صفاقس
النشاط المضرّ بالبيئة يتواصل
عند هبوب ريح قبلية على مدينة صفاقس سحابة رماديّة اللون داكنة تخيّم على المدينة وتبعث إحساسا بالكآبة والحزن والإحباط لدى مواطني المدينة. غازات سامّة تنبعث من مدخنة شركة السياب التابعة للمجمع الكيمائي التي تبرز شامخة كأنها نصب تذكاري وإحدى العلامات البارزة التي تميّز المدينة وتقف أمام المواطنين ومسؤولي البلدية في شارع الحبيب بورقيبة تنفث غازاتها متحدّية الجميع مواطنين ومؤولين في ظلّ عجز كلّي عن فعل أي شيء مادام الفسفاط له أهميّة كبرى ومصدر للعملة الصعبة والتصدير من أولويات الدولة ويحضى بعنايتها ولو كان على حساب صحة المواطنين وكل مساء تحرق الزبلة والنفايات السامّة والبلاستيك ومواد أخرى مضرّة بالصحّة تسبّب الاختناق للمواطنين وضيق التنفّس ورغم غلق لنوافذ فإنّ الروائح تتسرّب ويحتاج المرء إلى جرعات من الأكسيجين ليستعيد أنفاسه مصدر آخر خطير للتلوّث هو أسطول ضخم من السيارات ينفث غازات سامّة تزيد في ارتفاع درجة الهواء ولا يوجد في برامج الدولة أي خطّة لتطوير وسائل النقل العمومي الجماعي وصفاقس من حقها أن تنجز فيها شبكة للمترو الخفيف وشبكة جديدة من السكة الحديدية لتسهيل تنقل المواطنين والحدّ من نسبة التلوّث. وان اعترفت الحكومة بأنّ التلوّث أصاب المدينة من زمان وأضرّ بالعباد والبلاد حيث حوّلت نشاط اN.P.K إلى الصخيرة وأقرّت مشروع تبرورة ورصدت أموال هامّة لإنجازه لإنقاذ المنطقة الشمالية شاطىء بودريار حتى السلّوم وإزالة أطنان الفوسفوجيبس من البحر إلا أن الأنشطة المضرّة بالبيئة لازال متواصلا قريبا من المشروع مثل شحن الفسفاط من الميناء لتصديره ونشاط شركة قرانيفوس لصناعة الأمنونيتر وعمليات تفريغ بخّارة الكبريت الصفراء المستوردة التي تترك بقعا صفراء في البحر مع هبوب الرياح لتزيد من تلوّث الهواء بكمّيات كبيرة تسقط على رؤوس المواطنين.
درجات تلوّث الهواء في المدينة مدهولة لدى عامّة الناس في صفاقس في عصر المعلومة والأنترنات ويعتقد عديد المواطنين أن تلوّث الهواء هو أحد أسباب تفشّي مرض السرطان وضيق التنفّس والحساسيّة ولا توجد برامج إعلاميّة موجّهة لعموم النّاس تؤكد أو تنفي أن تلوّث الهواء في المدينة هو أحد أسباب الإصابة بمرض السرطان القاتل الذي يصيب عشرات المواطنين من مختلف الأعمار والفئات كلّ سنة وقضايا البيئة لا تحضى باهتمام عامّة الناس والجمعيّة الجهويّة لحماية البيئة والمحيط تأثيرها ونشاطها محدود رغم صدق هيئتها نظرا لغياب الدّعم ومناخ موات لعمل جمعيّاتي مستقل يسمح بتعبئة الرأي العام حول قضايا البيئة والمحيط كذلك الدفاع عن البيئة غائب في نشاط الأحزاب والنقابات.
أبو أيمن
(المصدر: صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 350 بتاريخ 10 مارس 2006)
صفاقس: امتعاض من تواصل شركة ” سياب”
انتقد المشاركون في الاستشارة الوطنية حول بيئة سليمة تؤسس لتنمية مستديمة ” التي نظمتها وزارة البيئة والتنمية المستديمة” التناقض الكبير بين مشروع تبرورة لتهيئة الساحل الشرقي لمدينة صفاقس والوضع الذي عليه الساحل الجنوبي للمدينة الذي تتربع عليه شركة “سياب” للحامض الفوسفوري التي لا تبعد عن وسط المدينة سوى مسافة لا تتعدى الكيلومترين. وبدا وضع المدينة غير ملائم مع الإصلاحات البيئية التي تشهدها المدينة باعتبار أن ما سيتم من إصلاح في الضفة الشرقية سيكون غير فاعل أمام التلوث الهوائي الذي تتسبب فيه يوميا شركة “سياب” للحامض الفوسفوري وقد تركزت الدعوة إلى ضرورة إنهاء نشاط هذه الشركة ونقلها باعتبار تناقض نشاطها الصارخ مع المجهود الرامي إلى تهيئة صفاقس بيئيّا، علاوة على خطرها الكبير بخصوص البيئة والصحة على المواطنين والسكان بشكل عام، وطلب إيقاف نشاط هذه الشركة كان محل نقاش وتدخلات عديدة من طرف الحاضرين وذلك على الرغم من الردود التي عبرت عنها الأطراف المسؤولة بخصوص الإصلاحات الكبيرة والتطورات التي شهدتها أنشطة “سياب” قد دخلت خلال السنة الفارطة حيز المواصفات العالمية لنشاطات المؤسسات واحترام البيئة وصحة المواطن من خلال تطوير وتطويل نافثات الدخان ورشّ المواد الفسفاطية بالماء لتفادي الغبار وغيرها من العمليات الأخرى الرامية إلى المحافظة على المحيط علاوة على تغيير محروقاتها باستعمال الغاز الطبيعي السائل.
وأبدى عديد المتدخلين من جامعيين وممثلين للمجتمع المدني جملة من الملاحظات حول مخاطر أخرى تهدد البيئة والإنسان في صفاقس، حيث عبر بعضهم عن عدم إتمام بعض المساحات الخضراء والمنتزهات، ولاحظت أطراف أخرى تطور حركة المرور وتعدد عدد وسائل النقل وما ينجرّ عنها من تسربات للغاز الكربوني ودعا البعض إلى ضرورة إصلاح الطرقات وبناء المحولات لتطوير شبكة الطرقات حتى تساهم في نظافة البيئة، كما أشار البعض إلى خطورة مادة ” المرجين” على البيئة وصحة الإنسان في مدينة صفاقس.
وساهم الجامعيون في النقاش عبر شاشة عملاقة رُبطت من وسط الجامعة مع قاعة الاستشارة. وقال بعض المتدخلين من أساتذة الجامعة أن هناك عدّة نواقص مازالت قائمة وتحول دون مساهمة مشروع تبرورة في التصالح مع البيئة. وطالب عدد منهم بتشريك الوسط الجامعي في القرارات والإجراءات والاختيارات مبرزين مجمل الدراسات التي أنجزها الجامعيون في مجال البيئة.
(المصدر: صحيفة “الموقف” الأسبوعية، العدد 350 بتاريخ 10 مارس 2006)
تذكرة سفر بالمجان إلى …الجحيم تجدها في كل مركز أنترنات في صفاقس ، و قائد الرحلة شكري بفرقة الارشاد !
بقلم سليم بوخذير
مأساة حقيقية يعيشها الأنترناتيون( أعتذر عن اشتقاق الكلمة من الفرنسية ) في مدينة صفاقس ، ففيما نعاني في العاصمة من مشاكل الشبكة و قلة عدد المراكز العمومية و ضعف حالة أجهزتها، فضلا عن حجب أهم المواقع المحترمة ، و في أحيان قليلة نعاني مشكلة فضول أصحاب هذه المراكز ، فإنّ “حبايبنا ” ( أعني مصالح أمن الدولة و السلطات الجهوية بشكل عام ) في صفاقس أبدعوا لأحباء الأنترنات هناك “قوانين” خاصة لم يصادق عليها مجلس النواب و لا حتى يقع ابلاغ ضحاياهم من أصحاب المراكز العمومية و روادها على حد السواء بها بطريقة كتابية حتى تجوز محاسبتهم ، و بمقتضى “قوانين الطوارئ” الصفاقسية هذه الخاصة جدا و الغريبة جدا ، بإمكان الساعة التي قد تقضيها في مركز عمومي للأنترنات ( هذا إن سمحوا لك بقضائها أصلا) أن تتحول من ساعة استمتاع بالإطلاع على ايمايلات الأحبة و أخبار الوطن من خلال تونيس نيوز و غيرها من المحطات ، إلى ساعة من العذاب و إلى موعد عاجل و غير متوقع مع الجحيم …
في صفاقس لا يمكن لك أن تدخل إلى مركز أنترنات و تنال جهاز حاسوب و ترتبط بالشبكة دون شروط مثلما هو الحال في العاصمة ، لا بدّ لك من الاستظهار أولا ببطاقة التعريف و إن لزم جواز السفر ، تصوروا ، و بعد أن يأخذ منك صاحب المركز البيانات يقوم بإستجوابك ، نعم استجوابك بأتم معنى الكلمة ، فيسألك عن مهنتك و عن طبيعة المواقع التي تريد دخولها و طبيعة الأعمال التي تنوي إنجازها ، و حين تواجهه بالرفض يجيبك بأن هذه تعليمات من مصالح الأمن و لا يمكنه البتة عدم تنفيذها ، و يمنعك بالقوة من دخول المركز أصلا لو أنك رفضت الإجابة على أسئلته تلك أو أنك مثلا لم تسلمه بيانات وثيقة الهوية ، و ليت الأمر يقف عند هذا الحد ، ففي كل المراكز العمومية بالمدينة لا يكتفي أصحابها بمجرد ذلك و إنما “يتكرمون ” و”يمنّون” عليك بين الفينة و الأخرى طوال فترة مكوثك بالمركز بإلقاء نظرة على ما تفعله ، و يا ويلك و طول ليلك لو ضبطك أحدهم و أنت بصدد فتح تونيس نيوز مثلا ، أو إرسال ايمايل به نص سياسي ، أو أن لك بروكسي يسنح لك فتح موقع تونسي معارض محظور ، فعندها سيطردك أخونا جرّا و بالقوة صدقني ..
أنا شخصيا رأيت العجب العجاب من أصحاب المراكز العمومية للأنترنات في صفاقس كلّما قادتني أقدامي إلى زيارة المدينة بعد كل شهرين أو ثلاثة للقاء الأهل ، مرة (منذ 7 أشهر تقريبا ) وقع اخراجي بالقوة على يد شابين مفتولي العظلات من مركز عمومي للأنترنات يقع على مقربة من نزل ابو نواس –صفاقس ، لمجرد أنني رفضت التوقف عن رقن مقال يومها وقع نشره لاحقا ب” العربية نت ” عن بيان الإجتماع التحضيري النهائي بجينيف لقمة المعلومات و تضمن البيان وقتها انتقادا لحكومة بن علي بسبب سجلّه المميز في مجال حقوق الانسان و الحريات العامة .
و مرة أخرى ، (هذه المرة بعد القمة بأكثر من شهر) وقع اخراجي بنفس الطريقة من مركز عمومي مجاور تماما لمكتب أخي الأستاذ عبد الوهاب معطر بصفاقس ، و ذلك حتى دون أن يعرف صاحب المركز العمومي المذكور ما الذي كنت بصدد فعله ، فبعد أن تلقى مكالمة غريبة ، قام بالتوجه إليّ و سحبي بالقوة من المركز ، و كل هذا دون أن أرتكب أي جريمة و دون أن يكون لأخينا أي حق قانوني في ما يفعل و دون ان يكون لي أنا في المقابل أي أمل طبعا في أن أنال أي حق لو أنني مثلا رفعت قضية به و بمن أمره بذلك لدى المحكمة.
الاشكال الأكبر هو أن مصالح أمن الدولة لا تظهر لك في الصورة ، ففي أقصى الحالات هم قد يلاحقون كل خطواتك في الشارع بشكل لصيق و ملحوظ و لكنك لا تسمع منهم أي كلمة ، ثم حين تقودك قدماك إلى أي مركز أنترنات تنال حقك الذي كتبه الله لك من تعليماتهم الكريمة أدامهم الله ذخرا للعناصر الظالّة الذين من أمثالي .
……. و طبعا لم يكن مفاجئا أن يتكرر لي نفس السيناريوهات تقريبا في مراكز الأنترنات بصفاقس خلال زيارتي هذا الأسبوع لها و لو أنني تفطنت إلى مراكز جديدة لم أكن أعرفها من قبل و أخترتها بديلا عن التي كان لي فيها سوابق ، إلا أن المفاجأة السارة الأكبر التي ضربت الموعد معها في أحد هذه المراكزهو أن صاحبه كان مختلفا عن البقية هذه المرة فعوض أن يكتفي بالقول أن وراء كل التجاوزات التي يقترفها في حقك ، “تعليمات فوقية ” دون أن يعلمك بإسم هذا الذي يعطي هذه التعليمات ، قام أخونا بإعطائي إسم صاحب التعليمات بل و رقم هاتفه الجوال ، و قد طلبته و أسمعته ما كان يجب أن يسمع من زمان …
صاحبنا إسمه شكري ( لا أعرف اللقب و لكن أخي الحبيب بوعجيلة قال لي إنه بلا شك شكري بن موسى الذي عينوه على رأس فرقة الارشاد مؤخرا بالمدينة ) و رقمه هو 98342449 ، و عندما طلبته لم ينكر تعليماته الكريمة و عندما أعلمته أنني لن أسكت و أن هذه تجاوزات تتعارض مع مقتضيات سرية التراسل التي يكفلها القانون و حق التعبير و غيرها من المفاهيم التي حقوق لكل التونسيين حسب القانون ، أشعرني و كأنه كان يتعامل و يستمع ليس إلي مواطن تونسي و إنما إلى شخص قادم له من كوكب آخر ، فمن الواضح أن هذه المفاهيم لا تعني له شيئا لشكري هذا ، و من الوضح أصلا أن ّ هذه المفاهيم لا تعني أصلا أي شيء لوالي المدينة ، مثلما بان واضحا منذ سنوات طويلة أن هذه المفاهيم لا تعني أصلا أي شيء لوزير الداخلية ، بل و لبن علي نفسه ، و اللهم زح عنا الغمة يا رب….( أدعوا معي ).
الخلاف ظاهرة كونية و ضرورة حياتية
علي شرطاني
ليست هذه مواقف من النخبة المتغربة الهجينة عموما و في تونس خصوصا، ولكنها تعبيرا عنها كما هي و كما أراها وكما تبدو لكل متابع منصف ومتجرد للحقيقة لمختلف مراحل حياتها السياسية و الثقافية و الاجتماعية. و هي رؤية من قريب و من بعيد و عبر وسائط مختلفة و لأكثر من عقدين من الزمن، كانت هذه النخبة تعيش فيهما كل هذه التناقضات و كل هذا التمزق و كل هذا الخداع و الإرتباك و الإنتهازية، دون أن يعني ذلك انه ليس فيها من الصادقين و من المخلصين . و دون أن يعني ذلك أنها لم تقدم للوطن و للشعب من اجل الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و المساواة و العدل ما تستحق أن إذا ذكرت تشكر عليه . و لكن إصاباتها ونجاحاتها قياسا إلى إخفاقاتها وفشلها وما توفر لها من إمكانيات وفرص وما كان لها من الوقت كانت قليلة جدا. وكانت ايجابياتها قياسا إلى سلبياتها أقل بكثير جدا ولا تكاد تستحق الذكر، قياسا إلى ما حققته نخب أخرى وجهات أخرى في أماكن أخرى من العالم بإمكانيات وبفرص وفي وقت أقل. وهي التي كان لها إصرار على الحفاظ على نفس الأخطاء وعدم الاستعداد للمراجعة و عدم القبول بالتراجع عن نفس المواقف وعن نفس تلك الأخطاء. وهي التي لا تستجيب لمقتضيات التحول الفكري و السياسي والإيديولوجي، من تقييم للذات وللمواقف وللأساليب والمناهج والخيارات والبرامج والخطط ،إذا كان لها في وقت من الأوقات برامج وخطط واضحة ومدروسة وفق مناهج علمية وواقعية ،وللإنتاج الفكري والثقافي والمعرفي كذلك .وكان ذلك من أشد ما تفتقر إليه وكذلك النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ والمخالف في الرأي وبمسائل الخلاف الكثيرة المختلفة والمتنوعة .وليس المطلوب الاعتراف بكل خطأ ولكن على الأقل بتلك التي ترتقي إلى مستوى الجريمة أحيانا،والتي بالاستمرار في الزمن تخرج عن إطار كونها أخطاء لتصبح قرارا متعمدا وموقفا مسؤولا.
وليست هذه القراءة للواقع السياسي والثقافي والفكري والإعلامي والاجتماعي للنخبة في الحركة العلمانية اللائكية الهجينة لما بينها ولما بينها وبين غيرها من خلاف وليس لأني اختلف معها ولكنها قراءة لما تبين بالقطع من أنها لا تحترم سنن الخلاف ،ولا تحترم المخالفين لها في الرأي وفي الخطاب وفي المنهج وفي الأسلوب وفي العلاقات وفي الممارسة والفعل الميداني، ولأنها تحول مسائل الخلاف في الرأي إلى عداء وتجريم، وهي التي جعلت من الخلاف السياسي والفكري والثقافي والإجتماعي مشاكل اعتقدت ومازالت تعتقد في جانب كثير منها على الأقل أنها غير ممكنة الحل في إطار توافق وطني لااستثناء ولا تهميش فيه لأحد. وهي التي وفي معظم مكوناتها تعطي لنفسها الحق في الإختلاف مع الآخر ومخالفتها له ولا تقبل أن يختلف معها أو أن يكون مخالفا لها ولا بمخالفته لها.
وعلى هذا التزمت وهذا التحجر والإنغلاق التي هي عليه، وهي التي لا دين لها في جانب منها ولا أخلاق وهي التي لا أخلاق لها في مجملها وليس لها من الإيمان بالأخلاق في الممارسة الميدانية السياسية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية والإعلامية وحتى في الجانب النظري بل وحتى في السلوك الفردي والجماعي بالنسبة للكثير من الأفراد و التيارات والفئات إلا ما كان في بعض المستويات الفردية أحيانا ما يحول دونها ودون فعل وقول أي شيء. وهي التي بين الإلحاد في العقيدة والخداع في السياسة والنفاق في المجتمع تقدم نفسها وعلى غير حقيقتها – على أنها وحدها المؤمنة بالخلاف في الرأي وبالخلاف السياسي وبالتنوع الثقافي والفكري والعقدي، وتنظر إلى النخبة في الحركة الإسلامية خاصة، والى مكونات حركة الإسلام عموما على أنها وحدها غير المؤمنة بقضايا الخلاف في الرأي وهي وحدها التي لا تقبل به .وفي الوقت الذي تفرض فيه رؤيتها وثقافتها وتصورها للحياة وللإنسان والكون على الآخرين وعلى الشعوب والأمم سواء في المستوى الدولي أو الإقليمي أو المحلي مستعملة كل وسائل وأساليب القوة، وفي غير إيمان بغير ذاك، كانت دائبة على توجيه أصابع الإتهام دائما لمختلف تيارات الحركة الإسلامية في حركة الإسلام في كل مرة تطرح فيها نفسها كطرف سياسي وثقافي واجتماعي واقتصادي وحضاري في أوطانها وبين ظهراني شعوب أمتها ،وفي كل مرة تعطي فيها لنفسها الحق في الرد المناسب في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب على الجهة المناسبة بما يقتضيه الرد وفي حدود قدرتها على دفع الظلم والضرر وفي إطار الدفاع الشرعي عن النفس على أنها تسعى دائما لفرض رؤيتها وتصوراتها وقناعاتها ومنهجها بالقوة، بالرغم من أن حركة التحرر الإسلامي في أوطان شعوب امة العرب والمسلمين مازالت لم تبلغ بعد مرحلة الهجوم على أي جهة وأي طرف، وليس من قناعاتها ذلك ولا في خططها ولا في برامجها ولا في ثقافتها ولا من أخلاقها ولا مما تجيزه لها مرجعيتها . وهو نفس الموقف الذي أصدرته النخبة المتغربة الهجينة في تونس بحثا منها عن مبرر تحاول أن تغطي به عن جريمتها في حق الشعب والوطن عندما اجتمعت كلمتها على استئصال احد أهم مكونات الحركة الإسلامية التي هي أحد أهم مكونات الشعب التونسي. وهو نفس الموقف الذي أصدرته زعامات كبرى العواصم الغربية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. رغم أن الكل يعلم أن تنظيم القاعدة بعيدا كل البعد في معركته مع الغرب ومع أمريكا وتوابعهما عن فرض أية رؤية سياسية واجتماعية وثقافية واضحة لإنه تنظيم نخبة لا يحمل أي برنامج سياسي ولا أي خطة سياسية محددة. ولكنه الموقف الذي تريده زعامات هذه العواصم مبررا للجرائم التي ارتكبتها وترتكبها في حق الأمم والشعوب ،وفي حق امة العرب والمسلمين خاصة. وليكون ذريعة للتدخل العسكري مثلما سبق أن فعلت وقامت به سابقا في المرحلة الإستعمارية الأولى لفرض خيارها الثقافي والحضاري بقوة السلاح باسم محاربة الإرهاب وضمان الأمن والاستقرار والسلام في العالم هذه المرة، وفرض الحرية والديمقراطية وحماية وصيانة حقوق الإنسان. وهو نفس موقف مكونات نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب في تونس سنة 1990 في حملة الإبادة التي قادها ضد أوسع شريحة على الإطلاق في المجتمع التونسي لمجرد حملها وتأييدها لرؤية فكرية ومنهج سياسي ونمط اجتماعي ومشروع ثقافي حضاري أصيل مخالف لرؤيتها الفكرية ومنهجها السياسي والنمط الإجتماعي الذي تريده على درب الغزاة ومشروعها الثقافي والحضاري بعدما أثبتت صناديق الاقتراع التي كان للتحالف العلماني اللائكي المكون لنظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب عليها الإشراف الكامل المباشر على أنها هي الأقلية. ولتسمح تلك النخبة بذلك وهي التي بات متأكدا لديها أنها تمثل – من موقع الادعاء بالإيمان بالأغلبية – لنفسها من خلال السلطة ومن خارجها،بفرض رؤيتها على الأغلبية،وإظهار نفسها في موقع الضحية والمدافع عن النفس وعن الشعب وعن المكتسبات وعن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي لا وجود لها أصلا. ولا إيمان لهذه الجهات والأطراف بها تماما، كما يدافع الغرب الصليبي وأمريكا والصهيونية عن أنفسهم في أفغانستان والعراق وفلسطين وعن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن في أوطانهم ولصالح شعوبهم فقط.
هذه الادعاءات والأراجيف والمغالطات هي ثقافة هذه النخبة،وهي عندها من أبجديات العمل السياسي في قاموس السياسة الوضعية والشريعة العلمانية ،ومن المهارة في مزاولة النشاط السياسي على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة. وكان طبيعيا أن يكون الأمر لديها كذلك ،وهي التي تتعاطى مع السياسة الوضعية على أنها عادة في الوقت الذي يتعاطى فيها الإسلاميون مع السياسة الشرعية على أنها عبادة. وبما بين العادة والعبادة من فرق ،يكون بين مكونات الحركة الإسلامية ومكونات الحركة العلمانية فرق و خلاف .
ـ وإذا كان الخلاف في الثقافة الإسلامية وفي المرجعية الإسلامية يستمد قيمته وقداسته من اعتبار النشاط السياسي عبادة، فانه لا قيمة ولا قداسة يمكن لهذا الخلاف أن يستمدها من اعتبار النشاط السياسي في الثقافة العلمانية عادة.
ـ وإذا كانت الحركة العلمانية لا تملك مبررا كافيا ولا دليلا قاطعا على إيمانها بالخلاف ،وهي التي ليس لها من التقاليد ولا من العادات ولا من الثقافة ما يصلح لها لتأكيد ذلك الإيمان به لدى غيرها ممن تختلف معهم وممن يختلفون معها،فهي وان كانت تسمح ببعض الخلاف في ما بين مكوناتها وتقبل به اختيارا أو اضطرارا ،فهي لا تقبل به ولا تسمح به فيما بينها وبين غيرها إلا اضطرارا أحيانا، فان المرجعية الإسلامية لا تسمح للحركة الإسلامية ولكل ناشط في حركة الإسلام أن لا يؤمن بالخلاف ولا أن لا يسمح به. ذلك أن الخلاف في الثقافة الإسلامية وفي النصوص الشرعية ظاهرة كونية وضرورة حياتية لا تستقيم حياة الكائنات الحية كلها وليس البشر فقط على وجه الأرض بدونها.
يقول تعالى:” ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ” هود: 118-119
و يقول كذلك ” ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعضا ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم انك إذا لمن الظالمين” البقرة – 145 ] ذلك أن القرآن الكريم زاخر بذكر كل أنواع الخلاف بين كل الكائنات الحية في عالمي الغيب والشهادة وبين كل البشر بمختلف ألوانهم وأعراقهم ومللهم ونحلهم وفي مختلف الأزمنة والعصور في عالمي الغيب والشهادة.
ولكم اختلف الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواقع كثيرة وفي مسائل كثيرة، وهو المؤيد معهم بالوحي مباشرة وهم يعلمون ذلك ومؤمنون به، فما منعه ذلك من قبول خلافهم معه حين يكون الخلاف وحين يكون لا بد من الخلاف ،وحين يرون أو يرى أحدهم ما لا يرى الآخر أو الآخرون ويظل الخلاف قائما مع التزام أدب الخلاف بينهم وبينه وبينهم وبين بعض،حتى يأتي الوحي من الله سبحانه وتعالى بالقول الفصل فيما اختلف فيه مما لم يتوصلوا فيه إلى حل أو مما كان الحل فيه على غير ما يبتغيه الله لهم،بما ينسجم مع الفطرة وبما ينسجم مع السياق العام للإسلام وبما يتحقق به من نفع وبما يدرأ به من ضرر وبما يكون فيه من ضمان لسلامة ومنافع كل الفئات والطبقات والأطراف والأوساط ومنعا للاستبداد بالرأي حتى من قبل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك علوا كبيرا، في ما يمكن أن يكون محل اتفاق أو ما يمكن أن يكون محل اختلاف في ما ليس فيه وحي من الله اوجب الله عليه مشورتهم فيه :قال تعالى: “وأمرهم شورى بينهم” وقال كذلك:” فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ” . ولكم كان صلى الله عليه وسلم يتشاور مع بعض المشركين ويستعين بهم في ما فيه خير الدعوة إلى الإسلام وخير المسلمين،وخير الإنسانية، وكان يهدف في كل ذلك إلى تحقيق خير كل المستضعفين والمقهورين وتحريرهم من ربقة السخرة والإستعباد ، وكل من سلمت سريرتهم وفطرتهم من أصحاب المروءات من عليه القوم ومن أصحاب المال والجاه وهو المبعوث رحمة للعالمين.
فقد اوجب الله على المسلمين احترام المختلفين معهم في الأديان والعقائد والثقافات والعادات والتقاليد من اليهود والنصارى والصابئة والمجوس ومن الذين أشركوا. وبذلك يكون الحديث عن قضايا الخلاف في الرأي بين المسلمين وبينهم وبين غيرهم منتهيا،وهم المأمورون بمجادلتهم بالتي هي أحسن حيث كانت حرية المعتقد مضمونة لكل أصحاب الأديان و العقائد ممن يتقاسمون الحياة معهم في بلاد الإسلام.
فإذا كان العلمانيون الذين لا أصل لهم في تاريخ الإسلام وفي حضارة الإسلام وفي الثقافة العربية الإسلامية وفي النسيج الإجتماعي الإسلامي على امتداد تاريخ الحضارة العربية الإسلامية يقدمون أنفسهم اليوم على أنهم من أكثر الناس إيمانا بقضايا الخلاف في الرأي وأكثرهم قبولا بها، فانه ليس لهم من القول ما يدللون به عن ذلك عدى بعض أقوال بعض أعلام الفكر الغربيين وما أصبح من تقاليد الغرب في مزاولة حياته السياسية وفي إنتاجه الفكري والثقافي في أوطان شعوبه. وهم ابعد ما يكونوا عن ذلك أولا. ثم إن هذا الذي يحسبون أنهم عليه من قبول بالأخر المخالف وما يعتدون به من قول قيل ويقال أو فعل حصل ويحصل في الغرب، ليست إلا أقوال وأفعال لاحقة لما كان عليه المسلمون من اعتراف بأدب الخلاف والقبول به لقرون طويلة ثانيا، إذا ما استثنينا نبش المغرضين عن أوجه الخلاف التي لم تقبل بها بعض الجهات لأسباب مختلفة ولغايات وأهداف مختلفة وفي أوقات وظروف مختلفة، وتم الفصل فيها وإنهائها بالتي هي اخشن عوض التي هي أحسن. وكان من المفروض ومن العقل والحكمة والنزاهة أن ينظر إلى ذلك على قاعدة لكل حادث حديث. وبالنزول عند النصوص وعند سيرة الأنبياء وخاصة سيرة وسنة النبي المصطفى صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم ونظام الشريعة فانه لا يمكن إلا أن ننتهي إلى حقيقة أنه لا يجوز ولا يحق للمسلمين وحدهم أن لا يكونوا من غير المؤمنين بقضايا الخلاف في الرأي ولا أن يكونوا من الرافضين لها، لان النصوص والأقوال والأفعال والإقرارات الموحية بذلك تقوم شاهدا وحجة عليهم وفي مخالفتها مخالفة لأمر من أوامر الله وسنن أنبيائه ورسله. مما يكون مخلا بعبادتهم له واقتدائهم بهم وهم المأمورون بالإيمان بهم جميعا وذلك ما يكون مسيئا لهم ولدينهم ولثقافتهم وحضارتهم إلا ما كان خطئا أو نسيانا أو سهوا أو ما استكرهوا عليه، أو ما كان من مقتضيات الضرورة التي توجب العمل بغير القاعدة الأصلية في بعض الحالات الخاصة وفي بعض الظروف الإستثنائية وفي بعض القضايا المستشكلة لما يكون في ذلك من تحقيق للمصلحة أو درءا للمفسدة أو حصول ربح واجتناب خسارة استنادا للقاعدة الأصولية القائلة بأن درء المفاسد مقدم على تحقيق المصالح وأن اجتناب الخسارة مقدم على تحقيق الربح والضرورة تقدر بقدرها.
ولذلك فإذا كان إيمان المسلمين بالخلاف عموما وبمسائل الخلاف في الرأي خصوصا من إيمانهم بالله و يستمد عندهم قدسيته من النصوص الملزمة والتي لا تكتمل عبادتهم لله إلا بها ولا تستقيم مزاولتهم للحياة وكل منا شطهم فيها سواء في ماله علاقة في ما بينهم أو في ما له علاقة في ما بينهم وبين غيرهم من ذوي علاقة الخلاف معهم في الفكر والثقافة والسلوك والعقيدة والدين إلا بها . فإلى ما يستند العلمانيون في إيمانهم بالخلاف في ما بينهم أوفي ما بينهم وبين غيرهم من المخالفين لهم أو المختلفين معهم في الرأي وفي المنهج السياسي والمذهب الإقتصادي وفي الأرضية القافية والفكرية وفي نمط المجتمع وفي موضوع الولاء والبراءة وتحديد طبيعة العلاقة بالأجنبي وكيفية التعامل معه وعلى أي أساس ؟ وعلى ما يستندون في ما يشيعون من أراجيف وأكاذيب ومغالطات يشيرون ويؤكدون فيها على مخالفة الإسلاميين لهم في ذلك ؟ وعدم إيمانهم بقضايا الخلاف في الرأي وعدم القبول بالأخر المخالف؟
وإذا كانت النصوص الشرعية تلزم المسلمين بالقبول بقضايا الخلاف في الرأي والعقيدة وكل أوجه الخلاف التي يمكن تطرأ بين البشرـ الذين خلقهم الله تعالى على سنة من سنن الكون وهي سنة الاختلاف وليظلوا كذلك ولذلك خلقهم فان العلمانيين هم في النهاية بشر ممن خلق الله من البشر وان كان منهم من ينكر عليه عز وجل ذلك وهو ممن خلق والذي لا يمكن ولا يستطيع إلا أن يكون عبدا له عز في علاه على أساس من تلك السنة الكونية ولا يخرجون عن كونهم وان كانوا قد أصبحوا يمثلون في هذا الزمن طائفة جديدة خاصة في أوطان شعوب امة العرب والمسلمين ـ إما يهودا أو نصارى أو مجوسا أو من أي نحلة من نحل الشرك الكثيرة في العالم من المنظور الإسلامي ـ ممن ألزم الله المسلمين بالقبول بقضايا الخلاف السياسي والفكري والثقافي والعقدي معهم أو حتى من الكثير من المسلمين ممن يعتبرون أنفسهم اصح إسلاما من كل الإسلاميين الذين كان هذا الموضوع مثار جدل وخلاف معهم،والذين كان منهم من ينصب نفسه مدافعا عن الإسلام ومستميتا في الدفاع عنه ممن يزجون به من الإسلاميين في الحركة الإسلامية في أتون المعترك السياسي والاهتمام بالشأن العام والخوض فيه به. وهو الذي لعله لا يعلم أن في ذلك إساءة لنفسه وللإسلام وللأمة قاطبة والذي لا شك فيه انه سيرى اليوم الذي سيجد فيه انه قد ارتكب من السوء في حق نفسه ما لم يرتكبه في حقها احد أكثر مما ارتكبه هو نفسه في حقها ،يوم يرد إلى عالم الغيب والشهادة فينبئه الله بما كان يعملون.
فأي ضمان للعلمانيين يلزمهم بما يدعون من احترام للخلاف وللمخالف والإيمان والقبول به ؟ وحتى وان وجد منهم ذلك الذي يدعون فهولا يعدوا أن يكون مجرد أقوال ليست في النهاية إلا وجهات نظر لا تلزم في النهاية إلا أصحابها،وهي وان وجدت لا تكتسي أي قوة إلزامية أدبية أو قانونية باعتبار بشرية مصدرها. وهي بشرية المصدر لا يمكن أن تكون ملزمة لكل الناس ولا يمكن أن تكون ملزمة حتى لأصحابها أحيانا ومن حق الناس أن يأخذوا بهذه الأقوال أو يتركوها وبحكم طبيعتها البشرية التي لا يمكن إلا أن يكون مراع فيها بشكل أو بآخر جانب النفع أو المصلحة الشخصية أو الفئوية أو الأسرية أو القبلية أو الطائفية أو الحزبية أو الطبقية مما يبقى حتى الإلزام القانوني من مواقع اخذ القرار نسبيا جدا وقد يكون أقرب إلى الجور منه إلى العدل والإنصاف والمساواة بين مختلف مكونات المجتمعات البشرية وهو الذي لا يمكن أن يكون صالحا في أغلبه وفي أغلب الأحيان لجهة دون أخرى ولجهة على حساب أخرى،وان كان لابد من تنظيم مختلف أوجه الخلاف بين كل المختلفين والذين من حقهم أن لايكونوا على رأي واحد في مختلف القضايا المتعلقة بالكون والإنسان والحياة في الأنظمة الديمقراطية التي تفقد معناها بدون ذلك وفق صيغ قانونية ملزمة بما يمكن أن ينال به كل ذي حق حقه لأنه إذا كان لابد من جوهر للديمقراطية فانه لا يمكن إلا أن يكون التعايش السلمي في إطار كل مظاهر الخلاف والإختلاف وان كان هذا الحلم قد تبدد في التوجه الإستعماري الجديد للغرب بعد أن ظل وهما طالما عاشت عليه الكثير من الشعوب والنخب المختلفة والمتغربة منها خاصة حتى جاءت ما أطلق علية تنظيم القاعدة غزوة مانهاتن في إشارة إلى الهجمات التي شنها هذا التنظيم على واشنطن ونيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر 2001 وأزالت هذا الوهم وانكشف ذلك الزيف وتبددت تلك الأحلام لدى من كان يحلم بها وتبين بما لا يدعو للشك أن قبول الديمقراطية الغربية بالخلاف في الرأي ليس مقبولا إلا في أوطان شعوبها وهو حق ليس إلا للإنسان الأبيض الغربي الحق فيه و إذا كان لابد من قبول به في أي وطن من أوطان الشعوب الأخرى فليس أقل بأن يكون بالمعايير الغربية وعلى الشاكلة التي يريدها الغرب ويوافق عليها وفق ما يتحقق له به من مصالح، وهو الذي لا معنى عنده لمسألة الخلاف في الرأي وللديمقراطية إذا لم تكن في إطار النفعية والمصلحة، بما يعني أن جوهر ديمقراطية الغرب الصليبي هو الخلاف المحقق للمنافع والمصالح الغربية والصهيونية ولا غرابة في ذلك وهي المنهج والنظام الذي أقامته أرست قواعده وطورته الطبقة البورجوازية والرأسمالية التي لا تؤمن بغير الإحتكار والإستغلال لتنمية قدراتها المادية والمالية وتقوية نزعتها النفعية وبسط نفوذها على الأسواق ومصادر الخامات وإحكام سيطرتها على العالم وهي نظام طبقي وعقيدة الرأسمالية الإستعمارية .والذي يستطيع أن يؤكده كل منصف من شرفاء العالم وأحراره ممن درسوا التاريخ باستقلالية وتجرد للحقيقة أن العالم لم يعرف في تاريخه المعلوم تجربة حققت من النجاح في مجال التعايش السلمي والتسامح واحترام الآخر المخالف والقبول به متمتعا بكل حقوقه في العدل والحرية والمساواة ليس في إطار ما هو متعارف عليه وما يسمح به النظام العالمي الذي ظل سائدا في مختلف مراحله عبر قرونا من الزمن فقط ولكن الإسلام كان يمثل فيه ثورة وحركة إصلاح وكان هو المنهج الوحيد الذي كان ملاذ المظلومين والمقهورين والمستضعفين وكانت حركة الفتح الإسلامي تمثل حقا وعن جدارة حركة التحرر العالمية في ما كان سائدا من أنظمة جور واستبداد واستعباد للإنسان من أخيه الإنسان وكان كل ما حققته التجربة الإسلامية لحركة الفتح الإسلامي من مكاسب حضارية للإنسان على أساس من قيم و مبادئ نظام الشورى الإسلامي بالرغم مما تخلله من أخطاء وتجاوزات وانحرافات عبر فترات ومراحل امتدت قرونا من الزمن.
بينما كان الإلزام الشرعي هو إلزام رب العباد للعباد،أي إلزام الخالق للمخلوق والتزام العباد بأوامر ونواهي رب العباد والتزام المخلوق بأوامر ونواهي الخالق في كل ما فيه أمر ونهي أبقى الخالق فيه متسعا للعقل ليخصص العام ويفصل المجمل ويحدد المطلق وأبقى المجال مفسوخا له في المباح وفي كل مستجد وكل مسكوت عنه في إطار القواعد العامة والسياق العام للإسلام بما يحقق المصالح ويدفع المضار وبما يحقق الربح ويجنب الخسارة مستفيدا من كل منابع ومصادر الحكمة مها كان مصدرها، فهي دائما ضالة العقل المسلم أينما وجدها فهو أحق بها ،فلا سلطان في المنهج الإسلامي لأحد على احد ولا إلزام فيه من احد لأحد ليس ملتزما بما هو ملزم بالالتزام به مما ألزمه الله به وبما هو مدعو كذلك للالتزام به،إلا أن تكون جهة أوكل لها الناس مهمة إلزامهم وضرورة إيمانهم وقبولهم بالخلاف وبالرأي المخالف وبالآخر المخالف وبقضايا الخلاف المختلفة مما اوجب الله عليها وعليهم الالتزام به.
فالإلتزام الشرعي بقضايا الخلاف في الرأي وفي الفكر والمعتقد والثقافة وغيرها من أوجه الخلاف في حياة البشر فيه من قوة الإلزام المعنوي الطوعي والقوة القانونية عندما يقع تأكيده بالقانون،ما ليس للقانون الوضعي المنفصل عن صيغة الإلزام الشرعي،والآراء والأقوال البشرية غير ذات الصلة بالوحي والتنزيل. لان الإلزام والالتزام الطوعي الشرعي بالأخر المخالف وبالخلاف في الرأي وفي المعتقد فيه من القداسة ما يتحقق به للمؤمن والقابل به خيري الدنيا والآخرة، فهو من طاعة الله ومن عبادة المؤمنين بالله له به ويحصل به للمؤمنين من الأجر في الآخرة أضعاف ما يحصل به من الخير والنفع في الدنيا. ويحصل به من العقاب والعذاب في الآخرة بقدر ما يحصل به من شر وضرر وعدم التزام وتحلل من الإلزام الشرعي وتفلت من الإلزام القانوني الشرعي في الدنيا.
فالإلزام الشرعي في هذه القضية وغيرها هو إلزام من الله لعباده بما يوجب عليهم القبول بعضهم ببعض عن طريق بعضهم بعضا. فهو إلزام يقتضيه الإيمان بالله أولا،ثم بالإنسان ثانيا ثم بالحق والعدل والمساواة بين البشر والحرية ثالثا وهو الذي يتأكد لدى المؤمن و يظل قابلا به قبولا مبدئيا طوعيا بثلاثة ضوابط هي:
1 ـ ضابط الإلزام الشرعي الذي يقتضيه الأمر والنهي الإلهيين.
2 ـ ضابط الالتزام الطوعي الذي يقتضيه الإيمان بالله حبا وطاعة له وطمعا في ثوابه وخوفا من عقابه.
3ـ ضابط الإلزام القانوني الذي يقتضيه ضرورة تنظيم حياة المجموعات البشرية المختلفة الأفكار والثقافات والعقائد والأعراف والمختلفة المصالح والغايات والأهداف في الوطن الواحد أو في الأوطان المختلفة ولدى الشعب الواحد أو الشعوب المختلفة وفي الأمة الواحدة والأمم المختلفة والذي يحمل عليه الناس حملا وفق صيغة من التعاقد يتم الإتفاق عليها بقوة السلطان.
بينما لا يحكم الفرد في الإلزام الشرعي الوضعي الذي يقتضيه إيمان الإنسان بالإنسان فقط إلا ضابط إلزامي واحد هو الإلزام القانوني، الذي مصدره الإنسان فقط. والذي لا شيئ يمنع أن يتسلط فيه الإنسان على أخيه الإنسان قهرا وظلما وعدوانا…ولا شيء يمنع الناس كذلك أن يظلوا مختلفين فيه أيما اختلاف. فالخلاف في ثقافتنا هو سنة من سنن الله في الكون وهو من مقتضيات التنوع البشري، ولا حياة للنوع البشري وللأحياء من حوله بدون هذا التنوع وهذا الاختلاف ولا معنى للدنيا بدون ذلك. فهو ضرورة حياتية وظاهرة كونية ليس لأحد الحق في إنكارها أو إنهائها وليس ذلك ممكنا لأحد مهما أوتي من القوة والحكمة لان فاعل ذلك يكون قد أنكر معلوما من الكون بالضرورة ومعلوما كذلك من الدين بالضرورة ومعلوما من طبائع الأشياء والناس والأحياء بالضرورة،وليس لأحد الحق في العمل على إنهائها،لإنه لا احد يستطيع ذلك وليس ممكنا له،وكل محاولة في ذلك الاتجاه هي محاولة محكوم عليها بالفشل مسبقا،ولا ينتج عنها إلا الأتعاب والخسائر والخراب والدمار والمآسي للكائن البشري الذي خلقه الله بهذا التنوع وعلى هذا الاختلاف وهو التنوع والإختلاف الذي عليه كل الكائنات من حوله والذي لا تستقيم له الحياة في هذه الدنيا بدونه.
هذا الاختلاف الذي لا تستقيم الحياة في الكون بدونه، هذا الإختلاف في الرأي وفي أنماط التفكير وفي المعتقدات وفي العادات وفي التقاليد وفي الأعراف وفي النظام الإجتماعي هو المحرك للحياة في الكوكب الأرضي وخارجه. وهو الصانع للتاريخ. فبدون الإختلاف لا يكون التدافع والصراع. وبدون الصراع لا يكون التاريخ. ذلك إن من لا يؤمن بالخلاف لا يمكن ان يكون مؤمنا بالصراع. ومن لا يؤمن بالصراع هو مؤمن بالضرورة بالركود والجمود. والحياة لا تقبل الركود والجمود، لأن ذلك يعني الموت. ولذلك يجب على كل من أراد الحياة وكل من يريد الحياة أن يعلم أن محركها هو الخلاف والإختلاف. ولا حياة بدون خلاف واختلاف ليس بين البشر فقط ولكن بين الكائنات الحية كلها في الكون. فالنبات مختلف والحيوان مختلف والرياح والأمطار تختلف والجن والملائكة وغيرهم ممن خلق الله في هذا الكون مما نعلم ومما لا نعلم مما انقرض منها ومما هو في طريقه إلى الإنقراض ومما ليس قابلا لذلك أصلا هذا الكل الذي يقاسمنا الحياة على هذا الكوكب الأرضي في هذه الحياة الدنيا يختلف معنا ويختلف مع بعضه بعضا وهو يتكون من أمم أمثالنا تخضع كلها في النهاية لقوانين الفطرة والغريزة والإنتخاب الطبيعي وللوحي والإلهام والعقل…
فالملائكة فقط ، وهم كذلك من يعرف هذه الحياة ولهم بها علاقة مباشرة ولهم فيها ادوار مختلفة ووظائف مختلفة باختلاف ما يسر الله كل منهم لما خلقه له وهم الذين لا يختلفون إلا في كونهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .وهم مجبولون على ذلك وتلك طبيعة خلق الله لهم . وكلها في النهاية أوجه من أوجه الاختلاف في كون وحياة لا قيمة لها بدون اختلاف الخلائق بعضها مع بعض. فالأصل في الحياة هو الخلاف والإختلاف. ولا توافق ولا انسجام إلا بعد إنهاء الخلافات. ولا انتهاء للإنسان للكثير من أوجه الصواب والحكم إلا بوجود الخلافات والتناقضات. ولا انتهاء لما يمكن أن يكون صوابا والى أي وجه من أوجه الحقيقة إلا بوجود الخلاف، وإلا بكثرة الخلافات أحيانا. ولذلك فان ما يتحقق من مصالح ومنافع من خلال الاختلاف حين يحسن التعامل معه يمكن أن يكون أكثر مما يتحقق من مصالح ومنافع من خلال الانسجام والتوافق والائتلاف. فهو نعمة حين يحسن الناس التعامل مع أوجه الخلاف ومع القضايا الخلافية. وهو نقمة حين لا يحسن الأفراد والجماعات التعامل بعضهم مع بعض في ما اختلفوا فيه أو في كل ما يمكن أن يكون محل خلاف بينهم أو في ما هم مختلفون فيه من المشكلات والقضايا التي تقتضي صيرورة الحياة أن تظل عالقة بين هذه الأفراد وتلك الجماعات. فليست المشكلة إذن في الخلاف بين الناس. ولكن المشكلة في الناس أنفسهم، حين لا يعترفون بذلك وينكره بعضهم على بعض لاعتبارات مختلفة ولغايات وأهداف مختلفة، وينفيه بعضهم على بعض، ولا يعرفون كيف تعالج المسائل الخلافية، وكيف يتجاوز الخلاف بين المتخالفين ،بما يجعلون منه نقمة عوض نعمة وبما يتم به تحويل الخلاف من نعمة إلى نقمة. فما من نعمة إلا وكانت بسبب قدرة بني آدم ممن خلق الله من البشر على تجاوز خلافاتهم وإيجاد المعالجات المناسبة لها بما يحقق المصالح والمغانم ويدفع المضار والمغارم. وما من نقمة إلا وكانت بسبب عدم قدرة الإنسان على تجاوز تلك الخلافات والإخفاق في إيجاد المعالجات والحلول المناسبة لها بما يجعل المضار والمغارم تحل محل المصالح والمغانم ،فتبدد الأموال وتزهق الأرواح ويتمزق الشمل وتحل القطيعة ويتواصل التصادم والخراب والاقتتال والاستنزاف ومن غير أن تكون في كل ذلك في النهاية بالضرورة مصلحة لأحد ولا لأي جهة أو طرف من أطراف الخلاف إلا أن طبيعة الحياة وطبيعة الإنسان تقتضي ذلك أحيانا، ومقتضيات سنة تداول الأيام بين الناس تحتم وجود اختلاف المصالح والاختلاف بين الناس في الرأي وفي التفكير وفي السلوك بما يجعل الصراع مستمرا بين الأفراد والجماعات والفئات والطبقات والشعوب والأمم.
فإذا كان الخلاف ظاهرة كونية ، والصراع قانون تاريخي لإحداث التطور في حياة المجتمع الإنساني، فان أساليب تجاوز الخلاف ومعالجة القضايا الخلافية بين الأفراد والفئات والطبقات والشعوب والأمم، هي التي تحدد حالة البداوة والتوحش، أو حالة المدنية والتحضر في الإنسان فانه بقدر ما يكون الصراع الناجم عن عدم القدرة على تجاوز الخلافات من اجل البقاء والنفوذ والمصالح دمويا، بقدر ما يعتبر الإنسان فيه اقرب إلى حالة البداوة والتوحش منها إلى المدنية والتحضر. وبقدر ما يكون الصراع الناجم عن استمرار وجود الخلافات بين الأفراد والفئات والجماعات والطبقات والشعوب والأمم من اجل الاستمرار في الوجود ومن اجل المغانم والمنافع سلميا، بقدر ما يعتبر الإنسان فيه اقرب إلى حالة المدنية والتحضر منه إلى حالة البداوة والتوحش.
وان ما يحتم تواصل الاختلاف ودوام الصراع بين بني البشر وما يهتدوا إليه من حلول وحكم حقنا للدماء وحفاظا على السلم والأمن والتعايش ، هو تأصل نوازع الخير والشر في الأنفس ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها” ، والاختلاف الدائم في معاني الحق والباطل وما يكون عليه الإنسان من قوة وضعف، وما يكون عليه من يسار وفقر، وما يكون عليه من قلة وكثرة، وما يكون عليه من علم وجهل وتحضر وتوحش…وكل ذلك محدد في النهاية لأوجه الخلاف ولأساليب إدارة الصراع الذي لابد منه في صيرورة الحياة في الكون، وهي التي تحتم استمرار الخلافات بين بني البشر إلى ما لا نهاية له، ليظل الصراع متواصلا سلما أو حربا بما لا نهاية له كذلك. وتلك سنة التاريخ، ولا تاريخ في حياة الإنسان في هذا الكون بدون ذلك. وإذا كانت كل من ظاهرتي البداوة والتوحش والمدنية والتحضر تقاسان بقدرة وتميز الإنسان المتحضر بالبحث عن الأساليب والمناهج الأفضل لحل النزاعات الناجمة عن الاختلافات الحاصلة بين بني البشر حتى لا يتساوى بالإنسان البدائي المتوحش وحتى لا تتساوى حالة ومرحلة البداوة والتوحش والتخلف بحالة ومرحلة التطور و المدنية والتحضر،فان المدنية الغربية المعاصرة خاصة بما توفر لها من علم وتقنية عبرت وما زالت تعبر، عن قمة في البداوة والتوحش بما تؤكده يوميا من استعداد لحل النزاعات والخلافات بين الدول والشعوب والأمم بالعقوبات الاقتصادية والقوة العسكرية. وما يبدو من استعداد ومحاولات لتجاوز الخلافات وحل النزاعات بالطرق السلمية، إلا لتحقيق بالتي هي أحسن ما يريد أن يحققه من مصالح ومنافع بالتي هي أخشن. وإذا كان قد نجح في تطوير منظومة آليات ناجحة في التعامل مع المسائل الخلافية في أوطانه ولدى شعوبه وفق ما انتهى إليه النظام الديمقراطي هناك من تطور، فان أكثر ما تتميز به منظومة الآليات التي يتعامل بها مع المسائل الخلافية في المستوى الدولي، أنها لا تعدو في مجملها وفي اغلب الأحيان أن تكون أكثر من ضغوطات وترغيب وترهيب للإنسان المستضعف والمختلف معه في التفكير والثقافة والعقيدة والمنهج والسلوك وتلويح بالتهديد والوعيد لفرض أنواع وألوان من الظلم والحيف والابتزاز والاستغلال على المجموعات والشعوب، بما يجعل المتواصل معها من مواقع المظلوم والمقهور والمستضعف ينظر إليها بما فيها من ايجابيات وما أحدثته من ثورات لصالح الإنسان، على أنها بالرغم من كل ذلك حضارة متوحشة بما بين الكلمتين من تضاد واختلاف وتناقض. لأن الحضارة في الأصل هي انتقال بالإنسان من حالة البداوة والتوحش التي تكون النوازع الحيوانية تفكيرا وسلوكا هي الغالبة عليه إلى حالة المدنية والظرافة التي يكون قد تخلص بها من كل أو جل تلك النوازع ابتعادا أكثر ما يمكن عن الحيوانية واقترابا أكثر ما يمكن من الإنسانية وأكثر إحساسا بها.
أما وقد كان الأمر على خلاف ذلك في كثير من المشاهد ومن الأحداث والتوجهات والخيارات والتصورات والبرامج والمناهج، فان حالة التوحش هي التي مازالت غالبة على هذه الحضارة بالرغم من كل ما جاءت به للإنسانية من مكاسب ومنافع .
فحتى الجانب العلمي منها و بحكم الطبيعة المادية لها وبحكم طغيان المنزع المادي على الإنسان فيها والعمل باستمرار على تنميته وإضعاف الجانب المعنوي والروحي والسعي باستمرار لقتله فيه فقد تم تحويله إلى تجارة تتنافس الشركات الاقتصادية الدولية والعالمية العملاقة على الاستيلاء عليه واحتكاره لإخضاع البشرية من مواقع أصحاب الضرورات الملحة لاقتناء إنتاجها وبضاعتها بأكثر ما يمكن من الأرباح وإخضاع الإنسان لألوان مرعبة من الإبتزازو من الاستغلال الفاحش، في استبعاد منها لأي منحى وشعور أنساني. صحيح أن هذه الشركات المحتكرة لصناعة الأدوية وميادين البحث العلمي والأغذية والصناعات الاستهلاكية من مأكل وملبس ومشرب ومسكن ومركب تتحمل نفقات عالية أحيانا على مثل بعض هذه المشاريع، ولكن ذلك لا يقوم مبررا للاحتكار والاستغلال الفاحش من الإنسان لأخيه الإنسان بعيدا عن كل الأبعاد الإنسانية التي يتشدق بها زعماء العواصم الاستعمارية الامبريالية الكبرى في الغرب. ولمن أراد أن يتأكد من وضع الجانب الإنساني في صدارة اهتمامات الحضارة العربية الإسلامية أن يقرا التاريخ. وينظر كيف كان العلماء يتحملون مسؤولية تولي مهمة تدريس كل العلوم مجانا وبدون مقابل تعميما للفائدة وتمكينا للعلوم والمعرفة ووضعها بين يدي كل مريدها وطالبها وباحث عنها. وفي الوقت الذي كان فيه هؤلاء العلماء يعتمدون في معاشهم على زراعتهم أو تجارتهم أو حرفهم ، كان طلاب العلم يجدون من خلال مؤسسة الأوقاف وجباية أموال الكفارات والزكاة والركاز والصدقات وغيرها من موارد تنمية المؤسسات الأهلية تغطية كل الضروريات اللازمة للاستمرار في طلب العلم والمعرفة ولم يكن ذلك لهم وحدهم بل قد كان مما للعلماء والقضاة كذلك فيه حق ضمانا لاستقلالية القضاء والقضاة والعلماء والفقهاء. وبما للبعد المادي من أهمية وقيمة فقد كان البعد الإنساني فعلا هو الذي يتقدم اهتمام العلماء والأطباء الذين كانوا مثلهم مثل العلماء يتولون صناعة الأدوية ومعالجة المرضى بدون مقابل حفاظا على النفس الإنسانية التي كرمها الله تعالى ولا يبتغون الفضل إلا منه خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه و حبا للخير وبغضا للشر، وحبا لله من خلال حبهم لخلقه، بقطع النظر عن عقائدهم وأديانهم وألسنتهم وألوانهم.
فبقدر ما يكون الغيب حاضرا في عقل الإنسان وقلبه ووجدانه، بقدر ما تغيب قوة النوازع المادية وسيطرتها عليه، ويكون البعد الإنساني قويا ويحتل الصدارة في كل ما يقوم به من نشاط في عالم الشهادة بقدر ما يتحقق للإنسان من خير ونفع وما يدفع عنه من شر وضرر.
وبقدر ما يكون الغيب غائبا في عقل الإنسان وقلبه ووجدانه بقدر ما يكون حضور المادة قويا وسيطرتها كبيرة، وتغيب بذلك قوة النوازع المعنوية والروحية، ويكون البعد الإنساني كذلك ضعيفا وتحتل المادة الصدارة في كل ما يقوم به الإنسان من مناشط في عالم المادة وكم يلحق الإنسان من مضار ومهالك وخسائر بغياب القيم الروحية والمعنوية وإبعادها وإنكارها والتنكر إليها وبحضور النوازع المادية وعقلية النفع والمتعة فقط والإيمان بعالم المادة وحده بعيدا عن أي حضور لعالم الغيب في الممارسات اليومية لكل الأنشطة السياسية والإقتصادية والثقافية والإعلامية وفي العلاقات الإجتماعية وغيرها من العلاقات المتعلقة بمختلف أوجه الحياة في معناها الشامل الذي لا معنى فيه لعالم الشهادة بدون عالم الغيب ولا معنى فيه لعالم الغيب بدون عالم الشهادة.
وبذلك تصبح المقاربة بين الحركة الإسلامية والحركة العلمانية من خلال الروح الإنسانية للحضارة الإسلامية القائمة على الإيمان بعالم الغيب والشهادة بما بينهما من علاقة ،يكون مخطئا من يعتزم تحديد الحد الفاصل بينهما أو فصل احدهما عن الآخر، وبما يجعل الغيب حاضرا في كل مناشط حياة الإنسان وبما يجعل الواقع حاضرا في عالم الغيب خيرا أو شرا، فضيلة أو رذيلة، ولاء أو عداء، سلما أو حربا، أخذا أو عطاء، حبا أو كراهية، تواضعا أو كبرا، ومن ثمة سعادة أو شقاء و ثوابا أو عقابا، جنة أو نارا
ومن خلال الروح المادية للحضارة الغربية المعاصرة القائمة على الإيمان بعالم الشهادة أي بعالم المادة فقط وإنكار عالم الغيب والروح كما في المنهج الوضعي والمدرسة الوضعية، أو على الإيمان بعالم الغيب منفصلا عن عالم الشهادة كما في المنهج المثالي والمدرسة المثالية وفق التعاليم التوراتية الإنجيلية التي أعادت البورجوازية الغربية والرأسمالية صياغتها بما يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله ووفق ما يتحقق لها من مصالح وما يتوفر لها به من إرباح وما يضمن لها من سيطرة على الأوضاع المختلفة داخل أوطانها وخارجها، مما أحل القطيعة بين عالم الغيب وعالم الشهادة، وبين الطبيعة وما وراء الطبيعة، وبين المادة والروح، وبين العقل والنقل، وانهي العلاقة بين الدين والدولة، وبين الغيب والحياة، وبين الشأن الخاص والشأن العام. هذه الثقافة هي التي عليها النخبة العلمانية اللائكية المتغربة، والتي لا علاقة لها بمفاهيم وقيم ومبادئ الإسلام. ولذلك كان لابد أن يكون النظر إلى المسائل الخلافية وأدب الخلاف مختلفا باختلاف المرجعيات والمدارس والثقافات ومصادر التلقي المعرفية والعلمية.
وعوض إن يكون هذا الاختلاف رحمة ونعمة ومصدر ثراء وتنوع والهام، جعلت منه النخبة المتغربة في الحركة العلمانية اللائكية مدعومة بالقوة المادية والإعلامية والعسكرية الغربية، بطشا ونقمة، لفرض وجهة نظر واحدة وتصور واحد ومنهج واحد وثقافة واحدة، وعالم ذات لون واحد خلافا لما عليه قوانين الطبيعة ونواميس الكون وحقيقة التاريخ وطبائع الأشياء.
وإذا كان الخلاف ظاهرة كونية فانه من الطبيعي أن يحل بين كل الذوات، وان يحل بكل بيت وفي كل مكان وفي كل زمان . فهو الذي أحله الله بينه جل جلاله وبين إبليس لعنة الله عليه من اجل آدم عليه السلام لتكون الحياة في الكون مبنية على الخلاف والصراع بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين الصلاح والفساد، وبين الفضيلة والرذيلة . وكما يحل الخلاف بين المصلحين وأهل الخير والحق، فهو يحل كذلك بين المفسدين من أهل الشر والباطل، وكذلك بين المصلحين والمفسدين. وكما يمكن أن يتحقق من خلال حلوله بين المصلحين من نفع وصلاح وخير وأن يقوم به من حق، يمكن أن يترتب عن ذلك كذلك حصول بعض الأضرار والمفاسد والشرور قد تقل أو تكثر، ويختلط في ذلك الحق بالباطل الخطإ بالصواب . وكما يمكن أن يتحقق به من صلاح إذا حل بين المصلحين والمفسدين، يمكن أن يحل بوجوده بينهم من فساد، ليعتبر المشهد حين يغلب عليه الصلاح صالحا بالرغم مما قد يبقى يتخلله من فساد إذا أمكن للمصلحين أن يكون لهم النفوذ والتأثير الأكبر: وخير الناس أنفعهم للناس كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويصبح المشهد وقد غلب عليه الفساد فاسدا بالرغم مما يظل يتخلله من صلاح كلما أمكن للمفسدين أن يكون لهم تأثير ونفوذ اكبر. أما إذا حل الخلاف بين المفسدين وحدهم فانه لا صلاح لما أفسده الدهر، والله لا يصلح عمل المفسدين. وانه يمكن أن يحل الخلاف بينهم من المفاسد ما لم يسبق أن يكون قد أحله بينهم من قبل. ويصبح المشهد وقد كان للمفسدين فيه النفوذ كله فسادا خالصا.
كما أنه يمكن ـ ولما لاـ أن يصلح الخلاف بين المفسدين من المفاسد ويزيل من المظالم ما لم يسبق أن كان سببا في حلها وإزالتها من قبل، وان كان فاقد الشيء لا يعطيه، وهي في الحقيقة من الحالات النادرة جدا ولكنها ممكنة الوقوع والحدوث أحيانا في بعض الظروف وفي بعض الأوساط وفي بعض الأوقات وفي بعض الأماكن.
والخلاف اليوم خلاف جوهري أساسي وحقيقي بين حضارتين مختلفتين وثقافتين مختلفتين وبيئتين مختلفتين وعقليتين مختلفتين وهو:
1ـ خلاف بين النمط الحضاري والثقافي والمجتمعي العربي الإسلامي والنمط الحضاري والثقافي والمجتمعي الغربي الصليبي اليهودي تتخلله خلافات بين النخبة العربية الإسلامية الأصيلة في الحركة العربية الإسلامية في إطار النمط الحضاري والثقافي العربي الإسلامي ،وبين النخبة الغربية الأصيلة، والمتغربة الدخيلة في الحركة العلمانية اللائكية الهجينة في إطار النمط الحضاري والثقافي الغربي.
2 ـ وخلافات بين مختلف مكونات النخبة العربية الإسلامية الأصيلة في الحركة العربية الإسلامية التقليدية منها والتحديثية التنويرية المجددة.
3 ـ وخلافات بين النخبة المتغربة الدخيلة في الحركة العلمانية اللائكية الهجينة نفسها في العالم وفي أوطان شعوب امة العرب والمسلمين.
وإذا كان الغرب قد حقق نجاحات كبيرة في التعامل الايجابي في قضايا الخلاف في الرأي في أوطانه ولدى شعوبه بعد قرون من الصراع الداخلي والإحتراب والاقتتال الشديد، فانه ليس معنيا بشيء من ذلك في الأماكن الأخرى من العالم. بل المؤكد انه يعيش على تغذية هذه الخلافات ويدعم أصحابها بالتأييد السياسي ويزودهم بالمال والسلاح ليضغط ببعضهم على بعض وليضغط بعضهم على بعض ليقبلوا به ـ وهو الخصم ـ وليكون في النهاية هو الحكم.
وإذا كان الإسلاميون الذين هم في الحقيقة أصحاب منظومة في أدب الخلاف متهمين في إطار الصراع الثقافي والحضاري بالتعصب والتصلب والتطرف والإرهاب ورفض الأخر المخالف وعدم القبول بقضايا الخلاف في الرأي، وهم الأبعد ما يكونوا في الحقيقة عن ذلك بالنظر إلى مختلف مكونات الحركة العلمانية سواء اليسارية الماركسية منها أو القومية العربية أو حتى بعض المكونات التي تزعم أنها ليبرالية ، وهم في الحركة الإسلامية الوسطية المعتدلة اقل تعصبا وتصلبا وتطرفا من أكثر فرق الطائفة العلمانية اللائكية اعتدالا. وهم الذين وظفوا اعتدال حركة النهضة الإسلامية في تونس مثلا وسلوكها الحضاري وخطابها المستنير لصالحهم. وهم الذين يحتضنون إخوانا لها في الحركة الإسلامية وفي غيابها ويقرونهم على التطرف والتكفير ورفض الآخر ولو كان إسلاميا على غير الفهم الذي هو عليه للإسلام نفسه.
إما الحركة العلمانية اللائكية الهجينة في الداخل والتي لا دور لها في الخارج أي في مناطق نفوذ أوليائها، فان عناصرها وفرقها ومكوناتها لم تأخذ من الحضارة الغربية إلا وجهها المتوحش. وهو التوحش الذي تعاملت به فرق اليسار الماركسي المتحالف مع باقي مكونات النخبة المتغربة المختلفة داخل السلطة وخارجها مع حركة النهضة الإسلامية تحديدا ومع باقي مكونات الحركة الإسلامية المعتدلة والجادة في معارضة النمط المجتمعي والخيار الثقافي والحضاري العربي الإسلامي ،وفي العمل على إعادة العمل بالنظام الإسلامي الذي هو النظام الطبيعي للشعوب العربية الإسلامية في كل أوطان شعوب امة العرب و المسلمين. وبقد رما كانت و مازالت قضية الخلاف في الرأي و القبول بالآخر المخالف هي قضية حقيقية وجادة بقد رما هي ليست في الحقيقة قضية خلاف في الرأي مع الآخر العلماني والقبول أو عدم القبول به ولكنها قضية العلمانية في مسألة الخلاف في الرأي وفي عدم القبول بالآخر المخالف حتى حين يكون علمانيا فضلا على أن يكون إسلاميا.
ومن الناحية النظرية والعملية وما يجب أن يكون عليه أمر المسلمين، فان الإسلاميين في الحركة الإسلامية يجب أن يكونوا أكثر استعدادا للقبول بعضهم ببعض من استعداد الآخرين للقبول بعضهم ببعض . بل يجب أن يكون الإسلاميون أكثر استعدادا للقبول بالآخر المخالف مهما كان لونه و مهما كانت لغته ومهما كان معتقده ومهما كانت ثقافته لان الإسلام يتسع لكل هذه الأصناف والفئات والفرق والجماعات والخلافات والإختلافات وقد ثبت تاريخيا قبوله بذلك واتساعه له عندما كان المسلمون ـ لو كان ذلك جائزا لهم أن لايقبلوا بأي جهة تختلف معهم ويختلفون معها لفعلوه من قبل. بينما لا تتسع العلمانية في ساحات المعترك السياسي والثقافي والإجتماعي حتى للعلمانيين انسفهم استنادا إلى نشأتها وطبيعتها الصليبية المادية والطبقية المترفة .فهي لا تقبل بالتنوع إلا في ظل هيمنتها على واقع الناس وحياتهم وأن لا يكون التنوع إلا من داخلها وفي إطارها وليس من خارجها، ومادام هذا التنوع يخدمها ويتحقق لها به النجاحات و المصالح والمنافع ويتحقق به لشعوب الغرب الرفاه والاستقرار والأمن.
علي شرطاني
ناشط إسلامي
قفصة
تونس
سمينار الذاكرة الوطنية مع السيد الصادق جمعة
السبت 18 مارس 2006 على الساعة التاسعة صباحا
لقد تبنت مؤسستنا تفعيل الذاكرة الوطنية من خلال دعوة مختلف الشخصيات الوطنية والتي قبلت دعوتنا وشرفتنا بحضورها لإثراء الذاكرة الوطنية, ولا يسعني شخصيا إلا رفع تقديري العالي لشجاعتهم الأدبية وجرأتهم السياسية, إيمانا من الجميع أن أرشيفات صدورهم لم تعد ملكا لأصحابها, بل هي ملك للوطن الذي منحهم الثقة في تولي المسؤوليات الوطنية وأن الشخصيات التي تمتنع عن الإدلاء بشهاداتها, فقد تخلت عن واجباتها… وليعلم الجميع أن بريطانيا التي تمتلك أكبر مخزون وثائقي في العالم وفتحته لكل الباحثين, قد انتبهت إلى حتمية إحداث إدارة كاملة بمئات الموظفين والخبراء والمؤرخين لتسجيل شهادات الذاكرة الوطنية… ذلك أن الوثيقة الشفهية أصبحت عنصرا مهما جدا وفاعلا, قد فاق الوثيقة المدونة والمكتوبة.
وعلى ضوء ذلك, فإن توفيقنا في دعوة العشرات من الشخصيات الوطنية ونشرنا لنصوص شهاداتها, شكلت أهم الإنجازات البحثية التي تفتخر بها مؤسستنا العلمية. وفي هذا الإطار فقد برمجنا دعوة الوزير السابق المهندس الصادق جمعة, الذي بعد أن انخرط بالتعليم الصادقي ثم العالي بالصربون ثم بالمدرسة القومية للجسور والطرقات بباريس, أشرف بعد الاستقلال على عدد كبير من الشركات الوطنية البنكية والنفطية بل وكان مؤسسا للبعض منها مثل بنك الجنوب. كما ترأس أول مجموعة شركات تونسية وإيطالية لتكرير وتوزيع النفط والتنقيب عنه… كما أشرف على إدارة الصناعة والطاقة بوزارة الاقتصاد سنة 1960ثم مديرا عاما بوزارة التجهيز (1972-1978) وتحمل مسؤوليات مباشرة في القطاع الخاص على عدد من الشركات الاقتصادية والتجارية في ملف التجارة الدولية والبعث العقاري وحاليا رئيس مدير عام شركات عائلية من 1988 إلى الآن.
والسيد الصادق جمعة أحد المسؤولين السياسيين الذي ساهم في بناء الدولة الوطنية عبر مساراتها العديدة, فقد كان مسؤولا عن فرع اتحاد الطلبة بباريس ونائب رئيس التضامن الاجتماعي لولاية تونس ومؤسس رئيس النادي الأولمبي للنقل ورئيس الاتحاد القومي للمهندسين 1969-1977 ومن 1979 إلى الآن ورئيس منطقة البحر الابيض المتوسط للطاقة الشمسية ومؤسس ورئيس عمادة المهندسين التونسيين ورئيس نادي تونس للمصدرين ورئيس الغرفة النقابية لشركات التجارة الدولية ورئيس جمعية النهوض والدعم للإسعاف الطبي. كما تولى رئاسة اتحاد المهندسين العرب والاتحاد العالمي للمؤسسات الهندسية ونائب رئيس منظمة افريقيا للعلوم والتكنولوجيا ونائب رئيس المجلس الاستشاري للأمم المتحدة للعلوم والتكنولوجيا وحاليا رئيس المجلس الاستشاري للبحث العلمي وعضو مجلس إدارة المؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا.
وفضلا عن ذلك فقد تولى وزارة الشؤون الاجتماعية والإسكان ثم وزارة النقل والمواصلات ثم وزارة التجهيز. أما مناصبه السياسية فقد تعددت حيث تولى الكتابة العامة بباريس ثم رئاسة جامعة فرنسا للحزب الدستوري الجديد وعضو لجنة التنسيق الحزبي لتونس الكبرى 1963-1972 وعضو اللجنة المركزية للحزب 1964-1974 ومن 1980 إلى 1986 وعضو الديوان السياسي بتاريخ السابع من نوفمبر إلى جويلية 1988 وعضو اللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي من 1988 إلى الآن.
إن تعدد تحمل السيد الصادق جمعة كل هاته المسؤوليات السياسية والمهنية والوزارية, قد جعلت منه الشخصية التي توفرت على شبكة واسعة من الاتصالات والتجارب والاختمارات الوطنية والدولية وحيث تجمعت لديه عديد القناعات والأفكار والرؤى والمشاريع من خلال هاته المسيرة عبر مختلف هياكل الدولة الوطنية, ولا شك لدينا أن السيد صادق جمعة الذي كان من الشخصيات الشفافة والمخلصة والمحبة لبلدها, سوف يمدنا بعديد المعلومات الحاسمة والمهمة والتي ساهمت في بناء الدولة الوطنية منذ الاستقلال.
والدعوة مفتوحة للجميع ابتداء من الساعة التاسعة صباحا في المقر الجديد بالمؤسسة المذكور أسفله.
د. عبد الجليل التميمي
(المصدر: مراسلة وزعتها عبر البريد الإلكتروني “مؤسسة التميمي للبحث العلمي” يوم 10 مارس 2006)
بسم الله الرحمان الرحيم تونس في 09/03/2006
والصلاة والسلام على أفضل المرسلين الموفق 9 صفر 1427 هجري
بقلم محمد العروسي الهاني مناضل
من الحزب الدستوري
– حزب التحرير وبناء الدولة-تونس
رسالة مفتوحة للتاريخ عنوانها الصراحة والوضوح لعناية الأستاذ عمرو موسى -الأمين العالم للجامعة العربية-
حول الوضع العام العربي
على بركة الله وعونه وتوفيقه وبعد الرسالة رقم 2 المفتوحة التي وجهتها يوم 9/02/2006 إلى سيادة رئيس الجمهورية التونسية.. يسعدني أن أتوجه إلى السيد الأمين العام للجامعة العربية الأستاذ عمرو موسى الذي بذل جهودا جبارة منذ توليه الأمانة العامة للجامعة وقام باتصالات مكثفة في كامل أنحاء العلم العربي لتوحيد الصف العربي وإعادة بناء صرح الجامعة العربية على قواعد سليمة ودعم قراراتها وإدخال إصلاحات على هياكلها وحرص على تنظيم واحترام دورات قمم الدول العربية. كل هذا جميل وهام ويحسب في ميزانه للتاريخ.
وفي هذا المجال فإن عمل الجامعة العربية مازال دون المطلوب ودون طموحات الشعوب العربية ودون الغاية والهدف من بعث وتأسيس الجامعة العربية عام 1945 لتكون الوعاء والغطاء والدرع الحصين للدول العربية واللسان العربي الناطق باسم حوالي 300 مليون عربي مسلم والمدافع على قضايا الأمة العربية وكرامتها وعزتها وسيادتها واستقلالها.
هذا هو المطلوب من جامعتنا العتيدة.. فهي جامعة الأمة العربية جمعاء شأنها شأن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشمولية والهدف الأسمى والغايات السامية.
ومنذ عام 1945 أي حوالي 61 عاما لم نسمع بقضية واحدة عالجتها الجامعة العربية وانكبت عليها وحققت نتائج باهرة في النهاية.. انطلاقا من قضية فلسطين التي تبنتها الجامعة العربية من عام 1946 حتى أن الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله قال في مذكراته وخطبه الأسبوعية عام 1956 إن الجامعة العربية بالقاهرة عندما طلب منها إدراج القضية التونسية ضمن جدول أعمال الجامعة أجابه الأمين العام للجامعة آنذاك “ان المشغول لا يشغل (..) نحن الآن منكبون على قضية فلسطين وبعد أن ننهي القضية الفلسطينية نلتفت إلى تونس ونهتم بالقضية الوطنية التونسية”..
هذا قاله حضرة الأخ الأمين العام للجامعة عام 1946 عندما كان الزعيم الراحل بورقيبة بالقاهرة لتكوين مكتب المغرب العربي والتعريف بالقضية الوطنية .وقد جعل من القاهرة محطة هامة وقاعدة عمل للسفر والاتصال بكل القارات وللتعريف بالقضية الوطنية. أشرت إلى ذلك للتاريخ.. ولمدة حوالي 6 عقود على قضية فلسطين من عام 1946 إلى 2006لم يتغير شيء..
واليوم بعد أن أتيحت الفرصة للشعب الفلسطيني بحرية وديمقراطية اختيار ممثيله للمجلس التشريعي الجديد.. وكان الاختيار لحركة حماس المجاهدة المناضلة والتي كافحت مع كل الفصائل بانسجام واحترام والتي دعت بعد فوزها بكل تواضع وبدون غرور ولا أنانية ولا تسلط .. دعت كل الفصائل للمشاركة في حكومة وحدة شعبية لخدمة فلسطين وخدمة المواطن الفلسطيني ولتحرير الأرض والشعب من الغاصب المحتل.. العدو الإسرائيلي الذي إغتصب الأرض بقرار جائز من طرف دول عظمى عام 1947 للاستيطان في أرض فلسطين وطرد شعبها..
ثم جاء قرار التقسيم عام 1948 ولو فيه مظلمة كبرى لكن العرب وخاصة القادة لم يفهموا في ذلك الوقت حكمة الزعيم بورقيبة في خطاب اريحا يوم 3 مارس 1965 دون الاعتراف بإسرائيل وكان شعاره “خذ وطالب” شعار بورقيبة. لكن مع الأسف الشديد بعض القادة لم يدركوا معاني الخطة وحكمة بورقيبة وحصل ما حصل..
واليوم أصبحت عديد الدول والنخب والعلمانيين وغيرهم ينادون ويطالبون حركة حماس بالاعتراف بالعدو الصهيوني..
سيادة الأمين العام للجامعة العربية..
يا صاحب الكرامة والشهادة العربية.. يا صاحب العزة والأنفة العربية.. يا صاحب الصراحة والوضوح والشجاعة..
أنا شدكم وأنا شد أعضادكم بأن تساعدوا “حماس” وتقفوا إلى جانبها وعدم سماع نصائح بعض الدول العربية للاعتراف بالكيان الصهيوني إلاّ بعد تحقيق الأهداف الهامة
أولا: عودة اللاجئين إلى أرضهم فلسطين
ثانيا : استرجاع الأراضي المحتلة وتطبيق قرار عام 1948 بأكمله
ثالثا: تحرير بيت المقدس وجعل القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة.
رابعا: إجبار إسرائيل على دفع تعويضات مالية هامة للشعب الفلسطيني بقرار أممي عادل
خامسا: نزع السلاح النووي من حوزة إسرائيل لإقرار سلام عادل في الشرق الأوسط.
هذه هي الشروط الأساسية لإقامة دولة فلسطينية على أرضها.. وإذا تم ذلك يمكن قبول مبدأ الاعتراف بوجود الدولة العبرية.. وهذا يجب أن يكون لا فقط من طرف حكومة “حماس” الجديدة نصرها الله بل من طرف كل الدول العربية الأخرى التي هرولت للتطبيع مع الكيان الصهيوني بدون جدوى.. حتى مورتنيا..
سيادة الأمين العام للجامعة العربية..
أنكم تسعون هذه الأيام لعقد قمة عرابية أخرى بالسودان على غرار القمم العربية السابقة الفارغة من كل محتوى.. لم يرض به الشعب الفلسطيني ولم ترض به الأمة العربية جمعا. قال الله تعالى” وأمرهم شوري بينهم” – صدق الله العظيم “
نشاهد قمما عربية سنوية ونفقات مالية كبيرة وحملة إعلامية وضجة كبيرة ولكن لم نسمع ولم نلمس نتائج للقمم ما عدى الجعجعة الإعلامية والصدى في الصحف والتنويه والصراخ وأحيانا التصدع للبيت العربي وخلافات بين قادة… وجروح لم تبر.. ونلاحظ في هذه القمم بعض الضغوط الخفية السريّة التي لا ترى بالعين المجردة بل بالإحساس والذكاء… قال تعالى:” إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم– صدق الله العظيم“.
سيادة الأمين العام للجامعة العربية..
ندرك أن مسووليتكم عظيمة وأن الأمر ليس كما يرام وهو خارج سلطتكم.. ولكن للتاريخ أصدعوا وقولوا كلمتكم الصريحة حتى تضعو حدا للنتائج السلبية. قال الله تعالى:” فأصدع بما تأمر” – صدق الله العظيم ” .
إن التاريخ لا يرحم وإن الكرسي لا يدوم لأحد وكما قال الحكيم ” لو دامت لغيرك ما آلت إليك”. وقال الله تعالى “ وتلك الأيام نداولها بين الناس” – صدق الله العظيم“.
سيادة الأمين العام..
إن التاريخ لا يرحم والشعوب لا ترحم والأمة العربية من المحيط إلى الخليج تنتظر قرارات حاسمة في قمة الخرطوم.. قرارات الحسم.. قرارات الدعم المادي من طرف 22 دولة عربية لحركة “حماس”.. قرارات جمع الأموال لحكومة “حماس” بدون خوف من أمريكيا وحلفائها..
قرارات الحسم صفا واحدا عربيا وإسلاميا لدحض افتراءات الغرب والتحامل على الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.. نرجوا موقفا موحدا من هذا الأمر وأخذ قرار عربي حازم لقطع العلاقات مع كل الدول المعادية للإسلام ولرسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام..
ونرجوا كعرب ومسلمين أن تكون القرارات العربية بمناسبة قمة الخرطوم القادمة في مستوى طموحات الشعوب العربية بوضوح وشفافية ووضوح.
وفي هذا الصدد وحفظا لكرامة الأمة العربية وعزتها، نطمح كأمة عزيزة شامخة -رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الشرف والكرامة والشهامة العربية والكرم- إن تتبني دولة عربية نفطية وأن تحتضن 60 ألف عامل مسلم بدولة الدنمارك حتى نؤكد للعالم الغربي أننا قادرون على استيعاب كل عمالنا العرب المسلمين وإتاحة الفرصة لهم للعمل في بلدانهم بعزة وكرامة وحتى لا نبقى تحت رحمة الدنمارك وغيرها.
وقرار مثل هذا يذكرنا بقرار قطع النفط عام 1967 بدعم من الملك المحبوب فيصل رحمه الله والزعماء الأفذاذ أمثال الزعيم الحبيب بورقيبة والزعيم جمال عبد الناصر ورحمهما الله.
سيادة الأمين العام..
هذه مقترحاتنا.. ونعلمكم أنكم تجدون في النهر ما لا تجدونه في البحر.. وإن الشعوب تدرك أن القمم العربية وقراراتها دون المطلوب وليست في مستوى طموحات الشعوب العربية وإن كرسى الحكم لا يدوم وإرادة الشعوب وكرامتها هي التي تدوم..
ونرجوا أن نجد شعورا عربيا موحدا وإحساسا بالإسلام قال الله تعالى:” إن الدين عند الله الإسلام“. صدق الله العظيم
السيد الامين العام..
سبجان الله ان قلبت المفاهيم عند بعض العرب فاصبحوا ينعتون المجاهدون بانهم إرهابيون والمتحمسون لدين الإسلام ورسوله يسمونهم متطرفون والعلمانيين أصبحوا يسمونهم بالمعتدلين.. والمثل يقول “فاقد الشيء لايعطيه”..
وأخيرا يقولون إن بعض الأنظمة تضحك عل” شعوبها والعكس هو الصحيح.. قال تعالى:” فأما الزبد فيذهد جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” . صدق الله العظيم .”
ملاحظة :
أخي الأمين العام أحببت عشرة في حياتي الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم والقرءان الكريم وبيت الله الحرام والوالدين والأبناء ووطني الحبيب والزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ومنطقتي الحجارة وضعاف الحال في كلّ مكان وخاصة معتمديتي فوسانة وجومين.
قال تعالى :” وقل إعملوا فسيّرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون . صدق الله العظيم .”
ختاما:
نشكر مشاعر شفيز -رئيس من أمركيا الجنوبية- الذي أظهر شجاعة عربية رغم أنه مسيحي.. فعلا أنه رجل دولة شهم وصريح وممتاز ونتمني له النجاح وأن يشرح الله صدره للإسلام.. هذا الرجل الشهم يتكلم بصراحة وعزة وهو مهتم بالعرب والمسلمين وقضاياهم أكثر من أبناء البلد أنفسهم لأنه لا يخاف البطش والظلم وشعبه أعاده للحكم بعد 48 ساعة لأنه يحبه حبا جما. نحن في حاجة لهذا النوع من الرجال لأخذ القرارات الحاسمة دون حسابات ودون خشية من أمركيا وحلفائها. قال تعالى :” ومن يتول الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون” صدق الله العظيم.
والرئيس شيفز يستحق رسالة شكر على مواقفه مع العرب ومع حركة “حماس” بالخصوص أكثر من مواقف قادة العرب أنفسهم لا حول ولا قوة إلا ّبالله . قال تعالى: “إن ينصركم الله فلا غالب لكم وأن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون . صدق الله العظيم”.
محمد العروسي الهاني
تونس بلد جامع الزيتونة المعمور
الذي أنجبت الشيخ محمد الطاهر بن عاشور
والزعيم الحبيب بورقيبة رحمهما الله
لهما إشعاعهما الديني والسياسي
في العالم أجمع
ما أجمل القمر في سماء مخيم جنين…
خميس الخياطي (*)
إحتفلنا أمس الإربعاء 8 آذار (مارس) 2006 بالعيد العالمي للمرأة.
نؤمن أن هذا العيد مشروع في مجتمعاتنا العربية حتي يتعظ من من أهلنا وذوينا يحبسون المرأة وراء خرقة من القماش او خلف أسوار عمياء صماء بكماء من الحدود والممنوعات الواحدة منها أغرب من الأخري وأبلي منها بدعوي المحافظة علي هويتنا وشخصيتنا، علي رقتها وعاطفتها وطبيعتها وفطرتها وما يشبه ذلك خوفا من أن تخشوشن المرأة العربية فتفقد أنوثتها فنفقد نحن حريمنا ورجولتنا. وإن لاحظت عديد وسائل الإعلام الغربية في هذه الأيام تأخر المرأة الأوروبية علي الرجل الأوروبي في ميادين الشغل والسياسة وغيرهما. هذا الغرب مسؤول عن تردي وضع المرأة لديه. ألم تنشر الأمم المتحدة التقارير التي نري فيها مهانة المرأة: بالولايات المتحدة، تسقط إمرأة ضحية العنف كل 18 دقيقة. 70 في المئة من الحوادث العنيفة التي تعيشها المرأة في البيرو أسبابها العنف العائلي في حين هي بـ29 في المئة بكندا وبـ30 في المئة في أنكلترا إلخ… ماذا نقول نحن العرب عن منزلة المرأة لدينا؟ ألم يبين تقرير التنمية البشرية أن عالمنا العربي به أكثر من 70 مليونا من الأميين الغالبية الغالبة منهم هن من بنات حواء، أي من أخواتنا وبناتنا وأمهاتنا وزوجاتنا؟ أهذه نتيجة ما يقارب الخمسين سنة إستقلالا؟ لنبعد منذ البداية إتهام الغرب الإستعماري بالحيلولة دون تحرير المرأة من النظرة الدونية ـ ولو شكليا ـ التي نلقيها علي المرأة العربية. الغرب ، مثل الطبيعة تماما، يكره الفراغ الذي نكرسه بسلوكنا الفردي والجماعي وبضيق المسافة بين الفردي والعمومي ومن ذلك تمسك الفكر القبلي بذيول ما تبقي من الفكر الزراعي، فتفاقم الإستبداد وتعاظم التسلط وهوت القوانين وتمطمطت الدساتير ولا داعي لذكر البقية.
فتاوي نسائية عن العنف العائلي
منذ مدة غير قصيرة، بثت الأولي المصرية مساحة فتاوي نسائية أمنتها الدكتورة سعاد صالح من برنامج هوانا هواكم مع أسئلة من المهندسة نهي من السعودية ومدام صباح من الغردقة وأخري من الصعيد والأستاذ عبد العظيم من القاهرة. وأنت تستمع إلي شهادات النساء المصريات ـ والعربيات الأخريات لسن علي أفضل حال وليس ذلك مجاملة منا ـ في أمور هي من باب الطب النفساني او الطب النسائي، تستنتج دون عناء أننا، كشعوب عربية إسلامية، لم نصل بعد إلي مستوي من الوعي ما يجعلنا نفرق بين ما هو ذاتي/حميمي وما هو جماعي/عام. في هذه التفرقة تكمن حصانة الفرد ذكرا كان أم أنثي. حينما تستمع إلي مشاهد يسأل السيدة الدكتورة المفتية عن جماعه مع زوجته والدم ينزل وهل ذلك حلال أم حرام ، فإنك تسأل نفسك إن ما سمعته قيل حقا علي قناة فضائية عمومية. نعرف أن لا حياء في الدين. لكن ألا يحترم الإنسان، وقد عرف إستعمال الهاتف، دائرة الحصانة الذاتية فإنه بذلك يفتح للآخر مجالا ليتدخل في حياته الشخصية. وحينما يتدخل الآخر في حياتك الشخصية، فلن تعود لك حرية قول لا . وتجيبه الدكتورة: عليك أن تعطي فاصلا بأربعين يوما بعد النفاس. لقد حصل الجماع بجهل ودون معرفة وعليك أن تبتعد أربعين يوما عن زوجتك . إمرأة قالت أنها تأخذ موانع الحمل بدون علم زوجها وهل عليها إثم في هذا؟ فأجابتها الدكتورة أن هناك فصلا بين الناس وشرع الله وإن كنت مضطرة لأخذ هذه الموانع، فليس عليك إثم رغم أن الزوج كان يقول دائما: هي زوجتي وأنا حر فيها . ثالثة قالت أن زوجها يشتمها و أنا أود أن أرد عليه . فتنصحها الدكتورة: لما بتحصل هذه المشاكل لماذا لا تتوضي وتصلي… وحينما تؤكد الزوجة أن ردها له يعتبره الزوج إهانة ويزيد ذلك في طاقة العنف الموجودة فيه، تقول لها : إنت مش عايزة تجاهدي في سبيل الله؟ يجب أن تقاومي وتصبري، والله رؤوف بالعباد وفكري في مستقبل الأولاد… إعتذري له. تصوري، حتكسفيه وهو غلطان. والله يحب المحسنين . إمرأة أخري قالت أن زوجها إنفصل عن زوجته الثانية فأصبح بخيلا حتي علي أولاده. يخبئ فلوسه. وحتي حين دخلت المستشفي، لم يزرها. فسألت: هل في هذه الحال، الطلاق حلال أم حرام؟ . تجيبها الدكتورة: أنت يا ماما، الأمر يرجعلك أنت. تحملت 22 سنة، تحمليه أكثر لأن معدنه إيجابي ذلك أنه لم يكن بخيلا قبل زواجه الثاني. حينها تتدخل المذيعة وتطلب منها دعاء للزوجات اللواتي يواجهن العنف العائلي فتصدح الدكتورة سعاد صالح: ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعيننا .
نفهم أن مثل هذا الدور الذي تقوم به الدكتورة دور صعب، مسؤوليته شائكة وصداه علي المشاهدين المصريين والعرب قوي ولا يمكن لها أن تدفع بالأمور العائلية والصراعات بين الأزواج نحو العسر. إلا أننا طيلة البرنامج وقبل أن يقطع من موجز الأنباء لعرض فيلم بين الأطلال لعز الدين ذو الفقار وتمثيل عماد حمدي و…فاتن حمامة، لم نستمع إلا إلي شكاوي النساء العربيات من الرجال العرب (إمرأة واحدة قالت أنها تريد شكر زوجها لأنه يهتم بها وبأبنائها من زواجها الأول و مش عارفة أعمل معاه إيه؟ ) وخاصة الغوص في أمور شخصية إلي أقصي درجات الذاتية. أيعني هذا أننا لم نجد بعد الخط الأحمر الذي يفصل بين الداخل والخارج تماما مثل الشارع العربي حيث العام والخاص متداخلان، الواحد يستمر في الآخر. وفي هذه الحالة، لا نفاجأ حينما يطحن الذاتي تحت العام وتجد الجمعيات المدنية كل الصعوبات لكي ترفع الفرد العربي إمرأة كان أم رجلا إلي مصاف المقدس الذي لا يدنس.
تقول نفس الإحصائيات أن نسبة العنف مثلا ضد المرأة المغربية من طرف زوجها تقارب الـ80 في المئة من مجموع الحالات المسلطة علي المغربية (راجع ما نشرته جريدة لوبينيون المغربية يوم الأحد الفارط). ما هي نسبة هذا العنف الخاص جدا ببلد مثل تونس الذي سيحتفل قريبا بمرور نصف قرن عن إصدار مجلة الأحوال الشخصية التي ألغت تعدد الزوجات ولم تقو علي العدل في الميراث بحيث، كما قال أستاذ القانون السيد ساسي بن حليمة لجريدة الصباح، نجد المرأة دون الرجل في التشريع التونسي . فإن كان العنف المسلط ضد الفلسطينية بالضفة الغربية يقارب الـ52 في المئة، فما هي نسبته بغزة؟
رصاصة من جهة القلب
صور نسائية أخري ومختلفة تماما عما سبق بثتها قناة العربية يوم إحتفالها بعيدها الثالث. هذه الصور مضمنة الجزء الأول من البرنامج الوثائقي زيارة إلي فلسطين . وهنا سؤال عملي. لماذا لا تؤمن هذه القناة العناوين النهائية لبعض برامجها الوثائقية حتي نعلم من أخرجها، من أنتجها ومتي ومن أمن التصوير والترجمة إلي اللغة العربية إلي غير ذلك… هذه ليست أشياء ترفيهية بل هي من هوية البرامج وهي أساسية لمعرفة إتجاهها العام. ثم إن بثها يخضع لقوانين تحميه.. هذا ما لم تقم به قناة العربية في ما يخص زيارة إلي فلسطين الذي أصبح رحلة إلي فلسطين بعد الفاصل الإعلاني. وأنتهي الجزء الأول دون أن نعلم تاريخ بث الجزء الثاني وكأن المشاهد ليس أمامه من إختيارات إلا هذه القناة.
الجزء الأول هو مذكرات مرئية لإحدي النشطات الحقوقيات الغربية (إيرلندية) في فلسطين. فتاة في مقتبل العمر (24 سنة) إختارت أن تكرس شبابها في الدفاع عن الفلسطينيين وتعيش معهم في ديارهم لتصبح واحدا منهم كما يقول أحد المواطنين، لا يتفطن إليها، تخرج لقضاء حاجاتها وتعود كواحدة من بناته. إنتهت هذه الفتاة وأسمها كيف بأن إخترقت رصاصة إسرائيلية ساقها ونقلت إلي المستشفي حيث أتت لزيارتها أفواج الفلسطينيين. وأهتمت بها الصحافة أقل بكثير من إهتمامها بالأطفال الفلسطينيين الذين سقطوا تحت رصاص الجيش الإسرائيلي. وحينما حصلت علي جائزة مجلة تايم وأهدت جائزتها لصديقتها مريم الفلسطينية، لم تحظ الجائزة باهتمام الإعلام الغربي…
الصور التي نشاهدها في هذا البرنامج والخاصة بمخيم جنين بعد هدمه من الإحتلال وإن هي مقطعة للقلب والكبد، فإنها من جهة أخري باثة لأمل عضوي في أن الإنسان الفلسطيني ـ رجلا كان أم إمرأة ـ وإن هو صلب وفولاذي فهو إنسان كما كان يقول شيلوك شكسبير عن نفسه… فهرولة الأطفال وراء الدبابات الصهيونية أو ملاحقة الدبابات الإسرائيلية للأطفال وكأن العنصرين (العسكري الإسرائيلي/الطفل الفلسطيني) يعرفان بعضهما البعض جيدا هي مشاهد ألفناها هنا وهناك. إلا أن بعض المقاطع منها قد تعتبر شهادة دامغة علي فعل الإحتلال. أن تحلم طفلة في سن الخامسة بأن تكون لها أسلحة ثقيلة ودبابات زي ما هما بيقاتلونا ، أن يشهر طفل مسدسه الحقيقي مرددا شعارات سمعها من حوله مثل ما قالت سابقته من أن مهما راح منا شهداء راح نقاوم في أرض فلسطين ، فإن الإصرار علي المقاومة مشروع وتجاهل الخوف وضياع الطفولة إصرار علي البقاء… فحينما تعرض النساء الفلسطينيات أسماء وصور شهدائها مثل تلك التي فقدت أولادها السبعة دفعة واحدة وحينما تفجر هنادي تيسير حرادات نفسها في تل أبيب بعد فقدانها لأخيها وبالتالي دفعت بأهلها إلي التهجير وهدم منزلها، وحينما تقول فلسطينية أخري أحنا نموت في اليوم متي موتة ، فإن هذه المرأة لها حاجة ماسة ليس فقط بعيد عالمي بل أساسا بقمر جميل في كبد سماء مخيم جنين وليس برصاصة إسرائيلية تأتي لتنغرس من جهة القلب…
وهل يمكن أن نتمني عيدا سعيدا والرصاصة في القلب؟
جملة مفيدة: حينما يقضم اللسان مرات عديدة خطأ من طرف الأسنان، فليس ذلك سببا للهجرة إلي مكان آخر. اللسان مكانه الفم وعليه أن يبقي به . من فيلم سيدة العربة للسينيغالي موسي سيني أبسا.
(*) ناقد وإعلامي من تونس
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” الصادرة يوم 9 مارس 2006)
الديمقراطية العربية بين زمنين
عادل الحامدي (*)
تراجع جواد الديمقراطية في الوطن العربي ولم يعد مكرا ولا مفرا بل كاد يتحول إلي جلمود صخر حطه السيل في كبد كل المسارات فانحبس بعضها وتعطل البعض الآخر فيما انقطع نهرها الصناعي بل المصطنع في الجناح المهيض للوطن الجلمود، فأطبق الصمت علي مقابر الأحياء ولم نعد نسمع لهم صوتا بل لم تعد ترفع لهم شكوي كأن العالم ثكل علي فجاءة كل منظماته الإنسانية والحقوقية بعد أن أضاع رتشارد كل مفاتيحه في أزقة الفلوجة إن لم يكن في شوارع سامراء.
وعلي نبض الديمقراطية العراقية التي يرقبها الجميع ويتطير منها الجميع أدركت الدوما الأوتوقراطية علي الدوام أن الوقت قد حان لغلق القوس الذي دشنه غورباتشوف. وتحت هاجس الخوف من اللون البرتقالي عمد ليونيد بوتين! سليل الـ كي جي بي إلي تأميم نصف مليون فقط من الجمعيات الأهلية المستقلة عن البيت اللينيني حتي لا تتسرب إليه حبات البرتقال الديمقراطي المستورد من مخابر عدو الأمس بعد أن أيقن الجميع أن راعي الديمقراطية الجديد وسيدها بلا منازع قد تلعثم في بابل وهو يتلو ترنيمات الأغنيات الحزينة فتراجع الجميع.
وما أن أيقنت النخب الحاكمة التي لا تؤمن إلا بنفسها أن المشروع الديمقراطي في العراق كلف كل الأطراف ثمنا بات من شبه المستحيل دفعها في مغامرات ديمقراطية جديدة حتي تنكرت لوعود الحريات التي تتوق لها كل الشعوب ومطالب الديمقراطية التي يصبو إليها كل السياسيين. وخوفا من إفرازات الصناديق الجديدة وما تحمله من باكتيريا إسلامية عض التنويريون والحداثيون بالنواجذ علي مقاعدهم متفرجين علي الركح العراقي وأطرافه يغرقون في الدماء حتي أنه لم يبق من الحرب الأهلية إلا إعلانها، ليؤكدوا صدق أطروحاتهم عن المسافات التي لا تزال تفصل بين العرب والقدرة علي ممارسة الديمقراطية ويكشفوا بالبرهان زيف شعارات الديمقراطيين العرب عموما وقادة الإسلام السياسي منهم علي وجه الخصوص.
نشأت الحركات الديمقراطية الحديثة في تداخل وتشابك مع حكومات الدولة الوطنية التي ورثت الاستعمار الغربي في حكم أقطار العربية. ومن المفارقات العجيبة أن هذا الغرب الإستعماري الذي استحوذ لعقود طويلة علي خيرات العالم العربي هو نفسه الغرب الذي رعا وأنشأ هذه الحركات الديمقراطية لا بل وصل به الأمر أن تحالف معها وقاد الجيوش العسكرية ليمهد لها الطريق إلي الحكم كما هو الحال في العراق، فهل تكفي سنوات الاحتلال ـ عفوا التحرير ـ الأربعة الأولي للحكم علي النموذج العربي للمعارضة في العراق؟
غني عن البيان أن رائحة الطعام تنبئك عن طبيعته وأن البعر يدل علي البعير كما في التراث العربي، فملاجئ الجادرية ومغاوير الداخلية وفيالق بدر والبيشمركة والميليشيات المسلحة والجيش الوطني وقوات الشرطة وغيرها من الأسماء المتعددة كلها فرق أمنية تسهر علي إعادة الأمن للعراق لكنها تفشل في كل شيء باستثناء تصيد الشخصيات السياسية والدينية من العيار الثقيل أو إلحاق المدنيين بالرفيق الأعلي وهم علي أشد ما يحتاجون إلي حياة مضت كلها كوابيس وحروب لا هوادة فيها.
لقد صاغت التجربة العراقية تعاريف جديدة للديمقراطية، فهي بالإضافة إلي كونها حكم الأغلبية لا تنفي حق المظلوم في الاقتصاص لنفسه حتي وإن كان ذلك بالتفجيرات الإنتحارية وتدمير البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وتشكيل ألوية الموت ثأرا لأيام الاستبداد الغابرة.
العراق بلد الأساطير والمعجزات حتي، فعشتار ليس لها أن تهب الحياة إلا بعد موت الفينيق لتنبعث الحياة من الرماد، والأمن والرفاه في العراق ليس له أن يتأتي إلا بعد اجتثاث أعداء الأمن والحياة من البعثيين ومن والاهم من العراقيين.
دماء تسيل دون انقطاع ونواح بالليل والنهار في كل شبر من العراق، والساسة الجدد حماة الديمقراطية ودعاتها في المنطقة الخضراء من خلف سبعة أبواب يعدون من تبقي حيا من العراقيين بالرفاه ويبشرون الشرق الأوسط بالنموذج الموعود..
ليست المرة الأولي التي كبا فيها العراق ولا هي السابقة الأولي التي تكبو فيها الأمة بقيادته، فقد كبا وكبت ونهض ونهضت فهل نسترشد بما تنقله لنا عدسات الفضائيات العالمية وتقارير المنظمات الحقوقية عن بواكير الديمقراطية في الشرق الأوسط عن الموت الدامي في العراق أم نستقصي الخبر اليقين من الصناديق التي لا تكذب رغم كل محاولات الغش والخداع في الأراضي الفلسطينية وقبلها في مصر وقبلهم جميعا في الجزائر وفي كل الدول العربية التي خلت حكوماتها بين الشعوب وبين الاختيار الحر؟
في الصورة القاتمة إشراقات أمل واعدة رغم مؤشرات الحرب الأهلية التي أطلقها من عقالها تلكؤ التحالف ونواياه المتربصة ومراهنته منذ اللحظة الصفر علي اعتماد استراتيجية الطوائف وضرب بعضها ببعض من أجل إقامة عراق ديمقراطي، مما أحالنا علي مشاهد مفزعة لحرب أهلية لم تعد حديثا ولا مخاوف بل تكلمت مدافعها وتعالت أصوات أطرافها في الداخل والخارج لعل آخرها رفسنجاني الذي حمل السنة مسؤولية ما حدث بالمرقدين في سامراء، فقد نهض ذات يوم من شهر آب (أغسطس) من العام 2005 شعب موريتانيا في مغرب العرب ليطيح بما أسماه دكتاتورية العقدين المنصرمين ويؤسس لدستور جديد استهله بفتح أبواب السجون وإخلائها من قاطنيها أصحاب الرأي وأشركهم في حوار لم تكتمل مراحله بعد ولا ارتسمت معالمه بوضوح حتي. سبق فريق الإصلاح الموريتاني القادم إخوان لهم في الديمقراطية في المغرب الأقصي سارعوا إلي إعادة النظـــــر في ســــنوات الجمر وما خلفته من ضحايا ساعين بذلك إلي تعويضات مادية ونفسية يستحقها مشروع الإصلاح العربي المعاصر ويحتاجها المغاربة لرص صفوفهم. ثم جاءت انتخابات مصر والأراضي الفلسطينية لتنهي عقود القطيعة بين الحكم والإسلاميين إلي أن ظهر قانون العفو والمصالحة في الجزائر التي تأخرت كثيرا في إنجاز الديمقراطية التي سالت من أجلها أنهار من الدماء بعد أن أجهضت في الصناديق، ثم العفو في كل من تونس وليبــــيا. هل هــــذه كلها من بركات دماء العراق أم من كبوة جواد الديمقراطية في العراق؟
الثابت أن العالم في مطلع هذه الألفية يؤسس لنمط جديد من الصراع السياسي تراجعت فيه النزاعات القومية والخلافات الإيديولوجية لتطل حرب من نوع مختلف تنبأ بها علماء الاجتماع والمستقبليات وصناع القرار السياسي قبل ما يزيد عن عقد من الزمن وأسموها بصراع الثقافات. هو تحول ترجمته حروب الرموز الدينية ليس فقط تلك التي دشنتها صحيفة دنماركية وتبعتها في ذلك العديد من الصحف الأوروبية، بل حتي تلك التي أثارتها قنوات عربية في العراق وما أسفر عنه صراع الرموز منذ سقوط بغداد حتي يوم الناس هذا.
هو انتقال تحتل فيه أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة الأمريكية قلب الرحي من حيث أنها كانت علامة فارقة في التاريخ السياسي المعاصر بين مرحلتين مختلفتين شكلا ومضمونا. فقد سقطت دول وحكومات وتشكلت لها بدائل أقدمت علي صياغة دساتير جديدة وطبقت برامج متنوعة واضعة بذلك حجر الأساس لتجارب تزعم أنها تختلف عما كان عليه الأمر من قبل. لكن ما يبعث علي الشك والخوف أن كل تلك التحولات لا زالت تحمل ذات العقدة التي أوصلت العالم إلي هذا الاحتقان الذي يهدد بحرب كونية لا تبقي ولا تذر، وأعني بالعقدة الموقف من الدين الإسلامي كأحد أبرز مقوم للشعوب العربية والإسلامية إن لم يكن للبشرية جميعا. فإقصاء الإسلام من السياسات الدولية وسجنه في عالم الإنسانيات يشبه تماما إقصاء الإسلاميين من كل أنواع المشاركة في عقر أوطانهم.
إن التعاطي الغربي مع الإسلام عقيدة وممارسة المبني علي وصفات التنويريين من العرب والحداثيين الموالين للغرب والمتشبعين بثقافاته لا تنبئ عن فهم علمي ومتوازن للمجتمعات العربية والإسلامية، بل إن المثقف العربي بدا وكأنه عراب غير أمين بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية فأضر بالحوار وبالتالي أجهض المشروع كله فتأزمت أوضاع العالم كله تماما. وما زاد الطين بلة أن الوسيط وأعني به المثقف العربي الذي لا يؤمن بقدرة الإسلام علي المساهمة في الفعل الحضاري تجاهل عن عمد المعطي النفسي والاجتماعي الذي صاغ العقل العربي علي مدار التاريخ ولم يرقب المرجعية الفكرية لهذا الأخير فأسقطت القنابل والبرامج علي رأس متأزمة أصلا فاشتد البلاء وعمت الفوضي الهدامة حتي اكتسحت ساحة الشرق الأوسط برمته.
لقد أدرك العالم الغربي هذا الفهم وعليه عمد إلي إقناع المؤسسات السياسية بضرورة العمل علي إدماج الإسلام السياسي المعتدل ضمن الخارطة السياسية العربية والإسلامية والعالمية علي نحو تتحول معه أدوات الصراع من البندقية والمتفجرات إلي الطاولة ومائدة الحوار، وهو صراع أنفع وأصلح وأصوب كما تنبئ التجارب وتبين الأحداث.
لقد فشلت الدبابات الإستعمارية والسياسات العلمانية المدعومة بكل أجهزة الحكم وأدوات الاتصال القديم منها والحديث في تغيير عقائد الناس والنيل من قداستها ولم تفلح في إيجاد بديل تستريح له النفوس وتهنأ مثل الدين، لذلك جاءت صناديق الاقتراع صادقة غير مخادعة ولا مزيفة ببلاغات يعرف كتابها أنها لا تعدو كونها شطحات خيالية لكتاب صوامع ما بعد منتصف الليل.
بعض من العرب وأنصارهم من الغربيين يريدون ديمقراطية لا طعم لها ولا لون، لا تؤمن إلا بما يؤمن به التنويريون التقليديون ولا تري إلا ما يرون، ديمقراطية لا تقوم إلا علي أنقاض الدين، حتي لو كان هذا الدين آخر الأديان وخاتمها… ومثلما فعلوا مع المسيحية حين أخرجوها من الحياة العامة صاغرة ليسكنوها الكنائس والأديرة جاؤوا إلي الإسلام مرة باعتباره رمزا للرجعية والتخلف والبداوة وطورا باتهام نبيهم بالإرهاب كما زعم الرسام الدنماركي في الصحيفة سيئة الذكر.
ديمقراطيتنا العربية بدأت في التعود علي عدم الاستثناء واقتنعت بأن الاستئصال السياسي لا يدعم الديمقراطية ولا يحقق الرفاه ولا يدعم جهود التنمية المستقلة والمستديمة، لذلك راجعت نفسها في الحكم والمعارضة وبدأت تنحت مفاهيم جديدة للتسامي علي الخلافات والتأصيل للتعايش والتسامح بدل الثأر والتشفي. وفي قمة الخرطوم العربية التي ستنعقد علي مرمي حجر من حي المنشية ذائع الصيت الذي يسكن فيـــــه أحد أبرز الزعماء الإسلاميين المشاكسين علي الدوام د. حسن عبد الله الترابي خير دليل علي هذه المراجعة، وإن كان في هذه المراجعة بصمات ليد عمرو حتي.
(*) كاتب وإعلامي تونسي يعيش في بريطانيا
(المصدر: صحيفة “القدس العربي” الصادرة يوم 9 مارس 2006)