الاثنين، 4 سبتمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2296 du 04.09.2006

 archives : www.tunisnews.net


الرابطة المغاربية من أجل الديمقراطية: أسبوعية « المغاربي »   (Le Maghrebin)على شبكة الأنترنت الجزيرة.نت : أساتذة التعليم الثانوي بتونس يتوعدون بسنة دراسية ساخنة   كلمة: أضواء على الأنباء كلمة: أخبار العدالة أمّ زياد:  رسالة مفتوحة إلى 13 أوت محمد الدويري: خمسينية مجلة الأحوال الشخصية الهادي بريك: أفكارعامة في مستقبل الحركة الاسلامية في تونس الحلقة الاولـــــــى بوعبدالله: معارضة جامدة وسلطة متجمدة فأين الدفء[ج1] محمد العروسي الهاني: إحياء ذكرى إبعاد الزعيـم الرمز الحبيـب بورقيبـة ورفاقه إلـى الجنوب التونسي يوم 03 سبتمبر 1934 د.خـالد الطـراولي: لماذا يريد البعض إقناعنا بالهزيمة ؟ محمد المختار الجلالي: حذار .. فالحرب على لبنان وعلى العرب لم تنته عبد الرؤوف العيادي: المقاومة والطرح الاستراتيجي البديل حكم البابا: المعارضة العربية بعد السلطة للأبد القدس العربي : الجزائر تعلن تحييد 500 اسلامي مسلح في ظرف سنة وتلمح الي احتمال تمديد العمل بقانون العفو سويس إنفو: تقرير: ليبيا تدرس الانضمام لدوريات بحرية للاتحاد الاوروبي قدس برس : هل نسف القذافي الأب مبادرة الابن؟ الجزيرة.نت : وفاة عبد الله المطوع رئيس جمعية الإصلاح بالكويت تقـرير أولى لبعثة منظمات حقوق الإنسان العربية الى لبنان


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


 لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »  

حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:

 


الرابطة المغاربية من أجل الديمقراطية

أسبوعية « المغاربي »   (Le Maghrebin)على شبكة الأنترنت

 

يسعد « الرابطة المغاربية من أجل الديمقراطية » إعلان الصدور الرسمي لموقعها على الأنترنت www.amd-maghreb.org  ولأسبوعيتها الإخبارية والثقافية الإلكترونية: le  maghrébin والتي يمكن تصفحها على العنوان التالي: www.hebdo.amd-maghreb.org  ابتداء من تاريخ: 04/09/2006.

 

إن أسبوعية « le maghrébin » تعتبر أول جريدة آراء وأخبار بقلم مناضلين، وجامعيين، وصحفيين ينتمون إلى بلدان المغرب الكبير الخمسة ومنتمين إلى مختلف التيارات السياسية لبلدانهم ومن مختلف الأعمار والثقافات المغاربية. إنهم بالضبط وكما يصرح البيان التأسيسي للرابطة -انظر الموقع- ملتزمون ببناء فضاء مغاربي موحد، ديمقراطي وحداثي.

 

وتفيد الرابطة علماً إلى كل الأصدقاء الذين حاولوا الاتصال ببعض الأعضاء المؤسسين للرابطة لسؤالهم عن كيفية الانخراط فيها إلى أنه بإمكانهم إجراء الطلب الأولي للانخراط في الرابطة عبر موقعها الإلكتروني بالنقر على: adhésion.

 

لقد سجلت الرابطة، وفي ظرف وجيز انضمام شخصيات مرموقة ومناضلين مغاربيين من بينهم: من المغرب: أحمد علام الحليمي، وزير سابق بحكومة اليوسفي، خليل بوسته، نائب برلماني وعضو المكتب التنفيذي لحزب الاستقلال؛ من تونس: محمد حرمل، الكاتب الأول لحزب التجديد، جورج عدا، مناضل تاريخي من أجل الديمقراطية، سلوى بن يوسف الشرفي، أستاذة جامعية، كاتبة وصحفية، نجاة ميلاد، ناشرة؛ من الجزائر: محمد بن شيكو، مدير جريدة « لو ماتان »، نصر الدين بن حديد، كاتب وصحفي. ويمكنكم الاطلاع على لائحة المنخرطين على موقع الرابطة

بالأنترنت، وهي تخضع لتحديث دائم ومستمر بعد كل انخراط جديد.

 

مواد النشرة الأولى لأسبوعية « Le maghrébin » الصادرة بتاريخ 04/09/2006  هي التالية:

علمنا: أخبار سرية

الرئيسية: حول « القوة الشمال إفريقية من أجل السلام والاستقرار »

سياسة

الجزائر: هل الجزائر بحاجة إلى مراجعة دستورها؟

ليبيا: القذافي الأب والإبن، حالة خلاف أم تواطؤ وتلاؤم؟

المغرب: سياسة الدولة تولد الإرهاب

موريتانيا: هل هي نهاية النفق المظلم؟

تونس: أسباب إزاحة السيد محمد علي غنزاوي

المغرب العربي

الحركات الإسلامية المغاربية بقلم د. خالد شوكات

من وحي قانون ساركوزي للهجرة، بقلم أسماء الشرايبـي

حرب لبنان

وللحرب أيضاً فوائدها السبعة، بقلم د. سلوى بن يوسف الشرفي

حرب لبنان تعيد للشارع العربي ثقته وصواه التي فقدها، بقلم نصر الدين بن حديد

آراء ونقاشات

العلاقة المتبادلة ما بين الأمني والديمقراطي هي جوهر مشاكلنا، بقلم مولود حمروش، وزير جزائري سابق.

قرأنا:

ليستير براون، بابا علم البيئة العلمية: أزمة غذائية خطيرة تهدد العالم

 

 كما يسرنا  نشر البيان التأسيسي للرابطة باللغة العربية مع  قائمة الأعضاء المؤسسين الجديدة

 

عن المكتب التنفيذي

الكاتب العام

عبد الصمد الفيلالي


أساتذة التعليم الثانوي بتونس يتوعدون بسنة دراسية ساخنة

  

لطفي حجي (*) – تونس توعدت النقابة العامة للتعليم الثانوي في تونس بأن تكون السنة الدراسية المقبلة سنة ساخنة إذا لم تستجب وزارة التربية لمطالبهم. وقال الأمين العام للنقابة العامة للتعليم الثانوي الشاذلي قاري في مؤتمر صحفي عقده في تونس، إن وزارة التربية تعاملت مع مطالب الأساتذة -وبالخصوص في مسألة النقل السنوي- بشكل لم يحدث من قبل في تاريخ التعامل مع النقابة. وأضاف قاري أن الوزارة تتصرف وكأنها في بلد ليس فيه نقابات، وتريد أن تبقي الوضع متوترا في الوقت الذي يريد النقابيون أن يجعلوا من العودة المدرسية عرسا حقيقيا. اتهامات ومؤاخذات وتتهم نقابة التعليم الثانوي وزارة التربية بتغييب الأساتذة في وضع المقررات الدراسية التي سيبدأ تنفيذها خلال هذه السنة الجديدة، وبعدم استشارتهم في حركة نقل الأساتذة السنوية التي تعودت النقابة أن تبدي فيها رأيها خاصة فيما يتعلق بما بات يعرف بالأسباب الإنسانية. وتعيب نقابة الثانوي على وزارة التربية إدراجها في امتحانات مادة الفرنسية في الباكالوريا في شهر يونيو/حزيران الماضي نصا لكاتب تقول النقابة إنه من كبار الصهاينة. وقد طالبت النقابة بفتح تحقيق في الأمر لمعرفة الدوافع والمتسبب في ذلك حتى لا تتكرر المسألة، إلا أن الوزارة لم تستجب لها حسب ما صرحت به قيادات النقابة. وفي تصعيد واضح بخصوص هذه المسألة قال الشاذلي قاري إن السكوت عن تلك القضايا « يعد إجراما لا يمكن أن تشارك فيه النقابة التي تعتبر مبرر وجودها الدفاع عن قضايا أمتنا وشعبنا وعدم السماح بتسرب قضايا معادية لها ». تجمعات احتجاجية وفي خطوة لدفع الوزارة إلى الالتفات لمطالب الأساتذة قبل أسبوعين من افتتاح السنة الدراسية، دعت نقابة التعليم الثانوي أعضاءها إلى تجمعات احتجاجية أمام وزارة التربية بالعاصمة وأمام إدارات التعليم بالمحافظات خلال الأيام القادمة. وكان أساتذة التعليم الثانوي أضربوا خلال السنة الماضية ثلاث مرات للمطالبة بتحسين أوضاعهم المالية والمهنية وتعديل قانونهم الأساسي، إلا أن العديد من المطالب بقيت عالقة مما زاد في توتير العلاقة بينهم وبين الوزارة الوصية. ونفى الأمين العام لنقابة التعليم الثانوي ما تروجه وزارة التربية من أن مطالب الأساتذة مسيسة ولا تتماشى مع طبيعة العمل النقابي، مبرزا أن المطالب أجمعت عليها الهياكل النقابية وأن الوزارة عندما ترفض الاستجابة للمطالب المشروعة تنعتها بالتسيس أو التطرف أو عدم الاستجابة للواقع الاقتصادي للبلاد. (*) مراسل الجزيرة نت (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 3 سبتمبر 2006)


 

أضواء على الأنباء

إضاءة أمّ زياد

حسن نصر الله

لم أسخر في أحد مقالاتي السابقة من السيد حسن نصر الله بل سمّيته « الفتى الملتحي المعمم بالسواد » وذلك على لسان الحكام العرب الذين أحرجهم وتحرجهم شجاعته وهم جبناء وشعبيته وهم مكرهون. حسن نصر الله إمام شيعي وقائد للمقاومة اللبنانية وهو لم يخض حربه الأخيرة مع آلة الإجرام الصهيونية ى من أجل فرض سلطة آل البيت ولا للإقناع بشفاعتهم في الآخرة ولا لإثبات عصمة الإمام الشيعي وحتمية ظهور المهدي المنتظر ليسود الأرض ويملأها عدلا إلى غير ذلك من التعاليم الشيعية… بل خاض هذه الحرب من أجل بلده لبنان المستهدف دوما من قبل الجار الصهيوني البغيض. وربما يكون حسن نصر الله قد خاض هذه الحرب أيضا لنصرة الفلسطينيين وتخفيف وطأة العدوان الصهيوني عنهم بعد أن حوصروا اقتصاديا وسياسيا وأعملت فيهم آلة الحرب الإجرامية أمام العالم الذي وقف متفرجا ن لم يكن محرضا ومتشفيا. وبهذه المعاني يمكن أن يكبر السيد حسن نصر الله في أعين أهل الحق وأنصار العدل بقطع النظر عن انتمائهم الإسلامي الشيعي وانتماءاتهم العلمانية أو الفكر السياسي اليساري… أو ما شئنا من المسميات. ثمة ظروف واقع على الأرض ينبغي أن يهدأ فيها الخلاف ولا أقول يموت. ومواجهة حزب الله للعدوان الإسرائيلي واحد من هذه الظروف، فتحية تقدير من شخصي المتواضع إلى أبطال المقاومة في لبنان وإلى قائدهم… ولن أزيد على ذلك فأنا لا أجيد المدح. ولا أجيده كثيرا.

ألا من أحد يُسكت هذا الفتى ؟!

ما إن سكت في لبنان دوي المدافع والصواريخ حتى قام في دمشق هدير وارث عرشها. بشار الأسد يخطب في محفل « للإعلاميّين » فيشيد بالمقاومة اللبنانية ويتغنّى بانتصارها ويشجب المتخاذلين وأنصاف الرجال وأنصاف المواقف. ثم يدلي بشار الأسد للإعلام بأحاديث يشرح فيها خطابه الناري المذكور سابقا. ليس ما يصدم في خطاب الأسد تحامله على الحكام العرب فهم يستأهلون التحامل وبمن فيهم المتحامل نفسه. وليس ما يصدم في كلام الأسد إشادته بنصر لم يصنعه بيديه، فالعرب عائلة واحدة ولأفرادها أن يفخروا بإنجازات الأفراد الآخرين عملا بالمثل العربي القائل « أبي يغزو وأمّي تحدّث ». ولكن ما يصدم في كلام بشار الأسد في خطابه المذكور وفي مقابلاته التلفزية هو تصريحات من نوع أنّه لن يستجيب لأيّ مطلب داخلي تحت الضغط (يقصد الإصلاح السياسي وإطلاق سراح المساجين السياسيين وإطلاق الحريات) ومن نوع أنّ كل تدخل أجنبي لفائدة معارض سوري (مبتلى بقمع النظام) يعتبره بشار الأسد دليلا على خيانة هذا المعارض يستوجب معاملته بما يعامل به الخونة. في غير الظرف السوري الحالي كان يمكن ألاّ نلقي بالا لهذا التصلّب والصلف المألوفين لدى الحكام العرب. ولكن في هذا الظرف السوري الحالي الذي تمارس فيه الضغوط الأمريكية على سورية يبدو كلام الأسد محزنا حقا، ففي الوقت الذي تحتاج فيه سورية جميع أبنائها محررين طلقاء ليلتفّوا حول دولتهم ويحصّنوها ضدّ الاستكبار الأمريكي، يتكلّم رئيس هذه الدولة ليتوعّد أحرار شعبه بدوام القيد وليرميهم بالخيانة وكأنّه يجهل أنّه كان بوسعه أن يفكّ قيود شعبه بلا ضغوط ولا وساطات من أيّ كان. لقد أضاع بشار الأسد فرصة ثمينة يجرّب فيها فضيلة الصمت…

الموقف التونسي « النموذجي »

يكثر التبجح في هذه الأيّام بالموقف التونسي « النموذجي » من حرب إسرائيل على لبنان. لننظر في هذا الموقف قليلا: قلق وانشغال (كالعادة) وأسف لموت الضحايا المدنيّين (حتى إسرائيل تأسّفت لموت الضحايا المدنيّين) وإعلان الحداد الرسمي (النظام يسمح بالحزن ولا يسمح بالتظاهر للتعبير عن الغضب ويضرب الغاضبين الذين حاولوا التظاهر) تحكيم الشرعية الدولية (المشلولة والممنوعة أمريكيا من القيام بوظيفتها) دعوة لاسترجاع الدولة « سيادتها » على لبنان (أي إلغاء المقاومة، وهذا ما ينادي به بوش) إذن بجمع التبرعات (وقد جعل لها النظام حسابا في بنك يحمل رقم 3535 ومجموع أرقامه يساوي سبعة بمفهوم التنجيم بالأعداد وهو الرقم الذي يتفاءل به بن علي واختاره لصندوق 2626) إرسال معونات للشعب اللبناني (طائرة متلفزة بحضور سفير لبنان حتى يشكر السيد الرئيس) أمّا الدم المجموع فكلّ التقدير لمن تبرعوا به ولكنّي أنصح الإخوة اللبنانيين بأن يتريّثوا في استعمال هذا الدم (إن وصلهم) وأن يتركوه يصفو ويرتاح قبل حقنه للجرحى والمرضى. فالدم التونسي محروق من « الدُّمّار » وليس اللبنانيّون بحاجة إلى إضافة « الدُّمّار » إلى الدَّمار ». موقف النظام التونسي موقف رخو وباهت ولا طعم له ولا لون، إنّه مجرد هروب من مضاعفات ممكنة للأزمة اللبنانية في تونس… طبعا مع التوظيف الدعائي المألوف لكلّ شاردة وواردة.

إنّ الموقف التونسي الرسمي بعيد عن المواقف الواضحة والشجاعة في هذا الاتجاه أو ذاك (موقف مبارك وموقف شافيز) ولهذا فهو لم يحظ بأيّ اهتمام إعلامي… إلآّ في إعلامنا الدعائي المأجور.
لو كان بورقيبة رئيسا لتونس لكان له من هذه الحرب موقف لايمكن أن يمرّ دون أن يسترعي الانتباه. وذلك هو جوهر الفرق بين دكتاتورية بورقيبة القائمة على أفكار وتصوّرات للحكم وتسلّط بن علي القائم على الحكم بلا أفكار ولا تصوّرات.

زواج يعطّل « تونس نيوز »

أعلنت وكالة « تونس نيوز » عن خبر زواج سهى عرفات أرملة الرئيس الفلسطيني الراحل من أحد أصهار الرئيس التونسي وقالت إنّها استقت الخبر من مصدر جدير بالثقة امتنعت عن البوح بهويته عملا بالحق المكفول للصحافة في حجب مصادرها. سهى عرفات نفت الخبر وتوعّدت بمقاضاة ناشريه. وبوليس الانترنت في تونس عاقب « تونس نيوز » بلا مقاضاة وعطّله، وهذا ما لم يحدث في أوج نشاط الموقع والتهابه بخطاب نقدي قوي للنظام التونسي: فهل يكون خبر الزواج هذا أهمّ عند النظام التونسي وأكثر حساسية من الهجوم عليه والطعن في شرعيته والمطالبة برحيله ؟ إنّ أخبار غرام وزواج أهل السلطة والقريبين منها تسترعي دائما اهتمام الصحافة. ولكنّ موقع تونس نيوز ليس من تلك الصحافة الولوعة بنقل غراميات المشاهير. وإذا كان نقل خبر هذا الزواج فلأنّه يطرح رهانات سياسية ومالية ضخمة تهم تونس وفلسطين. فالعروس في هذا الزواج هي أرملة وجه تاريخي كبير في الصراع الفلسطيني مع إسرائيل. وهي تحتجز- فيما يقال وقد سمعناه في وسائل الإعلام واسعة الانتشار- ثروة مالية ضخمة من مقدرات الشعب الفلسطيني الذي يتضوّر جوعا في هذه الأيّام وتحت الحصار المضروب عليه ماليّا وسياسيّا وعسكريّا. أمّا العريس فهو قريب جدّا من قصر رئيس يزعم دائما أنّه من أكبر أنصار القضيّة الفلسطينيّة ويقول إنّها قضيّته الشخصيّة. وهو إلى ذلك_ أي العريس_ ممّن تستجيب لهم الثروة بسرعة وتحبّهم لأنّهم يحبّونها. لهذه الاعتبارات يجد قارئ تونس نيوز نفسه ميالا لتصديق هذا الخبر، والأسف له (لا من أجل الزواج المباح لكلّ أحد بل للشقّين المالي والسياسي لهذا الزواج). ردّ فعل النظام لا يخلو هو الآخر من إثارة الريبة والتأشير على إمكانية صحّة الخبر. وهذا الخبر لا يخاف النظام تبعاته في تونس التي علّمها أن تقبل بكلّ شيء حتى بالأسوأ وأسوأ الأسوأ بل يخاف تبعاته عربيا وخاصة فلسطينيا، فالرئيس الذي جعل من القضية الفلسطينية قضيته الشخصية لا يجوز أن يعرف الناس والفلسطينيّون تحديدا أنّه يضمّ إلى عائلته من اتخذت من المال العام الفلسطيني ثروة شخصية. في الوقت الراهن وحتى إذا كان زواج سهى عرفات من صهر بن علي قد وقع بالفعل فإنه من شبه المستحيل التدليل على وقوعه فإدارتنا ومؤسساتنا تتقن الصمم والخرس عن كلّ ما يتعلّق بحياة القصر والمحيطين به. ولكن ما هو غير مستحيل بل ممكن جدا وقريب الحدوث هو استرجاع تونس نيوز لموقعها ولنشاطها العادي حتى تعلمنا بأشياء كثيرة منها أسباب كثرة تردد محمود عبّاس على تونس في هذه الأيّام بالذات. كلّ تضامني مع « تونس نيوز » ومطلق مساندتي لها. والعاقبة لها في الأفراح والمسرّات. مباشر تعرفون بلا ريب أنّ السلطة التونسية لا تخاطب معارضيها أبدا بصفة مباشرة فهي ترسل البوليس « ليحاورهم » في الداخل وترسل « خبراء الاتصال » لديها « ليتناقشوا » معهم في الخارج… أمّا التنصت على هواتف المعارضين فهو حيّ ومباشر إلى درجة أنّ المتنصّت يتدخل أحيانا لقطع مكالماتنا أو لإرسال إشارات صوتية دالّة على وجوده… ربما ليتسلّى ومعه حق فهذه المهمّة تغدو مقلقة بمرور الزمن إلى جانب كونها قذرة في كلّ الأزمان.

الجديد الذي علمناه في المدة الأخيرة هو أنّ التنصّت على المعارضين ليس مركزيا فقط بل يمكن أن يكون لامركزيا عند الاقتضاء بحيث تمتدّ خيوطه من قاعة العمليات المركزية إلى متنصّتين ميدانيّين يباشرون مهمّة بعينها.
لقد اكتشفت هذا يوم تمّت محاصرة الصحافي الشاب توفيق العياشي مراسل قناة الحوار وهو بمعيّة سليم بوخذير في طريقهما إلى بيت محمد عبّو لإجراء حوار مع زوجته. من عادتي في مثل هذه الظروف أن أتابع المتعرضين إلى القمع البوليسي بالهاتف لأعرف أين هم وأطمئنّ عليهم ولأحسّس البوليس المتنصّت بأنّهم ليسوا وحدهم.
 
في ذلك اليوم لاحقت كالعادة توفيق وسليم بمكالماتي الهاتفية. وعند مكالمتي لتوفيق سمعت البوليس الذي حمله إلى المترو قسرا وأبى إلاّ « تشييعه » بعيدا وهو يقول له « علّق يهديك ربّي » وفيما بعد ولمّا هاتفني توفيق بعد وصوله إلى بيته سألته عن هذه الجزئية بالذات وعمّا ضايق عون البوليس في مكالمتي له فأخبرني أنّ البوليس قال له « إنّ « عَرْفي » يتنصّت على مكالمتك هذه وهو يأمرك بأن تقطعها ».
إذا كان الغريب والمحزن هو أن يُضرب هذا الحصار المقيت والشرس على بلاد مسالمة وعلى معارضين عزّل فإنّ الأشدّ غرابة والأبعث على الحزن هو أن يجد النظام في المجتمع التونسي المحاصر كل هذا القدر من الأعوان القابلين بالمهمّات الذليلة المذلّة المستهلكين لأطنان من الخبز دون أن يجوعوا لقيراط واحد من الكرامة.

لكلّ ما تدرّب عليه

يوم 22 أوت الجاري وفي وسط مدينة بنزرت قتل منحرفان فتاة في مقتبل العمر تحصّلت لتوّها على شهادة الباكالوريا وذلك بعد عجزهما عن اختطاف هاتفها الجوّال. المجرمان ما يزالا بحالة فرار إلى حدّ كتابة هذه السطور، ولم يعرف بعد شيء عن هويتهما. إنّها جريمة من الجرائم الكثيرة المتكاثرة التي يتزايد وقوع شبابنا في خندقها. وهذا الحادث قد لا يتطلّب منّا اهتماما خاصّا إذا قرأناه على صفحات الجرائد. ولكن إذا تمّ اقتراف هذه الجريمة ولوذ مرتكبيها بالفرار في قلب مدينة بنزرت فإنّه لا يمكننا إلاّ أن نتذكّر أنّ بوليس هذه المدينة من أنشط البوليس التونسي ولكن في ملاحقة النشطاء والقبض على الشبّان الأبرياء وقودهم إلى محكمة مقاومة « الإرهاب » وخاصة في التضييق على المناضل الكبير عم علي بن سالم. إنّها مسألة تخصص وتدريب لاغير، والبوليس التونسي يُدرّب على تقويض أمن المواطنين أكثر ممّا يدرّب على حفظ أمنهم. (المصدر: مجلة « كلمة » الألكترونية، العدد 45 بتاريخ 3 سبتمبر 2006)


أخبار العدالة
 
عبد الرؤوف العيادي النيابة العمومية تحضر.. أحد مساعدي وكيل الجمهورية الذي ملأت شكاوانا درج مكتبه ضد اعتداءات البوليس السياسي وبعض الصحفيين هاتكي الأعراض دون أن تلقى الواحدة منها أيّ مآل يفضي إلى تطبيق القانون رأيته وهو يشرف على تفتيش محفظات أعضاء مجلس هيئة المحامين من طرف أعوان البوليس السياسي الذي كان يبحث عن كاميرا تم بواسطتها تصوير مشاهد الاعتداء البوليسي على المحامين، وهو أمر إضافة إلى عدم لياقته يؤكد التجاوزات التي يقوم بها أعضاء النيابة العمومية. فمتى كان التفتيش يجري دون قرار كتابي ودون فتح محضر رسمي فيه. .. وتغيب إحدى الزميلات التي حضرت حادثة اقتحام مكتب السيد عميد الهيئة الوطنية للمحامين يوم 23 ماي 2006 من طرف أعوان البوليس السياسي خاطبتهم: كيف تقومون بخلع مكتب العميد دون إذن قضائي ؟ أجابها أحدهم هاهي النيابة كلّها معنا مشيرا إلى نائب وكيل الجمهورية الذي كان حاضرا بينهم وهو الذي رفض طلب أحد أعضاء الهيئة الذي توجّه إليه يوم 8 ماي 2006 لمعاينة الاعتداءات التي طالت الزميلين العياشي الهمامي وعبد الرزاق الكيلاني اللذان كانا ملقيين على الأرض في حالة إغماء. جمعية القضاة في الشتات السيد أحمد الرحموني الرئيس الشرعي لجمعية القضاة التونسيّين تمّت نقلته إلى محكمة المهدية الابتدائية في إطار حركة النقلة وهو قرار استكملت به السلطة إجراء تشتيت أعضاء المكتب التنفيذي الشرعي الذين طالبوا باستقلال الجمعية. خزائن بن علي بابا رأيته، ذلك المضطهد « السابق » وقد بدت عليه مظاهر النعمة في كسوته ومركوبه، وحامل تبرير ما فعل أو ما قبل من اعتذار عمّا سبق أن صدر منه من أعمال مناوئة والتصريح بأنّه من زمرة « معا مع… » وهكذا فتحت له حنفية المال العام ليروي ظمأه. ومَن عجز عن الأكل من جيبه الخاص فعليه بالمسالك المفضية إلى المال العام الذي تنال نصيبك منه دون تعب أو نصب فهو في صناديق سوداء في كهف ظالم يسكنه بن علي بابا. (المصدر: مجلة « كلمة » الألكترونية، العدد 45 بتاريخ 3 سبتمبر 2006)  


رسالة مفتوحة إلى 13 أوت

الباعثة أمّ زياد

يا 13 أوت 1956 أيّها الفتى الميمون، حيّاك الله وسقى الغيث يومك الذي كان فيه ميلاد المجلّة.
لئن قيل إنّك حرّرتنا قبل الأوان فإنّ ما يمكن أن يقال أيضا هو أنّك حررتنا قبل فوات الأوان. إذ تصوّر يا حبيبي لو أنّ ميلاد مجلتك تأخر إلى ما بعد ظهور الجماعات التي تكفّر المجتمع وتزعم أنّ الأمّة لا تقوى إلاّ بأكل لحم نسائها !! ثم تخيّل أيها الناجي المنجي، على سبيل المثال لا أكثر، أنّ التطور الحتمي أدركنا بلا مجلّتك العزيزة وأنّه عنّ لبعض رجال الله الصالحين_ وأعترف بأنّ الصورة كاريكاتورية_ أن يجمع في بيته التعدّدي بين دجاجة نقّارة من اتحاد النسوة الرسمي وإحدى النسويات الراديكاليات اللاتي لا تعرفن « العَرْبية » وأخت متطرفة من المنقبات وذلك دون أن يهديه الله إلى التربيع بامرأة عاقلة مثل أم زياد على الأقلّ لتنزع الفتائل وتطفئ الحرائق… تصوّر ذلك يا 13 أوت 1956 وأحمد الله على أنّك ولدت ولم تجهض أو تولد بعملية قيصرية دامية. ولن يضيرك إلاّ قليلا أيّها المحرر أنّك ولدت على يدي دكتاتور. فسبحان من يخرج الحي من الميت.
يا 13 أوت 1988، أيّها التاريخ المختطف، لا مرحبا بك ولا أهلا ولا سهلا. لقد سوّيت بيننا في العبودية نساء ورجالا، وقد أغارَ عليك صانع التغيير فاتخذ منك غطاء متحضرا لحكم متخلف… أمّا أبوك المجاهد الأكبر فقد كان سيبوء بالخسران ويسقى كأس النسيان التي أُشرِبها غيره لولا نزاهة وإنصاف الناس الشرفاء الذين كان يقمعهم دون أن يتخيّل لحظة أنّهم سيكونون اللسان المدافع عن ذكراه.
يا 13 أوت 2006، أيّها الخمسيني الذي باء بالعقوق بعد نصف قرن من التغنّي بالحقوق، بئس الحال حالك أيّها التعيس الذي أبلاه الاستبداد وشوّهه التلبيس !
– فيك تضطهد الحرائر وتهان الكريمات وترفع الأسافل وتسود القهرمانات وينكّس قلم الحبر أعلامه ويسقط بالضربة القاضية أمام قلم الشفاه.
– بأيّ وجه ستقابل أيّها القاسي دموع أمّهات وزوجات وبنات السجين السياسي؟ وأين ستهرب أيّها البائس من دموع الباكيات من الاستغلال وسوء الحال بعد أن وعدتهنّ بجنّة تاء التأنيث؟ هل في وجهك قطرة واحدة من ماء الحياء لتقف أمام نور الهدى عبّو وسائر أطفال المناضلين المضطهدين الذين كبروا قبل الأوان جرّاء ما يفعله بهم المحتفل بك اليوم في تعارض نائح ومخجل مع فصول مجلّتك المزعومة حمايتها للأسرة ؟
ثم قل لي أيّها العييّ : أين ستجد الحجج لتدافع عن نفسك أمام راضية النصراوي وسهام بن سدرين وسعيدة العكرمي وسائر حرائر تونس عندما ينشرن أمامك صحائف ما تعرضن ويتعرضن إليه من إهانات على أيدي العضاريط الذين يطلقهم خاطفك وراءهنّ كما تطلق الكلاب المسعورة ؟ حاول النطق أيّها العييّ وقل بماذا يمكن أن تجيب من يسألك : لماذا تهان في تونس أفضل بناتك بينما يُحتفل فيها بسقط المتاع والدمى المتحرّكة منهنّ ؟
وقُل أيضا- أيّها الحكم المعزول : أيّ المحامين سيقدر على الدفاع عنك أمام محكمة القاضيات الفضليات وسيلة الكعبي وليلى بحرية وكلثوم كنّو لمّا ينشرن أمامك أوراق قضيّة نقلهنّ التعسّفي ويُثبتن لك بالدليل القاطع ما كان وراء ذلك النقل من نيّة تشتيت شمول أسرهنّ عقابا لهنّ على وقفة صدق وشرف أردنها من أجل استقلال القضاء واسترجاعه هيبته ؟
والفنّانات… عندي لك فيهنّ سؤال واحد يُغني عمّا تبقّى : كم من الأبواب توصد في وجه العظيمة جليلة بكّار ومثيلاتها، وكم من الأبواب تفتح على مصراعيها لناقصات الثقافة والموهبة قليلات الأفكار كثيرات التصفيق للطاغية ؟
يا 13 أوت، يا أبا المفارقات والتناقضات الذي جاء يبشّر بالنعمة فحمل معها النقمة… لست أدّعي عليك بالباطل فأنا من بناتك ولكنّي أقول الحق حتى ولو كان عليك وعلى نفسي. وهذه بعض الأدلّة على ما أقول:
لقد حرّرت المرأة من قيد الأب القاسي والأخ المتسلّط والزوج الظالم والمجتمع الذكوري عموما… وإلى حدّما. ومع ذلك ظلّ القيد بل صار قيودا لا تكبّل المرأة وحدها بل تكبّل البلاد بأسْرها مؤكّدة ألاّ حرية لفئة مادام المجتمع مغلولا. فمجلتك « الحداثية الرائدة » صارت في خطاب الغرب العنصري المنافق ذريعة لمساندة الاستبداد، بل إنّ المرأة ذاتها صارت هي العصا التي يضرب بها النظام الأحرار ليضمن إفلاته من المساءلة في الداخل وخاصة في الخارج… أو لم يُضرب محمد عبّو بزميلة له قبلت بأن تكون أداة للمظلمة التي ارتكبها النظام في حقّه ؟
وقضيّة المرأة تحوّلت داخليا إلى سهم في سوق المضاربات السياسية ومطيّة لطلاّب النضالات السهلة ومهربا لهم من الملفّات الساخنة ذات الأولوية مثل الاستبداد والفساد والنهب الممنهج الذي تتعرض إليه البلاد برجالها ونسائها.
أمّا مفارقتك الكبرى التي يُعيي فهمها فهي مذهبك الأخرق في التعامل مع لحم بناتك. فهذه لها أن تعرّي ثلاثة أرباع لحمها أو حتى أكثر دون أن يكون عليها من ذلك بأس والأخرى تمنع من ارتداء الحجاب بمراسيم خرقاء تتعارض مع جميع الأعراف والقوانين، وإذا ارتدته وجدت في طريقها « شياطين مسلّطة » كما يقول المعرّي يقطعون عنها الرزق والدراسة وتستبيح أياديهم الآثمة حرمتها الجسدية، وإن هي استنجدت وصرخت « واحرمتاه… واكرامتاه » فإنّها لا تجد إلاّ آذانا صمّاء من « حماة الحرية » هذا إن لم تجد تحريضا عليها وإهدارا لشرفها. والأدهى من ذلك أنّ المسكينة لا تجد صدرا حنونا حتى عند أخواتها ذلك أنّك يا 13 أوت…
أيّها الأب الفاشل عجزت حتى عن تعليم بناتك التضامن فيما بينهنّ واحترامهنّ لحرية بعضهنّ.
يا 13 أوت… ما أنت إلاّ تاريخ من تواريخ تونس الناصعة التي خطفها تاريخ 7 نوفمبر عملا بقاعدة « اللَّصْ ياكل الكلّ » المتّبعة في لعبة الورق المشهورة. ولهذا فإنّ عيدك ليس إلاّ عيد ليلى وأخواتها. وسيظلّ الأمر كذلك ما دمت يا 13 أوت تصرخ في واد مقفر وتبشّر بحرية داخل الاستبداد ومادام خاطفك يصادر إنجازاتك ولا يعترف بالمرأة إلاّ متى قبلت بأن تكون جارية في حريمه السياسي… وليته كان سياسيّا بحقّ.
لقد استقبلت سامية، زوجة السجين السياسي محمد عبّو، ذكراك الخمسين بشنّ إضراب عن الطعام معلنة بصومها ذاك أنّ العيد ما يزال بعيدا عن امرأة لن يعوّضها منع تعدد الزوجات عن زوجها المغيّب في سجن ظالم ولن تشغلها معارك المساواة بين الأبناء والبنات عن آلام صغارها لحرمانهم من أبيهم… وخاصة البنت نور الهدى وهي نور عين أبيها وأحبّ أطفاله إليه.
وقد هممتُ يا 13 أوت بأن أحذو حذو سامية عبّو بل بأن ألغيك تماما من الرزنامة ولكن الذي شفع لك عندي هو جمهور العاملات والمدرسات والمحاميات والقاضيات والطبيبات والقابلات والممرضات والموظفات (برغم حكاية صبغ الأظافر وتقشير الجلبانة في المكاتب) اللاتي يغرقن في عرق العمل ويكددن الجسم والروح في التوفيق بين العمل والأسرة مقيمات الدليل على أنّ تحرير المرأة التونسية لم يذهب سدى.
في الختام لي عندك طلب يا 13 أوت، وهو أن تقول لأنصارك وأعدائك في المعارضة أن يرفعوا عنّا أيديهم ويبحثوا لهم عن قضايا أخرى يتخاصمون فيها ويتبارزون في ميدانها… مثل… قضيّة وقوع بلد عمره الحضاري 3 آلاف سنة يقع في قبضة عصابات تنهبه وتروّع أهله.
وإلى عيد آخر حقيقي يا 13 أوت. (المصدر: مجلة « كلمة » الألكترونية، العدد 45 بتاريخ 3 سبتمبر 2006)


خمسينية مجلة الأحوال الشخصية

محمد الدويري اتخذت الاحتفالات بخمسينية مجلة الأحوال الشخصية طابعا عاديا لا يعدّ في مستوى المكسب التاريخي والحضاري الذي تمثله هذه المجلة التي أحدثت منعرجا حاسما في حياة التونسيين رجالا ونساء. فالتركيز في هذه الاحتفالية كان على ما تحقق في مجلة الأحوال الشخصية في « عهد التغيير » ولذلك قلنا طابعا عاديا، فالتغيير ألغى كل الحقب التاريخية السابقة له وكأنّ تاريخ تونس لم يبدأ إلاّ يوم 7 نوفمبر 1987. الإيهام بالتاريخ سواء في خطب رئيس الدولة أو غيره من صغار المسؤولين، فإنّ التاريخ لا يحضر إلاّ من خلال التذكير ببعض الأسماء كابن أبي الضياف وخير الدين والطاهر الحداد وأبو القاسم الشابي. والتذكير بهم يكون عادة عرضيّا لمحاولة إيهام السامعين/ الطائعين سواء من الموالين أو الرافضين بأنّ دولة العهد الجديد لم تلغ التاريخ السابق لـ7 نوفمبر. التضليل التاريخي وبالطبع يكاد تاريخ تونس ينحصر في بعض الأسماء، فعلى جلالة من تقدم ذكرهم جميعا فإنّ هؤلاء لا يشكّلون تاريخ تونس بل هم من رضي عنهم النظام. وهناك رجالات أخرى تستحقّ الذكر ولا تذكر. وسواء أحببنا أم كرهنا فمجلة الأحوال الشخصية هي من إنجازات العهد البورقيبي. وهي ثورة داخل الذهنية التونسية وثورة على المجتمع التقليدي ومكسب حداثي وحضاري. فتعليم البنت وتقييد الطلاق في المحاكم ومنع تعدد الزوجات ومهر المرأة عند الزواج والغرامة التي تتلقاها في حالة الطلاق والجراية بعد الطلاق، كلّها مكاسب جاء بها العهد البورقيبي ولكنّ الخطاب الرسمي لا يذكر سوى أمرين:
– المحافظة على مجلة الأحوال الشخصية وعدم التراجع فيها. – الشراكة في الملكية بين الزوجين. أمّا النقطة الأولى، فهي ليست من كرامات العهد الجديد إذ لا يمكن أن يتراجع العهد الجديد أو العهد القادم في هذا المكسب فهو مطلب المجتمع المدني والنخب الفكرية وأيّ محاولة للتراجع فيها أو عنها هو ضرب بمبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان، فليس مزيّة أن يحافظ العهد الجديد كما يتشدّق صغار المسؤولين بتكرار أنّ العهد الجديد قد حافظ على مجلة الأحوال الشخصية. أمّا النقطة الثانية فالكلّ يعلم أنّ بورقيبة قد حاول تطبيق قانون الشراكة ولو امتدّ الحكم البورقيبي سنوات أخرى لتحقق لأنّ سيرورة المجتمع تقتضي ذلك. تبقى مسألة أخيرة، هل يستطيع « العهد الجديد » أن يحقق مبدأ المساواة في الميراث بين المرأة والرجل؟ (المصدر: مجلة « كلمة » الألكترونية، العدد 45 بتاريخ 3 سبتمبر 2006)  

حول أيام قرطاج السينمائية

محمد الدويري من المنتظر أن تقام الدورة الجديدة لمهرجان أيام قرطاج السينمائية التي كلف فيها فريد بوغدير ليرأس درورتها الجديدة. ومن المنتظر أن يتمّ تشريك العديد من الفنّانين المرتبطين باللوبي الصهيوني ضاربا بشعور التونسيين في هذه المرحلة بالذات عرض الحائط. وقد أحيط بالسيد فتحي الخراط « الرجل المعجزة » فأسندت لهذا الأخير خطة كاتب عام الدورة. ومعروف لدى القاصي والداني من هو فتحي الخراط وما هي الأدوار التي يقوم بها في مثل هذه التظاهرات. فهو اليد الخفية لنادية عطيّة وعلي الزعيّم وأحمد بهاء الدين عطيّة. وسنعود في أعدادنا القادمة إلى تفاصيل يندى لها الجبين من تصرّفات هؤلاء السادة في تظاهرة من المفروض أن تكون عربية إفريقية ولكنّ يخشى أن تتودّد هذه المرة لبعض الأوساط الصهيونية. ما حقيقة التقارير عن المسؤولين الثقافيين ؟ مناصب مدى الحياة واستغلال النفوذ وتعطيل أنشطة مراكز فنية و النوم في المكاتب واستخدام سيارة الوزارة للأغراض الشخصية وإرشاء المستكتبين في الصحافة لتلميع الصورة. واستغلال القرابة العائلية برؤساء العمل وصرف مقتنيات بالمحاباة خاصة في مجال الكتاب والتزام الطاعة والولاء لمسؤولي الحزب الحاكم في الجهات… والأدهى من ذلك معركة مع زوج موظفة اشتكت من التحرش بها… كلّ ذلك تفاصيل من تقارير رفعت بشأن المسؤولين الثقافيين بالولايات التونسية تكشف عن إنجازات الثورة الثقافية في تونس !! (المصدر: مجلة « كلمة » الألكترونية، العدد 45 بتاريخ 3 سبتمبر 2006)  


أفكارعامة في مستقبل الحركة الاسلامية في تونس

  الحلقة الاولـــــــى

مقدمة أولية عامة :

تواردت الافكار تترى في خاطري فطفقت أدونها حتى حبرت ما يزيد عن ثلاثين صفحة في هذا الموضوع ثم بدا لي أن أقصر القول فيها .  تدفعني لذلك أمور منها  ـ بعد فريضة التفكير في مستقبل الحركة الاسلامية التي أدين لها بميلادي الروحي ـ أن صحوة التدين الواسعة التي تجلب على البلاد بما لم يسبق له مثيل في تاريخها المعاصر أفق جديد لا بد له من إحتضان الحركة الاسلامية المعاصرة في تونس بل إن قلبي يحدثني بأن مستقبل البلاد في العقود المقبلة مرتهن لتداعيات تلك الصحوة ولا يتسنى لجاحد اليوم أن يجحد بأن قدر الامة العربية والاسلامية فيما تستقبل من أيام حبلى في صحوتها تلك . ثلاث قوى كبرى في البلاد يتحدد على منهج تعاملها مصير البلاد : السلطة بسائر مكوناتها السياسية والفكرية والمالية والامنية مع ما يسندها من خارج البلاد والصحوة الاسلامية الواسعة المرشحة لمزيد من الانتشار والتمدد في كل الاتجاهات الفكرية والسلوكية والمجتمع السياسي والحقوقي والنقابي والاعلامي . أعني بالحركة الاسلامية أمورا ثلاثة : الحركات الاسلامية التونسية التقليدية أي أساسا حركة النهضة وجماعة الدعوة والتبليغ والاسلاميين التقدميين وحزب التحرير وكذا الصحوة الاسلامية الجديدة بكل ميولاتها الفكرية ومناهجها السلوكية وكذا المهتمين والعاملين في الحقل الاسلامي دعوة أو تفكيرا أو تأليفا أو ضمن مجامع علمية أفرادا ومؤسسات قريبة من السلطة أو بعيدة عنها . تلك  ثلاث مستويات في حقل الدعوة الاسلامية أعنيها بهذا الحديث . سؤال كبير هنا لابد له من أن يثور : هل لاح في الافق بصيص أمل في حرية حتى يكون هناك مجال لمثل هذا التفكير بصوت مرتفع مسموع ؟

ليس بوسعي أن أجيب ويختلف الناس هنا بحسب إختلاف التقديرات . لكني أظن أن القبضة الامنية العاتية التي ألغت بها السلطة على مدى عقدين كاملين كل منافذ حرية التعبير تفكيرا وسلوكا في طريق أيلولتها إلى الارتخاء يوما بعد يوم بسبب عوامل داخلية وخارجية يتصاعد تأثيرها . أوضح دليل على ذلك هو أن الصحوة الجديدة ليست صنيعة سلطة توخت سياسة تجفيف منابع التدين بقوة الحديد والنار ولا صنيعة تنظيم ولا تيار إسلامي إما مسحوق أو غير مرحب به. كل ما يمكن قوله هنا هو أن السلطة بعد إن إنفرط عقد الاكراه من يدها قد تعمد إلى توظيف بعض أجزاء الصحوة توظيفا لا يخدم المصلحة الوطنية للبلاد . وعلى كل حال فإني إرتأيت تسجيل بعض ما يمكن تسجيله هنا بين يدي من يهمه الامر من كثير من الافكار المتواردة على خاطري لعل الحوار ينبذ ما فيها من سوء . رائدي في ذلك حكمة نسجتها لنفسي إستيحاء من حكمة تقول  » لا تعطني سمكا بل علمني كيف أصطاد  » . حكمتي لنفسي تقول  » لا تعطني فكرة بل علمني كيف أفكر « . والتفكير فريضة إسلامية كما قال بحق المرحوم العقاد . ولا تختلف هذه الافكار عن غيرها في الاغلب سوى أنها بصوت عال مسموع.

تحليل وتقويم لاوضاع البلاد بتركيز وإختصار :

من المتفق عليه بين الناس كافة بأن كل تفكير في المستقبل يتطلب بالضرورة حركة رصد للماضي والحاضر بأقصى ما يمكن من الشمول والدقة والصحة . دخلت البلاد في مرحلتين خطيرتين في العقود  المنصرمة لم تسلما من شغب الاصلاح. 1 ــ المرحلة الاولى تشترك فيها مع سائر البلاد العربية والاسلامية خاصة وبلاد العالم الثالث عامة . تتميز هذه المرحلة بدورها بفواصل ثلاث : ـــ مرحلة الدولة القطرية ـ دولة التجزئة ـ في إثر حدوث أكبر ما ميز القرن الميلادي المنصرم أي سقوط الخلافة العثمانية جامع وحدة إسلامية على أمراضها الهيكلية المزمنة وما صاحب ذلك من قبله ومن بعده من إحتلال عسكري مباشر وإحتلال ثقافي مباشر ـ غزو فكري غربي شيوعي وليبرالي ـ . أخطر مخلفات تلك المرحلة إرتهان البلاد لحلف دولي ما إقتصاديا وسياسيا وثقافيا . ـــ مرحلة الاحادية القطبية في إثر سقوط الاتحاد السوفياتي وحركة البروسترويكا والقلاسنوست وهي أحادية عنوانها الابرز : العصر الامريكي وهي مرحلة قاسية على سائر حركات التحرر في العالم الثالث بما يسر لامريكا ـ حيث تصيهنت اليهودية والمسيحية معا ـ أن تستفرد بالمقاومة اليسارية والاسلامية . أخطر مخلفات تلك المرحلة إستحقاقات حروب الخليج المتوالية . ـــ مرحلة النفوذ الصهيوني وهي مرحلة ناتجة في الحقيقة عن المرحلة الثانية وهو نفوذ طال أجزاء من أوربا الليبرالية المسيحية وهو نفوذ تعزز بنظرية فوكوياما حول نهاية التاريخ وبسياسة فرض العولمة ـ أو بالاحرى الامركة المتصهينة ـ وهو نفوذ إستفرد بالمقاومة الاسلامية خاصة سواء كانت مقاومة إستبداد داخلي أو مقاومة إحتلال عسكري وهو نفوذ أحسن إستغلال ردود فعل عربية إسلامية رسمية وشعبية هوجاء . كل تلك المراحل أنتجت إلغاء كثير من  قيم الاستقلال والشرعية والخصوصيات المحلية في أكثر البلدان العربية إلى حد تحولت معه الدولة القطرية ـ دولة التجزئة قبل نصف قرن ـ إلى كلإ مستباح من لدن الارادة الصهيوأمريكية إلا مقاومة ضد الاحتلال هناك وركزا ممانعا هنا. 2 ــ المرحلة الثانية التي تنفرد بها تونس تنقسم بدورها إلى جزئين : أولهما العهد البورقيبي صاحب المشروع التغريبي الكاسح ليس له مثيل في دنيا العروبة والاسلام بأسرهما إلا المثال الاتاتوركي . وثانيهما العهد الجديد ـ عهد تجفيف منابع الاسلام والعروبة ـ وهو عهد لئن كان إمتدادا ثقافيا للمشروع البورقيبي فإنه تميز عنه بجرعة إستبداد غليظة ثخينة وأدت الحرية في البلاد وأدا قاسيا . 3 ــ مرحلة الاصلاح : رغم حالة الخنق الثقافي والسياسي الذي تعرضت له طلائع الاصلاح التونسية بمختلف ألوانها الفكرية على مدى العقود السابقة فإنها سجلت معارك كفاح ضارية ضد مشروع الهيمنة والاستبداد . ترجع بواكير ذلك إلى إصلاحات خير الدين التونسي وهي إصلاحات هادئة بسبب حالة التردي الهادئة التي تؤول إليها البلاد يومها تحت ظل الحكم العثماني وسرعان ما تلقحت بحركات إصلاح زيتونية إقتصر بعضها على الداخل الزيتوني وخرج بعضها الاخر شاهرا سيفه ضد الاحتلال العسكري الفرنسي سواء ضمن الحزب القديم للمرحوم الثعالبي أو ضمن حركة المقاومة المسلحة أو ضمن جمعية الشباب للمرحوم محمد صالح النيفر كما كان للشيوعية دورها ممثلة في الحزب الشيوعي التونسي المؤسس عام 1920 وكذا للحركة النقابية كفاحا نقابيا مطلبيا وسياسيا على يد قادتها محمد علي وفرحات حشاد وبن عاشور ثم تطورت تلك النضالات وتتنوع ألوانها من عروبية يوسفية وزيتونية وشيوعية ونقابية وإسلامية وليبرالية في أواخر عهد بورقيبة وحقوقية وإعلامية وسياسية في شكل أحزاب . والحاصل هو أن حركة الاصلاح والاحتجاج لم تغب عن البلاد يوما على مدى تلك العقود الطويلة برغم حالة القمع . وهو ما أثمر حركة وعي فكري ويقظة ثقافية ونشاط سياسي ظل يستقطب إليه الناس بل لم يخل من فترات تشاور وتنسيق رغم ندرتها وقلة أثرها . أثمر ذلك مجتمعا سياسيا وحقوقيا ونقابيا وإعلاميا له دوره البارز في تعديل كفة ميزان الصراع الدامي بين الدولة والمجتمع. كان ذلك هو العنوان العام للوضع التونسي في بعده الدولي والعربي الاسلامي والمحلي . أفرز ذلك العنوان العام ـ ذو الطابع الثقافي الحضاري السياسي ـ آثارا إجتماعية وإقتصادية كبيرة لم تكن لتخطئها عين رقيب اليوم . أبرز ما يسجل في المستوى الاجتماعي أمران :  أولهما بروز ظواهر إجتماعية مفزعة من مثل : إرتفاع مستويات العنوسة لدى الجنسين لاسباب قيمية ومالية معا ومستويات الجريمة الجماعية المنظمة بمساعدة الدولة أو بعض أجهزتها الامنية أو السياسية أو المالية أو بدونها وذلك من مثل القتل العمد في صفوف الرحم المتشابك والاستيلاء على الاموال الخاصة والعامة ومستويات الامهات العوانس وما يلحق بها من تفشي فواحش الزنا واللقطة البشرية والشذوذ الجنسي وتعاطي المخدرات على أوسع نطاق حتى في المدارس الاساسية وفصولها الابتدائية ومستويات الهجرة السرية إلى أروبا وما ينتج عن ذلك من موت آلاف مؤلفة من خيرة شباب تونس ذكرانا وإناثا فضلا عن إنتشار الرشاوى والمحسوبيات الرسمية والملحقة بها وكذا الشعبية كأثر من ذلك ونشوء طبقة تستثري من تلك الوساطات وهو الامر الذي جعل الطبقة الاجتماعية الوسطى تتذرر يوما بعد يوم لصالح الطبقة الدنيا ـ طبقة المعدمين أو من في حكمهم ـ التي تتضخم عدديا في حين تنحسر طبقة المترفين وتستأثر بأربع أخماس الثروة الوطنية للبلاد وكذا مستويات البطالة كأثر من آثار العولمة الكاسحة وتوجيه الاقتصاد من لدن المؤسسات المالية الدولية على أساس جعل البلاد مسرحا للرساميل الغربية سيما الامريكية والاوربية وذلك بسبب دخول إتفاقيات التجارة الحرة قبل نحو عامين وهو ما أسماه كثير من الاقتصاديين  » الاحتلال الاقتصادي المباشر » وهو أمر أدى إلى زيادة تهميش القطاعات الفلاحية والتحويلية لصالح القطاع الخدماتي القائم في أغلبه على الصناعة الفندقية والصناعات التقليدية التي لم تعد تقدر على المنافسة الدولية العاتية مما عرض عشرات من المعامل والمصانع والنزل إلى الافلاس وطرد آلاف العاملات ويحدث كل ذلك دون أن يجد أولئك إتحادا عماليا قويا يطالب بحقوقهم المسلوبة . كما أثرت تلك العوامل مجتمعة ثقافية وإجتماعية في تدني المستوى التعليمي في البلاد فشهدت البلاد في السنوات الماضية فضائح تسريب مواد الامتحانات القومية الكبرى بما يهدد بعدم إعتمادها دوليا في المستقبل وذلك فضلا عن التفويت في القطاع التربوي والتعليمي لكثير من عديمي الكفاءة والخلق . ثانيهما : تدني المستوى التكافلي بين المجتمع وذوبان قيم التضامن بين الناس كأثر عن سياسة بورقيبية خبيثة جدا توخت تذرير المجتمع عبر إلحاق بنيته القبلية بسلطان الدولة المركزية وهي سياسة تجندت لها الدولة في عهده بالثقافة والفكرة والتربية والتعليم والاعلام فأثمرت لحمة وطنية ممزقة الاوصال لا ترعى للارتباط العائلي ذمة ولا تثق في الدولة فتستامنها على أمرها إلا تقاة .

تقويم الحالة الاسلامية :

الحالة الاسلامية في تونس يختزلها وضع أول معلم تعبدي وعلمي بعد المعالم الثلاث التي لا تشد الرحال إلا إليها ـ الزيتونة ـ فهو محرار تلك الحالة في تلك البلاد . ولا أتردد في القول أبدا بأن تونس هبة الزيتونة بمثل ما يقود الفيلسوف اليوناني هرودوت بأن مصر هبة النيل . الحالة الاسلامية في تونس إصطدمت بالمشروع التغريبي البورقيبي أولا ثم بالمشروع الاستبدادي الجديد ثانيا إذ عمل بورقيبه على خنق جامع الزيتونة بعد ما خرج منتصرا ضد المرحوم الثعالبي والمرحوم بن يوسف وكل من عارضه ثقافيا أو سياسيا بمثل ما عمل خلفه على خنق الحركة الاسلامية ـ حركة النهضة أساسا ـ بعدما خرج منتصرا في إثر إستحقاقات دولية وحربية لونت عقد التسعينات سبقت الاشارة إلى بعضها لماما في المقدمة من هذه الافكار .

تقويم عام سريع مختصر لكسب الحركة الاسلامية على مدى ثلاثة عقود ونيف :

ذلك الكسب يكاد يكون من نصيب حركة النهضة بالكامل رغم أكفال جزئية صغيرة سيما لجماعة الدعوة والتبليغ والاسلاميين التقدميين فضلا عن سائر العلماء والدعاة والمصلحين في كل المواقع على مدى العقود الثلاثة المنصرمة . مرد ذلك إلى كون حركة النهضة هي أم الصحوة الاسلامية الاولى من نهاية الستينات  حتى بداية التسعينات  فضلا عن كونها هي التيار الاسلامي الاكثر تأثيرا بسبب سعة الانتشار التنظيمي وما جند حوله من حركة تدين وكذلك بسبب تعرضه على مدى مراحل طويلة للتضييق بشتى الصنوف إضافة إلى مزاولته السياسة ضمن إهتمام إسلامي شمولي بشكل مفتوح مما لفت الانتباه إليه عربيا ودوليا . يتلخص ذلك الكسب في رأيي في النقاط التالية :

1 ــ ثقافيا

: بعث جيل إسلامي كثيف في صفوف الشباب ذكرانا وإناثا في شتى المستويات التعليمية والاجتماعية مؤمن بالفكرة الاسلامية الشاملة على أنقاض الكسب البورقيبي التغريبي وما نشأ على ضفاف ذلك الكسب من طبقة علمانية ثخينة . لك أن تقول في المستوى الثقافي إذن بإطمئنان كبير بأن الحركة الاسلامية التونسية نجحت في مقارعة العلمانية في دارها وألزمتها جحرها وملأت عليها الشارع التونسي بسائر مؤسساته التعليمية خاصة بالبديل الاسلامي . في هذا المستوى يسجل للحركة نجاح باهر. سيما أن ذلك الجيل نشأ منذ الايام الاولى على ثقافة الوسطية الاسلامية تفكيرا وسلوكا وهو في الحقيقة نجاح فوق النجاح : نجاح المشروع ونجاح منهج المشروع .

2 ــ سياسيا

: تختلط هنا الحسنة مع السيئة : يسجل للحركة نجاحها في تلقيح حركة التغيير الوطني لمقاومة الاستبداد الداخلي لاول مرة في تاريخ تونس بالمعطى الاسلامي الوسطي المعتدل وهو تلقيح زاد من رصيد حركة التغيير تلك رغم المشاكسات داخل حركة التغيير ذاتها بسبب الاردية الايديولوجية . تلك حسنة كبيرة يمكن لك أن تتوسع فيها بالقول بأن الحركة نجحت في تربية أجيال متلاحقة من الشباب والمثقفين وفق أصول التغيير الاسلامي الديمقراطي تغذت بها المؤسسات المجتمعية نقابيا وحقوقيا وسياسيا وثقافيا وإجتماعيا وإعلاميا . أما السيئة فهي :

إرتهان التحولات الكبرى داخل الحركة من مرحلة الدعوة إلى مرحلة السياسة ثم من مرحلة السياسة إلى مرحلة ما فوق السياسة .. إلى الموازين التنظيمية الداخلية في علاقتها مع سلسلة الانكشافات وإستتباعاتها الامنية . ليس من الارتجال أبدا أن أقول بأن إعلان السادس من حزيران كان إنقلابا سلميا داخل الحركة لاسباب أمنية قادته السياسة ضد الدعوة . ولم يكن للحركة أن تزعم لنفسها في حصيلة الميزان النهائي الربح في السياسة والدعوة معا . كان الكسب مائلا لشق السياسة بشكل كبير جدا وهو ما سجلته كل التقويمات الداخلية من عام 84 حتى يومنا هذا . حادثة باب سويقة رغم كونها معزولة بالكامل عن نهج الحركة كانت يمكن أن تفضي لا قدر الله ولولا أن الله سبحانه سلم إلى حدوث إنقلاب تقوده ما فوق السياسة ضد السياسة . لم تكن الحركة محصنة من الداخل بما فيه الكفاية من أواخر 87 حتى 91 بما يؤمنها ضد إنقلاب ما فوق السياسة ضد السياسة ولا يعدو من يعزو ذلك منا إلى إدلهمام المناخ الخارجي المربد سوى دخيل على فقه السياسة الشرعية ومصالحها المعتبرة . كما يسجل للحركة هنا قدرتها على إستعادة طبيعتها السلمية ومنهجها الوسطي بعد أن كادت تعصف به العواصف التي لم يأل أعداء المشروع الاسلامي جهدا في شنها مهتبلين مناخات دولية وأخطاء داخلية . حياة الحركة اليوم مدينة لحركة الاستعادة تلك بعد صمود أسطوري للمساجين. تلك هي أكبر حسنة في الميزان السياسي للحركة وتلك هي أكبر سيئة فيه بحسب رأيي .

3 ــ داخليا

: هنا أيضا إختلطت حسنات بسيئات . تمثلت الحسنة في بناء الحركة لهيكل تنظيمي داخلي ظل يقود الحركة دوما ويشرف على أعمالها وفق مؤسسات شورية ديمقراطية في الاغلب رغم حصول التجاوزات وذلك أسهم كثيرا في تربية أجيال متلاحقة على الفكر الاسلامي المعاصر الجامع بين محاسن الاصالة ومزايا المعاصرة في آن واحد . السيئة هي : تضخم الجهاز التنظيمي على حساب رسالته في أحيان كثيرة ـ أي رسالة الدعوة المنفتحة على الشارع التونسي العادي ضمن المؤسسات وخارجها ـ والسبب في ذلك التضخم هو اللجوء إلى السرية لتوقي نقمة السلطة الباغية . سرية مفروضة مشروعة لتوقي نقمة محققة .  وبذلك ظلت الحركة في صراع مع ما تحدثه السلطة من إخترقات وإنكشافات هنا وهناك وهو صراع لم ينته من معالجة آثار كل ضربة حتى ينشغل بمعالجة ضربة جديدة ولم يكن كل ذلك سوى على حساب الرسالة الاصلية أي الدعوة . قاد ذلك التضخم التنظيمي إلى إحتكار الدعوة الاسلامية بدون وعي منا بل في كنف حركة صادقة بالكامل في شعارها التجديدي اللامع حول عدم إدعائها تمثيل الاسلام فضلا عن إحتكاره أو النطق بإسمه . حدث ما يشبه الاستيلاء على بقية القطاعات والمناشط دون تفويت ولا تفويض وبالخلاصة شديدة التركيز : ظل التنظيم متوترا بسبب إنشغاله بالمعالجات الامنية الطارئة عليه فأثمر سياسات متناقضة مع مبادئه .

كما يسجل للحركة في هذا المجال قدرتها على المحافظة على وحدتها بوجهيها الفكري والسلوكي أي وحدة صفها العام رغم تنازع حركات شقه داخليا مرات غير يسيرة منذ النشأة حتى اليوم . تلك إيجابية عظمى للحركة إذ الوحدة محمودة دوما حتى على كثير من مظاهر السوء وهي مقدمة أبدا على الفرقة حتى على كثير من مظاهر الحق .

4 ــ فكريا

: المقصود بهذا المستوى نجاح الحركة زمن تألقها في تحشيد المنتمين إليها حول رسالة داخلية جامعة أصيلة عظيمة الاثر وهي رسالة مشروع الاولويات في بداية الثمانينات الذي بفضله تعمقت الحركة في رسالتها الثقافية الفكرية الاسلامية الوسطية المعتدلة بروح معاصرة وانجزت في سابقة فريدة رؤيتها الفكرية ومنهجها الاصولي وسياستها التنظيمية وإستراتيجتها في التغيير من رحم عشرات من البحوث والدراسات العلمية المعمقة المؤصلة عانقت بها الحركة وغى التجديد في الفكر الاسلامي المعاصر . المؤلم حقا هو أن ذلك المشروع الذي أرسى تقاليد ثقافية وسلوكية في الحركة تقوم على التقويم والمحاسبة والمراجعة والنقد ودراسة الاوضاع بأقصى ما يمكن من الاحاطة والدقة .. حصدته آثار الانقلاب الذي كاد أن يكون إنقلاب ما فوق السياسة على السياسة . ما ينبغي أبدا لناقد منصف أن يغمط حركة النهضة في فريدتها المتألقة : معانقة ساحات الاجتهاد التجديدي في الفكر الاسلامي المعاصر . ذلك تاج ترصع به الحركة هامتها لولا أن معاول الهدم ضده منذ سنوات طويلة تحصده حصدا وتغرس مكانه التقليد ـ تقليد التراث والاسلاف ـ كأثر من آثار الطلاق البائن مع فريضة التفكير الحر. تلك هي نبذة مختصرة جدا مركزة جدا حول تقويم كسب الحركة الاسلامية على مدى العقود الثلاثة ونيف المنصرمة . خلاصتها : الكسب السابق رغم أخطائه الجسيمة التي كادت أن تغتصب أصل المنهج دعويا وسلوكا إصلاحيا معبؤ بعوامل حسن الاستئناف على قاعدة المراجعة وتخير الصور الجديدة المناسبة لحالة جديدة .

كلمة أخيرة في التقويم الاجمالي العام لحالة البلاد مع الملف الاسلامي عامة :

فشل المشروع البورقيبي التغريبي في تحويل البلاد عن طبيعتها العربية الاسلامية رغم خسائر جسيمة كبيرة لحقت بها في ذلك المضمار . الحركة الاسلامية هي التي بفضله سبحانه نجحت في إيقاف مد ذلك المشروع والتخفيف من آثاره الثقافية والاجتماعية . فشل أشد مني به العهد الجديد عهد تجفيف منابع التدين . الصحوة الاسلامية الجديدة هي التي قامت بثورة سلمية هادئة ضد تلك الخطة الماسونية . الخسائر دون شك كبيرة جسيمة في كل المستويات تقريبا . الحالة الاسلامية في النهاية مرشحة للتوسع والتمدد في كل الاتجاهات الفكرية والسلوكية السلمية والعنيفة تغذيها عوامل خارجية بالاساس وعوامل داخلية مساندة . مجتمع سياسي وحقوقي وإعلامي ونقابي مرشح للتوسع كذلك . سلطة أنهكتها بؤر الفساد الداخلي قابلة للتجدد وإحتواء الازمات حتى مع خسائر فادحة تطيح برؤوس أينع قطافها .

المشهد الاسلامي المقبل :

  ـــ حركة النهضة : رقم أخفقت مشاريع إستئصاله رغم حصد كثير من آثاره . إستئناف الحركة أي مشروعها رهين إرادة داخلية شجاعة في مراجعة شكل ولون الظهور مع تثبيت بطاقة هويتها حركة إسلامية سياسية سلمية شاملة وكذا مراجعة مناطق ذلك الظهور وتقدير مساحة كل منطقة.

ـــ التعدد الاسلامي التونسي حقيقة ماثلة وواقع مشروع جدير بالاعتراف : لم يعد ذلك مثار جدل بعد نجوم الصحوة الجديدة . الامل هنا هو : عمق ثقافة التعدد هي سفينة النجاة من الاقتتال وفي ذات الان شرط للقوة وأول مظاهرالقوة الوحدة على ما لا يقبل التنازع من الثوابت . لو لم يكن ذلك التعدد اليوم ماثلا حقيقة لكان متعينا على حركة النهضة إيجاده سلاحا مشهورا ضد أحادية السلطة . من مسؤوليات ذلك التعدد تغذية حركة الاستقطاب الخالية ( نهضة ـ سلطة ) وتحويل وجهتها نحو ( تعدد إسلامي و مجتمع سياسي نقابي حقوقي إعلامي ـ سلطة ).
ـــ الصحوة المتوسعة عددا الملغومة فكرا وسلوكا : أكبر الحركات الاسلامية التونسية عددا لم تعد هي حركة النهضة بل : حركة الصحوة الواسعة المتوسعة . ذلك قدر عربي إسلامي ينبغي التهليل له لا الانزعاج منه من لدن الاسلاميين خاصة والمسلمين عامة . حقل عملنا هو : نزع فتائل الالغام الفكرية والسلوكية لحفظ مصلحة الوحدة الوطنية التونسية قبل الوحدة الاسلامية التونسية أولا ثم التهيئة لمصالحة بين حركة الصحوة تلك وبين المجتمع السياسي والحقوقي والنقابي والاعلامي ثانيا . سياسة نزع فتائل الالغام عمادها : تغذية الصحوة ثقافيا وتيسير إستيعابها من لدن المجتمع دون عزلها عن الوعي والمشاركة في هموم البلاد وهموم الامة أي دون تجفيف منابع تلك الالغام على حساب خيار مقاومة الاستبداد داخليا والعدو المحتل خارجيا . وإلى لقاء تال في حلقة ثانية أستودعكم من لا تضيع ودائعه ودائعه . الهادي بريك ـ ألمانيا


معارضة جامدة وسلطة متجمدة

فأين الدفء[ج1]

 

تجاوبا مع الإستفتاء الذي تجرية نشرية تونس نيوز رايت ان اكتب هذه الملاحظات في اطار الموضوع المطروح

بداية  اقول  ان المعارضة الجماعية التي تكون في شكل احزاب او جماعاتوالتي تحتاجها تونس هي التي يجب :

1 ان تكون على الساحة التونسية

2 ان يكون لها عدد محترم من الأتباع و جماهيرية في صفوف الشعب

3 قيادة فاعلة  وانصار ناشطين

 

اذا استثنينا الأحزاب التي لا تعنينا- لأني لا اعتبرها معارضة بل هي معاضدة للسلطة واعني الأحزاب التي نشات بإرادة من السلطة-

ارى انه في الساحة التونسية يوجد حزبان تتوفر فيهما هذه الشروط

 

الأول الحزب الإشتراكي التقدمي الذي يتزعمه احمد نجيب الشابي فهذا الحزب متواجد داخل البلاد الأتباع والرئيس كلهم في الساحة, اي يتحركون في الميدان الذي يريدون تغييره. وهذا الحزب  يشهد نموا في الأتباع والجماهرية ,  ولو ان لهذا الحزب عدد الأتباع الذين كانوا عند حركة النهضة لغير هذا الحزب موازين القوى داخل البلاد .  لكن خطاه جيدة والتحامها مع الجماهير يزداد يوما بعد يوم لما يتحلى به من مصداقية وحضور و اشعاع لرئيسه. وهذا الحزب مسجل في الداخلي – لا اريد مصطلح معترف او غير معترف به لأنه لا يعكس الحقيقة –

 

والثاني حزب العمال التونسي – غير مسجل في الداخلية –  صاحب التوجهات اليسارية هذا الحزب اتباعه المؤمنون بالنظرية اليسارية اساسا. وهو حزب محكم التنظيم وهذا سر صموده وتواجده على الساحة رغم عدم تنامي الأتباع بحكم تراجع نظريتهم على المستوى العالمي . هذا الحزب شهد انقساما في السنوات الأخيرة : في بداية وصول بن علي للسلطة تحالفوا معه في ضرب الإسلاميين من منطلق مبدئي فكري  فتغلغلوا داخل السلطة بخطة محكمة مدروسة وساعدهم على حسن تنفيذها ما حصل للحركة الإسلامية في عهد بورقيبة ,   حيث تبين تواجد الإسلاميين في المؤسسة العسكرية وانكشف امرهم. فحث اليساريون  بن علي على ضرب هذه المؤسسة العسكرية وتقزيم دور الجيش مقابل تغول  الداخلية حيث تسللوا هم بداخلها واستحوذوا على المواقع الحساسة :- رؤساء مناطق – مديري  سجون ,  -ملحقين امنيين  ,-مستشارين ومحققين  ووكلاء الجمهورية وغيرها واستغلوا هذ ه المناصب لإشعال نار الحرب بين الإسلاميين وبن علي. تحالف معهم او تحالفوا معه المهم تمكنوا واصبح اليد التي يضرب التيار الإسلامي اي النهضة , ونجحوا في ذلك من خلال الدسائس فهوّلوا امر الإسلاممين  وضخموا امرهم  حتى يذهب بن علي وهم معه الى ابعد الحدود في مقاومة الحركة الإسلامية بل استئصاله معتمدين في اقناع بن علي على خطط ووثائق صودرت من حركة النهضة اضافة لإعترافات ابناء هذه الحركة وقياديها  التي اخذت  منهم تحت الإكره  وزاد نار اشتعالا تقاريرهم المغرضة . اذا تواجد اليساريين المتطرفين  في الداخلية لم يكن صدفة وانما الأمر مدبر ومحكم التخطيط والا كيف نفسر بين عشية وضحاها تتغير العديد من الوجوه الأمنية في الداخلية لتحل مكانها وجوه يسارية شابة من خرجي ومطرودي الجامعات . التحقوا بالأكادمية العسكرية  وبسرعة تخرجوا وبسرعة نالوا المناصب  حتى ان البعض منهم لا يخفي هذا الأمر وصرح به للإخوان قائلا « نحن نكره بن علي لكن كرهنا لكم اشد ونشكره لأنه حقق لنا فرصة الإنتقام منكم ومن كل الخوانجية  ها نحن نستقبلكم في الداخلية والسجون فاين انتم ذاهبون؟«  . ومرت الأيام والسنوات  وادرك حزب العمال واتباعه انه ادخل البلاد كلها في دوامة . فتراجع البعض منهم واعتبر ان مسالة الحريات هي مطلب جماهيري لكل ابناء تونس وهذا الطرف يتزعمه حمه الهمامي اما بقية اليساريين فخيروا الإنسحاب من حزب العمال والتخلي عن مبادئهم اليسارية مقابل بقاهم في السلطة لكن الود بينهم وبين رفقاء الدرب بقي قائما فحمه الهمامي وان يسخط عليه بن علي ويزج به في السجن يتدخل له البعض من  رفاق الدرب  للإسراع بإخراجه من السجن.

 

فاصبح العماليون في تونس مجموعة معارضة وبقية في اجهزة الدولة تعمل جاهدة حتى لا يحصل اي تقارب بين السلطة والنهضة.  لكن يبقى لهذا الحزب تواجد فعال في الساحة لأنه منظم بدقة وتجمعه ايديولوجية واحدة.

أما ما  تبقى من الأحزاب فهي تفتقد للشروط التي ذكرناها . حيث نجد اليوم احزابا تفتقد للقواعد او عدد اتباعها ضئيل[ يعقدون مؤتمرهم ويعود الجميع في سيارة تكسي] فكيف لمن يفتقر للقواعد ان تكون له جماهرية ؟

 

فهذه الأحزاب لها رئيس فقط اي بفرده يمثل الحزب , مثال ذلك حزب من اجل الجمهورية نعرف ان السيد المرزوقي هو الرئيس اسس هذا الحزب وخرج خارج البلاد بالحزب فلم يعد له تواجد عند الناس بل حتى السيد المرزوقي بالرغم من كثرة تحركاته واستماتته في الدفاع عن الحرية فقد الإشعاع الذي كان يحيط به  عند الجماهير التونسية عندما كان داخل البلاد . فهذا حزب يفتقد للقاعدة ومن لا قاعدة له فلا جماهرية له والحزب الذي ليست له قاعدة يحركها لا يُسمع له عندما يطلب من الجماهير ان تتحرك فالأولى ان يبني نفسه ويوجد اتباعا وانصارا والا فليلتحم مع حزب اخر. اما احزاب الإنترنيت فهي  مجرد نكت لا يمكن الحديث عنها ولا ادري لما لا يلتحق صاحبها بحزب اخر يؤويه؟

 

نستثني من هذه الأحزاب طبعا حركة النهضة التي كانت لها قواعد تعد بالألاف اضافة الى جماهريتها لها قاعدة جماهرية عريضة  . لكن بحكم الهجمة الشرسة التي تعرضت لها من طرف السلطة واليساريين في سنة 90 تشتت هذه الحركة جزءها الفعال والمؤثر زج به في السجون لسنوات عديدة  , والجزء الأخرمنهم  وهو القليل بقي خارج الوطن عاجز عن الحركية لأسباب ذاتية كقصر التجربة وعدم القدرة على تحمل المسؤولية والمحافظة على الموروث  او الأمانة. فليس فعل ورؤية من عُذب وعاش السجن كمن لم يُعذب ولم يدخل السجن فهذه حقيقة لا يتجاهلها الا مغفل والدليل على ذلك مقارنة  بسيطة بين تفكير وافعال المسجونين والمسرّحين وفقههم للواقع  وبين تصرفات وافعال من لم يعرفوا السجن ونظرتهم للواقع  .  فمن هو خارج تونس وبعيد عنها منذ سنوات او خرج منها بعد بلوغه للحلم مباشرة  ليس كمن لم يغب عنها ولو للحظة حتى وان كان في السجن .

 

اذا يجب ان تتوفر في المعارضة  اسلامية كانت او غيرها النقاط التي ذكرناها في البداية. فلا يمكن ان نتحدث عن معارضة فاعلة وهي  خارج الوطن . لأن الوطن هو الأرضية التي يجب ان تعمل فوقها وتواجدها بداخله يعطيها المصدقية ويتركها ملتحمة بالجماهير , فتكون معارضة تغيير وتطوير ومشاركة لا معارضة توصيف ثم توصيف ثم توصيف لما يحدث في تونس فقط . فمن هو خارج الوطن حاله كحال اهل الكهف بل هو اشد ,لأن اهل الكهف قال فيهم ربنا {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} على الأقل هناك حركية , اما ان تعارض وانت خارج الوطن بعيد عن الواقع وجلدتك ناعمة بعيدة عن النار التي تكتوي به الجماهير , يفقد  المعارضة المصدقية ويجعلها معارضة bla  bla bla  كما يقول المواطن التونسي . فالإصلاح لا يكون عن بعد. يمكن ان تكون هناك جمعيات خارج الوطن او مجموعات صغيرة متخصصة في مسائل معينة اما ان يكون حزب  باكمله – او احزاب – فهذا لا يعقل ولا لا يقبل ويجب تغيير هذه الحالة التي عليها بعض اطراف المعارضة التي لا يتحرك فيها الا اللسان. وان تعود للبلاد فتكون قريبة من الناس تقرر من خلال المعاينة المباشرة لا من خلال التقارير او الأنترنيت ا والهاتف

 

هذا من ناحية الشروط  التي يجب ان تتوفر في المعارضة اي وجوب التواجد قيادة وقاعدة داخل الوطن  ملتحمة بالجماهير , ولا تكن هي في واد والجماهير في واد اخر خصوصا وان تاريخ تونس يشهد ان الجماهير لما تنزل للشارع تحقق مكاسب  للشعب [احداث الخبز] ولم يسجل التاريخ ان حزبا سياسيا  في تونس تمكن من  تغيير أمر عزمت عليه السلطة .  وهنا السؤال لماذا الجماهير قادرة والأحزاب غير قادرة ؟؟؟.؟ ولماذا الجماهير تنتظر الأحزاب ؟؟؟؟

 

في الجزء الثاني اتحدث عن مطالب المعارضة والواقع

 

بوعبدالله


بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أفضل المرسلين المنستير في: 03/09/2006 ذكرى إبعاد الزعيم الحبيب بورقيبة إلى الجنوب التونسي 03/09/1934

إحياء ذكرى إبعاد الزعيـم الرمز الحبيـب بورقيبـة ورفاقه إلـى الجنوب التونسي يوم 03 سبتمبر 1934

       

في خشوع وتأثر بالغ وتدبر وتأمل وبوفاء قام السيدان محمد العروسي الهاني كاتب عام جمعية الوفاء للمحافظة على تراث الزعيم الحبيب بورقيبة ورفاقه في الحركة الوطنية وجعفر الأكحل عضو مكتب الجمعية نيابة عن مكتب الجمعية بزيارة روضة آل بورقيبة بالمنستير وتلا فاتحة الكتاب على ضريح الزعيم المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة رحمه الله والدعاء إليه بالرحمة والمغفرة على ما قدمه من جليل التضحيات وأنبلها: وأعمق النضالات وأعزها: وأكبر التحديات وأعظمها: وأصدق معاني العطاء والسخاء للوطن: وبكل معاني التضحية بالنفس والنفيس: غير عابئا من بطش الاستعمار الفرنسي وجبروته وظلمه. وقد تحد الزعيم رافضا الخضوع والاستسلام والذل والمهانة والاستكانة وتعامل مع الأحداث الأليمة بمعنويات مرتفعة للغاية وبصبر وتجلد وشجاعة وحماس. هذا الرمز الخالد يستحق منا كتونسيين أن نقف اليوم على ضريحه وقبره مترحمين على روحه الطاهرة الزكية مخاطبين ومتأثرين ومعترفين بالجميل. ومتذكرين ومتأملين بخشوع المؤمنين وصدق المناضلين وعزة الأحرار الأوفياء للرمز الخالد على الدوام، مبتهلين إلى العلي القدير أن يتغمد بواسع رحمته ويسكنه فراديس جنانه ويبعثه يوم القيامة مع المجاهدين والشهداء. إنه سميع مجيب الدعاء.

ذكريات لن تمحى من الذاكرة

كنا حسب تقاليد حزبنا العتيد الحزب الحر الدستوري التونسي وبعدها في الحزب الإشتراكي الدستوري الذي غير إسمه عام 1964 في مؤتمر المصير ببنزرت لدعم التوجه الإشتراكي بما تسمى آنذاك بالإشتراكية الدستورية. قلت كنا في العائلة الكبرى للحزب التي تجمع شمل الأمة التونسية جمعاء والسواد الأعظم من الشعب التونسي. ونحتفل بهذه الذكرى سنويا من 1957 إلى 1987 ونقيم لهذا الإحتفالات وهو يوم مهرجان شعبي كبير وعيد نضال ومخزون وطني رائع، وفي مدينة المنستير مسقط رأس الزعيم الراحل صاحب الذكرى. ومن المنستير وقع إعتقاله وإبعاده في عنفوان الشباب وفي سن 31 سنة وله زوجة لم يمر على زواجها بها خمسة أعوام وله طفلا وحيد عمره أقل من 04 أعوام إسمه الحبيب بورقيبة الإبن وهو الزعيم الذي يحمل الإجازة في الحقوق من كلية باريس أحرز عليها عام 1927 في الوقت الذي تعز فيه هذه الشهائد وعددها قليل جدا من حامليها.

ترك المحاماة والجاه والمال والشهرة والشباب واللهو والطرب والغناء وانشغل بالسياسة والنضال الوطني ودفع الثمن وعاش لغيره ولم يعطي لمتاع الدنيا والمال وخزرف الحياة أي قيمة وأي معنى بل اختار الطريقة الوعرة والمسالك الصعبة والكر والفر والصراع مع الاستعمار الفرنسي والحرمان والإبعاد والسجون والمنافي تاركا الزوجة والابن والأهل والإخوة والزملاء معتمدا على الله متوكلا عليه مرفوع الرأس لن يخشى الموت ولا يخاف السجون والإبعاد هذا الرمز الخالد نذر حياته لشعبه وقل ما يوجد هذا النوع من الرجال الأفذاذ.

عملاق عصره وزعيم أمته

أحببناه وقدرناه وأكرمناه واعتبرناه أبا لكل التونسيين وهو فعلا جدير بهذا اللقب بل نقول نحن سعداء بهذا الأب الروحي العظيم وأي أب ضحى من أجل هذا الشعب طيلة حياته وإذا أخذناه من عمره 29 سنة مناضلا وزعيما ومحاميا وصحافيا، وأضفنا إليه 31 سنة قائدا ومرشدا ورئيسا. يكون المجموع 60 عاما وبعدها 13 سنة مرجعا ورمزا خالدا مفكرا قويا صابرا متأملا تكون مجمـوع الفترة 73 مع 06 أعوام طفولة و18 سنة علما ومعرفة تكون الجملة سبعـة وتسعون عاما (97 عاما) من 03 أوت 1903 إلى 06 أفريل 2000 باليوم والشهر والسنة 97 عاما.

حياة مليئة بالعبر والدروس والمعاني

يجب أن نستخلصها بحكمة ووفاء وصدق ومحبة وأن نكون دوما أوفياء لثوابت هذا الرمز الزعيم الأكبر والعملاق التاريخي العظيم وأن نكون دوما في مستوى الرسالة التي ضحى من أجلها وأن نحيي هذه الذكرى العزيزة الوطنية التي كنا طيلة 30 سنة نحتفل بها منذ عام 1957 إلى 1987 وفي عام 1987 أشراف الرئيس زين العابدين بن علي بوصفه آنذاك وزيرا للداخلية والأمين العام المساعد للحزب وكلفه الرئيس الحبيب بورقيبة بإلقاء محاضرة بعنوان أبعاد يوم 03 ديسمبر 1934 المنحة الأولى مع الإستعمار الفرنسي.

وقد اقترحت في مقالي الثالث الذي نشر يوم 31/08/2006 بموقع تونس نيوز موقع الحرية أن يعاد بث هذه المحاضرة يوم 03/09/2006 على أمواج الأثير وفي قناة التلفزة التونسية وفي الصحف الوطنية ولكن حديثك يا هذا … ولمن تقرأ في زابورك يا دود …

الأفواه بكماء: والأعين مغمضة: والآذان صماء: والعقول عاملة عقول سارحة لا يهمها التاريخ ولا تهمها الذكرى. ولو كان خطاب الرئيس بن علي مدخل للذكرى.

المهم إذا تكلم الرئيس عن الذكرى نردد ما قاله وإذا لم يتكلم نصمت تلك هي سياسة إعلامنا أكتب ما تشاء يا هاني على الأحداث الهامة فلا تحرك ساكنا إلا سواكن شعبك ووجدان المناضلين الأوفياء وصدق الشاعر الأستاذ أحمد اللغماني في قصيده مرثية الزعيم الراحل أفريل 2000 نشرت منها 03 أجزاء وهذا الجزء الأخير. (سيدا كنت سيدا سوف تبقى).

أيها الراحل الطليق إلى أعلـــى

Ë

الأعالي بين البروج يطيـــر

اهنأ الآن و اطمئن فلن يضنيــك

Ë

كيد يكيد شرّيــــــر

عشت عمرا مبلبلا مبتــــداه

Ë

ذو مآس و منتهاه كسيـــر  

كلّ أيامه الطّوال قرابيـــــن 

Ë

لإسعاد تونس و نــــذور

جئت هذي الحياة و الوطـــن

Ë

الغالي سليب و شعبه مقهـور

ثم فارقتها و تونس محمـــــي

Ë

حماها و شعبها منصــــور

دقّت السّاعة الرّهيبة حــــلّ

Ë

الموعد الحقّ واستبان المصيــر

وتلقاك من ثرى تونـــــس

Ë

حضن حنون، ومستقر قريـر

حبذا الموت ! للخلود صــراطا

Ë

مستقيما يحلو عليه العبــور

إن موتا العزيز نصر على المــوت

Ë

له العز ناصر وظهيـــــر

مثلما تسقط الجياد على الشـوط

Ë

وتهوي تهت السياط الحمير …

… يرد الموت في ميادينه الشهـم

Ë

ويردى من ذعره المذعــور

يا طليق الجناح ! لم يبق بعـــد

Ë

اليوم في الكون مسرح محظـور

فاهجر الأرض ! إنها دار كيــد

Ë

وشرور معمورها مهجـــور

وانطلق صاعدا إلى حيث لا يصعد

Ë

كيد ولا تطول شــــرور

وسيقضي التاريخ فيك قضـــاء

Ë

عادلا، فهو حاكم لا يجــوز

فأتاني بركان غيظ عنيـــــف

Ë

القذف، من جوفه السعير يفور

فجرته حميتــــــي وودادي

Ë

فشفاني، وراقني التفجيـــر

فتقبله نفحة من صـــراح الود!

Ë

يهديكها ودود غيــــور

نفحة من مودتي هي كنــــزي

Ë

وبما عنده يجود الفقيــــر

حسب حزني عليك هذي التراجيع

Ë

اليتامى واليتم رزء مريـــر

هي حزني طغى فضاق به صــدر

Ë

رحيب وجاش جأش صبــور

هي حزني مجردا لا تهاويــــل

Ë

خرافيـة، ولا تصويــــر

وهي حبي به استفاض شعــوري

Ë

فتغنت بما استفاض البحــور

هي حبي الطهور يكبره مــــن

Ë

رف في جانحيه حب طهــور

وهي في لوعة الأسى ذات كبــرٍ

Ë

لا شهيق يذلها، لا زفيـــر

    

أثناء أحد اللقاءات التي كان يخصني بها بين حين وآخر فاجأني الزعيم بورقيبة رحمه الله برغبته أن أرثيه إذا قدر الله فسبقني إلى جواره

. أحمد اللغماني (أفريل 2000)

قال الله تعالى: »

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريبٌ من المحسنين

«  صدق الله العظيم سورة الأعراف وقال أيضا: »

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

« صدق الله العظيم سورة الرحمان

 
محمد العروسي الهاني صاحب الوفاء مناضل دستوري وكاتب عام جمعية الوفاء
 
ملاحظة: 117 مقالا في موقع الأنترنت تونس نيوز في ظرف عام يعادل 97 مقالا في صحفنا من عام 1966 إلى 2006 وبهذا الرقم نعطي دليلا واضحا على حرية الإعلام أي إن ما يعادل 40 عاما 97 مقالا وفي عام 117 أي بإضافة 20 مقالا زيادة تلك المقارنة للتاريخ أسوقها للرأي العام حتى يدرك أن أعلامنا ما زال دون المطلوب والمؤمل ونرجو أن يتطور في المستقبل ويستجيب لطموحات الشعب ورغبة الموطن ولا شيء أفضل من الإعلام النزيه الذي يحترم الرأي الآخر ويقدر رموز الوطن وفي مقدمتهم حبيب الأمة وضمير الشعب. قال الله تعالى: »

ولنصبرنا على ما أذيتمونا وعلى الله فلتوكل المتوكلون

«  صدق الله العظيم سورة إبراهيم  


لماذا يريد البعض إقناعنا بالهزيمة ؟

د.خـالد الطـراولي* ktraouli@yahoo.fr عندما تتصفح الصحف العربية ومواقع الانترنت تلاحظ كمّا مستفيضا من الكتابات والتحليلات التي صاحبت أو أعقبت الأحداث الأخيرة في لبنان، وهذا يؤكد على خطورة ما وقع لدى المثقف العربي وتعبير سليم على حركية ثقافية وهمّ وطني وقومي استجابت له النخبة والجماهير على السواء. غير أن ما يسترعي الانتباه هو الاختلاف البيّن بين طرفين في تقييم الأحداث ومآلاتها ونتائجها، مما شكل خندقا بين طرفين واضحي المعالم والخلفية والمرجعية الفكرية والسياسية : 1 / طرف اعتبر الأحداث الأخيرة هزيمة لإسرائيل وخيبة لأمريكا وانتصارا واضحا للمقاومة، حيث تمثل عناصر الصمود والمواجهة وإلحاق الخسائر والضرر بالطرف المقابل، تأكيدا جليّا على الغلبة، زيادة على الهزة النفسية التي أحدثتها المقاومة لدى الفرد العربي والمجموعة، بنهاية أسطورة الجيش الذي لا يقهر والعربي الذي لا يعرف إلا طعم الهزائم. وحسب هذا الطرف فقد أنتجت المقاومة عبر صمودها تغييرا كليا في الموازين وأعطت دفعا لتشكّل شرق أوسط جديد تكون المقاومة في مستواها العقلي والثقافي والميداني رأس الحربة في تغيير المعادلة القديمة وإثبات قواعد لعبة جديدة. بل إن البعض يذهب إلى أن هذه الرجة يتجاوز مداها الشرق الأوسط وما يدور في فلكه من مصالح وتحالفات وسياسات، إلى أبعاد حضارية واستراتيجية تهم الأمة العربية والإسلامية عموما في علاقتها مع ذاتها ومع الآخرين. 2 / في المقابل فقد ظهر فريق آخر سعى بكل جهد إلى التشكيك في انتصار المقاومة مستعرضا بكل قوة ما آلت إليه الحرب من تدمير للبنان وإلحاق الأذى بأهله وذويه، وما حاق باللبنانيين من قتل وجرح وتشريد. وكانت جلّ التخمينات والتفسيرات لهذه الهزيمة تحوم حول طائفية المقاومة وبعدها الشيعي، ومرجعيتها كحركة إسلامية تحمل مشروعا أصوليا، وحول البعد الإقليمي للحدث حيث تأتي قضية العلاقة مع إيران في المرتبة الأولى لمحاولة سحب عنوان الوطنية عن المقاومة، فكانت مصطلحات الأجندة الإيرانية و المصالح الإقليمية حديثا يعاد حدّ القرف في كل مقال ومقاربة. أن تأتي الغمزات واللمزات من ضفاف غير ضفافنا فهذا ليس عيبا وليس جديدا، أن يدافع الطرف المقابل، والذي يعادينا، عن أطروحاته ومقارباته، فهذا من طبيعة الأشياء المتنافرة، أن يعلن الرئيس الأمريكي عن هزيمة المقاومة، ويصرح أولمرت منذ الأيام الأولى للحرب أن الانتصار قد تحقق وأن المقاومة قد ذهبت إلى غير رجعة… فهذه هي السياسة ودوافعها وأهدافها، وهذه هي الحرب وأبعادها ومصالحها، كلّ يدافع عن نصيبه في قطعة الحلوى، كبر أو صغر حجمها، منهم من يريد شرق أوسط جديد ولو على بساط من دماء ومن صرخات الأطفال والنساء، ومنهم من يرى خطرا على وجوده وكيانه يجب استبعاده ومحقه… أن يأتي كل هذا من الضفة المقابلة فلا ضير فكل يحمي رغيف خبزه ولكن… أن يسكن البعض حارتنا ويشاركوننا طعامنا ويقاسموننا أحلامنا وآمالنا، ويحملون هموم أوطاننا، ويركبون نفس السفينة التي تناطح الأمواج العاتية والرياح العاصفة في بحر لجّي مظلم يجمعنا… أن ينطلق هؤلاء في إقناعنا بانتصار الآخرين وهزيمتنا، فهذا يستوجب وقفة وتأملا واستفهاما! لن نصادر آراء الناس فهذا حقهم المشروع في تبني ما يشاءون، والاختلاف رحمة وعنوان أصيل للحرية والإبداع، فاحترامنا للتعدد مبدأ متأصل في رؤانا ومقارباتنا ولا يزعزعه أي تطرف ومغالاة عند مخالفينا، غير أن الاحترام لا يلغي النقد، والتعدد لا يرد عدم فهمنا ورفضنا لما حملته هذه الأقلام هذه الأيام من محاولات يائسة لإقناعنا بالهزيمة. إن من يحاول البحث عن الخلفية الفكرية والسياسية لأصحاب هذه المقولة الداعمة لفرضية الهزيمة، يجد أن أصحابها يغلب عليهم إما الطابع الليبرالي إلى حدود ما يصطلح عليه بالليبراليين العرب الجدد، أو من طرف صغير من اليسار العربي، وخاصة في بعض البلاد العربية حصرا. ولعل من الغريب أن يجد كل طرف إطارا ورقيا أو على الانترنت محالفا أو داعما بصفة مباشرة أو غير مباشرة لحمل أفكاره وبثها بين الجمهور…إما انتصارا للمقاومة أو التشكيك في النصر وإعلان الهزيمة! 1 / الإسلام السياسي الغول الأكبر لعل المتابع للجبهة المركزة على الهزيمة في كتاباتها و عند أصحاب أقلامها يلاحظ هذا الخوف المبالغ فيه من الإسلام السياسي حيث ظهر انتصار المقاومة دفعا لانتصار الحركات الإسلامية مما جعل البعض يستغل التطورات الأخيرة للسقوط مجددا في حملة تشويه وتخويف وترويع، ومحاولة فتح ملفات فكرية ونظرية سابقة، نالها التناظر والتدافع بين الإسلاميين من جهة، واليسار والليبراليين الجدد من جهة أخرى… فخرجت إلى السطح قضايا المرأة والحريات العامة والخاصة والديمقراطية والتعدد، واختلط الحابل بالنابل وكأننا نعيش أيام النقاشات والحوارات في الجامعة أو في النوادي والمؤتمرات. إن هذا الانحراف في مستوى الموضوع وإشكاليته، نحو مناطق خاوية لا يستدعيها أبدا الموقف ولا المسؤولية الوطنية أو القومية ولا الظرف الحساس، يظهر في الحقيقة هشاشة طرح الهزيمة وعدم وجود البراهين والحجج الكافية والصلبة لدعم  هذا المنطق وهذا الطرح. ليست مهمة هذا المقال الدخول في محاورات حول هذه القضايا العامة التي استعملت اليوم في غير موطنها للتجاذب والتناظر، غير أننا نشير أن الجبهة الحالية المفتوحة كانت فرصة تستغل لتقارب الآراء دون التخلي عن مقاربات كل طرف، وتوظيفها لتجميع القوى في نسج مشاريع معارضة داخلية موحدة لهذه الأوطان بعدما برز العجز الحالي للأنظمة في نهوض شعوبها وتنميتها، و بعدما ظهر للعيان ضعف المعارضات الداخلية، أو استبعاد أقواها جماهيريا عن التواجد الشرعي وتركها وراء الباب. نعم ربح الإسلام السياسي هذه الجولة والتي سبقتها، رغم نسبية هذا الربح وهشاشته وارتباطه بمدى الوعي والكفاءة والفقه بالمرحلة، ولكن أليس الأولى والأحرى والأنجع أن يتساءل أصحاب الطرح اليساري والليبرالي عن أسباب ضمور مقارباتهم وتهافتها وسقوط جماهيريتها، وغيابهم الكلي عن مواطن الفعل المباشر في الصمود الميداني والمقاومة؟، أليس الأنجع لهذه الأطراف أن لا تسبح ضد التيار وهي ترى وقوف الجماهير العربية والإسلامية بكل طوائفها ومذاهبها حذو المقاومة وأطروحاتها. إن أكبر خسارة سوف تنال الليبراليين العرب الجدد وبعض أطراف اليسار هو زيادة فقدانهم لمصداقيتهم أمام الجماهير حيث بدا للعيان خطأهم المنهجي، وغلبة الخنادق الأيديولوجية على المصلحة الاستراتيجية للأمة في طرحهم وفي مقارباتهم. إن شرعية الوجود من شرعية الفعل، وإن جماهيرية الموقف والممارسة، من مصداقيتهما، ولا نخال مواقف الانسحاب والتشكيك وممارسات التقوقع والأنا إلا محطات النهاية ولو بعد حين! 2 / المحور الإيراني والأبعاد المنسية في صولتهم في إقناعنا بالهزيمة استند هذا الفريق إلى حجة دخول البعد الاقليمي وبروز إيران كمحرك أساسي يلعب ورقة داخلية على حساب بسمات أطفال مغتصبة وديار محطمة وأكثر من مليون مشرد. كان توظيف هذه الحجة يعاد في كل مقال وورقة حدّ القرف، ولن ندخل حقيقة في هذا المد والجزر الذي يتبع حركات أقمار ونجوم من غير أرضنا، ولكننا ننبه أنه لا يجب أن ننسى أو نؤجل البعد الاستراتيجي في مواقفنا، أن نختبئ وراء أصابعنا ونعوّل على التكتيك والبعد الحيني، ونرجئ مصلحة الأمة والأجيال القادمة من أجل بعض الفتاة على موائد غير كريمة. ثم ما الضير الذي سيلحق بالأمة إن كان هناك بعد إقليمي للقضية، وكأنها لا تحمل إلا جانبا قطريا ضيقا لا يتعدى حدود لبنان الصغير، ونحن نرى المشاريع الخاصة والعامة، وأطروحات تغيير مناطق جغرافية كاملة بتضاريسها التاريخية والأيديولوجية والطائفية، وقنابل ومعدات حربية تحمل نجوما متعددة وموصولة بأوطان تبعد الأميال عن حيّنا. لم أفهم هذا التأكيد المتواصل والمخيف من البعد الإيراني في أطروحات الليبراليين العرب الجدد وبعض قوائم اليسار، سوى الخوف بالمساس بالواقع الحالي من أنظمة تفقد الشرعية وشعوب تحت الحصار. فحالة الاستبداد والحنق الداخلي والتململ الجماهيري الذي أحدثه انتصار المقاومة، من شأنه تعميق الشروخ داخل النظام السياسي العربي والدفع بوجود إرهاصات توجهات استراتيجية جديدة وهامة :  أولا : منحى قطيعة بين الجماهير وأنظمتها على أساس الموقف الإيجابي أو السلبي من المقاومة، وهو خندق تلتقي فيه الجغرافيا والتاريخ والعقل والنقل والفكر والوجدان. لذا يبدو التراجع النسبي للمواقف الأولية التي تبنتها بعض الدول من الحالة اللبنانية واعتبار البعض مؤخرا أن انتصار المقاومة هو دفع للنظام السياسي العربي على حد تعبيرات الرئيس اليمني، يعتبر هذا التوضيح اعترافا بالقلق من مواجهة جماهير يبدو أنها أكثر عقلانية ورشدا وفهما استراتيجيا من حكامها. لكن هذه المواقف المتأخرة لا تلغي أزمة الثقة ولا تنهي القطيعة ولكنها تبطأ بعض الشيء مآلات أصبحت نهائية. ثانيــا : وجود حلم راود الجماهير ولا يزال حول نهاية عهد الذل والهوان والدخول في التاريخ من جديد واللقاء مع أطراف مضيئة من حضارة آباء وأجداد ظلت لعقود منسية أو مظلومة، كانت هذه الآمال تظهر بعيدة نظرا لعمق مأساة التخلف ورعايته من قبل الداخل والخارج على السواء، ولبعد المسافة وضخامة إعادة البناء. ولقد حاولت عديد المرجعيات والسياسات من قومية وبعثية وشيوعية وليبرالية التي وصلت عتبة الحكم، إلى تنزيل هذه الأحلام على الواقع ففشلت، بل عمّقت الخيبات وتتالت الهزائم ودخلنا عهود النكبات والنكسات ولم نخرج منها إلى اليوم. الجديد في هذه الأيام أن جانبا من هذا الوجدان قد وجد ضالته على أرض الواقع، محمولا على أيد جديدة وفي أحضان مرجعيات أخرى، فالتقى الوجدان الضائع مع ممارسات ميدانية حقيقية وملموسة تحملها حركة ومشروع ورموز. هذا اللقاء بين الجماهير المكبوتة ووقائع وردية ملموسة وحركة سياسية تحمل مشروعا متكاملا يمثل نقلة نوعية في المواجهة بين الأنظمة الموجودة وجماهيرها التي وجدت الرمز المفقود، والعربي بثقافته يهوى الرموز، وحصلت مجددا على الثقة المفقودة في ذاتها أولا وفي غياب السند الداخلي ثانيا والذي يمكن أن تمثله مجددا الحركات الإسلامية المعتدلة، مما يغير كلية المعادلة الداخلية حيث لن يكون سهلا للأنظمة الاستفراد بهذه الحركات السلمية تهميشها  أوسجنها وتشريدها أو ضربها واستئصالها وقد أصبحت قطبا له مصداقية الفعل والانتصار وشرعية المساندة الجماهيرية العلنية. كما سيصعب مستقبلا استخفاف الجماهير وتركها بعيدة عن هموم الأوطان، وهي التي كانت بين خوف ولا مبالاة وخروج يتيم وتطرف.  ثالثــا : وهو الأكثر أهمية وفرادة وتساؤلات، ففي مقابل هذه القطيعة بين الأنظمة العربية وجماهيرها ينسج في المقابل بخيوط من حرير محور عجيب يلتقي فيه عنصر الدولة وعنصر المجموعة وعنصر الجمهور، لأول مرة حسب زعمنا يتحالف مشروع دولة (بسلبياتها وإيجابياتها) مع مشروع معارض ينطلق من زوايا المجتمع المدني (بسلبياته وإيجابياته) مع مشروع جمهور، مع مشروع أمة. حيث يبرز لقاء المساندة والدعم الإيراني للمقاومة، مع مشروع حركة سياسية، ومع تعاطف جماهيري أممي (من الأمة). وهذا في حد ذاته فريد وجديد يخلط كل أوراق التغيير والإصلاح ومنهجياته وأطرافه، ويعطي مذاقا آخر وبعدا جديدا لكل المسارات السياسية القادمة، ويفتح المجال واسعا نحو تحولات مصيرية واستراتيجية لاحقة. فإذا كانت لإيران مكاسب وطموحات ومطامع كما يورده البعض وعلى فرضية الصواب، فماذا ستخسر الجماهير العربية من هذه المساندة، وماذا تخسر المعارضات الداخلية من هذه العون المعنوي وماذا تخسر المقاومة؟ إن اللواذ بالبعد الإيراني في التخويف والترويع من انتصار المقاومة ومحاولة إقناعنا من طرف الليبراليين العرب الجدد وبعض فلول اليسار بالهزيمة والانكسار، يبدو مشطا وغير مصيب، ولا يحمل أي بعد استراتيجي و يصب عاجلا أو آجلا في غير مصلحة الأمة، ويسعى إلى تعميق صولة الاستبداد الداخلي ودوام أيامه. إن الهدف المنتظر من الهزيمة أو الانتصار يبدو غائبا أو مشوها أو مائعا عند هذا الطرف، ولا يرقى التبرير والتفسير إلى مستوى البرهان والدليل الدامغ ويبقى رهين حسابات سياسية ضيقة تعتني بالصولجان والكرسي أكثر من هموم الرعية. 3 / اللعب على الوتر الطائفي لعل أكثر هذه البراهين والحجج تهافتا وخطورة، والتي استعملها الليبراليون العرب الجدد وفريق من اليسار هو التركيز على طائفية المقاومة وشيعيتها المذهبية، والتلويح بأن هذا الربح إن كان موجودا فهو لا يلمس كل الأطراف ولكن يهم الشيعة دون سواهم ويدعم هيمنتهم ومكانتهم في مقابل تهافت أطراف أخرى وخاصة السنية منها. واستدعى البعض بوعي أو بدون وعي مشاهد رخيصة من الحاضر أو من التاريخ وكأنه يريد أن يمكّن لحرب طائفية لا تبقي ولا تذر. فظهرت إيران الصفوية وعراق الحاضر وخرجت أسهم من جعابها وسقط البعض في الفخ فأرسل المراسيل والفتاوى وخرجت علينا أقوال وأحاديث تخبرنا بأن عهد الروافض لم ينته وأن الشيعة كفرة وأعددنا المشانق ومحاكم التفتيش! إن أكبر انتصار للمقاومة يبقى في ميدان البناء الفكري والأيديولوجي والتشكل العقلي والوجداني، ولعل سقوط هذا الخندق الفئوي وهذه القطيعة الطائفية، لو يتمكن لمثل منعرجا هاما وكبيرا في علاقة الأمة ببعضها ونهاية أكبر معضلة حلت بها وساهمت على مدى القرون في تفتيت بناها وتهديم وحدتها. لن نحلم كثيرا، ولكننا نعي أن المشهد العراقي قد أدخل الأمة في دهليز مظلم حيّر الضغائن وأحيا الأحقاد ووطأ مواطن خطيرة تكاد أن تأتي على الأخضر واليابس لو استفحل أمرها، ولقد رأينا بعض الأصوات من هنا وهناك بدأت تدخل هذه اللعبة القذرة بوعي أو بغير وعي والكل يدعو إلى مناصريه ومعاضديه من وراء الأكمة والحدود! ولقد جاءت الأحداث الأخيرة لتلطّف من هذا الجو الساخن وهذه الحالة الخطيرة، وأيقظت فجأة لدى الجميع أن الأمة واحدة والعدو واحد، والمشروع واحد وإن تعددت السبل. فمشاهد التفاف السنة جمهورا ونخبا ثقافية وحركات سياسية وخاصة إسلامية حول المقاومة ورموزها أظهر أن الوعي بالتحديات وتحديد الأولويات وفقه المرحلة لم يغادروا العقول وإن غاب زمنا عن السطح، وهي درجة متقدمة من النضج تستلزم الكثير من الصبر والعمل أمام الاستفزازات والإثارات حتى تتمكن فعلا ونظرا وتشكل مسارا دائما وثابتا. يكفي المقاومة نصرا وفخرا لو أفلحت في الخروج من هذه المواجهة بضرب الطائفية وتقريب أطراف الأمة من بعضها بعدما عجز التاريخ والحاضر في رأب هذا الانفصال وفشلت عديد مؤتمرات التقريب رغم جهدها والنوايا الحسنة في  إدامة التعايش بين الفرقاء. إن خطورة ما يلف في كتابات الليبراليين العرب الجدد وأطياف من اليسار حول التخويف من شيعية المقاومة، يظهر في خشيتهم المزعومة من الطائفية، وهم يشعلون جذوتها بوعي أو بغير وعي و هو مطب سيحسب عليهم وليس لهم، وهو سدّ لا نراه إن فتح سوف يترك جانبا دون آخر محميا من الغرق والفناء. وهكذا تتجلى دائما ومجددا غياب النظرة الاستراتيجية والبعيدة المدى في هذا الطرح وعند أصحابه، ويبقى حبيس تقييمات متواضعة ورؤى وتصورات لا تتجاوز أحيانا مشاغل يوم وليلة! ختــاما إن بناء التوجهات الكبرى للأمم وتشكّل عقلياتها الفاعلة والمبدعة، يبدأ من هذه اللحظة الحضارية الهامة في حياة الفرد والمجموعة، لحظة الصفر التي تقرر نهاية عهد وبداية آخر، تقرر انتهاء ثقافة ودخول أخرى، تعزم أن ثقافة الهزيمة وعقلية الهزيمة وعهد الهزيمة قد انتهى، وأنها دخلت معابر الانتصار والبناء. إن ما يبقي هذه الجذوة مشتعلة وصلبة البناء والتشييد وأن لا تتوارى كغيرها في أعماق التاريخ هي إرادة الحياة والمسؤولية الأخلاقية التي يجب أن تحملها الجماهير أفرادا وجماعة تجاه أوطانها وأمتها، وهي مسؤولية تنبع من منظومة قيمية أساسها العمل للصالح العام والهمّ المتواصل بالشأن العام والخير للإنسان شرقت أو غربت وجهته، ذلك هو رجل الحضارة، يقول مالك بن نبي رحمه الله: عندما يتحرك رجل الفطرة ويأخذ طريقه لكي يصبح رجل حضارة، لا زاد له سوى التراب والوقت وإرادته لتلك الحياة. المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net


حذار .. فالحرب على لبنان وعلى العرب لم تنته

محمد المختار الجلالي لقد فاق أداء المقاومة اللبنانية أغلب التوقعات حتى المتفائلة منها، ورغم إعلان رئيس الولايات المتحدة انتصار الجيش الإسرائيلي وإعلان إسرائيل تحقيق أهدافها من الحرب التي شنتها على لبنان فإنّ هنالك إجماع على فشل المحاولة الإسرائيلية. ولماّ كانت إسرائيل لا تقبل بالهزيمة وتُصر على المحافظة على صورة الدولة القوية صاحبة الجيش الذي لا يُهزم فإنها ستحاول حتما بطريقة أو بأخرى محو آثار الهزيمة. ولما كان تنفيذ القرارات الأممية عموما رهين إرادة الدول القوية فإن القرار 1701 على علاّته ورغم امتناعه عن إدانة العدوان الإسرائيلي وعدم استجابته للمطالب اللبنانية المشروعة سوف يُطبَق على هوى إسرائيل وبدعم لا مشروط من الولايات المتحدة ومن بعض الدول الغربية الأخرى مثل فرنسا. وقد بدأت بوادر هذا التوجه في الظهور، من ذلك وعلى سبيل الذكر فقط تواصل الحصار على لبنان واستباحة فضائه الجوَي وخرق وقف إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي وإيقافه مواطنين لبنانيين وتراجع إسرائيل عن اكتفائها بنشر الجيش اللبناني على الحدود شرطا لانسحابها إلى داخل الأراضي المحتلة لتطالب في مرحلة أولى عبر حاميتها أمريكا بنشر القوات الأممية وبنزع سلاح المقاومة قبل الانسحاب وفي مرحلة ثانية عبر حليفتها فرنسا بأن تُنشر القوات الأممية على الحدود اللبنانية السورية .. والبقية تأتي .. إنّ إسرائيل لم تقبل بنتائج الحرب البشعة التي شنتها على لبنان على مرأى ومسمع من العالم ولم تكتف بتقتيل المدنيين الأبرياء باستعمالها أسلحة ثبت أنها محرمة دوليا ولا هي اكتفت بالإفلات من الإدانة بعد تدميرها بلدا من أجمل بلدان الدنيا، بل هي ما تزال راغبة في المزيد لمحو آثار الهزيمة التي مُنيت بها.. لذلك لا يُستغرب بل من المحتمل جدا أن تستنبط إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية أيَ ذريعة لتوجيه ضربة موجعة أخرى للبنان أو لغير لبنان تعيد إليها بريق القوة الذي كان يبهر الكثيرين وخاصة من بين العرب الذين ساهموا في بناء أسطورة إسرائيل بتهويل قدراتها تبريرا لتفاديهم الاصطدام معها.. فالقرار 1701 قابل للتأويل بشكل كبير والكل يعلم أنه لن يُؤوّل لفائدة لبنان ، كما أن هذا القرار قد يتمخض عن قرارات أخرى منحازة تماما لإسرائيل تُفرغه من محتواه بل تتجاوزه أصلا، فما الذي سيفعله العرب عموما والفرقاء اللبنانيون خصوصا لإيقاف إسرائيل عند هذا الحد ؟ وما هي المواقف الاستباقية التي سيتخذونها لردع إسرائيل عن تنفيذ أي رغبة في مواصلة التعسف على لبنان وفلسطين وسوريا ؟ انطلاقا من المواقف التي كان البعض منها مناهضا للمقاومة إن لم نقل مشجعا لإسرائيل قبل أن تتغيّر قليلا أمام صمود حزب الله في لبنان هل من المؤمَل أن يتحد العرب حول موقف ثابت في النزاع اللبناني الإسرائيلي أولا وفي القضية العربية برمّتها مع إسرائيل ثانيا ؟ والأهم من ذلك هل يضع العرب قدراتهم الاقتصادية ولم لا العسكرية (ولو بالتلويح باستعمالها في إطار اتفاقية الدفاع المشترك) في خدمة مواقفهم وأداة لتنفيذها على الأرض ؟ إنّ الأحداث الأخيرة التي تألقت فيها المقاومة ولئن لم يكن للعرب يد إيجابية فيها تشكل فرصة تاريخية لهم حتى يراجعوا مواقفهم ليس النظرية منها والمبدئية فحسب بل وتصرفاتهم العملية أيضا وحتى يفرضوا الحلول العادلة لقضايا أمتهم.. إنّه من غير المقبول أن يتواصل الجمود العربي على ما هو عليه وأن تنحصر دائرة الفعل العربي في تصريحات عامة وضبابية يُراد لها ألاَ تخرج عن الهوامش المسموح بها من الدول الكبرى وأن تُحاول يائسة بائسة إرضاء الرأي العام الداخلي المتطلع للحرية والكرامة.. ألم يحن الوقت بعد ليمسك العرب بمصائرهم ويستعملوا الإمكانيات الهائلة المتوفرة لديهم عوض البكاء والتشكي والتعلل بالعجز وقلة ذات اليد ؟ فأين سلاح الديمقراطية الذي يجعل الشعوب تتحكم في مصائرها وتملي إرادتها على حكامها ، وهو السلاح المُغيَب دوما ، وأين سلاح البترول الذي عبر أمير قطر عن أسفه الشديد لعدم استعماله، وأين سلاح الأموال المكدسة في مصارف الغرب، وأين سلاح الدبلوماسية الجريئة، وأين سلاح الغضب الشعبي ؟ وأين الترسانات الحربية التي تبذل الدول العربية في شرائها كثيرا من مقدراتها، أم هي معدّة للاستهلاك الداخلي ؟ الأسلحة كثيرة وأشكال استعمالها لا تُحصى.. هل سنستعملها لاستعادة حقوقنا المشروعة أم مكتوب علينا أن تمرّ هذه الفرصة التاريخية أيضا سبهللا.. إن الأنظمة العربية لا تحترم شعوبها ولا تخشاها بقدر ما تخشى وتحترم الدول الغربية ، وقد بلغ بأغلبها الأمر إلى العمل على تأبيد كبت الحريات في الداخل والانخراط في تعريف أمريكا العام والضبابي للإرهاب إلى حد ذهب معه بعض المسؤولين العرب إلى رفض التعامل مع الحكومة الفلسطينية المنتخبة ديمقراطيا وإلى شجب المقاومة اللبنانية على خلفية أن حركة حماس وحزب الله يمارسان الإرهاب.. بل بلغ الأمر بتلك الأنظمة إلى سنَ قوانين محلية مجحفة وغير دستورية مملاة عليها من الخارج لتسهيل القضاء على أيَ نوع من أنواع التململ داخل بلدانها بتهمة الإرهاب.. وفي ذلك دليل على درجة ما بلغناه من ذل واستكانة جعلنا ليس فقط نمتنع من المقاومة بل نقف ضدها وندينها مع ما يترتب عن ذلك من إبقاء على احتلال الأرض العربية وقبول بإملاءات إسرائيل والدول الكبرى .. إنّ العرب بحاجة الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى وقفة نقدية حازمة وحاسمة تُعيد الأمور إلى نصابها وتُصلح ما بدأنا نألفه من تردَ واعوجاج وتُزيل الغبار عن خصال الشجاعة والشهامة والحمية والمروءة وتنتفض ضد الخضوع والهزيمة والرضا بالدون والقبول بالأمر الواقع وكأنه قدر محتوم .. لقد آن الأوان للنخب الوطنية في كل قطر من الأقطار العربية أن تضطلع بالدور الموكول إليها من منطلق مسؤولياتها وحق المواطنين عليها وأن تستنبط الطرق والوسائل الكفيلة بردَ الإعتبار إلى الشعوب وتأهيل الأنظمة حتى تكون ممثلة وفية لمواقف وطموحات شعوبها مستعدة للحرب على العرب التي لم تنته. (المصدر: مجلة « كلمة » الألكترونية، العدد 45 بتاريخ 3 سبتمبر 2006)  

المقاومة والطرح الاستراتيجي البديل

عبد الرؤوف العيادي عاشت المنطقة العربية على امتداد العقود الثلاثة الماضية على سيادة مفاهيم السلام الأمريكي والتطبيع مع الكيان الصهيوني. واقترن العمل بها في مرحلة أولى بمقاومة ما يسمّى بالأصولية والتطرف ثم بالحرب على « الإرهاب ». ويمكن القول إنّ هزيمة الجيوش العربية في جوان 1967 تُعدّ الحدث الفاصل في تاريخ العرب بين إستراتيجية التحرير والانخراط شيئا فشيئا في الإستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى تأمين البقاء للكيان الصهيوني ووضع اليد على مقدرات المنطقة من مصادر الطاقة. وأخذا بمقتضيات هذه الإستراتيجية الاستعمارية كان على الأنظمة العربية التأقلم مع متطلباتها والانسجام مع أهدافها باسم « الواقعية » و »المصلحة الوطنية »، وتعاملت لفرض هذا الخيار مع قطاعات عديدة من الشعب والنخبة بأسلوب القمع المنهجي والوحشي بعد أن فقدت السلطة فيها وظيفتها السياسية (بالمعنى الوطني)، إذ أنّ ما حصل هو إخلاء المجال السياسي للقوى الاستعمارية المهيمنة. وهو ما يفسر إلى حدّ مبررات القمع المحلّي بعد أن أصبحت السلطة في مركز تنفيذ لسياسات دَولية عاجزة عن رسم سياسة وطنية، ولا هي قابلة بمن يتجرّأ على ذلك من المعارضة. وصاحب هذا النهج القمعي استشراء الفساد في دوائر السلطة العائلية ورموز أجهزة القمع و »التأطير السياسي » في شكل محاصصة للريع النفطي أو الريع الإداري بالنسبة إلى الأقطار التي لا تملك ثورة نفطية. وتعاقبت مشاهد الهزيمة العسكرية للأنظمة التي حاولت التمرد على هذا النظام الاستعماري ومظاهر القمع الوحشي بالداخل ممّا ولّد الشعور بالإحباط واليأس وأفضى إلى تغييب الشعب وإذلاله والذي بدا وكأنّه يتطبّع مع الوضع مستسلما لا مباليا بالرغم من توالي مشاهد التذبيح والتدمير التي تطال من حين لآخر هذا البلد العربي أو ذاك. ولم تلق دعوات جزء من النخبة في إنجاز البديل الديمقراطي لأنظمة الحكم القائمة تجاوبا يذكر لدى الشعوب العربية التي لا يمكنك التعرف إلى أسباب موقفها السياسي ذاك من مشروع يحرّر إرادته في ظلّ انعدام إعلام حرّ بعد أن حوّل الحاكم إلى مرآة خاصة يرى فيها صورته كما يركبّها، واستملك البوليس السياسي الفضاء العام وزوّر الانتخابات، لذلك لم يبق له مجال للتعبير عن إرادته إلاّ بمناسبة المواجهات المفتوحة من انتفاضات وحروب. والمتتبع لرد الفعل الشعبي خلال أيّام ما أطلق عليه الحرب السادسة بين العرب وإسرائيل، وما أظهره من مواقف المساندة المطلقة للمقاومة الباسلة في جنوب لبنان يدرك مكانة تحرير الأرض كهداف إستراتيجي وكمشروع تحرري لا يمكن مقايضته بديمقراطية تفتقد للطرح الإستراتيجي الذي من المفروض أن تكون وعاء له ووسيلة لتجسيمه أو بديمقراطية تقام على إستراتيجية « الشرق الأوسط (الكبير أو الجديد). وما يؤيّد هذا الطرح هو أنّ التجربة التي خاضها الديمقراطيون بتونس كانت كفيلة بتأكيد حقيقة أنّ القوى السياسية الغربية التي حاولوا إقامة علاقة معها على أساس المشترك من القيم الديمقراطية كانت دائما تقيّم تلك العلاقة من زاوية الموقف من إستراتيجية السلام الأمريكية ومن الحركات « الأصولية » التي ترفض القبول بالكيان الصهيوني. وإذا كانت الحرب السادسة بين العرب وإسرائيل قد آذنت بانتهاء حقبة ثبت من خلالها أنّ حركة التحرر الوطني لم تف بوعودها في إقامة الدولة العربية التي توفّر الأمن والكرامة للمواطن_ طالما أنّها لم تستكمل تحرّر الأرض المغتصبة_ فإنّ الدلائل والمؤشرات المرتبطة بما جرى من انهزام الآلة العسكرية الإسرائيلية في مواجهة المقاومة اللبنانية هذه الصائفة، تبعث على الاعتقاد بأنّ المنطقة العربية مقدمة على تحوّلات هامّة بعد سقوط ثوابت الحقبة الماضية التي تلت هزيمة جوان 1967 من مفاهيم وعقائد ليس أقلّها خلخلة عقيدة الجيش الذي لايقهر و »موت » السلام الأمريكي، وبروز مفهوم المقاومة بما يعنيه من بديل إستراتيجي. وبانتهاء المواجهة المسلّحة يأتي دور النخبة السياسية العربية في صياغة البدائل النظرية ومزيد بلورة المفاهيم التي انبثقت من صلب الصراع مع العدوّ الإسرائيلي، لتفتح الأفق الإستراتيجي الذي يعيد الشعب إلى حركة التاريخ بعد تغييب تواصل ثلاثة عقود. وفي هذا السياق فإنّ مفهوم المقاومة الذي جاء على أنقاض فشل شعار « الثورة » ثم مقولة « الإصلاح » كفيل برسم التصوّر البديل ليستوعب حركة التصدّي للإستراتيجية الأمريكية في أشكالها السلمية والعسكرية وأبعادها السياسية والإيديولوجية والاقتصادية والتصدي للقمع الداخلي الذي يرتبط وثيق الارتباط بتلك الإستراتيجية. (المصدر: مجلة « كلمة » الألكترونية، العدد 45 بتاريخ 3 سبتمبر 2006)

تقرير: ليبيا تدرس الانضمام لدوريات بحرية للاتحاد الاوروبي
فاليتا (رويترز) – نقل عن تونيو بورج وزير الداخلية في مالطا قوله يوم الاثنين ان ليبيا تدرس الانضمام للدوريات البحرية بقيادة الاتحاد الاوروبي التي تهدف الى وقف الموجة المتزايدة للمهاجرين الافارقة الذين يحاولون وصول اوروبا بشكل غير مشروع. وقال بورج لصحيفة مالطا تايمز ان اجتماع وزراء الداخلية الذي كان من المقرر أن يعقد في مالطا الاسبوع الحالي لمناقشة الهجرة بشكل غير مشروع تأجل بناء على طلب فرانكو فراتيني مفوض الاتحاد الاوروبي لشؤون العدالة. وتابع أن فراتيني الذي كان من المتوقع أن يحضر الاجتماع أرجأ الجلسة للسماح لاجتماع فني بين الدول تقييم مشاركة ليبيا في الدوريات. وأضاف أن فراتيني أبلغه بأن الحكومة الليبية « تدرس بجدية » الانضمام للدوريات البحرية اذا كانت هناك مساندة من الاتحاد الاوروبي لمساعدة ليبيا في مراقبة حدودها الصحراوية. واستطرد « هذا لا يعني أن ليبيا قبلت الدوريات البحرية ولكن الان تدرس على الاقل الانضمام لها بشرط الحصول على مساعدة للدوريات الصحراوية. » وترفض ليبيا حتى الآن الانضمام للدوريات. ومن المقرر أن تبدأ الدوريات البحرية في وقت لاحق من الشهر الحالي في محاولة لإثناء المهاجرين عن عبور البحر المتوسط متجهين شمالا الى ايطاليا ومالطا من ليبيا. ووصل أكثر من عشرة آلاف مهاجر يبحثون عن وظائف أو يفرون من القمع السياسي الى جزيرة لامبيدوسا الايطالية العام الحالي. وتعاني مالطا ايضا من المهاجرين بشكل غير مشروع الذين يصلون الى شواطئها. ومعظم المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط يصلون الى ليبيا من منطقة افريقيا جنوب الصحراء ويعبرون الصحراء ثم يغادرون على متن قوارب من شاطيء ليبيا. (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 4 سبتمبر 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)  

هل نسف القذافي الأب مبادرة الابن؟

ليبيا علي مشارف عهد جديد.. والقذافي حسم الصراع بين الاصلاحيين والحرس القديم

لندن ـ قدس برس ـ سليمان دوغة اعتاد الليبيون ومعهم جمهور الرأي العام العربي، في كل عام، ومع اقتراب الأول في شهر أيلول (سبتمبر)، أن يطل عليهم الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، عبر شاشات التلفاز، بخطاب يفجر فيه مفاجآت علي الصعيدين الداخلي والخارجي، ليس شرطا أن يتطابق مضمونه مع ما في عقول مشاهديه، ولكنه حتما سيحمل في طياته كثيرا من التعليقات الساخنة والساخرة في آن واحد. الزعيم الليبي في هذا العام، وعلي حين فجأة اختار مدينة البيضاء، التي تقع في قلب الجبل الأخضر، شرق البلاد، والتي كانت معقلا رئيسا للملك الراحل ادريس السنوسي، كمكانة مدينة سرت بالنسبة للعقيد القذافي اليوم، كما أنها معقل الحركة السنوسية، وحركة الجهاد الليبي ضد الاحتلال الايطالي. وليس من باب الصدفة، كما يري محللون، اختيار الزعيم الليبي، لتلك المدينة، التي لا تزال تختزن ولاء شديدا للملك السنوسي، ولا يزال سكانها يسمونه بـ سيدي ادريس ، ويترحمون عليه كلما جاء ذكره علي لسان أحدهم، ولم تنجح كثيرا محـــاولات الثــــــورة في اختراق نسيجها الاجتماعي، وتحويلهــــا الي صفها، علي الرغم من انتشــــار ما تعـــــرف بـ المثابات الثورية فـــوق أراضـــــي البيضاء . وتوجه العقيد القذافي، بخطابه ليلة الفاتح من سبتمبر، الي من يعرفون بـ الفعاليات الثورية ، والمكونة حسب الوصف الرسمي من حركة الضباط الأحرار، ورفاق القائد، وأعضاء حركة اللجان الثورية . ولاحظ المعلقون غياب نجل العقيد القذافي سيف الاسلام، وحضور أحد أبنائه العسكريين (معتصم). وعند دخول القذافي، تعالت الهتافات من قبل أنصاره ومؤيديه، الذين تكدسوا في داخل خيمة لا تختلف عن تلك التي نصبت قبل أسبوع لنجله سيف الاسلام في سرت، رافعين أعلاما خضراء صغيرة، يرفرفون بها علي طريقة الحزب الشيوعي، يقودهم ابن عم العقيد القذافي، وأحد أهم قادة ما يعرفون بـ الحرس القديم في ليبيا، (أحمد ابراهيم)، الذي يتولي منصب نائب رئيس البرلمان الليبي. ومن أبرز المفاجآت التي فجرها القذافي خلال خطابه هذا العام، قوله ان الانقلاب الذي نفذه في 1/9/1969، لم يكن يهدف الي قلب النظام الملكي بالدرجة الأولي، وانما كان من أجل تحرير ليبيا المحتلة ! والتي قال انها كانت محتلة احتلالا كاملا من قبل الأمريكيين والبريطانيين والايطاليين. ويقول القذافي، انه كان يخطط هو وعدد من رفاقه، لشن عمليات مقاومة ، وهجوم فدائي ، ضد القواعد العسكرية الأجنبية، وأنه لم يكن ليدخل الجيش، ولا ليقود انقلابا عسكريا، لو أن ليبيا لم تكن محتلة حسب وصفه. وجاء خطاب القذافي، الي مؤيديه، بعد عشرة أيام من خطاب ساخن أطلقه نجله سيف الاسلام في 20 آب/أغسطس الماضي، نسف فيه جميع شعارات الثوريين، التي تتحدث علي أن ليبيا أصبحت بفضل الثورة الجماهيرية السعيدة و الفردوس الأرضي . وقال انها تحولت الي دولة الفوضي التي نهبتها المافيات والقطط السمينة ، كما انتقد بشدة فشل الديمقراطية المباشرة وتحدث عن انتهاكات واسعة قال انها ارتكبت باسم الشعب والديمقراطية المباشرة والشعب منها بريء . ما وراء الخطاب يعتقد أغلب المراقبين أن القذافي لم ينسف مبادرة نجله، علي العكس، فان الخطاب وحشد الثوريين بالآلاف دخل خيمة ضخمة، انما جاء تدشينا لمرحلة جديدة، أراد منها القذافي حسم الخلاف الذي ظل طوال السنوات الماضية سرا، وبدأ يظهر للعلن شيئا فشيئا، بين الاصلاحيين بزعامة نجله (سيف الاسلام)، والحرس القديم بزعامة ابن عمه (أحمد ابراهيم)، باعلان مصالحة داخلية بين الجناحين، تمهد الطريق نحو عهد جديد، سيكون فيه سيف الاسلام الرجل الأول في ليبيا . وبحسب مطلعين، فان مرحلة المصالحة الداخلية بين جناحي الاصلاح والحرس القديم، تقوم علي أسس، ظهرت جلية في خطاب القذافي الأخير، أساسه الدعم والتأييد الكاملين لمبادرة سيف الاسلام، ما يعني دعمه من قبل الحرس القديم وعدم الوقوف أمامه مستقبلا، بل ذهبت حركة اللجان الثورية في بيانها الي أكثر من ذلك عندما تحدثت عن تبنيها للمبادرة، الأمر الذي فسره مراقبون ضمنا بتأييد استلام سيف الاسلام القيادة الليبية، في حال رحيل والده في أي لحظة. وبدا العقيد القذافي، حريصا في لقائه بمؤيديه، الذين شكرهم بحرارة علي حمايتهم للثورة، علي نزع تأييدهم بشكل علني لنجله سيف الاسلام، وعكس ذلك ما جاء علي لسان، الرجل الأول (أحمد ابراهيم) الذي أكد هذا التأييد بالقول: يا قائد، سنحاول وسنبذل جهدنا كما كنا دائما لأن ننفذ هذا البرنامج الجديد. نستأذنك في أن ننفذ برنامج مبادرة الشباب (معا من أجل ليبيا الغد) بعد أن يعرض علي مجلس التخطيط وأنت أمرت بأن مجلس التخطيط يتولي هذه الخطة وأن ينفذها . كما أعلن الضباط الوحدويون الأحرار ورفاق القذافي وحركة اللجان الثورية تأييدهم لمبادرة مؤسسة القذافي للتنمية التي طرحها رئيسها سيف الاسلام القذافي الأسبوع الماضي. وفي مقابل دعم الثوريين لانتقال القيادة الليبية الي سيف الاسلام بشكل سلس، كان العقيد القذافي حريصا علي اتمام هذه المصالحة الداخلية بين الجناحين، باعترافه بالفضل للقوي الثورية في حماية الثورة، وسحق الأعداء في الداخل، وهم قطعا المقصود منهم معارضي النظام، علي الرغم من أن القذافي نفسه قد حمل بشدة وفي أكثر من مناسبة علي تجاوزات اللجان الثورية، ووصف بعض أعضائها بـ اللصوص ، وبتشويه الثورة، وأمر باعادة تأهيل أعضاء الحركة حتي يكونوا أشخاصا صالحين في المجتمع . شهور التوبة الأربعة! بل ان العقيد القذافي، وفي رد واضح علي أي محاولة لاستغلال المعارضة الليبية، خطاب نجله سيف الاسلام، وقطع الطريق عليهم في الخارج، أمر لجانه الثورية بـ سحق الأعداء اذا ظهروا مرة أخري، وذلك في اشارة الي أهمية استمرار دور أعضاء هذه اللجان، التي توجه لها انتقادات عنيفة من قبل منظمات حقوق الانسان، وتوصف بأنها ميليشيات النظام الحاكم. ويري معلقون أن القذافي ذهب أبعد من شكر الثوريين ، الي العفو عن جميع تجاوزاتهم السابقة ودعوتهم الي التوبة علي الطريقة الكنسية ، وقال ما نصه: الآن سأقترح عليكم أن عندنا أربعة شهور قبل بداية السنة القادمة.. هذه شهور التوبة. هذه شهور مراجعة ذاتية. لا نريد السرقة، لا نريد الظلم، لا نريد التطاول، لا نريد التزوير، لا نريد أن تمد يدك الي حاجة أخري تأتي بها. هذه ان شاء الله في الأربعة شهور سوف تستقيم الأمور . وفي هذه رسالة، كما يري مراقبون، بعدم محاكمتهم وفتح ملفاتهم السابقة، التي يلوح بها نجله سيف الاسلام في كل مرة، يتناول فيها ضرورة القضاء علي القطط السمان والمافيا والمحاكم الثورية . القائد الأب لقد بدا واضحا من خطاب العقيد القذافي الذي كان مرتاحا طوال حديثه لمدة ساعتين، أنه كمن يقوم باسترضاء أنصاره، وأخذ دور الأب الحريص علي عدم تشتت أسرته وعلي عدم دب الخلاف بين أفرادها. وأبدي القذافي تخوفه من أن وصف القوي الثورية بـ السرقة والنهب ، سوف يؤدي في النهاية الي انهيار ثورته، وقال ما نصه: الطعن في هذه القافلة في هذه الحركة من الرفاق الي الضباط الأحرار الي اللجان الثورية، التي هي حركة واحدة في النهاية.. الحركة التاريخية للشعب الليبي.. هذا يشوهها ويؤدي الي الطعن فيها ويخلق حتي ضغينة فيما بينها وتسوس هي من الداخل وتتفكك وتتخلخل وتضعف، وهذا يستفيد منه العدو.. وبالتالي لكي نهزم العدو ولكي نكون أقوياء وجبهتنا قوية متراصة لا نسمح بالسوس أن ينخر فيها . لقد بدا واضحا دور القائد الأب ، الذي يحاول وهو يدخل عامه الخامس والستين، في التقريب بين أجنحة نظامه غير المتفقة في رؤيتها لمستقبل البلاد، كما بدا واضحا أن القذافي لم يعد يريد ظهور أي انقسامات داخلية في الرؤي مستقبلا، وحسم مسألة القيادة من بعده، الي نجله سيف الاسلام. واذا كان العقيد القذافي قد اختار الأول من أيلول/سبتمبر عام 2006، شعارا لـ المراجعة والتصحيح والنقد الذاتي ، فان ما لم يصرح به القذافي وكشفته نبرته الحزينة وهو يطلق دعواته بالرحمة ويستمطر شآبيب الرحمة علي رفاقه الضباط الذين بدأ الموت يخطفهم واحدا تلو الآخر، تقول ان خطاب الزعيم الليبي دشن عهدا جديدا، واختار لليبيا قائدا جديدا ، ضمن له دعم وتأييد الحرس القديم. (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 4 سبتمبر 2006)

المعارضة العربية بعد السلطة للأبد

بقلم: حكم البابا (*) « انتخاب » الأستاذ علي صدر الدين البيانوني لولاية ثالثة ولأربع سنوات قادمة مرشداً لجماعة الاخوان المسلمين السورية مرعب، فهاهي قيادات المعارضة العربية تقرر أن تلعب نفس لعبة السلطات التي تعارضها، بالتحكم بتنظيماتها والاستمرار إلى الأبد في قيادتها التاريخية، وأغلب الظن بأن العديد من قيادات المعارضة العربية ستلتقط خطوة الأستاذ البيانوني، باعتبارها طوق نجاة أو نافذة فرج في أي امتحان انتخابي حقيقي أو شكلي تجري بين كوادرها للبقاء على رأس تنظيماتها، ومن المؤكد أن هذه القيادات المعارضة ستخفف في المستقبل من انتقاداتها للسلطات التي تعارضها، وتحديداً في مسألة الاستئثار بالحكم والاستمرار في القيادة، فمن غير المنطقي بعد خطوة مرشد الاخوان المسلمين السوريين أن تعيب المعارضات العربية على غيرها ما تقبله لنفسها، إلاّ إذا بحثت عن مبررات من قبيل الظروف المختلفة بين السلطة والمعارضة، وأن لقيادات السلطة ميزات، بينما على قيادات المعارضة مهام، أو كون الانتخاب في صفوف المعارضة كان انتخاباً حقيقياً، وأن المرشد العام أو الأمين العام أو رئيس الحزب – سموه ما شئتم – أعيد انتخابه لكونه محبوباً، أو لخدماته الجليلة التي قدمها لحزبه، أو لعدم وجود شخصية استثنائية قادرة على قيادة حزبه أكثر منه، وليس شكلياً مثلما يحدث في انتخابات قيادات السلطات العربية. لا أعرف ما إذا كانت عملية الانتخاب التي جرى فيها إحراج الاستاذ البيانوني بالبقاء في منصبه لولاية ثالثة – باعتباره نشر رسالة كان قد وجهها لأعضاء تنظيمه يعلن فيها عزمه عن مغادرة المنصب، وتمنى لهم الخير من بعده – حقيقية أم شكلية، ولكن الخطوة في مجملها تشبه في شكلها الخارجي على الأقل البروفة الهزلية التي أجراها قبل مدة بسيطة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والفارق الوحيد بين الحكايتين الدراميتين شكلاً ومضموناً، أن جماهير الرئيس صالح نزلت علانية إلى الشوارع لتطالبه بالتخلي عن اعتزاله للرئاسة، وتعففه عن السلطة، في حين عملية اعتزال وتعفف الأستاذ البيانوني عن المنصب ومن ثم تراجعه جرت كلها ضمن الغرف المغلقة، وكل ماوصل إلينا من اعتذار أو قبول سمعناه من مصادر ناطقة باسم جماعة الاخوان المسلمين نفسها! ولا أظن أن هذه الخطوة الاستثنائية التي قامت بها جماعة الاخوان المسلمين في سورية ستمر بدون أسئلة تطرح – مهما حاول البعض اعتبارها شأناً داخلياً يخص تنظيمهم -، عما إذا كان الخطاب الديمقراطي الذي يعتمدونه حقيقياً، لا مجرد بروباغاندا إعلامية وإعلانية وترويجية، وأي تبرير أو دفاع أو حتى عرض حقائق ونشر محاضر لما جرى من تفاصيل في عملية (الانتخابات) التي جرى بموجبها التمديد للأستاذ البيانوني، ستزيد من حجم وعدد إشارات التعجب والاستفهام عند كثيرين، بدلاً من تنقصها، وستقلق الجميع، بدلاً من أن تطمئنهم. كنت أفضل أن يكون المثال الأعلى للمعارضات العربية ومن بينها تنظيم الأستاذ البيانوني، الرئيس السوداني عبد الرحمن سوار الذهب، الذي يبدو أنه الوحيد من بين القيادات العربية في السلطات ومعارضاتها، لم تغره ميزات القيادة، مهما صغرت أو كبرت، والذي يتذكره العرب – بينهم وبين أنفسهم على الأقل – عند كل انتخاب أو استفتاء عربي، على أن يكون مثال هذه المعارضات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح باعتباره مثالاً للكوميديا الديمقراطية في العالم العربي. (*) كاتب وناقد سوري مغترب (المصدر: موقع « أخبار الشرق » (لندن) بتاريخ 28 أوت 2006)


مقتل اربعة شرطيين واصابة تسعة في كمين بمنطقة القبائل الصغري

الجزائر تعلن تحييد 500 اسلامي مسلح في ظرف سنة وتلمح الي احتمال تمديد العمل بقانون العفو
الجزائر ـ القدس العربي من مولود مرشدي كشف وزير الداخلية الجزائري ان حوالي قوات الامن الجزائرية حيّدت نحو 500 اسلامي مسلح في ظرف سنة، ان بقتلهم او القبض عليهم في ظرف سنة. وقال يزيد زرهوني امس الاحد علي هامش افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان الجزائري ان الحكومة لن ترد اي إرهابي يسلم نفسه بعد انقضاء مدة تنفيذ قانون العفو . وأضاف أبواب المصالحة الوطنية لن تغلق وانه اذا سلم أي إرهابي نفسه ستتكفل به السلطات وفق ما نص عليه قانون العفو . ومضي الوزير قائلا من غير المنطقي رفض توبة إرهابي يريد تسليم نفسه بعد انتهاء الآجال (..) ماذا تريدونني أن أقول لشخص يريد تسليم نفسه؟ أنا ملزم بأن أقبل توبته .
من جهة أخري قال زرهوني ان مكافحة الإرهاب لن تتوقف وستتواصل الي غاية القضاء علي الجماعات المسلحة التي ترفض الاستسلام والاستفادة من العفو . وبخصوص تمديد العمل بقانون السلم والمصالحة الوطنية الذي انقضت اجاله نهاية الشهر الماضي، قال زرهوني ليس هناك نص تشريعي او قانون ينص علي التمديد، لكن لا يمكن تحديد المصالحة بآجال لان الهدف منها وضع حد للازمة التي تعرفها البلاد . وبدوره صرح رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم أمس ان المصالحة الوطنية غير مرتبطة باجال محددة، معتبرا ان اللجان الولائية المكلفة بمتابعة تنفيذ القانون ستواصل عملها حتي بعد اعلان النتائج النهائية.
وقال بلخادم ان اللجنة الوطنية لمتابعة تقييم تنفيذ الميثاق التي يترأسها ستجتمع بعد غد الاربعاء لعرض النتائج النهائية. من جهة اخري وصف وزير الداخلية النتائج المحققة من القانون منذ بداية اذار/مارس الاخير بانها ايجابية للغاية ، لكنه لم يقدم تفاصيل إضافية. وكان زرهوني اعلن في تصريحات سابقة ان مابين 250 الي 300 مسلح سلموا انفسهم وأسلحتهم الي السلطات في اطار قانون العفو. وقال ان حوالي 800 مسلح ما زالوا في الجبال.
علي الصعيد الميداني، قتل اربعة من عناصر الشرطة وجرح خمسة اخرون في كمين نصبته جماعة مسلحة لدورية بغابة اكفادو بولاية بجاية الساحلية (250 كلم شرق). ونقلت صحف محلية امس ان الدورية كانت تسير في الطريق الوطني رقم 12 الرابط بين بلدتي اكفادو والقصر عندما باغتتها مجموعة مسلحة يعتقد انها تنتمي الي الجماعة السلفية للدعوة والقتال واطلقت عليهم وابلا من الرصاص فقتلت اربعة وجرحت خمسة منهم. وأشارت المصادر ان الجماعة المسلحة باغتت الدورية بزرع قنبلتين تقليديتين في الطريق الذي كانت تسير فيه قبل ان تطلق نيرانا كثيفة. وكانت مدينة القصر، بنفس المنطقة، شهدت قبل أسبوع اغتيال شرطيين. وقالت مصادر اعلامية ان المسلحين الذين نفذوا العملية ينتمون الي الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي اعلنت رفضها لتدابير ميثاق السلم والمصالحة. (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 4 سبتمبر 2006)  

وفاة عبد الله المطوع رئيس جمعية الإصلاح بالكويت

  

توفي صباح اليوم (الأحد 3 سبتمبر 2006) رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت عبد الله العلي العبد الوهاب المطوع وهو من أبرز مؤسسي حركة الإخوان المسلمين ورواد العمل الإسلامي في الكويت. وكان المطوع الذي توفي عن عمر ناهز الثمانين عاما من مؤسسي جمعية الإرشاد في الكويت في أوائل الخمسينيات بعد أن التقى في أحد مواسم الحج في مكة المكرمة مع مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر حسن البنا. وأسس المطوع عام 1962 جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت التي نالت ترخيصا رسميا من السلطات الكويتية كجمعية نفع عام. ومن خلال هذه الجمعية -التي كانت لسان حركة الإخوان المسلمين في الكويت- أشرف المطوع على إدارة مجلة المجتمع الأسبوعية الناطقة باسم الجمعية. كما ساهم في تأسيس الحركة الدستورية الإسلامية التي انبثقت عن الإخوان المسلمين بعد انتهاء الاحتلال العراقي للكويت، وتمكنت من إيصال نواب لها في البرلمان الكويتي. وكان للمطوع حضور بارز في الأوساط الإسلامية، وأشرف شخصيا على تأسيس عدد من المشاريع ذات طابع إسلامي، ويعتبر من مؤسسي رابطة العالم الإسلامي في جدة. واستلم المطوع إدارة الشركة التي أسسها والده الذي كان من أكبر تجار الأثاث والأجهزة الكهربائية والأدوية في الكويت. ويقول مقربون منه أن الابن جعل شركة والده -بعد وفاته- من أكبر الشركات متعددة الأنشطة في الكويت واستغل الثروة الكبيرة التي جناها من هذا العمل لصالح دعم الأعمال الخيرية داخل وخارج الكويت. وعرف عن هذه الشخصية تعاطفها مع الكثير من قضايا العالمين العربي والإسلامي، كما اشتهر بتقديمه للجمعيات الخيرية العاملة لدعم الشعب الفلسطيني.  (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 3 سبتمبر 2006)  


تقـرير أولى لبعثة منظمات حقوق الإنسان العربية الى لبنان الفترة من 8 إلى 15 آب/ أغسطس 2006

 
ساحة الشهداء ببيروت ، وطفلة تضع الزهور على شاهد قبر احد ضحايا مذبحة قانا الثانية التى وقعت يوم 30 تموز/ يوليو وراح ضحيتها 28 قتيلا معظمهم من الاطفال
اللجنة العربية لحقوق الإنسان / فرنسا المجلس الوطنى للحريات / تونس جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان / مصر   فهرس التقرير المقدمة                                1 ملخص يوميات البعثة                   3 المنظمات الدولية                      7 المنظمات والمؤسسات اللبنانية         9 الجرحى                        15 النازحون                        18 جولات ميدانية لتفقد مظاهر الدمار         22 تقرير بعثة منظمات حقوق الانسان العربية الى لبنان الفترة من 8 إلى 15 آب/ أغسطس 2006 منظمات حقوق الانسان المشاركة فى بعثة لبنان   اللجنة العربية لحقوق الانسان / فرنسا Arab Commission for Human Rights 5, rue Gambetta, 92240-Malakoff- France Tel  : 0033140921588   Fax  : 0033146541913 eachr@noos.fre-mail : المجلس الوطنى للحريات / تونس Conseil National Pour Les Libertés en Tunisie (CNLT) 4 Rue Abou Dhabi, Tunis 1000 Tunisie. Tél/Fax: +216 71 240907. e-mail : cnlt.infos@ laposte.net contact@cnlt98.org جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان / مصر Association of Human Rights for Legal Assistances 2 Ma’a rouf  street , Talat Harab ,4th  Floor Cairo, Egypt Tel : (00202) 5770901   Fax : (00202) 5789069 gwww.ahrla.or e-mail : ahrla_99@yahoo.com مقدمة
 

فى بداية عدوانها الوحشي على لبنان قامت الطائرات الاسرائيلية بقصف مطار بيروت الدولى وفرضت الدولة العبرية حصارا جويا وبحريا وبريا على لبنان، وعلى مدار شهر ونيف أغارت اسرائيل على الطرق والجسور والكبارى التي تربط المدن والقرى اللبنانية ببعضها البعض كذلك قصفت الطائرات الاسرائيلية كافة الطرق البرية بين لبنان وسوريا. الامر الذى تسبب فى تقطيع أوصال الدولة اللبنانية واعاقة إمكانية التنقل بصورة طبيعية بين ربوعه او الى خارجه مما اثر بشكل كبير على توفر المواد الأساسية للبقاء وأعاق عمليات الاغاثة. لقد استهدفت القوات الاسرائيلية البنيات التحتية لدولة لبنان، فقصفت البلدات والقرى ودمرت مناطق سكنية بكاملها واجبرت اكثر من مليون مواطن على النزوح واللجوء والتشرد، وسقط اكثر من الف قتيل 40% منهم اطفال وأكثر من أربعة الاف جريح. كما قصفت مبانى ومقار تابعة للجيش اللبنانى، والهوائيات الخاصة بالاتصالات الهاتفية، ومحطات الارسال التلفزيونية. واستهدف القصف المستشفيات وسيارات الاسعاف وعربات الدفاع المدني وفرق الانقاذ وقوافل الاغاثة الانسانية، ولم تسلم البيئة من التخريب حيث تلوثت الشواطئ اللبنانية من جراء قصف خزانات وقود محطات توليد الكهرباء في الجيه (30 كلم من بيروت). وعليه، سيحتاج هذا البلد لسنوات لإعادة إعمار ما دمره العدوان الاسرائيلى فى شهر واحد حيث تقدر الخسائر بعدة مليارات دولار، هذا اذا استثنينا الأرواح البشرية التي لا تعوض والآثار الجسدية والنفسية لهذه الحرب والتي قد لا تمحى.

لقد ارتكبت اسرائيل ببربرية غير مسبوقة جرائم حرب جسيمة حسب أحكام اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة والبروتوكولين الملحقين بها، ولم تعر أهمية لمبدأ تناسب القوة أو التمييز بين المدنيين والمسلحين أو احترام قوافل الاغاثة والطواقم الطبية أو توفير الامدادات الغذائية والدوائية او ضمان المستلزمات الأساسية. تشمل جرائم الحرب التى ارتكبتها اسرائيل فى عدوانها على لبنان الانتهاكات الجسيمة لهذه الاتفاقيات مثل القتل العمد والمعاملة اللاانسانية وتعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو الصحة، إضافة لإلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات الخاصة للدولة وللاشخاص المدنيين. كذلك الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة كتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين والذين لا يشاركون في الأعمال الحربية وضد مواقع مدنية لا تشكل أهدافا عسكرية وضد المباني والوحدات الطبية والمركبات المستخدمة في مهام حفظ السلام والمساعدة الانسانية  وامدادات الاغاثة الانسانية كالمواد الغذائية والادوية، أو الحاق أضرار واسعة النطاق وطويلة الأجل بالبيئة، وقصف القرى والمدن والمباني والمساكن العزلاء، والابعاد القسرى للسكان المدنيين، وتعمد توجيه ضربات ضد المستشفيات وأماكن العبادة والآثار التاريخية وهناك شكوك قوية حول استخدام الأسلحة السامة أو المحظرة دوليا.

من وجهة نظر سياسية، وصف القرار 1701 بأنه « أفضل الممكن » أخذا بعين الاعتبار موازين القوى الدولية والمناخ الدولي السائد قبل شهر من الحرب. فقبلته الدولة اللبنانية وحزب الله واسرائيل، إلا أن هذا القرار يحمل ضعفا بنيويا أساسيا قائما على تغييب جريمة عدوان مع كل ما يترتب على ذلك من تحديد مسئوليات قضائية دولية وتعويضات. فقد تجنب القرار النص صراحة على مطالب لبنان في حقه كاملا على أرضه، وغابت عنه جريمة العدوان تماما، ولم يتطرق بشكل واضح وصريح للدمار الذى احدثته الآلة العسكرية الاسرائيلية، ولا للمسؤولية القانونية عنه ولا للأسرى والمختطفين اللبنانيين فى سجون إسرائيل ولا للتعويض على الخسائر. مع ذلك تم القبول به من أجل حقن الدماء ووقف ويلات الدمار. لكن يبقى أن لبنان، الذي خسر بشريا واقتصاديا وعمرانيا، ربح صموده وتضامن شعبه وشعوب العالم المحبة للعدل والسلام. والمطلوب الآن من اللبنانيين أن يعرفوا كيف يكملون معركة بناء الوطن بتوحدهم وتآزرهم. ولاشك فى أن الهبة الشعبية في الدول العربية عدلت من تعامل النظام العربي الرسمي مع العدوان على لبنان.

نأمل فى ان يكون الدفاع عن النفس والأرض، بشكل يجمع بين البسالة والكرامة الذى قدمته المقاومة اللبنانية، مقدمة لبداية عهد جديد في العالم العربي تتأكد فيه الصلة العضوية بين الوطنية والمواطنية، بين التحرر وتوفير الحريات الأساسية، مع التأكيد على حق الشعوب فى تقرير مصيرها وفي الحياة الحرة والكريمة وفي مواجهة الظلم والقهر والاستهتار والغباء والحقد…

بعثة منظمات حقوق الانسان العربية الى لبنان

أغسطس 2006

ملخص تحركات البعثة

اليوم السابع والعشرون للحرب « الثلاثاء 8 آب/أغسطس »

التقى فى دمشق بعد وصولهم اليها مساء الثلاثاء اعضاء بعثة منظمات حقوق الانسان العربية السيدة سهام بن سدرين الناطقة باسم مجلس الحريات – تونس، الدكتورة فيوليت داغر رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان – باريس والدكتور أيمن عياد منسق البرامج بجمعية المساعدة القانونية لحقوق الانسان – مصر، ووضعوا خطة للتحرك المشترك. انتقلوا بعدها للقاء بعض نشطاء حقوق الانسان في سوريا حيث دار حوار حول أوضاع حقوق الانسان فى هذا البلد حيث سبق وجرى اعتقال بعض نشطاء المجتمع المدني كما وتمت مصادرة جريدة المشهد السورى الالكترونية منذ اسبوعين، وغيره من تطورات تلت خروج الجيش السوري من لبنان وواكبت العدوان على لبنان. كما تركز الحوار على تطورات الحرب وتأثير ذلك على سوريا والموقف من تطوراتها، حيث  يسود تخوف من حقبة ما بعد الحرب واحتمال حدوث تصفية حسابات بين مختلف القوى اللبنانية ومن يساندها خارجيا. تناول استعراض الوضع التضامن الشعبى السورى مع الشعب اللبنانى والمواقف العربية المختلفة.

 

اليوم الثامن والعشرون للحرب « الأربعاء 9 آب/أغسطس »

صباح الاربعاء توجهت البعثة إلى لبنان الذي قصدته اثر تنسيق بين عدة جمعيات عربية التقت قبلها بعدة أيام في مصر وقررت ايفاد ثلاث بعثات متتالية لتقصي الحقائق وتوثيق جرائم الحرب ولاستكمال ملفات رفع الدعاوى في جرائم الحرب. قصدت البعثة لبنان في مهمة تضامنية مع ابناء هذا البلد الذي تعرض لآلة التدمير الإسرائيلية الوحشية بدءا من 12 الشهر الفائت. وحاولت توثيق جرائم الحرب عبر الالتقاء بالمتضررين والجرحى والنازحين إضافة لبعض جمعيات المجتمع المدني الناشطة ووسائل الاعلام، كما سعت للحصول على بضع توكيلات من ضحايا بهدف اجراء متابعات قضائية للمسؤولين عن جرائم الحرب السادسة على لبنان.

انطلقت السيارة من دمشق الى بيروت الساعة 9.30 صباحا سالكة طريق حمصطرابلس مروراً بنقطة عبور الدبوسية-العبودية « . كانت الشاحنات التى تحمل مواد الاغاثة بانتظار السماح لها بالمرور الى لبنان ومنها من حمل اشارات « اطباء بلا حدود » أو الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر الاسكندنافي الخ. وكان يتم تفريغ الشاحنات الكبيرة المتوقفة على جنبات الطريق ليصار لتعبئتها فى أخرى صغيرة تلافياً لقصفها. الازدحام لم يكن كبيرا رغم ضيق طريق العبور وتحول السيارات اليه بعد ضرب طريق المصنع الدولي. كان الداخلون للبنان أقل بكثير من الخارجين منه وأقل من المعتاد بالتأكيد، بينهم لبنانيون وعرب وأجانب (مواطنون إلى جانب رجال صحافة واعلام ومنظمات مدنية). الطريق إلى بيروت كان شبه خالي من السيارات بسبب تعطل الكثيرين عن العمل واقفال محالهم وأشغالهم وبسبب تدهور الوضع الأمني والتعرض للقصف في أي وقت وبدون انذار أو معرفة بالمكان الذي يمكن أن يقصد، وأيضا وخاصة بسبب ارتفاع اسعار الوقود الطريق وعدم توفره. كانت الجسور الأساسية المؤدية لبيروت من جهة الشمال وبدءا من الحدود السورية قد قصفت لأيام خلت بهدف منع استلام حزب الله للسلاح عن طريق سوريا، لكن ذلك أعاق كثيرا وصول معونات الاغاثة الانسانية إلى لبنان وقلص من حرية حركة اللبنانيين. كان هنالك مزارع زيتون محترقة، والعديد من السيارات والشاحنات المتعطلة أو المحطمة على جانبي الطريق، وقد توفي وجرح العديد من المدنيين كما أشارت لذلك وكالات الانباء التي تابعت الأحداث ساعة بساعة. وكان عشرة أشخاص قد قتلوا عندما أغار الطيران ثلاث مرات على الجمارك اللبنانية طريق المصنع الدولي. المسافة التي تفصل سوريا عن بيروت لم تكن تستغرق في الأحوال العادية أكثر من ساعتين أو ثلاثة بما فيها التوقف على شرطتي المرور لكن كون الطريق قديم وبسبب قلة استعماله وعدم صيانته منذ وقت طويل فقد تتطلب اجتيازه عناء ووقتا مضاعفا. وصلنا بيروت الساعة 5 مساء حيث عمدنا لعدم اضاعة الوقت وللاتصال بعدة أطراف، وأجرينا لقاءا مساء مع الاستاذ أحمد كرعود، مدير المكتب الاقليمى لمنظمة العفو الدولية في بيروت. 

اليوم التاسع والعشرون للحرب الخميس 10 آب/أغسطس

انطلقت البعثة الساعة العاشرة صباحا بعد ترتيب مع المسؤول الإعلامي فى حزب الله لزيارة الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وكان أن تفقدنا مظاهر الخراب والتدمير الذى خلفته الالة العسكرية الاسرائيلية واستمعنا لشروح مرافقنا الذي أطلعنا على طبيعة المكان الذي نزوره والمسمى بالمربع الأمني للمقاومة والذي يضم أبنية سكنية ومحال تجارية كما يحتوي على مكاتب للمقاومة وقناة المنار. اثناء الجولة التفقدية عاودت الطائرات الاسرائيلية قصفها لنقاط قريبة، فتم اخراجنا من المكان على وجه السرعة حفاظا على سلامتنا. وقد ضمت هذه الجولة أطرافا عديدة معظمها يعمل لوسائل اعلام محلية ودولية.

بغية الاستفادة القصوى من الوقت المتبقي بحوزتنا، توجهنا الى منطقة الشياح لمعاينة اثار القصف الاسرائيلى الذى تسبب فى انهيار ثلاث عمارات سكنية على رؤس قاطنيها وفقدان 56 شخصا ومن دون انذار، حيث لم يكن يتوقع لهذه المنطقة التي تحتوي على تعدد طائفي أن تستهدف. وقد حصلنا وبالصوت والصورة على بعض الشهادت الحية من شهود عيان واهالى واقارب بعض الضحايا منهم امرأة وزوجها فقدا ابنتهما الحامل وزوجها وحفيدتهما عندما قدموا لزيارتهما في ذلك المبنى، وكانا ينتظران الحصول على رفات ابنتهما التي ما زالت تحت الأنقاض وحيث كانت أفراد فرق الدفاع المدني، الذين يعملون دون توقف وينامون في سياراتهم ليبقوا على اهبة الاستعداد لأي طارئ، يحاولون العثور عليها لانتشالها.

كان لنا بعد ذلك موعد مع رئيس بلدية الغبيري التي تضم 25 ألف مواطن عدا المهجرين الذين نزحوا لها والمخيمات الفلسطينية..

انتقلت البعثة بعد ذلك لتفقد احد المحال التجارية الضخمة « بيروت مول » والذى اتخذ ملجأً للنازحين من قرى الجنوب اللبنانى ومن الضاحية الجنوبية لبيروت حيث جرت مقابلة المختار المسؤل عن الملجأ وبعض النازحين الذين هربوا اليه.

بعد ذلك جرت زيارة مستشفى « الحياة  » بمنطقة الشياح وتم مقابلة المدير المسؤل بالمستشفى وبعض الناجين من القصف الذين مازالوا يتلقون العلاج وجرى توثيق شهادتهم بالصوت والصورة. منهم امرأة فقدت توأمها بعد طول معاناة للحمل بهما وبدت شديدة التأثر بما حل بها وغير راغبة في التحدث عما أصابها.

في نهاية اليوم الثاني كان لنا لقاء مع مسؤولة جمعية الهدى التي شرحت لنا ظروف عملها والمتطوعين معها من أجل توزيع المساعدات على النازحين الذين يعنون بهم. وهم منذ بدء الأحداث 1700 عائلة موزعة على ثلاث مدارس وفي بيوت.

خلال تجوالنا هذا النهار، لاحظنا أمام أزمة البنزين المستشرية تقنين التحرك بالسيارات وكثرة استعمال الدراجات النارية. الشوارع والمقاهى والاماكن السياحية بدت خالية، وكان اقفال المحال التجارية يتم باكرا – قبل السادسة مساء – بسبب انخفاض حضور الموظفين ولتأمين العودة للمنزل باكرا. كمالاحظنا المحلات التجارية في منطقة الحمرا المكتظة بالحركة عادة شبه خالية رغم أنها تعرض البضائع بتخفيضات هائلة تراوحت من 40% الى 80%. لم يزدهر في هذه الفترة على ما يبدو سوى تجارة فرش الاسفنج والمصابيح الكهربائية بالبطاريات والشموع نظرا لتكرار انقطاع الكهرباء.  

اليوم الثلاثون للحرب الجمعة 11 آب/أغسطس

تم الانطلاق صباحا لزيارة مكتب اللجنة الدولية للصليب الاحمر ببيروت حيث قابلت البعثة المسؤول السياسى بالمكتب الذي تحدث عن الصعوبات التى تواجه عمل اللجنة الدولية مثل اعاقة اسرائيل لجهود الاغاثة التى تقوم بها اللجنة الدولية بالجنوب اللبنانى. وقد افاد بوجود قرى محاصرة تماما بما ينذر بحدوث كارثة انسانية محققة اذا استمرت الحرب اكثر من ذلك. كما افاد بوجود حالات تفشى لبعض الاوبئة نتيجة لتلوث مياه الشرب وعدم اخلاء الجثث.

إثر ذلك انتقلت البعثة للمشاركة فى لقاء « الوفود العربية الشعبية » بدعوة من تجمع الروابط واللجان حيث شاركت ممثليها بكلمة أعربوا فيها عن تضامنهم مع الشعب اللبنانى وطالبوا بالمساعدة في العمل على ملاحقة المسؤولين فى اسرائيل عن ارتكاب جرائم الحرب.

تحركت بعد ذلك البعثة للقاء مسؤول في تحرير جريدة النهار الللبنانية وتم استعراض الوضع من جوانبه السياسية خاصة.

بعد ذلك تم لقاء مع مجموعة « صامدون » حيث تعرفت البعثة على الجهود الجبارة التى تبذلها منظمات المجتمع المدنى في لبنان من اجل رفع المعاناة عن المواطنين المتضررين من العدوان الاسرائيلى. وهي تهتم ب12 ألف شخص موزعين على 31 مدرسة وحديقة الصنائع. تجربتها بدأت قبل بدء العدوان للعمل على فلسطين وما لبثت أن تحولت لمساعدة النازحين بعد 12 تموز.

 بالتأكيد لكل وضع خصوصياته، ولكن لهؤلاء النازحين وضع خاص، وهو رغم كل شئ وكل الجهود المبذولة، النوم في العراء تحت أنظار المارة، حيث فقدت الحميمية التي تحفظ الإنسان من أن يصبح في وضع أليم كهذا مجرد مشهد لعابر سبيل. خاصة وأن المنطقة التي استقبلتهم تحوي تناقضات صارخة من ناحية البنيان الضخم وسكانه الأثرياء الذين يقطنون بمحازاة هذه الحديقة.

فى نهاية اليوم انتقلت البعثة الى مقر الصليب الاحمر اللبنانى حيث جرى لقاء المسؤول الاعلامى الذى تحدث عن الامكانيات المتوفرة لدى الصليب الاحمر اللبنانى والصعوبات التى تواجهها فرق الانقاذ والاسعاف. واثناء الاجتماع بمقر الصليب الاحمر اللبنانى وردت انباء عن قصف احدى سيارات الاسعاف بمنطقة تبنين وفقد الاتصال بطاقم الاسعاف. وكان المسؤول قد اطلعنا على المهمات التي يقومون بها في هذا الظرف العصيب وعلى عدد العمليات وعلى استهداف سيارات الاسعاف وأطقمها للقصف من قبل الآلة الحربية الإسرائيلية مشددا على الاستهداف المقصود لفرقه وعلى اعتبار ذلك وبدون أي مدعاة للشك جريمة حرب حسب اتفاقيات جنيف، وقدم لنا الأدلة على ذلك.

اليوم الواحد والثلاثون للحرب السبت 12 آب/أغسطس

في اليوم الأخير، تمت زيارة المستشفى العسكرى الميدانى المصري بالقري من مقر الجامعة العربية ببيروت وجرى لقاء المدير الطبى المسؤول عن المستشفى والتعرف على الجهود المبذولة لتقديم الخدمة الطبية للمواطنين. كذلك جرى تفقد الاقسام المختلفة بالمستشفى ومقابلة بعض الجرحى. إثر ذلك انتقلت البعثة لزيارة مستشفى رفيق الحريري الجامعى واجريت مقابلة مع مسئولة العلاقات العامة بالمستشفى، ثم تم تفقد المصابين والجرحي من جراء القصف الاسرائيلى وأخذت شهاداتهم الحية. بعدئذ انتقلت البعثة لمقابلة مدير هيئة الدفاع المدني اللبناني الذى امدنا بالمعلومات المتوفرة عن حجم الخسائر وعدد الضحايا، كما تم استعراض جهودها فى تقديم اعمال اطفاء الحرائق والاغاثة واخلاء الجثث والجرحى وتلبية احتياجات النازحين من مياه الشرب والادوية.

فيما بعد تمت زيارة مقرات وزارة الصحة ونقابة الاطباء ووزارة الداخلية، تلتها زيارة النصب التذكاري لضحايا مذبحة قانا 2 بساحة الشهداء والمشاركة بالتجمع التضامني الذي دعت له عدة جمعيات.

كذلك تمت زيارة مدرسة في منطقة الحمرا تضم نازحين تعمل مسؤولة جمعية الهدى مع متطوعين على الاهتمام بأطفالهم، وكما في مدارس أخرى، عبر اجراء نشاطات متعددة تشعرهم بالأمان وتساعدهم من خلال الرسم والكتابة وغيره للتعبير عن ذواتهم والتنفيث عن كربتهم ومكنوناتهم. وقد تطورت الفكرة لقراءة القصص وكتابة رسالة للعالم، كما يقومون الآن بتكوين ضيعتهم لتعزيز ارتباطهم ببلدهم والتربية المواطنية وما قبل النزوح وبعد العودة مرورا بهذه التجربة الحالية.

وترى أم أطفال التقيناها على حدى أن الأطفال كانوا في البداية قلقين ومختلفين عما عهده أهلهم الذين لم يستطيعوا استيعابهم، لكن الوضع تبدل بعد حين حيث بات الأطفال مرتاحين للناشطات الاجتماعيات. وقد عبر بعض الأطفال عن أنفسهم بوجودنا من خلال الغناء والرسم والنقاش.

تبع هذه التحركات فى نهاية اليوم زيارة مسرح المدينة الذي يضم أيضا نازحين وحيث التقينا بمسؤول فيه حدثنا عن الصعوبات التي تعترض سبيلهم في مواجهة التحديات. وقد تواترت فى نهاية اليوم أنباء عن التوصل لقرار من مجلس الأمن يقضي بوقف العمليات العسكرية على ان يسرى يوم الاثنين 14 آب/أغسطس الساعة 8 صباحا.

اليوم الثاني والثلاثون للحرب الأحد 13 آب/أغسطس

العودة إلى دمشق كانت أيضا شاقة نظرا لقطع الطريق الذى اتينا منه عبر نقطة الحدود الدبوسيةالعبودية وقد اضطررنا لسلك آخر طريق بري متبقي بين لبنان وسوريا وهو طريق « العريضة« ، علماً بأن الطائرات العسكرية الاسرائيلية قد حاولت قطعه أيضا بالإغارة على أحد جسوره في اليوم السابق الساعة 7 صباحا و 12 ظهرا.

فالخطوط البرية بين لبنان وسوريا:

1- خط المصنع الدولى اللبناني وجريدة السورية « تم قطعه نهائياً »

2- خط الهرمل من حدود حمص – القصير – بعلبك « تم قطعه نهائياً »

3- خط الدبوسية – العبودية « تم قطعه نهائياً ».

4- خط العريضة – حمص « اخر طريق برى متبقى وتم قصفه اكثر من مرة »

فى هذا اليوم الذي غادرنا فيه لبنان، كان قد مر  على العدوان أكثر من شهر. وبعد مشاورات ماراثونية وصدور قرار مجلس الأمن 1701 القاضي بوقف الأعمال الحربية، عاد الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع لتقصف من جديد في عمليات متكررة بحيث أصيب العشرات بين قتيل وجريح. وكأن ما لم يحسم على الساحة السياسية كان هناك من طرف اسرائيل رغبة عارمة بحسمه عسكريا. وذلك بانتظار ساعة الصفر لوقف كامل العمليات العسكرية صباح يوم الاثنين على أن يتم وقف دائم لاطلاق النار في مرحلة انتقالية. 

اليوم الاخير الاثنين 14 آب/اغسطس

في دمشق بقيت اثنتان من الفريق ليوم اضافي عملتا خلاله على التعرف على وضع اللاجئين الى سوريا من خلال زيارة المدينة الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالي والتي حرصت على أن تعطي صورة مثلى لها باستقبال من لجأ اليها. لقد قدم النازحون اليها بشكل عشوائي ومن كل المناطق بعد توجيههم اليها من على الحدود. استقبلت المدينة الجامعية حوالي 7000 شخص على دفعات لم تبقى الثلاث دفعات الأولى منها سوى أيام معدودات بدعوى ترحيلها لأوروبا من قبل سفارات بلدانها وكانت مؤلفة من 800 الماني تبعها 800 دانماركي ثم 400 برازيلي. هؤلاء كانوا مغتربين قدموا للبنان لقضاء الصيف ولم يكونوا راضين على اقامتهم في هذا المكان بسبب الامكانيات المتواضعة وعدم توافر المستلزمات في البداية، لكن تم تأمينها فيما بعد. كان هناك نقص في التجهيزات الكهربائية والمراوح، وقد افتتحت قاعة تلفزيون وقدمت غسالات وسيارة اسعاف مع طاقمها الطبي. كما قدمت جامعة دمشق القسم الطبى خدماتها لمعالجة المحتاجين. وتم توفير طبيب بشكل مستمر اضافة لمستوصف وصيدلية مع دواء مجاني. كذلك تم تلقيح الأطفال دون سن السادسة من قبل وزارة الصحة السورية وجرى تأمين مصروف جيب لكل فرد الى جانب توفير الغذاء والكساء. وقدمت رحلات للأطفال ووضع النادي الرياضي بدمشق في خدمة اللاجئين الى جانب تأمين خط اتصال تليفونى مباشر للاتصال بلبنان وبقية الدول العربية. وتضم المدينة الجامعية حاليا 1600 شخص موزعين على مبنيين مكونين من 205 غرفة لكل مبنى. وكانت المباني تنتظر اعادة تأهيلها خلال عطلة الصيف والصفوف لم تعد صالحة للتدريس.

عند وصولنا كان هناك احتجاج من قبل بعض النسوة على سوء توزيع الحاجيات حيث لم يستلمن حصتهن من اللباس وبقين بنفس الملابس منذ مجيئهن. لقد بدا اللاجئون لموظفي المدينة مشوشون نظرا لظروف انتقالهم للبلد المجاور ولقلقهم على عائلاتهم التي تركوها بلبنان. كما أنه يبدو أن بطاقة التموين كانت تعطى لمن لديه هوية أو اخراج قيد، لكن ما العمل لمن هرب دون حمل اوراقه وبلباسه فقط؟ لم يسمح لنا بالتصوير حيث كان علينا الحصول على اذن بذلك من السلطات المختصة..

بدا لنا التعاطف مع النازحين كبير وكأنهم دفعوا ثمن مواجهتهم لاسرائيل نيابة عن باقي العرب، لذا كان الشعور بوجوب مساعدتهم كبيرا. لكن يجب القول أن هذا الالتفات إليهم كان بغالبه من جانب الفضاء غير الحكومي حيث ساهم بمساعدتهم التجار واتحاد الجمعيات الخيرية والهلال الأحمر وشركتي الخليوي وأيضا العائلات السورية التي استقبلت منهم اشخاصا في بيوتها. وهناك من قدم مساعدات مالية كبيرة ولم يشأ اعطاء اسمه. الأطراف التي تعنى بهم في هذا المركز هم من ادارة المدينة واتحاد الطلبة. لم يتصل أي طرف دولي بهم، لكن هيئة دعم المقاومة تتابع أوضاعهم.

منظمات دولية

مكتب منظمة العفو الدولية ببيروت

تم ترتيب لقاء مع الاستاذ أحمد كرعود « مدير المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية ببيروت » وجرى نقاش حول الاوضاع الجارية. وقد ذكر بعدم ثبوت استخدام إسرائيل للأسلحة المحرمة دولياً وعدم  ثبوت وجود صواريخ أو أسلحة فى بيوت او منازل المدنيين التى قصفتها الطائرات الاسرائيلية . واعتبر ان تهديد المواطنين عبر القاء الطائرات الاسرائيلية بالمنشورات التى تطالب المواطنين بالخروج من بيوتهم بمثابة تهجير قسري للسكان وانتهاكا للقانون الانساني الدولي. وقال ان اسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب ممثلة فى قصف المطارات المدنية – قصف محطات الكهرباء – قصف الكبارى والجسور- قطع طرق المواصلات – قصف هوائيات الاتصال المدني – قصف مقار المحطات التليفزيونية – قصف محطات الوقود المدنية – قصف عربات الصليب الأحمر- قصف عربات الدفاع المدني – قصف البيوت والمنازل السكنية. كما اعتبر تعمد استهداف الطيران الحربي الاسرائيلي للمدنيين اللبنانيين بمثابة جرائم حرب، وكذلك استهداف المدنيين فى اسرائيل من قبل الصواريخ التى اطلقها حزب الله على المدن الاسرائيلية حسب القانون الانسان الدولي، وقرر ان المطروح حالياً فقط هو تفعيل القانون الانساني الدولي. كذلك قال : نحن فى منتصف أغسطس وهناك أزمة حقيقية لأن المدارس على الأبواب وعبر عن وجود مشكلة سياسية تتمثل فى ان 80 – 90 % من النازحين هم « شيعة » جرى توزيعهم فى نسيح طائفي أخر (سنة – دروز – موارنة) بالرغم من وجود حالة من التضامن التى لا غبار عليها بين كل اللبنانيين فمثلا السيد وليد جنبلاط قال « لا أريد لأى نازح أن يجوع ». وقال السيد احمد كرعود ان عددا كبيرا من اللبنانيين قد لجأوا إلى سوريا « حوالي 200 الف نسمة ». وهناك مشكل سياسي حقيقي فيما بعد توقف الحرب مع وجود مخاوف من اندلاع حرب أهلية، فهناك خلاف حول الاسباب التى ادت لنشوب الحرب. والنتائج السياسية لتلك الحرب غير معروفة ، فإذا انهزم حزب الله او انتصر لا أحد يدري ماذا ستكون عليه الأوضاع. وعلى ذلك يوجد اجماع حول النقاط السبع التى طرحتها الحكومة مؤخراً. وعن اسعار الوقود قال ان صفيحة البنزين « 20 لتر »  كانت تكلف 23500 ليرة لبنانية ارتفعت رسميا إلى 25000 لبنانية وهى الآن تباع فى السوق السوداء ما بين 30000 – 40000 ليرة لبنانية. وعن جهود الاغاثة تحدث قائلا : » يقوم كل حزب من الأحزاب السياسية بتولى مسئولية توفير الاحتياجات للنازحين فى عدد من المدارس، وهناك شكاوي من عدم وصول المعونات كاملة وبعض تلك المعونات يصل ناقصا، ولا يخفى على احد وجود توتر سياسي ملحوظ « تحت المنضدة ». وافاد بأن مجلس الامن لا ينتظر منه سوى موقف سياسي كونه خاضع لمصالح الدول الكبرى، ورغم ذلك فهناك احتمال خروج قرار من مجلس الأمن قريباً يتضمن ( انسحاب القوات الأجنبية مع عدم الاشارة لـ »إسرائيل » من كامل التراب اللبناني وارسال قوات الأمم المتحدة « اليونيفيل » إلى الجنوب اللبناني ). وهناك تقارير تقول بأنه إذا لم يوفر قرار مجلس الأمن 90% من مطالب إسرائيل فإنها ستتدخل عسكرياً فى الأراضي اللبنانية حتى نهر الليطاني. 

مكتب اللجنة الدولية للصليب الاحمر

تمت مقابلة الاستاذ كريم المفتى المسؤل السياسى بمكتب اللجنة الدولية للصليب الاحمر الذي افاد بقيام المكتب فى بيروت بتجنيد جل جهوده من اجل مواجهة الاوضاع الكارثية التى نجمت عن العدوان الاسرائيلى على لبنان. يعد مكتب بيروت ثانى اكبر ساحة عمليات على مستوى العالم بعد السودان ويتوفر لدى المكتب كافة وسائل الدعم اللوجستى والكوادر البشرية، كما ويوجد حاولى 45 موظف اجنبى وحوالى 100 لبنانى بالمكتب وكلهم محترفون. لكنه اشار الى ان قطع طرق المواصلات بين سوريا ولبنان قد اثر بشكل ملموس على تقديم المساعدات الانسانية للمتضررين من الحرب وان الطريق المتبقى لايصال المعونات هو الطريق البحرى من لارنكا بقبرص الى صيدا او صور مباشرة. كما افاد بان اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولى تتولى تأمين دخول فرق الصليب الاحمر اللبنانى الى قرى الجنوب المحاصرة لاخلاء الجرحى الى المستشفيات. وتتمثل الصعوبات التى تواجهها فرق الاغاثة التابعة للصليب الاحمر الدولى فى غلق المطار والحصار البرى والبحرى والجوى المفروض على لبنان بالاضافة الى استهداف شاحنات وقوافل الاغاثة التابعة للصليب الاحمر الدولى من قبل الطائرات الاسرائيلية فى حالة عدم الحصول على الضوء الاخضر بالمرور، وهو ما يعطل وصول المعونات الى المحتاجين. وهناك شبكة من الاتصالات والجهود الديبلوماسية يجرى توفيرها لضمان سلامة القوافل، وغالبا ما يمنع اعطاء الضوء الاخضر لتلك القوافل من قبل السطات الاسرائيلية. فمثلا ظلت قوافل الاغاثة التابعة للصليب الاحمر الدولى لمدة 12 يوما تحاول الدخول الى قرية حولة المحاصرة فى الجنوب اللبنانى رغم المساعى اليومية للسماح لها بذلك. أما بخصوص قوافل الاغاثة التابعة للجمعيات ومؤسسات المجتمع فهناك معلومات حول استهدافها بالقصف. وكانت اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولى قد طلبت مرارا من السلطات الاسرائيلية ضرورة التمييز بين الاهداف المدنية والاهداف العسكرية وطالبت باحترام الحد الادنى من المبادئ الانسانية. يعمل الصليب الاحمر الدولى على الوصول الى النازحين المقيمين لدى الاسر والعائلات لتوصيل المعونات لهم. وهو جهد كبير نظرا لصعوبة حصر عددهم. وقد بلغ اجمالى عدد النازحين 700 الف لبنانى، وهناك حالة من التعاون المشرف بين المنظمات اللبنانية العاملة فى جهود الاغاثة.

يبذل رئيس اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولى جهوده بالاتصال بالمسؤلين فى اسرائيل ولبنان للتنسيق من اجل  ايصال المعونات العاجلة الى قرى الجنوب المحاصرة. وهناك اشاعات عن وجود حالات فساد تشوب عملية توزيع المعونات الانسانية على النازحين، حيث يباع جزء من تلك المعونات فى السوق السوداء. وقد اشتكى عدد من النازحين من عدم وصول المعونات كاملة اليهم، ويرى البعض ان الهيئة العليا للاغاثة « الحكومية » مسؤلة عن جزء كبير من ذلك الفساد. وحول ما تردد عن استخدام اسرائيل للاسلحة المحرمة دوليا فى عدوانها العسكرى على لبنان، اكد مخاطبنا على وجود معلومات متوفرة فى هذا الصدد وان هناك جمعيات تعمل على ذلك. كما ان هناك اختبارات وفحوصات تجرى على بعض الجرحى والمصابين للتحقق من الامر والموضوع يتابع عن كثب. وفى حالة التثبت من ذلك، سيتم اتخاذ الاجراءات القانونية بحق اسرائيل ولكن للآن لم يتثبت الصليب الاحمر اللبنانى بالدليل القاطع من استخدام اسرائيل للاسلحة المحرمة دوليا.

منظمات ومؤسسات لبنانية

حول عمل جمعيات المجتمع المدني والتنسيق مع الحكومة اللبنانية هناك من يرى أن هذه الحرب كانت تتطلب حالة استنفار أكبر من بعض الوزارات المعنية للاشراف على العمل الاجتماعي. لقد تمت الاستعانة بالجمعيات في البداية لكن التنسيق بين هذه الوزارات وبين المجتمع المدني لسد الثغرة لم يستمر، في حين أنه كان المطلوب التنسيق بين الهيئة العليا للإغاثة وتلك الجمعيات. هذه الهيئة لم تقدم ما كان يفترض منها خاصة وأن المسؤوليات في المناطق التي قصدها النازحون قد تضاعفت وحيث كان هناك صعوبة في تأمين مقومات الصمود والحياة من من مواد تموينية  وغذائية وأدوية. كما أن هناك فوضى وعشوائية في عملية توزيع المساعدات. وتلحظ رحاب مكحل ناشطة في الفضاء غير الحكومي أن النازحين موجودين في كل الأماكن العامة. والاهتمام بالمدارس لا بأس به لكنه غائب عن البيوت التي تضم عائلات نازحة. وهي تطالب بالاهتمام بالأطفال بشكل خاص وتشكو من عدم وجود ممر لإيصال المساعدات، كما ترى أن العدوان يطرح مشاكل لما بعد. كذلك تتحفظ على عمل جمعيات حقوق الإنسان التي كان عليها تسليط الضوء بشكل أكبر على العدوان من أجل ايقافه، خاصة في ظل هذه الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان والتي لا تتطلب الكثير لرصدها. وتشدد على ضرورة التنسيق والرقابة على التوزيع من أجل الاستفادة من المساعدات بشكل أفضل. يبدو أن وكالات الأمم المتحدة قد تلقت حوالي 8 ملايين دولار بعد نداء لجمع 155 مليون خلال 3 أشهر. ومفوضية شؤون اللاجئين اعتمدت خط تموين جوي لمواد الإغاثة وطرق نقل بحرية. كما واصلت جمعيات المجتمع المدني جهودها لتقديم العون للنازحين وتلقيح الأطفال ضد الشلل والحصبة وللقيام بنشاطات ترفيهية. 

الصليب الاحمر اللبنانى

تم لقاء المسؤل الاعلامى بالصليب الاحمر اللبناني حيث قام باطلاع البعثة على الامكانيات والقدرات المتوفرة للصليب الاحمر اللبنانى سواء الموارد المادية او البشرية. وأكد انه تم استنفار كل القوى الميدانية من فرق اسعاف وشباب واعلام وبنوك للدم واموال ووضع 2500 مسعف فى كل المناطق اللبنانية موزعين فى 48 مركز تواكبهم 3 غرف عمليات و 200 سيارة اسعاف تتحرك يوميا فى الميدان بالاضافة الى 100 سيارة لتلبية مهام الاغاثة الاخرى. وقال « قمنا باخلاء الجرحى والمصابين وتامين الخدمات الطبية، وبعد تصاعد وتيرة العنف بدأت فرق الاسعاف فى المساهمة فى جهود الاغاثة وتوصيل المؤن والاغذية للمواطنين فى المناطق التى تتعرض للعمليات العسكرية. وقد تطوع 1500 شاب جامعى فى جهود الاسعاف. وعلى صعيد عمليات الاسعاف فقد تمكنت فرق الاسعاف الاولى من تامين عمليات الاخلاء منذ بدء الحرب فنقلت ما يقرب من 265 قتيل من اجمالى عدد القتلى الذى تجاوز الالف بالاضافة الى 798 جريح ومصاب ونفذت  5642 مهمة طارئة، غير المهام العادية التى يقوم بها الصليب الاحمر اللبنانى. وقد تعرض الصليب الاحمر اللبنانى للقصف المباشر. ففى قانا مثلا تعرضت سيارتى اسعاف كانتا تقومان باخلاء الجرحى لقصف الطائرات الحربية الاسرائيلية واصيبت احدى السيارتين بشكل مباشر حيث اخترق الصاروخ وسط علامة الصليب المرسومة على سطح السيارة وبطريقة مقصودة لان القصف تم على مرحلتين حيث اصيب فى المرحلة الاولى ستة من رجال الاسعاف وثلاثة من المواطنين. ولما جاءت مجموعة اخرى للتأكد من ان الجرحى ما زالوا على قيد الحياة تم قصفهم ايضا.

ومن اهم الصعوبات التى تواجه عمل الصليب الاحمر اللبنانى غير قصف الطائرات الاسرائيلية هى تقطيع الطرق المؤدية الى المناطق والقرى والبلدات. وليس هناك من طريق صالح للعمل، فمثلا لم نستطع الوصول الى المبنى الذى تم قصفه فى مجزرة قانا 2 لاسعاف الجرحى الا بعد ساعة ونصف من ابلاغنا صباحا، علما بان القصف قد جرى فى الليل. وفى بعض الاحيان لجأ رجال الاسعاف الى استخدام جذوع الاشجار للعبور عليها والوصول الى المناطق المنكوبة. وقد تلقى الصليب الاحمر اللبنانى معونات ومواد اغاثة من الهلال الاحمر الكويتى، الهلال الاحمر الاماراتى، الهلال الاحمر الليبى، الهلال الاحمر السعودى، الهلال الاحمر التركى، الهلال الاحمر القطرى، الهلال الاحمر الايرانى. أما الصليب الاحمر الايطالى، والصليب الاحمر القبرصى، واليونيسيف فقد اعلنوا عن رغبتهم فى ارسال المعونات. كما افاد المسؤل باستشهاد احد عناصر الصليب الاحمر اللبنانى وجرح واصابة العشرات اثناء قيامهم بتأدية واجبهم الانسانى معتبرا ان ما قامت به اسرائيل يعد جريمة حرب. 

نقابة الاطباء

تمت زيارة مقر نقابة الأطباء والاتصال بالسيدة سوزان هايداموس « مديرة الشئون العامة بالنقابة » التى أفادت بوجود 1000 قتيل وما بين 5000 – 6000 جريح، كما أفادت بقيام النقابة بتخصيص خط ساخط « Hot Line » لاستقبال البلاغات من المواطنين. وقد عقد نقيب الاطباء اللبنانى مؤتمرا صحفيا فى بيروت يوم 22 تموز/ يوليو 2006 جاء فيه  » فى اليوم العاشر للعدوان الإسرائيلي الذى لم يوفر الأطفال والشيوخ والذى قطع أوصال الوطن وحال دون القيام بالمهمات الإنسانية من قبل المؤسسات المحلية والعالمية، اضافة إلى صعوبة رفع الجثث من تحت الأنقاض مما قد يؤدي إلى كارثة انسانية وتفشي الأوبئة والأمراض، لذلك نطلق صرخة عالية مدوية إلى المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية من أجل العمل على وقف المجازر ووقف إطلاق النار فوراً تفادياً لكارثة انسانية ولكي تتمكن الجهات المعنية بالقيام بواجباتها. وفى الأيام الماضية، تم الاتصال بنا من قبل أطباء يعملون فى منطقة الجنوب اللبنانى أفاداوا بوجود جثث متفحمة وغير محترقة إضافة إلى مواد تخترق الجلد والعضل دون أثار خارجية وقد تم أخذ عينات (24 عينة) مجهزة لإرسالها إلى جهات دولية موثوقة من أجل التأكد من ماهية الأسلحة التى تستخدم والتى هي خارج إطار الأسلحة الكلاسيكية ونحن نطالب كنقابة أطباء معنية بالدفاع عن حياة الناس بالكشف السريع عن نوعية الأسلحة المستخدمة ».

وقد اعلنت نقابة الاطباء عن تأسيس خلية عمل هدفها المساعدة فى عملية الاغاثة وتأمين الأطباء إلى كافة المناطق اللبنانية، كما وحيت النقابة صمود الأطباء ونقابتهم فى خدمة المواطنين خلال العدوان الإسرائيلي الذى يتعرض له الوطن. واعلنت عن تشكيل لجنة تكون مهمتها :

– الاتصال بالجمعيات الأهلية والإنسانية من أجل تنسيق الجهود.

– التنسيق مع المؤسسات الرسمية الحكومية والمساعدة فى أعمال الاغاثة.

– التنسيق مع النقابات الصحية المعنية من أجل تقديم الخدمات اللازمة.

– فتح حساب خاص من أجل التبرع بغية تلبية الحاجات.

– فتح خط ساخن على مدار 24 ساعة

– التنسيق مع اتحادات الأطباء العربية والنقابات الدولية.

– اسقبال المساعدات العينية الطبية وتوزيعها على المحتاجين.

جمعية الهدى

التقت البعثة بمسؤلين فى جمعية الهدى بمنطقة الحمرا ببيروت التي تهتم بنحو 1700 عائلة تم نزوحها منذ بداية الحرب حيث جرى توزيعها على ثلاث مدارس حكومة وعدد من البيوت. وقد لفتت المسؤولة عن الجمعية الدكتورة نجلاء نصيرالأنظار إلى أنه قلما انتبه العالم لهؤلاء النازحين في البيوت في حين أنها تضم اعدادا كبيرة من الأشخاص في مساحات قليلة جدا. ففي منزل واحد مثلا كان هناك حوالي الـ 60 نازح علاوة على الاقارب والاصحاب الذين يتم استقبالهم بالترحاب رغم ضيق اليد. في مراكز النزوح تلك بات الاستحمام أمرا صعبا حيث تندر المياه والمواد الضرورية مما ادى الى بداية انتشار بعض الامراض الخاصة بالصحة العامة مثل الاصابة بالقمل والجرب وتبذل الجهود لمعالجتها سريعا. وتوزع جمعية الهدى اسبوعيا على العائلات الحفاضات وحليب للأطفال ومعلبات الطعام والبقوليات ومواد التنظيف التى توضع فى الاكياس ويتم تجهيزها على مدى يومين بعد أن يتم شراؤها فى مدى يومين ثم توزع خلال ثلاثة أيام على المحتاجين بواسطة 50 متطوعا من الشباب والشابات. إلى جانب ذلك تقوم مسؤولة هذه الجمعية بالتعاون مع بعض المتطوعين باعطاء الفرصة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم والتنفيس عن مكنوناتهم من خلال الرسم وحصص الالعاب لإشعارهم بالأمان. وتطورت الفكرة لقراءة القصص وكتابة رسائل للرأى العام والضمير العالمى. كما يشرف المسؤلون بالجمعية على تأهيل الاطفال لتعزيز ارتباطهم ببلدهم عبر حصص ودروس فى المواطنة وشرح الاسباب التى ادت الى نزوحهم وفترة ما بعد العودة. وترى احدى الامهات ان الأطفال كانوا قلقين ومختلفين عما عهدته وأن اهلهم لم يستطيعوا استيعابهم، لكن الوضع تبدل بعد فترة وجيزة حين باتوا مرتاحين للناشطات الاجتماعيات فى الجمعية. وقد عبر بعض الأطفال عن أنفسهم خلال فترة زيارتنا بالغناء والرسم والنقاش والحوار. ويبقى سؤال هام حول الاثر والمدى الذى ستتركه تلك الاحداث على تكوينهم النفسى؟ وإلى أي درجة سيجدون – بمعزل عن هذا الاهتمام المؤقت عندما يتوفر- من يلتفت لطفولتهم ويواكب بناء شخصيتهم؟ وإلى أي مدى سيستطيع الأهل تلبية حاجاتهم وهل سيستطيعون أن يشكلوا الحاضنة الآمنة في ظل ما عرفوه من دمار وقتل وتشريد؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بالحاح على سائر المجتمع اللبناني المعني بأجياله الشابة التي هي من سيرفع على كاهله لبنان الغد. ذلك كي لا تتنامى ردود الفعل العنفية التي هي نتيجة منطقية لما يوجه للطفل من أذى وعنف جسدي أو نفسي.

تجمع صامدون

توجهت البعثة الى زيارة بناية زيكو بمنطقة سبيرز ببيروت، حيث مقر مجموعة الاغاثة « صامدون« . وهى عبارة عن تجمع يضم 15 منظمة من منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان والحريات اللبنانية بالاضافة الى عدد من المجموعات السياسية اليسارية وطلاب الجامعات، وقد تأسست المجموعة فى يوم 12  تموز/يوليو حيث كان هناك ترتيب لاعتصام تضامنى مع الشعب الفلسطيني والاعتداءات التى تجرى لسكان قطاع غزة، وبعد ورود أنباء عن اندلاع الحرب فى الجنوب اللبناني تحولت القوى المشاركة فى الاعتصام إلى حركة « صامدون »  www.samidoun.org . تهتم الحركة بحوالى 10 او 12  ألف نازح موزعين على 31 مدرسة بالاضافة الى النازحين فى حديقة الصنايع والمسارح والمنازل. وقد حدثنا باسم شيت المنسق العام للمجموعة التى تتكون من عدة وحدات عمل لتسهيل المهام وعدم مركزية القرار. وعن مصارد التمويل قال ان التمويل يأتي من تبرعات فردية وشخصية بالاضافة الى عدد من الجمعيات والمنظمات الاهلية فى داخل او خارج لبنان. أما بخصوص حملات الاغاثة، فافاد بان الهيئات الدولية للاغاثة غير موجودة بشكل كافى كما يوجد تقصير فى عمل « الهيئة العليا للاغاثة » التى انشأتها الدولة لمواجهة اثار الحرب. كما يوجد موقف تمييزى اثناء توزيع مواد الاغاثة على المواطنين. وهى عموما غير موجودة بشكل فاعل. وافاد بوجود نقص فى امدادات الاغذية التى تقدم للنازحين، بالرغم من توافر معلبات التغذية. وقد سهلت وحدة المخزن امداد النازحين بالاغذية، كما تم انشاء مطبخين مركزيين لتقديم الوجبات الساخنة للنازحين، وتم تأسيس وحدة للعناية بالاطفال والامهات النازحين على المستوى الاجتماعى والنفسى. كذلك انشأت وحدة للرعاية الصحية تهتم بمتابعة الحالة الصحية فى اماكن تجمع النازحين وخاصة فى حالة تفشى اوبئة او عدوى جماعية، ووحدة العمليات المعنية بالاستجابة لطلبات وشكاوى النازحين، ووحدة المتطوعين من طلاب الجامعة اضافة الى وحدة المعلومات. وقال المنسق العام ان جهودهم تنصب بالاساس لتلافى حالة الفوضى الناجمة عن الحرب من حيث تكدس السلع والاحتياجات الاساسية للناس فى المخازن فى الوقت الذى لايستطيع هؤلاء الناس تلبية احتياجاتهم. والشئ الاساسى هو تأمين احتياجات الناس النازحين. أما عدد الشباب المنخرط فى جهود المجموعة فهو غير ثابت لكنه فى حدود 300 شاب. وتحدث عن الصعوبات التى تواجه عمل المجموعة حيث لاتتوفر الاموال اللازمة اذ تقدر الاحتياجات الاسبوعية بحوالى 75 الف دولار، ويجرى التنسيق من اجل الوفاء بتلك الاحتياجات من خلال اللجنة التنسيقية لمنسقى الوحدات كل يومين. وتأتى ندرة المياه على رأس المشاكل التى يعانى منها النازحون ويجرى التنسيق مع اليونيسيف من اجل توفير المياه. وقد لاحظت البعثة اثناء زيارتها لمقر صامدون اكياس الملابس والاقمشة والاحذية التى تم تلقيها كتبرعات من المواطنين.  

                                 هيئة الدفاع المدنى اللبنانى

قابلت البعثة مدير هيئة الدفاع المدني اللبناني العميد طيار درويش حبيقة بمكتبه – تجدر الاشارة الى اشتراك مدير الدفاع المدني بنفسه فى عملية إطفاء الحرائق التى اندلعت فى مطار بيروت من جراء القصف الاسرائيلي فى أول أيام الحرب حيث تم استخدام 17 عربة اطفاء لإطفاء تلك الحرائق وكانت خزانات الوقود بالمطار تحتوي على 15 مليون لتر كيروسين – وقد تم استعراض الجهود التى يقوم بها الدفاع المدنى اللبنانى خلال الحرب واطلعت البعثة على بعض البيانات الخاصة بمهام رجال الدفاع المدنى على النحو التالى :

قام الدفاع المدنى اللبنانى خلال شهر حزيران / يونيو بـ  4217 مهمة اطفاء و 2858 مهمة اسعاف وانقاذ، وخلال شهر تموز / يوليو قام بـ  3133 مهمة اطفاء و 3988 مهمة اسعاف وانقاذ بالاضافة الى توزيع المياه للنازحين بمعدل 150 مهمة يومياً بواقع حوالي 12.000 مهمة خلال شهر يوليو. وقد بلغ معدل توزيع المياه فى الفترة من 20 إلى 31 تموز/ يوليو 1470 مهمة حيث فى كل مهمة يتم توزيع حوالي 10 الاف لتر مياه شرب. وعن موارد هيئة الدفاع المدنى قال العميد أن قوة الدفاع المدني اللبناني تبلغ 620 عربة ومركبة و 900 موظف، معظمهم من كبار السن يساندهم 4500 متطوع. ويتم تنفيذ ما بين 400- 500 مهمة يومية بين إطفاء حرائق واسعاف وإخلاء ونقل الجرحي والشهداء ورفع الانقاض ونقل المياه إلى النازحين ومدهم بالمؤمن والأغذية والأدوية. ويوجد فى لبنان 7 مناطق  » محافظات » (بيروت : منطقة واحدة، الشمال: منطقتين، البقاع: منطقة واحدة، جبل لبنان: منطقتين، الجنوب اللبناني: منطقتين ) كما يوجد حوالي 80 محطة وقود بلبنان.

احصائيات وأرقام من مقر إدارة الدفاع المدني اللبناني

حتي يوم السبت 12/8/2006

1182 قتيل، 40% منهم أطفال

3800 – 4000 مصاب وجريح

950.000 نازح داخلي

150000 – 200000 مهاجر

28 عربة تابعة للدفاع المدني تم قصفها

19 سيارة اطفاء تم قصفها

8 عربات اسعاف وجيب تم قصفها

تقدر كلفة الخسائر المادية بحوالى  3.6 مليار دولار امريكى على النحو التالى :-

1             مليار دولار                  كلفة النقل والطرق الكبارى والجسور والاتصالات

2.4           مليار دولار                  المساكن والمؤسسات

220          مليون دولار                 المصانع والمنشآت الصناعية

12            مليون دولار                 قصف محطات الوقود

10            مليون دولار                 قصف المنشآت العسكرية

البيئة

تم تلويث الشواطئ اللبنانية بعد ان قصفت الطائرات الاسرائيلية خزانات الوقود بمحطة توليد الطاقة بمنطقة الجية بجنوب بيروت، حيث تسرب من 10 الاف الى 15 الف طن من الوقود الثقيل الى مياه البحر. مما ادى الى تلوث مياه الشواطئ بطول 100 كيلومتر. وهى مشكلة كبيرة ستكلف مائة مليون على الأقل لتنظيف الشاطئ وبمشكلة لمن يعتاش من صيد السمك واستهلاكه ولصناعة السياحة التي هي مورد أساسي للبنان.

قصف المستشفيات

جرى ارتكاب جرائم حرب بحق العاملين فى المستشفيات واسعاف الجرحى. وقام الطيران الحربى الاسرائيلى بالقصف المباشر لمستشفى صلاح غندور بمنطقة بنت جبيل مما اوقع عددا من الجرحى بين الفريق الطبى بالمستشفى. كذلك قام الكوماندوز الاسرائيلى بعملية انزال عسكرى على مستشفى دار الحكمة بمنطقة بعلبك، كما تم قصف مستشفى بمنطقة تبنين..

استهداف قوافل الاغاثة

استهدفت اسرائيل قصف الممرات الامنة للام المتحدة، ومنعت الصليب الاحمر من الدخول الى مناطق المتضررة فى الجنوب اللبنانى، كما منعت شاحنات الاغاثة الانسانية حيث تعرض البعض منها للقصف المباشر.

استهداف مراكز هيئة الدفاع المدنى

قامت الطائرات العسكرية الاسرائيلية بقصف 14 مركزا للدفاع المدني اللبنانى حيث تم تدمير 6 مراكز بشكل تام ( مركز صور – مركز بعلبك – مركز الطيبة – مركز بنت جبيل – مركز الخيام – مركز عيتة الشعب )، كما تم قصف 8 مراكز قصفا مباشرا اثر على كفائتهم (مركز العباسية – مركز مركبة – مركز راشية الفخار – مركز العبدة – مركز شحيم – مركز النبطية – مركز الغبيرة – مركز الحيصة ). كذلك اصيب او جرح 58 عنصراً من عناصر الدفاع المدني منهم : 11 موظف و 47 متطوع،  10 منهم اصاباتهم بالغة بالاضافة الى استشهاد فرد واحد من أفراد الدفاع المدني المتطوعين. 

ارقام الضحايا المصابين فى بعض المجازر التى ارتكبتها القوات الاسرائيلية

حسب بيانات الدفاع المدني يوم السبت 12 آب/أغسطس

مجزرة قانا 30  تموز/يوليو

قتل فيها 28 مواطن مدنى وجرح 11 بالاضافة الى 4 مفقودين ويتوقع وجود 10 أشخاص تحت الانقاض،

مجزرة مستودع القاع للفواكه 4  آب/اغسطس 

قتل فيها 24 مواطن مدنى وجرح  13، مات بعضهم فيما بعد،

مجزرة الشياح 8  آب/اغسطس 

قتل فيها 47 مواطن مدنى وجرح 75 بالاضافة الى 1 مفقود « إمراة »،

مجزرة الغازية

قتل فيها 12 مواطن مدنى وجرح 27، 

مجزرة كفريا بالبقاع الغربي 11 آب/اغسطس    حيث قصفت الطائرات الاسرائيلية موكباً لنازحين مؤلف من 1200 سيارة،

1- الجرحي المدنيين فى مجزرة كفريا                       

رائف زيتون – جوليان علبة – ميشيل كميل عون – فياص حنا دعبس – على مرتضى سلامة – سليمان كامل ظمطح – سلامة محمد سلامة – عبير لبيب عبلة – فواز عطا الله.

2- الجرحي من قوات الأمن فى مجزرة كفريا

ملازم/ نبيل غانم – مجند / سلامة حرب – معاون أول/ محمد ابراهيم – رقيب/ شادي الاسمر.

3- الجرحي من الجيش اللبناني فى مجزرة كفريا

العقيد/ فارس متينة – الرائد/ جابي كتور – معاون أول/ اسماعيل اسماعيل – العريف/ على الورداني – سليمان على غصن – رشاد رستم – فراس الأحمر – سماحة ايوب – سامي ياسين – نزار أبو غانم – البير سلوم – موسى شمص.

جريدة النهار

تم زيارة مقر جريدة  » النهار »  اللبنانية حيث جرى لقاء الاستاذ جهاد الزين الذى تحدث عن وجود جدل سياسي داخلي فى لبنان بخصوص « حزب الله » وعن الاسباب والظروف التى ادت لاندلاع الحرب على لبنان، كما ذكر وجود موقف بعض القوى السياسية منذ عام 2000 التي طالبت بضرورة انخراط حزب الله بالعملية السياسية وتسليم سلاحه، وقال انه لابد من الاخذ بعين الاعتبار بحساسية الموقف اللبنانى فيما يخص المسالة الطائفية وانه لابد من الدفاع عن مدنية الدولة وعدم التفريط فى الانجازات التى تم تحقيقها حتى الان. كما واشار لوجود مخاوف من وجود توتر طائفى الان وهناك احتمالات بتطور الاوضاع الى حرب اهلية بعد ان تضع الحرب اوزارها اذا لم تتعامل كافة الاطراف اللبنانية بمسؤلية.

الجرحى

مستشفى بيروت

زارت البعثة مستشفى « رفيق الحريري الجامعي « بيروت الجامعي (سابقاً) وجرى لقاء مسئولة العلاقات العامة بالمستشفى حيث افادت باستقبال المستشفى لـ 1215 حالة مصاب وجريح منذ بداية الحرب حتى يوم 10/8 منهم حوالي 20 مصاب وجريح فى مذبحة الشياح. وقد جرى لقاء الجرحى الذين مازالوا محجوزين بالمستشفى لاستكمال العلاج وتم اخذ شهادتهم الحية وتسجيلها بالصوت والصورة كما تم الحصول منهم على توكيلات قانونية لاقامة الدعاوى القضائية ضد المسؤلين الاسرائيليين لقيامهم بارتكاب جرائم حرب ومن هؤلاء الجرحى :-

 – المواطن : كامل الخطيب، من كفر شوبه على الحدود اللبنانية الإسرائيلية – نزح إلى منطقة صيدا فور اندلاع الحرب، وكان فى بيروت فى ضاحية الشياح عندما القت الطائرات الاسرائيلية منشورات لإجبار المواطنين على ترك منازلهم. وقد قال كامل « أنا رأيت المناشير على التليفزيون، قلت لأخي هيا بنا نهرب، كنا على الطريق من بيروت لصيدا، أغارت علينا الطائرات الاسرائيلية فقدت الوعى ولا أدري ماذا حدث بعد ذلك. أستعدت الوعى على قوات الدفاع المدني وأفراد الصليب الأحمر اللبناني وهم يحملونني ويتوجهون بى إلى المستشفى. أنا كنت راكب عربتي الملاكي وكانت الساعة حوالي 3 أو 4 عصراً، أنا متزوج وعندي ستة أبناء وأعمل موظف بشركة « أمانة كير ».

التشخيص : كسر بالذراع الايسر، كسر بالركبة اليمنى، كسر بالكاحل الايمن مع وجود تجمع هوائى على الرئة اليسرى وتم تركيب انبوبة صدرية.

– المواطن : على ابراهيم سليم، عمره 30 عاما، اعذب كان يعد للزواج بعد شهرين. من الحولة قضاء مرجعيون، كان مع اهله بالمنزل يصلى، بينما كانت اخته بالمطبخ تجهز لهم العشاء عندما قامت طائرة اباتشى اسرائيلية بقصف المنزل بصاروخ دخله فاصيب هو اصابات بالغة واصيب عدد من افراد اسرته. دخل الى مستشفى مرجعيون يوم 16تموز/يوليو وتم تحويله إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي فى 20 تموز/يوليو. رقم الملف الطبى : 1021041، التشخيص : حروق شديدة بانحاء متفرقة من الجسم والوجه.

– المواطن : معن على سعد، دخل الى المستشفى يوم  20 تموز/يوليو،  رقم الملف الطبى :  1021047، احد اقارب على ابراهيم سليم. التشخيص : اصابة بالعين اليمنى ادت لفقدان البصر مع وجود كدمات ورضوض بالظهر والساق اليسرى.

– المواطنة : خلايق على محمود، عمرها 71 عاما، « من برج البراجنة »، اصيبت من جراء قصف الطائرات العسكرية الاسرائيلية يوم الجمعة الموافق 4 آب/اغسطس بينما كانت عند احد الجيران الساعة الخامسة مساء. ففقدت الوعى واستعادت وعيها لتجد نفسها تحت ركام القصف. رقم الملف الطبى : 1022464 ، تاريخ الدخول للمستشفى 14  تموز/يوليو 

التشخيص : اصابات وكدمات وجروح متعددة بانحاء متفرقة من الجسد.

– الطفلة : سماح سعيد شهاب، عمرها تسعة سنوات ونصف، اسم الأم : أمينة محمود، من ضيعة معركة بقضاء صور، اصيبت بقصف صاروخى على الشارع يوم 23 تموز/يوليو، تاريخ الدخول للمستشفى 26 تموز/يوليو،  رقم الملف الطبى : 1021477، التشخيص : جروح متعددة وحروق متفرقة بالطرفين بالساقين والذراعين.

مستشفى الحياة

توجهت البعثة الى مستشفى الحياة « الخاصة » التي استقبلت 25 جريحا ومصابا فى مجزرة الشياح نتيجة لقصف الطائرات الاسرائيلية لاحدى البنايات السكنية. وكانت اقفلت بعض المستشفيات الأخرى بسبب قصف المنطقة. تنوعت الاصابات ما بين : كسور بعظام الأطراف العلوية والسفلية، اصابات وكسور بعظام الجمجمة، جروح متنوعة، رضوض، ونزيف داخلي بالبطن. من أكثر الحالات مأساوية والتى تم استقبالها بالمستشفى حالة المريضة « انعام نور الدين » التي تبلغ من العمر 41 سنة وهي متزوجة منذ 15 سنة وكان لديها مشاكل فى الحمل. أجرت عملية « تخصيب صناعي » وكانت حامل بتوأم فى الشهر الخامس، وحضرت إلى المستشفى ضمن المصابين فى مجزرة الشياح. كانت مصابة بنزيف داخلى بالبطن وأجريت لها عملية استكشاف جراحي حيث تم استئصال الطحال، كما وأجريت لها عملية اجهاض حفاظاً على حياتها لوجود استحالة لاستكمال الحمل.

المستشفى خاص ويتم استقبال حالات الاصابة وعلاج المصابين من جراء القصف على نفقة وزارة الصحة اللبنانية. تم اغلاق الثلاث طوابق العليا من المستشفى تحسباً لأى ظروف ولاستقبال الجرحي كما وضع اللوجو الخاص بالمستشفى على سطح المبنى ويتم اضائته ليلاً. لكن من الوارد جداً قصف المستشفى كما حدث من قبل فى عدة مستشفيات. طاقة المستشفى 128 سريراً بالاضافة إلى 9 أسرة للعناية المركزة و3 غرف للعمليات ويتواجد يومياً على مدار الـ24 ساعة حوالي 15 طبيب و 20 ممرضة، فى مختلف التخصصات الطبية والجراحية. تم استقبال 250 جريح ومصاب منذ اندلاع الحرب، وحضر إلى المستشفى شخص واحد كان بحالة صحية سيئة وتوفى على الفور، وهو على عاصى (50 سنة) كان مصاباً بشظية بالظهر، أصيب أثناء قصف طريق المطار، وكان يقطن بحوار كنيسة « مار ميخائيل ».

المستلزمات والاحتياجات الطبية بها نقص شديد مثل أكياس الدم والبلازما والأمصال وبعض الأدوية وأربطة الشاش والضمادات الطبية وقد جاء(الخميس 10 آب/اغسطس) لأول مرة معونة تمثلت فى 10 فلاتر للغسيل الكلوي كما قام أحد الأشخاص بالتبرع ببعض الجوانتيات الطبية. وتم مقابلة « سناء على زهرة » مشرفة التمريض بالمستشفى (30سنة ) من مزارع شبعا، تعمل ممرضة بالمستشفى منذ 14 سنة وكانت مقيمة بحارة حريك بالضاحية الجنوبية وبعد قصف منزلها لم تجد لها ملجأ سوى بالمستشفى. أثناء الزيارة كان يوجد بالمستشفى مريضتين فقط بقيتا من ضحايا مجزرة الشياح.

زينب شعيطو : مصابة بكسر فى الساق اليسرى وجروح وكدمات متفرقة بالجسد والوجه، وأنعام نور الدين: نزيف داخلي بالبطن وأجرى لها عملية استئصال للطحال وعملية اجهاض لحمل فى الشهر الخامس « توأم عن طريق الاخصاب الصناعي ».

المستشفى الميدانى العسكرى المصرى

تم مقابلة المدير الطبى للمستشفى الميداني المصري بمنطقة « الطولة » بالجامعة العربية، حيث افاد بان العمل بالمستشفى الميداني المصري بدأ فى يوم  1 آب/اغسطس الجارى. ويتم تقديم الخدمة الطبية مجاناً على مدار 24 ساعة لحالات الاستقبال ولحالات الاصابات وللنازحين. العيادة اليومية تعمل طيلة 6 أيام بالأسبوع حتى الساعة الثانية ظهرا وتتوافر جميع التخصصات (الجراحة العامة – جراحة المخ والأعصاب – العظام – الحروق والتجميل – الصحة العامة والأمراض الباطنة – الرمد والأطفال). طاقم العمل بالستشفى بكامله مصري، وتبلغ طاقة المستشفى 50 عنصر طبي ما بين أطباء وتمريض وفنيين وصيدلانيين. أما عدد الأسرة بالمستشفى 100 سرير ومزودة بغرفتين لإجراء العمليات الجراحية بالإضافة إلى غرفة مجهزة لما بعد العمليات، وغرفة للعناية المركزة، وغرف العمليات مجهزة لإجراء جميع العمليات بما فيها امراض النساء والتوليد. متوسط عدد التردد على المستشفى زاد منذ بداية العمل حتى وصل إلى حوالي 1500 زائر يومياً يقدم لهم الخدمة الطبية بما فى ذلك الفحوص والتحاليل والاشعاعات مجاناً. ليس هناك من مشكلة « طاقة » حيث تم توفير البنزين والسولار وتوجد عربة اسعاف مجهزة وعربة اسعاف عادية، كما يوجد مولد كهربائي يستخدم فى حالة انقطاع التيار الكهربائي الذى يتكرر وذلك لتلافي المشاكل والمضاعفات التى يمكن أن تحدث فى غرف العمليات وغرفة العناية المركزة. بخصوص جهود اخلاء الجرحى قال المدير: « لا يوجد لدى طاقم العمل الوقت الكافي لجهود انقاذ المصابين فى القصف الاسرائيلي ويتم الاستعانة بجهاز الدفاع المدني اللبناني لإخلاء الحالات للمستشفى ». كما « يتم توفير الأدوية نظراً للنقص الشديد عن طريق الطائرات العسكرية المصرية، ورد فعل المواطنين والمسئولين اللبنانيين يتسم بالتقدير والامتنان ومعظم الأدوية للضغط والقلب والسكر. حتى الان، أي السبت 12 آب/اغسطس تم استقبال حوالي 9000 مواطن واجراء 43 عملية جراحية فى التخصصات المختلفة (جراحة عامة  – عظام – جراحة النساء والتوليد وجراحة المخ والأعصاب ) لجميع الشرائح العمرية، لكن الأطفال وكبار السن يمثلون نسبة كبيرة من المترددين على المستشفى. معظم الاصابات التى ترد للمستشفى عبارة عن كسور بالعظام وجروح وكدمات نتيجة للقصف ولظروف النزوح الاضطراري ». وقد افاد بوجود تنسيق وتعاون مع وزارة الصحة اللبنانية والصليب الأحمر اللبناني وكذلك المستشفيات المحيطة مثل (مستشفى بيروت ومستشفى المقاصد)، كما يوجد تنسيق مع منظمات المجتمع المدني اللبناني مثل جمعية السكر اللبنانية، وهي جمعية خيرية، حيث تم صرف 6000 زجاجة انسولين وعلب أقرص علاج السكر للجمعية، كما تم صرف 1500 زجاجة انسولين لمستشفى « المقاصد » لتوزيعها بالمجان على المحتاجين.

النازحون 

ملجأ بيروت مول

الملجأ عبارة عن سوبر ماركت تجارى ضخم (بيروت مول) مكون من طابقين علويين واربعة طوابق تحت الارض وبه مواقف للسيارات، يمتلكه احد المستثمرين من منطقة الخليج، وكان مقررا افتتاحة يوم الجمعة 11 آب/اغسطس. لكن بعد نشوب الحرب تحول الى ملجأ عام للنازحين اغلبيتهم من قرى الجنوب اللبنانى والضاحية الجنوبية لبيروت. مختار الغبيري « محمود فرحات » هو المسؤول عن الملجأ وقد افادنا بأن الملجأ كان يضم حوالي 357 عائلة بمعدل 2000 شخص، لكن بعد ضرب بناية الشياح اضطر بعض النازحين إلى الهرب فانخفض العدد إلى 1000 شخص تقريباً. تأتي المساعدات إلى الملجأ من عدة جمعيات أهلية، وتقوم الهيئة الصحية للمقاومة الإسلامية بتوزيع الأدوية، كما تقوم بلدية الغبيري والهيئة العليا للإغاثة بتوفير المواد الغذائية ومياه الشرب. أما المنظمات الدولية التى تقدم المساعدة للنازحين بالملجأ هى ( أطباء بلا حدود، فرسان مالطة، والرؤية العالمية world vision ، بالاضافة الى هيئة الاغاثة الاسلامية التابعة لحزب الله). وقال المختار « ان قدرة استيعاب الملجأ 3000 شخص، ونحن نسعى لعدم اكتظاظ الملجأ حتى نتمكن من تقديم الخدمة للنازحين بشكل مقبول، والملجا به نازحون من مختلف الطوائف سنة، شيعة، مسيحيون … الخ ، وتوجد عيادة خارجية بالملجأ لتقديم الخدمة الطبية للمواطنين. ويتم يومياً استقبال 200 مريض من داخل وخارج الملجا ولكن يوجد نقص شديد واحتياج لأدوية الأمراض المزمنة كالسكر والضغط وامراض الأعصاب والقلب… الخ. » النازحون بالملجأ من مناطق عدة من برج البراجنة ومن حي السلم ومن الغبيري والشياح، وبعد قصف البنايات السكنية بالشياح لجأوا إلى هذا الملجا. لقد قابلنا بعض النازحين الذين افادوا بانهم يتوقعون البقاء فى هذا المكان بعض الوقت وخاصة من خسر منهم منزله في الجنوب بسبب القصف الذي تعرض له. هم لا يملكون رؤية للمستقبل القريب وإلى أين سيذهبون وكيف ومتى سيعيدون بناء منازلهم. هذا المكان والذي كانوا يسمونه بالملجأ (ربما للجوء الناس له وليس لأنه يتمتع بخصائص الملاجئ) لم يقصده سوى غالبية من النساء والأولاد وبعض الشباب الذين أضطروا للالتحاق بعائلاتهم وأولادهم الصغار بالسن.

عند زيارة الوفد لمواقف السيارات هذا كان يضم حوالي الألف شخص ولكن لأيام خلت كان يحتوي على 1600. فالخوف من استهدافه جعل البعض ينزح منه مرة أخرى. من الجدير بالذكر أنه بعد زيارتنا للملجأ هذا رمى الطيران الإسرائيلي مناشير على مناطق برج البراجنة والسلم والشياح تدعو السكان للنزوح عنها، بحيث اضطر المسؤولون عنه لإخلائه في اليوم نفسه وارسال ساكنيه إلى شمال لبنان. وذلك في حافلات حملتهم من منطقة العدلية الواقعة على ما كان يسمى خلال الحرب الأهلية بالحدود الفاصلة بين بيروت الشرقية والغربية، والتي أوصلهم لها متطوعوا الدفاع المدني الذين التقينا بعضهم في الشياح صباح ذلك اليوم. سيدة من الذين قابلناهم في هذا المكان كانت قد لجأت إليه من منطقة الشياح بعد أن تعرضت لأول ضربة وها هي الآن وكالكثيرين غيرها الذين نزحوا تضطر للنزوح مرة أخرى لمكان آخر بسبب الاستهداف الإسرائيلي لبعض المناطق اللبنانية بعينها وبحجة أنها تحتضن المقاومة اللبنانية. لكن الجيش الإسرائيلي لم يوفر مناطق كثيرة أخرى ليس فيها أي وجود لعناصر المقاومة وكان يقصد بذلك احداث شرخ بين الشرائح السياسية والطوائف اللبنانية. وفى داخل الملجأ قابلت البعثة احد النازحين ويدعى « على قميحة  » 22 سنة، طالب بالسنة الأولى بمهنية النبطية، من ضيعة كفر صير التابع إدارياً للنبطية ويبعد عنها 12كيلومتر. ويبلغ تعداد سكان الكفر حوالي 3000 نسمة ويقع فى الجنوب اللبنانى شمال نهر الليطاني الذى يمر بالضيعة. بعد اسبوع من اندلاع الحرب نزح « على قميحة » إلى منطقة الشياح مع عائلته المكونة من الأب والأم وخمسة أخوة ذكور وثلاث أخوات، حيث تم ضرب البيوت فى ضيعة كفر صير فى اليوم الثالث لاندلاع الحرب وعادة ما كانت البيوت خالية.

كانت توجد بالملجأ (بيروت مول) ايضا عائلة من ضيعة كفر صير نزحت إلى المبني الذى تم قصفه وهدمه فى مجزرة الشياح، وهي مؤلفة من الأب والأم وتدعى  » سلوي خليل نسر » ويبلغ عمرها 25 سنة تقريباً ولديها طفلين: سنتين و4 سنوات بالاضافة إلى رضيع عمره أيام. وقد نزحت سلوي من ضيعة كفر صير إلى بيت أهل زوجها في البناية التى تم هدمها على رؤوس ساكنيها وتوفيت هي وأبنائها الثلاثة مع زوجها الذى كان يعمل « سائق تاكسي ». وقال « على قميحة » ما زال يوجد حوالي 200 شخص بضيعة كفر صير وكلهم شباب ورجال يستطيعون تحمل قلة الغذاء والمياه وظروف الحرب، أما باقي سكان الضيعة فقد نزحوا إلى منطقة الشياح والمنطقة الشرقية لبيروت. وعن الأوضاع داخل الملجأ قال  » على قميحة » بعد ساعة 11 مساء يتم التدقيق فى اجراءات الدخول والخروج من الملجأ وأفراد الأمن المسئولين عن ذلك هم تابعين لأمن مبني « بيروت مول ». توجد شاشة تليفزيونية كبيرة للنازحين تقوم بعرض الأخبار والرسوم المتحركة ولما سألناه عن البرامج الترفيهية والمسلسلات والأفلام ابتسم قائلاً: ما بيصير ». كما توجد مدينة ملاهي صغيرة للأطفال في المبنى ويتم توزيع المراتب والوسائد على النازحين وتوزع الملابس على النساء والأطفال. وبالرغم من وجود زحمة بالحمام الا ان الناس يقومون بتنظيم المسألة بأنفسهم. أما بخصوص الغذاء فتقدم حصة غذائية تكفي لمدة يومين او ثلاثة، وكذلك 20 لتر مياه لكل أسرة. وعندما تنفذ تصرف حصة أخرى، كما يقدم الحليب والاحتياجات الأخرى للنازحين بشكل مستمر، ويقوم الناس بغسيل ملابسهم بشكل يدوي فى الملجأ أو عند الاقارب.

  حديقة الصنايع

قامت البعثة بتفقد احدى الحدائق العامة التى نزح اليها المواطنون وهى « حديقة الصنايع » حيث قابلت البعثة ممثل مجموعة صامدون المسؤول عن النازحين بالحديقة، الذي قال ان عدد النازحين كان 840 شخص ارتفع الى 1480 شخص بعد ضرب منطقة الشياح وحارة حريك بالضاحية الجنوبية. وقال « نحن نحاول قدر المستطاع تلبية الاحتياجات للمواطنين بالرغم من أن الاعباء الملقاة على عاتقنا كبيرة وامكانياتنا محدودة. ونحن نتعاون مع الحملة المدنية للاغاثة وهى تجمع لعدد من المنظمات غير الحكومية فى لبنان وتعمل على غرار طريقة عمل صامدون ». وقال ان هناك حوالى 40 متطوع لخدمة النازحين بحديقة الصنايع ويتقدم يوميا عدد من الشباب للمشاركة التطوعية فى جهود الاغاثة. وقد قامت البعثة بتفقد اوضاع النازحين بحديقة الصنايع حيث افترشوا الارض وقامت الاسر باستخدام الملاءات والشراشف لعمل ما يشبه الخيم حفاظا على الخصوصية. وقد شاهدت البعثة مقر الاتصال المؤقت التى اقامته المفوضية العليا لشئون اللاجئين UNHCR حيث قامت بتوفير جهاز للاتصال التليفوني عبر القمر الصناعى لكى يستطيع النازحون الاتصال بذويهم داخل او خارج لبنان. كما عاينت العيادة الطبية التى تم انشاؤها بحديقة الصنايع حيث يجرى فيها الكشف الطبى وصرف الادوية للنازحين بالمجان من قبل الاطباء المتطوعين. كذلك تم تفقد المطبخ الميدانى الذى جرى انشاؤه لتقديم الوجبات الساخنة للنازحين. وقد رأت البعثة جزءا من المعونات الغذائية التى تبرع بها الهلال الاحمر الكويتى ومنظمة اطباء بلا حدود، كذلك تم تفقد المخزن الذى يجرى فيه حفظ علب الاغذية المحفوظة وحليب الاطفال.

مسرح المدينة

قامت البعثة بزيارة مسرح المدينة وهو باسم « جمعية مسرح المدينة للثقافة والفنون » باشراف الفنانة نضال الاشقر حيث يتواجد بالمسرح حوالى 10 عائلات تضم حوالي 70 شخص ويشغل 281 نازح الطوابق الاخرى من المبنى. السيد محمد فرحات يعمل مهندس فني بالمسرح جاء الى بيروت قادما من فرنسا يوم 9 تموز/يوليو للإعداد لعرض احدى المسرحيات. لكن بعد اندلاع الحرب، تولى مسئولية جهود الاغاثة وتنظيم إمداد النازحين بالمسرح بالاحتياجات الإنسانية (غذاء – مياه شرب – أدوية) وهو يعمل متطوعاً مع أخيه على فرحات (موظف الأمن بالمسرح). وقد قام بإعداد برنامج ترفيهي يومي للأطفال (سينما – العاب – صلصال – رسم – حصص مطالعة بالمكتبة) اضافة الى جهوده فى مجال تقديم الدعم الانسانى وتنظيم امداد النازحين الى المسرح بالمؤن والاحتياجات الاساسية.

توزيع النازحين فى المسرح

 

عدد الأشخاص

رجال

نساء

اطفال

الطابق الأول فى المسرح

20

1

2

3

الطابق الاول تحت الأرض

20

7

5

8

الطابق الثانى تحت الأرض

47

15

15

17

الطابق الأول فى المبني

54

12

13

29

الطابق الثاني فى المبني

19

4

8

7

الطابق الثالث فى المبني

38

8

12

18

الطابق الخامس فى المبني

11

6

4

1

الطابق الثامن فى المبني

12

1

6

5

الطابق التاسع فى المبني

36

13

15

8

الطابق العاشر فى المبني

24

2

9

13

مقر احدى الجمعيات الاهلية

قامت البعثة بتفقد النازحين فى مقر « التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني » حيث نزحت اسرة حمود من ضيعة بيت ليف بجنوب لبنان إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. وبعد قصف الضاحية الجنوبية نزحت إلى مقر التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني. والعائلة مكونة من الاب والأم والأبناء 7 اناث (فاطمة – زينب « متزوجة من وهبه ترحينه وزوجها عبه بالجنوب اللبناني »  – مريم – نجيبة « متزوجة من محمد موسى » – فايزة-   ليلى « متزوجة من حسن حمود ومعها طفل عمره سنتين » –  غادة)  3 ذكور (على – حسن – حسين « متزوج من السيدة خديجة حميد وعنده ثلاثة ابناء : دينا ثلاث سنوات ونصف وفاطمة سبعة أشهر وعلى سنة وثمانية أشهر) ويبلغ اجمالى عدد أفراد عائلة بيت محمود المقيمين بمقر التجمع النسائي الديمقراطي 20 فرداً. ويقول الابن على محمود « بعد ضرب المطار انتقل جزء من أهلى « عائلة بيت حمود » إلى النبعة بمنطقة « سن الفيل » وبقى الجزء الآخر بضيعة بيت ليف لمدة 20 يوماً كانوا خلالها محاصرين (الأب والأخ حسين وزوجته وأبنائه والأخ حسن). وبمجرد إعلان الهدنة لمدة 48 ساعة، انتقل الجزء المتبقى من العائلة إلى مقر التجمع النسائي الديمقراطي بلبنان.

أخت زينب محمود كانت تعمل بمقر التجمع وقد عرضت عليها السيدة وداد شختورة مديرة المقر القدوم هي وأفراد عائلتها للاقامة بالمقر. حضر الجزء الاول من العائلة إلى مقر التجمع النسائي الديمقراطي يوم 17 تموز/يوليو بعد ضرب الضاحية الجنوبية والتى كانت تقيم بها العائلة، وبعد الهدنة تم لم شمل العائلة. والان يتم تلبية احتياجات الأسرة عبر التبرعات الشخصية ومن بعض الجمعيات، لكن لا يوجد انتظام فى تقديم الاعانات الغذائية والمؤن. « نحن نشكو من قلة المعونات والحصص المصروفة لنا، ويتم توفير الحليب للأطفال من بعض الجهات والجمعيات الخيرية والباقى نشتريه على حسابنا الخاص. لكن العائلة انفقت كل مداخراتها المالية على الاحتياجات الغذائية، ونحن لا ندري شيئا عن بيتنا منذ تركناه وهل تم قصفه أم لا. ويتبع المنزل قضاء « بنت جبيل » على بعد 3 ساعات بالسيارة من بيروت، لكن بيت أختى تضرر من جراء القصف الاسرائيلي ويقع بيتها فى حي « المقداد » بالضاحية الجنوبية لبيروت ». ويضيف على حمود « نحن كنا فى غنى عن مد يدنا لأى أحد طلباً للمعونة، لكن ظروف الحرب اضطرتنا لذلك، ونحن مستآئين من الوضع الذى نعيش فيه ونود ان نرجع إلى بيوتنا. انا حاولت البحث عن عمل لكي انفق على الأسرة وألبى احتياجاتها، لكن لايوجد عمل فى حالة الحرب وكل المحلات مغلقة، ولا توجد فرص عمل ».

المدارس

زارت البعثة عددا من المدارس وعاينت الاوضاع المعيشية الصعبة التى يعانى منها النازحون وخصوصا الاطفال، كما لاحظت عدم توافر الاحتياجات الاساسية مثل مياه الشرب ومياه الاغتسال وتناهى لسمعها وجود بعض الاوبئة، العائدة لانعدام وسائل الصحة العامة، مثل القمل والجرب وان كانت حالات قليلة. وتبين ان الاحزاب السياسية قد اتفقت فيما بينها على توزيع مهمة تقديم العون للنازحين بحيث يتولى كل حزب خدمة النازحين فى عدد من المدارس. لكن يردد البعض ان تلك الاحزاب تعمل من اجل كسب اصوات الناخبين. كما تواترت الشكوى من عدم انتظام تقديم مواد الاغاثة للنازحين بالمدراس.

جولات ميدانية لتفقد مظاهر الدمار

الضاحية الجنوبية لبيروت

قامت البعثة بتفقد الضاحية الجنوبية والمربع الأمني الذي اصبح اثرا بعد عين، حيث سويت بعض مبانيه بالأرض وما زال الردم في مكانه. وهي المنطقة التي كانت سابقا تحتوي على محال تجارية ومساكن وتلفزيون للمقاومة وأول مركز طبي أسس في الضاحية … الخ. يبدو أن شباب حزب الله قد حرسوا هذه المنطقة وكانوا بالمرصاد لتجار الحرب واللصوص ولم يسمحوا بمد اليد إلى ما تناثر مع سقوط المباني من متاع وأموال ومجوهرات. لمسنا الترتيب المنظم لتحركاتهم من مرافقتنا في هذه الجولة. لكن لم تدم الزيارة طويلا وكان علينا أن نغادر المكان بسرعة حيث لم تلبث أصوات الانفجارات أن دوت في مكان غير بعيد. وقامت البعثة اثناء الزيارة بتوثيق مشاهد الدمار والخراب بالصوت والصورة كما اجرت البعثة حوارا مع المسؤلين من حزب الله عن تامين المنطقة ومع احد المسؤليين الاعلاميين بالحزب. وقد كانت رائحة الموت تنتشر فى ارجاء المكان ، كما تكشف للبعثة وحشية وهمجية العدوان الاسرائيلى حيث ان معظم المبانى المهدمة وتلك التى طالها القصف هى عمارات سكنية كان يقطنها المدنيين العزل ولا يوجد مبرر اخلاقى لمثل هذا الخرق الفاضح للقانون الانسانى الدولى ولاتفاقيات جنيف التى تنص على حماية ارواح وممتلكات المدنيين كما تنص على مبدأى التمايز ومراعاة التناسب فى العمليات العسكرية. الجريمة التى ارتكبتها القوات الاسرائيلية بتدمير البيوت والمنازل فى الضاحية الجنوبية لبيروت تستلزم محاكمة جنائية للمسؤلين عن ذلك سواء السياسيين او العسكريين الاسرائيليين.

منطقة الشياح / ادراة الحكم المحلى

قصدت البعثة منطقة الشياح شمال الضاحية الجنوبية، التي لم يكن متوقعا قصفها حيث انها تحتوي على كل الطوائف اللبنانية، وزارت مكانا كان أفراد الدفاع المدني، الذين يعملون دون توقف ويناموا في سياراتهم ليبقوا على اهبة الاستعداد لأي طارئ، يرفعون فيه انقاض ثلاث بنايات سقطت بقصف صاروخي قبل مدة وجيزة وما زالت بعض جثث الـ 56 شخصا الذين ماتوا فيها تحت الأنقاض. كان أقارب القتلى يقفون بانتظار خبر يزف نبأ العثور علي جثثهم. ومن هؤلاء القتلى امرأة حامل « مايا سعيد » كان أفراد الدفاع المدني ما زالوا يبحثون عنها وكان والديها ينتظران بالقرب منهم تطور سير عمليات رفع الركام.  مايا كانت حامل فى الشهر السابع ومعها طفلتها 4 سنوات وكانت فى زيارة لبيت حماها، وبعد وصولها لمنزل حماها بربع الساعة وعند أذان المغرب قصف المبني السكني بثلاثة صواريخ وهدم على رؤوس السكان. أفاد الاب أنه « آخر مرة رأيت فيها مايا كان نهار السبت 5 آب/اغسطس بالضيعة بالجبل حيث كانت فى زيارة لنا فى بيت أهلها وهي كانت ساكنة بمنطقة « الناعم ». مايا كانت ربه منزل وزوجها موظف بشركة خاصة. وحتى انتهاء زيارة البعثة كانت جهود الانقاذ ما زالت مستمرة ولم يتم العثور على جثة الابنة مايا بينما تم العثور على جثة طفلتها.

توجهت البعثة الى مقر بلدية الغبيرى التى تتبعها منطقة الشياح وتم لقاء رئيس البلدية التى يقع نطاقها جنوب العاصمة والمنطقة الواقعة بين المطار والعاصمة بيروت وتضم مخيمات صبرا وشاتيلا. وهى تضم 25 ألف مواطن عدا المهجرين الذين نزحوا لها والمخيمات الفلسطينية. كان له رأي بما يجري وبخاصة تحفظات على المستشفيات المدنية المقدمة من السعودية والاردن ومصر والتي بقيت في بيروت ولم يتحرك منها ولا واحدة للجنوب الذي يحتاج أكثر من غيره لهذه المستسفيات حيث الدمار طال البنى التحتية بشكل رئيسي. كما لفت النظر إلى كون المشكلة ليست مشكلة طعام وامدادات غذائية وإنما السكوت الدولي عن قطع الامدادات البرية والبحرية وعلى الحصار الذي فرض على لبنان من طرف اسرائيل. كذلك عرج على الصليب الأحمر الدولي حيث شكى من غيابه الكبير رغم المساعدات التي تقدم له. كما لفت النظر لمسألة عدم تسلم بلديته لأية مساعدة من طرف الحكومة وإنما من المؤسسات الإنسانية. ففي نقطة واحدة في برج البراجنة سقط 23 طن من المتفجرات على مسجد قيد الانشاء ولم يتم التأكد حتى ذلك الحين من نوع القنابل التي استعملت، إنشطارية كانت أو عنقودية أم يورانيوم منضب؟ وحول هذا السؤال الذي طرح على مختصين في هذا الميدان كان الجواب أن هناك عينات أخذت من المرضى وأرسلت للخارج للتحليل ولم يتم بعد رصد تلك الأسلحة المستعملة بدقة.

ملحوظة

توجهت البعثة الى مقر وزارة الصحة ولم يتمكن اعضاؤها من مقابلة احد المسؤلين نظرا لانشغال الجميع بجهود الاغاثة والاسعاف، وقد وعدتنا سكرتيرة الوزير بمدنا فيما بعد بالبيانات المتوفرة حول عدد الجرحى والقتلى والجهود التى بذلتها وزارة الصحة اللبنانية لمواجهة الكوارث التى تسبب بها العدوان الاسرائيلى على لبنان، كذلك لم تتمكن البعثة من زيارة المسؤلين فى وزارة الداخلية اللبنانية ولا المسؤلين بالهيئة العليا للاغاثة لضيق الوقت.

استنتاجات أولية

إن أول وأهم استنتاج خرجت به البعثة، هو الدور الحيوي والمتميز للفضاء غير الحكومي في القضايا الوجودية في زمني الحرب والسلم. إن كانت أية مقاومة لعدوان أو اعتداء لها شطرها العسكري، فهناك أيضا مفهوم المقاومة المدنية المتعددة الأشكال والوظائف التي تمكن المجتمع من مواجهة التجويع والقصف والوسائل اللا أخلاقية في الحروب. ها نحن اليوم نخرج من المأساة اللبنانية بدرس مفيد لكل البلدان العربية، جازمين بأن قوة وكرامة وسيادة أي بلد هي المحصلة الطبيعية لقوة المقاومة المدنية فيه. لمبادرات المجتمع المدني وحيويته وتعاطيه بالشأن العام كمعني بالحدث، من موقع المسؤولية في مواجهة الاعتداء عليه وليس فقط كضحية ينتظر من السلطات الحكومية الردع والحماية. لذا فالاعتداء على تعبيرات المجتمع المدني هو اعتداء على السيادة الوطنية والمواطنية، وتقييد نشاطاتها إنما هو تقييد للمبادرة والتوظيف الخلاق لقدرات المجتمع.

ثاني استنتاج، هو أن المأساتين الفلسطينية واللبنانية بينتا ضعف الثقافة الحقوقية الخاصة بالمحاسبة. فما زالت منظمات كبيرة وهامة لا تعير موضوع المحاسبة ووسائلها الأهمية التي يستحق. لذا التحركات العفوية أحيانا وغير المكتملة أحيانا أخرى التي برزت، تتطلب بناء شبكة عربية حقوقية تجمع بين الخبراء والمناضلين الميدانيين وفريق محامين قادر على المتابعة.

ثالث استنتاج، هو السهولة في استعمال مصطلح جرائم الحرب (وهذه النقطة صحيحة على جانبي الصراع العسكري). فقد تم رصد انتهاكات عديدة للقواعد الإنسانية الدولية مع تصنيفها جرائم حرب. وهنا يجب التنويه إلى أن القانون الإنساني الدولي ليس مثاليا وفيه نقاط ضعف كبيرة. فهناك نوعين من جرائم الحرب: نوع يعتبر انتهاكا جسيما للقانون الإنساني الدولي ولا خلاف عليه وقد قامت اسرائيل بارتكابه في لبنان من مثل:

1-تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون في الأعمال الحربية؛

2- تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية؛

3- تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة ماداموا يستحقون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة؛

4- تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة؛

5- مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية، بأية وسيلة كانت؛

 لكن بالمقابل يبقى هناك نقاط رمادية في القانون الإنساني الدولي وهي تشمل:

– الأهداف المشروعة المتعلقة بالبنية التحتية خطوط ووسائل الاتصالات والقيادة والرقابة- خطوط سكك الحديد، الطرق، الجسور، الأنفاق، والقنوات- التي لها أهمية عسكرية جوهرية.

– الأهداف المشروعة المتعلقة بالاتصالات محطات الإذاعة والتلفزيون والمكالمات الهاتفية والتلغرافية ذات الأهمية العسكرية الجوهرية.

– الأهداف الصناعية العسكرية المشروعة مصانع إنتاج الأسلحة والمركبات ومعدات الاتصال للجيش؛ الصناعات المعدنية والهندسية والكيماوية التي بطبيعتها أو غايتها جوهرية عسكرياً؛ ومنشآت التخزين والنقل التي تخدم تلك الصناعات.

– الأهداف المشروعة المتصلة بالبحوث العسكرية مراكز البحث التجريبي لتطوير أسلحة الحرب ومعداتها.

يجب القول أن الحرب على الإرهاب خلقت تشوشا كبيرا في طبيعة وصفة المنظمات المقاتلة خارج الجيش النظامي. ولنا هنا أن نشير بسرعة إلى أن مصطلح الحرب على الإرهاب نفسه غير موجود أو مقبول في القانون الإنساني الدولي، في حين أن أشكال الكفاح المسلح المختلفة، دفاعا عن حق تقرير المصير ومقاومة المعتدي، مثبتة في القرارات الأساسية للجمعية العامة للأمم المتحدة. لذا من الضروري توضيح بعض النقاط الخاصة بتحديد الوضع القانوني لحزب الله وفقاً للقانون الإنساني الدولي:

أولا، لا تعتبر حرب العصابات بحد ذاتها غير قانونية وفق هذا القانون، ولكن على رجال العصابات اتباع القوانين نفسها التي تنطبق على جميع القوات المسلحة النظامية.

ثانيا،من الضروري ملاحظة أن حزب الله التزم بأهم متطلبات القانون العرفي الدولي، كما أن وضع عناصره المسلحة مغطى بالمادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف والبروتوكولين الملحقين بها لعام 1977.

ثالثا، هناك سؤال معقد وغير محسوم في القانون الانساني الدولي، ومن النقاط التي نسميها رمادية، يتعلق بمبدأ تاريخي اسمه حق الاقتصاص. وهذا الحق مازال قائما في مرجعية عدة بلدان غربية وإسلامية مثل بريطانيا والسعودية. كما أن إسرائيل تمارسه عندما تبرر لعدوانها على غزة ولبنان بالاقتصاص من الفلسطينيين الذين أسروا الجندي شاليط أو من حزب الله الذي أسر جنديين من عناصر جيشها. لكن بالتأكيد هذا مردود عليها كونها لم تتقيد بأحكام اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة والبروتوكولين الملحقين بها، ولم تعر أهمية لمبدأ تناسب القوة أو التمييز بين المدنيين والمسلحين أو احترام قوافل الاغاثة والطواقم الطبية أو توفير الامدادات الغذائية والدوائية او ضمان المستلزمات الأساسية كما سبق وذكرنا.

فالاقتصاص في القانون الإنساني الدولي تعبير يعني نوعاً محدداً من الرد.

فكي يكون الرد اقتصاصاً لا بد أن ينفذ بغرض إجبار أو حث قوات العدو على وقف انتهاكاتها للقانون الإنساني الدولي. إنه التزام ذاتي بقوانين الحرب، كون الاقتصاص لا يندرج في اطار الثأر أو العقاب، وانما لإجبار الطرف الآخر على وقف انتهاكاته. نحن نعرف من التوقيت أن قصف المدن الاسرائيلية من قبل حزب الله جاء بعد هدم الضاحية الجنوبية بشكل أساسي.

رجال القانون يحددون العناصر الرئيسية لـ « حق الاقتصاص » العرفي بما يلي:

*- الاستثناء (إخفاق جميع الوسائل المتوفرة الأخرى). فمجلس الأمن لم يفعل شيئا والادارة الأمريكية اعتبرت الهدم الاسرائيلي دفاعا عن النفس،

*-الإشعار (تحذير رسمي بالعمل المخطط). في أكثر من مداخلة متلفزة عبر السيد نصر الله عن الرد على العدوان بحق المدنيين للردع وعن مكانه (على حيفا وما بعد حيفا)،

*-التناسب (أن لا يتجاوز الضرر والمعاناة اللذان سيقعا على الطرف الخصم مستوى الضرر والمعاناة الذي نجم عن التصرف غير الشرعي). فعدد الضحايا المدنيين في لبنان أضعاف ما وقع عند العدو،

*-الصفة المؤقتة (وقف الاقتصاص عندما يتوقف الخصم عن انتهاك القانون). لقد توقف الاقتصاص بتوقف الطيران الاسرائيلي عن القصف.

لذا يصعب القبول بإطلاق منظمات حقوقية تعبير جرائم حرب على ممارسات حزب الله إذا انطلقنا من القواعد المعترف عليها عرفيا لحق الاقتصاص، في حين يمكن اعتبارها انتهاكا للقانون الإنساني الدولي إذا أخذنا بالرأي القائل بأن الاقتصاص يعتبر محظورا في المطلق.

وبكل الأحوال، وفي كل ما يتعلق بالانتهاكات مهما كان حجمها، من الضروري التدقيق والتوثيق من أجل الانتقال إلى الخطوة التالية وهي المحاسبة وفقا للاختصاص الجنائي العالمي في الدول التي تقر هذا المبدأ.

من هنا، دور المنظمات الحقوقية العربية اليوم على المحك أكثر من أي وقت مضى. سواء كان ذلك لتعريف الرأي العام بحقيقة ما وقع، أو بناء شبكة تضامن بين المجتمعات المدنية، أو تقدير الحاجات واستنفار الطاقات لتلبيتها، أو تعزيز ثقافة المبادرة والرد على الانتهاكات في زمن الحرب. وتدعو البعثة إلى استكمال البرنامج ببعثة توثيق ميدانية وفريق عمل حقوقي للمتابعة داخل وخارج لبنان.

منظمات حقوق الانسان المشاركة فى بعثة لبنان اللجنة العربية لحقوق الانسان / فرنسا Arab Commission for Human Rights 5, rue Gambetta, 92240-Malakoff- France Tel  : 0033140921588   Fax  : 0033146541913 eachr@noos.fre-mail : المجلس الوطنى للحريات / تونس Conseil National Pour Les Libertés en Tunisie (CNLT) 4 Rue Abou Dhabi, Tunis 1000 Tunisie. Tél/Fax: +216 71 240907. e-mail : cnlt.infos@ laposte.net contact@cnlt98.org جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان / مصر Association of Human Rights for Legal Assistances 2 Ma’a rouf  street , Talat Harab ,4th  Floor Cairo, Egypt Tel : (00202) 5770901   Fax : (00202) 5789069 gwww.ahrla.or e-mail : ahrla_99@yahoo.com

 


Home – Accueil الرئيسية

 

Lire aussi ces articles

6 mai 2010

    TUNISNEWS 10 ème année, N° 3635 du 06.05.2010  archives : www.tunisnews.net  Liberté  et Equité: Lotfi Grira et Houssine

En savoir plus +

14 août 2005

Accueil TUNISNEWS 6 ème année, N° 1911 du 14.08.2005  archives : www.tunisnews.net الجزيرة.نت: بوتفليقة-الاستفتاء على قانون العفو نهاية سبتمبر ياسر

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.