الاثنين، 25 يونيو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2589 du 25.06.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: الولايات المتحدة تسلم مواطنيين من محتجزي غوانتنامو و المحكمة العسكرية تبت في اعتراض عبدالله الحاجي في  سبتمبر المقبل

سي أن أن: خسروا، فأساء جمهور المغرب للعلم التونسي

وات: حرص على مزيد دعم التعاون بين تونس والولايات المتحدة وتنويع مجالاته

المغربية: تونس تحتضن الأربعاء المقبل أشغال المؤتمر العربي الواحد والعشرين لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات

الأستاذ محمد نجيب  الحسني: في دوائـر مـحكمـة  الإستئناف  بالكـاف  : قـضــاء بسرعـة البـرق

الاستــاذ فيصـل الزمنــي: المحـامـاة التونسيـة عشية مؤتمرهــا: (الجزء الاول )

الاستـاذ الهـادى الشمـانقى:انتخـابات المحـامين , من أجل تفعيل الاقتراع الســـري فى التقريرين المـالي و الادبي .

محمد العماري :رأي وتوضيح

ناصح أمين: لكني مع (الخلاص الفردي)

سلوى الشرفي :إلى الهاشمي الحامدي:حديث في شؤون الدنيا

بسام خلف:اجابة أولية لأسئلة أولية طرحها الشيخ الدكتور محمد الهاشمي الحامدي

محمد الشرفي:الديمقراطية وإشكالية  العلاقة بين الدين والدولة

د. محمد الهاشمي الحامدي:أخي الطاهر الهمامي: الإسلام ليس بدعة أصولية

عادل الحامدي  :أبغض الحلال.. هل هو الحل أم بداية التعقيد؟

بيار عقل: خطوط عرفات « الحمراء » تسقط برصاصات « حماس ».

إبراهيم غرايبة: ما معنى نهاية الدحلانية؟

محمد الصواف: سلاح عشائر غزة.. اختبار قوي لحماس

هنري سيغمان: الذين لا يريدون «حماس» سيحصلون على «القاعدة»!

ياسر الزعاترة :ماذا يريد رافضو الحوار مع حماس؟!

محمد صادق الحسيني :فقاعة المبادرات وسراب السلطة !

توفيق المديني: هل يُحقّق اجتماع باريس حلّاً لأزمة دارفور؟

الحياة : تعهدت تحديث أنظمة المعلومات ورصد الأموال اللازمة …المصارف المغاربية تتفق على آليات لتطبيق اتفاق «بازل 2»

المستقبل: المخرج رضا الباهي يستعيد براندو في ذكراه الثالثة متحدثاً عن مشروعه « المواطن براندو »

 نـبـأ:المخطط الأمريكي لتغيير مناهج التعليم في العالم الإسلامي

الخليج » :إسلاميو موريتانيا يتسلمون وصلاً أولياً بحزب

إسلام أونلاين.نت:حزب أردوغان يتعهد بتقليص صلاحيات الرئيس

نبأ:حجاب إبنة عبد الله جول يثير أزمة في تركيا

صبحي حديدي: أدونيس والوهابية: عود علي بدء!


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


 

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين بلاغ تونس في : 25 جوان 2007

الولايات المتحدة تسلم مواطنيين من محتجزي غوانتنامو و المحكمة العسكرية تبت في اعتراض عبدالله الحاجي في  سبتمبر المقبل

 أصدر رئيس الدائرة الجنائية بالمحكمة العسكرية بتونس بطاقة إيداع في شأن المتهم عبدالله بن عمر بن على الحاجي المكنى أبوزيد الذي كانت سلمته الولايات المتحدة مؤخرا رفقة مواطنه لطفي لاغة للسلطات التونسية بعد خمسة سنوات من الإحتجاز بمعتقل غوانتنامو. و قد عينت القضية الإعتراضية لجلسة 26 سبتمبر 2009 أمام نفس الدائرة و ذلك للنظر في للطعن في الحكم الغيابي الصادر ضده سنة 1995 عن المحكمة العسكرية بالسجن لمدة 20 سنة في إطار قضية الجبهة الإسلامية بتونس و قد تمكن زوال اليوم منذ تاريخ اعتقاله بباكستان سنة 2002 من الإلتقاء لأول مرة بمحاميه ثم زوجته. و قد أكد أن طائرة عسكرية أمريكية حملته هو و المعتقل الثاني لطفي لاغة من غوانتانامو إلى تونس في الليلة الفاصلة بين 17 و 18 جوان 2007 و أنهما كانا طول مدة الرحلة التي دامت أكثر من 10 ساعات مقيدين و معصوبي العينين و مجهزين بسماعات عازلة للصوت على الأذنين. و قد حطت الطائرة بقاعدة عسكرية تونسية حيث تسلمهم أعوان من أمن الدولة كانوا في انتظارهم. و كان المدعو عمر بن على الحاجي المكنى أبوزيد يعيش في باكستان رفقة عائلته منذ بداية سنة 1991 و هو متزوج و أب لثمانية أبناء إلى أن قامت الشرطة الباكستانية باعتقاله في أفريل 2002 هو وصهره الهادي الهمامي ثم سلمتهما للقوات الأمريكية التي احتجزتهما بسجن بقرام في أفغانستان إلى أن تم نقلهما إلى غوانتناموا في أواخر صائفة 2002 أين بقي محتجزا إلى تاريخ تسليمه. و قد وضع في حبس إنفرادي بالسجن المدني بالمرناقية منذ وصوله. عن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين المنسق : المختار اليحياوي


 

خسروا، فأساء جمهور المغرب للعلم التونسي

 
2357 (GMT+04:00) – 24/06/07 الرباط، المملكة المغربية(CNN)– زادت الجماهير المغربية من « خشونتها » في التعبير عن خسائر فرقها أمام الأندية التونسية عندما عمد عدد منها السبت،

إلى الإساءة لعلم تونس بدوس والتبوّل عليه،

بعد خسارة الجيش الملكي المغربي في الرباط أمام ضيفه النجم الساحلي التونسي بهدف وحيد، ضمن الجولة الأولى من ربع نهائي دوري رابطة الأبطال الأفريقية لكرة القدم. وفي مباراة سيطر عليها من بدايتها إلى نهايتها، اكتفى النجم التونسي بهدف وحيد، مما مكنه من الانفراد بصدارة المجموعة الأولى. وبمجرد انتهاء المباراة، هاجمت الجماهير المغربية العدد القليل من أنصار الفريق التونسي، واعتدت عليهم بالضرب، وفقا لمسؤولي النجم الساحلي. وقالت مواقع إلكترونية رياضية إنّ الاعتداء طال أيضا بعض الفتيات التونسيات اللاتي رافقن فريقهن إلى المغرب. وخارج ملعب رشيد في الرباط،

انتزع مغاربة غاضبون الأعلام التونسية من أنصار النجم الساحلي وأضرموا فيها النيران، وفقا لشهود عيان نقلوا ما رأوه على موقع « كورة. » وأظهرت المواقع صور الجماهير المغربية وهي تدوس العلم التونسي، كما ظهر شخصان على الأقل وهما « يتبولان » على العلم التونسي.

ونحا المسؤولون التونسيون وعدد من الصحفيين المغاربة على الانترنت باللائمة على قوات الأمن المغربية، التي « لم تقم بواجباتها في حماية التونسيين. » وتوقّعت مصادر أن تحفل مباراة العودة بعد أسابيع في سوسة بأحداث شغب. وشهدت السنوات الماضية خسائر متتالية للأندية والمنتخبات المغربية أمام نظيراتها التونسية، بلغت ذروتها عندما تأهل منتخب تونس على نظيره المغربي لنهائيات كأس العالم الأخيرة. وكانت الحكومة الهولندية قد أضطرت لإتخاذ قرار بمقاطعة الرياضة المغربية لمدة خمس سنوات، بعد اعتداء جماهير مغربية على المنتخب الهولندي الأولمبي في مباراة ودية جرت في هولندا قبل أسابيع. (المصدر:  موقع  « سي أن أن العربي »  بتاريخ 24 جوان 2007)


 

حرص على مزيد دعم التعاون بين تونس والولايات المتحدة وتنويع مجالاته

 
تونس 25 جوان 2007 ( وات ) – استقبل السيد حامد القروى النائب الاول لرئيس التجمع الدستورى الديمقراطي يوم الاثنين السيد روبار قوداك سفير الولايات المتحدة الامريكية بتونس. وابرز الجانبان خلال هذا اللقاء علاقات الصداقة العريقة والتعاون الوثيق التي تربط بين البلدين مؤكدين الحرص على مزيد دعمها وتعزيز هذا التعاون وتنويع مجالاته. وأكد السيد حامد القروى الدور الريادى الذى يضطلع به التجمع في تطوير البلاد وفي بناء مجتمع حداثي متفتح ومتقدم في كنف التلازم المتين بين البعدين الاقتصادى والاجتماعي وفي ظل القيادة الرشيدة والمتبصرة للرئيس زين العابدين بن علي والتفاف مختلف جهات البلاد وشرائحها حول صواب خياراته وسلامة توجهاته مشيرا في السياق ذاته الى الشرعية التاريخية للتجمع والى مسيرته النضالية الزاخرة بالنجاحات البارزة. وعبر الديبلوماسي الامريكي من جهته عن اعجابه بما حققته تونس من تقدم مطرد مؤكدا العزم على مزيد توطيد أواصر الصداقة والتعاون بين البلدين. (المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (رسمية) بتاريخ 25 جوان 2007)

وزير الدفاع الوطني يشرف على موكب رفع العلم بساحة القصبة

 
تونس 25 جوان 2007 (وات) بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لانبعاث الجيش الوطني اشرف السيد كمال مرجان وزير الدفاع الوطني صباح الاثنين بساحة القصبة على موكب رفع العلم. وجرى الموكب بحضور السيد عباس محسن رئيس بلدية تونس شيخ المدينة وسامي اطارات وزارة الدفاع الوطني من العسكريين والمدنيين. (المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (رسمية) بتاريخ 25 جوان 2007)


تونس تحتضن الأربعاء المقبل أشغال المؤتمر العربي الواحد والعشرين لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات

 
تونس( و م ع) – المغربية – يعقد رؤساء أجهزة مكافحة المخدرات في الوطن العربي مؤتمرهم الواحد والعشرين يومي الأربعاء والخميس المقبلين بمقر الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بتونس,بمشاركة ممثلين عن مختلف الدول العربية وجامعة الدول العربية وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. ويناقش المشاركون في المؤتمر عددا من المواضيع, من ضمنها بالخصوص , آخر المستجدات في مجال المخدرات على الساحة الدولية, من حيث مراكز الإنتاج وأنماط استهلاكها وتهريبها وسبل المكافحة,ومدى تأثيرها على المنطقة العربية,والتسليم المراقب للمخدرات وسبل تفعيله, وقضايا المخدرات المضبوطة في الدول العربية. وكان الأمين العام للمجلس السيد محمد علي بن كومان قد ذكر في رسالة له, بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة المخدرات, استنادا إلى تقارير تخص مكافحة المخدرات بأنه تم خلال الفترة من2003 الى2005 ضبط ما لا يقل عن215 ألف و652 قضية مخدرات في الدول العربية. وستعقد على هامش هذا المؤتمر اجتماعات لمجموعات العمل الفرعية الإجرائية لمكافحة المخدرات,التي تضم الدول العربية ذات الحدود الجغرافية المتقاربة قصد بحث السبل الكفيلة بتعزيز آفاق التعاون للحيلولة دون تهريب المخدرات عبر حدودها المشتركة. (المصدر: صحيفة « المغربية » (يومية – المغرب الأقصى) بتاريخ 25 جوان 2007)

في دوائـر مـحكمـة  الإستئناف  بالكـاف  : قـضــاء بسرعـة البـرق  .

 
                                                                                  في محاكم الكاف تؤجل القضايا  لأسبوع واحد أحد لإجابة الأطراف ، يتصل فيه المحامي بالمتقاضي و يحضر هذا  مؤيداته  ويطلع عليها المحامي  ويدرس وجه الدفاع في قضيته ويصيغ إجابته ويرقنها كل ذلك في أسبوع واحد قد تتطلب فيه القضية مراجعة قانونية ؟ هذا إذا مكنت  من الإجابة ،حيث أضحت القضايا تصرف من أول جلسة  للمرافعة ( وهي المرحلة السابقة للحكم ) ويلهث المحامون بين مكاتبهم لتبادل التقارير في الآجال القانونية . وعندما تصرف القضايا  للمرافعة لأسبوعين  يجب على محامي المدعي أوالمستأنف أن يجيب في ظرف أربعة أيام ؟؟؟ يتصل فيها بحريفه ويعرض عليه إجابة خصمه ويتناقشا حول كيفية  الرد ومؤيداته وفي  إحضارها وعندما تحضر يحرر المحامي تقريره  ويرقنه  كاتبه ويصور مؤيداته ويتصل بمحامي الخصم  ليمضي على توصله بالتقرير ، وإذا كان الأخير خارج المحكمة يتحول الكاتب لإدارة البريد وينتظر دوره لإرسال التقرير عبر البريد ثم يتصل بكتابة المحكمة ليقدم التقرير إليها  كل  ذلك في  ظرف  أربعة أيام ؟ أمام محكمة الإستئناف وفي قضايا إستحقاقية هامة ترى المحامين يطلبون في كل جلسة التمديد في المرافعة للإجابة على تقرير قدم ؛ حيث يمدد في أجل المرافعة لأسبوع  يطرح منه قانونا ثلاثة أيام يجب على المستأنف عليه فيها تقديم التقرير للمحكمة  بقي له  أربعة أيام  ليتصل بحريفه ويحضر مؤيده وووو… تستأنف قضية إستحقاقية هامة متعلقة بأرزاق الناس وأملاكهم التي ليس لهم من مكاسب سواها  فتعين القضية الإستئنافية لشهر  واحد  يطرح منه عشرون يوما يجب أن تبلغ قبلها مستندات إستئنافك للمحكوم له . بقي لك عشرة أيام لتصوير الملف ودراسته والتشاور فيه مع المتقاضي وإعداد خطة دفاعك وإحضار مؤيداتك وتحرير مستنداتك ورقنها ومراجعتها وتسليمها لعدل التنفيذ الذي يجب أن يترك له بعض أيام ليبلغها … كل ذلك في عشرة أيام ؟ لكن  الغريب في محكمة الإستئناف بالكاف أن القضية الإستئنافية تعين جلستها ويسري عليك أجل الشهر والملف لم يرد بعد إليها من المحكمة الإبتدائية  . وهاته مخالفة للقانون – والمنطق – القاضي بأن لا تعين الجلسة الإستئنافية إلا إذا ورد  الملف من المحكمة الإبتدائية . وهذا طبيعي فكيف لمحامي المستأنف أن  يطلع على الملف ويحرر مستنداته في أجل عشرة أيام والملف لم يرد ولم يطلع عليه بعد ؟؟؟؟ يحيل قاضي التحقيق  شخص على دائرة الإتهام من أجل جناية أقل عقوبتها  خمس سنوات . قرار الإحالة يصدر يوم الخميس يصل الملف آخر الإسبوع إلى دائرة الإتهام يأخذه  السيد المستشار للدراسة . تصدر دائرة الإتهام يوم الثلاثاء قرارها بإحالة الشخص على الدائرة الجناية ، في أقل  من أسبوع ؟   أين  حقوق دفاع المتهم  ؟ وأين حقوق دفاع المتضرر ؟  وكيف أمكن دراسة ملف جنائي في بضعة أيام  ؟ كي لا أقول كلاما لا يليق ،لكنه يناسب حقيقة هذا الواقع المر ، فإني على الأقل محق في القول أن هذا قضاء  بسرعة البرق . إن سماع الأطراف بتأني وتمكينهم من إستيفاء أجوبتهم وإحضار أدلتهم وإختبارها والبحث والتحقيق والتقصي المستفيض فيها  هو الذي يكشف الحقيقة للقاضي .وهذه  هي قواعد ونواميس القضاء منذ عهد عاد  .  أما ويصدر القضاء حكمه  والأطراف لم يستوفون أجوبتهم فإن إصابة الحقيقة أمر مستحيل   وعليه فإنك تجد الأحكام القاضية برفض الدعاوى  قد تكاثرت . والرفض كما قال أحد قضاة السلف هو وجه من أوجه عجز القاضي عن فصل الخصومة . إن القضاء بهذا الشكل  لا يقضي على المنازعة والخصومة من الجذور  بل بالعكس يعقدها ويطولها .  هو قضاء رغبته فصل الملفات نزولا عند رغبة وزارة العدل . فرقم الفصل في التقرير الشهري يجب أن يكون مرتفعا إرضاء للوزارة  ورغبة في الترقية والوصول إلى أعلى المراتب القضائية . حيث إن ملف الخصومة أضحى في خدمة القاضي ولم يعد القاضي في خدمة المتقاضي  . أقول هذا وأنا من أشد الناس إحتراما للقضاء  والقضاة  ومن المؤمنين بأن القضاء يشكى  له ولا يشكى منه وهو الضامن لحقوق الجميع . لكن ومنذ سنتين كاملتين  وأنا أرى هاته السرعة المقيتة تعصف بحقوق الناس  . ومنذ سنتين وأنا أخط  هاته الكلمات وأؤجل نشرها ؛  لكن حقي وواجبي كمواطن ومحام أن أقول هاته الحقيقة المرة لكشف  واقعة أليمة لم تعد  لي طاقة للسكوت عليها . حيث بلغ الحد أخيرا أن تحجز القضايا للمفاوضة  والتأمل  والتصريح بالحكم  مع تمكين الأطراف من الجواب في الأثناء بل وحكم حتى قبل جواب المدعى عليه أصلا  ؟؟؟ وهو ما لم يرد به أي قضاء في العالم سوى قضاء الدائرة المدنية الأولى بالمحكمة الإبتدائية بالكاف . وكي لا أقول كلاما معلقا في السماء فإني أسوق للقراء هذه العينة على مآسي سرعة  الفصل   : عقار تبلغ مساحته  أربعمائة وواحد وأربعين هكتارا  ( 441 هـ )  يملكه مع الدولة عدد قليل من الناس وبالتحديد ثمانية لا غير ( 8 )  . طلب أحدهم القسمة من محكمة سليانة سنة 2002 .   خصومة يسير حلها لأن العقار مسجل وحقوق الأطراف مضبوطة ومساحته شاسعة  والشركاء قليلون والقسمة بذلك ميسرة بشئ من التبصر . لكن   الرئيس السابق لمحكمة سليانة المعروف بسرعة الفصل  ؛ عندما  ورد إليه مشروع القسمة صرف القضية مباشرة للمرافعة ولم يترك وقتا كافيا للأطراف للتعقيب على مشروع القسمة المتعلق بحقوقهم لا بحقوق وزارة العدل . بل إن  أحدهم وهو مقيم بالخارج  أرسل برقيات يستجدي المحكمة حل المفاوضة لكي يعقب على الإختبار ، لكنها  أنزلت حكمها على عجل وقضت بالقسمة . إستأنفه كل الأطراف .  لا أحد رضى بالقسمة . أمام محكمة الإستئناف وجدنا أنفسنا أمام هيئة معروفة هي الأخرى بسرعة الفصل  ، طلبت إرجاع القضية لطور تبادل التقارير أو التمديد في أجل المرافعة لكي  أثبت للمحكمة أن الخبراء سلموا لأحد الأطراف أرضا خارجة عن العقار المشترك وهي ملك للغير ؟؟؟؟ لكني لم أجد آذانا صاغية  والتقرير جاهز في يدي حيث لا أستطيع تقديمه بجلسة المرافعة . ولم أتمكن من التعقيب على تقرير الإختبار الثاني  ، وحكمت المحكمة بتقرير الحكم الابتدائي.  تعقب جل الأطراف القرار الإستئنافي . قضت محكمة التعقيب برفض التعقيب أصلا . الدولة ذاتها لم تكن راضية بالقسمة  إستأنفت وعقبت ولم تجب .  الآن سنة  2007 والوضع على حاله : لم ينفذ الحكم وتعذر على عدل التنفيذ القيام بذلك لأن الإختبار  المتضمن مشروع القسمة  لم يكن موافقا واقع العقار ولأنه شمل اراضي الغير . أقول للسيد القاضي الذي اشتهر بسرعة الفصل وأصدر الحكم في سليانة   لو تأنى  قليلا وعقب الأطراف أمامه على مشروع القسمة ووقع تدارك الأخطاء وإستجيب لبعض الطلبات والإقتراحات وخرج القاضي على العين وحقق  وتثبّت وتمعن وعدّل … لفصلت الخصومة إلى غير رجعة وفصلها غير عسير كما ذكرت  ولما بقي الحكم إلى حد الآن دون تنفيذ   ولما إلتجأ الغير الذي شمل الحكم آراضيه إلى الإعتراض  عليه   ولما بذل أموالا جمة في سبيل الطعن في حكم لم يبتغ أطرافه  الإضرار بالمعترضين  أصلا  . لكن  هاته الخصومة كانت رقما  لقضية قيل بالتقرير الشهري للوزارة أنها فصلت  . ووقع الرضاء على فصلها بتلك السرعة وهي لم تفصل  إلى الآن فهي اليوم محل إعتراض أمام محكمة الإستئناف بالكاف ،  وأجل النظر فيه لأسبوع ؟؟؟؟؟ كل شئ  محمود فيه السرعة  كما هو محمود إيصال الناس بحقوقها في أسرع الأوقات لكن السرعة المفرطة تغيّب الحقيقة وتضيّع الحق  . أن يتأنى القاضي ويفصل الخصومة إلى غير رجعة ويتصل صاحب الحق بحقه ولو بعد حين خير من سرعة فصلها  ويمنح الحق لغير أصحابه .  إنّ الإستعجال في فصل القضايا في محاكم الكاف ( إلا في بعض الدوائر القليلة ) بلغ  حدّا غير معقول ولا مقبول . وإن هاته الظاهرة التي بدأت تدب في دور القضاء في بلادنا  قد تأتي على ما تبقى  من القضاء التونسي . وإني أنبه إلى خطورتها  ذلك أن القضاء سلطة  تضمن حقوق و حريات الأفراد ، وهو دور خطير و جسيم وحساس و يجب أن يتوفر له كل مستلزمات عمله و أولها إستقلاله التام في قول كلمته وفق ما تقتضيه قواعد ونواميس القضاء  لا سلطان عليه من قريب أو من بعيد إلا ضمائر حكامه  .       الأستاذ محمد نجيب  الحسني  المحامي  بالكاف  .


 

المحــامــاة التونسيـة عشية مؤتمرهــا

(الجزء الاول )
 
الاستــاذ فيصـــــل الزمنـــــي :  يستعد المحـامون لانجـاز مؤتمرهم من أجل اختيـار هيـاكلهم المهنية و يأتى ذلك هـذه المرة  بعد سنوات صعبة … تخللتهـا جملة من المشادات داخل المهنة و خـارجهـا … انتهت الـى بعض المصادمـات مع السلطة على المستوى الخـارجى و الـى رفض المحـامين للمشروع الذى تقدمت به هيئتهم كنظـام داخلي للمهنة جملة و تفصيــلا …  ونحن  نخير أن نقول « سنــوات  صعبة  » حتى لا نستعمل كلمة « سنوات  عجـاف  » و ذلك باعتبـار أن حلقة الحوار بين المحـامين من جهة و السلطة من جهة أخرى قد تعطلت لفترات طويلة كمـا أن مواقف هيئة المحـامين لم تقع استساغتهـا كـاملة من جانب السلطة بمـا جعل نقاط الاختلاف تتزايد من هـذا الجـانب و ذاك أمـا على المستوى الداخلي فان الفرقة صـارت واضحة بل قل أن بعض المؤشرات صـارت تفتح الابواب أمـام المواجهات . كمـا أن تجديد الهياكل يأتى فى فترة تتميز فيهـا المهنة بتراكم مشـاكل داخلية عدة منهـا التغطية الاجتمـاعية و تسييس القطـاع و حياد المحاماة و استقلاليتهـا الـى جـانب تدهور الوضع المـادى للمحامـى و عدم السيطرة على التصرف فى ّ تـامبر المحاماة ّ .. و معهد المحـامين …زد على ذلك الاصوات الاخيرة التى ظهرت بالدعوة الـى ضرورة المتابعة الجدية للتصرف المـالي فى مقدرات المهنة الخ ..الخ  . ان المتـابع للشعـارات العديدة التى رفعهـا المحـامون  فى المدة الاخيرة يقف بكل وضوح على وجود تيـار داخلي بالمهنة واقف ضد انخراط القطـاع فى العولمة ..ضاربـا عرض الحـائط بكل امكـانية التفتح على العـالم …متمسكـا بغلق الابواب أمـام كل مزاحمة أجنبية و كأن الضغوط الناجمة عن العولمة و فتح الحدود الاقتصادية لا تلزمه…  كوجود بعض الاصوات المنـادية بضرورة أن تصير المهنة محك للمزاحمة المحلية و العـالمية و أنه لا بد من تغيير العقلية  الحمـائية التى ينتفع بهـا العديــــد من المحـامين و منهم التـابعين للحزب الحـاكم بحصولهم على نصيب الاسد من النيابات فى القضايا التى تكون الدولة أو الشركات التى للدولة مساهمة فيهـا طرفا فيها … و فتح المجال أمـام المزاحمة المهنية الحرة و المعلنة بمـا فى ذلك الاشهــــــار و الدعــــــاية و بعث المكاتب التى تنظم التظـاهرات و الندوات و تنجز الاصدارات . كل هـذا يجعل من المحـاماة تعيش فترة مخـاض و اشتداد للصراعات التى تتمحور فى رأينـا حول جملة النقاط التى أثرنـاهـا أعلاه بمـا يجعل السلطة تنظر للمهنة بعين قد تتسع حدقتهـا أحيانـا لتضيق أحيانـا أخرى … حسب الحـال و الاحوال . لكل ذلك فاننـا و بمنـاسبة انعقـاد مؤتمر المحامين أيام 30 جوان و 01 جويليـة 2007 سوف نتولى هنـا محـاولة تقديم فكرة عن الوضع العـام بالمهنة و انتظـارات المحـامين بشكل أقرب مـا يكون للموضوعية حتى لا نتأثر بمشـاريع المترشحين و لا نؤثر فى رأي المصوتين … بل فقط كتقديم لهـذه الشريحة الكبيرة من أبنـاء الشعب التونسي الذين ساهموا و لا يزالوا فـى اعلاء راية البلاد و تدعيم صورة متميزة لبلادنـا فى الخـارج  .و الدفـاع عن المقموعين و المظطهدين عبر تـاريخ البلاد . البــــاب الاول : الوضـع الداخلــي لمهنـة المحــاماة ـ أ ـ   : الاطـار المنظم لممـارسة مهنتة المحــاماة . يتجه أولا و قبل الخوض فـى جملة الامور المتعلقة بالمهنة و بممـارستهـا التعرض الـى الاطـار القـانونى الذى يمـارس المحـامى فيه مهنته و لو بغـاية الايجـاز حتى يتعرف القـارئ  على  الظروف العـامة التى تمـارس فيهـا مهنته المحـاماة ببلادنـا . يمثل  القانون عـ 87 ـدد لسنة 1989 المؤرخ فى 07 سيبتمبر 1989 تقريبا أهم نص قانونى مؤطر لمهنة المحـامـاة باعتبـاره قد عرفهـا و وضح طـــرق الانتســــاب اليهـا و ضبط طريقــــة ممـــــارستهـا و الخروج منهـا . لقد عرف الفصل الاول من القانون المذكور المحاماة كمهنة حـــــرة و مستقلـــــة غـايتهـا المساعدة على اقـامة العدل . و لقد سجل هـذا النص القانونى العديد من الانتقادات اذ أنه و لئن جـاء بذكرنوع من  الحصـانة الجزئية للمحـامى بتمكينه من اجراءات خاصة لدى تتبعه الا أنه ربطهـا بمناسبة مباشرة المهـام و هو مـا فتح المجـال أمـام الاجتهـادات . لقد ذهب البعض الـى اعتبـار أن قانون 89 لم يمنح الحصانة للمحـامى و أن ربط الانتفاع ببعض الاجراءات كضرورة احالته على قاضى التحقيق  بممـارسة المهنةو هو مـا  يعنى عدم اعتبارهـا من الاصل كحصانة . كمـا نظم قانون 89 مسؤولية المحـامى تجاه حريفه و مـا يتعلق بمكتب المحامى و السر الصناعى كمـا اعتبر قانون 89 أعضـاء هيئة المحامين سلطة ادارية لمنحهم حمـاية مشابهة للهيئات الادارية الرسمية عند الاعتداء عليهم . فـاتحا المجـال لامكـانية استحداث نظـام داخلي للمهنة لمزيد تنظيم الامور فى اطـار نفس القانون . و لعل أهم مـا جـاء فى قانون 89 هو الجانب التأديبي اذ منح الهياكل المنتخبة السلطة التأديبية تحت رقـابة القضـاء بفتح امكـانية الطعن فى القرارات التأديبيـة التى تصدر ضد المحـامين ..الا أن هـذا القانون قد ترك الحبل على الغـارب لسلطة التتبع اذ أنه مكن رئيس الفرع و هو سلطة التتبع من حضور أعمـال مجلس التأديب و التصويت و هو مـا فتح المجـال أمـام عدة كوارث عرفتهـا المهنة . كمـا أن قانون 89 لم يهتم بتدقيق اجراءات الاحـالة على التأديب و أجـال ذلك.. كأجـال البت فى الشكايات بمـا مكن رئـاسة فرع الهيئة من احـالة بعض الزملاء على التأديب بسرعة البرق فى حين تبقى ملفات لزمـلاء أخرين دائمة الطرح دون فصل تتوارثهـا فروع الهيئة فرع من بعد فرع … كمـا أن القانون قد مكن الهياكل من اتخاذ قرارات تأديبية مع النفاذ العـاجل دون توقف على الطعن بالاستئناف .   ان هـذا القانون الذى لم يحقق الادنى المطلوب قد تم الترويج لـه سنة 1989 كمكسب للمهنة برغم مـا به من مساوى على أن يتم العمل على تطويره و تعديله ..الا أن الامور قد سـارت على غير ذلك فمنذ أن سن هـذا النص التشريعى الذى لم يحل معظلة التغطية الاجتمـاعية ولم ينظم قواعد معـاملة المحامى المتمرن و لم يتعرض لشروط ترافع المحامى الاجنبي أمام المحاكم التونسية و لم يأتى بأجل تقادم مسقط بالنسبة للشكايات التى تقدم ضد المحامى … فقد بقي  المحـامون يعانون من غياب التغطية .. بمـا اضطر مجلس الهيئـــــــة الذى وجد نفسه أمـام طلبات ملحة…. و مرهقة … من المحـامين لغـاية تمويل عمليات جراحية و غيرهـا ..و هو وضع أثقل كـاهل الميزانيـة و لم يلقى رضـاء كل المحامين فميزانية الهيئة لم تعد لهـذا الغرض … كمـا أنه ليس من المعقول أن تتولى الهيئة تسديد نفقات علاج زميل معين … فى حين أنهـا ترفض تمكين زميل أو زميلة  أخرى من وثيقة ادارية تثبت عدم التمتع بالحماية الاجتماعية لكي يمكنه الانتفاع بواسطة قرينه .بتعلة أنه غير خالص فى اشتراكاته . ثم  استحدث طـابع المحاماة ليحل محل معلوم المرافعة و لكي تذهب الاموال المتأتية منه الـى صندوق المحامين  على أن يقع بيع الطوابع بواسطة مكاتب القباضات المـالية و ليس بواسطة هياكل المهنة . الا أن التطبيق العملي لهـذا التوجه قد خلف تذمرا لدى المحـامين خـاصة و أن صناديق المهنة تشكو عجزا مـاليـا بمـا استوجب الترفيع فى الاشتراكات السنوية للمحـامين فى حين يطـالب جمع من المحامين بباقى عـائدات التامبر مؤكدين أن العـائدات تتجاوز بكثير مـا هو موجود بصناديق الهيئة . كمـا أن هناك العديد من المناطق و الجهات داخل البلاد لا يضع المحـامون المنتصبون بهـا التامبر على أعمـالهم كمـا اقتضـاه سير العمل و هو مـا يضع تسـاؤل حول مشروعية انتفاعهم بالتقاعد … بل أن جمع من المحامين يطالبون بحجب جرايات التقاعد عليهم . و المتتبع لتطبيق قانون 89 يقف على تكييف واضح لذلك القانون ووفق الحـالة و الظرف و طـالمـا أنه للهيئات القضـائية رأي و قرار فى تكييف مـا يرتكبه المحـامى من أفعـال سواء بالجلسات أو بغيرهـا فانه نلاحظ أن هناك تتبعات ضد بعض المحامين و ترك للعنان لغيرهم و لو أنه فى بعض الاحيان يكون من ترك لـه العنـان قد ذهب فى مخـالفة النص أكثر ممن وقع تتبعه . ليس هناك من شك بأن  قـانون 89 برمته قد صـار الان غير ممـاشيا للمهنة و متخلف عنهـا و مع التطورات التى حصلت فى العـالم . اذ أنه قد وضع لمهنة منغلقة على نفسهـا داخل حدود وطنية و به فصول شرعت لضبط حدود عمل المحامى أمـام ادارة صلبة و ممترســة وراء مدرعاتهـا … لا تقبل المس منهـا و ليس أدل على ذلك من محتوى القسم الذى يؤديه المحـامى لـدى ممـارسته لمهنته و هو كالتــالي : أقسم بالله العظيــم أن أقوم بأعمـالي فة مهنة المحاماة بأمـانة و شرف و أن أحـافظ على سر المهنـة و أن ىأحترم القوانيـن و أن لا أتحدى الاحتـرام الواجب للمحـاكم و للسلط العموميـة, ان دولة الحزب الواحد سواءا كـان ذلك الحزب واحد أوحد بموجب النص القانونى أو بموجب التسلط الفعلــي … قد أكدت أنهـا تتمسك بمفهوم أوحد وحيد لاحترام السلط العموميـة و من هـذا المفهوم فانه يجب على المحـامى أن يحترم السلطة ليس بنظرته هو للاحترام و لكن بنظرة السلطة نفسهـا لهـذا الاحترام و الا فانه تقع مؤاخذته من أجل ذلك . ان هـذا الوضع قد جعل المحامى يخسر فى كل يوم مساحة من مساحات راحة عمله … و يصير فى متناول مرمى بعض رموز الادارة أو النيابة العمومية …. بمـ ا جعل السواد الاعظم من المحامين يخرج عن المطلبية المهنية المعتادة و الطبيعية ليدخل فى نفس مواجه للسلطـة . و السؤال اليوم و البلاد تتوجه نحو مزيد تكريس التعددية فى شتى المجالات … فأي مفهوم يجب اعتمـاده لهـذا الاحترام الواجب الا أنه يجب أن يكون واجبـا معقولا  ليس الا . كمـا أن الهيئة التى عهد لهـا بالاشراف المهنى على المحامين قد تجد نفسهـا فاقدة لادوات العمل التى يمكن استعمـالهـا للضغط من أجل حمـاية القطـاع عند اللزوم … و لـذلك فان التوجه اليوم قد يذهب الـى طرح التنظم النقابي للمحـامين خـارج اطـار هيئة المحامين . و كملخص لهـذا التقديم فانه يتضح أن مهنة المحاماة منظمة اليوم بموجب قانون مرت عليه عشرون عـامـا تنقص عـامـان الا أنهـا سجلت تطورات كبيرة بالبلاد و خـارج البلاد بحيث أن العـام منهـا يحسب بعشرة أضعـافه … بمـا يجعل من هـذا النص القانونى  ضروري التنقيح .و التغييـر . كمـا أن مؤتمر هـذا العـام يأتى و قد ضاق المحـامــــــون ذرعـا بعدم وجود تغطية اجتمـاعية كمـا يجب و فى وقت لم يقع فيه حل معظلة  معهد المحــامــاة .بالاضافة الـى اختنـاق صناديق المحـامين و الازمة المـالية التى صـا ر اليهـا المحامون بالاضافة الـى الحسابات الانتخـابية… و كل ذلك يجعل من المؤتمر القادم مؤتمر سـاخن لا محـالة . فى ظل نصوص قـانونية تجاوزتهـا الاحداث .


 

انتخـابات المحـامين , من أجل تفعيل الاقتراع الســـري فى التقريرين المـالي و الادبي .

 
 الاستـاذ الهـادى الشمـانقى   : يستمد الاقتراع السري وجوده من النص التشريعي و يستمد قوته من الممـارسة الديمقراطية فالنص أخرص ينطقه المحـامون . 01 ـ وجوبيـة سريــة الاقتــراع بموجب القــانــون : عنـد تعرضه لمداولات الجلسـة العـامة الاعتيـادية و الانتخـابية ينص الفصل 52 من قـانون مهنة المحاماة لسنة 1989 فى فقرته الثـانية على أنه ّ تتخذ مقرراتهـا بالاغلبيـة النسبية مع مراعـات أحكـام الفصل 55 من هـذا القانون ّ و هي الاحـالة الصريحـة التى تتعلق بمن لـه حق الاقتراع و كيفية اجرائه.  ـ أمـا الاول فهو كل محـام مباشر و متمرن قضى سنـة كـاملة فى التمرين . ـ أمـا الثـانى فهو يتعلق بالاقتراع السري . مع العلم أن الاحـالة لا تشمل نوعية الاغلبيـة لان الفصل 52 من القانون كـان قد حددهـا بالاغلبية النسبية .ان الفصل 52 من قانون مهنة المحاماة المشـار اليه ينظم مداولات الجلسة العـامة الاعتيـــــادية و الانتخـابية و هي التى تتعلق بالنظـام العـام لطبيعتهـا الاجرائية و بالتـالي فان عدم احترام الاقتراع السري فى خصوص التقريرين المـالي و الادبي يمكن من ممـارسة الطعن فى القرارات بالاستئنـاف ممن لـه حق التصويت و من الوكيل العـام .طبق أحكـام الفصل 714 من قانون 1989 . 02 ـ ضرورة ممـارسة سريـة الاقتـراع ديمقراطيـا . ـ ان  الاقتراع السري هو حفظ للموقف و تحرير للضمير و درء للالتبـاس . و على الصعبيـد العملـي و انطلاقـا من عـدد المحـامين الذين هم فى ازديـاد يصبح من الصعب فرز الاصوات فى صورة التصويت العلنى و التثبت ممن لـه الاحقية فى ذلك .و يجدر التذكير بالسابقة التى تولى ارساءهـا عموم المحامين بمناسبة عرض النظـام الداخلي على الاقتراع السري خلال شهر ديسمبر 2006 و هي الســــابقة التى كرست أحكـام الفصل 55 من قـانون مهنة المحامـاة المتعلقة بالاقتراع السري. ـ و قصد استكمـال البنـاء الديمقراطى فى الغرض يجدر ممـارسة مبدأ تفريق المهـام المتمثل فى تكوين مكتب اقتراع و فرز مستقل عن مجلس الهيئة الوطنية للمحـامين الذى يعد التقريـــــرين المـالي و الادبي و هو المكتب الذى يتولى الاشراف على الاقتراع السري . فالاقتراع الســرى هو تفعيل للنص التشريعى و ضمــان للممـارسة الديمقراطيـة .

  رأي وتوضيح
 
محمد العماري ـ باريس mohammedlamari@yahoo.fr الأخ ابن الإسلام، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و بعد، أشكرك على حسن تفاعلك مع ما كتبت وعلى طرح أفكارك.  فرغم أنّه من عادتي لا أن أردّ على الأسماء المستعارة و لكن لأهميّة النقاط التي آثرتها في منتدى الحوار. نت (1) حتمت عليّ التوضيح التالي و أسأل الله التوفيق في ذلك. 1. لاحظت أنّ لديك وربّما لدى كثير من القرّاء لُبسًا في الاسم. فأنا لست محمد العماري الذي يكتب عن العراق أو بعض مواضيع أخرى، فأنا دائمًا أرفق اسمي الكامل المدينة الذي أعيش فيها أي: بــــاريس. 2. كان عليك أن تتثبت قبل أن تنسب إليّ كلامًا لم أكتبه في مقالي ليوم 13 ماي 2007 وهي الفقرة التالية  » وآخرين معارضين غلاة متطرّفين حاقدين منتفعين من الاستمرار بالخارج كما قال أخي الفاضل محمّد (غفر الله لنا وله) » نقلا من مقال للأخ عبد الحميد العداسي المنشور على تونس نيوز يوم 14.ماي. هذه الفقرة لم تصدر عني أبدا.  وهنا لا ادري كيف علمت انه يقصدني في مقاله في حين انه لم يقل محمد العماري و لكن قال « أخي محمد ». فلا أحد يعرف من المقصود في السياق إلاّ الله سبحانه و الأخ عبد الحميد نفسه. الحركة يشقها تياران؟ العلم بالشيء يكون عادة بما ينشر أو يُقال و أنا شخصّيًا لم أسمع يوما بأنّ هنالك داخل الحركة تياران أحدهم يدفع إلى المصالحة و الآخر إلى المغالبة. لكن بعد ما اطلعت على مقال الأخ محمد النوري و آخر للأخ لزهر مقداد، تناهى إلى فهمي البسيط أن هنالك تباين في وجهات النظر حول مستقبل الحركة الذي مرّ على تهجيرها أكثر من 16 سنة. و مع هذا فلا أحد من خارج المنظومة يمكن له أن يتكهن إن كانت هذه الآراء فرديّة لا تلزم إلاّ أصحابها أم أنها فعلا تعبّر عن تيار من  داخل التنظيم. و في هذه النقطة حصرا، لعلي أتقاطع مع هيئة تحرير تونس نيوز،  حيث تعرضوا لها في معرض رد على الأخ عمر النمري منذ سنتين »  تقول يا دكتور عمر: « أنتم تعلمون أن الحركة يشقها رأيان متباينان في مسألة التعامل مع السلطة ». صحيح أننا قد نكون اطلعنا – على غرار بقية التونسيين المهتمين بالحياة السياسية والحزبية والفكرية في البلاد –  من خلال بعض المقالات المتناثرة أو البيانات الصادرة عن هذه الجهة أو تلك ما يفيد بوجود بعض الاختلافات في التقييم أو في الرؤى بين بعض أعضاء حركة النهضة، لكننا لا نعلم أبدا بوجود رأيين « متباينين » داخل صفوف حركة النهضة في مسألة التعامل مع السلطة كما أننا لسنا على اطلاع على تفاصيل « الرأيين » أو على رموزهما…  »  (2)                                                                                                                                  المصالحة؟ لقد ضمنت بكلّ دقّة رأيي في المصالحة في مقالي المنشور يوم 13 ماي 2007. إذ أنّ المصالحة في تقديري لا تعني بأي حال من الأحوال التصالح الذي يؤجل الصراع إلى حين، ليعود بعد ذلك أشد قتامة كلّ ما توفرت أسبابه و أوّلها عدم ثقة الأطراف في بعضها البعض وكذلك أيضا عدم الخوض في أسباب الأزمة و القطيعة لقطع دابرها. فالمصالحة إذا لم تكن شاملة و برغبة كلّ الأطراف، تسبقها مصالحة مع الذات وتقييم صادق لدك مواطن الخلل، و بناء مواطن الاتفاق على أرضية صلبة، و القطع مع سلبيات الماضي، تكون في تقديرنا مضيعة للوقت و هدر للطاقات. ونظرا للتراكمات الحاصلة طيلة سنين عديدة التي تجعل كل خطوة نحو هذا الاتجاه عسيرة و لا أقول مستحيلة، أكّدنا في بياتنا سواء سنة 2005-2006-2007 على إنهاء المعاناة في كل جوانبها المأساوية البشعة، بدأ بتسريح المساجين، إلى إدماج المسرّحين منهم و إنهاء معاناة أهلهم و ذويهم، مرورا بعودة المغتربين، وهو في تقديرنا الخطوات الأولى في الطريق الصحيح.  وهذا لا يتأتى إلاّ بتهدئة الأجواء و توخي الموضوعيّة  في المطالب و الممارسة، و الابتعاد عن كل أشكال الاستفزاز التي  لا تزيد الأوضاع إلا سوءا تعقيدا.   أما رأيك في طريقة جمع الإمضاءات لبيان 30 ماي، و فهمك أن هناك مراهنة على العدد،  فهو كلام مردود على أصحابه. فنحن لا نراهن على العدد مثلما يعتقد البعض لأننا لسنا في سباق مع احد  و لا نسعى إلى أن نكون بديلا لأي كيان، بل الرهان كل الرهان هو على كسر الجمود السائد بكلّ جرأة وموضوعيّة، وحث جميع الأطراف الوطنيّة لإيجاد نهاية لوضع مأسوي بدأ منذ حوالي 15 سنة لشريحة هامة من التونسيين.  أمّا في ما يخص ما اُصطُلح عليه في الأيام الأخيرة بمبادرة الد. الهاشمي الحامدي فإنّه يسعدني أن أوضّح الموقف التالي: ليس في ما يدعو إليه د. الهاشمي الحامدي و ما ندعو إليه أية علاقة أو مقاربة باستثناء البعد الإنساني في القضيّة.  فهو يدعو لمصالحة دون مصارحة و نحن ندعو لإيجاد حل لإنهاء أزمة و ما تعلق بها من معاناة وهو يدعو حركة النهضة إلى أن تتحول إلى جمعية ثقافيّة أو تنصهر في بقية الأحزاب المتواجدة على الساحة و نحن نقدر أن هذا شأنا داخليا للتنظيم لا دخل لنا فيه، وهو ألان  يدعو إلى تكوين كيان جديد سياسي على خلفية إسلامية في الخارج و نحن لا نرى ذلك، بل نرفض تأسيس أي عمل سياسي مهما كان  نوعه خارج حدود الوطن و بعيدا عن هموم الناس و معاناتهم إذا كان القصد منه هو فعلا خدمة الشعب. هذا من جانب، و من جانب آخر، نرى إنّ الساحة التونسية في وضعها الراهن لا تسع لمثل هذا التأسيس لعدّة أسباب. أما من يعتقد أن هناك فراغا على الساحة داخل القطر يمكن استغلاله، أو هناك أيضا كمًا هائلا يمكن توظيفه، اعتقادا منه أن الظروف مناسبة لذلك: فهو واهم و غير موضوعي في التقدير. أمّا حديثك سلبا عن الذين أمضوا على بيانات ماي و غيرها من البيانات، فاعلم أن هؤلاء قد عايشوا معاناة هذه المحنة لمدة أكثر من عقد و نصف، صابرين، صامتين، مفوّضين الأمر لأصحاب الأمر. و تلك مرتبة شرعية في اعتقادنا، فلا اقل أن يُحترم رأيهم في ما يرونه سواء كان في المساندة أو المعارضة. هذا من ناحية و من ناحية أخرى، ماذا فعل غيرهم داخل التنظيم؟ فالمحنة لا تزال متواصلة داخل السجون و خارجها !! و الحركة لا تزال غائبة على الساحة في تونس رغم أنّها خُلقت لتكون داخل البلاد !! لا بل إن القيادة في الخارج تتصدى بكل الوسائل المتاحة (…) لديها لكل من يطالب أو يعمل على استرجاع حقه في العودة إلى الوطن !! أما القول أن بعض الذين أمضوا على البيان عادوا من تونس « مدّاحين »  فليتك وضّحت الأمر و دللتنا على مصدر معلوماتك حتى لا نظلم أحدا فنبوأ بإثمه . فأنا شخصيّا لم أقرا أو اسمع شيئا من هذا القبيل.  لكن إذا كان الحديث عن البلاد و المتغيّرات الإيجابية الحاصلة فيها طيلة هذه المدّة يعتبر مدحًا فلك ذلك. وهو ما يشترك فيه كل منصف في التحكيم وموضوعي في التقييم: سواء أمضى على البيان و عاد إلى الوطن، أو لم يمض و لم يعد مثلما الحال مع الأخ محمد النوري حين يقول  » ليس الوضع كارثيا ولا قياسيا. هنالك إنجازات على الأرض ومكاسب هامة تمت بفضل جهود التونسيين جميعا، حكّاما ومحكومين شبابا وعمالا وكفاءات علمية ومهنية مختلفة، وهي ثمرة لتوجّه إيجابي في مجال التعليم خصوصا منذ الاستقلال… » كما يقول في علاقة السلطة مع الأزمة الحالية « …. أما القول بان السلطة لم تصدر منها إشارات عملية في هذا الاتجاه، فهو كلام غير دقيق ويحتاج إلى تصويب. إن سلوك السلطة تجاه الحركة خلال السنوات الخمس الماضية على الأقل ، شهد بعض التطور الايجابي وان كان لا يزال منقوصا ودون المأمول بكثير ولكنه يختلف كليا عن السنوات العجاف التي سبقت. المطلوب ليس إنكار هذه الحقيقة والترفيع غير المجدي في سقف المطالب ولو كانت مشروعة ، ولكن الحكمة تقتضي تسجيل الإيجابيات وتعزيزها بسلوك أرْشد في اتجاه تفكيك الأزمة وليس في اتجاه تكريسها. » [ تونس اونلاين08.06.07]. أفليس من باب أولى و أحرى و نحن شهداء على الناس أن لا نكون عدميين حين نُحدّث أو نتحدّث؟ وأما الكلام عن « مبادئ المعارض و مبادئ المراهن » فهذا كلام لا أفهم ما المقصود منه؟ فكل معارض هو في اعتقادي مراهن و لكن مع الفرق و التفريق بين من يراهن على السراب مثلما نرى من الذين يراهنون على الأكشاك الفارغة الغير قادرة على الدفاع عن نفسها و من يراهن -مثلما نعتقد- على مقدراته الذاتية و فهم دعاة العمل في الحقل الإسلامي مدى ضياع مشروعهم في الرهانات الخاسرة وقضاء السنين في المغالبات مع الحكام، و العيش على الأطلال و البعد عن الوطن الذي هو غايتنا، فيه نشأنا ومنه تهجرنا و إليه تكون العودة بمشيئة الله تعالى. (1)    http://www.alhiwar.net/vb/showthread.php?t=9726 (2)  https://www.tunisnews.net/26avril05.htm

لكني مع (الخلاص الفردي)

 
بقلم: ناصح أمين مازلت أطالع مساهمات الإخوة في مجلتكم أخبار تونس حتى شدني مقال كتبه السيد نور الدين ختروش ينتقد فيه ما سماه الخلاص الفردي ويذم فيه أصحابه. فنبهني الأخ نورالدين لأنبهه، لأني ممن لا يرى بأسا بما سماه الخلاص الفردي بل أدعو له وأراه في حالات كثيرة ضرورة شرعية. انطلاقا من إيماني بالله قبل إيماني بالقضية، وبالآخرة قبل الدنيا، وبسلامة الدين على حساب تحقيق الأهداف السياسية. يوافقني غير قليل على أن إعلان الحرب يعني انتهاء دور ما دونها من مفاوضات أو اتفاقات أو مطالب بين المختلفين، وأن نتائجها تحسم الخلاف لصالح طرف على حساب مراد الثاني، وإلا فهي مستمرة حتى تحقق نتائجها. والحرب في زماننا تتلون فهي عسكرية قتالية في مكان، واقتصادية في مكان، أوسياسية، أو ثقافية إعلامية، أو دينية فكرية… والحرب التي شنها بن علي ونظامه على حركة النهضة هي سياسية موجهة فكريا. ونتائجها واضحة لكل ذي عين: فقد تحقق لتونس تحت حكم بن علي عزوفا عن السياسة ما عدى بعض التمثيليات الممجوجة. وتوقفت الأذهان عن التفكير وجفت الأقلام عن الكتابة. ولم يعد للكتاب الجاد قيمة. ونستطيع أن نقول ببساطة أن بن علي انتصر في حربه على النهضة وأبعدها عن الساحة لعشرين سنة وإن لم تعترف الحركة بهزيمتها. ولاعبرة في ميزان النصر والهزيمة بمجموعة من المنفيين تكتب على صفحات الأنترنيت ، إنما العبرة بالنتائج. ولو سألنا أعضاء الحركة عن سبب قيامهم واجتماعهم أول ما اجتمعوا وعن أهدافهم حينها لصرّحوا بأن الشقة قد بعدت بهم عن تلكم الأهداف كثيرا في سنوات حكم بن علي ولو سألناهم عن شغلهم طيلة هذه السنين لما تردد أحدهم في إرجاع الأمر إلى الجراحات في جسم الحركة التي لا تزال تعاني منها. هذا هو واقع الحركة منذ سجنت وهجرت وقد حاول أعضائها تنشيطها وإحيائها ولكن التاريخ شاهد على فشلهم في المحافظة على روحها وحركتها وحضور عناصرها. والسبب بخلاصة هو البعد عن ساحة العمل. وبما أنه لا عمل يناسب الحركة الأولى بأجهزتها وعناصرها فإن العطالة قد أصابت عددا كبيرا من أبنائها، وتبعا لذلك فقد تغير التزام الأعضاء وانزوى بعضهم وتنكر قلة لمنهج الحركة أصلا وهجروها. إن كثيرا ممن غادروا البلاد لم يشكوا أبدا في أن عودتهم إليها ستكون قريبة، وأن شيئا ما سيحدث: يبدد الظلام ويعيدهم إلى تونس معززين مكرمين، وطال الانتظار وازدادت التساؤلات عن مصير الحركة وعن عاقبة المهاجرين وأبنائهم. وبالمقابل فإن أفكارا وتيارات جديدة قد غزت الساحة التونسية: إسلامية لاعلاقة لها بالنهضة وعلمانية لا تحسب للنهضة حسابا، كما أن معول الفساد لم يتوقف. وبقي موقف الحركة الرسمي ملخصا في المطالبة بالعفو العام، وإطلاق سراح المساجين، وسن قوانين الحريات السياسية والإعلامية والدعوية. إن عشرين سنة من الاغتراب والانتظار على ما أظن كفيلة بتغيير قلوب الناس وأفهامهم وبالتالي مواقعهم. ولا أدري إن كان السيد ختروش يراقب طيلة السنوات الماضية هؤلاء الذين اختاروا ما سماه هو الخلاص الفردي. متى اختاروا ذلك؟ وهل كانت لهم خيارات أخرى؟ أم أن مواقفهم كانت فجائية؟ مما الخلاص وإلى ما؟ وماذا يعني بالنسبة لهم ولذويهم؟ ما قاعدة قرارهم هذا؟ وما قول الله ورسوله فيه؟ ما المصلحة الشرعية فيه وما المفسدة؟ ولما لا تكون الحركة مستفيدة من هذا التحرك؟ ماذا يريد النظام أن يجني من وراء هذه الخطوة؟ وما الذي يستطيع أن يجنيه؟ وما دورك أنت؟ ماذا لو علمت يا سيد ختروش أن شعوبا بأكملها ومنها شعب تونس بالذات تسعى ليل نهار من أجل الخلاص الفردي؟ ماذا إذا كانت الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني نفسها ليس لها إلا الخلاص الفردي؟ ماذا إذا كانت حركة النهضة نفسها مقتنعة بمسألة الخلاص الفردي لها كحزب؟ إن كان لك من مانع شرعي من الخلاص الفردي فقدمه! أضرب مثالا في غاية البساطة: لو أني بشيء من المدح لبن علي وطلب للعفو شخصي، أستطيع أن أتعرف على أحوال أهلي وعمومتي، وأصل قرابتي وأزرع في نفوسهم الأمل برحمة الله والرغبة إليه، فسأكون خادما للإسلام والمسلمين في بلدي  شاكرا لله،أكون على الأقل قدمت شيئا لأحبائي بدل الامتثال اليومي لأمة من الناس لا يعرفون الله ورسوله.  أما أن أهجر ديني وأغدر بإخوتي من أبناء الحركة وأحبائي فذاك ونفسي، وذاك ما أعوذ بالله منه. ولا أظن أن من تحملوا المحن في الداخل أو الخارج يهونون إلى درجة الخيانة: خيانة الله وخيانة أنفسهم وخيانة المسلمين. حديثك يا سيد نورالدين عن النضال السياسي لم يعد يروق للتوانسة شعبا وقدماء حركة، لقد توقف هذا النضال فعلا بالهجرة وبالذات إلى الدول الأوروبية، ولو استمر حقا لرأينا له أثرا. أما إن كنت تعتبر زيارات بعض المعارضين التونسيين لرموز الحركة أو حضور الأخيرين بعض المنتديات الفكرية ممارسة سياسية فإني من بين الكثيرين الذين لا يوافقونك. واللاعب الوحيد الذي يرى على ساحة السياسة التونسية في السنوات الأخيرة هو عصابة الحكم وحدها، والبقية ملعوب بهم، لأنهم في ميزان القوة لا قوة لهم. أفنبقى على ذكريات الماضي وسط أحداث يومية هي أهم وأخطر بكثير من ذلك النضال السياسي؟ ثم أليس من الأفضل أن نحتسب ذلك النضال عند الله تعالى وننظر إلى ما يتقدم بحالنا وحال أمتنا؟ ذكرت في مقالك عن النضال أن مشكلة هؤلاء المتخلصين كونهم لم ينخرطوا في العمل العام على أرضية سياسية وإنما على أرضية دينية دعوية. وكأنك بحديثك ترفع الساسة وتضع الدينيين والدعاة، سامحك الله.. إن العهد مع الله أوثق وأولى من العهد مع الحركة، فالأول أصل والثاني فرع عنه. وإن العهد مع الحركة إن لم يكن على قاعدة ((استجيبوا لله وللرسول )) فهو ((كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء)). وعلى ما أعلم فالسياسة ككل أداء إسلامي تخضع للأحكام الخمسة: الوجوب والندب والإباحة والكراهة والحرمة. فلما لا تنزل في نظرك عن الوجوب؟ وهي حتى في حالة الوجوب فرض كفاية.   يا سيد نور الدين إن الذي كبل إخوانك عن الإبداع هو عادات سيئة ورثوها من الانشغال بالنضال السياسي وطول الأمل وراء الانتظار الذي ذكرت منذ قليل، وهو أيضا بسبب قلة الزاد الدعوي واللغوي. ولك أن تعلم يا نور الدين أن المجتمع التونسي بحاجة لنصف قرن من العمل الدعوي الدؤوب حتى يتأهل لحمل الرسالة الإلاهية: عقيدة وشريعة وأخلاقا، ولا يهمني شخصيا ومن يحملون همي غير قليلون، أن يتأخر العطاء السياسي حتى تترسخ المفاهيم والأخلاق الإسلامية في نفوس الأجيال الناشئة.  ونصيحتي لك أن لا تعميك الملاعب السياسية عن سنن الفتح والتمكين الإلاهي، فلا تلجأ لمقارنة البضاعة الإسلامية بالعلمانية، ولا إلى مقارنة التوفيق والبلاء عند العلماني بنظيره عند الإسلامي، وانظر إلى لطف الله فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. ثم إني لا أوافقك في تسليمك بتوفق اليساريين المستقيلين. أنبهك يا أخ نور الدين ومن يقرأ هذا الرد إلى أنني لست على نهج الحامدي، ولم أكن يوما، فهو ينظر إلى التجمعيين ولا أنظر إليهم، وهو يأمل في مصالحة لا أتصورها أصلا، وهو يضمر ما لا يظهر وبذلك يصعب تصديقه، وهو كمن يبيع ما لا يملك فكسبه غير شرعي. أما ما يجعلني أوافق الذين يسعون للتواصل مع تونس فهو:     * إعادة روح العطاء لكثير من المخلصين القاعدين، وليعودوا بذلك العطاء لأهليهم ومواليهم أولا.     * أن نتوقف عن كثرة الاحتكاك الداخلي الفكري أو التنظيمي فليس عند قيادة الحركة أو منظروها ما يمكن أن يسعفوا به أعضاءها أو شعبها ويمنعوه.     * أن نؤدي الشهادة لله بسلامة المنهج الرباني، وعلى الظلمة في تونس بغيهم وظلمهم، بحضورنا بين الناس في أرضنا التي أخرجنا منها وبالعمل المثمر.     * حتى لا نستجدي من الآخر (حقوقا) واعترافات مهمة كتأشيرة عمل أو عفو عام لأنه لن يعطينا شيئا في حين نتوقف نحن عن عملنا وسعينا لله. ولكن إذا كان الذي نستجديه في حالة الضرورة أمرا يسيرا حقيرا فلعلنا نحصل على شيء. أما المطالب العزيزة فلا نطلبها إلا من العزيز بالوسيلة التي ترفعنا عنده وتزيدنا قربا منه.     * كما أني أرى أن على المظلومين المعذبين في تونس أن لا يتمسكوا بما يجلب عليهم مزيدا من التعذيب والمهانة ولا يتسبب تركه في نقض للإيمان، فهم أكرم على الله من أن يهانوا ويذلوا من أجل كلمة يقولونها عند من لا يعرف قيمة الكلمة ولا قيمة قائلها. ولا يظن ظان أن الاستقالة من الحركة أو طلب العفو من طاغية بالإكراه يعد تراجعا عن مبدأ أو تنازل عن حق، لأن القاصي والداني يعلم أن حكام تونس اليوم عصابة مارقة عن الدين والقانون ((لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة وأولئك هم المعتدون))،    أتمنى عليك وعلى أمثالك يا أخ نور الدين أن تعطفوا على كل من تحدثه نفسه بالعودة إلى البلاد ولا تظنوا به سوءا ما لم يبدل دينه. ناصح أمين أقبل الحوار وصدري رحب، ولكني أقول كلمتي وإن أغضبت غيري. والسلام عليكم ورحمة الله

إلى الهاشمي الحامدي

حديث في شؤون الدنيا

 
سلوى الشرفي الله يهديك يا سي الهاشمي لأنك تدفعني إلى التكرار بسبب عادتك الغريبة في الخروج المزمن عن موضوع النقاش وفي إيهام القراء بأننا نتحدث في الدين و السياسة. و أعلم أنك تعلم جيدا أننا نتحدث في شؤون الدنيا، بما فيها السياسة بالنسبة إليك، و باستثناء السياسة بالنسبة إلي، لأنني أعجز من أن أخدم إلاهين في وقت واحد. و من المؤكد أنك لاحظت إصراري على التساؤل عن حالك و عن سبب إقحام السلطان في نقاشنا الفكري. فأما التساؤل الأول فقد أجبت عليه بما تقتضي التقاليد، في حين أنني كنت قد طرحته بنبرة استغراب. و لو كنت استعملت لهجتنا التونسية لكنت قلت  » ماو لا باس يا سي الهاشمي ؟ » و سبب استغرابي من أحوالك، هو ما لم أعهده فيك من اتهامات، بدأت تتضمن نوعا من التكفير، و من تهجم و من لهجة أبوية ساذجة و عموميات و ارتسامات و بلاغة خاوية و خلو تام للحجاج المنطقي. و أما التساؤل الثاني فقد جاء في نبرة استنكار واضحة، فهمها جل من تابع النقاش و تكفل أحدهم، مشكورا، بالتعليق عليها حصريا. و كنت أقصد بالتساؤل الثاني تنبيهك إلى أنني لا أقبل أن يستغل مخاطبي ما أعبر عنه من آراء تتعلق بالتاريخ و الفكر و الفقه و الإنسانيات بصفة عامة، ليوهم السلطان بأنه أقرب إليه من « ولائك » و أنا كما تعلم جيدا لا أنتمي لا إلى « ولائك » و لا إلى « هؤلاء » و لا تهمني علاقتك الحقيقية أو الوهمية بالسلطان، لأن رضا السلطان من عدمه لا يدخل في مجال اختصاصي. فأنا لا أحب اللهو في المسرح السياسي وتعوزني القدرة، كما أسلفت القول، على خدمة إلاهين. فلنترك ما لقيصر لقيصر و ما للناس للناس. تحدثت أيضا في مقالي الأول عن ظاهرة حوار الطرشان الناتجة عن اختلاف معاني المفاهيم بين المتحاورين. و قد جاءت ردودك لتؤكد على ما ذهبت إليه. فأنا أتحدث، كما قلت، في الدنيا و أنت تتحدث في الدين أو تتدعي ذلك. و إلا كيف يمكن أن يخلط الهاشمي الحامدي بين حديثي حول الخطاب الديني في وسائل الإعلام و بين كلام الله ؟ و قد سمحت لك هذه الحيلة الخطابية بأن تأمرني بحدة و بلغة الوعاظ أن أصلي على النبي كما لو أنني كنت في المسجد و أتحدث في الدين، و أن تحاسبني على عدم دفاعي عن الإسلام في حين أنني لم أكن في موقع مخاطبة الكفار أو الحديث عن خطاب الإعلام الغربي حول المسلمين. و بما أنني كنت بصدد تحليل ونقد شعوذات بعض الشيوخ الذين تخصصوا في تبرير ختان البنات وما يسمى بجرائم الشرف و تقديم دروس للعريس المسلم ليلة الدخلة و في مطالبتي، كامرأة، بإرضاع زملائي لأتمكن من مواصلة العمل، و في الخلط بين طهارة  الرسول المعنوية و طهارته الدنيوية المحسوسة، وفي إيهام المسلمين الشيعة بأن قتلهم للسنة يعتبر جهادا و العكس بالعكس، و بأن خدمة دكتاتوري سوريا و إيران هي خدمة للإسلام و لقضايا الأمة وغيرها من الشعوذات، فإنني لا أرى مبررا لا للدفاع عن الإسلام و لا للصلاة على النبي. و بما أنك تعتبر أنه من واجبي الخلط بين سلوك و كلام المشعوذين و المنافقين السياسيين و الدكتاتوريين و بين الإسلام، فإنك تكون قد أسأت فعلا إلى الإسلام. و أخيرا أشكرك على هذا الجدل الذي فتحته معي لأنه سمح لي بفهم بأن حوار الطرشان أقل خطرا من الحوار مع من هو قادر على التحدث بلغة مخاطبه غير أنه يفضل اللجوء إلى لغة الطرشان لتحقيق مآرب سياسية.

 

اجابة أولية لأسئلة أولية طرحها الشيخ الدكتور محمد الهاشمي الحامدي

 
بسام خلف khlafbassem@yahoo.fr أتوجه أولا إلى الأخوات و الإخوة مؤسسي الجمعية الثقافية التونسية للدفاع عن اللائكية بالتهنئة و الشكر على هذه المبادرة, التي نتمنى أن تساهم في بناء الدولة الحديثة. الشيخ محمد الهاشمي الحامدي , لست من مؤسسي أو من أعضاء الجمعية الثقافية التونسية للدفاع عن اللائكية, ومع ذلك سأحاول أن أجيب على بعض أسئلتك, من منطلق أني أنتمي إلى الأغلبية التونسية التي تراهن على حداثة البلاد بعيدا عن التعصب و الظلامية الدينية. لم أستغرب من طريقة طرحك للأسئلة, فهي نابعة من ثقافة المناظرات, و إفحام الخصم. و لمن لا علم له بهذه الثقافة, أحيله إلى قناة المستقلة, قناة الشيخ الحامدي. حيث المناظرات « العلمية » بين علماء ( في الثقافة الظلامية يسمى رجل الدين عالم) السنة و الشيعة حول عدل الصحابة و عصمة الأئمة و شرف أمهات المؤمنين. الشيخ  محمد الهاشمي الحامدي , هل بدر بذهنك أن تسأل الشيخ عثمان الخميس عن موقفه من تعدد الزوجات, أو عن حق الرجل في تأديب زوجته بالضرب, وعن واجب طاعة الزوجة لرب البيت. هل سألته هذه الأسئلة قبل أن تستدعيه لإفحام الشيعة. هل خطر ببالك أن تسأل السيد موساوي عن زواج المتعة عند الشيعة, و لطم الأطفال, قبل أن تفسح له المجال ليبرهن عن غدر معاوية و يزيد و نكبة آل البيت. غريب أن يتكلم شخص من منطلق الحرية و حقوق الإنسان و المواطنة و في نفس الوقت يفسح المجال ويشجع من لا يعترف بهذه المبادئ بل يحاربها و يضعها في خانة الكفر و الزندقة. هل محمد الهاشمي الحامدي الذي ينظم المناظرات الدينية هو نفسه الذي يخاطب اللائكيين ؟ أمر الآن إلى محاولة الإجابة عن الأسئلة التي طرحها الدكتور ( لا تجد عندنا في الوطن العربي إلا الدكاترة و العلماء). طرح الأسئلة بهذه الطريقة حول موضوع مجتمعي شائك, ينم عن عقلية يتميز بها رجال الدين. أسميها عقلية الأصول. أول ما يتعلم رجل الدين, القاعدة الذهبية الأصولية : لكل نازلة حكم لازم في الكتاب أو السنة أو الإجماع أو الاجتهاد. عقلية الحكم اللازم الوحيد الرباني. ومن هنا نفهم عدم قبول الإسلاميين بفكرة اللائكي المؤمن, أو لائكية الإسلام كما يقول محمد الطالبي. الشيخ محمد الهاشمي الحامدي, اللائكية هي قبل كل شيء عقد, يجمع عليه أهل الوطن الواحد. اللائكية هي عقلية وثقافة, إذا ترسخت في أذهان الشعب فهي ليست في حاجة لا إلى قانون و لا إلى دستور يحميها. اللائكية هي شرط من شروط دولة القانون و دولة الديمقراطية و حقوق الإنسان أما عن الفصل الأول من الدستور التونسي الذي ينص على أن الدولة أو تونس ( لا ندري) دينها الإسلام. أطلب منك أن تشرح لنا ما معنى هذا الكلام. هل إذا كانت تونس أو الدولة مسلمة فهي ستدخل الجنة؟. هل لتونس أو للدولة ميزان حسنات و ميزان سيئات؟ أما في ما تبقى من أسئلتك أحيلك لهذا النص الذي كتبه الأستاذ محمد الشرفي حول اللائكية. فستجد الجواب الشافي لكل أسئلتك. قراءة ممتعة
 

الديمقراطية وإشكالية  العلاقة بين الدين والدولة

 
  بقلم محمد الشرفي في كل الحضارات القديمة – عبر تاريخ البشرية قاطبة – كانت الدولة تستعمل   الدين وسيلة لتسليط نفوذها على الناس بتخويفهم ولاكتساب مشروعية تسمح بإسكات كل المعارضين. وتطورت العقليات شيئا فشيئا بفضل فلاسفة الأنوار الذين ظهروا في القرن الثامن عشر في أوروبا, والذين نظّروا للديمقراطية وأقروا-  لذلك-  بواجب تحييد الدين في الصراع السياسي. وكان النظام الفرنسي الذي استقر, اثر ثورة 1789 المشهورة, أشد الأنظمة عداء للكنيسة وهو النظام الذي اقتبسه أتاتورك في تركيا سنة 1924. لذلك ألصق بكلمة العلمانية معنى معاد للدين. بينما العلمانية بريئة من ذلك. واغتنمت الأوساط التقليدية هذا الغموض أو الإلتباس المصطنع لاتهام العلمانيين بالإلحاد وهي تهمة باطلة جائرة. وهذا ما يقتضي شيئا من التوضيح. العلمانيــــــة إن كلمة علمانية هي تعريف لما يسمى بالفرنسية Laïcité وتستعمل في بعض الأحيان عبارة  اللائكية لأداء نفس المعنى أي للدلالة على نظام  التفريق بين الدولة  والكنيسة  كما حدده  القانون الفرنسي الصادر سنة 1905 وهو نظام  يمنع  الدولة  من التدخل  في شؤون  الكنيسة ويمنع الكنيسة من التدخل في شؤون الدولة. ويعتبر هذا النظام حلا ديمقراطيا ممكنا لإشكالية العلاقة بين الدين و الدولة. ولكنه ليس الحل الديمقراطي الوحيد. فالنظام الأمريكي مثلا يختلف لأنه ليس شديد العلمانية مثل النظام الفرنسي. ومع هذا لا أحد يشك في الطبيعة الديمقراطية للولايات المتحدة. كثيرا ما يلتجئ الحكام في هذا البلد للحجج الدينية لتبرير اختياراتهم. وكثيرا ما تنشط بعض الكنائس لتغليب مرشح سياسي على خصمه أو للعمل للتأثير على خيار تشريعي وهذا ما شهدناه مؤخرا أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية. ولكن هذه الظاهرة لا تمنع من اعتبار النظام الأمريكي ديموقراطيا اعتمادا على واجب حياد الدولة في الميدان الديني وهو  ما نصت عليه  وثيقة الحقوق Bill of Rights وهي  بمثابة جزء من  الدستور الأمريكي. وهذا الحياد هو الضمان لحرية كل شخص في أمريكا بان ينتمي للدين الذي وجد عليه والديه أو أن يختار دينا آخر أو أن لا ينتمي إلى أي دين. كما أن هذا الحياد يضمن لكل فرد حق معارضة أية  حجة دينية  استعملها  هذا  الطرف أو ذاك  دون  أن تؤدي هذه  المعارضة  للتعرض لتتبعات  عدلية  أو لردود  فعل  شعبية غير لائقة . وتبعا لذلك  لا يمكن  في الولايات المتحدة  الأمريكية  تسليط  أي ضغط على أي  شخص ليمارس شعائر دينية أو ليبدل  سيرته  الشخصية  لأسباب  دينية. أما النظام  الألماني  فإن  له بدوره  سماته  الخاصة. الدولة محايدة لا تغلب دينا على آخر.  إلا أنها تساعد رجال الدين بان تجمع الضرائب لكل مجموعة دينية وهي الضرائب التي يدفعها من ينتمون إليها. كما تقوم المدارس الحكومية بتدريس التربية الدينية للأطفال حسب الدين الذي يختاره الأولياء. وهذه العلاقة الهامة بين الدين  و الدولة لا تمنع الجمهورية  الألمانية  من أن تكون  ديمقراطية في نفس  مستوى فرنسا  وأمريكا. أما في بريطانيا العظمى فإن الملكة هي رئيسة الكنيسة الانجليكانية. أي أن الرابطة بين الدين والدولة رابطة عضوية. لذلك تعتبر بريطانيا من ناحية الشكل المثال المناقض للعلمانية. أما في الجوهر فالكل يعلم أنها مهد الديمقراطية وتبقى إلى اليوم خير مثال لها. أن الممارسة الفعلية – إذا كانت تطبيقا لقيم مجتمعية هي محل إجماع وطني- أهم من كل القوانين والمؤسسات.  و النظام البريطاني كما هو معلوم ليس وليد خيار دستوري بل هو نتيجة تطور تاريخي طويل أدى إلى القناعة  الجماعية الراسخة  بأن الدين  مسألة  ضمير  شخصي يجب  أن يمارس بكل حرية وهو يتعلق بإشكالية ميتافيزيقية عويصة  من الأفضل أن تبقى  فوق الصراعات. وهكذا تمتنع الحكومة في بريطانيا وتمتنع المعارضة من توظيف الدين في السياسية وفي ذلك مصلحة الاثنين. مصلحة الدين حتى لا تدنّسه اعتبارات سياسية كثيرا ما تكون ظرفية. ومصلحة السياسة حتى لا يسيطر عليها الخطاب الديني وهو في الغالب عاطفي ويؤدي به ذلك إلى التشنج والابتعاد عن العقلانية  التي  يجب  أن تكون  المعيار  الحقيقي في الميدان  السياسي. لقد أثبتت التجارب التاريخية في كل الأحقاب وكل الحضارات أن كل دولة حكمت باسم الدين  كان  حكمها مطلقا  أو  هو  سرعان  ما أصبح  مطلقا. وهذا ليس أمرا عجيبا إذ أن الحكم في الدولة الدينية هو حكم باسم الله أي باسم المطلق وهذا ما لا يقبل المعارضة لأن المعارض سيعتبره النظام الحاكم عدو الله. ولا يعقل تمكين « عدو الله » من حرية التعبير والتنظيم. أما تجارب الحكم العلماني – وأني أفضل تسميته بالحكم الإنساني بمعنى حكم أناس لا يوظفون الدين- فإنه يمكن أن يكون ديمقراطيا مثل أنظمة الدول الأوروبية في الوقت الحاضر كما يمكن أن يكون ديكتاتوريا مثل ما فعل ستالين وهتلر وماووتسي  تونغ وغيرهم كثيرون. أي أن عدم توظيف الدّين في الخطاب السياسي شرط من شروط الديمقراطية ولكنه ليس شرطا كافيا أي أنه ليس ضامنا لها. وهذا مفهوم واضح لدى  الشعوب الأوروبية  و الأمريكية التي  استقرت فيها  الديمقراطية منذ أكثر من قرنين. و اليوم  نرى العالم بأسره يستورد نظام  التفريق بين الدين والسياسية بدون  إشكال يذكر. إلا  العالم  الإسلامي الذي تبقى  الاشكالية  غامضة  لدى  شعوبه لأنها  لم تعرف نفس التطور التاريخي. التطور التاريخي إن أول خطوة خطتها الشعوب الأوروبية نحو تحرير الفكر كانت خطوة الثورة البروتستانية أو ثورة الإصلاح. أساس هذه الثورة نظرية لوثر في واجب الرجوع لصفاء النصوص المؤسسة للدين المسيحي وتحريرها مما علق بها من مخلفات التاريخ, ونتيجة هذه الثورة وما أحدثته من جدال طويل أن تعودت الشعوب الأوروبية على مراجعة مسلماتها ونقد تاريخها لإزاحة الطابع التقديسي الذي غلّف الوقائع التاريخية. كانت ثورة دامية زعزعت عديد المؤسسات وخاصة- في الميدان الفكري- عديد المسلمات. وإثر تجربة الحروب الدينية توصلت الشعوب الأوروبية إلى حقيقة أساسية وهي أنه من الأفضل أن لا يحاول  أي طرف فرض نظرياته الدينية  على غيره. وأداة فرض القواعد  القانونية التي  تتحكم  في السلوكات  البشرية  هي الدولة . فالأفضل إذن أن  لا تتدخل الدولة في الشؤون الدينية  وأن يبقى الدين  مسألة  تهم  ضمائر المؤمنين كل حسب  قناعته  الشخصية. وبديهي أن الشعوب العربية  لم تشهد نفس التطور التاريخي الذي  عاشته  الشعوب المسيحية. من المعروف أن العصر الذهبي للحضارة الإسلامية سواء في قرطبة  أو في  بغداد  دام قرونا  عديدة  تلاها  عصر  الانحطاط الذي  أدى  إلى فقدان  استقلالنا  و احتلال أراضينا  من طرف المستعمرين. ثم  وثبت  شعوبنا وتخلصت  من الهيمنة  الأجنبية . لكننا  لم نفلح  في معرفة  أسباب  الانحطاط لنعمل على ازالتها   حتى  نخرج  حقا من حالة  التخلف. حاول الكثير من  مفكرينا  البحث  عن النواقص التي أدت  إلى  هذا الانحطاط. والبحث عن النواقص في الماضي يؤدي  حتما   إلى نقد  بعض الجوانب التاريخية   التي أصبحت تتسم  بطابع ديني. لذلك  كلما ظهر مصلح  تصدى له رجال الدين  فقاوموه. والأمثلة  على ذلك عديدة. أكتفي بإثنين منها.  – لا شك  عندي أن الإسلام  حسّن  وضعية المرأة  بالنسبة لما كانت  عليه  في الجاهلية  وأن ذلك  التحسين  كان مرحلة  مهمة  في تاريخ البشرية. كانت وضعية المرأة  المسلمة  أفضل مما كانت  عليه  وضعية  المرأة   في غالب  الحضارات  الأخرى  في ذلك  الوقت , إلا أن  النظريات  تطورت  في الديانات  الأخرى  حتى  وصلت  الشعوب  إلى  المساوات  التامة  بين الجنسين. وبقيت المرأة المسلمة في وضعية دونية  حيث مازال  الناس في غالب البلاد الإسلامية  يتساءلون هل المرأة  تساوي ربع  الرجل عملا  بقاعدة تعدد الزوجات  أو نصفه عملا بقواعد  الإرث. و لا شك أن الديمقراطية  تقتضي  المساوات  بين البشر وخاصة  بين الرجل و المرأة . لذلك حاول  الطاهر الحداد- في كتابه  » امرأتنا في الشريعة والمجتمع » الصادر سنة 1929 بتونس-  التوفيق  بين الدين  الإسلامي الحنيف وبين واجب  حذف الإمتيازات  الرجالية  فقاوموه وشتموه  وألصقوا به  شتى  التهم  واضطهدوه إلى  أن مات. – لا شك عندي أن نظام الخلافة – سواء كانت أموية عباسية عثمانية أو غيرها- منع نشأة فكر ديمقراطي في مجتمعاتنا. لكن نقد الخلافة كان ممنوعا لأن عوامل تاريخية أكسبته غطاء مقدسا, لذلك حاول علي عبد الرازق –في كتابه  » الإسلام وأصول الحكم » الصادر بالقاهرة سنة 1925- إزاحة هذه القداسة عن  نظام الخلافة وهي  أو ل خطوة  نحو الديمقراطية  فتصدى  له  مشائخ الأزهر و الزيتونة واضطهدوه حتى  أسكتوه. كان  يمكن  لنظرية  علي عبد الرازق-لو لم يسكتوه- أن  تؤسس للعلمانية  في الديار  الإسلامية ولكن  الذين  حاولوا الانتصار لهذه الفكرة لم  يفلحوا ربما لتعلقهم بالعلمانية  بالمعنى الفرنسي. لكن ذلك ليس مهما. رأينا أن التجربة  البريطانية  تقيم الدليل على إمكانية  التعايش بين دولة  تبقي على علاقة  عضوية  بينها  وبين  المؤسسة  الدينية  وبين مجتمع وأحزاب ومنظمات  سياسية تقتنع  بالديمقراطية  و تهضمها إلى درجة  أنها  تستنتج منها  واجب  عدم  توظيف الدين  في السياسة. وهكذا أصبحت الدولة البريطانية مسيحية و ديمقراطية في نفس الوقت. لا شيء يمنع الشعوب الإسلامية من الوصول  إلى هذا  المستوى من القناعة بالفكر الديمقراطي. ويمكن  لدراسة  علي عبدالرازق أن تساعد على  هذا التطور لأنها أقامت الدليل على أن  الخلافة واقع  تاريخي وليس أمرا دينيا. لم ينص القرآن  الكريم  ولم يأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بإحداث الخلافة بعده, فهي عمل بشري بحت. ولذا فإنه لا مانع  من أن تبقى  الدول  في العالم الإسلامي تنتمي رمزيا  للإسلام وتحمي  المساجد  وتدرس التربية الدينية  في المدارس الحكومية وفي  نفس الوقت  تنظم  حياة  ديمقراطية  حقيقة  أي بدون  توظيف للدين  في السياسة. وهذا  يقتضي  مراجعة  بعض المسلمات  الفقهية  التي هي من صنع البشر ومن مخلفات  التاريخ.  إن تراجع الفكر  التقدمي  في العالم  العربي منذ نصف قرن تقريبا وسيطرة الفكر التقليدي على الأذهان  تمنع من القيام  بهذه المراجعة  وبالتالي هي تمنع من نشر مبادئ مثل حرية  المعتقد أو المساوات  بين الجنسين  فضلا عن وجوب  عدم  توظيف الدين  في السياسة أي أن  سيطرة  الفكر التقليدي تمنع من  وصول الشعوب إلى  مستوى  الفكر الديمقراطي  الحر.  التقدميون والأصوليون منذ ما يزيد عن القرن شرعت البلاد الإسلامية في عملية  التحديث وهي عملية  لا بد منها  للخروج  من التخلف. كانت  المرأة  -أي نصف المجتمع- سجينة  البيت  والجهل  و الخمار  فتحررت  شيئا فشيئا. كان  نظام  الجنايات  يرتكز  على العقوبات  الجسدية – أي التعذيب-  فأصبح  نظاما عصريا  يستعمل  وسائل  الخطية أو السجن . كان  القانون  بيد » أهل  الحل  والعقد ». فأصبح  يصدر  باسم السيادة  الشعبية (وإن  كانت الانتخابات  في غالب  الأحيان  مزيفة  وهذا موضوع آخر). كانت المؤسسات المالية  مفقودة  على أساس  تحريم الربا  فأنشئت البنوك   التي تقوم  اليوم بدور  هام في التنمية  الاقتصادية… إن سرعة التغييرات  الاجتماعية  و السياسية  من شأنها  أن تزعج  أصحاب  الفكر المحافظ. والمجتمعات البشرية تشتمل على شق يساري تقدمي  وشق يميني محافظ. والمحافظون  في  ديارنا هم الأصوليون  الإسلاميون. ومن الطبيعي  أن يوجد بيننا  يمين محافظ . إلا أن هذا اليمين  له خاصياته الناتجة  عن لباسه الثوب الديني. فهو يستعمل الدين في دفاعه عن التقاليد وفي معارضته للحداثة وهذا عنصر يجعل ا لممارسة الديمقراطية صعبة. عوض عن أن يكون السباق بين اليمين واليسار تنافسا بين مشروعين سياسيين يصبح هذا التنافس صراعا بين خطاب العقل وخطاب العاطفة , بين النسبي والمطلق, بين البشري و اللإهي. وكأنه صراع بين الإيمان و الكفر أو صراع بين الملائكة والشيطان. نتيجة لإقحام الدين في السياسة تصبح الحياة السياسية وكأنها خليط من المعطيات الموضوعية والعناصر الميتافيزيقية. ويؤدي ذلك إلى إكساء النقاش حدة وتشنجا مضرين بالنظام الديمقراطي خاصة أثناء فترة إنشائه. مثله في تلك الفترة مثل شجرة صغيرة تحتاج في الأسابيع   الأولى بعد غرسها إلى عناية خاصة قبل أن تكبر ويشتد عودها. إن المؤسف في الأمر أن الإسلاميين كثيرا ما يتقدمون وكأنهم ممثلو الدين الإسلامي و بالتالي يتهمون خصومهم- بصفة غير مباشرة وأحيانا بصفة مباشرة- بالخروج عن الدين. ولا تخفى خطورة تهمة التكفير في مجتمع مسلم ولا يخفى أن هذا الخطاب يؤدي لاستعمال العنف سواء أراد أصحابه هذا العنف أم انه نتج عن خطابهم بدون قصد منهم. لذلك اعتقد راسخا أن الديموقراطية لن يمكنها أن تستقر في بلادنا إلا عندما تقتنع أغلبية عريضة بواجب التفريق بين الدين والسياسة. وفي انتظار بلوغ هذا المستوى من النضج السياسي علينا أن نتعامل مع الظاهرة الأصولية بطرق ديموقراطية متحضرة أي أن لا نعامل القوى الأصولية بالطرق الأمنية وأن لا يتم الالتجاء للبوليس وللقاضي إلا عند ارتكاب العنف أو الدعوة الصريحة إليه.  من الواجب تمكين كل من لا يستعمل العنف ولا يدعو إليه من حقه في النشاط في الحقل السياسي كغيره من الاتجاهات أي الاعتراف للأصوليين بالحق في حرية النشر وتنظيم  الأحزاب والمشاركة في الانتخابات الخ. وفي المقابل علينا أن نندد بخطاب التكفير وبلهجة  التشنّج  وأن نشرح  للمواطنين- ونكرر  الشرح كل يوم- بأن الديمقراطية  ليست  فقط  إجراء  الانتخابات  وإعطاء  الحكم للأغلبية  بل هي أيضا – وبالخصوص-  أخلاق  تقتضي  احترام  الآخر  والكف  عن استعمال الوسائل غير المشروعة  بما فيها توظيف المعتقدات  الدينية  لربح  الأصوات  أو للتشهير  بالخصوم. يجب أن تكون الممارسة نحو الأصوليين ذات  أوجه عديدة تتواجد في نفس الوقت: ردع عند استعمال  العنف أو الدعوة إليه وتنديد عند التكفير واللهجة  المتشنجة وشرح صادق لمبادئ الحرية  و الديمقراطية والمساواة  لمن  يفتح  صدره للنقاش النزيه.  وسيرون عند ذلك أن الحداثة ليست سوى هذه المبادئ الثلاثة التي يجب تطبيقها بكامل نتائجها دون تعلق بالتقاليد البالية و بالنظام الأبوي الذي نبذته البشرية قاطبة. وسيرون أن هذه المبادئ وكل تطبيقاتها تتماشى تماما مع مقاصد الإسلام الحنيف وإن كانت تتعارض مع بعض القواعد التي وضعها الفقهاء منذ ألف سنة والتي كانت تتماشى مع ظروف تاريخية معينة و قد منحنا الله عقولا لنتدبر طرق تطويرها. إن الأمل في تطور الفكر الأصولي ونضجه ليتقبل كل نتائج الحداثة أي مبادئ الحرية والديمقراطية و المساوات ليس مطمحا طوباويا بل هو مشروع واقعي. وأكبر دليل على ذلك مثال الحزب الإسلامي الحاكم  حاليا في تركيا. الحزب الإسلامي التركي من الواضح أن هذا الحزب اضطر لتطوير استراتيجيته  نظرا لظغوطات  معروفة  أهمها  وجود جيش يعتبر  نفسه  حاميا  للعلمانية. ولكن  هذا  الحزب لم يقبل  الرضوخ  لهذه الضغوطات  من باب المراوغة فقط بل أيضا  لإقتناعه بأن  الشعب  التركي المسلم  قد أيقن –  بعد ثمانين سنة من  النظام  العلماني- بأن العلمانية  ليست نفيا للدين  و لا عداء له . وهضم  عدة تطورات  تجعله  لا يتخيل  اليوم  أبدا  إمكانية  التراجع في مكتسبات  الحداثة  مثل المساواة بين الرجل والمرأة  أو منع  العقوبات  الجسدية. هذا وإن حماس الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا في عمله من أجل الدخول في الاتحاد الأوروبي دليل قاطع على مدى تطور نظريته. وهذا المثال أكبر دليل على إمكانية تطور الفكر الأصولي عند من منهم يريد حقا الالتحاق بركب الحداثة أي الحرية والديمقراطية والمساواة أن نشر الأفكار الجديدة في مجتمعاتنا يقتضي تربية عقلانية هادئة في المدرسة ليتكون الشباب على أساس ديمقراطي وثقافة ووسائل إعلام متفتحة لبث الفكر الحرّ بين  الكهول   ونقاشا هادئا ومعمقا مع كل الأطراف حتى يصبح الفكر الديمقراطي رائجا لدى كل الفئات الفكرية   ويصبح الاقتناع بواجب احترام الفكر المغاير شائعا بين الناس وهو خير ضمان لاستقرار الديمقراطية في ربوعنا.

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الطاهر الهمامي: الإسلام ليس بدعة أصولية

 
د. محمد الهاشمي الحامدي أخي الطاهر الهمامي، الشاعر والكاتب والأديب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سعدت بقراءة مقالتك المنشورة صباح اليوم بعنوان « هل توجد حداثة بلا هوية، وهل الهوية معطى جامد »، وبدفاعك القوى عن الهوية والوطنية والعروبة. مع ذلك توقفت عند هذه العبارة في مقالتك: « إنّ تجربة الاحتكاك بالشباب، في مختلف مراحل التدريس، طيلة  عاما من حياتي المهنيّة، بيّنت لي كيف أفلح الخطاب الأصولي، الراكب موجة الهويّة التي اختزلها في الدّين والتديّن، وهو يخاطب تلاميذ وطلبة العلوم والتّقنيات، ولم يُفلح كثيرا وهو يخاطب غيرهم، لأنّ هؤلاء يُلقّنون هذه المعارف، عندنا، بمعزل عن التّفكير في تاريخها، وعن ربطها بالتاريخ العام وبغيرها من المعارف، وعن البيئة التي أنجبتها، وعن تجاوز استهلاكها إلى إنتاجها. ولا يبقى أمام الشباب في هذه المرحلة العُمريّة والذهنيّة الدقيقة سوى اللّوذ بدرس «التربية الدينيّة» يَرْوي منه غُلّته ويعثر على أجوبة لأسئلة الهويّة، سَوِيّة أو غير سويّة ». يبدو لي أن الصواب قد جانبك في ما ذهبت إليه، وأنك تكرر بما قلته خيبات الأقليات الإيديولوجية المتطرفة التي تعاند الدين وحقائق التاريخ. وظني وأملي أنك لست منهم. أخي الطاهر: أرجوك أن تتحملني. الإسلام ليس بدعة أصولية، ولا هواية خاصة بطلبة العلوم والتقنيات. إنه شوق الإنسان الفطري للحقيقة الكبرى في الكون، وهي أن الكون بما فيه، والبشر كافة، من خلق الله عز وجل، وأن الحياة لم توجد عبثا ولا صدفة، وأن الآخرة حق، وأن يوم الحساب آت لا ريب فيه، فمن زحزح عن النار يومئذ وأدخل الجنة فقد فاز. يشهد بهذا أعظم من مشى على أديم هذه الأرض من بني البشر. ابراهيم ويعقوب وداود وسليمان وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام. ويشهد لهذا أعظم الفلاسفة والعلماء في تاريخ الإنسانية. وتشهد له جحافل المؤمنين على مدار التاريخ من أتباع نوح وإبراهيم ووهود وصالح ولوط عليهم السلام، ومن اليهود والمسيحيين والمسلمين وغيرهم. هم الأغلبية الساحقة من البشر منذ بدء الخليقة تقريبا. لذلك لن ينجح الذين يحاولون تقديم الحداثة مشروعا منافسا للإسلام أو معاديا له، مهما حاولوا التلبيس على التاريخ والحقائق، ومهما تمادوا في الشهادة على أمتهم وعلى المفاهيم والتشريعات الإسلامية. المسلم المتدين يحتاج إلى الإسلام والإسلام لا يحتاج إليه. المسلم المتدين يجد سعادته وطمأنينته وإنسانيته في مبادئ الإسلام وأحكامه. يعرف به من أين جاء وإلى أين يمضي. ويتعلم منه أسرار السعادة وكل مكارم الأخلاق ودستور بناء الحضارة. ويتوفر له من الأدلة الكثيرة القوية المقنعة ما يؤكد له أنه على الدرب السوي والصراط المستقيم، وأنه لم يخن عقله أبدا ولا قلبه. أخي الطاهر. أخي الشاعر الأديب. أرجوك أن تتأمل معي لحظة بعض ما يدخل البهجة والطمأنينة الكاملة في نفس المتدين، في كل زمان ومكان، بقطع النظر عن ظروفه المادية وعلاقته بوسائل الإنتاج. اسمع رضي الله عنك إلى هذا المقطع من سورة الأنعام في القرآن الكريم: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ. ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الإِصْبَاحِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا. ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ. قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ، فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا، نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا، وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ، وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ، وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ، انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِه.ِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ. سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ َ(100) ِ بديعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَة،ٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَاعْبُدُوهُ. وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)  لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ َ (103) قدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ: فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا. وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ. وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا. وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107) واسمع رضي الله عنك ورفع قدرك إلى هذا المقطع من سورة النمل في القرآن الكريم: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى. آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا؟ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا، وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا، وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ، وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا. أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ، وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ. أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ؟ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ. أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ. أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ؟ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّه،ُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا، بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ؟ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ. إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ؟ (71) قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ. إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81) أخي الطاهر: لو اجتمع الأصوليون في كل شبر من الأرض، والحداثيون، والناس أجمعون، ما جاؤوا بآية صدق من مثل آي القرآن الكريم. هذا هو قول الحق والصدق. يهدي إلى البر والحب والسلام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أبغض الحلال.. هل هو الحل أم بداية التعقيد؟

 
عادل الحامدي (*) ما الذي يجري بين غزة والضفة الغربية من اقتتال داخلي واغتيال واغتيال مضاد؟ ولماذا هذا الموقف العربي الباهت المتفرج علي دماء تسيل بين إخوة لم يحرروا بلدهم بعد؟ ومن يمثل فلسطين وينطق باسمها سيف غزة أم بندقية الضفة ودباباتها؟ وما هو نصيب الولايات المتحدة الأمريكية وقادة العالم الحر مما يعانيه أيتام العرب والمسلمين الذين لم يقطعوا شوطا في الديمقراطية ولم يدركوا أبجديات الدولة المدنية بما تعنيه من مؤسسية وتدوال سلمي علي السلطة؟ لا، لا شك أن الأمريكيين يتمتعون بنباهة نادرة مكنتهم من التحول خطوة خطوة في اتجاه توحيد العالم تحت قيادتهم السياسية والعسكرية، حتي أن وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني وصفهم ذات مرة بأنهم يهتدون إلي فعل الصواب دائما، ولكن بعد أن يكونوا قد جربوا كل شيء. وأعتقد أنه كان علي تشرشل أن يضيف لخلاصته تلك بشأن الإرادة الأمريكية في العالم بأنها تهتدي للصواب دائما إلا في الشأن الإسلامي، لأن الصواب لا يبرر سفك دماء أبناء العراق وأفغانستان وقبلهم أبناء قضية العصر، القضية الفلسطينية التي تأبدت بعد أن رفع الجميع أيديهم عن رعايتها. مقولة رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل عن الأمريكيين، ولبريطانيا علاقات حميمة مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ كانت هذه الأخيرة تحت حكم التاج البريطاني، تعطيني القدرة علي تأمل ما يحدث علي الساحة الشرق أوسطية الواسعة والتي لا يمثل قطاع غزة الذي ظل يغلي منذ أمد بعيد بالدم القاني، كما يحدث في معظم البلدان الإسلامية خلا ما يزيد عن عشرية كاملة. والحديث عما يجري بين غزة والضفة والغربية يحيلنا بحكم العقل والواقع علي ما تشهده منطقة الشرق الأوسط التي لم تعد سوي برميل من النفط تشتعل نيرانه باستمرار منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية التي ليست إلا حلقة من حلقات الصراع علي السيادة أولا وعلي الهيمنة تاليا وعلي المصالح الآني منها والاستراتيجي. وعلي الرغم من أن اللاعب الدولي الأكبر استفرد بالقيادة السياسية علي المستوي الدولي بأتباعه الكثر رغم القوي المتربصة الأخري التي ظلت ترقب تصرفات هذا المارد بصبر وتؤدة حتي إذا أدركت الغرق في آبار البترول الخليجية تنمر عليه الكثير من الدول وأيقن خصومه أنه غارق لا محالة لما أخطأ، فلم تعد الساحة الدولية قادرة علي تحمل الخطاب الأحادي، ولكن الغرب الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة ليس في وسعه إلا أن يواصل سياساته المرتكزة علي القوة وعلي القوة وحدها في معالجة واقع سياسي عربي إسلامي علي وجه الخصوص من موقع الإستعلاء والتكبر علي دول غالبيتها عرف الإستعمار منذ القرن التاسع عشر، وحتي عندما نالت استقلالا مشوبا باليد الأبوية الغربية دائما، فإن هذا الأخير سرعان ما استعاد تدخله المباشر في شؤون هذه الدول التي جربت في حكمها خلال الخمسين سنة التي تلت استقلالها كل شيء في إدارة حكم هذه الشعوب باستثناء إرادة هذه الشعوب نفسها، وبالتالي استبعاد القرار الوطني النابع من مصلحة الوطن وما تقتضيه من إشراك الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني والجمعيات الإجتماعية، كل ذلك قد استبعد تماما من إدارة ما يسمي بحكومات الإستقلال، وهكذا غرق العالم الإسلامي، وخصوصا منطقة الشرق الأوسط في أنواع من الحكم الفردي، حيث لا يمكن أن ينجح تحت مثل هذا الحكم أي برنامج إصلاحي، وهكذا تعود الكرة ثانية إلي إشراك هذه الحكومات التي تفتقد معظمها إلي شرعية شعبية يستطيع حكام هذه البلاد أن يعولوا عليها وقت الشدة، خصوصا في مواجهة عولمة وجدت فيها هذه الدويلات نفسها أضيع من الأيتام علي موائد الشركات متعددة الجنسيات. وأشد منها مضاضة حكومات أوروبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد قادرة علي تمويل هذه الحكومات وبالتالي مدها بامكانية مواصلة حكم معقول ومقبول، وهكذا ارتهنت كل الحكومات العربية إلي شراكة غير متكافئة أعطت كل الحركات المناوئة لهذا الجور السياسي والاجتماعي فرصة التوالد السريع الذي بدأ إسلاميا في سبعينات القرن الماضي، مسخ منه الواقع المتردي والحيف الغربي كثيرا من هذه التنظيمات وحولها قصرا إلي ما يسمي بالإرهاب، حيث بلغ اليأس والإحباط والإحساس بالضيم من ظلم الداخل والخارج ورمي بكثير من الشباب الغاضب الذي فقد كل أمل في إحراز أي تقدم وعلي كل الجبهات وخاصة منها تلك المظلمة الفلسطينية التي أرقت شعوبا بأسرها، ولامست الإحساس الديني المرهف لدي جميع المسلمين، بشاعة مظلمة عجزت كل المحاولات علي إيجاد حل وسط لها لا يرمي طرفي الصراع لا في البحر ولا في المخيمات وليست قرارات الأمم المتحدة 242 و338 إلا شاهدا علي غطرسة الغرب المتفوق وعجزه عن حسم صراع لا يمكن أن يكون له حل عسكري بأي شكل من الأشكال. ولقد ماطل الغرب كثيرا وعلي حساب الفلسطينيين في تقديم أي حل مرض لكلا الطرفين رغم وجوده، ولكن علي دفاته في الأمم المتحدة وليس علي أرض الواقع. هذه المقدمة تتكفل وحدها بفهم ما حدث ويحدث علي الساحة الفلسطينية التي تحولت إلي ما بعد المأساة، حيث لأول مرة يتقاتل محتلان في حين يظل المحتل نفسه علي بنك الفرجة. ورغم أن ما قد يتبادر إلي الذهن أن القضية فقدت من قدسيتها الكثير بحكم أن الإخوة تقابلوا بالسلاح من أجل أرض لا يحكمونها وهي أصلا محتلة، فعوضا عن البحث عن مخرج مشرف ولا يكون مشرفا إلا إذا استطاع افرقاء التعايش الحتمي بين التيارين الإسلامي والعلماني. إلا أن من يقف حقا وراء هذه المأساة الماثلة أمام الأبصار هو التشدد الأوروبي وتشدد الولايات المتحدة في الإصرار علي فرض أجندة سياسية علي أطراف مهزومة بمنطق القوة، ولكنها ظلت تتربص من أجل نيل حقوقها، وأثبتت عبر ما يزيد عن خمس عشريات أنها ستظل تطالب بحقها حتي وإن كان عبر الموت والفناء وحده. فما يحدث بين الفلسطينيين هو تجويع حكومة منتخبة شرعيا ووفق مطالب الغرب نفسه، ولكن يوم أن فاز طرف وطني رفض الغرب كله وإسرائيل بطبيعة الحال مجرد التعامل مع من اختاره الشارع الفلسطيني والشعب الفلسطيني الذي فاقت معاناته معاناة الإسرائيليين بما لا يقارن. ولقائل أن يقول: إن الخاسر الأكبر هم الفلسطينيون، ولذلك يصعب تحميل حركة حماس وحدها ما جري ويجري علي الميدان، وما نري علي الشاشات الهوائية من دماء وأشلاء لم نكن نرغب يوما أن نراها بين الفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم، وإذا ما استمر الغرب وأصر في التعامل مع المنطقة، بمنطق القوة والإستعلاء، كأنه لا يحسن إلا لغة العصا، وكأن ليس له حشود من الديبلوماسيين قادرين علي حل كل مشاكل المنطقة لو توفرت إرادة سياسية حازمة وحالمة تستطيع أن تبصر ما هو أبعد من الآني الذي تحول إلي سراب في آبار النفط العراقي. ولولا ارتباط مصر بكامب ديفيد، ولولا أن الطيران الأمريكي كان في يوم من الأيام ينطلق من التراب الخليجي العربي، لوجد الفلسطينيون إخوانا لهم يثقون بهم ويلجأون إلي أحضانهم لدرء مثل هذه الشرور، إلا أن المصداقية كالعذرية إذا فقدت تفقد إلي الأبد. ورغم ما أنهك مصر والسعودية تحديدا من جراء صداقاتهما بالمعسكر الغربي وما تحملا من تبعات الإيجابي منها والسلبي لما سمح للفلسطيني أن يقتل أخاه الفلسطيني وكلاهما اغتصبت أرضه وصودرت جميع حقوقه علي مرأي ومسمع من العالم، فإذا ما أصرت السياسة الدولية علي مثل هذا النهج فإنه من الصعب أن يتعايش التياران الإسلامي والعلماني وفق ما تقتضيه مصلحة هذه البلدان وسيستمر العنف ولو كره مقترفوه. لا وجود لكره أو بغض إسلامي فطريين لا للغرب ولا للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ما جنته السياسات الغربية عامة، وخصوصا الأمريكية، ليس فقط بانقلابها علي إرادات الشعوب ونزوعها باتجاه تنصيب حكومات مسبقة الصنع أغلبها مرتبط عضويا بالمصالح الأجنبية، بل وبانقلابها علي شعاراتها التي رفعتها بنشر الديمقراطية ودعم الحريات السياسية والدفاع عن حقوق الإنسان، وإشاعة ثقافة الحوار والتسامح، هذا هو الذي أسس لمناخ ظلامي قروسطي يوثق فيه المعاقون الأيتام إلي أسرتهم وهم عراة وتغتصب فيه الفتاة ابنة التسع سنوات في عراق ما بعد صدام حسين، كما لو أن أيتام العرب لا بواكي لهم حتي وصورهم تعرض علي الهوائيات الفضائية التي تدخل كل بيت، بما في ذلك بيوت العقلاء والحكماء من الغربيين والأمريكيين الذين لا زال بإمكانهم أن يخرجوا إلي الشوارع احتجاجا علي انتهاكات حقوقية لا تمت للمدنية والديمقراطية بأية صلة. في غزة كما في الضفة الغربية فلسطينيون وطنيون لا يقبلون بوطنهم بديلا، لكن أخلاق الرجال ضاقت بهم فقطعت حسابات السياسة حبال الود وأرحام العائلات، وغدا الوطن كما القضية الفلسطينية التي عششت في أذهان الأجيال العربية المتعاقبة، فكرة عائمة تتشكل وفق أطروحات بعضها أمريكي مستورد وبعضها الآخر برتقالي حالم بديمقراطية خادعة لا تحمل من الحريات الإعلامية إلا اسمها ومن حقوق الإنسان إلا شعاراتها، كما لو أن العرب والمسلمين لم يعرفوا بلقيس التي ما كانت لتقطع أمرا حتي يشهد أهلها، ولا خليفة المسلمين الثاني الذي جاب البلاد شرقا وغربا فنام نومة هنيئة تحت شجرة زيتون في قلب الصحراء بعد أن حصن نفسه برأي سديد وبقوانين صارمة حالت دونه وبيت مال المسلمين الذي توزعت خيراته عبر شرايين الدولة الإسلامية. (*) كاتب وإعلامي تونسي يقيم في بريطانيا   (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 25 جوان 2007)


 

خطوط عرفات « الحمراء » تسقط برصاصات « حماس ».

.بيار عقل   ياسر عرفات دخل المعترك الفلسطيني من خلفية « إخوانية »، وكان يملك الحسّ « الإنتهازي » الذي تتمتّع به كثير من الحركات الإخوانية. ولكنه، حتى في أيام سطوته، حرص على الدم الفلسطيني واعتبره « خطاً أحمر ». امتنع عرفات عن تصفية خصومه ومنافسيه في الساحة الفلسطينية، حتى الماركسيين منهم (الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية وحتى « الجبهة الثورية »!,,) ، رغم كل ما نعتوه به من أوصاف ونعوت. وحتى حينما قامت « فتح » بتصفية تنظيمي « الصاعقة » و »القيادة العامة » السوريين (تحت قشرة فلسطينية شفّافة)، في مطلع الحرب الأهلية في لبنان، فإنه حرص على إنقاذ حياة أحمد جبريل الذي كان وقع أسيراً في أيدي الفتحاويين، وأطلق سراحه في اليوم نفسه ليعود إلى سوريا ويستمر في عمليات التهريب وتبييض الأموال وتنفيذ مخططات المخابرات السورية إلى يومنا هذا. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فقد عمل عرفات (بسيّئاته وحسناته) لانتزاع إستقلالية القرار الفلسطيني من الدول العربية التي كان همّها « إستعمال » الفلسطينيين. وكانت هذه نقطة خلافه الأساسية مع النظام السوري، ليس في عهد حافظ الأسد فحسب، بل وحتى في العهد البعثي السابق له (عهد صلاح جديد). إستقلال القرار الفلسطيني كان أيضاً « خطّاً أحمر » في نظر أبو عمّار. كما كانت أحد نقاط خلافه مع النظام الليبي، وغيره. ما تقوم به حركة « حماس » اليوم في قطاع غزة (آخر الأخبار تتحدث عن إحتلال « مقر الرئاسة » الفلسطينية في غزّة) يخرق هذه الخطوط الحمراء في النضال الفلسطيني. وخصوصاً حينما تعلن حركة « حماس » الإيرانية (والخليجية) التمويل أن تصفية قوات « فتح » في القطاع هي « عملية تحرير ثانية لغزّة ». أي أن مقاتلي « فتح » هم في مرتبة « جيش الدفاع الإسرائيلي » الذي انسحب من غزّة قبل سنتين. هذا التشبيه يعني إسقاط « الحَرَم » على إراقة الدماء الفلسطينية في إقتتال داخلي، بل ويعني أن « المدنيين الفلسطينيين » الموالين لـ »فتح » باتوا عرضة للإنتقام والتصفية! ألا تصرّ « حماس » على عدم التمييز بين العسكريين والمدنيين في إسرائيل؟ فلماذا تميّز، إذاً، بين « المسلّح الفتحاوي » والمدني الفلسطيني المؤيّد لـ »فتح »، طالما أن تحرير غزة من « فتح » يعادل تحريرها السابق بفعل الإنسحاب الإٍسرائيلي؟ (ينقل مراسل « الفيغارو » في مقال منشور في « الشفّاف »، مشاهد إطلاق مقاتلي « حماس » النار على مظاهرة سلمية تطالب بوقف الإقتتال، وردّ فعل الجمهور الذي بدأ يرّدد « شيعة، شيعة ». وهذا المشهد، من جانبيه، هو من أحطّ ما وصل إليه النضال الفلسطيني في تاريخه المديد). والأخطر أن يقوم فريق فلسطيني، ولأول مرة في تاريخ شعب فلسطين، بـ »تقسيم » ما تبقّى من الأرض الفلسطينية. فالسيّد إسماعيل هنيّة، ورئيسه خالد مشعل المقيم في دمشق، يعلمان أن أقصى ما تطمح له « حماس »، الآن، هو السيطرة على قطاع غزّة مقابل سيطرة « فتح » ومنظمة التحرير على منطقة الحكم الذاتي في الضفة الغربية. أي « تقسيم » الشعب الفلسطيني « في الداخل » إلى قسمين. وإلى « دويلتين » و »سلطتين ». وهذا مطلب إسرائيلي قديم. بعد إسقاط « الحَرَم » على إراقة الدم الفلسطيني في إقتتال داخلي، ماذا يبقى من « الخط الأحمر » العرفاتي الآخر، وهو الحفاط على إستقلالية القرار الفلسطيني؟ عملياً، لا شيء. « غزّة حماس » الجائعة، والعاطلة عن العمل، ستتحوّل إلى ورقة إيرانية أو إيرانية – سورية في أفضل الأحوال. أي أن شعب غزّة سيصبح « ورقة » في مفاوضات الملفّ النووي الإيراني، وفي المناورات السورية-الإسرائيلية. إلا إذا كان السيّد خالد مشعل يملك أوهاماً حول قدرته على اتخاذ مواقف « مستقلة » من مكان إقامته، سواء في « دمشق الأسد » أو في « قطر الجزيرة »! هذا حتى لا نسأل عما إذا كان السيدان خالد مشعل واسماعيل هنيّة يملكان أوهاماً حول قدرات « حماس » العسكرية للتصدّي لعمليات التوغّل العسكري التي قد يقوم بها الجيش الإسرائيلي في « حماستان » التي ستفقد أي تعاطف عربي ودولي، باستثناء ما يمنّ به عليها النظامان الإيراني والسوري وقناة « الجزيرة ». * ياسر عرفات « الإخواني » كان يدرك، بغريزته السياسية، أن الفلسطينيين أحد أفضل شعوب المنطقة تعليماً، وأنهم « شعب صعب »، يتوزّع بين إيديولوجيات وتيّارات كثيرة. لذلك، لم يسعَ عرفات إلى فرض إيديولوجيته الإخوانية على الفلسطينيين. كان عرفات يريد أن يكون « قائد الشعب الفلسطيني »، بإسلامييه وماركسييه وقومييه، وحتى بعشائره وانتماءاته المناطقية. بالعكس، تعمل « حماس » الأصولية والشمولية على إعادة قولبة الشعب الفلسطيني، وتراثه الثقافي وحتى الفولكلوري، في هجين « إخواني-إيراني »، أو « طالباني-خميني ». وهذا سيكون وبالاً على الشعب الفلسطيني. * أخيراً، نفترض أن « حزب الله » يشعر أنه يشارك « حماس » في انتصارها (هل بدأ « توزيع البقلاوة » في مناطق حزب الله؟)، وهذا طبيعي. فالإيدلوجية الشمولية متشابهة والتمويل واحد، ولو أن حزب الله أكثر إنسجاماً من زاوية « طائفية-إيديولوجية ». كما أنه « أرقى » تنظيماً، بالمعنى « الفاشي » للتنظيم. إذا كانت « حماس » قد رَهَنَت إستقلالية القرار الفلسطيني للمصالح الإيرانية والسورية، فهي لا تختلف كثيراً عن الحزب الإلهي في لبنان، الذي أعلن أمينه العام، في مهرجان شهير بصالة « الأونيسكو » في بيروت، « البيعة » لمرشد النظام الإيراني، آية الله خامنئي. وهو نفس الحزب الذي يحتلّ وسط بيروت منذ أشهر لحماية نظام الأسد من المحكمة الدولية التي قد توجّه له أصابع الإتهام في حفنة صغيرة من الجرائم التي ارتكبها منذ 37 عاماً (المحكمة الدولية لن تحاسب النظام السوري على جرائم حماه، أو سجن تدمر، أو على عشرات الألوف من السوريين الذين « اختفوا » في السجون السورية..). إذا كان « تقسيم فلسطين » وإقامة « دولة حماس » في غزّة إنتصاراً يعادل تحرير غزّة من الإحتلال الإسرائيلي، فهل تمثّل « دولة الأمر الواقع » التي يقيمها « حزب الله » في ضاحية بيروت وفي أقسام من الجنوب والبقاع إنتصاراً لـ »الحزب » على الدولة اللبنانية « العميلة » كما يصفها هذا « الحزب » ورعاته الإيرانيون والسوريون؟ حزب الله يعلن، دائماً، أنه ضد « الحرب الأهلية » في لبنان. هذا مطمئن. ، هل إراقة الدم اللبناني في إقتتال داخلي « حَرَم » يرفض الحزب إنتهاكه في أي حال من الأحوال؟ هذا ما يبقى رهن المستقبل. لكن من الواضح أن « الحزب » الذي يعتبر نفسه « إمتداداً » للجمهورية الإسلامية و »حليفاً » للجمهورية البعثية، ليس في وارد الإكتراث بــ »استقلالية القرار اللبناني ». في السياق نفسه، فالمواطنون الشيعة في لبنان هم أيضاً من أفضل اللبنانيين تعليما،ً وهم أيضاً جماعة « صعبة » يصعب تذويبها في بوتقة واحدة، وخصوصاً إذا كانت بوتقة « أصولية ». مع ذلك، يطمح حزب الله إلى فرض نمط حياةٍ (وموت) على « المواطنين اللبنانيين » الشيعة هو على نقيض رغد الحياة اللبناني، وعلى نقيض التجربة الديمقراطية اللبنانية. من هذه الناحية، يمكن القول أن حالة حزب الله أسوأ من حالة « حماس » الفلسطينية. فحتّى الآن، لم نسمع أن السيّد إسماعيل هنيّة، أو السيّد خالد مشعل، اتخذ لنفسه صفة « الإمام » أو صفة « الفقيه »! ولم تتحدّث « حماس »، حتى الآن، عن « تكليف شرعي » للمواطنين الفلسطينيين بالإقتراع لمن يعيّنه لهم « ولي الأمر » الإيراني!
 
(المصدر:  موقع  « شفاف الشرق الأوسط »  بتاريخ  14جوان 2007) www.metransparent.com    
 

 

غزة: ما معنى نهاية الدحلانية؟

 
إبراهيم غرايبة (*) ibrahim.gharaibeh@alghad.jo الأكثر أهمية وعبرة فيما حدث في غزة هو كيف عجز جهاز الأمن الذي يقوده محمد دحلان – والذي يقال إن عدد عناصره المسجلين في كشوف الرواتب الشهرية يتجاوز الثلاثين ألفا- عن الصمود أكثر من ثلاثين ساعة قبل أن ينهار ويتبخر ويصبح غير موجود! المسألة تفرض على العالم وجميع العرب (نعم جميع العرب) إعادة التفكير في الرهانات السياسية والأمنية والعلاقات الدولية، وأن تقتنع الفرقاطة العربية والفلسطينية التي تجر الدول والمجتمعات في بحر السياسة أنها مهما كانت قوية وجبارة فلن تستطيع أن تقهر صخرة معزولة في البحر أو تزيحها من طريقها، ولا تملك سوى احترامها وإقامة فنار عليها يرشد السفن وحاملات الطائرات وقوارب الصيد ويحذرها من الاصطدام بالصخرة. نهاية الدحلانية في غزة أكبر وأعمق بكثير من الجدل الدائر في فهم وتحليل الخلاف بين فتح وحماس، ولكنها تؤشر على انتهاء حقبة من التفكير والحكم والإدارة، وتغيير جذري في مفاهيم الأمن الوطني والقومي، وضرورة إدراك فلسفة ورؤية جديدة في فهم وإدارة السياسة، والحياة أيضا، وسيريحنا ويريحون أنفسهم أولئك المشغولون بأيدولوجيا حماس وأفكارها ومعتقداتها، والنظر في فشلها أو نجاحها وواقعيتها أو جمودها، تقديم الصراع بأنه بين مؤيدين للتسوية ومعارضين، وتقييم الموقف في غزة هل هو انقلاب أم دفاع عن النفس، لو يكفون عن ذلك وينطرون فقط لمدة دقيقة في موجة النهايات التي تهب على المنطقة، كما هبت على العالم من قبل، نهاية فتح ومنظمة التحرير، نهاية جبهة التحرير في الجزائر، نهاية حزب العمل والليكود في إسرائيل، نهاية ثورة 23 يوليو وامتداداتها في مصر، نهاية حزب البعث في العراق وربما في سورية، تماما مثل نهاية الطرابيش، أو كما انتهت الكتاتيب وحلت مكانها المدارس. هذا الاعتقاد بالقدرة على تجاهل واحتقار المجتمعات وخيارات الناس ورأيهم، وفرض الوصاية عليهم بقوة السلاح، وإدارة العلاقات وتنظيم الموارد وفق رؤية ومصالح نخب وقيادات تعتقد أنها قادرة على إدارة الدول وتنظيم علاقاتها بعيدا عن شراكة المجتمعات والأفراد والمؤسسات الاقتصادية والتعليمية والخدماتية تحول إلى مجرد لعب في الوقت الضائع! تحتاج الدول العربية والقوى الإقليمية والدولية التي تتعامل مع الشأن الفلسطيني أن تعيد النظر جذريا في أفكارها وسياساتها ولا تواصل الرهان على حصان خاسر بل لم يعد يقدر على المسير، فلن تحسم علاقات الشعب الفلسطيني ولن تفرض عليه خياراته حتى لو تضاعفت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في أعدادها وميزانياتها وأسلحتها، وليس المطلوب أيضا أن تغير الدول سياساتها تبعا لتطلعات ورغبات الجماهير والمجتمعات، ولكن ثمة شراكة جديدة للحكم والتنمية والإدارة وقواعد جديدة تتشكل للسياسة والحكم وأولويات ومخاطر جديدة تفرض نفسها، ولم يعد ممكنا التعامل معها بالأدوات والأفكار التي كانت حتى عهد قريب حاسمة وناجحة. ليس المهم هو تأييد حماس أو فتح ولا الانحياز إلى إحدى الحركتين، وليس مجديا تحديد المخطئ والمعتدي، والأكثر أهمية ليس الإغراق الإعلامي هو الذي يشكل الوعي والموقف الجماهيري، وتجاهل الأزمة الحقيقية لا يعني حلها، فالمسألة الأساسية أن قوى وموارد وعلاقات جديدة تتشكل لا يستطيع محمد دحلان ومن على شاكلته أن يحسمها ولا أن يقررها، وأن العلاقة مع الفلسطينيين والتعامل معهم لم يعد ممكنا تحديدها وفق معايير ومواصفات من قبيل عدد أفراد الأمن أو العلاقة القوية والخطوط المفتوحة مع دولة ما، وأن الدول والمجتمعات بحاجة لتنظيم جديد لمصالحها وعلاقاتها، وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية عاجزة بعد أكثر من أربع سنوات من الاحتلال ومئات المليارات التي أنفقتها عن السيطرة على العراق، وأن إسرائيل عاجزة بعد أربعين سنة من الاحتلال عن مواصلته فإن القادة الأصغر من ذلك بكثير وأقل مالا وسلاحا بحاجة ليريحوا رؤوسهم من مناطحة الصخر والمصالحة مع شعوبهم ومجتمعاتهم، أو احترامها لأجل المكاسب التي تحققت لهم بجهد وتضحيات هذه الشعوب والمجتمعات، أو على الأقل تركها وشأنها. (*) كاتب أردني (المصدر: صحيفة « الغد » (يومية – الأردن) الصادرة يوم 25 جوان 2007)

سلاح عشائر غزة.. اختبار قوي لحماس

 
 محمد الصواف – محمد حامد في مسعى جديد لإحكام سيطرتها على قطاع غزة وفرض الأمن في كافة أنحائه، بدأت حركة حماس حملة لجمع سلاح العشائر التي تشتهر بتهريب المخدرات والسلاح، بحسب صحيفة « صنداي تايمز » البريطانية التي اعتبرت هذه المهمة بمثابة اختبار قوي للحركة في ضوء نفوذ هذه العشائر. وفي عددها الصادر اليوم الأحد 24-6-2007، تحدثت الصحيفة عن « مواجهة » بين حماس مع العشائر المسلحة المنتشرة بغزة؛ لنزع سلاحها والحد من « أنشطتها الإجرامية » خاصة في رفح، وهو ما أكده لـ »إسلام أون لاين.نت » صلاح البردويل القيادي بحركة حماس غير أنه رفض وصف الصحيفة البريطانية لما تقوم به حماس بأنه « مواجهات » مع عشائر وإنما مع مجموعات من تجار المخدرات والمجرمين وتجار السلاح. واعتبرت صحيفة « صنداي تايمز » أن بداية تلك الحملة كانت نزع سلاح عائلة « الأسطل » الموجودة بخان يونس، حيث نجحت حماس في إجبار العائلة على تسليم أسلحتها بعد 5 ساعات من القتال معها أسفرت عن مقتل شخصين. تلك المعركة اعتبرتها « صنداي تايمز » أولى مؤشرات التوتر المتصاعد بين حماس وعشائر غزة القوية، وقالت: « إذا كانت حركة حماس تريد السيطرة الحقيقية على القطاع وكبح جماح الفوضى بها، فعليها أن تواجه هذه العائلات وتخضعها لنفوذها ». وحول دوافع حماس لشن تلك الحملة رأت الصحيفة البريطانية أن الحركة « لم تدخل المواجهة الفعلية مع تلك العشائر إلا بعد أن أيقنت أن تهديداتها لن تحقق شيئًا »، ودللت على ذلك برفض مختطفي مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) آلان جونسون -الذين ينتمون لإحدى العائلات- إطلاق سراحه رغم دعوات حماس لذلك. مهمة صعبة المهمة « صعبة للغاية ».. هكذا وصفت الصحيفة مهمة حماس ونقلت عن عدد من المحللين العسكريين قولهم: « إن ما لا يقل عن 400 ألف قطعة سلاح توجد في أيدي سكان القطاع الذين أخفوا الكثير من الأسلحة داخل بيوتهم بهدف الدفاع عن أنفسهم ». مشيرة في الوقت نفسه إلى أن كثيرين من عناصر فتح المتبقين بالقطاع قاموا بإخفاء أسلحتهم تحسبًا لاندلاع الاشتباكات ثانية مع حماس، بحسب الصنداي تايمز. وأفادت الصحيفة بأن هناك 6 عشائر تمتلك ثروة ضخمة، خاصة في قطاع غزة نتيجة القيام بأعمال الخطف والقتل والابتزاز، وسرقة سيارات، وتهريب مخدرات والأسلحة. وتابعت: « إن تلك العشائر كان لها دور بالغ الأهمية في المعارك التي دارت بغزة بين حركتي فتح وحماس من خلال بيعها السلاح للقوى المتحاربة، كما ساهمت إلى حد بعيد بزيادة نسبة الجرائم بالقطاع، الأمر الذي يجعل الحياة اليومية في منتهى الخطورة » وهو ما تسعى حماس الآن لوضع حد له. كما نقلت الصحيفة عن مسئول فلسطيني -رفضت الكشف عن هويته- تصريحاته بأن « تلك العشائر تسعى لمصلحتها الشخصية دون النظر إلى الشخص الذي تتعامل معه.. لقد تعاملت مع إسرائيل في تأمين بناء بعض المستوطنات، كما أن نشاطها في تجارة المخدرات واسع جدًّا ». وأضاف المسئول ذاته أن « هؤلاء المسلحين تجدهم تارة يساعدون فتح ضد حماس وتارة العكس ». اختبار لحماس وتعتبر « صنداي تايمز » أن أهم اختبار يواجه حماس في غزة هو تأمين إطلاق جونسون، المختطف بغزة منذ 12-3-2007 والذي قالت « حماس »: إن عائلة دغمش هي التي تحتجزه. وذكرت الصحيفة أن حماس جعلت من إطلاق هذا الصحفي إحدى أولوياتها منذ استلمت الملف الأمني في غزة، مرجحة أن يكون ذلك سببًا لكسب ود العالم الخارجي. وكانت حركة فتح، قبل هزيمتها على يد حماس بغزة قالت: « إنها ستمحو عائلة دغمش من القطاع وإنها ستزيل مناطقهم بالحفارات »، ولكن « يبدو أن حماس قررت النجاح فيما فشلت فيه فتح المهزومة »، بحسب الصحيفة البريطانية. وأشارت إلى أن مقاتلي حماس يراقبون المنطقة التي تعيش فيها عائلة دغمش وينتظرون الأوامر لاجتياحها، مرجحة أن يكون زعيم عشيرة دغمش يريد ضمانات بعدم المساس به أو بأي من أقربائه، مقابل إطلاق الصحفي البريطاني. مغالطة وفي معرض تعليقه على تقرير الصحيفة رفض الدكتور صلاح البردويل أحد قادة حركة حماس في مدينة غزة والناطق باسم كتلتها البرلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني توصيف الصحيفة بأن الحركة دخلت في مواجهة جديدة مع العائلات الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الحركة لم تجمع إلا سلاح الحكومة والأجهزة الأمنية الموجود في يد بعض المنتسبين لهذه الأجهزة خوفًا من تسربه. ونوّه البردويل في تصريحات لـ »إسلام أون لاين.نت » إلى أن هناك مغالطة في الحديث عن دخول حركة حماس في مواجهة مع عائلة الأسطل في خان يونس، لافتًا إلى أن ما جرى كان مواجهة مع مجموعة من تجار المخدرات والحشيش والسلاح يتخذون منطقة حوّلوها لمنطقة شبه عسكرية لزراعة نبات البانجو والحشيش وتخزين السلاح. وأضاف « عند وصول القوة التنفيذية إلى المنطقة جوبهت بمقاومة شديدة أدت إلى إصابة العديد من أفرادها إلى أن تم السيطرة على المنطقة واعتقال 8 أفراد من تلك العشيرة، ومصادرة كميات كبيرة من الحشيش والبانجو والسلاح ». وشدّد البردويل على أن حركته لم تقم إلا بضبط السلاح التابع للحكومة والأجهزة الأمنية المنتشر بين أفراد الأجهزة الأمنية والتي هي ملك للحكومة خوفًا من تسرب هذه الأسلحة. إعادة ترخيص السلاح ولفت القيادي في حماس إلى أن الحركة طلبت من العائلات وأفرادها وباقي القوى عدم إظهار السلاح وإطلاق النار « حتى إنها حظرت على أبناء القسام والقوة التنفيذية الظهور بالسلاح إلا أثناء الخروج بمهمة رسمية ». غير أنه أقر بأن « الحكومة ستعمل على ضبط السلاح المنتشر بين العائلات وفق قانون تنظيم السلاح الفلسطيني وإعادة الترخيص ومصادرة السلاح الذي لا يصلح للترخيص، ما عدا سلاح فصائل المقاومة الذي لا يستخدم إلا في المواجهة مع العدو ». عائلة دغمش وبشأن قضية الصحفي البريطاني المختطف لدى عائلة « دغمش » في غزة أشار البردويل إلى أن حركة حماس وضمن حالة العفو العام قدمت للمسئول عن عملية الخطف « ممتاز دغمش » الذي يترأس منظمة « جيش الإسلام » وعائلته ضمانات خطية بعدم التعرض له ولعائلته عبر وساطات على أن يتم إطلاق سراح جونستون. كما لفت إلى أن حركته تسعى لعقد مصالحات بين العائلات المتصارعة فيما بينها كعائلة الديري ودغمش؛ للقضاء على مسببات الاقتتال والفوضى. (*) صحفي بمكتب الجيل للصحافة في غزة (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (القاهرة – الدوحة) بتاريخ 25 جوان 2007)

الذين لا يريدون «حماس» سيحصلون على «القاعدة»!
 
بقلم: هنري سيغمان (*)       اتسمت ردة فعل الحكومة والإعلام في إسرائيل على غرار معظم البلدان في أنحاء العالم على التطورات التي حدثت في خلال الأسبوع الماضي في غزة إما ببراءة أو برياء مع تسجيل استثناءات نادرة وبدت الوحشية والإهانات التي طغت على تعامل «حماس» مع الناشطين من «فتح» ومؤسساتهم في غزة على مدى خمسة أيام، مروّعة. ومن الممكن مقارنتها بالوحشية والإهانات التي اعتمدها الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني على مدى أربعين سنة وفي خلال السنوات الخمس الأخيرة على وجه الخصوص. ولست أقارن لأبرّر وحشية «حماس» بل لأشير إلى رياء السياسيين والإعلاميين الذين يعمدون إلى تقديم دروس في الأخلاق، مع العلم أن هذه التصرفات الوحشية جلبت العار على المنظمة وأساءت إليها وإلى القضية التي تتبناها (على غرار العمليات الانتحارية ضد المدنيين التي توقفت) كما يجلب الاحتلال الإسرائيلي ووحشيته العار على الشعب اليهودي وقيمه. وبرز موقف زائف مماثل تجسد في الشعور بالصدمة إزاء ما يُعتبر انقلاب «حماس» على شريكتها في حكومة الوحدة في السلطة الفلسطينية. وبرز ذلك لدى المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين (فضلا عن المسؤولين العرب) الذين موّلوا حركة «فتح» علناً، وهي التي خسرت في الانتخابات، وسلّحوها وحثّوها على الحلول مكان التنظيم الذي ربح أول معركة انتخابية ديموقراطية حقيقية في العالم العربي. وسُجّل استثناء على صعيد هذه المواقف الزائفة في التحليل الذي قام به أحد ابرز الصحافيين والمعلقين الاسرائيليين على الشؤون الفلسطينية داني روبينشتاين الذي أقر أن «السبب الرئيسي الذي يقف وراء الأزمة في غزة هو رفض حركة «فتح» التي يرأسها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أن تتقاسم بالكامل آليات قوة السلطة الفلسطينية مع منافستها حركة «حماس» على رغم الفوز الحاسم لهذه الحركة الحاسم في انتخابات العام 2006». وأعلن المسؤول في حركة «حماس» خالد مشعل وكبار المسؤولين الآخرين في الحركة أنهم لا يتحدّون شرعية رئاسة عباس أو سلطته، كما أنهم لا يرغبون في تقويض وحدة الحكومة لكنهم لن يتنازلوا عن شرعيتهم الخاصة وعن السلطة التي ربحوها في انتخابات العام 2006. وأجبرهم ذلك على التدخل لإنهاء الفوضى والاعتقالات والعنف المسرف التي كانت تمارسها الميليشيات وعصابات الاجرام وتلك التابعة للعائلات المتنفذة والتي حوّلت غزة إلى ما يشبه مقديشو. ولا يمكن بلوغ ذلك من دون وقف التحدي لشرعية «حماس» وسلطتها الذي يمارسه محمد دحلان، أبرز قادة «فتح» في غزة، والذي يعمل مستشارا للأمن لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وكتب روبينشتاين بصراحة ايضاً عن حاجة «حماس» إلى أن تتعامل مع التحدي الذي كان يمثله دحلان. كما كتب مرة في تعليقه أن المتطرفين في تنظيم «فتح الإسلام» المرتبط بـ «القاعدة» أرسلوا مجموعتهم إلى مخيم نهر البارد في شمال لبنان لأن الحكومة اللبنانية لا تسيطر عليه ولا يطبق فيه القانون، إذ أنه لا يُسمح للقوى اللبنانية أن تدخل إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وكتب «تسير غزة على هذا الطريق لأن المقاطعة الدولية والتحديات الداخلية التي تفرضها قوات دحلان على قيادة حماس تُضعف حماس وتشجع على تطوير منظمات في غزة شبيهة بفتح الإسلام». وحذّر من أن «الأشخاص الذين لا يريدون حماس سيحصلون على القاعدة مكانها». لذلك كانت «حماس» حريصة في مواقفها كافة على إدانة «بعض الفصائل داخل فتح» التي تتصرف كميليشيات خارجة على القانون في غزة بعيدا عن «فتح» أو الرئيس محمود عباس. ولهذا السبب عرض خالد مشعل على رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة أن تتعاون «حماس» معه في سبيل القضاء على «فتح الإسلام». ولهذا السبب قد تنجح «حماس» في تحقيق ما لم تستطع قوات الجيش الإسرائيلي أن تنجزه خلال هذه السنوات، أي في وضع حد لوابل صواريخ القسام التي تطلق من غزة باتجاه سيديروت في إسرائيل، في حال أتاحت إسرائيل الفرصة أمام «حماس» لتحقيق ذلك. وعمدت «حماس» إلى تجديد بعض القوانين وفرض النظام في غزة مما يقدم فرصة ثانية إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والغرب لإمهال المنظمة فترة تتيح لها تطابق افكارها مع مسؤوليات السلطة. فقد اعتبرت مقاطعة حركة «حماس» سياسة خاطئة. وبعيدا عن إقناع «حماس» بأن تجعل عقيدتها المتطرفة أكثر اعتدالا، أضعفت هذه المقاطعة المعتدلين وعززت وضع المتطرفين داخل هذه الحركة، من دون أن يكون هناك سبب إيجابي لذلك. وكما أعلن إفراييم هاليفي الرئيس الأسبق لـ «الموساد» الإسرائيلي ومستشار الأمن لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، فإن ما تريده اسرائيل من «حماس» هو انهاء اعمال العنف ولم تطلب منها الاعتراف الديبلوماسي. وقد عرضت «حماس» على إسرائيل هدنة طويلة المدى في حال ردت إسرائيل بالمثل وهو عرض أفشلته إسرائيل. وتركت «حماس» هذا العرض على الطاولة في حال تم تطبيق الهدنة في الضفة الغربية أيضاً. وجاء ردّ رئيس الوزراء إيهود أولمرت الأولي على هذه الفرصة عبر إعادة تقديم مجموعة من الوعود كان قد اعطاها لمحمود عباس في ثلاث مناسبات مختلفة على الأقل، ولم يلتزم بها، وذلك لاستخدامها كذريعة لفصل غزة بصورة نهائية عن الضفة الغربية. وبحسب تقارير الصحافيين الإسرائيليين فقد عرض أولمرت على الرئيس بوش خلال اجتماعهما في واشنطن الحاجة الملحة لعزل الكيانين ومنع أي اتصال بينهما لتفادي سيطرة «حماس» على الضفة الغربية أيضاً. وبحسب ما أورده كل من ألوف بن وشمويل روزنر في صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، فإن السبب وراء اقتراح أولمرت هو «سياسة إسرائيل غير المعلن عنها لتقسيم السلطة الفلسطينية إلى دولتين». وبما أن إسرائيل لا تستطيع أن تقول ذلك صراحة أمام الأميركيين يضيف بن وروزنر «يجب أن يتكلم أولمرت بالألغاز». وفي حال نجحت ألغاز أولمرت في إقناع بوش، سيعمد إلى التصرف مع منظمة «القاعدة» الموجودة في الأراضي الفلسطينية، وربما مع الوقت في إسرائيل نفسها، مثلما تصرف صديقه العزيز بوش مع «القاعدة» في العراق. (*) مدير مشروع أميركا – الشرق الأوسط وأستاذ محاضر في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية – جامعة لندن. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 24 جوان 2007)

ماذا يريد رافضو الحوار مع حماس؟!
ياسر الزعاترة (*)         لندع لعبة البروباغاندا السياسية التي يمارسها البعض بحق حركة حماس، فالممارسات المحدودة التي يستغلها البعض في اللعبة هي من النوع الذي ترفضه الحركة وتراثها، وهي محض ممارسات فردية أساءت أكثر ما أساءت للحركة وجماهيرها، من دون أن يعني ذلك نهاية العالم، لاسيما أن ما جرى كان رداً على مسلسل انقلابي لم يقصر في التجاوزات والجرائم، ولدى الحركة (حماس) قائمة طويلة من الجرائم التي ارتكبها الطرف الآخر طوال شهور، وهي جرائم لم توفر؛ لا الخطباء ولا المساجد ولا المجاهدين ولا الصحفيين. لندع ذلك كله ونسأل ما الذي يريده هؤلاء الذين يعلنون رفض الحوار، أعني قادة السلطة وحركة فتح ممن أجمعوا على نحو بالغ الغرابة على رفض أي حوار مع حركة حماس، وصولاً إلى وصف الرئيس الفلسطيني لها بالخيانة وبأنها حركة تكفيرية، وحين حاول إبداء اللين في إحدى فقرات الخطاب وضع قائمة من الشروط الرهيبة التي لا يمكن لها قبولها لأنها محض إذلال ستدين من خلالها نفسها وتضع حاضرها ومستقبلها رهن المحاكمة بين يدي قيادة السلطة. نعم ما الذي يريده هؤلاء الذين يرفضون الحوار، ومنذ متى يقفلون أبواب الحوار مع أحد؛ هم الذين لم يقفلوه مع الدولة العبرية على رغم قائمة لا تحصى من الجرائم منذ عقود إلى الآن، وها هم يفتحون أبواب الحوار من دون شروط على رغم أحد عشر ألف معتقل يرزحون في سجون الاحتلال وتعشش قضيتهم في كل بيت من بيوت الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. لقد شكل هؤلاء حكومة طوارئ خارج سياق القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية، ولم يلتفتوا للمجلس التشريعي، أما الأسوأ فهو ما فعلوه وما زالوا يفعلونه في الضفة الغربية من حرب على حركة حماس وكوادرها ومؤسساتها، إذ يلاحق أعضاء الحركة على الهوية وتحرق مؤسساتها على نحو هستيري، بما في ذلك بيوت المجاهدين، كما وقع مع رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك المعتقل في سجون الاحتلال. في الضفة الغربية اليوم حرب مثيرة على حركة حماس بحجة عدم السماح بتكرار ما جرى في قطاع غزة، وهي ملاحقة تعني مطاردة أي شاب يفكر في مقاومة الاحتلال، بل هناك نوايا أسوأ من ذلك، إذ تحدث الرئيس عن الجامعات وعن المساجد كمصادر للفكر الظلامي، ما يعني أن هناك نوايا لمطاردة الحركة؛ ليس على مستوى النشاط العسكري، بل على مستوى النشاط السياسي أيضاً. يحدث ذلك فيما قادة فتح يتحركون بحرية في قطاع غزة. ما قاله الرئيس الفلسطيني كان غريباً، بل بالغ الغرابة، لاسيما أن الخطاب الآخر تجاه الاحتلال كان مختلفاً، إذ لم ترد فيه كلمة مقاومة، بل كلام عن التفاوض من دون شروط مسبقة. وحين نتأمل في المسار العام المتوقع بعد ما جرى في الضفة الغربية فلن نعثر على سوى الدولة المؤقتة التي يعلن الرئيس رفضها، وهو رفض بلا قيمة ما دام المسار المشار إليه هو المتوافر في الدوائر الإسرائيلية الأمريكية، وحين تعرض تل أبيب على قيادة السلطة نقل تجربة قطاع غزة (الانسحاب) إلى الضفة الغربية، فلا يتوقع أن يكون هناك رفض من طرفها، لاسيما أن مطاردة المقاومة في الضفة تشير إلى شيء من ذلك. وهنا نتذكر ما جرى في مرحلة أوسلو إذ قدم رأس المقاومة على مذبح المفاوضات، والآن يمكن تكرار التجربة، بل إن كافة المؤشرات تقول ذلك. هناك بالطبع السؤال المتعلق بقطاع غزة وما يمكن أن يحدث له في ظل الوضع الجديد، وفي حين ذهب الرئيس الفلسطيني وسواه من المتحدثين باسم السلطة إلى ضرورة أخذ احتياجات القطاع بعين الاعتبار، إلا أن لغة رفض الحوار وحكاية تقديم قيادات حماس إلى العدالة الدولية، فضلاً عن إلغاء جوازات السفر القديمة، كل ذلك يؤكد أن الحصار هو المآل الطبيعي للقطاع، وإن كان حصاراً متدرجاً أو في سياق الحد الأدنى القائم على الابتزاز المتواصل لحركة حماس، والأسوأ أن يتم ذلك بالتعاون مع الدولة العبرية، ثم مع مصر التي لا تبدو مرتاحة لفكرة لجنة تقصي الحقائق التي أقرها وزراء الخارجية العرب، بدليل قمة شرم الشيخ التي تنعقد اليوم لدعم عباس ومطاردة حماس. هنا نشير إلى أن الرئيس الفلسطيني لم يأت على ذكر اللجنة المشار إليها، وذلك فيما يبدو نوعاً من الرفض لها، لاسيما أن مستشاره المقرب (ياسر عبد ربه) قد سبق ورفضها، فيما نعلم أن اجتماع وزراء الخارجية العرب قد شهد جدلاً حول الموقف مما يجري، ولولا الموقف السعودي ومعه بعض المواقف العربية الأخرى لما كان بالإمكان تمرير الموقف الوسطي الذي صدر. حماس بدورها متمسكة بالوساطة العربية، وهي تملك الاستعداد للتجاوب معها، لاسيما أنها لم تذهب في الاتجاه الذي ذهبت إليه إلا من أجل العودة إلى اتفاق مكة، وليس من أجل إنشاء إمارة ظلامية في القطاع كما ذهب الرئيس في خطابه أكثر من مرة، وعلى نحو تحريضي للخارج أكثر من الداخل. ما ينبغي أن يكون واضحاً هو أن الحوار، والحوار وحده، ومن دون شروط مسبقة هو المسار الوحيد الممكن في الساحة الفلسطينية، إذ ليس بوسع السلطة وقيادتها أن تلغي حركة حماس، وقد سبق لها أن جربت ذلك أيام أوسلو فلم تزد حماس إلا شعبية وحضورا. والحركات الأيديولوجية الاجتماعية المتجذرة في واقع شعبها ومؤسساته لا يمكن إقصاؤها أو إلغاؤها بهذه السهولة، والنتيجة أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني، أما إذا أراد البعض الاستقواء بالعدو من أجل إقصاء خصمه فسيكتشف عبث ما يفعل، ليس فقط لأن خصمه أكبر من الإلغاء والإقصاء، بل أيضاً لأن العدو الذي يراهن عليه لن يعطيه شيئاً يحفظ ماء الوجه. بقي أن ندعو عقلاء فتح إلى التدخل للجم لغة الثأر والإقصاء في الحركة، مع العلم أن ما جرى في المجلس المركزي للمنظمة كان مؤسفاً أيضاً، إذ شرّع لإلغاء المجلس التشريعي وتغيير قانون الانتخاب، والأسوأ لمطاردة قوى المقاومة عبر الحديث عن حل المليشيات في مناطق ما زال الاحتلال يعيث فيها فساداً كل يوم. (*) كاتب فلسطيني (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 25 جوان 2007)

فقاعة المبادرات وسراب السلطة !
 
محمد صادق الحسيني (*) في نهاية الستينات وفي اوج النشوة التي كان يعيشها الشارع العربي علي خلفية حرب الاستنزاف المصرية الناجحة ضد العدو الاسرائيلي ومعركة الكرامة التي خاضها الفدائيون الفلسطينيون من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بالتعاون والتنسيق المتميز مع الجيش العربي الاردني، تفتق العقل الاسرائيلي الصهيوني والامريكي المتصهين عن مؤامرة فذة فتتت كل الانجاز العربي والفلسطيني الذي كان يتقدم بخطوات ثابتة باتجاه استعادة زمام المبادرة من العدو واعادة بعض الكبرياء العربي الذي تعرض لهزة كبيرة في حرب النكسة الشهيرة فكان ما عرف وقتها بـ مشروع روجرز للسلام! وروجرز هو وزير خارجية امريكا وقتها وجوهر المشروع كان يتلخص في مبادرة كما سموها في حينه تقضي بهدنة ثم مفاوضات قد ينتج عنها استرجاع لبعض اراض عربية ثم سلام وتطبيع ثم كلام ثم… والهدف الرئيسي المعلن يومها هو التهدئة مع الدول العربية او ما كان يسمي بدول الطوق علي حساب الفلسطينيين. وانقسمت الطبقة السياسية العربية وقتها بين مصدق متفائل ومكذب متشائم وعلي خلفية ذلك انقسم الفلسطينيون انفسهم ايضا بين مراع ومتريث يبحث عن مدارات للدول التي كانت تحمله علي وهن! وبين راض متحمس لاستمرار المقاومة والقتال بل وبضرورة اسقاط كل الانظمة المستسلمة والمنبطحة والخائنة والمفرطة بالانتصارات الفلسطينية وحصل ما حصل يومها من انقسام عربي وفلسطيني واسع معروف ادي فيما ادي اليه الي ما عرف وقتها باقتتال ايلول الاسود في العام 1970 الذي ذهب ضحيته الاف الفلسطينيين والاردنيين من فدائيين وعسكريين ومدنيين، ونكب العالم العربي من جديد وصدم بقوة يومها وشاعت اجواء الاحباط والتشاؤم في الشارع العربي ووصلت تداعيات الحدث الي القيادات وفي مقدمها الرئيس عبد الناصر الذي تجزم بعض الاوساط المقربة والعارفة بانه ذهب ضحية تلك الاجواء السوداوية وبعد ان يئس من استعادة جسور الثقة والتعاون والتنسيق بين الجيش الاردني والفدائيين التي كانت قد افرزتها معركة الكرامة المشرفة. فوافته المنية كمدا في ظل اجواء عربية ممزقة وحزينة وقاتمة. المهم في الأمر ليس هذا الذي سردته وكنت شاهدا عليه والذي قد يعرفه الكثيرون من شهداء ذلك العصر بل المهم والذي قد لا يعرفه الكثيرون هو ما كشفته تقارير مخابراتية امريكية لاحقا من ان المبادرة المعروفة بـ مبادرة روجرز لم تكن سوي فقاعة اختبار والتعبير ليس من عندي، الهدف منها اشغال اصحاب القضية بأمر مثير للجدل ومختلف عليه لكنه لم يكن يوما مشروعا جديا للمفاوضات اصلا ! وللمشككين بنظرية المؤامرة دوما نقول الم يحن الأوان ان نستفيق ونستيقظ بعد كل الذي جري ويجري لنا منذ عقود؟ الا يستحق الامر منا بعض التأمل من جهة لما يخطط لنا تحت عناوين جذابة وبراقة لكنها كاذبة بالتأكيد وان نفكر مليا بالحديث الشريف القائل: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين من جهة اخري؟! الم يقل شارون قبل ان يغط في موته السريري العميق بان الاتفاقات المبرمة مع العرب لا تساوي الحبر ولا الورق الذي كتبت به او عليه ! الا تعتقدون معي بان كل ما يجري من الاعيب تحت عناوين مختلفة من سلام او مفاوضات او تطبيع او شروط تعجيزية تحت عناوين الرباعية او خريطة الطريق او… ليست الا ذرا للرماد في العيون؟! وان ما يطلق عليه من سلطة في الضفة او القطاع سواء كانت تحت قيادة الثوار الحماسيين او المنبطحين الفتحاويين! لا تعني اسرائيل شيئا لانها لا تعتقد اصلا بوجود شريك فلسطيني مطلق فلسطيني يستحق ان يبقي علي هذه الارض او يستحق الحياة مجرد الحياة! ناهيك عن استحقاقه للشراكة في الحياة السياسية فضلا عن السلام!! انه الفخ الذي ينصب لنا بين الفينة والفينة فيما نحن منشغلون عنه بالصراع علي السراب! مرة باسم التسوية ومرة باسم السلام العادل والشامل! ومرة باسم الارض مقابل السلام! ومرة باسم مبادرة السلام العربية ودائما في قبضة انهاء الصراع! هذه المقولة الملغمة والقاتلة التي لا تعني سوي تصفية القضية الفلسطينية ومحو هويتها وقضم ما تبقي من ارض ومقدسات و الترانسفير المنظم لما بقي من متشبثين في ارضهم من الفلسطينيين من البحر الي النهر! لقد آن الاوان للقيادات الفلسطينية ان تخرج من شرنقة السلطة هذه وتعود كما بدأت حركة تحرر وطني فلسطيني تحظي بتقدير شعبها واحترام المناضلين في العالم وتستعيد بعض الصدقية التي فقدتها بسبب التناحر والاقتتال، وتستعيد مقولة غابة البنادق الشعبية الديمقراطية من خلال الرهان علي شعبها اولا ومناصريها من شعوب العالم ثانيا بعد الاتكال علي الله وترك الرهانات الخاسرة علي الرباعية والخماسية و… ان رهانا من هذا النوع يتطلب قرارا شجاعا بحل ما يسمي بالسلطة الوطنية الفسلطينية بعد ان اصبحت سلطة لتقاسم حصص الدول المانحة ! للفتات من السموم والمانعة للشعب الفلسطيني من التحرر والانعتاق من قيود التبعية للمعادلات الدولية الظالمة والمجحفة بحق كل من هو فلسطيني القرار وكل ما هو فلسطيني الهوية! القرار الشجاع الثاني المطلوب هو في اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية علي اسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار كل المستجدات علي الساحة الفلسطينية! والقرار الشجاع الثالث المطلوب هو الاعتذار الي شعب الجبارين الذي تحمل الكثير من ذوي القربي في الآونة الاخيرة وظلم ذوي القربي اشد.. كما تعلمون ايها الاشاوس! لعل في ذلك ما يداوي بعض الجراح والمعاناة ويفتح الباب امام صفحة جديدة بعيدا عن الاوهام وكذبة السلطة تحت ظلال الاحتلال. (*) كاتب ومحلل إيراني (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 25 جوان 2007)

 

هل يُحقّق اجتماع باريس حلّاً لأزمة دارفور؟
 
توفيق المديني * أعلنت الحكومة السودانية، بعد يومين من اجتماعات الأطراف الثلاثة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (11 و12 حزيران الجاري)، التي ضمت مسؤولين سودانيين ودوليين وأفارقة، موافقتها على نشر قوة مختلطة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في إقليم دارفور للحلول مكان القوة الإفريقية الحالية المؤلفة من 7 آلاف عنصر وتفتقر إلى العتاد والتمويل المناسبين. وقال مفوّض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي سعيد جنيت في بيان، إن الخرطوم وافقت على قوة يراوح عدد أفرادها بين 17 و19 ألف جندي، علماً أن الأمم المتحدة كانت تتحدث في السابق عن 23 ألف جندي، وهو رقم اعتبرته الرئاسة السودانية ضخماً. وأضاف جنيت أن «مجلس السلم والأمن طلب كذلك من مجلس الأمن الدولي إقرار نشر هذه القوة المختلطة التي ستموّلها الأمم المتحدة بشكل عاجل»، معرباً عن الأمل في أن تُنشر قبل نهاية مهمة القوة الإفريقية. وإلى ذلك، مدد الاتحاد الإفريقي مهمة قوة السلام التي ينشرها في دارفور لستة أشهر إضافية حتى نهاية كانون الأول المقبل، وأقرّ أيضاً خطة نشر القوات المختلطة منه ومن الأمم المتحدة. ورحّب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بقبول السودان تشكيل قوة مختلطة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور، وأكد الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في الإقليم. وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد أبلغه أن اجتماع أديس أبابا شكل فرصة مهمة لإظهار التزام الحكومة السودانية الاتفاق على الإجراءات المطلوبة لحل الصراع في دارفور. ويعمل السودان من أجل التزام وقف فوري لإطلاق النار ضمن حزمة شاملة تتولى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي تنسيقها على أسس كفيلة بإنعاش عملية السلام، مؤكداً التزامه بنزع سلاح «كل الميليشيات في دارفور». ويعتبر المحللون للشؤون السودانية أن قبول الحكومة نشر القوات الدولية والإفريقية في العملية الهجين، يأتي استجابة للضغوط الخارجية التي تعرضت لها وأنها قبلت بالأمر مكرهةً، وبالتالي فإن العملية لا يمكن أن توفر وحدها الحل لأزمة دارفور وإن الحكومة نفسها من خلال موافقتها لا ترغب أيضاً في حل القضية بل ترغب في إيجاد حلول للأزمات التي تتعرض لها نتيجة انتهاج المجتمع الدولي سياسة العصا والجزرة. وتلتقي الدول الكبرى، أبرزها الصين والولايات المتحدة وفرنسا، ودول إفريقية ومنظمات دولية، للمرة الأولى في باريس، لتدفع الجهود الهادفة إلى وقف النزاع الدموي في إقليم دارفور، والانتهاء إلى «نتائج ملموسة». وتشارك وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في اجتماع باريس الذي تقول فرنسا إنه سيعمل على دفع الجهود للتوصل إلى نهاية الصراع المشتعل في إقليم دارفور. واعتبر السودان الذي يقاطع الاجتماع، وكذلك الاتحاد الإفريقي، أنه ينعقد «في وقت غير مناسب». وكانت وزارة الخارجية الفرنسية أعلنت أن «هذا الاجتماع ينعقد عند مفترق طرق، فيجب تطبيق ما هو متوافق عليه، وإعطاء دفع إلى الأمام لجهود السلام». ويسعى اجتماع باريس حول دارفور، الذي تشارك فيه نحو 20 دولة ومنظمة دولية، وبينها جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى مناقشة أربعة محاور هي إعادة إطلاق العملية السياسية والوضع الإنساني والأمني في إقليم دارفور، وإعادة بناء المناطق التي تأثرت بهذه الأزمة وبتبعاتها الإقليمية، بهدف التوصل إلى نتائج ملموسة على عكس المبادرات الفردية وغير المنسقة العديدة التي لم تثمر. وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمام قمة الدول الثماني التي عقدت أخيراً في ألمانيا، وفي إطار البحث عن حل أزمة دارفور، تقدم بمبادرة جديدة تضمنت نقطتين: الأولى، الدعوة إلى اجتماع وزاري في باريس لدراسة سبل مواجهة الاحتياجات العاجلة التي يفرضها تطور الموقف في دارفور. والثانية، تحريك المجتمع الدولي في أوسع صورة ممكنة، لإيجاد حل للأزمة «التي لا نستطيع أن نبقى حيالها مكتوفي الأيدي». إن فكرة ضرورة فتح الممر الإنساني الآمن لإغاثة ضحايا النزاع في دارفور، طرحها وزير الخارجية الفرنسي السابق فيليب دوست بلازي مدى أكثر من سنة، وسافر إلى دول المنطقة أكثر من مرة بغرض درس إمكان تنفيذ الفكرة، لكنه كان يصطدم بممانعة السودان، وفشله في تحقيق توافق سوداني ــ سوداني، وسوداني ــ تشادي. وكان المشروع الفرنسي ينطلق من قاعدة استخدام الإمكانات اللوجستية العسكرية الفرنسية الموجودة على الأراضي التشادية. وبناء على ذلك قام وزير الخارجية والشؤون الأوروبية برنار كوشنير بزيارة شملت دولاً إفريقية، ولا سيما تشاد والسودان، وفيما لم يواجه عقبات في إقناع الرئيس التشادي إدريس ديبي بأهداف التحرك الفرنسي العاجل، فإنه لم يفلح في «تبديد سوء التفاهم» مع الرئيس السوداني عمر البشير الذي تفيد أوساط إعلامية فرنسية أنه أبدى عدم ترحيبه بعقد المؤتمر الوزاري في باريس، ورأى أنه لا ضرورة له، بل توجّس من أهداف أبعد من المرامي الإنسانية، التي تضعها المبادرة الفرنسية في طليعة الأولويات. إن رفض السودان نابع من المحاذير التي سبق أن أبداها تجاه فكرة «الكولوار» (الممر) الإنساني التي سبق أن طرحها كوشنير. أما الأسباب التي دفعت الحكومة السودانية إلى العزوف عن المشاركة، فهي أكثر شمولاً من قضية الممر الإنساني، وتصبّ في سياق مقاربة الخرطوم السابقة لحل الأزمة، بدليل أن البشير رحّب في لقائه مع كوشنير بوصول المساعدات الإنسانية للاجئي دارفور، وامتنع عن المشاركة في مؤتمر باريس. وكانت باريس تعتقد أن الفكرة أصبحت قريبة من التحقق، بعدما نجحت في شباط الماضي في توقيع اتفاق بين الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره التشادي إدريس ديبي. لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة إذ سرعان ما تجددت المواجهات على الحدود بين البلدين، وتوالى تبادل الاتهامات حول دعم كل طرف لمتمرّدي الطرف الآخر من أجل تقويض النظام. وليس سراً أن الحكومة الفرنسية تحمّل السودان في صورة غير رسمية مسؤولية استمرار التداعيات، ولم تعتبر أن تشاد يمكن أن تشكل عقبة في طريق الوصول إلى دارفور، لأنها تعتقد أن من مصلحة هذا البلد تأمين حدوده في وجه عمليات التسلل التي يقوم بها خصوم النظام من المعارضة التشادية المسلحة، ولهذا السبب تحمّست نجامينا في مطلع العام الحالي للتوجّه الفرنسي نحو نشر قوات دولية للفصل بين تشاد والسودان. وكان الرئيس التشادي إدريس ديبي قال في اجتماعه مع المندوبين الدائمين في الجامعة العربية بحضور الأمين العام للجامعة عمرو موسى، إن الأوضاع في إقليم دارفور تدهورت وتؤثر في بلاده، وإن تشاد فقيرة ولا يمكنها أن تصمد طويلاً أمام الضغوط الدولية التي تمارس عليها من القوى الكبرى والأمم المتحدة، «حيث سنجد أنفسنا في وقت لا نستطيع فيه مقاومة هذه الضغوط إذا لم تُدار الأزمة في دارفور بطريقة مناسبة»، بحسب تعبيره. وأضاف أن تشاد لا تحصل على دعم من دول الجوار، ولا من الاتحاد الإفريقي (ربما باستثناء ليبيا)، وتؤثر أزمة دارفور تأثيراً كبيراً فيها، إذ تستضيف 350 ألفاً من اللاجئين الذين نزحوا من الإقليم بسبب الأزمة. ولفت ديبي الانتباه إلى أنه منذ توقيع اتفاق أبوجا للسلام بين الحكومة السودانية وحركات التمرد في دارفور، لم تقم أية منظمة أو دولة بجهود لإقناع غير الموقّعين على الاتفاق بالانضمام إليه. وشدد على أهمية حل أزمة دارفور من خلال الحوار، ودعا إلى تسهيل هذا الحوار من كل القوى ذات النيات الحسنة، مثل الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية لإيجاد حلول سلمية للأزمة. وتخشى باريس من انتقال النزاع إلى شرق تشاد وشمال شرق إفريقيا الوسطى، وهما مستعمرتان سابقتان تدعمهما عسكرياً. وتزامناً مع اجتماع باريس، تتفاوض فرنسا مع نجامينا حول نشر قوة أوروبية في شرق تشاد لمساعدة نحو 230 ألف لاجئ سوداني وأكثر من 150 ألف نازح بسبب أعمال العنف في إقليم دارفور المجاور. * كاتب تونسي (المصدر: صحيفة « الأخبار  » (يومية – لبنان) الصادرة يوم 25 جوان 2007)

 

تعهدت تحديث أنظمة المعلومات ورصد الأموال اللازمة …

المصارف المغاربية تتفق على آليات لتطبيق اتفاق «بازل 2»

 
تونس – سميرة الصدفي     فرضت المنافسة المتزايدة التي باتت تمارسها المصارف الأجنبية في منطقة المغرب العربي على المؤسسات المصرفية المحلية تحديث أساليب عملها، واعتماد مواصفات دولية في مقدمها اتفاق «بازل 2» الخاص بتطوير الخدمات المصرفية. وأنهى أمس مسؤولون في مصارف البلدان الأعضاء في الاتحاد المغاربي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا) اجتماعات استمرت يومين في مدينة الحمامات، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، اتفقوا في اختتامها على مباشرة تنفيذ بنود «اتفاق بازل 2» لكن على ثلاث مراحل. وينص الاتفاق على تدابير وإجراءات تتيح تقدير الأخطار المصرفية ووسائل الوقاية منها، بعد تخصيص الاعتمادات اللازمة لذلك. وأوضح حاكم المصرف المركزي التونسي توفيق بكار، الذي رأس الجلسة الختامية، أن المرحلة الأولى من الخطة هي «تحديث شامل لأنظمة المعلومات في المصارف المغاربية، فيما تتمثل الثانية برصد اعتمادات الوقاية من الأخطار المصرفية وتالياً السيطرة عليها. أما الثالثة فتقضي بإيجاد مرجعية تشكل سلطة رقابة داخل كل مصرف، إضافة الى إلزام المصارف احترام قواعد السوق، ما يعني إعطاء معلومات دقيقة ودورية في شأن أوضاعها المالية. وأفيد بأن البلدان المغاربية تعتزم اتخاذ خطوات تشريعية لتعديل القوانين المصرفية المحلية لتتطابق مع اتفاق «بازل 2»، إضافة الى تحسين مناخ الأعمال وخصوصاً في القطاع المصرفي. ووصف خبراء شاركوا في الاجتماعات اعتماد الأسس التي يلحظها الاتفاق كونه «أقصر طريق الى الاندماج في السوق العالمية». فيما اعتبره المدير العام لصندوق النقد العربي جاسم المناعي «دواء أثبت نجاعته وميزاته»، موضحاً أن «الانعكاسات الثانوية التي قد تترتب عليه ستُطوقها المؤسسات المتخصصة المؤهلة لذلك». وأبدى متحدثون في الاجتماعات مخاوف من «انعكاساته السلبية على المصانع الصغيرة والمتوسطة الحجم وكذلك على المصارف الصغيرة وهي تشكل الغالبية في القارة الأفريقية. لكن مدير الأسواق المالية في صندوق النقد الدولي خايمي كاروانا حاول تهدئة هذه المخاوف، مقللاً من نتائجها السلبية على الأجهزة المصرفية المحلية، مُركزاً على المنافع التي يمكن أن تحصدها من التزام مواصفات «بازل 2». وأوضح المناعي وكاروانا أن خبراء سيتولون دراسة كل حالة على حدة، والعمل على أن يستفيد الجميع من تنفيذ الاتفاق. وأفادت نتائج دراسة أعدها صندوق النقد العربي عن مدى استعداد الاقتصادات العربية للانسجام مع شروط «بازل 2»، بأن معظم لبلدان «مُهيأ لتلك النقلة». غير أنها أكدت وجود «نقص في الاعتمادات المالية اللازمة في بعض البلدان العربية، والتي تشكو من ضعف المعلومة وضآلة الخدمات وقلة تنوع النشاطات الاقتصادية». وأتاحت الأوراق التي قدمها خبراء ومسؤولون مصرفيون خلال الاجتماعات معرفة مدى استعداد المصارف المغاربية للانتقال إلى مرحلة متقدمة، تجعلها تقترب من المواصفات الدولية وتكرس إدخال سلسلة من الإصلاحات الجوهرية على أجهزتها المصرفية. لكن لوحظ أن هناك تفاوتاً كبيراً بين البلدان، ما أدى إلى عدم الاتفاق على السير بوتيرة متشابهة. وستباشر البلدان المغاربية تنفيذ المراحل التي تُقربها من تنفيذ بنود «بازل 2» في شكل متباعد «يأخذ في الاعتبار خصوصيات كل بلد». وفي ظل تنامي العولمة، وجدت المصارف المغاربية نفسها مضطرة الى الانفتاح على العالم الخارجي، بعدما كانت تُدار مثل سائر مؤسسات القطاع العام وتخضع لمنطق غير اقتصادي. واعتبر تقرير أعدته السلطات التونسية عن آفاق تطوير الجهاز المصرفي أن تدويل المصارف المحلية وانفتاح المستثمرين ورجال الأعمال المحليين على الأسواق الخارجية «شرطان ضروريان لوضع المصارف في قلب العملية الاقتصادية وتحقيق نسب أعلى من النمو، ما يساهم في الحفاظ على التوازنات اللازمة للاقتصاد الوطني». وفي هذا السياق فتحت البلدان المغاربية في السنوات الأخيرة اقتصاداتها أمام مصارف أوروبية وأميركية أسست فروعاً لها في المنطقة أو اشترت غالبية الأسهم في مصارف محلية بعد تخصيصها، ما شكل تحدياً للجهاز المصرفي المحلي الذي استمر يعمل بالوسائل القديمة. وفي مقدم المصارف الأجنبية التي وضعت قدماً ثابتة في البلدان المغاربية «سيتي بنك» الأميركي و «ساتندر» الإسباني و «سوسييتيه جنرال» و«كريدي ليوني» و «بي أن بي باريبا» الفرنسية. واستطاع مصرف «ساتندر» الإسباني بالاشتراك مع «بنك الوفاء التجاري» المغربي السيطرة أخيراً على أكثر من 53 في المئة من أسهم «بنك الجنوب» التونسي، بعدما باعت الدولة حصصها في رأس ماله والمقدرة بـ 33 في المئة. ثم اشترت المجموعة الإسبانية المغربية 20 في المئة أخرى من أسهم المصرف في السوق المالية. كما اشترت مطلع العام الحالي غالبية الأسهم في «البنك التونسي السنغالي» ومقره العاصمة دكار. وتُعتبر عملية تخصيص «بنك الجنوب» الثالثة من نوعها، إذ سبق لمصرف «بي أن بي باريبا» الفرنسي أن اشترى 50 في المئة من أسهم «الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة» UBCI التونسي ووضع علامته المميزة على فروعه في العاصمة والمحافظات الداخلية. كذلك اشترى بنك «سوسييتيه جنرال» الفرنسي أكثر من 50 في المئة من أسهم المصرف التجاري المحلي «الاتحاد الدولي للبنوك». وأعلنت مجموعة «بي أن بي باريبا» المصرفية الفرنسية أخيراً، أنها ستعزز حضورها في تونس بفتح 30 فرعاً خلال السنتين المقبلتين. وأفاد مصدر في المصرف بأن خطة الانتشار في تونس تندرج ضمن مشروع يرمي الى فتح 200 فرع جديد في المنطقة المتوسطية وبلدان الخليج خلال فترة تنتهي أواخر العام الحالي. كما أعلن نائب رئيس اتحاد المصارف الإيطالية دجوفاني دي سانسي الذي زار تونس أخيراً أن ثلاثة مصارف تجارية إيطالية دخلت إلى السوق التونسية من دون إعطاء تفاصيل أخرى. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 25 جوان 2007)

المخرج رضا الباهي يستعيد براندو في ذكراه الثالثة متحدثاً عن مشروعه « المواطن براندو »

مسّدتُ رجله المعرورقة ففتح عيناً واحدة وابتسم لي أربعين سنة الى الوراء
 
ريما المسمار شكل رحيل مارلون براندو قبل ثلاثة اعوام خسارة كبرى لن نقول للسينما وانما لتاريخها اذ ان الممثل الثمانيني كان شبه منقطع عن الشاشة خلال العقد الأخير وقليل الظهور منذ مطلع الثمانينات (انجز فيلمين فقط خلال الثمانينات). في حمأة كلمات العزاء والتقدير والاستعادات النقدية لحياته ومسيرته بكلام مرصوف منمق، كان ثمة حلم سينمائي صغير في مكان آخر يتحضر وخسارة انسانية وشخصية يختبرهما المخرج التونسي رضا الباهي. صحيح ان اخبار انجازه فيلماً مع براندو تصدرت الصحف يوم الاعلان عن المشروع في مهرجان كان 2004 الا ان الموضوع تخطى ال »سكوب » بالنسبة الى الباهي. فلم يكن « العنوان » ـ اي حصوله على موافقة براندو للمشاركة في فيلمه ـ ما يعنيه بقدر التجربة التي قاد اليها لاحقاً. وحتى بعد وفاة براندو، لم يزد خبر المشروع السينمائي للباهي عن سطرين نعى العمل الذي أُجهض قبل ان يتنفس. ولكن كما ان مشروع السينمائي التونسي لم يكتفِ يوماً بالعنوان الرنان كذلك لم يمت المشروع بموت براندو. مع اقتراب الذكرى الثالثة لوفاة الممثل (رحل في الاول من تموز/ يوليو 2004) نستعيد مع رضا الباهي ذكرياته عن براندو ومشروعه السينمائي الذي انتقل الى مرحلة ثانية وتصور آخر. براندو وبراندو أكمل رضا الباهي تجربته السينمائية الاخيرة « صندوق عجب » عام 2002 مؤفلماً فصولاً من طفولته وتأثره بالسينما ولاحقاً شبابه. في معنى آخر، ختم « صندوق عجب » مرحلة ما في حياة السينمائي ومهنته بعد مسيرة غنية حفلت بعدد من الافلام التي تركت أثراً في محيطها التونسي والعربي وفي سينماهما ايضاً من مثل « شمس الضباع » (1977) و »الملائكة » (1985). شكل « صندوق عجب » ذروة الحديث عن الذات ليس من منظور استعادي فقط وانما نقدي ايضاً. كان بديهياً بعده أن يكون المشروع التالي في مكانٍ آخر من الذات والفكر والاهتمام للمخرج. مشروع خليط من النضج والجنون والثقة. هكذا شرع بكتابة سيناريو « براندو وبراندو » في العام 2003 مستوحياً احداثه من لقائه شاباً تونسياً يشبه براندو كثيراً. من العنوان اذاً يرشح شيئاً من المضمون: شاب تونسي يشبه براندو في شبابه ويحلم بالسينما. لا يتردد المخرج في ارسال السيناريو الى براندو مرفقاً بصور فوتوغرافية لشبيهه التونسي أنيس الرعّاش ونسخة من فيلمه « شمس الضباع » ورسالة شخصية. لم يكن ذلك من قبيل المغامرة والجنون وانما من باب التجربة. فالسيناريو كا سيُنجز سواءٌ أوافق براندو على المشاركة فيه ام لم يفعل وعندها كان سيخضع لبعض التعديلات الذي يبقي الممثل في الفيلم اسماً وحلماً صعب المنال بالنسبة الى الشاب. كذلك كان خلف الباهي شركة انتاج بريطانية كبرى هي هايمن هوسكنز التي يملكها الممثل بوب هوسكنز والمنتجة نورما هايمن التي اهتمت بالسيناريو. بعد شهرين ونيف، رد براندو بالايجاب وطلب رؤية الباهي. يستعيد المخرج لقاءهما الاول: « دخلت عليه فوجدته يتحدث عبر الهاتف. أشار لي بالجلوس. بعدما أنهى مكالمته وقفت وصافحته ومن ثم وضعت يدي على صدري في حركتي المعتادة. نظر الي وقال انه في العادة يستدعي المخرجين الذين يعرضون سيناريواتهم عليه ليتأكد مما اذا كان سيعمل معهم ام لا. « ولكن في حالتك » قال « سأوافق على الفور ». وسبب ذلك كما يروي الباهي ان براندو أُخذ بحركته بوضع يده على صدره بعد السلام مشيراً الى ان تلك الايماءة في عرف براندو انما تأكيد على الاصالة العربية مستعيداً على مسمعه حكاية لبناني زاره في منزله قبل فترة وحياه « هاي براندو » ضارباً بكفه على كتفه مما اثار الممثل. خلال الجلسة الأولى ايضاً، اشار براندو الى 23 نقطة ضعف في السيناريو طالباً تغييرها. « من بين تلك النقاط أتذكر انه علق على العنوان ونصحني بتغييره لئلا أقع في مشكلات مع الورثة وهو ما كان يعتبره امراً حاصلاً لأنه كان يستشعر دنو الموت منه. كما طلب أن أحذف جملة في مشهد حيث يقول أحدهم للشاب التونسي انه يشبه براندو فيتساءل الشاب: من هو براندو؟ طلب أن أحذف السؤال الأخير. » وذكر له خمس مشكلات تحول دون تحقيق المشروع: « الاولى انني عربي وأشبه العرب والثانية انني لا اتقن الانكليزية والثالثة انني لا أعرف الجاز والرابعة انني اخترت ممثلاً كهلاً مكروهاً (اي براندو) والخامسة ان ما من يهودي من لوس انجيليس يدعمني. جزء من تلك النقاط كان صحيحاً ». ولكن الاعتراض الاكبر لبراندو كان على حبكة الفيلم وأحداثه. « اميركا لن تصنع عمر الشريف آخر » قالها براندو في اشارة الى تركيز السيناريو على حلم الشاب بالتمثيل ولقاء ايقونته « براندو ». بدأت الامور هنا تنجلي. فبراندو المسيّس وجد في سيناريو رضا الباهي ملامح عمل يعبر عن هواجسه تجاه الحروب والظلم واللاعدالة والتي بثها للباهي نفسه متعجباً كيف ان « ثلاثة آلاف اميركي ابيض يحكمون العالم بينما ثمانمئة الف رواندي يُذبحون ولا يتحرك أحد والتسلح لا يثير اهتمام واحد منهم والعنصرية ضد السود مستمرة… ». وهل يمكن أحدا ان ينسى كيف حول حفلة الاوسكار التي كان يُفترض ان يتسلم خلالها جائزته اوائل السبعينات الى منبر احتجاج ضد ابادة الهنود الحمر بإرساله امرأة هندية حمراء نيابة عنه؟ من هنا بدا براندو غير مصدق ان يصنع مخرج عربي فيلماً في اميركا بعد 11 ايلول من دون ان يكون للأخيرة تأثير على الاحداث ومصير الشخصيات. « شراسته في الدفاع عن هذه الفكرة أقنعتني انما لم أقتنع بزج مشاهد مطاردات وأكشن » يقول رضا. من تجمع تفاصيل صغيرة، يخرج السؤال الكبير: هل كانت مشاركة براندو في فيلم الباهي اعلاناً لموقف سياسي؟ الأكيد ان براندو أُعجب بالعمل كما صرح مراراً قبل وفاته. ولكن هنا شيء من أحاديثهما يستعيده الباهي ويعني الكثير. « قال لي ذات مرة انه أول اميركي غير يهودي تبرع بالمال لبن غوريون باليد تحت تأثير صور الهولوكوست. عندما زار لاحقاً بيروت عام 1964 ورأى المخيمات الفلسطينية قال لي « شعرت أنني مسؤول عن كل ذلك ومازلت أشعر بالذنب كلما رأيت جريحاً آو شهيداً فلسطينياً. لقد خُدعت ». في منزل براندو في مولهولاند درايف (الذي اشتراه جاك نيكلسن بعد موت الاول)، أقام رضا الباهي ما يقرب من اسبوعين مشتغلاً مع براندو على السيناريو. « كان حاد الذكاء شديد التعلق بالموسيقى الكلاسيكية التي كانت تصدح في كافة أرجاء المنزل وتجعله يبدو، مع الشموع المتناثرة فيه، كأنه معبد. مراراً أشار الي ان اترك السيناريو جانباً. « اسأل كوبولا » قال لي « أنا من أكتب الحوار » معبراً عن امتنانه للأخير لأنه فكر فيه لدور العراب ». لقد شعرت أمامه مراراً أنني رضا الباهي الذي كان طفلاً في قيروان مسحوراً بالسينما » يتذكر الباهي مستعيداً ذلك المشهد الذي أرجع الممثل الضخم (كان يزن نحو 160 كيلوغراماً في آخر ايامه) والعليل الى صورته الاولى في مخيلة الطفل: « كان وضعه الصحي حرجاً، يتمدد على السرير معظم الوقت ويتنفس بواسطة آلة أوكسيجين. فسألته كيف سنصنع الفيلم بهذا الشيء في اشارة الى الآلة. فما كان منه الا ان خلعها وراح يقرأ علي دور يوليوس قيصر بدون اوكسيجين. ولكنه كان يحتاج الى فترات من النوم خلال النهار، فكنت أحياناً أجلس الى جانب سريره بينما هو غافٍ. وذات مرة كشف لباس النوم عن ساقه المعرورقة. لمستها بيدي ومسدتها ففتح عيناً واحدة وابتسم لي أربعين سنة الى الوراء ». براندو الذي اعتبر أكبر ممثل عرفه القرن العشرون وقاد مسيرة حافلة بالتحولات والتناقضات والغليان الداخلي، تحول ساخراً من نفسه واعماله والسينما في وقت لاحق من حياته آخذاً على المهنة تزلف اهلها وتكالبهم على المادة ومؤثراً اثنين من ممثلي اليوم هما شون بن وجوني ديب. وكان بحسب الباهي « في عالم آخر. اشترط عدم الخروج من منزله في التصوير. لقد اصبح منعزلاً لديه شعور بالاكتفاء معترفاً لي ذات مرة انه مع النساء والجمال والتمثيل وصل الى القمة منذ زمن بعيد وانحدر. قال لي « بيدي هاتين نظفت المراحيض وانا لما اكمل السادسة عشرة. يداي لم تتدثرا بالمخمل. لقد كان لديه شعور بأنه وصل الى آخر التجارب في كل شيء. احساس بتفاهة الاشياء وفقدان طعمها. كذلك كان يشعر بمرارة من ضياع حياته مسراً الي انه لو قدرت له العودة الى الحياة من اولها فسيختار العلم « كيف احول اعشاب البحر غذاءً » ودراسة الكواكب « لقد ضيعت حياتي وهناك اشياء كثيرة لم أعرفها ». المواطن براندو في الاول من تموز 2004 بينما كان رضا الباهي في الطائرة متجهاً الى براندو للقيام بالتحضيرات الاخيرة للتصوير الذي كان من المفترض أن يبدأ بعد ايام، توفي براندو. هذه حال الباهي الذي تتعثر مشاريعه دوماً بأحداث خارجة عن ارادته كمشروعه السينمائي الذي كان يحضر لتصويره في بيروت الصيف الفائت مع الممثل عمر الشريف. لم يكن الخبر مفاجئاً تماماً اذ ان الممثل الكبير كان يتوقع ذلك وألح على رضا مراراً للتعجيل بالتصوير. الا أن معوقات انتاجية بدءاً بمفاوضته على الأجر (طلب في البداية 5 ملايين دولار) فضلاً عن تلكؤ المنتجة نورما هايمن في اطلاق المشروع معتبرة ان براندو انما يبالغ في الحاحه، أجهض المشروع تماماً. عندها قرر المخرج سحب مشروعه من الشركة البريطانية وسأل نفسه مراراً: لماذا أكمل بالمشروع بعد موت براندو؟ غير ان التجربة الانسانية التي عاشها في مرحلة التحضير كانت الدافع الى تفكيره في المشروع مجدداً والانتقال الى مرحلة ثانية. جاء ذلك في وقت كانت التجربة الانسانية التي عاشها رضا مع براندو قد فاقت بأشواط المشروع المهني. « لقد تخطيت مشروع الفيلم وما بقي من معايشتي لذلك العملاق خلال فترات لقائنا هو الاهم بالنسبة الي ». بين السيناريو المتخيل عن شبيه لبراندو يحلم بلقياه وتجربة الباهي الشخصية في التحضير للفيلم وتقربه من براندو، اتخذ الفيلم بعيد وفاة الاخير منحى « الدوكيودراما » اي المزيج من الوثائقي والمتخيل وانتقلت مهام الانتاج الى « عاليا فيلمز » التونسية و »روتانا » و »ايميج ريسورس » الفرنسية. في الجزء المتخيل، تدور الأحداث حول شاب تونسي يغويه ممثل أميركي مثلي (يلعب دوره كريستوفر وولكن) بالذهاب الى اميركا بحثاً عن الشهرة التي يوفرها له شكله الجميل وشبهه الشديد بمارلون براندو. ولدى وصوله، تبدأ رحلة المشقات بدءاً بملاحقة مكتب التحقيقات الفيدرالي له وانتهاءً بعدم قدرته على مقابلة براندو الذي يتوفى قبل الموعد المحدد بينهما. اما في الشق الوثائقي، فسيروي الباهي بصوته رحلة المشروع وكواليسه وتجربته مع براندو من خلال جلساتهما المسجلة صوتياً. بدأ تصوير المشروع بالفعل العام الفائت بعنوان جديد هو « المواطن براندو » وهو الآن وحتى لحظة كتابة هذه السطور اكتمل بالاجزاء المصورة في تونس وفرنسا التي هي بمعظمها تشكل الجزء المتخيل من الفيلم. اما الجزء التوثيقي الذي سيُصور في لوس أنجيليس في بيت براندو فسيبدأ العمل عليه ايلول/ سبتمبر المقبل. لقد كان حلم رضا الباهي أن يعيد العملاق براندو الى السينما التي صنع جزءاً غير يسير من مجدها بحضوره الأخاذ اولاً ونموذج الشاب الاميركي المتمرد ثانياً. فمنذ ظهوره في دور « ستانلي » في مسرحية تينيسي ويليامز « عربة تدعى الرغبة » اواخر الاربعينات، منذ تلك اللحظة، بدا العالم متأهباً لاستقبال موهبة بحجم اسطورة. لقد بدا واضحاً ان براندو يأتي من خارج عباءة المصنفين كبار الممثلين وقتذاك. فهو ليس الصورة الرومنسية للبطل « المتمرد » الذي يعيش بموجب نظامه الخاص انما من دون الخروج على النظم الاخلاقية السائدة. حتى تلك معادلة من نوع آخر. اما براندو فلم يعمل بموجب اية معادلة، حتى انه يصعب القول انه اوجد معادلته الخاصة. فهو متبدل باستمرار، يعمل وفقاً لغرائزه ولحالاته النفسية وانطلاقاً من عدم اكتفاء وشك ذاتيين. من هنا كان قول نيكلسن انه حرر الممثل رامزاً الى اسلوب تمثيلي من ملامحه تخطي التشخيص الى قراءة ذاتية وشخصية، تضفي على الدور طزاجة وعفوية وتردد بدلاً من الثبات والثقة السائدة وقتذاك. بذلك اعتُبر براندو متمرداً وخطراً ومجازفاً، يحمل المشاهد الى تجربة حسية وعاطفية غير محسوبة النتائج. وفي شكل ما، اعتُبرت تلك المواصفات تسير في عكس المزاج العام الذي ساد بداية النصف الثاني من القرن العشرين قبيل الحرب العالمية الثانية، اي المزاج لكل ما هو آمن ومؤكد ولعله المزاج القائم الى يومنا هذا والمتمثل في انتاجات هوليوود السائدة. في ادواره السينمائية اللاحقة، عمق براندو الفجوة بينه وبين النظم السائدة مؤسساً لصورة بطل جديد، وصفها كازان بالقول ان براندو بأسلوب ادائه « يتحدى نظام التهذيب والطبيعة الانسانية الطيبة والاخلاق وكل ما هو سائد. » فهو الممثل الاوحد ربما الذي يتجاوز افلامه وادواره اهمية بينما يسطع كل دور من ادواره القليلة نسبياً حياةً كاملة. إذ تكمن المفارقة في قيام إرثه السينمائي على حفنة قليلة من الادوار المتميزة والكثير الكثير من الافلام العادية ودون العادية التي قاومت السقوط في ذاكرة النسيان بفضل ظهوره فيها. ولكن الباهي خرج بما هو أكثر مكافأة وأشد تأثيراً. لقد خرج بنظرته الخاصة عن براندو الانسان والممثل وهو ما سيظهر في « المواطن براندو » الذي يستوحي عنوانه من « المواطن كاين » الموت الذي يخلف وراءه لغزاً يصعب الاحاطة به. (المصدر: صحيفة « المستقبل » (يومية – لبنان) الصادرة يوم 25 جوان 2007)

ملف من إعداد موقع وكالة الأخبار الإسلامية « نـبـأ »

المخطط الأمريكي لتغيير مناهج التعليم في العالم الإسلامي

 
لقد قدر للإسلاميين بعد حوادث 11 أيلول 2001، وبعد حرب أفغانستان أن يكونوا العدو رقم واحد للإدارة الأمريكية، وأن تعمل الإدارة إيّاها على تجفيف منابعهم كطريق أنجح للقضاء عليهم، وأيسر طريق لتجفيف المنابع هو البرامج التعليمية الدينية في المدرسة الرسمية (التربية الإسلامية) والمعاهد الشرعية وكليات الشريعة ونحوها، بغية القضاء على الإسلاميين أنفسهم أيديولوجياً، أسوة بالتجربتين التونسية والتركية. والحق أن تونس كانت سباقة في خطة القضاء على الإسلاميين عبر القضاء على منابعهم ومنابتهم نفسها التي هي الفكر الإسلامي والكتاب الإسلامي، فشنت حملة « تفتيش جهنمية » على غرار محاكم التفتيش في إسبانيا وعموم أوروبا في القرون الوسطى. فوضع الحزب الحاكم هناك « التجمع الدستوري الديمقراطي » خطة لمحاربة المد الإسلامي وحركة النهضة الإسلامية خصوصاً. ولم تكتف هذه الخطة بآليات المواجهة الفكرية والأيديولوجية للتيار الإسلامي، بل تعدته إلى انغماس أجهزة الدولة المختلفة في حملات تفتيش حقيقية مست كافة قطاعات التدين ومجالاته، وطالت الإسلام نفسه بدل الحركة الإسلامية بما هي إسلام سياسي مكافح. ومن هذه الإجراءات: – منع الحجاب الإسلامي بموجب منشور (108)، في الجامعات والمدارس والإدارات العامة وملاحقة أعوان البوليس للمتحجبات حتى في بيوتهن وفي الشوارع. ولا يزال هذا الأمر ساري المفعول حتى الآن. – شكلت لجنة عليا لمحاربة الكتاب الإسلامي بزعامة مثقف شيوعي متطرف (أنس الشابي)، ومصادرة الكتاب الإسلامي من جميع المكتبات ومعارض الكتب وحتى البيوت. ويسري المفعول نفسه على المطبوعات الإسلامية الأخرى حتى غدت تونس في التسعينات البلد الوحيد في العالم تقريباً الذي لا تدخله أية مجلة أو جريدة إسلامية. – تعميم نوادي الرقص المختلط في المدن والأحياء وتشجيع الرذيلة والعلاقات المحرّمة وباقي الملذّات. – حظر الدروس الدينية المختلفة (بما فيها تجويد القرآن) في المساجد وذلك بموجب « قانون المساجد » الصادر عن مجلس الوزراء مباشرة وينفذ بإشرافه. – إلغاء المصليات والمساجد المنشأة في الدوائر الخاصة والعمومية مثل المصانع والمعاهد والجامعات والإدارات والمؤسسات المختلفة. – فتح المهاجع الجامعية المختلطة، مما أدّى إلى وقوع كوارث جنسية وخلقية في الجامعات التونسية فظيعة، وصل إلى حدّ توزيع « العازل المطاطي » جهاراً نهاراً على الطلاب والطالبات. – أما فيما يخصّ التعليم الديني فقد عيّن وزيراً للتربية شيوعي متطرف هو محمد الشرفي، الذي قام بتغيير مناهج التربية الإسلامية في كافة القطاعات التعليمية وصولاً إلى جامعة الزيتونة، التي شهدت قطيعة معرفية ومنهجية حقيقية عن جامعة الزيتونة التاريخية. وقد ركزت لجان تغيير البرامج في القطاعات والاختصاصات كافة، وفيما يخص مادة التربية الإسلامية، على: ** النزعة التي تنحو منحى التشكيك في كل شي‏ء بما في ذلك المعلوم من الدين بالضرورة، مثل الأنبياء والعصمة والملائكة والقرآن والسنّة ونحوها من مسائل غيبية. ** استبعاد المسائل الشرعية والفكرية الإسلامية التي لها علاقة بالفكر السياسي الإسلامي، مثل الحكم والخلافة وحاكمية الشريعة ونحو ذلك. ** إظهار التاريخ الإسلامي السياسي بمظهر الصراع اللانهائي على السلطة والقتل والخداع والمكيافيلية في سبيل « الكرسي » والحفاظ على العرش حتى ولو سخّر الدين ووظفت آلياته ومخزوناته في سبيل ذلك. ** التركيز على علم الكلام بما هو فرق إسلامية متناحرة وتقاتل مذهبي حول مسائل « بيزنطية فارغة » لا طائل منها في الدين ولا في الدنيا. وتالياً، ينشأ الطالب متشككاً حائراً ينظر إلى تراثه الإسلامي وإلى تاريخ الإسلام والمسلمين كعنوان عريض للتقاتل والتناحر و »الدروشة » والتقليد ومحاربة الاجتهاد والمجتهدين. يمكن الإطلاع على الملف كاملا من خلال الرابط التالي: http://www.islamicnews.net/Common/ViewItem.asp?DocID=54199&TypeID=5&ItemID=767 (المصدر: موقع وكالة الأخبار الإسلامية- نبأ (مصر)، تصفح يوم 25 جوان 2007)

إسلاميو موريتانيا يتسلمون وصلاً أولياً بحزب
 
تسلم الاصلاحيون الوسطيون (التيار الإسلامي) في موريتانيا من وزارة الداخلية وصلا أوليا بحزب سياسي تم ايداعه رسميا لدى السلطات الثلاثاء الماضي. ويحمل الحزب اسم “التجمع الوطني للإصلاح”، ويضم مكتبه التنفيذي نحو 40 شخصية برئاسة القيادي محمد جميل منصور ونيابة محمد غلام وعمر الحاج محمود باه، فيما تشكل المجلس الوطني للحزب من نحو 150 شخصية بارزة. واحتلت النساء الإسلاميات مكانة ملحوظة في تشكيلة الحزب الجديد، ومنهن الدكتورة ياي أنضو، عمدة بلدية “تفرغ زينة” في نواكشوط، ولمنية بنت كاية اقتصادية، والنائبة زينب بنت الددة. وينص القانون على أن وزارة الداخلية تبت رسميا في الاعتراف بالحزب السياسي بعد 60 يوما من إيداع ملفه.  (المصدر: صحيفة « الخليج » (يومية – الشارقة) الصادرة يوم 25 جوان 2007)

حزب أردوغان يتعهد بتقليص صلاحيات الرئيس
 
إستانبول (تركيا) – رويترز – كشف حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم عن برنامجه الانتخابي، متعهدا بتقليص صلاحيات الرئيس في إجراء قد يسبب عدم ارتياح للمؤسسة العلمانية. وأوضح الحزب في برنامجه الذي كشف النقاب عنه أمس الأحد أنه سيعدل الدستور، ولكنه سيفعل هذا من خلال « أوسع توافق اجتماعي.. وفي هذا السياق يتعين إعادة تحديد منصب الرئيس وصلاحياته ». ونقلت وكالة أنباء الأناضول الرسمية في تركيا عن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قوله: « إن هذا سيعني إضعاف دور الرئيس، فعندما نقول هذا نعني تقليص هذه الصلاحيات والعمل على إقامة نظام برلماني تتقلص فيه هذه الصلاحيات ». وقال البرنامج: « مع اقترابنا من الذكرى المئوية لقيام الجمهورية تستحق بلادنا دستورا قائما على إجماع مدني »، خاصة أن دستور تركيا الحالي وضع بعد انقلاب عسكري وقع عام 1980. وأشار البرنامج إلى أن الحزب يعتزم إجراء إصلاحات قضائية أيضا، مؤكدا أن « الحكم المستقل وغير المنحاز شرط مسبق لإقامة العدل ». صلاحيات مهمة وبرغم أن منصب الرئاسة في تركيا يعد منصبًا شرفيًّا فإنه يعطي صاحبه بعض الصلاحيات المهمة، ومنها وجوب تصديقه على بعض القرارات والقوانين المهمة حتى تصبح سارية المفعول، كما أنه هو المسئول عن تعيين كبار القضاة وعمداء الجامعات، وهو أيضًا القائد الأعلى للقوات المسلحة التركية. وفي هذا الإطار عرقل الرئيس أحمد نجدت سيزر كثيرا من مبادرات الحزب الحاكم ذي التوجه الإسلامي. وينظر إلى الرئاسة على أنها حصن للعلمانية، ويقول بعض المحللين السياسيين إن أي خطوة ترمي إلى إضعاف دورها قد تؤدي إلى رد فعل شديد من جانب المؤسسة العلمانية التي تضم الجيش وأجزاء من السلطة القضائية. واضطر الحزب الذي يتمتع بأغلبية في البرلمان إلى الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة بعد أن أفشلت المعارضة العلمانية انتخاب عبد الله جول – وزير الخارجية ومرشح الحزب الحاكم – كرئيس لتركيا داخل البرلمان، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني للتصويت على انتخابه، وهو ثلثا أعضاء البرلمان من أصل 550 نائبا، بحسب حكم للمحكمة العليا بتركيا. وحاول الحزب منذ ذلك الحين تعديل الدستور حتى ينتخب الرئيس في انتخابات عامة وليس في البرلمان، لكنه لقي معارضة من سيزر أيضا. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب العدالة والتنمية سيعود إلى السلطة بأغلبية بعد الانتخابات العامة التي ستجرى يوم 22 يوليو. وللعدالة والتنمية 353 مقعدا في البرلمان الحالي بنسبة 64% من إجمالي 550 مقعدا، في حين تتوزع باقي المقاعد كالتالي: الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي (152 مقعدا)، حزب الوطن الأم، يمين الوسط (20)، حزب الطريق الصحيح (4)، الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي والحزب الشاب لكل مقعد واحد، إضافة إلى 10 أعضاء مستقلين. (المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (القاهرة – الدوحة) بتاريخ 25 جوان 2007)

حجاب إبنة عبد الله جول يثير أزمة في تركيا
 
بدأ « مجلس التعليم العالي » تحقيقا ضد « جامعة بيلكنت » لسماحها لابنة عبد الله جول – وزير الخارجية التركية – بالمشاركة في حفل تخرجها من الجامعة وهي مرتدية الحجاب . أعرب المجلس عن « بالغ الاستياء » من تجاهل الجامعة للحجاب الذي كانت ترتديه ابنة وزير الخارجية حينما تسلمت شهادة تخرجها في قسم الهندسة الصناعية الأسبوع الماضي.واتهم « مجلس التعليم الأعلى » الجامعة بإخلالها بالقوانين الدستورية ، وقرر فتح تحقيق ضدها . شاركت إبنة عبد الله جول وتدعى « كوبرا » في مراسم التخرج بالحجاب رغم أنها كانت ترتدي شعرا مستعارا طيلة أربع سنوات من دراستها في الجامعة بسبب الحظر المفروض على الحجاب. يذكر أن ارتداء الحجاب محظور في المدارس والجامعات التركية بحجة جعل المدارس والجامعات خالية من التأثير الديني..كنوع من الولاء للفكر العلماني الذي بذر بذوره العلماني كمال أتاتورك. (المصدر: وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ) (القاهرة – مصر) بتاريخ 24 جوان 2007) 


أدونيس والوهابية: عود علي بدء!
 
صبحي حديدي (*) كتب أدونيس، في صحيفة الحياة اللندنية السعودية، يردّ علي افتتاحية الدكتور سماح إدريس في شهرية الآداب اللبنانية، والتي تنتقد موقف أدونيس من أفكار الإمام محمد بن عبد الوهاب. وفي الردّ اعتبر أدونيس أنّ إدريس يفعل كما فعل من قبل أصدقاؤه الثوريون، بروحٍ سلفيّة، والسلفيون بعباءةٍ ثورية ، دون أن يذكر أيّ اسم، ممّا دعا إدريس (محقاً، في تقديري) إلي أن يبادر فيسعف القاريء بتسمية اثنين من أفراد هذه الفئة الباغية: الدكتور صبري حافظ، وكاتب هذه السطور. وسأل إدريس، مخاطباً أدونيس: لماذا لم تُجِبْ إلي هذه اللحظة عن الأسئلة التي طرحها عليك في الآداب ، قبل 12 عاماً، منتقداك الدكتوران صبري حافظ وصبحي حديدي (الذي تخاله، من دون أن تسميه، صديقي مع أنّني لم أره ولم أتحدث إليه يوما)؟ إنْ كنتَ قد نسيتها فسأختصرُها لك هنا: كيف تُدْرج، يا عزيزي، الإمام بن عبد الوهاب ضمن فكر النهضة وهو الذي حرّم أنواعاً من الموسيقي، وسوّغ الحجاب، وأفتي بما لا يحصي من الممارسات الرجعية… إلاّ إذا كانت الرجعية مرادفةً للنهضة؟ … وسواء كان أدونيس يضعني حقاً في تلك الفئة، وهذا ما أرجّحه بقوّة، أو يقصد سواي، فإنّ الإتيان علي اسمي يحتّم عليّ العودة إلي بعض تفاصيل ذلك الملفّ المحزن، أدونيس والوهابية، الذي كنت أظنّ أنّ الشاعر الكبير قد طواه بعد 12 سنة. وأبدأ بالقول إنني كنت، في حدود ما أعلم، أوّل مَن اثار حكاية قيام أدونيس وخالدة سعيد باختيار وتقديم نصوص من محمد بن عبد الوهاب، وذلك في هذه الزاوية من صحيفة القدس العربي ، أواخر العام 1994. وكانت المختارات قد صدرت في بيروت سنة 1983، عن دار العلم للملايين، ضمن مشروع بعنوان ديوان النهضة ضمّ مختارات من معروف الرصافي وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده ورشيد رضا وجميل صدقي الزهاوي. وقد تساءلت يومذاك عن أمرين: ـ كيف يبرّر أدونيس إدراج العقيدة الوهابية في فكر النهضة؟ ـ لماذا رفض ـ ويرفض حتي اليوم في الواقع ـ إدراج الكتاب ضمن لائحة أعماله وترجماته ومختاراته؟ ثمّ شهدت مجلة الآداب ، صيف 1995، سجالاً حول الأمر بدأ من أدونيس، وشارك فيه رئيس تحرير المجلة والدكتور صبري حافظ وكاتب هذه السطور. وقد أوضح أدونيس أنّ مقدّمته تلك ليست إلا فصلاً من كتاب الثابت والمتحوّل ، وإذا كانت قد صدرت في سلسلة النهضة فإنه أوّل من نقد تلك التسمية، ودعا إلي تغييرها ، مضيفاً: قدّمت الوهابية بموضوعية كاملة (…) وقد طرحت عليها، بعد عرضها، أسئلة تُظهر مدي الخلل فيها ومدي انفصالها عن الواقع المعيشي الحيّ . والحقّ أنّ أدونيس، كما ساجلت يومذاك، لم يكن يضيف جديداً بقدر ما يزوّدنا بمادّة لتساؤلات إضافية: 1 ـ أن تكون مقدّمته فصلاً من الثابت والمتحوّل (وهي كذلك بالفعل، إذْ يحيلنا أدونيس إلي الطبعة الرابعة، 1994!)، أمر لا يغيّر من حقيقة أنها نُشرت قبلئذ في سلسلة النهضة، ثمّ أدخل عليها أدونيس جملة تعديلات تناسب المقام، أوضحت بعضها في حينه ولن أعود إليها مجدداً، إلا في مثال واحد: في الكتاب يقول أدونيس إنّ التقدّم في الإسلام، علي الصعيد اللاهوتي، ليس أفقياً بل عمودي ، وفي المقدّمة يقول إنّ التقدّم في الإسلام، علي الصعيد اللاهوتي، ليس أفقياً أو عمودياً، بل دائري ! كيف، في غضون زمن قصير قياسي، كان التقدّم الإسلامي عمودياً، فانقلب إلي دائري؟ 2 ـ أين، في المقدّمة، نعثر علي أسئلة أدونيس التي تُظهر مدي الخلل في النظرية الوهابية، و مدي انفصالها عن الواقع المعيشي الحيّ ؟ أقصي ما تنطوي عليه تلك الأسئلة هو غمغمة غامضة حول التاريخ والتقدّم ووثنية المال والواحد السياسي، وليس فيها أيّ موقف نقدي ملموس، وهي لا تشير قطعاً إلي خلل أو انفصال عن الواقع. وفي جميع الأحوال، ليس ثمة التباس في العبارة التصالحية الأخيرة التي تختتم المقدّمة: هذه تساؤلات ليست أسئلة ، إذاً؟ لا تقلل في شيء أهمية التصانيف التي تركها الإمام محمد بن عبد الوهاب. وليس هذا مما تهدف إليه . 3 ـ أين، في المقدّمة أو في أيّ مقام آخر، نقرأ نقد أدونيس لتسمية النهضة أو اعتراضه (الذي يتوجب، والحال هذه، أن يكون واضحاً صريحاً بلا غمغمة) علي إدراج العقيدة الوهابية في أيّ فكر نهضوي؟ ولماذا لم يُسجّل هذا النقد في المكان الأبرز اللائق به، أي في المقدّمة ذاتها؟ 4 ـ في المقابل، ولضرب مثال واحد جوهري، هل من النقد أو الاعتراض، ام التبرير والتجميل والتهذيب، أن يساجل أدونيس بأنّ وراء تحريم الإمام للصورة رؤيا دينية ـ ميتافيزيقية، وأنّ هذه المسألة ليست محصورة في حدود الشرع، كما يذهب بعضهم، وليست مسألة تفسير متزّمت أو ضيّق للدين، كما يري البعض الآخر ؟ أليس عجيباً أن ينفي عن تحريم الصورة أيّ تزمت أو تفسير ضيّق للدين؟ أليس مدهشاً أن يري في التحريم رؤيا … هكذا، ليس أقلّ؟ بل يذهب أبعد، إلي حيث لم يتجاسر أيّ من أنصار الإمام أنفسهم، فيحدّد معني الجمال والقيمة الجمالية في الإسلام كما يلي، بل ويشدّد علي الكلمات بالحرف الأسود: الجميل في الإسلام هو ما لا يمكن تصويره. هو ما يفلت من الحسّية، وما يتخطّي الإدراك الحسّي. الجميل متعالٍ سامٍ، لا يمكن احتواؤه في أيّ شكل محسوس، ولا يمكن أن يخضع لمعيارية الحواسّ ؟ وأمّا ذروة هذه السفسطة في تأويل أفكار الإمام، فهي ختام الفقرة: وهذا يعني، فنّياً، أنّ القيمة الجمالية ليست في الصورة أو الشكل ، وإنما هي في المعني ، وأنّ الجمالية هي في اللانهائية التي لا تُصوَّر، أو هي في ما لا يتشكّل . ويعني، تقويمياً، أنّ الجميل هو ما يقول الشرع إنه جميل . لله درّ إمام الحداثة المعاصرة! ما الذي أبقاه لنا، نحن معشر الثوريين بروحٍ سلفيّة، والسلفيين بعباءةٍ ثورية؟ (*) كاتب سوري مقيم في باريس (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 25 جوان 2007)

 

 

Home – Accueil الرئيسية

Lire aussi ces articles

27 décembre 2008

Home – Accueil TUNISNEWS 8 ème année,N° 3140 du 27.12.2008  archives : www.tunisnews.net     Reuters: Offensive israélienne dans la bande

En savoir plus +

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.