذلك عبر إرغام السجين السابق على الحضور عدّة مرّات في اليوم بمركز الشرطة أو الحرس الوطني للتوقيع بدفتر خاص معدّ للغرض وهو ما يرمى من ورائه إلى منعه من العمل و العيش بصورة عاديّة إضافة إلى جعله يوميا عرضة للتجاوزات المباشرة للبوليس السياسي عبر تهــــــديده و إهانته و جعله ينتظر وقتا طويلا إلى حين إحضار دفتر المراقبة ليوقع عليه .كما أن للبوليس السياسي التقدير المطلق في اختيار مكان إقامة السجين السابق التي يمكن أن تكون في غير العنوان الذي يقطن فيه عادة مثلما حصل للسجين السياسي السابق عبد الله الزواري الذي فرضت عليه الإقامة بإحدى ضواحي مدينة جرجيس وهو الذي كان يقيم ساعة إيقافه بتونس العاصمة . و يمكن وصف هذه العقوبة – التي و إن كان لها أساس قانوني – بأنها تندرج ضمن منظومة العقوبات الفعلية و السرية التي تخرج عن دائرة رقابة القضاء و التي هي في الواقع امتداد لعقوبة التعذيب التي تشكل تمارس خارج دائرة القانون ، بينما تمارس انتهاكات المراقبة الإدارية ” في ظلّ القانون و تحت غطائه . ( 5 ) 3- 5 سلبية القضاء :
و يقف القضاء عادة موقفا سلبيا تجاه أعمال التعذيب التي تقترفها فرقة أمن الدولة في حق المتهمين إذ يــــــــــرفض قاضي التحقيق القيام بما يفرضه عليه قــــــــــــانون الإجـــراءات ( الفصل 14 من مجلة الإجراءات الجزائية ) من معاينة آثار التعذيب التي تكون بادية على أجزاء من جسم الضحية و إعلام وكيل الجمهورية بذلك . ( 6 ) و يلتزم قاضي التحقيق نفس الموقف في خصوص ما يثار من تزوير لمحاضر البحث من طرف فرقة أمن الدولة ، إذ يعمد الباحث المذكور إلى التنصيص على تاريخ بداية التحفظ بما يخالف الواقع و ذلك للإيهام بأن الموقوف لم يتجاوز أجل الاحتفاظ القانوني عند إحالته على قاضي التحقيق ، إذ بالرغم من الأدلّة الجديّة التي تقدّم في هذا الشان من برقيات أرسلت إلى وكيل الجمهورية في تواريخ سابقة تعلمه فيها عائلة الموقوف أو نائبه بحصول الإيقاف و تستفسر عنه مصيره و بلاغات المنظمات الحقوقية حول الإيقاف و تاريخه فإن القاضي المـــــذكور يرفض طلب المحامين النائبين في جلب دفاتر الاحتفاظ و فتح بحث في الموضوع . ( 7 ) كما يحصل أن يقع تسليم الموقوف من طرف دولة أجنبية ، إلاّ أن الملف يكون خاليا مما يدلّ على إجراءات التسليم ، بل تعمد فرقة أمن الدولة إلى الإدعاء بأنها تمكنت من القبض على المتهم وهــو داخل تراب البلاد بما يناقض بلاغات صحفية حتى تلك التي تصدر في الخارج . ( 8 ) و من المعلوم أن انعدام ما يفيد إجراءات التسليم يجعل إيقاف المظنون فيه من باب الاحتجاز التعسفي لمخالفته صريح ما قضت به الصكوك الدولية المصادق عليها من طرف الحكومة التونسية و منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي الخاص بالحقوق المـــدنية و السياسية . و لا يجدي الطعن بالاستئناف أو بالتعقيب نفعا ، إذ الموقف يبقى هو ذاته لدى جميع درجات القضاء في عدم القيام بما من شانه أن يؤدي إلى إبطال ما تنجزه فرقة أمن الدولة من محاضر خاصة و أن العديد من القضايا لا تقوم فيها التهمة إلاّ على إقرار المتهم دون وجود أدلّة خارجية و لا وجود محجوز يمكن أن يجعلها قائمة في جانبه . و ما يلفت الانتباه هو أن محكمة التعقيب وهي محكمة قانون ارتأت أن يكون تعليلها نــــمطيا و أعدت لذلك مطبوعة قرار تتضمن فراغا لتضمين المعطيات الخاصة في خصوص الوقائع لا تستدعي من القاضي السامي سوى تعميرها . ( 9 ) و لعلّ ما يثير الحيرة حقا هو أن تعليل بعض الأحكام يستند إلى ما يردّ بالتقرير الإرشادي الذي تحرره فرقة أمن الدولة حـول الطبيعة الإرهابية للتيار الذي زعم انتساب المتهم إليه . ( 10 ) 3- 6 انتهاك القضاء لحقوق الدفاع :
يلاحظ أن قاضي التحقيق و في أكثر الحالات التي أطلعنا عليها لا يلفت نظر ذي الشبهة بأن من حقه ألاّ يقع استنطاقه إلاّ بحضور محام يختار ( وهو تنبيه واجب حسبما تقتضيه أحكام الفصل 69 من مجلة الإجراءات الجزائية ). كما أن هناك حالات جرى فيها التحقيق في ساعات متأخرة من الليل وهو أمر إلى جانب عدم شرعيته فإنه يكشف عن نيّة في حرمان المظنون فيه من مساعدة المحامي . ( 11 ) المظهر الثاني من مظاهر خرق حقوق الدفاع هو عدم تمكين المحامي من الإطلاع عليه إذ يعمد بعض قضاة التحقيق إلى تصوير نسخة تتضمن الأوراق التي يتخيرها من الملف دون أن يمكن المحامي من الملف الأصلي . كذلك فإن ما يحصل من إيداع المظنون فيه في سجن خارج دائرة الاختصاص الترابي للقاضي المتعهد أو المحكمة المتعهدة بما يحول دون اتصال المحامي به و إعداد وسائل الدفاع خلال الزيارة يعدّ انتهاكا واضحا لحقوق الدفاع إضافة إلى كونه يكشف عن أن المشرف الحقيقي على الموقوف هي فرقة أمن الدولة و ليس القضاء بدليل تواجد أعوانها داخل السجن و إشرافهم على الــموقوفين و المحالين في القضايا التي يطلق عليها ” ذات صبغة خاصّة ” أي السياسية . ( 12 ) و بذلك يقتصر دور الجهاز القضائي ( الذي طبيعته كمؤسسة ) في تأمين الإخراج القضائي لإدانة حصلت بعد و عوقب من اجلها المظنون فيه احتجازا غير مأذون فيه من طرف القضـــــاء و تنكيلا و تعذيبا و مصادرة لماله المنقول كما تكشفه عديد الحالات في طور البحث لدى أمن الدولة التي تبقى مشرفة عليه حتى بعد إحالته على القضاء . إن نظام الشبهة المزدوج التي يخضع له التونسي و الذي سعت السلطة القائمة إلى ترسيخ اسسه القانونية عبر استصدار قانون 10 ديسمبر 2003 لا يقلّ خطورة عن معاهدة الحماية التي أخضعت التونسي لنظام الاستعمار و كما حاول المستعمر تغطية مراميه بتسمية ذلك النظام ” نظام الحماية ” فإن ” دعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ” ( تسمية وضعت للقانون المذكور ) لا يعدو أن يكون حربا بوليسية و قضائية على المواطن من أجل تأمين ولائه للسلطة المحليّة و فرض الاستسلام عليه أمام الاحتلال الأمريكي و الصهيوني لأراضي الأمّة وهي كما أرادها صـانعوها حربا وقائية تعتمد على الضربات المباغتة دون انتظار اكتشاف الأدلّة العدوانية للطرف الآخر المقصود ! ( 13 ) ________________________________________ ( 1 ) نشر دار صامد للنشر و التوزيع الصفحة 521 ( 2 ) يراجع في ذلك بحث الدكتور محمد هاشم ماقورا أستاذ القانون الجنائي المقدّم في المؤتمر التاسع عشر لاتحاد المحامين العرب ( 3 ) الصادق شعبان ” بن علي و الطريق إلى التعدديّة ” دار سراس للنشر 1995 ص 80 ( 4 ) المرجع السابق الصفحة 110 ( 5 ) و لا جدال في أن المراقبة الإدارية كما يجري تنفيذها من طرف البوليس السياسي تعدّ من باب الحرمان من الحريّة ذي الطابع التعسفي وفقا لقرار الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي المنبثق عن لجنة الأمم المتحدّة لحقوق الإنسان عدد 50/1997 الذي اعتبر عدم الاحترام التامّ أو الجزئي للقواعد الدولية المتعلقة في الحق في محاكمة عادلة سببا من الأسباب المفضية إلى وصف الاحتجاز طونه تعسفيا . و كون المراقبة الإدارية عقوبة تكميلية فإنها تبقى تعسفية طالما أن العقوبة الأصلية هي كذلك من باب الاحتجاز التعسفي عملا بالقاعدة القائلة بأن الفرع يتبع الأصل . ( 6 ) حصل ذلك في القضية التحقيقية عدد 1/997 التي أحيل فيها زياد الغضبان و د كان ردّ فعل المحامين النائبين عدم الإمضاء على محضر الاستنطاق و كذلك كان موقف المتهم الذي كانت ركبتاه تحملان تقيحا لجروح تسببت فيها أعمال التعذيب . ( 7 ) يشير بعض قضاة التحقيق على المحامي التشكي لدى وكيل الجمهورية ، إلاّ أن ما يحصل هو أن التعليمات تصدر بعدم تضمينها بكتابة وكالة الجمهورية أو أن هي ضمنت تبقى بدرجه دون أن تعرف مآلا إيجابيا . ( 8 ) جاء بالمحضر المحررّ من طرف إدارة أمن الدولة بتاريخ 03 / 9 / 2006 و المضمن تحت عدد 181 مــا يلي : ” نذكر أن مصالح إدارة أمن الدولة تمكنت في التاريخ و الساعة أعلاه من إيقاف المدعو محمود بن سعيد التونكتي ..” و الحال أنه جرى تسليمه من طرف السلطات البلغارية يوم 30 / 8 / 2006 بعد أن جرى اختطافه بشارع كينياز صوفيا يوم 28 / 8 / 2006 حيث كان يقيم كلاجئ إنساني . كذلك لم يحتو الملف الذي أحيل فيه توفيق السالمي ( القضية عدد 26590 ) ايّ دليل على إجراءات التسليم التي تولتها السلطات بلوكسنبورغ يوم 04 / 4 / 2003 – و التي تناولتها الصحف المحلية كخبر – في حين نصت محاضر أمن الدولة على أنه أوقف بتونس و بتاريخ 08 / 5 / 2003 ( 9 ) نسوق مثالا على ذلك القرار التعقيبي عدد 4509 الصادر برئاسة القاضي فتحي بن يوسف بتـــــــــاريخ 14 / 7 / 2006 و الذي كان عبارة عن لائحة مكتوبة بخط اليد أضيف إليها ورقة نصفها الأعلى فارغ و النصف الأسفل كتب به بآلة الكمبيوتر التعليل ( النمطي ) التالي : ” حيث اتضح من هذه المطاعن أنها كانت ترمي إلى مناقشة محكمة الموضوع في مدى صحة ما اعتمدته من العناصر لتبرير قضائها وهو جدل موضوعي داخل في نطاق اجتهادها و ليس لهذه المحكمة أن تنقض الاجتهاد إذ دورها يقتصر على السهر على تطبيق القانون لا غير …” و ينتهي القرار برفض التعقيب أصلا . و بأسفل الصفحة المذكورة بيانات تضاف بخط اليد حول تاريخ القرار و اسم المستشارين و اسم المدعي العام . ( 10 ) يشار في هذا الصدد إلى الحكم عدد 06 / 11598 الصادر عن الدائرة الجنائية الثانية بمحكمة تونس الابتدائية برئاسة القاضي عبد الرزاق بن منا بتاريخ 28 /11 / 2006 الذي نقل حرفيا في تعليله لقضائه التقرير أسمته فرقة أمن الدولة ” تقريرا إرشاديا حول الجماعات الإسلامية المسلحة بالعراق ” الذي يبتدأ بعبارة ” إن مصطلح ” و الذي ينتهي بعبارة ” نفس المنهج ” دون زيادة أو نقصان ا وهو ما يؤيد قولنا في أن الإدانة حاصلة منذ إيقاف المتهم بإدارة أمن الدولة كما يشار إلى أن التقرير الإرشادي لا يعتبر ضمن قرائن الإدانة التي تناقش و بالتالي فإن تبني جميع ما أتي به يعدّ قصورا في تعليل الحكم . ( 11 ) يراجع في ذلك المحاضر المظروفة بملف القضية عدد 4/11302 و التي جرى استنطاق المتهمين على الساعة العاشرة ليلا و كذلك على الساعة الحادية عشرة ليلا من طرف عميد قضاة التحقيق . ( 12 ) مذكر في هذا الصدد بعدّة حالات منها إيداع أيمن الدريدي بسجن باجة وهو المحال أمام الدائرة الجنائية بتونس القضية عدد 4/11303 و غيث المكي الذي هو نزيل سجن بلاريجيا بجندوبة و إحالته تمت أمام الدائرة الجنائية بتونس القضية عدد 4/11302 و غيرهم كثير . ( 13 ) من مقال أسئلة الإرهاب و حقوق الإنسان حوار العقل و المشترك الإنساني للدكتور عبد الحسين شعبان ” المجلة العربية لحقوق الإنسان العدد 10 نشر المعهد العربي لحقوق الإنسان . (المصدر: مجلة “كلمة” (اليكترونية شهرية – تونس)، العدد 52 لشهر أفريل 2007) الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=507
أجرى الحوار: سهام بن سدرين ولطفي حيدوري الفاضل البلدي هو أحد الوجوه القيادية السابقة في حركة النهضة ومن مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي سنة 1981. صدرت ضدّه أحكام قضائية قاسية خلال المحاكمات الكبرى للاتجاه الإسلامي سنتي 1981 و1987. قام بتجميد عضويته في حركة النهضة في مارس 1991 مع وجوه أخرى بارزة (عبد الفتاح مورو وبنعيسى الدمني ونورالدين البحيري وصدقي العبيدي) أثناء أوج الحملة على حركة النهضة. وقد اعتبر أنّه “رغم الظروف التي واجهت الحركة الإسلامية ما كان ينبغي لها أن تخرج بها عن خطّها الذي رسمته والذي لا يحتاج إلى تبديل حتى في لوائحها الداخلية إلاّ ضمن الأطر الموجودة” . انقطع منذ ذلك الوقت عن العمل السياسي ولا يعرف لمجموعته أدبيات أو نشاط خاصّ. وجد الفاضل البلدي نفسه معنيّا من جديد بالحملة التي تشنّها السلطة على التيار الإسلامي ولكن هذه المرة خلال الحملة على التيار السلفي حيث أوقف ابنه “سهل” بتهمة الانتماء إلى التيار السلفي الجهادي بعد تسليمه من قبل السلطات الجزائرية في 2005. وقد حكم عليه في مارس المنقضي بـ5 سنوات سجنا. غير أنّ الفاضل البلدي يضع عدة نقاط استفهام حول ظروف مغادرة ابنه وعديد الشبان التونسيين للبلاد قصد التوجه للقتال في العراق ضد الاحتلال الأمريكي ويقول: “لقد وجد ابني نفسه مدفوعا دفعا، الله أعلم من وجّهه هذا الوجهة، وأنا لم أعرف بعد ذلك. فحول الموضوع نقاط استفهام لم أجد الإجابة عنها”. ويعتبر البلدي أنّ السلوك الذي سلكته السلطة اليوم عبر الإيقافات الاحتياطية بالجملة “هي سياسة خاطئة فالمطلوب هو إيكال الموضوع للعقلاء من سياسيّين ورجال فكر ورجال دين وعلماء اجتماع وعلماء نفس لمحاولة فهم أسباب هذا الجنوح في التفكير”. كلمة: أستاذ فاضل البلدي أنت قيادي سابق في حركة الاتجاه الإسلامي وتعرضت لعديد الملاحقات القضائية وغيرها. نريد منك فكرة صغيرة عن هذا الجانب من حياتك. البلدي : لقد اخترت منذ السبعينات اتجاهي في النضال من أجل فكرة ومن أجل الحرية وقد واصلت ممارسة اختياري في الجامعة وفي الحياة العامّة بعد الخروج من الجامعة. وساهمت في تأسيس الحركة الإسلامية وحاولنا أن نكون ما استطعنا مفيدين من حيث المشاركة في الحياة العامة. تعرّضت منذ 1981 للملاحقة والمتابعة إذ حكم عليّ في 1981 في قضيّتين الأولى بـ11 سنة والثانية 8 سنوات ونصف. صادف أن ساعدني الحظ أن أسافر وأن أعيش 3 سنوات في فرنسا وبمجرد تسوية الملف في 1984 عدت للبلاد لمواصلة ولاقتناعي بأنّ النضال من أجل الفكرة التي أنا مقتنع بها يكون في بلادي لا خارج الوطن. والمناسبة الثانية هي 1987 قضيت حولي أكثر من سنة في السجن وأفرج علي بعد عفو رئاسي بعد حكم بالمؤبد. وبعد ذلك واصلنا وكان الأمل أن تنتهي الفترة الماضية باعتبار أنّ ذلك الحكم كان خاتمة لعهد قديم واستبشرنا وكنّا على أمل أن نشارك في الحياة العامة من موقع جديد وشهدت سنة 1988 نوعا من الأنشطة العادية لكن انتهت بمواجهة جديدة في 1990 و1991 أخذت منحى جديدا تمثل في حملة كبيرة على الحركة الإسلامية والتي على إثرها جمدت عضويتي باعتبار وأنّي أعتبر أنّه وقع نوع من الانحراف السياسي أو الفكري على الأشياء التي أومن بها وبالتالي استدعى الوضع أن أقوم بوقفة تأمل لكن بقيت على قناعاتي بضرورة المشاركة في الحياة العامة لإيماني بأنّ البلاد في حاجة لكل الحساسيات لبلورة حلول للمشكلات التي تتعرض لها البلاد والتي لا يجب أن تكون مقصورة على جهة دون أخرى سواء أكانت جهة حاكمة أو محكومة.
كلمة: ذكرت أنّك جمدت عضويتك في حركة النهضة لأسباب تتعلق بقناعاتك الفكرية، هل تقصد استخدام العنف ؟ البلدي : لقد كنت أعتبر أنّ مشاركة الحركة الإسلامية السياسية تتم ضمن قناعات للتغيير السلمي للحياة العامّة. ولكن حدثت في فهمي انحرافات قد يكون للحركة الإسلامية دور فيها وليس عيبا للحركة الإسلامية في تقييمها أن تقول أخطأت في الأسلوب أو أخطأت في المنهاج. اعتبر أنّه رغم الظروف التي تمت ضد الحركة الإسلامية ما كان ينبغي لها أن تخرج بها عن خطّها الذي رسمته والذي حتى في لوائحها الداخلية لا يحتاج إلى تبديل إلاّ ضمن الأطر الموجودة. لكن ربّما بحكم الضغط الذي سلّط اضطرت عناصر أن تتصرف تصرفات أنا لا أومن بها وهو ما دعاني أنا ومن معي أن نقوم بوقفة تأمّل.
كلمة: هذه الوقفة نجم عنها انفصال عن الحركة الأم التي أسّستموها. هل قررتم تأسيس حركة ثانية ؟ البلدي : فكرنا في طرح وجهات نظر جديدة لكن على مستوى تأسيس حركة لم يكن ذلك مطروحا ذلك الوقت فلا الظروف الداخلية للحركة تستدعي إحداث القطيعة والإقبال على عمل جديد. والحركة ما تزال مضروبة ومواجهة وملاحقة فيصبح من غير المسؤول التصرف في ذلك الوقت تصرفا يربك الناس نفسانيا واجتماعيا وسياسيا. ولا الظرف السياسي في ذلك الوقت يستدعي مثل هذا السلوك لأنّه كان من الممكن أن يفهم منه على أنّه استعانة للتغلب على طرف آخر هو الطرف المضطهد. ولكن هذا لا يمنع أنّي فكرت ولا أزال بصدد التفكير في تصوّر خلاصته كيف يمكن للجسم الإسلامي بصفة عامّة أن يأخذ موقعه ويكون عاملا إيجابيّا لتطوير الحياة العامّة. ولا أزال بصدد بلورة هذا التصوّر لإيماني بأنّ جسم الحركة الإسلامية لا بد أن تكون له مساهمة تقوم على المشاركة والحوار مع الآخر ويكون بالتالي عامل إثراء وإيجاد تجربة يمكن أن تكون نموذجا في منطقتنا.
كلمة: قامت حركة النهضة بمراجعات وتقييمات لخطها السياسي تسير في اتجاه السلوك السياسي الذي اخترتموه، هل تعتقد أن حركة النهضة تستجيب اليوم في اختياراتها السياسية للاختيارات التي عبّرتم عنها ؟ البلدي : في تصوري أنّ الحركة الإسلامية سواء حركة النهضة أو أنا ومن يؤمن بنفس أفكاري أو غيره داخل المنظومة الإسلامية لم تتح لها الفرصة كي تعبّر بكل حرية وبكل تلقائية ومسؤولية عن قناعاتها ووجهات نظرها في مختلف النواحي لأنّها ما تزال تعيش الملاحقة والمتابعة. فما يصدر من هنا أو هناك لا يرقى إلى العمل الناشئ في وضع طبيعي إذ هو محكوم بالتضييق والملاحقة والمتابعة وجملة أشياء أخرى داخلية تجعل المواقف غير معبّرة كما ينبغي. أنا في فهمي أنّ المطلوب هو أن يفكّر الإنسان بصوت عال. وهذا غير متاح. أنا لو تتاح لي فرص التعبير في الجرائد اليومية لعبّرت عن وجهة نظري وجعلتها عرضة للنقد والتصويب… ورغم العمل الجليل الذي قام به الإنسان في 1991 والذي كان من شأنه أن يستهدف إيقاف النزيف وإيقاف التدهور وإيجاد فرصة حتى يبقى مجال للحديث بين الطرفين المتخاصمين، رغم ذلك بقيت محل متابعة وتضييق.
كلمة : يبدو أنّ السلطة قد راهنت على الشق الذي تمثلونه عندما فكرت في حضور قادم للحركة الإسلامية هل حصل ما يؤكد هذا ؟ البلدي: أبد، عمليا لم يحصل، هذا قد تكون وجهات نظر. كل ما حصل هو حديث عن ترك المجال للنشاط في مجال الرزق فحسب. وأنا محروم منذ 1984 من جواز السفر وكانت آخر مناسبة طلبت فيها جواز السفر عام 2002.
كلمة: ما هي أنواع الملاحقات التي تعرضت لها ؟ البلدي: عشت سنوات طويلة يُساءل فيها التجار الذين أتعامل معهم بالإضافة إلى المراقبة الدائمة على منزلي إلى درجة أنّي حكمت على نفسي بالعزلة حتى لا يتأذّى الآخر.
كلمة: هناك من يطرح اليوم من داخل حركة النهضة مشروعا جديدا هو التفريق بين العمل السياسي الحزبي والعمل التثقيفي الديني أي أن توجد حركة إسلامية ثقافية ويوجد عمل سياسي تنظيمي، ماهي رؤيتك لهذا المشروع ؟ البلدي : الحركة الإسلامية لم تعد مكسبا خاصا لأصحابها هي مكسب للبلاد ولذلك فالحوار فيها أو داخلها أو من حولها ينبغي أن يتعلق بالبلاد ككلّ. فالحركة الإسلامية يمكن أن تكون عامل تطوير إيجابي جدّا للبلاد إذا توفرت لها فرص التعبير عن نفسها بشكل قانوني عادي بقطع النظر عن الشكل إذا توفرت لها طرق تعبير متنوّعة تجعلها تشارك المشاركة الإيجابية. من يفكّر اليوم أن الحركة الإسلامية عنوان واحد مخطئ ففيها عدة وجهات نظر وداخلها حوار، والمشكل هو أنّ هذا الحوار يتم بحكم الظروف بصوت خافت. وأنا أدعو إلى أن يكون ذلك الحوار بصوت عال. فالشأن الإسلامي لا يخصّ أبناء النهضة أو حزب التحرير أو السلفيين بل يخصّ جميع التونسيّين بقطع النظر عن درجات التزامهم بالدين.
كلمة : ندقق السؤال أكثر، هل إنّ الحركة الإسلامية هي بالأساس حركة فكرية اجتماعية واسعة أم حركة سياسية حزبية، هل بينهما تناقض أو يقوم أحدهما بديلا عن الآخر ؟ فاضل البلدي : في فهمي لا بديل لهذا عن ذاك، هناك من يشتغل بالدعوة والبلاد تحتاج أناسا أكفاء ينهضون لمهمّة التوجيه الديني، والسياسي إذا أراد أن يشتغل باللافتة السياسية وهو مقتنع بأنّ ذلك هو الوسيلة للتعبير. المطلوب أن يحصل النضج الكافي الذي من المفروض حصوله لأنّه إذا جاز للحركة الإسلامية في عام 1991 أن تفكّر بتلك الطريقة لم يعد جائزا لها اليوم ولا مقبولا أن تفكر بنفس تلك الطريقة فقد حصلت الآن على تجربة طويلة إلى حدّ ما فيها مخاض كبير يؤهّلها لأن تكون ناضجة للتعامل مع الواقع السياسي والواقع الفكري والثقافي والاجتماعي بطرق أكثر معقولية.
كلمة : هل نضجت لحركة النهضة اليوم الظروف ذاتيا وموضوعيا داخل البلاد للدخول في تحالفات سياسية وتأسيس مشروع سياسي، وهل توفرت المراجعات وظروف الفهم الكافية لذلك؟ فاضل البلدي : لا يمكن القول إنّه توفرت حقا الظروف سواء لحركة النهضة أو لغيرها فما تزال تعيش ظروف القمع والملاحقة وعدم القبول بها كجسم والاقتناع بأنّها يمكن أن تكون معطى إيجابيّا في الحياة العامة يفسح لها المجال. وهذا لا ينفي عنها مسؤوليتها هي لمحاولة الفعل إذا استحال توفر الظروف، فليس هناك ما يمنع من التعبير ومحاورة الناس والكتابة والمساهمة في إيجاد وعي بالراهن.
كلمة : ما هو مدى مشروعية دخول النهضة اليوم داخل البلاد في التزامات فكرية وسياسية مع محيطها السياسي ؟ فاضل البلدي : نعم يتوفر الآن ما يسمح بالقيام بذلك وبالتعبير عن القناعات وممارسة بعض أنشطتها. نحن دائما متورطين- ربما بفعل الإرث التاريخي- في كوننا قلّما نتّهم أنفسنا ونتحدّث عن عجزنا، فلا نهتدي إلى الأساليب الموصلة. ومعارضتنا عموما دائما تتهم السلطة أو النظام العالمي فدائما تلقى المسؤولية على الآخر دون اتهام الوسائل الذاتية.
كلمة: أنت قيادي من عائلة سياسية إسلامية أبناؤك عاشوا معك هذه الظروف واليوم أحد أبنائك موجود في السجن بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب. كيف حصل أنّ ابنك متهم بالتطرف السياسي رغم أنّ اختيارك هو اختيار الاعتدال والحضور السلمي في المجتمع ؟ البلدي: أنا بالأساس رجل تربية وبالتالي فقد حرصت في تربيتي لأبنائي أن أحاورهم وأبعدهم عن كل تطرف وأن لا يعتبروا مثالي أنا من ضغوط مسلطة كأحد المبررات للنقمة على الآخر. لكنّ الأبناء ليسوا آلات بل هم متفاعلون نفسانيا واجتماعيا ويعيشون مع محيطهم. وبالتالي فإنّ الابن عندما يرى أباه محل متابعة وملاحقة وربما عندما يطلب طلبات لا يقع تلبيتها ليس بسبب عجز والده ولكن بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها. وبين الحين والآخر يشهد هجوما على البيت من قبل أعداد غفيرة من البوليس، أو حين يخرج من البيت صباحا فيرى سيارة رابضة تنتظر والده، بالضرورة سيعيش أوضاعا نفسية غير عادية. وأنا كنت أشعر أنّه أبنائي قد يفكّرون يوما ما في الانتقام وحرصت على أن أربيهم على أن لا يسيروا في ذلك الاتجاه.
كلمة : كيف أفلت منك ؟ البلدي: بحكم عدم توفر أجواء عادية في البيت ولا في المدرسة ولا في الشارع فهم عرضة إلى أن ينحرف بعضهم في اتجاه المخدرات وفي اتجاه الانحلال الأخلاقي والانحراف بصفة عامة أو يتديّن ويتّجه إلى المسجد، وحتى إذا ذهب إلى المسجد في غياب جهات واعية تحسن تعليم الدين فهناك مخاوف أيضا. وأنا من خلال معايشتي لأوضاع الناس وتنقلي في كل الأحياء والأماكن أعاين حجم معاناة الأسرة التونسية فجميع الناس يخشون على مستقبل أبنائهم وعلى مستقبل تونس، خشية من الانحراف نحو جهتين ولذلك مهما بلغ الإنسان من جهد يبقى أبناؤه عرضة لأشياء تتسرب إليهم من الوسط الآخر. أنا عندما رأيت ابني قد أقبل على التديّن سُررت لذلك لأنّه ضمانة لأن لا ينحرف. وكنت مرتاحا لذلك ولم يدر في خلدي أنّه قد يتأثّر بوجهة نظر أخرى غير التي ربّيته عليها. فقد وفّرت له الحوار والكتاب… وخاصّة أنّه من الأوائل في امتحاناته ويدرس في مؤسّسة محترمة جدّا وهو على وشك التخرج وكنت أحيانا أنبّهه إلى أنّ النظام قد لا يصل معي إلى شيء فمن الممكن أن يأتيني من جهة أبنائي. وأدعوه إلى أن يكون يقظا حتى لا أؤت من جانبه. وأنا أوجّه صيحة فزع إلى المجتمع والمثقفين، أقول إنّ مستقبل تونس ليس بمأمن من الهزّات. فإن كنّا مسؤولين آباء ورجال تربية ومثقفين وسياسيين وحريصين على تأمين مستقبل أفضل لأبنائنا فليس ذلك بالرفاه المادي فقط بل بتوفير الفكرة والتربية التي يكون بها قادرا على دفع البلاد نحو الاتجاه الصحيح وتحقيق ما لم نستطعه نحن. كل الناس يعيشون مشكلات في بيوتهم، في حي الغزالة مثلا مقرّ سكناي جلّ المتساكنين هم من النخبة من صحافيين وأساتذة جامعيين وأطباء ومحامين، أبناؤهم يعيشون بلا دار ثقافة ولا نادي، لا يوجد سوى المقهى وأشياء أخرى… فأين سيجد الشباب من يوجهه ؟ لقد وجد ابني نفسه مدفوعا دفعا- الله أعلم من وجّهه هذا الوجهة – وأنا لم أعرف بعد ذلك فحول الموضوع نقاط استفهام لم أجد الإجابة عنها.
كلمة: كم عمره عند إيقافه ؟ فاضل البلدي: 21 سنة بقيت له سنة على التخرج. كان مهتمّا بدراسته ويطلب منّي البحث له عن مواطن للتربّص للحصول على مؤهّل. كان يدرس في شعبة الإعلامية الهندسية ويشرف على أحد النوادي في المعهد الوطني للدراسات التطبيقية بالشرقية. وبشكل مفاجئ أباغت بأنّه انقطع عن الدراسة. هو يقول لي إنّه سافر للبحث عن إمكانية مواصلة دراسته خارج البلاد.
كلمة: هل أعلمك بسفره ؟ فاضل البلدي : لم يكن لي أي علم بذلك. لم يعد إلى المنزل فانتظرت يومين أو ثلاثة ثم توجهت إلى مصالح الأمن أسأل عنه. وبعد فترة علمنا أنّه جيء به من الجزائر. حتى زرته في السجن.
كلمة : هل سافر لوحده أم مع مجموعة ؟ و ماذا نسب إليه ؟ فاضل البلدي: سافر مع شخص آخر. بعد أن أنهى الامتحانات. بجواز سفر عادي. اتهم بأنّه يؤمن بالفكر السلفي-وهذا أنا شخصيا غير مقتنع به- وأنّه فكّر في الالتحاق بمجموعة سلفية ليتوجه للجهاد في العراق.
كلمة: هل صرح لك بأنّ له قناعات سلفية ؟ فاضل البلدي: أبدا وما رأيت يوم ما يدلّل على هذه القناعات.
كلمة: هل فكّر فعلا في الالتحاق بالعراق؟ فاضل البلدي: هذا ما يعود بنا إلى عمق القضية التي لم تعد تخصّني أنا بل أصبحت تتعلق بالآلاف. ونسمع بين الحين والآخر بأنّ هناك تونسيين ماتوا في العراق وآخرين في سوريا بحيث أصبحت ظاهرة. فالشباب العربي والإسلامي يعيش الآن ظروفا صعبة، خاصة وأنّ العالم أصبح قرية صغيرة بواسطة الهوائيات والانترنت التي وفّرت المعلومة بأسهل السبل وفي أسرع الأوقات. وهذا الشباب يعيش مشكلات نفسية حقيقية فهو يواكب يوميا ما يحدث في العراق وفي فلسطين وفي أفغانستان من قتلى وجرحى وتدمير يشعر بالاعتداء على أمّته… ربّما نحلل نحن ذلك فنرجع الأمر إلى إسرائيل أو الهجمة الأمريكية ونرى أنّ طريقة الموجهة لا تكون كما ذهبوا إليه، غير أنّ الشاب بحماسه وقوّته وغليانه لا أستغرب منه اختياره هذا. وأذكر خلال الحرب الأولى في 1991 عديد التونسيين رغبوا في التطوّع للعراق وكذلك في عام 2003… هناك حقيقة موجودة على الأرض فمثلما نجد شبابا همّه البحث عن شغل في أوروبا والهجرة غير الشرعية وربما يموت في البحر من أجل الظفر برحلة وإقامة في أوروبا، نجد شبانا آخرين يعيشون معاناة نفسية أخرى بسبب “تخلفه عن الجهاد”. هذا ما يجب أن نجد له تفسيرا لا تبريرا. ولذلك السلوك الذي سلكته السلطة اليوم عبر الإيقافات الاحتياطية وبالجملة، هو سياسة خاطئة فالمطلوب الآن هو إيكال الموضوع للعقلاء من سياسيّين ورجال فكر ورجال دين وعلماء اجتماع وعلماء نفس لمحاولة فهم أسباب هذا الجنوح في التفكير. الشاب الذي يتجه اليوم إلى الجامع ويجد إماما يحدّثه عن الحيض والنفاس… سوف يقول في أحسن الأحوال إنّ صلاة الجمعة فريضة نكتفي بحضورها على هذا الأساس. لا يجد الشاب اليوم في الإعلام التونسي ولا في المسجد ما يجيب على تساؤلاته ولا يجد دور ثقافة ولا دور شباب ولا مسرح أين سيذهب ؟ في السابق أنا كنت أقرأ الكتاب أمّا اليوم فأمام الشاب اتصال سهل جدا بالمعلومة. ثم وهذا هو الأخطر إن قمنا بعملية إحصاء للشباب الذي توجّه في ذلك المنهج سنجده في أغلبه من الكليات العلمية قليل التعاطي مع النص العربي وفهمه… الدولة تخطئ اليوم عندما تسجن هؤلاء الشبان، يجب عليها أن توكل الأمر إلى أهل الاختصاص.
كلمة: هل تشعر بأنّ ابنك أصبح غريبا عنك ؟ فاضل البلدي: أبدا هو لم يتغيّر في سلوكه أو فكره أو في علاقتي به ما حدث هو أنّه صادف أن وجد نفسه في السجن ويشعر بمعاناتي أنا، ربّما كان عند سجني في 1987 صغيرا لا يدرك الأمور واليوم أصبح يرى معاناة والديه بسبب مشكلة لا يدرك كيف حدثت له.
(المصدر: مجلة “كلمة” (اليكترونية شهرية – تونس)، العدد 52 لشهر أفريل 2007) الرابط: http://www.kalimatunisie.com/article.php?id=514